الحجة للقراء السبعة

أبو علي الفارسي

[مقدمة التحقيق]

[مقدمة التحقيق] المقدّمة بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيّما. كتابا ختم به الكتب، وأنزله على نبيّ ختم به الأنبياء، بدين شامل ختم به الأديان، صلى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الواعين الذين حفظت صدورهم وسطّرت أقلامهم ما تنزل على نبيّهم من ربّه، ونقلوه لمن بعدهم كما حفظوه وسطروه، ونفوا عنه تحريف الغالين، وتأويل المبطلين. وبعد، هذا كتاب الحجّة للقرّاء السبعة أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم ابن مجاهد في كتابه، نقدّمه للقرّاء في ثوب جديد وإخراج مشرق، وقد يئس المتلهفون إلى رؤيته من استكماله وذلك بعد مرور ثمانية عشر عاما على صدور جزئه الأول عن دار الكتاب العربي في القاهرة. نقدم على طبعه ونشره مستعينين بالله على إتمامه، سائلين إياه أن يلقى القبول لدى المهتمين بكتاب الله عزّ وجلّ ولغته، راجين أن يجنّبنا الزلل، ويلهمنا الصواب في القول والعمل. وقد جرت العادة في التحقيق والتأليف أن يقدم المحقق أو المؤلّف بين يدي كتابه مقدمة تكون بمثابة نافذة على الكتاب ومفتاح له، تمهّد لفهمه وتعطي القارئ نظرة شاملة وإلمامة سريعة عجلى، فيترجم للمؤلف، ويكشف النهج الذي سلكه، وخاصة إن كانت مقدمة الكتاب على النحو المقتضب الذي قدّمه الفارسي لكتابه هذا، كما توقف القارئ على الخطة التي التزمها المحقق في إبراز هذا المؤلّف والطريقة التي سلكها في إخراجه ونشره.

الأحرف السبعة

وقد رأيت قبل الحديث عن المؤلّف والكتاب أن أمهّد له بما يتصل بالموضوع ويحسن بالقارئ الاطّلاع عليه والإفادة منه، فأسوق جوابا لأسئلة تتعلق بقوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث المتفق عليه: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» «1» ثم أذكر شروط القراءة الصحيحة. 1 - ما سبب ورود القرآن على سبعة أحرف؟ سبب وروده على سبعة أحرف هو التخفيف على هذه الأمة، وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة، وإجابة لقصد نبيّها أفضل الخلق حيث أتاه جبريل فقال له: «إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، فقال صلّى الله عليه وسلّم: أسأل الله معافاته ومعونته، إن أمتي لا تطيق ذلك» ولم يزل يردّد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف. وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يبعثون إلى قومهم الخاصين بهم، والنبي صلّى الله عليه وسلّم بعث إلى جميع الخلق أحمرها وأسودها، عربيّها وعجميّها، وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفة، وألسنتهم شتّى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج، لا سيما الشيخ والمرأة، ومن لم يقرأ كتابا، فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع. قال ابن قتيبة في كتاب المشكل: فكان من تيسير الله تعالى أن أمر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم: فالهذلي يقرأ (عتّى حين) يريد: (حتى حين) لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها، والأسدي يقرأ: تعلمون، وتعلم. وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران/ 106] وإِذا قِيلَ لَهُمْ [البقرة/ 11] وَغِيضَ الْماءُ [هود/ 44] بإشمام الضم مع الكسر وهذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا [يوسف/ 65] بإشمام الكسر مع الضم، وما لَكَ لا تَأْمَنَّا بإشمام الضم مع الإدغام، وهذا ما لا يطوع به كل لسان. ولو أن كل فريق أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه، أن يجعل لهم متسعا في اللغات، ومتصرفا في الحركات كتيسيره عليهم في الدين «2»».

_ (1) ملخصة من كتاب النشر للجزري. (2) تأويل مشكل القرآن 39 - 40.

2 - معنى الأحرف:

2 - معنى الأحرف: قال أهل اللغة: حرف كل شيء، طرفه ووجهه، وحافته وحده وناحيته والقطعة منه. والحرف أيضا: واحد حروف التهجّي، كأنه قطعة من الكلمة. قال الحافظ أبو عمرو الداني: معنى الأحرف التي أشار إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم هاهنا يتوجه إلى وجهين: أحدهما: أن يعني أن القرآن أنزل على سبعة أوجه من اللغات، لأن الأحرف جمع حرف في القليل، كفلس وأفلس. والحرف قد يراد به الوجه، بدليل قوله تعالى: يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج/ 11] فالمراد بالحرف هنا الوجه، أي على النعمة والخير وإجابة السؤال والعافية، فإذا استقامت له هذه الأحوال اطمأن وعبد الله، وإذا تغيرت عليه، وامتحنه بالشدّة والضر ترك العبادة وكفر، فهذا عبد الله على وجه واحد، فلهذا سمّى النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الأوجه المختلفة من القراءات، والمتغاير من اللغات أحرفا، على معنى أن كل شيء منها وجه. والوجه الثاني من معناها: أن يكون سمى القراءات أحرفا، على طريق السعة، كعادة العرب في تسميتهم الشيء باسم ما هو منه، وما قاربه وجاوره، وكان كسبب منه، وتعلق به ضربا من التعلّق، كتسميتهم الجملة باسم البعض منها، فلذلك سمى صلّى الله عليه وسلّم القراءة حرفا، وإن كان كلاما كثيرا من أجل أن منها حرفا من غير نظمه، أو كسر، أو قلب إلى غيره، أو أميل، أو زيد أو نقص منه، على ما جاء في المختلف فيه من القراءة. فسمى القراءة إذا كان ذلك الحرف فيها حرفا، على عادة العرب في ذلك واعتمادا على استعمالها. قلت: وكلا الوجهين محتمل، إلا أن الأول محتمل احتمالا قويا في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة أحرف» أي: سبعة أوجه وأنحاء. والثاني محتمل احتمالا قويا في قول عمر رضي الله عنه في الحديث: سمعت هشاما يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أي: على قراءات كثيرة. وكذا قوله في الرواية الأخرى: سمعته يقرأ فيها أحرفا لم يكن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم أقرأنيها. فالأول غير الثاني، كما يأتي بيانه.

3 - ما المقصود بهذه السبعة؟

3 - ما المقصود بهذه السبعة؟ اختلف العلماء في المقصود بهذه السبعة مع إجماعهم على أنه ليس المقصود أن يكون الحرف يقرأ على سبعة أوجه «1»، نحو: «أف، وجبريل، وأرجه، وهيهات، وهيت» وعلى أنه لا يجوز أن يكون المراد هؤلاء السبعة القرّاء المشهورين، وإن كان يظنه بعض العوّام، لأن هؤلاء السبعة لم يكونوا خلقوا ولا وجدوا. وأول من جمع قراءاتهم أبو بكر بن مجاهد في أثناء المائة الرابعة. وأكثر العلماء على أنها لغات، ثم اختلفوا في تعيينها. ثم يناقش ابن الجزري هذا القول ويعرض غيره من الآراء ثم يردّها. 4 - ما وجه كونها سبعة دون أن تكون أقل أو أكثر؟ قال الأكثرون: إن أصول قبائل العرب تنتهي إلى سبعة، أو أن اللغات الفصحى سبع، وكلاهما دعوى. وقيل: ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص، بل المراد السعة والتيسير، وأنه لا حرج عليهم في قراءته بما هو من لغات العرب من حيث إن الله تعالى أذن لهم في ذلك، والعرب يطلقون لفظ السبع والسبعين والسبعمائة ولا يريدون حقيقة العدد بحيث لا يزيد ولا ينقص، بل يريدون الكثرة والمبالغة، من غير حصر، قال تعالى: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) و (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) وقال صلّى الله عليه وسلّم: في الحسنة: «إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة». وهذا جيد لولا أن الحديث يأباه، فإنه ثبت في الحديث من غير وجه أنه لمّا أتاه جبريل بحرف واحد قال له ميكائيل: استزده، وأنه سأل الله تعالى التهوين على أمته، فأتاه على حرفين، فأمره ميكائيل بالاستزادة، وسأل الله التخفيف، فأتاه بثلاثة. ولم يزل كذلك حتى بلغ سبعة أحرف. وفي حديث أبي بكرة: «فنظرت إلى ميكائيل فسكت، فعلمت أنه قد انتهت العدّة» فدلّ على إرادة حقيقة العدد، وانحصاره.

_ (1) انظر غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 159.

5 - هل هذه السبعة الأحرف متفرقة في القرآن؟

ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه، وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله، وذلك أني تتبّعت القراءات صحيحها وشاذّها، وضعيفها ومنكرها، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها. وذلك إما: " 1 - في الحركات بلا تغيّر في المعنى والصورة، نحو: (البخل) بأربعة و (يحب) بوجهين. " 2 - بتغيّر في المعنى فقط نحو: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) وإمة. " 3 - في الحروف بتغيّر المعنى لا الصورة نحو: (تبلوا، وتتلوا. وننحّيك ببدنك لتكون لمن خلفك- وننجّيك ببدنك). " 4 - عكس ذلك نحو: (بصطة وبسطة، والصراط والسراط). " 5 - بتغيرهما- أي: المعنى والصورة- نحو: (أشدّ منكم ومنهم. ويأتل ويتأل. و: فامضوا إلى ذكر الله). " 6 - في التقديم والتأخير نحو: (فيقتلون ويقتلون) (وجاءت سكرة الحق بالموت). " 7 - في الزيادة والنقصان نحو: (وأوصى- ووصى. والذكر والأنثى). فهذه سبعة أوجه لا يخرج الاختلاف عنها، وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام، والروم والإشمام، والتفخيم والترقيق، والمد والقصر، والإمالة والفتح، والتحقيق والتسهيل، والإبدال والنقل مما يعبّر عنه بالأصول فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى، لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا، ولئن فرض فيكون من الأول. ثم رأيت الإمام الرازي حاول ما ذكرته ... ثم وقفت على كلام ابن قتيبة «1» وقد حاول ما حاولنا بنحو آخر. ثم لخّص كلامهما واستدرك على ابن قتيبة. 5 - هل هذه السبعة الأحرف متفرقة في القرآن؟ لا شك عندنا في أنها متفرقة فيه، وفي كل رواية وقراءة باعتبار ما قررناه

_ (1) انظر تأويل مشكل القرآن ص 36 - 38.

6 - هل المصاحف العثمانية مشتملة عليها؟

في وجه كونها سبعة أحرف، لا أنها منحصرة في قراءة ختمة وتلاوة رواية، فمن قرأ ولو بعض القرآن بقراءة معينة، اشتملت على الأوجه المذكورة فإنه يكون قد قرأ بالأوجه السبعة التي ذكرناها، دون أن يكون قرأ بكل الأحرف السبعة. 6 - هل المصاحف العثمانية مشتملة عليها؟ أما كون المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة، فإن هذه مسألة كبيرة اختلف العلماء فيها: فذهب جماعات من الفقهاء والقرّاء والمتكلمين إلى أن المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة. وبنوا ذلك على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الحروف السبعة التي نزل القرآن بها، وقد أجمع الصحابة على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر وعمر، وإرسال كل مصحف منها إلى مصر من أمصار المسلمين، وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك. قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة، ولا أن يجمعوا على ترك شيء من القرآن. وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلّى الله عليه وسلّم على جبرائيل عليه السلام، متضمنة لها، لم تترك حرفا منها. قلت- أي: ابن الجزري-: وهذا القول هو الذي يظهر صوابه لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له. 7 - هل القراءات التي يقرأ بها اليوم في الأمصار جميع الأحرف السبعة أم بعضها؟ إن هذه المسألة تبتنى على الفصل المتقدم، فإن من عنده لا يجوز للأمة ترك شيء من الأحرف السبعة يدّعي أنها مستمرة النقل بالتواتر إلى اليوم، وإلّا

تكون الأمة جميعها عصاة مخطئين في ترك ما تركوا منه، كيف وهم معصومون من ذلك؟ وأنت ترى ما في هذا القول، فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة، والثلاثة عشر بالنسبة إلى ما كان مشهورا في الأعصار الأول قلّ من كثر، ونزر من بحر، فإن من له اطّلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين وذلك أن القرّاء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين من السبعة وغيرهم، كانوا أمما لا تحصى، وطوائف لا تستقصى، والذين أخذوا عنهم أيضا أكثر وهلمّ جرّا. فلما كانت المائة الثالثة واتسع الخرق وقل الضبط، وكان علم الكتاب والسنّة أوفر ما كان في ذلك العصر، تصدى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءات، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب: أبو عبيد القاسم بن سلّام، وجعلهم فيما أحسب خمسة وعشرين قارئا مع هؤلاء السبعة، وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين. وكان بعده أحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية جمع كتابا في قراءات الخمسة من كل مصر واحد وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائتين. وكان بعده القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون ألّف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماما منهم هؤلاء السبعة توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وكان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري جمع كتابا حافلا سمّاه «الجامع» فيه نيّف وعشرون قراءة توفي سنة عشر وثلاثمائة، وكان بعيده أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني، جمع كتابا في القراءات وأدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة، وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وكان في أثره أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، وروى فيه عن هذا الداجوني وعن ابن جرير أيضا، وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. وقام الناس في زمانه وبعده فألفوا في القراءات أنواع التواليف. ثم عدّد ابن الجزري طائفة منهم مع ذكر مؤلفاتهم وسنة وفاتهم ثم قال: ولا زال الناس يؤلفون في كثير القراءات وقليلها، ويروون شاذّها وصحيحها بحسب ما وصل إليهم أو صحّ لديهم، ولا ينكر أحد عليهم، بل هم في ذلك متبعون سبيل السلف حيث قالوا: القراءة سنّة متّبعة يأخذها الآخر عن الأول، وما علمنا أحدا أنكر شيئا قرأ به الآخر، إلا ما قدّمنا عن ابن شنّبوذ، لكنه خرج عن المصحف العثماني.

ثم يقول: وإنما أطلنا هذا الفصل لما بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة، أو أن الأحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم هي قراءة هؤلاء السبعة، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في الشاطبية والتيسير، وأنها هي المشار إليها بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» حتى أن بعضهم يطلق على ما لم يكن في هذين الكتابين أنه شاذ. وكثير منهم يطلق على ما لم يكن عن هؤلاء السبعة شاذا، وربما كان كثير مما لم يكن في الشاطبية والتيسير، وعن غير هؤلاء السبعة، أصحّ من كثير مما فيهما، وإنما أوقع هؤلاء في الشبهة كونهم سمعوا: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» وسمعوا قراءات السبعة، فظنوا أن هذه السبعة هي تلك المشار إليها، ولذلك كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القرّاء وخطئوه في ذلك وقالوا: ألا اقتصر على دون هذا العدد، أو زاده، أو بين مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة، ثم احتجّ بأقوال بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله: لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن القرآن أنزل عليها ليست قراءات القرّاء السبعة المشهورة، بل أوّل من جمع ذلك ابن مجاهد ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده واعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبع هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم. ولهذا قال بعض من قال من أئمة القرّاء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة، وإمام قرّاء البصرة في زمانه في رأس المائتين ... ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتّبعون من السلف والائمة في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعنية في جميع أمصار المسلمين، بل من ثبتت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب الحضرمي ونحوهما، كما ثبتت عنده قراءة حمزة والكسائي، فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف، بل أكثر العلماء الأئمة الذين أدركوا قراءة حمزة كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح المدنيين، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم على قراءة حمزة والكسائي.

وللعلماء الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء، ولهذا كان أئمة أهل القرن الذي ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب ويقرءونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم. وأما الذي ذكره القاضي عياض، ومن نقل كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة، وجرت له قصة مشهورة، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذّة الخارجة عن المصحف. ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها، أو لم تثبت عنده، كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات، فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه، فإن القراءة كما قال زيد بن ثابت سنة، يأخذها الآخر عن الأول، كما أن ما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من أنواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة، وصفة صلاة الخوف وغير ذلك، كله حسن يشرع العمل به لمن علمه، وأما من علم نوعا ولم يعلم بغيره، فليس له أن يعدل عمّا علمه إلى ما لم يعلم، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك، ولا أن يخالفه. ثم بسط القول في ذلك، ثم قال: فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف، وكذلك ليست هذه القراءات السبع هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها باتفاق العلماء المعتبرين، بل القراءات الثابتة عن الأئمة القرّاء كالأعمش ويعقوب وخلف وأبي جعفر وشيبة ونحوهم، هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة عند من يثبت ذلك عنده. وهذا أيضا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقرّاء وغيرهم، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمام الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والتابعون لهم بإحسان، والأمة بعدهم، هل هو بما فيه من قراءة السبعة، وتمام العشرة، وغير ذلك، هل هو حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها؟ أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين. والأول قول أئمة السلف والعلماء والثاني قول طوائف من أهل الكلام والقرّاء وغيرهم ...

شروط القراءة الصحيحة:

ثم قال في آخر جوابه: وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف كما ثبتت هذه القراءات وليست شاذّة حينئذ والله أعلم «1». شروط القراءة الصحيحة: قال ابن الجزري بعد أن ذكر أسماء من اشتهر بالقراءة في المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام: ثم إن القرّاء بعد هؤلاء المذكورين كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا، وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت طبقاتهم، واختلفت صنعاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراسة، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بينهم لذلك الاختلاف، وقلّ الضبط، واتسع الخرق، وكاد الباطل يلتبس بالحق، فقام جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، فبالغوا في الاجتهاد، وبيّنوا الحق المراد، وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا الوجوه والروايات، وميّزوا بين المشهور والشاذ، والصحيح والفاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها، وها نحن نشير إليها ونعوّل كما عوّلوا عليها فنقول: كلّ قراءة وافقت العربية، ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصحّ سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها ولا يحلّ إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء أكانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختلّ ركن من هذه الأركان الثلاثة، أطلق عليها ضعيفة أو شاذّة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة، أم عمن هو أكبر منهم. هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف «2».

_ (1) انتهى نقل ابن الجزري في النشر 1/ 39 عن ابن تيمية رحمه الله ملخصا. وانظر فتاويه 13/ 390 - 403. (2) النشر 1/ 9.

كتاب الحجة

كتاب الحجة الذين ترجموا للفارسي ذكروا في ثبت مؤلفاته كتاب الحجة هذا بعبارات ليست متساوية، وإن كانت تشترك جميعها في كلمة (الحجة) محور التسمية، وكل ذلك بداعية الاختصار والاجتزاء بالبعض المفهم عن الكل. فالخطيب البغدادي في تاريخه 7/ 276 سمّاه: الحجة في علل القراءات، وابن خلكان في الوفيات (2/ 81) وابن الأثير في الكامل (9/ 21) وابن تغري بردي في النجوم الزاهرة (6/ 267) أطلقوا عليه الحجة في القراءات، وزاد ابن الأنباري في نزهة الألبّاء (ص 316) كلمة «السبع» على القراءات. في حين اكتفى ابن النديم في الفهرست (ص 95) وياقوت في معجم الأدباء (7/ 210) وابن عطية في فهرسه (ص 86) والسيوطي في البغية (1/ 496) وابن الجزري في طبقاته (1/ 207) باللفظة المشتركة بين الجميع فأسموه (الحجة) فقط. وقد آثرنا أن نعتمد على ما أثبت على غلاف الأجزاء الثلاثة الأخيرة من نسخة مراد ملا المنسوخة بخط طاهر بن غلبون ونصه: الحجة للقرّاء السبعة أئمة الأمصار بالحجاز والعراق والشام الذين ذكرهم أبو بكر بن مجاهد. وهو عنوان مناسب للكتاب، ولا مبرر للعدول عنه إلى غيره من الأسماء التي آثر أصحابها الاختصار فيها. وهذا الكتاب واحد من عدة كتب صنّفها الفارسي وقدّمها لعضد الدولة الذي كان يعدّ نفسه غلاما في النحو لأبي علي، نستدلّ على ذلك من مقدمة كتابه التي صدّرها بالدعاء له، كما هو ثابت في نسختنا هذه حيث يقول:

موضوعه وطريقته:

أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجل المنصور وليّ النعم عضد الدولة وتاج الملّة ... فإن هذا كتاب نذكر فيه ... وواضح أنه بالإضافة لما ذكرناه من تقديم هذه النسخة لعضد الدولة فإن في هذه المقدمة ما يدلّ على أن كتاب الحجة قد ألّفه أبو علي قبل سنة 372 هـ وهي السنة التي توفي فيها عضد الدولة، وبتحديد أكثر فإنه ألّفه ما بين سنتي 367 هـ، وهي السنة التي لقّب فيها عضد الدولة بتاج الملّة، وبين سنة وفاته وهي سنة 372 هـ. كما أن في مقدمته ما يدلّ على منهج أبي علي في كتابه بشكل موجز، وهو أن يذكر ما ثبت عن ابن مجاهد من وجوه قراءات القرّاء في كتابه السبعة، وهم الذين ذكرنا ترجمتهم في أول فاتحة الكتاب. وقد كان شائعا في عصر أبي علي تأليف العلماء مؤلفاتهم للملوك والرؤساء وذلك لأنه كان لهؤلاء مشاركة في العلوم، ويضربون بسهم وافر فيها، وكانت بلاطاتهم موئلا للعلماء، وكانت أكرم هدية يقدمها هؤلاء العلماء لأولئك الرؤساء ما ينتجونه من عصارة عقولهم، وثمرة قرائحهم، وكان كتاب الحجة أيضا مما أهداه أبو علي للصاحب ابن عباد وأجاز له أن يرويه عنه. قال ياقوت في معجم الأدباء (7/ 239، 240): قرأت بخط سلامة بن عياض النحوي ما صورته: وقفت على نسخة من كتاب الحجة لأبي علي في صفر سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة بالريّ في دار كتبها التي وقفها الصاحب بن عباد رحمه الله، وعلى ظهرها بخط أبي علي ما حكايته هذه: أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل، أدام الله عزّه ونصره وتأييده وتمكينه. كتابي في قرّاء الأمصار الذين بيّنت قراءتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى المعروف بكتاب السبعة، فما تضمن من أثر وقراءة ولغة، فهو عن المشايخ الذين أخذت ذلك عنهم، وأسندته إليهم، فمتى أثر سيدنا الصاحب الجليل- أدام الله عزّه ونصره وتأييده وتمكينه- حكاية شيء منه عنهم أو عني لهذه المكاتبة فعل. وكتب الحسن بن أحمد الفارسي بخطه. موضوعه وطريقته: أما موضوع الكتاب فهو الاحتجاج للقراءات وتوثيقها وتوجيهها والتماس الدليل لقراءة كل قارئ من القرّاء السبعة الذين اختارهم ابن مجاهد، وذلك

إما بالاستناد إلى قاعدة مشهورة في العربية، أو بالتماس علّة خفية بعيدة الإدراك يحاول اقتناصها، أو توليدها أو بالاعتماد على القياس وحشد النظائر ومقارنة المثيل بالمثيل وهو مما برع فيه أبو علي. وكان يسوق لكل أسلوب من أساليب احتجاجه الآيات القرآنية والشعر الصالح للاحتجاج والحديث النبوي والأمثال العربية، ولغات العرب ولهجاتها وأقوال أئمة العربية وعلى رأسهم سيبويه الذي انتثرت عبارات كتابه في حجته «1». وطريقته في ذلك طريقة المتن «2» والشرح فهو يعرض أولا نص ابن مجاهد في عرضه لاختلاف القرّاء في كل حرف من الحروف، مصرّحا باسمه أو مغفلا له مكتفيا بقوله: اختلفوا ... ثم يعقبه بقول شيخه ابن السراج وذلك في القسم الذي شرع في تفسيره من الفاتحة وسورة البقرة. أو بكلامه هو بقوله: قال أبو علي. ولعلّ أبرز ما يتميز به أسلوب أبي علي هو ظاهرة الاستطراد والانطلاق بعيدا عن أصل الموضوع المطروق حتى يكاد ينسي آخره أوله، فهو ينتقل بالقارئ من الكلام على الحرف والخلاف فيه والاحتجاج له إلى تفسير الآية، فيغوص في الأعماق فيستخرج من كنوز المعاني ودرر الحقائق ما ينتزع إعجابنا بسعة عقله ونفاذ فكره، أو يتناول الكلمة وما يتفرع عنها من معان وما تدلّ عليه من دلالات فيتناولها معنى معنى مبيّنا له مع شواهده، ثم يتجاوزه إلى الحديث عن الوجوه الإعرابية أو العلل الصرفية، ويناقش جميع ذلك ويحشد له الشواهد والأدلة، فيشبعه ولا يترك بعده زيادة لمستزيد، وهو أشبه

_ (1) لأستاذنا سعيد الأفغاني رأي سديد في موضوع الاحتجاج للقراءات أورده في مقدمته لكتاب حجة القراءات لابن زنجلة ص 18 بعد أن قدم عرضا تاريخيا موجزا للقراءات والمقرئين فقال: قدّمت كل هذا من تاريخ القراءة والمقرئين لأؤيّد ما كنت ذهبت إليه منذ أكثر من عشرين سنة من أن تأليف المؤلفين القدامى يحتجّون للقراءات المتواترة بالنحو وشواهده عكس للوضع الصحيح، وأن السلامة في المنهج، والسداد في المنطق العلمي التاريخي يقضيان بأن يحتجّ للنحو ومذاهبه وقواعده وشواهده بهذه القراءات المتواترة، لما توافر لها من الضبط والوثوق والدقة والتحرّي ... شيء لم يتوافر لأوثق شواهد النحو ... وأي كان فهذا ما وقع. (2) وقد ميّزنا المتن الذي هو نص ابن مجاهد بالحرف الأسود تسهيلا لفصله عن الشرح.

ما يكون بالنبع الغزير المتدفق في الأرض المستوية، ينبثق فيشق دروبا لنفسه في كل مكان قبل أن يأخذ مجراه. وهذا الاستطراد كان مدعاة للإطالة، وقد رافقه بعض الغموض في العبارة أحيانا وعلى الأخص في الجزء الأول من الكتاب الذي استغرق فيه سورة فاتحة الكتاب وثلاثين آية من سورة البقرة فقط، ولعلّ ذلك دعا تلميذه ابن جنّي لأن يقول عنه: «وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرا ممّن يدّعي العربية فضلا على القراء منه وأجفاهم عنه» «1». ولا تدل هذه العبارة على طعن ابن جني في ما صنع أستاذه كما فهمها بعض الباحثين المحدثين، وإنما تعني أن من لم يكن من أهل العربية متمرسا بها يصعب أن يفهم كتابه، وهذا حق، فقد أثنى القدماء من مؤرخين ونحويين ولغويين وقرّاء ومفسرين على الحجة وأعجبوا به، وراحوا يتدارسونه ويختصرونه، وينقلون منه في مؤلفاتهم، وأخصّ بالذكر عبد القادر البغدادي فقد نقل عنه في الخزانة في سبعة مواضع، وفي شرح أبيات المغني الذي امتنّ الله علينا بتحقيقه ونشره في ثمانية وعشرين موضعا. وممّن نقل عنه وأثنى عليه الطبرسي المفسّر قال في مجمع البيان (3/ 256) بعد أن نقل كلاما حسنا للفارسي في توجيه إعراب الآية الكريمة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ ... من سورة المائدة/ 106: هذا كله مأخوذ من كلام أبي علي الفارسي، وناهيك به فارسا في هذا الميدان نقابا، يخبر عن مكنون هذا العلم بواضح البيان. وكذلك الزركشي نقل عنه في كثير من أبحاث كتابه البرهان. وأيضا فإن قيام الأستاذ العارف والثقة الضابط مؤلّف التذكرة في القراءات الثمان طاهر بن غلبون شيخ الداني نفسه بنسخ الحجة، وإلقاء نظرة متأملة في نص السماع المثبت في آخر أجزاء نسخته والذي أثبتناه عند وصفنا للمخطوطات، كل ذلك يدلنا على مدى اهتمام العلماء بالكتاب والحرص على سماعه وقراءته. ومن أقوال العلماء التي تحمل الثناء عليه هذه الأمثلة:

_ (1) المحتسب 1/ 236.

- قال في ذيل تجارب الأمم: «صنّف في أيام عضد الدولة المصنفات الرائعة في أجناس العلوم المتفرقة، فمنها كتاب الحجة في القراءات السبع، وهو كتاب ليس له نظير في جلالة قدر، واشتهار ذكر» «1». - وجاء في طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة: «كتاب الحجة في تخريج القراءات السبعة من أحسن الكتب وأعظمها» «2». وقال ابن الجزري في طبقات القرّاء: «وألّف كتاب التذكرة وكتاب الحجة شرح سبعة ابن مجاهد فأجاد وأفاد» «3». ومهما يكن من أمر فإن أفضل ما يشهد على الإنسان عمله الذي قدّمه وأثره الذي تركه، وها هو ذا الكتاب نقدمه بين أيدي العلماء وطلاب العلم للحكم عليه. وقد اختصره جماعة من الأندلسيين منهم فيما ذكره ياقوت مكي بن أبي طالب المتوفى سنة 437 هـ في كتاب سمّاه «منتخب الحجة في القراءات، وجعله في ثلاثين جزءا» «4» واختصره كذلك أبو طاهر إسماعيل بن خلف الأندلسي المتوفى سنة 455 هـ وانتفع به الناس، كما ذكر السيوطي «5» واختصره محمد بن شريح الرعيني المتوفى سنة 476 «6».

_ (1) ذيل تجارب الأمم 183. (2) طبقات النحاة 295. (3) طبقات القرّاء 1/ 207. (4) معجم الأدباء 19/ 169. (5) انظر بغية الوعاة 1/ 448. (6) الصلة لابن بشكوال 2/ 553.

النسختان المعتمدتان في النشر:

النسختان المعتمدتان في النشر: اعتمدنا في نشر هذا الكتاب على نسختين خطيتين: الأولى: وهي نسخة محفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية برقم 3570 ولها مصوّرة في دار الكتب المصرية برقم 462 قراءات، وهي التي رمزنا لها ب (م). وتقع هذه النسخة في سبعة أجزاء ينقصها الخامس. وقد نسخت بخط النسخ الجميل الواضح وضبطت كلماتها ضبطا كاملا. مسطرتها 17 × 5.21 وعدد سطور صفحتها 15 سطرا. ومجموع صفحاتها 2223 صفحة كتب في آخر أجزائها: نجز كتاب الحجة للقرّاء، وبلغ الفراغ منه في يوم الخميس لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسعين وثلاثمائة. اسم الناسخ غير مذكور، وهو واحد في الأجزاء جميعها، إلا أنه فيما يترجح قد ذهبت الورقة الأولى التي عليها العنوان والصفحة الأولى من الكتاب من أجزاء الكتاب جميعها، فاستدركت بخط متأخر مغاير للأصل، وكذلك حدث في الورقة الأخيرة لبعض الأجزاء. وفي طرة بعض صفحاتها عبارة بلغ دلالة على قراءتها. النسخة الثانية: نسخة محفوظة في مكتبة مراد ملّا بإستانبول، رقمها 6 - 9 ومنها مصوّرة في معهد إحياء المخطوطات، وهي التي رمزنا لها ب (ط) وتقع في أربعة أجزاء تامة كتبت بخط نسخ قديم وضبطت بالشكل الكامل. نسخها طاهر بن غلبون النحوي. قال عنه ابن الجزري. في طبقاته 1/ 339: أستاذ عارف وثقة ضابط، وحجة محرّر، شيخ الداني ومؤلّف التذكرة في القراءات الثمان، أخذ القراءات عرضا عن أبيه وعبد العزيز بن علي، ثم رحل

إلى العراق فقرأ بالبصرة على محمد بن يوسف بن نهار وغيره، وسمع سبعة ابن مجاهد من أبي الحسن علي بن محمد بن إسحاق المعدل عنه، قال الداني: لم ير في وقته مثله في فهمه وعلمه، مع فضله وصدق لهجته، كتبنا عنه كثيرا، وتوفي بمصر لعشر مضين من شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. وعلى يسار ما قبل الصفحة الأخيرة من الجزء الأول كتب بشكل شاقولي بخط أحمد بن مكتوم ما نصه: ذكر المختار عز الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن عبد العزيز المسبّحي المؤرخ في تاريخ (.؟.) «1» أن أبا الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غلبون المصري توفي يوم الأحد من ذي القعدة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. وقال: كان مقدما بعد أبيه عالما بعلل النحو ومعانيه. انتهى كلامه ونقله كما وجده أحمد بن مكتوم. ونلاحظ أن تحديد سنة وفاته ب 399 عند المسبّحي وابن الجزري، تختلف عمّا ورد في تاريخ نسخ كتاب الحجة، المدوّن في آخر الأجزاء الثلاثة بخط الناسخ نفسه وهو سنة 427 هـ وسنة 428 هـ في نهاية الجزء الرابع. ولم نقف على ترجمة لابن غلبون في غير ما ذكرناه، واضطراب المترجمين وتعدّد الأقوال في سنيّ وفاة من يترجمون لهم أمر واقع عندهم. وما يمكننا القطع به هو أن وفاته كانت بعد تاريخ نسخة للكتاب، ولا نمتلك تحديدا لها. والذي يبدو لي أن الأمر قد اضطرب على من ترجم لابن غلبون ولوالده. الذي كانت وفاته كما ذكر ابن الجزري سنة 389 هـ «2». وعلى غلاف النسخة وفي آخرها سماعات وإجازة بقراءتها. وفي داخلها تعليقات وتهميشات على كلام المؤلّف، وعبارة بلغ في عدة مواطن من حواشيها مما يدل على قراءتها والعناية بها من العلماء وطلاب العلم. ومما

_ (1) الكلمة غير واضحة في الأصل، وذكر ابن خلكان 4/ 377: أنه صاحب التاريخ المشهور وغيره من المصنفات مولده سنة (366) ووفاته سنة (420). قال في الأنساب للسمعاني: المسبحي صاحب تاريخ المغاربة ومصر. (2) انظر ترجمته في طبقاته 1/ 470.

كتب على الصفحة الأولى- صفحة الغلاف- من السماعات على جميع أجزاء الكتاب ما يلي: على الجزء الأول: الحمد لله سمع هذا الجزء في جمع بقراءة غيره علي الشيخ الجليل الفاضل منتجب الدين منتجب بن أبي العز الرشيد الهمذاني «1»، نفعه الله في مجالس، وهو أحد مقروءاتي على شيخي الإمام أبي محمد المعرّي النحوي عن أبي طاهر بن سولة المعري النحوي، عن أبي عبد الله الآمدي عن الربعي النحوي عن أبي علي الفارسي. وكتب زيد بن الحسن بن زيد الكندي أبو اليمن «2» في ذي الحجة من سنة ست وست مائة. وهذا الجزء أحد أربعة، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وعلى الجزء الثاني: سمع جميع هذا الجزء الثاني وما قبله يقرأ على الشيخ الجليل منتجب الدين بن أبي العز بن الرشيد الهمذاني بالإسناد المذكور في الأصل. وكتب زيد بن الحسن الكندي أبو اليمن في أواخر ذي الحجة من سنة ست وست مائة.

_ (1) كان رأسا في القراءات والعربية صالحا متواضعا، قرأ القراءات على أبي الجود غياث بن فارس وسمع من ابن طبرزد والكندي، وقرأ عليه بالروايات الصائن الضرير نزيل قونية والنظام محمد بن عبد الكريم. توفي سنة 643 هـ. (معرفة القرّاء للذهبي 2/ 508). (2) زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حمير بن الحارث ذي رعين الأصغر، الإمام تاج الدين أبو اليمن الكندي النحوي اللغوي المقرئ المحدّث الحافظ. ولد ببغداد سنة 520 وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وأكمل القراءات العشر وهو ابن عشر. وكان أعلى الأرض إسنادا في القراءات. قال الذهبي: لا أعلم أحدا من الأئمة عاش بعد ما قرأ القرآن ثلاثا وثمانين سنة غيره. وقرأ العربية على أبي محمد سبط أبي منصور الخياط وابن الشجري وابن الخشاب، واللغة على موهوب الجواليقي وسمع الحديث من أبي بكر بن عبد الباقي وخلائق. وخرج له أبو القاسم ابن عساكر مشيخة في أربعة أجزاء. وقدم دمشق وازدحم عليه الطلبة، وأفتى ودرس وصنّف وأقرأ القراءات والنحو واللغة والشعر كان حنبليا فصار حنفيا وتقدم في مذهب أبي حنيفة. كان صحيح السماع ثقة بالنقل ظريفا في العشرة. واستوزره فروخ شاه ثم اتصل بأخيه تقي الدين صاحب حماة واختصّ به، وله خزانة كتب بالجامع الأموي فيها كل نفيس. توفي في يوم الاثنين سادس شوال سنة 613 هـ وانقطع بموته إسناد عظيم. (بغية الوعاة 1/ 571).

وعلى الجزء الثالث: سمعه وما قبله بقراءة غيره عليّ الشيخ الجليل الفاضل منتجب الدين منتجب بن أبي العز بن الرشيد الهمذاني المقرئ نفعه الله بالإسناد المذكور في أول الكتاب. وكتب زيد بن الحسن بن زيد الكندي أبو اليمن في مستهل صفر من سنة سبع وست مائة. وكتبت أيضا إجازة في ذيل الصفحة. وعلى الجزء الرابع: سمع جميع هذا الجزء وما قبله وهو آخر الكتاب بقراءة غيره علي الشيخ الجليل الفاضل منتجب الدين منتجب بن أبي العز بن الرشيد الهمذاني فتم له سماع جميع الكتاب ورويته له بالإسناد المذكور في الجزء الأول. وكتب زيد بن الحسن بن زيد الكندي أبو اليمن في صفر من سنة سبع وستمائة. وهذا نص السماع المثبت في آخر الجزء الثالث، وقد ورد قريبا منه في بقية الأجزاء أيضا: سمع هذا المجلد، وهو الثالث من كتاب الحجة لأبي علي الفارسي، رحمه الله على سيدنا الشيخ الإمام الأجل الصدر الكبير العلّامة تاج الدين شيخ الإسلام أوحد العصر حجة العرب رئيس الأصحاب أبي اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي أيده الله نحو سماعه على الشيخ أبي عبد الله بن علي النحوي عن أبي طاهر بن سوار عن أبي عبد الله الآمدي عن علي الربعي عن الفارسي بقراءة الشيخ الفقيه الإمام شهاب الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي بكر العفصي، المولى القاضي الإمام الأجل الصدر الكبير العالم ركن الدين صدر الإسلام قاضي القضاة أبو العباس الطاهر بن قاضي القضاة الإمام أبي المعالي محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي أدام الله عمره، وأخوه القاضي المنتجب كمال الدين أبو الفضل يحيى بن محمد بن علي، والأجل أمين الدين أبو العباس أحمد بن أبي محمد عبد الله بن الحسن بن أخي الشيخ المسمع، والأجل عزيز الدين أبو حامد بن محمد بن محمد القرشي الأصبهاني، والإمام علم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي «1» وابنه محمود، وصاحب الكتاب الأجل العالم الفاضل

_ (1) صاحب سفر السعادة وسفير الإفادة (ط. مجمع اللغة العربية. وتحقيق محمد أحمد الدالي) وفيه ترجمته ومصادرها. مولده في 558 هـ ووفاته سنة 643 هـ.

الجليل منتجب الدين منتجب بن أبي العز بن الرشيد الهمذاني نفعه الله بالعلم وعز الدين أبو عبد الله محمد بن تاج الأمناء أبي الفضل أحمد بن محمد بن الحسن وأخوه أبو العباس الفضل وابنا عمهما أبو الحسن عبد الوهاب وأبو علي عبد اللطيف ابنا زين الأمناء الحسن بن محمد بن الحسن رحمه الله، وأمين الدين أبو الفضل عبد المحسن بن حمود بن المحسن الكاتب الحلبي وأخوه أبو عبد الله جعفر وعز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عثمان بن أبي طاهر الإربلي وابن أخته يوسف بن يعقوب، والإمام العالم تقي الدين أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن بن عبد الله الأنصاري بن الأنماطي، والشريف شهاب الدين أبو الفضل إسماعيل بن زيد بن إسماعيل الحسني (القحديهي) وبنوه محمد وإسحاق والحسن، وأبو محمد عبد الله بن صدقة بن محمد الخزرجي، ويوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي، وأبو العباس أحمد ابن تميم بن هشام اللبلي وأبو الغنائم المسلم بن محمد بن المسلم بن علّان القيسي وفتاه الطوبغا التركي، وأبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله الفرّاء وابنه محمد وأبو عبد الله بن عبد الرحمن بن عماد العسقلاني وفتاه أقسر التركي الأبيض الصغير، وعبد الرحمن بن يونس بن إبراهيم المؤنسي وعبد المحسن بن خير بن أبي القاسم الأهناسي ومنصور بن عبد الله بن جامع الضرير، ونصر الله بن تروس القصوي، وأبو نصر فتوح بن نوح بن عيسى الحومي والنقيب عبد الرحمن بن إبراهيم بن عطاء وأبار الرومي وشيخه التركي فتيا العز بن عساكر، وأبو عبد الله بن أبي طالب بن (رزمين) البعلبكي وأبو الفتح أسعد بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي، وأبو القاسم بن أحمد بن الموفق الغزي ومحمد وعلي ومنصور ومؤمل بنو محمد بن علي البالسي وخالهم محمد بن عبد الرحمن بن نصر الله العصي، وتمام بن إسماعيل بن تمام السلمي وابنه يوسف وعلي بن أبي بكر بن الحسين اليمني، وسليمان بن عبد الكريم بن عبد الرحمن الدمشقي وشاكر بن عكاشة بن مخلوف العبسي وأبو العباس عمر بن علي بن (مظفر الليثي) وأبو الفضل بن أحمد بن إبراهيم البيطار وعلي بن أبي بكر بن محمد الشاطبي، وأبو الحسن علي بن أبي الحسن بن أبي عبد الله الواسطي. ومثبت أسمائهم عبد الجليل بن عبد الجبار بن عبد الواسع الأبهري أصلحه الله، وآخرون بفوات أسماؤهم على أصل الشيخ بخط ابن الأنماطي وذلك في مجالس آخرها مستهل صفر

منهج التحقيق:

سنة سبع وستمائة بمدرسة العزيزية بدمشق والحمد لله. وعلى طرّة السماع ما نصه: «وسمع المجلد جميعه مع الجماعة علي بن محمد بن منصور اليمني. هذا صحيح وكتبه أبو اليمن الكندي بخطه». وعلى غلاف النسخة في جميع أجزائها تمليكات من أبرز أصحابها أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم (تلميذ أبي حيّان ت 749 هـ). وفي وسط الصفحة ختم بيضوي كتب فيه: وقف لوجه الله تعالى- أفقر الورى أبو الخير أحمد- الشهير بداماذزاده. منهج التحقيق: قام الأستاذان المحققان بنسخ الكتاب عن نسخة مكتبة بلدية الإسكندرية أولا، ثم أجريا مطابقة المنسوخ على الأصلين، وقاما بإثبات الفروق بين النسختين على الحواشي بعد إثبات الراجح في إحدى النسختين لديهما في صلب الكتاب، أما الجزء الخامس وهو الناقص من نسخة مكتبة بلدية الإسكندرية فاعتمدا في نسخه على مخطوطة مراد ملا فقط. ثم أثبتا فيما نسخا علامات الترقيم، وخرّجا الآيات، ووضعا أسماء سورها وأرقامها بين معقوفين عقب كل آية حتى لا تثقل حواشي الكتاب بها، وخرّجا كثيرا من أحاديث الكتاب وشواهده وأمثاله العربية من مظانها، وعزوا ما أمكن عزوه إلى أصحابه، وترجما لكثير من أعلامه في أماكن ورودها، وردّا النقول إلى مصادرها، وبذلا في ذلك جهد المستطيع جزاهما الله خيرا. وقد كان العمل من مراحله الأولى إلى نهايته يجري بإشراف المراجعين (أحمد يوسف الدقاق وعبد العزيز رباح صاحبي دار المأمون للتراث) اللذين أعادا النظر في العمل جميعه قبل دفعه للمطبعة، واستكملا في التحقيق ما وجداه ناقصا، وخاصة في تخريج الأحاديث، أو في عزو الأبيات الشعرية غير المعزوة إلى أصحابها ما أمكن، أو شرح ما يحتاج إلى شرح منها، أو حذف ما لا ضرورة لذكره من شرح أو تعليق. كما أعادا قراءة تجارب طباعة الكتاب حرصا على صحته، وحدّدا نوع الحرف الطباعي وطريقة إخراجه حتى يغدو

العمل بإذن الله متكاملا ما أمكن يزهو بصحة المخبر ويزدان بجمال المظهر. ثم قاما بوضع مقدمة الكتاب (وقد كتبها عبد العزيز رباح) وترجمة المؤلّف (وقد أعدّها أحمد دقاق) وأخذا على عاتقهما وضع فهارس مفصّلة للكتاب في آخر أجزائه جميعها. ذلك هو نصيب كلّ في إخراج هذا المؤلّف العظيم. فإن وفّقنا فيما نسعى إليه فبفضل الله كان توفيقنا، وذلك ما كنّا نبغي. وإن بدا في العمل بعض الزلّات والهفوات، أو شيء من الثغرات ينفذ منها من يجدون للكلام منفذا، فذلك منّا، ويأبى الله أن تكون العصمة إلا لكتابه. وإننا لواثقون أنه مهما كان الجهد المبذول واسعا فلن يسامي ما يستأهله كتاب مثل الحجة وعالم مثل أبي علي الفارسي. والحمد لله أولا وآخرا- دمشق- 1404 هـ، 1984 م عبد العزيز رباح

ترجمة المؤلف أبي علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي

ترجمة المؤلف أبي علي الحسن بن عبد الغفّار الفارسي توطئة عصره: عاش أبو علي الفارسي عصر تمزق الدولة العباسية، وعاين الضعف والوهن الذي أصاب هذا الجسم العملاق ورأى بأمّ عينه كيف بدأ يتهاوى، من بعد إحكام البنيان، عرش بني العباس، فتداعت أصحاب المطامع كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، على الاستقلال بالبلاد والمقاطعات، وصار كل حاكم يدعو لنفسه، وينشئ دولة وبلاطا، وتسمّوا بأسماء الأمراء والسلاطين والملوك ولم يبق لخليفة بغداد إلا بغداد وما حولها وليس له من هيبة الخلافة إلا الرسم. ولئن كانت الحياة السياسية في عصر أبي علي منحدرة، تعيش الأمة فيه عصر الدويلات وحكم الأمراء والسلاطين، لقد كانت الحياة العلمية بأنواعها متقدمة مزدهرة، ولم يحل تعدّد الدويلات والحكام بين انتقال العلماء من بلد إلى بلد ومن أمير إلى أمير أو سلطان إلى سلطان، فالبلاد الإسلامية كلها مفتوحة أمام جميع الناس، يتنقلون فيما بينها من دون حواجز أو موانع، فالبلاد، وإن كانت مفككة سياسيا، فهي مترابطة اجتماعيا وثقافيا. فعالم بغداد متصل بعالم خراسان وما وراء النهر شرقا، وبعالم إفريقيا والأندلس غربا، تسودهم ثقافة واحدة، وسلوك منتظم واحد تنظمه مبادئ الإسلام وقواعده. إن هذا الالتئام الاجتماعي والثقافي كان له الأثر الأكبر على ازدهار

مولده وموطنه ونسبه:

ثقافتنا العربية الإسلامية، إذ كان عاملا مهما في نضوجها، كما كان عاملا مهما أيضا في التنافس بين العلماء، وإثبات الذات، ومن هنا كانت مهمة طالب العلم شاقة وصعبة، فهو يسعى دائبا من شيخ إلى شيخ ومن بلد إلى بلد للدرس والتحصيل، فأصبحت الرحلة في طلب العلم ديدن علماء ذلك العصر. مولده وموطنه ونسبه: تذكر المصادر التي تناولت حياة أبي علي الفارسي- وما أكثرها- أنه ولد في مدينة فسا «1»، وكانت ولادته في سنة ثمان وثمانين ومائتين. قال ياقوت في معجم البلدان [4/ 260]: «فسا بالفتح والقصر، كلمة عجمية، وعندهم بسا، بالباء، وكذا يتلفظون بها، وأصلها في كلامهم الشمال من الرياح، مدينة بفارس أنزه مدينة بها فيما قيل، بينها وبين شيراز أربع مراحل. قال الاصطخري: وهي مدينة مفترشة البناء، واسعة الشوارع، تقارب في الكبر شيراز، وهي أصحّ هواء من شيراز، وأوسع أبنية ... وهي مدينة قديمة، ولها حصن، وخندق، وربض، وأسواقها في ربضها ... وإليها ينسب أبو علي الفارسي الفسوي». فهذه المدينة الجميلة هي مسقط رأس أبي علي الفارسي.

_ (1) ضبطها في الروض المعطار ص 442: فسّا: بتشديد ثانيه، مقصور، مدينة من بلاد فارس، أنشد الأصمعي: «من أهل فسّا ودارابجرد» والنسب إليها فسوي، وإليها ينسب أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الفسوي. وهذا الضبط لم تذكره المصادر على كثرتها. والملاحظ أن الحميري ضبطه تبعا لما أنشده الأصمعي. وإنني أرى هذا التشديد ضرورة شعرية. والضرورات لا تكون حكما. ومما يدل على أنه ضرورة شعرية 1 - النسب إلى «فسا» وهو: فسوي فلو كانت فسّا لكان النسب إليها فسّاوي. 2 - انكسار وزن الشعر برواية التخفيف، إذ لا تستقيم التفعيلة ولوجب أن تكون: على النحو التالي: «من أهل ف» مستفعل «ساودرا» متفعلن، «بجردي» فعولن. ولا أعلم في أوزان الشعر القديم وزنا من هذا اللون. وانظر الأنساب للسمعاني 6/ 305، ولب اللباب في تحرير الأنساب ص 197 للسيوطي.

أما نسبه:

أما نسبه: فقد ذكره تلميذه أبو الحسن علي بن عيسى الربعي في صدر شرحه لكتاب الإيضاح فقال: «أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان الفارسي، وأمه من ربيعة الفرس، سدوسية من سدوس شيبان» ذكره القفطي في إنباه الرواة [1/ 274] وأضاف ابن حجر في لسان الميزان [2/ 195] فقال: «واسم جده عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان». رحلته في طلب العلم: لم تكن مدينة فسا لتشبع نهم أبي علي من العلم وإن كانت المصادر لا تسعفنا بشيء عن حياته العلمية في بداياتها- فيمّم وجهه شطر مدينة السلام التي كانت قبلة العلماء في ذلك العصر، فانتقل إلى بغداد، ودخل إليها سنة سبع وثلاثمائة، كما قال ابن خلكان في [وفيات الأعيان 2/ 80] ومنه نعلم أن أبا علي الفارسي بدأ رحلة العلم الطويلة، وسنّه تسع عشرة سنة. وقال ياقوت في معجم الأدباء [7/ 232] وابن خلكان: وطوف كثيرا في بلاد الشام، ومضى إلى طرابلس فأقام بحلب مدة، وخدم سيف الدولة ابن حمدان، وكان قدومه عليه في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة. قال ابن العديم [مجلة المجمع 4/ 1984 ص 743] واجتمع بأبي عبد الله الحسين بن خالويه، وأبي سعيد السيرافي بحضرته. وجرت بينهما وبينه بحوث ومناظرات ومسائل. شيوخه: وفي بغداد تلقى العلم على أئمتها الأعلام، قال عنه ياقوت في معجم الأدباء [7/ 232]: «أخذ النحو عن جماعة من أعيان أهل هذا الشأن، كأبي إسحاق الزجاج، وأبي بكر بن السرّاج، وأبي بكر مبرمان- وأخذ عنهم كتاب سيبويه- وأبي بكر بن الخياط» فكان أبو علي إمام وقته في علم النحو كما قال ابن خلكان. وأخذ عن أبي بكر بن دريد، وأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش،

قال ابن العديم وابن تغري بردي [النجوم الزاهرة 4/ 151]، وقدم بغداد وسمع الحديث وبرع في علم النحو وانفرد به. فرواية الحديث هذه أخذها عن علي بن الحسين بن معدان الفارسي عن إسحاق بن راهويه، وعنده جزء سمعه منه كما قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد [7/ 275] والذهبي في ميزان الاعتدال [1/ 480]. وروى القراءة عرضا عن أبي بكر بن مجاهد، كما قال ابن الجزري في طبقات القرّاء [1/ 207]. - أما أبو إسحاق الزجّاج إبراهيم بن سهل فهو إمام في النحو، إمام في التفسير ومن تلاميذ المبرد الأثيرين عنده روى عنه أبو علي الفارسي كتابه «تفسير أسماء الله الحسنى» وسيبويه كما في فهرس ابن عطية ص 78، وهو أشهر من أن يعرّف [انظر مقدمة تفسير أسماء الله الحسنى]. - وأبو بكر بن السرّاج صاحب كتاب الأصول في النحو، إذ قيل عنه: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله. قال المرزباني عنه: كان أحدث أصحاب المبرد سنا مع ذكاء وفطنة، وكان المبرد يقربه فقرأ عليه كتاب سيبويه ... ثم نظر في دقائق مسائله، وعوّل على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة. وقال أبو علي جئت لأسمع منه الكتاب وحملت إليه ما حملت فلما انتصف عسر عليّ إتمامه، فانقطعت عنه لتمكّني من الكتاب، فقلت في نفسي بعد مدة: إذا عدت إلى فارس، وسئلت عن إتمامه، فإن قلت نعم كذبت وإن قلت لا، بطلت الرواية والرحلة، فدعتني الضرورة أن حملت إليه رزمة، فلما بصر بي من بعيد أنشد: كم قد تجرعت من غيظ ومن حزن ... إذا تجدد حزني هون الماضي وكم غضبت وما باليتم غضبي ... حتى رجعت بقلب ساخط راض وحكى ابن الرماني قال: ذكر كتاب الأصول بحضرته، فقال قائل: هو أحسن من المقتضب، فقال ابن السرّاج: لا تقل هكذا، وأنشد:

ولو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدى شفيت النفس قبل التندم ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدم [بغية الوعاة 1/ 109 - 110] وقد أخذ عنه أبو علي ما شرع في شرحه من كتاب تفسير القراءات ... وأبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر العسكري المعروف بمبرمان. أخذ عن المبرد، وأكثر بعده عن الزجّاج، وكان قيّما بالنحو، أخذ عنه الفارسي والسيرافي، وكان ضنينا بالأخذ عنه، لا يقرئ كتاب سيبويه إلا بمائة دينار. كما في بغية الوعاة [1/ 176] وفي طبقات الزبيدي: «قال أبو علي: قال ولد أبي العباس محمد بن يزيد: في تلاميذ أبي رجلان: أحدهما يسفل والآخر يعلو، فقيل: من هما؟ فقال: المبرمان، يقرأ على أبي ويأخذ عنه كتاب سيبويه، ثم يقول: قال الزجّاج، والكلابزي يقرأ عليه ثم يقول: قال المازني- وكان الكلابزي قد أدرك المازني» [الطبقات للزبيدي ص 114]. - وأبو بكر بن الخياط، محمد بن أحمد بن منصور النحوي. «قرأ عليه أبو علي الفارسي، وكتب عنه شيئا من علم العربية، ورأيت ذلك بخط أبي علي. وأخذ عنه أبو القاسم الزجّاجي أيضا، وكان ابن الخياط جميل الأخلاق، طيب العشرة، محبوب الخلقة ... » قاله ياقوت في معجم الأدباء [17/ 142]. هؤلاء المتقدمون شيوخه في علوم العربية أما شيخه في القراءة فهو ابن مجاهد. قال عنه ابن الجزري في طبقات القرّاء [1/ 139]: «أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي الحافظ الأستاذ أبو بكر بن مجاهد البغدادي شيخ الصنعة وأول من سبّع السبعة، ولد سنة خمس وأربعين ومائتين بسوق العطش ببغداد». ويقول أبو علي الفارسي في مقدمة كتابه الحجة: «فإن هذا كتاب نذكر فيه وجوه قراءات القرّاء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن العباس بن مجاهد المترجم بمعرفة قراءات أهل الأمصار والحجاز، والعراق،

تلاميذه:

والشام بعد أن نقدم ذكر كل حرف من ذلك على حسب ما رواه وأخذناه عنه». تلاميذه: لقد نبغ لأبي علي الفارسي تلاميذ كانوا من بعده أئمة عصرهم. يقول الخطيب في تاريخ بغداد [7/ 275] وابن الجوزي في المنتظم [7/ 138] وغيرهما «اشتهر ذكره في الآفاق وبرع له غلمان حذّاق، مثل أبي عثمان بن جنّي، وعلي بن عيسى الشيرازي وغيرهما». وقال ابن الأنباري في النزهة [ص 315 - 317]: «وأخذ عنه جماعة من الحذّاق النحويين، كأبي الفتح بن جني وعلي بن عيسى الربعي، وأبي طالب العبدي، وأبي الحسن الزعفراني وغيرهم. 1 هـ. ومن تلاميذه ابن أخته أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي ذكره صاحب يتيمة الدهر [4/ 384] فقال: ومنه أخذ، وعليه درس، حتى استغرق علمه، واستحق مكانه. وذكر صاحب الروضات من تلاميذ أبي علي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفارسي اللغوي النحوي. - أبو القاسم علي بن عبد الله الدقاق. - أبو محمد عبد الله بن أحمد القزاز النحوي، قاضي القضاة بشيراز. - الحسين بن محمد الخالع. - عبد الباقي بن محمد بن الحسن بن عبد الله النحوي. ومن تلاميذه من الملوك عضد الدولة فناخسرو الذي كان يقول مفتخرا: معلمي في النحو أبو علي الفارسي الفسوي، ومرة يقول: أنا غلام أبي علي النحوي الفسوي في النحو. كما في تاريخ بغداد [7/ 275] وأخبار الحكماء [ص 152] وغيرهما. أما من روى عنه في الحديث فقد قال الخطيب البغدادي وغيره: أبو علي الفارسي، سمع عليّ بن الحسين بن معدان- صاحب إسحاق بن راهويه- وكان عنده عنه جزء واحد حدّثنا عنه [أبو القاسم عبيد الله] الأزهري، والجوهري، وأبو الحسن محمد بن عبد الواحد، وعلي بن محمد بن الحسن

منزلته العلمية والاجتماعية:

المالكي، والقاضي أبو القاسم التنوخي. قال لي التنوخي: وسمعنا منه في رجب سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. وهنالك فقرة عند ابن العديم يذكر فيها من قرأ عليه وهي في توضيح الأسماء أبين، يقول: «قرأ عليه عضد الدولة فناخسرو بن بويه الأدب، وحظي عنده، وروى عنه، وكانت مكانته عنده جليلة، وصنّف له الإيضاح العضدي، والتكملة. وقرأ عليه علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي، وأبو الفتح عثمان بن جنّي، وأبو طالب أحمد بن بكر العبدي، وروى عنه القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي وأبو الحسن محمد بن عبد الواحد، وعلي بن محمد بن الحسن المالكي، وأبو محمد الجوهري، وأبو القاسم الأزهري، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن جعفر الخالع، وأحمد بن فارس الأديب المنبجي، وأبو الحسن الزعفراني» [مجلة المجمع 4/ 743، المجلد 58]. منزلته العلمية والاجتماعية: أبو علي الفارسي شيخ العربية في عصره بلا منازع، وقد أجمعت المصادر التي ترجمت له، على أنّه لم يكن في زمانه مثله في النحو. يقول أبو طالب العبدي: لم يكن بين أبي علي وبين سيبويه أحد أبصر بالنحو من أبي علي. [معجم الأدباء 7/ 232]. ويقول ابن جني في الخصائص [1/ 208]: وقلت مرة لأبي بكر أحمد بن علي الرازي [المشهور بالجصاص صاحب كتاب أحكام القرآن- وهو حنفي] رحمه الله، وقد أفضنا في ذكر أبي علي، ونبل قدره، ونباوة محلّه: أحسب أن أبا علي قد خطر له، وانتزع من علل هذا العلم ثلث ما وقع لجميع أصحابنا! فأصغى أبو بكر إليه، ولم يتبشع هذا القول عليه. وقال ابن العديم: قرأت بخط أبي منصور، موهوب بن أحمد بن محمد الجواليقي- رحمه الله- في تعليق له نقله من خط ابن برهان، وأنبأنا به شيخنا أبو اليمن الكندي عنه، قال فيما نقله من خط ابن برهان، قال أبو الفتح، بعد أن دعا لأبي علي: كان إذا قعد على سريره الذي كان يقعد عليه أوقات درسه

لا يرى العالم إلا دونه، وما كان يفكر في أحد، حتى إنه كان إذا جرى حديث عضد الدولة قال: صاحب السطح فعل كذا، وصاحب السطح قال كذا، وذلك أن الملك بشيراز كان يقعد في أكثر أوقاته على سطح له كان فيه مجلسه. ثم قال أبو الفتح: وما كان مع ذلك إلا بحيث يضع نفسه، فإنه كان فوق كلّ من نظر في هذا العلم، ولو عاش أبو العباس وأبو بكر وطبقتهما لأخذوا عنه بلا أنفة، ولو أدركه الخليل وسيبويه لكانا يقرّان له ويتجملان به. وقال ابن العديم: وكان أهل بغداد يقولون في زمانه: لو عاش سيبويه لاحتاج إليه. [مجلة المجمع 4/ 752 المجلد 58]. وكان عضد الدولة يتشاغل بالعلم فوجد له في تذكرة: «إذا فرغنا من حلّ أوقليدس كله تصدقت بعشرين ألف درهم، وإذا فرغنا من كتاب أبي علي النحوي تصدّقت بخمسين ألف درهم ... » قاله ابن الجوزي في المنتظم [7/ 115]. وقد حظي أبو علي الفارسي بمنزلة عالية عند عضد الدولة، فكان أكيله وجليسه، يدلّنا على ذلك ما نقله ابن العديم في ترجمته له [مجلة المجمع ... ] حيث قال: «أخبرنا أبو يعقوب، يوسف بن محمود بن الحسين السادي بالقاهرة، قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني إجازة إن لم يكن سماعا، قال: سمعت القاضي أبا منصور العمراني بآمد يقول: سمعت أبا الحسن علي بن فضال النحوي يقول: كان عضد الدولة يقرأ الأدب على أبي علي الفارسي، ويبالغ في إكرامه ويحضره معه المائدة، فلما كبر وأضرّ، كان يحضره أيضا على العادة المستمرة، وكان رسمه أنه إذا فرغ من الأكل يلتفت والفراش قائم، فيقلب الماء على يده، فاتفق يوما أن كان الفراش مشغولا، فلما التفت الشيخ ليغسل يده اختلسه عضد الدولة، وجاء مجيء الفراش، فأخذ الإبريق، وقلب على يده الماء. فجاء الفراش، فأومأ إليه أن أمسك إلى أن فرغ، وأعطاه المنديل، فمسح يده ورجع مكانه. فقال الفراش: يا سيدنا! تعلم من قلب على يدك الماء؟ فقال: أنت. فقال: إنّما كان مولانا عضد الدولة. فقام الشيخ أبو علي قائما وقال: لو لم أجد من حلاوة العلم إلّا هذا لكان فضلا كثيرا. ثم رفع يديه نحو السماء وقال: أكرمك الله الذي أكرمتني لأجله، أكرمك الله الذي أكرمتني لأجله وجعل يكرره. وقد بلغ من مكانة أبي علي عند عضد الدولة أن جعله وكيله في العقد

أبو علي الفارسي وقول الشعر:

على بنته الكبرى. قال ابن الجوزي في المنتظم [7/ 101]: وفي يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة 369 هـ تزوج الطائع لله بنت عضد الدولة الكبرى، وعقد العقد بحضرة الطائع، وبمشهد من الأشراف والقضاة والشهود ووجوه الدولة على صداق مبلغه مائة ألف دينار، وفي رواية مائتي ألف دينار، والوكيل عن عضد الدولة في العقد أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي النحوي، والخطيب القاضي أبو علي المحسن بن علي التنوخي. إن هذا النص يدلنا دلالة واضحة على منزلة أبي علي الفارسي، ومكانته الاجتماعية الرفيعة. وهو لا يحتاج إلى تدليل. أبو علي الفارسي وقول الشعر: هل كان أبو علي الفارسي شاعرا؟ إن أبا علي على جلالة قدره وعلوّ منزلته في علم العربية لم يكن يجيد قول الشعر. وإن المصادر تجمع على أنه لم يقرض الشعر شأن غيره من علماء عصره، كشيخه ابن السراج مثلا- ونترك هنا الكلام لتلميذه ابن جنّي كما نقله ياقوت في معجم الأدباء [7/ 251] حيث يقول: «لم أسمع لأبي علي شعرا قطّ، إلى أن دخل إليه في بعض الأيام رجل من الشعراء، فجرى ذكر الشعر. فقال أبو علي: إنّي لأغبطكم على قول الشعر هذا! فإن خاطري لا يواتيني على قوله، مع تحققي للعلوم التي هي من موارده. فقال له ذلك الرجل: فما قلت قطّ شيئا منه البتّة؟! فقال: ما أعهد لي شعرا إلا ثلاثة أبيات قلتها في الشيب وهي قولي: خضبت الشيب لما كان عيبا ... وخضب الشيب أولى أن يعابا ولم أخضب مخافة هجر خلّ ... ولا عيبا خشيت ولا عتابا ولكنّ المشيب بدا ذميما ... فصيرت الخضاب له عقابا مذهب أبي علي النحوي: كان أبو علي الفارسي من نحاة البصرة، وهو خليفة سيبويه، إذ لم يكن في عصره أبصر منه بكتاب سيبويه، رأس المدرسة البصرية. وعند ما احترقت كتبه ذكر أنه كتب علم البصريين بخط يده، وقرأه على

عقيدة أبي علي ومذهبه الفقهي:

أصحابه، فلا غرابة بعد ذلك أن يغدو إماما من أئمة البصريين، وشيخا كبيرا من شيوخها المجتهدين في النحو. إذ كانت له شخصيّته البارزة في سوق الأدلة ومناقشتها، وعقلية نفّاذة غوّاصة في الوصول إلى خفايا المعاني، وتقليبها على وجوهها المختلفة، ثم ترجيح الوجه الذي يرتضيه، وإن خالف فيه غيره من أئمة البصريين. وكتاب الحجة الذي بين أيدينا خير دليل على ذلك. عقيدة أبي علي ومذهبه الفقهي: تكاد تجمع المصادر على أن أبا علي الفارسي كان متهما بالاعتزال، ولم يزيدوا شيئا على كلمة الاتهام هذه. وأول من أطلق عليه هذه التهمة الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد نقلا عن محمد بن أبي الفوارس الذي قال: «في سنة تسع وسبعين وثلاثمائة توفي أبو علي الفسوي النحوي، ولم أسمع منه شيئا، وكان متهما بالاعتزال». هذا هو النص بحروفه، ثم توالت المصادر تنقل العبارة بالمعنى نفسه، فلا تزيد على الاتهام بالاعتزال، ونقل هذه العبارة رجال الجرح والتعديل من أمثال الذهبي في الميزان وابن حجر في لسان الميزان، ولكنهما عقّبا على هذه العبارة بقولهما: لكنه صدوق في نفسه. فهذه الشهادة لها مدلولها عند الذهبي، وهي تعني أن أبا علي ثقة يؤخذ بحديثه لأنه شهد بالشهادة نفسها لعمران بن حطان الخارجي بعد أن رمز له بأن البخاري وأبا داود والنسائي قد خرّجوا حديثه، فقال: فإن عمران صدوق في نفسه، قد روى عنه يحيى بن أبي كثير، وقتادة، ومحارب بن دثار. والحقيقة أن كلمة: «صدوق في نفسه» نعت لم أقف عليه إلا عند الذهبي، ووافقه عليه ابن حجر في لسان الميزان من دون أي تعليق عليه، فكاد يجعل في النفس شيئا لولا أنني وقفت على ما ذكره في ترجمة عمران بن حطان في ميزان الاعتدال [3/ 235] من توثيق لمن هذا نعته. والذي ينطبق على أبي علي. وقد ذكر الذهبي في مقدمة ميزان الاعتدال وابن حجر في مقدمة لسان الميزان مراتب الرواة المقبولين، قال الذهبي: فأعلى العبارات في الرواة المقبولين: ثبت حجة، وثبت حافظ، وثقة متقن، وثقة ثقة، ثم ثقة، ثم صدوق، ولا بأس به، وليس به بأس ...

وقال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل: ومنهم العدل في نفسه، الثبت في روايته، الصدوق في نقله ... [1/ 10]. فأبو علي إذن عند رجال الجرح والتعديل صدوق يؤخذ بحديثه، فلو كان صاحب بدعة أو هوى من الأهواء لأسقطوا حديثه، أو بيّنوا حاله كما فعل الذهبي في الميزان [1/ 5] في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي قال: شيعي جلد، ولكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته. ثم يقول: فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدّ الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى، كغلوّ التشيع أو التشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بيّنة. ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحطّ على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتجّ به ولا كرامة. ثم يقول: فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة، ومعاوية، وطائفة ممّن حارب عليّا رضي الله عنه وتعرّض لسبّهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفّر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضا فهذا ضالّ معثّر. 1 هـ. وقال في [1/ 3] من ميزان الاعتدال: روى عاصم الأحول عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الأسناد حتى وقعت الفتنة، فلما وقعت نظروا من كان من أهل السنّة أخذوا حديثه، ومن كان من أهل البدعة تركوا حديثه. 1 هـ. نستخلص مما تقدم أن أبا علي الفارسي لا ينطبق عليه تعريف الشيعي بحديه المتقدمين. إذ لو كان شيعيا أي صاحب بدعة صغرى كانت أو كبرى

- كما سمّاها الذهبي- لذكره وبيّن حاله، وهو الذي قطع على نفسه بيان ذلك في مقدمة كتابه ميزان الاعتدال الذي ترجم فيه أبا علي الفارسي. ولكننا لا نرى عند الذهبي وغيره من نعته بنعت الشيعي. مع حرصهم على بيان مذهب وعقيدة المترجم إن لم يكن من أهل السنّة والجماعة. وخاصة إذا علمنا أن أبا علي الفارسي كان عنده جزء من الحديث عن معدان عن ابن راهويه، وتفرّد بهذا الجزء. فلو كان صاحب بدعة لما سكتوا عنه، ولبينوا حاله. والذي ساقني إلى الحديث عن أبي علي هذا المساق هو أن الدكتور شلبي صنع كتابا درس فيه أبا علي الفارسي سمّاه: «من أعيان الشيعة أبو علي الفارسي». جعله معتزلي الاعتقاد ثم جاء بأدلة حشدها لذلك الغرض. ثم خلص منها إلى تقرير شيعية أبي علي الفارسي، وساق في ذلك أدلة أوهى من بيت العنكبوت، أجد نفسي مضطرا لسردها حتى لا نكون في أحكامنا ظالمين. قال الدكتور شلبي بعد أن ذكر أدلة عامة لما ذهب إليه: فإذا تلمسنا أدلّة خاصة على تشيّع أبي علىّ رأينا ذلك: أولا: في شيوع التشيّع ب «فسا» مولد أبي علي وفي ذلك الوقت المبكر من حياته ... ثانيا: في انعقاد الصلات بين أبي علي وتلاميذه من بعده، وشيعيين، وهذه الصلات فيما أرى دليل على ما كان عند أبي علي من التشيّع، ومن هذه الصلات: أ- ما كان بينه وبين الصاحب بن عباد من مواصلة ومراسلة. ب- وجود نسخة من الشيرازيات عتيقة عادية عليها خط أبي علي في خزانة كتب الأمير علي (رضي الله عنه) بنجف، فالحرص على هذه النسخة التي عليها خط أبي علي في خزائن الشيعة، دليل على هذه الصلة بين أبي علي والشيعيين. ج- وابن جنّي- تلميذ أبي علي الملازم له- ينزل في دار الشريف أبي علي الجواني نقيب العلويين، وكان الناس يترددون عليه ويسألونه. د- ويصاحب ابن جنّي الرضي والمرتضى العلويين، ويهتم ابن جنّي

بقصائد الشريف الرضي فيؤلف كتابا خاصا سمّاه: تفسير العلويات، وعلي بن عيسى الربعي تلميذ أبي علي يأخذ عنه يحيى بن طباطبا العلوي. هـ- ويرى أحد تلاميذ ابن جنّي (علي بن أبي طالب) في المنام يأمر ابن جنّي بإتمام كتاب المحتسب، ويثبت هذه الرؤيا ابن جنّي بخطه على ظهر نسخة كتاب المحتسب. ووهذا الشريف عمر بن إبراهيم بن محمد العلوي الزيدي أبو البركات ... يسافر إلى الشام ويقيم بدمشق ثم بحلب كذلك، ويقرأ بها كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي في سنة 445 هـ ... 1 هـ منه ص 83. هذه هي الأدلة الخاصة التي استدلّ بها الدكتور عبد الفتاح شلبي على شيعية أبي علي الفارسي ولو أردنا أن نناقش الدكتور بمنطقه هذا لقلنا: إنّ أبا علي الفارسي كان تلميذ أبي إسحاق الزجّاج. والزجّاج حنبلي، إذن أبو علي الفارسي يكون حنبليا!. ولو فرضنا أن أبا بكر بن السراج كان شافعيا، وأبو علي تلميذ أبي بكر بن السراج، إذن: أبو علي يمكن أن يكون شافعيا!!! وإذا عكسنا فقلنا إن أبا علي الفارسي- كما يقول الدكتور شلبي- شيعي، فتكون النتيجة أن شيوخه هؤلاء الذين درس عليهم من الشيعة بحسب قياس الدكتور واستدلالاته. فهل هذا دليل مقبول؟! ثم إن كثيرا من العلماء في عصر أبي علي كانوا أحنافا وحنابلة وشافعية، وغير ذلك ... مع أن محيطهم من الولاة والحكام كانوا من الشيعة، فهل أثّر ذلك في تمذهبهم؟ ولكنها التهم والتخرصات تردي بصاحبها إلى المهالك! وإذا أردنا أن نبرهن على فساد هذا المذهب نتخذ مثلا على ذلك الإمام محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ وناصر السنّة وأهلها، فإنّه اتّهم بالتشيّع كما قال ياقوت في معجم الأدباء [18/ 40]: «قال غير الخطيب: ودفن ليلا خوفا من العامة، لأنّه كان يتّهم بالتشيّع». هذا مع أن ياقوت ينقل في معجم الأدباء [18/ 85] عن عبد العزيز فيقول:

وقال عبد العزيز بن محمد الطبري. أخبرني غير واحد من أصحابنا أنّه رأى عند أبي جعفر شيخا مسنّا، فقام له أبو جعفر وأكرمه ثم قال أبو جعفر: إن هذا الرجل نال فيّ ما قد صار له عليّ به الحق الكثير، وذلك أني دخلت إلى طبرستان، وقد شاع سبّ أبي بكر وعمر فيها، فسألوني أن أملي فضائلهما، ففعلت وكان سلطان البلد يكره ذلك فاجتمع إليه من عرّفه ما أمليته، فوجه إليّ فبادر هذا وأرسل إليّ من أخبرني أنّي طلبت، فخرجت من وقتي عن البلد، ولم يشعر بي، وحصل هذا في أيديهم فضرب بسببي ألفا. فأيّ تشيّع هذا؟! وأيّ اتهام يرمى به هذا الإمام الكبير المعروف بشدة وطأته على أصحاب البدع والأهواء، والمتمسك بما تتمسك به أهل السنّة والجماعة؟ فهل نقبل هذا الاتهام لمجرد أن زيدا من الناس قال به؟ وقصة الإمام النسائي معروفة مشهورة- وقد ألّف كتابا خاصا بفضائل علي رضي الله عنه وهو شافعي المذهب، وله مناسك للحج على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه. قلت قصته معروفة عند ما خرج إلى دمشق عائدا من مصر، سأله أصحاب معاوية رضي الله عنه من أهل الشام تفضيله على علي- كرّم الله وجهه- فقال: ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل عليا!. وسألوه عمّا يرويه لمعاوية من فضائل؟ فقال: ما أعرف له فضيلة إلا: «لا أشبع الله بطنه» فما زال به أهل الشام يضربونه على خصييه بأرجلهم حتى أخرجوه من المسجد، ثم حمل إلى الرملة. [انظر مقدمة سنن النسائي] وكان هذا سبب وفاته. فهل الإمام النسائي شيعي لأنّه فضّل عليا على معاوية ... ؟! فإن كان الدكتور شلبي يقصد أن هذا اللون من التشيّع كان عند أبي علي الفارسي، وهو تفضيل عليّ وآل البيت فهو صحيح. وهذا عليه أكثرية من السلف الصالح من المسلمين ومن أهل السنّة والجماعة. ومن منّا اليوم من أهل السنّة والجماعة لا يقرّ بالفضل لسيدنا علي على من جاء بعده من الخلفاء وغيرهم؟! ولو أردنا أن نذهب مذهب الدكتور شلبي في هذا الباب لما سلم لنا إلا النزر اليسير من العلماء الذين عاشوا تلك الفترة. ولكان معظمهم عندنا اليوم متهم بنحلة من النحل ثم إننا لم نظفر بنقل في المراجع

التي ترجمت للفارسي على كثرتها- تقول بتشيّعه، بل جلّ ما نقرأه فيها أنه كان متهما بالاعتزال أو وقيل كان معتزليا، ولم يقل أحد منهم إنّه كان معتزليا ... بعبارة التقرير. بل نراها إمّا بصيغة الشك أو التمريض. ثم إن القارئ ليندهش عند ما يقرأ للدكتور شلبي نفسه بعد صفحات أدلة يحشدها ليثبت فيها أن أبا علي الفارسي درس من المذاهب الفقهية مذهب أبي حنيفة وتأثر به، بنفس الطريقة التي دلّل بها على تشيّعه. ويبدو أن الدكتور شلبي كان موفقا هنا في سرد أكثر الأدلة على تأثّر أبي علي بالمذهب الحنفي. منها: 1 - ما ذكره ابن جني (تلميذ أبي علي) قائلا: «اعلم أن أصحابنا انتزعوا العلل من كتب محمد بن الحسن، وجمعوها منها بالملاطفة والرفق. 2 - ثناء أبي علي على أبي حنيفة في أمثلة وردت بكتبه فمن ذلك ما قال: «كما يجوز تشبيه المعنى بالعين للمبالغة في أمره، والرفع منه جاز أيضا تشبيه العين بالمعنى إذا أكثر من محاولة ذلك المعنى، وكثر أخذه فيه، وإكثاره منه، فتقول على ذلك: أبو حنيفة الفقه!، وأصبح ماؤكم غورا». 3 - وكذلك ثناؤه على أبي يوسف في قوله: «أبو يوسف أبو حنيفة!». 4 - استشهاده بأقوال أبي يوسف. 5 - ولما احترقت كتب أبي علي لم يبق منها إلا نصف كتاب الطلاق عن محمد بن الحسن. 1 هـ. قلت والعبارة الأخيرة كاملة كما في معجم الأدباء [7/ 256] وابن العديم في ترجمة أبي علي [مجلة المجمع] قال ابن جني: وحدّثني أبو علي أنّه وقع حريق بمدينة السلام فذهب له جميع علم البصريين، قال: وكنت قد كتبت ذلك كلّه بخطي، وقرأته على أصحابنا، فلم أجد من الصندوق الذي احترق شيئا البتة إلّا كتاب الطلاق عن محمد بن الحسن. وهذه الفقرة تدل دلالة واضحة على تحصيل أبي علي الفارسي علم البصريين وقراءة ذلك كلّه على أصحابه بما فيه الفقه، وخاصة فقه أبي حنيفة.

الممثل بتلميذه محمد بن الحسن. ونحن لو سلّمنا أن أبا علي كان معتزليا، وأردنا أن نسلّم أن من كان في اعتقاده معتزليا يمكن أن يكون شيعيا، لأن كل شيعي معتزلي في اعتقاده وليس العكس، ولكن الأمر المحيّر هو أن يكون أبو علي معتزليا شيعيا حنفيا بحسب الدراسة التي توصل إليها الدكتور بالأدلة والبراهين. ومن يدري؟! فلعله يخطر له خاطر يجعله فيه شافعيا أو حنبليا أو مالكيا، وإذ يمكن للدارس- بيسر- أن يتلمس له من الآراء ما يوافق فيه هذه المذاهب؟! فما رأيكم!! ولعلّ القارى الكريم يستشرف لمعرفة رأينا في هذا الموضوع فنقول: الحقيقة أن مذهب الأحناف أقرب المذاهب التي تتلاءم مع طبيعة أبي علي الفارسي التي تكاد تكون مفطورة على حب القياس والولع به مما جعله يقول: لأن أخطئ في خمسين مسألة مما بابه الرواية أحبّ إليّ من أن أخطئ في مسألة واحدة قياسية (ياقوت 7/ 254)، وسمة القياس هذه من أبرز سمات فقه أبي حنيفة ثم تصريح أبي علي بأنه قرأ جميع علم البصريين على أصحابه، وكتاب الطلاق لمحمد بن الحسن فهذه قرينة دالّة على ما ذهبنا إليه. وإذا أضفنا ما ذكره ابن جنّي في الخصائص [1/ 208] حيث قال: وقلت مرة لأبي بكر بن علي الرازي المشهور بالجصاص صاحب أحكام القرآن، وهو حنفي «1» - وقد أفضنا في ذكر أبي علي، ونبل قدره، ونباوة محلّه: أحسب أن أبا علي قد خطر له، وانتزع من علل هذا العلم ثلث ما وقع لجميع أصحابنا، فأصغى أبو بكر إليه ولم يتبشّع هذا القول عليه» يمكننا أن نقرر مطمئنين إلى أن أبا علي كان حنفي المذهب لا شيعيا. وما يصادفه القارئ من قوله: «عليه السلام» حينما يذكر عليا رضي الله عنه، ليس هذا بالدليل على أن أبا علي الفارسي شيعي، بل كان في ذلك يجاري وليّ نعمته، عضد الدولة الذي قدّم له كتاب الحجة وغيره والذي كان يترضاه، ويتملقه. وقد ذكر ابن خلكان وصاحب شذرات الذهب، ومرآة الجنان وغيرهم أن سبب استشهاد أبي علي الفارسي في كتاب الإيضاح في باب كان

_ (1) انظر الطبقات السنية 1/ 477.

مؤلفاته:

ببيت أبي تمام: من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا لم يكن ذلك لأن أبا تمام يستشهد بشعره، لكن عضد الدولة كان يحب هذا البيت وينشده كثيرا. ثم لم تكن عبارة «عليه السلام» من اختصاص الشيعة ويكفي أن أذكر ابن الأثير في الكامل في التاريخ وكثيرا ما يذكر «عليه السلام» عند ما يرد ذكر سيدنا علي عليه السلام. (انظر 1/ 112، 335) وغيرها كثير متناثر في الأجزاء. وهنالك كلمة أخيرة هي الفيصل في هذا الأمر، وهي أن الحق الذي لا معدل عنه ما يقوله رجال الجرح والتعديل في أبي علي الفارسي لأنّهم هم أصحاب هذا الفن المعتمد، والمعوّل عليهم في بيان حالة الرجل، لا ما يستنبط بالظن والتخمين. مؤلفاته: تعدّ كتب أبي علي الفارسي- رحمه الله- أساسا ركينا، ومرجعا أصيلا من مراجع مكتبتنا العربية في اللغة والنحو، وأصبح في كتابه الحجة لا يستغني عنه كبار المفسّرين واللغويين والنحاة. وإننا لا نكاد نجد عالما جاء بعده من علماء العربية إلّا وكان على بحر علمه من الواردين، ومن نفائس درره من اللاقطين، جميعهم يعرف فضله، فينهل من معينه بلا أنفة، ويزين كتبه بنقول عنه، يجعلها في باب احتجاجه فيصلا حكما. فشاعت مؤلفاته، وانتشر علمه بين العلماء والدارسين من سابقين ولاحقين. ولقد ذكر مؤلفاته ياقوت في معجم الأدباء [7/ 240]: قال: ولأبي عليّ من التصانيف: 1 - كتاب الحجة، وهو كتابنا هذا الذي نقدمه بين يدي القرّاء. 2 - كتاب التذكرة (قال عنه في كشف الظنون 1/ 384 وهو كبير في مجلدات ... ).

3 - كتاب أبيات الإعراب. 4 - كتاب الإيضاح الشعري. 5 - كتاب الإيضاح النحوي، (والتكملة). 6 - كتاب مختصر عوامل الإعراب. 7 - كتاب المسائل الحلبية. 8 - كتاب المسائل البغدادية. 9 - كتاب المسائل الشيرازية. 10 - كتاب المسائل القصرية. 11 - كتاب الأغفال. 12 - كتاب المقصور والممدود. 13 - نقض الهاذور (في الرد على ابن خالويه انظر شرح أبيات المغني 8/ 447). 14 - كتاب الترجمة. 15 - كتاب المسائل المنثورة. 16 - كتاب المسائل الدمشقية. 17 - كتاب أبيات المعاني. 18 - كتاب التتبّع لكلام أبي علي الجبائي في التفسير نحو مائة وتسع عشرة ورقة. 19 - كتاب تفسير قوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ .... 20 - كتاب المسائل البصرية. 21 - كتاب المسائل العسكرية. 22 - كتاب المسائل المصلحة من كتاب ابن السراج. 23 - كتاب المسائل المشكلة «1». 24 - كتاب المسائل الكرمانية. ونضيف إلى ما ذكره ياقوت رحمه الله:- 25 - كتاب الهيثيات ذكره ابن هشام في المغني والبغدادي في الخزانة 2/ 63. 26 - كتاب القدّ: جمعه ابن جنّي من كلام شيخه أبي علي ذكره

_ (1) ذكره بروكلمان 2/ 193 وأضاف إليه بين هلالين ما يلي (البغدادية، ذكره صاحب الخزانة، انظر إقليد الخزانة/ 101/) قلت: نظرت في الإقليد 101 والخزانة 1/ 9، 152، 230، و 2/ 80 فلم أجد ما ذهب إليه بروكلمان. فالكتاب مذكور في الإقليد والخزانة باسم المسائل البغدادية أو البغداديات.

وفاته:

البغدادي في شرح أبيات المغني 2/ 119. 27 - كتاب جواهر النحو منه نسخة في مشهد 12: 7، 19 ذكره بروكلمان 2/ 193. 29 - الأوليات في النحو: (بخط ابن الأفقه) في الخزانة الغروية، ذكره المحسن في الذريعة 2/ 489 رقم 1888. قاله بروكلمان 2/ 193. 30 - مقاصد ذوي الألباب في العمل بالأصطرلاب: مكتبة قوله 2/ 282. المصدر السابق. 31 - كتاب التكملة في النحو وصنّفه لعضد الدولة. المصدر السابق ص 190 - 191. هذه هي المؤلفات التي وقفنا على ذكرها لأبي علي الفارسي- رحمه الله، ونفع بها- وقد تجنبنا فيها الإطالة واكتفينا بسردها كما ذكرتها المصادر، لأننا رأينا في الإفاضة عنها في التعريف بها يحتاج وحده إلى فصل كامل ليس هنا مكانه. وفاته: لقد اتفق العلماء الذين ترجموا لأبي علي الفارسي أنه توفي يوم الأحد لسبع عشرة خلت من ربيع وهنالك اختلاف أكانت الوفاة في ربيع الأول أم في ربيع الآخر؟. فالبغدادي وابن الأنباري يذكران أنه كانت الوفاة في ربيع الأول. وعليه أكثر من ترجم له. وابن خلكان يذكر أنّه توفي في ربيع الآخر. أما سنة وفاته فقد اختلفوا فيها، فابن النديم يذكر أنه توفي قبل سنة 370، وابن الأثير يذكره في تاريخه في وفيات سنة 376. أما بقية المصادر فتجعل وفاته سنة 377. قال الخطيب البغدادي، قال أبو الفوارس: في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة توفي أبو علي الفسوي النحوي.

وقال البغدادي: حدّثني أحمد بن علي التوزي، قال: توفي أبو علي الفارسي النحوي في يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثلاثمائة. [تاريخ بغداد 7/ 276]. وقال ابن العديم: قرأت في ديوان الشريف الرضي محمد بن الحسين العلوي، قال يرثي «1» أبا علي الحسن بن أحمد الفارسي النحوي، وتوفي ليلة السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، ودفن بالشونيزية عند قبر أبي بكر الرازي الفقيه، وكان قد نيّف على التسعين. وقال ابن العديم: وقرأت بخط الحافظ السلفي، وذكر أنه نقله من خط علي بن عبد الملك بن الحسين بن عبد الملك الدبيقي: مات أبو علي الفارسي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة [مجلة المجمع 1/ 47 سنة 1984]. وقال ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة [4/ 151] في سنة 377. توفي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي الفارسي النحوي الإمام المشهور.

_ (1) وأبيات الشريف الرضي في رثائه في ديوانه 1/ 588 وإنك لا تلمس فيها روح البكاء على أبي علي بقدر ما تلمس فيها إعجاب الرضي بمقدرته العلمية، فالأبيات في تأبين أبي علي، ومدحه. وإليكم أبيات مختارة منها: أبا علي للألدّ إن سطا ... وللخصوم إن أطالوا اللغطا تصيب عمدا إن أصابوا غلطا ... ولمع تكشف عنهنّ الغطا إلى أن يقول: غلّل ما بين العقاص المشطا ... ضلّ المجارون وما تورّطا خلّوا مجاراة فنيق قد مطا ... قرم يهدّ الأرض إن تخمّطا لا جزعا أودى ولا مغتبطا ... كانوا العقابيل وكنت الفرطا عند السراع يعرف القوم البطا ... أرضى زمان بك ثمّ أسخطا ما أطلب الأيام منّا شططا.

المصادر التي ترجمت لأبي علي الفارسي كثيرة نذكر أبرزها: 1 - الفهرست لابن النديم ص 95 دار المعرفة. 2 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 7/ 275 - 276. 3 - نزهة الألباء لابن الأنباري 315 - 317 أبو الفضل إبراهيم 1386 - 1967. 4 - المنتظم لابن الجوزي طبعة حيدرآباد الدكن 1358 هـ ج 7/ 138 وهي نفس ترجمة الخطيب البغدادي. 5 - معجم الأدباء لياقوت الحموي 7/ 232 - 261 وفيه أوسع ترجمة له. 6 - الكامل في التاريخ لابن الأثير طبعة صادر 9/ 51 هـ 1966 م. 7 - إنباه الرواة 1/ 273 - 275. 8 - وفيات الأعيان لابن خلكان (إحسان عباس) 2/ 80 - 82. 9 - ميزان الاعتدال للذهبي القاهرة سنة 1963 - / 480، 481. 10 - الوافي بالوفيات للصفدي 11/ 376 - 379 (1401 هـ 1981 م باعتناء الدكتور شكري فيصل. 11 - مرآة الجنان لليافعي 2/ 406 - 407. 12 - لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني طبعة الهند 2/ 195. 13 - النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 4/ 135 و 151. 14 - بغية الوعاة للسيوطي. 15 - طبقات القرّاء لابن الجزري. 16 - شذرات الذهب 3/ 88. 17 - شرح أبيات المغني (تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق طبع دار المأمون للتراث) انظر فهارسه 8/ 365، 366 وورد اسمه سهوا: [الحسين بن أحمد بن عبد الغفار والصواب الحسن ... ]. 18 - تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، النسخة العربية 2/ 190 - 194. 19 - مجلة المجمع مجلد 4/ 58 سنة 1983 ومجلد 1/ 59 سنة 1984. ترجمة أبي علي الفارسي بتحقيق الدكتور شاكر الفحام وهي ترجمة مستلّة من كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم.

مقدمة المؤلف

مقدّمة المؤلف الحجّة للقرّاء السّبعة أئمّة الأمصار بالحجاز والعراق والشّام الّذين ذكرهم أبو بكر بن مجاهد تصنيف أبي علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (288 - 377 هـ)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[الحمد لله ربّ العالمين] «1» وصلى الله على سيدنا «2» محمد خاتم النبيين وعلى جميع الأنبياء، والمرسلين، وسائر عباد الله «3» الصالحين وسلّم «4». أمّا بعد: أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجل المنصور، ولي النعم «5»، عضد الدولة، وتاج الملة، وأدام له العز «6» والبسطة والسلطان «7»، وأيده «8» بالتوفيق والتسديد، وعضده «9» بالنصر والتمكين، فإن هذا كتاب نذكر فيه وجوه

_ (1) زيادة من: (ط). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): عباده. (4) زيادة في (م). (5) في (ط): أطال الله بقاء الأمير الجليل عضد الدولة. وعضد الدولة هو أبو شجاع فنّا خسرو بن ركن الدولة أبي علي الحسن ابن بويه الديلمي، كان أعظم ملوك البويهيين، وأول من خوطب بالملك في الإسلام وأول من خطب له على المنابر بعد الخليفة ببغداد، وكان فاضلا محبا للفضلاء والشعراء، ومدحه المتنبي وغيره، وصنف له الفارسي كتاب «الإيضاح» و «التكملة» في النحو، ويظهر من سياق الخطبة أنه صنف له أيضا هذا الكتاب: «الحجة». وتوفي عضد الدولة، سنة 372 هـ، انظر ابن خلكان 4/ 54. (6) في (ط): العزة. (7) زيادة في (م). (8) في (ط): وأمده. (9) في (ط): وأيده.

قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب «1» أبي بكر أحمد ابن موسى بن العباس بن مجاهد «2» [رحمه الله] «3» المترجم بمعرفة قراءات أهل الأمصار بالحجاز والعراق والشام، بعد أن نقدم ذكر كل حرف من ذلك على حسب ما رواه، وأخذنا عنه. وقد كان أبو بكر محمد بن السريّ «4» شرع في تفسير صدر من ذلك في كتاب كان ابتدأ بإملائه، وارتفع منه تبييض «5» ما في سورة البقرة من وجوه الاختلاف عنهم، وأنا أسند إليه ما فسّر من ذلك في كتابي هذا، وإلى الله أرغب «6» في تيسير ما قصدته، والمعونة عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

_ (1) يعني كتاب السبعة في القراءات، وقد طبع في دار المعارف بمصر سنة 1972 بتحقيق الدكتور شوقي ضيف. (2) ابن مجاهد هو: أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي الحافظ الأستاذ أبو بكر بن مجاهد البغدادي (245 - 324 هـ) شيخ الصنعة، وأول من سبع السبعة، حكى ابن الأخرم أنه وصل إلى بغداد، فرأى في حلقة ابن مجاهد نحوا من ثلاثمائة مصدر، وقال علي بن عمر المقرئ كان ابن مجاهد له في حلقته أربعة وثمانون خليفة يأخذون على الناس، انظر تاريخ بغداد 5/ 144 وغاية النهاية في طبقات القراء 1/ 139 ومعجم الأدباء 5/ 65. (3) زيادة من (ط). (4) هو أبو بكر محمد بن السري السراج النحوي، من تلاميذ المبرد، أحد أئمة الأدب والعربية من أهل بغداد، وانتهت إليه رئاسة النحو بعد الزجاج تلميذ المبرد أيضا. واشتهر ابن السراج بكتابه: أصول النحو، وقيل فيه: «ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله»، وله في القراءات كتاب احتجاج القراء. وتوفي ابن السراج سنة 316 هـ، انظر ابن خلكان 4/ 339 ومصادر ترجمته في النزهة 249. (5) في (ط): وارتفع منه بعض. (6) في (ط): نرغب.

فاتحة الكتاب

فاتحة الكتاب [الفاتحة: 4] اختلفوا في إثبات الألف، وإسقاطها من قوله [عزّ وجلّ] «1»: ملك «2» يوم الدين [الفاتحة/ 4]. فقرأ عاصم «3»، والكسائي «4»: (مالك) بألف، وقرأ الباقون «5»:

_ (1) زيادة من: (ط). (2) في (ط): مالك. (3) هو أبو بكر عاصم بن أبي النّجود الجحدري الكوفي أحد القراء السبعة. أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن السلمي وزرّ بن حبيش، وأخذ عنه أبو بكر ابن عياش وأبو عمرو البزار واختلفوا اختلافا شديدا في حروف كثيرة. وكان أهل الكوفة يختارون قراءته، وتوفي سنة 127 هـ بالكوفة، انظر ابن خلكان 3/ 9 وغاية النهاية في طبقات القراء 1/ 346. (4) هو أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي أحد القراء السبعة، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات، وهو أيضا إمام الكوفيين في النحو، روى الكسائي عن أبي بكر بن عياش وحمزة الزيات وابن عيينة وغيرهم وروى عنه الفراء وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهما. وتوفي بالري سنة 189 هـ، انظر ابن خلكان 3/ 295 وطبقات القراء 1/ 535. (5) المراد بالباقين بقية القراء السبعة، وهم: أ- نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، وكنيته أبو رويم الليثي مولاهم، المدني، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة، وكان له راويان: ورش وقنبل، واختلف في وفاته، انظر طبقات القراء 2/ 330، وابن خلكان

(ملك) بغير ألف، ولم يمل «1» أحد الألف من (مالك) «2»

_ 5/ 368 وشذرات الذهب 1/ 330. ب- عبد الله بن كثير، أبو معبد المكي الداري، إمام أهل مكة في القراءة، وكان فصيحا بليغا مفوها عليما بالعربية، ولد بمكة سنة 45 هـ وتوفي بها سنة 120 هـ، انظر طبقات القراء 1/ 443 وابن خلكان 3/ 41. ج- عبد الله بن عامر الدمشقي، أبو عمران، إمام أهل الشام في القراءة وكان أسن القراء السبعة وأعلاهم سندا، قرأ على جماعة من الصحابة، وقيل إنه قرأ على عثمان بن عفان، ولد سنة 21 هـ وتوفي بدمشق سنة 118 هـ، انظر طبقات القراء 1/ 423. د- حمزة بن حبيب الزيات أبو عمارة الكوفي التيمي مولاهم، وقيل: بل من صميمهم، وكان أحد القراء السبعة وعنه أخذ أبو الحسن الكسائي القراءة، وأخذ هو عن الأعمش، ولد سنة 80 هـ، وأدرك بعض الصحابة، وإليه صارت إمامة القراءة بعد عاصم في الكوفة، وتوفي سنة 156 هـ، انظر طبقات القراء 1/ 261. وابن خلكان 2/ 216. هـ- أبو عمرو بن العلاء وستأتي ترجمته. (1) قول الفارسي: ولم يمل أحد الألف من مالك، الظاهر أنه يريد أن أحدا من القراء السبعة، لم يمل ألف مالك، وهذا لا يمنع الإمالة عند غير السبعة، وإذا فلا وجه لقول أبي حيان في البحر 1/ 20: «وجهل النقل- أعني في قراءة الإمالة- أبو علي الفارسي فقال: لم يمل أحد من القراء ألف مالك، وذلك جائز إلا أنه لا يقرأ بما يجوز إلا أن يأتي بذلك أثر مستفيض». قال أبو حيان: وقد قرأ «مالك» بالإمالة البليغة يحيى بن يعمر، وأيوب السختياني، وبين بين قتيبة بن مهران عن الكسائي. قلنا: وهذه الرواية عن الكسائي ليست قراءته السبعية. (2) في (ط): في مالك. وانظر السبعة في القراءات 104 فقد ذكره من قوله: اختلفوا.

قال أبو بكر محمد بن السريّ: قال أبو عمرو «1» فيما أخذته عن اليزيديين «2»: إن «ملك» يجمع مالكا، أي: ملك ذلك اليوم بما فيه، و «مالك» إنما يكون للشيء وحده، تقول: هو مالك ذاك «3» الشيء، وقال الله سبحانه «4»: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران/ 26] للشيء بعينه، فملك يجمع مالكا، ومالك لا يجمع ملكا. وقال الله سبحانه «5»: مَلِكِ النَّاسِ [الناس/ 2] والْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [الحشر/ 23].

_ (1) هو زبان بن العلاء بن عمار بن عبد الله المازني أحد القراء السبعة وأغزرهم علما، وكان إمام أهل العصر في القراءات والنحو واللغة، وأخذ عنه خلق كثير منهم اليزيدي وأبو عبيدة والأصمعي، وتوفي في المدة بين 148 و 157 هـ انظر ابن خلكان 3/ 466 وطبقات القراء 1/ 288، ونزهة الألباء ص 24. (2) القائل: «فيما أخذته عن اليزيديين» هو أبو بكر محمد بن السري، واليزيديون نسبة إلى أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي: نحوي مقرئ ثقة علامة كبير في النحو والعربية والقراءة، والمراد أولاده وحفدته، وقد أخذوا عن أبيهم وجدهم علما كثيرا رواه عن أبي عمرو بن العلاء، فقد كان اليزيدي خير رواة قراءة أبي عمرو وعلمه، فقد أخذ القراءة عرضا عن أبي عمرو بن العلاء، وخلفه بالقيام بها وهو أضبط أصحاب أبي عمرو عنه قيل إنه أملى عشرة آلاف ورقة عن أبي عمرو خاصة. كما كان مؤدب أولاد يزيد بن منصور الحميري خال المهدي، وإليه ينتسب، ثم اتصل بالرشيد فأدب ولده المأمون. وكان له خمسة بنين كلهم ألف في اللغة والعربية، ولد في سنة 123 هـ وتوفي سنة 202 هـ في خراسان أو مرو، انظر ابن خلكان 6/ 183 وطبقات القراء 2/ 375. ومصادر ترجمته في نزهة الألباء ص 81 والأعلام 9/ 205. (3) في (ط): هذا. (4) في (ط): عز. (5) في (ط): عز وجل.

قال «1»: وحكي أن عاصما الجحدري قرأها (ملك) «2» بغير ألف. فقال «3» محتجا على من قرأها «4» (مالك) بألف «5»: يلزمه أن يقرأ: قل أعوذ برب الناس مالك الناس [الناس/ 1، 2]. قال هارون «6»: فذكرت ذلك لأبي عمرو، فقال: نعم، أفلا يقرءون: فتعالى الله المالك «7» الحق [المؤمنون/ 116]؟. قال «8»: وقال بعض من اختار القراءة بملك: إن الله قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله: رَبِّ الْعالَمِينَ فلا فائدة في تكريره ذكر ما قد مضى ذكره من غير فصل بينهما بذكر «9» معنى غيره. قال: وقال: وإن الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «10» بقراءته: ملك يوم الدين أصح إسنادا من الخبر بقراءته (مالِكِ). وإنّ وصفه بالملك أبلغ في المدح، قال: وهي قراءة

_ (1) أي أبو بكر ابن السراج. (2) «ملك» على وزن سهل. ذكر أبو حيان أن عاصما الجحدري قرأها كذلك، انظر البحر 1/ 20. (3) أي: عاصم. (4) في (ط): من قرأ. (5) في (ط): بالألف. (6) في (ط) حذف: الناس، وسقطت من (م): قال هارون هنا، وذكرت بعد قوله: الحق، وهارون: هو ابن موسى، أبو عبد الله الأعور العتكي البصري الأزدي مولاهم، صاحب القرآن والعربية، وأخذ عن عاصم وابن كثير وأبي عمرو وغيرهم، وهو أول من تتبع وجوه القراءات وألفها، وتتبع الشاذ منها وبحث عن إسناده، توفي في حدود 170 هـ، انظر تاريخ بغداد 14/ 3 وبغية الوعاة 2/ 321 وطبقات القراء 2/ 348. (7) في (م): الملك. (8) أي: ابن السراج. (9) في (ط): بذكره. (10) في (ط): سقط: وسلّم.

أبي جعفر، والأعرج «1» وشيبة بن نصاح «2». قال «3» أحمد بن يحيى: من حجة الكسائي أنه يقال: مَلِكِ النَّاسِ مثل سيّد الناس، وربّ الناس، ومالك يوم الدين، ولا يقال: سيد يوم الدين، فإذا كان مع الناس وما

_ (1) في (م): أبي جعفر الأعرج بإسقاط الواو، والصواب ما أثبتناه من (ط). وأبو جعفر هو المخزومي، يزيد بن القعقاع المدني القارئ، أحد القراء العشرة أي ثلاثة بعد السبعة. وهو تابعي مشهور جليل القدر، ومن رواته نافع أحد السبعة، وكان إمام أهل المدينة في القراءة فسمي القارئ بذلك، ويقول ابن الجزري في قراءته: «والعجب ممن يطعن في هذه القراءة أو يجعلها من الشواذ، وهي لم يكن بينها وبين غيرها من السبع فرق كما بيناه في كتابنا المنجد» وتوفي سنة 130 هـ في أرجح الأقوال، انظر طبقات القراء 2/ 382. والأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز، أبو داود المدني الأعرج، وهو تابعي جليل روى عنه نافع أيضا، ومات بالإسكندرية ودفن بها سنة 117 هـ، انظر طبقات القراء 1/ 381. (2) هو شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب، إمام ثقة كان مقرئ المدينة مع أبي جعفر وقاضيها، ومولى أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وهو أول من ألف في وقوف القرآن وتوفي سنة 130 هـ، قال الحافظ أبو العلاء: هو من قراء التابعين الذين أدركوا أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وأدرك أمّي المؤمنين عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعتا الله له أن يعلمه القرآن. انظر طبقات القراء 1/ 329. وتهذيب التهذيب 4/ 377. (3) في (ط): وقال. وأحمد بن يحيى هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد بن سيار الشيباني بالولاء النحوي المعروف بثعلب، كان إمام الكوفيين في النحو واللغة على عهد المبرد الذي كان إمام البصريين وله كتاب في القراءات ومجالس ثعلب وكتاب الفصيح وغيرها، ولد سنة 200 هـ وتوفي سنة 291 هـ، انظر ابن خلكان رقم 1/ 102، طبقات القراء 1/ 148.

يفضل عليهم كان «ملك» وإذا كان مع غير الناس كان «مالك». قال: وقال من احتجّ لمالك، وكره «ملك»: إن أول من قرأ «ملك» مروان بن الحكم «1» وإنه قد يدخل في الملك ما لا يجوز، ولا يصح دخوله في الملك، قالوا: وذلك أنه صحيح في الكلام أن يقال: فلان مالك الدراهم والطير، وغير صحيح أن يقال: فلان ملك الدراهم والدنانير. قالوا: فالوصف بالملك أعم من الوصف بالملك، والله سبحانه «2» مالك كل شيء قالوا: والمعنى: أنه يملك الحكم يوم الدين بين خلقه دون سائر الخلق الذين كانوا يحكمون بينهم في الدنيا. قالوا: وقد وصف الله سبحانه «3» نفسه بأنّه مالك الملك، فقال تعالى «4»: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [آل عمران/ 26]، ولا يقال: هو ملك الملك، قالوا: فوصفه بالملك. أبلغ في الثناء وأعمّ في المدح من وصفه بالملك. وقرأها (مالِكِ) من متقدمي القرّاء قتادة «5» والأعمش «6».

_ (1) سيأتي رد الفارسي على ذلك قريبا ص 15 - 16. (2) سقطت كلمة. سبحانه من (ط). (3) في (ط): عز وجلّ. (4) سقطت كلمة تعالى من (ط). (5) هو قتادة بن دعامة السدوسي (60 - 117 هـ)، أبو الخطاب الأعمى البصري المفسر، أحد الأئمة في حروف القرآن، وله اختيار، وكان يضرب بحفظه المثل، كما كان خبيرا بالنسب وأيام العرب والحديث والفقه. وكان يتكلم في القدر وفيه يقول أبو عمرو بن العلاء: لولا كلامه في القدر لما عدلت به أحدا من أهل دهره، انظر طبقات القرّاء 2/ 25 وابن خلكان 4/ 85. (6) هو شيخ الإسلام سليمان بن مهران الأعمش (61 - 148 هـ)، أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي الإمام الجليل، كان من أقرأ الناس

وقال أبو عبيد «1» في قوله: ملك يوم الدين معناه: الملك يومئذ ليس ملك غيره. ومن قرأ (مالِكِ) أراد: أنه يملك الدين والحساب لا يليه سواه. قال: وكذلك يروى عن عمر «2». قال «3» أبو بكر محمد بن السري: الاختيار عندي: «ملك يوم الدين»، والحجة في ذلك: أن الملك والملك يجمعهما معنى واحد، ويرجعان إلى أصل، وهو الربط والشد، كما قالوا: ملكت العجين، أي: شددته. وقال الشاعر: ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها «4»

_ للقرآن، قال الفلاس: كان الأعمش يسمى: المصحف من صدقه، وقرأ عليه حمزة الزيات، أحد السبعة، وروى عنه أنه قال: إن الله زين بالقرآن أقواما، وإني ممن زينه الله بالقرآن ولولا ذلك لكان على عنقي دنّ أطوف به في سكك الكوفة، انظر طبقات القراء 1/ 315. وتذكرة الحفاظ 1/ 154 ووفيات الأعيان 2/ 400. (1) هو القاسم بن سلام، أبو عبيد الخراساني الأنصاري مولاهم البغدادي الإمام الكبير الحافظ أحد الأعلام المجتهدين، وصاحب التصانيف في القراءات والحديث والفقه واللغة والشعر، وله اختيار في القراءة وافق فيه العربية والأثر، وقال فيه الداني: إمام أهل دهره في جميع العلوم صاحب سنة، ثقة مأمون. توفي بمكة 224 هـ، انظر طبقات القراء 2/ 18. وتذكرة الحفاظ 2/ 417 وابن خلكان 4/ 60 ونزهة الألباء ص 136. (2) نقل أبو حيان أنه قرأ: مالك على وزن فاعل بالخفض عاصم والكسائي وخلف في اختياره ويعقوب وهي قراءة العشرة إلا طلحة والزبير وقراءة كثير من الصحابة. كما نقل عن عمر بن عبد العزيز أنه قرأ مالك على وزن فاعل أيضا ولكن بنصب الكاف. البحر 1/ 20. (3) في (ط): قال أبو علي قال أبو بكر. (4) البيت لقيس بن الخطيم الأوسي من قصيدة أولها:

يصف طعنة، يقول: شددت بها كفي. والإملاك من هذا، إنما هو رباط الرجل بالمرأة، وكلام العرب بعضه مأخوذ من بعض، فقد يكون الأصل واحدا ثم يخالف بالأبنية، فيلزم كل بناء ضربا من ذلك الجنس، مثال ذلك العدل، يشتقّ منه: العدل والعديل، فالعدل: ما كان متاعا، والعديل: الإنسان، والأصل إنما هو العدل. وكذلك ملك، ومالك «1» فالملك الذي يملك الكثير من الأشياء: ويشارك غيره من الناس، بأنه يشاركه في ملكه بالحكم عليه فيه، وأنه لا يتصرف فيه إلا بما يطلقه له الملك، ويسوسه به، ويجتمع مع ذلك أن الملك يملك على الناس أمورهم في أنفسهم، وجميع متصرّفاتهم، فلا يستحق اسم الملك حتى يجتمع له ملك هذا كله، فكل ملك مالك، وليس كلّ مالك ملكا. وأما قوله تعالى: «2» مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران/ 26] فإنّ الله سبحانه «3» يملك ملوك الدنيا، وما ملكوا، وإنّما تأويل ذلك: أنّه يملك ملك الدنيا، فيؤتي الملك من يشاء. فأمّا يوم الدين فليس إلّا ملكه، وهو ملك الملوك جلّ وعزّ يملكهم كلّهم، وقد يستعمل هذا في الناس، فيقال: فلان ملك الملوك

_ تذكّر ليلى حسنها وصفاءها ... وبانت فأمسى ما ينال لقاءها والمعنى: أنه شد كفه بهذه الطعنة فأنهر، أي: وسع، فتقها، بحيث يرى المرء من خلال هذه الطعنة ما وراء المطعون بها. انظر ديوانه ص 8 والمعاني الكبير ص 978 والخزانة 3/ 168. (1) في (ط): فكذلك مالك وملك. (2) في (ط): عزّ وجلّ. (3) في (ط): عزّ وجلّ.

وأمير الأمراء، يراد بذلك: أن من دونه ملوكا وأمراء فيقال: ملك الملوك وأمير الأمراء، ولا يقال: ملك الملك، ولا أمير الإمارة، لأنّ أميرا وملكا صفة غير جارية على فعل، فلا معنى لإضافتها إلى المصدر، فأمّا «1» إضافة ملك إلى الزمان فكما يقال: ملك عام كذا، وملوك سنيّ كذا، وملوك الدهر الأوّل، وملك زمانه، وسيّد زمانه، وهو في المدح أبلغ. والآية إنما نزلت بالثناء والمدح لله سبحانه «2» والصفة له، ألا ترى قوله [تعالى] «3»: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة/ 1 - 2]؟ فالربوبية والملك متشابهان. قال: وللمختار لمالك أن يقول: قرأت: (مالِكِ) لأنّ المعنى: يملك يوم الدين، وهو يوم الجزاء، ولا يملك ذلك اليوم أن يأتي به ولا سائر الأيام غير الله سبحانه «4»، وهذا ما لا يشاركه فيه مخلوق في لفظ ولا معنى. فيقال: هذا الذي قلت حسن، ولولا هذا المعنى وما يؤيّده ما جازت القراءة به، ولا بدّ للمعاني من أن تتقارب، والملك في ذلك اليوم أيضا لا يكون إلا لله تعالى «5»، فهو متفرد «6» بهذا الوصف، ويقوّي ذلك قوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ «7» [غافر/ 16] وقوله: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار/ 19]. فإن احتجّ المختار لمالك بما روي من أنّ أوّل من قرأ

_ (1) في (ط): وأما. (2) في (ط): تعالى في مكان سبحانه. (3) زيادة من (ط). (4) «سبحانه» ليست في (ط). (5) سقطت من (ط). (6) في م «منفرد». (7) في (ط): «لمن الملك اليوم لله».

«ملك» مروان بن الحكم، احتجّ عليه من الأخبار بما يبطل ذلك، ولعل القائل لذلك أراد: أنّ «1» أول من قرأ في ذلك العصر، أو من ضربه، لأنّ القراءة بذلك أعرض وأوسع من ذلك بحسب ما انتهى إلينا. انتهت الحكاية عن أبي بكر «2». قال أبو عليّ [الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار رضي الله عنه] «3»: قال أبو الحسن الأخفش فيما روى محمد بن العباس عن عمه عنه: يقال: ملك بيّن الملك، الميم مضمومة. وتقول: مالك بيّن الملك والملك، بفتح الميم وكسرها. وزعموا أن ضمّ الميم لغة في هذا المعنى. وروى بعض رواة البغداذيين: يقال: طالت مملكتهم الناس ومملكتهم «4» وطال ملكه وملكه إذا طال رقّه. وأعطاني من ملكه وملكه، وهو ما يقدر عليه، ولي في هذا الوادي ملك وملك وملك. ويقال: نحن عبيد مملكة، ولسنا بعبيد قنّ، أي: سبينا، لم نملك في الأصل. وقال أبو عثمان «5»: شهدنا إملاك فلان، وملكه، ولا يقال: ملاكه.

_ (1) زيادة من (ط). (2) أي: ابن السراج المتقدم في ص 9. (3) ما بين معقوفين لم يرد في (ط). (4) اللسان (ملك) وفيه: الأخيرة نادرة لأن مفعلا ومفعلة قلما يكونان مصدرا. (5) هو أبو عثمان المازني بكر بن محمد بن بقية، أو ابن عدي بن حبيب، الإمام النحوي البصري أستاذ المبرد، وقال المبرد: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان. توفي سنة 248 هـ، انظر بغية الوعاة 1/ 463.

وقال غيره: ملكت بها كفي «1» ... أي: شددت، وملكت العجين، أي: شددت عجنه. قال أبو علي: وإملاك المرأة إنما هو العقد عليها، وقيل: إملاك، كما قيل: عقدة النكاح، والملك للشيء: اختصاص من المالك به، وخروجه عن أن يكون مباحا لغيره، ومعنى الإباحة في الشيء كالاتساع فيه، وخلاف الحصر له، والقصر على شيء. ألا تراهم قالوا: باح السرّ، وباحة الدار؟ وقال أوس بن حجر «2»: فملّك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقيء بيض كنّه القيض من عل ملّك أي «3»: شدّد أي: ترك شيئا من القشر على قلبها يتمالك «4» به ويكنّها، لئلا يبدو قلب القوس فتنشق. قال أبو علي «5»: وينبغي أن يكون موضع الذي: نصبا، بأنّه مفعول به لملّك، ولا يكون جرّا على أنّه وصف لليط، لأنّ

_ (1) هذا لقيس بن الخطيم. وقد سبق ص 13. (2) ديوانه ص 97 وشرح أبيات المغني 3/ 359، 374، واللسان (ليط) و (ملك). يصف قوسا، والليط بكسر اللام: القشر، والغرقئ كزبرج: القشرة الرقيقة فوق بياض البيض، والقيض: القشرة اليابسة العليا، أي: أن القواس حين قشر عود القوس لم يستأصل قشره، بل أبقى الليط الملتزق بالقشرة ليقويه بذلك ويملّكه، من ملكه إذا قواه، ديوان أوس/ 97. (3) سقطت «أي» من (ط). (4) في (ط): تتمالك. (5) سقطت: أبو علي من (ط).

الليط فوق القلب، ليس تحته، والمعنى: فملّك بالقشر الذي فوق القلب الذي تحت القشرة «1» ليصون القشر القلب فلا ينشقّ، ألا ترى أنّهم قالوا: إذا لم يكن عليها القشر صنعوها عقبة «2». قال أبو علي: فكأن العقب يصون القلب كما يصونها بترك القشر عليه، ويدلّ على ذلك تشبيهه بالقيض والغرقئ. قال أبو علي «3»: وأمّا ما حكاه أبو بكر عن بعض من اختار القراءة بملك، من أنّ الله سبحانه قد وصف نفسه بأنّه مالك كلّ شيء بقوله: رَبِّ الْعالَمِينَ فلا فائدة في تكرير ذكر ما قد مضى، فإنّه لا يرجّح قراءة ملك على مالك، لأنّ في التنزيل أشياء على هذه الصورة قد تقدّمها العامّ، وذكر بعد العامّ الخاصّ، كقوله «4» [عزّ وجلّ]: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق/ 1] [ثم قال: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ] «5» [العلق/ 2]. فالذي: وصف للمضاف إليه «6» دون الأول المضاف لأنه كقوله: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ [الحشر/ 24] ثم خصّ ذكر الإنسان تنبيها على تأمل ما فيه من إتقان الصنعة، ووجوه الحكمة، كما قال: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات/ 21] وقال: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق/ 2]

_ (1) في (ط): القشر. والذي الأولى في موضع جر صفة، والثانية: نصب مفعول به. (2) العقبة: (بالتحريك) واحدة العقب (بالتحريك أيضا)، والعقب: هو العصب الذي تعمل منه الأوتار. (3) سقطت عبارة: «قال أبو علي» من (ط). (4) زيادة من (ط). (5) ما بين المعقوفين سقط من (ط). (6) وهو رب الذي هو مضاف أيضا.

وكقوله: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة/ 4] بعد قوله «1»: [عزّ وجلّ]: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة/ 3] والغيب يعمّ الآخرة، وغيرها، فخصّوا بالمدح بعلم ذلك والتيقن له، تفضيلا لهم على الكفار المنكرين لها، في قولهم: لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ، قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سبأ/ 3]. وكقولهم «2»: ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا [الجاثية/ 32]، وكقولهم: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا [الجاثية/ 24] وكذلك قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الرحمن أبلغ من الرحيم، بدلالة أنه لا يوصف به إلا الله سبحانه «3». وذكر الرحيم بعده لتخصيص المسلمين به في قوله تعالى «4»: وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب/ 43] فكما ذكرت هذه الأمور الخاصّة بعد الأشياء العامّة لها ولغيرها، كذلك «5» يكون قوله مالك يوم الدين، فيمن قرأها بالألف بعد قوله: الحمد لله رب العالمين. وممّا يشهد لمن قرأ: (مالِكِ) من التنزيل قوله تعالى «6»: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار/ 19] لأن قولك: الأمر له، وهو مالك الأمر بمعنى. ألا ترى أن لام الجر معناها: الملك والاستحقاق، وكذلك قوله [عزّ وجلّ] «7»: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً [الانفطار/ 19] يقوّي ذلك؟ والتقدير: مالك يوم الدين من الأحكام ما لا تملكه نفس

_ (1) زيادة من (ط). (2) في (ط): وكقوله. (3) في (ط): عزّ وجلّ. (4) في (ط): عزّ وجلّ. (5) في (ط): وكذلك. (6) في (ط): سقطت كلمة: تعالى. (7) زيادة من (ط).

لنفس. ففي هذا دلالة وتقوية لقراءة من قرأ: (مالك). وإن كان قوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر/ 66] أوضح دلالة. على قراءة من قرأ: ملك، من حيث كان اسم الفاعل من الملك: الملك «1» فإذا قال: الملك له ذلك اليوم، كان بمنزلة: هو ملك ذلك اليوم. هذا مع قوله: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [طه/ 114] والْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [الحشر/ 23] ومَلِكِ النَّاسِ [الناس/ 2]. واعلم أن الإضافة إلى يوم الدين في كلتا القراءتين من باب: يا سارق الليلة أهل الدار «2» اتّسع في الظرف فنصب نصب المفعول به، ثم وقعت الإضافة إليه على هذا الحدّ، وليس إضافة اسم الفاعل هاهنا إلى اليوم كإضافة المصدر إلى الساعة في قوله: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف/ 85]، لأن الساعة مفعول بها على الحقيقة، وليس على أن جعل الظرف مفعولا به «3» على السعة. ألا ترى أن الظرف إذا جعل مفعولا على السعة فمعناه متّسعا فيه معنى الظرف؟ فلو جعلته ظرفا لكان المعنى: يعلم في الساعة، فلم يكن بالسهل، لأنّ القديم- سبحانه- يعلم في كل وقت، فإنّما معنى يعلم الساعة: يعرفها، وهي حقّ، وليس

_ (1) هذا نظير قول الزجاج والنحاس في تفسير «حرج» من قوله تعالى: «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً» على أنه اسم فاعل. انظر القرطبي 7/ 82. (2) رجز مجهول القائل وهو من شواهد سيبويه 1/ 89، والزمخشري وشرح المفصل انظر ابن يعيش: 2/ 45، 46. (3) سقطت كلمة: «به» من (ط).

الأمر على ما الكفار عليه من إنكارها وردّها. وإذا كان كذلك فمن نصب: وَقِيلِهِ يا رَبِّ «1» [الزخرف/ 88] جاز أن يكون حاملا له على المعنى، وموضع الساعة «2»، لأن الاسم منصوب في المعنى بأنه مفعول به. وكذلك قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ «3» [لقمان/ 34]، وهذا كقوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ [البقرة/ 65] وإذا كان كذلك، فالظرف في قوله: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف/ 187] وإِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي [الأعراف/ 187] لا يكون متعلقا بمحذوف إلّا أن تجعله في موضع حال. ومما يمكن أن يكون انتصابه على أنّه مفعول به على الاتساع وكان في الأصل ظرفا، قوله «4»: (أَيَّاماً) في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ [البقرة/ 183] فالعامل

_ (1) وتمامها: «وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ»، وفي الآيات قبل ذلك: «وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»، فقرأ عاصم وحمزة بجر «قِيلِهِ» على أنه معطوف على الساعة في قوله: «عِلْمُ السَّاعَةِ»، وقرأ الباقون بالنصب عطفا على محل الساعة التي هي مفعول في المعنى للمصدر، أي: يعلم الساعة ويعلم قيله، والضمير في قيله يعود إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم. انظر البحر 8/ 30 والنشر 2/ 370. (2) فمعنى موضع الساعة على ما سبق أنه محمول، أي معطوف على محل الساعة بالنصب. (3) قوله تعالى: (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ). زيادة من (م). (4) زاد في (ط): عز وجل، وقد خطأه في هذا الرأي أبو حيان، لأن الكتابة ليست واقعة في الأيام، والصحيح أن أياما ظرف متعلق بصوموا مقدرا بدلالة ما قبله، انظر البحر المحيط: 2/ 31.

في الأيام (كتب)، تقديره: كتب عليكم الصيام أياما معدودات. أي: في أيام [معدودات] «1». وإن شئت اتسعت فنصبته نصب المفعول به فتقول على هذا: يا مكتوب أيام عليه، ولا يستقيم أن ينتصب أيام بالصيام على أن يكون المعنى: كتب عليكم الصيام في أيام، لأنّ ذلك، وإن كان مستقيما في المعنى فهو في اللفظ ليس كذلك، ألا ترى أنّك إن حملته على ذلك فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي منهما! وذلك أن أياما تصير من صلة الصيام، وقد فصلت بينهما بمصدر: كتب، لأنّ التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على من كان قبلكم، فالكاف في (كما) متعلقة بكتب، وقد فصلت بها بين المصدر وصلته، وليس من واحد منهما. فإن قلت: أضمر (الصِّيامُ) لتقدّم ذكر المتقدم عليه، كأنّه صيام أيّاما، فإنّ ذلك لا يستقيم، لأنّك لا تحذف بعض الاسم، ألا ترى أنّه قد قال «2»: في قوله: لعمر أبيك إلا الفرقدان «3»

_ (1) زيادة من (ط). (2) أي: سيبويه، وما نقله الفارسي مستفاد من كلام سيبويه في هذا الموطن ونص عبارته: «ولا يجوز رفع زيد- (في مثال تقدم عنده وهو قوله: «ما أتاني أحد إلا زيد») - على: إلا أن يكون، لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه لأنّ «أن» يكون اسما». (3) صدر البيت: «وكلّ أخ مفارقه أخوه» وهو من قصيدة من الوافر لحضرمي بن عامر الأسدي، وقيل: لعمرو بن معديكرب، الزبيدي، وكلاهما صحابي. وذكره البغدادي في خزانة الأدب مع أبيات، انظر الخزانة 2/ 52 وما بعدها. وشرح أبيات المغني له 2/ 105 - 108 و 4/ 293 وشعر عمرو ص 167.

إنه لا يكون على: إلا أن يكون الفرقدان، لحذفك الموصول، فكذلك الآية. فأما قوله [عزّ وجلّ] «1»: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) [البقرة/ 197] فإنّه يكون على: أشهر الحجّ أشهر معلومات، ليكون الثاني الأوّل في المعنى، ومعنى معلومات: أي أشهر مؤقتة معيّنة لا يجوز فيها ما كان يفعله أهل الجاهليّة من التبديل بالتقديم والتأخير اللذين كان يفعلهما النّسأة الذين أنزل فيهم: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً) إلى قوله: (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ) [التوبة/ 37] أو يكون: الحجّ حجّ أشهر معلومات، أي: لا حجّ إلا في هذه الأشهر، ولا يجوز في غيرها، ولا يجزئ كما كان أهل الجاهلية يستجيزونه في غيرها من الأشهر. فالأشهر على هذا متّسع فيها مخرّجة عن الظروف، والمعنى على ذلك، ألا ترى أن الحجّ في الأشهر: كما أن الموعد في قوله: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) [طه/ 59] في اليوم إلّا أنّه اتّسع فيه فجعل الأول لمّا كان فيه، كما فعل ذلك في قوله «يوم الزينة». وإن قلت: موعدكم موعد يوم الزينة، فقد أخرجته أيضا على هذا التقدير عن أن يكون ظرفا، لأنك قد أضفت إليه، والإضافة إليه تخرجه عن أن يكون ظرفا، كما أن رفعه كذلك. ويدلّك على تأكد خروجه عن الظرف عطفك عليه ما لا يكون ظرفا، وهو قوله: (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) [طه/ 59]، ولو نصبت اليوم على أنّه ظرف وأضمرت مبتدأ يكون قوله: (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) خبرا له كأنّه قال: وموعدكم

_ (1) زيادة من (ط).

أن يحشر الناس ضحى- لكان ذلك مستقيما في قياس العربية. وقد يجوز أن تجعل الحجّ: الأشهر على الاتساع، لكونه فيها وكثرته من الفاعلين له، كما جعلتها الخنساء الإقبال والإدبار لكثرتهما منها «1»، وكما قال «2»: لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا ألا ترى أنّه جعل دهره الجزع. فإن قلت: إن ذات الإقبال والإدبار فاعلة في المعنى، وليس الأشهر كذلك إنّما هي مفعول فيها. فإنّ الأشهر بمنزلة الدهر في قوله: ولا جزع، أي: وما دهري بجزع. فكما أجاز سيبويه ذلك في الدهر فكذلك

_ (1) الضمير في جعلتها، للناقة، وكذلك في قوله: منها، وهو يشير إلى بيت للخنساء من قصيدة لها في رثاء أخيها صخر، وتمام البيت في سياقه من الشعر (ديوانها ص 50) وما عجول على بوّ تحن له ... لها حنينان، إعلان وإسرار ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار يوما بأوجع مني يوم فارقني ... صخر، وللعيش إحلاء وإمرار والعجول بالفتح الواله التي فقدت ولدها من النساء والإبل، لعجلتها في جيئتها وذهابها، والبوّ على وزن جو: هو الحوار كغراب، أي: ولد الناقة ساعة تضعه، أو إلى أن يفصل عن أمه، وهو أيضا جلد الحوار يحشى تبنا أو نحوه لتعطف عليه الناقة إذا مات ولدها، وهذا هو المراد هنا، انظر رغبة الآمل: 8/ 185 وما بعدها. (2) هو متمم بن نويرة اليربوعي الصحابي، والبيت أول قصيدة له في رثاء مالك، الذي قتله ضرار بن الأزور الأسدي في حرب الردة بأمر خالد بن الوليد، انظر القصيدة في المفضليات: برقم 67 والبيت من شواهد سيبويه 1/ 169 قال الأعلم: يقول: لا أرثي بعده هالكا أو لا أبكي عليه، ولا أجزع من شيء يصيبني بعده، والتأبين مدح الرجل ميتا، والتقريظ مدحه حيا.

يجوز في الأشهر في الآية، وإذا جاز ذلك في الفاعل جاز في المفعول به، وفي الظرف، إذا جعل في الاتساع مفعولا به، ألا ترى أنّ المصدر لمّا أضيف إلى الفاعل أضيف إلى المفعول به أيضا في نحو [قوله تعالى] «1» مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ [فصلت/ 49] وبني الفعل للمفعول به كما بني للفاعل، واختصّ المفعول به بأبنية قصرت عليه، نحو: وضع في تجارته «2»، كما كان للفاعل أفعال لا تتعدّى إلى المفعول به، فكذلك إذا اتسع في هذا النحو في الفاعل يتّسع في المفعول به، وما أجري مجراه من الظروف. فأمّا قوله: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) «3» [الأنعام/ 124]. فالقول في العامل في «حيث» أنّه لا يخلو من أن يكون «أعلم» هذه المذكورة أو غيرها. وإن عمل «أعلم» فيه فلا يخلو من أن يكون ظرفا، أو غير ظرف. فلا يجوز أن يكون العامل فيه أعلم، على حسب ما عمل أحوج في ساعة في قوله «4»: فإنّا وجدنا العرض أحوج ساعة

_ (1) «قوله» زيادة من (ط) و «تعالى» زيادة على الأصل. (2) بصيغة المجهول، وفي القاموس (وضع): وضع في تجارته ضعة وضعة ومضيعة، كعني: خسر فيها. (3) قال أبو حيان في البحر 4/ 217: وقرأ ابن كثير وحفص «رسالته» بالتوحيد، وباقي السبعة على الجمع. (4) صدر بيت لأوس بن حجر، عجزه كما في الديوان ص 121: إلى الصّون من ريط يمان مسهم وهو من قصيدة طويلة، والمعنى: أن عرض المرء أحوج إلى الصون والحفظ من ملاءة يمانية مخططة. والبيت من شواهد الرضي، انظر الخزانة 3/ 494.

لأنّ المعنى يصير: أعلم في هذا الموضع أو هذا الوقت، ولا يوصف الله «1» بأنّه أعلم في مواضع أو أوقات، كما تقول: زيد أعلم في مكان كذا منه في مكان كذا، أو زمان كذا، فإذا كان كذلك لم يجز أن يكون العامل «أعلم» هذه وإذا لم يجز أن يكون إيّاه كان فعلا يدلّ عليه أعلم، وإذا لم يجز أن يكون «حيث» ظرفا لما ذكرناه، كان اسما، وكان انتصابه انتصاب المفعول به على الاتساع كما يكون ذلك في كم ومتى ونحوهما «2»، ويقوّي ذلك دخول الجار عليها. وقد حكى بعض البصريين فيها الإعراب، وكان الأصل: الله أعلم بمواضع رسالاته، ثم حذف الحرف، كما قال: أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ «3» [النحل/ 125] وفي موضع آخر: أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ [الانعام/ 117] ف «من يضل» معمول فعل مضمر دلّ عليه أعلم، ولا يجوز أن يكون معمول أعلم، لأن المعاني لا تعمل في مواضع الاستفهام ونحوه، إنما تعمل فيها الأفعال التي تلغى، فتعلّق كما تلغى. ومثل ذلك- في أنّه لا يكون إلا محمولا على فعل- ما أنشده أبو زيد «4»:

_ (1) في (ط) زيادة: عزّ وجلّ. (2) في (ط): كم ونحوها. (3) «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» في الآيات 125 من سورة النحل، 30 من سورة النجم، 7 من سورة القلم، وفي الأصل: بمن يضل عن سبيله، وهو سهو من الناسخ. (4) هو أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الخزرجي الأنصاري، كان إماما نحويا صاحب تصانيف أدبية ولغوية، وغلبت عليه اللغة والنوادر والغريب، وهو

وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا «1» فالقوانس على مضمر دون أضرب الظاهر، لأنّ المعاني لا تعمل في المفعول به وكان القياس ألّا تعمل في الحال. ولا يجوز أن يكون موضع (من) في قوله: أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ [الأنعام/ 117] جرّا لأن أفعل لا يضاف إلّا إلى ما هو بعض له، وليس ربّنا من المضلّين عن سبيله، فيضاف إليهم، فإذا لم يجز أن يكون جرّا، كان نصبا، كالقوانس في البيت. وممّا يستقيم أن يكون انتصابه انتصاب المفعول به على السعة «2» قوله تعالى «3»: وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ [القصص/ 42]. يحتمل أن يكون: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة، ولعنة يوم القيامة،

_ الذي يعنيه سيبويه حين يقول: «أخبرني الثقة» توفي سنة 215 هـ انظر بغية الوعاة للسيوطي: 1/ 583. (1) عجز بيت للعباس بن مرداس الصحابي، وصدره في سياقه من الشعر: فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا أكرّ وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منّا بالسيوف القوانسا مصبحا: بصيغة المفعول أي: مغزوا في وقت الصباح، والحقيقة: ما يجب على المرء الدفاع عنه، والقوانس جمع قونس كجعفر: أعلى البيضة، والبيضة قلنسوة من حديد تلبس لحماية الرأس في الحرب والبيت من إحدى المنصفات، وهي قصائد قد انصف قائلوها أعداءهم، قال ابن جني في إعراب الحماسة: القوانس عندنا منصوب بفعل مضمر يدل عليه أضرب، أي: ضربنا، أو نضرب القوانس. انظر شرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 292 والمنصفات ص 61 - 72. وخزانة الأدب: 3/ 517 ونوادر أبي زيد/ 59. (2) على السعة سقطت من (ط). (3) في (ط) عز وجل.

فحذف المصدر وأقام يوما مقامه، فانتصب انتصاب المفعول به، كما أنه لو لم يحذف المصدر وأضيف إلى اليوم كان كذلك. ويجوز فيه ثلاثة أضرب أخر: أحدها: أن يكون محمولا على موضع «في هذه الحياة «1» الدنيا» كما قال: إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا «2» ويشهد لذلك وللوجه الذي قبله قوله في أخرى: لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [النور/ 23] وقوله: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ [هود/ 99] ويكون قوله: (هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) جملة استغني عن حرف العطف فيها بالذكر «3» الذي تضمنت ممّا «4» في الأولى، كما استغني عنه بذلك في قوله: ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف/ 22] ولو كانت فيها «5» الواو لكان ذلك حسنا، كما قال تعالى: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف/ 22].

_ (1) الذي في الآية: في هذه الدنيا، ولكنه أظهر الموصوف المقدر. (2) عجز بيت لكعب بن جعيل، وصدره: ألا حيّ ندماني عمير بن عامر واستشهد به سيبويه في الكتاب: 1/ 35. قال الأعلم: استشهد به على حمل غد على موضع اليوم لأن معنى: تلاقينا من اليوم، وتلاقينا اليوم، واحد. (3) يريد بالذكر الضمير. (4) سقطت «مما» من (ط). (5) سقطت فيها من (ط).

ويجوز أن يكون العامل فيه من المقبوحين، لأنّ فيه معنى فعل، وإن كان الظرف متقدّما كما أجاز: «1» أكلّ «2» يوم لك ثوب؟. ويجوز أن يكون العامل فيه مضمرا يدل عليه قوله: (مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) كقوله: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ «3» [الفرقان/ 22]. ومن ذلك قوله: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [الأعراف/ 8] إن جعلت الظرف من صلة المصدر جاز أن تنصبه نصب المفعول به، كقولك: الوزن الدراهم حقّ، ويكون الحقّ على هذا خبر المبتدأ وإن جعلت يومئذ خبر المصدر، لأنّ الوزن حدث، فيكون ظرف الزمان خبرا عنه تعلّق بمحذوف. وجاز «4» أن ينتصب انتصاب الظروف دون المفعول به. ألا ترى أن المفعول به لا تعمل فيه المعاني؟ ويكون الحقّ على هذا صفة للوزن، ويجوز أن يكون بدلا من الذكر المرفوع الذي في الخبر. ولو قدمت (الْحَقُّ) في الوجه الثاني على (يَوْمَئِذٍ) لاستقام، ولو قدمته عليه في الوجه الأول لم يجز

_ (1) الضمير في أجاز يعود على سيبويه، غير أن مثاله: أكلّ يوم ثوب تلبسه، وهو في غير ما ورد هنا. انظر الكتاب 1/ 65. (2) في (ط): كل يوم. (3) انظر البحر المحيط: 6/ 492 فقد فصل في إعرابها. (4) سقطت الواو من (ط).

للفصل بين الصلة والموصول بصفة الموصول «1». وأمّا قوله (تعالى) «2»: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ [الفرقان/ 26] فيكون يومئذ من صلة المصدر كما كان في التي قبلها، والحق صفة والظرف «3» الخبر. ويجوز أن يكون يومئذ معمول الظرف وإن تقدّم عليه، فلا يتصل على هذا بالمصدر، وكذلك قوله: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [الكهف/ 44] يكون هنالك مستقرّا «4» فيكون قولك: (لِلَّهِ) حالا من الولاية ومن الذكر الذي في هنالك، في قوله سيبويه وعلى «5» قول أبي الحسن، ومن رفع بالظرف، من الولاية فقط «6» ويكون لله مستقرّا، وهنالك ظرفا متعلقا بالمستقر، ومعمولا له، فأمّا قول الشاعر: حميت عليه الدّرع حتى وجهه ... من حرّها يوم الكريهة أسفع «7»

_ (1) في (ط) زيادة: «كذا قرئ عليه، وينبغي أن يكون للفصل بين الصلة والموصول بالخبر لأن الحق في الوجه الأول خبر لا صفة». (2) زيادة في (م). (3) أراد بالظرف الجار والمجرور (للرحمن). (4) بصيغة اسم المفعول على سبيل الحذف والإيصال، والأصل مستقرا فيه، لاستقرار ضمير العامل فيه، وأراد بكونه مستقرا أنه متعلق بمحذوف هو الخبر المقدم. (5) في (ط) زيادة كلمة (من) بعد على. (6) أي فيكون لفظ «الولاية» حينئذ مرفوعا بالجار والمجرور على أنه فاعل له أو لمتعلقه عند الكوفيين وأبي الحسن الأخفش. (7) من قصيدة أبي ذؤيب الهذلي في رثاء بنيه وقبله: والدهر لا يبقى على حدثانه ... مستشعر حلق الحديد مقنّع مستشعر حلق الحديد، أي جاعلها شعارا له لطول ما يلبس الدرع، ومقنع

فإن جعلت «يوم الكريهة» ظرفا لأسفع لم «1» ينتصب انتصاب المفعول به، وإن جعلته منتصبا بالمصدر جاز فيه ما جاز في قوله: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [الأعراف/ 8] من الانتصاب على الظّرف، على أنه مفعول به على الاتّساع. ألا ترى أن الفعل المتعدّي كالفعل غير المتعدي في جواز نصب الظرف بعده نصب المفعول به؟ فكذلك مصادرهما، وكذلك إن جعلت قوله: يوم الكريهة، ظرفا لحميت. وممّا لا يكون إلا ظرفا قوله تعالى «2»: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت/ 19] ألا ترى أنه ليس في هذا الكلام فعل ظاهر يجوز أن يتعلّق الظرف به؟ وإذا «3» كان كذلك تعلّق بما دلّ عليه قوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ. - كما أن قوله: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ «4» [المؤمنون/ 82] الظرف فيه كذلك، فكذلك «5» قوله: يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [سبأ/ 7]- لأن الظرف من حيث كان مستقبلا كان بمنزلة إذا، ومن ثم أجيب بالفاء، كما يجاب إذا بها.

_ أي: على رأسه مغفر، وهو زرد ينسج على قدر الرأس يلبسه تحت القلنسوة في الحرب، وحميت عليه الدرع، يروى صدئت، يريد أن الدرع صدئت واحترقت من طول ما يلبسها فوجهه أسفع، أي أسود من حرها وصدئها. انظر ديوان الهذليين 1/ 15 - 16 وشرح أشعارهم للسكري 1/ 33. (1) زاد في (ط) يكن. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): فإذا. (4) في الآيات 82 من سورة المؤمنون، 16 من سورة الصافات، 47 من سورة الواقعة. (5) سقطت «فكذلك» من (ط).

وأمّا قوله سبحانه «1»: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ [الإسراء/ 71] فقد يكون «2» مثل الذي تقدمت «3». ألا ترى أن قوله: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [الإسراء/ 70] ماض كما أن قوله: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ [فصلت/ 18] كذلك. و (ندعو) مستقبل كما أن (يحشر أعداء الله) كذلك؟ فتجعل الظرف بمنزلة إذا، كما جعلته ثمّ بمنزلته، فيصير التقدير: إذا دعي كل أناس بإمامهم لم يظلموا أو عدل عليهم ونحوه. فأمّا الباء في قوله: (بِإِمامِهِمْ) فيكون على ضربين: أحدهما أن تكون متعلّقة بالفعل الذي هو: (نَدْعُوا) في موضع المفعول الثاني كأنّه: كل أناس بشيعة إمامهم، يدلّ على هذا قوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر/ 46] وعلى هذا فسّره ابن عباس فيما روي، فقال: برئيسهم «4». وتكون متعلّقة بمحذوف في موضع الحال كأنّه: ندعو كلّ أناس مختلطين بإمامهم، أي: يدعون وإمامهم فيهم، نحو:

_ (1) زيادة في (م). (2) في (ط): تكون. (3) في (ط): التي تقدمت. (4) في تفسير ابن عباس الدر المنثور 3/ 150: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» نبيهم، ويقال بكتابهم ويقال بداعيهم إلى الهدى وإلى الضلالة. وروى الطبري عن ابن عباس قال: الإمام: ما عمل وأملى، فكتب عليه. انظر 15/ 126، والقرطبي 10/ 296.

ركب بثيابه، وجاء في جنوده، فيكون الدعاء على هذا الوجه متعدّيا إلى مفعول واحد خلاف الوجه الأول. ويقوّي هذا قوله «1»: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً [الزمر/ 71] وقوله: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات/ 22] وروي عن الحسن «2»: بإمامهم أي: بكتابهم الذي فيه أعمالهم «3»، فيكون التقدير على هذا في قوله: بإمامهم، أي: معهم كتابهم. ومن ذلك قوله: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر/ 8]. القول فيه أن (ذلك) إشارة إلى النقر، كأنّه قال: فذلك النقر يومئذ يوم عسير، أي: نقر يوم عسير، فقوله: يومئذ، على هذا متعلق بذلك، لأنّه في المعنى مصدر، وفيه «4» معنى الفعل، فلا يمتنع أن يعمل في الظرف كما عمل في الحال. ويجوز أن يكون (يَوْمَئِذٍ) ظرفا لقوله (يَوْمٌ)، ويكون يومئذ بمنزلة حينئذ، ولا يكون اليوم الذي يعنى به وضح النهار، ويكون اليوم الموصوف بأنّه عسير خلاف الليلة، فيكون التقدير:

_ (1) زيادة في (ط). (2) هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، إمام زمانه علما وعملا، قال فيه الشافعي: لو أشاء أقول: إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت، لفصاحته. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه سنة 21 هـ وتوفي سنة 110 هـ، انظر طبقات القراء: 1/ 235. (3) انظر تفسير الطبري 15/ 127 والقرطبي 10/ 296. (4) في (ط): فيه.

فذلك اليوم يوم عسير حينئذ، أي: ذلك اليوم يوم في ذلك الحين، فيكون متعلقا بمحذوف، ولا يتعلق بعسير، لأن ما قبل الموصوف لا تعمل فيه الصفة. فأما (إذا) في قوله: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فالعامل فيه المعنى الذي دل عليه قوله: يَوْمٌ عَسِيرٌ، تقديره: إذا نقر في الناقور عسر الأمر وصعب كما أن لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ «1» [الفرقان/ 22] يدل على يحزنون. فأمّا من قرأ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة/ 4] فأضاف اسم الفاعل إلى الظرف، فإنّه قد حذف المفعول به من الكلام للدلالة عليه، وإن هذا المحذوف قد جاء مثبتا في قوله: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً [الانفطار/ 19] فتقديره: مالك يوم الدين الأحكام. وحسن هذا الاختصاص لتفرّد القديم «2» سبحانه «3» في ذلك اليوم بالحكم. فأما في الدنيا فإنه يحكم فيها «4» الولاة، والقضاة، والفقهاء. وحذف المفعول على هذا النحو كثير واسع في التنزيل وغيره، ومثل هذه الآية في حذف المفعول به مع الظرف قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة/ 185]، فالشهر ينتصب على أنّه ظرف، وليس بمفعول به، يدلك على ذلك أنه لا يخلو من أن يكون ظرفا أو مفعولا به، فلو كان مفعولا به للزم الصيام المسافر، كما لزم المقيم من حيث شهد المسافر

_ (1) في (ط) زيادة: للمجرمين. (2) في (ط): التقديم، وهو تصحيف ظاهر. (3) زيادة في (م). (4) في (ط): فيها أيضا.

الشهر شهادة المقيم إيّاه، فلمّا لم يلزم المسافر علمت أن المعنى: فمن شهد منكم المصر في الشهر، ولم يكن (الشَّهْرَ) مفعولا به في الآية، كما كان يكون مفعولا به لو قلت: أحببت شهر رمضان. فإن قلت: فإذا كان الشهر في قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ظرفا ولم يكن مفعولا به، فكيف جاء ضميره متصلا في قوله: (فَلْيَصُمْهُ)، وهلّا دلّ ذلك على أنه مفعول به؟ قيل: لا يدلّ ذلك على ما ذكرته «1»، لأن الاتساع إنّما وقع فيه بعد أن استعمل ظرفا، وذلك سائغ، ويدلّ «2» على أنّ: (شَهِدَ) متعد إلى مفعول قوله: ويوم «3» شهدناه سليما وعامرا «4» ومما حذف من المفعول به في التنزيل قوله تعالى «5»: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا «6» [السجدة/ 14]

_ (1) في (ط): ذكرت. (2) في (ط): ويدلك. (3) في (ط): ويوما. (4) عجز بيت استشهد به سيبويه في الكتاب: 1/ 90 لرجل من بني عامر وتمامه: ويوم شهدناه سليما وعامرا ... قليل سوى الطعن النهال نوافله قال الأعلم: الشاهد فيه نصب ضمير اليوم بالفعل تشبيها بالمفعول به اتساعا ومجازا، والمعنى: شهدنا فيه، وسليم وعامر: قبيلتان من قيس عيلان، والنوافل هنا: الغنائم، يقول: يوم لم يغنم فيه إلا النفوس، لما أوليناهم من كثرة الطعن، والنهال المرتوية بالدم. وانظر شرح أبيات المغني 7/ 84. (5) في (ط): عزّ وجلّ. (6) ولفظ (هذا) زيادة في (م).

والتقدير: ذوقوا العذاب، فاستغني عن ذكره للعلم به، وكثرة تردّده في نحو: وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ [السجدة/ 14] وذُوقُوا عَذابَ النَّارِ [السجدة/ 20] [سبأ/ 42]. ومن ذلك قوله «1» رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ [إبراهيم/ 37] أي: ناسا أو فريقا. وقال: فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها [البقرة/ 61] أي شيئا. ومن ذلك قوله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ [إبراهيم/ 48]. ومنه الحديث: «لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده» «2» المعنى: ولا ذو عهد في عهده بكافر، كما كان التقدير في الآية: والسموات غير السموات. والمعنى: لا يقتل مؤمن بكافر حربيّ، ولا ذو عهد في عهده بكافر. قال أبو يوسف «3» : ولو كان المعنى: لا يقتل مؤمن به، كان: ولا ذي عهد في عهده، وممّا جاء في الشعر من ذلك قوله: كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... على أمّها وإن تحدّثك تبلت «4»

_ (1) في (ط): قوله تعالى. (2) رواه البخاري (في الفتح) 1/ 182، 183 و 12/ 230، وأبو داود رقم 4530 في الديات والنسائي 8/ 19 في القسامة. (3) هو القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما، أصله من الكوفة، وسكن بغداد، وتولى القضاء لثلاثة من الخلفاء: المهدي والهادي والرشيد، وهو أول من سمي قاضي القضاة، وأول من جعل للعلماء زيا خاصا بهم، وكان ملبوس الناس قبل ذلك شيئا واحدا لا يتميز أحد عن أحد بلباسه. ولد سنة 113 وتوفي سنة 182 هـ في بغداد، انظر ابن خلكان 6/ 378. (4) البيت للشنفرى من المفضلية رقم 20 ص 109 وفي شرح المفضليات

أي: تقطع الحديث، ومثل ذلك في المعنى والحذف: رخيمات الكلام مبتّلات ... جواعل في البرى قصبا خدالا «1» ومن ذلك قول الآخر: لا يعدلنّ أتاويّون تضربهم ... نكباء صرّ بأصحاب المحلّات «2» أي: لا يعدلنّ بهم أحدا، والتقدير: لا يعدلنّ مجاورتهم بمجاورة أحد، ومن ذلك قوله:

_ ص 201: يقول: كأنها من شدة حيائها إذا مشت تطلب شيئا ضاع منها. وتبلت: تنقطع في كلامها لا تطيله، وأمّها: قصدها. والنسي: الفقد. (1) البيت من قصيدة لذي الرمة يمدح بها بلال بن أبي بردة، وهو يصف في البيت نساء، والمبتلات: المتكملات الأجسام دون ترهل ولا استرخاء، والبرى: جمع برة، وهي الأسورة والخلاخيل، والقصب: عظام الساق، والخدال جمع خدلة، والخدل المستدير الممتلئ، وانظر ديوان ذي الرمة 3/ 1515 وفيه «رخيمات الكلام مبطّنات» أي خماص. (2) ذكر اللسان هذا البيت في مادة «أتى»، ورواه «لا يعدلنّ» بالبناء للمجهول، ثم قال: «قال الفارسي: لا يعدلنّ (بالبناء للفاعل) أتاويون، فحذف المفعول، وأراد لا يعدلن أتاويون شأنهم كذا أنفسهم» وأنشده ابن قتيبة في المعاني الكبير 374 برواية: لا تعدلنّ أتاويين، والأتاوي كالأتي أصله السيل الذي لا يعرف من أين أتى، وأطلق على الرجل الغريب عن القوم وليس منهم، والنكباء: الريح التي تهب بين ريحين، ويراد بها الريح التي تهب بين الصبا والشمال، وهي شديدة البرد، وريح صر: بكسر الصاد، أي: شديدة البرد، والمعنى أن الغرباء الذين يجيئون تحت مهب الريح تحيط بهم العواصف لا يعدلون أنفسهم بأصحاب الأرض، والمحلات: القدر، والرحى، والدلو، والقربة والجفنة والسكين والفأس والزند لأن من كانت هذه معه حل حيث شاء. وإلا فلا بد له من أن يجاور الناس يستعير منهم بعض هذه الأشياء. انظر: اللسان/ حلل/.

ولا يتحشّى الفحل إن أعرضت به ... ولا يمنع المرباع منها فصيلها «1» روي: منها فصيلها، ومنه فصيلها، فمن روى منها، كان من هذا الباب، وكان منها: حالا أو ظرفا. فأمّا قول الهذليّ «2»: ضروب لهامات الرجال بسيفه ... إذا عجمت وسط الشئون شفارها فإن شئت كان التقدير: إذا عجمت وسط الشئون شفارها الشئون، أو مجتمع الشئون «3» كما قال المرار الفقعسيّ «4»: فلا يستحمدون الناس شيئا ... ولكن ضرب مجتمع الشّئون فحذفت المفعول، وإن شئت جعلت وسطا في الشعر اسما، وجعلته المفعول به، كما جعله الفرزدق مبتدأ في قوله:

_ (1) أنشده ابن قتيبة في المعاني الكبير في مكانين ص 392 و 1237 برواية: «منه»، و «عنه فصيلها». ونسبه إلى رجل من بني عكل، ونقله الأزهري في تهذيبه عنه 5/ 141 ونقله صاحب اللسان عن الأزهري (حشا) قال ابن قتيبة: يتحشى: يباليه من حاشى يحاشي، أعرضت به: جعلته في عرضها. والمرباع: التي تنتج في أول الربيع. يقول: ينحرها ولا يمنعها منه ولدها فيدعها له فتغذوه. (2) هو أبو ذؤيب، والبيت من قصيدة يرثي بها نشيبة بن محرث. والعجم: العضّ: والشفار: جمع شفرة وهي حد السيف. والشئون: أصل قبائل الرأس انظر ديوان الهذليين ص 30، وشرح أشعارهم 1/ 83. وروايته عندهما: «عجمت، وأعجمت» بالبناء للمفعول. (3) زاد في (ط): شفارها. (4) هو المرّار بن سعيد الفقعسي الشاعر من مخضرمي الدولتين: الأموية والعباسية، وله ترجمة في الأغاني 10/ 324 وما بعدها. والشئان: جمع شأن، وهو مجرى الدمع إلى العين.

أتته بمجلوم كأنّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا «1» فكما حذف المفعول به من هذه الآي، وهذه الأبيات. وغير ذلك مما تركنا ذكره كراهة الإطالة، كذلك حذف في «2» قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. والدين: الجزاء في هذا الموضع بدلالة قوله: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [غافر/ 17] والْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية/ 28] ولا تكون «3» الطاعة، ولا العادة، وقيل في قول ابن مقبل: يا دار سلمى خلاء لا أكلّفها ... إلّا المرانة حتى تعرف الدّينا «4» حتى تقوم القيامة، وتأويل هذا: حتى تعرف يوم الدين أي: يوم الجزاء. والمرانة: اسم ناقة عن الأصمعي. وقال غيره: اسم موضع. فأما قوله: تعرف فيستقيم أن يكون مسندا إلى

_ (1) المجلوم المحلوق، أراد به هن المرأة، والصلاءة مدق الطيب، والورس نبت أصفر وقد جعل الفرزدق لفظ «وسط» ساكن السين على أنه اسم، وأخرجه عن الظرفية. النوادر/ 163 وورد في الديوان ص 596 برواية: رمته بمجموش كأن جبينه ... صلاية ورس نصفها قد تفلقا (2) في (ط): من قوله. (3) في (ط): يكون. (4) ديوان تميم 317 وهو في مشوبته التي رواها القرشي في جمهرة أشعار العرب ص 306 والمعنى: على أن المرانة اسم الناقة، لا أكلفها أي: أجشمها وأثقل عليها إلا بالمرانة أي بوقوف الناقة عليها، وعلى أنها اسم موضع يريد: لا أكلفها أن تبرح ذلك المكان وتذهب إلى موضع آخر، وانظر اللسان في مادة «مرن».

المتكلم المذكور في أكلّف «1» ويستقيم أن يكون للمؤنث الغائب. والإمالة في (مالِكِ) في القياس لا تمتنع، لأنّه ليس في هذا الاسم ممّا يمنع الإمالة شيء، وليس كلّ ما جاز في قياس العربية تسوغ التلاوة به حتى ينضم إلى ذلك الأثر المستفيض بقراءة السلف له، وأخذهم به لأنّ القراءة سنة «2». فأمّا «3» إعراب ملك يوم الدين فالجرّ في القراءتين. وهو صفة لاسم مجرور، والصفات تجري على موصوفيها، إذا لم تقطع «4» عنهم لذمّ أو مدح. فأمّا العامل فيها، فزعم أبو الحسن «5» أن الوصف يجري على ما قبله، وليس معه لفظ عمل فيه، إنّما فيه أنّه نعت، فذلك هو الذي يرفعه، وينصبه، ويجرّه، كما أن المبتدأ إنّما رفعه «6» الابتداء، وإنّما الابتداء معنى عمل فيه وليس لفظا، فكذلك هذا. فإن قلت: فلم لا يكون العامل في الوصف ما عمل في الموصوف؟ قيل: ممّا يدل على أن العامل في الوصف لا يكون العامل في الموصوف أن في هذه التوابع ما يتعرّب بإعراب ما

_ (1) أي: على سبيل الالتفات. (2) راجع ما ذكره أبو حيان في إمالة «مالك» في البحر 1/ 20. وما قاله عن الفارسي، في هذا الحرف وانظر ص 8 مما سبق. (3) في (ط): وأما. (4) كذا في (ط). وفي (م): «يقطع». (5) هو علي بن سليمان الأخفش. (6) في (ط): إنما يرفعه.

يتبعه، ولا يصح أن يعمل فيه ما عمل في موصوفه. وذلك نحو أجمع وجمع وجمعاء «1» وليست هذه الكلم ككلّ الذي قد جوّز فيه أن يلي العوامل على استكراه. فلمّا صحّ وجود هذا فيها، دلّ أنّ الذي يعمل في الموصوف غير عامل في الصفة في نحو: مررت برجل قائم، وما أشبهه لاجتماعهما في أنّهما تابعان. ويدلّ على ذلك أيضا أنّك قد تجد من الصفات ما إعرابه يخالف الموصوف، نحو: يا زيد العاقل، فزيد مبني، وصفته مرتفعة ارتفاعا صحيحا. فلو كان العامل في الصفة العامل في الموصوف، لم تختلف حركتاهما، فكانت إحداهما إعرابا، والأخرى بناء، وكان مجيء هذا في النداء دلالة على ما ذكرناه: من أن الصفة ليست بمعمول لما يعمل في الموصوف. فإن قال قائل: فلم لا تجعل الصفة- من حيث كانت كالجزء ممّا تجري عليه- مع الموصوف بمنزلة شيء واحد؟ وتستجيز من أجل ذلك أن يعمل فيها «2» ما عمل في الموصوف، وتستدل «3» على ذلك بأشياء من كلامهم، تقوي «4» هذا المسلك. من ذلك: أنّهم جعلوه مع الموصوف كاسم واحد، في نحو لا رجل ظريف، وكذلك قولهم: يا زيد بن عمرو وما أشبهه، وقال «5» الله سبحانه: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة/ 8]

_ (1) كذا في (ط): وفي (م) جمعا. (2) في (ط): أن يعمل فيه. فالمراد الوصف، وفي (م): تعمل. والأظهر ما أثبتنا. (3) في (ط): ويستدل. (4) (م): يقوي. (5) ثبت حرف العطف في (ط) وسقط من (م).

فلمّا وصف المبتدأ بالاسم الموصول دخلت الفاء في الخبر، كما أنّه لمّا كان المبتدأ موصولا دخلت الفاء فيه؟ قيل: إن ما أوردته من ذلك لا يدلّ شيء منه على كون الوصف معمولا للعامل في الموصوف: لأنّه يلزم من ذلك أن يكون في اسم واحد إعرابان، وهذا قد رفضوه في كلامهم، يدل «1» على رفضهم إيّاه أنّهم إذا نسبوا إلى تثنية أو جمع على حدّها حذفوا علامتي التثنية أو الجمع من الاسم؛ لئلا يجتمع في الاسم دلالتا إعراب، فإذا كانوا قد كرهوا ذلك في التثنية والجمع مع أن التثنية قد جرت مجرى غير المعرب في قولهم إذا عدّوا: واحد، اثنان، فأن يكره ذلك في الإعراب المحض الذي لم يجر مجرى البناء أجدر. ومن ثمّ ذهبوا في قولهم: يا زيد بن عمرو، لمّا جعل الموصوف مع الصفة «2» بمنزلة اسم مفرد، إلى أنّه بمنزلة امرئ وابنم ونحو ذلك من الأسماء التي يتبع ما قبل حرف الإعراب فيها حرف الإعراب، ولم يجز فيها عندهم إلّا ذلك، لأنّ حركة آخر الاسم الأول لو كانت إعرابا لوجب أن يكون في الاسم الواحد «3» إعرابان، وذلك ممّا قد اطّرحوه في كلامهم فلم يستعملوه. ومما يبيّن ذلك أنّهم حيث قالوا في المنفيّ: لا رجل ظريف لك، جعلوا الأول منهما بمنزلة صدور الأشياء التي يضمّ

_ (1) في (ط): يدلك. (2) في (ط): لما جعل الصفة مع الموصوف. (3) في (ط): في اسم واحد.

إليها ما يكون معها شيئا واحدا. وإذا كان الأمر كذلك كان قول من قال في امرئ ونحوه: إنّه معرب من مكانين، غير مستقيم، لما أريتكه من حذفهم علامة التثنية والجمع في النسب. وأمّا «1» قوله: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة/ 8] فقد جوّز أبو الحسن فيه: أن تكون الفاء فيه زائدة. وحكى أبو يعلى «2» عن أبي عثمان «3» مثل ذلك. ووجه ذلك أن الفاء تدخل للعطف أو للجزاء وزيادة «4»، فلمّا لم يكن للعطف مذهب من حيث لم يستقم عطف الخبر على مبتدئة لم يصحّ حمله على العطف، ولم يستجز حمله على أنها للجزاء لبعد ذلك في اللفظ والمعنى. فأمّا اللفظ فلأن الجزاء الذي هو في الأصل شرط لازم غير مستغنى عنه ولا يستقلّ الجزاء إلّا به. فلمّا كانت صورة الشرط على ما ذكرنا، ولم يكن الوصف كذلك- لأنّك في أكثر الأمر مخيّر في ذكره وتركه- لم يكن موضعا للجزاء كما يكون موضعا له مع المبتدأ الموصول، والنكرة الموصوفة، كقوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ثم قال: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ [البقرة/ 274]. وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ

_ (1) في (ط): أما. (2) هو أبو يعلى بن أبي زرعة من أصحاب المازني وكان مقدما عالما بالنحو، ثقة فيما يرويه، وله من الكتب المصنفة «كتاب الجامع في النحو» لم يتمه، ذكره ابن النديم في الفهرست ص 89 والأنباري في نزهة الألباء ص 219. (3) هو أبو عثمان المازني وتقدمت ترجمته ص: 16. (4) في (ط): أو زائدة.

[النحل/ 53] فلمّا لم يكن موضعا له ولا للعطف حكم بزيادة الفاء، لأنّها قد ثبتت زائدة «1» حيث لا إشكال في زيادتها، وذلك قوله: لا تجزعي إن منفسا أهلكته ... وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي «2» ألا ترى أنّ إحدى الفاءين لا تكون إلّا زائدة، لأنّ (إذا) إنّما يقتضي «3» جوابا واحدا. وأما بعد «4» الجزاء في المعنى، فلأن الجزاء ما كان بإثبات معنى أو نفيه، فأمّا ما كان واقعا لا محالة، فإنّه لا يكون من باب الجزاء، والموت ملاق لهم، فرّوا أو لم يفرّوا. فإن قلت: فقد تقول في الجزاء: لأضربنّك إن سكتّ أو نطقت، ولأعطينك إن خرجت أو أقمت فإن هذا كلام متّسع فيه مخرج عن أصله. وحكمه إذا استعمل حرف المجازاة أن يفعل الإعطاء إذا وقع الخروج، ثم يبدو له أن يفعله في جميع الأحوال فيقول بعد: أو أقمت. وقد يصحّ أن يحمل هذا الكلام

_ (1) كذا في (ط). وفي (م) «زيادة». (2) من قصيدة للنمر بن تولب، وقبله: قامت تبكّي أن سبأت لفتية ... زقّا وخابية بعود مقطع أي: بكت لأني اشتريت الخمر ببعير هزيل منقطع، فيقول لها: لا تجزعي إن أهلكت متاعا نفيسا، والمنفس: الشيء الذي يتنافس فيه ويرغب، بل لك أن تجزعي إذا هلكت أنا وقضيت. انظر شرح أبيات المغني للبغدادي 4/ 52، الخزانة 1/ 152 وفيها: إن منفس. (3) في (ط): تقتضي. (4) في (ط): بعد.

على المعنى فيستقيم أن تكون الفاء جزاء. وذلك أنّ معنى «1»: (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) ومعنى: إنّ الذي تفرون منه من الموت واحد، فكما يصحّ الجزاء في هذا الاسم كذلك يصحّ فيما كان بمعناه. ألا ترى أنّك قد جازيت حيث كانت الصلة ظرفا لمّا كان الظرف متضمّنا لمعنى الفعل؟ كقوله: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النمل/ 53] ودخلت الفاء في الخبر، كما دخلت في الصلة، والصلة فعل محض، وكل ذلك حمل على المعنى، لأنّ الجزاء المحض لا يكون بالظرف، ولذلك قال سيبويه: إنّ عندك ونحوه لا يبنى على إن. فأمّا دخول معنى الجزاء في الآية وصحته، فعلى أن ينزل الكلام كأنه خوطب به من ظنّ أنّ فراره من الموت ينجيه، وقد جاء الجزاء المحض في ذلك، قال الشاعر: ومن هاب أسباب المنيّة يلقها ... ولو رام أسباب السماء بسلّم «2» فإذا جاز في الجزاء المحض في البيت فكذلك تكون الآية، والتصحيح لمعنى الجزاء في ذلك قول محمد بن يزيد «3». فإن قلت: فهلّا استدللت بعمل إنّ في الاسم على أن

_ (1) في (ط): معنى الجزاء. (2) هو من معلقة زهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 30 برواية: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو نال أسباب السماء بسلم وانظر المعلقات/ 87 وجمهرة أشعار العرب/ 110. (3) هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد تلميذ المازني وأبي حاتم السجستاني، وإمام نحاة البصرة في زمنه، وقرين أحمد بن يحيى ثعلب إمام أهل الكوفة، وكان يفضل عليه بحسن العبارة وفصاحة اللسان، ولد

معنى المجازاة لا يصحّ في الآية، لأنّ إنّ لا يدخل «1» على الجزاء المحض، فكذلك لا يدخل «2» على هذا الضرب من حيث كان مثل المحض في كونه جزاء. قيل: لا يمتنع دخول إنّ على هذا الضرب وإن كان قد تضمّن الاسم معنى الجزاء، كما امتنعت من الدخول على الجزاء المحض، لأنّ الذي يدخله «3» اسم، لم يقم مقام الحرف، كما كان ذلك في الجزاء الجازم، والكلام خبر، فإن كان كذلك، لم يكن شيء يمنع من إعمال إنّ، ألا ترى أنّها قد دخلت في قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ [البروج/ 10] فعملت في الموصول الذي دخلت الفاء في خبره، كما تعمل فيما لا تدخل «4» الفاء خبره «5». فما «6» دخلت عليه إنّ، ممّا في خبره الفاء من صحّة معنى الجزاء فيه كما لم تدخل عليه إنّ، كقوله «7»: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ... فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ «8» [البقرة/ 274]، ولو ألحقت هذا الضرب من

_ المبرد سنة 210، وتوفي سنة 286 هـ ببغداد. انظر ابن خلكان 4/ 313. (1) في (ط): لا تدخل. (2) في (ط): لا تدخل. (3) في (ط): تدخله. (4) في (ط): فيما لم تدخل. (5) في (ط): في خبره. (6) في (ط): فمما. (7) في (ط): قوله. (8) وتمامها: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.

الأسماء: «ليت ولعل» لم يجز دخول الفاء لأنّ الشرط والجزاء خبر، وما يدخل «1» عليه إنّ مثله. فأمّا «ليت ولعلّ» فإنهما إذا دخلتا أبطلتا معنى الخبر، وإذا بطل الخبر لم يكن موضع مجازاة، وإذا لم يكن موضع مجازاة لم يصحّ دخول الفاء، فصحّة دخول معنى الجزاء مع دخول إنّ كصحته إذا لم يدخل «2»، ومن ثم قال «3» فيمن قال: المرأة التي أتزوّجها فهي طالق. إنه من تزوّج من النساء طلق لدخول معنى الجزاء الكلام ولحاق الفاء من أجله، والجزاء يوجب الشياع والإبهام واستغراق الجميع لذلك. وإذا جاز هذا الذي ذكرناه في قوله تعالى: قُلْ «4» إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ «5» [الجمعة/ 8] ... لم يكن لمن زعم أن الصفة في حكم الموصوف- من أجل أن الفاء دخلت والفعل في صلة الصفة دون المبتدأ- دلالة على قوله، لاحتماله غير ذلك مما ذكرت «6». فأمّا قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ

_ (1) في (ط): تدخل. (2) في (ط): تدخل. (3) في (ط): «قال محمد بن الحسن» والمراد محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني بالولاء صاحب أبي حنيفة، وأبي يوسف، وله التصانيف الكثيرة النادرة التي نشر بها علم أبي حنيفة، وكان من أفصح الناس، ولد سنة 135 وتوفي مع الكسائي في يوم واحد بالري، وكانا في صحبة الرشيد، فقال الرشيد: دفنت الفقه والعربية بالري، وذلك سنة 189 هـ انظر ابن خلكان 4/ 184. (4) في (ط): بحذف «قل». (5) زاد في (ط): «ملاقيكم». (6) في (ط): ذكرته.

ثم جاء: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ «1» [البقرة/ 185] فإن شئت جعلته مثل قوله: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ، وإن شئت جعلته مبتدأ محذوف الخبر، كأنّه لمّا تقدم: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [البقرة/ 183] قيل: فيما كتب عليكم من الصيام شهر رمضان، أي صيامه، كما قال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا [النور/ 2] أي: فيما فرض عليكم الزانية والزاني، أي: حكمهما. وكذلك مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ «2» [محمد/ 15]. وإن شئت جعلته ابتداء «3» وجعلت خبره الموصول كقولك: زيد الذي في الدار. فإن قلت: إذا جعلت الذي وصفا في قوله: (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فكيف لم يكن «4» عن الشهر كقولك: شهر رمضان المبارك من شهده فليصمه؟ فإنّ ذلك يكون كقوله: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة/ 1]، والْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ [القارعة/ 1] ونحو ذلك. وأمّا جواز دخول معنى الجزاء فيه فلأنّ شهر رمضان وإن كان معرفة فليس بمعرفة معيّنة، ألا ترى أنه شائع في جميع هذا القبيل لا يراد به واحد بعينه، فلا يمتنع من أجل ذلك من معنى الجزاء، كما يمتنع ما يشار به إلى واحد مخصوص، ومن ثم لم يمتنع ذلك «5» في صفة الموت في قوله: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ لأنّ الموت ليس يراد به موت بعينه، إنّما يراد

_ (1) زاد في (ط): «فليصمه». (2) زاد في (ط): «فيها». (3) في (ط): مبتدأ. (4) في (ط): لم تكن. أي: لم يعد عليه الضمير فيقال: فمن شهده بدلا من الاسم الظاهر. (5) سقطت هذه الكلمة من (ط).

الفاتحة: 6

به الشياع، ومعنى الجنس، وخلاف الخصوص. وأشبه الوجوه أن يكون الذي وصفا، ليكون النصّ قد وقع على الأمر بصيام الشهر. ومن قال: إن الفاء في قوله: فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ زيادة، فقياس قوله في هذه الفاء أن تكون زائدة أيضا، وهو «1» قول أبي الحسن وأبي عثمان «2» فيما روى عنه أبو يعلى بن أبي زرعة «3». [الفاتحة: 6] اختلفوا في قوله تعالى: الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «4» [الفاتحة/ 6] فروي عن ابن كثير: السين والصاد. وروي عن أبي عمرو: السين، والصاد، والمضارعة «5» بين الزاي والصاد، رواه عنه العريان بن أبي سفيان، وروى عنه الأصمعي «الزراط» بالزاي، والباقون بالصاد، غير أن حمزة يلفظ بها بين الصاد والزاي. قال أبو بكر «6»: للقارئ بالسين أن يقول: هو أصل الكلمة، ولو لزم لغة من يجعلها صادا مع الطاء لم يعلم ما أصلها. ويقول من يقرأ بالصاد: إنّها أخفّ على اللسان، لأنّ

_ (1) في (ط): وهذا قول. (2) هو أبو عثمان المازني وتقدمت ترجمته ص: 16. (3) تقدم ذكره ص: 43. (4) انظر السبعة في القراءات ص 105 وما بعدها. (5) المضارعة: المشابهة والمقاربة، اللسان/ ضر/. (6) هو أبو بكر محمد بن السري النحوي المعروف بابن السراج، وتقدمت ترجمته، وانظر خطبة الكتاب ص 6.

الصاد حرف مطبق كالطاء فتتقاربان، وتحسنان «1» في السمع، والسين حرف مهموس، فهو أبعد من الطاء، وهي قراءة أبي جعفر «2» والأعرج «3» وشيبة «4» وقتادة «5». ويقول من قرأ بالزاي: أبدلت منها حرفا مجهورا حتى يشبه الطاء في الجهر، ورمت الخفّة، ويحتجّ بقول العرب: صقر، وسقر، وزقر. ويقول من قرأ بالمضارعة التي بين الزاي والصاد «6»: رمت الخفة، ولم أجعلها زاء خالصة، ولا صادا خالصة فيلتبس «7» بأحدهما. قال أبو بكر: والاختيار عندي الصاد، للخفّة، والحسن في السمع، وهو غير ملبس «8»، لأنّ من لغته هذا إذا كان يتجنّب السين مع الطاء لم يقع عليه لبس، لأنّ السين كأنّها مهملة في الاستعمال عنده مع الطاء، وإنّما يقع الإلباس «9» لو التبست كلمة بالسين بكلمة بالصاد في معنيين مختلفين، ومع ذلك فهي قراءة الأكثر، ألا ترى أنّ من رويت عنه القراءة بالسين منهم قد رويت عنه بالصاد؟

_ (1) في (ط): فيتقاربان ويحسنان. (2) هو أبو جعفر المخزومي يزيد بن القعقاع المدني، تقدمت ترجمته ص 11. (3) هو عبد الرحمن بن هرمز المدني الأعرج، تقدمت ترجمته ص 11. (4) هو شيبة بن نصاح المدني، تقدمت ترجمته ص 11. (5) هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي، تقدمت ترجمته ص 12. (6) في (ط): بين الصاد والزاي. (7) في (ط): فتلتبس. (8) في (ط): غير ملتبس. (9) في (ط): الالتباس.

وقال «1»: وأما الزاي فأحسب الأصمعيّ لم يضبط عن أبي عمرو، لأنّ الأصمعي كان غير نحويّ، ولست أحبّ أن تحمل القراءة على هذه اللغة، وأحسب أنه سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة للزاي فتوهّمها زاء. وأمّا القراءة بالمضارعة التي بين الزاي والصاد «2» فعدلت عن القراءة بها، لأنّه تكلّف حرف بين حرفين، وذاك أصعب على اللسان، لأنّه إنّما استعمل في هذه الحال فقط، وليس هو بحرف يبنى عليه الكلم، ولا هو من حروف المعجم، ولست أدفع أنّه من كلام الفصحاء من العرب، إلا أنّ الصاد أفصح وأوسع وأكثر على ألسنتهم. والسين والصاد والزاي أخوات، والصاد أشبههنّ بالطاء، لأنّها مطبقة مثلها، والزاي أقرب أيضا إلى الطاء من السين، لأن الزاي حرف مجهور. قال أبو حاتم «3»: ليست الزاي الخالصة بمعروفة. انتهت الحكاية عن أبي بكر. قال أبو علي: الحجّة لمن قرأ بالصاد أن القراءة بالسين مضارعة لما أجمعوا على رفضه من كلامهم، ألا ترى أنّهم تركوا إمالة «واقد» ونحوه كراهة أن يصعّدوا بالمستعلي بعد التسفل بالإمالة؟ فكذلك يكره على هذا أن يتسفّل ثم يتصعّد بالطاء في سراط، وإذا كانوا قد أبدلوا من السين الصاد مع

_ (1) في (ط): قال. (2) في (ط): بين الصاد والزاي. (3) هو أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني اللغوي النحوي المقرئ، كان إماما في علوم الأدب، وأخذ عنه علماء عصره كالمبرد وابن دريد وغيرهما، وتوفي سنة 248 هـ، انظر ابن خلكان 2/ 430.

القاف في صقت، وصويق، ليجعلوها في استعلاء القاف مع بعد القاف من السين وقرب الطاء منها، فأن يبدلوا منها الصاد مع الطاء أجدر من حيث كانت الصاد إلى الطاء أقرب. ألا ترى أنّهما جميعا من حروف طرف اللسان، وأصول الثنايا، وأن الطاء تدغم في الصاد؟ ويدلّك على أنّ حسن إبدال الصاد من السين «1» في «سراط» لما ذكرت لك «2» من كراهة التصعّد بعد التسفّل، أنّ من يقول: صويق، وصقت إذا قال: قست وقسوت لم يبدل الصاد منها، لأنّه الآن ينحدر بعد الإصعاد، وهذا يستخفّ ولا يستثقل كما استثقل عكسه، ألا ترى أنّهم لم يميلوا نائق، وأمالوا، نحو قادر، وقارب؟ فإن قلت: إنّ السين الأصل بدلالة قولهم: سرطم «3» وسرطراط «4» والأخذ سرّيط «5». قيل: الألف أيضا أصلها ألّا تمال، ولكن لمّا وقعت مع الكسرة والياء فأريد مجانسة

_ (1) في (ط): السين من الصاد. (2) زيادة في (م). (3) سرطم على وزن زبزج وجعفر: الأكول، وهو أيضا المتكلم البليغ. (4) السرطراط بكسرتين وبفتحتين الفالوذج والخبيص وهو طعام يعمل من التمر والسمن. (5) الأخذ سرّيط بضم السين وتشديد الراء المفتوحة وهو مثل، يقال: الأخذ سريط والأداء ضريط، على وزنه أيضا، ويروى أيضا: الأخذ سرّيطى والأداء ضرّيطى، بالقصر فيهما، وسريط وضريط بالتصغير والتخفيف، وسريطى وضريطى بكسر الأول وتشديد الراء المكسورة، يضرب لمن يأخذ الدين ويبتلعه، فإذا طولب للقضاء عنى وأتعب، انظر جمهرة الأمثال 1/ 170 واللسان، والقاموس/ سرط/.

الصوتين وملاءمتهما أميلت، وترك الأصل الذي هو التفخيم والتحقيق لها. فكذلك في باب صراط وصويق وصالخ «1» وصالغ «2» لمّا أريد فيه «3» ذلك ترك الأصل إلى تشاكل الصوتين وتجانسهما، وقد تركوا في غير هذا- لما ذكرت لك- ما هو أصل في كلامهم إلى ما ليس بأصل، طلبا لاتّفاق الصوتين، ألا تراهم قالوا: شمباء، ومم بك «4»، فلم يبينوا النون التي هي الأصل في الشّنب، ومن عامر؟ لمّا أرادوا أن يوفّقوا بين الصوتين. ولم يستجيزوا إدغام النون في الباء من حيث كان متشابها «5» ما لم يدغم في الباء وهو الميم، فكما تركوا الأصل هاهنا طلبا للمشاكلة، كذلك يترك الأصل في سراط، ويختار إبدال الصاد من السين. فأمّا القراءة بالزاي فليس بالوجه. وذلك أن من قال في أصدرت: أزدرت، وفي القصد: القزد، فأبدل من الصاد الزاي، فإنه إذا تحركت الصاد في نحو: صدرت، وصدقت، لم يبدل. فإذا لم يبدلوا الصاد زاء إذا تحركت مع الدال، وكانت الطاء في الصراط، مثل الدال في القصد في حكم

_ (1) أصلها: سالخ. والسالخ: جرب يسلخ منها الجمل، واسم الأسود من الحيات، للأنثى: أسودة، ولا توصف بسالخة. كذا في القاموس/ سلخ/. (2) يقال: بقرة سالغ ونعجة سالغ: إذا خرج ناباهما، وولد البقرة يقال له: سالغ في السنة السابعة. اللسان/ سلغ/. (3) في (ط): منه. (4) في (ط): شنباء، ومن بك. (5) يريد النون التي تظهر إذا كان بعدها حرف حلقي. وانظر الكتاب 2/ 414.

الجهر، فكذلك ينبغي ألّا تبدل من السين الزاي في سراط من أجل الطاء، لأنها قد تحرّكت كما تحركت في صدقت، مع أنّ بينهما في «سراط» حاجزين، وقد قال سيبويه «1»: إذا قال: مصادر فجعل بينهما حرفا ازداد التحقيق حسنا وكثرة. يريد يزداد التحقيق للصاد كثرة إذا وقع الفصل بالحرف على التحقيق إذا وقع الفصل بحركة نحو: صدق. وإنما لم تبدل «2» في الموضعين لمّا فصلت الحركة أو الحرف، لأنّ التبيين وتصحيح الصاد في قصد وأصدرت «3» قد كان يجوز ولا حاجز بينهما، فلمّا وقع الفصل وحجزت الحركة أو الحرف امتنع ما كان يجوز من قبل. ألا ترى أن المتقاربين إذا وقعا في كلمة واحدة ففصل بينهما الحركة بيّن، وذلك نحو وتد. ومن أدغم قدّر فيه الإسكان، مثل فخذ فأدغم على ذلك؟ فكما لم يقو الإدغام ولم يكثر مع حجز الحركة كذلك لا يقوى البدل مع حجز الحركة، لاجتماع الموضعين في أن القصد فيهما تقريب حرف من حرف. فأمّا القراءة بالمضارعة، فأحسن من القراءة بإبدال الزاي من السين، لأنّ من لم يبدل من الصاد الزاي إذا تحركت قد يضارع بنحو صاد صدقت، ويضارع بها إذا بعدت نحو مصادر، والصراط كما قالوا: حلبلاب «4» فوفّقوا بين الحرفين مع حجز ما حجز بينهما من الحروف، وكأنّه أحبّ أن يشاكل بهذه

_ (1) انظر الكتاب: 2/ 427. (2) في (ط): لم يبدل. (3) في (ط): والصراط. (4) الحلبلاب: بكسر الحاء واللام هو اللبلاب بفتح اللام.

المضارعة ليكثر بذلك تناسب أحد الحرفين إلى الآخر. فأشرب الصاد صوت الزاي لذلك. ومما يقوّي مضارعة الصاد في الصراط بالزاي أنّهم حيث وجدوا الشين مشبهة للصاد والسين في الهمس والرخاوة والاستطالة إلى أعلى الثّنيّتين ضارعوا بها الزاي، لمّا وقع بعده «1» الدال ليتفقا في الجهر، وذلك نحو قولهم: أزدق في الأشدق، وكذلك فعلوا بالجيم قبل الدال لقربها من الشين، وذلك قولهم: أزدر في الأجدر، فإذا ضارعوا بهذين الحرفين الزاي ليقرّبوها بذلك من الدال مع تباعد مخارجهما من الزاي فأن يضارعوا بها الصاد أجدر، لقربها منها واتفاقهما في المخرج. ويؤكّد هذه المضارعة أنّهم قالوا: اجدرءوا «2» واجدمعوا، فأبدلوا من تاء الافتعال الدال لمّا أشرب صوت الزّاي، كما أبدل «3» في مزدجر ونحوه، ولا يجوز أن تخلص الشين، والجيم «4» زاء كما فعلت ذلك في الصاد والسين في: القصد، ويسدل ثوبه، لأنهما لم تقربا «5» من الزاي قرب الصاد والسين «6» منها. ويقوي اتساع ذلك في الاستعمال أن سيبويه قال: زعم هارون «7» أنها قراءة الأعرج، قال: وقراءة أهل مكة اليوم:

_ (1) في (ط): بعدها. (2) كذا في (ط)، وفي (م): اجدوروا. (3) في (ط): كما أبدلوا. (4) في (ط): الجيم والشين. (5) في (ط): لم يقربا. (6) في (ط): السين والصاد. (7) هو أبو عبد الله هارون بن موسى القارئ الأعور النحوي سبقت ترجمته ص 10.

حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ [القصص/ 23] بين الصاد والزاي «1» قال: والمضارعة في الصاد يعني إذا كانت مع الدال أكثر وأعرف منها في السين، يعني في نحو: يزدل ثوبه. وممّا يحتجّ به من أخلص الصاد وحققها على من ضارع بها الزاي أن يقول: الحرف «2» قد أعلّ مرة بالقلب فلا تستقيم المضارعة، لأنّها إعلال آخر، وقد رأيتهم كرهوا الإعلال في الحرفين إذا تواليا، فإذا لم يوالوا بين إعلالين في حرفين مفترقين فألّا يوالوا بين إعلالين في حرف واحد أجدر. ويقوّي ذلك أنهم حذفوا النون من نحو بلعنبر، وبلحرث، ولم يحذفوا من بني النجار مع توالي النونات حيث كانت اللام قد اعتلّت «3» بالقلب لئلا يتوالى إعلالان: الحذف والقلب، وإن كانا من كلمتين مفترقتين فإذا كره في هذا النحو كان توالي إعلالين في حرف واحد أبعد. وممّا يحتجّون به على من ضارع بها الزاي، أنّ هذه المضارعة تشبه الإدغام في أنّه تقريب الحرف الأول من الثاني، فكما أنّ الصاد لا تدغم في الطاء، لانتقاص صوتها بذلك، فكذلك «4» لا ينبغي أن يضارع بها لأنّ هذه المضارعة في حكم الإبدال، بدلالة أنّهم حيث ضارعوا بالجيم الزاي في قولهم: اجدرءوا واجدمعوا أبدلوا من تاء الافتعال الدال كما أبدلوا في

_ (1) إشمام الصاد الزاي هو قراءة حمزة الزيات والكسائي وخلف ووافقهم رويس، وكلهم كوفيون، والأعرج مدني، انظر النشر 2/ 250 و 341 وسيبويه 2/ 294. (2) في (ط): أن الحرف. (3) ف (ط): قد أعلت. (4) في (ط): كذلك.

الفاتحة: 7

مزدجر. وقال سيبويه: لم تكن المضارعة هنا «1» الوجه، يعني في الصراط «2». [الفاتحة: 7] اختلفوا في ضمّ الهاء من (عَلَيْهِمْ) «3» [الفاتحة/ 7] فقرأ حمزة وحده (عليهم) بضم الهاء وكذلك (لديهم)، (وإليهم) هذه الثلاثة الأحرف بالضم وإسكان الميم وقرأ الباقون: (عَلَيْهِمْ) وأخواتها بكسر الهاء. واختلفوا في الميم: فكان عبد الله بن كثير يصل الميم بواو، انضمّت الهاء قبلها أو انكسرت، فيقول: عليهمو غير المغضوب عليهمو ولا الضالين، وعلى قلوبهمو، وعلى سمعهمو، وعلى أبصارهمو غشاوة [البقرة/ 7]. واختلف «4» عن نافع في الميم. فقال إسماعيل بن جعفر «5» وابن جمّاز «6» وقالون «7» والمسيّبي «8»: الهاء مكسورة،

_ (1) في (ط): هاهنا. (2) انظر الكتاب 2/ 427. (3) انظر السبعة في القراءات ص/ 108. (4) في (ط): واختلفوا. (5) ستأتي ترجمته ص 413. (6) هو سليمان بن مسلم بن جماز، أبو الربيع الزهري مولاهم المدني، مقرئ جليل ضابط، عرض على أبي جعفر المدني وشيبة ثم على نافع، مات بعد السبعين ومائة انظر طبقات القراء: 1/ 315. (7) هو عيسى بن مينا بن وردان، أبو موسى المري مولى بني زهرة، قارئ المدينة ونحويها، كان ربيب نافع واختص به كثيرا، وهو الذي سماه قالون لجودة قراءته. توفي سنة 220 هـ انظر طبقات القراء: 1/ 615. (8) ستأتي ترجمته ص 375.

والميم مضمومة، أو منجزمة، أنت فيها مخيّر. وقال أحمد بن قالون عن أبيه: كان نافع لا يعيب ضمّ الميم، فهذا يدلّ على أن قراءته كانت بالإسكان. قال أحمد بن موسى «1»: والذي قرأت به الإسكان. وقال ورش «2»: الهاء مكسورة والميم موقوفة إلّا أن تلقى الميم ألف أصلية، فإذا لقيتها ألف أصلية ألحق في اللفظ واوا، مثل قوله: سواء عليهموء أنذرتهمو أم لم تنذرهمو «3» [البقرة/ 6]. وكان أبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، والكسائي يكسرون الهاء، ويسكّنون الميم، فإذا لقي الميم حرف ساكن اختلفوا: فكان ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر يمضون على كسر الهاء، ويضمّون الميم إذا لقيها ساكن، مثل قوله: عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [البقرة/ 61، آل عمران/ 112]، ومِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ [القصص/ 23]، وما أشبه ذلك. وكان أبو عمرو يكسر الهاء أيضا ويكسر الميم، فيقول: عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وإِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ [يس/ 14] وما أشبهه. وكان حمزة والكسائي يضمّان الهاء والميم معا، فيقولان: عليهم الذلة ومن دونهم امرأتين وما أشبه ذلك.

_ (1) هو أبو بكر بن مجاهد، وتقدمت ترجمته ص/ 6. (2) هو عثمان بن سعيد، أبو القاسم القرشي مولاهم القبطي المصري شيخ القراء المحققين، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه، وهو أشهر رواة نافع ولد سنة 110 بمصر وتوفي سنة 197 هـ فيها، انظر طبقات القراء: 1/ 502. (3) في (ط): سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ.

وقال «1» أبو بكر أحمد بن موسى: وكل «2» هذا الاختلاف في كسر الهاء وضمها إنّما هو في الهاء التي قبلها كسرة، أو ياء ساكنة، فإذا جاوزت هذين لم يكن في الهاء إلا الضّم. وإذا لم يكن قبل الميم هاء قبلها كسرة أو ياء ساكنة لم يجز في الميم إلّا الضم أو التسكين مثل قوله: (مِنْكُمْ)، و (أَنْتُمْ). قال أبو بكر: فيمن «3» قرأ عليهم بكسر الهاء ووصل الميم بالواو «4» - وهو قول ابن كثير ونافع في أحد قوليه-: قال سيبويه «5»: قال بعضهم: (عليهمو) أتبع الياء ما أشبهها، وترك ما لا يشبه الياء ولا الألف على الأصل. وقال أبو حاتم «6»: هي قراءة الأعرج «7». قال أبو بكر «8»: وقال بعض من احتجّ لذلك: إن الهاء من جنس الياء، لأنّ الهاء تنقطع إلى مخرج الياء، فوجب لذلك إتباع الهاء الياء. وحجّة من قرأ عليهم- فكسر الهاء وأسكن الميم «9» - وهو قول عاصم، وأبي عمرو، والكسائي، وابن عامر «10» - أن يقول: إنّه أمن اللبس، إذ كانت الألف في التثنية قد دلّت على

_ (1) في (ط): قال. (2) في (ط): كل. (3) في (ط): في حجة من قرأ. وعبارة السبعة في القراءات (ص 109 - 110) فيها اختلاف عمّا هنا. (4) في (ط): فكسر الهاء، ووصل الميم بواو. (5) انظر الكتاب 2/ 294. (6) هو السجستاني وتقدمت ترجمته ص: 51. (7) هو عبد الرحمن بن هرمز المدني وتقدمت ترجمته ص/ 11. (8) هو ابن السراج النحوي وتقدمت ترجمته ص/ 6، وسقط هذا الاسم من (ط). (9) في (ط): بكسر الهاء وإسكان الميم. (10) في (ط): وابن عامر والكسائي.

الاثنين، ولا ميم في الواحد، فلما لزمت الميم الجمع حذفوا الواو، وأسكنوا الميم طلبا للتخفيف، إذ كان لا يشكل. قال: وقال: لمّا كانت الهاء في (عَلَيْهِمْ) هي الهاء التي كانت «1» في عليه وجب إقرارها «2» على ما كانت عليه من الكسر قبل دخول الميم «3»، إذ كانت العلة واحدة. وحجة من قرأ عليهم- وهو قول حمزة- أنّهم قالوا: ضمّ الهاء هو الأصل، وذلك أنّها إذا انفردت من حروف تتّصل بها قيل: هم فعلوا. والواو هي القراءة القديمة، ولغة قريش، وأهل الحجاز، ومن حولهم من فصحاء اليمن. قالوا: وإنّما خصّ حمزة هذه الحروف الثلاثة بالضم- وهي (عليهم) و (إليهم) و (لديهم) - لأنّهنّ إن أولاهنّ ظاهرا صارت ياءاتهنّ ألفات مثل: على القوم، ولدى القوم، وإلى القوم، ولا يجوز كسر الهاء إذا كان قبلها ألف. وحجّة من ضمّ الميم إذا لقيها ساكن بعد الهاء المكسورة أن يقول: إني لمّا احتجت إلى الحركة رددت الحرف إلى أصله فضممت، وتركت الهاء على كسرها، لأنّه لم تأت ضرورة تحوج إلى ردّها إلى الأصل، ولأنّ الهاء إنّما تبعت الياء، لأنّها شبّهت بها ولم تتبعها الميم لبعدها منها. قال أبو حاتم: وهي «4» لغة فاشية بالحرمين.

_ (1) سقطت من (ط) كانت. (2) في (ط): إقرارهما. (3): كذا في (ط)، وفي (م): قبل دخول الميم عليه. (4) في (ط): هي.

وحجّة من كسر الميم للساكن الذي لقيها والهاء مكسورة أن يقول: أتبعت الكسر الكسر، لثقل الضم بعد الكسر، كما استثقلوا ضمّ الهاء بعد الكسرة، وكذلك استثقلوا ضمّة الميم بعد الهاء «1». ألا ترى أنه ليس في كلامهم مثل فعل، وأنّهم يضمون ألف الوصل في مثل: اقتل، فرارا من الضم بعد الكسر. وحجّة من كسر الهاء إذا لم يلق الميم ساكن، وضمّها إذا لقي الميم ساكن- وهو قول الكسائي- أنّه يقول: إذا ردّ الميم إلى أصلها ردّ الهاء أيضا إلى أصلها، وأتبع الضمّ الضمّ استثقالا للخروج من الكسر إلى الضمّ. قال: والاختيار (عَلَيْهِمْ) بالكسر، لأنّها أخفّ على اللسان، وهي قراءة الأكثر. قال سيبويه: الهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة، لأنّها خفيّة، كما أن الياء خفيّة، وهي من حروف الزيادة، كما أن الياء من حروف الزيادة، وهي من موضع الألف، وهي أشبه الحروف بالياء. فكما أمالوا الألف في مواضع استخفافا، كذلك كسروا هذه الهاء وقلبوا الواو ياء، لأنّه لا تثبت واو ساكنة وقبلها كسرة. وذلك قولك: مررت بهي [قبل]، ولديهي مال، ومررت بدارهي قبل، وأهل الحجاز يقولون: مررت بهو قبل، ولديهو مال، ويقرءون: فخسفنا بهو وبدارهو «2» الأرض [القصص/ 81]، فإن لحقت «3» الهاء الميم في علامة الجمع

_ (1) في (ط): بعد كسر الهاء. (2) في (ط): وبداره. (3) في (ط): ألحقت.

كسرتها كراهية «1» الضمة بعد الكسرة. ألا ترى أنّهما لا تلزمان «2» حرفا أبدا؟ - يعني أنّه ليس في الكلام مثل فعل- فإذا كسرت الميم قلبت الواو ياء كما فعلت ذلك في الهاء. ومن قال: (وبدارهو الأرض) قال: عليهمو مال «3». قال: والاختيار- إذا لقيها ساكن- كسر الميم، وذلك أنه أخفّ، وهذه الكسرة ليست بالكسرة التي تأتي لالتقاء الساكنين، ولا أصل لها في الكلمة، لأن هذا الحرف له حركة في الأصل فحقّه أن يردّ- متى احتيج إلى حركته- إلى الأصل، وكأنّ من يكسر يقدّر أن أصل الحرف: (عليهمي)، روي عن الحسن «4» أنه كان يقرأ (عليهمي) بكسرتين ويثبت الياء في الوصل. وقال أبو حاتم «5»: لم أسمع أحدا يقرأ بكسر الميم إلّا ألحق الياء في الوصل، ولا أحدا يضمّ الميم إلّا ألحق واوا في الوصل، والواو والياء تسقطان في الوقف. انتهت الحكاية عن أبي بكر. قال أبو علي: الحجّة لمن قرأ: (عَلَيْهِمْ) بكسر الهاء أن الهاء من مخرج الألف وهي في الخفاء نحوها، فكما أنّ الكسرة أو الياء إذا وقعت إحداهما قبل الألف أميلت الألف نحوها، وقرّبت منها، كذلك إذا وقعت قبل الهاء قرّبت الهاء منها بإبدال ضمّتها كسرة، كإمالتهم الألف نحو الياء. وممّا يؤكّد شبهها بالألف، أنّهم قد قالوا: أخذت أخذه «6» وضربت ضربه،

_ (1) في (ط): كراهة. (2) في (ط): لا يلزمان. (3) انتهى النقل عن سيبويه 2/ 294 وما بين معقوفين منه. (4) هو الحسن البصري وتقدمت ترجمته ص/ 33. (5) هو السجستاني وتقدمت ترجمته ص/ 51. (6) في (ط) رسم الإمالة هكذا (أخذه). أي بفتحة مقلوبة وهكذا فعل بالأمثلة الآتية.

فأمالوا الفتحة التي قبلها نحو الكسرة، كما أمالوها إذا كانت قبل الألف نحو الكسرة، لتميل الألف نحو الياء. فإن قلت: إنّه لا شيء في قولهم: ضربت ضربه، يوجب الإمالة «1» من كسرة ولا ياء ولا غيرهما مما يوجب الإمالة، فكيف استدللت بقولهم: ضربت ضربه على ما يوجب كسر الهاء في عليهم، وليس في «ضربه» شيء يوجب الإمالة؟ قيل: إنّ ذلك يشبه من الإمالة ما أميل لغير سبب موجب للإمالة «2»، كقولهم في العلم: الحجّاج، والناس، وكقولهم: طلبنا، ورأيت عنتا. فعلى هذا الحد أمالوا في قولهم: ضربت ضربه، ألا ترى أنهم لم يميلوا إذا جاوزت الياء والكسرة حرفا سوى الهاء. وكان إمالة الفتحة مع الهاء ساكنة أكثر في الاستعمال من باب طلبنا، وأقيس، لأنّ الهاء قد أجريت متحركة مجرى الألف فيما ستراه بعد، إن شاء الله، فإذا كانت ساكنة كانت أن تجرى مجرى الألف أجدر وأسهل. وممّا يؤكّد شبه الهاء بالألف اجتماعهما في تبيين الحركة نحو: (أنا) و (حيّ هلا) كتبيينهم إيّاها بالهاء في: (كِتابِيَهْ) و (حِسابِيَهْ). ولو لفظت بالباء من ضرب، لقلت في قول الخليل إن شئت: به وإن شئت با. فكما جرتا مجرى واحدا في هذا، كذلك جعل في عليهم بمنزلة الألف في أن أبدل من ضمتها كسرة ليوفّق بين الصوتين فيكونا من جهة واحدة. فإن قلت: ما وجه استجازة الخليل التخيير بين الهاء

_ (1) في (ط): يوجب إمالة الألف. (2) في (ط): يوجب الإمالة.

والألف في إلحاق الحرف الملفوظ به «1»، وهلّا ألحق الهاء دون الألف، لقلة إلحاق الألف في الوقف، وكثرة إلحاقهم الهاء فيه؟ قيل: جمع بينهما لمشابهة كلّ واحد منهما الآخر فيما ذكرنا، ولقيام كل واحد منهما مقام الآخر، ولأنّهم قد ألحقوا هذه الحروف الألف في قولهم با، تا، ثا ونحوه، فكثر في هذا الباب وإن لم يكثر في غيره. فإن قلت: فإنّ الهاء لا يجري فيها الصوت كما يجري في الألف وأختيها. فإنّها وإن كانت كذلك، فإنّها توافقها في الخفاء، والضعف، واتّفاق المخرج، فلا ينكر- وإن اختلفا من حيث ذكرت- أن يتفقا في تقريب إحداهما من الأخرى، كما قربت الباء من الميم في قولهم: (اصحب مطرا)، لاتفاقهما في المخرج، وإن كانتا قد اختلفتا في غير ذلك. ومما يبيّن شبه الهاء بالألف أنّهم قد غيّروا بها بعض الحروف في الوقف، وأبدلوها منه كما فعلوا ذلك بالألف في: رأيت رجلأ «2». وممّا يدلّ على خفاء الهاء ومشابهتها الألف والياء أنّها إذا كانت إضمار مذكّر بعد حرف ساكن أو مجزوم، حرّكوا الساكن، أو المجزوم بالضمّ، وذلك قولهم في الوقف: «لم يضربه، وقده، ومنه» «3» وقد كسروا أيضا قبله التاء التي

_ (1) سقطت: «به» من (ط). (2) في سيبويه 2/ 285: زعم الخليل أن بعضهم يقول: رأيت رجلأ فيهمز ... فهمز لقرب الألف من الهمزة. (3) قال زياد الأعجم شعره ص 69: عجبت والدهر كثير عجبه ... من عنزيّ سبني لم أضربه وانظر سيبويه 2/ 287.

للتأنيث، وذلك قولهم: ضربته. ومثل هذا في قول أبي الحسن قول بعضهم: ادعه، فكسروا العين للساكن الثاني الذي هو هاء الوقف، فإذا وصلت أسكنت كلّ ذلك، لأنّك تحرك هاء الضمير فتبيّن الحركة «1». قال أبو زيد: قال- يعني رجلا عربيا-: لم أضربهما، فكسر الهاء مع الباء. قال أبو علي: فهذا على أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف نحو: «سبسبّا» «2»، ولا تحمله على «3» أجوءك «4» ونحوه، لأنّ سكون الإعراب مثل حركته، فلا يتبع «5» غيره، كما أن حركة الإعراب لا يبدل «6» منها للإتباع، كما لا تسكن في حال السعة والاختيار، ألا ترى أن من قال: لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا [البقرة/ 34] لم يكن مصيبا، ولم يجز كما جاز «منتن» وكما جاز وَعَذابٍ ارْكُضْ «7» [ص/ 41 - 42]،

_ (1) في (ط): فتبين بالحركة. (2) إشارة إلى بيت نسبه ابن السيرافي وغيره إلى رؤبة في أبيات وردت في زيادات ديوانه ص 169 منها: لقد خشيت أن أرى جدبّا ... في عامنا ذا بعد ما اخصبّا وفيها: وهبت الريح بمور هبّا ... تترك ما أبقى الدبا سبسبا المور بضم الميم: الغبار، والسبسب: القفر، والدّبا بتشديد الدال المفتوحة الجراد، انظر شرح شواهد الشافية: 254 وما بعدها. وسيبويه 2/ 282 وشرح أبياته لابن السيرافي 2/ 379. (3) في (ط): على باب. (4) أجوءك يريد: أجيئك انظر سيبويه 2/ 255 - 256. (5) كذا في (ط): وفي (م): «تتبع». (6) في (ط): سقطت كلمة «الاعراب»، وفي (م) «تبدل». (7) في (م): «بعذابن اركض».

وليس قوله: لم أضربهما مثل: ... لم يلده أبوان «1» لأنّ التحريك لالتقاء الساكنين، وذلك أنّه لمّا أسكن العين التي وليت حرف المضارعة حيث كان مثل: كبد، كما أسكن «تفخا» من قوله: أراك منتفخا، التقى ساكنان فحرّك لذلك، ومثل ذلك قوله سبحانه: وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ [النور/ 52] ومثل «لم يلده» ما أنشده أبو زيد: أجرّه الرّمح ولا تهاله «2»

_ (1) إشارة إلى بيت لرجل من أزد السراة، وتمامه: ألا ربّ مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان قال ابن السيرافي: أراد بالمولود الذي لا أب له عيسى، وبذي الولد الذي لم يلده أبوان آدم، عليهما السلام، انظر الكتاب: 1/ 341، 2/ 257، 258 باب ما يسكن استخفافا وهو عندهم متحرك. وشرح شواهد الشافية 4/ 22. (2) صدره: «مهلا فداء لك يا فضاله» أجره: طعنه وترك الرمح فيه يجره. ولا تهاله، أراد: لا تهل بالجزم على البناء للمجهول، أي: لا يفزعك شيء، والهاء للوقف. وروى هذا البيت ابن يعيش في شرح المفصل: 9/ 29 وانظر نوادر أبي زيد/ 13. وسر الصناعة ص 92. واللسان/ هول وفدى/. قال أبو زيد: كسر الراء لالتقاء الساكنين، ولو فتح كان أجود. وقال: قال أبو حاتم. ولا تهاله: فتح اللام، أراد النون الخفيفة فحذفها. وفي سر صناعة الإعراب: قالوا فتح اللام لسكونها وسكون الألف قبلها. واختار الفتحة لأنها من جنس الألف التي قبلها، فلما تحركت اللام لم يلتق ساكنان، فتحذف الألف لالتقائهما. وانظر شرح أبيات المغني 7/ 358 ففيه فضل بيان.

ألا تراه حرّك اللام المنجزمة بالفتح، لالتقاء الساكنين، كما فعل ذلك في «لم يلده». إلّا أنّ اللام في «تهاله» حرّكت للساكن الثاني فكان القياس ألّا تردّ الألف التي هي ردف، كما لم تردّ فيما حكاه سيبويه من قولهم: لم أبله. وليس قول من قال: (ويتقه) كما أنشده أبو زيد «1»: قالت سليمى اشتر لنا سويقا لأنّ هذا إمّا أن يكون على سبسبّا «2» أو على: لم يك «3». ووجه ثالث: وهو أن يجرى الوصل في قوله: اشتر لنا، مجرى الوقف. ومن ذلك «4» أنّهم حذفوها لاما كما حذفوا الياء وأختها، وذلك نحو: شاة وشفة وسنة فيمن «5» قال: سنهاء، وفم. فبحسب كثرة الشبه يحسن إجراؤها مجرى ما قام فيها الشبه منه، ألا ترى أنّ الشيء إذا أشبه في كلامهم شيئا من وجهين

_ (1) في النوادر ص 308 وهو من رجز لرجل من كندة يقال له: العذافر- بضم العين وكسر الفاء- وبعده وهات برّ البخس أو دقيقا والبخس بفتح الباء: أرض تنبت من غير سقي، وانظر شرح شواهد الشافية: 226 للبغدادي. (2) أي: على أنه وقف ثم وصل. (3) أي: حذف الآخر تخفيفا. (4) ومن ذلك، أي: ومما يدل على خفاء الهاء ومشابهتها الياء، وهو عطف على قوله: ومما يدل ص/ 64. (5) كذا في (ط): وفي (م): فمن: وهو تحريف.

فقد تجري عليه أيضا «1» أشياء من أحكامه، نحو أبواب ما لا ينصرف، ونحو شبه «ما» ب «ليس». فإذا زاد على ذلك كان تشبيهه بالمشابهة له «2» من جهات كثيرة أجدر. ومن ذلك أنهم «3» أبدلوها من الياء، كما أبدلوا منها الألف في «طائيّ» ونحوه. وذلك قولهم: ذه أمة الله «4». في ذي «5». تسكن في الوصل كما أسكنت ميم عليهم وعليكم فيه، من حيث لزم ما قبلها ضرب واحد من الحركة، وتلحق هذه الهاء التي هي بدل من الياء في الوصل الياء، وذلك قوله تعالى: قل هذهي سبيلي [يوسف/ 108] فإذا وقفت قلت: هذه تحذفها كما حذفتها في عليه وبه في الوقف، وهذا على لغة أهل الحجاز، فأما بنو تميم فإنهم يقولون في الوقف «6»: هذه، فإذا وصلوا قالوا: هذي فلانة. ومن ذلك أنهم أبدلوا الياء منها في التضعيف، كما أبدلوا الألف من الياء في حاحيت، وذلك قولهم في دهدهت «7»: دهديت، وقالوا: دهدوهة كدحروجة. وقالوا: دهديّة، فأبدلوا. ومن ذلك أنّهم أبدلوا الهمزة منها لاما كما يبدلونها من حروف اللين، وذلك قولهم: ماء. قال أبو زيد: قالوا: ماهت الركيّة تموه وتميه وأماهها صاحبها إماهة. وأنشد أحمد بن يحيى «8»:

_ (1) سقطت هذه الكلمة من (ط). (2) في (ط): بالمشابه له. (3) في (ط): كما أنهم. (4) انظر سيبويه 2/ 295. (5) في (ط): ذي أمة. (6) في (ط): فإنهم في الوقف يقولون. (7) كذا في (ط)، وسقطت «في» من (م). (8) هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار النحوي الشيباني

إنّك يا جهضم ماه القلب ... ضخم عريض مجرئشّ الجنب «1» ومما يقوّي شبهها بالألف أنّ ناسا كسروها مع حجز الحرف بينها وبين الكسرة، فقالوا: منهم، كأنّهم لمّا رأوها جارية مجرى الألف جعلوها بمنزلة جلباب وحلبلاب «2»، فإذا كانوا قد كسروا مع هذا الحاجز فأن يكسروا إذا لم يحجز بين الكسرة والياء شيء أجدر، وهذه اللغة وإن كان سيبويه «3» قد سماها اللغة الرديئة فلها من وجه القياس ما ذكرته. ويقوّيه أيضا من جهة القياس قول الجميع: هو ابن عمي دنيا فقلب «4» من أجل الكسرة، وإن كانت العين قد حجزت، وقولهم: قنية، وزيد من العلية. ويقويه أيضا ما حكاه أبو زيد من أن رجلا من بني «5» بكر بن وائل قال: أخذت هذا منه ومنهما ومنهمي. قال أبو زيد: فكسر الاسم المضمر في الإدراج والوقف.

_ بالولاء، المعروف بثعلب، وتقدمت ترجمته ص/ 11. (1) رواه في اللسان في مادة «جرش». إنك يا جهضم ما هي القلب ... جاف عريض مجرئش الجنب كما رواه أيضا في مادة «موه»: ما هي القلب، وقال في معناه: جبان كأن قلبه في ماء، ورواه فيها أيضا: ماه القلب بضم الهاء كما هنا، ومعناه: كثير ماء القلب، وماه القلب: بليد. والمجرئش المنتفخ الجنبين. (2) حلبلاب بكسر الحاء واللام: اللبلاب بفتح اللام، والمراد أنهم أمالوا الالف في كلا اللفظين مع الحاجز بينهما وبين الكسرة، فكذلك الهاء. (3) انظر الكتاب 2/ 294. (4) أي: فقلب الواو ياء لأن أصله دنوا. (5) سقطت كلمة بني من (ط).

قال أبو زيد: وقال يعني هذا الرجل: عليكم، فضمّ الكاف. ومما يؤكد كسر الهاء أن ناسا من بكر بن وائل قالوا: بكم، و «فضل أحلامكم» «1»، فكسروا تشبيها لها بالهاء من حيث اجتمعا في الهمس وعلامة الضمير، فإذا أجروا هذا مجرى الهاء لقيام شبهين من الهاء فيه، فإتباع الهاء الكسرة للمشابهات التي فيها من حروف اللين وكثرتها أولى، واستجازة غيره أبعد. ومن ثمّ ألحق الكاف حرف اللين من ألحق، فقال: أعطيتكاه للمذكّر، وأعطيتكيه للمؤنث، كما ألحقه الهاء في أعطيتهاه، وأعطيتهوه، لاجتماعهما فيما ذكرت لك «2»، فكسرهم للكاف في بكم «3» يدلّ على استحكام الكسرة في الهاء وكثرتها فيها. فإن قال قائل: إنّ الضمة هي الأصل في عليهم وبهم ونحو ذلك بدلالة أن علامة المضمر المجرور كعلامة المضمر المنصوب المتصل، وأنّ ما جاز فيه الكسر جاز فيه الضمّ، نحو (بهو وبدارهو الأرض) وليس كل ما جاز فيه الضم يجوز فيه الكسر، تقول: هذا له، وسكنت داره، ولا يجوز كسر الهاء في شيء من ذلك. وإذا كان استعمال الضمّ فيه أعمّ وكان الأصل، وجب أن يكون أوجه من الكسر. قيل: إن كون الضمّ الأصل ليس ممّا يجب من أجله أن يختار على الكسر مع مجاورة الكسرة أو الياء، لأنّه قد تحدث أشياء توجب تقديم غير الأصل

_ (1) قطعة من بيت للحطيئة في ديوانه ص 140، والكامل للمبرد ص 534، وتمامه: وإن قال مولاهم على جلّ حادث ... من الدهر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا (2) سقطت هذه الكلمة من (ط). (3) في (ط): في نحو بكم.

على الأصل، طلبا للتشاكل وما يوجب الموافقة، ألا ترى أنّ الأصل الذي هو السين في الصراط الصاد أحسن منه، وأن النون التي هي الأصل في شنباء قد رفضت وترك استعمالها، وكذلك الأصل في شقرة «1» ونمر «2» في باب الإضافة «3» قد رفض، وكذلك الأصل في حنيفة وجديلة فيها «4» قد رفض، ولم يستعمل إلّا في أحرف يسيرة. والأصل في يرى قد رفض مع جميع حروف المضارعة في حال السعة والاختيار. والأصل في عيد كذلك أيضا، ومن ثمّ كسّر على أعياد، ولم يكن كالأرواح. والأصل في الدنيا قد رفض في جميع بابه إلا في القصوى، كما رفض الأصل في تقوى وشروى، والأصل في فاء آدم وآخر أن يكون «5» همزة، وقد ترك ذلك بدلالة أوادم وأواخر، وإجرائهم إيّاه مجرى ضوارب. وكذلك جاء في قولي «6» الخليل والنحويين. والأصل في قسيّ أن يكون على فعول، وأن يكون في الفاء الضم والكسر مثل حقي وعصيّ. وحقيّ وعصيّ. ولم نعلم أحدا ممّن يوثق بروايته حكى الضمّ في فاء هذه الكلمة، والأصل تقديم حرف العلة على السين التي هي لام، وأن تكون الواو مصحّحة كما صحت في العتوّ ونحوه من المصادر، فترك

_ (1) الشّقر ككتف: شقائق النعمان، واحدتها: شقرة. (2) في (ط): ونمرة. (3) أي النسب. (4) في (ط): فهذا. (5) كذا في (ط). وفي (م): «تكون». (6) في (ط): قول، ويريد بقول الخليل أن الأصل: جايئ فقدم الهمزة، وبقول النحويين أن الأصل: جائئ، ثم قلبت همزة اللام ياء.

ذلك إلّا في نحو ونحو ونحوّ. فهذه كلمة قد ترك الأصل فيها في ثلاثة مواضع. وهذا ممّا يقوّي قراءة حمزة في (بيوت) «1» ونحو ذلك «2» على أن سيبويه حكى في تحقير بيت: بييت «3»، فإذا جاز إبدال الضمة كسرة في التحقير لمكان الياء، فكذلك يجوز أن تبدل من ضمّة فاء فعول، في الجمع، الكسرة من أجل الياء. ألا ترى أنه قد قال: إنّ التحقير والتكسير من واد واحد. فإذا رأيت هذه الأشياء وغيرها قد تركت فيها الأصول، واطّرحت في كثير منها، واختير عليها غيرها لمشابهات تعرض، أو تخفيف يطلب أو غير ذلك، لم ينكر أن يترك الأصل الذي هو الضمّ في عليهم، ويؤثر عليه الكسر ليتشابه الصوتان ويتّفقا ويكون مع ذلك أخفّ في اللفظ. فإن قال: إنّ الألف التي شبّهت بها الهاء في عليهم ودارهم لا تكون إلا ساكنة، وهذه الهاء متحركة فكيف وفّقت بينهما مع اختلافها من حيث ذكرنا؟ قيل: إنّ هذا الذي ذكرت من الخلاف بينهما لا يوجب لهما اختلاف حكم بينها وبين الألف فيما ذكرنا، لأنّهم قد جعلوا الهاء متحركة بمنزلة الألف الساكنة، ألا ترى أن قول الأعشى «4»: رحلت سميّة غدوة أجمالها اللام فيه حرف الرويّ، والهاء وصل، فجعلت الهاء مع

_ (1) من قوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ في الآية 36 من سورة النور. (2) في (ط): ونحوه. (3) بكسر الباء انظر الكتاب: 2/ 136. (4) صدر بيت في ديوانه ص 27، وعجزه: غضبى عليك فما تقول بدا لها

تحركها بمنزلة الألف والواو والياء والهاء والسواكن في نحو: عاذل والعتابا «1» ونحو: حبيب ومنزلي «2» وإن لام لائمو «3» والهاء في: أعارتكهما الظبية «4» وبكّي النساء على حمزة «5»

_ (1) إشارة إلى مطلع قصيدة لجرير في ديوانه 2/ 813، وتمامه: أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا والبيت من شواهد سيبويه 2/ 298، 299 ومن شواهد شرح المغني للبغدادي 6/ 46. (2) إشارة إلى مطلع معلقة امرئ القيس في ديوانه ص 143، وتمامه: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 4/ 21. (3) من مطلع قصيدة للأعشى، وتمامه: هريرة ودّعها وإن لام لائم ... غداة غد أم أنت للبين واجم واستشهد به سيبويه في الكتاب: 2/ 298، وانظر الديوان/ 77. وشرح أبيات المغني 7/ 94. (4) من قوله: رميتيه فأقصدت ... وما أخطأت الرميه بسهمين مليحين ... أعارتكيهما الظبية والأكثر أن يقال: رميته بكسر التاء دون ياء. وأنشد البيتين أبو حيان في تذكرته عن أبي الفتح بن جني. قاله البغدادي في الخزانة 2/ 401. (5) عجز بيت لكعب بن مالك من أبيات يبكي بها حمزة، وصدره: صفية قومي ولا تعجزي انظر سيرة ابن هشام: 2/ 158.

فكما جرت وهي وصل متحركة مجرى السواكن بدلالة أنّه لا شيء في هذه الحروف يكون متحركا وصلا إلّا إيّاها، وما كان منها متحركا غيرها كان رويّا، ولم يكن وصلا كالواو في قوله: وعينيك تبدي أنّ قلبك لي دوي «1» والياء في: وإنّما يبكي الصّبا الصّبيّ «2» وكقوله «3»: فقد كان مأنوسا فأصبح خاليا «4» كذلك يكون في قولهم «5»: بهي وعليهي، وإن كانت متحركة بمنزلة الألف فتتبع الياء أو الكسرة كما تتبعها الألف. وليست الهاء في قول القائل «6»:

_ (1) عجز بيت ليزيد بن الحكم الثقفي، مطلع قصيدة له، وتمامه في رواية القالي والفارسي في المسائل البصرية، كما ذكره البغدادي: تكاشرني كرها كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن صدرك لي دوي والدوي: المريض، وهنا بالحقد والكراهية، انظر الأمالي: 1/ 68. وشرح المفصل لابن يعيش 3/ 119 وشرح أبيات المغني 5/ 181 وقد أورد له القصيدة بتمامها عن الفارسي. (2) من أرجوزة للعجاج أولها: بكيت والمحتزن البكيّ ... وإنّما يأتي الصّبا الصبيّ انظر ديوانه 1/ 480، وأراجيز العرب للبكري ص 174. وشرح أبيات المغني 1/ 55. (3) في (ط): ونحو. (4) لم نعثر على قائله. (5) في (ط): قوله. (6) البيتان من مشطور الرجز في الخصائص 2/ 246 عن أبي علي الفارسي وبعدهما:

شلّت يدا فارية فرتها ... وفقئت عين التي أرتها كالتي في قوله: غدوة أجمالها «1»: وإنّما هي بمنزلة التاء فيما أنشده أبو زيد: ألا آذنتني بالتّفرّق جارتي ... وأصعد أهلي منجدين وغارت «2» فالألف في الأبيات تأسيس، وليست «3» بردف، وإن كان قد لزم الراء التي لا تلزمه [في الأبيات] «4»، ألا ترى أنّه لو قال: عاجت مع غارت كان مستقيما. ومما يدل على أنّ الهاء وإن كانت متحركة لم تخرج بحركتها عن الخفاء ومشابهة الألف والياء الساكنة: أنّهم لم

_ مسك شبوب ثم وفّرتها ... لو خافت النزع لأصغرتها وفي الصحاح واللسان والتاج (صغر- فرى) ما عدا قوله: «وفقئت عين التي أرتها» وزاد الصاغاني في التكملة (صغر) مشطورين آخرين، وذكر الشعر أيضا في (فرى) من دون زيادة، والأبيات منسوبة عند الصاغاني وصاحب التاج إلى صريع الركبان. قال الصاغاني: واسمه جعل. وفي بعضها اختلاف في الرواية. والأبيات في وصف دلو. قوله: فرتها، أي: عملتها. والشبوب: الشاب من الثيران. والمسك: الجلد. وأصغرتها، من قولهم: أصغرت القربة: إذا خرزتها صغيرة. (1) سبق تخريجه ص 72. (2) من أبيات خمسة لزهير بن مسعود. في نوادر أبي زيد/ 38. (3) في (ط): وليس. (4) زيادة من (ط).

يعتدّوا بها وهي متحركة، فصلا، بل جعلوا ثباتها كسقوطها. وذلك قولهم: يريد أن يضربها وينزعها وبيني وبينها، فأمالوا الفتحة التي قبل الهاء كما يميلها إذا قال: يريد أن ينزعا، وعلى هذا قالوا: مهاري فأمالوا فتحة الميم كما يميل إذا قال ماري، فإذا لم يعتدّ بها متحركة في هذا الموضع، فأن تجرى مجرى الألف في دارهم «1» وعليهم وبهم، فتقرّب من الياء أو الكسرة بأن تكسر بعد كل واحد منهما، أسهل من ذلك. ويدل «2» على ذلك أيضا أنّ من قال: ردّ أو ردّ إذا قال: ردّها، اجتمعوا على فتح الدال فيما حكى من يوثق به، كما يجمعون على فتحها إذا لم يحل بينها وبين الألف شيء في ردّا، فإذا صنع بها هذا وما ذكرته قبل، علمت أن إجراءها مجرى الألف في السكون أسهل. ومن هاهنا كان الوجه في القراءة: فِيهِ هُدىً [البقرة/ 2]، وخُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ [الحاقة/ 30 - 31] أن يحذف «3» الحرف اللّين اللاحق للهاء، لأن الاعتداد في هذين الموضعين لم يقع بها متحركة وفي «أجمالها» «4» لم يقع الاعتداد بحركتها فيحصل من اعتبار كلا الموضعين أنّك كأنّك جمعت بين ساكنين. فإن قال: فما وجه حذف حرف الليّن بعد الميم واختياره على وصلها بحرف اللين؟ فإن وجه ذلك أن هذه الحروف قد تستثقل فتحذف في مواضع لا يحذف فيها غيرها، ألا ترى أنّهم حذفوا اللام من قولهم: ما باليت به بالة، وحانة. ولا تجد هذا

_ (1) في (ط): دراهم، وهو تحريف. (2) في (ط): ويدلك. (3) في (ط): يحذف معه الحرف. (4) من بيت الأعشى السابق ص 72.

الحذف إلا فيه وفيما جانسه، وأجمعوا على حذف ما انقلب «1» عن اللام في نحو مرامى في الإضافة. وحذفوا الياء عندنا من نحو: جوار وغَواشٍ [الأعراف/ 41] وحذفوا الياء والواو من نحو: حنيفة، وشنوءة في الإضافة، وجعلوا الأصل في تحيّة فيها «2» بمنزلتهما، ورفضوا فيها الإتمام الذي هو في الأصل فيمن قلب «3» فقالوا: أسيدي، وحذفوهما في الفواصل والقوافي. ولما استمر ذلك فيها وكثر، جعلوا ما كان اسما بمنزلة غيره في استجازة حذفها. قال: لا يبعد الله أصحابا تركتهم ... لم أدر بعد غداة الأمس ما صنع «4» وقال: لو ساوفتنا بسوف من تحيّتها ... سوف العيوف لراح الرّكب قد قنع «5» رواية الكتاب: ساوفتنا، وقد روي: لو ساعفتنا،

_ (1) أي: حذف الألف التي أصلها ياء لام الكلمة. (2) أي في الإضافة، يريد أن ياء تحية الأصلية حذفت في النسب كياء حنيفة. (3) المراد عند من قلب في تصغير أسود فقال: أسيّد، وإلا فبعضهم يقول: أسيود، في تصغيره فلا يحذف في الإضافة. (4) البيت لتميم بن مقبل من قصيدة في ديوانه 168 وهو من شواهد سيبويه 2/ 301 وشرح شواهد الشافية 4/ 236. (5) أنشده سيبويه في الكتاب: 2/ 301، وهو لتميم في ديوانه 172 والبيت مع سابقة من قصيدة واحدة له، وساوفتنا أي: وعدتنا وعدا مستأنفا، وبسوف: من التسويف، أي: لو وعدتنا بتحية فيما يستقبل وإن لم تف بها لقنعنا بذلك.

السوف: الشمّ والعيوف تسوف ولا تشرب. يريد: صنعوا قنعوا «1». وقال: يا دار عبلة بالجواء تكلم «2» فكما حذفوهما في هذه المواضع، كذلك حذفوهما في عليهم ونحوه، للخفّة في اللفظ، وأمن اللبس، ألا ترى أن هذه الميم إنّما تلحقها الألف أو الواو أو الياء المنقلبة عنها [و] «3» الألف لا تحذف كما تحذفان، لأنّ من قال «ما صنع» يريد صنعوا «4» قالوا: ومن قال «5» «تكلم» يريد: تكلمي. يقول: خليليّ طيرا بالتفرّق أوقعا «6» فلا يحذف الألف كما حذف الواو والياء، ومن قال: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [الفجر/ 4] وذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ [الكهف/ 64] قال: واللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى [الليل/ 1 - 2] فلا يحذف الألف من الفواصل كما يحذف الياء، وكذلك لا يحذفها من القوافي في نحو: داينت أروى، والدّيون تقضى ... فمطلت بعضا، وأدّت بعضا «7»

_ (1) وهما رواية الديوان. (2) من معلقة عنترة، وتمامه: «وعمي صباحا دار عبلة واسلمي» ديوانه/ 183 وانظر الكتاب لسيبويه 2/ 302 وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات للأنباري/ 296. (3) سقطت الواو من (م). (4) كلمة «صنعوا» مطموسة في (م). (5) في (ط): وقال. (6) أنشده سيبويه 2/ 302 عن الخليل، وانظر شرح شواهد الشافية/ 239. (7) من أرجوزة لرؤبة بن العجاج في ديوانه/ 79 وورد في الكتاب: 2/ 300 بدون عزو، وانظر شرح شواهد الشافية 233.

فكما لا تحذف ألف «بعضا» كذلك لا تحذف ألف «تقضى» «1». فأمّا ما حذفه من قوله: رهط مرجوم ورهط ابن المعل «2» فللضّرورة، والتشبيه بالياء لإقامة القافية، وليس ذلك ولا ما أشبهه ممّا يستقيم الاعتراض به. فإذا كانت هذه الميم لا تلحقها إلا الألف أو الواو، أو الياء. والألف لا تحذف، علم أنّ الذي يلحقه الحذف الواو أو الياء المنقلبة عنها من أجل الكسرة، فلم يقع لبس، وحصل التخفيف في اللفظ، ولم تخل هذه الواو أو الياء في عليهم ونحوه من أن تكون بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، أو ممّا لحق لمعنى، فإذا كانوا قد حذفوا القبيلين جميعا، وحذفوا التي للضمير، ولم «3» يبق في لفظ الكلمة المحذوف منها شيء يدلّ عليها، كان أن يحذف من نحو: «عليهم» للدلالة عليه أحسن وأولى. فإن قلت: فإذا حذفت الواو والياء اللتان كانتا تتصلان

_ (1) في (ط): فكما لا تحذف ألف تقضى، كذلك لا تحذف ألف بعضا. (2) في (ط): من رهط مرجوم ... ونسب هذا البيت في اللسان والتاج/ رجم/ إلى لبيد، ونسبه أبو علي في هذا الكتاب في ص 141 له، وليس في ديوانه، وتمامه: وقبيل من لكيز شاهد ... رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ يريد: ابن المعلّى انظر الكتاب: 2/ 291، والخصائص: 2/ 293. وشرح شواهد الشافية ص 207. والقبيل: العريف والكفيل. لكيز: أبو قبيلة. مرجوم وابن المعلى: سيدان من لكيز. (3) في (ط): وإن لم.

بالميم فلم حذفت حركة الميم في الوصل من نحو: عليهم وبهم؟ قيل: لمّا حذفت الواو والياء «1» للتخفيف ولما قام على لزوم حذفهما من الدلالة، كره أن تبقى الكسرة أو الضمة، لأنّهما قد يكونان بمنزلة الياء والواو، في باب الدلالة عليهما، ألا ترى أنّك تقول في النداء: يا غلام أقبل، فيكون ثبات الكسرة كثبات الياء وتقول: أنت تغزين يا هذه، فتشمّ الزاي ليكون ذلك دلالة على الواو المحذوفة، فكما كانتا في هذه المواضع بمنزلة الياء والواو، كذلك لو لم تحذفا مع الميم من عليهمي «2» وعليهمو كان إثباتهما بمنزلة إثباتهما، ودالّا عليهما، فيصير بإثباتهما كأنّه لم يحذف الحرفين، كما كان إثباتهما حين ذكرتا بمنزلة إثبات الحرفين. ويدلّ على وجوب إسكان الميم أنّ الحركة لو أثبتت، ولم تحذف كان فيها استجلاب بإثباتهما للمحذوف، ألا ترى أن الضمة والكسرة إذا ثبتتا «3» قد يشبعان «4» فيلحقهما الواو والياء، فمن إشباع الضمة قول الشاعر- أنشده أحمد بن يحيى-: وأنّني حوثما يسري الهوى بصري ... من حوثما سلكوا أثني فأنظور «5»

_ (1) في (ط): أو الياء. (2) في (ط): في عليهمي. (3) في (ط): إذا أثبتتا. (4) في (ط): قد تشبعان. (5) قال ابن جني في سر الصناعة (1/ 29) أنشدني أبو علي: الله يعلم أنا في تلفتنا ... يوم الفراق إلى أحبابنا صور وأنني حيثما يثني الهوى بصري ... من حوثما سلكوا أدنو فأنظور يريد فأنظر فأشبع ضمة الظاء، فنشأت عنها واو. وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 6/ 140.

ومن إشباع الكسرة: لما نزلنا نصبنا ظلّ أخبية ... وفار للقوم باللحم المراجيل «1» فلو أتيت ما يجلبهما في بعض الأحوال كان ذلك كالنقض لما قصد من التخفيف بحذفهما. وقد جرت الفتحة في ذلك مجرى أختيها، قال ابن هرمة «2»: وأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذمّ الرجال بمنتزاح وإذا أسكن أمن هذا، ألا ترى أنهم لم يصلوا القوافي الساكنة، ومن ثم كانت الهاء رويّا في: «فرتها» «3» ولم تكن وصلا كما كانت إيّاه في: «أجمالها» «4». فإن قلت: فهلّا أثبتت حركتها، كما أثبتت حركة الهاء في

_ (1) من مفضلية عبدة بن الطبيب الشاعر المخضرم، ورواية المفضليات: لما وردنا رفعنا ظلّ أردية ... وفار باللحم للقوم المراجيل والمراجيل جمع مرجل وهو القدر، وانظر المفضليات ص 141 وشرحها ص 284. (2) من قصيدة له يمدح بها عبد الواحد، أحد القرشيين، وكان قاضيا لجعفر بن سليمان. وأولها: أعبد الواحد المحمود إني ... أغص حذار سخطك بالقراح وانظر الحماسة البصرية 1/ 190، وشرح شواهد الشافية: 25. (3) إشارة إلى البيت: «شلت يدا فارية فرتها» وتقدم في ص/ 75. (4) إشارة إلى البيت: رحلت سمية غدوة أجمالها وقد تقدم في ص/ 72.

عليه ونحوه بعد حذف حرف اللين «1»، ليتفقا في التحرك، كما اتفقا في حذف حرف اللين منهما وكما اتفقا في الحذف في الوقف. قيل: الفصل بينهما أن الميم في عليهم، وعليكم، ودارهم، وبهم، لا يخلو ما قبلها من أن يكون ضما أو كسرا فما يستثقل لازم له، والهاء في الإفراد لا تكون كذلك، لأن ما قبلها قد يكون مفتوحا في نحو: رفعت حجره، وقدت جمله. وقد يكون ساكنا في نحو: عصاه، وعليه، واضربه، فهذه الهاء إذا تصرف ما قبلها هذا التصرف، علمت أنّها لا تكون بمنزلة هاء الجميع التي لا تخلو من الضمة والكسرة وهما يستثقلان فخفّف بحذف الحركة وإلزامها ذلك كما خفّف نحو: عضد وكتف، ولم يخفّف نحو: جمل. فأمّا اتّفاقهما في الحذف في الوقف فلأنّهما قد حذفا في الوصل في: عليهم وعليكم، فلما اتفقا في الحذف في الوصل وكان الوقف يحذف فيه ما لا يحذف في الوصل نحو الحركات، وجب أن يلزم فيه الحذف ما يحذف في الوصل، لأنّ الوقف موضع تغيير. وممّا يقوّي حذف هذه الحركة من الميم في «عليهم» ونحوه أنّها لو أثبتت ولم تحذف لأدّى ذلك إلى اجتماع أربع متحركات وخمس، وذلك ممّا قد كرهوه حتى لم يأخذوا به في أصول أبنيتهم، إلا أن يكون قد حذف منه شيء «2»، ولا في أوزان الشعر إلّا أن يلحقه ذلك أيضا، وقد رفضوا أن تجتمع

_ (1) في (ط): بعد حذف اللين. (2) أي: في نحو علبط، وهو: الضخم. والأصل علابط.

خمس متحركات في شيء من أوزان الشعر. ومن ثمّ تعاقبت السين والفاء في مستفعلن التي هي عروض البيت الأول من المنسرح، لأنّهما لو حذفا جميعا وقبلها تاء مفعولات لاجتمع خمس متحركات، فلما كان يؤدّي إلى ما قد تركوه، واطّرحوه، حذفوا الحركة فيه. ألا ترى أنهم تركوا الابتداء بأنّ الثقيلة المفتوحة لما كان يؤدي إليه من اجتماع حرفين لمعنى «1» وتركوا أن يخرموا من أول الكامل كما خرموا من أول الطويل والوافر ونحوهما لما كان الخرم فيه يؤدّي إلى الابتداء بالساكن؟ فكذلك حذفت الحركة في الميم من «عليهم» ونحوه لمّا كان يؤدّي إلى ما قد رفضوه في كلامهم من توالي المتحركات، وجعل غير اللازم في هذا كاللازم، كما جعل مثله في: فعل لبيد، و (لا تناجوا) «2» ومررت بمال لك، ونحو ذلك. الحجة لحمزة في قراءته (عَلَيْهِمْ): فأمّا قراءة حمزة: (عليهم) وأختيها بالضم فليس على أنّه لم يتبع الهاء الياء مع المشابهات التي بينهما، ولكنّه لمّا وجد هذه الياءات غير لازمة، وما كان غير لازم من الحروف فقد لا يقع الاعتداد به في الحكم وإن ثبت في اللفظ، وكانت الياء

_ (1) أي: لاحتمال أن تكون بفتح الهمزة أو كسرها، إذا صح الابتداء بأن المفتوحة فيلزم اجتماع حرفين لمعنى. (2) في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ في الآية 9 من سورة المجادلة، وإدغام تاء تتناجوا في التاء بعدها قراءة ابن محيصن، وليست من السبع.

بمنزلة الألف في قرب المخرج والاجتماع في اللين وإبدال إحداهما من الأخرى في نحو: لنضربن بسيفنا قفيكا «1» أجرى الياء مجرى الألف، فضمّ الهاء بعد الياء، كما يضمّها بعد الألف، وقوّى ما رآه من ذلك عندنا أن سيبويه حكى «2» عن الخليل: أن قوما يجرونها مع المضمر مجراها مع المظهر، فيقولون: علاك وإلاك. فهذا يقوّي أن الياء لمّا لم تلزم لم يكن لها حكم اللازم، كما أن الواو في ضوء «3» إذا خففت الهمزة فلم تلزم لم يلزمه القلب، كما «4» أن التاء في قائمة وطويلة لمّا لم تلزم لم يكن لها «5» حكم اللازم، والياء لما كانت أقرب مخرجا إلى الألف من الواو إليها «6» أبدلت هي من الألف، كما أبدلت الألف منها، ولم تبدل الألف من الواو على هذا الحدّ. ألا ترى أنهم قالوا: حاحيت، وعاعيت، وقالوا في النسب إلى طيئ: طائيّ وفي الحيرة: حاريّ، وفي زبينة: زباني «7»،

_ (1) من رجز لرجل من حمير يخاطب عبد الله بن الزبير، وتمامه: يا ابن الزبير طالما عصيكا ... وطالما عنيتنا إليكا لنضربن بسيفنا قفيكا انظر شرح شواهد المغني للبغدادي الشاهد رقم/ 249 ج 3/ 347. وعنيتنا: اتعبتنا. (2) في (ط): يحكي. (3) أي: في لغة من يقول ضو دون همز. (4) في (ط): وكما أن. (5) في (ط): لم يكن له. (6) في (م): والهاء، وهو خطأ. (7) بنو زبينة كسفينة: حي من العرب، والنسبة إليهم زباني على غير قياس.

وذهب سيبويه في آية وغاية إلى أن الألف «1» بدل من الياء الساكنة التي كانت «2» في أيّة «3» ولم نعلم الألف أبدلت من الواو على هذه الصورة إلّا قليلا كياجل في بعض اللغات. فأمّا ما يقوله بعض البغداذيّين من أن الألف في داويّة بدل من الواو في دوّيّة فقد يمكن أن يكون الأمر على خلاف ما ذهب إليه، وذلك أنه يجوز أن يكون بنى من الدوّ فاعلا كالكاهل والغارب، ثم أضاف إليه على من قال: حانيّ، ويقوّي ذلك أن أبا زيد أنشد: والخيل قد تجشم أربابها الشّقّ «4» * وقد تعتسف الداويه «5» فإن قلت: إنه قد يمكن أن يكون خفف ياء النسب في الداويه لأنّها قد تخفّف في الشعر، كما أنشده أبو زيد: بكّي بعينك واكف القطر ... ابن الحواري العالي الذكر «6»

_ (1) في (ط): وذهب سيبويه إلى أن الألف في آية وغاية. (2) سقطت «كانت» من (ط). (3) بناء على قول سيبويه: إن أصل آية أيّة بالتشديد. (4) صدر البيت زيادة من (ط). (5) من شعر نسبه أبو زيد في النوادر ص 62 إلى عمرو بن ملقط، وانظر شرح المفصل لابن يعيش 10/ 19، وشرح أبيات المغني 2/ 363. واللسان (شق). والمعنى: أن الخيل قد تكلف أصحابها المشقة، وقد تقطع الفلاة، فتمشي على طريق غير مسلوكة. (6) رواه في اللسان عن ابن دريد في مادة «حور»، ونسبه أبو زيد في النوادر:

فإن الحمل على القياس والأمر العامّ أولى، حتى يحوج إلى الخروج عنه أمر يضطرّ إلى خلافه، ويخرج عن الشائع الواسع. وممّا يؤكد ذلك أنّ أبا الحسن قال: زعم أبو زيد أنّه لقي أعرابيا فصيحا: يقول: ضربت يداه، ووضعته علاه. وحكى «1» أبو عثمان عن أبي زيد أنّه سأل الخليل عمن قال: رأيت يداك، فحمله على هذا الوجه. ومن الدلالة على صحّة ما اعتبره حمزة في ذلك، أنّ الياء في الأواخر في غير هذا الموضع، وقعت موضع الألف في الوصل، والوقف، وذلك لغة طيئ فيما حكاه عن أبي الخطّاب «2» وغيره من العرب، وذلك قولهم في أفعا: أفعي «3» فكما جرت الياء مجرى الألف في هذا عندهم، كذلك أجرى الياء في «عليهم» مجرى الألف، معها، كما ضمّها مع الألف، إذ كانت الياء في حكمها، وإن لم تكن من لفظها. وتوافق هذه اللغة في إبدال الياء من الألف قول ناس في

_ 205 إلى ابن الرقيات، وعنه في الديوان 183. (1) في (ط): ويحكي. (2) حكاه أي سيبويه: وأبو الخطاب هو عبد الحميد بن عبد المجيد الأخفش الأكبر مولى قيس بن ثعلبة، كان إماما في العربية، لقي الأعراب وأخذ عنهم وعن أبي عمرو بن العلاء وطبقته، وأخذ عنه سيبويه والكسائي وغيرهما، وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت. وأنظر البغية للسيوطي: 2/ 74. (3) هي إحدى لغتي طيئ، والأخرى أفعو بفتح العين وسكون الواو.

الإضافة إلى الياء: (يا بُشْرى) «1». و: سبقوا هويّ وأعنقوا «2» ... وممّا يثبت هذه اللغة التي استشهدنا له بها من القياس، أنّها على قياس ما اجتمع عليه أهل الحجاز وغيرهم من قيس، وذلك أن بني، تميم يبدلون من الياء الهاء في الوقف في «هذه» فإذا وصلوا قالوا: فهذي شهور الصيف «3» .. كما أن ناسا يقولون: أفعي في الوقف، فإذا وصلوا قالوا: رأيت الأفعى، فاعلم.

_ (1) في قوله تعالى: «يا بشراي هذا غلام» في الآية 19 من سورة يوسف، وإدغام الألف في الياء هي قراءة أبي الطفيل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كما في طبقات القراء 1/ 177 والمحتسب 1/ 76 وعن أبي الطفيل والحسن وعبد الله بن أبي إسحاق، وعاصم الجحدري كما في البحر المحيط 5/ 290. وأضاف في البحر 1/ 169 عيسى بن أبي عمر، وهي لغة شائعة لهذيل كما ذكرته المصادر. (2) من مرثية أبي ذؤيب لأولاده، وتمام البيت: سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع انظر ديوان الهذليين: 1/ 2 وشرح أشعارهم 1/ 7 والبحر المحيط 1/ 169. وقوله هوي: لغة هذيل، يريد: هواي. وأعنقوا: تبع بعضهم بعضا. أي: ماتوا قبلي. (3) لمجنون بني عامر من قوله: وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا؟ الأغاني: 2/ 10 وديوانه/ 300.

وجعلت طيئ الحرف في الوصل والوقف ياء كما جعل أهل الحجاز وغيرهم من قيس آخر الكلمة في الوصل والوقف هاء فقالوا: هذه وهذهي أمة الله، وقالوا في الوقف: هذه، فاجتمعوا على إبدال الياء هاء كما فعلت طيئ ذلك بالألف فيهما. فإذا عضد ما ذكرنا من السماع الذي وصفناه من القياس، ثبت بذلك توجّه هذه اللغة وتقدّمها، وساغ من أجل ذلك التشبيه بها والترجيح لها على غيرها. فإن قلت: فقد قال بعضهم: أفعو، فأبدل الواو من الألف، كما أبدل الياء منها. فالقول أن إبدال الواو منها ليس بقويّ من جهة القياس قوة إبدال الياء لما تقدم ذكره، وليس هو أيضا من طريق السماع في كثرة إبدال الياء منها، لأنّ الياء يبدلها «1» من الألف في الوقف فيما حكاه عن الخليل وأبي الخطّاب فزارة وناس من قيس، وفي الوقف والوصل يبدلها «2» منها طيّئ والواو يبدلها منها بعض طيئ، فما كثر في الاستعمال وعضده قياس لم يكن كما كان بخلاف هذا الوصف. على أن مشابهة بعض هذه الحروف لبعض لا تنكر «3»، وإن كانت الألف أقرب إلى الياء منها إلى الواو. فإن قلت: فإن الياء قد اجتمعت مع الواو في أشياء لم تجتمع الألف فيها معها، كوقوعها في الردف في نحو: صدود وعميد، وامتناع الألف من مشاركتهما «4»، وكاجتماعهما في الإدغام في سيّد ونحو ذلك. فالقول في ذلك أن الشعر يعتبر

_ (1) في (ط): تبدلها. (2) في (ط): تبدلها. (3) في (ط): لا ينكر. (4) في (ط): مشاركتها، وهو تحريف.

فيه التعديل في الأجزاء، لما يدخله من الغناء والحداء، فلمّا كان المدّ في الألف أكثر من المدّ الذي في كل واحد منهما لم تجتمع معهما الألف في الردف، كما لم تقع واحدة منهما مع الألف في التأسيس. ويدلّك على أن امتناع الألف في الاجتماع معهما في الردف لذلك، أنّ الفتحة لمّا لم تكن في مدّ الألف، لم يمتنع أن تقع «1» قبل حرف الروي مع الضمة والكسرة في نحو: وقاتم الأعماق خاوي المخترق ... تفليل ما قارعن من سمر الطرق إذا الدليل استاف أخلاق الطرق ... ألّف شتّى ليس بالرّاعي الحمق «2» ألا ترى أن الفتحة لمّا خالفت الألف فيما ذكرنا لم تمتنع «3» في قول أبي الحسن من أن تجتمع مع الضمة والكسرة. ومما يدلّك على زيادة المدّ في الألف، استجازتهم تخفيف الهمزة بعدها في هباءة والمسائل وجزاء أمّه «4»، ولم يفعلوا ذلك بها مع الواو والياء «5». ولكن قلبوها إلى لفظها في: مقروّ

_ (1) في (ط): لم تمتنع من أن تقع. (2) مطلع أرجوزة لرؤبة بن العجاج، والأرجوزة بتمامها في ديوانه ص 104 - 106، وفي أراجيز العرب/ 22. وقد أورد أشطارا غير متصلة في الرواية، إذ يعنيه حركة ما قبل الروي ففي الشطرين الأولين الحركة فتحة وفي الثالث ضمة وفي الرابع كسرة. والطرق: الحجارة. (3) في (م): بل يمتنع. (4) وقعت «جزاء أمه» في (ط) على الهامش. (5) في (ط): مع الياء والواو.

والنسيّ. ومن ثم استجاز يونس إيقاع الخفيفة بعدها في فعل الاثنين وجماعة النساء، وقرأ بعضهم فيما روي لنا: وَمَحْيايَ وَمَماتِي «1» [الأنعام/ 162]. وأما امتناعها من الإدغام وجوازه فيهما فإن إدغامها لم يجز في واحدة منهما لما فيها من زيادة المد «2»: ألا ترى أن الصاد والسين والزاي «3» لم يدغمن في الطاء والتاء والدال، ولا في الظاء والثاء والذال، لما فيهنّ من زيادة الصوت التي ليست «4» في هذه الستة وهو الصفير «5»، وأدغمن فيهنّ. ولم يجز إدغام الياء والواو في الألف لأنها لا تكون إلا ساكنة والمدغم فيه تلزمه الحركة، ولأن الحروف المجانسة لها يكره فيها الإدغام. ومما يقوّي قراءته بالضم في هذه الحروف أنّه قد اعتبر في بعض الحروف المنقلبة حكم المنقلب عنه، ألا ترى أن الألف إذا كانت منقلبة عن الياء قرّبت منها فصارت مشابهة لها، ولا يفعل بها ذلك في الأمر العام إذا كانت منقلبة عن غيرها، وكذلك هذه الياء في عليهم إذا كانت منقلبة عن الألف جعلت

_ (1) سكون ياء المتكلم في «محياي» هو جمع بين ساكنين، أجرى الوصل فيه مجرى الوقف، والأحسن في العربية الفتح. قال أبو علي: هي شاذة في القياس لأنها جمعت بين ساكنين وشاذة في الاستعمال. ثم قال: وروى أبو خالد عن نافع: (وَمَحْيايَ) بكسر الياء انظر البحر 4/ 262. (2) أي فلو أدغمت فيها لزال المد، وهو مزية للألف. (3) في (ط): والزاي والسين. (4) في (ط): الذي ليس. (5) أي: والصفير مزية لا يجوز إهدارها بالإدغام.

بمنزلة الألف فضمّت معها الهاء ضمك إيّاها مع الألف، كما قرّبت الألف من الياء لمّا كانت منقلبة عنها. وقد أريتك فيما تقدم أن المقرّب من الحروف قد يكون في حكم الحرف المقرّب منه عندهم بدلالة قولهم اجدرءوا «1» واجدمعوا، وإبدالهم تاء الافتعال مع المقرب إبدالهم إياها مع الحرف المقرّب منه. ومما يؤكد ذلك أنّهم قالوا. رويا وروية ونوي «2» فجعلوا [حكم الواو] «3» حكم الحرف المنقلب عنه، فلم يدغموه في الأمر العام الشائع، كما لم يدغموا في هذه الياء ما الواو بدل منه، فكذلك يكون حكم الياء في عليهم حكم الحرف المنقلب عنه. ومن ذلك أنهم قالوا: بيس فلم يحقق الهمزة، وأقرّ مع ذلك كسرة الباء فيها، كما كان يكسرها لو حقق الهمزة، أفلا ترى أنّه جعل حكم الحرف المغير حكمه قبل أن يغيره، فكذلك يضم الهاء مع الياء المنقلبة عن الألف، كما يضمّها مع الألف. ومن تشابه الياء والألف أنّ الياء قد أجريت مجرى الألف، فأسكنت في موضع النصب، فصارت في الأحوال الثلاث «4» على صورة واحدة، كما أنّ الألف في مثنّى «5» ومعلّى كذلك، وقد كثر هذا «6» في الشعر، وجاء في الكلام منه أيضا. وذلك قولهم: أيادي سبا، وأيدي سبا، وبادي بدا وبادي بدي «7»

_ (1) في (م): اجدرءوا وانظر ص 55. (2) يريد النؤي، وهو الحفير حول الخباء. (3) ما بين المعقوفين ساقط من ط. (4) يريد أن المنقوص قد تسكن ياؤه نصبا. (5) في (ط): كما أن ألف مثنى. (6) أي تسكين الياء. (7) انظر سيبويه 2/ 54.

وقالي قلا، ومعدي كرب. فالأول من هذه الأشياء في موضع فتح، لأنّه لا يخلو من أن يكون ككفّة كفّة أو كفّة كفّة. فأمّا قولهم: لا أكلمك حيري دهر، فإن شئت قلت: إن الياء للإضافة فلما حذفت المدغم فيها «1» بقيت الأولى على السكون كقوله: ............. أيهما ... عليّ من الغيث استهلّت مواطره «2» وإن شئت قلت: إنّه لمّا حذف الثانية جعل الأولى كالتي في أيدي سبا، ولم يجعله مثل رأيت يمانيا «3». وإن شئت «4» جعله فعلي «5» وكان في موضع نصب. فإن قلت: إنّه قد قال: إن هذا البناء لا يكون إلّا بالهاء «6» فإن شئت «7» جعلته مثل انقحل «8»، وإن شئت قلت: إن الهاء حذفت للإضافة كما حذفت معها حيث، لم تحذف مع غيرها، وأن تجعلها للنسب أولى، لأنّهم قد شدّدوها. وكما

_ (1) في (ط): منها. وقوله: حيري دهر: أي طول الدهر. انظر اللسان (حير). ويقال: لقيته كفة كفة، أي: استقبلته مواجهة. (2) بقية بيت للفرزدق في ديوانه 1/ 347، ورواه في اللسان في مادة «حير» و «أيا» وتمامه: تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما ... عليّ من الغيث استهلّت مواطره وفي (ط): سقطت عبارة: «استهلت مواطره». (3) في (ط): ثمانيا. (4) في (ط): وإن شئت قلت. (5) أي: بالياء المخففة دون نسبة. (6) أي: بتاء التأنيث على وزن «فعلية» بكسر الفاء واللام. (7) في (ط) فإن شئت قلت. (8) انقحل: وصف من قحل الشيخ كفرح يبس جلده على عظمه فهو قحل بالفتح والسكون وقحل ككتف وانقحل، والمعنى أنه نادر مثله.

شبّهت الياء بالألف في هذا، كذلك شبّهت الألف بالياء في نحو ما أنشده أبو زيد: إذا العجوز غضبت فطلّق ... ولا ترضّاها ولا تملّق «1» فهذا إنما هو على تشبيه الألف بالياء، ألا ترى ما قدّر من إثبات الحركة في «ألم يأتيك ... » «2» وحذفها للجزم لا يستقيم هاهنا لمنع اللام بانقلابها ألفا من ذلك، من حيث لو لم يقدّر ثبات الحركة لصحّ الحرف ولم ينقلب كما لم ينقلب في نحو كي وأي ولو وأو. فأمّا قول الشاعر: وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم تري قبلي أسيرا يمانيا «3» فإنه ينشد تري وترى. فمن أنشده تري بالياء كان مثل قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ «4» [الفاتحة/ 4] بعد الحمد لله، وقد يكون على هذا قول الأعشى:

_ (1) البيتان لرؤبة بن العجاج، وبعدهما: واعمد لأخرى ذات دل مونق ... لينة المس كمس الخرنق والخرنق بكسر الخاء والنون ولد الأرنب، وانظر شرح المفصل لابن يعيش 10/ 106 وشرح أبيات المغني 2/ 355. (2) من قول قيس بن زهير العبسي: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد انظر الكتاب: 2/ 59 والبيت من شواهد شرح أبيات المغني للبغدادي 2/ 353. (3) من قصيدة عبد يغوث بن وقاص الحارثي، وأولها: ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا ... فما لكما في اللوم خير ولا ليا وانظر القصيدة في ذيل الأمالي/ 133، والخزانة 1/ 316 وشرح أبيات المغني 5/ 133 - 138 والبيت من شواهده. (4) أي: فهو من قبيل الالتفات.

حتى تلاقي محمدا بعد قوله: فآليت لا أرثي لها من كلالة «1». وقد تكون على: هي تفعل، إلّا أنّه أسكن اللام في موضع نصب «2». ومن أنشد: كأن لم ترى، كان مثل لا ترضّاها. فإن قلت: فلم لا «3» يكون على التخفيف «4» على قياس من قال: المراة والكماة. قيل إن التخفيف على ضربين: تخفيف قياس وتخفيف قلب على غير القياس «5» وهذا الضرب حكم الحرف فيه حكم حروف اللين التي ليست أصولهن الهمز، ألا ترى أن من قال: أرجيت قال: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ [التوبة/ 106] مثل معطون، ومن لم يقلب جعلها بين بين، فكذلك: «لم ترى» إذا لم يكن تخفيفه تخفيف قياس كان كما قلنا، فلا يجوز لتوالي الإعلالين ألا ترى أنّهم قالوا: طويت وقويت وحييت فأجروا الأول في جميع ذلك مجرى العين من

_ (1) من قصيدة الأعشى في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتمام البيت: فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفى حتى تلاقي محمدا انظر الديوان/ 135، وفيه: تزور مكان تلاقي، وانظر شرح أبيات المغني 5/ 104. واستشهد به في البحر 3/ 188 على معنى «كلالة». (2) في (ط): في موضع النصب. أي بدلا من فتحها، والأصل حتى تلاقي بفتح الياء. (3) في (ط): لم لا. (4) أي والأصل: لم ترأ بالهمز، ثم خففها. (5) في (ط): على غير قياس.

اخشوا، وقالوا: نوا وحيا، فجعلوه بمنزلة قطا، وقالوا: آية. فإن قلت: فقد قالوا: استحيت. فإن ذلك من النادر الذي لا يحمل عليه «1». فإن قلت: فلم لا تجعله مثل لم يك ولم أبل كأنه حذف أولا اللام للجزم، كما حذف الحركة من «2» يكون، ثم خفف على تخفيف الكماة والمراة، وأقرّ الألف كما أقرّ في «لا ترضّاها». فإن ذلك يعرض فيه ما ذكرنا من توالي الإعلالين، ويدخل فيه شيء آخر لا نظير له، وهو أنّه إذا حذف الألف من «لم ترى» على هذا الحدّ، فقد حذف للجزم حرفين، وليس لم يك ولم أبل كذلك، لأنّه إنّما حذف فيه «3» حركة وحرف. وممّا يبعد التخفيف في «ترى» على حد الكماة والمراة، أنّهم قد حذفوا الألف من هذه الكلمة في قولهم: ولو تر أهل مكّة، لكثرة الاستعمال، كما حذفوها «4» في قول من قرأ: حاشَ لِلَّهِ «5» [يوسف/ 31 - 51]. فإذا حذف الألف كما حذف من حاش لله «6» وجب أن تكون العين في حكم الصحيح والتخفيف القياسي ليكون كحاش لله. الحجة لابن كثير في قراءته: (عليهمو ولا) «7» وأما قول ابن كثير: «عليهمو ولا الضالين» فوجهه أنّه أتبع

_ (1) أي لا يحمل على استحيت لأن فيه الجمع بين إعلالين: النقل والحذف. (2) في (ط): في. (3) في (ط): منه. (4) كذا في (ط)، وفي (م): حذفوا الهاء، وهو خطأ. (5) قرأ أبو عمرو بألف بعد الشين لفظا في حالة الوصل. وقرأ الباقون بحذفها انظر النشر 2/ 295 وفي البحر 5/ 303: قرأ الجمهور «حاش لله» بغير ألف بعد الشين. (6) في (ط): من حاش وجب؟؟؟. (7) في (ط): ولا الضالين.

الياء ما أشبهها، والذي يشبهها الهاء، وترك ما لا يشبه الياء والألف- وهو الميم- على أصله وهو الضم، كما أنّ الذين قالوا: شعير، ورغيف، ورجل جئز «1» وماضغ لهم «2»، وشهد. ولعب أتبعوا الفتحة الكسرة في جميع ذلك لقربها منها كقرب الألف من الياء، وشبهها بها. ولم يتبعوا الفتحة الضمّة فيقلبوها «3» ضمّة في رءوف ورؤف «4» كما أتبعوا الفتحة الكسرة في جئز وشعير حيث لم تقرب الواو من الألف قرب الياء منها، فكذلك أتبع الهاء الياء لما قرب «5» منها، ولم يتبعها الميم لما لم تقرب منها، كما لم يتبع الفتحة في رءوف الضمة حيث لم تقرب الفتحة من الضمة قربها من الكسرة. فأما قولهم: مغيرة ومغير فليس على حدّ شعير ورغيف، ولكن على قولهم. منتن في منتن وأجوءك في أجيئك «6». ومما يقوّي قوله في ذلك، أنّهم قالوا: قرأ يقرأ، وجأر يجأر، فأتبعوا الهمزة وأخواتها ما جانسها من الحركات، وما كان من حيزها، وهي الفتحة، ولم يفعلوا ذلك مع الحروف المرتفعة عن الحلق. حيث لم يقربن من الفتحة قرب الحلقيّة منها. فكذلك أتبع في قوله: (عليهمو ولا) الياء ما قرب من الياء «7»، وهو الهاء، ولم يتبعه ما لم يقرب منها وهو الميم.

_ (1) جئز بالماء يجأز، إذا غص به فهو جئز وجئيز. اللسان (جأز). (2) لهم: أكول، والفعل كسمع. (3) في (م) فقلبوها. (4) في (ط): في رؤف، ورءوف. (5) في (ط): لما قربت منها. (6) انظر ص 65 وانظر سيبويه 2/ 255. (7) في (ط) منها.

ومثل قوله: (عليهمو) - في أنّه أتبع الياء ما يشبهها، وترك ما لا يشبهها على أصله- قولهم (يُصْدِرَ) «1» فقرّب الصاد من أشبه الحروف من موضعها بالدال وهو الزاي. ألا ترى أنهما يجتمعان في الجهر؟ فلما أراد تقريب الأول من الثاني، ولم يجز ذلك بالإدغام لما يدخل الحرف من انتقاص صوته، قرّبه من هذا الوجه الذي قرّب منه دون الإدغام. ولو كان موضع الدال في (يُصْدِرَ) حرف آخر لا يقرب من الصاد قرب الدال منها- كاللام والراء ونحوهما- لم تغيّر الصاد له كما غيرت من أجل الدال لقربها منها، فكذلك قرّب الهاء في عليهمو من الياء، لقربها منها ولم يغير الميم لبعدها منها، كما لم تقرّب الصاد من الزاي مع اللام ونحوها، لمّا لم يقربن منها قربها من الدال. فإن قلت: هلّا رغب عن ذلك لما يعترض في قراءته «2» من ضم بعد كسر، والضم بعد الكسر في كلامهم مكروه؟ قيل له «3»: إن الضم بعد الكسر على ضربين، أحدهما: أن يكون في بناء الكلمة وأصلها، كالضم بعد الفتح في عضد، (والآخر: أن يكون عارضا في الكلمة غير لازم لها) «4»، فما كان من الضرب الأول فهو مرفوض في أبنية الأسماء والأفعال كما كان فعل في أبنية الأسماء مرفوضا. وما كان من الضرب الثاني فمستعمل، نحو قولهم: فرق، ونزق في الرفع، وقالوا في

_ (1) في قوله تعالى من سورة القصص/ 23: (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) انظر ص 56. (2) في (ط): به. (3) سقطت كلمة «له» من ط. (4) كذا في (ط)، والعبارة في (م) مضطربة.

الوقف على الرّدء في الرفع في قوله: فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [القصص/ 34] هو الرّدؤ مثل الرّدع «1»، كما قالوا في البطء: من البطىء فحرّكوه- كراهة لالتقاء الساكنين- بالحركة التي كانت تكون للإعراب، كما قال: ... إذ جدّ النّقر «2». وقد أعلمتك فيما تقدّم أن كثيرا ممّا لا يلزم الكلمة لا يقع الاعتداد به. فإذا كان الأمر في وقوع الضمة بعد الكسرة على ما ذكرنا لم يصحّ أن يرغب عن قراءته (عليهمو ولا) من حيث لحقت فيها ضمة بعد كسرة. لأن هذه الضمة تشبه ما ذكرنا. من ضمة الإعراب وما استعملوه في الوقف، وذلك أنّها غير لازمة، ألا نرى أنّ الكسرة في الهاء إنّما تكون إذا جاورت الكسرة أو الياء، فإذا زالت هذه المجاورة زالت الكسرة. كما أن ضمّة الإعراب في قولهم: هذا نزق يا فتى «3» إذا زال عاملها زالت. وكما أن الرّدؤ إذا زال الوقف فيه في الرفع زالت الضمة

_ (1) انظر سيبويه 2/ 287. والردء: الصاحب. (2) قطعة من بيت من الرجز وتمامه: أنا ابن ماوية إذ جدّ النّقر وبعده: وجاءت الخيل أثابيّ زمر وفي سيبويه (2/ 284): أنه لبعض السعديين، وفي اللسان (نقر): أنه لعبيد بن ماوية الطائي، وفي القاموس: أنه لفدكي المنقري. النقر: أن تلزق طرف لسانك بحنكك وتفتح، ثم تصوت. وقد نقر بالدابة نقرا، وهو صوت يزعجه. الأثابي: الجماعات، الواحد أثبية بشد الياء. (3) في (ط): يا هذا.

فإن قلت: فإنّ قوما كرهوا أن يقولوا: هو الرّدؤ في الوقف على المرفوع، فقالوا: هو الرّدىء، وقالوا هذا عدل، لكراهة الضمّة بعد الكسرة. فهلّا كره (عليهمو) كما كره هؤلاء ما ذكرت. قيل له «1»: إنّ هؤلاء إنّما عدلوا عن الضمة إلى الكسرة حيث وجدوا عنها مندوحة، بأن أتبعوا الساكن الحركة التي قبله، كما أتبعوه الحركة التي قبله في مدّ ونحوه. والذي يقرأ (عليهمو) لو لم يكسر الهاء هاهنا لم يشاكل بها الياء، والمشاكلة بها واجبة، لما تقدّم من الحجة في ذلك. ولو لم يضمّ الميم لأتبع الياء والكسرة «2» في عليهم ما لا يشبهها من كسرة الميم لو كسرها، وكأنّ ذلك إنّما يجوز على نحو مغيرة وأجوءك، ونحو ذلك ممّا ليس بالكثير في الاستعمال ولا المتّجه في القياس، ألا ترى أنّ القياس تقرير هذه الحركات على أصولها، ومن ثمّ لم يجز في مدير ومغير ما جاز في مغيرة من كسر الأوّل. على أن ما ذكرته من قولهم «3»: هو الرّدء، يشبه ألّا يكون الأكثر، لأنّه قال «4»: وأمّا ناس من بني تميم فيقولون: هو الرّدىء، كرهوا الضمّة بعد الكسرة، لأنه ليس في الكلام فعل، فتنكّبوه لذلك واستنكروه. قال أبو علي: والقياس قول الأكثر: لأنّ هذه الحركة في أنّها لا تلزم كقولهم: نزق في الرفع، فكما لا مذهب عن ذلك في الرفع فكذلك ينبغي أن يكون الوقف لاجتماع الوقف مع الإعراب في أنّه لا يلزم الكلمة، فلا ينبغي أن يسام ترك القياس

_ (1) في (ط): قيل إن. (2) في (ط): والكسر. (3) في (ط): في قولهم. (4) سيبويه: 2/ 286.

على الأكثر في الاستعمال والأصحّ في القياس إلى ما كان بخلاف هذه الصفة. وكأنّ هؤلاء الذين قالوا: هذا الرّدىء، كراهة الضمة بعد الكسرة شبّهوا الحركة التي تشبه حركات الإعراب بحركة البناء التي لا تفارق، وليس هذا بالمستقيم. ألا ترى أنّهم قالوا: يا زيد العاقل، ولا رجل صاحب امرأة عندك؟ فجعلوا الحركة المشابهة للإعراب بمنزلة الإعراب. وكذلك «1» ينبغي أن تجعل الحركة المشابهة للإعراب في الوقف بمنزلة الإعراب فلا يكره فيه هو الرّدؤ، كما لم يكره فرق، ولا يتبع الأول، لأن إتباع الحركة ليس بمستمرّ استمرار حركة الإعراب التي الحركة في الرّدؤ في قياسها ومشابهة لها من حيث وصفنا. على أنهم قالوا في الوقف: رأيت الرّدىء، ومن البطؤ، ورأيت العكم، ورأيت الحجر، فأتبعوا الأوسط تحريك الأول، فكذلك يكون قولهم: هذا الرّدؤ على هذا الحدّ، لا لكراهة الضمّة بعد الكسرة، فكما لا يكون في رأيت الحجر إلّا على الإتباع لما قبله، كذلك لا يكون في هذا عدل إلا كذلك، لا لكراهة الضمّة بعد الكسرة. ومثل قوله (عليهمو ولا الضالين) في أنّه جعل حركة البناء بمنزلة الإعراب في وقوع الضمّة بعد الكسرة لمشابهتها حركة الإعراب في أنّها لا تلزم، ويتعاقب على الموضع غيرها قول العرب من غير أهل الحجاز في ردّ، وعضّ، وفرّ، واستعدّ «2» ألا ترى أنهم أدغموا في الساكن المبنيّ كما أدغموا في المعرب نحو: هو يردّ ويستعدّ، لمّا كان

_ (1) في (ط): فكذلك. (2) في (ط): رد، وفر، وعض، واستعد.

المبنيّ تتعاقب عليه الحركات «1» وإن كن لغير الإعراب كالتحريك لالتقاء الساكنين، وإلقاء حركة الهمزة عليه في التخفيف، وإلحاقهم الثقيلة أو الخفيفة به، والتحريك للإطلاق. أدغموا كما أدغموا المعرب لمشابهته له في تعاقب هذه الحركات عليه، فكما صار غير المعرب بمنزلة المعرب لاجتماعهما في الشّبه الذي ذكرنا، كذلك استجاز أن يوقع الضمة بعد الكسرة في (عليهمو) كما وقعت بعدها في المعرب، لمشابهته المعرب لتعاقب الحركات عليه، وإن لم يكن لاختلاف عامل. والدليل على أن الإدغام في باب ردّ ونحوه إنما هو لما ذكرناه «2» من مشابهته المعرب لتعاقب الحركات عليه- وإن كانت لغير الإعراب- امتناعهم من الإدغام حيث عري من هذه المشابهة التي وصفنا. وذلك قولهم: رددت، ورددنا، ويرددن. فالذين أدغموا ردّ في الأمر بيّنوا هذا الذي وصفناه من التضعيف المتّصل بالضمير لمّا كان موضعا لا تصل الحركة إليه. فأمّا قول بعضهم ردّت وردّنا يريدون «3». رددت ورددنا فمن النادر الذي إن لم يعتدّ به كان مذهبا. لقلته في الاستعمال. وأنّه غير قويّ في القياس. فهو كالمقارب: لليجدّع «4».

_ (1) في (ط): حركات. (2) في (ط): لما ذكرنا. (3) في (ط): يريد. (4) من قول ذي الخرق الطهوي: يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا ... إلى ربّنا صوت الحمار اليجدّع اليجدع: أراد الذي يجدع، فحذف الذال والياء. (انظر النوادر/ 67، والخزانة 1/ 15، 16 وشرح أبيات مغني اللبيب 1/ 292).

ومن حجّة من قرأ (عليهمو) أن كسرة الهاء أصلها الضمة، وإنّما أبدل منها الكسرة للاعتلال من أجل الإتباع «1»، كما أن الكسرة في التقاضي والترامي والتداعي ونحو ذلك أصلها الضمّ، من حيث كان مصدر تفاعل. فكما أن هذه الكسرة في حكم الضمّة، والضمّة التي هي الأصل تراعى في المعنى بدلالة صرفهم له وامتناعهم من أن يجعلوه من باب حذار: جمع حذرية «2» وغواش، كذلك تكون الضمّة التي هي الأصل في (عليهمو) مراعاة في المعنى. فلا ينبغي أن يكره ذلك كما كره فعل، ولا يكون بمنزلته، كما لم يكن الترامي بمنزلة الغواشي والحذاري، لمّا كان الأصل مراعى في ذلك. وإذا كانت الضمّة المرفوضة في الاستعمال مراعاة في اللفظ للدليل الذي ذكرنا، فأن تراعى الضمة في (عليهمو) أجدر، لأنّها لم ترفض كما رفضت في باب التفاعل، ألا ترى أنّ أهل الحجاز يستعملونه، وأنّ من قال: بهو، (وبدارهو) قال: (عليهمو)، ومن قال: (عليهمو) ضمّ إذا عدا الياء «3» والكسرة. ومما يقوّي ذلك أنهم قد اعتبروا الحركات التي هي أصول في غير هذا الموضع، وإن لم تكن في اللفظ مستعملة، فجعلوا الحكم لها. وذلك قولهم: عدت المريض، وقلت الحق، فعدّوه إلى المفعول، وإن كان اللفظ على فعلت، لأن

_ (1) في (ط): للاعتلال من الإتباع. (2) الحذرية: الأرض الخشنة. (3) في (م) الباء، وهو تصحيف.

الأصل فعلت. ولولا أن تلك الحركة مراعاة معتبرة لم يتعدّ هذا النحو: ألا ترى أنا لم نعلم شيئا على فعل جاء متعديا إلى المفعول «1». ومما يؤكّد ذلك أن النقل وقع بالزيادة منه «2» وذلك نحو: أقلته إذا جعلته يقول، وأبعت الفرس، وأخفت زيدا. وممّا يدلّ على ذلك أنّهم قالوا: يسع، ويطأ، فحذفوا الواو التي هي فاء كما يحذفونها في باب يعد ويزن، لمّا كان الأصل الكسر، وإنّما فتح لحرف الحلق، فكما أن الفتحة هاهنا في حكم الكسر لمّا لم تكن الأصل، كذلك تكون الكسرة في (عليهمو) في حكم الضمّ، فلا يكون مكروها من حيث لم يجيء فعل ونحوه في أصول الأبنية إذ كان الأصل الضمّ، كما كان الأصل الكسر في يطأ ويسع ونحوه. ومما يبيّن ذلك أن ما كان على فعل لم يذكر سيبويه منه «3» إلا «إبلا» «4» وإذا جمعت «5» قربة وسدرة ونحوهما «6» قلت: قربات وسدرات، فاستمرّ فيه توالي الكسرتين من أجل الجمع، ولم يرفض ذلك، ولم يكره كما كره في أصل المقرر قبل الجمع. فكذلك (عليهمو) لا تكره فيه الكسرة قبل الضمة من أجل إعلال الإتباع وإن كان قد كره في بناء الآحاد، كما لم يكره توالي الكسرتين في سدرات من أجل الجمع «7»، وإن كان

_ (1) في (ط): إلى المفعول به. (2) منه: ساقطة من (ط). (3) في (ط): فيه. (4) في (م): إبل. (5) في (ط): نحو قربة وسدرة. (6) كذا في (ط)، وفي (م) نحوها. (7) في (ط): من الجمع.

كره ذلك في الآحاد، لأن الضمة بعد الكسرة ليس من أصل الكلمة وإنما اجتلبه الاعتلال، كما اجتلب توالي الكسرتين الجمع. ويؤكّد ذلك أنّهم قالوا في شقرة: شقريّ «1»، وفي نمر نمريّ. ولم يجيء في شيء من هذا النحو إلّا فتح العين. وقالوا: صعقيّ، فكسروا الفاء مع العين لمّا كان للاعتلال، ولم يكن من أصل البناء. فأمّا وصل ابن كثير الميم بالواو في (عليهمو) فلأن الأصل الواو، وإنّما أتبع الياء ما يشبهها وترك ما لا يشبهها على الأصل، وكان تقرير الأصل أولى عنده «2» من إتباع الكسرة الكسرة، لأنّ إتباع الحركة الحركة على هذا النحر «3» ليس بالمستمرّ. فإن قلت: فقد جاء في ظلمات وسدرات وحفنات «4». قيل: هذا التحريك ليس الغرض فيه الإتباع فقط. ألا ترى أنّه «5» يفصل به بين الاسم والصفة، وكذلك عصيّ وحليّ يفصل به بين الواحد والجميع، ولا يلزم الكسر. ومع ذلك فقد أبدل فيه ناس الفتحة من الضمة، والكسرة، فقالوا: ركبات وسدرات. وقد أسكن المفتوح في الشعر قال لبيد: «6»

_ (1) الشّقرة: واحدة الشقر، وهو شقائق النعمان، ويقال: نبت أحمر. (2) في (ط): عنده أولى. (3) في (ط): في هذا النحو. (4) في (ط): جفنات. (5) في (ط): أنه قد. (6) الديوان/ 185 والخزانة 3/ 423. الوغرات: جمع وغرة، وهي شدة الحر، وغرت الهاجرة كوعد. ونصبن في الديوان مكان نصبن.

رحلن لشقّة ونصبن نصبا ... لوغرات الهواجر والسّموم وقال ذو الرمة «1». أبت ذكر عوّدن أحشاء قلبه ... خفوقا ورفضات الهوى في المفاصل فكأنّه رأى ترك الحرف على أصله أولى من أن يصير به إلى ما لا يطرد. فإن قلت: فقد حكي عن الخليل وهارون، أنّ ناسا يقولون: (مُرْدِفِينَ) «2» وقال: فهؤلاء يقولون: مقتّلين، فقاس على قولهم. قيل «3»: قد يمكن أن يقال: إنّ ذلك من قوله لا يدلّ على أنّه يرى القياس عليه، وإنّما أراد أنّ القياس «4» على ما ذكر لو قيس. فأمّا اطّراده فلا يستقيم، بدلالة أن نحو مغيرة ومنتن لا يطّرد، وإنما يقتصر به على ما جاء فكذلك (مُرْدِفِينَ). وإن شئت قلت: إن هذا تحريك «5» لالتقاء الساكنين، كما أن قولهم، مدّ كذلك، فيكون هذا مستمرّا على لغتهم، كما أن ردّ كذلك، وإن كان الساكن في مردّفين متقدما. وقد قال: إنّها أقل اللغات. ولم يحذف الواو في عليهمو في الوصل كما حذفها

_ (1) الديوان 2/ 1337 والخزانة 3/ 423. خفوقا: اضطرابا. رفضات الهوى: ما تفرق من هواها في قلبه. (2) الأصل: مرتدفين، أي: مترادفين، فأدغمت تاء الافتعال في الدال، فالتقى ساكنان، فحركت الراء بالضم اتباعا لضمة الميم. (انظر الكتاب: 2/ 410، والكشاف: 2/ 157، وفي البحر المحيط (4/ 465): أنها مروية عن الخليل. (3) في (ط): قيل له. (4) في (ط): أن قياسه. (5) في (ط): تحرك.

غيره، لأنّها الأصل، وليس إثباتها من الأصول المرفوضة المطّرحة عندهم، كالواو إذا وقعت طرفا في الأسماء وقبلها ضمة، لكنه مراد في التقدير وإن كان محذوفا من «1» اللفظ عند قوم. والدليل على ذلك اتّفاق الجمهور على إثباتها إذا اتّصل الضمير بها. وبذلك جاء التنزيل في قوله: أَنُلْزِمُكُمُوها [هود/ 28]. وهذا أقوى في القياس، وأشيع في الاستعمال ممّا حكاه عن يونس: من أنه يقول أعطيتكمه، لأن مواضع الضمير وما يتّصل به قد ردّت فيها أشياء إلى أصولها في غير هذا، كقولهم: والله، وحقك. فإذا وصلوه بالضمير قالوا بك لأفعلن. أنشد أبو زيد: رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما «2»

_ (1) في (ط): في. (2) البيت لعمرو بن يربوع بن حنظلة، وكان عمرو فيما يزعمون تزوج السعلاة، فقال له أهلها: إنك تجدها خير امرأة ما لم تر برقا، فستّر بيتك ما خفت ذلك، فمكثت عنده حتى ولدت بنين، فأبصرت ذات يوم برقا، فقالت: الزم بنيك عمرو إني آبق ... برق على أرض السعالى آلق فقال عمرو: «ألا لله ضيفك يا أماما» وسقط الشطر الثاني من هذا البيت من الرواة. أوضع: أسرع. البكر: الفتي من الإبل. الضيف- بكسر الضاد: الناحية والمحلة. ورواية النوادر (146، 147): وما أغاما. ورواية الحيوان 1/ 186 والخصائص 2/ 19 كما هنا.

ويدلّ «1» على ذلك أيضا أنّ ضمير المؤنث الذي بإزائه على حرفين، وذلك نحو عليكنّ وبكنّ. فالأول من التضعيف بإزاء الميم، والثاني بإزاء حرف اللين. فهذا مما يقوي أنّه لم يحذفه على وجه الاطّراح والرفض، إنّما حذفه للتخفيف معتدّا به في الحكم وإن كان محذوفا في اللفظ. فأمّا ما انفرد به ورش في روايته عن نافع: من أن الهاء مكسورة والميم موقوفة، إلّا أن تلقى «2» الميم ألف أصليّة مثل: سواء عليهمو أأنذرتهمو أم لم تنذرهم لا يؤمنون [البقرة/ 6] فالقياس فيها إذا لقيت الألف الأصلية وإذا لقيت غيرها سواء. وكأنه أحبّ الأخذ باللغتين مثل: (لا يألتكم) و (لا يَلِتْكُمْ) «3». فإن قلت: إنّه لمّا أمن سقوطها لالتقاء الساكنين، كما تسقط إذا كانت بعدها همزة وصل، وكان المد قبل الهمزة مستحبا بدلالة أن القرّاء قد مدّوا نحو: كَما آمَنَ النَّاسُ [البقرة/ 13] أكثر مما مدّوا: وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [النحل/ 96]- ويقوي ذلك اجتلاب من اجتلب الألف بين الهمزتين في نحو (أاأنت) «4» [الأنبياء/ 62]- فهو قول. وقال «5» أبو الحسن: إنّما وقعت هذه القراءة «6» بالمدّ ليفهّموا المتعلمين فيمدّوا الهمزة إذا كانت

_ (1) في (ط): ويدلك. (2) في (ط) يلقى. (3) سورة الحجرات/ 14، يقرؤها البصريان (يألتكم) بهمزة ساكنة بين الياء واللام، ويقرؤها الباقون بكسر اللام من غير همز. (انظر النشر: 2/ 376). (4) اجتلاب الألف بين الهمزتين قراءة أبي عمرو، وأبي جعفر وقالون (انظر النشر: 1/ 358، 359). (5) في (ط): قال. (6) في (ط): إنما وضعت القراءة.

الحجة لاختلافهم إذا حركوا الميم لساكن يلقاها:

قبلها ألف أو ياء [أو واو] «1» نحو: حتّى إذا «2»، ونحو: قالُوا أَأَنْتَ [الأنبياء/ 62] قال: والعرب تفعل هذا في حال التطريب، وإذا أراد أحدهم الرقّة والترتيل. الحجة «3» لاختلافهم إذا حركوا الميم لساكن يلقاها: كان ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر يضمّون الميم إذا لقيها ساكن، مثل قوله تعالى: عليهمو الذلة [البقرة/ 61]، ومن دونهمو امرأتين [القصص/ 23]، فأمّا ضمّ ابن كثير ونافع لذلك «4» فهو على قولهما بيّن، لأنّ ابن كثير في ذلك يتبع الميم واوا تثبت في اللفظ إذا لم تلق ساكنا، وكذلك نافع في رواية الأكثر عنه، لأن من روى عنه أن الميم مضمومة، فكأنه قد روى عنه إثبات الواو، ألا ترى أنه ليس أحد يضمّ الميم ولا يتبعه الواو في نحو: عليهمو «5» وعليهمو، فإذا لقي الواو ساكن حذفت وبقيت الميم على ضمها. وأمّا عاصم وابن عامر فكأنهما يريان أن حرف اللين الذي يتبع الميم- الواو، دون الياء- وإن كانا قد حذفاه في اللفظ طلبا للخفة «6»، فإذا لزم التحريك لالتقاء الساكنين ردّا حركة الأصل عندهما، وإن كانا قد حذفا الواو من اللفظ، وأثبتها ابن كثير ونافع، لأن حذف من حذفها ليس على جهة الرفض

_ (1) زيادة في (ط). (2) لعله يشير إلى آية. «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ» الآية 73 من سورة الزمر. (3) في (ط): القول في اختلافهم. (4) لذلك ساقطة في (ط). (5) في (ط): في نحو قوله عليهمو. (6) في (ط): للتخفيف.

- بدلالة أن كثيرا منهم يقولون: كنتموا فاعلين [يوسف/ 10] «1» وعليهمو مال- فإذا احتاجا إلى التحريك ردّا حركة الأصل كما رد الجميع حركة الأصل التي هي الضم في قولهم: مذ اليوم لمّا احتيج إلى التحريك «2» لالتقاء الساكنين، ويدل على أن حركة الساكن المحرك في التقاء الساكنين إذا كانت أصلا كانت أولى من الحركة المجتلبة لالتقاء الساكنين أن أحدا لم «3» يقل: إليهم اثنين، [يس/ 14]، فيكسر بعد الضمّ لما لم يقل أحد «4» عليهمي. فلولا أن حركة الأصل أولى من المجتلبة لجاز تحريك هذا النحو بالكسر، كما حرّك غيره ما لا «5» حركة له في الأصل. ومما يقوي تحريكهم إيّاه بالضم أنه حرف ضمير كما أن الواو في اخشوا كذلك، وكما اتّفق الجمهور على تحريك الواو في اخشووا «6» بالضم وجعلوا مصطفو الله مثله من حيث كان مثل اخشووا فيمن قال: أكلوني البراغيث، مع أن المحرك واو، كذلك حرّكوا الميم بالضمة «7» لأنها مع الميم أسهل منها مع الواو. ومن زعم أن تحريك ذلك بالضمّ لأنه فاعل دخل عليه قول من كسر فقال: اخشوا القوم، وقولهم: اخشي القوم، وفي غير التقاء الساكنين: ذهبت وذهبت. ومما يقوّي تحريك الواو بالضمّ أنّ قوما شبّهوا التي لغير

_ (1) وهي قراءة ابن كثير، وأبي جعفر (النشر: 1/ 272). (2) في (ط): لما احتيج لالتقاء. (3) في (ط): أن أحدا منهم. (4) في (ط): لما لم يقل عليهم. (5) في (ط): مما لا حركة. (6) زيدت واو لبيان ضم الواو الأولى. (7) كذا في (ط) وفي (م): «بالضم».

الحجة لأبي عمرو في قراءته: عليهم الذلة [البقرة/ 61] ونحوه بكسر الميم:

الضمير بها، فقالوا: لو استطعنا «1» [التوبة/ 42]، فحرّكوها بالضمّ. فأمّا: أو اخرجوا «2» [النساء/ 66] وأو انقص [المزمل/ 3]، فعلى حدّ: وقالت اخرج [يوسف/ 31]، فدلّ قولهم لو استطعنا [التوبة/ 42]، وتشبيه غير الضمير بالضمير على استحكام الضمّة في الواو، كما دلّ قول من قال: منهم وعليكم وأحلامكم على استحكام الكسرة في عليهم وبهم وما أشبه ذلك. الحجة لأبي عمرو في قراءته: عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [البقرة/ 61] ونحوه بكسر الميم: فأمّا قول أبي عمرو: عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ [البقرة/ 61] وإِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ [يس/ 14]، فتحريكه بالكسر ليس على حدّ قوله: قُمِ اللَّيْلَ [المزمل/ 2] وأحدن الله [الإخلاص/ 1 - 2]، ولكن كأن الأصل عنده في الوصل عليهمي، فحذف الياء استخفافا، كما حذف عاصم وابن عامر ونافع في إحدى الروايتين لذلك، فلمّا حرّك لالتقاء الساكنين، أتى بحركة الأصل التي هي الكسر «3»، كما أتى أولئك بالضمّ،

_ (1) في البحر المحيط (5/ 46) أنها قراءة الأعمش، وزيد بن علي. (2) ضمت الواو اتباعا لضمة الراء، ولأن الواو من جنس الضمة، قال في البحر 3/ 284 وكسر النون وضم الواو من: «أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا»، أبو عمرو، وكسرهما حمزة وعاصم، وضمهما باقي السبعة. (3) في (ط): الكسرة.

لأنّ الكسر في قوله: (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) و (إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) على قوله في أنه أصل، نظير الضمّ في قول ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر، فكانت «1» حركة الأصل أولى من أن تجتلب حركة، كما أنّ «2» تحريك مذ بالضمّ أولى. وعلى هذا قال سيبويه «3»: في ترخيم رادّ اسم رجل على قول من قال: يا حار، يا راد أقبل، فحرّك لالتقاء الساكنين بالحركة التي كانت للحرف في الأصل، ولم يجعله بمنزلة ترخيم إسحارّ «4»، لأنّ الراء الأولى فيه لا حركة لها في الأصل كحركة عين رادّ فأتبع الحركة ما قبلها، لأنّ حركة التقاء الساكنين تتبع كثيرا ما قبلها، كقولهم: ردّ وعضّ وفرّ، وكقولهم: انطلق. فإن قلت: فقد قدّمت أن حركة الإتباع لا تطرّد، ولا يقاس عليها، قيل له: ليس هذا بقياس، ولكنه مسموع، كما أن مغيرة مسموع، وكما أن حليّ وعصيّ ومردّفين كذلك، ومع ذلك فقد اطّردت هذه الحركة في قول «5» من قال: ردّ وعضّ وفرّ «6» والأظهر في مردّفين أنه مطّرد في بابه. وممّا يقوّي تحريك هذه الميم بالكسر من جهة القياس، أنّهم قد أتبعوا حركة الميم الدالة على اسم الفاعل الكسر، مع أنّ ذلك يزيل صورة دلالتها على ما أريد فيها. فإذا جاز في

_ (1) في (ط): فكان حركة الأصل. (2) في (ط): كما كان. (3) انظر الكتاب: 1/ 340. (4) الإسحارّ بفتح الهمزة وكسرها: بقل يسمن عليه المال، واحدته إسحارة وأسحارة. اللسان/ سحر/. والمال هنا: الإبل. (5) في (ط): على قول من قال. (6) في (ط): رد، وفر، وعض.

ذلك كان في حركة علامة الضمير التي لا تتعلق بها دلالة على معنى أجوز. وممّا يقوّي إتباع الميم في الكسر الهاء، أنّ حركة الإتباع قد جاءت «1» عنهم مع حجز حرف بين الحركتين، وذلك قولهم: أجوءك في أجيئك ومنتن. وأما قولهم: أنبؤك ومنحدر من الجبل، فإن قولهم: منحدر تبعت الضمة فيه ضمة الإعراب، كقولهم: ابنم وامرو، وأخوك، وفوك، وذو مال. فأمّا قولهم: أنبؤك، فإن شئت أتبعت ضمّة العين ضمّة الإعراب مثل منحدر، وإن شئت أتبعتها ضمة همزة المضارعة، وإن كان الحرف قد حجز مثل منتن. ومما يقوّي ذلك، أن أبا عثمان قال حدثني محبوب «2» بن الحسن القرشي عن عيسى «3»، قال: كان عبد الله بن أبي إسحاق يقرأ: بين المرء وقلبه «4» [الأنفال/ 24] ويقول: رأيت مرءا وهذا مرء.

_ (1) في (ط): قد جاء عنهم. (2) هو محمد بن الحسن بن هلال، ومحبوب لقبه، البصري مولى قريش مشهور كبير. روى القراءة عن أبي عمرو وغيره. طبقات القراء: 2/ 123. (3) هو عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري، مؤلف الجامع والإكمال، عرض القرآن على ابن أبي إسحاق وغيره. مات سنة 149. طبقات القراء: 1/ 613. (4) قال في البحر المحيط (4/ 482): وقرأ ابن أبي إسحاق بين المرء بكسر الميم، اتباعا لحركة الإعراب، إذ في المرء لغتان: فتح الميم مطلقا، واتباعها حركة الإعراب.

ومن ذلك أنّهم قد احتملوا من أجل إتباع الحركات ما رفضوه في غيره وذلك قولهم: يخطّف، ويكتّب، فكسروا الياء في المضارعة اتباعا لما بعدها، ولولا ذلك لم تكسر الياء، لأن من يقول: أنت تعلم لا يقول: هو يعلم. فأمّا ما حكاه من قولهم: هو يئبى، فليس مما يعترض به لشذوذه، فإنّما الكسرة في يخطّف لاستحباب قائله للإتباع «1»، كما أنّ من قال: ييجل، استجاز الكسر في الياء مع امتناعه في يعلم ليتوصل بذلك إلى قلب الواو ياء، فكذلك «2» كسر فيما ذكرنا ليصل «3» به إلى الإتباع. قال أبو الحسن: من قال يخطّف كسر الخاء لاجتماع الساكنين ثم كسر الياء، أتبع الكسرة الكسرة وهي قبلها، كما أتبعها إيّاها وهي بعدها. وإتباع الآخر الأوّل في كلام العرب كثير، ويتبعون الكسرة الكسرة في هذا الباب. يقولون: قتّلوا وفتّحوا يريدون افتتحوا. ومما يؤكد ذلك أن أبا الحسن قال: روى عيسى بن عمر أن بعض العرب يثقّل كل اسم أوّله مضموم إذا كان على ثلاثة أحرف، نحو: العسر، واليسر، والحكم، والرّحم. ومن الإتباع قولهم: هذا فوك ورأيت فاك، ومررت بفيك. ومثله قولهم: ذو مال، إلا أن ذو لا يضاف إلى المضمر، لمّا حذفت اللام من فم تبعت الفاء العين التي هي حرف الإعراب عندنا. فإن

_ (1) في (ط): الإتباع انظر الكتاب: 2/ 256. (2) في (ط): قال فكذلك. (3) في (ط): ليتوصل.

أضفته إلى المتكلم، قلت: هذا فيّ ورأيت فيّ، وفي فيّ. ولا يجوز في موضع النصب فاي. وإنما اتّفقت الألفاظ الثلاثة على لفظ واحد إذا أضاف المتكلم إلى نفسه، لأنّ حرف الإعراب ينقلب إلى الحرف المجانس للحركة التي تجب له، ألا ترى أنّه يكون في موضع الرفع واوا، وفي الجرّ ياء، وفي النصب «1» ألفا، ثم تتبعه الفاء؟ فكذلك إذا أضافه إلى نفسه انقلبت ياء؛ لأنّ حركة الحرف الذي يلي «2» الياء في جميع أحواله الكسر «3»، فإذا كان كذلك وجب أن يكون ياء في الأحوال الثلاث إذا أضفته إلى نفسك كما يكون في الجرّ، لاجتماع الحركتين على لفظ واحد، وليس هذا في موضع النصب إذا أضفته إلى نفسك بمنزلة عصاي، لأنّ حرف اللين في عصاي لا ينقلب بحسب الحركة التي تجب له كما ينقلب في فيك. فأمّا «4» افتراق الحركتين بأن إحداهما حركة إعراب، والأخرى حركة بناء، فليس ممّا يوجب اختلافا فيما ذكرنا، كما لم يوجب في قولهم: ابنم، ألا ترى أنهم أتبعوا النون فتحة التثنية في قولهم:

_ (1) في (ط): وفي موضع الجرّ ياء، وفي موضع النصب. (2) أي يدنو منها، ويتصل بها، من الولي، وهو القرب والاتصال من قبل ومن بعده. وهو هنا قبل الياء. انظر معاني القرآن: (1/ 5، الحاشية: 6). (3) في (ط): في جميع أحوال الاسم، وسقط لفظ الكسر. (4) في (ط): فإنما.

ومنا لقيط وابنماه وحاجب ... مؤرّث نيران المكارم لا المخبي «1» كما أتبعوها فتحة النصب فيما أنشده أبو زيد: تبزّ عضاريط الخميس ثيابها ... فأبأست ربّا يوم ذلك وابنما «2» وقد قال قائل في قولهم ابنم: إن النون إنما جعلت حركته «3» تابعة لحركة الميم، لأنّها قد كانت تتحرك بهذه الحركات، فزيدت الميم فتبعته لذلك. وليس هذا بمستقيم، لأنّهم قد فعلوا ذلك بامرئ، ولم يحذف منه شيء، ألا ترى أنّ الهمزة في تخفيف امرئ المسكّن الفاء تكون «4» بين بين،

_ (1) البيت للكميت، ورواية اللسان ضرار بدل لقيط، ومؤجج بدل مؤرث. المخبي: وصف من أخبى النار: سكنها وأطفأها، وأخمد لهبها، انظر اللسان: (خبا). (2) من خمسة أبيات لضمرة بن ضمرة النهشلي، وفي رواية أبي حاتم: يوم ذاك أو. تبز: تسلب، وتأخذ، العضاريط: الأجراء الذين يخدمون، جمع عضروط كعصفور. الخميس: الجيش، أبأست: أظهرت البأس يوم ذاك والنجدة وقال أبو حاتم: فأظنه يهزأ به، وأراد أنك بئس الرب، وبئس الولد كنت للنساء المذكورات في قوله قبل الشاهد: جعلت النساء المرضعاتك جبوة ... لركبان شنّ والعمور وأضجما الرب: الملك هاهنا، وابنما: أراد وابنا، والميم زائدة مثلها في الرفع والجر، جبوة: مجبوات، أي يجبوها العدو ويجمعها، وأصل الجبو جمع الماء في الحوض، أو جعل العدو يجبيها كما يجبي الخراج. وشن والعمور: حيان من عبد القيس، وأضجم: حي من ضيعة بن ربيعة (انظر النوادر: 53 - 55). (3) في (ط): حركتها. (4) كذا في (ط) وفي (م): يكون.

ولا تحذف لتحرّك ما قبلها، فيقول «1»: إنّ العين قد تحركت لحذف «2» الهمزة، وجرى الإعراب عليها كما جرى على الباء من الخب «3». ويدلّ على بعد اعتبار ذلك، أنّهم أتبعوها الفاء فيما حكيناه عن ابن أبي إسحاق، مع أنّها لا يجوز أن تتحرك بحركة إعراب، فتحريك النون من ابنم على حدّ تحريك الفاء من المرء. على أنّهم قد قالوا: غد فحذفوا، وغدو، فأتمّوا، ولم يفعلوا به ما فعلوا بفم، وهو مثله في الزنة، وفي أن نقص مرّة وأتمّ أخرى. وما ثبت «4» مما ذكرناه من قولهم في فيّ «5» يدلّ على فساد قول من قال: إن هذه الكلم «6» معربة من مكانين. ألا ترى أنهم أتبعوا حركة البناء، كما أتبعوا حركة الإعراب في هذا وفي تثنية ابنم في قوله: وابنماه. والحركة التي تتبع الحركة على ضربين: أحدهما: إتباع حركة ليست للإعراب حركة ليست للإعراب نحو: مغيرة، ومنتن، ويعفر، وظلمات، والآخر: إتباع حركة ليست للإعراب حركة إعراب، وذلك مثل: امرؤ، وابنم، وفوك، وأجوءك، وأنبؤك، والحرف «7» المذكور في الكتاب

_ (1) في (ط): فتقول، وهو متصل بقوله: لم يحذف منه شيء. (2) في (ط): بحذف. (3) في (ط): من الخبء. (4) في (ط): ومما ثبت، وهو تحريف. (5) في (ط): في قولهم فيّ. (6) في (ط): إن هذه الكلمة. (7) في هامش (ط): «الحرف الذي حكاه سيبويه: «اضرب الساقين إمّك هابل». أتبع فيه حركة الإعراب حركة البناء، وذلك أن الميم مرفوعة فكسرها اتباعا لكسرة الهمزة، التي أتبعت كسرة النون في الساقين، لأن

الحجة لحمزة والكسائي في قراءتهما عليهم الذلة [البقرة/ 61] ومن دونهم امرأتين [القصص/ 23].

بعكس هذه القسمة، من النادر الذي لا حكم له. وهو مثل تشبيههم حركة الإعراب بحركة البناء في نحو: أشرب «1» غير مستحقب «2» شبهه بعضد. فأمّا ما قيل من قولهم: فَلِأُمِّهِ «3» [النساء/ 11]، فإنّه يذكر في هذا الكتاب في موضعه إن شاء الله. الحجة لحمزة والكسائي في قراءتهما عليهم الذلة [البقرة/ 61] ومن دونهم امرأتين [القصص/ 23]. فأمّا قول حمزة والكسائي: (عليهم الذلة)، و (من دونهم امرأتين)، فإنّ تحريك حمزة الميم، في: عليهم ولديهم، وإليهم، خاصّة بالضم مستقيم حسن، وذلك أنه يضم الهاء في

_ هذه الهمزة إنما تكسر إذا كان قبلها كسرة أو ياء. انظر الكتاب 2/ 272. (1) في حاشية (ط): «سكن الباء من أشرب، ويروى: فاليوم فاشرب، فعلى هذه الرواية لا حجة فيه وقد قرأ النحويون بتسكين الباء فقالوا فاليوم ... » وهذه الرواية هي رواية الديوان من زيادة الطوسي. انظر ص 258 منه. (2) هو من قول امرئ القيس: فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل المستحقب: المتكسب، وأصل الاستحقاب حمل الشيء في الحقيبة. الواغل: الداخل على القوم يشربون ولم يدع. يقول هذا حين قتل أبوه، ونذر ألا يشرب الخمر حتى يثأر به، فلما أدرك ثأره حلت له بزعمه، فلا يأثم في شربها. إذ قد وفى بنذره. (انظر الكتاب: 2/ 297، والديوان: 122 وفيه: أسقى مكان أشرب. ولا شاهد فيها، والخزانة: 3/ 530 وشرح أبيات المغني 6/ 62). (3) وهي قراءة حمزة الكسائي (انظر النشر: 2/ 248).

هذه الأحرف ولا يكسرها، فإذا ضمّها لم يكن في تحريك الميم إلا الضمّ، ولم يجز الكسر، ألا ترى أنّه لم يكسر الميم أحد ممّن ضمّ الهاء، نحو: عليهم الذلة، وإنما يكسر هذه الميم لالتقاء الساكنين من يكسر الهاء فيتبعها حركة الميم؟ واجتماعهم على ذلك يدلّ على أنّ المحرّك لالتقاء الساكنين إذا كانت له حركة أسكن عنها، كان تحريكه بتلك الحركة التي كانت له «1» أولى من اجتلاب حركة لالتقاء الساكنين لم يتحرك الحرف بها في غير التقائهما. وعلى هذا قالوا: مذ اليوم، فحركوا الذال بالضمّ، فكذلك تحريك حمزة هذه الميم في (عليهم) والحرفين الآخرين «2» بالضم. وأمّا موافقة الكسائيّ له في عليهم ولديهم، واتفاقهما على تحريك الهاء من ضمير المجرور أو المنصوب «3» المجموع بالضم إذا لقيت الميم ساكنا مع كسرهما هذه الهاء في غير هذه المواضع إلّا ما انفرد به حمزة في عليهم وإليهم ولديهم فوجهه أن ذلك لغة، كما أن الكسر لغة، فكأنّهما أحبّا أن يأخذا باللغتين جميعا، كما قرأ «4» غيرهما: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً «5» [الأنعام/ 37] وكما قرئ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة/ 185] ولتكملوا «6»

_ (1) كذا في (ط)، وفي (م) لها، وهو تحريف. (2) يريد لديهم وإليهم. (3) في (ط): والمنصوب. (4) كذا في (ط)، وفي (م) كما قال. (5) وفي النشر (2/ 258): أن ابن كثير يقرأ «ينزل آية» مخففا، وفي (ط): «وقالوا لولا أنزل» ولم نعثر على قراءة بالهمز. (6) قرأ: أبو عمرو وأبو بكر بتشديد الميم، وقرأ الباقون بالتخفيف انظر البحر

العدة وكما قال: لا يألتكم من أعمالكم شيئا، ولا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ «1» [الحجرات/ 14] ونحو ذلك، ممّا قد أخذ فيه بلغتين وأكثر، نحو قوله: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ «2» [الإسراء/ 23]. وفي ذلك توسعة وتسهيل وأخذ بظاهر الخبر المأثور: «نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف» «3». ومثل قولهما في هذا من الأخذ باللغتين، ما روي عن نافع من قراءته مرة: (عليهمو) وأخرى (عَلَيْهِمْ). فإن قلت: فإن «4» حركة التقاء الساكنين حركة غير معتدّ بها لأدلة قامت على ذلك، وإذا لم يعتدّ بها وجب ألّا تتبع غيرها، فيلزم ألّا تضمّ الهاء معها كما لا يضمها «5» إذا لم تكن الميم متحركة، فإذا ضمّ الهاء في هذا الموضع دون غيره فكأنّه أتبع حركة الهاء التحريك لالتقاء الساكنين قيل: إنّ هذا الكلام مما يجوز أن يرجّح به قول من خالفهما في ذلك فإذا «6» تؤول قولهما على ما قدمناه لم يدخل هذا السؤال عليه «7».

_ المحيط 2/ 42 والنشر 2/ 226. (1) قرأ البصريان يألتكم بهمزة ساكنة بين الياء واللام، وقرأها الباقون بكسر اللام من غير همز (انظر النشر: 2/ 376). (2) قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب (أف) بفتح الفاء من غير تنوين، وقرأ المدنيان وحفص بكسر الفاء مع التنوين، وقرأ الباقون بكسر الفاء من غير تنوين (انظر النشر: 2: 306 و 307). (3) ورد الحديث بروايات مختلفة. انظر مسند أحمد 5/ 41، 51، 114، 122. (4) في (ط): إن. (5) في (ط): كما لا تضمها. (6) في (ط): وإذا. (7) عليه سقطت من (ط).

فأما الأدلة على أنّ التحريك لالتقاء الساكنين غير معتدّ به، فمنها أنّهم قالوا «1»: رمت المرأة وبغت الأمة. فحذفوا الألف المنقلبة عن اللام لسكونها وسكون تاء التأنيث، ولمّا حركت التاء لالتقاء الساكنين لم يردّ الألف ولم يثبت كما لا يثبت «2» في حال سكون التاء. وكذلك: لم يخف الرجل، ولم يقل القوم، ولم يبع الناس وقُمِ اللَّيْلَ [المزمل/ 2]. ولو كانت الحركة معتدا بها لثبتت العين كما ثبتت في: لم يقولا، ولم يخافا. ومن ثم ثبتت العين مع الخفيفة والشديدة «3»، إذا قال: قولن ذاك، وبيعنّ هذا. فدلّ أن التحريك ليس لالتقاء الساكنين. فإن قلت: فقد جاء: أجرّه الرّمح ولا تهاله «4» فردّ الألف التي كانت حذفت للجزم، واللام التي بعدها متحركة لالتقاء الساكنين، فهلّا دلّ ذلك على الاعتداد بحركة التقاء الساكنين وقوّى ذلك قول من قال: (عليهم الذلة)، و (من دونهم امرأتين)، فضمّ الهاء لمّا انضمت الميم. فالقول: إنّ ذلك من القلّة «5» بحيث إن لم يعتبر به المعتبر كان المذهب على أنّ الألف يجوز أن تكون على حدها في «منتزاح» «6».

_ (1) في (ط): أنهم قد قالوا. (2) في (ط): لم ترد ولم تثبت كما لا تثبت. (3) كذا في (ط)، وفي (م) والثقيلة. (4) عجز بيت سبق في ص 66. (5) في (ط): في القلة. (6) انظر ص/ 81 من هذا الكتاب فهو إشارة إلى البيت: وأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح

فإن قلت: فقد اعتد بحركة «1» التقاء الساكنين في موضع آخر، وذلك قوله «2»: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة/ 1]، ألا ترى أنّ من يقول: لم يك زيد منطلقا، إذا تحرك لالتقاء الساكنين لم يحذف. كما أنّه إذا تحرك بحركة الإعراب لم يحذف؟ فالقول: إنّ ذلك أوجه من الأول، من حيث كثر في الاستعمال. وجاء به التنزيل. فالاحتجاج به أقوى. فأمّا حذف الشاعر له مع تحركها بهذه الحركة كما يحذفها إذا كانت ساكنة فإن هذه الضرورة من ردّ الشيء إلى أصله نحو: «ضننوا» «3» لأنّ الاستعمال فيه الإثبات كما أعلمتك «4». فهذا يجري مجرى (اسْتَحْوَذَ) في أن القياس كان على نظائره أن يعلّ، كما كان القياس في النون أن يستعمل حذفها في حال السعة إذا كانت الحركة غير لازمة ولكن الاستعمال جاء بغيره. ومن ذلك قولهم: اضرب الاثنين. واكتب الاسم. فحركت اللام من افعل بالكسر لالتقاء الساكنين. ثم لمّا حركت لام المعرفة من الاثنين والاسم «5» لم تسكن اللام من افعل كما لم تسكنها في نحو: اضرب القوم، لأن تحريك اللام لالتقاء

_ (1) في (ط): بتحريك. (2) في (ط): قولهم. (3) من قول قعنب بن أم صاحب: مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي ... أنّي أجود لأقوام وإن ضننوا انظر الكتاب 1/ 11، 2/ 161 والنوادر/ 44 وشرح شواهد الشافية 490. (4) كما أعلمتك ساقطة من (ط). (5) في (ط) من الاسم والاثنين.

الساكنين، فهي في تقدير السكون، فكما أنّ لام افعل إذا وقع بعدها ساكن يحرك ولا يسكن «1»، فكذلك إذا وقعت بعدها حركة لالتقاء الساكنين، تحرك من حيث كانت الحركة غير معتد بها، فصارت من أجل ذلك في حكم السكون. فإن قلت: فكيف «2» حرّكت لام المعرفة في اضرب الاثنين لالتقاء الساكنين، وهلّا حرّكت الثاء «3» لأنهما في كلمة واحدة، والساكنان إذا التقيا في كلمة واحدة حرّك الثاني منهما، نحو أين وكيف؟. فالقول في ذلك أنّ لام المعرفة، وإن كانت بمنزلة ما هو من نفس الحرف لدخول العامل عليها، وأنّها أشدّ اتصالا بالكلمة التي هي فيها من حرف التنبيه في قولهم: هذا، ونحوه لاكتساب «4» الكلمة بها معنى لم يكن لها إذا لم يدخلها «5». فالقول: إنها قد جرت مجرى المنفصل منها لمّا لم تكن أصلا فيها كما كان في التذكّر كذلك، وذلك قولهم: ألي، إذا تذكروا، نحو: الخليل، والقوم، ولذلك كرّرت في قوله: بالشحم إنّا قد مللناه بجل «6»

_ (1) في (ط): تحرك ولا تسكن. (2) في (ط): كيف. (3) كذا في (ط)، وفي (م) التاء، وهو تحريف. (4) في (ط): لاكتساء. (5) في (ط): لم تدخلها. (6) قائله غيلان بن حريث الربعي، وقبله: دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل قال سيبويه: قال الخليل: «ومما يدل على أن أل مفصولة من الرجل ولم يبن عليها، وأن الألف واللام فيها بمنزلة قد، قول الشاعر: «دع ذا» إلخ. وقال الأعلم: «الشاهد في قوله بذل، وأراد بذا الشحم، ففصل لام التعريف من الشحم، لما احتاج إليه من إقامة القافية، ثم أعادها في الشحم، لما استأنف ذكره بإعادة حرف الجر. ومعنى بجل: حسب،

ويدل على أن التحريك للساكنين «1» غير معتدّ به، أنهم قالوا في الجزم: لم يضربا، ولم يضربوا، فحذفوا النون في هذه المواضع، كما حذفوا الألف والياء والواو «2» السواكن إذا كنّ لامات، من حيث عودلن بالحركة، ولو كانت حركة النون معتدّا بها لحذفت هي من دون الحرف، كما فعل ذلك بسائر الحروف المتحرّكة إذا لحقها «3» الجزم. ويدلّ على ذلك أيضا اتفاقهم على أن المثلين إذا تحرّكا ولم يكونا للإلحاق أو شاذا عن الجمهور، أدغموا الأوّل في الآخر، وقالوا: اردد ابنك واشمم الريحان، فلم يدغموا في الثاني إذا تحرك لالتقاء الساكنين، كما لم يدغموه قبل هذا التحريك، فدلّ ذلك على أنّ التحريك لالتقاء الساكنين لا اعتداد به عندهم. ويدلّ على ذلك أيضا أنّ الواوات إذا تحرّكت بالضمّ، جاز أن تبدل منها الهمزة. نحو: أقّتت «4» وأدؤر «5» والنئوور «6»، و: كأن عينيه من الغئور «7»

_ يقال: بجلي كذا، أي: حسبي وكفاني» (انظر الكتاب: 2/ 64، 273) وفي (ط) والخصائص (1/ 291): الشحم، بدون الباء. (1) في (ط): للساكن. (2) في (ط): والواو والياء. (3) في (ط): إذا لحقه. (4) التوقيت: تحديد الوقت، وقرئ: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ «المرسلات/ 11» بالواو والهمز (انظر الكشاف/ 4: 542). (5) أدؤر: ديار، جمع دار، كأدور. (6) النئوور، كصبور: النيلج، ودخان الشحم، وحصاة كالإثمد تدق فتسفها اللثة، والمرأة النفور من الريبة. (7) قائله العجاج، ديوانه 1/ 346 وبعده: بعد الإنى وعرق الغرور ... قلتان في صفح صفا منقور

ولم يبدلوا الهمزة منها إذا تحركت بالضم لالتقاء الساكنين، كما لم يبدلوها منها إذا كانت ساكنة لمّا لم يكن بتحريك الساكنين اعتداد. والذي حكي من همز بعضهم لذلك يجرى مجرى الغلط. وقد جعلوا ما لم يلزم من الحركات كما لم يلزم من حركة التقاء الساكنين في أن لم يعتدّ به، كما لم يعتدّ بالتحريك لالتقائهما، وذلك لاجتماع الصنفين في أنّ الحركة فيهما غير لازمة. فمن ذلك قولهم: رمتا وغزتا، لما لم تلزم حركة التاء وإنّما هي لمجاورة الألف، لم يعتدّ بها، فلم تردّ الألف المنقلبة عن اللام في فعل كما لم تردّ في رمت المرأة لمّا كانت حركة التاء غير لازمة، كما كانت في رمت المرأة كذلك. فإن قلت: فقد وقع الاعتداد بها في قوله: لها متنتان خظاتا «1»

_ أذاك أم حوجلتا قارور الغئور: مصدر غار بمعنى ذهب. القلت: نقرة في الحجر. الصفح: الجانب. الصفا: الحجر الصلد لا ينبت جمع صفاة. الحوجلة: قارورة صغيرة واسعة الرأس (وانظر الاشتقاق 18، والصحاح «حوجلة» وأراجيز العرب/ 88)، مع خلاف في الروايات الثلاث. (1) من قول امرئ القيس: لها متنتان خظاتا كما ... أكبّ على ساعديه النّمر المتنتان من الظهر: مكتنفا الصلب. خظاتا من قولهم: خظا لحمه يخظو خظوّا: اكتنز وامتلأ. كما أكب ... ، يريد: كأن فوق متنيها نمرا باركا (انظر شرح ديوان امرئ القيس للسندوبي/ 98، وشرح شواهد الشافية/ 156 وما بعدها والبيت من شواهد شرح أبيات المغني للبغدادي 4/ 213 وفي اللسان/ خظا).

فالقول فيه أنّه بمنزلة ما تقدّم من قوله: ولا تهاله «1». وقد قيل: إنّه حذف منها نون التثنية، وليس ذلك عندنا بأوجه القولين، لأنّ حذف نون التثنية إنّما جاء في الموصولة نحو: ....... إن عمّيّ اللّذا ... قتلا «2» ....... ونحو: الحافظو عورة العشيرة «3» .. والحذوف تخصّص ولا تقاس. وكذلك قول من ذهب إلى الحذف في قوله: قد سالم الحيّات منه القدما «4»

_ (1) انظر ص 120. (2) من قول الأخطل: أبني كليب إن عمّيّ اللذا ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا بفخر على جرير، وهو من بني كليب بن يربوع، بمن اشتهر من قومه من بني تغلب وساد، كعمرو بن كلثوم قاتل عمرو بن هند الملك، وعصم بن أبي حنش قاتل شرحبيل بن عمرو بن حجر يوم الكلاب. (انظر الكتاب: 1/ 95، الخزانة: 2/ 499، وشرح أبيات المغني 1/ 237 و 4/ 181، اللسان/ خظا). (3) بقيته: ................ .. لا ... يأتيهم من ورائنا نطف في الكتاب (1/ 95): أنّه لرجل من الأنصار. قال الأعلم: ويقال: هو قيس بن الخطيم، وفي الخزانة (2/ 188) أنّه من قصيدة لعمرو بن امرئ القيس الخزرجي، وقد روى القصيدة، وهو فيها التاسع. النطف: الذنب. ويروى: وكف، وهو: العيب والإثم. (4) بعده: الأفعوان والشجاع الشّجعما ... وذات قرنين ضموزا ضرزما

ولا يقوى «1» ما ذهبوا إليه من قول «2» أبي دواد: ومتنان خظاتان ... كزحلوف من الهضب «3» لأنّ هذا يكون تثنية والأول مثال ماض كغزا أو رمى «4» ومن ذلك قولهم: اضرب الاجل، لمّا كانت حركة اللام حركة الهمزة ولم تكن لازمة في قول من حقّق، كما لم تلزم حركة التقاء الساكنين، أقررت الكسرة على الباء، كما أقررتها في اضرب الاثنين، لاجتماع الحركتين في أنّهما لا تلزمان. وعلى هذا تقول: ملآن. وما أنس م الأشياء «5» ...

_ وفي الكتاب: (1/ 145) أنه لعبد بني عبس، ونسبه الأعلم للعجاج والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 8/ 126 وبين فيه البغدادي الاختلاف في قائله، فالبيت ينسب إلى أبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للعجاج. الأفعوان الذكر من الأفاعي. الشجاع: ضرب من الحيات. الشجعم: الطويل. ذات قرنين: ضرب منها أيضا. الضموز، كصبور: الساكنة المطرقة، التي لا تصفر لخبثها. الضرزم كجعفر: المسنة، وذلك أخبث لها وأوحى لسمها، ويقال الضرزم: الشديد. (1) في (ط): ومما يقوي، وهو لا يتفق مع السياق. (2) في (ط): قول، بدون من. (3) البيت في شعر أبي دواد ص 228 (جمع كرنباوم) واللسان (خظا)، وفي شرح شواهد الشافية/ 157 وشرح أبيات المغني 4/ 214 وفي المعاني الكبير 1/ 145 منسوب لأبي دواد الإيادي كما هنا. وهو في الأصمعيات ص/ 41 من قصيدة لعقبة بن سابق الهزاني في وصف الخيل. خظاتان: مكتنزتان. الزحلوف: الحجر الأملس. (4) في (ط): كغزا ورمى. (5) من قول جميل: وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوي أمصر تريد؟ الأغاني: 2/ 344. النضو: المهزول من الإبل وغيرها.

فلا ترد النون التي حذفتها لالتقاء الساكنين، لأنّ اللام في تقدير السكون من حيث كانت متحركة بحركة الهمزة. وعلى هذا تقول: (قال لان جئت بالحق) «1» [البقرة/ 71] فلا تردّ الواو، كما لم تسكّن الباء في قولهم: اضرب الاجل. ومن قال: ((قالوا لان جئت بالحق)) فردّ الواو لحركة اللام فإنّ هذا على قياس قولهم: لحمر، لمّا جعلت الحركة بمنزلة اللازمة حذفت همزة الوصل التي إنّما تجتلب لسكون اللام. وقياس هذا أن يسكن الباء في اضرب لاجل ولا تكسرها كما كسرها من لم يعتدّ بالحركة «2». وهذا مما يقوي قراءة حمزة والكسائي. ألا ترى أن الحركة التي ليست بلازمة جعلت بمنزلة اللازمة في أن حذفت همزة الوصل قبلها؟ فكذلك يجعلان الحركة التي لالتقاء الساكنين وإن كانت غير لازمة بمنزلة اللازمة، فيختاران أن يتبعاها المضمومة في ((عليهم الذلة)) و ((من دونهم امرأتين)) وإن لم يختاراها في غير هذا الموضع ليكون الصوت من جنس واحد وضربا واحدا. وقد أخذ أبو عمرو مثل «3» ذلك أيضا معهما. وذلك في قراءته: وأنه أهلك عادلولى «4» [النجم/ 50]، ألا ترى أن حكم المدغم فيه أن يكون متحركا ولا يكون ساكنا، فإنما تجعله على لغة من قال:

_ (1) وفي البحر المحيط (1/ 257) أنها قراءة نافع في إحدى الروايتين عنه. (2) في (ط): ولا يكسرها كما يكسرها من لم يعتد بالحركة. (3) في (ط): بمثل. (4) وهي قراءة قالون من أحد الوجهين عنه. التقى تنوين عادا ساكنا باللام وهي ساكنة أيضا، فألقيت حركة الهمزة على اللام، لئلا يلتقي ساكنان (النشر: 1/ 415).

لحمر، كما تأوّله أبو عثمان. فإن قلت: فلم لا تحمله على قول من قال: الحمر، فلم يسقط همزة الوصل لأن الحركة غير لازمة، فلما أدغمت النون في اللام الساكنة حرّكتها، كما حركت غض ونحوه، وإن كان المدغم «1» فيه ساكنا؟ فالقول: إن ذلك لا يمتنع أن تقدر القراءة عليه، وتتأوّل، إلّا أنّه مثل الأول في أن المدغم فيه ساكن، وأن الحركة التي هي بمنزلة المجتلبة لالتقاء الساكنين تنزّلت «2» منزلة الثابتة غير المجتلبة. ومما يقوي قولهما، أنّهم قالوا: سل ور رأيك، فأسقطوا همزة الوصل لما تحركت الفاء، فكما شبهوها هاهنا «3» بالحركة اللازمة فحذفت همزة الوصل، كذلك تكون «4» في قولهما الحركة غير اللازمة بمنزلة اللازمة، فيحسن أن يضم «5» لذلك الهاء التي كانا يكسرانها لتتبع حركة الميم التي قد تنزّلت منزلة اللازمة في هذه المواضع. وقد قال أبو الحسن: إنّ ناسا يقولون: اسل، فهؤلاء لم يسقطوا همزة الوصل لما كانت السين في تقدير السكون، إلا أن إسقاط الهمزة مع سل أكثر وإثباتها في قولهم: الحمر، وقولهم: الْآنَ «6» جِئْتَ بِالْحَقِّ [البقرة/ 71] أكثر، والقياس على ما ذكرت لك.

_ (1) في (ط): وإن كان الحرف المدغم فيه. (2) في (ط): نزلت. (3) في (ط): هنا. (4) في (ط): يكون. (5) في (ط): تضم. (6) وهذه قراءة ورش (النشر: 1/ 338).

قال أبو عثمان: ولا يجوز عندي اسل، وإنّما جاز في الألف واللام الحمر لأنّ الألف واللام بمنزلة حرف واحد، ألا ترى أن ألف الاستفهام تلحق ألف اللام فتمدّ ولا تحذف في قولك: آلرجل قال ذاك؟ ويقولون: الحمر، وليس كذا جميع ألفات الوصل، لأنّ الألف واللام بمنزلة قد «1»، كما ذكر سيبويه. قال: ومن أثبت ألف الآن، وقبلها كلام، فقد أخطأ في كل مذهب. وممّا لم يعتد فيه بالحركة لمّا لم تلزم قولهم: قعدتا وضربتا، لما كانت الحركة من أجل الألف، والألف غير لازمة استجازوا الجمع بين أربع متحركات، ولم يستجيزوا ذلك في ضربت ونحوه. وإنّما استجازوا الموالاة بين هذه الحركات في ضربتا كما قالوا: رمتا وقضتا، فلم يردوا الألف، فكما لم يردوا الألف، حيث كانت الحركة غير لازمة، كذلك لم يكرهوا الموالاة بين أربع متحركات من حيث لم تكن الحركة في التاء لازمة، فكانت من أجل ذلك في تقدير السكون كما كان في تقديره في رمتا. ومن الحجّة لمن خالفهما ممّن تقدم ذكر قوله، أن يقال: إنّ التحريك لالتقاء الساكنين لا ينبغي أن يتبع غيره، لأنّهم قد جعلوه تابعا لغيره متقدما ومتأخّرا، ولم يجعلوا غيره يتبعه من حيث كان في تقدير السكون بالأدلّة التي تقدمت. فممّا أتبع ما قبله: انطلق. ولم يلده. فاعلم «2»، لما لزم تحريك اللامين

_ (1) انظر الكتاب: 2/ 273. (2) فاعلم: ساقطة من (ط).

لالتقاء الساكنين أتبعا الفتحة التي قبلهما، ومن ثم قال سيبويه في ترخيم اسم رجل «1» يسمى إسحارّ على من قال يا حار: يا إسحار أقبل. وكذلك قالوا لا تضارّ يا فتى. ومن ذلك مدّ، وفرّ، وعضّ، ومما أتبع ما بعده قول من قال: (وقالت اخرج) [يوسف/ 31] وعذابن. اركض «2» [ص/ 41 - 42]، (أو انقص) [المزمل/ 3]، وعيونن ادخلوها [الحجر/ 45 - 46]. فإذا «3» كان على ذلك بعد أن يتبع غيره لما تقدم من أنّه في تقدير السكون. فأمّا ما ذكره أبو بكر عن بعض من احتجّ لكسر الهاء في عليهم أنّ الهاء من جنس الياء، لأنّ الهاء تنقطع إلى مخرج الياء- فليس بمستقيم وذلك أنّ قوله: لأن الهاء تنقطع إلى مخرج الياء لا يخلو من أن يريد به أنّه ينقطع إلى الجهة التي تخرج منها الياء، أو يريد بذلك أن الصوت بها يتّصل بمخرج الياء، كما أن صوت الشين استطال حتى خالط أعلى الثنيّتين، وكذلك «4» صوت الهاء استطال حتى اتّصل بمخرج الياء، فصار من أجل ذلك بمنزلة الحروف الخارجة من مخرج الياء، كما صارت الشين بمنزلة الحروف التي تخرج من الموضع الذي بلغه استطالة صوته حتى أدغم فيها كثير من حروف ذلك الموضع، كالطاء وأختيها، والظاء وأختيها. فإن كان أراد المعنى الأول فليس للهاء به اختصاص ليس

_ (1) في (ط): ترخيم رجل. (2) انظر الكتاب: 2/ 275 وفي (ط): وبعذاب اركض. (3) في (ط): وإذا. (4) في (ط): فكذلك.

لغيره، لمساواتها غيرها ممّا يخرج من مخرجها في ذلك. وإن كان أراد أن الصوت يستطيل «1» حتى يتصل بمخرج الياء كما استطال الصوت بالشين حتى خالط أعلى الثنيّتين، فأنت إذا اعتبرت الهاء في مخرجها لم تجد لها هذه الاستطالة، ولم تجدها تتّصل بمخرج الياء على حدّ ما اتصل صوت الشين بالموضع الذي اتصل به. ولعلّ الذي حمل هذا القائل على ما قاله من ذلك، كون الهاء مهموسة رخوة. والحروف المهموسة إذا وقف عليها كان الوقف مع نفخ، لأنها لمّا لم تعترض على النّفس اعتراض المجهورة، فتمنعها من أن يجري معها كما منعت المجهورة حين خرجت مع التنفس «2» وانسلّت معه، وهي أيضا حرف رخو، والحروف الرخوة يجوز أن يجري فيها الصوت، وليست الشديدة كذلك، لأنّك لو قلت: ألدّ، والحجّ، لم يجر الصوت فيها «3» إذا مددته كما يجري الصوت في الرخوة، نحو أنقصّ «4» وأيبسّ. فلعل هذا الذي يتبع الصوت في بعض الأحوال من النفخ في المهموسة وإمكان إجراء الصوت في الرخوة، جعله بمنزلة استطالة الشين، وليس هذا من ذلك في شيء، وإنما المشابهة المعتبرة بين الهاء والياء ما ذكرنا من مشابهتها الألف لخفائها، وأنّها قد جعلت متحركة بمنزلة هذه الحروف ساكنة. والألف تقرّب من الياء بالإمالة، فكذلك قرّبت الهاء منها بأن أبدلت من حركتها الكسرة. وهذه المناسبات التي تكون بين

_ (1) في (ط): إن الصوت بالهاء يستطيل. (2) في (ط): مع النفس. (3) في (ط): لم يجر فيها الصوت. (4) في سيبويه (2/ 406): انقض.

الحروف توفق بينها، كما يوفّق تقارب المخارج، أو هو آكد في ذلك من تقارب المخارج، ألا ترى أن الواو والياء قد جرتا مجرى المثلين في جواز إدغام كل واحدة «1» منهما في الأخرى، لما اجتمعا فيه من اللين، وأن النون أدغمت في الياء على بعد بين مخارجهما لما ذكرنا. وأما ما ذكره عن بعض من احتجّ لحمزة من أنّهم قالوا: ضمّ الهاء هو الأصل، وذلك أنّها إذا انفردت من حروف تتصل بها قيل: هم فعلوا، فليس بمستقيم أيضا، وليست الدلالة على أن ضمير الجميع المجرور أو المنصوب أصله الضمّ انضمام الهاء في هم «2» فعلوا، وذلك أن العلامتين وإن اتفقتا «3» في اللفظ في الجمع، فهما مختلفتان، وليس اتفاقهما في اللفظ بموجب اتفاقهما في التقدير والمعنى. ألا ترى أن التاء في «أنت» وإن كانت على لفظ التاء في فعلت، فليست إياها ولا مثلها في المعنى، وكذلك الكاف في ذلك، وأرأيتك، والنّجاءك، ونحو ذلك ممّا لحقه الكاف للخطاب مجرّدة من معنى الاسم، ليست كالكاف في أكرمتك، وصادقتك، ولا هو التي للفصل كالتي في قولك للغائب: هو فعل، ولا الواو والألف والنون في قاما أخواك، وقاموا إخوتك، و: .. يعصرن السّليط «4» ... أقاربه

_ (1) في (ط): كل واحد. (2) في (ط): في قولهم: هم فعلوا. (3) في (ط): وإن اتفقا. (4) جزء من بيت للفرزدق يهجو عمرو بن عفراء وتمامه: ولكن ديافيّ أبوه وأمّه ... بحوران يعصرن السليط أقاربه

بمنزلتها في قولك: أخواك قاما، وإخوتك قاموا، والهندات قمن، فليس الاتفاق في اللفظ بموجب الاتفاق في المعنى، ألا ترى أن الهمزة في الاستفهام على لفظ الهمزة في النداء، وأن هل التي للاستفهام على لفظ هل التي بمنزلة قد؟ وإنّما الدلالة على أنّ أصل الهاء في (عليهم) «1»، [وهذه دارهم] «2» ونحو ذلك الضم، أنّها إذا لم تجاورها الكسرة ولا الياء لم تكن إلا مضمومة، وإذا جاورتها الكسرة أو الياء جاز الكسر فيها للإتباع والتقريب، وجاز الضمّ على الأصل، كقول أهل الحجاز في ذلك، فكلّ موضع جاز فيه الكسر فالضمّ فيه جائز. والمواضع التي تختصّ باستعمال الضم فيها لا يجوز الكسر معها، فبهذا يعلم أنّه الأصل، لا بما ذكره من اتفاق اللفظ. فأمّا ضمّ الهاء من هم في قوله: هم فعلوا، فلا يدل على أنّ أصل الهاء في عليهم الضمّ، لأنّها ليس بها. ومما يدلك «3» على اختلافهما، أنّك تقول في واحد «هم» - من قولك هم «4» فعلوا ذلك-: هو قال، كما تقول في واحدة «هنّ فعلن»: هي فعلت، فالواو والياء من نفس الكلمة. فأمّا الواو التي تلحق علامة المضمر المجرور أو المنصوب في نحو

_ دياف: موضع بالجزيرة، وأهلها هم نبط الشام. حوران، بالفتح: كورة واسعة من أعمال دمشق، ذات قرى كثيرة ومزارع. السليط: الزيت، وقيل: هو كل دهن عصر من حب (انظر الديوان في 50 وسيبويه 1/ 236، واللسان: (ديف، سلط)، والخزانة 2/ 388، ومعجم البلدان (دياف 2/ 494). (1) في (ط): عليهم، وإليهم، ولديهم. (2) وهذه دراهم: ساقطة من (ط). (3) في (ط): يدل. (4) سقطت من (ط): «من قولك هم».

هذا له، وضربه، فزيادة لاحقة للكلمة بدلالة سقوطها في نحو: عليه، ومنه، وإن لم نقف على شيء من ذلك، وأنّه في الغائب نظير الكاف للمخاطب والياء للمتكلم، وبدلالة ما جاء في الشعر عند سيبويه نحو: له أرقان «1» وحكى أبو الحسن أنها لغة. ومما يبيّن أنّ كل واحد من هذه الأسماء التي للضمير ليس الآخر في اللفظ وإن اتفقا في بعض الحروف تحريكك الواو والياء من هو وهي، وحرف المد اللاحق في عليه فيمن أثبت ولم يحذف، وفي داره، وبه، لم يحرّك في موضع. فإن قلت: فقد أسكنت الياء من هي وهو في الشعر، كقوله:

_ (1) هو من قول رجل من أزد السراة، أو من قول يعلى الأحول: فظلت لدى البيت العتيق أخيله ... ومطواي مشتاقان له أرقان ويروى: ومطواي من شوق له أرقان ورواية الخزانة: فبت لدى البيت العتيق أريغه أخيله: أنظر إلى مخيلته. مطواي: صاحباي. وهاء أخيله عائدة على البرق في قوله قبل الشاهد: أرقت لبرق دونه شدوان ... يمان وأهوى البرق كلّ يمان شدوان، بلفظ التثنية: موضع، وقيل جبلان باليمن، وقيل بتهامة، أحمران. وفي اللسان بلفظ شروان بالراء، وضبط بالقلم في القاموس بسكون الدال. وفي اللسان: يعلى بن الأحول. وهو سهو. ولم نعثر على الشاهد بين شواهد سيبويه. (انظر الأغاني: 22/ 143، واللسان (مطا)، والقاموس ومعجم البلدان). والخزانة 2/ 401 والخصائص 1/ 128 والمحتسب 1/ 244.

فإذا هي بعظام ودما «1» فإنّ ذلك لا يؤخذ به في التنزيل وحال السعة والاختيار، وإنّما هذا تشبيه لفظي يستعمله الشاعر للضرورة من وجه بعيد، كأنّه يقول ضمير وضمير حرف لين وحرف لين، وعلى هذا استجاز: إذ هـ من هواكا «2» و: بيناه يشري «3» كأنّه حذفه من هو وهي المسكنتين في الشعر للضرورة، ولا يكون محذوفا من المتحركة لأنّ التشبيه في ذلك لفظيّ،

_ (1) صدره: غفلت ثم أتت ترقبه وقبله: كأطوم فقدت برغزها ... أعقبتها الغبس منه عدما الأطوم: البقرة الوحشية، وبرغزها: ولدها. والغبس: الذئاب. ودما: أراد: ودم، ثم رد إليه لامه وهو الياء التي قلبت ألفا. انظر اللسان/ برغز/ والخزانة 3/ 352. (2) بقيته: هل تعرف الدار على تبراكا ... دار لسعدى .. وهو من الأبيات التي لم يعلم قائلها من شواهد الكتاب ولم يشرحه ابن السيرافي في أبيات سيبويه. تبراك، بكسر المثناة الفوقية، وسكون الموحدة: موضع في ديار بني فقعس. وصف دارا خلت من سعدى هذه المرأة، وبعد عهدها بها فتغيرت وذكر أنها كانت لها دارا ومستقرا فكان يهواها بإقامتها فيها. (انظر الكتاب: 1/ 9، الخزانة: 2/ 399، وشرح شواهد الشافية/ 290). (3) البيت بتما مه: فبيناه يشري رحله قال قائل ... لمن جمل رخو الملاط نجيب البيت للعجير السلولي، ويروى للمخلف الهلالي. ويروى ذلول، مكان نجيب. يشري: يبيع، الملاط: الجنب. رخو الملاط: سهله وأملسه. وقيل الملاط: مقدم السنام، وقيل: جانبة، وهما ملاطان. وقوله: رخو، إشارة إلى عظمه واتساعه. وصف بعيرا ضلّ صاحبه فيئس منه وجعل يبيع رحله، فبينا هو كذلك سمع مناديا يشيد به (خزانة الأدب 2/ 396، 397).

والتحريك يرتفع معه التشبيه الذي يقصده، فلا يصحّ له معه حذف الحرف لتحرّكه، ألا ترى أن الياء إذا كانت لاما أو غيرها فتحرّكت صارت بمنزلة الحروف الصحيحة، ولم يجز فيها الحذف الذي كان يجوز حيث يسكن الحرف؟ وهذا الشّبه «1» اللفظي الذي أعمله الشاعر في اضطراره مرفوض في الكلام، غير مأخوذ به، ومن ثمّ قال سيبويه: ولم يفعلوا هذا بذاهي ومن هي ونحوهما، يريد لم يفعلوه في الكلام لأنّه قد جاء: فبيناه يشري «2» .. كما قال: فَأَلْقى عَصاهُ [الأعراف/ 107]. وجاء: إذ هـ من هواكا «3» وجاء الاتفاق بين بعض حروف هذين الاسمين المضمرين، كما جاء ذلك في المظهرة كقولهم: الضّيّاط «4» والضّيطار «5»، والغوغاء فيمن لم يصرف وفيمن صرف «6»، وقاع قرق «7» وقرقوس «8»، ودمث «9» ودمثر «10» وما أشبه ذلك.

_ (1) في (ط): وهذا التشبيه. (2) تقدم قريبا. (3) تقدم قريبا. (4) الضياط: المتمايل في مشيته. (5) الضيطار: العظيم، وقيل: هو الضخم اللئيم. (6) نص عبارة الكتاب (2/ 10): «وأما غوغاء فمن العرب من يجعلها بمنزلة عوراء، فيؤنث، ولا يصرف، ومنهم من يجعلها بمنزلة قضقاض، فيذكر، ويصرف، ويجعل الغين والواو مضاعفتين بمنزلة القاف والضاد». فعلى الوجه الأول يكون الغوغاء من غاغ وعلى الثاني من غوغو، وهما مادتان مختلفتان. (7) قرق: مستو. (8) قرقوس، مثال قربوس: مكان واسع أملس مستو لا نبت فيه (اللسان). (9) مكان دمث: لين الموطئ، ومثله دمث بسكون الميم. (10) في اللسان والتاج: أرض دمثر: سهلة. وفي (ط): دمثرة.

فإن قلت فلم لا تستدلّ بثبات الألف في المؤنث في نحو عليها وضربها أن الواو أو الياء «1» في لهو وبهي ليسا بزائدين «2» وإن سقطا في بعض المواضع، لأنّ الأصول قد تسقط أيضا فيه، نحو «3»: كنواح ريش حمامة نجديّة «4» ... ................ .. و: .............. ... دوامي الأيد يخبطن السّريحا «5»

_ (1) في (ط): والياء. (2) في (ط): ليسا زائدين. (3) في (ط): في نحو. (4) صدر بيت من شواهد الكتاب 1/ 9 ومن شواهد شرح أبيات المغني 2/ 323، وعجزه: ومسحت باللّثتين عصف الإثمد والبيت لخفاف بن ندبة السلمي شاعر فارس صحابي، وكنيته: أبو خراشة، وإياه عنى أبو العباس بن مرداس بقوله: أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر وهو ابن عم الخنساء وقوله كنواح، يريد: كنواحي، فحذف الياء في الإضافة للضرورة، تشبيها لها في حالة الإفراد والتنوين وحال الوقف. وإنّما خص الحمامة النجدية لأنّ الحمام عند العرب كل مطوق، كالقطا وغيره، وإنّما قصد منها إلى الحمام الورق المعروفة، وهي تألف الجبال، والنجد، وهو ما ارتفع من الأرض، ولا تألف الفيافي والسهول، كالقطا وغيره. عصف الإثمد: ما سحق من حجر الكحل. يصف شفتي صاحبته، فشبههما في الرقة واللطافة والحوة بنواحي ريش الحمامة، يريد أن لثاتها تضرب إلى السمرة فكأنّها مسحتهما بالإثمد. والرواية الصحيحة مسحت بكسر التاء، ويروى مسحت بضمها ومعناها: قبلتها فمسحت عصف الإثمد في لثتها. (5) عجز بيت من شواهد الكتاب 1/ 9، وشرح أبيات المغني 4/ 336 ضمن أبيات، صدره: فطرت بمنصلي في يعملات

وإذا كان كذلك لم يكن فيما ذكرت من سقوط حرف اللين دلالة على زيادته، وثبات الألف في علامة المؤنث وأنّها لا تحذف دلالة على أنّ الواو والياء في ضمير المذكر في حكم الألف. قيل: لم يستدلّ على زيادتها بالسقوط فقط فيتجه هذا الكلام، فأمّا ثبات الألف في ضمير المؤنث المفرد فليس بدالّ على أنّه من نفس الكلم، وإنّما ألحقت للفصل بين التأنيث والتذكير كما ألحقت السين أو الشين في الوقف في «1» قولهم: أكرمكس، وأكرمكش في بعض اللغات «2» لذلك، فكما «3» أنّهما ليسا مع الكاف كلمة واحدة، وإنّما الأصل الكاف، ولحق هذان الحرفان للفصل بين التأنيث والتذكير، كذلك الألف اللاحقة لهاء الضمير في التأنيث. وقد يكون من الزوائد ما يلزم فلا يحذف نحو نون منطلق، ونحو «ما» في: آثرا ما «4»، ونحو الألف المبدلة من التنوين في النصب في أكثر اللغات.

_ لمضرس بن ربعي الفقعسي الأسدي. المنصل: السيف. السريح: جلود أو خرق تشد على أخفاف الإبل، جمع سريحة. يطأن السريح: يطأن بأخفافهن الأرض، وفي الأخفاف السريح. يقول: إنه أسرع بسيفه فعقر نوقا وأشار بدوامي الأيد إلى أنه كان في سفر، فقد حفين لإدمان السير، ودميت أخفافهن، فأنعلن السريح. (1) في (ط): في نحو. (2) الأولى لهوازن، وتسمى كسكسة، والأخرى لربيعة وتسمى كشكشة انظر الكتاب: 2/ 295، 296 ومجالس ثعلب 80 و 116 وحواشيه. (3) في (ط): وكما أنهما. (4) قال في سر صناعة الإعراب، (1/ 263): «افعله آثرا ما، أي: أول شيء، فما زيادة لا يجوز حذفها، لأن معناه: افعله آثرا مختارا له، معنيا به، من قولهم: أثرت أن أفعل كذا وكذا».

على أنّ ناسا أجازوا حذف هذه الألف في الوقف. قال أبو عثمان: أخبرني أبو محمد التّوّزي قال: أخبرني الفراء قال: قوله: ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله «1» أراد: بعد ما كدت أفعلها، يعني: الخصلة، فحذف الألف وطرح حركة الهاء على اللام. قال: ومن كلام أهل بغداد الكسائي والفرّاء: نحن جئناك به، طرح حركة الهاء على الباء، وهو يريد: نحن جئناك بها. [قال أبو علي] «2»: وهذا الذي حكاه أبو عثمان عن الكسائي والفراء ليس بالمتسع «3» في الاستعمال، ولا المتّجه في القياس، وذلك أن حركة الحرف التي هي له أولى من المجتلبة، يدلّ على ذلك أنّ من ألقى حركة الحرف المدغم على الساكن الذي قبله في نحو: استعدّ، إذا أمر فقال: امتدّ واعتدّ وانقدّ، أقر الحركة التي للحرف فيه «4»، ولم يحذفها، ويلقي على الحرف حركة الحرف المدغم، فكذلك الحركة التي هي الكسر في به أولى به من نقل حركة الموقوف عليه «5»

_ (1) عجز بيت من شواهد سيبويه وشرح أبيات المغني 7/ 347 لعامر بن جؤية الطائي من أبيات قالها في هند أخت امرئ القيس، وصدره: فلم أر مثلها خباسة واحد الخباسة: الظلامة. نهنهت: كففت، والأبيات يصف فيها ما كان أراده من غدر بامرئ القيس عند ما نزل عليه، فتحول عن غدره به. (2) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط). (3) في (ط): ليس بالشائع في الاستعمال. (4) في (ط): التي هي للحرف فيه. (5) في (ط): الموقوف عليه إليه.

ولا يشبه هذا قول الشاعر: ... إذ جدّ النقر «1» ولا قولهم: هذا عدل، لأنّ هذا التحريك إنّما هو لكراهة التقاء الساكنين. يدل على ذلك أنّ الساكن قبل الحرف الموقوف عليه إذا كان ياء أو واوا نحو: عون وزيد، لم يحرك لكون ما فيه من المدّ بدلا من الحركة، فاحتمل ذلك كما احتمل الإدغام في نحو: عونّهشل وزيد دّاود «2» وما أشبه ذلك. فإن قلت: فقد قال بعضهم: ردّ، فألقى حركة الحرف المدغم على الفاء وحذف حركتها التي هي الضمة. فالقول: أن الذي فعل ذلك إنّما شبهه بباب: قيل، وبيع، حيث وافقه في اعتلال العين بالسكون، فجعله «3» مثلها في نقل الحركة إلى الفاء، كما جعلوها مثلها في الحذف في قولهم: ظلت، ومست. فكما استجازوا فيه الحذف في العين كما حذف من «4» بنات الياء والواو، كذلك استجازوا نقل حركة العين إلى الفاء. والأكثر الأشيع في ردّ غير ذلك. وممّا يدل على أنّ حركة الحرف التي له في الأصل أولى به من الحركة المجتلبة، أنّ «مذ» لمّا حركت لالتقاء الساكنين حركت بالضمّة التي هي حركته في الأصل ولم تكسر، وكذلك: ((عليهم الذلة)). ومما يبعد ما حكاه أبو عثمان عنهم، من القول في أن

_ (1) انظر الصفحة/ 98. (2) يريد: عون نهشل وزيد داود. انظر الكتاب: 2/ 407، وفيه يد مكان زيد. (3) في (ط): فجعلوه. (4) في (ط): حذف في.

الألف لا تحذف في الوقف كأختيها، حذفهم الألف من علامة الضمير، والألف لا تحذف في الوقف كما تحذف الياء والواو. فإن قلت: فقد قال بعضهم في الوقف: رأيت زيد، فلم تبدل «1» من التنوين الألف. وقال الأعشى: وآخذ من كلّ حيّ عصم «2» وقد قال «3» لبيد: ورهط ابن المعلّ «4» وقالوا: ولو تر ما أهل مكة «5»، وقرئ: (حاشَ لِلَّهِ) [يوسف/ 31 - 51] وهو فاعل، فإذا «6» حذفت الألف في هذه

_ (1) في (ط): يبدل. (2) على أن أصله عصما، ووقف عليه في لغة ربيعة بالسكون وصدره: إلى المرء قيس أطيل السّرى والبيت من قصيدة للأعشى ميمون، مدح بها قيس بن معديكرب العصم: قال ابن جني: هو بضمتين جمع عصام، وعصام القربة: وكاؤها، وعروتها أيضا، يعني عهدا يبلغ به. وقال ابن هشام، صاحب السيرة النبوية: هو بكسر ففتح، جمع عصمة، وهي الحبل والسبب، وإنما كان يأخذ من كل قبيلة إلى أخرى عهدا، لأن له في كل قبيلة أعداء ممن هجاهم، أو ممن يكره ممدوحه، فيخشى القتل أو غيره، فيأخذ عهدا ليصل بالسلامة إلى ممدوحه (شرح شواهد الشافية/ 191. الديوان/ 37). (3) في (ط): وقال. (4) سبق في ص 79. (5) في اللسان: قال أبو علي: أرادوا: ولو ترى ما، فحذفوا لكثرة الاستعمال. اللحياني يقال: إنه لخبيث. ولو تر ما فلان، ولو ترى ما فلان، رفعا وجزما. وكذلك ولا تر ما فلان، ولا ترى ما فلان فيهما جميعا وجهان: الجزم والرفع ... ولم تر ما فلان قالوه بالجزم. وفلان في كله رفع، وتأويلها ولا سيما فلان. حكي ذلك عن الكسائي كله. (اللسان/ رأى). (6) في (ط): وإذا.

الأشياء، فلم لا يجوز أن يحذف في قوله: «أن أفعله» و «نحن جئناك به» قيل: لا يشبه هذا قولهم لو «1» تر ما، وحاش لله، لأنّ ذلك «2» إنّما حذف كما حذف لا أبال، ولا أدر، بدلالة أنّهما قد حذفا في الوصل أيضا. وأما المعل فحذفه لإقامة القافية، وترك إبدال الألف من النون في عصم ليس بالمتسع. ألا ترى أن سيبويه لم يحكه؟ وحذف الأعشى له لإقامة القافية أيضا كحذف «3» ألف معلّى، فحذف الألف من هاء الضمير ليس بالمتجه. قوله عزّ وجلّ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ «4» قرأ: غير المغضوب عليهم- بخفض الراء- نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. واختلف عن ابن كثير فروي عنه النصب والجر. قال أبو بكر في الحجّة في الجر: إنّهم قالوا ينخفض على ضربين: على البدل من الذين، ويستقيم أن يكون صفة للنكرة. تقول: مررت برجل غيرك، وإنما وقع (غَيْرِ) هاهنا صفة للذين، لأن الذين هاهنا ليس بمقصود قصدهم، فهو بمنزلة قولك: إنّي لأمر بالرجل مثلك فأكرمه. قال: وقالوا يجوز النصب على ضربين. على الحال، والاستثناء. فأمّا الاستثناء فكأنّك قلت: إلّا المغضوب عليهم.

_ (1) في (ط): ولو. (2) في (ط): ذاك. (3) في (ط): كحذفه. (4) السبعة 111.

وأما الحال فكأنك قلت: صراط الّذين أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم. قال: ويجوز عندي النصب أيضا على أعني. وقد حكي عن الخليل نحو هذا، أنّه أجازه على وجه الصفة والقطع من الأول كما يجيء المدح. ومما يحتجّ به لمن يفتح أن يقال: غير نكرة، فكره أن يوصف به المعرفة «1». قال: والاختيار الذي لا خفاء به الكسر، ألا ترى أن ابن كثير قد اختلف عنه. وإذا كان كذلك فأولى القولين «2» به ما لم يخرج به عن إجماع قراء الأمصار؟ ولعل الذي تنكّب الجر، إنما تنكبه فرارا من أن ينعت الذين أنعمت عليهم بغير، وغير إذا أضيفت إلى المعرفة قد توصف بها النكرة. [قال أبو بكر] «3»: والذي عندي أن (غَيْرِ) في هذا الموضع مع ما أضيفت إليه معرفة، وهذا شيء فيه نظر ولبس. فليفهم عني ما أقول: «أعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة، وإنما تنكرت غير، ومثل، مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، وذلك أنك إذا قلت: رأيت غيرك، فكل شيء ترى «4» سوى المخاطب فهو غيره «5»، وكذلك إذا قال: رأيت مثلك، فما هو مثله لا يحصى، يجوز أن يكون مثله في خلقه، وفي خلقه،

_ (1) في (ط): أن يقول غير نكرة، فكرهت أن أصف بها المعرفة. (2) في (ط): فأولى القراءتين به. (3) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ط). (4) في (ط): تراه. (5) في (ط): هو غيره.

وفي جاهه، وفي علمه، وفي نسبه. فإنّما صارا «1» نكرتين من أجل المعنى. فأمّا إذا كان شيء معرفة له ضد واحد وأردت إثباته ونفي ضده، وعلم ذلك السامع فوصفته بغير، وأضفت غيرا إلى ضده فهو معرفة، وذلك نحو «2» قولك: عليك بالحركة غير السكون، فغير السكون معرفة، وهي الحركة، فكأنك كرّرت الحركة تأكيدا، فكذلك قوله: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. فالذين أنعم عليهم لا عقيب لهم إلا المغضوب عليهم، فكل من أنعم عليه بالإيمان فهو غير مغضوب عليه، وكل من لم يغضب عليه فقد أنعم عليه. فغير المغضوب عليهم هم الذين أنعم عليهم، فهو مساو له في معرفته. هذا الذي يسبق إلى أفئدة الناس وعليه كلامهم. فمتى كانت (غَيْرِ) بهذه الصفة وقصد بها هذا القصد، فهي معرفة. وكذلك لو عرف إنسان بأنه مثلك في ضرب من الضروب، فقيل فيه: قد جاء مثلك لكان معرفة إذا أردت المعروف بشبهك، والمعرفة والنكرة بمعانيهما، فكل شيء خلص لك بعينه من سائر أمّته فهو معرفة. ومن جعل (غَيْرِ) بدلا فقد استغنى عن هذا الاحتجاج، لأنّ النكرة قد تبدل من المعرفة. انتهت الحكاية عن أبي بكر. قال أبو علي: قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قيل: إن المعنيّ بقوله: المغضوب عليهم اليهود، ويدلّ على

_ (1) في (ط): صار، وهو تحريف. (2) في (ط): سقطت كلمة نحو.

ذلك قوله تعالى: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ «1» [المائدة/ 60] فهؤلاء اليهود، بدلالة قوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ، فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ [البقرة/ 65] والضالّون: النصارى، لقوله: وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة/ 77]. فأمّا الخفض في (غَيْرِ)، فعلى ما تقدم ذكره: من البدل أو الصفة. والفصل بين البدل والصفة أنّ البدل في تقدير تكرير العامل. وليس كالصفة، ولكن كأنّه في التقدير من جملتين بدلالة تكرير حرف الجر في قوله: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ [الأعراف/ 75] وبدلالة بدل النكرة من المعرفة، والمظهر من المضمر. وهذا مما لا يجوز في الصفة، فكما أعيدت اللام الجارة في الاسم، فكذلك يكون العامل الرافع أو الناصب في تقدير التكرير. وهو وإن كان كذلك فليس يخرج عن أن يكون فيه تبيين للأول، كما أنّ الصفة كذلك، ولهذا لم يجز سيبويه: بي المسكين كان الأمر، ولا بك المسكين. كما أجاز ذلك في الغائب نحو: مررت به المسكين. فأما ما ذهب إليه بعض البغداديين في قول الشاعر: فلأحشأنّك مشقصا ... أوسا أويس من الهبالة «2»

_ (1) قوله: والخنازير غير مذكور في (ط). (2) أورده اللسان في (أوس)، مع آخر قبله وهو: في كلّ يوم من ذؤاله ... ضغث يزيد على إباله ونسبها إلى أسماء بن خارجة. حشأ بطنه بسهم: أصاب به جوفه. المشقص، كمنبر: النصل العريض، أو السهم فيه ذلك. أويس: تصغير

من أنّ أوسا بدل من كاف الخطاب، فليس الأمر فيه كما ذهب إليه، لأنّ أوسا مصدر، من قولك: أسته إذا أعطيته، وانتصب «1» أوس لأن ما ذكر من قوله: فلأحشأنك يدل على لأؤوسنّك فانتصب المصدر عنه، فإن جعلت الجار متعلقا بالمصدر كان بمنزلة قوله: فندلا- زريق- المال ندل الثعالب «2»

_ أوس وهو الذئب. الهبالة: اسم ناقته. وقيل: افترس له الذئب شاة، فقال يخاطبه: لأضعن في حشاك مشقصا عوضا يا أويس من غنيمتك التي غنمتها من غنمي. قال ابن سيده: أوسا، أي: عوضا، قال: ولا يجوز أن يعني الذئب، وهو يخاطبه، لأن المضمر المخاطب لا يجوز أن يبدل منه شيء، لأنه لا يلبس، مع أنه لو كان بدلا لم يكن من متعلق. وإنما ينتصب أوسا على المصدر بفعل دل عليه، أو بلأحشأنك ... وأما قوله: أويس، فنداء، أراد: يا أويس، يخاطب الذئب، وهو اسم له مصغرا، كما أنه اسم له مكبرا. فأما ما يتعلق به (من الهبالة) فإن شئت علقته بنفس أوسا، ولم تعتد بالنداء فاصلا لكثرته في الكلام، وكونه معترضا به للتوكيد .. وإن شئت علقته بمحذوف يدل عليه أوسا، فكأنه قال: أؤوسك من الهبالة، أي: أعطيك من الهبالة، وإن شئت جعلت حرف الجر وصفا لأوسا. فعلقته بمحذوف وضمنته ضمير الموصوف. (اهـ عن اللسان). (1) في (ط): فانتصب. (2) صدره: على حين ألهى الناس جلّ أمورهم أورده الكتاب (1/ 59)، واللسان (ندل)، وهو في كليهما غير منسوب، ونسبه العيني 3/ 46 إلى الأخوص وقال: ذكر في الحماسة البصرية أن القائل أعشى همدان، وهو كذلك فيها انظر 2/ 262 - 263. وقبله: يمرون بالدّهنا خفافا عيابهم ... ويرجعن من دارين بجر الحقائب الدهنا: رملة من بلاد تميم، يمد ويقصر. يرجعن، أخبر عن رواحلهم فأنث. ويروى: يخرجن. دارين: فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك. البجر:

وإنما لم يجز البدل من ضمير المتكلم والمخاطب، لأن ذلك من المواضع التي يستغنى فيها عن التبيين «1»، لوضوحه. وأنّه لا يعرض التباس «2» كما يعرض في علامة الغيبة. ولما كان البدل قد حصل فيه شبه من الأجنبي من حيث كان في التقدير من كلامين، وحصل فيه شبه من الصفة من حيث بيّن به كما بيّن بالصفة، ولم يستعمل ما يكون به من كلامين، أجراهما أبو الحسن مجرى واحدا، فقال- فيما روى عنه أبو إسحاق الزيادي «3» - في قولهم: زيد ذهب عمرو أخوه، وقد سأله: أبدل هو أم صفة؟ فقال: ما أبالي أيّهما قلت. قال أبو إسحاق قلت: أو كذا تقول في المعطوف؟ قال: نعم. أقول: زيد ذهب عمرو وأخوه. وقال أبو الحسن في هذه المسألة في بعض كتبه: إن جعلت قولك أخوه بدلا لم يجز، وإن جعلته صفة جاز، وإنما لم يجزه في البدل لمّا كان على ما ذكرنا من أنّه في تقدير جملتين، فكأنّه قد انقضى الكلام ولم

_ الممتلئة، جمع أبجر، وهو العظيم البطن. وعياب: جمع عيبة وهي ما يجعل فيه الثياب، الندل هنا: الأخذ باليدين، والندل أيضا: السرعة في السير. زريق: اسم قبيلة. ويقال في المثل: هو أكسب من ثعلب، لأنه يدخر لنفسه، ويأتي على ما يعدو عليه من الحيوان إذا أمكنه. يصف تجارا، وقيل: لصوصا. (1) في (ط): من المواضع التي لا يحتاج فيها إلى التبيين. (2) في (ط): لا يعرض فيه التباس. (3) أبو إسحاق الزيادي: هو إبراهيم بن سفيان، ينتهي نسبه إلى زياد ابن أبيه. قرأ على الأصمعي وغيره. ومات سنة 249 (بغية الوعاة 1/ 414، معجم الأدباء: 1/ 158).

يعد إلى الأول ذكر. وإذا كان صفة جاز ذلك، لأن الصفة بمنزلة الجزء من الاسم الموصوف. ألا ترى أنهم قالوا «1»: لا رجل ظريف، وهذا زيد بن عمرو. فتنزّلت الصفة مع الموصوف بمنزلة اسم مضاف نحو امرئ القيس «2» وقد جعل يونس صفة المندوب بمنزلة المندوب في استجازته إلحاق علامة الندبة بها، وقد تنزلت «3» الصفة عندهم جميعا منزلة الجزء من الاسم، وذلك إذا كان الموصوف لا يعرف إلا بالصفة، فإذا كان كذلك لم يستغن بالاسم «4» الموصوف دون صفته. ومن ثم جعله سيبويه بمنزلة بعض الاسم في قوله: إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا «5» فجعل (أشنعا) حالا، ولم يجعله خبرا، لأن فيما تقدم من صفة الاسم ما يدل على الخبر، فيصير الخبر لا يفيد زيادة معنى. فهذا مما تنزّلت «6» فيه الصفة منزلة جزء من الاسم عنده، كما ذكرنا.

_ (1) في (ط): قد قالوا. (2) سقطت «القيس» من (م). (3) في (ط): نزلت. (4) في (ط): لم يستغن الاسم الموصوف. (5) عجز بيت قاله عمرو بن شأس وصدره كما في الكتاب (1/ 22): بني أسد هل تعلمون بلاءنا ورواية سيبويه والأعلم: إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا أراد إذا كان اليوم يوما، وأضمر لعلم المخاطب، ومعناه إذا كان اليوم الذي يقع فيه القتال. قال سيبويه: «وسمعت بعض العرب يقول أشنعا، ويرفع ما قبله، كأنه قال: إذا وقع يوم ذو كواكب أشنعا. (6) في (ط): مما تنزل فيه.

ومما يدل على مفارقة الصفة للبدل «1»، أنّك تصف بما لا يجوز فيه البدل، نحو الفعل والفاعل والابتداء والخبر، نحو: مررت برجل قام أخوه، وبرجل أبوه منطلق. ولو جعلت شيئا من ذلك بدلا لم يجز، من حيث لا يستقيم تكرير العامل، وجاز الوصف به، من حيث كان مشابها للوصل، فلم يكن في تقدير تكرير العامل. فمن جعل (غَيْرِ) في الآية بدلا كان تأويله بيّنا، وذلك أنّه لا يخلو من أن يجعل غيرا معرفة أو نكرة، فإن جعله معرفة فبدل المعرفة من المعرفة سائغ مستقيم، كقوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة/ 6] وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران/ 97]، وإن جعله نكرة فبدل النكرة من المعرفة في الجواز كذلك، كقوله: بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ [العلق/ 15 - 16]. فإن قلت: إن النكرة التي هي بدل في الآية على لفظ المعرفة الذي أبدل منه. وليس (غَيْرِ) على لفظ الموصول المبدل منه، فهلا امتنع البدل لذلك، كما امتنع عند قوم له؟ قيل: إذا جاز بدل النكرة من المعرفة فيما كان على لفظ الأول، فلا فصل بين ما وافق الأول في لفظه وبين ما خالفه، لاجتماع الضربين في التنكير. ويدل على جواز ذلك قوله: إنّا وجدنا بني جلّان كلّهم ... كساعد الضّبّ لا طول ولا قصر «2»

_ (1) في (ط): مفارقة الصفة البدل. (2) قال في اللسان (جل): وجل، وجلّان: حيّان من العرب. وأنشد ابن

وأنشد أبو زيد: فلا وأبيك خير منك إني ... ليؤذنني التّحمحم والصهيل «1» [وليؤذنني. يقال: آذنته وأذنته إذا رددته] «2». فالبدل شائع كثير «3»، وهو الذي يختاره أبو الحسن في الآية، وذلك لأنّ «4» «الذي» إنّما صيغ لأن يتوصّل به إلى وصف المعارف بالجمل، فإذا كان كذلك لم يحسن أن يذهب بها مذهب الأسماء الشائعة التي ليست بمخصوصة. فإن قلت: فقد جاء: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً، ثم قال: فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [البقرة/ 17] فدلّ أنّه يراد به الكثرة، وقال: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ، ثم قال أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر/ 33]. وقد قيل في قوله:

_ بري: إنا وجدنا، البيت، أي لا كذي طول ولا قصر، على البدل من ساعد. قال: كذا أنشده أبو علي بالخفض. اهـ. وضبط جلان بالقلم في جمهرة الأنساب ص 294 واللسان بفتح الجيم، وضبط في الاشتقاق ص 323 والتكملة/ جلل بكسرها. وبنو جلان بن عتيك بن أسلم. (1) البيت لشمير بن الحارث ويقال: سمير بالسين. وروي: يؤذيني مكان يؤذنني، وهو موافق لما في نسخة ط، والتجمجم مكان التحمحم. قال أبو زيد: قوله: ليؤذيني، أي يغمني .. وروي فلا وأبيك خير بكسر الكاف، ومن روى خير منك، فكأنه قال: هو خير منك، ومن خفض أبدله من الأول إذا كان نكرة، وكان الأول معرفة (النوادر/ 124، 125). (2) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط). (3) في (ط): كثير شائع. (4) في (ط): وذلك أن.

إنّ الذي حانت بفلج دماؤهم «1» إنه أفرد، والمراد به الكثرة، ليس أن النون حذفت كما حذفت من قوله: اللذا قتلا الملوك «2» فجاءت في هذه المواضع شائعة دالّة على الكثرة، فهلّا جاز أن يكون كالرّجل ونحوه ممّا يجوز وصفه بما يوصف «3» به الأسماء الشائعة نحو: مثلك وخير منك. قيل: إن هذا قد جاء فيه كما جاء في اسم الفاعل نحو قوله: إن تبخلي يا جمل أو تعتلّي ... أو تصبحي في الظاعن المولّي «4»

_ (1) عجزه: هم القوم كل القوم يا أم خالد والبيت لأشهب بن رميلة، ويروى زميلة بالزاي، رثى قوما بفلج، وهو موضع بعينه كانت فيه وقعة. (انظر الكتاب: 1/ 96). وفي ياقوت: «قال أبو منصور: فلج اسم بلد، ومنه قيل لطريق تأخذ من طريق البصرة إلى اليمامة، طريق بطن فلج .. وقال غيره، فلج: واد بين البصرة وحمى ضرية من منازل عدي بن جندب، بن العنبر، بن عمرو، بن تميم من طريق مكة .. انظر الخزانة 2/ 507 الأمالي الشجرية 2/ 307 شرح المفصل لابن يعيش 3/ 155 والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 180 وورد في 141 منه وفي 7/ 180. (2) انظر ص 125. (3) في (ط): توصف. (4) أنشده سيبويه 2/ 282 ونسبه إلى رجل من بني أسد، وورد في النوادر/ 53 ضمن أبيات من مشطور الرجز منسوبا إلى منظور بن مرثد الأسدي واللسان (عهل) وبعده:

ونحو ما أنشده أبو زيد: باكرني بسحرة عواذلي ... ولومهنّ خبل من الخبل «1» ونحو: نعم القائم أخوك، وبئس الذاهبان صاحباك، إلّا أنّ مجيئه للتخصيص أكثر. وإنّما جاءت في الآي شائعة لمشابهتها «من وما» واجتماعها معهما في الصلة، ألا ترى أنّ تعرف «الذي» بالصلة لا بالألف واللام؟ وإذا كان كذلك كان المعنى المتعرّف به لازما له لا يجوز إلقاؤه «2»، كما جاز عند أبي الحسن إلقاء لام التعريف من قولهم «3»: قد أمرّ بالرجل غيرك فيكرمني، والقوم فيها الجمّاء الغفير، والخمسة العشر درهما ونحو ذلك، وإذا لم يجز ذلك في الذي للزوم المعنى المعرّف للّذي، لم يحسن وصفه بما وصف به «4» الرجل ونحوه، ممّا قد يتنكّر فيتنزّل «5» لذلك منزلة الأسماء الشائعة،

_ نسلّ وجد الهائم المغتلّ ... ببازل وجناء أو عيهلّ قال في النوادر: المغتل: الذي اغتل جوفه من الشوق والحب والحزن كغلة العطش، والوجناء: الغليظة. والعيهل: الطويلة. قال في اللسان: قال ابن سيده: شدد اللام لتمام البناء، إذ لو قال أمر عيهل بالتخفيف لكان من كامل السريع، والأول كما تراه من مشطور السريع. وإنما هذا الشد في الوقف، فأجراه الشاعر للضرورة حين وصل مجراه إذا وقف. (1) أورده أبو زيد في النوادر (40) مع أربعة أبيات منسوبة إلى عبدة بن الطبيب. (2) في (ط): لا يجوز له إلقاؤه. (3) في (ط): في قولهم. (4) في (ط): بما يوصف. (5) في (ط): فينزل.

ويقدّر إلقاء الألف واللام منه ليحسن بذلك وصفه بما توصف به «1» النكرة، أو تقدّر «2» في الصفة الألف واللام، كما يقدّره «3» الخليل وسيبويه ليصح بذلك كونه وصفا لما فيه الألف واللام. قال أبو عثمان: يجوز عندي: زيد هو يقول ذاك، وهو فصل، ولا أجيز: زيد هو قال ذاك، لأني أجيز «4» الفصل بين الأسماء والأفعال، ولا يجوز في الماضية كما جاز في المضارعة، وذلك أن سيبويه قد قال: إني لأمر بالرجل خير منك فيكرمني، وبالرجل يكرمني، وهما صفة على توهّم الألف واللام، فكذلك في الفصل أتوهم الألف واللام في الفعل ويكون «5» بمنزلة إلغائه بين المعرفتين، كما أقول: كان زيد هو خيرا منك، على توهّم الألف واللام في خير منك، ولا يجوز كان زيد هو منطلقا، لأني أقدر على الألف واللام، وإنما يجوز هذا فيما لا يقدر فيه على الألف واللام. وأمّا من قدّر (غَيْرِ) صفة للّذين، وقدره معرفة لما «6» ذكره أبو بكر، فإن وصفه للذين بغير كوصفه له بالصفات المخصوصة، وقد حمله سيبويه على أنه وصف. ومن لم يذهب بغير هذا المذهب. ولم يجعله مخصوصا؛ استجاز أن يصف (الَّذِينَ) بغير من حيث لم يكن

_ (1) في (ط): بما وصف به. (2) في (ط): أو يقدر. (3) في (ط): كما يقدر. (4) في (ط): لا أجيز، والصحيح ما في (م)، بدليل السياق. (5) كذا في (ط): وفي (م): «تكون» يريد الفصل، أي ضمير الفصل. (6) في (ط): كما.

الذين مقصودا قصدهم، فصار مشابها للنكرة، من حيث اجتمع معه في أنّه لم يرد به شيء معيّن. ونظير ذلك ممّا دخله الألف واللام فلم يختصّ بدخولهما عليه لمّا لم يكن مقصودا قصده قولهم: قد أمرّ بالرجل مثلك فيكرمني، عند سيبويه، فوصف الرجل بمثلك لما لم يكن معيّنا، وكذلك أجاز مررت بأبي العشرة «1» أبوه، فترفع أبوه بأبي العشرة، إذا لم تكن العشرة شيئا بعينه لأنّ هذا موضع يحتاج فيه إلى خلاف التخصيص، لعمل الاسم عمل الفعل، ألا ترى أن اسم الفاعل إذا كان لما مضى لم يعمل، وكذلك قال في قوله: إمّا العبيد فذو عبيد: إذا لم يجعلهم عبيدا بأعيانهم جاز أن يقع موقع المصدر، وكذلك قولهم: سير عليه الأبد، والليل والنهار، والشهر والدهر، فلذلك وقعت في جواب كم دون متى في قولهم: سير عليه الليل والنهار، والدهر والأبد، فكما أن هذه الأشياء التي فيها الألف واللام لمّا لم يرد به شيء معيّن جرت «2» مجرى النكرات، كذلك (الَّذِينَ) إذا لم يرد به شيء معيّن جاز أن يوصف بما يوصف به ما كان غير معيّن. ويقوّي هذا الوجه قول من رأى أنّه إذا نصب كان منتصبا على الحال، وهذا النحو إذا انتصب على الحال كان شائعا غير مخصوص، إذا «3» لم يكن كالعراك وجهدك وطاقتك. وحكم الحال وما انتصب عليها أن يكون نكرة، كما أن ما

_ (1) انظر الكتاب (1/ 230)، ونص العبارة هناك: مررت برجل أبي عشرة أبوه. (2) في (ط): جرين. (3) كذا في (ط): وفي (م): «إذ».

انتصب على التمييز كذلك، ويكون العامل في الحال أنعمت، كأنّه قال: أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم!، أي في حال انتفاء الغضب عنهم، كما أنّ قولهم: جاءني زيد راكبا تقديره: جاءني زيد في حال الركوب، وهكذا يمثّلونه. فإن قلت: كيف جاز هذا التقدير وراكب عبارة عن زيد، وهو هو «1» في المعنى، وأنت لو قلت: جاءني زيد «2» في حال نفسه لم يستقم؟ فالقول: إن ترجمة راكب- وإن كان زيدا في المعنى- لا يمتنع أن يكون ما «3» ذكرنا، وإن لم يحسن جاءني زيد في حال نفسه، لأنّ راكبا يدلّ على الركوب، وزيد لا يدلّ عليه، ألا ترى أنهم قد قالوا: إذا نهي السفيه جرى إليه «4» أي: إلى السفه، فأضمره لمّا كان قد تقدّم ما يدل عليه؟ فإذا كان في ذكر راكب دلالة على الركوب، لم يمتنع أن تقول في ترجمة جاءني زيد راكبا: جاءني زيد في حال ركوبه،

_ (1) هو الثانية ساقطة من (ط). (2) في (ط): زيد جاءني. (3) كذا في (ط). وفي (م) بما ذكرنا. (4) صدر بيت عجزه: وخالف والسفيه إلى خلاف ولم نجده منسوبا، وروي زجر مكان نهي. (انظر معاني القرآن: 1/ 104، وخزانة الأدب: 2/ 383، 229). وقوله: «قالوا» يريد أن العرب يتمثلون به، وإن كان القائل في الأصل واحدا. وانظر الخصائص 3/ 49 والأمالي الشجرية 1/ 68، 113، 305.

فيجعل «1» الركوب وقتا لفعله، لأنّ المصادر تكون نحو: مقدم الحاج. ومن هاهنا «2» قال أبو الحسن وغيره فيها: إنّها وقت، ولمّا كان هذا معناها أجراها العرب «3» مجرى الظرف، وإن كانت عبارة عن زيد ونحوه، فاستجازت أن تعمل فيها المعاني، كما أعملتها في الظروف، ولم تجعله «4» بمنزلة الظروف من حيث كان مفعولا مختصا، فلم تعمل فيها المعاني متقدّمة. ويؤكد أنّها عندهم بمنزلة الظروف إخلاؤهم إيّاها من الذكر العائد إلى ذي الحال كإخلائهم الظروف من ذلك، وذلك نحو قولهم: أتيتك وزيد قائم، ولقيتك والجيش قادم، فخلا من ذكر عائد، واستغنى بالواو عن ذلك لما فيها من دلالة الاجتماع. ومن ثمّ مثله سيبويه بإذ في قوله: إذ طائفة «5» حيث لم يعد من الجملة التي بعد الواو ذكر إلى من هذه الجملة حال لهم، وإذا كان الأمر على ما ذكرنا في أمر الحال من أنّه أشبه الظرف والمفعول به فلم يكن بمنزلة المفعول به على حدته، ولا الظرف على انفراده- وجب أن يكون انتصابها على ضرب آخر غيرهما، كما أن حكمها غير حكم كل واحد منهما «6» على انفراده.

_ (1) في (ط): فتجعل. (2) في (ط): ومن هنا. (3) في (ط): أجرته العرب. (4) كذا في (ط): وفي (م): «يجعله». (5) في توجيه قوله تعالى من سورة [آل عمران/ 154]: «يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ» على أنه: يغشى طائفة منكم، وطائفة في هذه الحال، كأنه قال: إذ طائفة في هذه الحال. انظر سيبويه 1/ 47. (6) منهما: ساقطة من (ط).

وكثيرا ما يجتمع في الشيء الواحد الشبه من وجهين وأصلين. فمن ذلك حروف الجر في: مررت بزيد ونحوه، وهو من جهة بمنزلة جزء من الفعل، ومن أخرى بمنزلة جزء من الاسم. أما الجهة التي كان منها بمنزلة جزء من الفعل، فلأنّه قد أنفذ الفعل إلى المفعول، وأوصله، كما أنّ الهمزة في نحو: أذهبته، قد فعلت ذلك، وكما أنّ تضعيف العين في خرّجته وفرحته، قد فعل ذلك. وأمّا كونه بمنزلة جزء من الاسم فهو أنّك قد عطفت عليه بالنصب في نحو: مررت بزيد وعمرا، لمّا كان موضع الجارّ والمجرور نصبا، ومن ثم قدّمت على الاسم في نحو: بمن تمرر أمرر به، وبمن تمر. وكذلك قولهم: لا أبا لك، هو من وجه منفصل، ومن وجه متصل، فكذلك الحال: من وجه بمنزلة المفعول به، ومن وجه بمنزلة الظرف الذي هو مفعول فيه. وفيما ذكرناه- من جواز خلوّ الحال من ذكر يعود منها إلى ذي الحال- ما يدلّ على جواز وقوع الأسماء التي ليست بصفات أحوالا، نحو البسر والرطب والقفيز، وما أشبه ذلك من الأسماء التي لا تناسب الفعل. وفي التنزيل: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً [هود/ 64]. وأمّا من ذهب إلى أن غيرا منتصب بالاستثناء، فإن الاسم المنتصب في الاستثناء ينتصب بالفعل الذي قبله أو بمعناه بتوسّط إلّا. ومما يدل على انتصابه بذلك- بتوسط هذا الحرف- أنّ حروف الجر قد وقعت هذا الموقع في نحو: جاءني القوم حاشا زيد وخلا زيد، فكما أنّ حرف الجر قد أوصل

الفعل أو معناه إلى المستثنى، فكذلك إلّا قد أوصلت ذلك إلى ما بعدها. ونظير إلا في الاستثناء- في إيصالها الفعل إلى ما بعدها، وانتصاب الاسم بذلك- الواو في قولهم: جاء البرد والطيالسة، واستوى الماء والخشبة، فانتصاب الاسم بعد إلا كانتصابه بعد الواو، ألا ترى أنه لولا الواو لم يصل الفعل إلى الاسم المنتصب على أنّه مفعول معه، كما أنّ إلّا في الاستثناء لولا هي لم يصل الفعل، ولا معناه إلى الاسم المستثنى. وقد يعمل «1» بواسطة الحروف عوامل، لولا توسّطها لم تعمل فيما تعمل «2» فيه مع دخول الحرف، ألا ترى أنّ اسم الفاعل إذا كان لما مضى لم يعمل عمل الفعل عند عامة النحويين، وقد أجازوا جميعا: هذا مارّ بزيد أمس، لمكان حرف الجر. وتقول: أنت أعلم بزيد منك بعمرو. وفي التنزيل: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ [النجم/ 30] فأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: أكرّ وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا «3» فعلى إضمار فعل يدلّ عليه أضرب، كما أن قوله: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام/ 117] على ذلك. يدلّك على هذا أنّ (من) لا يخلو من أن تكون موصولة

_ (1) في (ط): وقد تعمل. (2) كذا في (ط): وفي (م): «يعمل». (3) تقدم هذا الشاهد في ص/ 27.

أو استفهاما، فإن كان صلة كان مختصّا، والمفعول به إذا كان مختصا لم تعمل فيه المعاني، وإن كان استفهاما فالذي يعلّق قبل الاستفهام- من الأفعال- ما جاز فيه الإلغاء وما شبّه به، وليست المعاني بواقعة موقع الأفعال في هذا الموضع، فعلمت بهذا أنّه على إضمار فعل. فإن قلت: فإنّ الاسم في هذا الباب قد انتصب من غير أن يتوسّط حرف «1»، وذلك نحو: غير. في قولهم: جاءني القوم غير زيد، فانتصب غير بالاستثناء من غير أن يتوسط الحرف، فهلّا دلّ ذلك على أن الفعل حيث ذكرت لم يصل بتوسط الحرف. قيل: لا يدل هذا على ما ذكرته، وإنّما وصل الفعل إلى «غير» بغير حرف توسّط، ولم يصل إلى زيد ونحوه إلّا بالحرف، لأنّ غيرا مبهم، والأسماء المبهمة تعمل فيها عوامل لا تعمل في المخصوصة، ألا ترى أن خلفك وعندك ونحو ذلك قد عمل فيهما من المعاني ما لا يعمل في المختصّ غير المبهم، وكذلك الحال والتمييز، قد عمل فيهما ما لا يعمل في غيرهما من الأسماء المختصة. فكما لم يحتج إلى توسط الحرف في عمل ما قبل «غير» في غير، كذلك لم يحتج إلى توسطه في عمل ما قبل سوى في الاستثناء في «سوى» لأنّها في الإبهام بمنزلة «غير» فانتصب بأنّه ظرف، والظروف تعمل فيها المعاني. فلمّا اجتمعت «غير» معها في ذلك كان مثلها في الاستغناء عن توسط الحرف معها. ومما يدل على استغناء الفعل عن الحرف الذي يصل به

_ (1) في (ط): من غير توسط حرف.

مع غير أن غيرا في قولك: أتاني القوم غير زيد، هم الآتون. فإذا كان إيّاهم في هذا «1» المعنى لم يكن بمنزلة المنصوب في باب المفعول معه، ولا بمنزلة الاسم المنتصب بعد إلا في الاستثناء، ولكنه مشابه للحال، من حيث كان المنصوب المرفوع في المعنى، ولم يكن مخصوصا، كما أن الحال غير مخصوص «2»، فلم يحتج فيه إلى توسط الحرف لإيصال الفعل، كما لم يحتج إلى ذلك في الحال. وممّا جاء (غَيْرِ) فيه صفة قوله تعالى «3»: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النساء/ 95]، فمن رفع غيرا كان وصفا للقاعدين. والقاعدون غير مقصود قصدهم، كما كان قوله: «4» الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ كذلك. والتقدير لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحّاء والمجاهدون. ومن نصبه كان استثناء من القاعدين، وإن شئت كان من المؤمنين، لأن غيرا واقع بعد الاسمين الموصولين، ولو وقع متقدما على المؤمنين لم يكن استثناؤه إلّا من القاعدين، لأنّ العامل في المستثنى ما في الصلة، فلا يجوز أن يتقدم على الموصول. ومن جر غيرا كان وصفا للمؤمنين، والتقدير لا يستوى القاعدون من المؤمنين الأصحّاء. فأمّا قوله سبحانه «5»: إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الأحزاب/ 53] «فغير» حال من قوله: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ،

_ (1) في (ط): سقطت كلمة «هذا». (2) في (ط): غير مخصوصة. (3) في (ط): قوله عز وجل. (4) في (ط): قوله عز وجل. (5) سبحانه: غير مذكورة في (ط).

ولا يجوز أن يكون وصفا للطعام كما جاز أن يكون «غير» في الأخرى وصفا للقاعدين مرّة «1»، وللمؤمنين أخرى «2»، لأنّ الناظرين هم المخاطبون، فهم غير الطعام. فكما أنّك لو قلت: إلى طعام لا ناظرين إناه، لم يكن بد من أن تقول: أنتم، لأن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له فلا بد من إظهار الضمير فيه، فكذلك لو جعلت غيرا صفة غير حال للزم أن تظهر الضمير. وكذلك تقول: هذه شاة ذات حمل مثقلة به هي، فتظهر الضمير، لأنّ اسم الفاعل للشاة، وقد جرى على الحمل. ولو رفعت لم تحتج إلى الإظهار. وأصل هذا أنّ الفعل، بما «3» يتضمّنه من الضمير، أقوى من اسم الفاعل مع ما يتضمنه [مما يتضمّنه] «4» اسم الفاعل، فإذا أظهر الضمير في الفعل حيث أدّى إلى الإلباس، فأن يظهر الضمير في اسم الفاعل أولى وأوجب. فمن ثم قال أبو الحسن: إن هذا الضمير إذا لم يظهر كان لحنا. وليس قول من قال: إن إظهاره لا يلزم استدلالا بقول الشاعر «5»: أمسلمتي للموت أنت فميّت ... وهل للنفوس المسلمات بقاء بمستقيم، لأنّ قوله: فميت يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنّه قال: فأنا ميت. وقال قوم: تقول: أنت غير القائم ولا القاعد، تريد:

_ (1) سقطت كلمة «مرة» من (ط). (2) سقطت كلمة «أخرى» من (ط). (3) في (ط): لما. (4) ما بين معقوفين ساقط من (ط). (5) وهو مجنون ليلى، والبيت في الأغاني 2/ 44 برواية: «أتاركتي .. الخائفات بقاء». وانظر الديوان ص 41.

وغير القاعد، كما قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. قالوا: ولم يجيء هذا في المعرفة العلم، فلا يجوز: أنت غير زيد ولا عمرو. وهذا إن لم يسمع كما قالوا، فإنّه لا يمتنع أن يقاس فيجوز على ما سمع. وذلك أنّ هذا إنّما جاء لما في «غير» من معنى النفي، فكما أجازوا أنا زيدا غير ضارب لمّا كان المعنى معنى النفي، فجعلوه بمنزلة حرفه، ولم يجعل بمنزلة «مثل» وما كان نحوه من الأسماء المضافة، فكذلك يجوز أن يجعل غير «1» بمنزلة حرف النفي في المعرفة المؤقتة، فيكرّر معه لا كما كرّر مع غير العلم. فإن قلت: فإن من الناس من يحمل انتصاب زيد في: أنا زيدا غير ضارب على مضمر، ولا يحمله على «ضارب» هذا كما لا يحمله عليه إذا قال: أنا زيدا مثل ضارب. قيل: إن حمله على المعنى وعلى ما في اللفظ من هذا العامل الظاهر أبين، لأنّهم قد حملوا الكلام على المعنى في النفي في مواضع غير هذا. ألا ترى أنّهم قالوا: قلّ رجل يقول ذاك إلا زيد؟ فجعلوا قلّ- وإن كان فعلا- بمنزلة الحرف النافي لمّا كان مثله، فكذلك «غير» إذا كان معناه النفي جعل بمنزلة حرف النفي، فلحقت «لا» معه كما تلحق مع حرف النفي. وقالوا: إنّما سرت حتى أدخلها، فلم يجز الرفع بعد حتى، كما لم يجز بعد «2» حرف النفي، إذا قال: ما سرت حتى أدخلها، وذلك إذا احتقر السير إلى الدخول. ويدل على أن هذا يجري مجرى النفي قوله:

_ (1) غير: ساقطة من (ط). (2) في (ط): مع.

........... وإنّما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي «1» وقالوا نشدتك الله إلا فعلت، فإذا جازت في هذه الأشياء «2» أن تجري مجرى النفي فكذلك ما ذكرناه. ومن جعل (غَيْرِ) استثناء لم يمتنع على قوله دخول لا بعد الحرف العاطف، كما لم يمتنع في قولهم: أنت غير القاعد ولا القائم «3». وذلك أن الاستثناء يشبه النفي، ألا ترى أن قولك: جاءني القوم إلا زيدا بمنزلة قولك. جاءني القوم لا زيد. فيجوز أن تدخل لا حملا على المعنى، ويجوز أن تجعلها زيادة «4» في هذا الوجه، كما تجعلها زيادة «5» في قوله: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ [فاطر/ 22]. وإذا جاز دخول «لا» مع الاستثناء من هذين «6» الوجهين، فلا وجه لقول من أنكره. وكذلك يجوز زيادة «لا» في قول من جعلها حالا أو صفة أو بدلا. وقد دخلت «لا» زائدة في مواضع كثيرة في التنزيل وغيره. فمن ذلك قوله تعالى «7»: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الحديد/ 29].

_ (1) من بيت للفرزدق، تتمته كما في الديوان 2/ 712: أنا الضامن الحامي الذمار والبيت من قصيدة طويلة يهجو بها جريرا. وهو من شواهد شرح أبيات المغني 5/ 248. قال البغدادي: قال أبو علي في الشيرازيات: إنهم عاملوا «إنما» معاملة النفي وإلا في فصل الضمير، وأنشد البيت. (2) في (ط): هذه الثلاثة الأشياء. (3) في (ط): غير القائم ولا القاعد. (4) في (ط): زائدة. (5) في (ط): كما جعلتها زائدة. (6) في (ط): في هذين. (7) تعالى: ساقطة من (ط).

وقد أجاز سيبويه قياسا على هذا «أمّا أن لا يكون يعلم فهو يعلم» «1» على زيادة لا. وقد جاء زيادتها في الإيجاب كما جاء في النفي، قال: «2» أفعنك لا برق كأن وميضه ... غاب تسنّمه ضرام مثقب وأنشد أبو عبيدة: ويلحينني في اللهو ألّا أحبّه «3» وقال تعالى: «4» ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف/ 12]، وفي الأخرى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ [ص/ 75]. ومن ذلك قول جرير: ما بال جهلك بعد الحلم والدين ... وقد علاك مشيب حين لا حين «5»

_ (1) انظر الكتاب: 1/ 195. (2) في (ط): قال الشاعر. والبيت ذكره في البحر المحيط 4/ 273 وفيه: غاب يقسمه، مكان: غاب تسنمه. (3) عجزه: وللهو داع دائب غير غافل وهو للأحوص. انظر شعره 173 ورغبة الآمل 2/ 8 والبحر المحيط 1/ 29 وشرح أبيات المغني للبغدادي 5/ 18. (4) في (ط): وقال، بدون تعالى. (5) البيت مطلع قصيدة لجرير، يهجو بها الفرزدق. قال الأعلم: والمعنى، قد علاك مشيب حين حين وجوبه. هذا تفسير سيبويه. ويجوز أن يكون المعنى: ما بال جهلك بعد الحلم والدين، حين لا حين جهل ولا صبا فتكون (لا) لغوا في اللفظ دون المعنى انظر الكتاب: 1/ 358، والديوان/ 557. وشرح أبيات المغني 5/ 84 و 6/ 121 والبيت من شواهد

لا فيه زائدة، والتقدير: وقد علاك مشيب حين حين، وإنّما كانت زائدة لأنّك إذا قلت: علاك مشيب حينا فقد أثبت حينا علاه فيه المشيب. فلو جعلت (لا) غير زائدة لوجب أن تكون نافية على حدّها في قولهم: جئت بلا مال، وأبت بلا غنيمة، فنفيت ما أثبتّ، من حيث كان النفي ب (لا) عامّا منتظما لجميع الجنس، فلمّا لم يستقم حمله على النفي للتدافع العارض في ذلك حكمت بزيادتها، فصار التقدير: حين حين. وهذه الإضافة من باب: حلقة فضة، وخاتم حديد، لأنّ الحين يقع على الزمان القليل كالساعة ونحوها، يدل على ذلك قوله: تطلّقه حينا وحينا تراجع «1» ويقع على الزمان الطويل كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الدهر/ 1] وعلى ما هو أقصر من

_ الخزانة 2/ 94 ونقل البغدادي هنا قول الفارسي في (لا) بعد أن ذكر كلام غيره قائلا: وقد طبق المفصل أبو علي الفارسي في الحجة في الكلام على آخر سورة الفاتحة قال: «لا فيه زائدة ... ». (1) عجز بيت من عينية النابغة الذبياني صدره في الديوان/ 47: تناذرها الراقون من سوء سمّها وفيه رواية ابن السكيت «عصرا وعصرا» ورواية أبي عبيدة: «طورا وطورا» بدل: «حينا وحينا» والبيت في شرح أبيات المغني 2/ 165 و 7/ 199 برواية المصنف.

ذلك، كقوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ [إبراهيم/ 25]، فصار حين حين كقول الآخر: ولولا يوم يوم ما أردنا ... جزاءك والقروض لها جزاء «1» وليس هذا كقوله: حنّت قلوصي حين لا حين محنّ «2» لأنّه في قوله: لا حين محنّ- ناف حينا مخصوصا لا ينتفي بنفيه جميع الأحيان، كما كان ينتفي بالنفي العامّ جميعها، فلم يلزم أن تكون (لا) زيادة «3» في هذا البيت، كما لزم زيادتها في حين لا حين «4». فهذا الحرف يدخل في النكرة على وجهين: أحدهما: أن يكون زائدا كما مر في بيت جرير، والآخر: أن تكون غير زائدة، فإذا لم تكن زائدة كان على ضربين: أحدهما أن يكون لا مع الاسم بمنزلة اسم واحد نحو خمسة عشر، وذلك قولهم:

_ (1) البيت للفرزدق. يقول: لولا نصرنا لك في اليوم الذي تعلم ما طلبنا جزاءك. جعل نصرهم له قرضا، يطالبهم بالجزاء عليه (انظر الديوان: 1/ 9، والكتاب: 2/ 53). (2) أورده سيبويه (1/ 358) غير منسوب. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب حين بالتبرئة، وإضافة حين الأولى إلى الجملة، وخبر لا محذوف. والتقدير: حين لا حين محن لها، أي: حنت في غير وقت الحنين، ولو جر الحين على الإلغاء لجاز. والقلوص: الناقة الفتية، وهي كالجارية من الأناسي، وحنينها: صوتها شوقا إلى أصحابها. والمعنى: أنها حنت إليها على بعد منها ولا سبيل لها إليها. انظر الخزانة 2/ 93. (3) في (ط): زائدة. (4) في (ط): لا حين محن.

غضبت من لا شيء، وجئت بلا مال. فلا مع الاسم المنكور في موضع جرّ بمنزلة خمسة عشر، ولا ينبغي أن يكون من هذا الباب قوله: حنّت قلوصي حين لا حين محنّ لأن (حين) هاهنا منصوب نصبا صحيحا لإضافته، ولا يجوز بناء المضاف مع لا كما جاز بناء المفرد معها. وإنّما (حين) في هذا البيت مضافة إلى جملة، كما أنّها في قوله: حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ [الأنبياء/ 39] كذلك، إلا أن الخبر محذوف وخبر (لا) يحذف كثيرا. ونظير هذا في حذف الخبر من الجملة المضاف إليها ظرف الزمان- قولهم: كان هذا إذ ذاك. والآخر: ألّا تعمل (لا) في اللفظ، ويراد بها معنى النفي «1»، فتكون صورتها صورة الزيادة، ومعنى النفي فيه «2» مع هذا صحيح. وذلك كقول النابغة: أمسى ببلدة لا عمّ ولا خال «3»

_ (1) في (ط): معنى النفي فيه. (2) فيه: ساقطة من (ط). (3) عجز بيت له يرثي فيه أخاه، وصدره: بعد ابن عاتكة الثاوي لدى أبوي وقبله: لا يهنئ الناس ما يرعون من كلأ ... وما يسوقون من أهل ومن مال انظر الديوان/ 211 والحماسة بشرح التبريزي 2/ 359 وفيه: على أمر مكان: لدى أبوي. وأمر بالتحريك. موضع بنجد من ديار غطفان. ورواية الديوان: الثاوي على أبوي. وهو اسم موضع أو جبل بالشام (معجم البلدان).

وقال الشمّاخ: إذا ما أدلجت وصفت يداها ... لها إدلاج ليلة لا هجوع «1» وقال رؤبة: لقد عرفت حين لا اعتراف «2» وبيت الكتاب: تركتني حين لا مال أعيش به ... وحين جنّ زمان الناس أو كلبا «3» وهذا الوجه عكس ما جاء فيما أنشده أبو الحسن من قول الشاعر: «4» لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها ... إليّ لامت ذوو أحسابها عمرا «5»

_ (1) ديوانه ص 226. وأدلجت: سرت من أول الليل. ليلة لا هجوع: لا نوم فيها. وقد ذكر محقق الديوان رواية البيت في اللسان والتاج والصحاح والأساس في مادة (لا- وصف- دلج). (2) بعده: أنك تعنوني بالإلحاف ورواية الديوان ص 100 ضمن مجموع أشعار العرب: قد اعترفت. (3) قال الأعلم: «الشاهد في إضافة حين إلى المال، وإلغاء لا وزيادتها في اللفظ، على حد قولهم: جئت بلا زاد. ولو رفع المال على شبه (لا) بليس لجاز». يرثي ابنا له، فقده أحوج ما كان إليه لفقره. وكلب الزمان: شدته. وضرب الجنون والكلب مثلا لشدة الزمان، وأصل الكلب السعار. (انظر الكتاب: 1: 357). (4) في (ط): وهذا الوجه عكس ما أنشده أبو الحسن. (5) البيت للفرزدق من قصيدة يهجو فيها عمر بن هبيرة ويروى: إذا للام.

ألا ترى أن (لا) في المعنى زيادة «1»، وقد عملت، وفي قوله: ليلة لا هجوع، وبابه معنى النفي فيه صحيح ولم تعمل «2». ومما جاءت فيه (لا) زائدة- إنشاد من أنشد: أبى جوده لا البخل واستعجلت به ... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله «3» [قال أبو الحسن: فسرته العرب: أبى جوده البخل، وجعلوا (لا) زائدة حشوا وصلوا بها الكلام] «4». واختلفوا في قول الشماخ: أعائش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع «5»

_ انظر الديوان/ 283 وشرح أبيات المغني 5/ 22 والبيت من شواهد الرضي في الخزانة 2/ 87 والعيني 2/ 322، ورواية الديوان: إليّ لام ذوو أحلامهم عمرا. (1) في (ط): زائدة. (2) إلى هنا ينتهي نقل البغدادي عن الفارسي في الخزانة المشار إليه ص 165. (3) البيت ذكره ابن الشجري في أماليه 2/ 282 وهو من شواهد شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي 5/ 20 ولم ينسب لقائل. (4) ما بين المعقوفتين زيادة في (م). هذا وبهامش نسختي الأصل (م) و (ط) هذا التعليق: كذا روى أبو الحسن هذا البيت في كتاب القرآن: أنه لا يمنع الجود، وأنشد في موضع آخر: الجوع. وتأويله: على قاتل الجوع وهو الطعام وما يحضره. أراد أنه لا يبخل. (5) عائش: ترخيم عائشة، وهي امرأة الشماخ. يضيعون من الإضاعة، ضد

فروى التّوزيّ عن أبي عبيدة: أنّ (لا) زائدة، وذهب غيره إلى أنّها ليست زائدة. ومما يجوز أن تكون (لا) فيه زيادة «1» قول الشاعر: ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منّا ولا من سوائنا «2» فأمّا القول في (منّا)، فإنّه يجوز أن يتعلق بشيئين: أحدهما أن يكون: إذا جلسوا منّا، أي: إذا جلسوا مخالطين لنا؛ لأنّ (منّا) قد استعمل في هذا المعنى، ألا ترى أنّه قد قال «3»: وتقول: أنت منّي فرسخين، فالمعنى: أنت مخالطي في هذه المسافة، وملابسي، فيكون التقدير: إذا جلسوا مخالطين لنا ومخالطين سوانا، و (لا) زائدة كما زيدت في قوله: «أفعنك لا برق» «4».

_ الإصلاح. الهجان: لفظ يستوي فيه الواحد والجمع، ومعناه الجمل الأبيض، أو الإبل البيض. يعني أن عائشة قالت له: لم تشدد على نفسك في المعيشة ... فرد عليها: ما لأهلك أراهم يتعهدون الإبل ويصلحونها، وأنت تأمرينني بإضاعة مالي؟ وهذا على أن لا نافية. فأما على أنها زائدة فهو يعيرها بإضاعة أهلها المال وأنهم لا يحسنون القيام عليها. انظر الأمالي: 1/ 105 والسمط: 1/ 323 والديوان/ 219. (1) في (ط): زائدة. (2) البيت للمرار بن سلامة العجلي. سوائنا: سوانا. قال الأعلم: وصف نادي قومه ومتحدثهم بالتوقير والتعظيم، فيقول: لا ينطق الفحشاء من كان في نادينا من قومنا أو من غيرنا، إذا جلسوا للحديث، إجلالا لنا وتعظيما. انظر الكتاب: 1/ 13 و 203. (3) انظر الكتاب: 1/ 208. (4) تقدم البيت صفحة/ 164.

والوجه الآخر «1»: (منّا) متعلّقا بما قبل، كأنه، من كان منهم منّا. فإن قلت: كيف يصحّ أن يكون من كان منهم منّا؟ قيل: هذا يكون على وجهين: أحدهما: أن يكون (منّا) في معنى المخالطة والملابسة كما تقدّم، فيكون (منهم) مستقرّا، و (منّا) في موضع حال، ولا يكون (منّا) مستقرّا و (منهم) في موضع حال «2» من قوله (منّا) لأنّ الحال لا تتقدم «3» على العامل إذا كان معنى، فإن جعلت العامل في الحال كان جاز ذلك. ويجوز أيضا في قوله: (من كان منهم منّا) أن يكون بينهم محالفة، فيجوز للحلف أن يقول: من كان منهم منّا: لأنّه يجوز- وإن كان من معشر آخرين- أن تقول: منا للحلف، أو للولاء. وقد جاء: «مولى القوم منهم» «4». وعلى هذا قوله: «الأذنان من الرأس» «5» وقال تعالى:

_ (1) في (ط): والوجه الثاني. (2) في (ط): ومنهم حالا. (3) في (ط): لا يتقدم. (4) هذا الحديث في البخاري عن أنس ونصه: (مولى القوم من أنفسهم» انظر فتح الباري 12/ 41. (5) قطعة من حديث ونصه: «حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال: توضأ النبي صلّى الله عليه وسلّم فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا: ومسح برأسه وقال: «الأذنان من الرأس». قال الترمذي: قال قتيبة قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم أو من قول أبي أمامة. الترمذي 1/ 46، أبو داود 1/ 93، ابن ماجة 1/ 152. وذكره النووي في شرح المهذب 1/ 413. وذكر مذاهب العلماء في ذلك. وذكره الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 33.

الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ [التوبة/ 67]، أي بعضهم يلابس بعضا ويوالي بعضا. وليس المعنى على النسل والولادة، لأنه قد يكون من نسل المنافق مؤمن، ومن نسل المؤمن منافق. فهذا كقوله: الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ [التوبة/ 67]. وكذلك قوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ [آل عمران/ 34] أي بعضها يوالي بعضا، ولا يتبرأ بعضهم من بعض. ويجوز في قوله: بعضها من بعض- أن يكون المعنى: أنّهم في الآخرة متوالون، لا يتبرّأ بعضهم من بعض، كما يتبرأ الكافرون والفاسقون. ألا تراه قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة/ 166] وفَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء/ 100] ونحو ذلك من الآي التي تدلّ على هذا المعنى فقوله: ذرّية بعضها من بعض، أي: هم على خلاف صفة المنافقين والكافرين، لأنّهم إخوان متوالون. فأمّا قوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [النساء/ 25] فقد يكون المعنى والله أعلم: بإيمانكم بعضكم من بعض، أي: بعضكم يوالي بعضا ويلابس بعضا في ظاهر الحكم من حيث شملكم الإسلام فاجتمعتم فيه وصرتم متكافئين متماثلين لجمع الإسلام لكم، واستوائكم في حكمه في الديات والقصاص والمناكح والتّوارث ونحو هذا، مما جمعهم الإيمان فيه. وقال: إذا حاولت في أسد فجورا ... فإني لست منك ولست مني «1»

_ (1) البيت للنابغة الذبياني يخاطب عيينة بن حصن الفزاري، وكان قد دعاه وقومه إلى مقاطعة بني أسد ونقض حلفهم، فأبى عليه وتوعده بهم. وأراد

وقال جرير: عرين من عرينة ليس مني ... برئت إلى عرينة من عرين «1» وقال آخر- أظنّه الراعي-: فقلت ما أنا ممن لا يواصلني ... ولا ثوائي إلا ريث أحتمل «2» وأما قوله: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ [الحديد/ 22]. فإن موضع قوله: في الأرض يحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون مفعولا فيه ظرفا، والآخر: أن يكون وصفا. فإن جعلته ظرفا احتمل أن يكون ظرفا لأصاب، واحتمل أن يكون لمصيبة، ولا ذكر فيه على شيء من هذين التأويلين، كما أنّ قولك: بزيد، من: مررت بزيد، كذلك. ويؤكد ذلك ويحسنه دخول لا في قوله: (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ)، فصار ذلك مثل: ما ضربت من رجل ولا امرأة. والضرب الآخر: أن يكون صفة للنكرة، ويكون متعلقا بمحذوف وفيه ذكر يعود إلى الموصوف. وقوله: (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) صفة «3» معطوفة على صفة، فإذا كان كذلك احتمل موضعه ضربين: أحدهما أن يكون جرا على لفظ قوله: من مصيبة، والآخر: أن يكون رفعا على موضع من مصيبة.

_ بالفجور نقض الحلف. انظر الكتاب: 2/ 290، وشرح شواهد الشافية/ 209 وروايتهما: ولست من، بحذف الياء للوقف. وانظر الديوان/ 199. (1) البيت لجرير، من سبعة أبيات في الهجاء. انظر الديوان/ 429، والاشتقاق/ 538، وفيهما: ليس منا، مكان: ليس مني. (2) رواه في أساس البلاغة (ريث)، منسوبا إلى الراعي، وفيه: ريث أرتحل، مكان ريث أحتمل. (3) سقطت كلمة «صفة» من (ط).

فإن قلت: فإذا كان كذلك فما وجه دخول لا في قوله: (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) وليس الكلام على هذا التأويل بنفي؟ فالقول في ذلك أنّه لما كان معطوفا على ما هو منفيّ في المعنى- وإن لم يكن «1» منفيا في اللفظ- جاز أن يحمل الكلام على المعنى، فتدخل «لا» كما حملته على ذلك في قوله: يحكي علينا إلّا كواكبها «2» ألا ترى أنّ الضمير في يحكي لمّا كان لأحد المنفي أجريته مجرى المنفي «3» في استجازتك البدل منه، كاستجازتك البدل من نفس المنفيّ فكذلك قوله: في الأرض، لما كان صفة لمنفي أجريته مجرى النفي «4» فاستجزت العطف عليه (بلا). وإن شئت قلت: إنّ (لا) زائدة، والأول أبين، لأنّ الحمل على المعنى في النفي قد جاء في غير شيء، ألا ترى أنّهم قد قالوا: إنّ أحدا لا يقول ذاك إلّا زيد، لمّا كان في المعنى منفيا؟ ومن الحمل على المعنى قولهم: قد علمت زيد أبو من هو، فكذلك يكون ما ذكرنا «5».

_ (1) في (ط): ولم يكن. (2) صدره: في ليلة لا نرى بها أحدا والبيت في الكتاب منسوب إلى عدي بن زيد. قال البغدادي في الخزانة 2/ 20، 21 وشرح أبيات المغني 3/ 233: تصفحت ديوان عدي بن زيد مرتين فلم أجده فيه. وإنما هذا البيت لأحيحة بن الجلاح الأنصاري، أثبته له الأصبهاني في الأغاني، ثم أورد سبعة أبيات، هو فيها البيت الرابع، انظر الأغاني: 15/ 31 وخبر الأبيات في شرح أبيات المغني والخزانة. (3) في (ط): مجرى النفي. (4) في (ط): مجرى المنفي. (5) في (ط): ما ذكرناه.

سورة البقرة

سورة البقرة بسم الله الرّحمن الرّحيم «1» [البقرة: 2] ومن السورة «2» التي يذكر فيها البقرة قوله تعالى «3»: فِيهِ هُدىً [2]. قال أحمد بن موسى «4»: قرأ نافع: (فيه هدى)، و (عليه إنه) «5» [الحج/ 4] (وما أنسانيه إلا) [الكهف/ 63] وما أشبه ذلك إذا كان قبل الهاء ياء ساكنة حركها حركة مختلسة من غير أن يبلغ بها الياء. واختلف عن نافع: فروى المسيّبي «6» عن نافع أنه أثبت الياء بعد الهاء [في قوله] «7»: عليهي، فيقول من «8» (كتب عليهي أنه من تولاه) [الحج/ 4]. وروى الكسائي عن إسماعيل «9» عن نافع أنه قرأ: عليهي، يثبت الياء في كل

_ (1) في (م): بسم الله. (2) في (ط): من السورة. (3) في (ط): عز وجل. (4) السبعة 128 - 129. (5) وكسر الهمزة قراءة المطوعي (إتحاف فضلاء البشر: 192). (6) تقدمت ترجمته ص 57. (7) في (م): قوله. (8) في (ط): سقطت كلمة «من». (9) هو إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، تقدمت ترجمته

القرآن، فإذا كان قبلها واو ساكنة مثل نَدْعُوهُ إِنَّهُ «1» [الطور/ 28] أو ألف مثل اجْتَباهُ وَهَداهُ [النحل/ 121] ضم الهاء ضما من غير أن يبلغ بالضمة الواو. فإذا كان قبل الهاء حرف غير الواو والياء والألف «2» وهو ساكن حرك الهاء أيضا حركة خفيفة من غير بلوغ واو، مثل: منه وعنه، إلّا في قوله: وأشركهو في أمري [طه/ 32] فإن المسيّبي روى عنه الصلة بالواو في هذا الحرف وحده. فإذا كان ما قبل الهاء متحركا، وكانت الحركة كسرة كسر الهاء ووصلها بياء في اللفظ، كقوله «3»: وأمهي «4» ... وصاحبتهي [عبس/ 35]، وكتبهي ورسلهي [البقرة/ 285، والنساء/ 136] وما أشبه ذلك. فإذا كانت الحركة قبل الهاء ضمة أو فتحة ضم الهاء ووصل الهاء «5» بواو. فمثل ما تحرك ما قبل الهاء فيه بالضمة قوله تعالى «6»: فإن الله يعلمهو [البقرة/ 270]، فهو يخلفهو [سبأ/ 39]. ومثل ما تحرك ما قبل الهاء فيه بالفتحة قوله: خلقهو فقدر هو [عبس/ 19]، ويسرهو [عبس/ 20]، فأقبرهو [عبس/ 21] وما أشبه ذلك، يصل ذلك كله بواو ويقف بغير واو. وكذلك مذهب أبي عمرو وعاصم إلّا في قوله: (وما أنسانيه إلا الشيطان) [الكهف/ 63] فإن أبا بكر بن عياش وحفصا اختلفا فيه عن

_ ص 57. وتقدمت ترجمة الكسائي في ص: 7. (1) في (م): يدعوه وهو تحريف. (2) في (ط): غير الياء، والواو، والألف. (3) في (ط): كقوله عز وجل. (4) في (ط): وأمه وأبيه. (5) في (ط): ووصلها بواو. (6) في (ط): قوله عز وجل.

عاصم فروى أبو بكر «1» عن عاصم: (وَما أَنْسانِيهُ) «2» بكسر الهاء من غير بلوغ ياء ومثله (بما عاهد عليه الله) [الفتح/ 10] وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً [الفرقان/ 69]. وروى عنه حفص «3» (وَما أَنْسانِيهُ «4» إِلَّا) بضم الهاء من غير واو. وكذلك اختلفا في قوله: بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فضم حفص الهاء وكسرها أبو بكر في سائر القرآن. ومثله: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً، فإن حفصا روى عن عاصم أنه يصل الهاء بياء، وحذفها أبو بكر عن عاصم. وهو مذهب حمزة والكسائي وابن عامر، إلّا ما روى حفص عن عاصم في «أنسانيه» و «عليه الله» وفيهي «مهانا» يشبع الكسرة. فأمّا ابن كثير فإنّه كان [يصل الهاء بياء في كل ذلك إذا كان قبلها ياء أو واو أو ألف أو حرف ساكن أو متحرك] «5»

_ (1) هو أبو بكر شعبة بن عياش بن سالم الحناط الأسدي الكوفي، الإمام العلم، راوي عاصم، وكان من أئمة السنة أيضا، توفي سنة 193 هـ، انظر طبقات القراء: 1/ 325. (2) في (ط): أنسانيه، من غير ما. (3) هو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي البزاز، ثاني رواة عاصم، قال أبو هشام الرفاعي: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، توفي سنة 180. انظر طبقات القراء: 1/ 254. (4) في (ط): أنسانيه، من غير ما. (5) كذا في الأصل، ووردت في هامش (ط) هذه العبارة: «الصواب أنه (أي: ابن كثير) يصل الهاء بياء إذا كان قبلها ياء، وبواو إذا كان قبلها واو أو ألف أو حرف ساكن أو متحرك». وهذا هو الموافق لمذهب ابن كثير، انظر النشر لابن الجزري في باب هاء الكناية: 1/ 304 وما بعدها.

فيقول «فيهي هدى»، و (إليهي، ولديهي، وعليهي، واجتباهو، وهداهو، وما أنسانيهي إلّا، ومنهو، وعنهو) وكل ما كان مثله في القرآن. قال أبو بكر محمد بن السري: الاختيار في (فيه) الكسر بغير ياء ولا إدغام. وحكى عن أبي حاتم «1» أن ذلك قراءة العامة. قال أبو بكر: وهو الأخف، وخط المصحف بغير ياء. قال: وأكره الإدغام، لأن من كسر، فالياء يريد، ومن أثبت الياء لم يجز له أن يدغم، لأنّه لم يلتق حرفان، ومع ذلك فهي من الحروف التي يكره إدغام بعضها في بعض، لثقل ذلك. قال: وقال أبو حاتم: يروى عن نافع أنّه كان يدغم: ((فيه هدى)) ويشمّها شيئا من الضم. قال: وإدغامه وإدغام أبي عمرو يدل «2» على أنّهما لم يكونا يزيدان على ضمّة الهاء بلا واو وعلى كسرها بلا ياء كقراءة العوام. قال أبو حاتم: والضّم لغة مشهورة، وليس بعد الضم واو في اللفظ. قال: ومن كان من لغته إدخال الواو مع المضموم والياء مع المكسور فقال: فيهو، وفيهي، لم يجز له الإدغام، لأنّ بين الهاءين في اللفظ حرفا حاجزا. قال أبو بكر «3»: وقال بعض أصحابنا: قراءة من قرأ ((فيه هدى))، بإدغام الهاء في الهاء، هو ثقيل في اللفظ وجائز في

_ (1) تقدمت ترجمته ص/ 51. (2) في (ط): وإدغامه إدغام أبي عمرو بتشديد الدال في اللفظين. (3) في (ط): وقال أبو بكر قال ...

القياس، لأنّ الحرفين من مخرج واحد، إلّا أنّه يثقل في اللفظ، لأنّ حروف الحلق ليست بأصل في الإدغام، والحرفان من كلمتين. وحكى الأخفش أنّها قراءة. قال أبو بكر- في رواية من روى عن أبي عمرو وغيره أنه كان يشمّ ويدغم-: هذا محال، لا يمكن الإدغام مع شيء من هذا، وذلك أنّه لا فصل بين الحرفين إذا أدغما بحال من الأحوال، لا بقطع ولا حركة ولا ضرب من الضروب، وإنّما يصيران كالحرف الواحد للزوم اللسان لموضع واحد، وإنّما كان أبو عمرو يختلس ويخفي فيظن به الإدغام، وكيف يكون متحرك مدغم فيجب أن يكون متحركا ساكنا. قال: وقال أبو حاتم: أراد أبو عمرو ونافع الإخفاء، فلذلك أشما الضمّ والكسر، ولو أدغما إدغاما صحيحا أسكنا الهاء الأولى. قال: وكان من شأن أبي عمرو الإخفاء، لكراهية كثرة الحركات والإشباع. انتهت الحكاية عن أبي بكر. قال أبو علي: قوله تعالى «1»: لا رَيْبَ فِيهِ. قال سيبويه: قالوا: أراب كما قالوا «2»: ألام، أي صار صاحب ريبة، كما قالوا: ألام، أي: استحق أن يلام، وأما رابني فيقول: جعل فيّ ريبة، كما تقول: قطعت النخل، أي: أوصلت إليه القطع واستعملته فيه.

_ (1) سقطت هذه الكلمة من (ط). (2) في (ط): كما يقال، وانظر في كلام سيبويه الكتاب: 2/ 236.

وقال أبو زيد: قد رابني من فلان أمر رأيته منه ريبا إذا كنت مستيقنا «1» منه بالرّيبة. فإذا أسأت به الظنّ، ولم تستيقن منه بالريبة «2» قلت: قد أرابني من فلان أمر هو فيه، إرابة وقد أربت فأنت مريب، إذا بلغك عنه شيء أو ظننته من غير أن تستيقنه. وقال: أنشدنا أبو عليّ «3» كأنّني أربته بريب «4». وقال أبو عبيدة: لا ريب: لا شك. وأما الهدى فقال سيبويه «5»: قلّما يكون ما ضمّ أوله من المصدر منقوصا، لأن فعل لا تكاد تراه مصدرا «6» من غير بنات الياء والواو «7».

_ (1) في (ط): متيقنا. (2) في (ط): بالريبة منه. (3) في (ط): وأنشد. (4) من رجز قاله: خالد بن زهير لأبي ذؤيب الهذلي، وتمامه: يا قوم ما بال أبي ذؤيب ... كنت إذا أتوته من غيب يشم عطفي ويمس ثوبي ... كأنني قد ربته بريب انظر الهذليين 1/ 165. ورواية اللسان/ ريب/ يا قوم ما لي وأبا ذؤيب ... كنت إذا أتيته من غيب يشم عطفي ويبزّ ثوبي ... كأنني أربته بريب وأتوته: لغة في أتيته. (5) انظر الكتاب: 2/ 230: هذا باب نظائر ما ذكرناه من بنات الياء والواو إلخ. (6) في (ط): لا تكاد مصدرا وهو تحريف، وفي (ط) أيضا: من بنات الياء والواو، دون غير. (7) يريد في الصحيح اللام، أي: والمعتل شأنه أن يجري مجرى الصحيح، فإذا لم يكثر ذلك في الصحيح فكذلك في المعتل.

وقال أيضا: قد جاء في هذا الباب- يعني باب اعتلال اللام- المصدر على فعل، قالوا: هديته هدى. ولم يكن هذا في غير هدى وذلك لأنّ الفعل لا يكون مصدرا في هديته فصار هدى عوضا منه «1» قالوا: قريته قرى وقليته قلى، فأشركوا بينهما في هذا فصار عوضا من الفعل في المصدر فدخل كلّ واحد منهما على صاحبه، كما قالوا: كسوة وكسى وجذوة «2» وجذى وصوّة وصوى «3»، لأنّ فعل وفعل «4» أخوان. ومن العرب من يقول: رشوة ورشا، ومنهم من يقول: رشوة ورشا وحبوة وحبا، وأكثر العرب تقول: رشا وكسا وجذا «5». قال أبو علي: وقد يجوز أن يكون فعل مصدرا اختصّ به المعتل وإن لم يكن في الصحيح، كما كان كينونة ونحوه مصادر، ولا يكون فيعلولة عنده «6» ولا فعلولة عند من خالفه

_ (1) أي: أنه لم يثبت عند سيبويه: هدى هدى بكسر الهاء وفتح الدال، ولذلك كان هدى بضم الهاء وفتح الدال عوضا منه، وإن وجد الأول في قليته قلى. (2) الجذوة مثلثة الأول: القبسة من النار والجمرة. (3) الصوة بالضم: حجر يكون علامة في الطريق، وما غلظ وارتفع من الأرض، وهي أيضا جماعة السباع، وصوت الصدى، ومختلف الريح. جمعها صوى بالضم. (4) في (ط): لأن فعلا وفعلا. (5) الرشوة مثلثة: الجعل، ج رشا بالضم والكسر، والحبوة بالفتح والضم: اسم من احتبى بالثوب اشتمل أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها. والحبوة مثلثة الاسم من حبا فلانا: أعطاه. (6) عنده، أي عند سيبويه عن الخليل، وذلك أنه يقول إن كينونة أصلها كينونة بتشديد الياء مثل قيدود أصله قيدود بالتشديد أيضا، فهي على وزن

مصدرا في الصحيح. ويؤكد الأول ما قاله من أنّه قد يستغنى بفعله نحو: الجلسة والرّكبة عن المصدر «1». ويقوّيه أيضا أنّ ناسا من النحويين يزعمون أنّه قد يجرى الأسماء التي ليست بمصادر مجرى المصادر فيقولون: عجبت من دهنك لحيتك وينشدون: وبعد عطائك المائة الرتاعا «2» فيجرونه مجرى الإعطاء. وقال لبيد: باكرت حاجتها الدجاج «3»

_ فيعلولة، لأنها من كان يكون كما أن قيدود من قاد يقود، وهو من الأوزان الخاصة بالمعتل، انظر الكتاب: 2/ 371 في باب ما تقلب الواو فيه ياء إلخ، أما غير سيبويه من الكوفيين وغيرهم فيقول كينونة فعلولة قلبت الواو ياء، وانظر اللسان في مادة كون. (1) انظر الكتاب: 2/ 229: هذا باب ما تجيء فيه الفعلة تريد بها ضربا من الفعل ... إلخ. (2) هو عجز بيت للقطامي من قصيدة يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي، وصدره: أكفرا بعد رد الموت عني ... ................ .. العيني 3/ 505 والخصائص 2/ 221، وأمالي ابن الشجري 2/ 142. وشرح أبيات المغني 6/ 347، والبيت من شواهد خزانة الأدب 3/ 442. (3) قطعة بيت من معلقة لبيد، وتمامه: باكرت حاجتها الدجاج بسحرة ... لأعلّ منها حين هبّ نيامها ومعناه: عاجلت الدجاج إلى حاجتي إليها، أي: سابقت صياح الدجاج إلى حاجتي إليها والمراد الخمر، لأعل منها أي: أسقى منها تباعا حين

وفسّروه على: باكرت حاجتي إليها، فأضيف إلى المفعول، كما يضاف المصدر إليه، فكذلك يكون الهدى والسرى والتّقى، وفي التنزيل: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمران/ 28]. فكذلك يكون هذا النحو قد استغني به عن المصدر، كما قالوا: هو يدعه تركا شديدا. فإن قلت: فلم لا تجعل (تُقاةً) مثل رماة في الآية، فيكون حالا مؤكّدة. فإنّ المصدر أوجه: لأنّ القراءة الأخرى: (إلا أن تتقوا منهم تقية) «1» بهذا «2» أشبه، وإن كان هذا النحو من الحال قد جاء، وسنذكره في موضعه إن شاء الله. وقال أبو عبيدة: (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ): بيانا لهم «3». وقال أبو الحسن: زعموا أنّ من العرب من يؤنّث الهدى. وأما الفعل من الهدى: فيتعدى «4» إلى مفعولين، يتعدى إلى الثاني منهما بأحد حرفي جر: إلى، واللام. فمن تعدّيه بإلى قوله: «5» فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات/ 23]. ومنه قوله: «6» وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ

_ هب نيامها، أي السحرة، انظر المعلقات، واللسان في مادة «بكر» والخزانة 1/ 483 والمعاني الكبير/ 453 والديوان/ 176 وفيه: بادرت مكان باكرت. (1) هي قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي إمام البصرة، بفتح التاء وكسر القاف، وتشديد الياء مفتوحة، وقرأ الباقون بضم التاء وألف بعد القاف في اللفظ، انظر النشر: 2/ 239. (2) في (ط): فهذا. (3) انظر مجاز القرآن 1/ 28. (4) في (ط): فمتعد. (5) في (ط): قوله عز وجل. (6) في (ط): سقطت: قوله.

[ص/ 22]. ومن تعديه باللام قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف/ 43]، وقوله: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ [يونس/ 35]. فهذا الفعل بتعديه مرة باللام وأخرى بإلى مثل أوحى في قوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل/ 68]، وقوله: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة/ 5]. وقد يحذف الحرف من قولهم: «1» هديته لكذا وإلى كذا، فيصل الفعل إلى المفعول الثاني، كما قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، أي: دلنا عليه واسلك بنا فيه، فكأنّه «2» سؤال واستنجاز لما وعدوا به في قوله: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [المائدة/ 16] أي سبل دار السلام، بدلالة قوله: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الأنعام/ 127]. وتكون إضافة الدار إلى السلام على أحد وجهين: إمّا أن يراد به الإضافة إلى السلام الذي هو اسم من أسماء الله «3» على وجه التعظيم لها والرفع منها، كما قيل للكعبة: بيت الله، وللخليفة: عبد الله. وإمّا أن يراد بالسلام جمع سلامة، كأنّه: دار السلامة التي لا يلقون في حلولها عنتا ولا تعذيبا، كما قال: الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ [فاطر/ 35]. وسألوا ذلك ليكونوا خلاف من قيل فيه: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات/ 23]، وقِيلَ: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [الحديد/ 13].

_ (1) في (ط): وقد يحذف الحرف في قوله. (2) في (ط): وكأنه. (3) في (ط): هو اسم الله عز وجل.

وقد يكون قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ سؤالا لأن يلطف «1» لهم بالتثبيت على الإيمان وطرق الهدى والدين فلا يكونوا كمن وصف بقوله: وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة/ 77]، وقوله: وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة/ 1]. ويقوي ذلك قوله: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام/ 153]، وقوله: وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الصافات/ 117، 118]. ويقوي الوجه الأوّل قوله: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ [محمد/ 4، 5]، فهذا على الدلالة إلى طريق الجنة «2» والثواب. فأمّا قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ «3» [يونس/ 9] فإنّه يكون مثل قوله: سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ بدلالة اتصال الحال به، وهو قوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ويكون الظرف على هذا متعلقا بيهديهم. ويجوز أن يكون يهديهم في دينهم كقوله: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد/ 17]، ويكون الحال فيه كقوله: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ «4» [المائدة/ 95]. وكما أجاز سيبويه

_ (1) إشارة إلى مذهب أهل الاعتزال في القول باللطف. (2) في (ط): إلى طرق الجنة. (3) بعد ذلك: «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ». (4) أي فتكون جملة تجري من تحتها إلخ حالا منتظرة. أي يتحقق وقوعها

من قولهم: «1» مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، ويكون الظرف على هذا متعلقا بتجري. فأمّا قوله: وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء/ 175] فقوله: صراطا مستقيما على فعل دلّ عليه يهديهم كأنه: يعرّفهم صراطا مستقيما، ويدلّهم عليه. وإن شئت قلت: إنّ معنى يهديهم إليه: يهديهم إلى صراطه، ويكون انتصاب صراط كقولك: مررت بزيد رجلا صالحا. وقال أبو الحسن: يقال هديت العروس إلى بعلها، وتقول أيضا: أهديتها إليه، وهديت له. وتقول: أهديت له هديّة. وبنو تميم يقولون: هديت العروس إلى زوجها، جعلوه في معنى: دللتها، وقيس تقول: أهديتها جعلوه بمنزلة الهديّة. وممّا يدلّ على أن الهدى الدلالة- كما فسره أبو الحسن- أنّه قد قوبل به الضلال في نحو قوله: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة/ 198]. أي: من قبل هداه، فلما دلّ الفعل على المصدر أضمر. وقال ابن مقبل «2»: قد كنت أهدي ولا أهدى فعلّمني ... حسن المقادة أنّي فاتني بصري وقيل في قوله:

_ في المستقبل. كما هو الحال في قوله: «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ». (1) في (ط): في قولهم. (2) انظر الديوان/ 74.

حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة ... يخشعن في الآل غلفا أو يصلّينا «1» إن معنى استبنت الهدى: أضاء لي النهار. هاجمة: كأنّها مطرقة من البعد، وغلفا: تلبس أغطية من السراب. وقال أبو عمرو: غلفا: ليس عليها شيء يسترها. وقوله: أو يصلّينا، «2» كأنّهن- ممّا يرفعهنّ السراب ويضعهن- يصلين، وحكى أحمد بن يحيى عن بعض البغداديين يقال: هديّ بيت الله، وأهل الحجاز يخففون، وتميم تثقّله. وواحد الهديّ هديّة. وقد قرئ بالوجهين، حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة/ 196] والهدي محله «3». ويقال: فلان هديّ بني فلان وهديهم، «4» أي جارهم يحرم عليهم منه ما يحرم من الهدي. وأهديت الهدي إهداء، وأهديت الهديّة إهداء، وهديت العروس إلى زوجها هداء، ويقال: أهديتها بالألف. ويقال: نظر فلان هدية «5» أمره أي: جهة أمره، «6» وما أحسن هديه أي: سمته وسكونه «7» وهديت الضالّة أهديها هداية، وهديته الدين أهديه هدى، ورجل

_ (1) لابن مقبل أيضا. انظر الديوان/ 323. (2) في (ط): يصلين. (3) والهديّ بكسر الدال وتشديد الياء قراءة مجاهد والزهري وابن هرمز وأبي حيوة، ورواه عصمة عن عاصم، انظر البحر لأبي حيان: 2/ 74. (4) في (ط): وهدي بني فلان. (5) في القاموس: هدية الأمر مثلثة جهته. (6) في (ط): أي من جهة أمره، وهو تحريف. (7) في (ط): وسكوته، بالتاء وهو تحريف.

مهداء: كثير الهدايا، والمهدى: «1» الطبق الذي يهدى عليه. وقال أحمد «2» هدى وأهدى واحد، وأنشد: لقد علمت أمّ الأديبر أنّني ... أقول لها هدّي ولا تذخري لحمي «3» انتهت الحكاية عنه. «4» قال أبو علي: وواحد الهديّ هديّة، مثل مطيّ ومطيّة قال: حلفت بربّ مكة والمصلّى ... وأعناق الهديّ مقلّدات «5» وقال: «6» متى أنام لا يؤرّقني الكري ... ليلا ولا أسمع أجراس المطي

_ (1) كذا في (ط)، وهو يوافق ما جاء في القاموس: المهدى (بكسر الميم والقصر): الإناء يهدى فيه، وفي الأصل: المهداء بالمد. (2) هو أحمد بن يحيى ثعلب، سبقت ترجمته ص/ 11. (3) ورد الشطر الثاني في مادة «هدى» من اللسان، وورد بتمامه في أساس البلاغة في المادة نفسها منسوبا إلى أبي خراش الهذلي، وهو مطلع قصيدة له في ديوان الهذليين: 2/ 125، وشرحه 3/ 1198، والمعنى: اقسمي هديتك ولا تذخري. (4) في (ط): سقط هذا اللفظ. (5) هو بيت للفرزدق في ديوانه/ 127، وأورده اللسان أيضا في مادة «هدى» ومقلدات: علق في أعناقها ما يدل على أنها هدي. (6) رجز رواه سيبويه في الكتاب: 1/ 450، والكري، بكسر الراء والإشباع: تخفيف الكريّ بتشديد الياء، وهو المكاري أي: مؤجر الدابة للركوب. وسقطت كلمة: ليلا في الأصل.

ومن خفف الهدي فواحده هدية مثل شرية «1» وشري، وقالوا: هدي للواحد، وقالوا: هديّ للعروس قال: برقم ووشم كما نمنمت ... بميشمها المزدهاة الهديّ «2» قيل: إن ذلك من قوله: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [سبأ/ 35]. فأمّا قوله: (لا رَيْبَ فِيهِ) فيجوز أن تجعل (فِيهِ) خبرا، ويجوز أن تجعله صفة، فإن جعلته صفة أضمرت الخبر، وإن جعلته خبرا كان موضعه رفعا في قياس قول سيبويه من حيث يرتفع خبر المبتدأ «3»، وعلى قول أبي الحسن موضعه رفع من حيث كان خبر إنّ رفعا، فإن «4» جعلت (فِيهِ) صفة، ولم تجعله خبرا كان موضعه نصبا في قول من وصف على اللفظ كما عطف على اللفظ في قوله: لا أب وابنا «5»

_ (1) هي الحنظلة، والشري جمعها. (2) بيت لأبي ذؤيب الهذلي، وقبله؛ عرفت الديار كرقم الدوا ... ة يزبرها الكاتب الحميري ورواية البيت في الهذليين: كما زخرفت، والميشم: الإبرة التي تشم بها المرأة كفها، والمزدهاة: المستخفة التي استخفها الحسن والعجب. والهدي: العروس، انظر ديوان الهذليين 1/ 65. وشرحه 1/ 98. (3) وعند سيبويه أن خبر لا التي اسمها مفرد يكون مرفوعا بالمبتدإ الذي هو لا واسمها. (4) في (ط): وإن. (5) إشارة إلى بيت الكتاب 1/ 349 ولم ينسبه: لا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا

ومن وصف على الموضع كما عطف على الموضع في قوله: لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب «1» كان موضعه رفعا على هذا. «2» والموضع للظرف نفسه لا لما كان يتعلق به، لأن الحكم له دون «3» ما كان يكون الظرف منتصبا به في الأصل، ألا ترى أنّ الضمير قد صار في الظرف. فأمّا قوله: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف/ 92] فلا يخلو قوله: عليكم واليوم من أن يكون تعلقهما بتثريب الذي هو المصدر أو بغيره. فلا يجوز أن يتعلق «4» بالمصدر، لأنّه لو تعلق به لكان صلة له، ألا ترى أنّ ما يتعلق بالمصدر يكون من تمامه ومن صلته، وإذا كان من تمامه لم يجز بناؤه على الفتح

_ وانظر شرح المفصل: لابن يعيش 2/ 101، والعيني 2/ 355 والخزانة 2/ 102 وروايته: «فلا» مكان «لا». (1) عجز بيت نسبه سيبويه في الكتاب إلى رجل من مذحج، من بني عبد مناة قبل الإسلام بخمسمائة عام، وقال الحاتمي هو لابن أحمر، والأصفهاني لضمرة بن ضمرة وكان له أخ يدعى جندبا، وكان أبوه وأهله يؤثرونه عليه، فأنف من ذلك، وفي ذلك يقول: وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب هذا وجدكم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب انظر الكتاب 1/ 352، وشرح التصريح على التوضيح 1/ 241 وابن يعيش 2/ 110 والمقتضب 4/ 371 والأشموني على الصبان 2/ 9. والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 7/ 257 وذكره في الخزانة 1/ 243 ونسبه مع الشعر إلى ضمرة بن ضمرة النهشلي وبعد ذلك ذكر الاختلاف في نسبته. (2) في (ط): كان موضعه على هذا رفعا. (3) في (ط): من دون. (4) أي قوله: عليكم وإليكم.

من دونه، كما أنّ ما يتعلق باسم الفاعل في نحو: لا آمرا بالمعروف لك، إذا جعلت الباء من صلة الآمر، ولا ضاربا رجلا عندك، لا يجوز أن يبنى الاسم دونه، «1» لأنّ البناء إنّما يكون في آخر الاسم، كما أنّ التثنية والجمع كذلك، فكما لا يثنّى قبل أن يتمّ بصلته، كذلك لا يجعل مع الأول اسما واحدا، كما أنّ: (لا خيرا من زيد) كذلك. فإذا لم يجز تعلّقهما ولا تعلّق واحد منهما بالمصدر تعلّق بغيرهما «2». فيمكن أن يكون (عَلَيْكُمْ) صفة للمصدر، لأنّه نكرة، والجارّ كان في الأصل متعلّقا بمضمر يكون في موضع الصفة، ويكون (اليوم) في موضع الخبر، لأنّه مصدر، فتكون أسماء الأحيان خبرا عنه. ويجوز أيضا أن يكون (اليوم) متعلقا بما هو في موضع صفة، كما كان (عليكم) كذلك، فإذا حملته على هذا أضمرت خبرا وجعلت (عليكم) أيضا مثله. ويجوز أن يتعلق اليوم بعليكم على أن تكون ظرفا له، فإذا حملته على هذا أضمرت أيضا خبرا. ويجوز أيضا أن يتعلق اليوم بعليكم على أن يكون (عليكم) خبرا لا صفة. ومثل ذلك قوله: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ [هود/ 43] (اليوم): معمول (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، والجارّ متعلق بمحذوف، وإن شئت «3» جعلته صفة وأضمرت الخبر. ولا يكون (اليوم) ولا قوله (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)

_ (1) أي دون (رجلا)، لأنه كآخر الاسم والبناء إنما يكون في الآخر. (2) في (ط): تعلق بغيره. (3) في (ط): فإن.

من صلة (عاصم) في قول سيبويه. والبغداديّون- فيما حكي لنا عنهم- يجيزون في هذا ونحوه أن يكون الظرف من صلة المنفي المبني غير المنون «1». فأما قوله تعالى: لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ [الفرقان/ 22] فإن جعلت «بُشْرى» في موضع تنوين، جاز أن يكون يومئذ من صلته، وإن جعلته في موضع الفتح للنفي، جاز أن يكون خبرا، لأنّ «بُشْرى» حدث، فلا يمتنع أن يكون خبره ظرفا من الزمان، ويكون (لِلْمُجْرِمِينَ) صفة لبشرى. وقد يكون تبيينا: مثل: لك بعد سقيا. ويجوز أن يكون (لِلْمُجْرِمِينَ) الخبر، ويكون (يَوْمَئِذٍ) تبيينا، مثل: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [يوسف/ 20]. وأكثر ما يكون هذا التبيين بحروف الجر، ولا يمتنع ذلك في الظروف أيضا، لأنّ حرف الجر يقدر معها ويراد، فكأنه في حكم الثبات. وقول أمية: فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به لهم مقيم «2» إن «3» قلت ما موضع (فِيها) في هذا الموضع؟ وكيف

_ (1) ولكن ليس على سبيل البناء، وإنّما حذف التنوين للتخفيف. (2) من قصيدة لأمية بن أبي الصلت الثقفي، يذكر فيها أوصاف الجنة وأحوال يوم القيامة. انظر حاشية الصبان علي الأشموني 2/ 11 والبيت في الديوان 475 - 477 ملفق من بيتين ونصهما: وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به لهم مقيم ولا لغو ولا تأثيم فيها ... ولا غول ولا فيها مليم (3) في (ط): فإن قلت.

القول فيه؟. فإن قياس قول سيبويه «1» أن يكون فيها في موضع رفع، لكونها خبرا عن الاسمين، كما أنّك لو قلت: لا رجل ولا «2» غلام فيها كان (فِيها) خبرا عنهما، ألا ترى أنّ ((لا)) مع ((رجل)) في موضع اسم مرفوع على قول سيبويه، وخبره مرفوع، كما يرتفع خبر: لا رجل في الدار. وقياس قول أبي الحسن ألا يكون (فِيها) خبرا عنهما جميعا، لأن ارتفاع الخبرين مختلف في قولهما. وذلك أن خبر (لا تَأْثِيمٌ) يرتفع عند أبي الحسن «3» بلا، دون كونه خبرا للابتداء، وخبر (لغو) مرتفع بالابتداء فإذا «4» اختلف إعراب خبريهما لم يجز أن يكون قوله (فِيها) خبرا عنهما، لأنّه يجب من ذلك أن يعمل في (فِيها) عاملان مختلفان، فإذا كان ذلك غير سائغ، علمت أن كونه خبرا عنهما غير سائع، وإذا لم يجز أن يكون خبرا عنهما لاختلاف إعرابيهما «5» وجب أن يكون لكل واحد خبر. فلك أن تجعل (فِيها) خبرا عن تأثيم، ويكون ذكره يدلّ على خبر الأوّل، كما أن قوله: ............. وأنت بما ... عندك راض «6» .......

_ (1) انظر سيبويه 1/ 345. (2) لا ساقطة من (ط). (3) في (ط): لأن خبر لا تأثيم عند أبي الحسن يرتفع. (4) في (ط): وإذا. (5) في (ط): إعرابهما. (6) من بيت لقيس بن الخطيم الأوسي، وقال ابن بري وابن هشام اللخمي: هو لعمرو ابن امرئ القيس الأنصاري، وتمامه: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف واستشهد به سيبويه في الكتاب: 1/ 38: وانظر العيني 1/ 557 ديوانه/ 63/ 173.

دلّ على خبر: نحن بما عندنا. ويجوز أن تجعل (فِيها) خبرا عن الأوّل وتحذف خبر (لا تَأْثِيمٌ)، ويدلّ عليه ما تقدّم من خبر الأول. وقولهم: لا خير بخير بعده النار، ولا شرّ بشر بعده الجنة. يجوز أن يكون بخير متعلقا بمحذوف في موضع رفع بأنّه خبر لا وقولك: بعده النار الجملة في موضع جر بكونه وصفا لخير المجرور. وقياس قول سيبويه أن تكون النار والجنة على هذا الوجه يرتفعان بالظرف لكونهما صفتين «1» للنكرة. ويجوز أن تجعل لا بمنزلة ليس على قوله: «لا مستصرخ» «2» فتكون الباء حينئذ في القياس كالباء التي تزاد في خبر ليس. فإن لم تجعل لا بمنزلة ليس وجعلتها الناصبة «3» لم يجز

_ (1) في (ط): صفة، والمعنى أن الظرفين في الجملتين صفتان فاعتمدا على موصوفين، ومن ثم ارتفع لفظا النار والجنة بعدهما فاعلين للظرفين. (2) في مثال ذكره سيبويه في الكتاب 1/ 357 للرفع بلا على أنها بمعنى ليس، قال: «والرفع عربي على قوله: حين لا مستصرخ ولا براح» ومعنى لا مستصرخ أي ليس هناك من يستغاث به، ولا براح، أي: لا براح لي ولا تحول. ويشير بالأول إلى قول الشاعر، أنشده صاحب الانصاف 1/ 368 واللسان/ طبخ/. والله لولا أن تحشّ الطّبّخ ... بي الجحيم حيث لا مستصرخ الطّبّخ: جمع طابخ. كركّع: يريد بهم ملائكة العذاب. وتحش: من حش النار أي جمع لها ما تفرق من الحطب. وبالثاني إلى قول سعد بن مالك كما في الكتاب 1/ 28 و 354 وفي الخزانة: 1/ 223 والمقتضب 4/ 360. من صدّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح (3) في (ط): النافية. وهو تحريف.

أن تكون الباء في خبرها، لأن خبرها مرفوع كخبر المبتدأ، ألا ترى أنه قد حكي عن يونس «1» أنّهم يقولون: لا رجل أفضل منك، فيرفعون (أفضل) لأنه خبر، فكما لا تدخل الباء على خبر المبتدأ كذلك لا تدخل على خبر لا، لأنّها مع ما عملت فيه بمنزلة المبتدأ. وإن شئت أجزت دخول الباء لمضارعتها ليس وكون الكلام بها في النفي بمنزلة ليس، فكما دخلت على خبر ليس وكانت هي مثلها في النفي دخلت على خبرها أيضا الباء، ألا ترى أنّه قد جاء: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ [الأحقاف/ 33] فدخلت الباء حيث كان معنى الكلام النفي وكان المعنى: أليس الله بقادر. وإن شئت أجزت دخول الباء على خبر المبتدأ على قياس قول أبي الحسن، لأنّه قد أجاز في قوله: جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها [يونس/ 27] أن تكون الباء داخلة على خبر المبتدأ، لأنّه قد جاء: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى/ 40] فيجوز على هذا أن تكون الباء داخلة على الخبر الذي هو في موضع رفع. وإن جعلت الهاء في قوله: (بعده النار) لخير المنفي بلا كانت الجملة التي هي: (بعده النّار) (وبعده الجنّة) في موضع نصب بكونها صفة للاسم الذي عمل فيه (لا)، كأنّه: لا خير

_ (1) في سيبويه 1/ 345. في لغة تميم قول العرب من أهل الحجاز لا رجل أفضل منك. وأخبرنا يونس أن من العرب من يقول: ما من رجل أفضل منك. وهل من رجل خير منك؟ كأنه قال: ما رجل أفضل منك. وهل رجل خير منك.

بعده النار بخير، فيجوز في الباء في قولك: (بخير) ما جاز فيها إذا جعلت قولهم (بعده النار) صفة لخير الذي دخلت عليه الباء. وتقديره في هذا الوجه تقدير: لا رجل قام غلامه أفضل منك. وأمّا ما ذهب إليه البغداديّون من استجازتهم إعمال أسماء الفاعلين والمصادر إذا بنيا مع لا على الفتح، فممّا يبيّن أنّه لم يكن ينبغي أن يعملوه كما كان يعمل قبل- أنّ ذلك بالبناء مع لا على الفتح قد فارق شبه الفعل، كما أن اسم الفاعل والمصادر «1» بالتصغير والوصف قد فارقا «2» ذلك، فكما لا يعمل اسم الفاعل والمصدر مصغّرين ولا موصوفين كذلك اسم الفاعل والمصدر إذا بني كل واحد منهما مع لا على الفتح. فإن قلت: إنّ هلمّ في قول أهل الحجاز قد بني الفعل فيه مع حرف قبله، وأعمل عمل الفعل «3»، وحقروا رويدا وأعملوه عمل الفعل في نحو: رويد عليّا، فكذلك ما تنكر أن بني «4» الاسم مع ما قبله على الفتح ويعمل. وأنشد بيت الهذليّ: رويد عليّا جدّ ماثدي أمّهم ... إلينا ولكن ودّهم متماين «5»

_ (1) في (ط): والمصدر. (2) في (ط): فارق ذلك. (3) أي فإن هلم عند الحجازيين اسم فعل مركب من: لمّ وها التنبيه، ومع ذلك لم يمنع التركيب من عمل الفعل، فينبغي أن يكون تركيب المصادر وأسماء الفاعلين مع لا كذلك. (4) في (ط): أن يبنى. (5) من قصيدة للمعطل الهذلي يصف قطيعة كانت بينهم وبين كنانة، وعلي:

قيل: إنّ ما ذكرته في هلمّ على هذا القول قليل، وكذلك رويد، ومع ذلك فإنّ هلمّ إذا أعمل على قول أهل الحجاز فإنّه ليس يعمل كما يعمل الفعل، ولكن كما تعمل الأسماء التي سمّي بها الفعل «1»، نحو عليك ورويد: يدلّك على أنّه على هذا الحدّ أعمل، ليس على ما أعمل الفعل أنّهم جعلوه للاثنين والجمع والمذكر والمؤنث على لفظ واحد. فهذا ممّا يدلك أنّه بالبناء عندهم على هذا الحدّ الذي بني عليه خرج عندهم من حكم الفعل وعن «2» عمله على حدّ عمل الفعل. ففي هذا دلالة على أنّهم إذا بنوه مع ما قبله لم يعملوه على حدّ ما يعمل الفعل، كما أعمله بنو تميم لمّا لم يبنوه مع الحرف الذي قبله. وإذا كان أهل الحجاز قد فعلوا ذلك بهلمّ لمكان البناء الذي أحدثوه فيه «3» فكذلك ينبغي على قياس ما فعلوه من «4» ذلك ألا يجوز إعمال اسم الفاعل والمصدر عمل الفعل إذا بنيا مع (لا) لخروجه بذلك عن شبه الفعل. فأمّا إعمالهم الفعل إذا لحقه النون «5» الخفيفة أو الثقيلة مع أنّه يبنى مع كل واحد منهما، فإن ذلك ليس بمنزلة هلمّ المبنيّ مع ما قبله «6»، ولكن بمنزلة البناء مع علامة الضمير،

_ حي من كنانة، وجدّ ثدي أمهم بالبناء للمجهول أي: قطع، والمراد انقطاع اللبن الذي يربطهم بالقرابة لأنهم يرجعون جميعا إلى مدركة بن إلياس، والمتماين: الكاذب، انظر الكتاب: 1/ 124، وديوان الهذليين: 3/ 46. وسقط البيت من (ط) مع نسبته. (1) في (ط): سميت بها الأفعال. (2) في (ط): ومن عمله. (3) فيه ساقطة من (ط). (4) في (ط): في ذلك. (5) سقطت كلمة «النون» من (م). (6) أي مع ها، لأن هلم مركبة من لم وها كما سبق.

وبمنزلة التغيير الذي يلحق الآخر للإعراب، نحو لحاق النون للإعراب، وحذف اللامات للجزم، ألا ترى أن الخفيفة تجري مجرى التنوين في: لَنَسْفَعاً [العلق/ 15] وفي اضربا القوم «1» فليس ذلك إذا كهلمّ المبني على الفتح مع ما قبله. فأمّا ما أجازه أحد شيوخنا- وهو أبو إسحاق الزجّاج- «2» في قوله: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً من أنّه بمنزلة حلو حامض «3» - أي هو كتاب وهو هدى- فالقول في إجازة هذا على الوجه الذي ذكره مشكل. وذاك «4» أن ارتفاعهما لا يخلو من أن يكون بأنّهما خبر المبتدأ، أو يكون الثاني تابعا للأول. فإن قيل: يرتفع الاسمان بأنّهما خبر المبتدأ قيل: لم نر شيئا رافعا يرفع اسمين على هذا الحدّ. وقد شبّهوا ارتفاع خبر

_ (1) في (ط): اضرب القوم بفتح الباء وإسقاط التنوين، وهو المناسب هنا لأن الأصل هو حذف نون التوكيد الخفيفة عند ملاقاة الساكن كقول الأضبط بن قريع: لا تهين الفقير علك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه أراد تهينن فحذف النون وبقيت ياء تهين لثبات الفتحة بعدها. ابن الشجري 1/ 385 ابن يعيش 9/ 43، الخزانة 4/ 588، همع الهوامع: 2/ 79. هذا وقد رسم في (م) بالألف وفقا للوقف عليها. (2) هو إبراهيم بن السري أبو إسحاق الزجاج، كان يخرط الزجاج فلزم المبرد على أن يعلمه بالأجرة ويخدمه، فنصحه في العلم حتى استقل، وكان من أهل الفضل والدين حسن الاعتقاد جميل المذهب، وله تصانيف كثيرة منها معاني القرآن وتفسير أسماء الله الحسنى تحقيق أحمد يوسف الدقاق، وتوفي سنة 311 هـ، انظر البغية للسيوطي 1/ 411 وقد سقطت عبارة «وهو أبو إسحاق الزجاج» من (ط). (3) انظر سيبويه 1/ 258. (4) في (ط): وذلك.

المبتدأ بارتفاع الفاعل، وزعموا أنّه ارتفع لمشابهة الفاعل. فإن قلت: إنّ الثاني تابع للأول فليس يجوز أن يكون الثاني بدلا من الأول، لأنّ الأول مراد، كما أن الثاني كذلك، ومن ثمّ لم يجز أن يكون الثاني صفة للأول. والصفة أبعد أن تجوز، لأنّك لا تصف الحلو بأنه حامض، وإنما تخبر عن الأول أنه قد جمع الطعمين، ولا مدخل هاهنا «1» لشيء من باقي التوابع. فإذا بعد هذان ولم يخل منهما ثبت إشكال المسألة. ولا يستقيم أن يجعل (حامض) خبر مبتدأ محذوف وأنت تريد هذا المعنى؛ لأن الكلام يصير جملتين وإنّما يراد في المخبر عنه أنّه قد جمع الطعمين في جملة واحدة «2»، كأنّك قلت: مزّ. فإن قلت: أجعل الاسمين موضعهما رفع «3»، لوقوعهما موقع اسم مفرد يرتفع بأنّه خبر مبتدأ، كما يجعل موضع الجملة رفعا إذا وقع موقع الخبر فإنّ في ذلك بعدا «4» لأنّ هذا وإن كان مشبها للجملة في أنّهما اسمان فليس بها «5»، ألا ترى أنّك إذا سميت رجلا: عاقلة لبيبة، أعملت فيه العوامل، ولم تجعله بمنزلة أن تسمّيه بزيد منطلق وأنت تريد الجملة. فممّا نقول في ذلك أن هذين الاسمين لا يمتنع أن يقعا جميعا خبرا لمبتدإ. وإذا جاز أن يقع خبر المبتدأ جملة ولم يمتنع ذلك- وإن كان الفاعل يمتنع أن يكون جملة- كان هذا أيضا جائزا أن يكون في موضع

_ (1) في (ط): ولا مدخل هنا. (2) في (ط): وهو جملة واحدة. (3) في (ط): موضعهما رفعا. وهو صحيح. (4) كذا في (م) وفي (ط): «فإن ذلك أبعد». (5) كذا في (ط): وفي (م) بهما.

خبر المبتدأ. وقد جاء أشدّ من هذا، وهو أنّ هذه الجمل قد وقعت موقع خبر إنّ في مثل: إن زيدا أبوه منطلق، وإن زيدا قام أبوه. وإذا جاز هذا في إنّ مع أنّ فيه نصبا ظاهرا، وحكم النصب ألّا يكون إلا برفع لفاعل أو مشبه به، ووقعت الجملة موقع الرافع الفاعل فهذا أجوز. واختلفوا في ضرب من هذا. وهو قولهم: أقائم الزيدان، وإنّ قائما الزيدان. فأجازوا: أقائم الزيدان، على أن يرتفع (قائم) بالابتداء ويسدّ (الزيدان) مسدّ الخبر، فإذا ألحقت هذا الكلام (إنّ) ذهب أبو عثمان فيه إلى أنّه لا يجوز، وقال: لأنّ الكلام يبقى بلا رافع، ألا ترى أن (الزيدان) يرتفعان بقائم، فلا يبقى شيء رافع يكون هذا النصب عنه. وأجاز أبو الحسن: إنّ قائما الزيدان، ومن حجّته أن يقول: إنّ «إنّ» إذا جاز أن يقع في موضع المرتفع بها الجملة مع أن الجملة لا تكون في موضع الفاعل، وقد وقعت في موضع الفاعل في باب إنّ، فأن يقع الاسم المرتفع بقائم هنا أشبه، لأنّه قد ثبت أنّه قد سدّ مسدّ الخبر في الابتداء، فإذا سدّ مسدّ الخبر في الابتداء فأن يسدّ مسدّه هاهنا «1» أشبه، لأنّه مفرد، وقد سدّت الجملة مسدّه. فسدها هنا «2» مسدّ فاعل إنّ كما سدّ مسد الخبر مع المبتدأ. فأمّا ما يرجع من هذا الخبر الذي هو: (حلو حامض) ونحوه إلى المبتدأ فالقول فيه أنّه لا يخلو من أن يكون

_ (1) في (ط): هنا. (2) كذا في (ط)، وفي (م) فسدهما.

الضمير «1» في أحد الاسمين، أو في كلّ واحد منهما ضمير، أو يكون فيهما ضمير واحد، أو لا يكون في واحد منهما ضمير. فلا يجب أن يكون في أحد الاسمين دون الآخر، لأن كلّ واحد منهما إذا خصصته بتحمّله الضمير لم يكن بأولى بذلك من صاحبه. ولا يستقيم أن يكون في كل واحد منهما ضمير: لأنّك إن حمّلت كلّ واحد منهما ضميرا لم يكن ذلك الغرض في الإخبار، ألا ترى أن الضمير إذا حمّلته كلّ واحد منهما فالضمير فاعل، فتصير كأنّك قد أخبرت عن المبتدأ بفعل كل واحد من اسمي الفاعل، كأنّك قلت: حلا وحمض، وليس الغرض كذلك ولا المراد، إنّما المراد: أن الأول قد جمع الطعمين، ألا ترى أن أبا عمر «2» قال في تفسير ذلك: ترش شيرين «3». فإذا كان ذلك مؤديا إلى خلاف المعنى المراد لم يستقم. ولا يجوز أن يكون ضمير واحد فيهما جميعا، لأنّه يجب أن يعمل «4» الصفتان جميعا فيه، وهذا ممتنع، كما يمتنع أن يعمل فعلان في فاعل وإذا كانت هذه الوجوه غير مستقيمة ثبت أنه لا ضمير في ذلك.

_ (1) في (ط): أن يكون في أحد الاسمين. (2) والظاهر أن المراد به أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي البصري مولى جرم بن زبان من قبائل اليمن، كان فقيها عالما بالنحو واللغة، وأخذ عن الأخفش ويونس والأصمعي وأبي عبيدة، كما أخذ عنه المبرد، وناظر الفراء، وانتهى إليه علم النحو في زمانه، وتوفي سنة 225 هـ، انظر البغية للسيوطي 2/ 8. (3) هو تركيب فارسي معناه: حلو حامض، انظر معجم استنجاس. (4) في (ط): تعمل.

فإن قلت: فعلام يحمل؟ قلنا: نحمله على المعنى، ونردّ الضمير في ذلك «1» إلى المبتدأ في المعنى، كما فعل ذلك في الصفة في قولك: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، ألا ترى أنه لا عائد في لفظ «2» هذه الصفة إلى الموصوف، وإنما يرجع إليه الذكر في المعنى، كأنك قلت: لا قاعد أبواه. ونظير ما قلنا أيضا في المبتدأ قوله: «3» سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة/ 6] ألا ترى أن الذكر يرجع إلى هذا المبتدأ أيضا على المعنى فكما أن الكلام وتقديره محمول على المعنى كذلك في قولنا: هذا حلو حامض، الذكر عائد من المعنى «4» كما أنّه مما ذكرنا في الصفة وفي قولهم: مررت برجل قائم وقاعد يعود الذكر على المعنى. فإن قلت: فما تقديره في الإعراب؟ فالقول إنّه: كما أن الاسمين وقعا موقع مفرد فيما ذكرنا من عود الذكر إلى المبتدأ، كأنّه قال في «حلو حامض»: مزّ، وفي «زيد ظريف كاتب»: جامع، فكذلك الاسمان وقعا موقع المفرد، كما تقع الجملة «5» موقع المفرد في هذا الموضع. ونظير هذا، في أن الصفتين جرتا مجرى الجملة في بعض الوجوه، تسميتهم بعاقلة لبيبة امرأة أو رجلا، ألا ترى أنهم لم يمتنعوا من الصرف وحكوا حال النكرة كما فعلوا ذلك في الجمل، فهذان الاسمان إذا وقعا موقع خبر الابتداء وإن لم

_ (1) في (ط): ونرد الضمير إلى المبتدأ. (2) في (ط): في لفظه. (3) في (ط): زيادة: عز وجل. (4) في (ط): في المعنى. (5) في (ط): الجمل

يجز أن يقع بعد الفعل اسمان يسند «1» الفعل إليهما فإن المبتدأ قد وقع موضع خبره الجمل، نحو قولهم «2»: زيد أبوه منطلق، وعمرو قام أبوه، وكما «3» جاز هذا وإن امتنع في الفاعل، وجاز: إن زيدا أبوه منطلق كذلك يجوز وقوع هاتين الصفتين موقع خبر الابتداء «4» على حدّ ما وقعت «5» الجمل، وإن لم يكونا جملة. وأمّا هاء الضمير في قوله: فيه هدى، فالهاء وحدها هي الاسم. قال سيبويه: الهاء التي هي هاء الإضمار الياء التي بعدها أيضا مع هذا أضعف، لأنّها ليست بحرف من نفس الكلمة ولا بمنزلته «6». فقد نصّ أنّ الزيادة التي تلحق الهاء ليست من نفس الكلمة، كما ترى. ويدلّ على ذلك أنّه قد جاء في الشعر نحو: ... له أرقان «7» فهذا يدلّ على أنّ حرف المدّ إنّما لحقه في الوصل للخفاء، كما لحقت الواو الهمزة في نحو: كندأو «8» للخفاء

_ (1) في (ط): مسند. (2) في (ط): نحو زيد أبوه منطلق، بحذف قولهم. (3) في (ط): فكما. (4) في (ط): المبتدأ. (5) في (ط): وقع. (6) انظر الكتاب: 2/ 292. (7) إشارة إلى قول يعلى الأحول الأزدي المتقدم في ص 134. (8) الكندأو على وزن جردحل: الجمل الغليظ، ومثال سيبويه قندأو بالقاف، والكاف وهو السّيّئ الغذاء والسّيّئ الخلق، والغليظ القصير، والكبير الرأس الصغير الجسم المهزول والجريء المقدم إلخ. انظر سيبويه 2/ 326، 327.

الذي في الهمزة. ومن ثمّ أبدل منها قوم الواو في الوقف في الرفع فقالوا: الكلو «1». ويدلّ أيضا على أنّها على حرف واحد في الأصل «2» أنّها نظيرة الياء للمتكلم والكاف للمخاطب، فكما أنّ كل واحد من ذلك على حرف مفرد فكذلك الهاء ينبغي أن تكون الاسم وحدها بغير ياء أو واو لاحقة له «3». فإن قلت: فلم لا تستدلّ بلحاق الألف للمؤنث أن الواو أو الياء بحذاء الألف؟ قيل: تكون الألف لاحقة لتبيين من المذكّر، كما لحقت في أعطيتكاها لذلك، وكما أن السين في قول من قال: أكرمكس لذلك، فكما أنّ الكاف حرف مفرد وإنّما لحقه حرف المدّ وغيره للتبيين فكذلك يكون لحاق «4» الألف الهاء للمؤنث، إلّا أنّ الهاء لزمها الألف في جميع «5» اللغات- إلّا فيما لا اعتداد به- لخفائها وخفة الألف والتبيين للفصل. فإن قلت: فما حكم الهاء أن تكون، أمتحركة أم ساكنة؟ فالقول: إنّها ينبغي أن تكون متحركة، على قياس الكاف والياء في لك ولي فاعلم، ويكون ما جاء في الشعر «6» من نحو:

_ (1) أي الكلأ. (2) في (ط): على حرف واحد في قوله في الأصل. (3) في (ط): لها. (4) في (ط): فكذلك لحاق. (5) في (ط): في سائر. (6) في (ط): من الشعر.

كأنّه صوت حاد «1» * وما له من مجد تليد ... «2» جاء على الأصل، وحذف حرف المدّ الزائد معه. والذين قالوا: له أرقان فهي «3» لغة قوم فيما زعم أبو الحسن وغيره، شبّهوه بالألف في التثنية وبالياء في غلامي، فأسكنوه لذلك. وهو أيضا على قياس إسكانهم الميم من عليكم وعليهم بعد حذف الواو منه. وممّا يقوّي أنّها متحركة في الأصل لحاق حرف اللين له في نحو ضربهو، ومرّ بهي، ولو كان ساكنا لم يوصل بذلك،

_ (1) إشارة إلى بيت للشماخ بن ضرار يصف حمارا وحشيا، وهو: له زجل كأنه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير والوسيقة أنثى حمار الوحش، والزمير: الغناء في القصبة، وهي الزمارة، بفتح الزاي وتشديد الميم، والبيت في الكتاب: 1/ 11، والخصائص 1/ 127. وديوانه/ 155 وفيه: له زجل تقول: أصوت حاد، وليس فيه شاهد. (2) إشارة إلى بيت الأعشى في الهجاء وهو من شواهد سيبويه 1/ 12 وتمامه عنده: وما له من مجد تليد وما له ... من الريح حظ لا الجنوب ولا الصبا يقول هو لئيم الأصل لم يرث مجدا ولا كسب خيرا، وضرب لذلك المثل بنفي حظه من الريحين: الجنوب، والصبا لأنهما أكثر الرياح عندهم خيرا، وروايته في الديوان/ 115: وما عنده مجد تليد ولا له ... من الريح فضل لا الجنوب ولا الصبا (3) في (ط): وهي.

كما لم يوصل حرف الروي إذا كان ساكنا، ولكان إذا وصل بحرف لين وجب أن يكسر كما كسر: فاغن وازددي «1». وهذا مثل «2» المدّ في نحو آمين ولزم في لغة الأكثر في الوصل لخفاء الهاء. وقول الشاعر: أجرّه الرّمح ولا تهاله «3» إن شئت جعلت الألف «4» الردف فيه كالألف في: منتزاح «5». وإن شئت قلت: ردّ الألف المنقلبة من العين وجعل حركة التقاء الساكنين بمنزلة الحركة اللازمة. فأمّا حذفهم له في الوقف فليس بدليل قاطع على زيادة هذه الحروف، لأنّهم قد حذفوا في الوقف الواو في: ضربكم، وهذا لهم، والياء في عليهم، مع أنّها من نفس الكلمة، وليست

_ (1) إشارة إلى بيت طرفة في المعلقة، ديوانه ص 29 متى تأتني أصبحك كأسا روية ... وإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد واستشهد به سيبويه في الكتاب: 2/ 303 وفيه: تأتنا نصبحك، وغانيا، مكان ذا غنى. (2) وفي (ط): وهذا من. (3) سبق هذا البيت في ص/ 66. (4) في (ط): إن شئت جعلت ألف الردف. (5) إشارة إلى البيت: وأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح انظر ص/ 81 فيما سبق.

الحجة لمن كسر الهاء من (فيه هدى) ولم يلحقها الياء فيقول: فيهي هدى [البقرة/ 2]

بزيادة بدلالة أن المؤنّث الذي بحذائه ليس «1» النون الثانية فيه بزيادة ولكن إنّما حذفتا في الوقف، لأنّهما حرفا علّة قد حذفا في الوصل في: عليه ومنه ونحو ذلك «2». والوقف موضع قد يحذف منه «3» ما يثبت في الوصل، نحو: الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ [الرعد/ 9] وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [الفجر/ 3] فلمّا حذف فيه ما يثبت في الوصل وهو من أصل الكلمة وجب أن يلزم الحذف فيه ما قد استمرّ فيه الحذف في الوصل، لاختصاص الوقف بالتغيير، فجعل تغييره الحذف، كما ألزم الأكثر تاء التأنيث في النداء الحذف إذ كان موضعا قد يحذف فيه ما لا يتغيّر، نحو آخر، وحارث، ومالك، وعامر. فلمّا حذف فيه هذا الذي لا يتغيّر ألزم الحذف فيه ما يتغيّر وهو التاء في طلحة، وسلمة ونحو ذلك. الحجّة لمن كسر الهاء من «4» (فِيهِ هُدىً) ولم يلحقها الياء فيقول: فيهي هدى [البقرة/ 2] . أمّا كسر الهاء مع أنّ أصلها الضم فمن أجل الياء أو الكسرة اللّتين تقعان قبلها، والهاء تشبه الألف لموافقتها لها في المخرج من الحلق، ولما فيها من الخفاء، فكما نحوا بالألف نحو الياء بالإمالة من أجل الكسرة أو الياء كذلك كسروا الهاء للكسرة والياء، وذلك حسن ليتجانس الصوتان ويتشاكلا، ألا تراهم كيف اتفقوا في اصطبر وازدجر وازدان على الإبدال من تاء

_ (1) في (ط): ليست. (2) في (ط): ونحوه. (3) في (ط): فيه. (4) في (ط): في.

الافتعال حرفا مجانسا لما قبله من الحروف في الإطباق والجهر، فبحسب اتفاقهم في هذا الموضع على ما ذكرت لك طلبا لتشاكل الحروف يحسن الكسر في الهاء في: (فيه هدى). والهاء وإن كانت متحركة والألف ساكنة فقد رأيتهم أجروها متحركة مجرى الألف والياء والواو إذا كنّ سواكن في القوافي في نحو: خليلها، ومرامها. وقد تقدم ذكر كثير من ذلك في فاتحة الكتاب. وأمّا ترك إتباع الهاء الياء في: (فيه هدى). وما أشبهه في الوصل فلكراهة اجتماع حروف فيه «1» متقاربة، وقد كرهوا من اجتماع المتقاربة ما كرهوا من اجتماع الأمثال، ألا ترى أنّهم يدغمون المتقاربة كما يدغمون الأمثال فالقبيلان من الأمثال والمتقاربة إذا اجتمعت خفّفت تارة بالإدغام، وتارة بالقلب، وتارة بالحذف. فما خفّف بالإدغام فنحو ردّ وودّ في وتد. وما خفّف بالقلب فنحو: تقضيت وتقصيت «2» [ونحو: ظلت ومست] «3» ونحو: لا أملاه حتى يفارقا «4»

_ (1) كذا في (ط)، وفي (م): منه. (2) في (ط) تقصيت وتقضيت. (3) بفتح أول الفعلين تخفيف: ظللت ومسست. (4) إشارة إلى شطر بيت ذكره البغدادي في شرح شواهد الشافية وهو: فآليت لا أشريه حتى يملني ... بشيء ولا أملاه حتى يفارقا على أن أصله لا أمله بتشديد اللام، من مللت الشيء بالكسر ومللت منه مللا وملالة وملة بفتح الميم إذا سئمته، انظر شواهد الشافية 4/ 441، وأمالي ابن الشجري 1/ 389 والمخصص/ 209.

ونحو: طست وستّ «1» وما خفف بالحذف فنحو قوله: «2» اسطاع، واستخذ فلان مالا- فيمن قدره استفعل من تخذت- واستحيت، وعل ماء بنو فلان، وتقيت تتقي، وما أشبه ذلك. وجهة التشابه في هذه الحروف أن الهاء من الحلق، والألف منه أيضا، والياء قريبة من الألف وموافقة لها في اللين، فمن ثمّ أبدلت من الياء في هذي فقالوا: هذه، فلمّا اجتمعت هذه الحروف المتقاربة خففوا بالحذف كما خفّف غيرها فيما «3» أريتك بالحذف. وممّا يحسّن الحذف هاهنا- مع ما ذكرنا من اجتماع المتشابهة- أن الهاء حرف خفيّ، فإذا اكتنفها ساكنان من حروف اللين كان كأن الساكنين قد التقيا، لخفاء الهاء وأنّهم لم يعتدّوا بها للخفاء في مواضع، ألا ترى أنّ من قال: ردّ فأتبع الضمّة الضمّة إذا وصل الفعل بضمير المؤنّث قال: ردّها، فلم يتبع الضمّ الضمّ كما كان يتبع قبل، وجعله بمنزلة ردّا، فكما لم يعتدّ بها هاهنا وجعلت الدال في حكم الملازقة «4» للألف كذلك إذا لم يعتدّ بها في نحو: فيهي، وعصاهو، وخذوهو، صار كأن الساكنين قد التقيا. ولهذا حذف حرف اللين بعد الهاء من حذف من العرب، وإن كان الساكن الذي قبلها ليس من حروف اللين نحو: منه.

_ (1) كذا في (ط). وفي (م): ومست. قال في اللسان (ستت): ستّ: والأصل سدسة، فأدغموا الدال في السين فصارت تاء مشددة. (2) سقطت «قوله» من (ط). (3) في (ط): مما. (4) لزق كلصق ولسق انظر اللسان (لزق).

ويذهب سيبويه إلى أنّ الإتمام في نحو: منهو، أجود من الحذف، وأن الحذف إذا كان قبل الهاء حرف اللين أحسن. ولمن لم يتبع الهاء الياء ولا الواو في نحو: منه وعنه- وهو قراءة نافع إلّا فيما روي عنه من قوله: وأشركهو في أمري [طه/ 32]- أن يحتجّ في حذف حرف اللين بعد الهاء، وإن لم يكن قبلها حرف اللين، «1» بترك اعتدادهم بها في ردّها، وبقولهم: يريد أن تضربها «2» فيقول: كما لم يعتدّوا بها في هذه المواضع كذلك لا أعتدّ بها في: منه، فإذا أتبعت الهاء حرف اللين في: منه، فكأني قد جمعت بين ساكنين، لأنّ الهاء غير معتدّ بها عندهم حيث أريتك. ومثل الهاء، في أنّه لمّا كان حرفا خفيا لم يعتدّوا به حاجزا، النون وذلك في قولهم: هو ابن عمي دنيا «3» وفي قنية «4» لمّا كانت النون خفيّة صارت الواو كأنّها وليت الكسرة فقلبتها، كما قلبتها في غازية ومحنية، «5» ولو كان مكان النون حرف غيره لم يكن فيما بعده القلب، نحو: جرو وعدوه، فهذا مثل الهاء في أنّه للخفاء لم يعتدّ به حاجزا، كما لم يعتدّ بالهاء.

_ (1) في (ط): حرف لين. (2) أي بالإمالة مع الفصل بين الكسرة والهاء الممدودة بالياء. (3) يقال هو ابن عمي أو خالي أو نحوه دنيا بالضم، ودنية ودنيا بالكسر وتنوين الألف ومنعها، أي ابن عمي لحّا، وأصل الكلمة الواو من الدنو. (4) القنية بالكسر ما اكتسبه المرء، جرى أبو علي على أنها واوية من قنوت الشيء: كسبته، وذهب غيره إلى أنّها من قني يقنى كرضي يرضى ورمى يرمي، فهي يائية وجرى على ذلك في القاموس. (5) محنية الوادي بكسر النون: منعرجه.

الحجة لابن كثير في اتباعه هذه الهاء في الوصل الواو أو الياء وتسويته بين حروف اللين وبين غيرها من الحروف إذا وقعت قبل الهاء

الحجة لابن كثير في اتباعه هذه الهاء في الوصل الواو أو الياء وتسويته بين حروف اللين وبين غيرها من الحروف إذا وقعت قبل الهاء من حجّته أن الهاء وإن كانت خفيّة فليس يخرجها ذلك من أن تكون كغيرها من حروف المعجم التي لا خفاء فيها- نحو الراء والضاد- وأنّ الهاء والنون عند الجميع في وزن الشعر بمنزلة الراء والضاد- وإن كان في الراء تكرير وفي الضاد استطالة- وإذا «1» كان كذلك كان حجزها بين الساكنين كحجز غيرها من الحروف التي لا خفاء فيها. وأمّا اجتماع الحروف المتشابهة فلم يكرهها في هذا الموضع، كما لم يكره اجتماعها في غيره، ألا ترى أن كثيرا «2» قد قالوا: استطاع. فأتمّوا ولم يحذفوا منه شيئا، وفي التنزيل: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران/ 97]، وقالوا جميعا: استدار واستثار فلم يحذفوا، وقالوا: سدس وعتد «3» وعتدان، ووطد يطد. والهاء وإن كانت جرت متحرّكة في القوافي مجرى غيرها ساكنا «4» في نحو: خليلها، فقد جرت في القوافي أيضا مجرى غيرها من الحروف متحرّكة وساكنة. فالمتحركة نحو قوله: ................ .. ... سود قوادمها صهب خوافيها «5»

_ (1) في (ط): فإذا. (2) في (ط): أن كثيرا منهم. (3) عتد على وزن رسل جمع رسول، وعتدان جمع عتود على وزن: قعود وهو الحولي من أولاد المعز. (4) في (ط): ساكنة. (5) عجز بيت من قصيدة، ذكر القالي في الذيل أن أبا عبيدة صحح روايتها

فهي حرف الرويّ، كالكاف في: جواريكا. والساكنة نحو قوله: وبكّي النساء على حمزة «1» ................ .. ... وتقول سعدى وا رزيّتيه «2» فهي هاهنا كالياء والواو والألف. وأما الإدغام في (فيه هدى) فلم يذكره أبو بكر أحمد بن موسى عن أحد منهم في هذا الموضع من كتابه فنقول فيه. وما ذكره محمد بن السريّ في رواية من روى عن أبي عمرو وغيره أنّه كان يشمّ ويدغم- من «3» أنّ ذلك محال لا يمكن- فإنّ الإشمام لا يمتنع مع الإدغام، وذلك أنّ الإشمام عند النحويين ليس بصوت فيفصل بين المدغم والمدغم فيه، وإنّما هو تهيئة العضو لإخراج الصوت الذي هو الضم ليدلّ عليه، وليس بخارج إلى اللفظ، كما أن تبقية الإطباق مع الإدغام كما ذكرنا

_ لعليل بن الحجاج الهجيمي، أولها: أمّا القطاة فإنّي سوف أنعتها ... نعتا يوافق نعتي بعض ما فيها سكّاء مخطومة في ريشها طرق ... سود قوادمها صفر خوافيها سكاء: لا أذن لها، ومخطومة: بيضاء الأنف، في ريشها طرق بفتحتين، أي: بعضها على بعض في لين. وانظر القصيدة في نوادر القالي 1/ 209. (1) تقدم هذا الشاهد ص/ 73. (2) عجز بيت لعبيد الله بن قيس الرقيات من قصيدة يرثي بها قوما من قريش قتلوا بالمدينة يوم الحرة، وتمامه: تبكيهم أسماء معولة ... وتقول سلمى وا رزيّتيه وانظر الكتاب: 1/ 321، وفيه: دهماء مكان أسماء. (3) في (ط): في أن.

في الضمّ، وإذا كان كذلك لم يمتنع مع الإدغام كما لم يمتنع تبقية الإطباق معه، ألا ترى أنّه لا يمتنع أن يدغم ويهيّئ العضو «1» لإخراج الضمة إلى اللفظ فلا يخرجها كما لم يمتنع ذلك في الوقف إذا قلت: هذا معن «2» وعلى هذا قرءوا: ما لَكَ لا تَأْمَنَّا «3» [يوسف/ 11] فأشمّوا النون المدغمة، لأنّها كانت مرفوعة ليدلّوا بالإشمام على الرّفعة التي كانت في الحرف، كما دلّوا بإبقاء الإطباق على أنّ الحرف المدغم كان مطبقا. ولو كان مكان الإشمام روم الحركة لامتنع الرّوم «4» مع الإدغام، لأنّه صوت يحجز، ألا ترى أنّهم يزعمون أنّه يفصل بروم الحركة بين خطاب المذكر والمؤنث، نحو: ضربتك وضربتك فهذا لا يمكن الإدغام معه، لأنّ هذا الصوت يفصل وإن كان مخفى غير مشبع، كما تفصل الحركة المشبعة الممطّطة. ولعلّ أبا بكر ظنّ أنّ القرّاء ليس يعنون بالإشمام ما يعني به النحويون في أنّه تهيئة العضو للصوت وهمّ به، وليس بخروج إلى اللفظ. والذي أحسب أنّه من أجله ظنّ ذلك حكايته عن أبي حاتم أنّه أراد أبو عمرو ونافع الإخفاء، فلذلك أشمّا الضمّ والكسر، والإشمام إنّما يكون عند النحويين في الضمّ، فأمّا الكسر فلا إشمام فيه. وذلك أنّ الإشمام إنّما هو

_ (1) في: (ط) أن يدغم ويهيأ بالبناء للمجهول. (2) كتب في (م) فوق (معن) ضمة إشارة إلى الإشمام. (3) كتب في (م) فوق (تأمنا) فتحة وضمة على الميم إشارة إلى إشمام الضم. (4) انظر سيبويه 2/ 281، 282 والنشر 1/ 296 للوقوف على معنى الروم.

البقرة: 3

تحريك الشفتين يراه البصير دون الأعمى، فيستدلّ بذلك على إرادة الفاعل لذلك الضمّ، «1» وليس هذا في الكسر، لأنّه لا فائدة فيه لبصير ولا لأعمى من حيث لا يظهر للرائي، فلمّا رأى أبا حاتم حكى ذلك في الجرّ كما حكاه في الضمّ، قدّر أنّهم يعنون به الحركة دون ما يعني به «2» النحويّون ممّا ذكرنا. [البقرة: 3] اختلفوا في الهمز «3» من قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة/ 3]. فكان «4» ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي يهمزون (يؤمنون) وما أشبه ذلك؛ مثل: (يأكلون) و (يأمرون) و (يؤتون) «5». ساكنة الهمزة كانت «6» أو متحركة، مثل (يؤخّره) «7» و (يؤدّه). إلا أنّ حمزة كان يستحب ترك الهمز في كل القرآن إذا أراد أن يقف، والباقون يقفون بالهمز. وروى ورش عن نافع ترك الهمز الساكن في مثل: (يؤمنون) وما أشبهه وكذلك المتحرك مثل يُؤَدِّهِ [آل عمران/ 75] وَيُؤَخِّرْكُمْ [نوح/ 4] ولا يُؤاخِذُكُمُ [البقرة/ 225] وما كان مثله. وأمّا أبو عمرو فكان إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة لم يهمز كلّ همزة ساكنة مثل: (يؤمنون) و (يؤمن) و (يأخذون) وما أشبه ذلك.

_ (1) في (ط): إرادة الفاعل الضم. (2) به ساقطة من (ط). (3) في (ط): الهمزة. (4) في (ط): كان. (5) في البقرة/ 174 وآل عمران/ 21 والمائدة/ 55. (6) في (ط): ساكنة كانت الهمزة. (7) في (ط): يؤخركم.

وقال أبو شعيب السوسي «1» عن اليزيدي عن أبي عمرو: إنّه كان إذا قرأ في الصلاة لم يهمز كل همزة ساكنة إلّا أنه كان يهمز حروفا من السواكن بأعيانها، أذكرها إذا مررت بها، إن شاء الله. فإذا كان سكون الهمزة علامة للجزم لم يترك همزها، مثل: ننسأها [البقرة/ 106] وتَسُؤْكُمْ [المائدة/ 101] وهيئ لنا [الكهف/ 10] ويهيئ لكم [الكهف/ 16] واقْرَأْ كِتابَكَ [الإسراء/ 14] وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ [الأنعام/ 39] وأَنْبِئْهُمْ [البقرة/ 33] وما أشبه ذلك. وروى الشمونيّ محمد بن حبيب «2» عن الأعشى «3» عن أبي بكر «4» عن عاصم أنّه لم يكن يهمز الهمزة الساكنة، مثل (يؤمنون) وما أشبهه. أخبرنا أحمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن عيسى بن

_ (1) هو صالح بن زياد السوسي، مقرئ ضابط ثقة، وكان من أجل أصحاب أبي محمد اليزيدي، وأخذ عنه القراءة عرضا وسماعا، توفي 261، انظر طبقات القراء: 1/ 332. (2) محمد بن حبيب أبو جعفر الشموني مقرئ كوفي ضابط، أخذ القراءة عرضا عن أبي يوسف الأعشى، وكان أجل أصحابه، قال عبد الله بن محمد الزعفراني: قرأت عليه سنة أربعين ومائتين. انظر طبقات القراء: 2/ 114. (3) هو يعقوب بن محمد التميمي الكوفي أخذ القراءة عرضا عن أبي بكر شعبة، وتوفي في حدود المائتين، انظر طبقات القراء: 2/ 390. (4) هو أبو بكر شعبة بن عياش تقدمت ترجمته ص 177.

حيّان المقرئ «1» قال: حدثنا أبو هشام «2» قال: سمعت أبا يوسف الأعشى يقرأ على أبي بكر فهمز (يؤمنون). قال ابن مجاهد «3»: وحدثني محمد بن عيسى بن حيّان المقرئ قال: حدثنا أبو هشام عن سليم «4» عن حمزة أنّه كان إذا قرأ في الصلاة لم يكن يهمز. أخبرنا أحمد بن موسى قال: حدّثنا جعفر بن محمد الفريابيّ «5» قال: حدّثنا منجاب بن الحارث «6» قال: حدثنا شريك بن عبد الله «7» قال: كان عاصم صاحب همز ومدّ وقراءة شديدة «8».

_ (1) هو أبو جعفر البغدادي محمد بن عيسى بن حيان، مقرئ متصدر مشهور، أخذ القراءة عن أبي هشام الرفاعي، وروى عنه ابن مجاهد، وانظر طبقات القراء: 2/ 224. (2) هو أبو هشام محمد بن يزيد بن رفاعة الكوفي القاضي، إمام مشهور، روى عن الكسائي كل الحروف، وله كتاب الجامع في القراءات، كما روى عنه مسلم في صحيحه، والترمذي وابن ماجة، وتوفي سنة 248. انظر طبقات القراء: 2/ 280. (3) سقطت عبارة «ابن مجاهد» من (ط). (4) هو سليم بن عيسى بن سليم، مقرئ ضابط محرر حاذق، كان أخص أصحاب حمزة الزيات وأضبطهم لقراءته، وتوفي سنة 188 هـ، انظر طبقات القراء: 1/ 318. (5) من شيوخ ابن مجاهد، ولم يذكره ابن الجزري في الطبقات. (6) هو أبو محمد الكوفي، من رجال الحديث وثقه ابن حيان. وكانت وفاته سنة 231. وانظر الخلاصة: 341. (7) هو أبو عبد الله الكوفي، قاضي الكوفة والأهواز من الثقات في الحديث. ومات سنة 140 هـ. (8) السبعة 130 - 133 مع اختصار للنقل في القسم الأخير منه.

قال أبو زيد: الأمون: الناقة القويّة الظهيرة «1». والأمانة: خلاف الخيانة، والأمن خلاف الخوف. قال أحمد بن يحيى: أمن فهو أمين، فهذا بمنزلة ظرف فهو ظريف. وقالوا: أمنته فهو أمين، فهذا فعيل بمعنى مفعول، فتقول من هذا: امرأة أمين، ومن الأول: أمينة مثل ظريفة، وقال الشاعر: وكنت أمينه لو لم تخنه ... ولكن لا أمانة لليماني «2» فهذا كأنّه المأمون، أي: أمنك فخنت. «3» وقول حسان: وأمين حدثته سرّ نفسي ... فوعاه حفظ الأمين الأمينا «4» قال بعضهم: كأنّه قال: حفظ المؤتمن المؤتمن: وقالوا أمّان في معنى الأمين، قال الأعشى: ولقد شهدت التاجر ال ... أمّان مورودا شرابه «5» فأمين وأمّان ككريم وكرّام ومثله حسّان وحسّانة ورجل قرّاء. «6». وأنشد غيره: وعنس أمون قد تعلّلت جهدها ... على صفة أو لم يصف لي واصف «7»

_ (1) في (ط): القوية الظهر، والمعنى واحد. (2) للنابغة في الديوان/ 150 من قصيدة يهجو بها يزيد بن عمرو بن خويلد. (3) في (ط): فخنته. (4) انظر الديوان: 1/ 237. (5) التاجر الأمان على وزن رمان هو الأمين، وذكر في اللسان هذا البيت في مادة «أمن». وانظر الديوان/ 289. (6) جاء في (ط) بعد كلمة قراء قوله: «قال أبو زيد: الأمون: الناقة القوية الظهر» وهي مكررة آنفا. (7) العنس: الناقة الصلبة. وروي الشطر الثاني في مجالس ثعلب: 380

فأمون يمكن أن يكون من الذي هو خلاف الخوف، كأنّه يؤمن عثارها في سيرها، أو يؤمن كلالها وونيّها فيه. ويكون أمون في معنى مأمون، أي غير مخوف، كقولهم: طريق ركوب، أي يركب، وحلوب وقتوب أي: تحلب وتركب وتقتب. ويكون أمون مثل أمين: لأنّك قد تقول: خانت في سيرها: إذا قصّرت عمّا أراد منها راكبها في المسير. وقال- جل من قائل-: «1» لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الأنفال/ 27]، فيجوز أن يكون لا تخونوا ذوي أماناتكم وهو أشبه بما قبله، وذوو الأمانة نحو المودع والمعير والموكّل والشريك ومن يدك في ماله يد أمانة لا يد ضمان. ومن هذا الباب الكافر الموادع، قال تعالى: «2» وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ [الأنفال/ 58]. ويجوز أن تكون الأمانات لا يراد معها حذف المضاف، لأنّ خنت من باب أعطيت يتعدّى إلى مفعولين، ويجوز أن يقتصر على أحدهما. فإذا قدّرت حذف المضاف كان بمنزلة أعطيت زيدا، وإذا لم تقدّره كان بمنزلة أعطيت درهما. وعلى هذا قول كثير «3»: فأخلفن ميعادي وخنّ أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دين

_ والبيت لأوس بن حجر في ديوانه/ 64. (1) في (ط): وقال الله تعالى. (2) سقطت هذه الكلمة من (ط). (3) البيت في الأغاني 5/ 89 لكثير.

ويدلّك على تعدّي خنت إلى مفعولين قول أوس: خانتك ميّة ما علمت كما ... خان الإخاء خليله لبد «1» وأنشد أبو زيد: فقال مجيبا والّذي حجّ حاتم ... أخونك عهدا إنني غير خوّان «2» والعهد كأنّه الأمانة، فأخونك «3» عهدا كقولك: أخونك أمانة. وقال أبو ذؤيب: فسوف تقول إن هي لم تجدني ... أخان العهد أم أثم الحليف «4» ومما يدلّك «5» على تقارب الكلمتين استعمالهم إياهما في القسم، نحو: عهد الله وأمانة الله. وتقول: أمنت الرجل: إذا لم تخفه، آمنه قال: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ [يوسف/ 64]. وأمنته وائتمنته إذا لم تخش خيانته. قال- عز وجل «6» -: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ [البقرة/ 283]. فهذا كقوله تعالى: «7» إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النساء/ 58]. قال أبو عبيدة: «8» وقالوا في مصدره: الأمن والأمنة

_ (1) انظر الأساس (خون) والديوان/ 22. (2) من ثلاثة أبيات للعريان بن سهلة. انظر النوادر/ 65. (3) في (ط): وأخونك. (4) من قصيدة له في ديوان الهذليين: 1/ 98 وشرحه 1/ 184. (5) في (ط): ومما يدل. (6) في (ط): قال، فقط. (7) سقطت هذه الكلمة من (ط). (8) انظر مجاز القرآن له 1/ 242.

والأمان. وفي التنزيل: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [الأنفال/ 11] «1». وقال أيضا: أَمَنَةً نُعاساً [آل عمران/ 154]. وقولهم: آمن زيد يحتمل غير وجه: يجوز أن يكون أمنته فآمن، فجاء المطاوع على أفعل، كقولك: «2» كببته فأكبّ، وفي التنزيل: فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [النمل/ 90]، وفيه: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ [الملك/ 22]. وقال: كما أكبّ على ساعديه النّمر «3» ومما يدلّك على ذلك تعدّيه «4» بالحرف. وقال أبو عثمان: أجفل الغيم إذا انقلع، وجفلته الريح، ولا يقال: أجفلته. ويجوز في آمن أن يكون المعنى: صار ذا أمن، مثل: أجرب وأقطف وأعاه، أي: صار ذا عاهة في ماله، فكذلك «5» آمن صار ذا أمن في ماله ونفسه بإظهار الشهادتين، كقولهم: أسلم، أي صار ذا سلم بذلك، وخرج عن أن يكون حربا مستحل المال والنفس. فهذا كأنّه الأصل في اللغة ثم صار المؤمن والمسلم من أسماء المدح في الشرع. وسوّت الشريعة بين التسمية بالمؤمن والمسلم لقوله: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

_ (1) في الآية 11 من سورة الأنفال. ويغشاكم قراءة ابن كثير وأبي عمرو. انظر الإتحاف: 142. (2) في (ط): كقوله. (3) عجز بيت لامرئ القيس تقدم في ص (124). (4) في (ط): تعديته. (5) كذا في (ط). وفي (م): «فلذلك».

[الذاريات/ 35، 36]. وقال أبو زيد: قالوا: ما آمنت أن أجد صحابة إيمانا، أي: ما وثقت أن أجد صحابة، والإيمان: الثقة. وقال أبو الصقر: «1» ما آمنت أن أجد صحابة إيمانا، معناه: ما كدت أجد صحابة. وقال أبو الحسن في قوله تعالى: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة/ 61]، أي: يصدّقهم، كما تقول: أما تؤمن لي بأن أقول كذا وكذا، أي أما تصدقني؟. وقال أحمد بن يحيى: قالوا: رجل أمنة: إذا كان يثق بكل ما سمعه. «2» قال أبو علي: فثقته بما يسمعه إنّما هو لأمنه الكذب في المستمع، وإذا «3» أمن كذبه فقد صدّقه. فيجوز «4» في آمن أن يكون مما حكيناه عن أبي زيد وغيره من معنى الثقة والتصديق. فأما قولهم: رجل أمنة، فوصف «5» بالمصدر. وحكي رجل أمنة. فهذا: وصف مثل هزأة ونكحة. وقال: وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [النساء/ 162]، فهذا من أجل قوله:

_ (1) الظاهر أنه أبو الصقر الكفرتوني مقرئ دمشق الذي أخذ القراءة عن علي بن عبد الله الأزدي وإبراهيم بن حميد الكلابزي، أخذ الأخير القراءة عن أبي حاتم السجستاني، واسم أبي الصقر المذكور رحمة بن محمد بن أحمد، وانظر ترجمته في طبقات القراء: 1/ 283. (2) في (ط): بكل من يسمعه. (3) في (ط): فإذا. (4) في (ط): وقد يجوز. (5) في (ط): فوصف وصف.

مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة/ 41]. فأمّا قوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات/ 14]، فنفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام، فلأنّ الإيمان على التصديق والثقة. وكأنّ المعنى: أنّهم، وإن صاروا ذوي سلم وخرجوا من أن يكونوا حربا بإظهار الشهادتين، فإنّهم لم يصدّقوا ولم يثقوا بما دخلوا فيه، فلم يطابق اعتقاداتهم ما أظهروه من الشهادتين، ولم يوافقه. فهذا في المعنى مثل قوله: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة/ 41]. وإيمان المنافقين من هذا الضرب لإظهارهم بألسنتهم ما أمنوا به على دمائهم وأموالهم، والباطن منهم خلاف الظاهر. ولذلك قرأ من قرأ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً «1» [المنافقون/ 2]، فهؤلاء وإن كانوا قد أظهروا الإسلام، وجرت عليهم أحكامه، فليسوا مسلمين مخلصين، ولا واثقين بما دخلوا فيه، كمن وصف في قوله: «2» الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد/ 28]. فأمّا جمع من جمع بين هذه الآية وبين الأخرى وهي قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال/ 2] وقوله: إنّهما متدافعتان- لأنّ الوجل خلاف

_ (1) قال في البحر 8/ 271: قرأ الجمهور: أيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين. والحسن بكسرها مصدر «آمن». (2) في (ط). قوله تعالى.

الطمأنينة- فجهل وذهاب عمّا عليه الآيتان وما أريد بهما، وذلك أنّ الاطمئنان إنّما يكون عن ثلج القلب وشرح الصدر بمعرفة التوحيد والعلم به وما يتبع ذلك من الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل. والوجل إنّما يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى وما يستحق به الوعيد فتوجل القلوب لذلك. فكلّ واحد من الحالين غير صاحبتها، فليس هنا «1» إذا تضادّ ولا تدافع. وهذان المعنيان المفترقان في هاتين الآيتين قد اجتمعا في آية واحدة، وهي قوله: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ [الزمر/ 23]، لأنّ هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا به، فانتفى عنهم الشكّ، والارتياب الذي يعرض لمن كان خلافهم ممن أظهر الإسلام تعوّذا، فحصل له حكمه دون العلم الموجب لثلج الصدر «2» وانتفاء الريب والشكّ. وقال: «3» الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف/ 69] كأنّه: صدّقوا ووثقوا، ثم قال: وَكانُوا مُسْلِمِينَ؛ لأنّ بعض من يعلم صدق ما أتى به النبي صلّى الله عليه وسلّم «4» لم يدخلوا في دينه وسلمه: كاليهود الذين علموا صدقه وجحدوه، وكفروا بما أتى به، قال: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة/ 89] وقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى [البقرة/ 159]

_ (1) كذا في (ط)، وفي الأصل هما، وهو تحريف. (2) في (ط): الصدور. (3) في (ط): وقال تعالى. (4) في (ط): النبي عليه السلام.

فهؤلاء وإن كانوا قد علموا واستيقنوا فقد دخلوا في جملة من ذمّ بقوله: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا [النمل/ 14]. وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة/ 208] وقال: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الحجرات/ 17]. فهذا يدلّ على أنّ الإيمان من الأمن، أي هداكم لما تحرزون به أنفسكم وأموالكم في العاجلة، ولا تخسرون معه أنفسكم وأهليكم في الآجلة. ويجوز أن يكون هداكم للصدق وإن كان قد قال: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ألا ترى أنّه ليس كل من هدي إلى الصدق يصدّق كالمعاند الجاحد لما عرف؟. وقال بعض المتأوّلين في قوله في صفة التابوت: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة/ 248] معنى مؤمنين: مصدّقين لي، «1» وذلك أنّه لا يخلو من أن يراد به: أهل الإيمان بالله، أو يراد به: إن كنتم مصدقين «2» لي. فلا يجوز الأول لكفرهم بالله في تكذيبهم نبيهم لقوله: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا [البقرة/ 247]، فأنكروا أن يملّكوا من ملّكه نبيّهم قال: فإذا لم يجز هذا الوجه ثبت الوجه الآخر الذي هو التصديق به. وأمّا قوله: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ

_ (1) في (ط): مؤمنين مصدقين، وحذف الكلمتين: (معنى) و (لي). (2) سقطت (لي) في (ط).

[يوسف:/ 106] فليس المؤمن هنا المطابق معتقده ما يظهره باللسان، ولكن المعنى: أن أكثرهم مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم مشركون. وقد يطلق على المظهر ذلك بلسانه اسم مؤمن، ولا يجوز أن يراد بذلك المدح، ولكن الاسم الجاري على الفعل. وعلى هذا قوله: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [الممتحنة/ 10] ألا ترى أن هذا على ما يظهرنه بألسنتهن من الشهادتين. ومثل قوله: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ قوله: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها [النحل/ 83] ومثله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام/ 82] في قول من ذهب إلى أنّ الشرك الظلم، واحتجّ بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/ 13]. والمعنى فيهما: أنّهم إذا سئلوا: من خلقهم، قالوا: الله. ثم يجعلون له شريكا. وقال السدّيّ «1» في قوله: وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء/ 46]: القليل قولهم: الله ربنا، والجنة حقّ، والنار حقّ. فهذا قليل من إيمانهم، والقليل ليس بشيء. فهذا مثل ما تقدّم من أنّه عبارة عن الفعل وليس بمدح كقوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً [الأحزاب/ 47]، فقليلا على قول السّدّيّ وصف مصدر محذوف تقديره: فلا يؤمنون إلّا إيمانا قليلا. وهذا أوجه من أن

_ (1) هو إسماعيل بن عبد الرحمن مولى قريش. والسدى نسبة إلى سدة مسجد الكوفة لبيعه المقانع فيها. مستقيم الحديث صدوق. توفي سنة 127. الخلاصة: 30، والقاموس (سد).

يحمل القليل على أنّهم ناس، لأن (قليلا) مفرد، وفي التنزيل: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [الشعراء/ 54] إلّا أنّه قد جاء فعيل مفردا يراد به الكثرة كفعول، نحو قوله: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء/ 69] وقال: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ [المعارج/ 10] فدلّ عود الذكر مجموعا إلى القبيلين على أنّه أريد بهما الكثرة، وقال رؤبة «1»: دعها فما النحويّ من صديقها فإن جعلت القليل ناسا، وجب ألا يكونوا دخلوا في اللعن، فيكون: إلّا قليلا، استثناء من قوله: لَعَنَهُمُ اللَّهُ ... إِلَّا قَلِيلًا [النساء/ 46]. ويجوز أن يكون الاستثناء من قوله: فَلا يُؤْمِنُونَ، ويكون قوله: لَعَنَهُمُ اللَّهُ واقعا على الكفار منهم دون المستثنين. وما قاله السدّي هو القول: لأنّه قد قال: «2» فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ، وما زائدة، فالمعنى: «3» يؤمنون قليلا، أي إيمانا قليلا. وأمّا قوله: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ [يوسف/ 17] فليس المعنى على: ما أنت بمصدّق لنا ولو كنا

_ (1) وهو في القسم المنسوب إليه في ديوانه 181 وقبله: تنح للعجوز عن طريقها ... قد أقبلت رائحة من سوقها والمراد بالعجوز والدة رؤبة أو امرأة من العرب، وقيل في الشاهد غير ذلك. انظر شواهد الشافية: 138. وشأن الدعاء للخطابي ص/ 149. (2) في (ط): لأنه قال. (3) في (ط): والمعنى.

صادقين عندك، لأنّ الأنبياء لا تكذّب الصادقين، ولكن المعنى: ما أنت واثقا، ولا غير خائف الكذب في قولنا، ولو كنّا على الحقيقة صادقين عندك لما خلونا من ظنّة منك وتهمة «1» لك أنّا قد «2» كذبناك، لفرط محبّتك ليوسف وإشفاقك عليه. وهذا المعنى متعالم في استعمال الناس. فمؤمن هنا من آمن، أي صار ذا أمن أو صار ذا ثقة، فنفى ذلك، أي: لا تثق بأن الأمر كما تخبر ولا تسكن نفسك إليه. وأمّا قوله: فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يونس/ 88] «3» فإنّ قوله: لا يؤمنوا في موضع نصب بالعطف على قوله: ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا. ولم يعطوا الأموال ليضلوا ويكفروا ولكن لمّا اختاروا ذلك فصار إليه عاقبة أمرهم كان بمنزلة قوله تعالى: «4» فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص/ 8]، لمّا أدى التقاطهم إيّاه إلى ذلك، وإن كان الالتقاط لغيره. وأمّا قوله: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ [آل عمران/ 119]، ففي قوله: تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ «5» إنباء عن كون المؤمنين على خلاف صفة من ذكر في

_ (1) في (ط): من ظنة منك في تهمة لك. (2) في (ط): بأنا. (3) في الآية 88 من سورة يونس: وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ. (4) سقطت لفظ: تعالى، من (ط). (5) سقطت من (ط) هذه الجملة: ففي قوله: «تؤمنون بالكتاب كله».

قوله: وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء/ 150]، وفي قوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر/ 91]. وأمّا قولنا في وصف «1» القديم سبحانه: «المؤمن المهيمن» فإنّه يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون من «أمن» المتعدي إلى مفعول، فنقل بالهمزة فتعدى إلى «2» مفعولين، فصار من «أمن» زيد العذاب وآمنته العذاب، فمعناه المؤمن عذابه من لا يستحقه. وفي هذه الصفة وصف القديم سبحانه «3» بالعدل «4» كما قال: قائِماً بِالْقِسْطِ «5» [آل عمران/ 18]. والآخر: أن يكون معناه المصدق، أي المصدق الموحدين له على توحيدهم إياه، يدل على ذلك قوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران/ 18]. ألا ترى أنّ الشاهد مصدق لما يشهد به، كما أنّه مصدق من يشهد له، فإذا شهد سبحانه بالتوحيد فقد صدّق الموحدين. فأمّا قوله «المهيمن» فقال أبو الحسن في قوله: وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة/ 48] إنّه الشاهد، وقد روي في التفسير أنه الأمين.

_ (1) في (ط): صفة. (2) كذا في (ط): وفي الأصل: بإلى، وهو تحريف. (3) في (ط): عز وجل. (4) بالعدل، سقطت من (ط). (5) وتمام الآية 18 من سورة آل عمران شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

حدثنا أحمد بن محمد البصري «1» قال: حدثنا المؤمل «2» قال: حدثنا إسماعيل «3» عن أبي رجاء «4» قال سألت الحسن «5» عن: «6» مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [المائدة/ 48] قال: مصدقا بهذه الكتب وأمينا عليها. والمعنيان متقاربان، ألا ترى أن الشاهد أمين فيما يشهد به؟ فهذا التأويل موافق لما جاء في التفسير من أنّه الأمين. وإن جعلت الشاهد خلاف الغيبة كان بمنزلة قوله: لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ [غافر/ 16]، ولا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ [سبأ/ 3]،

_ (1) يبدو أن هذا الحديث من رواية أبي الحسن الأخفش ومن تتمة كلامه، كما يبدو أن كلامه متصل بعد ذلك إلى قول المؤلف: قال أبو علي: وليست الياء للتصغير إلخ. وأحمد بن محمد البصري الذي يروي عن مؤمل هو أحمد بن محمد بن إبراهيم الكندي كما في تهذيب الكمال ص 1396. طبعة دار المأمون للتراث. (2) والمؤمل: هو مؤمل بن هشام اليشكري البصري أبو هشام ختن إسماعيل بن علية، روى عن إسماعيل بن علية. وروى عنه البخاري وأبو داود والنسائي. مات في ربيع الأول سنة 253 هـ. انظر تهذيب الكمال ص 1396 (3) وإسماعيل، هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، أسد خزيمة مولاهم، أبو بشر البصري المعروف بابن علية، وهي أمه- مولاة بني أسد بن خزيمة أيضا، كان ثقة أمينا. قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت، توفي سنة 193، وانظر تهذيب الكمال: ص 95. (4) وأبو رجاء، هو: محمد بن سيف الأزدي الحداني بضم المهملة الأولى أبو رجاء البصري، روى عن الحسن وعكرمة وجماعة، ووثقه ابن معين والنسائي وابن سعد، انظر تهذيب الكمال ص 1209. (5) أي الحسن البصري وتقدمت ترجمته ص/ 33. (6) كذا في (ط)، وسقطت: عن، من (م).

وقال: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ [الأنبياء/ 78]. وقالوا: إنه مفيعل من الأمان، مثل مبيطر «1»، وأبدلت من الفاء التي هي همزة الهاء كما أبدلت منها في غير هذا الموضع. وروى اليزيدي أبو عبد الله عن أبي عبيدة قال: لا يوجد مثل «2» هذا البناء إلا أربعة «3» أشياء: مبيطر ومصيطر ومبيقر «4» ومهيمن. قال أبو علي: وليست الياء للتصغير، إنما هي التي لحقت فعل وألحقته «5» بالأربعة، نحو دحرج وإن كان اللفظ قد وافق اللفظ. وأما قولهم: الأمان فإنّه، وإن كان اسم حدث، وكان بزنة الجمال والذّهاب والتّمام، فقد صار كأنّه لكثرته في الاستعمال خارجا عن أحكام المصادر. ألا ترى أن قولهم: أعطيته أمانا، ولك الأمان صار بمنزلة الكف والمتاركة، فكأنّه لما خرج بذلك عن بابه صار بمنزلة قولهم: لله درّك. الذي زعم أنّه بمنزلة قولهم: لله بلادك. فلذلك لا تكاد تجده معملا إعمال المصادر. قال بعض المتأولين في قوله: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة/ 3]، أي: يؤمنون إذا غابوا عنكم، ولم يكونوا

_ (1) المبيطر، كالبيطر والبيطار، معالج الدواب، وصنعته البيطرة. (2) مثل ساقطة من (ط). (3) في (ط): في أربعة. (4) مبيقر: اسم فاعل من بيقر الفرس إذا صفن بيده، أي: وقف على ثلاثة أرجل وحافر الرابعة، ويقال أيضا: بيقر الرجل: هاجر من أرض، وخرج إلى حيث لا يدري، ونزل الحضر، وغير ذلك. (5) في (ط): فألحقته.

كالمنافقين الذين يقولون: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة/ 14]. ويقوي ما ذهب إليه هذا المتأول قوله: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [الأنبياء/ 49] وقوله: وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ [يس/ 11] وقال الهذلي: أخالد ما راعيت من ذي قرابة ... فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي «1» فالجار والمجرور في موضع حال، أي تحفظني غائبا، ويخشون ربّهم غائبين عن مرآة الناس لا يريدون بإيمانهم تصنعا لأحد، ولا تقربا إليه رجاء المنالة «2»، ولكن يخلصون إيمانهم لله تعالى «3». ويجوز فيها وجه آخر، وهو أن هذه الآية كأنّها إجمال ما فصل في قوله: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة/ 280] والموصوفون فيها خلاف من وصف في قوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [النساء/ 136]، فكفرهم بالملائكة ادعاؤهم إياهم بنات، كما وبّخوا في قوله: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ [الزخرف/ 16] وقوله: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف/ 19] وكفرهم بالكتب إنكارهم

_ (1) البيت من قطعة لأبي ذؤيب الهذلي يخاطب فيها ابن أخته خالد بن محرث الذي بعثه رسولا إلى صديقته فأفسدها عليه، انظر ديوان الهذليين: 1/ 159 وشرحه للسكري 1/ 219. وقصة الأبيات في شرح أبيات المغني 7/ 135. (2) في (ط): رجاء لمنالة، والمنالة: النيل والعطاء. (3) سقطت هذه الكلمة من (ط).

لها في قوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام/ 91] وكفرهم بإرسال الرسل [إنكارهم] «1» إرسالهم بنحو قوله: «2» وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ [المؤمنون/ 34] وقوله: «3» أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا [الفرقان/ 41]، وكفرهم بالآخرة قولهم: لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي [سبأ/ 3]. فكل هذه الأمور غيب قد أنكروه ودفعوه فلم يؤمنوا به ولم يستدلوا على صحته، فقال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة/ 4] أي بهذه الأشياء التي كفر بها هؤلاء الذين ذكر كفرهم بها عنهم وخصهم بالإيقان بالآخرة في قوله: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة/ 4] وإن كان الإيمان بالغيب قد شملها لما كان من كفر المشركين بها «4» وجحدهم إياها في نحو ما حكى عنهم من قولهم: «5» وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا [الجاثية/ 24] فكان في «6» تخصيصهم بذلك مدح لهم. ونظير ذلك في أنّه خصّ بعد ما عمّ قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق/ 1] فعم بقوله: «خلق» جميع مخلوقاته ثم خص فقال خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق/ 2] ويقرب من هذا قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حيث أريد تخصيص المسلمين بالكرامة في قوله: وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب/ 43] فالباء على هذا الوجه ليست في موضع الحال كما كانت كذلك في الوجه الأول، ولكنه في موضع نصب بأنه مفعول به، «7» كما

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة في (ط). (2) في (ط): قوله تعالى. (3) في (ط): وقولهم. (4) سقطت هذه الكلمة من (ط). (5) في (ط): في قوله. (6) سقطت هذه الكلمة من (ط). (7) به ساقطة من (ط).

أنها مفعول في قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة/ 8] إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ [يس/ 25] والغيب: ما غاب عنك فلم تشهده. وقال: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ «1». قال «2» أبو زيد: بدا «3» غيّبان العود، إذا بدت عروقه التي تغيبت منه، وذلك إذا أصابه البعاق «4» من المطر فاشتد السيل فحفر أصول الشجر حتى تظهر عروقه. وقوله: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «5» مصدر مضاف إلى المفعول على الاتساع فحذف حرف الجر، لأنّك تقول: غبت في الأرض، وغبت ببلد كذا، فتعديه بحرف الجر فحذف الحرف وأضيف المصدر إلى المفعول به في المعنى نحو مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ [فصلت/ 49] وبِسُؤالِ نَعْجَتِكَ [ص/ 24]. ويحتمل وجهين: أحدهما: ذوو غيب السموات والأرض، أي ما غاب فيها «6» من أولي العلم «7» وغيرهم، كقوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف/ 54]. والآخر: أن يكون المعنى: ولله علم غيب السموات، ويدل على ذلك قوله: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً

_ (1) في سور: الأنعام 73، التوبة 94، 105، الرعد 9، المؤمنون 92، السجدة 6، الزمر 46، الحشر 22، الجمعة 8، التغابن 18. (2) في (ط): وقال. (3) كذا في (ط)، وفي (م): بدأ بالهمز. (4) غيبان بتشديد الياء المفتوحة، وقال بعضهم بسكونها، وانظر اللسان في مادة (غيب) والبعاق كغراب من المطر، هو الذي يفاجىء بوابل فيفجر الأرض ويكشف جذور النبت والشجر. (5) في الآية 123 من سورة هود، والآية 77 من سورة النحل. (6) في (ط): فيهما. (7) كذا في (ط)، وفي (م) من أولي الغيب.

[الجن/ 26]، وعالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ [المؤمنون/ 92]. وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً [النساء/ 137]، يعني به المنافقين. والإيمان «1» الأول دخولهم في الإسلام وحقنهم الدماء والأموال، «2» وكفرهم بعد: نفاقهم، وأن باطنهم على غير ظاهرهم، وإيمانهم بعد يقيهم نفاقهم بقولهم: (إنّا مؤمنون) في قوله: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، «3» فهذا الإظهار منهم للإيمان «4» ثانية يدخلون به في حكم الإسلام بعد الكفر، كما أنّ من جاء من المؤمنات مظهرات للإسلام داخلات في حكمه. وقال: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ [الممتحنة/ 10] فعلمن مؤمنات بما أظهرنه من ذلك، فكذلك هؤلاء يكونون مؤمنين بإظهارهم الإيمان بعد ما علم منهم من النفاق. وكفرهم بعد هذا الإيمان الثاني قولهم: إذا خلوا إلى أصحابهم «5» إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ فما ازدادوه من الكفر إنّما هو بقولهم: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ فهذا زيادة في الكفر. ويدل على أن المستهزئ باستهزائه كافر فيزداد به كفرا إلى كفره قوله: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ، وقال: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ «6»

_ (1) في (ط): فالإيمان. (2) في (ط): والأموال به. (3) في الآيتين 14، 76 من سورة البقرة. (4) في (ط): الإيمان. (5) في (ط): إلى شياطينهم. (6) في الآية 40 من سورة النساء: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً.

الإعراب

فإذا كان المجالس «1» مثلهم وإن لم يظهر ذلك ولم يعتقده، فالقائل لذلك أشد ذهابا في الكفر. [بسم الله] «2» الإعراب لا تخلو الألف في آمن من أن تكون زائدة أو منقلبة، وليس في القسمة أن تكون أصلا. فلا يجوز أن تكون زائدة لأنّها لو كانت كذلك لكان «3» فاعل ولو كان «4» فاعل لكان مضارعه يفاعل مثل يقاتل ويضارب في مضارع قاتل وضارب، فلما كان مضارع آمن يؤمن دلّ ذلك على أنّها غير زائدة، فإذا لم تكن زائدة كانت منقلبة. وإذا كانت منقلبة لم يخل انقلابها من أن يكون عن الواو أو عن الياء أو عن الهمزة. فلا يجوز أن تكون منقلبة عن الواو لأنها في موضع سكون، وإذا كانت في موضع سكون وجب تصحيحها ولم يجز انقلابها، وبمثل هذه الدلالة لا يجوز أن تكون منقلبة عن الياء، فإذا لم يجز انقلابها، عن الواو ولا عن الياء ثبت أنها منقلبة عن الهمزة، وإنما انقلبت عنها ألفا لوقوعها ساكنة بعد حرف مفتوح، فكما أنها إذا خففت في رأس، وفأس، وبأس، انقلبت ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها، كذلك قلبت في نحو: آمن، وآجر، وآتى، وفي الأسماء نحو آدر «5» وآخر وآدم، إلّا أنّ الانقلاب هاهنا لزمها لاجتماع

_ (1) كذا في (ط)، وفي الأصل: المجانس. (2) زيادة في م. (3) في (ط) لكانت. (4) في (ط): كانت. (5) الآدر: هو المنتفخ الخصية، وقيل: هو الذي يصيبه فتق في إحدى

الهمزتين، والهمزتان إذا اجتمعتا في كلمة، لزم الثانية منهما القلب بحسب الحركة التي قبلها إذا كانت ساكنة نحو آمن، اؤتمن، ائذن، ائتنا. ومن ثم قلنا في آوى «1» إن الفاء منها همزة، ألا ترى أنّها لا تخلو من أن تكون أفعل أو فاعل أو فعلى، فلا يجوز أن تكون فاعل لأنّ مثل: طابق، وتابل مصروف في المعرفة، «2» وقد منعوا آوى الصرف، فعلم بذلك أنه ليس مثل طابق، ولا يجوز أن يكون فعلى لأنّه لو كان إياها لكانت الألف في موضع سكون، وإذا كانت في موضع سكون وجب صحتها وانتفى انقلابها، فلو كانت العين واوا لوجب إدغامها في الواو التي هي لام كما وجب إدغام حوّاء وعوّاء، ولا يجوز أن تكون الألف منقلبة عن الياء مع وقوع واو بعدها لأنّ ذلك مرفوض في كلامهم غير موجود. فإن قلت فقد جاء خيوان في اسم هذا الموضع الذي باليمن «3» فالقول في ذلك أنه فيعال وليس بفعلان، وإنما منع

_ الخصيتين، وأدر، من باب تعب، والاسم الأدرة بالضم وسكون الدال، وبالتحريك: الخصية. والخصية الأدراء: العظيمة بلا فتق. الأدرة بالتحريك الخصية، ومرض الأدرة هو المرض المسمى بالقيلة بفتح القاف وسكون الياء. (1) أي من: ابن آوى. (2) المراد بقوله في المعرفة، أي: إذا جعل علما، فإنه ينون ويصرف ولا يمنع من الصرف، لأنه ليس على وزن الفعل. (3) خيوان بفتح الخاء وتسكين الياء؟؟؟ مخلاف باليمن ومدينة بها. قال أبو علي الفارسي: خيوان: فيعال، منسوب إلى قبيلة من اليمن، وقال ابن الكلبي: كان يعوق الصنم بقرية يقال لها: خيوان من صنعاء على ليلتين مما يلي مكة،/ انظر ياقوت/ خيوان/ 2/ 415.

الصرف لأنه يجعل «1» اسما لبقعة أو بلدة «2»، فلا يجوز إذن أن يكون فعلى، فإذا لم يجز أن يكون فاعل ولا فعلى ثبت «3» أنّه أفعل، وإنّما لم يصرف لوزن الفعل «4»، وأنّه علم. فهو مثل آمن، ولو نكر كما نكروا عرسا في ابن عرس لكان القياس صرفه. فأمّا قراءة من قرأ: (آتينا بها) «5» فإنّما هو فاعلنا وليس بأفعلنا، ولو كان أفعلنا لم تدخل الباء، ألا ترى أنك تقول: جئت به، فإذا عديت بالهمزة قلت: أجأته، ولم تقل: أجأت به. وفي التنزيل: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ [مريم/ 23]، فكذلك قوله: (آتينا بها). لو كان أفعل لم يحتج إلى الباء. وكذلك «6» تقول: أبى زيد شرب الماء، فإذا فعلت أنت به الإباء قلت: آبيته ولا تقول: «7» آبيت به قال: قد أوبيت كلّ ماء فهي صادية ... مهما تصب أفقا من بارق تشم «8»

_ (1) في (ط): جعل. (2) في (ط): للبقعة أو البلدة. (3) في (ط): ثبت بهذا. (4) في (ط) لم يصرف لأنه على زنة الفعل. (5) في الآية 47 من سورة الأنبياء وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ، وقراءة آتينا بها بمد الهمزة ليست من السبع، بل هي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير وابن أبي إسحاق وغيرهم، على وزن فاعلنا من المواتاة وهي المجازاة والمكافأة، أي: جازينا بها، انظر البحر المحيط 6/ 316. (6) في (ط): وتقول بدون كذلك. (7) في (ط): ولا تقل. (8) البيت من قصيدة لساعدة بن جؤية الهذلي، يصف صوارا بضم الصاد

فإن قلت: فقد قرأ بعضهم: (يذهب بالأبصار) «1» فأثبت الباء مع النقل بالهمزة، فهلا أجزت في «آتينا بها» أن تكون أفعلنا بها ولا تكون «2» فاعلنا. فإنّ ما ذكرته هو قياس هذا القول، إلا أن الحمل عليه والردّ إليه ينبغي ألّا يجوز ما وجد عنه مندوحة. فأمّا آجر فهو فاعل، لأنّك تقول في المضارع: يؤاجر مثل يقاتل، ولو كان أفعل لكان يؤجر. والذي جاء في التنزيل من ذلك على فعل لأنّ المضارع يفعل في قوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [القصص/ 27]. فأمّا حجة من قرأ (يؤمنون) بتحقيق الهمز، فلأنّه إنّما ترك

_ وكسرها، أي: قطيعا من البقر، وصاوية بالواو أي: عطشى، من صويت النخلة على وزن فرح أي: عطشت ويبست، وهي رواية اللسان، في مادة «صوى»، وروي أيضا صادية بالدال، وهكذا رواه اللسان في «أبى». وفي ديوان الهذليين: 1/ 198 وشرحه ص 1128 فهي طاوية، أي: ضامرة البطون من قلة الشرب، وأوبيت كل ماء أي: منعت كل ماء، يقال: أبى فلان الماء امتنع منه، وآبيته الماء منعته، وانظر اللسان في (أبى) والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 5/ 345، 347. (1) في الآية 43 من سورة النور. وقراءة: يذهب بالأبصار بفتح الياء والهاء هي قراءة السبع والجمهور، وقرأ شيبة بن نصاح وأبو جعفر المدني بضم الياء وكسر الهاء، وخطأ الأخفش وأبو حاتم أبا جعفر في هذه القراءة، وقالا: لأن الياء تعاقب الهمزة، أي: فلا يجتمعان. وليسا على صواب لأنه لم يكن يقرأ إلا بما روي، وقد أخذ القراءة عن سادات التابعين الآخذين عن جلة الصحابة، وهو لم ينفرد بها بل قرأ بها شيبة كذلك. ومن ثم اقتصر الفارسي على الدفع بالرواية ولم يتجاسر على التخطئة. وانظر البحر المحيط: 6/ 465. (2) تكون ساقطة من (ط).

الهمز في أومن لاجتماع الهمزتين، كما أنّ تركها في آمن كذلك، فلما زال اجتماعهما مع سائر حروف المضارعة سوى الهمزة، ردّ الكلمة إلى الأصل فهمز، لأنّ الهمزة، من الأمن والأمنة، فاء الفعل. ومما يقوي الهمز في ذلك أنّ من تركها إنّما يقلبها واوا ساكنة وما قبلها متحرك بالضم، والواو الساكنة إذا انضم ما قبلها فقد استجازوا قلبها همزة. «1» قال محمد بن يزيد: أخبرني أبو عثمان قال: أخبرني الأخفش قال: كان أبو حية النّميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة وينشد: لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى «2» وتقدير ذلك أن الحركة لما كانت تلي «3» الواو في مؤسى صارت كأنّها عليها، والواو إذا تحركت بالضمة أبدلت منها الهمزة. ومثل إبدالهم من الواو الساكنة المضموم ما قبلها الهمزة استجازتهم الإمالة في مقلات، «4» ومصباح، حيث كانت الكسرة

_ (1) في (ط) بعد ذلك: حدثنا ابن السراج قال إلخ. (2) شطر بيت لجرير وعجزه: وجعدة إذ أضاءهما الوقود وجعدة ابنته وموسى ابنه، يمدح ولديه بالكرم والاشتهار به. الديوان 1/ 288 وانظر الخصائص. وشرح أبيات المغني للبغدادي 8/ 76 وما بعدها فإن البغدادي نقل كلام الفارسي في شرحه. (3) تلي الواو، أي تتصل بها قبل أو بعد، من الولي وهو القرب والاتصال من قبل ومن بعد، وإن اشتهر فيما يجيء بعد. (4) المقلات بصيغة المبالغة: هي الناقة تضع واحدا ثم لا تحمل، والمرأة لا يعيش لها ولد.

كأنّها على المستعلي فصار «1» مثل قفاف وصفاف، «2» فإذا جاز إبدال الهمزة من الواو التي ذكرنا واجتلابها، وإن لم تكن من الكلمة، فالهمزة التي هي أصل في الكلمة أولى بالتقرير وألّا يبدل «3» منها الواو. وحجة من لم يهمز أن يقول [إنّ] «4» هذه الهمزة قد لزمها البدل في مثالين من الفعل الماضي والمضارع، فالماضي نحو: آمن وأومن، والمضارع نحو أومن «5» ولم يجز تحقيقها في هذه المواضع. وهذا القلب الذي لزمها في المثالين إعلال لها، والإعلال إذا لزم مثالا أتبع سائر الأمثلة العارية من الإعلال: «6» كإعلالهم يقوم لقام، وإعلالهم يكرم من أجل أكرم، وأعد ليعد، فوجب على هذا أن يختار ترك الهمز في يؤمنون اعتبارا لما أرينا من الإعلال ليتبع قولهم (يؤمنون) في الإعلال «6» المثالين الآخرين لا على التخفيف القياسي في نحو جونة «8» في جؤنة وبوس في بؤس. فإن قلت: فهلّا لم يجز غير القلب والتخفيف كما لم يجز إلّا الإعلال فيما شبهته به وإلزامه الحذف والقلب؟.

_ (1) في (ط): فصارت. (2) جمع قف بضم القاف، وهو القصير، وظهر الشيء، ومن الناس الأخلاط والأوباش وغير ذلك، أو جمع قفة وهي معروفة، وصفاف جمع صفة وهي السرج، وصفة الدار شبه البهو الواسع الطويل ومكان مظلل منها. (3) في (ط): تبدل. (4) ساقطة من (ط). (5) في (ط): فالماضي نحو آمن والمضارع نحو أومن. (6) في (ط): في الاعتلال. (8) الجؤنة: سفط مغشى بجلد، ظرف لطيب العطار.

فالقول: إن القياس على ما أريناك. ولم يلزم ما شبهنا به [من] «1» الحذف والقلب في كل موضع، ألا ترى أنّهم إذا قالوا: يوعد، وما أقوله وأقول بزيد، ويؤكرم في الشعر، وأهريق لم يلزم الحذف والقلب. وحدثنا علي بن سليمان أن أحمد بن يحيى أخبرهم: يقال: قد اتّمن فلان فلانا وقد اتمنته، «2» والأصل: ايتمن وايتمنته، ثم أدغمت الياء في التاء فشددت التاء. وفي الائتمام: قد اتّممت به مفتوح التاء. هذا لفظ أحمد بن يحيى واستثبتّ أبا الحسن في ذلك فأثبته وصححه، ولم أعلم لأصحابنا في هذه المسألة نصا. وقياس قولهم عندي أن الإدغام فيها لا يجوز لأنّ الياء غير لازمة، فلا يكون مثل اتّسر واتعد، ألا ترى أنّهم قالوا: لو بنيت مثل: افعل أو افعل «3» من أويت، لقلت: إيّا وإيّ فقلبت الفاء ياء وأدغمتها في الواو «4» كما تدغم فيها الياء التي من نفس الكلمة. وقالوا: لو بنيت مثل افعوعل من أويت، لقلت: إيووّي «5» وإيويّا على قول أبي الحسن، ولم تدغم الياء المنقلبة عن «6» الهمزة التي هي فاء في الواو التي هي عين لأنّها غير لازمة، فكذلك الياء في ائتمنته غير لازمة، لأنّك إذا أسقطت

_ (1) ساقطة من (ط). (2) كذا في (ط) وفي م: ايتمنه. (3) في (م): افعل وافعل بكسر العين في الأول وفتحها في الثاني، وهو يخالف الترتيب الذي مثل له. (4) في (ط): في الياء. (5) أصلها: أووى، قلبت الهمزة الثانية ياء وياء اللام ألفا. (6) في (ط): من الهمزة.

همزة الوصل في الدرج نحو قد ائتمن رجعت الهمزة، وإذا لم يدغموا نحو نوي ورويا إذا خففوا الهمزة مع لزوم الواو في قول أهل التخفيف فألا يدغم ائتمن ونحوه أجدر. فإن قلت: فقد أدغم قوم رويا فقالوا ريّا. فالقول إن الإدغام في هذا أشبه لما ذكرنا من لزومها، «1» وتلك لما لم تلزم كانت بمنزلة المنفصل، على أن أبا الحسن يحمل ريّا فيمن أدغم على القلب «2» نحو أخطيت في اللام. ويقوي ذلك أن بعضهم كسر الفاء منها فقال: ريّا، كما قالوا في: ليّ ليّ. «3» فإن قلت: فهل يجوز الإدغام في المصدر من قوله: آوى إليه أخاه [يوسف/ 69] فالقول إن ترك إدغام ذلك وامتناعه «4» على قول الخليل بيّن، ألا ترى أنّه لم يدغم أووم ولا يووم وشبهه «5» بسوير «6» فألّا يدغم هذا أجدر، لأنّها لما

_ (1) أي: من لزوم الواو على لغة التخفيف. (2) أي وليس من باب التخفيف، بل تكون الهمزة منسية ولذلك صح الإدغام. (3) جمع ألوى، يقال: قرن ألوى، أي: معوج، وجمعه لي بضم اللام، والقياس الكسر. (4) هذه العبارة مضطربة في (ط). (5) في (ط): شبهه. (6) أيم بتشديد الياء المفتوحة: مثال مفترض للاشتقاق من يوم أيوم، أي: شديد، سأل سيبويه الخليل: كيف ينبغي له أن يقول: أفعلت في القياس من اليوم على من قال: أطولت وأجودت؟ فقال: أيّمت، فتقلب الواو هنا كما قلبتها في أيام، فإذا بنى الفعل للمجهول قيل: أووم، ويووم، واسم المفعول مووم، لشبهه بفعل سوير المبني للمجهول من ساير، وانظر الكتاب: 2/ 376.

أبدلت ولزم إبدالها صارت بمنزلة الألف الزائدة حتى أبدلت منها الواو في التكسير، كما أبدلت من ألف ضارب، فقالوا أوادم «1» كما قالوا ضوارب. ومن قال: أيّم، وخالف الخليل، فينبغي ألّا يدغم هذا لما ذكرنا من مشابهتها الزيادة، ولأنّه مثل ما تركت العرب إدغامه في «2» قولهم: ديوان. ألا ترى أنها أبدلت لاجتماع الهمزتين «3» كما أبدلت في ديوان لاجتماع المثلين وكراهة ذلك لأنّ كل واحد من الأمرين يتوصل به إلى إزالة المثلين، كما يتوصل بالآخر. فأما قول الشاعر: جيش المحمّين حشّ النار تحتهما ... غرثان أمسى بواد مؤهب الحطب «4» فمن أخذه من الأهبة والتأهب همز إن شاء. ومن أخذه من وهب، وجعل الفاء الواو «5» لم يهمز، إلّا على قول من قال: مؤسى، وقد تؤوّل البيت على الأمرين جميعا. «6»

_ (1) في (ط): أوادم وأواخر. (2) في (ط): من. (3) زاد في (ط) بعد الهمزتين: المثلين. (4) رواه في الأساس (وهب) ولم ينسبه. واد مؤهب الحطب: كثيره. وفي اللسان: جاشت القدر تجيش جيشا: غلت، والمحمّ: القمقم الصغير يسخن فيه الماء، وحش النار: جمع إليها ما تفرق من الحطب. (5) في (ط): واوا. (6) في (ط): عزّ وجلّ.

البقرة: 6

[البقرة: 6] اختلفوا في قوله جل وعز: «1» أَأَنْذَرْتَهُمْ [البقرة/ 6] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: آأنذرتهم بهمزة مطولة، وكذلك ما أشبه ذلك في كل القرآن، مثل: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ [المائدة/ 116] وأَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل/ 60] وأَ إِنَّكُمْ «2» وما كان مثله، وكذلك كانت قراءة الكسائي إذا خفف، غير أن مدّ أبي عمرو في أَأَنْذَرْتَهُمْ أطول من مدّ ابن كثير، لأنّ من قوله أنّه يدخل بين الهمزتين ألفا وابن كثير لا يفعل ذلك. واختلف عن نافع في إدخال الألف في الهمزتين. وأمّا عاصم وحمزة والكسائي- إذا حقق- وابن عامر فبالهمزتين أَأَنْذَرْتَهُمْ وما كان مثله في القرآن من الهمزتين في الكلمة الواحدة فهو بتحقيق الهمزتين وبتخفيف إحداهما وبإدخال الألف بينهما «3». إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. [البقرة/ 6]. الكفر: خلاف الشكر، كما أن الذمّ خلاف الحمد. فالكفر: «4» ستر النعمة وإخفاؤها، والشكر: نشرها وإظهارها. وفي التنزيل: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة/ 152] وفيه: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم/ 7] وقال: في ليلة كفر النجوم غمامها «5»

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) الأنعام/ 19، وفصّلت/ 9. (3) السبعة 134 - 135 مع بعض اختصار. (4) في (ط): والكفر. (5) شطر بيت من معلقة لبيد يصف بقرة وحشية افترس السبع ولدها حين

وقالوا: كفر كفرا وكفورا، كما قالوا: شكر شكرا وشكورا. وفي التنزيل: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً [الفرقان/ 62] [وقال] «1» اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ/ 13] وقال: «2» فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً [الإسراء/ 89] وقالوا: الكفران، وقال: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ [الأنبياء/ 94] وقال الأعشى: ولا بدّ من غزوة في الربيع ... حجون تكلّ الوقاح الشّكورا «3» قال أحمد بن يحيى: الشّكور: السريع القبول للسّمن. قال أبو علي: فكأن سرعة قبوله لذلك إظهار للإحسان إليه والقيام عليه. وقالوا: أشكر من بروقة «4». وأمّا قوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ فإنّ السواء والعدل والوسط والقصد والنّصف ألفاظ يقرب بعضها من بعض في المعنى.

_ خذلته وصدره: يعلو طريقة متنها متواتر ... في ليلة كفر النجوم ظلامها وروي: غمامها كما ذكر هنا والمعنى: يعلو صلبها قطر متواتر في ليلة ستر غمامها نجومها، وانظر البيت في شرح القصائد السبع الطوال ص 560 والديوان/ 223. (1) زيادة في (ط). (2) في (ط): وقال تعالى. (3) البيت من شواهد الزجاج في تفسير أسماء الله الحسنى ص 47. فانظره هناك. وروى (المصيف) مكان الربيع. وحتّ: مكان حجون. والحجون: البعيدة، والوقاح: الصلب الشديد، وفي (اللسان) الشكور من الدواب: الذي يسمن على قلة العلف كأنه يشكر، وإن كان ذلك الإحسان قليلا وشكره ظهور نمائه وظهور العلف فيه، وأنشد البيت. الديوان/ 99. (4) البروقة: واحدة البروق، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء، وهو ما يكسو الأرض من أول خضرة النبات، أو هو شجيرات ضعاف إذا غامت السماء

قالوا للعدل: السواء. قال زهير: أرونا «1» خطة لا خسف فيها ... يسوّي بيننا فيها السّواء «2» وأنشد أبو زيد لعنترة: أبينا فلا نعطي السّواء عدوّنا ... قياما بأعضاد السّراء المعطف «3» والسواء: وسط الشيء. وفي التنزيل: فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات/ 55] وقال عيسى بن عمر: «4» ما زلت أكتب حتى انقطع سوائي. «5» والسواء: ليلة النصف من الشهر. وقالوا: سيّ بمعنى سواء، كما قالوا: قيّ وقواء، «6» وقالوا: سيان فثنّوا، كما قالوا: مثلان. وقال عز وجل: «7» لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ [النساء/ 42] فالمعنى: يودّون لو جعلوا والأرض سواء. كما قال: وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً [النبأ/ 40] وقال: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها [الشمس/ 14] أي: سوى بلادهم بالأرض، وقال: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها [الشمس/ 7] أي: ونفس وتسويتها أي: ورب تسويتها، أو

_ اخضرت، ويقال: أشكر من بروق، ومن بروقة، لأنها تعيش بأدنى ندى يقع من السماء. والمثل في المستقصى 1/ 196. (1) في (ط): أروني. (2) يروى: (عيب) مكان (خسف) وسنّة مكان خطة، الديوان/ 84. (3) انظر الديوان/ 90، والنوادر/ 122. (4) في (ط): سقطت عبارة «ابن عمر». (5) نقله عن الأصمعي كما رواه صاحب اللسان (سوا). (6) القي: بكسر القاف وتشديد الياء والقواء بكسر القاف والمد: قفر الأرض. (7) في (ط) بدون عز وجل.

يكون: والذي سواها، أي: ونفس وخالقها، كما قال: ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا [الكهف/ 37] وقال: خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار/ 7] وقال: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [القيامة/ 4]، أي: نجعلها مع كفه صفحة «1» مستوية لا شقوق فيها كخف البعير، ويعدم «2» الارتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة «3» والخرز والصياغة ونحو ذلك من لطيف الأعمال التي يستعان عليها بالأصابع. قال أحمد بن يحيى: من أيمانهم: لا والذي شقّهن خمسا من واحدة. يريدون الأصابع من الكف. وقيل في: نُسَوِّيَ بَنانَهُ: نردّها كما كانت. قالوا: وذكرت البنان لأنّه قد ذكرت اليدان فاختص منها ألطفها. وقالوا: قوم أسواء، أي: مستوون وأنشد أبو زيد: هلّا كوصل ابن عمّار تواصلني ... ليس الرّجال وإن سوّوا بأسواء «4» فأسواء ليس يخلو من أن يكون جمع سي أو سواء، فإن كان جمع سي فهو مثل: مثل وأمثال، ونقض وأنقاض، وجلف وأجلاف. وإن كان جمع سواء فهو مثل ما حكاه أبو زيد من قولهم جواد وأجواد. وحكى أيضا في الاسم: حياء الناقة وأحياء، ولا يمتنع جمعه «5» وإن كانوا لم يثنوه كما لم يمتنعوا

_ (1) في (ط): نجعلها صفحة مع كفه. (2) في (ط): فيعدم. (3) في (ط): كالخياطة والكتابة. (4) رواه اللسان (سوى) ونسبه إلى رافع بن هريم. (5) في (ط): وجمعه. وهو تحريف.

من جمعه على سواسية. فأمّا قوله: وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً [طه/ 58] فقال أبو عبيدة: يضم أولها ويكسر، مثل: طوى وطوى، قال: وهو المكان النّصف فيما بين الفريقين وأنشد لموسى بن جابر الحنفي: وإنّ أبانا كان حلّ ببلدة ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر «1» قال: الفزر: سعد بن زيد مناة بن تميم. ومثل سوى في أنّه فعل جاء وصفا قولهم: قوم عدى للغرباء. فأمّا عدى للأعداء فزعم أحمد بن يحيى وغيره أنّهم يقولون فيه: عدى وعدى. فهذا مثل سوى وسوى في وصف المكان. وقال أبو الحسن في قوله: (مكانا سوى): إنّها قد تضم في هذا المعنى. قال: «2» والممدودتان في ذا المعنى أيضا. يريد بالممدودتين ما يذكره من أن في سوى وسواء أربع لغات، منهم من يفتح أوله ويمده، ومنهم من يكسر أوله ويقصره. قال: وهاتان لغتان معروفتان. قال: ومنهم من يكسر أوله ويمده، ومنهم من يضم أوله ويقصره. وهاتان اللغتان أقل من تينك، والمضمومة الأولى أعرفهما، وقال: مكانا سوى أي عدل، وأنشد: «3»

_ (1) ليحيى بن منصور الذهلي، أو موسى بن جابر الحنفي. انظر شرح أبيات المغني 3/ 221. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): قال وأنشد.

وإنّ أبانا كان حلّ ببلدة ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر يقول: عدل، وقال في قول الشاعر: «1» لو تمنّت حليلتي ما عدتني ... أو تمنّيت ما عدوت سواها يقول: ما عدوت قصدها، قال: والقصد والعدل مشتبهان. وأنشد: ولأصرفنّ سوى حذيفة مدحتي ... لفتى العشيّ وفارس الأجراف «2» قال: يريد لأصرفنّ قصده، أي عن قصده أو لأصرفنّ إلى غيره، ولأنّ سواه غيره كما قال حسان: أتانا فلم نعدل سواه بغيره ... نبي أتى من عند ذي العرش هاديا «3» قال: يقول: لم نعدل سوى النبي صلّى الله عليه وسلّم «4» بغير سواه، وغير

_ (1) لم نعثر له على قائل وقد استشهد به القرطبي في تفسيره 11/ 213 وأورده البغدادي في شرح أبيات المغني 3/ 221 مع كلام الفارسي هنا برمته. (2) البيت من شواهد المغني، انظر شرح أبياته 3/ 220 ورواه اللسان والصحاح (سوا)، وفيه الأحزاب مكان الاجراف، وهو تحريف. والبيت من قصيدة فائية في الأغاني (14/ 27) منسوبة إلى رجل من الأنصار أو لحسان. (3) البيت من شواهد شرح أبيات المغني 4/ 13 وما بعدها ورواه في الجمهرة (1/ 178) والبيت منسوب إلى حسان ولم نجده في ديوانه. (4) زيادة في (ط).

سواه هو هو. فأمّا قوله: وما قصدت من أهلها لسوائكا «1» فإنّه عدّى قصدت باللام، وإن كان يعدّى بإلى، كما عدّوا أوحيت وهديت بهما في نحو: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل/ 68]، وفي أخرى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة/ 5] وقال: وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء/ 175] والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف/ 43]. فأمّا سواء فإنّها تستعمل ظرفا، تقول: إنّ سواءك زيدا كما تقول: إن عندك زيدا، فجعله الشاعر اسما في قوله، لسوائكا، وجعله بمنزلة غير إذ كانت بمعناها، وإذا كانت كذلك أجمع عامة العرب فيما زعم أبو الحسن أنّهم «2» يستعملونه ظرفا ولا يستعملونه اسما. ومثل ذلك قولهم: وسط- الساكن الأوسط- هي تستعمل ظرفا، فإذا اضطر الشاعر استعمله اسما كقوله الفرزدق: صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا «3» وقول القتّال الكلابي:

_ (1) للأعشى، وصدره: تجانف عن خل اليمامة ناقتي ويروى (جل): الديوان 89، واللسان (سوا). (2) في (ط): على أنهم. (3) تقدم في ص 39.

من وسط جمع بني قريظ بعد ما ... هتفت ربيعة يا بني جوّاب «1» فكذلك سواء، ولذلك شبهه بالظرف في قولهم: أتاني القوم سواءك «2» فقال: كأنه قال: أتاني القوم مكانك. واستدل على كونه ظرفا بوصلهم الذي بها في «3» نحو: أتاني الذي سواؤك. [قال أبو علي: سواك أشبه] «4». وزعم أبو الحسن أن هذا الذي استعمل ظرفا إذا تكلم به من يجعله ظرفا في موضع رفع نصبوه استنكارا منهم لرفعه، لأنه إنما يقع في كلامهم ظرفا، فيقولون: جاءني سواؤك، وفي الدار سواؤك. وفي كتاب الله [تعالى]: «5» وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ [الجن/ 11] وقال: مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ [الأعراف/ 168]، وقال: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام/ 94] وقال: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ «6». قال: وتقول معي فوق الخماسي ودون السداسي، ولك السداسي وفوقه، وجئتك بسداسي أو فوقه، وهو بالبصرة أو دونها، فكل ذلك نصب. قال أبو الحسن وأخبرني بعض النحويين أنّه سمع العرب يقولون: ارقبني في سوائه، فأجراه مجرى (غير) وجعله اسما.

_ (1) ورد هذا البيت في اللسان والتاج (وسط) برواية (خوار) بدل (جواب). (2) كذا في (ط)، وهو ما يقتضيه السياق، وفي (م): سواك على إسقاط الهمزة. (3) في (ط): من. (4) سقط ما بين المعقوفين من (ط). (5) زيادة في (ط). (6) في الآية 3 من سورة الممتحنة، وضم ياء يفصل قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وأبي جعفر وهشام من طريق الداجوني. النشر 2/ 387.

قال أبو علي: ولو تأول متأول ما حكاه أبو الحسن من قولهم: ارقبني في سوائه على «سواء» الذي هو الوسط، لا التي «1» بمعنى غير- كما جاء في التنزيل: فِي سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات/ 55]- لكان مذهبا. فيجوز على ما تأوله أبو الحسن في الآي وفي سواء- في قول الشاعر: فلم يبق منها سوى هامد ... وسفع الخدود، وغير النّئيّ «2» أن يكون سوى في موضع نصب، وإن كان فاعلا، لأنّه ظرف. ويجوز أن يكون لما جعله اسما للضرورة رفعه كما رفع وسطا في قولهم: «3» وسطها قد تفلّقا «4» وجعله بمنزلة «غير» لما كان بمعناها، ألا ترى أنّه جعلها بمنزلة غير في عطفها عليها في قوله: وغير النُّئِيّ. كأنّه قال: فلم يبق غير هامد وغير النّئي. وقولهم في الاسم العلم: سواءة «5» ليس من هذا الباب. ألا ترى أن اللام منه همزة وليست منقلبه بدلالة قوله:

_ (1) في (ط): الذي. (2) من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، ورواية، ديوان الهذليين: 1/ 64 وما بعدها: «معا والنُّئِيّ» بدل: وغير النُّئِيّ. (3) في (ط): قوله. (4) تقدم البيت بتمامه ص/ 39. (5) هو سواءة بن عامر بن صعصعة فعالة من قولهم: سؤته أسوؤه مساءة كما في الاشتقاق/ 293.

فأبلغ إيادا إن عرضت وطيّئا ... وأبلغ حليفينا، ومن قد تسوّءا وأما الإنذار فإعلام معه تخويف، فكل منذر معلم، وليس كل معلم منذرا، ولم يمتنع أن يوصف [به] «1» القديم سبحانه في نحو قوله: إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً [النبأ/ 40] لأن الإعلام على الانفراد قد جاز «2» وصفه به. والتخويف أيضا كذلك في قوله: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ [الزمر/ 16]. فإذا جاز الوصف بكل واحد منهما على الانفراد لم يمتنع إذا دلّ لفظ على المعنيين اللذين جاز الوصف بكل واحد منهما منفردا أن يوصف سبحانه به. وأنذرت: فعل يتعدى إلى مفعولين، يدلك على ذلك قوله: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت/ 13] وقال: إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً [النبأ/ 40]، وقال تعالى: قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء/ 45] فتعديته بالباء يحتمل أمرين: يجوز أن يكون لما دل على التخويف أجري مجراه: فقلت «3» أنذرته بكذا كما تقول: خوفته بكذا، ولذلك نظائر. «4» ويجوز أن يكون لما لم يتعد إلى مفعولين، الثاني فيه الأول عدي إلى مفعول واحد كما عدي علمت الذي بمعنى عرفت إلى مفعول واحد، فلما أريد تعديته إلى مفعولين، زيدت الباء لأنّ بناء الفعل على أفعل، فلا يجوز أن تدخل عليه همزة

_ (1) زيادة في م. (2) في (ط): وقد. (3) في (ط): فتقول. (4) في (ط): نظائر كثيرة.

أخرى للثقل، كما أنّه إذا أريد تعدية علمت الذي بمعنى عرفت إلى مفعولين زيدت عليه الهمزة أو ضعفت العين. فإذا حذفت الباء تعدى الفعل إلى المفعول الآخر، كما تعدى: أمرتك الخير واخترتك الرجال. فأمّا قوله تعالى: «1» قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء/ 45] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون الوحي الموحى، فسمّي بالمصدر مثل الخلق والصيد، والوحي: «2» هو العذاب، فيكون كقوله: إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً [النبأ/ 40]، ويجوز أن يكون الوحي يراد به الملك؛ فيكون التقدير في قوله تعالى: «3» إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء/ 45]: أنذركم بإنذار الملك أو بإخباره «4». وقوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها [النازعات/ 45] مثل إنّما أنت معطي زيد، إذا أردت بالإضافة الانفصال، أي منذر من يخشى الساعة كما قال: وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء/ 49]. وقالوا: النذير والنّذر، كما قالوا: النكير والنكر، فجاء المصدر على فعيل وعلى فعل. وفي التنزيل: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ، «5» وفيه: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ. «6» فأمّا قوله تعالى: «7» نَذِيراً لِلْبَشَرِ [المدثر/ 36] فقد قيل فيه قولان:

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) كذا في (ط)، وفي (م): والموحى. (3) زيادة في (م). (4) في (ط): وبإخباره. (5) في الآيات 44 من سورة الحج، 45 من سورة سبأ، و 26 من سورة فاطر، و 18 من سورة الملك. (6) في الآيات 16، 18، 21، 30، 37، 39 من سورة القمر. (7) تعالى ساقطة من (ط)، والآية هي 36 من سورة المدثر.

أحدهما: أن يكون حالا من (قم) «1» المذكورة في أول السورة. والآخر: أن يكون حالا من قوله: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ [المدثر/ 35] فإذا جعل نذيرا حالا مما في قم، فإن النذير اسم فاعل بمعنى المنذر، كما أن السميع كالمسمع والأليم كالمؤلم. وإن جعلته حالا من قوله: (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) فليس يخلو «2» الحال من أن يكون «3» من المضاف أو من المضاف إليه، فإن كان من المضاف كان العامل ما في إحدى من معنى التفرد. وإن جعلت الحال من المضاف إليه كان العامل فيها ما في الكبر من معنى الفعل. وفي كلا الوجهين ينبغي أن يكون نذيرا مصدرا، لأنّ الأول المضاف مؤنث والمضاف إليه مؤنث مجموع، والمصدر قد يكون حالا من الجميع كما يكون حالا من المفرد. تقول: جاءوا ركضا، كما تقول: جاء ركضا. وأما قوله تعالى: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر/ 37] فمن قال: إن النذير النبي صلّى الله عليه وسلّم كان اسم فاعل كالمنذر، ومن قال: إنه الشيب كان الأولى أن يكون مصدرا كالإنذار. وقال أبو زيد: نذر ينذر نذرا، ووفّى بنذره، وأوفى نذره. وقال أبو الحسن: العرب تقول: نذر ينذر على نفسه نذرا، ونذرت مالي فأنا أنذره. أخبرنا بذلك يونس عن العرب. قال:

_ (1) إشارة إلى قوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ، في الآية 2 من سورة المدثر. (2) في (ط): تخلو. (3) في (ط): تكون.

وفي كتاب الله تعالى «1» إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً [آل عمران/ 39] وقال الشاعر: هم ينذرون دمي وأن ... ذر إن لقيت بأن أشدّا «2» وقال عنترة: الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم القهما دمي «3» ومثل الإنذار في أنّه ضرب من العلم قولهم: اليقين، فكل يقين علم، وليس كل علم يقينا، وذلك أنّ اليقين كأنّه علم يحصل بعد استدلال ونظر، لغموض المعلوم المنظور فيه، أو لإشكال ذلك على الناظر. «4» يقوي ذلك قوله عز وجل: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام/ 75] ثم ذكر بعد ما كان من نظره واستدلاله، ولذلك لم يجز أن يوصف القديم سبحانه به، فليس كل علم يقينا لأنّ من المعلومات ما يعلم من غير أن يعترض فيه توقف أو موضع نظر، نحو ما يعلم ببدائه العقول والحواس، ويؤكد ما ذكرنا من ذلك قول رؤبة:

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) من قصيدة عمرو بن معد يكرب الزبيدي في الحماسة، انظر شرح التبريزي: 1/ 174. (3) من معلقته وقبله: ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم انظر ديوانه ص 221 والسبع الطوال ص 363 وشرح المعلقات السبع للزوزني/ 153. (4) بداية نقل نقله ابن سيده عن الفارسي في المخصص السفر 3/ 29.

يا دار عفراء ودار البخدن ... أما جزاء العارف المستيقن [عندك إلا حاجة التفكّن] «1» فوصفه العالم بالمستيقن يقوي أنّه غيره. ومما يبين ذلك ما تراه «2» في أشعارهم من توقفهم عند الوقوف في الديار لطول العهد وتعفي الرسوم ودروسها حتى يثبتوها بالتأمل لها والاستدلال عليها، كقوله: وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهم «3» وقال: توهّمت آيات لها فعرفتها «4» وقال: أم هل عرفت الدار بعد توهّم «5» قال محمد بن السري قالوا في قوله بعد توهم: توهمت الشيء: أنكرته. وعند التباس الأمر وإشكاله يفزع إلى النظر،

_ (1) ديوان رؤبة/ 161 واللسان (بخدن) وفي الديوان (بادر عفراء) وهو تحريف. والرجز من قصيدة طويلة في مدح بلال بن أبي بردة، نقله في المخصص السفر 3/ 29 عن الفارسي. البخدن: اسم امرأة. التفكن كالتفكه: التندم. والشاهد في اللسان (فكن). (2) في (ط): ما روى. (3) هو البيت الرابع من معلقة زهير بن أبي سلمى. وانظر الديوان/ 7. (4) صدر بيت للنابغة الذبياني، وتمامه: لستة أعوام وذا العام سابع. انظر شرح شواهد الشافية/ 108، والديوان/ 48. (5) عجز البيت الأول من معلقة عنترة، وصدره: هل غادر الشعراء من متردم انظر المعلقات السبع/ 73.

ويرجع إلى الدليل، فكذلك قول رؤبة: أما جزاء العارف المستيقن أي: المتوقف المتبين لآثارك ورسومك إلى أن يثبتك، كقول عنترة في ذلك. ومن ذلك الدراية، هي مثل ما تقدم في أنّها ضرب من العلم مخصوص، وكأنّه من التلطف والاحتيال في تفهم الشيء. أنشد أبو زيد: «1» فإنّ غزالك الذي كنت تدّري ... إذا شئت ليث خادر بين أشبل قال أبو زيد: تدّري: تختل. وقال آخر: فإن كنت لا أدري الظباء فإنّني ... أدسّ لها تحت التراب الدواهيا «2» وأنشد أحمد بن يحيى: إما تريني أذّري وأدّري ... غرّات جمل وتدرّى غرري «3»

_ (1) في النوادر ص 20 مع آخر ونسبهما لمطير بن الأشيم الأسديّ وهو جاهلي يقول: الذي كنت تحسبه غزالا تصطاده فكنت تختله هو أسد- وأشبله: أولاده. (2) لا أدري الظباء: من درى الصيد وتدراه ختله، والبيت في اللسان (درى) والمخصص السفر 3/ 31 ولم ينسبه؟؟؟ (3) أذرى الأول بالذال المعجمة: هو على وزن افتعل من ذريت تراب المعدن، أي: نخلته طالبا ما فيه من المعدن. والثاني: من درى الصيد

واختلفوا في الدّرية، وهو البعير الذي يستتر به الصائد من الوحش حتى يمكنه رميها. فقال أبو زيد فيما حكى عنه: هي مهموزة لأنّها تدرأ نحو الوحش، أي تدفع، فأمّا من لم يهمز فإنّه يمكن أن يكون من الدرء «1» الذي هو الدفع فخفف. ويمكن أن يكون من الادّراء الذي هو الختل، لأنّ معنى الختل لها والاحتيال عليها في الاستتار به عنها حتى يرمي «2» ظاهرا. فأمّا الدريئة للحلقة التي يتعلّم عليها الطعان، فرواها السكري مهموزة فيما أنشده عن أبي زيد: كأنّ دريئة لمّا التقينا ... بنصل السيف مجتمع الصّداع «3» [بخط السكري: الدريئة: الحلقة يتعلم عليها الطعن،

_ ختله، وكذلك تدري، وأصله تتدرى فحذفت إحدى التاءين، يقول: أذري التراب وأنا قد أتشاغل بذلك لئلا ترتاب بي، وأنا في ذلك أنظر إليها وأختلها، وهي أيضا تفعل كما أفعل. والبيت في اللسان (درى) والمخصص السفر 3/ 31. (1) مصدر درأه درءا كدفعه دفعا، ودرأة على وزن ضربة، أي: دفعة. (2) في (ط): ترمي. (3) البيت لمرداس بن حصين. وهو في النوادر/ 6 والمخصص السفر 3/ 31 عن أبي زيد. يقول: إنه حين لقي قرنه أنحى على رأسه بالسيف حتى كأن رأسه إذ يتردد عليه السيف دريئة، ورواية النوادر: فكان دريّة بفاء العطف وكان الناقصة. وهي موافقة لرواية ابن دريد المذكورة.

ومجتمع الصداع: الرأس] «1» [كذا رواها السكري في نوادر أبي زيد عن الرياشي. روى ابن دريد فكان دريئة] «2» وكذلك قول الجهنية صاحبة المرثية أنشده «3» [السكري عن أبي حاتم]: «4» أجعلت أسعد للرماح دريئة ... هبلتك أمّك أيّ جرد ترقع «5» بخطه: «6» الجرد: الثياب «7» الخلقان [ضربه مثلا]. «8» ويقال: دريت الشيء ودريت به قال سيبويه: وتعديه بحرف الجر «9» أكثر في كلامهم، وأنشد أبو زيد: أصبح من أسماء قيس كقابض ... على الماء لا يدري بما هو قابض «10» فإذا قال: دريت الشيء، فكأنّ المعنى على ما عليه هذا الباب: تأتيت لفهمه وتلطفت، وهذا المعنى لا يجوز على العالم بنفسه. وقد أجاز أحد أهل النظر ذلك، واستشهد عليه بقول بعضهم: لا همّ لا أدري وأنت الدّاري «11»

_ (1) زيادة في هامش (م). (2) زيادة في (م). (3) في (ط): أنشده مهموزا. (4) زيادة في (م). (5) انظر النوادر: 7 والمخصص السفر 3/ 31. (6) زيادة في (م). (7) في (ط): الثوب الخلق. (8) زيادة في (م). (9) في (ط): جر. (10) البيت لقيس بن جروة- انظر النوادر/ 62. (11) للعجاج، وبعده:

وهذا لا ثبت فيه، لأنّه يجوز أن يكون من غلط الأعراب، فكأنّه سمع دريت وعلمت يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر كثيرا، فظنّ أنّهما في كل المواضع كذلك «1». ومثل هذا من جفاء الأعراب ما أنشده بعض البغداديين: لا همّ إن كنت الذي بعهدي ... ولم تغيّرك الأمور بعدي «2» وقول العجّاج: فارتاح ربّي وأراد رحمتي «3» وقول الآخر: يا فقعسيّ لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرّمه «4» وقال أوس:

_ كل امرئ منك على مقدار ويروى: يا رب مكان لا هم «انظر ديوان العجاج 1/ 120». (1) إلى هنا ينتهي نقل ابن سيده عن الفارسي المشار إليه ص 256. (2) اللسان (روح)، والمخصص: 3/ 4. (3) ديوانه 1/ 421 والمخصص السفر: 3/ 4. وبعده: ونعمة أتمّها فتمّت قال ابن سيده في تفسيره للبيت: ونزلت به بليّة فارتاح الله له برحمته فأنقذه الله منها. وأنشد البيت قال: أي نظر إليّ ورحمني. فأما الفارسي فجعل هذا البيت من جفاء الأعراب. انتهى. (4) لسالم بن دارة. المخصص السفر: 3/ 4.

أبني لبينى لا أحبّكم ... وجد الإله بكم كما أجد «1» وقالت امرأة من أسد: أشار لها آمر فوقه ... هلمّ فأمّ إلى ما أشارا تعني الله سبحانه. فأمّا شعرت فمصدره شعرة بكسر الأول، كالفطنة والدرية. وقالوا: ليت شعري، فحذفوا التاء مع الإضافة للكثرة. وقد قالوا: ذهب بعذرتها، وهو أبو عذرها. «2» ويروى أنّ عليا، عليه السلام، لما قال له عديّ بن حاتم: ما الذي لا ينسى؟ قال: المرأة لا تنسى أبا عذرها، ولا قاتل واحدها. وكأنّ شعرت مأخوذ من الشعار، وهو ما يلي الجسد. فكأنّ شعرت به علمته علم حسّ. وقال الفرزدق: لبسن الفرند الخسروانيّ فوقه ... مشاعر من خزّ العراق المفوّف «3»

_ (1) انظر الديوان/ 21. وورد فيه (لا أحقكم) مكان (لا أحبكم) بمعنى: لا أخاصمكم. ومعنى البيت: أحبكم الله قدر ما أحبكم، بمعنى مقتكم لأنه لا يحمل لهم إلا المقت. (2) العذرة: البكارة، وما للبكر من الالتحام قبل الافتضاض. ويقال: فلان أبو عذر فلانة إذا كان افترعها وافتضها، وأبو عذرتها. انظر اللسان (عذر). (3) من نقيضة: عرفت بأعشاش وما كدت تعرف. ويروى: دونه، وتحته، مكان: فوقه «انظر الديوان: 2/ 553، والنقائض: 2/ 551». الفرند: الحرير. الخسرواني: الحرير الرقيق الصنعة، وهو منسوب إلى

وفي الحديث: «أشعرنها إياه»، «1» أي: اجعلنها الشعار الذي يلي الجسد، كما أن المعنى في البيت: لبسن الفرند الخسرواني مشاعر، فوقه المفوف من خزّ العراق، أي: جعلنها «2» الشعار. فقولهم: شعرت ضرب من العلم مخصوص. فكل «3» مشعور به معلوم، وليس كل معلوم مشعورا به. ولهذا لم يجز في وصف الله تعالى «4» كما لم يجز في وصفه «5» درى، وكان قول الله تعالى في وصف الكفار: «6» وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة/ 12] أبلغ في الذم للبعد عن الفهم من وصفهم بأنهم، لا يعلمون لأنّ البهيمة قد تشعر من حيث كانت تحسّ. فكأنّهم وصفوا بنهاية الذهاب عن الفهم. وعلى هذا قال سبحانه «7»: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ

_ عظماء الأكاسرة. «انظر المعرب للجواليقي» المفوف: الموشى، وهو صناعة اليمن. ومشاعر: نصبت على الحال. (1) قال ذلك صلّى الله عليه وسلّم لمن قام بغسل ابنته من النساء، وكان أعطاهن حقوه: أي إزاره. يريد: اجعلنه في كفنها مما يلي جسدها. والحديث رواه أصحاب الكتب. الستة، والموطأ وأحمد كلهم في باب الجنائز. (انظر مسلم 2/ 647 برقم 939). (2) في (ط): جعلنه. (3) في (ط): وكل. (4) في (ط): عز وجل، بدل تعالى. (5) في (ط): سبحانه. (6) في (ط): في الكفار. (7) في: (م) زيادة قوله تعالى: «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ» وهي زيادة لا شاهد فيها.

الإعراب

[البقرة/ 154] فقال: (ولكن لا تشعرون) ولم يقل ولكن لا تعلمون، لأنّ المؤمنين إذا أخبرهم الله تعالى «1» بأنّهم أحياء علموا أنّهم أحياء، فلا يجوز أن ينفي الله تعالى العلم عنهم بحياتهم، إذ كانوا قد علموا ذلك بإخباره إيّاهم وتيقّنوه، ولكن يجوز أن يقال: ولكن لا تشعرون، لأنّهم ليس كل ما علموه يشعرونه، كما أنه ليس كل ما علموه يحسّونه بحواسّهم، فلمّا كانوا لا يعلمون بحواسّهم حياتهم، وإن كانوا قد علموه بإخبار الله إيّاهم، وجب أن يقال: لا تشعرون، ولم يجز أن يقال: ولكن لا تعلمون على هذا الحدّ. ومن ذلك النقه. قال أبو زيد: نقه عنّي القول نقها ونقوها: إذا فهم عنك القول، قال: وتقول: نقه الرجل من مرضه ينقه نقوها إذا برأ .. وهذا لا يجوز في وصف القديم «2» كما أن الفهم الذي فسّر أبو زيد به النقه لا يجوز في وصفه. [بسم الله] «3» الإعراب قوله تعالى «4»: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة/ 6] لفظه لفظ الاستفهام ومعناه الخبر، ومثل ذلك قولهم: «5» ما أبالي أشهدت أم غبت، وما أدري أأقبلت أم أدبرت. وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام وإن كان خبرا لأن فيه

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (ط): سبحانه. (3) ما بين المعقوفتين زيادة في (م). (4) في (ط) بدون: تعالى. (5) في (م): قوله.

التسوية التي في الاستفهام، ألا ترى إذا استفهمت فقلت: أخرج زيد أم أقام؟ فقد استوى الأمران عندك في الاستفهام، وعدم علم أحدهما بعينه، كما أنّك إذا أخبرت فقلت: «1» سواء عليّ أقعدت أم ذهبت، فقد سويت الأمرين «2» عليك، فلمّا عمّتهما التسوية، جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام، لمشاركته له في الإبهام. فكلّ استفهام تسوية، وإن لم يكن كل تسوية استفهاما. ومثل التسوية- في هذا- الاختصاص في نحو: أنا أفعل كذا أيّها الرجل، واللهم اغفر لنا أيّتها العصابة، لمّا كنت مختصّا نفسك والعصابة في هذا الكلام جرى عليه لفظ النداء من حيث أردت الاختصاص الذي أردته في النداء، كما جرى الاستفهام على التسوية فمن ثمّ صار كل منادى مختصّا، وإن لم يكن كل مختص منادى. ولا يجوز في هذا الموضع (أو) مكان (أم)، لأن المعنى: سواء عليّ هذان، ألا ترى أنك لو قلت: سواء عليّ القيام والقعود، لم يجز إلّا الواو. وكذلك لو أظهرت المصدرين اللذين دلّ عليهما لفظ الفعلين المذكورين في قوله تعالى: «3» اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ [الطور/ 16] لقلت: سواء عليكم الجزع والصبر، ولم تقله بأو، كما قال تعالى:

_ (1) في (ط): قلت. (2) في (ط): بين الأمرين. (3) زيادة في الأصل.

سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ «1» [الحج/ 25] ولو قلت: سواء عليّ العاكف أو البادي، أو سواء عليّ الجزع أو الصبر، لكان المعنى سواء عليّ أحدهما، وسواء عليّ أحدهما كلام محال، لأن التسوية لا تكون إلا بين شيئين فصاعدا. فإن قلت: فقد قال أبو عمرو: إن الأصمعي أنشدهم لرجل من هذيل: وكان سيان ألّا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرّت السّوح «2» فأنشدهموه بأو، وسيّان مثل سواء، ألا ترى أنه لا يستقيم زيد أو عمرو سيان [كما لا يستقيم مع سواء ولا تكون أو بمنزلة الواو. فالقول في ذلك أن هذا على ظاهر الاستحالة التي ذكرنا، وإنما استجاز هذا الكلام بأو لأنّه يراه يقول: جالس الحسن أو ابن سيرين، فيجوز له أن يجالسهما ويسمع: ولا تطع منهم آثما أو كفورا [الإنسان/ 24] فلا يطيعهما، كما أنه إذا قيل له ذلك بالواو كان كذلك. فلما رآها

_ (1) (سواء) قراءة حفص بالنصب وقرأ الباقون بالرفع انظر النشر 2/ 326. (2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، ورواية الديوان طبعة دار الكتب (1: 180). وكان مثلين ألا يسرحوا نعما ... حيث استرادت مواشيهم وتسريح ولا شاهد فيها. يريد: حيث رادت، أي: جاءت وذهبت. تسريح: أي: حيث سرحت. يقول: إن الموضع مجدب، فسواء سرحوا نعمهم، أم لم يسرحوها، فلا خصب يرتجى. ويروى: استراحت مكان: استرادت. السوح: جمع ساحة، وهي الناحية انظر اللسان (سوا، وسرح)، والخصائص: 1: 348، 2: 465، والخزانة: 2: 342 وشرح أبيات المغني 2/ 30.

تجري مجرى الواو في نحو هذه المواضع أجراها مجراها مع سواء وسيّان. فهذا كلام حقيقته ما ذكرنا، والذي سوّغه عند قائله ما وصفنا. وكذلك قول المحدث: سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه «1» فأمّا قوله: «2» مررت برجل سواء درهمه، وهذا درهم سواء، فمعناه تامّ فهذا يجوز الاقتصار به على اسم مفرد] «3» وكذلك قوله تعالى: «4» وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى [القصص/ 14] أي: كمل وتمّ. فهذا الفعل مثل هذا الاسم، ولو كان من التسوية بين الشيئين لم يستغن بفاعل كما لم يستغن سواء عن اثنين في نحو: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ [الحج/ 25]. فأمّا قوله تعالى: «5» ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى [النجم/ 6] فمعناه: «6» استقام، كقوله: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى [القصص/ 64]. ولا تكون المقتضية لفاعلين، لأن الضمير المرفوع لم يؤكد في الآية. فقوله: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى جملة

_ (1) لأبي محمد يحيى اليزيدي من أبيات هجا بها أبا المقاتل. انظر الخزانة: 4/ 425. وشرح أبيات المغني 2/ 31. (2) في (ط): قولهم. (3) ما بين المعقوفين، مكتوب خطأ في (ط) بعد كلمة سواسية الآتية. (4) زيادة في (م). (5) زيادة في (م). (6) في (ط): معناه، وهو سهو، والفاء في قوله: «فمعناه» ضرورية من أجل أنها جواب (أمّا).

في موضع الحال. ولم يثنّ سواء كما ثني سيّان، وإن كانوا قد كسّروه في قولهم: سواسية. وحكى السكري عن أبي حاتم إجازة تثنية سواء، ولم يصب ابن السجستاني في ذلك، لأنّ أبا الحسن وأبا عمر زعما أن ذلك لا يثنى، كأنّهم استغنوا بتثنية سيّ عن تثنية سواء، كما استغنوا عن ودع بترك. وعلى ما قالا جاء التنزيل في قوله: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ [الحج/ 25] وقوله: اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ [الطور/ 16] فسواء في الآية «1» مرتفع بالابتداء، وما بعده مما دخل عليه حرف الاستفهام في موضع الخبر، وبالجملة في موضع رفع بأنّها خبر إنّ. فأمّا قوله: (لا يُؤْمِنُونَ) فيستقيم أن يكون استئنافا، ويستقيم أن يكون حالا من الضمير المنصوب على حدّ: معه صقر صائدا به غدا وبالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة/ 95] ويستقيم أن تجعله خبر إنّ، فيكون في موضع رفع، ولا يكون لقوله: (سواء عليهم) وما بعده موضع من الإعراب، كما حكمنا على موضعه بالرفع فيما تقدم، لأنّه الآن يصير اعتراضا بين الخبر والاسم، ألا ترى أنه [مما] «2» يؤكد امتناعهم من الإيمان. وهذه «3» الآية ينبغي أن تكون خاصّة لقوم بعينهم «4»، لأن كثيرا من الكفّار قد آمنوا. فإن قلت: لم زعمتم أن (سواء) يرتفع «5» بالابتداء على ما عليه التلاوة، وأنت إذا قدّرت هذا الكلام على ما عليه

_ (1) أي آية البقرة/ 6 المتقدمة. (2) زيادة في (م). (3) في (ط): فهذه. (4) في (ط): بأعيانهم. (5) في (ط): مرتفع.

المعنى فقلت: سواء عليهم الإنذار وتركه كان (سواء) خبر ابتداء مقدّما، فهلا قلت فيها ذلك أيضا قبل تقدير الكلام بالمعنى؟. فالقول في هذا أن (سواء) يرتفع «1» حيث ذكرنا بالابتداء، وإن كان في قوله: «2» سواء عليهم الإنذار وتركه يرتفع بأنّه خبر مقدم. وذلك أنه لا يخلو في قولك: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة/ 6] من أن يرتفع بأنه مبتدأ أو خبر مبتدأ. فإن رفعته بأنه خبر لم يجز، لأنّه ليس في الكلام مخبر عنه، فإذا لم يكن مخبر عنه بطل أن يكون خبرا، لأنّ الخبر إنّما يكون عن مخبر عنه. فإذا فسد ذلك ثبت أنّه مبتدأ. وأيضا فإنّه لا يجوز أن يكون خبرا، لأنّه قبل الاستفهام، وما قبل الاستفهام لا يكون داخلا في حيّز الاستفهام، فلا يجوز إذن أن يكون الخبر عمّا في الاستفهام متقدّما على الاستفهام. فإن قلت: كيف جاز أن تكون الجملة التي ذكرتها من «3» الاستفهام خبرا عن المبتدأ وليست هي هو ولا له ذكر فيها؟ فالقول في ذلك: أنّه كما جاز أن يحمل المبتدأ على المعنى فيجعل خبره ما لا يكون إيّاه في المعنى، ولا له فيه ذكر، كذلك جاز في الخبر لأنّ كلّ واحد منها يحتاج أن يكون صاحبه في المعنى. فما جاز في أحدهما من خلاف ذلك جاز في الآخر، وذلك قولهم: «تسمع بالمعيدي خير من أن

_ (1) في (ط): مرتفع. (2) في (ط): قولهم. (3) في (ط): في.

تراه». «1» ألا ترى أن خيرا خبر عن تسمع، وكما أخبر عنه كذلك عطف عليه في قولهم: تسمع بالمعيدي لا أن تراه، والفعل لا يعطف عليه الاسم كما لا يخبر عنه، إلّا أنّ المعنى لمّا كان على الاسم استجيز فيه الإخبار عنه والعطف عليه، وجاز دخول لا على الاسم من غير تكرير، كما جاز في قولهم: هذان لا سواء، لأن الخبر لم يظهر في الموضعين جميعا. ونظير ما في الآية من أن خبر المبتدأ ليس المبتدأ ولا له فيه ذكر ما أنشده أبو زيد: فإنّ حراما لا أرى الدّهر باكيا ... على شجوه إلّا بكيت على عمرو «2» فإن قلت: أيجوز أن توقع الجملة التي من الابتداء والخبر موقع التي من الفعل والفاعل في نحو: سواء عليّ أقمت أم قعدت، فتقول: سواء علي أدرهم مالك أم دينار، وما أبالي أقائم أنت أم قاعد؟ فالقول في ذلك أنّ أبا الحسن يزعم أنّ ذلك لا يحسن. قال: وكذلك لو قلت: ما أبالي أتقوم أم تقعد؟ لم يحسن، لأنّه

_ (1) يضرب لمن خبره خير من مرآة. ويروى: لأن تسمع بالمعيدي خير، وأن تسمع، ويروى: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. وأول من قاله المنذر بن ماء السماء. والمعيدي: تصغير المعدي، بفتح الميم والعين وتشديد الدال، خففت الدال استثقالا للتشديد مع ياء التصغير (انظر مجمع الأمثال: 1/ 913، والقاموس المحيط: عد). (2) آخر أربعة أبيات رواها في النوادر/ 156، لعبد الرحمن بن جمانة المحاربي، فإن حراما، أي: واجبا.

ليس معه الحرف الذي يجزم. ومما يدلّ على ما قال أن ما جاء في التنزيل من هذا النحو جاء مع المثال الماضي، كقوله تعالى: «1» سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا [إبراهيم/ 21] وقوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [المنافقون/ 6] وسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة/ 6] وقال: سواء عليك اليوم أنصاعت النّوى ... بخرقاء أم أنحى لك السيف ذابح «2» وقال: ما أبالي أنبّ بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم «3» فهذا «4» الكلام، وإن كان قد جرى عليه حرف الاستفهام

_ (انظر الديوان 2/ 873، وخزانة الأدب: 4/ 461). (انظر الكتاب: 1/ 488، والخزانة: 4/ 461). (1) زيادة في (م). (2) من قصيدة لذي الرمة، مطلعها: أمن دمنة جرت بها ذيلها الصبا ... لصيداء مهلا ماء عينيك سافح ذيل الريح: أواخرها. يريد: أماء عينيك سائل من أجل دمنة لصيداء، ثم قال: مهلا، أي: لا تبك. انصاعت: ذهبت. خرقاء: لقب مية التي غالب شعره فيها. ويروى: صيداء مكان خرقاء. أنحى لك: قصد نحوك. (3) لحسان بن ثابت، من قصيدة يهجو فيها ابن الزبعرى وبني مخزوم يوم أحد. ديوانه 1/ 40 ت عرفات. نب التيس: صوت عند هياجه. الحزن: ما غلظ من الأرض، وخصه لأن الجبال أخصب للمعز من السهول. (4) في (ط): وهذا.

للتسوية فهو خبر، فلمّا كانوا قد حذفوا حرف الجزاء واستمرّ حذفه لطول الكلام حيث لو أظهر لم يمتنع- وذلك نحو لأضربنّه ذهب أو مكث- لزم حذف الحرف هنا «1» لإغناء حرف الاستفهام عنه لمقاربة الشرط الاستفهام في اجتماعهما في أنّهما ليسا بخبر، وأنّهما يقتضيان الجواب، وبعض الحروف قد يغني «2» عن بعض، ألا ترى أنّ أن لم تظهر في قولهم: ما كان زيد ليقوم، وأنّ أن قد أغنى عن اللام الجارة في نحو: أتيتك أن احتزّ «3» مودة زيد، ونحو ذلك، وكذلك حروف العطف إذا نصب بها، فكذلك حروف المجازاة لمّا كانوا قد حذفوه في قولهم: لأضربنّه ذهب أو مكث، واستمرّ حذفه مع أنّه [لا حرف] «4» يكون بدلا منه كان حذفه في باب: سواء وما أبالي، للزوم ما ذكرنا من الحرف له أولى. ولم يجز أن يقع موقع التي من الفعل والفاعل التي من الابتداء والخبر، كما لم يجز ذلك في قوله: لأضربنّه ذهب أو مكث، وغير ذلك من المواضع التي يراد فيها الجزاء، ولم يقع إلّا التي من الفعل والفاعل، لتدلّ على الجزاء، كما لم تقع «5» إلّا التي من الفعل والفاعل في نحو: عسى زيد أن يقوم، وكاد يذهب، وبابهما. ولم يستعملوا المصدر ليجري ذكر المثال الذي يدل على الزمان في الكلام لما أرادوا من تقريبه، وإن كان المصدر غير ممتنع استعماله هاهنا، كما قالوا:

_ (1) في (ط) هاهنا. (2) في (ط): تغني. (3) في (ط): اجتر. (4) ما بين المعقوفين زيادة في (م). (5) في (ط): يقع.

«عسى الغوير أبؤسا» «1» فإذا كانوا قد امتنعوا من استعمال الاسم والمصدر هنا، مع أن المعنى في استعماله غير فاسد، فألّا يستعمل حيث معناه الجزاء ولا يصح المعنى في غير الفعل أجدر. فأمّا قوله: «2» سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ [الأعراف/ 193] فإنّما وقع أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ في موضع: أم صمتّم: وجاز ذلك هنا «3» لتقدم التي من الفعل والفاعل، فحسن لتقدّمها أن توقع بعدها التي من الفعل والفاعل، فحسن لتقدّمها أن توقع بعدها التي من الابتداء والخبر، كما جاز ذلك في الجزاء، لأنّها هنا «4» بعد حرف، كما أنّه ثمّ بعد الفاء أو إذا. «5» ولو لم يتقدم «أدعوتموهم» كما أنّه لو لم يتقدم الشرط في نحو: إن تأتني فلك درهم، أو: فعمرو مكرم، ونحو ذلك لم يجز وقوع التي من الابتداء والخبر موقع التي من الفعل والفاعل. ومثل ذلك في وقوع التي من اسمين موقع الفعل والفاعل

_ (1) الغوير: تصغير غار. الأبؤس: جمع بؤس، وهو الشدة. وهذا مثل قالته الزباء لقومها فيما يقال، حين رجع قصير من العراق ومعه الرجال، فبات بالغوير. على طريقه وقيل غير ذلك، وذكره البخاري في الفتح 5/ 274 من حديث عمر. معناه: لعل الشر آتيكم من الغوير. ويضرب للرجل يجيء من قبله الشر. وأبؤسا: منصوب إما على تقدير أن يكون، وإما على أن عسى بمنزلة كان. (انظر مجمع الأمثال: 2/ 17 وكتاب الأمثال/ 300، والخصائص 1/ 98 واللسان (غور) (بؤس). (2) في (ط): وأما. (3) في (ط): هاهنا. (4) في (ط): هاهنا. (5) في (ط): وإذا.

قوله: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ [الروم/ 28] فقوله: فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ واقعة موقع التي من الفعل والفاعل، كأنّه قال: هل لكم مما ملكت أيمانكم شركاء فيساووكم، أي: فكما لا يساويكم مماليككم في أموالكم فيكونون فيها أمثالكم، كذلك لا تسوّوا ما اتخذتموه آلهة بمن يملكهم، وبمن خلقهم وبرأهم. وجاز ذلك لوقوعها بعد الحرف، وأنّ تقدم الاستفهام «1» في قوله: «هل لكم» يضارع تقدم الشرط، فلذلك جاز هذا. وإذا كان الموضع موضع جزاء، ثبت أنّ وقوع المضارع لا يحسن في نحو: سواء عليّ أتقوم أم تذهب، كما لا يحسن في قوله: لأضربنه يمكث أو يذهب، على حدّ لأضربنه ذهب أو مكث. وأمّا التقاء الهمزتين في: أَأَنْذَرْتَهُمْ وتحقيقهما: فمن حجّة من حقّقهما أن يقول: إن الهمزة حرف من حروف الحلق، فكما اجتمع المثل مع مثله مع «2» سائر حروف الحلق، نحو فهّ «3» وفههت وكعّ «4» وكععت، كذلك حكم الهمزة. وممّا يجوّز ذلك ويسوّغه أن سيبويه زعم أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وأناس معه. قال سيبويه: وقد تتكلم «5» ببعضه العرب وهو رديء. «6»

_ (1) في (ط) حرف الاستفهام. (2) في (ط): في. (3) فه، كفرح: عي. (4) كع كمنع وعلم: جبن وضعف. (5) في (ط): وقد تكلم. (6) نص عبارة سيبويه: وقد بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون نبيء، وبريئة. وذلك قليل رديء. (انظر الكتاب: 2/ 170).

ومما يقوّي ذلك من «1» استعمالهم له قولهم «2»: رأّس «3» وسآل وتذأّبت «4» الريح ورأّيت «5» الرجل. فكما جمع الجميع بينهما إذا كانتا عينين، كذلك يجوز الجمع بينهما في غير هذا الموضع. وممّا يقوي ذلك أنّهم قد أبدلوا منها غيرها في نحو: يهريق وهيّاك، «6» كما أبدلوها من غيرها في نحو رأيت رجلأ وهذه حبلأ «7» في الوقف. فكما جرت مجرى سائر الحروف المعجمة في إبدالها من غيرها وإبدال غيرها منها، كذلك تكون سبيلها في اجتماعها «8» مع مثلها، كما اجتمع سائر الحروف مع أمثالها. والحجّة لمن «9» قال: (أانذرتهم)، فلم يجمع بين الهمزتين وخفّف الثانية أن يقول: إن العرب قد رفضت جمعهما في مواضع من كلامهم. من ذلك أنّهم لمّا اجتمعتا في آدم وآدر

_ (1) في (ط): في. (2) ساقطة من (ط). (3) الرءّاس بتشديد الهمزة ممدودة: بائع الرءوس، وكذلك همزة سأّل. (4) تذأبت الريح: جاءت في ضعف من هنا وهنا. (5) رأيت الرجل بتشديد الهمزة: أريته على خلاف ما أنا عليه، ورأيته أيضا: عرضت عليه المرآة وحبستها له ينظر فيها. (6) لغة من سبع لغات في إيا (انظر الهمع: 1: 61). (7) قال سيبويه: «وزعم الخليل أن بعضهم يقول: رأيت رجلأ، فيهمز، وهذه حبلأ، وتقديرهما رجلع، وحبلع، فهمز لقرب الألف من الهمزة، حيث علم أنه سيصير إلى موضع الهمزة، فأراد أن يجعلها همزة واحدة، وكان أخف عليهم» انظر الكتاب: 2: 285. (8) مع مثلها ساقطة من (ط). (9) في (ط): لقول من.

وآخر، ألزموا جميعا الثانية البدل، ولم يحقّقوا الثانية، ولما كسّروا وحقّروا جعلوا هذه المبدلة بمنزلة ما لا أصل له في الهمز فقالوا: أواخر وأويخر، فأبدلوا منها الواو، كما أبدلوها ممّا هو ألف لا يناسب الهمزة، نحو: ضوارب وضويرب. ففي هذا دلالة بيّنة على رفضهم اجتماعهما. ألا ترى أنهم لم يرجعوها في التحقير والتكسير كما رجعوا الواو في ميقات وميعاد والياء من موسر في قولهم: مواقيت ومياسير. ففي ذلك دلالة بيّنة على رفضهم لجمعهما. ومن ذلك أنّا لم نجد كلمة عينها همزة ولامها كذلك، كما وجدنا ذلك في سائر أخوات الهمزة من الحلقية، كقولهم: مهاه وفهّ ويدعّ اليتيم ومحّ وألحّ وضغيغة «1» ومخّ. فأن لم يجمعوا بين الهمزتين في الموضع الذي جمع فيه بين أخواتها، وكرّرت، دلالة على رفضهم لجمعهما. وإذا لم يتوال ذلك في بنات الثلاثة، فألّا يتوالى ذلك في بنات الأربعة أولى. فأمّا نحو: نأنأ «2» وطأطأ «3» وبأبأ «4» الصبيّ أباه، فقد حجز الحرف بينهما، وإنّما الذي ينكر تواليهما من غير أن يحجز بينهما شيء. ومن ثم قال أبو الحسن في بناء مثل قمطر من

_ (1) المهاه: الطراوة والحسن. والفه: العي، ويدع اليتيم: يدفعه، ومح الثوب: بلي، ومن معاني الضغيغة: الروضة الناضرة، والعجين الرقيق (اللسان). (2) نأنأ في الرأي: ضعف ولم يبرمه وعنه: قصر وعجز. (3) طأطأ عن الشيء: خفض رأسه عنه، وطأطأ فرسه: نحزه بفخذيه، وحركه للحضر، أي: السرعة. (4) بأبأ الصبي أباه: قال: بابا.

قرأت: قرأي، فلم يكرّر الهمزة، كما تكرّر سائر اللامات، نحو جلبب «1» وقعدد «2» وعوطط «3». ومن ذلك أنهم ألزموا باب رزيئة وخطيئة عمّا يؤدي إلى اجتماع همزتين فيه، فقالوا: خطايا ورزايا. فلو كان لاجتماعهما عندهم مساغ ما رفضوا ذلك الأصل، كما أنّه لو «4» كان لتحرك العينات في نحو: قال وباع مجاز ما ألزموهما القلب. فإن قال: «5» فقد حكي عن بعضهم: خطائىء، بتحقيق الهمزتين فذلك يجري مجرى الأصول المرفوضة، نحو: .... ظننوا «6» ..... والأظلل «7»

_ (1) جلببه: ألبسه الجلباب، وهو القميص، وثوب واسع دون الملحفة، تلبسه المرأة. (2) القعدد، من معانيه: الحامل والجبان اللئيم القاعد عن المكارم. (3) العوطط: الناقة لم تحمل سنين من غير عقر، عاطت تعيط، وتعوط. (4) ساقطة من (ط). (5) في (ط): قلت. (6) من قول قعنب بن أم صاحب: مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضننوا (انظر الصفحة/ 121 من هذا الجزء). (7) من قول أبي النجم من رجز طويل يصف فيه الإبل لهشام بن عبد الملك: تشكو الوجى من أظلل وأظلل وبعده: من طول إملال وظهر مملل تشكو، الضمير فيه للإبل. الوجى: الحفى. الأظل: باطن خف البعير. الإملال: مل عليه السفر وأمل: طال، والمراد بالإملال السفر، أو أنه من

ولو جاز الاعتداد بذلك وبما «1» أشبهه لجاز أن يقال في تكسير مطية: مطائي لقول «2» بعضهم سماء، «3» فإذا كانوا قد رفضوا ذلك في حال السعة والاختيار- مع أنّه أسهل من اجتماع الهمزتين- فأن يرفض «4» اجتماع الهمزتين أجدر. ومن ذلك أنهم إذا بنوا اسم فاعل من ناء وساء وشاء «5» وجاء قالوا: شاء «6» وناء، فرفضوا الجمع بينهما في هذا الطرف- كما رفضوه أولا في آدم وآخر- إما بالإبدال وإما بالقلب كما يقوله الخليل، وأخذوا- على قول النحويين غير الخليل «7» - بما رفضوه في غيره من توالي الإعلالين. فلولا أنّ اجتماعهما عندهم أبعد من توالي الإعلالين لم يأخذوا بتواليهما المرفوض من كلامهم في هذا الموضع، كما أن إخلاء الفعل من الفاعل لولا أنّه أبعد عندهم من الإضمار قبل الذكر لم يأخذوا بالإضمار قبل الذكر في مثل: نعم رجلا، وضربني وضربت زيدا لمّا كان يلزمهم في هذه المواضع إخلاء الفعل من الفاعل. ومن ذلك أن من قال: هذا فرجّ وهو يجعلّ، فضاعف

_ أمله وأمل عليه، أي: أسامه. (انظر الكتاب: 2: 161، وشرح شواهد الشافية: 491). (1) في (ط): وما. (2) في (ط): كقول. (3) أحد جموع سماء أصلها سمائي وزنه فعائل، وقد جاء هذا الوزن في قول أمية بن أبي الصلت: له ما رأت عين البصير وفوقه ... سماء الإله فوق سبع سمائيا انظر اللسان (سمو). وديوان أمية ص 528. (4) في (ط): يرفضوا. (5) في (ط): ناء وشاء وساء. (6) في (ط): شاء وساء. (7) في (ط): في غير هذا الموضع.

في الوقف حرصا على البيان لم يضاعف نحو النبأ والرشإ، لكنه رفض هذا الضرب من الوقف وما كان يحرص عليه من البيان، لمّا كان يلزمه الأخذ بما تركوه، والاستعمال لما رفضوه: من اجتماع الهمزتين. ومن ذلك أنّ الهمزة إذا كانت مفردة غير متكررة كرهها «1» أهل التخفيف حتى قلبوها أو حذفوها، لئلا يلزمهم تحقيقها، وقد وافقهم في بعض ذلك أهل التحقيق، كموافقتهم لهم في يرى. فلمّا كرهوا ذلك في الإفراد وجب إذا تكررتا ألا يجوز إلا التغيير، ألا ترى أنّ الواو المفردة المضمومة لمّا كنت مخيّرا في تصحيحها وقلبها، ثم انضم إليها أخرى، لزم قلبها وامتنع تصحيحها الذي كان يجوز فيها قبل التكرر، فكذلك الهمزة إذا انضمت إليها أخرى، لزم رفضهما وامتنع جمعهما، كما كان ذلك في الواوين. فكما لم يجمع أحد بين هاتين الواوين كذلك يجب ألا يجمع بين الهمزتين. ومن ذلك أنّ ناسا- إذا اجتمعتا من كلمتين- فصلوا بينهما بالألف في نحو: أاأنت زيد الأرانب «2» كما فصلوا بين النونات في نحو اخشينانّ. فكما ألزموا الفصل بين النونات بالألف، كذلك يلزم في آأنت لئلا تجتمع

_ (1) في (ط): كرهه. (2) جزء من بيت لذي الرمة وتمامه: تطاللت فاستشرفته فعرفته ... فقلت له: آأنت زيد الأرانب انظر ديوانه: 3/ 1849.

الهمزتان. بل ذلك في الهمزتين ينبغي أن يكون ألزم، لما قدّمنا لرفضهم لهما وجمعهم في التضعيف بين أكثر من حرفين نحو ردّد وشدّد. فإذا كانوا قد ألزموا النون في اخشينان [الفصل] «1» بين ما يجتمع مثله فأن يلزموها بين ما رفضوا الجمع بينهما أجدر. فهذه الأشياء تدلّ على رفض اجتماع الهمزتين في كلامهم. فأمّا جمعهما وتحقيقهما في (أَأَنْذَرْتَهُمْ) فهو أقبح من تحقيقهما من «2» كلمتين منفصلتين، نحو قرأ أبوك ورشأ أخيك، لأنّ الهمزة الأولى من (أَأَنْذَرْتَهُمْ) تنزّل منزلة ما هو من الكلمة نفسها، لكونها على حرف مفرد، ألا ترى أنّهم قالوا: لهو وفهو، ولَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الحج/ 58] ولهي، فخفّفوا ذلك كله، كما خفّفوا عضدا فقالوا: عضد، فكذلك الأولى في (أأنذرتهم) لمّا لم تنفصل من الكلمة صارت بمنزلة التي في آخر، كما نزّلت الحروف المفردة التي ذكرتها «3» منزلة فاء الفعل في عضد وفخذ. فأمّا إذا كانتا من كلمتين فاجتماعهما في القياس أحسن من هذا، ألا ترى أن المثلين إذا كانا في كلمة نحو: يردّ ويعضّ، لا يكون فيهما إلا الإدغام؟ ولو كانا منفصلين نحو: يد داود لكنت في الإدغام والبيان بالخيار. فعلى هذا تحقيق

_ (1) زيادة في (ط). (2) في (ط): في. (3) في ط: ذكرناها.

الهمزتين في (أأنذرتهم) وما أشبهه أبعد منه في الكلمتين المنفصلتين. وممّا يقوّي ترك الجمع بين الهمزتين «1» أنّهم قد قالوا في جمع ذؤابة: ذوائب، فأبدلوا من الهمزة التي هي عين واوا في التكسير كراهة للهمزتين «2» مع فصل حرف بينهما. فإذا كرهوهما مع فصل حرف بينهما حتى أبدلوا الأولى منهما فأن يكرهوهما مجتمعتين غير مفصول بينهما بشيء «3» أجدر. وإذا كان الجمع بينهما في: (أأنذرتهم) من البعد ما أريتك فالجمع بينهما في أئمة أبعد، لأنّ الهمزتين لا تفارقان الكلمة، وهمزة الاستفهام قد تسقط في الإخبار وغيره. فكلّما كانتا أشد لزوما للكلمة كان التحقيق منهما «4» أبعد. وممّا يدلّ على ضعف جمع الهمزتين وأن مذهب الجمهور من العرب رفضه عزّتها في باب أجأ «5» وآءة «6» وإنّما قلّ ذلك من حيث لم يستجيزوا اجتماع الهمزتين فأجروا نحو أجأ ذلك المجرى، لمّا كان الفصل بحرف واحد قد جرى في كلامهم مجرى غير الفصل. وذلك نحو قولهم «7» هو ابن عمي دنيا وقنية وعلية وعليان، وهما من علوت. وكذلك رفضوا افعل من حيث رفضوا فعل، وإن كان الفصل في افعل قد وقع بالحرف، فلما لم يعتد بالحرف الفاصل وقلبت الكسرة الواو

_ (1) في (ط): الهمزتين من أأنذرتهم. (2) في (ط): كراهية للهمزتين. (3) في (ط): بشيء بينهما. (4) في (ط): فيهما. (5) أجأ، على فعل بالتحريك: جبل لطيء. (6) الآءة، واحدة الآء: شجر، أو تمر. (7) في (ط): وذلك قولهم.

ياء، كما قلبته في ثيرة وسياط، ولم يكن بالفصل اعتداد، كذلك لم يكن الفصل بالحرف في نحو أجأ فصلا، فرفض ذلك كما رفض التحقيق في جاء ونحوه. فأمّا تحرك الجيم في أجأ «1» وسكون الحرف في دنيا فإن الحركة في هذا النحو قد لا يعتدّ بها لقلّتها، ألا ترى استجازتهم لحذفها في الزحاف؟. ومثل دنيا في أن الحرف الفاصل لم يعتدّ به قولهم: معديّ في معدوّ، ومرضيّ ومسنيّة. «2» ومثله: صيّم وقيّل. ونحو ذلك، ومثله: قائل وبائع، جعل الحرفان كأنّهما وقعا طرفا حيث كان الفاصل بينهما وبين الطرف حرفا. «3» ومثله: أوليّاء «4» أوقعت الألف التي آخرا قبل الآخر بحرف لمّا كان الفاصل بينه وبين الطرف حرفا واحدا. ومثله: أوائل وعيائل، ولو كان الفاصل حرفين كطواويس لم يعلّ. «5» فكما أنّ الحرف المفرد في هذه المواضع لم يفصل، كذلك في باب أجأ لم يفصل، فقلّ ذلك لمّا كان الحرف المفرد في هذه المواضع غير معتدّ به. وإذا لم يعتدّ به صارت الهمزتان كأنّهما قد التقيا، «6» والتقاؤهما ممّا قد رفضوه، فكذلك رفضوا ما كان في حكم التقائهما.

_ (1) في (ط): في نحو. (2) مسنية: من سنت السانية الأرض تسنوها، أي سقتها، فالأرض مسنوة ومسنية. (3) في (ط): حرفا واحدا. (4) تصغير أولاء، وقياس تصغير نظائرها أن تكون الألف في الآخر، نحو: ذيا في تصغير: ذا. (5) في (ط): ولم يعل. (6) في (ط): التقتا.

فإن قلت: إن سيبويه قد ذهب في ألاءة «1» وأشاءة «2» ونحوهما إلى أن اللام يجوز أن تكون همزة، وقد جاء من ذلك حروف. قيل: لم يكن هذا مثل أجأ، للفصل بالزيادة، ألا ترى أنّ الفاصل الذي لم يعتدّ «3» في أوائل لمّا انضم إليه حرف آخر في طواويس اعتدّ به فصلا، وإن كان زائدا فلم يعلّ الحرف، فكذلك الفصل هاهنا «4» لمّا وقع بالزيادة لم يمتنع الحكم عنده بأن اللام همزة، كما امتنع حيث كان الفصل حرفا واحدا. وقد وجدت الزيادة تسوّغ في تألف الحروف ما لولا مكانها لم يسغ. ألا ترى أنّه ليس مثل قنر «5» بلا فاصل بين النون والراء وقد قالوا: شنّير «6» وقالوا: الشّنار، وقالوا: سنّور «7» وسنوّر «8» فائتلف لفصل الزيادة ما لم يكن يأتلف لولا فصلها؟ فكذلك فصل الزيادة بين الهمزتين في ألاءة وأشاءة فيما ذهب إليه. وجاء ذلك في طأطأ «9» ونأنأ «10» ودأدأ «11» للفصل الواقع بينهما، ولأنّ ما يعرض في الثلاثة «12» من كثرة التصرّف لا يعرض في هذا الباب.

_ (1) الألاءة، واحدة الآلاء: شجر حسن المنظر، مر الطعم، لا يزال أخضر صيفا وشتاء. (2) الإشاءة: واحدة الأشاء، وهو صغار النخل. (3) في (ط): به. (4) في (ط): هنا. (5) قنر: هذه كلمة لم توضع في اللغة، وإنما يراد بتأليفها أن العرب لم تصغ عليه. (6) الشنير: السّيّئ الخلق. (7) السنور: الهر. (8) السنور: لبوس من قد كالدرع، وجملة السلاح. (9) طأطأ عن الشيء: خفض رأسه عنه، وطأطأ فرسه: نحزه بفخذيه وحركه للحضر، أي السرعة. (10) نأنأ في الرأي: ضعف ولم يبرمه، وعنه: قصر وعجز. (11) دأدأ: عدا أشد العدو. (12) في ط: في

واعلم أن قول سيبويه: ليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان فتحقّقا، وقوله في باب الإدغام: «1» إن ابن أبي إسحاق وناسا معه يحقّقون الهمزتين وقد تكلّم ببعضه العرب وهو رديء، ليس على التدافع ولكن لأنّه لم يعتدّ بالرديء، أو يكون لم يعتد بالتقاء المحقّقتين لقلّة ذلك بالإضافة إلى ما خفّف إذا اجتمعا. وقد عمل ذلك في أشياء نحو انقحل «2» فعلى هذا يحمل ذلك أيضا من قوله. قالوا: فلمّا رأيناهم قد رفضوا اجتماع الهمزتين في هذه المواضع، لم نجمع بينهما وخفّفنا الثانية، لأنّ في تخفيفها تقريبا من الألف، ألا ترى أنّ الهمزة إذا كانت مبتدأة لم تخفف لأنّ في تخفيفها تقريبا من الساكن؟ فكما أن الساكن لا يبتدأ به كذلك ما قرب من الساكن. فكما جرت مجرى الساكن في تقريبهم إيّاها منه، كذلك تجرى مجراه إذا خففنا الثانية، فتصير بعد الأولى كالألف بعدها. فكما لم تكره الألف بعدها في نحو أادم وأاخر، كذلك المخفّفة بعدها في: «3» (أانذرتهم) لا تكره بعدها، كما تكره إذا حقّقت لما أرينا، مما دلّ على رفض العرب الجمع بينهما محقّقتين. وحجة من فصل بين الهمزتين بألف وخفّف الهمزة الثانية

_ (1) انظر الكتاب: 2/ 410، وأول العبارة هناك: وزعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وأناس معه ... (2) الإنقحل: الذي يبس جلده على عظمه، والفعل قحل كفرح. والمؤلف يريد أن سيبويه ذكر في الكتاب انقحلا وقال: «وانقحل في الوصف لا غير»، ولم يعتد بنحو انزهو لندوره. انظر الكتاب: 2/ 317. (3) في (ط): في نحو.

مع الفصل بينهما بالألف. وهو الثّبت عن أبي عمرو عندنا، لأن سيبويه زعم أن ذلك هو الذي يختاره أبو عمرو. وقد قال أحمد بن موسى: «1» إن خلفا «2» روى عن أبي زيد ذلك في اختلاف الهمزتين، نحو (آينّكم) و (آنزل) «3» أنّه بألف بين الهمزتين وتليين الثانية ولم يفصل سيبويه في حكايته عن أبي عمرو بين المتفقتين والمختلفتين، ألا ترى أنّه قال: وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول آئنك وآأنت «4» [المائدة/ 116]، ثم قال: وهي التي يختار أبو عمرو، «5» فلم يفصل بينهما. وسيبويه وأبو زيد أضبط لمثل هذا من غيرهما. من حجّته أن يقول: إنّي أدخلت الألف بينهما وإن جعلت الثاني بين بين، لأنّها إذا كانت على هذه الصفة فهي في حكم المتحرك، «6» وتخفيفي إياها بأن جعلتها بين الألف والهمزة ليس يخرجها عن أن تكون همزة متحركة، وإن كان الصوت بها أضعف، ألا ترى أنّها إذا كانت مخفّفة في الوزن مثلها إذا كانت محققة؟ ولولا ذلك لم يتّزن قوله:

_ (1) هو ابن مجاهد. وقد سبقت ترجمته في ص/ 6. (2) هو خلف بن هشام أبو محمد البزار المقرئ الأسدي البغدادي. أحد القراء العشرة، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة. ولد سنة 150، وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين. وكان ثقة كبيرا، زاهدا عابدا عالما، وسمع من الكسائي الحروف ولم يقرأ عليه. مات سنة 229 ببغداد (طبقات القراء: 1/ 272). (3) قراءة قالون، وأبي عمرو، وأبي جعفر. انظر إتحاف فضلاء البشر: 28. (4) قراءة الحلواني. (إتحاف فضلاء البشر ص 29). (5) انظر الكتاب: 2/ 168. (6) في (ط): المتحركة.

أأن رأت رجلا أعشى «1» لأنّه كان يجتمع فيه ساكنان وكذلك قول الآخر: كل غراء إذا ما برزت «2» ويدلّ على أنّ المخفّفة من الهمزتين في حكم المحقّقة عند العرب أنّهم أبدلوا الهمزة الثانية إبدالا في المواضع التي اجتمعت فيها همزتان في كلمة واحدة ولم يخفّفوا الثانية. وذلك نحو: آدم، وجاء، وخطايا. ألا ترى أن آدم لو كان قلبها فيه على حدّ القلب في رأس وفأس ورأي لكنت إذا «3» كسّرته رددت الهمزة في التكسير، كما أنّك لو كسّرت فاسا وراسا ورايا لقلت: أرؤس وأرآء. فلو كنت في راي إذا خفّفت إنّما خففت على حد التخفيف في آدم لقلبت الهمزة في التكسير ياء أو واوا، فقلت: أرواء أو أرياء، ولكنت تقول إذا جمعت رايا على فعول رييّ فتقلبها ياء، كما قلبوها في أيمّة ياء لمّا تحركت

_ (1) هو من قول الأعشى: أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به ... ريب المنون ودهر مفسد خبل من قصيدة: ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل؟ ويروى مفند مكان مفسد. المنون: الدهر. خبل: ملتو بأهله. مفند: مخطئ في قوله. انظر الديوان/ 55، والكتاب: 1/ 476، 2/ 167). (2) عجزه: ترهب العين عليها والحسد أورده الكتاب (2/ 167) غير منسوب، ولم ينسبه الأعلم: وقال في شرحه: وصف امرأة حسناء إذا بدت للناظرين خيف عليها الأخذ بالعين لحسنها. (3) ساقطة من (ط).

بالكسر، ألا ترى أنّك إذا قلبتها في ذئب وبئر ياء للكسرة التي قبلها، فكذلك تقلبها ياء في أيمّة للكسرة التي عليها. وقال أبو زيد في جمع رأي أرآء ورئيّ بتحقيق الهمز فيهما وأنشد غيره: ولا يشارك في أرآئه أحدا «1» وقال الراعي في جمع نؤي: وأنآء حيّ تحت عين مطيرة ... عظام القباب ينزلون الروابيا «2» وكذلك الهمزة في رأيت جائيا لم تقلبها كما تقلبها في تخفيف المئر «3» إذا قلت: مير، وإن اتفق اللفظتان كما اتفق اللفظ في بريّة وخطيّة، وإن كان بريّة قلبها للإبدال غير التخفيف، وقلب خطيّة للتخفيف، كما كان لفظها في رال «4» وباس إذا خففت كلفظها في آدم، فكذلك قولك: رأيت جائيا وشائيا وسائيا ونائيا، لا يكون القلب فيه على حدّ مير «5» وذيب. «6» ولو كان كذلك لجعلتها بين بين إذا قلت مررت بجاء، «7» كما أنّك لو قلت: مررت برجل جئز «8» لجعلتها بين

_ (1) لم نعثر على قائله. (2) الأنآء جمع نؤي، وهو حفير حول الخباء أو الخيمة، يمنع السيل. (3) المئر: جمع مئرة، وهي الذّحل والعداوة والنميمة. (4) الرأل: ولد النعامة، وهي رألة. (5) الميرة: الذحل والحقد. (6) قال في الكتاب (2/ 164): «وإن كان ما قبلها (الهمزة) مكسورا أبدلت مكانها ياء، كما أبدلت مكانها واوا وإذا كان ما قبلها مضموما، وألفا إذا كان ما قبلها مفتوحا. وذلك الذئب والمئرة ذيب وميرة. (7) أي كنت تقول: مررت برجل جائئ بجعل الهمزة الثانية بين بين. (8) جئز الرجل: غص بالماء ونحوه كما في اللسان. ويريد كسر الجيم في جئز

بين، وجعلتها كذلك في موضع الرفع إذا قلت: هذا جاء في قول سيبويه «1» الذي زعم أنّه قول العرب، والخليل، وقلبتها ياء في قول أبي الحسن، فقلت: جائي، فتحرّك الياء بالضمّ ولا تحذفها. فلمّا لم يكن على واحد من هذين الأمرين علمت أنّهم قلبوها قلبا. فلمّا لم يخفّفوا الهمزة في هذه المواضع التي ألزمت القلب فيها لاجتماع الهمزتين، ولكن قلبوها قلبا، علمنا أن المخفّفة التخفيف القياسي في حكم المحقّقة عندهم إذ «2» رفضوا المخفّفة التي بين بين في المواضع التي أرينا، مع المحقّقة، كما رفضوا المحقّقتين. فإذا رفضوها رفضها لم يجز أن يجتمعا، كما لم يجز أن يجتمع المحقّقتان، وإذا لم يجز اجتماعهما مخفّفة الآخر منهما كما لم يجز اجتماعهما محقّقتين في (أأنذرتهم) لزم ألّا يجمع بينهما، ولا سبيل إلى ترك الجمع بينهما إلّا بأن تحذف إحداهما أو تقلب أو يفصل بينهما بالحاجز الذي هو الألف. فلما لم يجز الحذف في واحد منهما ولا القلب لأنّه ليس من المواضع التي تقلب فيها الهمزة، ثبت وجوب الفصل بينهما بالألف، ووجب إلزام الفصل بينهما بها، إذ كان الجميع قد ألزموا الفصل بها بين الأمثال في قولهم: اخشينانّ، مع أن هذه الأمثال قد جمعوا بينهن في «3» ردّد وشدّد وقضّض، وما أشبه ذلك.

_ اتباعا لكسر الهمزة حتى يتم تمثيل جائئ به. (1) انظر الكتاب: 2/ 164. (2) في (ط): إذا. (3) في (ط): في نحو.

فإذا ألزموا الفصل بها بين الأمثال التي لم يرفضوا الجمع بينها في نحو: ما ذكرنا فأن يلزموا الفصل بها بين ما رفضوا الجمع بينه من الهمزتين والهمزات أولى. وإذا كان كذلك ثبت أن أولى هذه الوجوه وأصحّها في مقاييس العربية الفصل بينهما بالألف. وإذا «1» لزم الفصل ففصل خفّف الثانية على لغة أهل الحجاز، كما خفّفوها في نحو: هباءة وقراءة، ألا ترى أن الألف التي للفصل بمنزلة التي في هباءة، وأنّهم خفّفوا الهمزة المفتوحة بعدها، كما خفّفوا المكسورة والمضمومة بعدها في نحو المسائل وهذا جزاء زيد؟ وما رواه أبو زيد وسيبويه والعباس «2» بن الفضل عن أبي عمرو من إلحاق الألف للفصل بين الهمزتين المختلفة حركتاهما، نحو: آأنزل وآألقى، كإلحاقه إياها بين الهمزتين المتّفقة حركتاهما؛ نحو (آأنذرتهم) أثبت في القياس من رواية من حكى عنه الفصل، ألا ترى أن هذه الألف إنما فصل بها كراهة لاجتماع الهمزتين، وأنّ الحركة الفاصلة بينهما، وهي حركة الهمزة الأولى سواء كان فتحة أو ضمة أو كسرة. فأمّا حركة الهمزة الثانية فبعد التقاء الهمزتين. فإذا كان كذلك فلا فصل بين (أَأَنْذَرْتَهُمْ) وأَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ [القمر/ 25] وأَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ [الأنعام/ 19] من طريق القياس. وإذا اختلفت الرواية وكان أحد الفريقين أضبط، وعضد الضبط والثبت القياس، وموافقة الأشباه، كان الأخذ بما جمع

_ (1) في (ط): فإذا. (2) العباس بن الفضل. هو أبو الفضل الأنصاري البصري. ستأتي ترجمته ص 376.

هذين الوصفين أولى وأرجح. وما روي عن أبي عمرو من قوله: (آأنذرتهم) إنّما هو عندنا على الاستئناف «1» دون الدرج. ولو أدرج القراءة فقال: (سواء عليهم أأنذرتهم) لوجب في قياس قول أبي عمرو الذي حكاه عنه سيبويه أن يحذف الهمزة الأولى من (أأنذرتهم) لسكون ما قبلها، ويلقي حركتها على الميم، فإذا فعل ذلك لزم أن يحذف الألف التي كانت مجتلبة للفصل، ويخفّف الثانية، كما كان خفّفها وقد فصل بينها وبين الأولى بالألف، فيجعلها بين بين فيقول: (عليهم أأنذرتهم). وكذلك قياس قوله في: (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ) «2» أن يقول: قل أإنكم لتشهدون «3» [الأنعام/ 19] ألا ترى أنّك لو حذفت النون الأولى «4» من اخشينانّ فقلت: اخشينّ يا هذه أو اخشينّ يا هذا لحذفت «5» الألف، لزوال ما أردت الفصل بها «6» بين النونات؟ فإن قلت: فكيف يستقيم له أن يحذف حرفا قد كان أثبته، فإنّ ذلك لا يمتنع فيما يلزم من حكم الوصل والوقف، ألا ترى أنّك إذا وصلت قوله فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ «7» قلت: (فليؤد الذيتمن أمانته)؟ وإن شئت همزت فحذفت الياء من الذي وهمزة الوصل، وقلبت الواو التي كانت في قولك:

_ (1) يريد بالاستئناف الابتداء بها والوقوف على «عليهم»، ويريد بالدرج الوصل. (2) في (ط): قل أاإنكم لتشهدون. (3) في (ط): قل إنكم لتشهدون. (4) ساقطة: من (ط). (5) في (ط): فحذفت. (6) في (ط): به. (7) سورة البقرة: 283، وهي قراءة ورش وأبي جعفر وأبي عمرو. الإتحاف: 101.

البقرة: 7

اؤتمن «1» ياء أو همزة فهذا أكثر في التغيّر مما ذكرت لك من حذف الألف المجتلبة للفصل ولا خلاف في ذلك بين الناس، فكذلك حكم حذف الألف المجتلبة للفصل بين النونات إذا وصلت الهمزة الأولى بما قبلها من الساكن. بسم الله «2» [البقرة: 7] قوله تبارك وتعالى: «3» غِشاوَةٌ في سورة البقرة. [الآية/ 7] قرءوا كلهم رفعا، إلّا أنّ المفضل الضبيّ روى عن عاصم (وعلى أبصارهم غشاوة) بالنصب «4». قال أبو علي: قالوا: ختم على كذا يختم، قال تعالى: «5» فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [الشورى/ 24] وقال: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ [يس/ 65] والمصدر الختم. وقالوا طبع عليه بمعنى ختم عليه. وقد قالوا: طبعه فعدّي بلا حرف. ولا يمتنع ذلك في القياس في ختم، قال: كأنّ قرادي زوره طبعتهما ... بطين من الجولان كتّاب أعجما «6» وقد روي عن الحسن في قوله تعالى:

_ (1) أي في الابتداء بها. (2) زيادة في (م). (3) في (ط): عز وجل. (4) السبعة 138. (5) في (ط): قال، بدون تعالى. (6) البيت لملحة الجرمي، وقيل: لعدي بن الرقاع، يمدح عمر بن هبيرة. قرادي زوره: يريد حلمتي ثدييه، الواحد قراد. الجولان: موضع بالشام، بينه وبين دمشق مسيرة ليلة. وطين الجولان إلى السواد. كتاب أعجم، يريد كتاب الروم والفرس، لأنهم حينئذ كانوا أحذق بالكتابة. يصف قراديه بالصغر، ويشبههما بأثر طين خاتم ختمه بعض كتاب العجم (انظر شرح التبريزي للحماسة: 4/ 267، والصحاح، والأساس واللسان

مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ [المطففين/ 25]. أنّه قال مقطعه مسك. وأظنّ «1» أبا عبيدة «2» اعتبر ما روي عن الحسن في تفسير الآية، «3» لأنّه قال في قوله: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ: له ختام، أي: عاقبة ختامه مسك، أي: عاقبته، وأنشد لابن مقبل: مما يفتّق في الحانوت ناطفها ... بالفلفل الجون والرمان مختوم «4» فتأوّل الختام على العاقبة ليس على الختم الذي هو الطبع. وهذا قول الحسن: مقطعه مسك. ولا يستقيم أن يتأوّل المختوم في الآية في صفة الرحيق على معنى الختم الذي هو الطبع لقوله: وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد/ 15] وقال: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [الواقعة/ 17] وقال: «5» يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [الصافات/ 46] فقوله: (بيضاء) مثل قوله: قواريرا قواريرا من فضة [الإنسان/ 15 - 16] أي: قوارير كأنّها في بياضها من

_ (قرد) وينسبه الأساس إلى ابن ميادة. والرواية فيها جميعا أعجم بكسر الميم. والبيت آخر خمسة أبيات أوردها التبريزي مجرورة الروي. (1) في ط: وأظن أن. (2) انظر مجاز القرآن له 2/ 290. (3) في (ط): هذه الآية. (4) يفتق، فتق الشيء، شقه. الحانوت: دكان الخمار. ناطف، نطف الماء كنصر وضرب: سال. الجون: يطلق على الأبيض والأسود، ويروى الشطر الأول في الديوان (268): صرف ترقرق في الناجود ناطلها. والمعنى: آخر ما تجد من طعم هذه الخمر هو طعم الفلفل والرمان. (5) في (ط): وقال عز وجل.

فضة. فهذا على التشبيه لا على أن القوارير من فضة قال: حلبانة ركبانة صفوف ... تخلط بين وبر وصوف «1» أي: كأن يديها في إسراعها في السير يدا خالطة وبرا بصوف، فالمعنى على التشبيه وإن لم يذكر حرفه. وقال: «2» فهنّ إضاء صافيات الغلائل «3» ومثل قوله تعالى: «4» خِتامُهُ مِسْكٌ [المطففين/ 26] قوله تعالى: كانَ مِزاجُها كافُوراً [الإنسان/ 5] المعنى فيها أنّها في طيب الرائحة وسطوعها، وأرجها كأرج المسك والكافور.

_ (1) في الصحاح (حلب): تجمع مكان تخلط. وقبله كما في اللسان (حلب، وصوف): أكرم لنا بناقة ألوف حلبانة: ذات لبن. ركبانة: تصلح للركوب. صفوف: تصف أقداحا من لبنها إذا حلبت لكثرة ذلك اللبن. تخلط بين وبر وصوف، أي: تباع فيشترى بثمنها غنم وإبل، وقال الأصمعي: تسرع في مشيتها. شبه رجع يديها بقوس النداف الذي يخلط بين الوبر والصوف. (2) في (ط): قال. (3) صدره: علين بكد يون وأبطنّ كرّة والبيت للنابغة في وصف الدروع. ويروى: أشعرن مكان أبطن. الكديون، كفرعون: دقاق التراب عليه دردي الزيت، تجلى به الدروع. الكرة: البعر العفن، تجلى به الدروع. الإضاء جمع أضاة وهي الغدير أراد أنهن مثل الاضاء وقد يجوز أن يريد فهن وضاء، أي حسان، جمع وضيء، ثم أبدلت الهمزة من الواو. (انظر اللسان: أضا، وكر) والديوان/ 71. (4) في (ط): قوله، بدون تعالى.

فأمّا قوله: كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا [الإنسان/ 17] فإنّه يدلّ على لذاذة المطعم، لأنّ الزنجبيل يحذي «1» اللسان. وزعموا: أنّ ذلك من أجود الأوصاف للخمر عند العرب، قال الأعشى: معتقة قهوة مزّة «2» ومثل تشبيهها بالزنجبيل في الآية للذاذة المطعم قوله: كأن القرنفل والزنجبي ... ل باتا بفيها وأريا مشورا «3» فهذا يريد به طيب الطعم، لذكره مع ما يطعم، ويدلّ على أنّهم يقصدون ما يحذي اللسان بالوصف بطيب الطعم قول ابن مقبل: ........ ناطفها ... بالفلفل الجون والرّمان مختوم «4» فأمّا قوله تعالى: «5» وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ «6» [الأحزاب/ 40] فخاتم اسم فاعل من ختمهم أي صار آخرهم. والأحسن أن تجعله اسم فاعل ماض ليكون معرفة، لأن قبله

_ (1) يحذي اللسان: يقرصه. (2) لم نعثر عليه في ديوانه. (3) البيت للأعشى، ورواية الديوان (93). كأن جنيا من الزنجبي ... ل خالط فاها وأريا مشورا الأري: العسل. المشور، شار العسل من باب قال: اجتناه. (4) سبق قريبا ص 292 من هذا الجزء. (5) في ط: قوله، بدون تعالى. (6) سورة الأحزاب: 40، وهي قراءة السبعة عدا عاصم، فقد قرأ بفتح التاء. النشر 2/ 348.

معرفة، وحكم المعطوف أن يكون مشاكلا للمعطوف عليه. وقد يجوز أن ينوى بالانفصال، وإن كان ذلك فيما مضى، على أن يحكى الحال التي كان عليها، وإن كانت القصّة فيما مضى؛ كقوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف/ 18] فحكى ما كان. وروي أن الحسن قرأ: (وخاتم النبيين) كأنّه جعل النبي صلّى الله عليه وسلّم «1» هو الذي ختم به. فأمّا قول الشاعر: إذا فضّت خواتمها وفكّت ... يقال لها دم الودج الذبيح «2» فليس تخلو الخواتم من أحد أمرين، إما أن تكون جمع الخاتم الملبوس، أو تكون جمع المصدر. فإن كان جمع الملبوس فقد حذف المضاف من الكلام، والتقدير: إذا فض ختم خواتمها، وأضيفت الخواتم إليها لما كان من الختم عليها بها، ولحقت علامة التأنيث لأنّ القصد، وإن كان للختم في المعنى، فقد جرى في اللفظ على الخواتم، فلحقت العلامة لذلك. وإن كان جمع المصدر فليس يخلو من أن يكون للختم أو للختام. فإن كان جمعا للختام كان بمنزلة قولهم للجزاء الجوازي، قال الحطيئة:

_ (1) في (ط): صلّى الله عليه بدون وسلّم. (2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، يصف الخمر: ويروى: بجت، مكان فضت. (انظر ديوان الهذليين: 1/ 69، واللسان: ذبح) بج: شق. الودج: عرق في العنق.

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس «1» وقالوا في جمع اليعار: اليواعر قال: لها بين جرس الراعيين يواعر «2» وفي جمع الدخان: الدواخن، فكذلك تكون الخواتم إذا كان جمع الختام. وإن كان جمع ختم فقد قالوا: حرّة وحرائر، وكنّة «3» وكنائن. وقالوا: مشابه في جمع شبه، وملامح في جمع لمحة. فجمع ختم على خواتم أسهل، لأن فواعل إنما هو جمع فاعل، وفاعل قد جاء في المصادر، مثل العاقبة والعافية وما باليت به بالة «4»، والفالج، وفي حروف أخر. فإن كان الخواتم جمع المصدر كان الكلام على ظاهره، وكان المفضوض هو الخواتم أنفسها، من حيث كان جمع ختم، لا المضاف المحذوف.

_ (1) من قصيدة في هجاء الزبرقان (انظر الديوان: 54، وبغية الآمل: 5: 57). (2) صدره: لنا ثلة مقصورة حضنية والبيت لرجل من بني سعد، جاهلي. ويروى الراغبين مكان الراعيين (انظر النوادر/ 34، 35). ثلة: جماعة من الغنم. حضنية: شديدة السواد أو الحمرة. الجرس: الحركة والحسن. اليواعر: جمع اليعار، وهو صوت الماعز، وهذا عند المؤلف. وفي النوادر أن اليواعر جمع الياعر والياعرة، أي: المصوت والمصوتة. (3) الكنة، بالفتح: امرأة الابن أو الأخ. (4) بالة، أصلها: بالية، بمنزلة العافية. انظر سيبويه، 2/ 392 واللسان/ بلي/.

فأمّا قوله: «1» يقال لها دم الودج الذبيح فوصف الدم بالذبيح، فليس يريد بالذبيح المذبوح الذي تفرى أوداجه وينهر دمه، وإنما أراد بالذبيح: المذبوح، أي المشقوق، كما قال: نام الخليّ وبتّ الليل مشتجرا ... كأنّ عينيّ فيها الصّاب مذبوح «2» أي: مشقوق. وكذلك قول الآخر: فارة مسك ذبحت في سكّ «3» أي: شقّت وقالوا: أخذه الذّباح، وهو- فيما زعموا- تشقّق يكون في أظفار الأحداث أو أصابعهم. فالذبح: الشقّ. وقيل لما يذكي الذبيحة: ذبح، لأنّه ضرب من الشقّ، فقالوا:

_ (1) سبق قريبا ص 295. (2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. بات فلان مشتجرا، إذا اعتمد بشجره على كفه. والشجر: مفرج الفم وقيل مؤخره. الصاب: شجرة مرة، لها لبن يمض العين إذا أصابها، أبيض. انظر ديوان الهذليين: 1: 104، واللسان: ذبح، وشجر). (3) لمنظور بن مرثد الأسدي آخر أبيات خمسة في اللسان (ذبح). وقبله: كأن بين فكّها والفك فارة المسك: نافجته، أي: وعاؤه. السك: طيب يتخذ من الرامك، وهو شيء أسود يخلط بالمسك.

ذبحت الشاة. وذبحت البقرة. وقالوا في الإبل: نحرت، لمّا كانت توجأ في نحورها. فوصف الدم بأنّه ذبيح، والمعنى أن الدم مذبوح له، كما أن قوله: بِدَمٍ كَذِبٍ [يوسف/ 18] معناه: مكذوب فيه، وليل نائم أي: ينام فيه، وكذلك نهار صائم. فأمّا «1» قول الفرزدق: فبتن بجانبيّ مصرّعات ... وبتّ أفض أغلاق الختام «2» فكأنه من المقلوب، أي: أفض ختام الأغلاق، ألا ترى أنّ الأغلاق والأقفال المختوم عليها إنّما يفضّ الختم الذي عليها، والفضّ إنّما هو تفريق أجزاء الختم، وتفريق غيره، وفي التنزيل: حَتَّى يَنْفَضُّوا [المنافقون/ 7] أي يتفرقوا فيبقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «3» بلا أنصار ولا أتباع. والختام في بيت الفرزدق لا يخلو من أن يكون واحدا أو جمعا. فأمّا الذي «4» في الآية فقد تأوله أبو عبيدة على أنه واحد. فإن قلت: إنه في البيت جمع ختم، لأن لكل غلق ختما فجمع الختم، فهو قول، لأن المصادر قد تجمع، كقوله:

_ (1) في (ط): وأما. (2) من قصيدة في مدح هشام بن عبد الملك (انظر الديوان: 2: 836). الأغلاق، جمع غلق بالتحريك، وهو ما يغلق به الباب. (3) في (ط): صلّى الله عليه بدون وسلّم. (4) كذا في (ط)، وفي (م) التي، وهي لا تتفق مع قوله: تأوله إلا بتأويل.

هل من حلوم لأقوام فتنذرهم «1» وتقول «2» إن الختام الذي تأوله أبو عبيدة على أنه مفرد إنّما هو في خاتمة الشيء الذي هو آخره وخلاف فاتحته، والختم الذي يعني به الطبع معنى غيره، فليس يلزم إذا أفرد ذاك أن يفرد هذا أيضا. وقال الأعشى: وتترك أموال عليها الخواتم «3» هو على ضربين «4» يجوز «5» أن يكون «6» عليها نقش الخواتم فحذف، ويمكن «7» أن يكون جمع ختما «8» على الخواتم، كما جمع الهجر على الهواجر وقال: مقيم على قول الخنا والهواجر «9»

_ (1) صدر بيت لجرير، من قصيدة في هجاء التيم وعجزه: ما جرب الناس من عضي وتضريسي الديوان/ 323 (ط: الصاوي) والتضريس: العض الشديد بالأضراس. (2) كذا في (ط): وفي (م): ويقول. (3) صدره: يقلن حرام ما أحل بربنا ورواية الديوان (79): وتترك أموالا. والبيت من قصيدة من هجاء يزيد بن مسهر الشيباني. (4) هو على ضربين ساقطة من (ط). (5) في (ط): فيجوز. (6) في (ط): تقديره. (7) كذا في (ط). وفي (م): وعلى أن يكون. (8) في (ط): الختم. (9) صدره: وإنك يا عام بن قارس قرزل والبيت لسلمة بن الخرشب الأنماري، يخاطب عامر بن طفيل. ويروى: معيد مكان مقيم. قرزل: اسم فرس للطفيل. المعيد: الذي يعاود الشيء مرة بعد مرة. الخنا: الفحش. الهواجر، قيل: جمع هجر شذوذا.

وأما الغشاوة فلم أسمع منه فعلا مصرّفا بالواو. فإذا لم نعلم منه ذلك وكان معناها معنى ما اللام منه الياء من غشي يغشى بدلالة قولهم: الغشيان. ومعناه ما غطّى الشيء وعلاه فغمره وستره، كقوله تعالى، «1» فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ [طه/ 78] وإِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ «2» [الأنفال/ 11] ووَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ [نوح/ 7] والْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى، فَغَشَّاها ما غَشَّى [النجم/ 53، 54]. وقال الأعشى: وولّى عمير وهو كاب كأنّما ... يطلّى بورس أو يغشّى بعظلم «3» فالغشاوة من الغشيان كالجباوة من جبيت في أنّ الواو كأنّها بدل من الياء، إذ «4» لم يصرّف منه فعل، كما لم يصرّف من الجباوة.

_ والهجر: الكلام القبيح. والصحيح أنها جمع هاجرة، بمعنى الهجر، فتكون من المصادر التي جاءت على فاعلة، مثل العاقبة والكاذبة، والعافية. وشاهد الهاجرة بمعنى الهجر قول الشاعر: إذا ما شئت نالك هاجراتي ... ولم أعمل بهن إليك ساقي (انظر اللسان: هجر) والمؤلف وقف عند الرأي الأول. (1) في (ط): كقوله بدون تعالى. (2) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. النشر 2/ 276. (3) رواية الديوان (127): بحص مكان بورس: والبيت من قصيدة في هجاء عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان. الورس: نبت أصفر يكون باليمن، تتخذ منه الغمرة، وهي طلاء للوجه: الحص: الورس، أو الزعفران. العظلم: عصارة شجرة أو نبت يصبغ به. (4) في (ط): وإن.

قال سيبويه قالوا: غشيته غشيانا كالحرمان. وإن شئت قلت: إن غشي يغشى مثل رضي يرضى، ولام الكلمة الواو بدلالة غشاوة وغشوة. ويكون الغشيان كعليان ودنيا ونحو ذلك. وقوله تعالى: وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [البقرة/ 7] في المعنى مثل: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة/ 18] وكذلك قوله تعالى: صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ [الأنعام/ 39] لأنّ وصف البصر بالكون في الظلمات بمنزلة الوصف بالعمى. وكذلك، وصفه بكون الغشاوة عليه، لأنّه في هذه الأحوال كلّها لا يصحّ به إبصار. فقوله: «1» في الظلمات متعلق بمحذوف. وروي لنا عن الكسائي: غشاوة وغشاوة وغشاوة، وعن غيره. ويذهب قوم من المتأوّلين إلى أنّ معنى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة/ 7] ختم عليها بأن طبع عليها ووسمها سمة تدل على أن فيها الكفر، ليعرفهم من يشاهدهم من الملائكة بهذه السمة، ويفرقوا بينهم وبين المؤمنين الذين في قلوبهم الشّرح والطمأنينة اللذان وصفوا بهما في قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ «2» [الزمر/ 22]. وقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [الرعد/ 28]. والختم والطبع واحد، وهما سمة وعلامة في قلب المطبوع على قلبه. وكما ختم على قلب الكافر وطبع فوسم بسمة تعرف بها الملائكة كفره كذلك وسم قلوب المؤمنين

_ (1) في (ط): وقوله. (2) سقطت الآية في (ط).

بسمات تعرفهم الملائكة بها كما عرفوا بها الكافر. ومن ثمّ قال بعض المتأوّلين في قوله تعالى: «1» وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف/ 28] أي: لم نسم قلبه بما نسم به قلوب الذاكرين لله، لأنّ الله تعالى وسم قلوب الذاكرين «2» بسمات تبيّن لمن شاهدها من الملائكة أنّهم مؤمنون، كما قال: «3» أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة/ 22] أي علامته، فإذا لم يسمهم بهذه السّمة فقد أغفلهم. ومثل ما تأولوا في هذا من أنّه علامة يعرف بها الكافر من المؤمن مناولة الكتاب باليمين وبالشّمال، في أنّ المناولة باليمين علامة أن المناول باليمين من أهل الجنة، والمناول بالشّمال من أهل النار. وقوله: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ [النساء/ 155] يحتمل أمرين أي طبع عليها وختم جزاء للكفر وعقوبة عليه، كقوله: نزائع مقذوفا على سرواتها ... بما لم تخالسها الغزاة وتركب «4» وكقولهم: «بما لا أخشى بالذئب» «5» فيمكن «6» أن يكون

_ (1) في (ط) قوله بدون تعالى. (2) في (ط): المؤمنين. (3) في (ط): قال تعالى. (4) البيت للطفيل الغنوي. ديوانه 23 النزائع من النجائب هي التي تجلب إلى غير بلادها ومنتجها، والتي نزعت إلى أعراق. مقذوفا: مرميا باللحم. سرواتها: أعاليها، تخالسها: تروم اختلاسها. وفي ديوان الطفيل تسهب بدل تركب. أي: تترك وتهمل. (5) جاء في اللسان «خشى»: «وفي المثل: لقد كنت وما أخشى بالذئب» أي: أخوف. و «بما» هنا في معنى ربما. انظر الأمثال لأبي عبيد/ 96 (6) في (ط): وقد يجوز، بدل فيمكن.

قوله: بل طبع الله عليها بكفرهم، أي طبع عليها بعلامة كفرهم، كما تقول: طبع عليه بالطين، وختم عليه بالشمع. ويجوز أن يكون قوله تعالى: «1» خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [البقرة/ 7] وصفا للذي ذمّ بهذا الكلام بأن قلبه ضاق عن قبول الحكمة والإسلام والاستدلال على توحيد الله تعالى وقبول شرائع أنبيائه عليهم السلام «2» فلم ينشرح له ولم يتّسع لقبوله، فهو خلاف من ذكر في قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر/ 22]. ومثل ذلك قوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد/ 24] ومثله: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت/ 5] ومن ذلك قوله: «3» وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ [البقرة/ 88] إنّما هو جمع أغلف، أي في غلاف كقوله: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ، وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ [الأعراف/ 179] ويقوّي ذلك أن المطبوع على قلبه وصف بقلة الفهم بما يسمع من أجل الطبع، فقال: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء/ 155] وقال: وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [التوبة/ 87]. ومما يبيّن ذلك قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ [الأنعام/ 46] فعدل الختم على

_ (1) في (ط): قوله، بدون تعالى. (2) زيادة في (م). (3) في (ط): قوله تعالى.

القلوب بأخذه السمع والبصر، فدلّ هذا على أنّ الختم على القلب هو أن يصير على وصف لا ينتفع به فيما يحتاج فيه إليه، كما لا ينتفع بالسمع والبصر مع أخذهما، وإنّما يكون ضيقه بألّا يتّسع لما يحتاج إليه من النظر والاستدلال الفاصل بين الحقّ والباطل. ومن ذلك قوله تعالى: «1» وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ [الأنعام/ 125] فهذا كلام كالمثل، أي: من يستحقّ الإضلال عن الثواب يجعل صدره ضيّقا في نهاية الضيق لما كان القلب محلا للعلوم والاعتقادات بدلالة قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها [الأعراف/ 179] [فوصفه] «2» بالضيق وأنّه على خلاف الشرح والانفساح دلّ «3» أنّه لا يعي علما ولا يستدلّ على ما أريد له ودعي إليه، كما وصف الجبان بأنّه لا قلب له، لمّا أريد به المبالغة في وصفه بالجبن، لأنّ الشجاعة محلها القلب، فإذا لم يكن القلب الذي يكون محلّ الشجاعة لو كانت فألّا تكون الشجاعة أولى. ومن ثمّ قالوا في النعامة: «4» جؤجؤه هواء، أي ذو هواء، فهو فارغ من القلب، فهذا كما وصفوها بالشّراد لجبنها فقال:

_ (1) في (ط): قوله بدون تعالى. (2) كذا في (ط)، وفي (م): فوصف. (3) في (ط): دل على أنه. (4) في (ط): في الظليم. والنعامة يذكر ويؤنث. والجؤجؤ، كهدهد: الصدر. ويشير المؤلف إلى قول زهير في ناقته: كأن الرحل منها فوق صعل ... من الظلمان جؤجؤه هواء وانظر شرح الديوان/ 63.

وأشرد بالوقيط «1» من النّعام وقال: «2» أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... ربداء تجفل من صفير الصافر «3» وقال: فالهبيت لا فؤاد له ... والثّبيت ثبته فهمه «4» وأنشد أبو زيد: لقد أعجبتموني من جسوم ... وأسلحة ولكن لا فؤادا «5»

_ (1) الوقيط: كالردهة في الجبل يستنقع فيه الماء. (2) في (ط): وقال أيضا. (3) لأسامة بن سفيان البجلي، يعير الحجاج إذ هرب من غزالة الشيبانية في بعض حروبه. وبعده. هلا برزت إلى غزالة في الضحا ... بل كان قلبك في جناحي طائر وروي: فتخاء مكان ربداء، وتنفر مكان تجفل (انظر البيان والتبيين: 1/ 365 والكشاف: 1/ 32). الربداء: التي لونها إلى الغبرة. الفتخاء: اللينة مفاصل الأصابع مع عرض. (4) لطرفة. ويروى: و «الثبيت قلبه قيمه» و «الثبيت لبه قيمه». الهبيت: الجبان الذاهب العقل، وقد هبت الرجل: نخب، فهو مهبوت وهبيت. الثبيت: الثابت العقل، والفعل ثبت بالضم. قلبه قيمه، قال أبو عبيدة: لبه قيمه، أي له عقل حيثما مشى (انظر الديوان/ ص 80، طبع المجمع، واللسان: هبت وثبت). (5) لبرج بن مسهر الطائي. لا فؤاد، أراد أفئدة (انظر النوادر/ 78).

وقال: حار بن كعب ألا أحلام تزجركم ... عنّا وأنتم من الجوف الجماخير «1» وأنشد أبو زيد: ولا وقّافة والخيل تردي ... ولا خال كأنبوب اليراع «2» وقال الراعي: وغدوا بصكهم وأحدب أسأرت ... منه السياط يراعة إجفيلا «3»

_ (1) لحسان بن ثابت، يهجو الحارث بن كعب، وهم رهط النجاشي، وكانت بينهم مهاجاة. الجوف: جمع أجوف، وهو العظيم الجوف. الجماخير: جمع جمخور كعصفور، وهو: الضعيف. (ديوان حسان 1/ 219 وانظر الكتاب: 1/ 254 وشرح أبيات المغني 2/ 84، واللسان: جمخر). (2) لمرداس بن حصين، من بني عبد الله بن كلاب، شاعر جاهلي. وقبل الشاهد: وقد ترك الفوارس يوم حسي ... غلاما غير مناع المتاع ولا فرح بخير إن أتاه ... ولا جزع من الحدثان لاع يوم حسي: يوم التقوا بذلك الموضع. غير مناع المتاع: سخي، لا يمنع معروفه وماعونه. حدثان الدهر: نوائبه. اللاعي: الضجر. الخيل تردي: ترجم الأرض بحوافرها أو تسير بين العدو والمشي. اليراع: القصب. أراد ليس بخالي الجوف طياش لا فؤاد له (النوادر/ 5 - 6). (3) من لاميته المشهورة، التي يمدح بها عبد الملك بن مروان، ويشكو إليه من السعاة، وهم الذين يأخذون الزكاة من قبل السلطان (انظر الجمهرة 2/ 392). الصك: الصحيفة التي فيها أسماء الناس. وأحدب، رجل ضرب حتى انحنى ظهره، ويعني: عريف القوم، المذكور قبل هذا البيت وهو قوله: أخذوا العريف فقطعوا حيزومه ... بالأصبحية قائما مغلولا اليراعة من الرجال: الجبان. وظليم إجفيل: يجفل من كل شيء أي: يهرب منه.

فكما وصف الجبان بأنّه لا قلب له، وأنّه مجوّف وأنّه يراعة، لأنّه إذا كان كذلك بعد من الشجاعة، ومن الفهم لعدمه القلب، كذلك وصف من بعد عن قبول الإسلام بعد الدعاء إليه وإقامة الحجّة عليه بأنّه مطبوع على قلبه، وضيّق صدره، وقلبه في كنان، وفي غلاف. قال أبو زيد: قالوا: رجل مفئود للجبان، وخلاف ما ذكره أبو زيد: رجل مشيّع للشجاع. فهذا إمّا أن يكون أريد «1»: يشيّع «2» قلبه، أي: ليس بمصاب في فؤاده، وإمّا أن يكون معه من نفسه شيعة يثبّتونه. وأمّا قوله تعالى: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ [الأنعام/ 125] فالمعنى: أن هذا الضيّق الصدر عن الإسلام نهاية الضيق إذا دعي إلى الإسلام، من ضيق صدره منه ونفوره عنه، وعن استماع الحكمة، كأنّه يراد على ما لا يقدر عليه من مصعد في السماء، أو حمل على ما يشبهه من «3» الامتناع. وروي عن ابن مسعود «4» أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل

_ (1) في (ط): أراد به. (2) في (ط): شيع. (3) في (ط): في. (4) هو عبد الله بن مسعود، أحد السابقين والبدريين والعلماء الكبار من الصحابة. عرض القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلّم. وهو أول من أفشى القرآن من في رسول الله، وكان يخدمه. وكان الإمام في تحقيق القرآن وتجويده وترتيله مع حسن الصوت، إليه تنتهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش. (انظر طبقات القراء: 1/ 458). قدم من الكوفة إلى المدينة، فمات بها آخر سنة 32، ودفن بالبقيع، وله بضع وستون سنة.

ينشرح الصدر؟ «1» قال: «2» نعم، يدخل القلب النور. فقال ابن مسعود: وهل لذلك علامة؟ قال: نعم. التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل الموت» «3» فقول «4» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن مسعود: يدخله النور كما في الآية من قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر/ 22]. وقد روي عن سعيد بن جبير «5» عن ابن عباس «6» في قوله تعالى: «7» اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ [النور/ 35] قال: مثل نوره الذي أعطاه المؤمن كمشكاة، والمشكاة كوّة فيها مصباح. وقوله: نُورٌ عَلى نُورٍ [النور/ 35]

_ (1) في (ط): هل تنشرح الصدور؟ (2) في (ط): فقال. (3) خرجه في المشكاة برقم 5228 وقال: رواه البيهقي في شعب الإيمان وضعف الشيخ الألباني إسناده، وخرّجه ابن كثير في التفسير 2/ 328 من طرق مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضا. (4) في (ط): فقال. (5) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله، الكوفي التابعي الجليل. عرض على عبد الله بن عباس، وعرض عليه أبو عمرو بن العلاء. قال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن جبير يؤمّنا في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله، يعني ابن مسعود، وليلة بقراءة زيد بن ثابت. قتله الحجاج بواسط سنة 95، عن تسع وخمسين سنة (انظر طبقات القراء: 1/ 305). (6) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، بحر التفسير، وحبر الأمة. عرض القرآن كله على أبي بن كعب وزيد بن ثابت، وعرض عليه القرآن سعيد بن جبير ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): اللهم علمه التأويل، وفقهه في الدين توفي في الطائف وقد كف بصره سنة 68 هـ (انظر طبقات القراء: 1/ 425). (7) في (ط): قول الله عز وجل.

الإعراب

قال: مثل قلب المؤمن نور على نور يشرح «1» صدره للإسلام. وقال أبو الحسن: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ لأنّ ذلك كان لعصيانهم الله تعالى «2»، فجاز ذلك اللفظ، كما يقال: أهلكته فلانة إذا أعجب بها وهي لا تفعل به شيئا، لأنّه هلك في اتباعها، أو يكون ختم: حكم أنّها مختوم عليها. وكذلك فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة/ 10] على ذا «3» التفسير والله أعلم. الإعراب حجّة من رفع فقال: وعلى أبصارهم غشاوة: أنّه رأى الغشاوة لم تحمل على (ختم) ألا ترى أنّه قد جاء في الأخرى: وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً [الجاثية/ 23] فكما لم تحمل في هذه على (ختم) كذلك لا تحمل في هذه التي في مسألتنا. فإذا لم يحملها على (ختم) قطعها عنه، وإذا قطعها عن (ختم) كانت مرفوعة إمّا بالظرف، وإمّا بالابتداء. وأمّا إذا نصب فلا يخلو في نصبها من أن يحملها على (ختم) هذا الظاهر، أو على فعل آخر غيره. فإن قال: أحملها على الظاهر كأني قلت: وختم على قلبه غشاوة، أي بغشاوة، فلمّا حذف الحرف وصل الفعل، ومعنى: ختم عليه بغشاوة مثل: جعل على بصره غشاوة، ألا ترى أنّه إذا ختمها بالغشاوة فقد جعلها فيها. واستدلّ على جواز حمل غشاوة على (ختم) هذا الظاهر، بقوله تعالى: «4»

_ (1) في (ط): لشرح صدره للإسلام. (2) في (ط): لله. وبدون «تعالى». (3) في (ط): على هذا. (4) في (ط): بقوله، بدون تعالى.

أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ [النحل/ 108] فقال: طبع في المعنى كختم، وقد حملت الأبصار على (طبع) فكذلك تحمل على ختم. قيل: لا يحسن ذلك، لأنّك تفصل بين حرف العطف والمعطوف به، وهذا عندنا إنّما يجوز في الشعر، ولا يختلفون أنّ ذلك في المعطوف «1» على المجرور قبيح، والمنصوب والمرفوع بمنزلته في القياس، ألا ترى أنّ حرف العطف في المجرور ليس هو الجارّ، إنّما هو يشرك فيه، وكذلك في المرفوع والمنصوب ليس هو الرافع ولا الناصب، إنّما يشرك فيهما. فإنّما قبح الفصل فيهما لأنّ ما يقوم مقامهما لا يتّسع فيه الاتساع الذي في الأصل، ألا ترى أنهم لم يتّسعوا في إنّ وأخواتها اتساعهم في الفعل، ولم يتّسع في الظروف، ولا في الأسماء المسمّى بها الأفعال اتساعهم في الفعل، ولا في الصفات المشبّهة بأسماء الفاعلين اتّساعهم في أسماء الفاعلين، ولا في عشرين اتّساعهم في ضاربين وحسنين، فكذلك لا يتّسع في حرف العطف الذي يشرك فيما يعطف عليه اتّساعهم في نفس المعطوف عليه. وقد ذهب إلى التسوية بين الجارّ وبين الناصب والرافع في العطف الكسائيّ والفراء. وقد جاء هذا الفصل في الشعر، أنشد أبو زيد: «2»

_ (1) في (ط): في العطف. (2) بيتان من خمسة أبيات لقحيف العقيلي في النوادر ص 208. ويروى: يمحاه مكان تغشاه، وتعجلا مكان معجلا. من عام أولا، يريد من عام

أتعرف أم لا رسم دار معطّلا ... من العام تغشاه ومن عام أوّلا قطار وتارات خريق كأنّها ... مضلّة بوّ في رعيل تعجّلا وقال: ... وآونة أثالا «1» فإن قال: لا أعطفه على هذا الفعل الظاهر الذي هو (ختم) ولكني أحمله على فعل أضمره، فأضمر: وجعل، ويكون ذلك بمنزلة الظاهر لدلالة ما تقدم عليه فإن هذا أيضا ليس بالسهل ألا ترى أن مثل: متقلدا سيفا ورمحا «2»

_ زمان أوّل، أو دهر أوّل، فأقام الصفة مقام الموصوف. وفاعل تغشاه في البيت الأول هو قطار في أول البيت الثاني. والقطار، جمع قطر، وهو المطر. وتارات: منصوب على الظرف ليغشى وهو جمع تارة، بمعنى مرة، الخريق: من أسماء الريح الباردة، وصفة للريح الشديدة، وقيل اللينة السهلة، مضلة: وصف من أضل فلان بعيره أو فرسه، أي: فقده وأضاعه، البوّ: ولد الناقة. الرعيل، يريد به قطعة قليلة من الإبل. تعجل: أسرع. والشاهد في قوله: وتارات خريق، حيث فصل بالظرف وهو تارات بين العاطف وهو الواو وبين المعطوف وهو خريق. (وانظر: الخزانة: 2/ 341، واللسان: رعل). (1) من قول ابن أحمر كما في ديوانه ص 129 والكتاب (1/ 343): أبو حنش يؤرقنا وطلق ... وعبّاد وآونة أثالا (2) عجز بيت لعبد الله بن الزبعرى وصدره: يا ليت زوجك قد غدا

البقرة: 9

و: شرّاب ألبان وتمر وأقط «1» و: علفتها تبنا وماء باردا «2» لا تكاد تجده في حال سعة واختيار فإذا كان النصب تعترض فيه هذه الأشياء فلا نظر في أن الرفع أحسن والقراءة به أولى، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة. [البقرة: 9] بسم الله «3» اختلفوا في ضم الياء وفتحها وإدخال الألف في قوله جلّ وعزّ: «4» يُخادِعُونَ [البقرة/ 9]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (يخادعون ... وما يخادعون) بالألف فيهما.

_ انظر الكامل- 289 - 324 - 656 - الخصائص 2/ 431 وشرح أبيات المغني 6/ 92، 93. وشواهد الكشاف 4/ 364. (1) عجز بيت للعجاج- انظر الكامل 289 - 324 - 656 الأقط: شيء يتخذ من المخيض الغنمي، يطبخ، ثم يترك حتى يمصل (يخرج ماؤه). (2) لا يعرف قائله، وقيل لذي الرمة، وليس في ديوانه. ويورد بعضهم لهذا الشطر صدرا، هكذا: لما حططت الرحل عنها واردا ويجعله بعضهم صدرا، ويورد له هذا العجز: حتى شتت همالة عيناها والبيت مع هذا العجز من شواهد شرح أبيات المغني 7/ 323. والخصائص 2/ 431. وانظر الخزانة: 1/ 499، والكشاف: 3/ 422، وتنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات الملحق به: 4/ 364. قال الفراء في تفسيره 1/ 14: أنشدني بعض بني أسد يصف فرسه وأنشد البيت، شتت: أقامت شتاء. همالة: من هملت العين إذا صبت دمعها. (3) هذه البسملة زائدة في (م). (4) في (ط): عز وجل.

وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ (يخادعون ... وما يخدعون) بفتح الياء بغير ألف. قال أبو علي: قال أبو زيد: «1» خدعت الرجل أخدعه خدعا، الخاء كسر، وخديعة. قال: وقالوا: «إنك لأخدع من ضبّ حرشته». «2». وقال أبو زيد أيضا يقال: «لأنا أخدع من ضبّ حرشته»، وقد حرش الرجل الضبّ يحرشه حرشا: إذا مسح بيده على فم جحره يتسمّع «3» الصوت، فربما أقبل وهو يرى أنّ ذلك حية، وربّما أروح ريح الإنسان، فخدع في جحره يخدع خدعا: إذا رجع في الجحر فذهب ولم يخرج. وقال أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيّ: الخادع: الفاسد من الطعام ومن كلّ شيء، وأنشد: أبيض اللون لذيذ طعمه ... طيّب الريق إذا الريق خدع «4»

_ (1) في (ط): قال أبو زيد، بإسقاط: قال أبو علي. (2) مثل يضرب في مخاطبة العالم بالشيء، من يريد تعليمه، يقول له: «أتعلمني بضب أنا حرشته» ويقال إنك لأخدع من ضب حرشته، أي: بلغت غاية الخبث، وانظر اللسان «حرش». والأمثال لأبي عبيد/ 202. (3) في (ط): فيسمع. (4) البيت من قصيدة لسويد بن أبي كاهل اليشكري في الغزل والفخر، وهي القصيدة رقم 40 في المفضليات ص 191، ورواية البيت بها مع ما قبله: حرة تجلو شتيتا واضحا ... كشعاع الشمس في الغيم سطع صقلته بقضيب ناضر ... من أراك طيب حتى نصع أبيض اللون لذيذا طعمه ... طيب الريق إذا الريق خدع

خدع: فسد وتغيّر. وقال أبو عبيدة: يُخادِعُونَ اللَّهَ [البقرة/ 9] يخدعون، «1» وأنشد أبو زيد: وخادعت المنيّة عنك سرّا ... فلا جزع الأوان ولا رواعا «2» وقال أبو عبيدة أيضا: يخادعون الله والذين آمنوا فيما يظهرون: مما يستخفون خلافه. قال الله تعالى: وما يخادعون إلا أنفسهم [البقرة/ 9] إنما تقع الخديعة بهم والهلكة. والعرب تقول: خادعت «3» فلانا إذا كنت تخادعه، وخدعته إذا ظفرت به. قال بعض المتأولين أظنّه الحسن «4» قال: (يخادعون الله) وإن خادعوا نبيه لأن الله تعالى «5» بعث نبيّه «6» بدينه، فمن أطاعه فقد أطاع الله (تعالى) «5» كما قال: «8» مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء/ 80]

_ والشتيت: الواضحة الأسنان المفلجة البيضاء، والأراك: شجر السواك. (1) انظر مجاز القرآن 1/ 31. (2) نسبه في النوادر مع أبيات أخرى لعرفطة بن الطماح- وقد روي فيه: فلا جزع الأوان. وانظر تخريج وجوه إعرابه مفصلة في النوادر ص 117. (3) في (ط): قد خادعت. (4) هو الحسن البصري، وقد سبقت ترجمته ص/ 33. (5) زيادة في (م). (6) زاد في (ط): صلى الله عليه. (8) في (ط): كما قال تعالى.

وقال: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح/ 10] فعلى هذا من خادعه فقد خادع الله. فقد ذهب هذا المتأوّل إلى أن معنى يخادعون الله: يخادعون نبيّه صلّى الله عليه وسلّم «1» وفي تأويله تقوية لقول أبي عبيدة: يخادعون: يخدعون، ألا ترى أنه قد جاء في الأخرى: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ [الأنفال/ 62] فجاء المثال على يفعل. ومثل قوله: (يُخادِعُونَ اللَّهَ) في إرادة مضاف محذوف على قول من ذكرناه قوله تعالى: «2» إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ «3» [الأحزاب/ 57] التقدير يؤذون أولياء الله، لأنّ الأذى لا يصل إلى الله (سبحانه) «4» كما أن الخداع لا يجوز عليه، فهي مثل قوله: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا «5» [الأحزاب/ 58] وفيما أنشده أبو زيد دلالة على صحة تفسير أبي عبيدة أنّ يخادعون: يخدعون، ألا ترى أنّ المنية لا يكون منها خداع كما لا يكون من الله- سبحانه- ولا من رسوله؟ «6» فكذلك قوله: وما يخادعون إلا أنفسهم [البقرة/ 9] يكون على لفظ فاعل وإن لم يكن الفعل إلا من واحد كما كان الأول كذلك. وإذا كانوا قد استجازوا لتشاكل الألفاظ وتشابهها أن يجروا

_ (1) زيادة في (م). (2) زيادة في (م). (3) تتمتها «لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً». (4) في (ط): تعالى. (5) تمامها: «فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً». (6) زاد في (ط): عليه السلام.

على الثاني طلبا للتشاكل ما لا يصح في المعنى على الحقيقة، فأن يلزم ذلك ويحافظ عليه فيما يصح في المعنى أجدر وأولى، وذلك نحو قوله: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا «1» وفي التنزيل: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [البقرة/ 194] والثاني قصاص وليس بعدوان، وكذلك وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى/ 40] وقوله: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة/ 79] ونحو ذلك. فأن يلزم التشاكل في اللفظ مع صحة المعنى أولى. ومما يؤكد ذلك قوله: من العين الحير «2» وقول أمّ تأبّط شرا: ليس بعلفوف تلفّه هوف. «3» وقد جاء هذا المثال للفاعل الواحد نحو: عاقبت اللص، وطارقت النعل، وعافاه الله.

_ (1) من معلقة عمرو بن كلثوم في شرح القصائد السبع الطوال ص 426، وشرح أبيات المغني 7/ 37 والبحر 1/ 57. (2) من العين الحير، بكسر الحاء اتباعا للعين، والأصل: الحور، جمع حوراء. وقد ورد آخر أرجوزة لمنظور بن مرثد في ثلاثة عشر بيتا وتمامه: «عيناء حوراء من العين الحور» انظر النوادر 236 وأراجيز العرب 155 - 156. وابن يعيش 4/ 114 واللسان (حور). (3) من قولها في تأبينه: وا ابناه ليس بعلفوف تلفه هوف حشى من صوف» رجل علفوف: جاف كثير اللحم: والهيف- كسيف- الريح الحارة. اللسان هوف، هيف.

وحجة من قرأ: (يخدعون) أن فاعل هنا بمعنى فعل فيما فسره أهل اللغة، فإذا كانا جميعا بمعنى، وكان فعل أولى بفعل الواحد من فاعل من حيث كان أخص به، كان الأولى أليق بالموضع من فاعل الذي هو في أكثر الأمر أن يكون لفاعلين إذ كانوا قد استعملوهما جميعا، ولم يكن خادع بمنزلة عاقبت اللص الذي لم يستعمل فيه إلا فاعل ورفض معه فعل. ويدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى «1» في الآية الأخرى في صفة المنافقين أيضا: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ [النساء/ 142]، فكما وقع الاتفاق هنا على فاعل الجاري على فعل كذلك يكون في قوله تعالى: وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ. ولمن قرأ (يخادعون) وجه آخر، وهو أن ينزل ما يخطر بباله ويهجس في نفسه من الخدع منزلة آخر يجازيه ذلك ويقاوضه «2» إياه، فعلى هذا يكون الفعل كأنّه من اثنين، فيلزم أن يقول: «3» فاعل، وهذا في كلامهم غير ضيق، ألا ترى الكميت أو غيره قال في ذكره حمارا أراد الورود: تذكّر من أنّى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل «4»

_ (1) تعالى زيادة في (م). (2) في (م): يجاريه ذلك ويفاوضه. (3) في (ط): أن يقول فيه. (4) يؤامر نفسيه، أي: يشاور نفسه مترددا بين ورود الماء أو تركه، فكأنه يشاور نفسين إحداهما تريد الورود والأخرى تأباه، والهجمة الجماعة الضخمة من الإبل، وقيل: هي ما بين الثلاثين والمائة، أو ما بين السبعين

فجعل ما يكون منه من وروده الماء أو ترك الورود والتمثيل بينهما بمنزلة نفسين. وعلى هذا قوله: وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل؟ «1» وقولهم: أنا أفعل كذا وكذا أيها الرجل. وعلى هذا المذهب قرأ «2» من قرأ: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «3» [البقرة/ 259]، فنزّل نفسه- عند الخاطر الذي يخطر له عند نظره- منزلة مناظر له غيره. وأنشد الطوسي «4» عن ابن الأعرابي. لم تدر ما لا ولست قائلها ... عمرك ما عشت آخر الأبد

_ والمائة، أو هي قريب من المائة. والأبل على وزن حذر: من أبل يأبل على وزن علم يعلم أبالة، بفتح الهمزة، وأبل أبلا، فهو آبل وأبل: حذق مصلحة الإبل والشاء. وورد البيت في اللسان (أبل) للكميت أيضا. (1) عجز بيت للأعشى، وصدره: ودع هريرة إن الركب مرتحل انظر الديوان/ 55. سبق في ص 286. (2) في (ط): قراءة. (3) (اعلم) بلفظ الأمر قراءة أبي رجاء وحمزة والكسائي، و (أعلم) بلفظ المضارع قراءة السبعة. انظر البحر المحيط: 2/ 296. (4) هو أبو الحسن علي بن عبد الله التيمي، راوية كبير، وكان أكثر أخذه من ابن الأعرابي الفهرست/ 106.

ولم تؤامر نفسيك ممتريا ... فيها وفي أختها ولم تكد «1» وأنشد بعض البصريين لرجل من فزارة: يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة ... أيستربع الذوبان أم لا يطورها «2» قال: «3» الذوبان: الأعداء. وأنشد أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي: وكنت كذات الطّنء لم تدر إذ بغت ... تؤامر نفسيها أتسرق أم تزني «4» فهذه في المعنى كقوله: أنخت قلوصي واكتلأت بعينها ... وآمرت نفسي أيّ أمريّ أفعل «5» إلّا أنّ من ثنّى «6» النفس، جعل ما يهجس في نفسه من الشيء وخلافه «7» نفسين، ونزّل الهاجس منزلة من يخاطبه وينازله في ذلك، فكذلك يكون قوله: (وما يخادعون) على هذا.

_ (1) انظر البحر: 1/ 57. (2) يستربع، من استربع الأمر: أطاقه، وفي (م): يسترتع، وفي (ط): يسترفع، وكلّ تحريف. انظر البحر 1/ 57 والأساس. لا أطورها، يقال: لا أطور بفلان: لا أحوم حوله، ولا أدنو منه. (3) في (ط): وقال. (4) الطنء: التهمة. اللسان (طنأ) وانظر البحر 1/ 57. (5) لكعب بن زهير. واكتلأت منه: احترست. يريد: احترست بعينها، لأنّها إذا رأت شيئا ذعرت. انظر الأساس: كلأ. ديوانه/ 55. (6) في (ط): ألا ترى أنه ثنى؟؟؟ النفس. (7) في (ط): وخلافه به.

البقرة: 10

[البقرة: 10] بسم الله ... «1» قوله، عزّ وجلّ: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة/ 10]. قرأ حمزة فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً بكسر الزاي. وكذلك شاء وجاء وطاب وخاف وضاق «2» وضاقت، وفتح الزاي من: زاغَتِ الْأَبْصارُ [الأحزاب/ 10] وكسر الزاي من قوله: فَلَمَّا زاغُوا [الصف/ 5] وفتح الزاي في أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف/ 5] وكسر الراء من: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ [المطففين/ 14] وفتح الجيم من فَأَجاءَهَا [مريم/ 23]. وكان ابن عامر يكسر من ذلك كلّه ثلاثة أحرف: (فزادهم، وشاء وجاء). وكان نافع يشمّ الزاي من (فزادهم) الإضجاع في رواية خلف «3» عن إسحاق وابن جماز وإسماعيل بن جعفر عنه «4»، وكذلك أخوات (فزادهم) لا مفتوح ولا مكسور. قال ابن سعدان عن إسحاق: كل ذلك بالفتح. قال ابن سعدان. وكان إسحق إذا لفظ «فزادهم» كأنه

_ (1) زيادة في (م). (2) في (ط): ضاق وخاف. (3) هو خلف بن هشام بن ثعلب أبو محمد الأسدي البزار- بالراء- البغدادي، أصله من فم الصلح- بكسر الصاد- أحد القراء العشرة، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة، ولد سنة 150، وروى الحروف عن إسحاق المسيبي وإسماعيل بن جعفر وغيرهما. مات ببغداد سنة 229. طبقات القراء: 1/ 272. وتقدمت ترجمته في ص: (285) من هذا الجزء. (4) سقطت عنه من (ط).

يشير إلى الكسر قليلا، فإذا قلت له: إنك تشير إلى الكسر، قال: لا، ويأبى إلا الفتح. وقال ابن جماز: كان نافع يضجع من ذلك كله قوله: خابَ [طه/ 61]. حدثنا «1» ابن مجاهد قال: أخبرني عبد الله بن أحمد «2» بن حنبل عن أبي موسى الهروي، عن عباس «3»، عن خارجة «4»، عن نافع، مكسورة يعني (خاب). وقال خلف وابن سعدان عن إسحاق عن نافع: (بل ران)، الراء بين الفتح والكسر. قال محمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع: (بل ران) مفتوحة الراء. وكان عاصم لا يميل شيئا من ذلك إلّا قوله: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ في رواية أبي بكر عنه، وروى عنه حفص «5» الفتح. وكان الكسائي يقول في ذلك كلّه كقول عاصم ويميل (بل ران).

_ (1) في (ط): وحدثنا. (2) هو عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الرحمن البغدادي الحافظ عن أبيه المسند والتفسير. ولم يكتب عن أحد إلا بأمر أبيه. وثقه الخطيب. ومات سنة 290. خلاصة تذهيب الكمال/ 190. (3) (هو العباس بن الفضل البصري والأنصاري) تقدمت ترجمته ص 289. (4) هو خارجة بن مصعب أبو الحجاج الضبعي السرخسي. أخذ القراءة عن نافع وأبي عمرو. توفي سنة 168. طبقات القراء: 1/ 268. (5) في (ط): حفص عنه.

وروى أبو عبيد «1» عن الكسائي في: شاءَ [البقرة/ 20] وجاءَ [النساء/ 43] بين الفتح والكسر. وقال نصير بن يوسف «2» وغيره عنه: إنّه فتحها. وكان ابن كثير وأبو عمرو يفتحان ذلك كلّه «3». قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة/ 10]. قالوا: زاد يزيد زيادة وزيدا، وفي التنزيل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ 26]. وقالوا: زيدا، أنشد أبو زيد: كذلك زيد المرء ثم انتقاصه «4» وزدت فعل يتعدى إلى مفعولين؛ قال: «5» وَزِدْناهُمْ هُدىً [الكهف/ 13] وقال: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النحل/ 88]، وقال: وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة/ 247]. وأما قوله: «6» فَزادَهُمْ إِيماناً [آل عمران/ 173]

_ (1) هو أبو عبيد القاسم بن سلام، وتقدمت ترجمته في ص/ 13. (2) هو نصير بن يوسف بن أبي نصر أبو المنذر الرازي ثم البغدادي النحوي، أستاذ كامل ثقة. أخذ القراءة عرضا عن الكسائي، وهو من جلة أصحابه وعلمائهم. وروى عنه القراءة محمد بن عيسى الأصبهاني وغيره ومات في حدود سنة 240. طبقات القراء: 2/ 340. (3) السبعة 139 - 141. (4) في (ط): «بعد» مكان (ثم)، والشطر صدر بيت في النوادر ص 112 وعجزه: (وتكراره في إثره بعد ما مضى) وهو من قصيدة لحسان السعدي. (5) في (ط): وقال. (6) في (ط): قوله تعالى.

فالمعنى: زادهم قول الناس لهم إيمانا، أضمر المصدر في الفعل وأسند الفعل إليه، وكذلك قوله: فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً [فاطر/ 42]، أي: ما زادهم مجيء النذير، وقال: وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً [الأحزاب/ 22] أي: ما زادهم نظرهم إليهم أو رؤيتهم «1» لهم إلّا إيمانا. ومثل ذلك من إضمار المصدر في الفعل لدلالة الفعل عليه قوله تعالى: «2» وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ [الأنفال/ 73] أي: إلا تفعلوا هذه الموالاة. ومثل ذلك كثير في التنزيل وغيره. وقال: «3» وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف/ 25] أي: ازدادوا لبث تسع، فحذف المصدر وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصاب تسع على هذا انتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف، كما أن المضاف لو ظهر وأضيف إلى التسع كان كذلك. وأما المرض فقال أبو عبيدة في تأويله: شك ونفاق، «4» كأنه جعل ما في قلوب المنافقين من ذلك خلاف ما في قلوب المؤمنين من اليقين والإيمان. وقيل: إن «5» قوله: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب/ 32] أي فجور.

_ (1) في (ط): ورؤيتهم. (2) في (ط): قوله، بدون تعالى. (3) في (ط): وقال تعالى. (4) انظر مجاز القرآن 1/ 32. (5) في (ط): وقيل في قوله وتعالى.

الإعراب

وقال سيبويه: أمرضته: جعلته مريضا، ومرّضته: قمت عليه ووليته. وقال «1» السدي: «2» فزادهم الله مرضا، أي زادهم عداوة الله مرضا. وهذا في حذف المضاف كقول من قال في (يُخادِعُونَ اللَّهَ): إنّ المعنى يخادعون رسول الله، ومثله في حذف المضاف قوله: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر/ 22] المعنى من ترك ذكر الله، كما قال في صفة المنافقين: يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء/ 142]. ويجوز أن يكون المعنى أنّهم إذا ذكر الله قست قلوبهم خلاف المؤمنين الذين قيل فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال/ 2]. الإعراب قال: زادهم، فلم ينقل حركة العين التي هي الكسرة التي نقلت فتحة العين من زاد إليها إلى الفاء كما نقلت في زدت، «3» وشذ ذلك في الاستعمال والقياس، لما كان يؤدي إليه من التباس فعل بفعل، ولأنّ الألف إذا ثبتت في زاد وباع- والذي يوجب قلبها ألفا هو تقدير الحركة فيها- صارت الحركة بانقلاب الحرف إلى الألف بمنزلة الثابتة في الحرف، فلما كان

_ (1) في (ط): قال. (2) تقدمت ترجمته في ص/ 225. (3) في (ط): زيدت، (بإثبات الياء وإسكان الدال).

كذلك، وكان الحرف الذي هو متحرك بها ثابتا غير محذوف لم ينقل عنه، ولذلك لم تنقل الحركة التي تجب للّام في مصطفون والأعلون ونحوهما إلى ما قبلها، كما نقل في قاضون وغازون ورامون. وعلى هذا لم يقدّر حذف الحركة من الألف فيمن روى: كأن لم تري قبلي أسيرا يمانيا «1» وقوله: ولا ترضّاها ولا تملّق «2» ونحو ذلك، كما قدرنا حذفها من قوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي «3» و: لم تهجو ولم تدع «4» لأن الياء قد جاء متحركا في نحو: غير ماضي «5»

_ (1) تقدم هذا البيت ص 93. (2) تقدم هذا البيت ص 93. (3) عجزه. بما لاقت لبون بني زياد والبيت مطلع قصيدة لقيس بن زهير العبسي في إبل للربيع بن زياد العبسي، استاقها قيس وباعها بمكة، لأن الربيع كان قد أخذ منه درعا ولم يردها عليه. انظر الخصائص: 1/ 333، وشرح شواهد الشافية/ 48. (4) البيت بتمامه: هجوت زبان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع والبيت- على شهرته- لا يعرف قائله. يريد: هجوت واعتذرت، فكأنك لم تهج، على أنك لم تدع الهجو. ورواية التاج (زبن) لم أهجو، وهي تقتضي ضم تاء هجوت. والمعروف فتحها. وينسبه بعضهم إلى أبي عمرو ابن العلاء. انظر شرح شواهد الشافية/ 406 والضرائر للآلوسي/ 174. (5) من قول جرير في قصيدة هجا بها الأخطل:

وليس الألف كذلك، لأنّه في ثباتها ألفا كأن الحركة ثابتة فيها، فلا يصح نقلها إلى غيرها من الحروف مع ثباتها في الموضع الذي هي ثابتة فيه. وليس كذلك: بعت وقلت وخفت، لأنّك في هذه المواضع قد حذفت الحروف، والحروف إذا حذفت قد تنقل حركاتها إلى ما قبلها. ألا ترى الخب في التخفيف، وضوا، ومولة، وجيل، «1» ونحو ذلك. وقد تنقل حركة الحرف المتحرك «2» إلى ما قبله والحرف ثابت غير محذوف، نحو قول من قال: قتّل في اقتتل، فإذا حذف كان نقل حركته إلى ما قبله أولى ليدل على المحذوف كما أجمع على ذلك في حذف الهمز «3» في التخفيف. فأمّا وجه قول من أمال الألف في «4» زاد، فهو أنّه أراد أن يدل بالإمالة على أن العين ياء، كما أميلت الألف في حبالى، ليعلم أن الواحد من هذا الجمع قد كانت الإمالة جائزة فيه،

_ فيوما يوافين الهوى غير ماضي ... ويوما ترى منهن غولا تغوّل ويروى (ماضيا) مكان (ماضي)، أي: من غير ميل منهن إلي. وتغول: تتلون انظر الديوان/ 455، والنوادر/ 203. (1) أصل هذه الكلمات على الترتيب: الخبء، وضوءا، وموألة، وجيئل. والخبء: المخبوء، مصدر بمعنى اسم المفعول، وهو من السماء المطر، ومن الأرض النبات. وقرئ بلفظ (الخب) في قوله تعالى أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ في الآية 25 في سورة النمل. وانظر تفسير الكشاف للآية. 3/ 145. أما موألة فبطن من ملادس بضم الميم وكسر الدال كما في القاموس (وأل)، والاشتقاق ص 262. وأما جيئل: فالضبع، ممنوعة من الصرف. (2) في ط: المتحركة، وهو تحريف. (3) في (ط): الهمزة. (4) في (ط): من.

وكما أبدلت الواو من الهمزة المنقلبة عن الحرف الزائد في هراءى وأداءى وعلاءى، «1» ليعلم أن الواو كانت ظاهرة في الواحد، ورفضوا أن يبدلوا منها الياء كما أبدلت منها في خطايا ومطايا ليعلم أن الواو كانت ثابتة في آحاد هذه الجموع. وكما صحّحوا الواو في مقاتوه «2» ليعلموا أن الواو في واحده، وهو مقتوي، قد صحت. وكذلك صحّحوا الواو في سواسوة فيما حكاه أبو عمر وأبو عثمان عن أبي عبيدة ليعلم أنّه من مضاعف الأربعة، فكما حافظوا على هذه الحروف في هذه المواضع فألزموها ما يدل عليها، كذلك أمال من أمال الألف ليحافظ على الحرف الذي هو الأصل. ومما يقوّي قول من أمال (زاد) ونحوه ليدل بالإمالة على الياء أن الجميع أبدلوا من الضمة كسرة في بيض وعين وجيد جمع أبيض وأعين وجيداء «3» لتصح الياء، ولا تنقلب «4» إلى الواو. فكما حوفظ على تصحيح الياء في هذه الأشياء كذلك حوفظ عليها بإمالة الألف نحوها، لتدلّ عليها. يدلك على ذلك أنّ الذين أمالوا نحو: «زاد، وباع، وناب، وعاب»، لم يميلوا نحو: عاذ، وعاد، ولا بابا، ومالا، ولا ما أشبه ذلك مما العين

_ (1) في (ط): هراوى، وأداوى، وعلاوى. أثبتها بعد قلب الهمزة واوا، وجاء بها على الأصل قبل القلب، والهراوة: العصا، والإداوة: المطهرة، والعلاوة من كل شيء: ما زاد عليه. (2) المقاتوة: الخدام، والمقاتية لغة فيها كما في القاموس. (3) في (م) أعين وأبيض. (4) في (ط): فلا تنقلب.

منه «1» واو حيث لم تكن في الكلمة ياء ولا كسرة فتنحى الألف بالإمالة نحوهما. ومما يقوي الإمالة في زاد ونحوه: أنّه اجتمع فيه أمران كل واحد منهما يوجب الإمالة: وهو لحاق الكسرة أول فعلت، والآخر: أن تمال الألف ليعلم أنّها من الياء. فإذا كان كل واحدة من هاتين الخلتين على الانفراد توجب الإمالة في هذا النحو، فإذا اجتمعتا كان أجدر أن توجباها وتجلباها. ومما يقوّي الإمالة في: زاد وباع وكال ونحو ذلك، أنّ الحروف المستعلية والراء إذا كانت مفتوحة تمنعان «2» الإمالة، ألا ترى أنّ من أمال نحو: عالم، وسائل، لم يمل نحو ظالم، وغانم، وراشد، ولم يمل، رابيا في قوله: فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد/ 17] لمكان المستعلي والراء المفتوحة، ولم يجعلوهما في هذا الموضع تمنعان «3» الإمالة كما منعتا في غيره. فلولا تأكد الإمالة في ألفات هذه «4» الأفعال لما أمالوها مع ما يمنع من الإمالة في غير هذا الموضع. قال سيبويه: بلغنا عن ابن أبي إسحاق أنّه سمع كثير عزة يقول: صار مكان كذا. «5» وإذا «6» لم يمنع المستعلي أولا في

_ (1) في (ط): فيه. (2) في (ط): تمنع. (3) في (ط): يمنعان. (4) في (ط): في هذه. (5) نص عبارة سيبويه في الكتاب (2/ 261): «وبلغنا عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزة يقول: صار بمكان كذا وكذا». (6) في (ط): فإذا.

صار لم يمتنع «1» آخرا في زاغ، وإذا لم يمنعها المستعلي لم تمنع الراء في نحو: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ [المطففين/ 14]. بسم الله: «2» اختلفوا في ضمّ الياء والتشديد وفتحها والتخفيف في قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة/ 10]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ، بضم الياء وتشديد الذال. وقرأ عاصم وحمزة «3» والكسائي: (يكذبون) بفتح الياء وتخفيف الذال «4». قال أبو علي «5»: كذب يكذب كذبا وكذابا. قال: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [سبأ/ 8]. وقال «6» الأعشى: والمرء ينفعه كذابه «7» فالكذب «8» كالضحك واللعب.

_ (1) في (ط): لم يمنع. (2) زيادة في (م). (3) في (ط): حمزة وعاصم. (4) السبعة 141. (5) «قال أبو علي» زيادة في (م). (6) في (ط): قال. (7) في ديوان الشاعر قصيدة على روي الشاهد ووزنه، لكنها خلو منه. وصدره كما في تفسير سورة النبأ من الكشاف: فصدقتها وكذبتها (8) في (ط): والكذب.

قال سيبويه: والكذاب كالكتاب والحجاب. «1» وفي التنزيل: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً [النبأ/ 28]، فالكذّاب على وزن الإكرام، ولم يجيء المصدر كمصادر دحرج وصعرر «2» ليعلم أن الفعل ليس للإلحاق، كما لم يجيء أصمّ وأعدّ على وزن قردد «3» وجلبب. «4» وحكى أبو زيد بيتا ذكر أنه لجريبة بن الأشيم، جاهلي وهو: فإذا سمعت بأنّني قد بعته ... بوصال غانية فقل كذّبذب «5» قال أبو زيد: كذّبذب: كاذب، وحكي عن أبي عمر في تفسيره: كذب. فالكلمة على تفسير أبي زيد صفة وعلى ما حكي من تفسير أبي عمر اسم، فيكون المبتدأ المضمر: القائل ذلك كاذب، وعلى القول الآخر ما سمعت كذب. وهذه الكلمة تحكى فيما شذ عن سيبويه من «6» الأبنية.

_ (1) نص عبارة سيبويه في الكتاب (2/ 215) «وكذب يكذب كذبا. وقالوا: كذابا، جاءوا به على فعال كما جاء على فعول». (2) صعرر الشيء فتصعرر: دحرجه فتدحرج. (3) القردد: ما ارتفع من الأرض، واسم جبل. (4) جلببه: ألبسه الجلباب. ومن معاني الجلباب: القميص، وما تغطي به المرأة ثيابها من فوق، كالملحفة. (5) يصف جمله. ويروى: «وإذا أتاك» مكان «فإذا سمعت»، و «بعتها»، مكان «بعته» النوادر/ 72 والخصائص: 3/ 204. (6) في (ط): في.

ولولا ثقة أبي زيد وسكون النفس إلى ما يرويه لكان ردها مذهبا، لكونه على ما لا نظير له، ألا ترى أن العين إذا تكرر مع اللام في نحو صمحمح وجلعلع لا يكرر «1» إلا مرتين، وقد تكررت في هذه ثلاث مرات. ومع ذلك فقد قالوا: مرمريس، «2» فتكررت الفاء مع العين فيها ولم تتكرر في غيرها، ولم يلزم من أجل ذلك أن يردّ ولا يقبل، فكذلك ما رواه أبو زيد من هذه الكلمة. والكذب: ضرب من القول، وهو نطق، كما أن القول نطق. فإذا جاز في القول الذي الكذب ضرب منه أن يتسع فيه فيجعل غير نطق في نحو: قد قالت الأنساع للبطن الحق «3» ونحو قوله في وصف الثور: فكرّ ثم قال في التفكير «4»

_ (1) من معاني الصمحمح: الشديد المجتمع الألواح. والجلعلع، كسفرجل، وقد يضم أوله: القنفذ. وزاد في (ط): ودمكمك، وهو الشديد القوي، وفي (ط): لا تكرر. (2) المرمريس: الداهية. (3) البيت في الخصائص 1/ 23 والأساس واللسان (حنق) وبعده: قدما، فآضت كالفنيق المحنق الانساع: جمع نسع، وهو سير يضفر على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال. والفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى لكرامته على أهله. والمحنق: الضامر. (4) للعجاج، وروايته في ديوانه 1/ 366: (ميلين) بدل (فكر) وبعده: إن الحياة اليوم في الكرور

وجاز «1» أن يجعل في هذه المواضع وغيرها غير نطق، فكذلك يجوز في الكذب أن يجعل غير نطق في نحو قوله: ... كذب القراطف والقروف «2» فيكون في ذلك انتفاء لها، كما أنّه أخبر عن الشيء على خلاف «3» ما هو به كان انتفاء للصدق فيه. وكذلك قول الآخر: إذا المعسيات كذبن الصّبو ... ح خبّ جريّك بالمحصن «4» أي: إذا انتفى الصبوح منهن، فلم يوجد فيهن، أطعمت من مدّخر الطعام وغير ألبان هذه الإبل التي يظن أن فيهن «5» الصبوح، فجعل كون الشيء على خلاف ما يظنّ كذبا وإن لم يكن قولا، فعلى هذا قالوا: «كذب القراطف»، أي: هو منتف

_ (1) في (ط): فجاز. (2) لمعقر البارقي يمدح بني نمير، ويذكر ما فعلوا ببني ذبيان بشعب جبلة، والبيت بتمامه: وذبيانية أوصت بنيها ... بأن كذب القراطف والقروف والقراطف: جمع قرطف كجعفر، وهو القطيفة، أي: كساء مخمل. والقروف: جمع قرف بفتح فسكون، وهو وعاء من جلد يدبغ بالقرفة «قشر الرمان» يجعل فيه الخلع، بفتح فسكون، وهو لحم يطبخ بتوابل ثم يجعل في القرف، يتزود به المسافر. تحث الذبيانية بنيها على نهب القراطف والقروف. الخزانة: 2/ 289. (3) في (ط): بخلاف. (4) روي «منعن» مكان «كذبن» والمعسيات: جمع المعسية، وهي الناقة التي يشك فيها: أبها لبن أم لا، والجري: الوكيل، والرسول. وقيل: الخادم، والمحصن: ما أحصن وادخر من الطعام للجدب. انظر اللسان: عسا. (5) في (ط): فيها.

ليس له وجود، كما أن كذب في الخبر على ذلك، فكذلك كذب الصبوح، أي: ليس يوجد، وكذب القراطف أي فأوجدوها بالغارة، وكذلك كذب عليكم العسل، وحمل فلم يكذّب، [أي: لم يجعل الحملة في حكم غير الحملة، ولكنه أوجدها وأوقعها]، «1» وقالوا: حمل عليه ثم أكذب، يعنون كذب، وعلى هذا قالوا: حملة صادقة، وصدق القوم القتال. وقال: فإن يك ظني صادقي وهو صادقي فكما وصفوه بالكذب وصفوه بخلافه الذي هو الصدق، وكذلك قوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ [الواقعة/ 2] أي: هي الواقعة وغير منتف كونها. والكاذبة يشبه أن يكون «2» مصدرا، كالعاقبة والعافية ونحو ذلك. فالفعل الذي هو كذب في هذا النحو ينبغي أن يكون الفاعل مسندا إليه، وعليك: معلّقة «3» به. فأمّا ما روي من قول من نظر إلى بعير نضو فقال لصاحبه: «كذب، عليك البزر والنّوى» بنصب البزر، فإن عليك فيه لا يتعلق بكذب، ولكنه يكون اسم الفعل، وفيه ضمير المخاطب، فأما كذب ففيه ضمير الفاعل كأنه قال: كذب السّمن، أي: انتفى من بعيرك فأوجده بالبزر والنّوى، وهما مفعولا عليك وأضمر السّمن لدلالة الحال عليه من مشاهدة عدمه.

_ (1) ما بين المعقوفين مذكور في (ط) بعد قوله: يعنون كذب. (2) في (ط): تكون. (3) في (ط): وعليكم متعلقة.

فأمّا قوله: كذبت عليكم أوعدوني وعلّلوا ... بي الأرض والأقوام قردان موظبا «1» فإنّ معنى (كذبت عليكم): لست لكم، وإذا لم أكن لكم ولم أعنكم كنت منابذا لكم ومنتفية نصرتي عنكم، ففي «2» ذلك إغراء منه لهم به، فهو مثل: كذب القراطف. وقال أبو زيد: قد كعّ الرجل عن الأمر فهو يكع، إذا أراد أمرا ثم كفّ عنه مكذّبا عند قتال أو غيره. قال: وتقول: احرنجم الرجل فهو محرنجم، وهو الذي يريد الأمر ثم يكذّب فيرجع، «3» فقد استعمل أبو زيد هذه اللفظة كما ترى في الموضع الذي ينتفي فيه ما كان أريد فلم يوقع، وكذلك قول أبي دواد: قلت لمّا فصلا من قنّة ... كذب العير وإن كان برح «4» يقول: لما فصل الفرس والحمار أخذ الحمار على يمين الفارس، وذاك أنّه يصعب الطعن من ناحية يمين الفارس،

_ (1) لخداش بن زهير العامري، من شعراء الجاهلية، والقردان: جمع قراد، كغراب وهو دويبة تلزق بالبعير، ويقال أذل من القراد. موظب: موضع: يذمهم، ويجعلهم كالقردان (انظر النوادر/ 17، ورواه في معجم البلدان ولم ينسبه). (2) في (ط): وفي. (3) النوادر/ 230. (4) انظر اللسان «كذب» وشعر أبي دواد (غرنباوم) / 301 وفيه: (نصلا) بدلا من (فصلا) أي: خرجا من قنة الجبل وهما العير والكلب وفي الخزانة 3/ 13: لما ظهرا- وبرح الصيد: جاء من ناحية اليسار.

فقال: كذب العير، فإنّه يطعن وإن برح، فجعل تقديره انتفاء الطعن عنه كذبا منه، فهذا الأصل في هذه الكلمة، وليس كما ذكر بعض رواة اللغة أنّ كذّب يجيء زيادة في الحديث. فأمّا قول عنترة: كذب العتيق وماء شن بارد ... إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي «1» فإن شئت قلت فيه: إن المعنى في «كذب» أنّه لا وجود للعتيق الذي هو التمر، فاطلبيه، وإذا لم تجدي التمر فكيف تجدين الغبوق؟ وإن شئت قلت: إن الكلمة لما كثر استعمالها في الإغراء بالشيء والبعث على طلبه وإيجاده صار كأنّه قال بقوله لها: عليك العتيق، أي: الزميه، «2» ولا يريد بها نفيه، ولكن إضرابها عما عداه، فيكون العتيق في المعنى مفعولا به، وإن كان لفظه مرفوعا مثل: سلام عليك ونحوه مما يراد به الدعاء، واللفظ على الرفع. وحكى محمد بن السريّ عن بعض أهل اللغة- في كذب العتيق- أنّ مضر تنصب به. وأن اليمن ترفع به، وقد تقدم ذكر وجه ذلك. ومن الكذب الذي ليس في الإخبار كقوله: كذب

_ (1) نسبه اللسان: كذب. إلى عنترة أيضا، ونسبه الكتاب «2: 302» إلى الخزر بن لوذان. والشن: القربة البالية، وماؤها أبرد من ماء القربة الجديدة. والغبوق: شرب العشي. انظر ديوان عنترة/ 273 والخزانة 3/ 9. (2) في (ط): بالعتيق فالزمية.

القراطف- قول ذي الرّمّة: وللشول أتباع مقاحيم برّحت ... به وامتحان المبرقات الكواذب «1» فالكواذب: النوق التي تظهر أنها قد لقحن وليس كذاك، «2» فيردهن الفحل إلى الطّروقة. «3» وقريب من ذلك قوله: إذا قلت عاج أو تغنّيت أبرقت ... بمثل الخوافي لاقحا أو تلقّح «4» فالمتلقّح: التي تري أن بها لقاحا، وليست كذلك، فهي مثل الكواذب في بيته الآخر.

_ (1) رواية الديوان (وفي الشول) مكان (وللشول)، وضمير به للمقرم في بيت سابق. والشول: جمع شائلة، وهي من الإبل ما أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر، فجف لبنها، والمقاحيم: جمع المقحم- بفتح الحاء- وهو البعير الذي يلقى سنّين في مقدار سنّ- أو هو الذي يخرج من سنّه فيستقبل السنّ الذي بعد سنه الذي كان فيه. والمبرقات: جمع مبرق، وهي الناقة تشول بذنبها، تري أنها قد لقحت وهي غير لاقح. يريد أن هذا الفحل قد برح به إخراج المقاحيم التي تتبع الشول، وبرح به كذلك امتحان المبرقات اللاتي يكذبن خوفا منه. انظر الديوان 1/ 210. (2) في (ط): كذلك. (3) الطروقة: الناقة التي بلغت أن يضربها الفحل. (4) لذي الرمة. وعاج: زجر للناقة. وفي (م): (تغيبت) مكان (تغنيت)، وهو تحريف. وما أثبتناه مأخوذ من (ط) ومن الديوان. والخوافي: أعرض من القوادم الديوان 2/ 1220 وهو البيت السادس والخمسون من القصيدة.

ومما يبيّن أن الكذب في هذه الأشياء التي ليست من القول على ما تأولنا قول الأعشى: إذا ما الآثمات ونين حطّت ... على العلّات تجتزع الإكاما «1» قالوا: الآثمات: البطاء اللواتي لا يصدقن في السير، فهذا يدلك على صحة ما ذكرناه في قولهم: حمل فلم يكذّب، وكذب عليك الحجّ، وكذب عليكم العسل، ألا ترى أن الإثم كالكذب كما أن البر كالصدق؟ قال أبو علي: حجة من قال: يَكْذِبُونَ [البقرة/ 10]- بفتح الياء وتخفيف الذال، أن يقول: إن ذلك أشبه بما قبل الكلمة وبما بعدها، فالذي قبلها مما يدل على الكذب ويكذبون- قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة/ 8]. فقولهم: آمنا بالله كذب منهم، فلهم عذاب أليم بكذبهم. هذا الذي تقدم قولهم له وحكايته عنهم. وما بعدها قوله تعالى: «2» وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة/ 14]. فقولهم- إذا خلوا إلى شياطينهم- إنا معكم دلالة على

_ (1) حط: انحدر من أعلى إلى أسفل، والبعير: اعتمد في الزمام على شقيه. والعلات: الحالات المختلفة. والإكام: المرتفعات من الأرض، المفرد أكمة. انظر الديوان: 197. (2) في (ط): قوله بدون تعالى.

كذبهم فيما ادعوه من إيمانهم، وإذا كان أشبه بما قبله وما بعده كان أولى. ومما يدل على ترجيح ذلك أن يقال: إن قوله: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ لا يخلو من أن يراد به المنافقون أو المشركون «1» أو الفريقان جميعا. فإن كان المعنيّون بذلك المنافقين فقد قال الله فيهم: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [المنافقون/ 1]. وإن كانوا المشركين فقد قال: وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ [المؤمنون/ 90، 91] وقال: «2» وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ [الصافات/ 152، 153]. وإن كان الذين عنوا به «3» الفريقين فقد أخبر عنهم جميعا بالكذب الذي يلزم أن يكون فعله يكذبون دون يكذّبون. وحجة من قال: (يكذّبون) أن يقول: يدل على التثقيل قوله تعالى: «4» وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا [الأنعام/ 34]. وقوله تعالى: «5» بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس/ 39] وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ

_ (1) في (ط): والمشركون، وسياق الكلام يوجب (أو) كما يتبين مما يأتي قريبا. (2) في (ط): وقال تعالى. (3) في (ط): وإن كان المعني به الفريقين. (4) في (ط): قوله بدون تعالى. (5) في (ط): قوله بدون تعالى.

[يونس/ 41] وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [فاطر/ 41] وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا [البقرة/ 39] ونحو ذلك من الآي. فإن قلت: فكيف جاء: فإنهم لا يكذبونك، «1» والمعنى «2» لا يجدونك كاذبا، لأنّهم قد عرفوا أمانتك وصدقك، وعرفت بذلك فيهم. قال أبو طالب: إنّ ابن آمنة الأمين محمّدا يؤكد ذلك قوله: وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ «3» [الأنعام/ 33] أي بردّ آيات الله، أو إنكار آيات الله يجحدون، أي: يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك. ومثل ذلك قوله تعالى: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها [الاسراء/ 59]، أي: ظلموا بردها أو الكفر بها، فكما أن الجارّ في قوله: (فظلموا بها) من صلة (ظلموا) كذلك يكون من صلة الظلم في قوله: وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام/ 33]. ويجحدون محذوف المفعول للدلالة عليه والتكذيب أكبر «4» من الكذب، لأنّ كلّ من كذّب صادقا فقد كذب، وليس كلّ من كذب كان مكذّبا لغيره.

_ (1) في الآية 33 من سورة الأنعام، ويكذبونك بضم الياء وتسكين الكاف وتخفيف الذال- قراءة نافع والكسائي، ويكذبونك- بضم الياء وتشديد الذال قراءة الباقين انظر الإتحاف: 125، وهي في (ط) بضم الياء وتشديد الذال. (2) في (ط): فالمعنى. (3) بقية الآية 33 من سورة الأنعام المذكورة آنفا. (4) في (ط): أكثر.

البقرة: 11

[البقرة: 11] بسم الله: «1» اختلفوا في ضم «2» أوائل هذه الحروف وأخواتها وكسرها: فقرأ الكسائي: قيل [البقرة/ 11] وغيض [هود/ 44] وسيء [هود/ 77، والعنكبوت/ 33] وسيئت [الملك/ 27] وحيل [سبأ/ 54] وسيق [الزمر/ 71، 73] وجيء [الزمر/ 69، والفجر/ 23] بضم أول ذلك كله. وكان نافع يضم من ذلك حرفين: (سيء)، و (سيئت)، ويكسر ما بقي. وكان ابن عامر يضم أول: (سيق وسيء وسيئت وحيل)، ويكسر (غيض) و (قيل) و (جيء) في كل القرآن: الغين والجيم والقاف، هذه رواية ابن ذكوان «3» عنه. وقال الحلواني «4» عن هشام «5» بن عمار بإسناده عنه في

_ (1) بسم الله: زيادة في (م). (2) زيادة في (ط). (3) هو عبد الله بن أحمد بن بشر، ويقال: بشير بن ذكوان، أبو عمرو وأبو محمد القرشي الفهري الدمشقي، الإمام الأستاذ الشهير، الراوي الثقة. شيخ الإقراء بالشام، وإمام جامع دمشق. أخذ القراءة عرضا عن أيوب ابن تميم، وقرأ على الكسائي حين قدم الشام وروى الحروف سماعا عن إسحاق بن المسيبي عن نافع، وروى القراءة عنه خلق كثير. ولد سنة 173، وتوفي سنة 242. طبقات ابن الجزري: 1/ 404، 405. (4) هو أحمد بن يزيد بن ازداذ، ويقال: يزداز الصفار أبو الحسن الحلواني: إمام كبير عارف صدوق متقن ضابط خصوصا في قالون وهشام. قرأ بمكة على أحمد بن محمد القواس وبالمدينة على قالون، وبالكوفة والعراق على خلف وغيره. توفي سنة نيف وخمسين ومائتين. طبقات ابن الجزري: 1: 149، 150. (5) هو هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي، وقيل: الظفري، الدمشقي إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ومحدثهم ومفتيهم. ولد سنة 153، وأخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم وغيره.

كلهن مثل الكسائي. وروى عبيد بن عقيل «1» عن شبل بن عبّاد «2» عن ابن كثير: (سيء) و (سيئت) بضم السين مثل نافع. وكان ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة يكسرون أوائل هذه الحروف كلّها «3». وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا ... قالُوا [البقرة/ 11] قال يقول قولا وقيلا، مثل ذكر يذكر ذكرا. كأنّه متوّج روميّ ... أو مقول توّج حميريّ «4» وقالوا: قيل، وهو فيعل مخفف كميت. يدلّك «5» على

_ وروى القراءة عنه أحمد بن يزيد الحلواني وغيره. ومات سنة 245، وقيل سنة 244. طبقات ابن الجزري: 2/ 354 - 356. (1) هو عبيد بن عقيل بن صبيح أبو عمرو الهلالي البصري، راو، ضابط، صدوق. روى القراءة عن أبان بن يزيد العطار، وأبي عمرو بن العلاء، وشبل بن عباد، وغيرهم. وروى القراءة عنه خلف بن هشام وغيره. توفي في رمضان سنة 207. طبقات ابن الجزري: 1/ 496. (2) هو شبل بن عباد أبو داود المكي، مقرئ مكة. ثقة ضابط، هو أجل أصحاب ابن كثير. ولد سنة 70، وعرض على ابن محيصن وعبد الله بن كثير، وهو الذي خلفه في القراءة. وروى القراءة عنه عرضا إسماعيل القسط وغيره. وبقي إلى قريب من سنة 160. طبقات ابن الجزري: 1/ 324. (3) انتهى كلام ابن مجاهد: (انظر كتاب السبعة في القراءات 141 - 142). (4) للعجاج، وروي في الديوان (1/ 516) بين بيتي الشاهد: عليه كتان وآخني والآخني: ثوب مخطط. (5) في (ط): يدل.

ذلك ظهور الياء فيه، والعين أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب. والقياس في جمع قيل أقوال، مثل ميت وأموات. وروي في الحديث: «إلى الأقيال العباهلة» «1»، والقياس الأقوال إذا كان جمع فيعل من القول. ويجوز أن يكون الأقيال جمع قيّل الذي هو فيعل، من قولهم: تقيّل أباه إذا أشبهه، كأنّ كلّ ملك يشبه الآخر في ملكه، كما قيل له تبّع لمّا كان يتبع من قبله. وقال أبو زيد: اقتل عليّ كذا، أي احتكم، وأنشد: فلو أن ميتا يفتدى لفديته ... بما اقتال من حكم عليّ طبيب «2» وقد اتسعوا في القول فاستعملوه في غير اللفظ. قال العجاج يصف ثورا: فكرّ ثم قال في التفكير ... إن الحياة اليوم في الكرور «3»

_ (1) من كتاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لوائل بن حجر وقومه. والعباهلة: الذين أقروا على ملكهم ولم يصرفوا عنه. انظر النهاية لابن الأثير واللسان: (عبهل). والبيان والتبين 2/ 27 ت هارون والشفا 49. (2) لكعب بن سعد الغنوي في النوادر/ 244 وروايته: «ولو» مكان «فلو». وبقية البيت مطابقة لما هنا. ورواية المنصف: 3/ 92 واللسان والصحاح «قول» والأصمعيات/ 97: ومنزلة في دار صدق وغبطة ... وما اقتال من حكم علي طبيب واقتال عليه: تحكم. وانظر شأن الدعاء ص 151 (ط. دار المأمون للتراث). (3) سبق في ص 331.

وقد أجري القول أيضا مجرى الاعتقاد والمذهب في نحو: هذا قول أهل العدل، وهذا قول أبي حنيفة، يعنون بذلك رأيهم واعتقاداتهم، ليس اللفظ. وعلى هذا قالوا: قيل في ذلك قول، فأسندوا إليه قيل. ومعنى النهي فيما روي: «إنّ الله ينهاكم عن قيل وقال»: «1» المجادلة بالباطل ليدحض به الحقّ، وليس على النهي عن الخوض في العربية وتعلّمها، لأنّ الحضّ على النظر فيها قد كثرت الرواية به عن السلف. «2» حدثنا إسماعيل بن محمد قال: حدثنا محمد بن عيسى العطار: قال حدثنا كثير «3» بن هشام قال حدثنا عيسى «4» بن إبراهيم عن الحكم بن عبد الله عن الزهري «5» عن

_ (1) قطعة من حديث رواه البخاري في الرقاق برقم 6473 ومسلم برقم 1715 ج 3/ 1340. وانظر رياض الصالحين. طبع دار المأمون للتراث ص/ 671. (2) في (ط): السلف رحمهم الله. (3) هو كثير بن هشام بن سهل الكلابي الرقي. روى عن شعبة. ومات سنة 207. خلاصة تذهيب الكمال 273. قال ابن معين: ثقة. تهذيب الكمال 3/ 1146. (4) عيسى بن إبراهيم الشعيري- بفتح الشين وكسر العين- البركي- بكسر الباء- أبو إسحاق البصري، مولى بني هاشم. روى عن حماد بن سلمة وغيره. قيل توفي سنة 288، الخلاصة/ 256. (5) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله القرشي الزهري أبو بكر المدني، أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام. روى عن ابن عمر وغيره. كان من أسخى الناس، وكان تقيا، مات سنة 124. الخلاصة/ 306.

سالم «1» عن أبيه قال: مرّ عمر بن الخطاب على قوم يرمون رشقا «2» فقال: بئس ما رميتم. قالوا: «3» يا أمير المؤمنين: إنا قوم متعلمين. فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشدّ علي من ذنبكم في رميكم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «رحم الله رجلا أصلح من لسانه». «4» وقد أجروا أتقول مجرى أتظن، فقالوا: أتقول زيدا منطلقا؟ ولم يجر أكثر العرب حروف المضارعة الأخر «5» مجرى التاء. قال «6» لأنّ المخاطب لا يكاد يستفهم عن ظنّ غيره. فمن ذلك قوله: فما تقول بدالها «7» (ما) نصب لكونها في موضع المفعول الأول، والجملة في موضع المفعول الثاني.

_ (1) هو سالم بن عبد الله بن عمر العدوى المدني الفقيه. روى عن أبيه وأبي هريرة وغيرهما. قال ابن اسحاق: أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه: مات سنة 106 على الأصح. الخلاصة/ 113. (2) يرمون رشقا، أي: يرمون كلهم في جهة. (3) في (ط): فقالوا. (4) الحديث في كشف الخفاء 1/ 513 وفيض القدير 4/ 23 وكلاهما بسند ضعيف. (5) في (ط): الأخرى. (6) في (ط): قالوا. (7) للأعشى، والبيت بتمامه: رحلت سمية غدوة أجمالها ... غضبى عليك فما تقول بدا لها انظر الديوان/ 27. وقد سبق في ص 72.

قال: وبنو سليم يجعلون جميع الأمثلة بمنزلة الظن. والتّقوّل: تفعّل من القول، وقد غلب عليه الاستعمال فيما كان باطلا وغير صدق، كما أن الاختلاق كذلك، وفي التنزيل: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ [الأحقاف/ 44]. وزعم بعض المفسرين أنّها نزلت لمّا قالوا: لولا اجتبيتها من قوله تعالى: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها [الأعراف/ 203] وقال: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص/ 7]. فأمّا الإقالة في البيع فليس من هذا الباب، لأنّهم قد قالوا: قلته البيع وأقلته. «1» حكاه سيبويه وأبو زيد، فدل قولهم: قلته على أن العين ياء. ولكنّ الإقالة من قولهم: تقيّل أباه، إذا نزع إليه في الشبه، فكذلك الإقالة عود الملك بين المتقايلين إلى ما كان قبل عقد البيع، ألا ترى أنّه فسخ بين المتعاقدين وإن كانا بيعا آخر في حق الثالث. حجة من قال: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ [النور/ 11] فأشمّ الضمة الكسرة وأمال بها نحوها: أن ذلك أدلّ على فعل، ألا ترى أنّهم قد قالوا: كيد زيد يفعل، وما زيل يفعل، وهم يريدون فعل. فإذا حرّكوا الفاء هذه التحريكة أمن بها التباس الفعل المبنى للفاعل بالفعل المبني للمفعول، وانفصل بها، فدلّت عليه، وكان أشدّ إبانة للمعنى المراد. ومن الحجة في ذلك أنهم قد «2» أشمّوا نحو ردّ وعدّ وما

_ (1) أقلته، سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط).

أشبه ذلك من التضعيف المبنى على فعل، مع أنّ الضمة الخالصة تلحق فاءه، فإذا كانوا قد تركوا الضمة الصحيحة إلى هذه في الموضع الذي تصح فيه «1» الضمة فإلزامها حيث يلزم الكسر فيه في أكثر اللغات أجدر. ودلّ استعمالهم هذه الحركة في ردّ ونحوه من التضعيف على تمكنها في قيل وبيع وكونها أمارة للفعل المبني للمفعول به، ولولا ذلك لم تترك الضمة المحضة إليها في قولهم: ردّ ونحوه. ومن الحجة في ذلك أنّهم قالوا: أنت تغزين فألزموا الزاي إشمام الضمة و (زين) من تغزين بمنزلة قيل، فكما ألزم الإشمام هنا كذلك يلزم ذلك في قيل، ألا ترى من «2» قال: قيل وبيع، قال: اختير وانقيد، فأشمّ ما بعد الخاء والنون لمّا كان بمنزلة قيل وبيع، فكما ألزم الإشمام نحو تغزين، لينفصل من باب ترمين، كذلك ألزم قيل وبيع الإشمام في الضمة، لينفصل من الفعل المبني للفاعل في كيد وزيل، وليكون أدلّ على فعل. فإن قلت: فهلّا ألزم القاف في قيل ونحوه إشمام الضمة كما ألزم ذلك في «3» تغزين؟ فالقول إنّ هذه الحركة لمّا لم تكن ضمة خالصة ولا كسرة محضة ضعفت في الابتداء لخروجها عمّا عليه الحركات اللاحقة أوائل الكلم المبتدأ بها، ألا ترى أنّ أبا عمرو أخذ بذلك في الإدراج فيما حكاه عنه سيبويه في قوله تعالى:

_ (1) في (ط): فيها. (2) في (ط): ألا ترى أن. (3) سقطت من (ط).

يا صالِحُ ائْتِنا «1» ولم يأخذ به في الاستئناف. فإن قلت: فهل يلزم أبا عمرو في قراءته: يا صالِحُ ائْتِنا أن يقرأ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي [التوبة/ 49] فيشمّ الضمة نحو الكسرة. فالقول: إن ذلك لا يلزم، لأنّ هذا الإشمام والإمالة بالضمة نحو الكسرة إنّما جاء فيما ليس بحركة إعراب، والضمة في يقول ضمة إعراب، والتي في يا صالِحُ ائْتِنا وإن كانت مشابهة لحركة الإعراب فهي حركة بناء، فلا يلزم ذلك في قوله تعالى: «2» وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي. ومما يدلّك على أنّ هذه التحريكة قد صارت أمارة لبناء الفعل للمفعول به وأنّها مما يختصّ به الفعل أنّك لو سميت بمثل قيل وبيع شيئا وخلعت منه الضمير إن كان فيه لأخلصت الكسرة فقلت: قيل وبيع، فدلّ هذا من مذهب سيبويه على أن هذه الحركة أمسّ عنده بالفعل، وأشد لزوما له من الأمثلة التي تختص بالفعل، ولا تكون في الاسم نحو: ضرب وضورب وضرّب: ألا ترى أنّك لو سميت بشيء من ذلك مجردا من الضمير لم تغيره عن بنائه إلى ما يختص الاسم وقد رأى تغيير هذه الحركة وإخلاصها كسرة. ومما يقوي قول من قال: قيل أن هذه الضمة المنحوّ بها نحو الكسرة قد جاءت في نحو قولهم: شربت من المنقر، «3»

_ (1) عبارة سيبويه: «وزعموا أنّ أبا عمرو قرأ: يا صالحيتنا، جعل الهمزة ياء، ثم لم يقلبها واوا. الكتاب: 2/ 358. (2) تعالى زيادة في (ط). (3) قال سيبويه: «وشربت من المنقر. والمنقر: الركية الكثيرة الماء. انظر الكتاب: 2/ 270.

حجة من قال: (قيل)، فأخلص الكسرة، ولم يحرك بضمة ممالة نحو الكسرة

وهذا ابن عور وابن بور، «1» فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون «2» أشدّ مشاكلة لما بعدها وأشبه به وهو كسر الراء، فإذا أخذوا بهذا لتشاكل اللفظ، وحيث لا يميّز معنى من معنى آخر فأن يلزموا ذلك حيث يزيل اللبس ويخلّص معنى من معنى أجدر وأولى. حجة من قال: (قيل)، فأخلص الكسرة، ولم يحرك بضمة «3» ممالة نحو الكسرة الحروف التي تنقل حركاتها إلى ما قبلها على ضربين: أحدهما: أن يكون نقلا من حرف صحيح. والآخر: أن يكون نقلا من حرف علة. فحروف الصحة التي تنقل حركاتها إلى ما قبلها على ضربين: أحدهما: أن يكون في تضعيف. والآخر: أن يكون في غير تضعيف. فأما التضعيف فنحو أعدّ، وأصمّ، واستعدّ، ومفرّ، ومردّ، فما قبل حرف التضعيف في هذه الأشياء إذا كان ساكنا ولم يك مدّة، ألقيت حركة المضاعف عليه، وإذا كان متحركا حذفت الحركة ولم تلق على شيء نحو: اعتدّ واشتدّ. وأما غير التضعيف فعلى ضروب منها نقل الحركة من الهمزة إلى الحرف الذي قبلها إذا لم يكن الحرف للمدّ فقط.

_ (1) البور- بالضم-: الرجل الفاسد والهالك لا خير فيه، يستوى فيه الاثنان والجمع والمؤنث. (2) في (ط): ليكون. (3) في (م) ضمة.

ومنها نقل حركة افتعل ويفتعل نحو يهتدي ويقتدي. ومنها الحركة في الوقف، وهي «1» على ضربين: أحدهما: أن يكون حركة إعراب كقوله: إذ جدّ النّقر «2» والآخر: أن يكون حركة البناء نحو اضربه وقده، فهذا نقل الحركة من حروف الصحّة. وأمّا نقل الحركة من حروف العلة فنحو الفعل من القول والبيع، والفعل فيه على ضربين. أحدهما: أن يكون فاعله ضميرا يتصل بالفعل، والآخر أن يكون ظاهرا لا يتصل به فإذا بني الفعل للفاعل الظاهر قيل: قام زيد، وباع عمرو، فلا تنقل في هذا حركة العين عن موضعها. وقد شذّ قولهم: كيد زيد يفعل، وما زيل، فلا تنقل الحركة من غير «3» هذا إلى الفاء، كما تنقل إذا اتصلت «4» بضمير المخاطب والمتكلم، نحو قمت، وبعت، فنقلت الحركة التي كانت للعين إلى الفاء. فأما حجّة من قال: قيل- فحرك الفاء بالكسر- أنّهم يزعمون أنّ هذه اللغة هي الأصل، وما عداها داخل عليها، يدلّ على ذلك أنّ الأصل فعل، فنقلت حركة العين إلى الفاء، كما نقلت حركة العين إلى الفاء إذا بنيت الفعل للفاعل من

_ (1) في (ط): وهو. (2) تقدم في ص/ 98. (3) في (ط): في غير. (4) كذا في (ط): وفي (م): اتصل.

قلت، «1» لأنّ حركة العين من فعلت «2» الضمة في بناء الفعل للفاعل بعد نقل فعلت إلى فعلت، نقلت «3» الضمة إلى الفاء، كما نقلت الحركة التي هي الكسرة إلى الفاء، إذا بنيت الفعل للمفعول، فلحق الإعلال العين بالقلب لاجتماع المقاربة «4» كما يلحق «5» اللام في: غزا، ورمى، لتوالي ذلك. ولو فصل السكون لصحّ كما صح نحو: غزو ورمي، وأتبع المضارع الماضي، ولحق الإعلال في قيل العين وما قبلها. أمّا الإعلال في العين فيقلبها إلى الألف، وما قبلها اعتلّ بنقل حركة العين إليها وحذف حركتها، ولحق الإعلال في باب العين العين وما قبلها كما لحق اللام وما قبلها في باب غزا ورمى. وإنما نقلت الحركة في قيل إلى الفاء ليعلم بذلك حركة العين، ألا ترى أنّك إذا سمعت الضمة في قلت، والكسرة في بعت علمت أن حركة العين في باع كسرة كما تعلم أنها في قلت ضمة، وإذا سمعت قيل وبيع علمت أن حركة العين الكسرة إذا بني الفعل للمفعول به على فعل، فجعلت حركة العين إذا كانت واوا الضمة وإذا كانت ياء الكسرة، لأن الضمة من جنس الواو، كما أن الكسرة من جنس الياء، فلهذه المجانسة فعل هذا ليس لأنّ الضمة تدل على «6» أنّ العين واو، ولا الكسرة تدلّ على أنّ العين ياء، ألا ترى أنّهم قد جمعوا بين

_ (1) في (ط): في قلت. (2) في (ط): في فعلت. (3) في (ط): فنقلت. (4) في (ط): المتقاربة. (5) في (ط): لحق. (6) سقطت على من (م).

البقرة: 14

خفت وهبت في الكسرة وإحداهما من الياء، والأخرى من الواو «1» وقد قلنا في ذلك في غير هذا الموضع. [البقرة: 14] بسم الله «2»: قال: حمزة «3» يقف على: (مستهزءون) بغير همز، وكأنّه يريد الهمز، ويشير إلى الزاي بالكسر كما كان يفعل في الوصل، وهذا لا يضبطه الكتاب «4». وكذلك كان يفعل بقوله: لِيُواطِؤُا [التوبة/ 37] وَيَسْتَنْبِئُونَكَ [يونس/ 53] ومُتَّكِؤُنَ [يس/ 56]، وفَمالِؤُنَ [الصافات/ 66] والْخاطِؤُنَ [الحاقة/ 37] والصَّابِئِينَ [البقرة/ 62، والحج/ 17] والصَّابِئُونَ [المائدة/ 69] والباقون يصلون بالهمز ويقفون أيضا كما يصلون «5». قال أبو زيد: هزئت به هزءا ومهزأة، وأنشد غيره: ألا هزئت بنا قرشي ... ية يهتز موكبها «6» وقالوا: هزئت منه. أنشدنا علي بن سليمان: وهزئت من ذاك أم موأله «7»

_ (1) في (ط): من الواو، والأخرى من الياء. (2) بسم الله و (قال) زيادة في (م). (3) في (ط): قوله تعالى: مستهزءون. حمزة يقف على مستهزءون. (4) في كتاب السبعة: ولا يضبط إلا باللفظ. (5) السبعة 142. (6) لابن قيس الرقيات. انظر الديوان/ 121. (7) لرجل من بني تميم اسمه صحير بن عمير، ويقال فيه أيضا: صخير بن عمير، وصخر بن عمير وغير ذلك. وقبل الشاهد من أول الأرجوزة: هزأ مني أخت آل طيسلة

ومعنى يستهزءون يهزءون، كما أن قوله: وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ [الصافات/ 14] يسخرون، ومثل هذا قرّ، واستقر، وقالوا: علا قرنه واستعلاه، وقال أبو زيد: استعلى عليه، وقال أوس: ومستعجب ممّا يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم «1» وقد جاء استفعل في معنى أفعل، كما جاء في معنى فعل. قالوا: استجاب وأجاب، وأنشد أبو زيد. فلم يستجبه عند ذاك مجيب «2» أي لم يجبه. وقالوا: استخلف لأهله، وأخلف لأهله. قال:

_ قالت: أراه مملقا لا شيء له انظر الأصمعيات: 234، ورواية الشاهد فيها: مني بنت، مكان: من ذاك أم، وورد كذلك في هامش (ط). (1) زبنته: دفعته يترمرم: يحرك فاه للكلام. انظر ديوان أوس/ 121 واللسان، والصحاح (رمرم). (2) صدره: وداع دعا هل من مجيب إلى الندى والبيت من مرثية لكعب بن سعد بن مالك الغنوي، يرثي بها أخاه، واسمه شبيب، وقيل: هرم، وكنيته أبو المغوار. وتروى لسهم الغنوي، وهو من قومه وليس بأخيه، ويروى شيء منها لسهم. انظر النوادر/ 37، وجمهرة أشعار العرب/ 276، والخزانة: 4/ 370. وشرح أبيات المغني 5/ 167.

ومستخلفات من بلاد تنوفة ... لمصفرّة الأشداق حمر الحواصل «1» وقال آخر: ................ ... ... سقاها فروّاها من الماء مخلف «2» وقال: «3» مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة/ 17] وقال: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ [المائدة/ 64]. قال أبو زيد: وقالوا: «4» رجل هزأة: يهزأ بالناس، وهزأة: يهزأ به الناس. «5» اختلف النحويون في تخفيف الهمزة في: (يستهزءون). فقال سيبويه: تجعلها إذا خففتها بين بين، فتقول: (يستهزوون). وزعم أن جعلها بين بين، قول العرب والخليل. وكذلك

_ (1) البيت لذي الرمة. والمستخلفات: المستسقيات، أو المستبقيات، ويعني بها القطا، لأنها تستسقي الماء في حواصلها لفراخها. التنوفة: الأرض الواسعة البعيدة الأطراف. ومصفرة الأشداق حمر الحواصل يعني بها صغارها. ورواية (ط): في بلاد، مكان من بلاد. وانظر اللسان (خلف) والديوان: 2/ 1345. (2) صدره: كأن دموعي سح واهية الكلى والبيت للحطيئة. واهية الكلى، يعني بها المزادة، والكلى: جمع كلية أو كلوة، وهي من المزادة رقعة مستديرة، تخرز عليها تحت العروة. المخلف: المستسقي (انظر اللسان/ خلف/، والديوان/ 382). (3) في (ط): وقال عز وجل. (4) في (ط): قالوا. (5) النوادر/ 134.

قال في الهمزة المكسورة إذا كان ما قبلها مضموما نحو مرتع إبلك «1» تجعلها بين بين. ويذهب أبو الحسن في يستهزءون إلى أن يقلب الهمزة ياء قلبا صحيحا، ولا يجعلها بين بين كما ذهب إليه سيبويه والخليل. فأمّا إذا كانت مكسورة وقبلها ضمة فإنّه لا يخلو من أن يكون «2» في كلام متصل أو منفصل، فإن كان متصلا قلبها واوا مثل بأكموك، «3» وإن كان منفصلا قلبها ياء مثل: عبد يخوتك «4» وسنذكر قوله بعد ذكر ما احتج به لسيبويه. قال أبو عثمان: سأل مروان بن سعيد المهلبيّ «5» أبا عمر الجرمي في مجلس أبي الحسن الأخفش، «6» فقال: كيف تخفف همزة جؤن؟ فقال: جون، فجعلها واوا خالصة. فقال له مروان: لم لا جعلتها بين بين، فنحوت بها نحو الألف؟

_ (1) انظر الكتاب: 2/ 164. (2) في (ط): من أن تكون. (3) أكمؤ: جمع كمء، وهو نبات ينقض الأرض فيخرج كما يخرج الفطر. (4) في (ط): عبد يخوانك. وورد في (م) بعدها زيادة: (عبد إخوتك) لبيان أصل الكلمة. (5) نحوي مبرز من أصحاب الخليل. معجم الأدباء: 19/ 146. (6) هو سعيد بن مسعدة، مولى مجاشع. أخذ عن سيبويه، وكان أحذق أصحابه. توفي سنة 215. الإنباه: 2/ 36.

قال: فقال: من قبل أن الألف لا تقع بعد ضمة فكذلك «1» ما قرب منها. فقال: فكيف تخفف همزة مئر؟ «2» فقال: مير، فجعلها ياء خالصة مثل الأولى في العلة. فقال له مروان: فكيف تخفف همزة يستهزءون؟ فقال: أبو عمر يستهزوون، فجعلها بين بين، ونحا بها لانضمامها نحو الواو. قال أبو عثمان: وهو قول سيبويه. فقال «3» له مروان: لم لا صيرتها ياء لأن الواو المضمومة لا تقع بعد كسرة. قال أبو علي: يريد مروان أن الكسرة لا تقع بعدها الواو المضمومة فكذلك ينبغي ألا يقع بعدها ما قرب من الواو المضمومة بالتخفيف، كما أنّ الضمة والكسرة، لمّا لم تقع بعدهما الألف فكذلك لم يقع بعدهما ما قرب منهما «4» بالتخفيف، فقلبت الهمزة بعدهما قلبا، فكذلك كان يلزم أن نبدل من الهمزة المضمومة بعد الكسرة ياء إذا لم تقع بعد الكسرة واو مضمومة في موضع، فكذلك ما قرب من الواو المضمومة من الهمز بالتخفيف ينبغي ألا تقع «5» بعدها. (رجع إلى كلام أبي عثمان):

_ (1) في (ط): وكذلك. (2) مئر: ككتف وعنب: مفسد. (3) في (ط): قال فقال. (4) في (ط): منها وهو تحريف. (5) في (ط): يقع.

قال أبو عثمان: فقال أبو عمر وأجاد عندي: هي وإن لم يكن مثلها في الكلام فأنا أقدر أن «1» ألفظ بها، وتلك الأولى لا أقدر على أن ألفظ بها إذا نحوت بها نحو الألف وقبلها كسرة أو ضمة. قال أبو عثمان: وهذا قولي، وحجتي فيه هذه. «2» وأما الأخفش فكان يقول: (يستهزيون) إذا خفف فيجعلها ياء خالصة من أجل الكسرة التي قبلها. انتهت حكاية أبي عثمان. قال أبو علي: إن قال قائل: إذا لم يجعلها بين بين فلم قلبها ياء للكسرة التي قبلها، وهلّا قلبها واوا لتحركها بالضمة؟ قيل: إنّه إذا ترك أن يجعلها بين بين، فلا يخلو من أن يقلبها ياء أو واوا، فلا يجوز أن يقلبها واوا وقبلها «3» كسرة، لخروجه إلى ما لا نظير له، «4» ألا ترى أنّه ليس واو مضمومة قبلها كسرة؟ وإذا لم يجعلها بين بين كما جعلها غيره لكراهته تقريبها من واو مضمومة قبلها كسرة فأن يرفض قلبها إلى نفس الواو المضمومة المكسور ما قبلها أجدر، فإذا لم يجز قلبها واوا صارت نحو «5»: شيوخ وفِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ [النور/ 36] على أنّ (يستهزيون) أسوغ في هذا «6» لأن الضمة فيها إعراب فليست

_ (1) في (ط): على أن. (2) في (ط): فيه ذلك. (3) في (ط): قبلها. (4) كذا في (ط). وفي (م): عما لا نظير له. (5) في (ط): مثل. (6) في (ط): من هذا.

بثابتة ثبات عين فعول، فهو مثل فخذ في الرفع ليس مثل فعل المرفوض من كلامهم. ويقوي قلبها إلى الياء أنّها في جون ومير «1» قد قلبت إلى الحرف المجانس لما قبلها من الحركة وهي متحركة، فكذلك في (يستهزيون) تقلب إلى الحرف المجانس لما قبلها من الحركة مع كونها متحركة. فإن قال قائل: فهلا قلبها إلى الحرف الذي منه حركتها كما قلبها إلى الحرف الذي منه حركتها في أيمّة، ولم يقلبها إلى ما يجانس الحركة التي قبلها كما لم تقلبها «2» في أئمة إلى ما يجانس الحركة التي قبلها، ألا ترى أنّك لم تقل أامّة ولكن «3» قلبتها إلى الياء لما تحركت بالكسرة؟ قيل: لم يجز أن تقلب إلى ما ذكرت في يستهزءون «4» لخروجها إلى ما لا مثل له في كلامهم. وجاز في أئمة أن تقلب إلى الحرف الذي منه حركتها من حيث لزم إلقاء حركة المدغم فيه على ما قبله، ولولا ذلك لقلبتها على ما قبلها من الحركة كما قلبتها في إناء وآنية، ولكن لما لزم إلقاء حركة المدغم عليها كما لزم في أخلّة ونحوه وجب تحركها، «5» ولما وجب تحركها، «5» وجب قلبها إلى الياء لتحركها بالكسرة إذ لم يمكن قلبها إلى الحرف المجانس

_ (1) في (ط): جؤن، ومئر. (2) في (ط): لم يقلبها. (3) في (ط): لكن. (4) في (ط): يستهزيون. (5) في (ط): تحريكها.

للحركة التي قبلها، ولم يجز إسكانها وقلبها ألفا لأنها فاء كالفاء في أخلّة ونحوه، وليس في يستهزءون حركة لمدغم يلزم أن تلقيها عليها، فتقلبها إلى ما يجانس حركتها دون ما يجانس الحركة التي قبلها. فإن قلت: كيف استجاز أن يقلب الهمزة ياء محضة في يستهزءون ويحركها بالضم، وليس ياء هي لام على هذا الوصف تتحرك بالضمة؟ فإن ذلك فيما أصله الهمزة لا يمتنع، وإن لم يجز فيما أصله غير الهمز، لأنّ الهمزة لما كانت منويّة كانت في تقدير الثبات، ألا ترى أنّه وإن «1» خففها تخفيفا قياسيا لم يقلبها قلبا إلى الياء، وإذا كان كذلك لم يمتنع ثباتها وتحريكها، وإن لم يجز ذلك في الياءات التي ليس أصلها همزات، كما لم تمتنع الواو الساكنة من أن تقع قبل الياء مبيّنا غير مدغم «2» إذا كان أصلها الهمزة نحو نؤي، ورؤيا وإن كان فيما يمتنع ذلك فيما أصله غير الهمز من الواوات. ومما يدلك على صحة ذلك من قوله: إنّها في قولهم جميعا تثبت ساكنة في الجزم. فكما جاز أن يخالف «3» الياءات التي هي لامات عند الجميع في السكون للجزم، كذلك جاز عنده أن يخالفهن «4» في الحركة أيضا. وقال أبو الحسن في كتابه في القرآن: من زعم أن الهمزة المضمومة لا تتبع الكسرة إذا خففت دخل عليه أن يقول: هذا قارو، وهؤلاء قاروون، ويستهزوون، قال: وليس هذا من كلام من خفف من العرب.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): مبينة غير مدغمة. (3) في (ط): تخالف. (4) في (ط): تخالفهن.

قال أبو علي: وجه دخول هذا عليه ولزومه له عنده أن الهمزة إذا كانت مفتوحة وكان ما قبلها مفتوحا فخففت جاز تخفيفها، فكذلك إذا كانت مكسورة وما قبلها مفتوح، وكذلك إذا كانت مضمومة وما قبلها مفتوح، وذلك أنّها إذا كانت مفتوحة، وما قبلها مفتوح أو مضمومة أو مكسورة وما قبلها مفتوح، فإنّك في ذلك كله تقرب الهمزة من الحرف الذي منه حركتها، فتقرب المفتوحة من الألف، والمكسورة من الياء الساكنة، والمضمومة من الواو الساكنة، فكما أن الألف والواو والياء الساكنين يجوز أن يقع كل واحد «1» منها بعد الفتحة نحو: دار وبيت، وثوب، كذلك جاز أن تخفّف الهمزة بعدها فتقربها بالتخفيف من هذه الحروف السواكن. فإذا كانت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة أو كسرة خففتها بالقلب إلى الحروف التي حركتها منها بلا خلاف. وذلك نحو التّودة، وجون ومير، وذيب، وإنما قلبتها إليهما لأنك إذا «2» خففت المفتوحة بعد الكسرة في مير قربتها من الألف، والألف لا تكون قبلها كسرة، وكذلك جون إذا خففتها قربتها من الألف، والألف لا تكون «3» قبلها ضمة، فلما لم تكن «4» بعد الكسرة ألف ولا بعد الضمة كذلك، لم يكن بعدهما ما قربته منه فقلبت قلبا لذلك إلى الواو أو إلى الياء. فإن كانت مضمومة وقبلها كسرة فخففتها مثل يستهزءون، ومن عند أختك، فلا يخلو إذا خففتها من أن تنحو بها نحو

_ (1) في (ط): أن تقع كل واحدة. (2) إذا: ساقطة من (ط). (3) في (ط): لا يكون. (4) في (ط): لم يكن.

الحرف الذي منه حركتها. فإن قلت: أقربها منه فأقول: يستهزوون «1»، لم يستقم لأنّك تقربها من واو ساكنة والواو الساكنة لا تكون «2» قبلها كسرة، فلا يجوز إذا أن تقربها من الواو الساكنة فتجعلها بين بين، كما لم يجز ذلك في جون ومير، ولزمك قلبها ياء على حسب الحركة التي قبلها كما قلبتها ياء أو واوا في جون، ومير، بحسب الحركة التي قبلها إذ لم يجز أن تكون بين بين لتقريبك إياها بالتخفيف من الواو الساكنة، والواو الساكنة لا تكون قبلها كسرة. وإذا لم تكن قلبتها إلى الياء فقلت: يستهزءون حيث لم تكن بعد الكسرة واو ساكنة كما قلبتها بعد الكسرة أو الضمة إذا كانت مفتوحة إلى الياء أو إلى الواو حيث لم يجز أن يكون «3» بعد الكسرة والضمة ألف فقد بان أن جعلها بين بين غير مستقيم للكسرة التي قبلها مع كونها مضمومة. فإن قلت: لا أقلبها ياء ولا أتبعها الحركة التي قبلها ولكن أتبعها الحركة التي عليها وهي الضمة، فأقلبها واوا إذ لم يجز أن أتبعها الكسرة التي قبلها- لزمك أن تقول: هذا قارو، فتصحح الواو بعد الكسرة إذ لم يكن سبيل إلى أن تجعلها بين بين، وأنت قد قلت: لا أتبعها الكسرة التي قبلها فأقلبها إلى الياء فأقول: قاري، ويستهزيون، فبقي أن تقلبها واوا، فتجعلها من جنس الحركة التي تحركت بها فتقول: قارو، لتكون قد خففتها إذ

_ (1) في (م): يستهزيون. (2) في (ط): لا يكون. (3) في (ط): أن تكون.

لا سبيل إلى أن تجعلها بين بين، ولا تنقلب ياء عندك، فهذا وجه لزوم قلبه إياها واوا وهذا ليس عليه أحد ممن يخفف الهمز، فإن لم يقلبها ياء خرجت بترك قلبها ياء عن قول العرب فيها إذا قلبتها واوا فقلت: قاروون ويستهزوون. وكذلك إذا كانت الهمزة مكسورة وقبلها ضمة عكس قولك قارئ ويستهزءون فإنك تقلبها واوا، فتقول: مررت بأكموك، فقلبت الهمزة على الحركة التي قبلها كما أتبعتها في يستهزءون الحركة التي قبلها بأن قلبتها ياء كذلك في أكموك تتبعها الحركة التي قبلها، بأن تقلبها واوا فتجعلها من جنس الضمة التي قبلها، فتقول بأكموك، ولا يجوز بأكميك فتجعلها على حركتها كما لم يقولوا: قارو، فيجعلوها على حركتها، ولا يتبعوها «1» ما قبلها. ولا يجوز أن تجعل: بأكموك بين بين، لأنّك تقربها من الياء الساكنة، فكما لا تكون الياء الساكنة بعد الضمة كذلك لا تكون الهمزة المكسورة بعد الضمة بين بين على قياس قولهم: جون ومير، والاتفاق الواقع في ذلك. فإن قلت: فإذا لم تجعلها بين بين لما قلت من أنّها تقرّب من الياء الساكنة، والياء الساكنة لا تكون بعد الضمة فهلّا قلبتها ياء ولم تقلبها واوا لأنّك قد تجد الياء المكسورة في كلامهم تقع بعد ضمة، ألا ترى أنّك لو قلت: صيد في هذا المكان لجاز كما يجوز عور، في هذا المكان؟ فما الذي جعل قلبها

_ (1) في (ط): فلا يتبعوها.

إلى الواو عنده في أكموك من قلبها إلى الياء في أكميك لما أريناك من صيد. فالقول: إن قلبها إلى الواو أولى، لأنّك قد وجدتهم في تخفيف الهمز يتبعون الهمزة حركة ما قبلها كثيرا، وقد وجدتهم قلبوا عكس هذا على ما قبلها، وذلك قولهم: (يستهزيون)، وقاري، فكما أتبعوا هذه الهمزة حركة ما قبلها كذلك يتبعون الهمزة في أكموك حركة ما قبلها ويقلبونها إليه، فيكون لذلك أولى وأقوى في القياس من قلبها إلى الياء على حركة نفسها. ومما يدلّ على أن قلبها إلى الواو في المتصل أقوى من قلبها إلى الياء أن ما جاء فيه الواو من المتصل مصححة أكثر مما جاء فيه الياء، ألا تراهم قالوا: عور في هذا المكان، وحول فيه، واجتور، واعتون، «1» واعتور، والياء إنّما جاء في صيد فيه وحيي به وعيي به فيمن بيّن ولم يدغم، ومع ذلك، فإنّ أبا الحسن قد جوّز على قياس أكميك في المنفصل فقال: إلّا أن تكون المكسورة مفصولة فتكون على موضعها لأنّها قد بعدت، يريد بقوله على موضعها أنّها تقلب إلى جنس حركتها. والواو قد تقلب إلى الياء مع هذا وذلك نحو غلام «2» يخوانك، والمكر السيئ يلا [فاطر/ 43] فلما وجد لقلبها إلى الياء طريقا بدلالة صيد فيه كما وجد لقلبها إلى الواو طريقا ألزم الواو المتصل لتكون على ما قبلها مثل جون ومير وقاري. فإنّها قلبت على ما قبلها وجعل المنفصل بالياء وقال: لأنّ الواو تقلب إلى

_ (1) «اعتون» زيادة في (م). (2) في (ط): هذا غلام ...

الياء فأخذ بالأمرين، «1» ورأى القلب إلى الواو في الاتصال أولى، وجعل المنفصل بالياء، لأنّ الضمة بالانفصال قد بعدت، فجعلها على حركة نفسها. فإن قلت: أفليس قد أتبعوها حركة نفسها في المتصل في قولهم: أيمّة، ولم يتبعوها حركة ما قبلها فيقلبوها ألفا، ويقولوا: «أامة»، فهلا جاز في قولهم: بأكموك، أن يتبعوها حركة نفسها، فيقولوا: بأكميك كما فعل «2» في (أيمة). فالقول: إن هذا ليس كأيمة، وذلك أنّ التي في أيمة لزم إلقاء حركة المدغم عليها فلما لزم إلقاء حركة المدغم عليها لم يجد بدّا «3» من تحريكها، ولما لم يجد بدّا من تحريكها كانت حركتها أولى أن تقلب إليها من أن تجعل على ما قبلها مع تراخي تلك عنها وقرب الكسرة منها، ألا ترى أنّها لو قلبت على ما قبلها من الفتحة فقلبت ألفا وحركة المدغم التي يلزم إلقاؤها عليها الكسرة لم يستقم، لأنّ الألف لا تحرّك فقلبت الهمزة في أيمّة على حركتها لذلك؟ فأمّا ما حكاه محمد بن السري في كتابه في القراءات عن أبي الحسن من أنّه قال: من زعم أن الهمزة المضمومة لا تتبع الكسرة إذا خففت. دخل عليه أن يقول: هذا قاري، وهؤلاء قاريون، ويستهزيون. «4»

_ (1) في (ط): بالأمرين جميعا. (2) في (ط): فعلوا. (3) في (ط): لم تجد. (4) في (ط): هذا قارو وهؤلاء قاروون ويستهزوون.

وقال: قال: يعني أبا الحسن: وليس هذا من كلام من خفف من العرب إنّما يقولون: يستهزيون- فخطأ في النقل، أتراه يلزم الخليل وسيبويه أن يقولوا هذا في المتصل، وقد رآهم قالوا ذلك في المنفصل نحو: من عند أختك؟ ويسمعهم يقولون: إنّه قول العرب، فيلزمهم قولهم؟ وما يقولون: إنّه قول العرب! هذا ما لا يظن. وأبو الحسن قد فصل بين المتصل والمنفصل في أكموك وغلام يخوانك فقلب المتصل واوا، والمنفصل ياء. هذا الذي حكاه عنه غلط في النقل، وإنّما هو دخل عليه أن يقول: هذا قارو بالواو، كما حكيناه عنه، وكذلك رواه أبو عبد الله اليزيديّ «1» عنه في كتابه في «المعاني»، ثم ما حكاه عن أبي الحسن من قولهم: إنّما يقولون يستهزيون على ماذا تحمله: على التحقيق أم على جعلها بين بين؟ [فإن حمله] «2» على التحقيق لم يجز، لأنّ الكلام ليس فيه، إنّما الكلام على التخفيف [فإن حملته] على جعلها بين بين قد أثبتّ إذا ما أنكره وما لم يقله أحد من أهل التخفيف عنه، هذا خطأ عليه فاحش في النقل. وأمّا ما ذكره محمد بن يزيد في هذه المسألة في كتابه المترجم بالشرح من قوله: والأخفش لا يقول إلا كما يقول النحويون: هذا عبد يبلك، ولكن يخالف في يستهزءون، فهذا

_ (1) هو محمد بن العباس بن محمد اليزيدي البغدادي، روى القراءة عنه ابن مجاهد وغيره (طبقات القراء: 2/ 158). (2) ما بين المعقوفتين منقول عن [ط]، والعبارة في (م) مضطربة.

البقرة: 19، 15

الإطلاق يوهم أنّه لا يفصل بين المتّصل والمنفصل، «1» وقد فصل أبو الحسن بين أكموك وعبد يخوانك، فينبغي إذا كان كذلك ألّا ترسل الحكاية عنه حتى تقيّد، ويفصل بين المتصل والمنفصل كما فصل هو. [البقرة: 19، 15] اختلفوا في قوله (تعالى): فِي طُغْيانِهِمْ [البقرة/ 15] وفِي آذانِهِمْ [البقرة/ 19]. قال أبو عمر الدّوري «2» ونصير بن يوسف النحوي: «3»

_ (1) في (ط): المنفصل والمتصل. (2) أبو عمر الدوري: هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان بن عدي ابن صهبان، ويقال: صهيب الأزدي البغدادي النحوي الدوري الضرير نزيل سامرا، إمام القراءة، وشيخ الناس في زمانه، ثقة ثبت كبير ضابط، أول من جمع القراءات، ونسبته إلى الدور موضع ببغداد، ومحله بالجانب الشرقي. رحل الدوري في طلب القراءات، وقرأ بسائر الحروف السبعة وبالشواذ، وسمع من ذلك شيئا كثيرا. قرأ على إسماعيل بن جعفر عن نافع، وقرأ عليه يعقوب بن جعفر ويحيى بن المبارك اليزيدي، توفي سنة 246 هـ. (طبقات القراء: 1/ 255 - 257). (3) نصير بن يوسف بن أبي نصر أبو المنذر الرازي ثم البغدادي النحوي، أستاذ كامل ثقة، أخذ القراءة عرضا عن الكسائي. وهو من جلة أصحابه، وعلمائهم، كما أخذ عن أبي محمد اليزيدي، روى عنه القراءة محمد بن عيسى الأصبهاني، وعلي بن أبي نصر النحوي، قال أبو عبد الله الحافظ: كان من الأئمة الحذاق، ولا سيما في رسم المصحف، وله فيه تصنيف .. وقال عنه الأستاذ أبو محمد سبط الخياط: وكان ضابطا عالما بمعاني القراءات ونحوها، ولغتها، مات في حدود الأربعين ومائتين (طبقات القراء: 2/ 340). وسبقت ترجمته في ص 322.

كان الكسائي يميل الألف في طغيانهم، وفي «1» آذانهم، وقال غيرهما: كان يفتح. وقال أبو الحارث الليث بن خالد «2» وغيره: كان الكسائي لا يميل هذا وأشباهه. والباقون يفتحون «3». قال أبو علي: الطغيان: مصدر طغى، كالكفران والعدوان والرضوان «4». وحكى أبو الحسن: طغا يطغو، وقالوا: يطغى في المضارع، وفي التنزيل: وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ [طه/ 81] فألف طغا تكون منقلبة عن «5» الياء، فيمن قال: طغيت، وعن الواو فيمن قال: طغوت. وقالوا: طغوت، وقالوا: تطغى، كما قالوا: صغوت تصغى، ومحوت تمحى، ففتحت العين في المضارع للحلقي. وحكى بعضهم طغيت تطغى، فتطغى على هذا مثل يفرق، لا مثل يصغى، ويجوز على هذا أن تكسر حرف المضارعة منه فتقول: تطغى، وإن جعلته مضارع طغوت أو

_ (1) «في» ساقطة في (ط). (2) هو الليث بن خالد أبو الحارث البغدادي، ثقة معروف حاذق ضابط، عرض على الكسائي، وهو من جلة أصحابه، وروى الحروف عن حمزة ابن القاسم الأحول، وعن اليزيدي، روى القراءة عنه عرضا وسماعا سلمة بن عاصم صاحب الفراء، ومحمد بن يحيى الكسائي الصغير .. مات سنة 240. (طبقات القراء: 2/ 34). (3) كتاب السبعة 143. (4) زاد في (ط): قال أبو علي. (5) في (ط): من.

طغيت لم يجز ذلك فيه. فأمّا قوله تعالى: فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة/ 5] فيحتمل ضربين: أحدهما أن يكون مصدرا كالعافية والعاقبة، أي: بطغيانهم. والآخر أن يكون صفة، أي «1» بالريح الطاغية. وقوله: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها [الشمس/ 11] فالواو مبدلة من الياء: لأنّه اسم مثل التّقوى والرّعوى والبقوى، «2» لأنّ لغة التنزيل «3» الياء بدلالة الطغيان المذكور فيه في مواضع. فأما لا تطغوا، فلا دلالة فيها على الياء ولا الواو. وإن جعلت طغوى من لغة من قال: طغوت، كان الواو فيها من نفس الكلمة كالدّعوى والعدوى. وحجة من أمال الطغيان هي أنّ الألف قد اكتنفها شيئان: كلّ واحد منهما يجلب الإمالة وهما الياء التي قبلها والكسرة التي بعدها، فإذا كان كلّ واحد منهما على انفراده يوجب الإمالة في نحو السّيال «4» والضّياح. «5» ومررت ببابه، وبداره، فإذا اجتمعا كانا أوجب للإمالة.

_ (1) في (ط): كأنه بدل أي. (2) الرعوى: اسم من الإرعاء، وهو الإبقاء على أخيك. والبقوى: الاسم من الإبقاء. (3) في (ط): لأن اللغة التنزيل، وهو تحريف. (4) السيال: واحدة سيالة- كسحابة- وهو شجر له شوك أبيض طويل إذا نزع خرج منه اللبن، أو ما طال من السمر. (5) الضياح: اللبن الرقيق الكثير الماء.

البقرة: 16

فإن قلت: إنّ أول الكلمة حرف مستعل مضموم، فكلّ «1» واحد من المستعلي والضم يمنع الإمالة، فهلا منعاها هنا أيضا. فالقول: إن المستعلي لما جاءت الياء بعده، وتراخى عن الألف بحرفين لم يمنع الإمالة. ألا ترى أنّ قوما أمالوا نحو المناشيط لتراخي المستعلي عن الألف مع أن المستعلي بعد الألف، فإذا تراخى في طغيان عنها بحرفين مع أنّه قبل الألف، كان أجدر بالإمالة، ألا ترى أنّهم قد أمالوا نحو صفاف، «2» وقباب، ولم يميلوا نحو مراض، وفراض، لمّا كان المستعلي متأخرا عن الألف. وقالوا: بِطارِدِ [هود/ 29] وبقادر «3» [يس/ 81] لمّا تقدم المستعلي الألف، ولم يميلوا فارق وبارض؟ «4» وأما في (آذانهم) فجازت فيها الإمالة كما جازت في مررت ببابه، لمكان كثرة الإعراب، وهي «5» حسنة جائزة. والإمالة في طغيانهم أحسن. [البقرة: 16] بسم الله «6» اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ [البقرة/ 16]: قال أحمد بن موسى: ضمّ الواو اتفاق «7».

_ (1) في (ط): وكل. (2) صفاف جمع صف. والفراض جمع فرضة، وهي ثلمة تكون في النهر يستقى منها أو فوهة النهر. (3) في (ط): بقادر وبطارد. (4) البارض: أول ما يظهر من نبت الأرض. (5) زاد في (ط): فيه بعد وهي. (6) هذه البسملة زيادة في (م). (7) السبعة 143.

قال أبو علي: الواو في (اشتروا) ساكنة، فإذا سقطت همزة الوصل للدرج التقت مع الساكن المبدل من لام المعرفة فالتقى ساكنان، فحركت الأوّل منهما لالتقاءيهما، ولا يخلو التحريك فيها من أن تكون «1» بالضمّ أو بالكسر، فصار الضمّ أولى بها ليفصل بالضمّ بينها وبين واو أو ولو، فحركت بالضم دون الكسر لذلك. ومما يدل «2» على تقدم التحرك بالضم على الكسر لالتقاءيهما، أنّهم قد حرّكوا هذه الواو في غير هذا الموضع بالضم لالتقاء الساكنين، واتفق الجميع فيه على التحريك بالضم دون غيره، وذلك في قوله: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ [آل عمران/ 186]، ولَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [التكاثر/ 6] فدلّ اتفاقهم على تحريك هذه بالضمّ على أنها في (اشتروا الضلالة) محرّكة بالضمّ أيضا لالتقاء الساكنين، كما حرّكت «3» في لتبلونّ ولترونّ الجحيم. ويدلّ على تقدّم ذلك على الكسر ما جاء من ضمهم لها في: مصطفو الله، فكما حرّكوا هذه الواو بالضمّ كذلك ينبغي أن تحرّك بالضمّ في (اشتروا الضّلالة بالهدى)؛ لاتفاقهما في الدّلالة على الجمع. ويدل على تقرر ذلك في هذه الواو أنّهم شبهوا بها الواو التي في أو، ولو، فحركوها بالضم تشبيها بقوله: (اشتروا الضّلالة). وكما شبهوا التي في أو بالتي تدل على الجمع،

_ (1) في (ط): أن يكون. (2) في (ط): يدلك. (3) في (ط): حركت به.

كذلك شبهوا التي للجمع بها فأجازوا فيها الكسر، كما أجازوا في: لَوِ اسْتَطَعْنا [التوبة/ 42] الضمّ تشبيها بالتي للجمع، وليس هذا بالوجه، كما أنّ الكسر في: لا تنسوا الفضل [البقرة/ 237] «1» ليس بالوجه. ومثل هذا في أن كل قبيل من الواوين شبّه بالآخر إجازتهم الجر: في الضارب الرجل، تشبيها بالحسن الوجه، وإجازتهم النصب في الحسن الوجه تشبيها بالضارب الرجل، والنصب في الضارب الرجل الوجه. والجرّ في الحسن الوجه الوجه، إلّا أنّ الكسر في: (ولا تنسوا الفضل) أقبح وأقل في الاستعمال من الحسن الوجه. ويدلّ على تقدّم التحريك بالضمّ في هذه الواو لالتقاء الساكنين، أنّ قوما أبدلوا منها الهمزة، فقالوا: (اشترءوا الضّلالة) كما يبدلون من الواو المضمومة، فلو كان تحريكها بالكسر متعارفا لكان جديرا ألا يهمزوا، لأنّها كانت تشبه حركة الإعراب لتعاقب الحركتين عليها، كما تتعاقب حركة الإعراب على المعرب. ألا ترى أن حركة غير الإعراب «2» لمّا تعاقبت على ما كان مضاعفا أدغم في قول عامة العرب غير أهل الحجاز، كما أن حركات الإعراب لمّا تعاقبت على المعرب أدغم، فتحريك من حرّكها بالضمّ دلالة على أنّه جعلها بمنزلة سائر الواوات

_ (1) كسر الواو قراءة يحيى بن يعمر، كما في البحر: 2: 228. (2) في (ط): حركة الإعراب.

المضمومة التي تبدل الهمزة منها، ولا يدخلها غير الضمّ، نحو التي في الغئور والنّئور وأسؤق وأنؤر. «1» وليس إبدال هذه الواو همزة، وإن كان فيه ما استدللنا به من تمكن تحركها بالضم في هذا الموضع بالقياس، لأنّ تحريكها بالضمّ إنّما هو لالتقاء الساكنين، والتحريك لالتقاء الساكنين في تقدير السكون لما تقدّم من الدّلالة على ذلك. فإذا كان كذلك فكأنّه قد أبدل الهمزة من واو ساكنة، والهمزة لا تبدل من الواو الساكنة. ولو استقام أن تبدل من هذه الواو الهمزة إذا تحركت بهذه الحركة، لاستقام أن تبدل منها إذا تحركت بحركة الإعراب، لأنّها مثلها في أنّها ليست بلازمة، إلّا أنّ إبدال الحركة لالتقاء الساكنين همزة أوجه لموافقتها نحو أدؤر في «2» أنّ الحركتين فيهما حركتا بناء لا حركتا إعراب. وقد شبهوا غير اللازم باللازم في مواضع، نحو ادغامهم الواو في رويا وروية وما أشبه ذلك، وليس قول من قال-: إنّ هذه الواو إنّما حركت بالضمّ لالتقاء الساكنين، لأنّه فاعل في المعنى فجعلت حركة التقاء الساكنين فيه كحركة الإعراب- بمستقيم. ألا ترى أنّ الياء في: أخشي القوم يا مرأة، فاعلة في المعنى، واتفقوا «3» على تحريكها بالكسر! وقد كسر ناس الواو

_ (1) الغئور: مصدر غار القوم غورا، وغئورا، وهو كل ما انحدر مسيله. النئوور: دخان الشحم الذي يلتزق بالطست، والأنؤر: جمع نار. (2) كذا في (ط)، وفي (م): وفي، ولا موضع للواو هنا. وأدؤر: جمع دار. (3) في (ط): فاتفقوا.

في: (اشتروا الضّلالة)، (ولا تنسوا الفضل بينكم) فلو كان كما ذهب إليه من ذكرنا قوله، لم يجز اختلاف الحركات فيه كما لم يجز ذلك في حركة الإعراب إذا كان معربا وأمّا «1» ما حكاه أحمد بن يحيى عن الفراء في «2» أن قوله: (اشتروا الضّلالة) إنما حرّكها بالحركة التي كانت تجب للام الفعل من الضمة، فإنّه ذهب في ذلك إلى أن الحركة فيها ليست لالتقاء الساكنين، كما يذهب إليه سيبويه وأصحابه. وهذا الذي ذهب إليه الفراء «3» لا يستقيم من غير جهة: منها أن اشترى واصطفى وما أشبه ذلك إنما انقلبت اللام فيه ألفا لتقدير الحركة فيها، ولولا تقديرها لم تنقلب، كما لم تنقلبا في: لو، وكي، فإذا انقلبا لذلك لم يستقم أن يقدّر نقل الحركة عنها، لأن ثباتها ألفا بمنزلة كون الحركة معها، فكيف «4» يقدر نقلها إلى موضع وهي في حكم الثبات في الحرف المتحرك بها؟ ومن ثم لم ينقلوا الحركة في قال، وباع، وهاب، وخاف، «5» إلى الفاء، كما نقلوا في قلت، وطلت، وبعت، وخفت، وهبت، ألا ترى أنّها في تقدير الثبات مع الألف؟ ويمتنع ذلك من وجه آخر: وهو أنّا رأينا الحركات إنّما تلقى على الحروف التي تكون قبل الحروف التي تنقل منها، ولا تنقل إلى ما بعد الحروف المنقولة منها الحركة، ألا ترى أن

_ (1) في (ط): فأما. (2) في (ط): من. (3) في (ط): ذهب إليه الفراء في ذلك. (4) في (ط): وكيف. (5) في (ط): وخاف وهاب.

بعت، وقلت، وخفت، وهبت، ومست وظلت، فيمن نقل حركة عينيهما وأحست كذلك، وكذلك أقام، وأقال، وأصمّ، وأيلّ، «1» وأعدّ، وأمدّ، وأخلة، وأيمّة، وكذلك نقل حركات الهمز في التخفيف نحو جيل، «2» وحوبة «3» والمرة، «4» والجية «5»، والخب «6» والعب «7». وكذلك يمدّ، ويعفّ، ويشمّ، وكذلك من نقل في خطّف، وقتّل «8» ويهدّي، إنما ينقل إلى الحرف الذي قبل الحرف المنقولة منه الحركة. وكذلك قولهم: قاضون وغازون، ومشترون «9» ونحو ذلك. فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا ولم نجد في هذه الأصول شيئا على ما ادّعاه- ثبت فساد ما ذهب إليه لدفع الأصول له وتعرّيه من دلالة تدلّ عليه. ووجه آخر، وهو أن الحركة في: اشتروا الضلالة، ومصطفو القوم، واخشي القوم يا هذه- لا تخلو من أن تكون منقولة، من اللام كما قاله، أو حركة لالتقاء «10» الساكنين كما ذهب إليه غيره.

_ (1) الأيل: القصير الأسنان العليا. وفي (ط): وأبال. (2) جاء في اللسان: جيئل، وجيئلة: الضبع، وربما قالوا: جيل بالتخفيف، ويتركون الياء مصححة، لأن الهمزة وإن كانت ملقاة من اللفظ فهي مبقاة في النية معاملة معاملة المثبتة غير المحذوفة. (3) الحوبة مخفف حوأبة، أضخم ما يكون من العلاب، وهي الجفان التي تحلب فيها الناقة. (4) مرة: مخفف مرأة. (5) الجية: مخفف الجيئة. (6) الخب: مخفف الخبء، وهو كل شيء غائب مستور. (7) العبء: بالكسر: الحمل والثقل من أي شيء كان. (8) في (ط): قتل وخطف. (9) في (ط): مستهزون. (10) في (ط): للالتقاء.

البقرة: 16

فلو «1» كانت حركة نقل كما قال لوجب أن يتحرك الحرف الذي نقلت إليه بها، التقى مع الساكن، أو لم يلتق، ألا ترى أن سائر ما نقلت الحركة إليه نحو ما ذكرنا قبل يتحرك بالحركة المنقولة إليه وفي أن هذه الحروف: الواو في اشتروا وفي مصطفو القوم، والياء في اخشي الله يا هذه، لا تتحرك حتى تلتقي مع ساكن منفصل منها دلالة على أنّها تحركت من حيث تحركت الحروف الساكنة الملتقية «2» مع سواكن أخر منفصلة منها نحو: عَذابٍ ارْكُضْ [ص/ 41، 42] وأحدن، الله [الصمد/ 2، 3] أو انقص [المزمل/ 3] واذهب اذهب، وما أشبه ذلك مما تحرك لالتقاء الساكنين، فأما تحريكها بالضمّ، وتحريك هذه الحروف التي ذكرناها بغيره من الحركات فمسألة أخرى. ولو لم يكن في ذلك إلّا أن الياء التي هي مثل الألف في اللين نقل حركتها إلى ما قبلها فى: قاضون وفَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ [المؤمنون/ 7] لكان كافيا، فعلم «3» منه أن حركة اللام المنقلبة ألفا لا تنقل إلى ما بعدها كما لم تنقل في «العادون» إلى ما بعده. [البقرة: 16] اختلفوا في قوله تعالى: «4» بِالْهُدى «5» [البقرة/ 16] وما أشبه ذلك فكان نافع لا يفتح ذوات الياء ولا يكسر مثل قوله: (الهدى، والهوى «6» والعمى، واستوى وأعطى، وأكدى)

_ (1) في (ط): ولو. (2) في (ط) المنقلبة، وهو تحريف. (3) في (م) تعلم. (4) في (ط): عز وجل. (5) كذا في (ط): وفي (م) الهدى. (6) الهوى ساقطة في (ط).

وما أشبه ذلك، كانت «1» قراءته وسطا في «2» ذلك كله، وكذلك (يحيى، وموسى، وعيسى، والأنثى، واليسرى، والعسرى، ورأى، ونأى). وقال المسيّبي: «3» كان نافع يفتح ذلك كلّه، والأول قول قالون وورش عن نافع. وكان ابن كثير يفتح ذلك كلّه. وأما أبو عمرو فكان يقرأ من ذلك ما كان من رءوس «4» الآي بين الفتح والكسر «5» مثل آيات سورة طه، والنجم و (عبس وتولى، «6» والضحى، والليل إذا يغشى، والشمس وضحاها، ودحاها وطحاها) «7»، فإذا لم يكن رأس آية فتح، مثل: قَضى أَجَلًا [الأنعام/ 2] والهدى، «8» واسْتَوى إِلَى السَّماءِ [البقرة/ 29] و (أزكى) و (فسواهن)، و (أحيا) فإنّه بالفتح كلّه.

_ (1) كانت ساقطة من (ط). (2) في (ط): من. (3) المسيبي: هو إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن المسيب المخزومي وأبو محمد المسيبي المدني إمام جليل عالم بالحديث قيم في قراءة نافع، ضابط لها محقق فقيه، قرأ على نافع وغيره، أخذ القراءة عنه ولده محمد، وأبو حمدون الطيب إسماعيل وخلف بن هشام. قال أبو حاتم السجستاني: إذا حدثت عن المسيبي عن نافع، ففرغ سمعك، وقلبك، فإنه أتقن الناس، وأعرفهم بقراءة أهل المدينة، وأقرؤهم للسنة، وأفهمهم للعربية ... توفي سنة ست ومائتين. (طبقات القراء: 1/ 157، 158). (4) في (ط): ما كان رءوس الآي. (5) في (ط): بين الكسر والفتح. (6) في (ط): عبس بدون تولى. (7) في (ط): وضحاها وطحاها. (8) في (ط): أجلا، واستوى.

فإذا كان الاسم مؤنثا على فعلى أو فعلى أو فعلى مثل (ذكرى) «1» وضِيزى [النجم/ 22] وأنثى «2» وشتّى «3» وما أشبه ذلك فهو بين الفتح والكسر، وإذا كانت راء بعدها همزة وبعد الهمزة ياء كسر الهمزة وفتح الراء مثل رَأى كَوْكَباً [الأنعام/ 76] ورَأى أَيْدِيَهُمْ [هود/ 70] وإذا «4» جاءت راء بعدها ياء كسر الراء مثل قوله: هل ترى، ويرى والنصارى وأرى. فإذا سقطت الياء في الوصل لساكن لقيها لم يمل الراء كقوله تعالى «5»: حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة/ 55] والنَّصارى الْمَسِيحُ [التوبة/ 30] وتَرَى الَّذِينَ [الزمر/ 60]، لأنّ الإمالة إنّما كانت من أجل الياء فلما زالت الياء زالت الإمالة. وروى عبد الوارث «6» وعباس بن الفضل «7» عن أبي

_ (1) ذكرى (انظر مثلا سورة الأنعام آية 68). (2) أنثى: انظر مثلا سورة النحل آية 58، 97. (3) شتى: انظر مثلا سورة طه آية 3. (4) في (ط): فإذا. (5) في (ط): كقوله بدون تعالى. (6) هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان أبو عبيدة التنوري العنبري مولاهم البصري إمام حافظ مقرئ ثقة، ولد سنة اثنتين ومائة، وعرض القرآن على أبي عمرو. روى القراءة عنه ابنه عبد الصمد، وبشر بن هلال. وكان ثقة حجة موصوفا بالعبادة والدين والفصاحة والبلاغة، ولكنه اتهم بالقدر. قال عنه أبو عمر الجرمي: ما رأيت فقيها أفصح من عبد الوارث إلا حماد بن سلمة. مات سنة ثمانين ومائة بالبصرة، وله ثمان وسبعون سنة. (طبقات القراء: 1/ 478). (7) العباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد بن الفضل بن حنظلة أبو الفضل الواقفي الأنصاري البصري، قاضي الموصل، أستاذ حاذق ثقة جليل المنزلة في العلم والدين والورع. كان من أكابر أصحاب أبي عمرو في

عمرو إمالة ذلك كلّه، استقبله ساكن «1» أو لم يستقبله. والمعروف عن أبي عمرو ترك الإمالة في مثل: نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة/ 55]. وكان عاصم يفتح في رواية أبي بكر ذلك كلّه إلّا: (رأى، ورمى ورآه)، و (نأى) في سورة بني إسرائيل [الآية/ 83] وفتح التي في السجدة [فصلت/ 51] وأَعْمى [الإسراء/ 72] فإذا سقطت الياء لساكن لقيها في الوصل أمال الراء وفتح الهمزة مثل: رَأَى الْقَمَرَ [الأنعام/ 77]. وروى خلف عن يحيى بن آدم «2» عن أبي بكر عن عاصم أنّه كان يميل الراء والهمزة من «3» قوله تعالى «4»: رأى الشمس [الأنعام/ 78] ورأى القمر [الأنعام/ 77] ورأى

_ القراءة. روى القراءة عرضا وسماعا عن أبي عمرو بن العلاء وضبط عنه الإدغام، كما روى عن خارجة بن مصعب عن نافع وأبي عمرو وعن مطرف بن معقل الشقري عن ابن كثير ... وجاء عن أبي عمرو أنه قال: لو لم يكن في أصحابي إلا عباس لكفاني ولد سنة خمس ومائة وتوفي سنة ست وثمانين ومائة. (طبقات القراء: 1/ 353). (1) في (ط): الساكن. (2) يحيى بن آدم بن سليمان بن خالد بن أسيد أبو زكريا الصلحي، إمام كبير حافظ. روى القراءة عن أبي بكر بن عياش سماعا. وروى أيضا عن الكسائي روى القراءة عنه الإمام أحمد بن حنبل. وخلف بن هشام البزار وسئل الإمام أحمد بن حنبل عنه فقال: ما رأيت أحدا أعلم، ولا أجمع للعلم منه، وكان عاقلا حليما. توفي سنة ثلاث ومائتين بفم الصلح قرية من قرى واسط. (طبقات القراء: 2/ 363). (3) في (ط): في. (4) في (ط): قوله بدون تعالى.

الذين ظلموا [النحل/ 85] وما كان مثله. وكان غير خلف يروي عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم في ذلك بفتح الهمزة بعد كسر الراء، مثل حمزة. وأما حفص فروى عن عاصم ذلك كلّه بالفتح، إلّا قوله: مَجْراها [هود/ 41] فإنه أمالها. وكان حمزة يميل ذوات الياء، مثل: (أعطى واتقى) و (استوى). وما أشبه ذلك، وأَماتَ وَأَحْيا [النجم/ 44] ويَحْيى مَنْ حَيَّ [الأنفال/ 42] ولا يميل (أحياكم) و (أحيا) إلّا إذا كان قبل الفعل واو. ويميل موسى، وعيسى، ويحيى، ولا يميل ذوات الواو مثل قوله: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى [الضحى/ 2] و (دَحاها)، و (طَحاها)، و (تَلاها)، ويميل ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ [النور/ 30] والْأَعْلَى [الأعلى/ 1] وكلّ فعل من ذوات الواو زيدت في أوله ألف فإنه يميله. وكان الكسائي يميل ذلك كلّه، ويميل، (فأحياكم) و (أمات وأحيا)، ويميل ذوات الواو إذا كنّ مع ذوات الياء مثل: (وضحاها) و (الضحى)، لا يفتح شيئا من ذلك، وكذلك (دحاها). واتفقا في ترك «1» الإمالة في قوله تعالى: «2» ثُمَّ دَنا [النجم/ 8] وما زكا منكم [النور/ 21] ودَعا [آل عمران/ 38] وَعَفا [البقرة/ 187]، وما أشبه ذلك. وابن عامر يفتح ذلك كلّه.

_ (1) في (ط): واتفقا على ترك. وفي السبعة زيادة: يعني حمزة والكسائي. (2) في (ط): قوله بدون تعالى.

أبو عمرو يميل الكاف من (الكافرين) في موضع الخفض والنصب إذا كان جمعا، وإذا كان واحدا، كقوله تعالى: «1» أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة/ 41] أو جمعا في موضع رفع مثل قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون/ 1] لم يمل. وكذلك روى أبو عمر الدّوري، ونصير بن يوسف النحوي جميعا عن الكسائي ولم يرو ذلك عن الكسائي إلا أبو عمر ونصير والباقون لا يميلون «2». قال أبو علي: أما إمالة نافع (الهدى، والهوى، «3» والعمى، واستوى، وأعطى، وأكدى، ويحيى، وموسى، وعيسى، والأنثى، واليسرى، والعسرى، ورأى، ونأى) فحسنة، لأنّها ألفات منقلبة عن الياء، أو في حكم المنقلب عنها. فأمالوها ليدلوا على أن أصلها الياء، أو في حكم ذاك. وإذا كانوا قد أمالوا شيئا من الأسماء التي على ثلاثة أحرف نحو: العشا والكبا والمكا «4» مع أنها منقلبة عن الواو، فلا نظر في حسن إمالة ما كان انقلابه من هذه الألفات عن الياء، أو كان في حكم ذلك لتدل الإمالة والانتحاء بالألف نحو الياء على الياء. ومثل ذلك في إلزام الكلمة ما يدل على الحرف الذي وقع الانقلاب عنه إبدالهم من الهمزة المعترضة في الجمع الواو

_ (1) في (ط): قوله بدون تعالى. (2) انظر السبعة 143 - 146. (3) «والهوى» ساقطة من (ط). (4) العشا: سوء البصر بالليل والنهار. «الكبا»: الكناسة. المكا: هو جحر الثعلب. (انظر الكتاب: 2: 260، وشرح الشافية لابن الحاجب: 3: 8).

ونحو هراوى وأداوى، ليدل ذلك على الواو التي كانت اللام في إداوة وهراوة. ومثله أيضا قول من قال: قيل «1» فانتحى بالكسرة نحو الضمة ليدل على أن الأصل فعل. ومثل ذلك قولهم: أنت تغزين يا هذه. فأشموا الزاي الضمة لتدل على الواو المحذوفة التي هي لام الفعل، فكذلك إمالة الألف نحو الياء لتدل على أنّ انقلابها عن الياء دون الواو. ومما يؤكد ذلك أنّ قوما قالوا هذا ماشّ وهذا «2» جادّ، فأمالوا ليدلوا على الكسرة التي تكون في إظهار المثلين وفي عين الفعل في الدّرج. وأما قصده في الإمالة بها نحو الياء وتوسطه في ذلك فلأنّه كره أن يبالغ في الانتحاء نحو الياء، فيصير كأنّه عائد إلى الياء التي كرهوها حتى أبدلوا منها الألف، وهكذا ينبغي أن تكون الألف في الإمالة. قال وكان ابن كثير يفتح ذلك كلّه. وحكي عن ابن عامر أنّه كان يفتح ذلك كلّه. قال أبو علي، «3» الحجة له أنّه كره الإمالة في نحو: هدى، وعمى، واستوى، لأنّه كره أن ينحو نحو الياء، وقد كان

_ (1) في (ط): قيل فيشم فانتحى. (2) انظر الكتاب: 2/ 266 والماش: وصف من المش، وهو مسح اليد بالشيء لتنظيفها وقطع دسمها. (3) «قال أبو علي» ساقطة من (ط).

كرهها وفرّ منها حتى قلبها ألفا، فكره أن يعود إلى مقاربة ما كان رفضه، وهو قول الأكثر فيما زعم سيبويه، أعني ألا يميل ما كان انقلابه من الألفات عن الياء كما أن الأكثر من يقول ردّ، فيصحح الضمة ولا ينحو بها نحو الكسرة، لأنّه قد كان كرهها حتى أذهبها بالإدغام. ومما يؤكد ترك الإمالة في هذا الضرب، لأنّ فيها انتحاء نحو ما كان كرهه، تركهم الإمالة في جادّ ومجادّ ونحوه من المضاعف لأنّه فربّما تحقّق فيه الكسرة التي كانت تقع بعد الألف لو لم تدغم فلم يعد إلى ما يدل عليها من الإمالة بعد رفضه لها، ولم يميلوا في الجر فقالوا: مررت برجل جادّ. فأمّا من أمال ذلك في الجر فكما أمال: مررت بماله، لا على ما يمال من نحو: عابد وعالم، وهذا قول الأكثر. قال سيبويه: وكثير من العرب وأهل الحجاز لا يميلون هذه الألف. «1» قال: وأما أبو عمرو فكان يقرأ من ذلك ما كان من رءوس الآي بين الكسر والفتح، مثل آيات سورة طه، والنجم، وعبس وتولى، والضحى والليل، والشمس وضحاها، ودحاها، وطحاها، «2» فإذا لم تكن «3» رأس آية فتح. قال أبو علي: إنّما أمال الألفات في رءوس الآي، لأنّ الفواصل بمنزلة القوافي في أنّها مواضع وقوف، كما أنّ أواخر

_ (1) انظر الكتاب: 2/ 261. (2) «طحاها» ساقطة من (ط). (3) في (ط): يكن.

البيوت كذلك، وقد فصلوا بين الوصل والوقف، فأمالوا إذا وقفوا، ولم يميلوا إذا وصلوا، وذلك قولهم في الوقف: يريد أن يضربها ومنّا، ومنها «1» وبنا، ونحو ذلك. فإذا وصلوا نصبوا فقالوا: يريد أن يضربها زيد، وأن يضربا زيدا، ومنا زيد. وإنّما حملهم على هذا الفصل بين الوقف والوصل أنّهم أرادوا في الوقف تبيين الألف، فكما بيّنوها بأن قلبوا من الألف الياء في نحو هذه أفعى، كذلك بينوها بأن نحوا بها نحو الياء. فإذا وصل ترك الإمالة كما يترك إبدال الياء منها فيقول: هذه أفعى فاعلم، لأنّ الألف في الوصل أبين منها في الوقف، فعلى هذا فصل أبو عمرو بين رءوس الآي وغيرها. وأما تسويته بين ضحاها، وطحاها، فليشاكل بينها في اللّفظ، لأنّ الفواصل كالقوافي، فاستحب الملاءمة بين بعض الفواصل وبعض، كما استحبوا ذلك في القوافي، وأمال طحاها ونحوها لذلك ولأنّ الامالة في نحو: طحا وغزا سائغة. وأما إمالة ما كان آخره ألف التأنيث نحو ذكرى وأنثى وشتى، فلأن هذه الألفات تبدل منها الياء ولا تبدل منها الواو أبدا، فصارت بمنزلة ما أصلها الياء، فأمالها بذلك «2». وإمالتها وترك إمالتها جميعا كثيران. قال: فإذا كانت الراء بعدها همزة وبعد الهمزة ياء كسر الهمزة وفتح الراء، يريد بالياء الألف، ولعله سمّاها ياء لأنّ الكتّاب يكتبونها ياء، وذلك نحو: رَأى أَيْدِيَهُمْ [هود/ 70]

_ (1) «منها» ساقطة من (ط). (2) في (ط): لذلك.

فأمال الفتحة التي على الهمزة من رأى نحو الياء، لتميل الألف بإمالة الفتحة نحو الياء، وترك الراء مفتوحة لأنّها لم تل الألف، فتركها على فتحتها ولم يغيرها. قال فإذا «1» جاءت راء بعدها ياء كسر الراء مثل قوله: (ترى، ونرى، والنصارى، وأرى). قوله: بعدها ياء، يريد بها الألف الممالة أيضا. فإن قلت: فهلّا لم يمل الألف هنا «2» لأنّ الراء مفتوحة، والراء إذا كانت مفتوحة منعت الإمالة كما تمنعها الحروف المستعلية. فالقول إن فتح الراء هنا لا يمنع «3» الإمالة كما أن المستعلية أنفسها لم تمنع منها في نحو: سقى وصفا، وكذلك الراء في (النصارى). قال: فإذا سقطت الياء في الوصل لساكن لقيها لم يمل الراء، كقوله تعالى: «4» حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة/ 55] والنَّصارى الْمَسِيحُ [التوبة/ 30]، وَيَرَى الَّذِينَ [سبأ/ 6]. قال أبو علي: هذا الذي ذهب إليه أبو عمرو مذهب، وللعرب في هذا مذهبان: أحدهما ألّا يميلوا بالفتحة نحو الكسرة، لأنّ إمالتها إنّما كانت لتميل الألف نحو الياء، فلما سقطت الألف لالتقاء

_ (1) في (ط): وإذا. (2) في (ط): هاهنا. (3) كذا في (ط) وفي (م): «لم تمنع». (4) في (ط): قوله بدون تعالى.

الساكنين صحح الفتحة ولم يملها «1» لسقوط الألف التي كانت الفتحة تمال لتميلها. قال سيبويه: قالوا: لم يضربها الذي تعلم، «2» فلم يميلوا، لأنّ الألف قد ذهبت. والآخر أن يميل الفتحة نحو الكسرة وإن كانت الألف قد سقطت، لأنّ الألف لمّا كان حذفها لالتقاء الساكنين- والتقاء الساكنين غير لازم- صارت الألف كأنّها في اللفظ. وقد روى أحمد بن موسى هذا الوجه الثاني أيضا عن أبي عمرو، فقال: روى عبد الوارث، وعباس بن الفضل عن أبي عمرو إمالة ذلك كلّه، استقبله ساكن أو لم يستقبله. قال أحمد: والمعروف عن أبي عمرو ترك الإمالة في مثل نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة/ 55]. وقد حكى هذا الوجه أبو الحسن، وحكى الأول الذي حكيناه عن سيبويه فقال: إن شئت تركت الإمالة على حالها. قال: وذلك نحو فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ [الأنعام/ 77] وفِي الْقَتْلى الْحُرُّ [البقرة/ 178] وهُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة/ 2]. قال: وكان عاصم يفتح في رواية أبي بكر ذلك كلّه، إلّا رأى ورمى ورآه ونأى في سورة بني إسرائيل، وفتح التي في السجدة [فصلت/ 51] وأَعْمى [الاسراء/ 72]، فإذا سقطت الياء لساكن لقيها في الوصل أمال الراء وفتح الهمز مثل (رأى القمر).

_ (1) في (م): «ولم يميلها». (2) انظر الكتاب: 2/ 266.

قال: وكان غير خلف يروي عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم في ذلك كلّه «1» بفتح الهمزة بعد كسرة الراء مثل حمزة. وأمّا حفص فروى عن عاصم ذلك كلّه بالفتح إلّا قوله: (مجراها)، فإنّه أمالها. قال: أبو علي: الفتح في ذلك هو الأصل، وأمّا الإمالة في رأى ورآه ونأى فإنّه أمال فتحة الهمزة لتميل الألف المنقلبة عن الياء في رأيت ونأيت نحو الياء، فلمّا أمال فتحة الهمزة لما ذكرناه أمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة، وكما «2» أمالوا الألف لإمالة الألف في نحو رأيت عمادا، كذلك أمالوا الفتحة في راء: «3» رأى لإمالة فتحة الهمزة، ألا تراهم أمالوا الفتحة في الراء من نحو: من الضرر، لكسرة الراء، والفتحة في الطاء من نحو: رأيت خبط الريف «4» لكسرة الراء، فكذلك أمالوا الفتحة للفتحة الممالة، لأنّ الفتحة الممالة منتحى بها نحو الكسرة، كما أنّ الألف الممالة منتحى بها نحو الياء، فكما أمالوا الألف الآخرة في رأيت عمادا لإمالة الألف الأولى التي أميلت للكسرة، كذلك أميلت الفتحة في راء رأى لإمالة الفتحة من «5» همزتها. فأمّا فتحه الهمزة إذا سقطت الألف لساكن لقيها وتبقيته الإمالة في الراء مع فتحة الهمزة، فكان القياس أن يخلص فتحة

_ (1) «كله» ساقطة من (ط). (2) في (ط): فكما. (3) «راء» ساقطة من (ط). (4) الخبط: خبط ورق العضاه من الطلح ونحوه يخبط، يضرب بالعصا فيتناثر ثم يعلف الإبل (اللسان). (5) في (ط): في.

الراء ولا يميلها لزوال ما كانت «1» أميلت له كما حكاه سيبويه في «2» قولهم: لم يضربها الذي تعلم. ولما فعله عاصم من إمالة فتحة الراء مع تفخيمه فتحة الهمزة وجه ظاهر، وقياس صحيح، وذلك أنهم قد قالوا: رحمه الله، فكسروا الراء لكسرة حرف الحلق الذي هو العين، ثم أسكنوا الحاء فبقيت الراء على كسرتها ولم يردوها إلى الفتحة التي كانت الأصل في فعل، فكذلك بقّى في رأى إمالة فتحة الراء مع زوال الإمالة عن فتحة الهمزة، ومما يثبت ذلك قوله: وإن شهد أجدى فضله وجداوله «3» وممّا يقوي ذلك قولهم: صعق «4» ثم نسبوا إليه فقالوا: صعقي، فقرروا كسرة الصاد وإن كانت كسرة العين التي لها كسرت الصاد قد زالت. فأمّا إمالة فتحة الراء من قوله تعالى: «5» وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال/ 17] فإنّ إمالة الراء في رأى، أحسن من إمالة الراء «6» في رمى، لأنّ الراء في رأى ونأى بعدهما همزة.

_ (1) في (ط): ما كان. (2) في (ط): من. (3) عجز بيت للأخطل وصدره: إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا انظر الكتاب: 2/ 259 وديوان الأخطل 1/ 348 وهو البيت التاسع والثلاثون من قصيدة يمدح فيها بشر بن مروان. (4) الصعق: لقب عمرو بن خويلد، من بني عمرو بن كلاب، لقب به لأن صاعقة أصابته في الجاهلية. الاشتقاق: 297. (5) في (ط): قوله بدون تعالى. (6) في (ط): من إمالتها.

والكسر [في الفاء إذا كانت بعدها همزة] «1» أو غيرها من حروف الحلق قد كثر. قال أبو الحسن: وقد ذكروا أنّها لغة، ووجهه ما تقدم من أنّه لمّا أمال الميم أمال الراء لإمالتها. وليس اختلاف رواية الرواة في هذه الحروف عنه بتدافع، لأنّه إذا كان لكل قراءة من ذلك وجه فقد يجوز أن يكون رأى أن يقرأ بكل واحد منها، «2» ويجوز أن يكون رأى القراءة ببعض ذلك ثم انتقل عنه إلى وجه آخر. ويقوي الوجه الأول ما رواه أبو بكر عنه من إمالة «نأى» في سورة بني إسرائيل، وفتح التي في السجدة. وأمّا «3» إمالة حمزة مثل: (أعطى، واتّقى، واستوى، وأمات، وأحيا) «4» إلّا إذا كان قبل الفعل واو فيمكن أن يكون لمّا رأى الإمالة وتركها سائغين جائزين أخذ بهما جميعا فقرأ بعض ذلك ممالا، وبعضا غير ممال على نحو ما روي عن عاصم. وإمالته موسى وعيسى ويحيى قد تقدّم القول في ذكر وجهه. وترك إمالته ذوات الواو مثل: (والليل إذا سجا)، و (طحاها)، و (تلاها) حسن جميل، لأنّه لا ياء هنا ينحو بالألف نحوها: لتدلّ «5» عليها فلم يمل الألف المنقلبة عن الواو إذ

_ (1) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ط). (2) كذا في (ط): وفي (م) منهما. (3) في (ط): فأما. (4) في (ط): أحيا، ويحيي، وترك إمالته أحياكم وأحيا. (5) في (ط): ليدل.

كانت الإمالة في الألف المنقلبة عن الياء قد تترك، وفتح الألف في نحو رمى. فإذا جاء التفخيم في بنات الياء فبنات الواو أجدر. والذين أمالوا نحو: طحا، أمالوا لأن اللام قد تنقلب ياء، والعدّة على ما هي عليه نحو: غُزًّى [آل عمران/ 156]. وأمّا إمالته «1» ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ [البقرة/ 232] و (الأعلى) وكلّ فعل من ذوات الواو زيدت في أوله همزة، «2» فحسنة، لأنّ الألف في هذه العدّة قد صارت في حكم المنقلب عن الياء لموافقتها لها في التثنية وغيرها، ألا ترى أنّك تقول: الأزكيان، والأعليان، وتقول: أعليت زيدا، وزكيّته، فلما صار «3» في حكم المنقلب عن الياء أمالها كما يميل ما انقلب عن الياء. وموافقة الكسائي له في ذلك، واختصاص الكسائي بإمالة (وأحيا) في ذلك حسن، لأنّ الواو إذا لحقت أولا في هذا النحو فلا شيء فيه يمنع الإمالة، كما لا شيء فيه يمنع منها إذا لم تلحق في قياس العربية. ولعل حمزة اتبع في ذلك أثرا، لأنّ القراءة ليست موقوفة على مقاييس العربية دون اتباع الأثر فيها، أو أحبّ أن يجمع بين الأمرين الجائزين. «4» وأمّا اختصاص الكسائي من «5» دون حمزة بإمالته ذوات

_ (1) في (ط): إمالة. (2) في (ط): الهمزة. (3) في (ط): صارت. (4) في (ط): الجائزين فيها. (5) «من» ساقطة من (ط).

الواو إذا كنّ مع ذوات الياء في مثل (والشّمس وضحاها)، و (الضّحى)، و (دحاها)، وأنّه لا يفتح من ذلك شيئا، بل يسوي بين ذوات الياء وذوات الواو في هذه الفواصل- فهو في ذلك موافق لأبي عمرو، وقد تقدّم ذكر وجه ذلك عند ذكرنا لقول أبي عمرو. قال: واتفقا في ترك الإمالة في قوله: «1» ثُمَّ دَنا [النجم/ 8]، وما زكا منكم [النور/ 21]، ودعا، وعفا، وقد تقدّم ذكر وجه «2» ذلك. قال: أبو عمرو يميل الكاف من الكافرين فى موضع الخفض والنصب إذا كان جمعا، وإذا كان واحدا مثل: أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة/ 41]، أو جمعا مرفوعا مثل قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون/ 1] لم يمل، وكذلك رواه بعضهم عن الكسائي. قال أبو علي: إمالته الكافرين في موضع النصب والخفض «3» إنّما هي للزوم الكسرة الراء بعد الفاء المكسورة، والراء لما فيها من التكرير تجري مجرى الحرفين المكسورين، وكلّما كثرت الكسرات غلبت الإمالة وحسنت. فلمّا كانت الراء في الكافرين قد لزمتها الكسرة، والفاء قبلها مكسورة أيضا- حسنت الإمالة. فأمّا الواحد المجرور نحو: أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة/ 41]

_ (1) في (ط): قوله تعالى. (2) كذا في (ط)، وفي (م): نحو. (3) في (ط): في موضع الخفض والنصب.

البقرة: 20

فإنّما لم يمله كما أمال الجميع، لأنّ كسرة الإعراب غير لازمة فيه لزوم الكسرة للراء في الكافرين، فلم يلزم أن يميل الواحد من حيث أمال الجميع، ومع ذلك فإنّ الراء لما كانت مشبّهة بالمستعلي للتكرير الذي فيها، ولم يمل قوم كافرا في الرفع والنصب، كما لم يميلوا نافقا وشاحطا- لم يميلوها في الجر أيضا، وأتبعوا الجرّ الرفع والنصب، فتركوا الإمالة فيه كما تركوها «1» فيهما. وأمّا تركه إمالة الألف في الرفع نحو: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فللزوم الراء فيه الضمة، والراء تمنع الإمالة إذا انضمت أو انفتحت كما تجلبها إذا انكسرت. [البقرة: 20] حدثنا أحمد بن موسى «2»: قال: اتفقوا على يَخْطَفُ [البقرة/ 20] أنّ طاءه مفتوحة. [الحج: 31] واختلفوا في: فَتَخْطَفُهُ [الحج/ 31] فقرأ نافع: فتخطفه الطير بفتح التاء والخاء والطاء مشددة «3». قال أبو علي: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن السري «4» أنّ خطف يخطف أعلى من خطف يخطف. وقال «5» أبو الحسن: زعم يونس أن خطف يخطف أكثر في كلام العرب، وأنّها قراءة أبي عمرو، قال: وكذلك كان «6»

_ (1) كذا في (ط)، وفي (م): تركوه. (2) في (ط): قال أحمد بن موسى. (3) السبعة ص 146. (4) سقط من (ط): إبراهيم بن السري. وهو الزجاج شيخ أبي علي الفارسي وتلميذ المبرد. وتقدمت ترجمته ص 198. (5) في (ط): قال. (6) «كان» ساقطة من (ط).

يقرأ: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ [الصافات/ 10]. قال: والقراء لم يقرءوا إلا يخطف، وخطف مثل علم قال «1» ولا نعلم أحدا قرأ الأخرى. فأما قوله تعالى: «2» «فتخطفه الطير» فنذكره في موضعه إن شاء الله. قوله تعالى: عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة/ 20]. كان حمزة يسكت على الياء من (شيء) «3» قبل الهمزة سكتة خفيفة، ثم يهمز فيقول: شيء قدير، وكذلك يسكت على اللام من الْآخِرَةُ [البقرة/ 94] والْأَرْضَ [البقرة/ 22] والْأَسْماءَ [البقرة/ 31] وما أشبه ذلك. وغيره من هؤلاء القراء يصل الياء من (شيء) بالهمز واللام من (الأرض) وأخواتها بالهمز بلا سكتة. «4» قال أبو علي: الحجة لحمزة في ذلك أنّه أراد بهذه الوقيفة التي وقفها تحقيق الهمزة وتبيينها، فجعل الهمزة بهذه الوقيفة التي وقفها قبلها على صورة لا يجوز فيها معها إلّا التحقيق، لأنّ الهمزة قد صارت بالوقيفة مضارعة للمبتدإ بها، والمبتدأ بها لا يجوز تخفيفها، ألا ترى أنّ أهل التخفيف لا يخفّفونها مبتدأة، فكذلك هذه الوقيفة آذنت بتخفيفها لموافقتها بها صورة ما لا يخفّف من الهمزات. وقد زادوا مدّ الألف إذا وقعت قبل الهمزة نحو:

_ (1) «قال» ساقطة من (ط). (2) في (ط): قال بدون تعالى. (3) في (ط): على كل الياء في شيء. (4) السبعة 146 من قوله تعالى عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً [الحج/ 63] ألا ترى أن المدّ الذي في الألف قبل الهمزة أزيد من المدّ الذي في الألف في نحو «1» قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل/ 53] ليكون ذلك أبين للهمزة، فكذلك وقف حمزة هذه الوقيفة الخفيفة ليكون أبين للهمزة كما مدوا جميعا الألف زيادة مدّ ليكون أبين للهمزة. روى «2» ورش عن نافع أنّه كان يلقي حركة الهمزة على اللام التي قبلها مثل: (الأرض) و (الآخرة) و (الأسماء) ويسقط الهمزة، وكذلك إذا كان الساكن. آخر كلمة والهمزة أول الأخرى ألقى حركتها على الساكن وأسقطها مثل: (قد افلح)، «3» و (من اله)، «4» ونحو ذلك، إلا أن يكون الساكن الأول واوا قبلها ضمة مثل: قالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف/ 29]، أو ياء قبلها كسرة مثل: فِي أَنْفُسِكُمْ [البقرة/ 235] فإنّه لم يكن يلقي حركة الهمزة عليها، فإذا انفتح ما قبل الواو والياء وهي ساكنة ولقيتها همزة ألقى عليها حركة الهمزة. وأسقط الهمزة مثل: خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ [البقرة/ 14] ونَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ [المائدة/ 27] وما كان مثله «5». قال أبو علي: أما إلقاء نافع حركة الهمزة المتحركة على لام المعرفة في نحو: الأرض، والآخرة، والأسماء، وحذف الهمزة، فذلك قياس مستمر في الهمزة المتحركة إذا خففت،

_ (1) في (ط): من نحو. (2) في (ط): وروى. وهي كذلك في السبعة. (3) المؤمنون آية 1، والأعلى آية 14، والشمس آية 9. (4) سورة القصص آية 71، 72. (5) السبعة 147 من قوله: روى ورش ..

وقبلها ساكن غير الألف، وسواء كان ذلك في كلمة واحدة، كقوله: الخب في السموات [النمل/ 25] أو في كلمتين منفصلتين مثل: (قد افلح)، و (من اله)، فإذا خفّفت الهمزة فحذفت وألقيت حركتها على لام المعرفة الساكنة كان فيها لغتان: منهم من يحذف همزة الوصل فيقول: لحمر. ومنهم من لا يحذفها وإن تحرك ما بعدها فيقول: الحمر. فأما وجه حذف هذه الهمزة في التخفيف، فإنها إذا أريد تخفيفها لم تخل من أن تحذف، أو تجعل بين بين، فلو جعلتها بين بين وقبلها ساكن لم يستقم، كما لا يستقيم أن يجتمع ساكنان، ألا ترى أنهم لم يخففوا الهمزة مبتدأة، وأنهم رفضوا تخفيفها على هذه الحال، كما رفضوا الابتداء بالحرف الساكن؟ فكما كانت في حكم الساكن في الابتداء، كذلك إذا جعلتها بين بين بعد الساكن. ومما يبين وجوب حذفها أن الحركة في التقدير كأنّها تلي الحرف المتحرك بها والحرف «1» قبلها. يدلّك على ذلك أنّها لا تخلو من أن تكون قبله أو بعده، فلا يجوز أن تكون قبله، لأنّها لو كانت كذلك لكانت الياء من اليسار لا تنقلب واوا، والواو من الوعد لا تنقلب ياء في ميعاد أو موسر، «2» ألا ترى أنّ الميم لا تقلب هذين الحرفين؟ فلما انقلبا علمت أن الموجب لقلبهما ملازمتهما الياء أو الواو.

_ (1) في (ط): أو الحرف. (2) في (ط): وموسر.

فإذا خففت الهمزة قبل ساكن لم تحذف نحو: رأيته، لأنّ الحركة قد فصلت- وإن أضعف الصوت بها- بين الهمزة المخففة والساكن. فأمّا ترك نافع أن يلقي «1» حركة الهمزة في التخفيف على الواو إذا انضمّ ما قبلها نحو: قالُوا أَنْصِتُوا [الأحقاف/ 29] وعلى الياء إذا انكسر ما قبلها نحو: فِي أَنْفُسِكُمْ [البقرة/ 235] فإنّ ذلك لا يمتنع في قياس العربية. وقد قال أهل التخفيف في: اتبعوا أمره: اتبعوا مره، وفي: اتبعي أمره: اتبعي مره، فلم يفصلوا بين هذا الحرف اللين إذا كانت حركة ما قبله منه، وبينه إذا لم تكن حركة ما قبله منه. وقد فصل نافع بينهما فخفّف بعد ما لم تكن حركتها منها، نحو: خلو الى [البقرة/ 14] نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ [المائدة/ 27] فألقى حركة الهمزة من إلى على الواو من (خلوا)، وحركة الهمزة من (نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) على ياء التثنية من ابني، وليست حركة ما قبل كل واحد منهما منه، فيجوز أن يكون أراد الأخذ بالأمرين: بالتخفيف، والتحقيق، إلّا أنّه حقق الهمزة بعد الواو والياء إذا كانت حركة ما قبلهما منهما، لأنّه لو خفف ولم يحقق في «2» قوله: (قالوا أنصتوا) لاختل بالتخفيف زيادة المدّ التي «3» في الواو إذا ألقي عليها حركة الهمزة، فأحب أن يسلم المدّ ولا يخلّ به.

_ (1) كذا في (ط): وفي (م): لأن تلقى. (2) في (ط): في نحو. (3) في (ط): الذي.

وخفّف في: (خلوا إلى) و (ابني آدم)، لأنّه لمّا لم تكن حركة ما قبلهما منهما أمن اختلال المدّ بالتخفيف. فأمّا إلقاء حركة الهمزة على ياء (في) من قوله: فِي أَنْفُسِكُمْ [البقرة/ 235] فلا يمتنع في القياس، وذلك أنّها ليست كالتي في خطيئة، لأنّها من نفس الكلمة، فهو مثل: يرمي خاه. فإن قلت: فهل يجوز أن تدغم في المنفصل كما جاز إدغامها في المتصل نحو: فيّ خير فتجيز: فيّدها سوار؟ فالقول أن إدغامها في المنفصل لا ينبغي أن يجوز من حيث جاز في المتصل، ألا ترى أنّك تقول: هذا قاضيّ، ووضعته «1» في فيّ، فتدغم فيما هو غير منفصل، ولا يجوز أن تدغم هذا قاضي ياسر، ولا يغزو واقد، لما يختل من المدّ؟ وعلى هذا لم يجيزوا الإدغام في ظلموا واقدا، واظلمي ياسرا، وكان الإدغام في هذا أبعد لمعاقبة الألف الواو إذا قلت ظلما، فصار بمنزلة ساير وسوير، ولا يكون تخفيف الهمزة بعد في، كما «2» قال أبو عثمان في ميئل: «3» إنه يلزم أن تكون الهمزة فيها بعد الياء على قياس قول الخليل بين بين، وذلك أن الخليل لم يدغم أووم فلما لم يدغمه صار عنده بمنزلة سوير وقوول، والياء في ميئل هي التي لم يدغمها في مثلها ولا في

_ (1) في (ط): وسمعته من في. (2) «كما» ساقطة من (ط). (3) ميئل: لم نعثر عليها فيما بين أيدينا من مراجع، ويبدو أنها مفعل من وأل بمعنى لجأ، كمسعر من سعر الحرب: أوقد نارها.

مقاربها، فصار بمنزلة الألف التي لم تدغم في شيء، ولم ينبغ أن تلقى عليها حركة الهمزة كما لم تلق على الألف، فلزم أن تجعل الهمزة بعدها بين بين كما كانت بعد الألف كذلك. وهذه الياء التي في (في) وإن لم تدغم في المنفصل، كما لم يدغموا: هو يرمي ياسرا، فقد أدغمت في المتصل كما أدغم قاضيّ، فلا يمتنع أن تخفّف الهمزة بعدها. وتلقى حركتها عليها، كما ألقيت على الياء من يقضي وما أشبهه. وأما «1» تخفيف الهمزة في «2» قوله: شيء، فإنّه يكون بحذفها وإلقاء حركتها على الياء، كما كان في ضوء وسوأة. ضو وسوة فكذلك تقول: شي. وقد قال قوم في تخفيف الهمزة في المنفصل نحو: أبو أيوب: أبويّوب فأبدلوا من الهمزة الواو لمّا كان قبلها، وفعلوا ذلك في المنفصل لأمنهم الالتباس بباب قوّة وجوّ. وشبه قوم به المتصل فقالوا: ضوّ وسوّة، وهو ذوّنسه في ذو أنسه. وقد حكي أن قوما قالوا في الياء: أنا أرميّ باك، في أنا أرمى أباك، فقياس هؤلاء أن يقولوا في تخفيف شيء شيّ، كما قالوا في ضوء: ضوّ، وسوّة، وموّلة «3». وقد قال: إن من قال: سوّة قال: سيّ، يريد في «4» نحو

_ (1) في (ط): فأما. (2) في (ط): من قوله. (3) قال الصغاني في التكملة (وءل): وموألة، مثال مسعدة: من الأعلام. وجوز ابن جني أن يكون من (وأل) وأن يكون من (مأل) فيكون مفعلة، وفوعلة. (4) في (ط): يريد من.

قوله: سِيءَ بِهِمْ [هود/ 77]. فأمّا ما قاله من نحو: مسوّ «1» فينبغي أن يكون أبدل من الهمزة الواو، وأدغم الواو التي هي عين فيها، لأن المبقّى عنده عين الفعل، وواو مفعول محذوفة. وقياس قول أبي الحسن في مسوء بالتخفيف «2» القياسيّ: مسوّ، كما يقول «3» في مقروءة: مقروّة، وفي قول «4» سيبويه مسو، ومقرو، «5» لأنّ الواو العين وليست المدة التي في مثل الهدوء، فتقول في تخفيفه الهدوّ. وإنّما مسوّ الذي ذكره على قوله سوّة كما قالوا في المنفصل: أوّنت «6» فهذا التخفيف على القولين جميعا. فأمّا القياس فعلى ما أعلمتك في القولين. فأمّا قولهم: الكمأة والمرأة، فقياسهما الكمة والمرة، وقد قالوا: الكماة والمراة. «7» والقول في وجه ذلك أنّ الذي قال: الكماة، قدر أن حركة الكاف على الميم، كما أنّ الذي قال: مؤسى، قدرها على الواو، فلذلك استجاز همزها، فإذا قدرها عليها صارت الميم في تقدير الحركة، والهمزة بعدها مفتوحة، فكان ينبغي أن يجعلها بين بين ولا يقلبها ألفا، إلّا أنّه استجاز

_ (1) في (ط): وأما ما قاله في مسو. (2) كذا في (ط): وفي (م): في التخفيف. (3) في (ط): تقول. (4) في (ط): في قياس قول سيبويه. (5) «ومقرو» ساقطة من (ط). (6) انظر الكتاب: 2/ 170، وأصل أونت: أو أنت. (7) انظر الكتاب: 2/ 165.

إمالة الألف التي تليها الراء

القلب لأنّهم قد قالوا في الكلام: منساة «1» فقلبوا. وجاء في الشعر: لا هناك المرتع «2» ونحوه، وإن شئت قلت: إنّه قدر الحركة التي على الهمزة على العين، فلمّا انفتحت العين صارت الهمزة في تقدير السكون، فلمّا خففتها قلبتها ألفا كالتي في راس وفاس. والوجه الأول أقيس، لأنّ الحركة التي بعد الكاف في الكمأة أقرب إلى الميم من التي على الهمزة، ألا ترى أن الهمزة تحجز بينها وبين الميم، فحركة الكاف أقرب إليها. وهذا الوجه أيضا لا يمتنع، لأنّ الحركة والحرف كأنّهما معا لقرب ما بينهما، وإن كان في الحقيقة أحدهما يلي الآخر بلا كبير فصل. ذكر اختلافهم في إمالة الألف التي تليها الراء قال أحمد بن موسى: كان نافع لا يميل الألف التي تأتي

_ (1) المنسأة: العصا. (2) من قول الفرزدق: راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعي فزارة، لا هناك المرتع من قطعة يقولها حين عزل مسلمة بن عبد الملك من العراق، ووليه عمر بن هبيرة الفزاري، يهجوه ويدعو ألا يهنأ قومه النعمة بولايته. وأراد بالبغال بغال البريد التي ذهبت بمسلمة عند عزله. انظر الكتاب: 2/ 170، والخصائص: 3/ 152، وشرح شواهد الشافية/ 335. والبيت في ديوانه 2/ 508 برواية: ومضت لمسلمة الركاب مودّعا ... ................

بعدها راء مكسورة، مثل «1»: مِنَ النَّارِ ومِنْ قَرارٍ والْأَبْرارِ والْأَشْرارِ ودارَ الْبَوارِ والْأَبْصارِ، وبِقِنْطارٍ وبِدِينارٍ ودِيارِهِمْ وعَلى آثارِهِمْ بل كان في ذلك كلّه بين الفتح والكسر وهو إلى الفتح أقرب. وكان ابن كثير وابن عامر وعاصم يفتحون ذلك كلّه «2». قال أبو علي: قد تقدم ذكر وجه قولهم في ترك الإمالة. وقول أحمد «3» في حكايته عن نافع: لا يميل الألف التي تأتي بعدها راء مكسورة، يريد به «4» - إن شاء الله- لا يميل الفتحة نحو الكسرة إمالة شديدة فتميل «5» الألف نحو الياء كثيرا، ولكن لا يشبع إمالة الفتحة نحو الكسرة فيخف لذلك إجناح الألف وإضجاعها، لأنّ أحمد قد قال بعد: كان في ذلك كلّه بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب، وإذا زال عن الفتح الخالص فهو إمالة، وإن كان بعض الإمالة أزيد من بعض. ووجه حسن إمالة الألف إذا كان بعدها راء مكسورة. أنّ الراء حرف فيه تكرير، وذلك يتبين فيها إذا وقف عليها، فكأنّ الكسر متكرر وإذا تكرر الكسر ازدادت الإمالة حسنا، ليتجانس «6» الصوت، فكما أنّها إذا انضمت أو انفتحت منعت الإمالة، لأنّ كلّ واحد من الحرفين المضموم والمفتوح كأنّه «7»

_ (1) الأمثلة التي ضربها هي على التوالي من: البقرة/ 167 وإبراهيم/ 26 وآل عمران/ 193 وص/ 62 وإبراهيم/ 28 وآل عمران/ 13 و 75 و 75 والبقرة/ 85 والمائدة/ 36. (2) كتاب السبعة 147. (3) في (ط): أحمد بن موسى. (4) كذا في (ط): وفي (م) يريد إن. (5) في (ط): فيميل. (6) في (ط): لتجانس. (7) كذا في (ط): وحذفت كأنه في (م).

متكرر، والفتح والضمّ يمنعان الإمالة، كذلك إذا تكرر الكسر جلبها، كما أنّه إذا انضمّ أو انفتح منعها كما يمنعها الحرف المستعلي في نحو: طالب، وظالم، وناقد، ونافق. قال أحمد: وأمّا الكسائي فروى عنه أبو الحارث «1» أنّه لم يمل من ذلك شيئا، إلّا إذا تكررت الراء في موضع الخفض مثل: (الأشرار)، و (الأبرار)، و (من قرار). وكان أبو عمر الدّوري يروي عنه أنّه كان يميل كل ألف بعدها راء مكسورة. قال أبو علي: ما رواه عن الكسائي في إمالة مثل الأبرار والأشرار ونحو ذلك مما تكرر «2» فيه الراء مستقيم «3» في قياس العربية ظاهر الوجه، وذلك أنّ الراء المكسورة إذا غلبت المستعلي في نحو: قارب وطارد، فجازت الإمالة مع المستعلي لمكانها، فأن تغلب الراء المفتوحة في نحو: من الأشرار، أولى، لأنّ الرّاء لا استعلاء فيها. ورواية أبي عمر الدّوري أنّه كان يميل كلّ ألف بعدها راء مكسورة أقيس، لأنّ الإمالة إنّما يجلبها ويحسنها التكرر الذي كأنّه في الراء، فإذا كان كذلك فسواء كانت قبل الألف التي تميلها الراء راء أو غيرها. قال أحمد «4»: وأمّا حمزة فكان لا يميل من ذلك شيئا إلّا قوله: (الأشرار) و (القرار) و (ذات قرار) و (القهار)

_ (1) هو الليث بن خالد، وقد سبقت ترجمته في ص/ 366. (2) في (ط): تتكرر. (3) في (ط): فمستقيم. (4) السبعة ص 148.

و (البوار). وكل ذلك بين الكسر والتفخيم. ذكر ذلك خلف وأبو هشام عن سليم عنه في هذين الحرفين. قال أبو علي: ما «1» رواه من تخصيص حمزة بإمالة «2» الأشرار والقرار والحروف الأخر دون ما عداها من الكلم مما كان في قياسها وعلى «3» صورتها- فالقياس في ذلك وفي غيرها واحد، ولعله تبع في ذلك أثرا ترك القياس إليه، أو أحبّ أن يأخذ بالوجهين، وكره أن يرفض أحدهما، ويستعمل الآخر مع أن كل واحد مثل الآخر في الحسن والكثرة. قال أحمد: وكان أبو عمرو يميل كل ألف بعدها راء في موضع اللام من الفعل وهي مكسورة والكلمة في موضع خفض إلا في أحرف يسيرة، مثل قوله تعالى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى [النساء/ 36] و (جبارين)؛ «4» فإنّه كان لا يميل في هذين الحرفين إلا ما رواه عنه عبيد الله بن معاذ بن معاذ «5» عن أبيه عن أبي عمرو (والجار ذي القربى والجار) «6» ممالة. فإذا كانت الراء في موضع العين كعين فاعل لم يمل ألف

_ (1) في (ط): فما. (2) كذا في (ط): وفي (م) بالإمالة وهو تحريف. (3) كذا في (ط): وفي (م) على من غير واو. (4) سورة المائدة آية 22، والشعراء آية 130. (5) عبيد الله بن معاذ بن معاذ أبو عمر العنبري حافظ مشهور. روى القراءة عن أبي عمرو وسمع من أبيه، روى القراءة عنه روح بن عبد المؤمن، وحدث عنه مسلم وأبو داود وكان يحفظ عشرة آلاف حديث، وكان فصيحا، مات سنة سبع وثلاثين ومائتين. (طبقات القراء: 1/ 493). (6) كذا في (ط): وفي (م): «والجار ذي القربى» فقط. وهي في الآية: 36 من سورة النساء.

فاعل كقوله: «1» بارِدٌ وَشَرابٌ [ص/ 42] والْبارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر/ 24] وبارِئِكُمْ [البقرة/ 54] ومِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ [الصافات/ 7] وما كان مثل ذلك. وروى عنه محبوب بن الحسن وعباس والأصمعي بِخارِجِينَ [البقرة/ 167] ممالة ولم يروها غيرهم، وهذا خلاف ما عليه العامة من أصحابه مع فتح الإمالة لاستعلاء الخاء. على أنّه قد روى اليزيدي عنه: كَالْفَخَّارِ [الرحمن/ 14] ممالة، وقرأ بِقِنْطارٍ [آل عمران/ 75]. قال أبو علي: أما ما روي عن أبي عمرو من إمالته كل ألف بعدها راء في موضع اللام فقد تقدم القول في حسن الإمالة في ذلك. وأمّا ما روي عنه من أنّه إذا كانت الراء في موضع العين كعين فاعل لم يمل ألف فاعل كقوله: «2» بارِدٌ وَشَرابٌ والْبارِئُ الْمُصَوِّرُ، وبارِئِكُمْ، ومِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ، ونحوه، فلعله تبع في ذلك أثرا، وذلك أن الإمالة في ألف فاعل إذا كانت الراء عينا أقوى من الإمالة في الألف إذا كانت الراء لاما، لأنّ الكسرة في العين لازمة غير مفارقة، وكسرة اللام قد تنتقل عنها للرفع والنصب، وبحسب لزوم ما يوجب الإمالة تحسن الإمالة، ولا يكون غير اللازم كاللازم، ألا ترى أنّه قد يكون من الأشياء أشياء لا تلزم فلا يعتد بها لانتفاء لزومها.

_ (1) في (ط): كقوله: عز وجل. (2) في (ط): كقوله تعالى.

وأمّا ما رواه عنه محبوب وعباس والأصمعي في قوله: «1» (بخارجين من النّار) فإمالته حسنة لمكان كسرة الراء. فأمّا الحرف المستعلي في قوله: (بخارجين) فلا يمنع الإمالة، وإمالته أقوى في قياس العربية من إمالة (بقنطار) لما أعلمتك من لزوم الراء الكسرة، وليست في قوله بقنطار، ولا قوله (كالفخّار) كذلك. قال سيبويه: «2» مما تغلب فيه الراء قولك: قارب، وغارم، وطارد، «3» وكذلك جميع المستعلية إذا كانت الراء مكسورة بعد الألف التي تليها وذلك أنّ الراء لما كانت تقوى على كسر الألف في فعال في الجر، وفعال لما ذكرنا من التضعيف قويت على هذه الإمالة. وإنّما قويت عليها لأنّك تضع «4» لسانك في موضع استعلاء ثم ينحدر فصارت المستعلية هاهنا وجواز الإمالة فيها بمنزلتها في صفاف وقفاف. ولو قلت: ناقة فارق، وإبل مفاريق، «5» لم تمل الألف هاهنا مع المستعلي لأنّه عكس ما تقدّم، ألا ترى أنّك لو أملت فارقا لانحدرت بالإمالة ثم أصعدت بالمستعلي؟ «6» فالإصعاد بعد الانحدار يثقل ولا يثقل الانحدار بعد الاستعلاء، فلذلك

_ (1) في (ط): في قوله تعالى. (2) انظر الكتاب: 2/ 268. (3) في (ط): غارم وقارب وطارد. (4) في (ط): لتضع. (5) في (ط): وأينق. والناقة الفارق: التي أخذها المخاض فندت في الأرض، ونوق فوارق وفرق كركع ومفاريق (الأساس). (6) كذا في (ط)، وفي (م): المستعلى.

أملت طاردا، وقاربا، وغارما، ولم تمل فارقا، والذين يميلون قاربا يفخمون الألف في قادر، لأن الراء بعدت. وزعم أنّ قوما يقولون: مررت بقادر فيميلون للراء. قال: وسمعنا من نثق به من العرب يقول: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر «1» قال «2»: وكان عبد الله بن كثير وابن عامر وعاصم يفتحون الياء في هذا الباب كلّه: فَأَحْياكُمْ [البقرة/ 28]، وَأَحْيا [النجم/ 44] ونَمُوتُ وَنَحْيا، «3» ويَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال/ 42]، فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [النحل/ 65]، وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ [الحج/ 66]، وما كان مثله. قال أبو علي: قد مضى «4» ذكر الحجة لمن لم يمل هذه الألفات. قال: وكان نافع يقرأ ذلك كلّه بين الإمالة والتفخيم. قال أبو علي: قد مضى ذكر الحجة في ذلك. قال: وكان أبو عمرو لا يميل من ذلك إلا ما كان في رءوس الآي إذا كانت السورة أواخر آياتها الياء، مثل: أَماتَ وَأَحْيا فإنّه كان يلفظ بهذه الحروف في هذه المواضع بين

_ (1) عجزه: بمنهمر جون الرباب سكوب والبيت لهدبة بن خشرم، المنهمر: السائل. الجون: الأسود. الرباب: ما تدلّى من السحاب دون سحاب فوقه. سكوب: منصب. (انظر الكتاب: 1/ 478، 2/ 269). (2) يريد ابن مجاهد. انظر السبعة 149. (3) سورة المؤمنون آية 37، والجاثية آية 24. (4) في (ط): وقد مضى.

الإمالة والتفخيم، ويفتح سائر ذلك. قال أبو علي: قد تقدّم ذكر الحجة لذلك، وهو أن أواخر الآي موضع وقوف، والوقف رأيناه قد أوجب إعلالا في الموقوف عليه، وتغييرا عمّا «1» عليه في الوصل. ألا ترى أنّهم قد أبدلوا من النون الساكنة الألف في الاسم والفعل، وأبدلوا من التاء الهاء في نحو: رحمة، ومن الألف الياء أو الواو في نحو: «2» أفعى وأفعو، وزادوا فيه في نحو: هذا فرجّ وهو يجعلّ، ونقصوا منه في نحو: ............... وبع ... ض القوم يخلق ثمّ لا يفر «3» فكما غيّر موضع الوقف بهذا النحو من التغيير، كذلك غيرت الألف بأن نحي بها نحو الياء، وكان ذلك حسنا إذ أبدلوا «4» من الألف الياء في الوقف في نحو قوله: «5» أفعى، فكذلك «6» قربوا الألف منها، فليست الإمالة هاهنا لتدل على انقلاب الألف عن الياء، ولكن لتقرب من الياء التي أبدلت من الألف للوقف، ولهذا أمال قوم من العرب نحو: لم يضربها، فإذا أدرج قال: لم يضربها زيد.

_ (1) في (ط): عما كان. (2) في (ط): الياء والواو نحو. (3) من قول زهير (شرح ديوان 94) وهو بتمامه: وأراك تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفر ويروى: ولأنت، مكان: وأراك. تفري: تقطع. خلقت: قدرت. يقال: خلقت الأديم إذا قدرته لتقطعه. يمدح الشاعر هرم بن سنان المري بالحزم ومضاء العزم. انظر الكتاب 2: 289، 300، وشرح شواهد الشافية/ 229. وتفسير الأسماء الحسنى ص 36. (4) في (ط): إذا. (5) سقط «قوله» من (ط). (6) في (ط): فلذلك.

اختلفوا في الهاء من قوله تعالى: (فهو) (وهي)

قال: وكان حمزة لا يميل من ذلك إلّا الفعل الذي في أوله الواو، مثل: نَمُوتُ وَنَحْيا وأَماتَ وَأَحْيا وَيَحْيى مَنْ حَيَّ «1» وَلا يَحْيى. كان يميل هذه الحروف أشد من إمالة أبي عمرو ونافع «2». قال أبو علي: يشبه أن يكون بالغ في إجناح الألف ليقربها من الياء، إذ كانوا قد أبدلوا من الألف الياء في نحو أفعى في الوقف، فبالغ في الإجناح، ليقربها من الياء التي أبدلوها من الألف في الوقف. قال: وكان الكسائي يميل ذلك كلّه، كان قبل الفعل واو أو فاء، أو لم يكن قبله ذلك، مثل: أحياكم وما أشبهه «2». قال أبو علي: «4» قد مضى ذكر الحجة لذلك، وما ذهب إليه الكسائي من ترك الفصل بين الفعل الذي قبله واو أو فاء، وبين ما ليس قبله من ذلك شيء- هو الوجه في قياس العربية. اختلفوا في الهاء من قوله تعالى: (فهو) (وهي) إذا كان قبلها لام، أو واو، «5» أو ثم، أو فاء. فقرأ ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: وهو، وفهو، ولهو، وثم هو، فهي، «6» وهي. يثقّل «7» ذلك كلّه في جميع القرآن. وقرأ الكسائي بتخفيف ذلك كلّه وتسكين الهاء. وكان أبو عمرو يضم الهاء في قوله: ثُمَّ هُوَ في سورة

_ (1) في (ط): ويحيا من حي عن بينة. (2) السبعة 150. (4) «قال أبو علي» ساقطة من (ط). (5) في (ط): إذا كان قبلها واو أو لام. (6) في (م) وثم هو، وهي، فهي. (7) في (ط): بتثقيل.

القصص [آية/ 61] ويسكنها في كل القرآن. واختلف عن نافع، فروي عنه التثقيل، وروي عنه التخفيف. قال أبو علي: من قال: وهو، فهو، «1» ولهو، وثم هو- فوجهه ظاهر، وذلك أن الهاء كانت «2» متحركة قبل دخول هذه الحروف عليها، فدخلت هذه الحروف، ولم تتغير عما كانت عليه من قبل، «3» كما لم تتغير سائر الحروف سوى ألف الوصل عما كان عليه في الابتداء به والاستئناف له. ومثل الهاء في هو وهي في تغييره في الوصل عما كان عليه في الابتداء به- لام الأمر في نحو: وَلْيَطَّوَّفُوا [الحج/ 29]. وأما تسكين أبي عمرو هذه الهاء مع الواو، والفاء، واللام، فلأن هذه الكلم لمّا كنّ على حرف واحد أشبهت في حال دخولها الكلمة ما كان من نفسها، وذلك لأنّها لم تنفصل منها لكونها على حرف واحد كما لم تنفصل الباء من سبع وغيره «4» منه- خفّف الهاء منها كما خفّفت العينات من سبع وعضد ونحوهما، ولم يستقم عنده أن يجعل ثمّ بمنزلة الفاء وما كان على حرف، لأنّه قد يجوز أن تنفصل منها وتنفرد عنها، وليست الواو والفاء ونحوهما كذلك، فمن ثم قال: ثمّ هو. وقد جعلوا في غير هذا ما كان من الحروف على حرف

_ (1) في (ط): فهو، وهو. (2) في (ط): قد كانت. (3) في (ط): كانت عليه قبل. (4) في (ط): سبع ونحوه.

واحد إذا اتصل بكلمة بمنزلة ما هو منها، فاستجازوا في ذلك ما استجازوا في الحرف الذي هو منها، وذلك قولهم: لعمري، ورعملي، فقلبوه كما قلبوا مسائية وقسيّا، ونحو ذلك. وكذلك قول من قال: كائن أبدل الألف من الياء كما أبدلها من «1» طائي ونحو ذلك. وقرأ الكسائي بتخفيف ذلك كلّه، ولم يفصل كما فصل أبو عمرو، كأنّه جعل الميم المتحركة من ثم «2» هو بمنزلة الواو، فخفف الهاء معها كما خففها مع الواو. ومثل «3» تخفيف فهو ولهو لتنزيلهم ذلك منزلة ما ذكرناه قولهم: «أراك منتفخا» لما كان «تفخا» مثل كتف خفف، فكذلك فهو. ومثله قول العجاج: فبات منتصبا وما تكردسا «4» فيمن رواه هكذا. «5» ومثل ذلك قول من قرأ: وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ [النور/ 52]

_ (1) في (ط): في. (2) في (ط): في ثم. (3) كذا في (ط)، وفي (م): مثل، من غير واو. (4) ديوان العجاج 1/ 197 يصف حمارا وحشيا. التكردس: التجمع، (انظر اللسان: كردس). (5) وهي رواية الخصائص 2/ 254 واللسان (نصب) وروي في الديوان واللسان (كردس ونصص) (منتصّا) من انتصت العروس على المنصة، أي: ارتفعت. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.

لمّا كان (تقه) مثل كتف. «1» ومثل ذلك ما حكاه الخليل من قولهم: انطلق، لما كان (طلق) من انطلق مثل: كتف، أسكن ثم حرّك لالتقاء الساكنين. ومثل ذلك ما أنشده الخليل: ألا ربّ مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان «2» فهذه الأشياء متصلة، وقوله: وهو، وفهو، «3» ولهو، في «4» حكمها، وليس كذلك (ثم هو)، ألا ترى أن ثم منفصل من هو لإمكان الوقوف عليها وإفرادها مما بعدها، وليست الكلم التي على حرف واحد كذلك، وقد يستخف في المنفصلة أشياء لا تستخف في المتصلة وما في حكمها، فكذلك يحتمل (ثم هو) للانفصال، ولا يكون وهو وفهو ونحو ذلك مثلها، لكونها في حكم الاتصال. وللكسائي أن يقول: إن ثم مثل الفاء، والواو، واللام، في أنهن لسن من الكلمة كما أن ثم ليس «5» منها، وقد جعلوا المنفصل بمنزلة المتصل في أشياء. ألا ترى أنّهم أدغموا نحو: يد داود «6»، وجعل لك، كما أدغموا: ردّ وغلّ.

_ (1) من ذلك ما أنشده ابن جني في الخصائص 1/ 306 و 2/ 316: ومن يتّق فإن الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغادي وانظر ما سبق ص 66 - 67. (2) سبق الشاهد ص 66. (3) في (ط): فهو من غير واو. (4) في (ط): فهو في حكمها. (5) في (ط): ليست. (6) في (م): يدّاوود.

وقالوا: لم يضربها ملق، «1» فامتنعوا من الإمالة لمكان المستعلي وإن كان منفصلا، كما امتنعوا من إمالة نافق ونحوه من المتصلة. ومما يقوي قوله في ذلك أنّه قد جاء من هذا النحو في المنفصل أشياء أجريت مجرى المتصل مثل قوله: فاليوم أشرب غير مستحقب «2» ف «رب غ» «3» مثل: سبع، وقد أسكن. وأنشد أبو زيد: قالت سليمى اشتر لنا سويقا «4» وقول أبي عمرو أرجح عندنا. فإن قلت: فلم لا تجعل قوله «اشتر لنا سويقا» على أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف، كما فعلوا ذلك في: سبسبّا «5» وعيهلّا «6» ونحو ذلك مما قد أجري الوصل فيه مجرى الوقف؟ فالقول إنّ ذلك، وإن أمكن أن يقال، فما ذكرناه أولى، لأنّا رأيناهم قد أجروا المنفصل مجرى المتصل في الكلام كقولهم: «عبشمس»، فأجروه وإن كان منفصلا مجرى المتصل، فكذلك يحمل قوله: «اشتر لنا سويقا» على ذلك، لا على

_ (1) الملق: الضعيف. (2) انظر ص 117 من هذا الجزء. (3) ف (ر ب غ) من قوله: (أشرب غير) في البيت الشاهد. (4) سبق الرجز ص 67. (5) من رجز سبق في ص/ 65. (6) يشير إلى قول منظور بن مرثد الأسدي: ببازل وجناء أو عيهل البازل: الداخل في السنة التاسعة من الإبل. الوجناء: الناقة الشديدة. العيهل: الناقة الطويلة. الكتاب: 2/ 282.

البقرة: 30

مذهب الضرورة إذا أمكن توجيهه على غيرها. [البقرة: 30] واختلفوا في تحريك الياء التي تكون اسما للمتكلم إذا انكسر ما قبلها، مثل قوله: «1» إِنِّي أَعْلَمُ [البقرة/ 30] وعَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة/ 124]، ورَبِّيَ اللَّهُ [غافر/ 28]. فكان أبو عمرو يفتح ياء الإضافة المكسور ما قبلها عند الألف المهموزة المفتوحة والمكسورة إذا كانت متصلة باسم أو بفعل ما لم يطل الحرف. فالخفيف إِنِّي أَرى [الأنفال/ 48] وأَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [يونس/ 72، وهود/ 29]. والثقيل مثل: وَلا تَفْتِنِّي أَلا [التوبة/ 49] ومَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، «2» وذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى [غافر/ 26]، فَأَنْظِرْنِي إِلى [الحجر/ 36]، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة/ 152] سَبِيلِي أَدْعُوا [يوسف/ 108] وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي [يوسف/ 100] وأَرِنِي أَنْظُرْ [الأعراف/ 143] ويُصَدِّقُنِي إِنِّي [القصص/ 34] وما كان مثله. قال أبو بكر، أحمد: «3» وقد بينت آخر كل سورة ما يحرك منها «4» ليقرب مأخذه. قال: ولا يحرّك الياء التي ذكرت لك عند الألف

_ (1) في (ط): مثل قوله عز وجل. (2) سورة آل عمران آية 52، والصف آية 14. (3) في (ط): أحمد بن موسى. (4) في (ط): فيها.

المضمومة كقوله: عَذابِي أُصِيبُ [الأعراف/ 156] فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ [المائدة/ 115]، إِنِّي أُرِيدُ [المائدة/ 29] وما كان مثله. فإذا استقبلت ياء الإضافة ألف وصل حركها، طالت الكلمة التي الياء متصلة بها أو لم تطل مثل: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ [الفرقان/ 27]، وما كان مثله. وكان ابن كثير لا يستمر على قياس واحد كما فعل أبو عمرو. قال أبو بكر، أحمد: فجعلت ما حرّك من الياءات مذكورا في آخر كل سورة. وكان نافع يحرك ياء الإضافة المكسور ما قبلها عند الألف المكسورة والمفتوحة والمضمومة وألف الوصل إلا حروفا قد ذكرتها لك. فمما لم يحرّك ياءه عند ألف الوصل ثلاثة أحرف في الأعراف: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ [الآية/ 144] وفي طه: أَخِي اشْدُدْ [الآية/ 30، 31] وفي الفرقان: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ [الآية/ 27]. وروى أبو خليد «1» عن نافع يا ليتني اتخذت محركة. ومما ترك تحريك يائه عند الألف المقطوعة المتصلة بالفعل

_ (1) أبو خليد، هو عتبة بن حماد الحكمي الدمشقي البلاطي، روى القراءة عن نافع، وروى عنه القراءة هشام بن عمار وغيره. طبقات القراء: 1/ 498.

المجزوم قوله «1» فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وأَنْظِرْنِي إِلى، في الأعراف، والحجر [36]، وص [79] وفي مريم: فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ [43]، وفي النمل [19] والأحقاف [15]: أَوْزِعْنِي أَنْ، وفي المؤمن [26]: ذَرُونِي أَقْتُلْ، وادْعُونِي أَسْتَجِبْ [غافر/ 60]، وَلا تَفْتِنِّي أَلا [التوبة/ 49] وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ [هود/ 47]، وأَرِنِي أَنْظُرْ [الأعراف/ 143] يُصَدِّقُنِي إِنِّي [القصص/ 34]، آتُونِي أُفْرِغْ [الكهف/ 96]. وقد اختلف في بعض هذه الحروف عنه. ومما لم يحرك ياءه عند الألف المقطوعة وهو مع فعل غير مجزوم فيما ذكر أحمد بن جماز «2» وإسماعيل بن جعفر «3» قوله: بِعَهْدِي أُوفِ [البقرة/ 40] وأَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ [يوسف/ 59]، وفِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي [الأحقاف/ 15]،

_ (1) في (ط): قوله تعالى. (2) كذا في (ط): وفي (م): ابن جماز. وابن جماز هو سليمان بن أبي مسلم بن جماز، وقيل: سليمان بن سالم أبو الربيع الزهري مولاهم المدني المقرئ الجليل، عرض على أبي جعفر، وشيبة ثم عرض على نافع وأقرأ بحرف أبي جعفر ونافع، عرض عليه إسماعيل بن جعفر، وقتيبة بن مهران، مات بعد السبعين ومائة. (طبقات القراء: 1/ 315). (3) هو إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري مولاهم أبو إسحاق، ويقال: أبو إبراهيم المدني، جليل ثقة، ولد سنة ثلاثين ومائة، وقرأ على شيبة بن نصاح، ثم على نافع وسليمان بن مسلم بن جماز، روى عنه القراءة عرضا وسماعا الكسائي، وأبو عبيد القاسم بن سلام والدوري: توفي سنة 180. (طبقات القراء: 1/ 163).

وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ [غافر/ 41] وأَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [غافر/ 43]. قال أبو علي: حجة من فتح هذه الياء إذا تحرك ما قبلها أن أصل هذه الياء الحركة، لأنّها بإزاء الكاف للمخاطب فكما فتحت الكاف كذلك تفتح الياء. فإن قلت: إنّ الحركة في حروف اللين مكروهة. قيل: الفتحة من بينها لا تكره فيها، وإن كرهت الحركتان الأخريان، ألا ترى أن القاضي ونحوه، يحرّك بالفتح كما تحرك «1» سائر الحروف التي لا لين فيها، أو لا ترى أنّ الياء في غَواشٍ [الأعراف/ 41] ونحوها تثبت في النصب ولا تحذف كما تحذف في الوجهين الآخرين، فتجري في النصب مجرى مساجد ونحوها «2» من الصحيح، فكذلك الياء. وإن تحرك «3» ما قبلها يلزم أن تحرك بالفتح كما حركت الكاف بها، لأنّها قد جرت مجراها «4». ومجرى الحروف الصحيحة إذا تحركت بالفتح. ومما يدل على استحقاقها التحرك بالفتح أنّها إذا سكن ما قبلها اتفقوا على تحريكها بالفتح، نحو: هذا بشراي، وغلاماي، وهذا قاضيّ، ورأيت غلاميّ، فاجتماعهم على تحريكها بالفتح في هذا النحو يدل على أن ذلك أصلها إذا تحرك ما قبلها. ويدل على لزوم تحركها بالفتح تحريكهم النون في

_ (1) في (ط): يحرك. (2) في (ط): وغيرها. (3) في (ط): فإن. (4) في (ط): أو.

فعلن، ويفعلن، وهو حرف ضمير كالياء، فكما اتفقوا على تحريك النون- وهي اسم كذلك- يلزم أن تحرّك الياء. فإن قلت: ما تنكر أن تكون النون في فعلن إنّما حركت لالتقاء الساكنين في فعلن ويفعلن؟ ألا ترى أن ما قبلها لا يكون إلا ساكنا؟ فلما كان إسكانها يؤدي إلى التقاء الساكنين حركت لذلك، وحركة التقاء الساكنين غير معتد بها. قيل: الذي يدلّ على أن تحريكها من حيث كانت اسما أنّها نظير الكاف، وقد حركوا تاء المخاطب والمتكلم أيضا. فأمّا الألف في قاما، ويقومان، والواو في فعلوا، ويفعلون، فإنّما أسكنتا، لأنّ الألف إذا حركت انقلبت، والواو إذا انضم ما قبلها كره أكثر الحركات فيها، ومع ذلك فإنها جعلت في السكون مثل الألف، كما جعلت الكسرة في مسلمات بمنزلة الياء في مسلمين، ومع ذلك فما فيهما من المد قد صار عوضا فيهما من الحركة. وحجة من أسكن أن الفتحة مع الياء قد كرهت في الكلام، كما كرهت الحركتان الأخريان فيها. ألا ترى أنّهم قد أسكنوها في الكلام في حال السعة إذا لزم تحريكها بالفتحة، كما أسكنوها إذا لزم تحريكها بالحركتين الأخريين؟ وذلك قولهم: قالي قلا، وبادي بدا، «1» ومعد يكرب، وحيري دهر، «2» فالياء في هذه المواضع في موضع الفتحة التي في آخر

_ (1) قال الفراء: يقال: افعل هذا بادى بدا، أي: أول شيء. (2) يقال: لا أفعل ذلك حيري دهر، أي: أمد الدهر.

أول الاسمين، نحو حضر موت، وبعلبكّ، وقد أسكنت كما أسكنت في الجر والرفع. ومما يؤكد الإسكان فيها أنّها مشابهة للألف، والألف تسكن، في الأحوال الثلاث، فكما أسكنت الألف فيها كذلك تسكن الياء. والدليل على شبه الياء الألف «1» قربها منها في المخرج، وإبدالهم إياها منها في نحو: طائيّ وحاريّ في النسب إلى: طيئ والحيرة، وقولهم: حاحيت وعاعيت. «2» و: لنضربن بسيفنا قفيكا «3» فكما تسكن الألف في الأحوال الثلاث كذلك تسكن الياء فيها. «4» والدليل على صحة هذه الطريقة أن العرب قد فعلت ذلك بها في الكلام وحال السعة فيما أريناكه. «5» وأسكنوها أيضا في الشعر في موضع النصب لهذه

_ (1) في (ط): للألف. (2) يقول: حاحيت حيحاء وحاحاة وهو التصويت بالغنم إذا قلت: حاي، وعاهيت،: صوت مثله، وهو العيعاء والعاعاة، إذا قلت عاي. المنصف: 3/ 77. (3) قبله: يا ابن الزبير طالما عصيكا ... وطالما عنيتنا إليكا وهو لرجل من حمير. عنيتنا إليكا: أتعبتنا بالمسير إليك. ويروى: عنيكنا، بالكاف بدلا من التاء (انظر النوادر/ 105، وسر صناعة الإعراب: 1/ 281، والخزانة: 2/ 257، وشرح شواهد الشافية/ 425). وشرح أبيات المغني 3/ 349 - 350. (4) في (ط): تسكن فيها. (5) في (ط): أرينا.

المشابهة، وكثر ذلك في الشعر حتى ذهب بعضهم إلى استجازته «1» في الكلام. فأمّا حجة أبي عمرو في فتحه الياء مما رآه خفيفا مع الهمزة، فهي أن الهمزة قد فتح «2» لها ما لم يكن يفتح لو لم يجاور الهمزة، نحو: «3» يقرأ، ويبرأ ولولا الهمزة لم يفتح شيء من ذلك. فإذا فتح لها ما لا يفتح إذا لم يجاور الهمزة فأن يفتح لها ما قد يفتح «4» مع غيرها أحرى. والمفتوحة والمكسورة سيان في إتباع الياء لها في التحريك بالفتح، ألا ترى أنّهم قد غيروا للهمزة المكسورة الحرف الذي قبلها، فقالوا: الضئين، «5» وصأى صئيّا، «6» ورجل جئز، «7» وشهد، ولم يفعلوا ذلك في رءوف، فكذلك لم تفتح الياء قبل «8» الهمزة المضمومة في نحو عذابي أصيب، كما فتحت قبل المفتوحة والمكسورة «9» في نحو: سَبِيلِي أَدْعُوا [يوسف/ 108] وإِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي [يوسف/ 100]. فإن قلت: إن ما ذكرته من التغيير للهمزة المفتوحة

_ (1) في (ط): استجادته. (2) في (ط): فتحوا الهاء، وهو تحريف. (3) في (ط): ألا ترى أنهم فتحوا نحو. (4) في (ط): فتح. (5) الضئين، جمع الضائن وهو خلاف المعز. (6) صأى الطائر صئيا: أي صاح. (7) جئز بالماء يجأز: غص به، فهو جئز. (8) كذا في (ط): وسقطت كلمة قبل من (م). (9) في (ط): المكسورة والمفتوحة.

والمكسورة إنّما جاء في المتصل، نحو: يقرأ، ويبرأ، والضئين والصئي، وجئز، وما فعله أبو عمرو من فتح الياء مع المفتوحة والمكسورة منفصل. قيل: يشبّه المنفصل بالمتصل هنا، كما شبهه به في: يا يا صالح يتنا [الأعراف/ 7] «1» لما فعلته العرب من تشبيه المنفصل بالمتصل في مواضع كثيرة، قد ذكرنا منها أشياء في هذا الكتاب. ومن قال إنّه إنّما فتح الياء مع الهمزة لتتبين الياء معها لأنّها خفية، كما بينوا النون مع حروف الحلق وأخفوها مع غيرها، فإنّا لا نرى أنّ أبا عمرو اعتبر هذا الذي سلكه هذا القائل، ولو كان كذلك لحرّك الياء مع الهمزة إذا كانت مضمومة، لأنّ النون تبيّن مع الهمزة، مضمومة كانت، أو مكسورة، أو مفتوحة، ومع ذلك فإنّ النون تبيّن مع سائر حروف الحلق، ولسنا نعلم أبا عمرو يفتح الياء مع سائر حروف الحلق. [يتلوه إن شاء الله وبه القوة، في الجزء الثاني: «فإن قلت: فإن الهمزة قد تفتح لها ما قبلها وإن كانت مضمومة». والحمد لله رب العالمين كما هو أهله ومستحقه. وصلى الله على محمد النبي وآله وسلّم تسليما] «2».

_ (1) رسم المصحف يا صالِحُ ائْتِنا والتمثيل هنا ظاهر. (2) ما بين المعقوفتين زيادة من (م) ختم بها الجزء الأول.

تتمة سورة البقرة

[تتمة سورة البقرة] بسم الله الرّحمن الرّحيم «1» استعنت بالله [البقرة: 33] فإن قلت: فإنّ الهمزة قد تفتح «2» لها ما قبلها وإن كانت مضمومة نحو: يقرأ في موضع الرفع، فهلّا فتح الياء في عَذابِي أُصِيبُ [الأعراف/ 156] كما فتح قبل المفتوحة والمكسورة في نحو: سَبِيلِي أَدْعُوا [يوسف/ 108] وإِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي [يوسف/ 100] فأقول «3»: إنّ هذه الضمة إن كانت للإعراب، لم تكن في حكم الضمة عندهم، ألا ترى أنّهم قد قالوا نمرّ، وكتف ونحو ذلك في الرفع ورفضوا الضمة بعد الكسرة في كلامهم، فلم يجيء فيه فعل، فإذا كان كذلك، لم يلزمه أن يفتح الياء قبل الهمزة المضمومة لما ذكرت، لأنّها عندهم لمّا لم تثبت، لم تكن في حكم الضم «4»، وأما ما رواه «5» من ذلك غير مستخفّ، فأسكن الياء فيه، فهو حسن، وذلك أنّ هذه الياء، إذا لم تحرك، إذا كانت مع ما يستخفّ فلأن يكره «6» حركتها مع ما لا يستخف أجدر وقد كرهوا الحركة

_ (1) بداية الجزء الثاني في (م): بسم الله الرحمن الرحيم استعنت بالله، أما في (ط) فالكلام موصول مع الجزء الأول. (2) في (ط): يفتح. (3) في (ط): فالقول. (4) في (ط): الضمة. (5) في (ط): ما رآه. (6) في (ط): فأن تكره.

فيما تتوالى فيه الحركات وإن كانت للإعراب، فزعم أبو الحسن: «1» أنّ بعضهم قال: رُسُلُهُمْ [إبراهيم/ 10]. ونحو هذا ما أنشده سيبويه من قوله «2»: إذا اعوججن قلت صاحب قوّم ونحوه قول جرير: سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب «3» فأمّا حدّ المستخفّ، والمستثقل، فإن جعل ما زاد على الثلاثة غير مستخفّ، كان مذهبا وإن جعل المستثقل ما توالى فيه أربع حركات كان مذهبا، لأنّك قد علمت استثقالهم له برفضهم إيّاه في الشّعر، إلّا في موضع الزّحاف، وإذا لم يستخفّ «4» الأربعة فالخمسة أجدر بأن لا تستخفّ. بسم الله «5»: كلّهم قرأ: أَنْبِئْهُمْ [البقرة/ 33] بالهمز وكذلك) «6» روى بعض رواة المكيين عن ابن كثير أَنْبِئْهُمْ

_ (1) المراد به الكسائي وقد مرت ترجمته في الجزء الأول ص 7. (2) الكتاب 2/ 297 ولم يعزه، وبعده: بالدوّ أمثال السّفين العوّم. الشاهد فيه تسكين الباء وهو يريد يا صاحب أو يا صاحبي. (3) ديوان جرير بشرح ابن حبيب 1/ 441، مع بيتين آخرين قالهما في هجاء بني العم، وروايته في الديوان (فلم تعرفكم) ولا شاهد فيها. نهر تيرى: بلد من نواحي الأهواز، حفره أردشير الأصغر بن بابك. (معجم البلدان 5/ 319، وأورد بيت جرير المذكور). (4) في (ط): تستخف. (5) سقطت من (ط) عبارة «بسم الله». (6) في (ط) قال وكذلك.

بكسر الهاء والهمز، قال أحمد: وهذا خطأ لا يجوز. قال أبو علي: النبأ: الخبر، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [النبأ/ 2] أي: الخبر، وقالوا منه: نبأته وأنبأته «1». وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ [الحجر/ 51] أي: أخبرهم عن ضيفه. وضمّ الهاء، إلا ما رواه «2» عن ابن عامر أَنْبِئْهُمْ «3» بكسر الهاء مع الهمز، ويُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ [القيامة/ 13] أي يخبر به، فهذا كقوله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [النور/ 24] وقال «4»: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا، قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت/ 21] وهذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الجاثية/ 29] ومن ثم قرأ من قرأ: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ [يونس/ 30] بالتاء، فهذه «5» الآي في معنى إخبار الإنسان بأعماله، وتوقيفه عليها. وأَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ [البقرة/ 31]. أخبروني بها، ويا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ [البقرة/ 33] أخبرهم، فلما كان النبأ مثل الخبر، كان أنبأته عن كذا، بمنزلة: أخبرته عنه. ونبأته عنه، مثل: خبّرته «6». ونبّأته به، مثل: خبّرته به. وهذا مما يصحح ما ذهب إليه سيبويه، من أن معنى نبّئت زيدا: نبّئت عن زيد، فحذف حرف الجر، لأن نبّأت قد ثبت أن أصله خبّرت بالآي التي تلوناها «7»، فلما حذف حرف الجرّ «8»، وصل الفعل إلى المفعول الثاني،

_ (1) في (ط) أنبأته ونبأته. (2) في (ط): إلا ما روي. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): وقال الله تعالى. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): خبرته عنه. (7) في (ط): تلوتها. (8) في (ط): حذف الحرف.

فنبّأت يتعدّى إلى مفعولين، أحدهما يصل إليه بحرف جر، كما أن أخبرته عن زيد كذلك. فأمّا المتعدي إلى ثلاثة مفعولين، نحو: نبّأت زيدا عمرا أبا فلان، فهو هذا في الأصل، إلّا أنّه حمل على المعنى، فعدّي إلى ثلاثة مفعولين وذلك أنّ الإنباء الذي هو إخبار: إعلام، فلما كان إياه في المعنى، عدّي إلى ثلاثة مفعولين، كما عدّي الإعلام إليهم «1»، ودخول هذا المعنى فيه، وحصول مشابهته للإعلام، لم «2» يخرجه عن الأصل الذي هو له من الإخبار، وعن أن يتعدى إلى مفعولين، أحدهما يتعدى «3» إليه بالباء، أو بعن، نحو: نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ [الحجر/ 51] ونحو قوله: فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ [التحريم/ 3] كما أن دخول معنى أخبرني في «أرأيت» لم يخرجه عن أن يتعدى إلى مفعولين، كما كان يتعدّى إليهما، إذا لم يدخله معنى أخبرني به، إلّا أنّه امتنع من أجل ذلك أن يرفع المفعول به بعده على الحمل على المعنى، من أجل دخوله في حيّز الاستفهام، فلم يجز: «أرأيتك زيد أبو من هو؟» كما جاز: «علمت زيد أبو من هو؟». و «رأيت زيد أبو من هو؟» حيث كان المعنى: علمت أبو من زيد فكذلك دخول معنى الإعلام في الإنباء، والتنبيء لم يخرجهما عن أصلهما وتعدّيهما إلى مفعولين، أحدهما: يصل إليه الفعل بحرف الجر، ثم يتّسع فيحذف الحرف «4»، ويصل الفعل إلى الثاني.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): لمن. (3) في (ط): تعدى. (4) سقطت من (ط).

فأمّا من قال: إنّ الأصل في نبّئت على خلاف ما ذكرنا، فإنّه لم يأت على ما ادعاه بحجة ولا شبهة. فأمّا قوله: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر/ 49] فيحتمل ضربين أحدهما: أن يكون (نبّئ) بمنزلة أعلم، ويكون «1» أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قد سدّ مسدّ المفعولين، كما أنّه في قولك: علمت أنّ زيدا منطلق، قد سدّ مسدّهما، فتكون (نبّئ) هذه المتعدية إلى ثلاثة مفعولين. ويجوز أن يكون (نبّئ) بمنزلة: (خبّر) عبادي بأنّي، فحذف الحرف، ف (أنّ) في قول الخليل على هذا: في موضع جر، وعلى قول غيره: في موضع نصب. فأمّا قوله: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ [آل عمران/ 15] فإن جعلت اللّام «2» متعلقة (بأؤنبّئكم)، جاز الجرّ في جنات على البدل من خير، وإن جعلته صفة لخير، لأنه نكرة جاز الجرّ في جنات أيضا. وإن جعلتها متعلقة بمحذوف، لم يجز الجرّ في جنات، وصار مرتفعا بالابتداء أو بالظرف. ولم يجز غير ذلك، لأن اللام حينئذ لا بد لها من شيء يكون خبرا عنه. فأما قوله: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ [التوبة/ 94] فلا يجوز أن تكون (من) فيه زيادة على ما يتأوّله أبو الحسن من زيادة (من) في الواجب، لأنه يحتاج إلى مفعول ثالث، ألا ترى أنه لا خلاف في أنه إذا تعدى إلى الثاني، وجب تعديه إلى المفعول الثالث، وإن قدرت تعديته «3» إلى مفعول محذوف، كما تؤوّل قوله:

_ (1) في (ط): ويكون قوله. (2) اللام في قوله (للذين). (3) في (ط): تعديه.

يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها [البقرة/ 61]- أي شيئا- لزم تعديته إلى آخر. فإن جعلت (من) زيادة «1»، أمكن أن تضمر مفعولا ثالثا، كأنّه: نبأنا الله أخباركم مشروحة. ويجوز أن تجعل (من) ظرفا غير مستقر، وتضمر المفعول الثاني، والثالث كأنه: نبأنا الله من أخباركم ما كنتم تسرونه تنبيئا، كما أضمرت في قوله «2»: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص/ 62] أما قوله «3»: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ [يونس/ 53] فيكون يستنبئونك: يستخبرونك، فيقولون: أحقّ هو؟ ويكون: يستنبئونك: يستعلمونك، والاستفهام قد سدّ مسدّ المفعولين. ومما يتّجه على معنى الإخبار دون الإعلام، قوله «4»: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ [سبأ/ 7] فالمعنى: يخبركم، فيقول لكم: إذا مزّقتم، وليس على الإعلام، ألا ترى أنهم قالوا: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ [سبأ/ 8] قال أبو علي «5»: فأما قوله «6»: (أنبئهم) فحجة من قرأ بضم الهاء ظاهرة، وذلك أن أصل هذا الضمير أن تكون الهاء مضمومة فيه، ألا ترى أنك تقول: ضربهم وأنبأهم، وهذا لهم. وإنما تكسر الهاء إذا وليتها كسرة أو ياء، نحو: بهم وعليهم. وهذا أيضا يضمه قوم، فلا يجانسون بكسرتها الكسرة التي قبلها، ولا الياء، ولكن يضمّونها على الأصل، نحو: بهم، وبهو، وبدارهو، وعليهم، وقد تقدم ذكر

_ (1) في (ط): زائدة. (2) في (ط): عز وجل. (3) في (ط): عز وجل. (4) في (ط): قوله عز وجل. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م). (6) في (ط): وأما قوله عز وجل.

ذلك في أول الكتاب «1». فأما وجه قراءة من قرأ: «أنبئهم» فكسر «2» الهاء، والذي قبلها همزة مخففة، فإنّ لكسره الهاء «3» وجهين من القياس على ما سمع منهم. أحدهما: أنه أتبع كسر «4» الهاء الكسرة التي قبلها، والحركة للإتباع قد جاء مع حجز السكون وفصله بين المتحركين، ألا ترى أنّ أبا عثمان قد حكى عن عيسى عن ابن أبي إسحاق: هذا المرء، ورأيت المرء، ومررت «5» بالمرء. فأتبعوا مع هذا الفصل، كما أتبعوا في اللغة الأخرى: هذا امرؤ، ورأيت امرأ، وبامرئ. وكذلك: أخوك، وأخاك، وأخيك. فكذلك يكون قوله: (أنبئهم) أتبعت كسرة الهاء الكسرة التي على الباء. ومما يثبت ذلك، أن أبا زيد قال: قال رجل من بكر بن وائل: أخذت هذا منه يا فتى، ومنهما، ومنهمي. بكسر «6» الاسم المضمر في الإدراج والوقف. قال: وقال عنه «7»، وقال: لم أعرفه، ولم أضربه. بكسر كل هذا. قال أبو زيد: وقال: لم أضربهما بكسر «8» الهاء مع الباء. ففي ما حكاه أبو زيد: ما يعلم منه أنّ الإتباع مع حجز الساكن بين الحركتين، مثله إذا توالت الحركتان، فلم يحجز بينهما شيء. ألا ترى أنه قال: منه- ومنهما- ومنهمي، فأتبع الكسر الكسر مع حجز السكون «9» بينهما، كما أتبع في: لم أضربه، ولم أضربهما، ولم أعرفه،

_ (1) انظر ص 61. (2) في (ط): بكسر. (3) في (ط): لكسر الهاء. (4) في (ط): كسرة. (5) سقطت مررت من (م). (6) في (ط): ومنهم فكسر. (7) في (ط): وحكى عنه. (8) في (ط): فكسر. (9) في (ط): الساكن.

وإن لم يحجز بينهما شيء؟ فكذلك قوله «1»: (أنبئهم) أتبع الكسرة في الهاء الكسرة التي قبلها. والوجه الآخر «2»: أنه لم يتعدّ بالحاجز الذي بين الكسرة والهاء لسكونها، فكأن الكسرة وليت الهاء، والكسرة إذا وليت الهاء «3» كسرت نحو: به. ويكون تركهم الاعتداد- في «أنبئهم» - بالسكون كتركهم الاعتداد به في قولهم: هو ابن عمّي دنيا، وقنية «4»، ألا ترى أنه من الدنوّ، وقالوا: قنوة. فكما قلبت الواو ياء في عارية ومحنية، لانكسار ما قبلهما، كذلك قلبوها مع حجز الساكن في دنيا. فإذا رأيتهم لم يعتدّوا بالحاجز إذا كان ساكنا، كذلك يجوز أن لا يعتدّ به حاجزا في قراءة ابن عامر، وما روي عن ابن كثير. ولو ترك تارك الهمز في: (أنبئهم) فقال: (أنبيهم) لكان لكسر الهاء وجهان. أحدهما: أنه لما خفف الهمزة لسكونها وانكسار ما قبلها «5» فقلبها ياء كذيب وميرة «6» أشبهت الياء التي هي غير منقلبة عن الهمزة، فكسر الهاء بعدها، كما تكسر «هم» بعد: (ترميهم) و (يهديهم). ويقوي ذلك أن منهم من أدغم الواو الساكنة

_ (1) في (ط): قوله تعالى. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وليتها الهاء. (4) يقال دنيا ودنية. ودنيا غير منون، وكأن أصل ذلك كله دنيا، أي: رحما أدنى إليّ من غيرها. اللسان: (دنا)، والقنية: ما اكتسب. (5) في (م): وانكسارها، وما في (ط): هو الصواب. (6) المئرة: العداوة، وجمعها مئر. اللسان (مار). وانظر سيبويه: باب الهمز 2/ 163.

المنقلبة عن الهمزة في الياء، كما تدغم الواو التي ليست منقلبة، وذلك في قولهم: ريّا، وريّة «1». ويقوّي ذلك إيقاعهم الألف المنقلبة عن الهمزة ردفا «2»، كإيقاعهم المنقلبة عن الياء أو الواو «3»، وذلك قوله «4»: على رال «5» كما تقول: على بال. والوجه أن لا تكسر الهاء على هذا المذهب، كما أن الوجه أن لا تدغم. والوجه الآخر: أن تقلب الهمزة إلى الياء قلبا. وهذا وإن كان سيبويه لا يجيزه إلا في الشعر، فإن أبا زيد يرويه عن قوم من العرب. وإذا اتّجهت له هذه الوجوه لم ينبغ أن يخطّأ، وإن أمكن أن يقال إن غيره أبين وجها منه وأظهر. فأما آدم: فقال بعض أهل اللغة: إن الآدم «6» من الإبل

_ (1) أصلها: رؤيا ورؤية. انقلبت الهمزة فيهما واوا وأدغمت في الياء بعد قلبها ياء. وهو من إجراء غير اللازم مجرى اللازم. انظر الخصائص 1/ 305. (2) الردف في الشعر: حرف ساكن من حروف المد واللين يقع قبل حرف الروي ليس بينهما شيء (اللسان). (3) في (ط): والواو. (4) في (ط): نحو قوله. (5) قافية بيت من الشعر لامرئ القيس وهو قوله في ديوانه 38: وصمّ صلاب ما يقين من الوجى ... كأن مكان الردف منه على رال يصف حوافر فرسه، وارتفاع مؤخرته ويشبهها بمؤخرة الرأل. وهو ولد النعام. وخفف الهمزة فيه قال في اللسان (رأل) بعد إيراده عجز البيت: أراد على رأل، فإما أن يكون خفف تخفيفا قياسيا، وإما أن يكون أبدل إبدالا صحيحا على قول أبي الحسن، لأن ذلك أمكن للقافية إذ المخفف تخفيفا قياسيا في حكم المحقق. (6) في (ط): الأدم.

البقرة: 36

والظباء: الأبيض «1»، وما سوى ذلك، فالآدم الذي ليس بأبيض على ما يتكلم به الناس فيقولون: رجل آدم للذي ليس بأبيض، ورجل أسمر، وهو أصفى من الآدم. قال: ولا تقول العرب للرجل: أبيض، من اللون، إنما يقولون: أحمر، قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «2»: «بعثت إلى الأسود والأحمر» «3» وإنما الأبيض: البعيد من الدّنس النقي، قال: ويقال: ظبي آدم- وظبية أدماء- وبعير آدم- وناقة أدماء- للأبيضين. قال أبو الحسن: (أنبئهم بأسمائهم) الهاء مضمومة إذا همزت، وبها نقرأ، لأن الهاء لا يكسرها إلا ياء، أو كسرة، ومن العرب من يهمز ويكسر، وهي قراءة، وهي رديئة في القياس فإذا خفّفت الهمزة فكسر الهاء أمثل شيئا لشبهها بالياء. [البقرة: 36] اختلفوا في قوله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها [البقرة/ 36]. فقرأ حمزة وحده: فأزالهما بألف خفيفة، وقرأ الباقون: فَأَزَلَّهُمَا مشدّدا بغير ألف. قال أبو بكر أحمد: وروى أبو عبيد: أنّ حمزة قرأ: فأزالهما بالإمالة، وهذا غلط «4». بسم الله «5»: حجة حمزة في قراءته (فأزالهما الشيطان

_ (1) الأدمة في الإبل: البياض مع سواد المقلتين، وهي في الناس: السمرة الشديدة (اللسان: أدم). (2) سقطت من (ط). (3) رواه مسلم 1/ 370 كتاب المساجد، وأحمد في مسنده 1/ 301. (4) كتاب السبعة 153. (5) سقطت من (ط).

عنها) أن قوله: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها [البقرة/ 35] تأويله: أثبتا فثبتا، فأزالهما الشيطان، فقابل الثبات بالزوال، الذي هو خلافه. ومثل ذلك قوله تعالى «1»: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشعراء/ 63] تأويله: فضرب فانفلق، ومثله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ [البقرة/ 196] أي: فحلق، فعليه فدية. ونسب الفعل إلى الشيطان، لأن زوالهما عنها إنما كان بتزيينه ووسوسته، وتسويله، فلما كان ذلك منه سبب زوالهما عنها أسند الفعل إليه. ومثل هذا قوله تعالى «2»: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال/ 17] فالرمي كان للنبي صلّى الله عليه وسلم حيث رمى فقال: «شاهت الوجوه» «3» إلا أنه لما كان بقوة الله وإرادته نسب إليه. ومما يقوي قراءته قوله تعالى «4»: فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ [البقرة/ 36] فقوله: فأخرجهما في المعنى قريب من أزالهما، ألا ترى أن إخراجه إياهما منها، إزالة منه لهما عما كانا فيه. فإن قال قائل: ما ننكر أن يكون فاعل أخرجهما، لا يكون ضمير الشيطان ولكن المصدر الذي ذكر فعله كقولهم: من كذب كان شرّا له، فالدّلالة على أن فاعله «5» ضمير الشيطان، قوله في الأخرى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف/ 27].

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (ط): عز وجل. (3) رواه مسلم 3/ 1402 كتاب الجهاد والسير برقم (1777) شاهت: قبحت. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): فاعل أخرجهما.

ففاعل أخرجهما: الشيطان، كما بيّن ذلك في هذه «1». ويقوي قراءته أيضا تأويل من تأوّل أن: فَأَزَلَّهُمَا من زلّ، الذي هو عثر، ألا ترى أن ذلك قريب من الإزالة في المعنى. فإن قال قائل: فإنه إذا قرأ: فأزالهما كان قوله بعد: فَأَخْرَجَهُما تكريرا، فالقراءة الأخرى أرجح، لأنها لا تكون على التكرير، قيل: إن قوله «2»: أخرجهما، ليس بتكرير لا فائدة فيه، ألا ترى أنه قد يجوز أن يزيلهما عن مواضعهما، ولا يخرجهما مما كانا فيه من الدعة والرفاهية، وإذا كان كذلك لم يكن تكريرا غير مفيد. وعلى أن التكرير في مثل هذا الموضع لتفخيم القصّة وتعظيمها بألفاظ مختلفة ليس بمكروه ولا مجتنب، بل هو مستحبّ مستعمل، كقول القائل: أزلت نعمته، وأخرجته من ملكه، وغلّظت عقوبته. وقالوا: زال عن موضعه وأزلته، وفي التنزيل: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر/ 41]. وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [إبراهيم/ 46] وقال الهذليّ «3»: فأزال خالصها بأبيض ناصح ... من ماء ألهاب بهنّ التّألب

_ (1) في (ط): هذه الآية. (2) في (ط): قوله عزّ وجلّ. (3) هو ساعدة بن جؤيّة. من قصيدة له في ديوان الهذليين القسم الأول/ 182 وشرح أشعارهم 3/ 1112، 1143 برواية: «ناصحها» بدل «خالصها» وهو بمعنى كما قال السكري، وألهاب: جمع لهب، وهو شق في الجبل، والتالب: شجر، يقول: قطع خالصها بأبيض، أي: مزجه حتى تقطّع العسل، من ماء غدير، مفرط: مملوء.

فهذا على ضربين أحدهما: أن يريد: أزال خلوص خالصها بماء أبيض شاب هذه العسل به، فحذف المضاف. أو يكون وضع خالصها موضع خلوصها، كقولهم: العاقبة والعافية، وقوله «1»: ولا خارجا من فيّ زور كلام في قول من جعل «لا أشتم» جوابا للقسم. والخالص من الماء: الأبيض الصافي، فاستعاره للعسل، لأنهم يصفونها بالبياض في نحو: وما ضرب بيضاء يأوي مليكها «2» وأنشد السّكّريّ للعجاج «3»: من خالص الماء وما قد طحلبا حجة من قرأ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ [البقرة/ 36] أن أزلّهما يحتمل تأويلين، أحدهما: كسبهما الزّلّة. والآخر: أن يكون أزلّ من زلّ الذي يراد به: عثر. فالدّلالة «4» على الوجه الأول ما جاء في التنزيل من تزيينه لهما تناول ما حظر عليهما جنسه،

_ (1) عجز بيت للفرزدق وصدره: على قسم لا أشتم الدهر مسلما ديوانه/ 769 - سيبويه 1/ 173 - الخزانة 1/ 108. (2) صدر بيت لأبي ذؤيب في شرح السكري 1/ 142 - عجزه: إلى طنف أعيا براق ونازل مليكها: يعسوب النحل ومليكها، والطنف: حيد من الجبل ورأس من رءوسه. (3) في اللسان (خلص) وملحقات ديوانه 2/ 268 عن اللسان. (4) في (ط): الدلالة.

بقوله: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ [الأعراف/ 20] إلى قوله: لَمِنَ النَّاصِحِينَ وقوله «1»: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما [الأعراف/ 20]. وقد نسب كسب الإنسان الزلّة إلى الشيطان في قوله تعالى «2»: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا [آل عمران/ 55] واستزلّ وأزلّ كقولهم: استجاب وأجاب، واستخلف لأهله وأخلف، فكما أنّ استزلّهم من الزّلّة، والمعنى فيه كسبهم الشيطان الزّلّة، كذلك قوله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ والوجه الآخر أن يكون فَأَزَلَّهُمَا من: زل عن المكان، إذا عثر فلم يثبت عليه، ويدل على هذا قوله تعالى: فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ [البقرة/ 36] فكما «3» أن خروجه عن الموضع الذي هو فيه انتقال منه «4» إلى غيره، كذلك عثاره فيه وزليله «5». فأما قوله تعالى «6»: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا [البقرة/ 209] فيحتمل وجهين، أحدهما: زللتم من الزّلة، كأن المعنى: فإن صرتم ذوي زلّة، ويجوز أن يراد به العثار، فشبّه المعنى بالعين، فاستعمل الذي هو العثار، والمراد به: الخطأ، وخلاف الصواب. ومن هذا الباب قول ابن مقبل «7»:

_ (1) في (ط): عزّ وجلّ. (2) في (ط): عزّ وجلّ. (3) في (ط): كما. (4) في (ط): عنه. (5) في (ط): وزلته. وفي اللسان: زل السهم عن الدرع، والإنسان عن الصخرة يزل ويزلّ زلا وزليلا ومزلة ... (6) سقطت من (ط). (7) ديوانه/ 101.

يكاد ينشقّ عنه سلخ كاهله ... زلّ العثار وثبت الوعث والغدر السّلخ: مصدر سلخته سلخا «1»، إلا أنه أريد به في هذا المكان المسلوخ، ألا ترى أن المنشقّ إنما يكون الإهاب دون الحدث. وقوله: زلّ العثار، أي: زلّ عند العثار، يريد أنه لفطنته يزل عن الموضع الذي يعثر فيه فلا يعثر، ويكون المصدر في هذا الموضع يراد به المفعول كأنه: المكان المعثور فيه، ومثل ذلك قوله «2»: على حتّ البراية ... أي: عند البراية. وقول النابغة «3»: رابي المجسّة ... أي: عند المجسّة.

_ (1) والسلخ بالكسر: الجلد، وبها جاءت رواية الديوان، ولا شاهد فيها لما أراده المؤلف. (2) جزء من بيت للأعلم الهذلي في ديوان الهذليين بشرح السكري 1/ 320 وتمامه: على حتّ البراية زمخريّ السواعد، ظلّ في شري طوال والبراية: البقية، والزمخري: الغليظ الطويل. والسواعد: العروق التي يجري فيها اللبن. والشري: الحنظل. قال: البراية: البقية من سيرها. وفي اللسان وردت كلمة زمخري: زمخري وهو تصحيف. (3) جزء من بيت في ديوانه/ 40 من قصيدته في المتجردة وتمامه: وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسة بالعبير مقرمد

ومثله «1»: بضّة المتجرّد أي: عند المتجرّد، أي: التجريد. ومثله للبيد «2»: صائب الجذمة أي: صائب عند الجذمة، يقول: هو قاصد عند القطع، ومثله قول أوس «3»: كشف اللّقاء أي: عنده «4». فأما قوله: زلّ، فإنه صفة، ككهل، وغيل «5»، وفسل «6»، مما يدلّك على ذلك مقابلته بثبت الذي هو خلافه. والغدر فيما فسّر عن أبي عمرو في أكثر ظني: مكان متعاد. والوعث: السهل الذي تسوخ فيه أخفاف الإبل، والمعنى في: ثبت الوعث، أي: ثبت عند الوعث كما كان في المعنى في: زلّ العثار، أي: زلّ عند العثار، وإذا كان الغدر هذا الذي فسر،

_ (1) جزء من بيت للنابغة في ديوانه/ 39 وتمامه: محطوطة المتنين غير مفاضة ... ريّا الروادف بضّة المتجرد (2) جزء من بيت في ديوانه/ 144 تمامه: يغرق الثّعلب في شرّته ... صائب الجذمة في غير فشل (3) لم نعثر عليه في الديوان. (4) يدل على ذلك قول كعب في (ديوانه 23): زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل معازيل (5) الغيل: اللبن الذي ترضعه المرأة ولدها وهي حبلى. (6) الفسل: الرذل النذل الذي لا مروءة له. وجمعه أفسل وفسول وفسال وفسل.

فما أنشده أبو زيد «1»: يخبطن بالأيدي مكانا ذا غدر تقديره: مكانا غدرا. وتأويل إدخال قوله: «ذا» فيه أنه يوصف بهذا، كأنه قال: مكانا صاحب هذا الوصف. ومن هذا الباب قولهم: «من أزلّت إليه نعمة فليشكرها» «2» كأنه زلّت النعمة إليه، أي: تعدّت. وأزللتها أنا إليه، عدّيتها، كما أنّ قوله «3»: قام إلى منزعة زلخ فزل معناه: تعدّى من مكانه إلى مكان آخر. وكذلك قوله: وإنّي وإن صدّت لمثن وقائل ... عليها بما كانت إلينا أزلّت «4» تقديره: أزلّته، ليعود الضمير إلى الموصول.

_ (1) النوادر 242 (ط الفاتح) وبعده: «خبط المغيبات فلاطيس الكمر» قال في اللسان (غدر). قال أبو زيد: الغدر والجرل والنّقل كل هذه الحجارة مع الشجر. وكل موضع صعب لا تكاد الدابة تنفذ فيه غدر. وفي مادة (فلطس) أنه لراجز يصف إبلا. (2) النهاية لابن الأثير 2/ 310. واللسان (زلل). (3) الرجز بغير نسبة في اللسان (نزع) و (زلخ) وقبله: يا عين بكيّ عامرا يوم النهل ... عند العشاء والرشاء والعمل والمنزعة: رأس البئر الذي ينزع عليه. وقال ابن الأعرابي: هي صخرة تكون على رأس البئر يقوم عليها الساقي. وزلخ: بسكون اللام وكسرها مثل زلج- بالجيم-: أي: دحض مزلة. (4) اللسان مادة (زلّ). والبيت لكثير. والرواية في اللسان: (وصادق) بدلا من (وقائل).

وأما الشيطان فهو فيعال من شطن مثل البيطار، والغيداق «1». وليس بفعلان من قوله «2»: وقد يشيط على أرماحنا البطل ألا ترى أن سيبويه حكى: شيطنته فتشيطن، فلو كان من يشيط لكان شيطنته فعلنته، وفي أنّا لا نعلم هذا الوزن جاء «3» في كلامهم ما يدلك أنه: فيعلته، مثل بيطرته، ومثل هينم «4»، وفي قول أمية أيضا دلالة عليه، وهو قوله «5»: أيّما شاطن عصاه عكاه ... ثم يلقى في السّجن والأكبال فكما أنّ شاطن فاعل، والنون لام، كذلك شيطان فيعال. ولا يكون فعلان من يشيط. فإن قلت: فقد أنشد الكسائيّ أو غيره «6»:

_ (1) الغيداق: الغزير والجواد الكريم الواسع الخلق. اللسان (غدق). (2) عجز بيت للأعشى، الديوان/ 63 وصدره: قد نخضب العير في مكنون فائله والفائل: عرق يجري من الجوف إلى الفخذ، ومكنون الفائل هو الدم. ويشيط: يهلك (اللسان/ شاط). (3) سقطت من (ط). (4) الهينمة: الكلام الخفي لا يفهم. اللسان (هنم). (5) البيت لأمية بن أبي الصلت، ديوانه/ 445 - اللسان (شطن) .. وفي جمهرة اللغة، والصحاح، يروى: «ثم يلقى في السجن والأغلال». (6) البيت للطفيل الغنوي- قاله في يوم محجر في غارة طيء. والخذواء فرسه. وشيطان: هو شيطان بن الحكم بن جاهمة بن حراق. انظر التاج واللسان- مادة/ خذا- وديوان الطفيل/ 49.

البقرة: 37

وقد منّت الخذواء منّا عليهم ... وشيطان إذ يدعوهم ويثوّب ففي ترك صرف شيطان دلالة على أنه مثل: سعدان وحمدان. قيل: لا دلالة في ترك صرف شيطان على ما ذكرت، ألا ترى أنه يجوز أن يكون قبيلة، ويجوز أن يكون اسم مؤنّث؟ فلا يلزم صرفها لذلك، لا لأنّ النون زائدة «1». [البقرة: 37] اختلفوا في قوله تعالى «2»: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة/ 37]. في رفع الاسم ونصب الكلمات، ونصب الاسم ورفع الكلمات. فقرأ ابن كثير وحده: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ بنصب الاسم ورفع الكلمات. وقرأ الباقون: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ برفع الاسم ونصب الكلمات «3». قال أبو علي: قالوا: لقي زيد خيرا، فتعدى الفعل إلى مفعول واحد، وفي التنزيل: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال/ 15] وفيه إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال/ 45] ولَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً [الكهف/ 62] فإذا ضعّفت العين منه، تعدى إلى مفعولين،

_ (1) غير أن سيبويه في الكتاب 2/ 11 في باب ما لا ينصرف في المعرفة لا يمنع أن يكون شيطان من شيط يقول: شيطان إن أخذته من التشيطن فالنون عندنا في مثل هذا من نفس الحرف إذا كان له فعل تثبت فيه النون، وإن جعلت دهقان من الدهق، وشيطان من شيّط لم تصرفه. (2) في (ط): عز وجل. (3) السبعة 153.

فقلت: لقّيت زيدا خيرا، فيصير الاسم الذي كان الفاعل المفعول الأول، قال «1»: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً [الدهر/ 11] وليس تضعيف العين هنا «2»، على حدّ فرّح «3» وأفرحته، وخرّج «4» وخرّجته وأخرجته، ألا ترى أنك إذا قلت: ألقيت كذا «5»، فليس بمنقول من لقيته، كأشربته من شربته يدل على أنه ليس بمنقول منه، أنه لو كان كذلك لتعدى إلى مفعولين، كما تعدى لقّيت، فلما لم يتعدّ إلى الثاني إلا بحرف الجر نحو ألقيت بعض متاعك بعضه «6» على بعض، علمت أنه استئناف بناء على حدة، وليست الهمزة همزة نقل كالتي في قولك: ضربت زيدا، أو: أضربته إياه، وشربت الماء وأشربته الماء، فجعلوا ألقيته بمنزلة طرحته، في تعدّيه إلى مفعول واحد. فأما مصدر لقيت، فقال أبو زيد: لقيته لقية واحدة في «7» التلاقي والقتال، ولقيته لقاء ولقيانا ولقاة. فأمّا قوله «8»: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا [يونس/ 7] أي: بدلا من الآخرة كما قال: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ [التوبة/ 38] ومعنى من الآخرة أي: بدلا منها، كما قال: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ [الزخرف/ 60] أي: بدلا منكم، ومثل هذا قوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ

_ (1) في (ط): وقال. (2) في (ط): هاهنا. (3) في (ط): فرّحته. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): ألقيت زيدا. (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): من. (8) في (ط): عز وجل.

[النساء/ 133] وقوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ [الأنعام/ 134]. وقال الراعي «1»: أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ... ظلما ويكتب للأمير أفيلا وقال آخر «2»: كسوناها من الرّيط اليماني ... ملاء في بنائقها فضول أي: بدلا من الريط. ويكون قوله: لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [يونس/ 7]. أي: لا يخافون ذلك، لأنهم لا يؤمنون بها، فلا «3» يوجلون منها كما يوجل المؤمنون المصدقون بها، المعنيون بقوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها [النازعات/ 45] وقال: وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء/ 49] فيكون الرجاء هنا الخوف كما قال: ... لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً [نوح/ 13] وكما قال «4»: إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها

_ (1) هو الشاهد (529) من شرح أبيات المغني 1/ 324. وانظر تخريجه هناك. وفيه: الغلبة: مصدر غلب، والأفيل: الفصيل. (2) أمالي ابن الشجري 1/ 38. وهو في وصف الإبل. أراد: كسوناها بدلا من الريط مسوحا، والريط: ج ريطة وهي الملاءة، والبنائق: ج بنيقة- وهي كل رقعة ترقع في القميص. وأراد بالمسوح عرقها، شبهه لسواده بالمسوح. (3) في (ط): ولا. (4) صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح السكري 1/ 144 وعجزه:

وقد يكون لا يرجون الرجاء الذي خلافه اليأس، كما قال: قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ [الممتحنة/ 13] أي: من الآخرة، فحذف من الآخرة لتقدم ذكرها كما قال: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ [إبراهيم/ 48] فحذف المتأخّر لدلالة ما تقدم عليه، ويجوز أن تكون: كما يئس الكفار من حشر أصحاب القبور. ومن ذلك قوله: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا [الفرقان/ 21] وقال: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ [الأنعام/ 31] فالمعنى والله أعلم: بالبعث، كما قال: بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً [الفرقان/ 40] ويقوي ذلك «1» حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً [الأنعام/ 31] وعلى هذا قوله: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ [السجدة/ 10]. فأما قوله: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الأحزاب/ 44] فالمعنى: يوم يلقون ثوابه، فهم «2» خلاف من وصف بقوله: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم/ 59] وقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ [البقرة/ 223] أي: ملاقون جزاءه، إن ثوابا وإن عقابا. وقوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة/ 46] أي ملاقو ثواب ربّهم، خلاف من وصف بقوله: لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة/ 264] وقوله: حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور/ 39]

_ وخالفها في بيت نوب عوامل. ونوب: تنتاب المرعى، وعوامل: تعمل العسل والشمع. (1) في (ط): قوله جل وعز. (2) في (ط): وهم.

ونحو ذلك مما يدل على إحباط الثّواب وأنهم إليه راجعون، أي: يصدّقون بالبعث ولا يكذبون به، كما حكي عن المنكرين له في نحو: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ «1» [الواقعة/ 47] ونحو قولهم فيه: إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنعام/ 25]. والظنّ هاهنا العلم، وكذلك قول المؤمن: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة/ 20] فأما الآية الأولى التي هي قوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة/ 46] أي: ثوابه، فقد يجوز أن لا يكون منهم القطع على ذلك والحتم به، بدلالة قول إبراهيم: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء/ 82] فأما قوله: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة/ 20] فلا يكون إلا على العلم والتيقّن، لأن صحة الإيمان إنما يكون بالقطع على ذلك والتّيقّن به «2» والشاكّ فيه لا إيمان له. ويقال: لقيته ولاقيته، فمن لاقيت قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ [البقرة/ 223] والَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة/ 46] وقال: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الأحزاب/ 44] ولو كان يلاقونه كقوله: أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ [البقرة/ 223] كان حسنا، وقال: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا

_ (1) ورد في الأصل كلمة: (وآباؤنا) بدل (وعظاما) وهو إدراج من آية ثانية من سورة النمل: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67). (2) في (ط): التيقن والشاك.

[البقرة/ 14] وقال «1»: يا نفس صبرا كلّ حيّ لاق كأنه: لاق منيّته وأجله. وقال آخر «2»: فلاقى ابن أنثى يبتغي مثل ما ابتغى ... من القوم مسقيّ السّمام حدائده وقال «3»: وكان وإيّاها كحرّان لم يفق ... عن الماء إذ لاقاه حتّى تقدّدا وأما قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ [السجدة/ 23] فيكون على إضافة المصدر إلى المفعول، مثل: بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ [ص/ 24] وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ

_ (1) بيت لراجز مجهول وبعده: وكل اثنين إلى افتراق وهما في الخصائص: 2/ 475 - المحتسب 1/ 248 الهمع 2/ 157 والدرر 2/ 216. (2) سيبويه 1/ 239. ونسبه الأعلم: للأشعث بن معروف الأسدي، وفي شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/ 452 لمضرس بن ربعي الأسدي. وصف لصا لقي لصا مثله يبتغي مثل ما يبتغيه. والسمام: جمع سم. وأراد بالحدائد نصال سهامه. (3) في (ط): وقال آخر: والبيت لكعب بن جعيل. انظر الكتاب 1/ 150 قال الأعلم: الشاهد فيه قوله: وإياها. والمعنى: فكان معها. يقول: كان غرضا إليها، فلما لقيها قتله الحب سرورا بها فكان كالحران- وهو الشديد العطش- أمكنه الماء وهو بآخر رمق، فلم يفق عنه حتى انقد بطنه، أي: انشق.

[الروم/ 3] لأن الضمير للرّوم وهم المغلوبون كأنه: لمّا قيل: فَخُذْها بِقُوَّةٍ [الأعراف/ 145] أي بجد واجتهاد، أعلمنا أنه أخذ بما أمر به، وتلقاه بالقبول، فالمعنى: من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل كقوله: اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الأنعام/ 106] وفَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة/ 18] ويجوز أن يكون الضمير لموسى، والمفعول به محذوف، كقوله: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ [فاطر/ 14] فالدعاء مضاف إلى الفاعل، والمفعولون محذوفون. ومثل ذلك في إضافة المصدر إلى الفاعل، وحذف المفعول به قوله: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المؤمن/ 10] وهذا على قياس من قرأ: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ لأن موسى هو اللاقي، كما أن آدم هو المتلقّي. ويجوز أن يكون الضمير لموسى في قوله: مِنْ لِقائِهِ ويكون الفاعل محذوفا، والمعنى من لقائك موسى، ويكون ذلك في الحشر والاجتماع للبعث، أو في الجنة، فيكون كقوله: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها [طه/ 16] فأما قوله: لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ [المؤمن/ 15] فإنه يكون يوم تلاقي الظالم والمظلوم، والجائر والعادل، وتلاقي الأمم مع شهدائها كقوله: وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [القصص/ 75] ومثل يوم التلاقي قوله: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ [التغابن/ 9] وقوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [النساء/ 87]. ونحو ذلك من الآي. وقوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم/ 14]، فإن

هذا التفرق بعد الاجتماع والتلاقي الذي أضيف اليوم إليهما، وذلك بعد الأخذ للمظلوم من الظالم، وقد بيّن هذا بقوله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى/ 7] فأما قوله: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [عبس/ 34، 35] وقد قال: يَوْمَ الْجَمْعِ ويَوْمَ التَّلاقِ، فليس يراد بالفرار المضاف إليه اليوم الشّراد ولا النّفار، وأنت قد تقول لمن تكلّم: فررت مما لزمك، لا تريد بذلك بعادا في المحل. وتقدير يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ: يوم يفر المرء من موالاة أخيه، أو من «1» نصرته. كما كانوا، أو من مساءلة أخيه لاهتمامه بشأنه، فالفرار من موالاته يدل عليه قوله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة/ 166] وأما الفرار من نصرته على حد ما كانوا يتناصرون في الدنيا، فيدل عليه قوله: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ [الدخان/ 41، 42] والمسألة يدل عليها قوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج/ 10]. وقد روي أنّ بعضهم قرأ: يَوْمَ التَّنادِ «2» [المؤمن/ 32] وكأنه اعتبر يوم يفرّ المرء من أخيه، فجعل التنادّ تفاعلا من ندّ البعير: إذا شرد ونفر، وليس ذلك بالوجه، ألا ترى أنه ليس يسهل «3» أن تقول: نددت من ما لزمك، ولا ناددت منه، كما تقول: فررت منه؟ ونرى سيبويه يستعمل في هذا المعنى فرّ كثيرا، ولا يستعمل ندّ، فليس هذا الاعتبار إذا بالوجه. وأما

_ (1) في (ط): ومن. (2) وهي قراءة ابن عباس والضحاك وأبي صالح والكلبي (المحتسب 2/ 243). (3) في (ط): أنه لا يسهل.

التنادي الذي عليه الكثرة والجمهور، فإنه يدل عليه قوله: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ [القمر/ 6] وقوله «1»: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء/ 71] ويَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ [الاسراء/ 52]. فالتنادي أشبه بهذه الآي. ألا ترى أن الدعاء والنداء يتقاربان به «2»، إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا [مريم/ 3] فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ [آل عمران/ 39] وقال: فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ [القمر/ 10] فقد استعمل كلّ واحد من النداء والدعاء في موضع الآخر، وليس التنادّ والفرار كذلك. وأما قوله: (كلمات) فالكلمات: جمع كلمة، والكلمة: اسم الجنس، لوقوعها «3» على الكثير من ذلك والقليل، قالوا: قال امرؤ القيس في كلمته، يعنون قصيدته، وقال قسّ في كلمته، يعنون خطبته. وقال ابن الأعرابي: يقال: لفلان كلمة شاعرة، أي: قصيدة. وقد قيل لكل واحد من الكلم الثلاث: كلمة، فالكلمة كأنها اسم الجنس، لتناولها الكثير والقليل «4». كما أن الليل لما كان كذلك وقع على الكثير منه أو القليل «5»، فالكثير نحو قوله: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً [النبأ/ 10] وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [القصص/ 73] ومن ثمّ جعله سيبويه في جواب كم، إذا قيل: سير عليه الليل والنهار. وأما «6» وقوعه على القليل وما هو دون ليلة فنحو قوله:

_ (1) كذا في (ط)، وسقطت من (م). (2) في (ط): وفي التنزيل. (3) في (ط): لوقوعه. (4) في (ط): القليل والكثير. (5) في (ط) القليل منه والكثير. (6) في (ط): فأما.

وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ [الصافات/ 137 - 138]. فكذلك الكلمة قد وقعت على القليل والكثير. فأما وقوعها على الكثير «1» فنحو ما قدمناه، وأما وقوعها على القليل، فإنّ سيبويه قد أوقعها على الاسم المفرد، والفعل المفرد، والحرف المفرد. فأما الكلام: فإن سيبويه قد استعمله فيما كان مؤلّفا من هذه الكلم، فقال: لو قلت: إن يضرب يأتينا، لم يكن كلاما، وقال أيضا: إنما يحكى: فقلت ونحوه، ما كان كلاما، لا قولا. فأوقع الكلام على المتألّف، وعلى هذا الذي استعمله جاء التنزيل، قال تعالى: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا [الفتح/ 15] فالكلام المذكور هنا «2» والله أعلم يعنى به قوله: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا [التوبة/ 83] ألا ترى قوله: كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [الفتح/ 15]. والكلمات المذكورة في قوله «3»: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة/ 37] فيما فسّر هي قولهما: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الآية [الأعراف/ 22]. وسئل بعض سلف المسلمين عما يقوله المذنب، فقال: يقول ما قال أبوه «4»: ظَلَمْنا أَنْفُسَنا «5» وما قاله موسى: قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي [القصص/ 16] وما قاله يونس: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء/ 87]

_ (1) سقطت «على الكثير» من (ط). (2) في (ط): هاهنا. (3) في (ط): عز وجل. (4) في (ط): ما قاله أبوه آدم: رَبَّنا ظَلَمْنا .... (5) في (ط): الآية.

وما قالته «1» الملكة: إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ [النمل/ 44] وأما الكلمات في قوله تعالى «2»: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة/ 124] فالمراد بها انقياده لأشياء امتحن بها وأخذت عليه، منها: الكوكب، والشمس، والقمر، والهجرة، في قوله: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي [العنكبوت/ 26] والختان، وعزمه على ذبح ابنه، فالمعنى: وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بإقامة كلمات [أو بتوفية كلمات، والتقدير ذوي كلمات] «3» أي: يعبّر بها عن هذه الأشياء المسمّيات وعلى هذا وصف في قوله: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم/ 37]. فإن قلت: فهل يجوز أن يكون الكلم المتكلّم به، كما أنّ الصيد هو المصيد، والضرب «4» المضروب، والنسخ المنسوخ؟ فالقول: إنّ هذا إنما جاء «5» في المصادر، وليس قولهم الكلم بمصدر. فإن قلت: فقد أجرى قوم من العلماء ما كان من بناء المصدر مجرى المصدر، واستشهدوا على ذلك بأشياء، منها قولهم «6»: وبعد عطائك المائة الرّتاعا «7»

_ (1) في (ط): قالت. (2) في (ط): عز وجل. (3) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ط). (4) في (ط): والضرب هو. (5) في (ط): جاز. (6) في (ط): قوله. (7) سبق في الجزء الأول من هذا الكتاب ص 182.

فالقول: إنا لم نعلم «1» لهم نصّا على ذلك. ومما ينبغي أن يحمل فيه الكلمات على الشرع كقوله: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ قوله: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ [التحريم/ 12] فالكلمات والله أعلم تكون: الشرائع التي شرعت لها دون القول، لأن ذلك قد استغرقه قوله تعالى: وَكُتُبِهِ فكأن المعنى صدّقت بالشرائع فأخذت بها وصدّقت بالكتب فلم تكذّب بها. ومما يحمل من الكلم على أنّه قول، قوله تعالى «2»: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ [النساء/ 171] فهذا- والله أعلم- يعني به. قوله: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران/ 59] أي: قال من أجل خلقه: كن، فيكون، فسمّي كلمة لحدوثه عند قول ذلك. وقوله: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [الأعراف/ 137] هي- والله أعلم- قوله: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً الآية [القصص/ 5] وقوله «3»: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ [الأنعام/ 115] وهو كقوله: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق/ 29] أي: لا خلف «4» فيه ولا تبديل له، والكلمات «5» تقديرها: ذوي الكلمات أي ما عبر عنه بها من وعد ووعيد، وثواب وعقاب. وقوله «6»: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى

_ (1) في (ط): لا نعلم. (2) في (ط): عز وجل. (3) هكذا في (ط): وسقطت من (م). (4) في (ط): لا خلاف. (5) في (ط): فالكلمات. (6) في (ط): عز وجل.

[الفتح/ 26] [حدثنا يوسف بن يعقوب الأزرق «1» بإسناده] «2» عن مجاهد، قال: لا إله إلا الله «3». وقد يجوز أن تكون كلمة التقوى: شرائعه، التي أمروا بالأخذ لها والتمسك بها. وأما قوله «4»: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [النساء/ 45 - 46]. فسألني أحد شيوخنا عنه، فأجبت بأنّ التقدير: وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا، فقوله: مِنَ الَّذِينَ هادُوا متعلق بالنّصرة، كقوله «5»: فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا [المؤمن/ 29] أي: من يمنعنا؟ فيكون: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ- على هذا- حالا من الذين هادوا، تقديره: وكفى «6» بالله مانعا لهم منكم محرّفين الكلم. وأكثر الناس فيما علمت يذهبون إلى أن المعنى: من الذين هادوا يحرّفون الكلم، أي: فريق يحرفون الكلم، فحذف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، كقوله: وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ [الروم/ 24] أي: أنه يريكم فيها البرق، أو يريكموها البرق، وهذا أشبه لقوله «7»:

_ (1) يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو بكر الأزرق التنوخي الكاتب (238 - 329 هـ) كتب لغة ونحوا وأخبارا عن أبي عكرمة الضبي صاحب المفضل، وحمل عن عمر بن شبة من هذه العلوم فأكثر وعن الزبير بن بكار وغيرهم. وكان ثقة، متعففا، عريض النعمة متخشا في دينه كثير الصدقة (تاريخ بغداد 14/ 321). (2) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط). (3) تفسير مجاهد 2/ 603. (4) في (ط): عز وجل. (5) في (ط): كما قال. (6) في (ط): كفى. (7) في (ط): بقوله.

وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ [المائدة/ 41] فكما أن يحرفون في هذه الآية صفة لقوله: سَمَّاعُونَ كأنه قال: ومن الذين هادوا فريق سمّاعون للكذب، أي: يسمعون ليكذبوا فيما يسمعونه منه، ويحرّفونه عنه، سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك، يحرفون الكلم. فكما أن يحرفون هنا، صفة لقوله: سَمَّاعُونَ، كذلك يكون في الآية الأخرى. فإن قلت: فلم لا يكون حالا من الضمير الذي في قوله: لَمْ يَأْتُوكَ؟ فإن ذلك ليس بالسهل في المعنى، ألا ترى أن المعنى: ومن الذين هادوا فريق يسمعون من النبي صلّى الله عليه وسلّم، ليكذبوا فيما يسمعونه، ويحرفون بكذبهم فيه، فإذا كان كذلك لم يكن حالا من الضمير الذي في «1»: لَمْ يَأْتُوكَ، لأنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا فيحرفوا، فإذا كان كذلك، كان وصفا ولم يكن حالا، وتكون «2»، يحرفون: على قياس ما قلناه، في قوله: وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً، مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ [النساء/ 45 - 46] حالا من الضمير الذي في اسم الفاعل، كأنه: سمّاعون محرفين للكلم، أي: مقدرين تحريفه، كقوله: معه صقر صائدا به غدا. وهَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة/ 95] وقد يجوز أن يكون التحريف المعنيّ بقوله: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [النساء/ 46] ما كانوا يقصدونه في قولهم: راعِنا [البقرة/ 104] من السّب، وخلاف ما يقصده المسلمون، إذا خاطبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، من المراعاة. قال «3» أبو زيد: «قال الصّقيل: ما كلّمت فلانا إلا

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): ويكون. (3) في (ط): وقال.

مشاورة، تقول: أشرت إليه وأشار إليّ» «1» فهذا على أمرين: أحدهما: أن يكون استثناء منقطعا، والآخر على: كلامك المشاورة، كقولك: عتابك السيف. فأما النطق والمنطق فكان القياس في المنطق فتح العين، لأنه من نطق، لكنه قد جاء على الكسر كما قال: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ [آل عمران/ 55، لقمان/ 15] وقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة/ 222] وقد استعمل رؤبة الكلام في موضع النطق فقال «2»: لو أنني أوتيت علم الحكل ... علم سليمان كلام النمل فهذا إنما أراد به قوله: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [النمل/ 16] فعبّر بالكلام بما عبّر عنه بالمنطق. وقول أوس «3»: ففاءوا ولو أسطو على أمّ بعضهم ... أصاخ فلم ينطق ولم يتكلّم على هذا تكرير «4» وقال: لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ [الأنبياء/ 65] لأنها جماد لا كلام لها. وقال: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ

_ (1) نوادر أبي زيد ص 259 و 260. (2) من قصيدة لرؤبة في أراجيز العرب/ 130. وعلم الحكل، يريد: علم العجماوات. وفي (ط) ورد الشطر الأول: فقلت لو أعطيت. (3) ديوان أوس بن حجر/ 123، على أمّ بعضهم: على بعضهم. أصاخ: سكت مفحما. (4) في (ط): وقول أوس على هذا تكرير.

[النور/ 24] والشهادة «1»: كلام وقول. وقال: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟ قالُوا: أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت/ 21]. ومن ذلك قوله: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء/ 42] لأن ما ذكر من جوارحهم تشهد عليهم، فقيل: لا يكتمون، لمّا كان إظهار ذلك وإبداؤه بجوارحهم. والقول، والكلام، والمنطق، يستعمل كل واحد من ذلك في موضع الآخر ويعبر بكل واحد منها كما عبر بالآخر، قال: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ [الشعراء/ 226] وقال: عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [النمل/ 16] وقال عن الهدهد: فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل/ 22] فأما قوله: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الجاثية/ 28] فهو في المعنى: كقوله: مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف/ 49] وقوله: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً [النبأ/ 29] أي: كل شيء من أعمالهم، كما قال: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر/ 52 - 53] وقال: أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة/ 6] وقال: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً [الإسراء/ 13] وقال: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ [يونس/ 30]. وأنشد أبو الحسن «2»:

_ (1) في (ط): فالشهادة. (2) لم نعثر على قائله. وقد وردت قافية البيت في (ط): «الأسحار» بدل «فاجتنبتنا».

صدّها منطق الدّجاج عن القص*- د وصوت الناقوس فاجتنبتنا وأنشد «1»: فصبّحت والطير لم تكلّم خابية طمّت بسيل مفعم وقال: «2» فلم ينطق الديك حتى ملأ ... ت كوب الرّباب له فاستدارا فوضع كلّ واحد من الكلام والنطق موضع الصوت في قوله «3»: لمّا تذكّرت بالدّيرين أرّقني ... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس وإنما يعني: انتظاره صوت الديكة. ولم نر النطق مسندا إلى القديم. كما أضيف إليه الكلام في قوله: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة/ 6] وقد جاءت هذه الكلمة في اللغة فيما يطيف بالشيء ويحيط به كقوله: النّطاق والمنطقة. وقال «4»:

_ (1) اللسان مادة (طمّ). أنشده ابن بري ولم يسم الراجز. (2) البيت للأعشى يمدح فيه قيس بن معد يكرب. ومعناه: أملأ لصاحبي كوب الساقية، فلا يصيح ديك الصباح حتى يكون قد انتشى وغشيه الدوار. انظر الديوان/ 47. (3) البيت لجرير في ديوانه 1/ 126، وانظر شرح أبيات المغني 1/ 324. (4) البيت للأسود بن يعفر وهو من مفضلية برقم 44 ص 218 وانظر تخريجها فيه. دراهم الأسجاد: دراهم ضربها الأكاسرة. ووردت في (ط): لدراهم

الإعراب

من خمر ذي نطف أغنّ منطّق ... وافى بها لدراهم الأسجاد فإذا كان كذلك لم يكن قول أوس: «لم ينطق ولم يتكلّم» تكريرا، وكان كلّ واحد منهما لمعنى غير الآخر. وأنشد بعض البغداذيين «1»: فإن تنطق الهجراء أو تشر في الخنا ... فإنّ البغاث الأطحل اللّون ينطق فأسند إلى البغاث النطق. الإعراب الأفعال المتعدية إلى المفعول به على ثلاثة أضرب: منها ما يجوز فيه أن يكون الفاعل له مفعولا به. ومنها: ما يجوز أن يكون المفعول به فاعلا له، نحو: أكرم بشر بكرا، وشتم زيد عمرا «2» وضرب عبد الله زيدا. ومنها: ما لا يكون فيه المفعول به فاعلا له نحو: دققت

_ وهو تحريف، وفي اللسان (سجد) كدراهم بدل لدراهم. والنطف: جمع نطفة وهي القرط. والأغن: الذي يخرج صوته من خياشيمه. منطق: غلام عليه نطاق. (1) لم نعثر على قائله. تشرى: تلج. أطحل: من الطحلة: لون بين الغبرة والبياض لسواد قليل، وبغاث الطير وبغاثها: ألائمها وشرارها وما لا يصيد منها، واحدتها: بغاثة، بالفتح، الذكر والأنثى في ذلك سواء (اللسان بغث). (2) في (ط): أكرم بشر عمرا، وشتم زيد بكرا.

الثوب، وأكلت الخبز، وسرقت درهما وأعطيت دينارا، وأمكنني الغوص. ومنها: ما يكون إسناده إلى الفاعل في المعنى، كإسناده إلى المفعول به، وذلك نحو: أصبت، ونلت، وتلقّيت «1»، تقول «2»: نالني خير، ونلت خيرا، وأصابني خير، وأصبت خيرا، ولقيني زيد، ولقيت زيدا، وتلقاني «3»، وتلقيته، قال «4»: إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل وقال «5»: وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ [آل عمران/ 40] وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مريم/ 8]. وكذلك: أفضيت إليه، وأفضى إليّ، وقال «6»: وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ [النساء/ 21]. وإذا كانت معاني هذه الأفعال على ما ذكرنا، فنصب ابن كثير لآدم ورفعه الكلمات «7» في المعنى، كقول من رفع آدم ونصب الكلمات. ومن حجّة من رفع: أنّ عليه الأكثر، ومما يشهد للرفع قوله: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [النور/ 15] فأسند الفعل إلى المخاطبين والمفعول به كلام يتلقّى، كما أنّ الذي تلقّاه آدم «8» كلام متلقّى. فكما أسند الفعل إلى المخاطبين، فجعل التلقّي

_ (1) في (ط): وتلقيت ولقيت. (2) في (ط): وتقول. (3) في (ط): وتلقاني زيد. (4) ورد عند زهير في ديوانه ص 300 وعند كعب بن زهير انظر ديوانه/ 257 وفيهما: لم تقصر. (5) في (ط): قال. (6) في (ط): وقال سبحانه. (7) في (ط): للكلمات. (8) في (ط): تلقى آدم من ربه.

لهم، كذلك يلزم أن يسند الفعل إلى آدم، فيجعل التّلقّي له دون الكلمات. ومن ذلك قول القائل: في آيات تلقّيتها عن عمّي، تلقّاها عن أبي هريرة. فجعل الكلام مفعولا به، وأسند الفعل إلى الآخذ له دون الكلام، فكذلك ينبغي أن يكون في الآية. ومما يقوّي الرفع في آدم أنّ أبا عبيدة قال في تأويل قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة/ 37] أي: قبلها «1». فإذا كان آدم القابل، فالكلمات مقبولة. ومثل هذه الآية في إسناد الفعل فيها مرّة إلى الكلمات ومرة إلى آدم قوله «2»: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة/ 124] وفي حرف عبد الله فيما قيل: (لا ينال عهدي الظالمون) فلمن رفع أن يقول: وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا [التوبة/ 120] فأسند الفعل إليهم، ولم يقل: ولا ينالهم من عدو نيل، والنّيل: يكون مصدرا كالبيع. ويكون الشيء الذي ينال، مثل الخلق، والصّيد، وضرب الأمير. وقوله: تفرجة القلب قليل النيل «3». يجوز أن يكون المعنى: قليل ما ينال، كما يقال: قليل الكسب، ويكون قليل النيل: قليل ما ينيل، وكلاهما ذمّ. وقال «4»: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران/ 92].

_ (1) مجاز القرآن 1/ 38. (2) في (ط): قوله تعالى. (3) بيت من الرجز في اللسان (فرج) و (ندل) أنشده ثعلب وبعده: يلقى عليه نيدلان الليل وتفرجة: جبان ضعيف- النيدلان: الكابوس، وقيل: هو مثل الكابوس. (4) في (ط): وقال تعالى.

البقرة: 48

وحجّة من قرأ بالنصب قوله: لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ [الأعراف/ 49] ولم يقل لا ينالون الله برحمة كما قال «1»: وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ [الحج/ 37] فكما أسند الفعل إلى التقوى دون اسم الله سبحانه، كذلك كان يمكن لا ينالون الله برحمة أي: مرحوما به، يرحمون عباده به، وكأنّ المعنى في: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها [الحج/ 37] لن ينال قربة الله أو ثواب الله قربة لحومها ودمائها، أو ثوابهما، لأن ذلك ليس بقربة على حدّ ما يتقرّبون به، ويتنسّكون فلا يقبله، ولا يثيب عليه، من حيث كان معصية، ولكن يقبل من ذلك ما كان عن تقوى الله وطاعته دون ما كان من المعاصي التي قد كرهها ونهى عنها. وكأنّ المراد بينال: معنى القبول. كما قال: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ [التوبة/ 104] فمعنى قبوله التوبة أن يبطل به ما كان يستحقّ من العقوبات التي تكفّرها التوبة، وأخذ الصّدقات هو الجزاء عليها والإثابة من أجلها. [البقرة: 48] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: ولا تقبل منها شفاعة [البقرة/ 48]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا تقبل بالتّاء. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ: وَلا يُقْبَلُ بالياء. وروى يحيى بن آدم وابن أبي أميّة والكسائي وغيرهم عن أبي بكر وحفص عن عاصم بالياء. وروى الحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم بالتاء «2».

_ (1) في (ط): وقال تعالى. (2) كتاب السبعة ص 154.

قال أبو عليّ «1»: المعنى في قوله: لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ. لا يقبل فيه منها شفاعة، فمن ذهب إلى أن (فيه) محذوفة من قوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ [البقرة/ 48] جعل (فيه) محذوفة بعد قوله: يقبل. ومن ذهب إلى أنه حذف الجارّ وأوصل الفعل إلى المفعول، ثم حذف الرّاجع من الصّفة. كما يحذف من الصّلة، كان مذهبه في قوله: لا يُقْبَلُ أيضا مثله. وحذف الهاء من الصفة يحسن، كما يحسن حذفها من الصلة، ألا ترى أن الفعل لا يتسلّط بحذف المفعول منه على الموصوف كما لا يتسلّط بذلك على الموصول؟ فممّا حذف منه الراجع من الصّفة قوله «2»: وما شيء حميت بمستباح وقول الأسود بن يعفر: وفاقر مولاه أعارت رماحنا ... سنانا كقلب الصّقر في الرّمح منجلا «3»

_ (1) سقطت من (ط). (2) عجز بيت لجرير يمدح عبد الملك وصدره: أبحت حمى تهامة بعد نجد يريد عبد الله بن الزبير وقتله إياه، وغلبته على ما كان في يديه. انظر شرح أبيات المغني الشاهد 741 وديوان جرير 1/ 89. (3) الفقر: حزّ أنف البعير الصعب بحديدة حتى يخلص إلى العظم، أو قريب منه، ثم يلوى عليه جرير لتذليله وترويضه (التاج فقر).

فالهاء العائدة إلى المنكور الموصوف محذوفة، وهي المفعول الأوّل لأعارت. وموضع الجملة جرّ، كما أن موضع الجملة التي هي تقبل نصب بالعطف على الجملة التي هي وصف قبلها «1». ومن الحذف قوله «2»: تروّحي أجدر أن تقيلي ... غدا بجنبي بارد ظليل المعنى: تأتي مكانا أجدر أن تقيلي فيه. فحذف الجارّ، فوصل الفعل ثم حذف الضمير. وممّا لم يحذف فيه الرّاجع من الصفة قوله «3»: في ساعة يحبّها الطّعام وهذا في المعنى قريب من قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ [المؤمن/ 18]. فالمعنى: ما للظالمين فيه من حميم ولا شفيع يطاع، وليست الجملة التي هي: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ صفة كما

_ (1) في (ط): لما قبلها. (2) الرجز لاحيحة بن الجلاح يخاطب فسيلا. تروح النبت إذا طال. تقيلي: من القيلولة، كنى به عن النمو والزهو.- المحتسب 1/ 212 - أمالي ابن الشجري 1/ 343 - العيني 4/ 36، التصريح 2/ 103 - الأشموني 3/ 46. (3) ورد في المخصص 12/ 243 - و 14/ 875 - والكامل/ 34. ولم يذكر قائله. وقوله: يحبّها، أي: يحب فيها. وقبله في الكامل: قد صبّحت صبّحها السلام ... بكبد خالطها سنام

كانت في الآية الأخرى صفة. ومثل ذلك قوله: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ [الدخان/ 41 - 42]. وقبول الشيء: هو تلقّيه والأخذ به وخلاف الإعراض عنه، ومن ثم قيل لتجاه الشيء: قبالته، وقالوا: أقبلت المكواة الداء، أي: جعلتها قبالته. قال «1»: وأقبلت أفواه العروق المكاويا ويجوز أن يكون المخاطبون بذلك اليهود، لأنهم زعموا أن آباءها الأنبياء تشفع لها، فأويسوا من ذلك. وقريب من هذا قوله: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [المائدة/ 18]. فأما الشفاعة فنراها من الشّفع الذي هو خلاف الوتر، قال «2»: وأخو الأباءة إذ رأى خلّانه ... تلّى شفاعا حوله كالإذخر فكأنه سؤال من الشفيع، يشفع سؤال المشفوع له. وليس معنى لا تقبل منها شفاعة أنّ هناك شفاعة لا تقبل، ألا

_ (1) عجز بيت لابن احمر وصدره في (شعره/ 171): شربت الشّكاعى والتددت ألدّة والألدة ج لدود وهو ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم، وقد لدّ الرجل، والتدّ هو. والشكاعى: نبت يتداوى به (اللسان: لدد وشكع). (2) البيت لأبي- كبير الهذلي. والإذخر: حشيش طيب الريح. والأباءة: الأجمة. وتلّى: صرعى، شفاعا: اثنين اثنين، يريد: قتلى كثيرة. انظر ديوان الهذليين من 2/ 103 - شرح السكري 3/ 1083 - اللسان: مادة (ذخر).

ترى أن في قوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ، ارْتَضى [الأنبياء/ 28] انتفاء الشفاعة عمن سوى المرتضين، فإذا كان كذلك، كان المعنى لا تكون شفاعة فيكون لها قبول، كما أن قوله: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة/ 273] معناه: لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف، كقوله: على لا حب لا يهتدى لمناره ... إذا سافه العود الدّيافيّ جرجرا «1» وقوله «2»: لا يفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الضبّ بها ينجحر «3»

_ (1) البيت لامرئ القيس ديوانه/ 89، دياف: موضع في البحر، وهي أيضا قرية بالشام. اللاحب: الطريق الواضح. منار: ج منارة. وأصلها منورة، وسمي بذلك لأنها في الأصل كل مرتفع عليه نار. سافه: شمّه. والعود: البعير الهرم- والجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته. وقوله: لا يهتدي لمناره، لم يرد أن فيه منارا لا يهتدى به، ولكنه نفى أن يكون به منار، والمعنى: لا منارة به فيهتدى به. اللسان/ ديف/ الخزانة 4/ 273. (2) البيت لعمرو بن أحمر في وصف فلاة- الخزانة 4/ 273 وشعره ص 67. المعنى: نفى أن يكون في الفلاة حيوان. (3) ورد في هامش (ط) ما يلي: «ومثل ذلك قول أبي ذؤيب الهذلي: متفلق أنساؤها عن قانئ ... كالقرط صاو غبره لا يرضع أي ليس ثم غبر فيكون رضاع». والبيت في شرح السكري 1/ 35 والقانئ: الضرع كان أسود فاحمر فإذا ذهب لبنه اسود، صاو: يابس، كالقرط: أي الضرع كأنه قرط في صغره، والغبر: بقية اللبن. لا يرضع أي أنها لم تحمل قط أي ليس فيه لبن يشرب.

فأما قوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى [النجم/ 26] فالمعنى: لا تغني شفاعتهم أن لو شفعوا، ليس أنّ هناك شفاعة مثبتة، ومثله: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ/ 23] ومثله: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا [طه/ 109] فأطلق على المعنى الاسم، وإن لم يحدث كما قال «1»: لما تذكّرت بالدّيرين أرّقني ... صوت الدّجاج وقرع بالنّواقيس والمعنى: انتظار أصواتها، فأوقع عليه الاسم، ولمّا يكن. فإضافة الشفاعة إليهم كإضافة الصوت إليها. ويدلك على أن المعنى في قوله: لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ ما ذكرنا، الآية التي تقدم ذكرها. وقوله «2»: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ [النبأ/ 38] والشفاعة: كلام. فأما قوله: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى [النجم/ 26] فالمعنى: لمن يشاء شفاعته على إضافة المصدر إلى المفعول به، الذي هو مشفوع له، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار اللفظ: لمن يشاؤه. أي يشاء شفاعته، ثم حذف الهاء من الصلة. فأما قوله: ويرضى. فتقديره: يرضاه «3»، كما أنّ قوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الأنبياء/ 28] العائد منه إلى الموصول محذوف،

_ (1) انظر ص/ 39 من هذا الجزء. (2) في (ط): قوله تعالى. (3) في (ط): ويرضاه.

فكذلك العائد من يرضى. وأما قوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس/ 18] فإنما يعنون بقولهم: عند الله، في البعث. لأن منهم من قد كان معترفا «1» بالبعث والنشور كالأعشى «2» في قوله: بأعظم منك تقى للحساب ... إذا النّسمات نفضن الغبارا وقول زهير «3»: يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر ... ليوم الحساب أو يعجّل فينقم «4» وقد كذّبهم الله في قولهم ذلك بقوله: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [يونس/ 18] وقوله: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الأحقاف/ 60]. فالمصدر مضاف إلى الفاعلين، والمعنى: كانوا «5» بعبادتهم إياها كافرين. ومثل هذا قوله: وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ [يونس/ 28] فالشركاء في هذه الآية هم الآلهة التي كانوا يعبدونها. وكذلك في قوله:

_ (1) في (ط): يعترف. (2) ديوانه/ 53 - وفيه: (تقى في الحساب) النسيم: نفس الريح إذا كان ضعيفا (اللسان). (3) في (ط): وقوله. (4) انظر معلقة زهير بن أبي سلمى: ديوانه ص 18 وجمهرة أشعار العرب/ 107. (5) في (ط): وكانوا.

وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ، قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ [النحل/ 86] فإنما أضيف الشركاء إلى الذين أثبتوهم شركاء لادّعائهم شركتهم للقديم سبحانه وتعالى عن ذلك. وقد جاء إضافة هؤلاء الشركاء أيضا إلى الله تعالى «1» في قوله: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي [فصلت/ 47] فهذا لم يثبت به شركاء الله تعالى «2»، وإنما أضافهم إليه على حسب ما كانوا يضيفونهم إليه، فحكى ذلك. وعلى هذا قوله: وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزخرف/ 49] وهذا مما يعلم به أنّ المضاف إذا كان له ضرب من الملابسة بالمضاف إليه، جازت إضافته إليه، وعلى هذا قوله: لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا «3» فأضاف الإناء إلى الشارب لشربه منه وإن كان ملكا للمشروب لبنه، أو في يده على غير وجه الملك.

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (ط): عز وجل. (3) عجز بيت لحريث بن عنّاب وصدره: إذا قال قطني قلت بالله حلفة انظر خزانة الأدب 4/ 580 شرح شواهد المغني 4/ 276 ابن يعيش 3/ 8 مجالس ثعلب 606. قال السيد في شرح المفتاح: فيه استشهادان، أحدهما: أن الإناء للمضيف، وقد أضافه إلى الضيف لملابسته إياه في شربه منه، وفي جعل هذه الملابسة بمنزلة الاختصاص الملكي مبالغة في إكرام الضيف واللطف. والثاني: أن ذا بمعنى صاحب، وأريد به اللبن، وأضيف إلى الإناء لملابسته إياه لكونه فيه، فهذه أيضا إضافة لأدنى ملابسة (الخزانة 4/ 583 شرح أبيات المغني 4/ 279).

ومن ذلك قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ، قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً [الزمر/ 43 - 44] فهذا مثل قوله: وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس/ 18]. وقوله: «1» قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً معناه: «2» في الآخرة. وإنما نسبت الشفاعة إليه سبحانه إبطالا لشفاعة من ادّعيت شفاعتهم لهم من الآلهة، ونفيا لها، وإعلاما أن الملائكة في الآخرة لا يشفعون إلا لمن أذن لهم في الشفاعة له، فنسبت الشفاعة إلى الله لمّا لم تكن إلا بأمره وإذنه فيها، وإن كانت الملائكة فاعليها في الحقيقة، فأما في الدنيا فقد تكون الشفاعة لغير الله. والضمير في (منها) من قوله: ولا تقبل منها عائد إلى نفس على اللفظ، وفي «3» قوله: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ على المعنى، لأنه ليس المراد المفرد فلذلك جمع. فأما حجة من قال: ولا تقبل فألحق علامة التأنيث، فهي أنّ الاسم الذي أسند إليه هذا الفعل مؤنّث، فيلزم أن يلحق المسند أيضا علامة التأنيث، ليؤذن لحاق العلامة بتأنيث الاسم، كما ألحق الفصل حيث ألحق، ليؤذن بأنّ الخبر معرفة أو قريب من المعرفة «4». ومما يقوي ذلك أن كثيرا من العرب إذا أسندوا الفعل إلى المثنى أو المجموع، ألحقوه علامة التثنية أو الجمع كقوله «5»:

_ (1) في (ط): وقوله تعالى. (2) في (ط): فهذا معناه الشفاعة في الآخرة. (3) في (ط): في. (4) في (ط): قريب منها. (5) قطعة من بيت لعمرو بن ملقط وتمامه: ألفيتا عيناك عند القفا ... أولى فأولى لك ذا واقيه وهو الإنشاد 599 من قصيدة أوردها البغدادي في شرح أبيات المغني 2/ 361.

ألفيتا عيناك .... وقوله: ... يعصرن السّليط أقاربه «1» فكما ألحقوا هاتين العلامتين لتؤذنا بالتثنية والجمع، كذلك ألحقت علامة التأنيث الفعل ليؤذن بما في الاسم منه، وكانت هذه العلامة أولى من لحاق علامتي التثنية والجمع، للزوم علامة التأنيث الاسم، وانتفاء لزوم هاتين العلامتين الاسم، وبحسب لزوم المعنى تلزم علامته، ألا ترى أن ما لا يلزم في كلامهم قد لا يعتدّ به اعتداد اللازم، كالواو الثانية في قوله: (ووري) فبحسب لزوم علامة «2» التأنيث الاسم «3» يحسن إلحاقه الفعل، وقد قال: «4» فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [الحجر/ 73]. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ [المؤمنون/ 41]. فكما تثبت العلامة في هذا النحو، كذلك ينبغي أن تثبت في نحو قوله: تَقَبَّلْ. ومن حجة من لم «5» يلحق: أن التأنيث في الاسم ليس بحقيقي، وإذا كان كذلك حمل على المعنى فذكّر، ألا ترى أن الشفاعة والتشفّع بمنزلة، كما أن الوعظ والموعظة، والصيحة والصوت كذلك، وقد قال «6»: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [البقرة/ 275] وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ [هود/ 67]. فكما لم تلحق العلامة هنا «7»، كذلك يحسن أن لا تلحق في

_ (1) قطعة من بيت للفرزدق سبق في الجزء الأول ص 99. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): في الاسم. (4) في (ط): قال تعالى. (5) في (ط): لا. (6) في (ط): قال تعالى. (7) في (ط): هاهنا.

قوله: ولا تقبل لاتفاق الجميع في أن ذلك تأنيث غير حقيقي. وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل كما رأيت. ومما يقوّي التّذكير أنه قد فصل بين الفعل والفاعل بقوله: مِنْها. والتذكير يحسن مع الفصل، كما حكي من قولهم: حضر القاضي اليوم امرأة. فإذا جاء التذكير في الحقيقي مع الفصل فغيره أجدر بذلك. فأما ما قاله أحمد بن يحيى: من أن التذكير أجود لقول ابن مسعود: «ذكّروا القرآن» فإنّ قول ابن مسعود لا يخلو من أن يريد به التذكير الذي هو خلاف التأنيث، أو يريد به معنى غير ذلك «1». فإن أراد به خلاف التأنيث، فليس يخلو من أن يريد «2»: ذكّروا فيه التأنيث الذي هو غير حقيقي، أو التأنيث الذي هو حقيقي، فلا يجوز أن يريد التأنيث الذي هو غير حقيقيّ لأن ذلك قد جاء منه في القرآن ما يكاد لا يحصى «3» كثرة، كقوله: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ [الأنعام/ 32] وكقوله: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ [الحج/ 72] وقوله «4»: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [القيامة/ 29] و: قالَتْ رُسُلُهُمْ [إبراهيم/ 10] و: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الحاقة/ 7] وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ق/ 10] وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ [المؤمنون/ 20] يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ [الرعد/ 12]. فإذا ثبت هذا النحو في القرآن على الكثرة التي تراها، لم يجز أن يريد هذا. وإذا لم يجز أن يريد ذلك، كان إرادته به

_ (1) قال في اللسان (ذكر) وفي الحديث: القرآن ذكر فذكروه، أي أنه جليل خطر فأجلّوه. (2) في (ط): يريد به. (3) في (ط): ما لا يكاد يحصى. (4) في (ط): وقوله تعالى.

التأنيث الحقيقيّ أبعد، كقوله: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ [آل عمران/ 35] وقوله: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ [التحريم/ 12] وكانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما [التحريم/ 10] وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ [القصص/ 11]. فإن قلت: إنّما يريد: إذا احتمل الشيء التأنيث والتذكير، فاستعملوا التذكير وغلّبوه. قيل: هذا أيضا لا يستقيم، ألا ترى أن فيما تلونا: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ وكَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فأنّث مع جواز التذكير فيه، يدلك على ذلك قوله في الأخرى: أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر/ 20] وقوله: مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً [يس/ 80] ولم يقل: الخضر ولا الخضراء، وقوله: السَّحابَ الثِّقالَ ولم يقل: الثقيل، كما قال: مُنْقَعِرٍ. فهذه المواضع يعلم منها أنّ «1» ما ذكرت ليس بمراد ولا بمذهب. فإذا لا يصحّ «2» أن يريد بقوله: «ذكّروا القرآن». التذكير الذي هو خلاف التأنيث، وإذا لم يرد ذلك، كان معنى غيره. فممّا يجوز أن يصرف إليه قول ابن مسعود، أنه يريد به الموعظة والدعاء إليه، كما قال: فذكر بالقرآن من يخاف وعيدى «3» [ق/ 45] إلا أنّه حذف الجار، وإن كان قد ثبت في الآية، وفي قوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم/ 5] على القياس الذي ينبغي أن يكون عليه، ألا ترى أنك تقول: ذكر زيد العذاب والنار. فإذا ضعّفت العين، قلت: ذكّرت زيدا

_ (1) في (ط): أن منها أنّ. (2) في (ط): فإذا لم يصح لم يصح. (3) وعيدي: قراءة ورش، بإثبات الياء في الوصل (الكشف 2/ 286 والنشر 2/ 376).

العذاب، وذكّرته النار. فإذا ألحقت الجارّ كان كقوله: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة/ 195] وإذا حذف كان كقوله: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ [النحل/ 15] فمما جاء بغير الجار قولها «1»: يذكّرني طلوع الشّمس صخرا ... وأذكره لكلّ غروب شمس ومما يدل على صحة ما ذكرنا من أن الأصل أن لا يلحق الجار، أن النسيان الذي هو خلاف الذكر، لمّا نقل بالهمزة التي هي في حكم تضعيف العين، لم تلحق الباء المفعول الثاني، وذلك قوله «2»: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف/ 62] ويمكن أن يكون معنى قوله: «ذكّروا القرآن» أي «3»: لا تجحدوه ولا تنكروه، كما أنكره من قال فيه: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل/ 24] لإطلاقهم عليه لفظ التأنيث، فهؤلاء لم يذكّروه، لكنّهم أنّثوه بإطلاقهم التأنيث على ما كان مؤنث اللفظ، كقوله: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً [النساء/ 117] فإناث جمع أنثى، وإنما يعني به «4» ما اتخذوه آلهة، كقوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [النجم/ 19، 20]. وقال العجّاج «5» في صفة المنجنيق: أورد حذّا تسبق الأبصارا وكلّ أنثى حملت أحجارا

_ (1) البيت للخنساء ديوانها/ 89. (2) في (ط): قوله تعالى. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) ديوانه 2/ 116، 117. وقوله حذّا: يعني سهاما يسبقن الموت والحذّ: البتر: يعني السهام البتر. الأنثى: يعني المنجنيق.

البقرة: 51

فسمّاها أنثى، لتأنيثهم للفظها، وكذلك قول الفرزدق «1»: وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه ... ضربناه تحت الأنثيين على الكرد والأنثيان يريد بهما: الأذنين، وهذا النحو كثير في كلامهم. [البقرة: 51] اختلفوا في إلحاق الألف وإخراجها من قوله تعالى: وإذ وعدنا [البقرة/ 51] ووعدناكم [طه/ 80] فقرأ أبو عمرو وحده ذلك كلّه بغير ألف، وقرأ الباقون ذلك كلّه بالألف «2». قال أبو علي: قالوا: وعدته، أعده، وعدا، وعدة، وموعدا وموعدة. قال «3»: إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ [التوبة/ 114] وجاء وعد في الخير والشر. قال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [المائدة/ 9] وقال «4»: أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً [طه/ 86] فتقول على هذا: وعدته خيرا. وقال «5»: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحج/ 72] فتقول على هذا: وعدته شرّا. وقال «6»: وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً «7» [الكهف/ 59]

_ (1) رواية الديوان/ 210: وكنا إذا القيسي هب عتوده ... ضربناه فوق الأنثيين على الكرد وفي اللسان (نبب): نب عتوده، يقال: نب عتود فلان إذا تكبر. والعتود: الجدي الذي بلغ السفاد. والكرد: العنق أو أصل العنق. (2) كتاب السبعة 154. (3) في (ط): قال الله تعالى. (4) في (ط): وقال عز وجل. (5) في (ط): وقال عز وجل. (6) في (ط): وقال تعالى. (7) في البحر المحيط 6/ 140 قرأ الجمهور بضم الميم وفتح اللام واحتمل أن يكون مصدرا مضافا إلى المفعول وأن يكون زمانا.

فالموعد: مصدر وعد، وهو في الإهلاك. فأما الإيعاد فإنه يكون في التهديد، قال «2»: أوعدني بالسّجن والأداهم وقال «3»: وموعدنا بالقتل يحسب أنّه ... سيخرج منّا القتل ما القتل مانع والوعيد: نحو من الإيعاد في أنه تهديد بشرّ، قال «4»: ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي [إبراهيم/ 14] وقال فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي [ق/ 45] وقال أحمد بن يحيى: أوعدته، وتسكت. أو تجيء بالباء: أوعدته بشرّ، ولا تقول: أوعدته الشرّ. قال أبو علي: ولا يمتنع في نحو هذا في القياس أن يحذف الحرف فيصل الفعل، ويدلّ على ذلك ما قدمناه «5». من قوله: أوعدني بالسجن، فأما الميعاد في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ [آل عمران/ 9] فإن هذا البناء قد جاء في

_ (2) البيت للعديل بن الفرخ- الخزانة 2/ 366 التصريح 2/ 160 ابن يعيش 3/ 70، وبعده: رجلي ورجلي شثنة المناسم (3) البيت لابن كراع ومعناه: يحسب أننا سنذل إذا قتل منا، والقتل يمنع أن نذل، لا نزداد على القتل إلا عزة. انظر المعاني الكبير 2/ 903. (4) في (ط): قال تعالى. (5) في (ط): ما قدمنا.

الأسماء والصفات، فالاسم نحو: المصباح والمفتاح. والصفة نحو: المطعان، والمطعام. والميعاد «1»: اسم، كما أن الميقات كذلك، وليس يخلو من أن يكون من أوعد، أو وعد. فإن كان من أوعد، فإن أوعد تختصّ «2» بالتهديد. وإن كان من وعد في التهديد وخلافه كما تقدم ذكره، فلا إخلاف «3» للميعاد، وقد أوقع على الإخلاف الكذب. أنشد أبو عبيدة «4»: أتوعدني وراء بني رياح ... كذبت لتقصرنّ يداك دوني فإن قلت: إن التكذيب واقع في الاستفهام، والاستفهام لا يحتمل الصدق ولا الكذب. فإن هذا الاستفهام تقرير والتّقرير عندهم مثل الخبر، ألا ترى أنهم لم يجيبوه بالفاء كما لم يجيبوا الخبر، وقد قال: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ. ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق/ 28، 29] وأما الموعود فصفة قال «5»: لعلّك والموعود حق لقاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء التقدير: الأمر الموعود حق لقاؤه.

_ (1) في (ط): فالميعاد. (2) في (ط): يختص. (3) في (ط): بلا إخلاف. (4) البيت لجرير يهجو فضالة حين توعده بالقتل. انظر ديوانه/ 577. (5) البيت لمحمد بن بشير الخارجي- وكان رجل قد وعده قلوصا فمطله، فقال ذلك يذمه. الأغاني 4/ 157 - الأمالي 2/ 71 - الخصائص 1/ 340.

ومن جوّز مجيء المصدر على مفعول، جاز عنده أن يكون الموعود مثل الوعد. وقولهم «1»: وعدت «2»: فعل يتعدى إلى مفعولين يجوز فيه الاقتصار على أحدهما كأعطيت، وليس كظننت، قال: وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ [طه/ 80] فجانب مفعول ثان، ولا يكون ظرفا لاختصاصه، والتقدير: وعدناكم «3» إتيانه، أو مكثا فيه، وكذلك قول الشاعر «4»: فواعديه سرحتي مالك إنما هو: واعديه «5» إتيانهما أو مكثا عندهما، أو نحو ذلك من الأحداث التي يقع الوعد عليها دون الأعيان، فأما قوله «6»: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها [الفتح/ 20] فإن المغنم يكون الغنم كما أنّ المغرم يكون الغرم في قوله «7»: فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ [ن/ 46] فإن قلت فقد قال: تَأْخُذُونَها والغنم الذي هو حدث لا يؤخذ، إنما يقع الأخذ على الأعيان دون المعاني. فالقول: إنه قد يجوز أن يكون المغنوم الذي هو العين، سمي باسم المصدر مثل الخلق والمخلوق، ونحو ذلك. وأنشد أحمد بن يحيى «8»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): وو عدت. (3) في (ط): ووعدناكم. (4) صدر بيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه 349 مع اختلاف في الرواية وعجزه: أو الرّبى بينهما أسهلا وهو من شواهد سيبويه 1/ 143 والخزانة 1/ 280 واللسان (وعد). والسرحة: الشجرة. (5) في (ط): عديه. (6) في (ط): قوله عز وجل. (7) في (ط): قوله عز وجل. (8) البيت في اللسان (ضمن) أنشده ابن الأعرابي وفسره ثعلب فقال: معناه:

ضوامن ما جار الدّليل ضحى غد ... من البعد ما يضمن فهو أداء أي: مؤدّى أو ذو أداء. وجمعك للمغانم، وهو مصدر، إنما هو كالمذاهب والمجاري، ونحو ذلك من المصادر المجموعة، فإذا كان كذلك وجب أن تقدّر مضافا محذوفا، كأنه: وعدكم الله تمليك مغانم أو إيراثها، وكذلك لو جعلت المغنم اسما للأعيان المغنومة كالأموال والأرضين. فأما قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ [المائدة/ 9] وقوله «1»: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ثم قال: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ [النور/ 55] فإن الفعل لم يعدّ فيه إلى مفعول ثان وقوله «2»: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ولَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ تفسير للوعد وتبيين له، كما أنّ قوله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء/ 11] تفسير للوصية في قوله «3»: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء/ 11]. وأما قوله: أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً [طه/ 86] وقوله: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ [إبراهيم/ 22] فإنّ هذا ونحوه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون انتصاب الوعد بالمصدر. ويجوز أن يكون انتصابه بأنّه المفعول الثاني. وسمّي الموعود به الوعد، كما سمّي المخلوق بالخلق، فإذا حملته على هذا فينبغي أن تقدر حذف المضاف، ويؤكّد الوجه الأول قوله:

_ إن جار الدليل فأخطأ الطريق، ضمنت أن تلحق ذلك في غدها وتبلغه. ثم قال: ما يضمن فهو أداء، أي: ما ضمنه من ذلك لركبها وفين به وأدينه. (1) في (ط): وقوله عز وجل. (2) في (ط): ولكن قوله عز وجل. (3) في (ط): قوله عز وجل.

أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً [طه/ 86]. وأما قوله: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ [الأنفال/ 7] فإن إحدى الطائفتين في موضع نصب بأنه المفعول الثاني، وأنها لكم: بدل منه، والتقدير: وإذ يعدكم الله ثبات إحدى الطّائفتين أو ملك إحدى الطائفتين. ونحو هذا مما يدل عليه (لكم) ألا ترى أنّ (أنّ) وما بعدها في تأويل المصدر، والطائفتان: العير والنفير. وأما قوله «1»: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً الآية «2» [المؤمنون 35] فمن قدر في أن الثانية البدل. فإنه ينبغي أن يقدر محذوفا ليتم بذلك الكلام، فيصح البدل، فيكون التقدير عنده: أيعدكم أن إخراجكم إذا متم، ليكون اسم الزمان خبرا عن الحدث المراد، إذ لا يصح أن يكون خبرا عن المخاطبين من حيث كانوا أعيانا، فيكون أَنَّكُمْ الثانية بدلا من الأولى. ومن قدّر في الثانية التكرير لم يحتج إلى تقدير محذوف، ومن رفع أَنَّكُمْ الثانية بالظّرف- كأنه قال: أيعدكم أنكم يوم الجمعة إخراجكم- لم يحتج إلى ذلك أيضا وقد قلنا فيها في مواضع من مسائلنا. وأما قوله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ [التوبة/ 114] فالجملة في موضع جرّ لأنها صفة للنكرة وقد عاد الذكر منها إلى الموصوف، والفعل متعدّ إلى مفعول واحد ألا ترى أن الذكر يعود إلى المصدر، وقد «3» قال

_ (1) في (ط): قوله عز وجلّ. (2) وتمامها: (وعظاما أنكم مخرجون). (3) في (ط): فقد.

إبراهيم لأبيه: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي «1» [مريم/ 47]، وقال وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء/ 86] وقال: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ [إبراهيم/ 41] وقال: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى قوله إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة/ 4]. والمعنى: لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة في تبرّئهم من كفار قومهم، وإن كانوا ذوي أنساب منهم وأرحام، فتأسّوا بهم في ذلك، ألا تراه قال «2»: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ [المجادلة/ 22] وقال: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران/ 28] وقال: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة/ 51] فالمعنى: تأسّوا بإبراهيم وبقومه في معاداتهم لأنسبائهم وذوي قرابتهم، وترك موالاتهم لهم لمخالفتهم إياهم في دينهم وكفرهم. فأما استغفار إبراهيم لأبيه مع أنه كان مخالفا له في التوحيد، فلا ينبغي لكم أن تستغفروا لمن كفر من آبائكم كما استغفر، لأن الاستغفار كان منه «3» بشرط وعلى تقييد، فلا تطلقوا أنتم ذلك لمن خالفكم في توحيد الله «4»، فإنّ استغفاره لأبيه كان مقيّدا، وإن كان قد جاء مطلقا في بعض المواضع،

_ (1) في (ط): وردت الآية: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة/ 4]. (2) في (ط): قال تعالى. (3) في (ط): منه كان. (4) في (ط): الله عز وجل.

فإنه إنما كان من إبراهيم على التقييد الذي جاء في مواضعه. وقال: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها [الكهف/ 21] فالمعنى فيه، وفي قوله: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها [الجاثية/ 32]: أنّ وعد الله بالبعث حق في نحو قوله: قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن/ 7] فإذا عاينوا ذلك وشاهدوه وجب أن يعلموا: أن الذي وعدوا به من البعث والنشور بعد الموت، مثل الذي عاينوه، فيلزمهم الاعتراف به لمشاهدتهم له وعلمهم إياه من الوجه الذي لا يدخله ارتياب ولا تشكّك، والساعة لا ريب فيها، لأنها إنما هي يوم البعث، وقد علموا البعث والإحياء بعد الموت على ما ذكرناه «1». ومثل هذه قوله «2»: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة/ 73] المعنى: فقلنا: اضربوا المقتول ببعض البقرة، فضربوه به فحيي، كذلك يحيي الله الموتى، أي: يحييهم للبعث مثل هذا الإحياء الذي عوين وشوهد، ومثل ذلك، إلّا أنه في النبات قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى [الأعراف/ 57] وقوله: بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً [الكهف/ 48] أي: موعدا للبعث، فجحدتم ذلك فقال «3»: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام/ 134] وقال «4»: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف/ 58] وقال: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج/ 2] وقال: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا [الأنبياء/ 104]

_ (1) في (ط): ذكرنا. (2) في (ط): قوله عز وجل. (3) في (ط): فقال تعالى. (4) في (ط): وقال تعالى.

دل قوله «1»: نُعِيدُهُ «2» على وعد فانتصب الوعد لدلالة الإعادة عليه في قياس قول سيبويه. فأما قوله «3»: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة/ 235] فالمعنى: لا تصرّحوا للمعتدة بلفظ النكاح والتزويج، ولكن عرّضوا به، ولا تصرحوا، وذلك نحو ما حدّثنا أحمد بن محمد البصري: قال: حدثنا المؤمّل بن هشام، قال: حدثنا إسماعيل بن عليّة عن ليث عن مجاهد في قوله: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ [البقرة/ 235] قال: يقول: إنك لجميلة، وإنّك لنافقة، وإنك إلى خير «4». وقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً [البقرة/ 235] أي: معروفا منه الفحوى، والمعنى دون التصريح ويكون: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً فتعرّضوا بذلك، لأن التصريح به مزجور عنه، فهو منكر غير معروف. فأما قوله «5»: وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة/ 51] فليس يخلو تعلّق الأربعين بالوعد من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان، فلا يجوز أن يكون ظرفا، لأن الوعد ليس فيها كلها، فيكون جواب كم، ولا في بعضها، فيكون كما يكون جوابا لمتى، وإنما الموعد تقضّي الأربعين، فإذا لم يكن ظرفا، كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني. والتقدير: وعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أو: تتمة

_ (1) في (ط): أن قوله. (2) في (ط): نعيده وعدا. (3) في (ط): قوله تعالى. (4) انظر تفسير مجاهد 1/ 110. (5) في (ط): قوله عزّ وجلّ.

أربعين ليلة، فحذفت المضاف، كما تقول: اليوم خمسة عشر من الشهر، أي: تمامه، وفسّر أن الأربعين: ذو القعدة، وعشر من ذي الحجّة. ومثل ذلك في المعنى قوله: وَواعَدْنا «1» مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف/ 142] أي: انقضاء ثلاثين «2» وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف/ 142] فالميقات هو الأربعون، وإنما هو ميقات وموعد، لما روي من أن القديم سبحانه وعده أن يكلّمه على الطور. فأما انتصاب الأربعين في قوله: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف/ 142] فكقولك: تم القوم عشرين رجلا، والمعنى: تم القوم معدودين هذا العدد، وتم الميقات معدودا هذا العدد وقد جاء الميقات في موضع الميعاد، كما جاء الوقت في موضع الوعد في قوله: إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر/ 38] ومما يبين تقاربهما قوله: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف/ 142] وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا [الأعراف/ 143] وفي الأخرى وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة/ 51] وقال: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج/ 2] وقال: إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر/ 38] وقال: إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة/ 50]. فإن قلت: لم لا يكون الوقت في قوله: إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الوقت الذي يراد به الزمان، كقولك: هذا وقت قدوم الحاج، تريد به: الأوان الذي يقدمون فيه؟

_ (1) في (ط): وواعدنا. (2) في (ط): ثلاثين ليلة.

فإنّ ذلك يبعد. ألا ترى أن اليوم لا يخلو من أن تريد به وضح النهار، أو البرهة من الزمان، ولو قلت: برهة الزمان أو يوم الزمان، لم يكن ذلك بالسهل. وليس هذا كقوله «1»: ولولا يوم يوم .. ولا كقوله «2»: حين لا حين محنّ وأنت تريد به حين حين، لأن إضافة الاسمين هنا «3» كإضافة البعض إلى الكل. الحجة «4» لمن قرأ: واعَدْنا [البقرة/ 51] «5» أن يقول: قد ثبت أن الله تعالى «6» قد كان منه وعد لموسى «7»، ولا «8» يخلو موسى من أن يكون قد كان منه وعد، أو لم يكن. فإن كان منه وعد، فلا إشكال في وجوب القراءة بواعدنا. وإن لم يكن منه وعد، فإنّ ما كان منه من قبول الوعد والتّحرّي لإنجازه، والوفاء به، يقوم مقام الوعد، ويجري مجراه، فإذا كان كذلك كان بمنزلة الوعد، وإذا كان مثله، وفي حكمه، حسن القراءة بواعدنا، لثبات التواعد من الفاعلين، كما قال: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ [البقرة/ 235] لمّا كان الوعد من

_ (1) قطعة من بيت سبق ذكره في الجزء الأول ص 166. (2) جزء من بيت سبق في الجزء الأول ص 166. (3) في (ط): هاهنا. (4) في (ط): والحجة. (5) وهي قراءة مجاهد والأعرج وابن كثير ونافع والأعمش وحمزة والكسائي (انظر البحر المحيط 1/ 199). (6) في (ط): عزّ وجلّ. (7) في (ط): عليه السلام. (8) في (ط): فلا.

الخاطب والمخطوبة. ومما يؤكد حسن القراءة بواعدنا، أنّ «فاعل» قد يجيء من «1» فعل الواحد نحو: عافاه الله، وطارقت النعل، وعاقبت اللصّ. فإن كان الوعد من الله سبحانه، ولم يكن من موسى «2» كان من هذا الباب. وإن كان من موسى موعد، كان الفعل من فاعلين، فإذا كان منهما لم يكن نظر في حسن واعدنا. وحجة من قرأ وعدنا «3» بلا ألف قوله: «4» وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ [المائدة/ 9] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ [النور/ 55] وقال: أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً [طه/ 86] وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ [الأنفال/ 7] إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ [إبراهيم/ 22] وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها [الفتح/ 20]. فكلّ هذا وعد من الله «5» عباده، وهو على «فعل» دون «فاعل». فكذلك الموضع المختلف فيه، ينبغي أن يحمل على المتفق عليه، وعلى ما كثر في التنزيل من لفظ وعد دون واعد في هذا الموضع. واختلفوا في قوله تعالى «6»: اتَّخَذْتُمُ [البقرة/ 51] وأَخَذْتُمْ [آل عمران/ 81] ولَاتَّخَذْتَ [الكهف/ 77].

_ (1) في (ط): على. (2) في (ط): عليه السلام. (3) وهي قراءة أبي عمرو وحده كما تقدم ص 56. (4) في (ط): قوله تعالى. (5) في (ط): عزّ وجلّ. (6) في (ط): اختلفوا في قوله سبحانه.

فأظهر الذّال في ذلك كلّه ابن كثير وعاصم في رواية حفص، وأدغمها الباقون وأبو بكر بن عياش عن عاصم أيضا معهم «1». قال أبو زيد «2»: تقول: اتخذنا مالا، فنحن نتّخذه اتّخاذا، وتخذت اتخذ تخذا. قال أبو علي: اتّخذ: افتعل، وفعلت منه: تخذت، قال: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [الكهف/ 77] وقال «3»: وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ... نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق ولم أعلم تخذت تعدّى إلا إلى مفعول واحد، فأما اتّخذت فإنه في التعدي على ضربين: أحدهما: أن يتعدى إلى مفعول واحد. والآخر: أن يتعدى إلى مفعولين. فأمّا تعدّيه إلى مفعول واحد فنحو قوله: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان/ 27] وأَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ [الزخرف/ 16] وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً [طه/ 82] لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا [الأنبياء/ 17].

_ (1) السبعة 154. (2) في (ط): قال أبو علي قال أبو زيد. (3) البيت للممزّق العبدي واسمه شأس بن نهار. انظر اللسان (طرق) و (نسف). وانظر الحيوان 2/ 298، والخصائص 2/ 287. والنسيف: أثر ركض الرجل بجنبي البعير إذا انحص عنه الوبر، والغرز للناقة مثل الحزام للفرس. والأفحوص: المبيض، والمطرق: يقال طرقت القطاة: إذا حان خروج بيضها. وقد أورد ابن جني البيت شاهدا على أن تاء اتخذت ليست بدلا من شيء بل هي فاء أصلية بمنزلة اتبعت من تبع.

وأمّا ما تعدّى إلى مفعولين، فإن الثاني منهما الأول في المعنى قال «1»: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً [المجادلة/ 16]. وقال: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة/ 1] فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا [المؤمنون/ 110]. فأمّا قوله «2»: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة/ 125] فإن من أجاز زيادة (من) في الإيجاب، جاز على قوله أن يكون قد تعدى إلى مفعولين، ومن لم يجز ذلك، كان عنده متعديا إلى مفعول واحد. ونظير اتّخذ فيما ذكرناه من تعديه إلى مفعول واحد مرة، وأخرى إلى مفعولين الثاني منهما الأول في المعنى: «جعلت» قال: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام/ 1] أي: خلقهما. فإذا تعدى إلى مفعولين كان الثاني الأول في المعنى، كقوله: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس/ 87] وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص/ 41] وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [السجدة/ 24]. فعلى الخلاف الذي تقدم ذكره: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف/ 19]. فأمّا قوله: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ [البقرة/ 51]. وقوله: بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ [البقرة/ 54]، اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ [الأعراف/ 148] وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا [الأعراف/ 148]. فالتقدير في ذلك كله:

_ (1) في (ط): فقال. (2) في (ط): عزّ وجلّ.

اتخذوه إلها، فحذف المفعول الثاني، الدليل على ذلك: أن الكلام لا يخلو من أن يكون على ظاهره كقوله: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [العنكبوت/ 41] وقوله «1»: متّخذا من عضوات تولجا «2» أو يكون على إرادة المفعول، فلا يجوز أن يكون على ظاهره دون إرادة المفعول الثاني لقوله «3»: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الأعراف/ 152]، ومن صاغ عجلا، أو نجره، أو عمله بضرب من الأعمال، لم يستحقّ الغضب من الله «4»، والوعيد عند المسلمين. فإذا كان كذلك علم أنه على ما وصفنا من إرادة المفعول الثاني المحذوف في هذه الآي. فإن قال قائل: فقد جاء في الحديث «5»: «يعذّب المصوّرون يوم القيامة» وفي بعض الحديث: «فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم».

_ (1) سقطت من (ط). (2) البيت من رجز لجرير يهجو البعيث المجاشعي، وعضوات: جمع عضة وعضة جمع قلة والكثرة: عضاه، وهي كل شجر له شوك. وقد ورد في شرح ديوانه 1/ 187 برواية «ضعوات» بدل «عضوات». والضعوات: ج ضعة، وهو شجر في البادية، قيل: هو الثمام- والتولج: كناس الظبي. أو الوحش الذي يلج فيه، اللسان مادة (ولج) و (ضعا). (3) في (ط): عزّ وجلّ. (4) في (ط): الله عزّ وجلّ. (5) نص الحديث: «الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم» صحيح مسلم 3/ 1670 والبخاري في التوحيد 13/ 528. واللباس 5951.

قيل: «يعذّب المصورون» يكون على من صوّر الله تصوير الأجسام «1». وأما الزيادة فمن أخبار الآحاد التي لا توجب العلم، فلا يقدح لذلك في الإجماع على ما ذكرنا. ومن زعم أنّ «تخذت» أصله من: أخذت، لم يكن هذا القول بمستقيم ولا قريب منه، ولو قلب ذلك عليه لم يجد فصلا، ألا ترى أنّ الهمزة لم تبدل من التاء، ولا التاء أبدلت منها. فإن قلت: فلم لا يكون اتّخذت: افتعلت، من اخذت، كأنّ الهمزة لمّا أبدلت منها التاء لالتقائها مع همزة الوصل، أدغمت في التاء الزائدة كما أبدلوا في قولهم اتّسروا الجزور وإنما هو من اليسر «2»؟ فالقول: إنّ ما ذكرته من الإبدال لا يجوز في قياس قول أصحابنا، والذين أجازوا من ذلك شيئا لا ينبغي أن يجوز ذلك على قولهم، لاختلاف معنى الحرفين وقد قدمنا ذكر ذلك في ذكر قوله «3»: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة/ 3] «4».

_ (1) هذا التوجيه للحديث، وتخصيصه بمن صور الله- سبحانه- تصوير الأجسام، لا تعينه الأحاديث الواردة في الباب ولا يعضده شيء منها، بل هي صريحة في تصوير كل ذي روح من المخلوقات. قال ابن حجر في الفتح 10/ 384: واستدلّ به- أي بالحديث- أبو علي الفارسي في التذكرة على تكفير المشبهة فحمل الحديث عليهم، وأنهم المراد بقوله المصورون، أي الّذين يعتقدون أن لله صورة وتعقّب بالحديث الذي بعده في الباب: إن الّذين يصنعون هذه الصور يعذبون. (2) يسر القوم الجزور أي: اجتزروها واقتسموا أعضاءها. اللسان (يسر). (3) في (ط): قوله عز وجل. (4) انظر 1/ 214 وما بعدها.

فأما «أخذتم» فإن الأخذ قد استعمل منه فعل وفاعل وفعّل واستفعل: فأما فعل منه فيتصرّف على ضروب: منها: أنه يوجب الضّمان على المعترف به، كما يوجبه غصبت، يدلّ على ذلك ما أنشده أبو زيد «1»: أخذن اغتصابا خطبة عجرفيّة ... وأمهرن أرماحا من الخطّ ذبّلا فالقول في أخذن اغتصابا على ضربين: أحدهما: أن أخذن بمنزلة غصبن، فانتصب اغتصابا بعده، كما ينتصب باغتصبن، والآخر: أنه ينتصب بما يدل عليه أخذن من الاغتصاب، وما يدل على الغصب بمنزلته، وفي حكمه. ومنها: أن يدل على العقاب، كقوله «2»: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود/ 103] فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ [الأنعام/ 42] وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ «3» [هود/ 67] وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ [الأعراف/ 165] فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ [القمر/ 42].

_ (1) النوادر/ 208 ونسبه للرياحي. وفي اللسان بغير نسبة (مهر) والعجرفية: الجفوة في الكلام. (2) في (ط): كقوله عزّ وجلّ. (3) في (ط): وردت الآية (وأخذت الّذين ظلموا الصيحة) [هود/ 94].

ومنها: أن يستعمل للمقاربة، قالوا: أخذ يقول «1»، كما قالوا: جعل يقول، وكرب يقول، [وطفق يفعل] «2». ومنها: أن يتلقّى بما يتلقّى به القسم، نحو قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آل عمران/ 187]، وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ [البقرة/ 84]. ومن ذلك قوله: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة/ 93] فليس معنى هذا: تناولوه، كما تقول: خذ هذا الثوب، ولكن معناه: اعملوا بما أمرتم فيه، وانتهوا عمّا نهيتم عنه فيه بجدّ واجتهاد. ومثل أخذ في ما ذكرنا من معنى العقاب: «آخذ». قال: لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، [الكهف/ 58] وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر/ 45] لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [البقرة/ 286] لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ [البقرة/ 225]. وقال أبو زيد: إنّ الحمّى لتخاوذ فلانا. إذا كانت تأخذه في الأيام، وفلان يخاوذ فلانا بالزيارة «3»: إذا كان يتعهّده «4» بالزيارة في الأيام. والقول في ذلك: إنه ليس من الأخذ على القلب، ولو كان منه لكان يخائذ إذا حقّقت، فإذا خفّفت قلت يخايذ، فتجعلها بين بين، فإذا كانت من الواو، لم يكن منه. إلا أن أخذ قد جاء فيه لغتان في الفاء: الواو والهمزة «5»، كما

_ (1) في (ط): يقول كذا. (2) ما بين المعقوفتين سقطت من (م). (3) في (ط): يخاوذنا بالزيارة. (4) في (ط): يتعهدنا. (5) لم نجد في المعاجم وخذ بمعنى أخذ، ونصّ في التاج/ أخذ/ على أن الهمزة تبدل واوا في لغة اليمن في قوله: آخذه، فيقال: واخذه مؤاخذة.

جاء أكدت ووكّدت، وأوصدت وآصدت «1». وحكى أبو زيد في هذا الكتاب أيضا: وهو نابه ونبيه، أوسد فلان كلبه على الصيد يوسده إيسادا، وقد آسده إذا أغراه. فكذلك يكون «2» يخاوذ، كأنه قلبه عن وخذ، فثبتت الواو التي هي فاء في القلب، فصار يخاوذ: يعافل في القلب. وقال أبو زيد: في المصادر ائتخذنا في القتال، نأتخذ ائتخاذا. قال أبو علي: فهذا افتعل من الأخذ، ولا يجوز الإدغام في هذا، كما جاز في قولنا: اتخذنا مالا. وأما فعّل فقالوا: رجل مؤخّذ عن امرأته «3». وقال أبو حنيفة في الرجل المؤخّذ عن امرأته: يؤجّل كما يؤجّل العنّين «4». وللنساء كلام فيما زعموا يسمّينه الأخذ «5». وأما استفعل، فقال الأصمعي فيما روى عنه الزّياديّ الاستئخاذ: أشد الرّمد. وقال الهذليّ «6»:

_ (1) في (ط): آصدت وأوصدت. (2) سقطت من (ط). (3) المؤخذ: المحبوس. اللسان مادة (أخذ). (4) انظر فتح القدير، باب العنين وغيره 3/ 262. (5) الأخذ: جمع أخذة، من التأخيذ، وهو أن تحتال المرأة بحيل في منع زوجها من جماع غيرها، وذلك نوع من السحر. يقال: لفلانة أخذة تؤخّذ بها الرجال عن النساء. (6) أبو ذؤيب الهذلي- السكري 1/ 58 - اللسان (أخذ). المغضي: الذي كف من بصره- ويقال للرجل إذا اشتد رمده: قد استأخذ، وكسف: نكّس رأسه لما أخذ الرمد فيه من الحزن.

يرمي الغيوب بعينيه ومطرفه ... مغض كما كسف المستأخذ الرّمد كما كسف المستأخذ، أي: عين المستأخذ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. والرمد: الفاعل. ويجوز: كما كسف المستأخذ الرّمد، أي: كسف عينه، فحذف المفعول كما يحذف «1» في غير هذا. وأما حجّة من لم يدغم أخذتم، واتخذتم «2»، فلأن الذّال ليس من مخرج التاء والطاء، والذّال إنما هي من مخرج الظاء والثاء، فتفاوت ما بينهما، إذ كان لكل واحد من هذين القبيلين حيز ومخرج غير مخرج الآخر. وأيضا فإن الذال مجهورة، والتاء مهموسة، والمجهور يقرّب منه المهموس بأن يبدل مجهورا، ألا ترى أنّهم قالوا: في افتعل من الزين والذّكر: ازدان وادّكر، ومزدان ومدّكر. فلمّا قرّبوا المهموس من المجهور بأن قلبوه إليه، لم يدغم المجهور في المهموس، لأنه تقريب منه، وهذا عكس ما فعل في مزدان، لأنهم في مزدان، إنّما قرّبوا المهموس من المجهور، وأنت إذا أدغمت الذّال في التاء، قرّبت المجهور من المهموس، قال سيبويه: حدثنا من لا نتّهم أنه سمع من يقول: أخذت، فيبيّن «3». وحجّة «4» من أدغم: أنّ هذه الحروف لمّا تقاربت، فاجتمعت في أنها من طرف اللسان وأصول الثنايا، قرب كلّ

_ (1) في (ط): حذف. (2) في (ط): اتخذتم وأخذتم. (3) انظر الكتاب لسيبويه 2/ 423. (4) في (ط): ووجه.

البقرة: 54

حيّز منها من الحيّز الآخر. ألا ترى أنهم أدغموا الظاء والثاء والذال في الطاء والتاء والدال، وكذلك أدغموهنّ في الظاء، وأختيها «1» في الانفصال، نحو: ابعث داود وأنفذ ثابتا، فإذا أدغمت في الانفصال، كان إدغامها فيما يجري مجرى المتّصل أولى. [البقرة: 54] واختلفوا «2» في بارِئِكُمْ [البقرة/ 54] في كسر الهمز واختلاس «3» حركتها. فكان عبد الله بن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ يكسرون العين من غير اختلاس ولا تخفيف. واختلف عن أبي عمرو، فقال العباس بن الفضل الأنصاريّ «4»: سألت أبا عمرو كيف «5» تقرأ: إِلى بارِئِكُمْ مهموزة مثقّلة، أو إِلى بارِئِكُمْ مخففة؟ فقال: قراءتي مهموزة غير مثقّلة بارِئِكُمْ. وروى اليزيديّ وعبد الوارث عنه: إِلى بارِئِكُمْ ولا يجزم الهمزة.

_ (1) في (ط): وفي أختيها. (2) في (ط): اختلفوا. (3) الاختلاس: ترك إكمال الحركة بأن يأتي القارئ بثلثيها فقط. شرح ابن القاصح على الشاطبية ص 192 (ط مصطفى محمد) وسيورد المصنف زيادة بيان للمعنى. (4) العباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد بن الفضل بن حنظلة أبو الفضل الواقفي الأنصاري البصري (105 - 186 هـ) قاضي الموصل أستاذ حاذق ثقة، من أكابر أصحاب أبي عمرو في القراءة، روى القراءة عرضا وسماعا عن أبي عمرو بن العلاء وضبط عنه الإدغام، ناظر الكسائي في الإمالة. قال الذهبي: لم يشتهر لأنه لم يجلس للإقراء. (انظر غاية النهاية 1/ 353). وسبقت ترجمته 1/ 376. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م).

قال أحمد: وقال سيبويه: كان أبو عمرو يختلس الحركة من «1»: بارِئِكُمْ ويَأْمُرُكُمْ [البقرة/ 67] وما أشبه ذلك، مما تتوالى فيه الحركات، فيري من يسمعه أنه قد أسكن ولم يكن يسكن، وهذا مثل رواية عباس «2» بن الفضل عنه التي ذكرتها أنه لا يثقّلها. وهذا القول أشبه بمذهب أبي عمرو، لأنه كان يستعمل التخفيف في قراءته كثيرا. من ذلك ما حدثني «3» عبيد الله بن عليّ الهاشميّ عن نصر بن علي عن أبيه «4» عنه أنه كان يقرأ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ [البقرة/ 129] وَيَلْعَنُهُمُ [البقرة/ 159] يشمّ الميم والنون التي قبل الهاء الضمّ من غير إشباع. وكذلك: عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ [النساء/ 102] يشمّ التاء فيها شيئا من الخفض. أخبرني «5» بذلك أبو طالب عبد الله بن أحمد بن سوادة قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد الزّهراني، قال: حدثنا عبيد بن عقيل عن أبي عمرو بذلك. قال: وكذلك: وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ [البقرة/ 151] يشمّها شيئا من الضم، وكذلك: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ [التغابن/ 9] يشمّ العين شيئا من الضم، وكذلك قوله: وَأَرِنا مَناسِكَنا [البقرة/ 128] لا يسكن الراء ولا يكسرها. روى ذلك عنه علي بن نصر وعبد الوارث واليزيديّ وعباس بن الفضل وغيرهم، أعني: وَأَرِنا وكذلك قراءته

_ (1) في (ط): في. (2) في (ط): العباس. (3) في (ط): ما حدثني به. (4) علي بن نصر بن علي بن صهبان أبو الحسن الجهضمي البصري مات سنة 189 هـ. (انظر ترجمته في غاية النهاية 1/ 582). (5) في (ط): قال أخبرني.

في: يَأْمُرُكُمْ [البقرة/ 67] ويَأْمُرُهُمْ [الأعراف/ 157] ويَنْصُرْكُمُ [آل عمران/ 160] وما أشبه ذلك من الحركات المتواليات. وروى عبد الوهاب بن عطاء «1» وهارون الأعور «2» عن أبي عمرو: وَأَرِنا ساكنة الراء. وقال اليزيدي في ذلك كله: إنه كان يسكّن اللام من الفعل في جميعه. والقول: ما خبرتك من إيثاره التخفيف في قراءته كلها، والدليل على إيثاره التخفيف أنه كان يدغم من الحروف ما لا يكاد يدغمه غيره، ويليّن الساكن من الهمز، ولا يهمز همزتين وغير ذلك. وقال عليّ بن نصر: عن أبي عمرو: وَلا يَأْمُرَكُمْ [آل عمران/ 80] برفع الراء مشبعة «3». قال أبو علي: حروف المعجم على ضربين: ساكن ومتحرك. والساكن على ضربين: أحدهما: ما أصله في الاستعمال السّكون مثل راء برد، وكاف بكر. والآخر: ما أصله الحركة في الاستعمال فيسكن عنها. وما كان أصله الحركة يسكن على ضربين، أحدهما: أن تكون حركته «4» حركة بناء، والآخر: أن تكون حركة الإعراب.

_ (1) عبد الوهاب بن عطاء بن مسلم أبو نصر الخفاف العجلي البصري ثم البغدادي ( ... - 206 هـ؟) ثقة مشهور، روى القراءة عن أبي عمرو وإسماعيل بن كثير وأبان بن يزيد عن عاصم. روى الحروف عنه أحمد بن جبير وخلف بن هشام وغيرهم، وحدث عنه بالحروف محمد بن عمر الواقدي (طبقات القراء 1/ 479). (2) سبقت ترجمته 1/ 6. (3) السبعة ص 155 - 156. (4) سقطت من (ط).

وحركة البناء التي تسكن على ضربين: أحدهما: أن يكون الحرف المسكن من كلمة مفردة، نحو: فخذ وسبع وإبل، وضرب وعلم. يقول من يخفف: سبع، وفخذ، وعلم وضرب. والآخر: أن يكون هذا المثال من كلمتين، فيسكن على تشبيه المنفصل بالمتصل، كما جاء ذلك في مواضع من كلامهم نحو الإمالة والإدغام، وذلك قولهم: «أراك منتفخا» «1» وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ [النور/ 52] ومن ذلك قول العجاج «2»: فبات منتصبا وما تكردسا ألا ترى أنّ نفخا من منتفخ، مثل كتف، وكذلك تقه من يتّقه، وكذلك ما أنشده أبو زيد من قوله «3»: قالت سليمى اشتر لنا سويقا فنزّل مثل كتف. فأما حركة البناء فلا خلاف في تجويز إسكانها في نحو ما ذكرنا من قول العرب والنحويين. وأما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها، فمن الناس من ينكره فيقول إن إسكانها لا يجوز من حيث كان علما للإعراب. وسيبويه يجوّز ذلك، ولا يفصل بين القبيلين في الشعر، وقد روى ذلك عن العرب، وإذا جاءت الرواية لم تردّ بالقياس، فمن ما أنشده في ذلك قوله «4»:

_ (1) انظر 1/ 66 و 408 من هذا الكتاب. (2) سبق الكلام عنه. انظر 1/ 408. (3) سبق في الجزء الأول ص 410. (4) سقطت من (ط).

وقد بدا هنك من المئزر «1» وقوله «2»: فاليوم أشرب غير مستحقب وقال «3»: إذا اعوججن قلت صاحب قوّم ومما جاء في هذا النحو قول جرير «4»: سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرا ولا تعرفكم العرب ومن ذلك قول وضاح اليمن «5»:

_ (1) عجز بيت صدره: رحت وفي رجليك ما فيهما وهو في سيبويه 2/ 297 بغير نسبة والخصائص 2/ 317 وفي الخزانة 2/ 279 ونسبه للأقيشر الأسدي- وخطأ ابن الشجري في نسبته الأبيات التي فيها الشاهد إلى الفرزدق. انظر أماليه 2/ 37. (2) سبق في 1/ 117 و 410. (3) رجز لأبي نخيلة وبعده: بالدوّ أمثال السفين العوّم انظر سيبويه 2/ 297 والخصائص 1/ 75 و 317 اللسان (عوم). (4) ديوانه/ 48 - وفيه: فلم تعرفكم العرب. نهر تيرى: نهر قديم نواحي الأهواز حفره أردشير ملك الفرس. (5) هو وضاح بن إسماعيل بن عبد كلال أحد أبناء الفرس الّذين قدموا مع وهرز الفارسي فقتلوا الحبشة وأقاموا بصنعاء، وكان شاعرا ظريفا غزلا جميلا، فعشقته أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان زوجة الوليد بن عبد الملك، فقتله الوليد (انظر نوادر المخطوطات: أسماء المغتالين 2/ 273).

إنما شعري شهد ... قد خلط بالجلجلان فأسكن الفتحة في مثال الماضي، وهذه الفتحة تشبه النصبة. كما أن الضمة في: صاحب قوّم، تشبه الرفعة. وجاز إسكان حركة الإعراب، كما جاز تحريك إسكان البناء، فشبّه ما يدخل على المعرب من المتحركات من الحركة بما يدخل على المبني، كما شبهوا حركات البناء بحركات الإعراب، فمن ثمّ أدغم نحو: ردّ، وفرّ، وعضّ ونحو ذلك، كما أدغموا نحو: يردّ، ويشدّ. وذلك أن حركة غير الإعراب لما كانت تعاقب على المبني، كما تعاقب حركة الإعراب على المعرب أدغموه، كما أدغموا المعرب، والحركات المتعاقبة على ذلك، نحو: حركة الهمزة إذا سكن ما قبلها، نحو: اضرب أخاك، ونحو: حركة التقاء الساكنين، وحركة النونين الخفيفة والشديدة فكما شبهوا تعاقب هذه الحركات التي للبناء على أواخر الكلم بتعاقب حركات الإعراب، حتى أدغم من أدغم نحو: ردّ، واستعدّ، كما يدغم نحو: يردّ، ويستعدّ، كذلك شبهوا حركة الإعراب بالبناء في نحو ما ذكرنا فأسكنوا. فأما من زعم أن حذف هذه الحركة لا يجوز من حيث كانت علما للإعراب، فليس قوله بمستقيم، وذلك أن حركات

_ والبيت في الضرائر لابن عصفور ص/ 87 وعبث الوليد ص/ 315 وفي اللسان (جلل) مع اختلاف في الرواية. وانظر شرح أبيات المغني 8/ 37. والجلجلان: حب السمسم. قال أبو العلاء: وبعضهم يرويه: قد حشي.

الإعراب قد تحذف لأشياء، ألا ترى أنها تحذف في الوقف، وتحذف من الأسماء والأفعال المعتلّة. فلو كانت حركة الإعراب لا يجوز حذفها من حيث كانت دلالة الإعراب، لم يجز حذفها في هذه المواضع، فإذا جاز حذفها في هذه المواضع لعوارض تعرض، جاز حذفها أيضا في ما ذهب إليه سيبويه وهو التشبيه بحركة البناء، والجامع بينهما: أنهما جميعا زائدان. وأنها قد تسقط في الوقف والاعتلال، كما تسقط التي للبناء للتخفيف. فإن قلت: إن سقوطها في الوقف إنما جاز لأنه إذا وصلت الكلمة ظهرت الحركة ويستدل عليه بالموضع. قيل: وكذلك إذا أسكن نحو: هنك «1»، استدلّ عليه بالموضع، وإذا فارقت هذه الصّيغة التي شبّهت «2» لها بسبع، ظهرت كما تظهر التي للإعراب في الوصل. ومما يدل على أن هذه الحركة إذا أسكنت كانت مرادة، كما أن حركة الإعراب مرادة، قولهم: رضي، ولقضو الرجل، فأسكنوا، ولم يرجعوا الياء والواو إلى الأصل، حيث كانت مرادة. كذلك تكون حركة الإعراب لمّا كانت مرادة، وإن حذفت لم يمتنع حذفها، وكان حذفها بمنزلة إثباتها في الجواز كما كانت الحركة فيما ذكرنا كذلك. فإن قلت: إنّ حركات الإعراب تدل على المعنى، فإذا

_ (1) في الشاهد السابق: وقد بدا هنك من المئزر. (ص 80). (2) في (ط): هذه الصنعة التي أشبهت.

حذفت اختلّت الدّلالة عليه، قيل: وحركات البناء أيضا قد تدل على المعنى وقد حذفت، ألا ترى أن «1» تحريك العين بالكسر في نحو: ضرب يدل على معنى، وقد جاز إسكانها، فكذلك يجوز إسكان حركة الإعراب. وكذلك الكسر في مثل «2» حذر، والضمة «3» في نحو: حذر «4». واعلم أن الحركات التي تكون للبناء والإعراب يستعملون في الضمة والكسرة منهما ضربين، أحدهما: الإشباع والتمطيط، والآخر: الاختلاس والتخفيف، وهذا الاختلاس والتخفيف إنما يكون في الضمة والكسرة، فأما الفتحة فليس فيها إلا الإشباع ولم تخفّف الفتحة بالاختلاس، كما لم تخفّف بالحذف، في نحو: جمل، وجبل، كما خفّف «5» نحو: سبع وكتف، وكما لم يحذفوا الألف في الفواصل والقوافي من حيث حذفت الياء والواو فيهما، نحو: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [الفجر/ 4] وقوله: ... ثم لا يفر «6» وكما لم يبدل الأكثر من التنوين الياء ولا الواو في الجر والرفع كما أبدلوا الألف في النصب، وهذا الاختلاس، وإن كان الصوت فيه أضعف من التمطيط، وأخفى، فإن الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك، وعلى هذا المذهب حمل

_ (1) سقطت أن من (ط). (2) في (ط): نحو. (3) في (ط): والضم. (4) في اللسان: رجل حذر وحذر: متيقظ. (5) في (ط): حذف وهو تصحيف. (6) سبق في 1/ 405.

سيبويه قول أبي عمرو: إِلى بارِئِكُمْ [البقرة/ 54] «1» فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها فهو بزنة حرف متحرك. فمن روى عن أبي عمرو الإسكان في هذا النحو، فلعلّه سمعه يختلس فحسبه لضعف الصوت به والخفاء إسكانا، وعلى هذا يكون قوله: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ [البقرة/ 129] ويَلْعَنُهُمُ اللَّهُ [البقرة/ 159] وكذلك عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ [النساء/ 102] وكذلك يُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ [البقرة/ 151] ويَوْمَ يَجْمَعُكُمْ [التغابن/ 9] وَلا يَأْمُرَكُمْ [آل عمران/ 80] هذا كله على الاختلاس مستقيم حسن «2»، ومن روى عنه الإسكان فيها، وقد جاء ذلك في الشعر، فلعله ظن الاختلاس إسكانا. فأمّا قوله «3»: وَأَرِنا مَناسِكَنا [البقرة/ 128] فالإسكان فيه حسن على تشبيه المنفصل بالمتصل، والاختلاس حسن، وليس إسكان هذا مثل إسكان: يَأْمُرَكُمْ، وأَسْلِحَتِكُمْ لأن الكسرة في: أَرِنا ليست بدلالة إعراب، ومثل ذلك قول من قال: وَيَتَّقْهِ ومن روى الإسكان في حروف الإعراب فقال: تسكن لام الفعل، فعلى تجويز ما جاء في الشعر وفي «4» الكلام، وقد تقدم ذكر ذلك. فإن قال قائل: فهلا لم تسكن أَرِنا لأنّ الراء «5» متحركة بحركة الهمزة «6» فإذا حذفها لم تدلّ على الهمزة كما تدلّ إذا

_ (1) انظر سيبويه 2/ 297 باب الإشباع في الجر والرفع وغير الإشباع والحركة كما هي. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): قوله تعالى. (4) في (ط): في. (5) في (ط): لأن النون، وهو خطأ. (6) في هامش (ط): معنى الهمزة التي في أصل الكلمة، لأن أصلها، أرئنا زيادة.

البقرة: 58

أثبتها عليها، قيل: ليس هذا بشيء، ألا ترى أن الناس أدغموا: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [الكهف/ 28] فذهاب الحركة في أَرِنا في التخفيف ليس بدون ذهابها في الإدغام. [البقرة: 58] اختلفوا في نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ [البقرة/ 58] في النون والتاء والياء. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: نَغْفِرْ لَكُمْ بالنون. وقرأ نافع: يغفر لكم بالياء مضمومة على ما «1» لم يسمّ فاعله. وقرأ ابن عامر تغفر لكم مضمومة التاء. ولم يختلفوا في: خَطاياكُمْ في هذه السورة، غير أن الكسائي كان يميلها وحده، والباقون لا يميلون «2». قال أبو علي: حجة من قال: نَغْفِرْ لَكُمْ بالنون أنه أشكل بما قبله. ألا ترى أنّ قبله: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ [البقرة/ 58] فكأنه قال: قلنا ادخلوا، نغفر. وحجة من قال: يغفر أنه يؤول إلى هذا المعنى، فيعلم من الفحوى أن ذنوب المكلفين وخطاياهم لا يغفرها إلا الله، وكذلك القول في من قرأ: تغفر. إلا أنّ من قال: يغفر لم يثبت علامة التأنيث في الفعل لتقدّمه، كما لم يثبت لذلك في نحو قوله: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ [يوسف/ 30]. ومن قال: تغفر فلأن علامة التأنيث قد ثبتت في هذا النحو نحو قوله: قالَتِ الْأَعْرابُ [الحجرات/ 14] وكلا

_ (1) كذا في (ط)، وسقطت من (م). (2) السبعة ص 156.

الأمرين قد جاء به التنزيل قال: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ [هود/ 67] وفي موضع «1» فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ [الحجر/ 83] والأمران جميعا كثيران. فأما إمالة الكسائي الألف في: خَطاياكُمْ فجوازها حسن «2»، وحسنها: أن الألف إذا كانت رابعة فصاعدا اطّردت فيها الإمالة، والألف في خطايا خامسة، ومما يبين جواز الإمالة في ذلك، أنك لو سمّيت بخطايا ثم ثنّيته، لأبدلت الياء من الألف، كما تبدل من ألف قرقرى وجحجبى «3»، وألف مرامى، ونحو ذلك. ويقوي ذلك أن غزا ونحوها قد جازت إمالة ألفها، وإن كانت الواو تثبت فيها وهي على هذه العدّة، فإذا جاز في باب غزا مع ما ذكرناه «4»، فجوازها في خطايا أولى، لأنها بمنزلة ما أصله الياء، ألا ترى أن الهمزة لا تستعمل هنا «5» في قول الجمهور والأمر الكثير «6» الشائع. ومما يبين ذلك أن الألف قد أبدلت من الهمزة في العدّة التي يجوز معها تحقيق الهمزة. وذلك إذا كانت ردفا في نحو: ولم «7» أورا بها «8»

_ (1) في ط: موضع آخر. (2) سقطت «حسن» من (م). (3) قرقرى: اسم موضع، وجحجبى: حي من الأنصار (اللسان) ورسمت الألف الأخيرة في (م) ممدودة. (4) في (ط): ما ذكرنا. (5) في (ط): هاهنا. (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): لم. (8) جزء من رجز أنشده سيبويه 2/ 165 ولم ينسبه، وتمامه: عجبت من ليلاك وانتيابها من حيث زارتني ولم أورا بها قال الأعلم: الشاهد في تخفيف الهمزة الساكنة من قوله: أورا، لما احتاج إليه من ردف القافية (وهو حرف المد الذي قبل الروي) ولو حققها على

البقرة: 61

ونحو: ... على رال «1» فلو لم تنزّل منزلة الألف التي لا تناسب الهمزة، لم يجز وقوعها في هذا الموضع، فإذا جاز ذلك فيها، مع أن الهمزة قد يجوز أن تخفف في نحو: أورا، إذا لم يكن ردفا، فأن تجوز الإمالة في خطايا أولى. [البقرة: 61] واختلفوا في قوله «2»: النَّبِيِّينَ [البقرة/ 61] والنَّبِيُّونَ [البقرة/ 136] والنُّبُوَّةَ [آل عمران/ 79] والْأَنْبِياءَ [آل عمران/ 112] والنَّبِيُّ [آل عمران/ 68] «3» في الهمز، وتركه. فكان نافع يهمز ذلك كلّه في كلّ القرآن إلا في موضعين في سورة الأحزاب: قوله «4»: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ [الآية/ 50] بلا مدّ ولا همز. وقوله «5»:

_ ما يجب لأنها طرف لم يجز له من أجل الردف المضمن في القافية. ومعنى: لم أورأ بها، لم أعلم بها، وحقيقته: لم أشعر بها من ورائي، لأن لام وراء همزة أصلية في قول من صغرها وريئة، فحمل الفعل على هذا التقدير. ومن جعل همزة وراء منقلبة قال في تصغيرها: ورية. ويقال: معنى: لم أورأ بها: لم أغر، وأصله: لم أوأر، ثم قلب إلى أورأ. يقال: أورأته بكذا: إذا أغريته به. والانتياب: القصد والإلمام. وخاطب نفسه في البيت الأول، ثم أخبر عن نفسه في البيت الآخر لأن من كلامهم أن يتركوا الخطاب للإخبار، والإخبار للخطاب اتساعا بعلم السامع. (طرة الكتاب 2/ 165). (1) سبق انظر ص 13. (2) في (ط) قوله عز وجل. (3) وردت هذه الكلمات ما بين القوسين في (ط) مهموزة. (4) في (ط): قوله عز وجل. (5) في (ط): قوله تعالى.

لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا [الآية/ 53] وإنما ترك همز هذين لاجتماع همزتين مكسورتين من جنس واحد «1»، هذا قول المسيبي «2» وقالون، وقال ورش عن نافع: إنه كان يهمزها جميعا، إلا أنه كان يروي عن نافع: أنه كان يترك الهمزة الثانية في المتّفقتين والمختلفتين، وتخلف الأولى الثانية «3»، فيقول فيه للنبيء ان اراد، مثل: النّبيعن راد «4» و: بيوت النبيء يلا «5»، وكان الباقون لا يهمزون من ذلك شيئا «6». قال أبو زيد: نبأت من أرض إلى أخرى، فأنا أنبأ نبأ ونبوءا: إذا خرجت منها إلى أخرى، وليس اشتقاق النبيء من هذا وإن كان من لفظه، ولكن من النبأ الذي هو الخبر، كأنه المخبر عن الله سبحانه. فإن قلت: لم لا يكون من النباوة، ومما أنشده أبو عثمان قال: أنشدني كيسان «7»: محض الضّريبة في البيت الذي وضعت ... فيه النّباوة حلوا غير ممذوق أو يجوّز فيه الأمرين، فتقول: إنه يجوز أن يكون من النباوة، ومن النبأ، كما أجزت في عضة أن تكون من الواو، لقوله:

_ (1) أولاهما همزة النبيء، والثانية همزة إن وإلا في الآيتين. (2) سبقت ترجمته في 1/ 375. (3) عبارة كتاب السبعة هنا: وكان ورش يروي عن نافع أنه كان يهمز من المتفقتين والمختلفين الأولى، ويخلف الثانية. (4) في (م): فيقول: النبيء إن أراد مثل: النبيعين أراد. (5) في (ط): إلا. (6) السبعة ص 156 - 157. (7) لم نعثر على قائله.

وعضوات تقطع اللهازما «1» ومن الهاء لقوله: .. لها بعضاه الأرض تهزيز «2» فالقول: إن ذلك ليس كالعضة، لأن سيبويه «3» زعم: أنهم يقولون في تحقير النّبوّة: كان مسيلمة نبوّته «4» نبيّئة سوء، وكلّهم يقول: تنبّأ مسيلمة، فلو كان يحتمل الأمرين جميعا ما أجمعوا على تنبّأ، ولا على النّبيّئة، بل جاء فيه الأمران: الهمز وحرف اللين، فأن اتفقوا على تنبّأ والنّبيّئة دلالة على أن اللام همزة.

_ (1) عجز بيت للشاعر أبي مهديّة وصدره: هذا طريق يأزم المآزما قال الأعلم: يقول من سار في هذا الطريق بين ما حف به من العضاه تأذى بسيره فيه. ويأزم: يعض، واللهازم جمع لهزمة وهي مضغة في أصل الحنك. سيبويه 2/ 81 - اللسان مادة (أزم) - الخصائص 1/ 172 المنصف 1/ 59 3/ 38 ابن يعيش 5/ 38. (2) قطعة بيت للمتنخل الهذلي وتمامه: قد حال دون دريسيه مؤوّبة ... نسع لها بعضاه الأرض تهزيز الدريس: الثوب الخلق، والمؤوّبة ريح تأتي ليلا، ونسع ومسع: اسم من أسماء الشمال. والعضاه: كل شجر له شوك. اللسان مادة (هزز). ديوان الهذليين القسم الثاني ص 16 والمنصف 1/ 60. (3) انظر 2/ 126. (4) في (م) نبوءته، وأثبتنا ما في (ط) لموافقتها لسيبويه. قال ابن بري (اللسان نبأ) بعد أن نقل عبارة سيبويه: فذكر الأول غير مصغر ولا مهموز- أي: قوله نبوة- ليبين أنهم قد همزوه في التصغير وإن لم يكن مهموزا في التكبير.

ومما يقوّي أنه من النبأ الذي هو الخبر أن النباوة الرفعة، فكأنه قال: في البيت الذي وضعت فيه الرّفعة. وليس كلّ رفعة نبوءة، وقد تكون في البيت رفعة ليست بنبوءة. والمخبر عن الله «1» بوحي إليه المبلّغ عنه نبيء ورسول، فهذا الاسم أخصّ به «2» وأشدّ مطابقة للمعنى المقصود إذا أخذ من النّبأ «3». فإن قلت: فلم لا تستدلّ بقولهم: أنبياء، على جواز الأمرين في اللام من النبي، لأنهم قالوا: أنبياء ونباء، قال «4»: يا خاتم النّباء إنّك مرسل بالحقّ ...... قيل: ما ذكرته لا يدلّ على تجويز الأمرين فيه، لأن أنبياء إنما جاء لأن البدل لما لزم في نبيّ صار في لزوم البدل له، كقولهم: عيد وأعياد، فكما أن أعيادا لا تدل على أن عيدا من الياء، لكونه من عود الشيء، كذلك لا يدل أنبياء على أنه من النباوة، ولكن لمّا لزم البدل جعل بمنزلة تقيّ وأتقياء، وصفيّ وأصفياء ونحو ذلك، فلما لزم صار كالبريّة والخابية، ونحو ذلك مما لزم الهمز «5» فيه حرف اللين بدلا من الهمزة. فما دل على أنه من الهمز قائم لم يعترض فيه شيء، فصار قول من حقّق الهمزة في النبيّ «6»، كردّ الشيء إلى الأصل المرفوض استعماله

_ (1) في (ط): الله عز وجل. (2) في (م): منه. (3) رسمت همزة النبأ في الأصل هنا وفي السابق هكذا: (النباء) على السطر، وقد آثرنا الرسم الإملائي لها لصحة لفظه. (4) قطعة من بيت قاله العباس بن مرداس وتمامه: بالحقّ كلّ هدى السبيل هداك سيبويه 2/ 126 اللسان (نبا). (5) في (ط): الهمزة. (6) في (ط): النبيء.

نحو: وذر، وودع، فمن ثمّ كان الأكثر فيه التخفيف. فإن قلت فقد قال سيبويه: بلغنا أن قوما من أهل الحجاز من أهل التحقيق يحققون: نبيئا وبريئة. قال: وذلك رديء «1»، وإنما استردأه لأن الغالب في استعماله التخفيف على وجه البدل من الهمز، وذلك الأصل كالمرفوض، فردؤ عنده ذلك «2» لاستعمالهم فيه الأصل الذي قد تركه سائرهم، لا لأن النبيء الهمز فيه غير الأصل، ولا لأنه يحتمل وجهين كما احتمل عضة وسنة. ومن زعم أن البريّة من البرا الذي هو التراب كان غالطا، ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يحقّق همزه من حقق من أهل الحجاز، فتحقيقهم لها يدل على أنها «3» من برأ الله الخلق، كما أن تحقيق النبيء يدل على أنه من النبأ، وكما كان اتفاقهم على تنبأ يدل على أن اللام في الأصل همزة. فالحجة لمن همز النبيء [حيث همز] «4» أن يقول: هو أصل الكلمة، وليس مثل عيد، الذي قد ألزم البدل، ألا ترى أن ناسا من أهل الحجاز قد حققوا الهمزة في الكلام «5»، ولم يبدلوها «6». كما فعل أكثرهم، فإذا كان الهمز أصل الكلمة وأتى به قوم في كلامهم على أصله لم يكن كماضي يدع، ونحوه مما رفض استعماله واطّرح. فأما ما روي في الحديث: «من أن بعضهم. قال: يا

_ (1) الكتاب 2/ 170. (2) في (ط): وردؤ ذلك عنده. (3) في (ط): أنه. (4) ما بين معقوفتين سقطت من (ط). (5) في (ط): في كلامهم. (6) في (ط): يبدلوه.

نبيء الله! فقال «1»: «لست بنبيء الله، ولكني نبيّ الله» «2» فأظنّ أن من أهل النقل من ضعّف إسناد الحديث. ومما يقوي تضعيفه أنّ من مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خاتم النبآء «3» لم يؤثر فيه إنكار عليه فيما علمنا، ولو كان في واحده نكير لكان الجمع كالواحد، وأيضا فلم نعلم أنه عليه السّلام أنكر على الناس أن يتكلموا بلغاتهم. ولمن أبدل ولم يحقّق أن يقول: مجيء الجمع في التنزيل على أنبياء يدل على أن الواحد قد ألزم فيه البدل، وإذا ألزم فيه البدل ضعف التحقيق. وقال الفرّاء في قراءة عبد الله النبية إلى «4» (ال ن ب ي ي). قال الفراء: لا يخلو من أن يكون النبيّة مصدرا للنبإ، أو يكون النبيّة مصدرا نسبه إلى النبي عليه السلام «5». [قال أبو علي] «6»: والقول في ذلك أنه لا يخلو من أن يكون من النباوة التي في قول ابن همام، أو يكون من النّبأ وقلبت «7» الهمزة. أو يكون نسبا، فلا يكون من النباوة، فيكون

_ (1) في (ط): فقال عليه السلام. (2) نقل هذا الحديث صاحب إتحاف فضلاء البشر وقال: أخرجه الحاكم عن أبي ذر وصححه، وفيه أن الرجل أعرابي وأن أبا عبيد علّل إنكار النبي بعدول الأعرابي عن الفصحى وأن مقتضى ذلك جواز الوجهين لغة. انظر ص 58 منه. (3) سبق قريبا في ص 90. (4) سقطت إلى من (م). (5) في (ط): صلى الله عليه. (6) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط). (7) في (ط): وقلب.

مثل مطيّة، لأنّ فيما حكاه سيبويه من أنهم كلّهم يقولون: تنبّأ مسيلمة، دلالة على أنه من الهمزة «1» [فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه من الهمز] «2» وجاز أن يكون ياء ألزمت البدل من الهمزة، وعلى ذلك قالوا: أنبياء، وجاز أن يكون من قول من حقّق، إلا أنه خفف فوافق لفظ التخفيف عن التحقيق لفظ من يرى القلب. وقد حكى سيبويه كما رأيت أن بعضهم يحقق النبيء، فإذا كان نسبا أمكن أن يكون إلى قول من حقق، وإلى قول من خفّف، وأمكن أن يكون إلى قول من أبدل. فلا يجوز أن يكون على قول «3» من حقّق ثم خفّف لأنه لو كان كذلك لكان: النبئيّة «4»، لأنه نسب إلى فعيلة، فرددت الهمزة لمّا حذفت الياء التي كنت قلبت الهمزة في التخفيف من أجلها، فلما لم يردّ، وقال النبيّة، علمت أن النسب إليه على قول من قلب الهمزة ياء، وهم الذين قالوا: أنبياء، فحذفت الياءين لياءي النسب، فبقيت الكلمة على فعيّة. هذا على قياس قولهم: عبد بيّن العبديّة، وقد حكاه الفرّاء. وأما تخفيف نافع: النبيّ في الموضعين اللذين خفف فيهما في رواية المسيّبي وقالون، فالقول في ذلك أنه لا يخلو من أن يكون ممن يحقّق الهمزتين أو يخفّف إحداهما، فإن حقّق الهمزتين جاز أن يجعل الثانية بين بين، لأن الهمزة إذا

_ (1) في (ط): الهمز. (2) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط) وهي زيادة يستقيم الكلام بدونها. (3) سقطت «قول» من (م). (4) في حاشية (ط): مثل التبعيّة.

البقرة: 62

كانت بين بين كانت في حكم التحقيق، فتقول: (للنّبيء إن) «1»، وإن لم يحقّق الهمزتين قلب الثانية منهما ياء قلبا فقال: (للنّبيء ين) «2» كما قلبوا في: (أيمّة)، وكما قلبوا في: جاء وشاء ويجعل المنفصل بمنزلة المتصل في أيمّة وجاء. ووجه رواية قالون، والمسيّبيّ: أنه إذا خفّف الهمزة من النبيء «3» لم يجتمع همزتان، فإن شاء حقق الهمزة المكسورة من (إلّا) ومن (إن) وإن آثر التخفيف جعلهما بين الياء والهمزة. [البقرة: 62] اختلفوا في الصَّابِئِينَ [البقرة/ 62]، والصَّابِئُونَ [المائدة/ 69]. في الهمز وتركه فقرأ نافع: الصابين والصابون في كلّ القرآن بغير همز، ولا خلف للهمز، وهمز ذلك كلّه الباقون «4». [قال أبو علي] «5»: قال أبو زيد: صبأ الرجل في دينه، يصبأ صبوءا: إذا كان صابئا. وصبأ ناب الصبي يصبأ صبأ: إذا طلع. وقال أبو زيد: صبأت عليهم، تصبأ، صبأ، وصبوءا: إذا طلعت عليهم، وطرأت على القوم أطرأ طرءا وطروءا مثله. فكأنّ معنى الصابئ: التارك دينه الذي شرع له إلى دين غيره، كما أن الصابئ على القوم تارك لأرضه، ومنتقل إلى سواها والدّين الذي فارقوه، هو تركهم التوحيد إلى عبادة النجوم أو تعظيمها، ومن ثمّ خوطب المسلمون بقوله «6»: ... ولا تكونوا من المشركين من الذين فارقوا «7» دينهم وكانوا شيعا

_ (1) في (ط): النبيء إن. (2) في (م): النبيّ ين. (3) في (م): النبيّ. (4) السبعة: 157. (5) ما بين المعقوفتين سقطت من (م). (6) في (ط): تعالى. (7) فارقوا: قراءة علي وحمزة والكسائي (انظر تفسير القرطبي 14/ 32).

[الروم/ 31 - 32] فالدّين الذي فارقه المشركون هو: التوحيد الذي نصب لهم عليه أدلّته، لأنّ المشركين لم يكونوا أهل كتاب، ولا متمسكين بشريعة، فهم في تركهم ما نصب لهم الدليل عليه، كالصابئين في صبوئهم إلى ما صبئوا إليه. ومثل قوله «1»: فارقوا دينهم قوله «2» كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ [الأنعام/ 108] أي: عملهم الذي فرض عليهم ودعوا إليه، وكذلك قوله: وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ [الأنعام/ 137] أي: دينهم الذي دعوا إليه، وشرع لهم، ألا ترى أنهم لا يلبسون عليهم التّديّن بالإشراك، وإنما سمّي شريعة الإسلام دينهم، وإن لم يجيبوا إليه ولم يأخذوا به، لأنهم قد شرع لهم ذلك ودعوا إليه، فلهذا الالتباس الذي لهم به جاز أن يضاف إليهم، كما أضاف الشاعر الإناء إلى الشارب لشربه منه وإن لم يكن ملكا له في قوله «3»: إذا قال قدني قلت بالله حلفة ... لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا وهذا النحو من الإضافة كثير، فالمعنى: على أن لام الكلمة همزة، فالقراءة بالهمز هو الوجه الذي عليه المعنى. فأما من قال: الصابون فلم يهمز، فلا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يجعله من صبا، يصبو، وقول الشاعر «4»:

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (ط): تعالى. (3) البيت لحريث بن عناب. وقد سبق ذكره انظر 2/ 50. (4) عجز بيت لأبي ذؤيب، صدره:

الإعراب:

صبوت أبا ذيب وأنت كبير أو تجعله على قلب الهمزة فلا يسهل أن تأخذ، من صبا إلى كذا، لأنه قد يصبو الإنسان إلى الدين فلا يكون منه تديّن به مع صبوّه إليه، فإذا بعد هذا، وكان الصابئون منتقلين من دينهم الذي أخذ عليهم إلى سواه، ومتدينين به، لم يستقم أن يكون إلّا من صبأ «1» الذي معناه: انتقال من دينهم الذي شرع لهم إلى آخر لم يشرع لهم، فيكون الصابون إذا: على قلب الهمزة، وقلب الهمز على هذا الحدّ لا يجيزه سيبويه إلا في الشعر، ويجيزه غيره، فهو على قول من أجاز ذلك، وممن أجازه أبو زيد، وحكي عن أبي زيد قال: قلت لسيبويه: سمعت: قريت، وأخطيت قال: فكيف تقول في المضارع؟ قلت «2»: أقرأ، قال: فقال: حسبك. أو نحو هذا، يريد سيبويه: أنّ قريت مع أقرأ، لا ينبغي، لأن أقرأ على الهمز وقريت على القلب. فلا يجوز «3» أن يغيّر بعض الأمثلة دون بعض، فدلّ «4» ذلك على أن القائل لذلك غير فصيح، وأنه مخلّط في لغته. الإعراب: من حقق الهمزة فقال: الصابئون، مثل: الصابعون، ومن خفّفها جعلها في قول سيبويه، والخليل: بين بين، وزعم

_ ديار التي قالت غداة لقيتها وقوله: صبوت، أي: أتيت أمر الصّبا. (ديوان الهذليين 1/ 137). (1) في (ط): صبأت. (2) في (ط): فقلت. (3) في (م): يكون. (4) في (ط): يدل.

سيبويه أنه قول العرب، والخليل. وفي قول أبي الحسن: يقلبها ياء قلبا، وقد تقدم ذكر ذلك في هذا الكتاب. ومن قلب الهمزة التي هي لام ياء، فقال: الصابون. نقل الضمة التي كانت تلزم أن تكون على اللام إلى العين فسكنت الياء فحذفها لالتقاء الساكنين هي وواو الجمع، وحذف كسرة عين فاعل، فحرّكها بالضمة المنقولة إليها، كما أن من قال: خفت، وحبّ بها، وحسن ذا أدبا، فنقل الحركة من العين إلى الفاء حذف الحركة التي كانت للفاء في الأصل، وحرّكها بالحركة المنقولة «1» كما حرّك العين من فاعل بالحركة المنقولة، وقياس نقل الحركة التي هي ضمة «2» إلى العين أن تحذف كسرة عين فاعل، وتنقل إليها الكسرة التي كانت تكون للّام، ألا ترى أن الضمة منقولة إليها بلا إشكال، وإن شئت قلت لا أنقل حركة اللام التي هي الكسرة كما نقلت حركتها التي هي الضمة، لأني لو لم أنقل الحركة التي هي الضمة، وقررت الكسرة، لم يصحّ واو الجميع، فليس الكسرة مع الياء كالكسرة مع الواو، فإذا كان كذلك أبقيت الحركة التي كانت تستحقّها اللام فلم أنقلها، كما أبقيت حركة المدغم، ولم «3» أنقلها في قول من قال: يَهْدِي فحرّك الهاء بالكسر لالتقاء الساكنين، ولم ينقلها كما نقل من قال: يَهْدِي «4»، [يونس/ 35]. ومثل ذلك في أنّك تنقل الحركة مرة ولا تنقل أخرى قوله:

_ (1) في (ط): المنقولة إليها. (2) في (ط): الضمة. (3) في (ط): فلم. (4) يهدّي: بفتح الياء والهاء، قراءة ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن. انظر البحر المحيط 5/ 156.

وحبّ بها مقتولة «1» وحبّ بها مقتولة! وحسن ذا أدبا، وحسن ذا أدبا، ونحو ذلك. فإن قلت: فلم لا «2» تنقل الحركة التي تستحقّها اللام إذا انقلبت ألفا نحو: المصطفى والمعلّى إلى ما قبلها، كما نقلت حركة الياء في نحو قولك: فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ [المعارج/ 31] فجاء: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [آل عمران/ 139] وهم المصطفون، مفتوحا ما قبل الواو منه، وهلّا نقلت الحركة كما نقلت في نحو: هُمُ العادُونَ [المعارج/ 31]، فالقول في ذلك أنّ المحذوف لالتقاء الساكنين في حكم الثابت في اللفظ، كما كان المحرّك لالتقائهما «3» في حكم السكون، يدلك على ذلك نحو: رمت المرأة، واردد ابنك، فإذا كان كذلك، كان الألف في الأعلون، في حكم الثبات، وإذا كان في حكمه لم يصحّ تقدير نقل الحركة منها، لأنّ ثبات الألف

_ (1) جزء من بيت للأخطل في وصف الخمر وتمامه: فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحبّ بها مقتولة حين تقتل وهو في ديوانه 1/ 19 وروايته عنده: وأطيب بها مقتولة. وفي شرح شواهد الشافية ص 14 والخزانة 4/ 122 والعيني 4/ 26 وابن يعيش 7/ 129. والقتل: مزج الخمر بالماء حتى تذهب حدّتها فكأنها قتلت بالماء. (2) في (ط): لم. (3) في (ط): التحرك لالتقاء الساكنين.

ألفا في تقدير الحركة فيها. وإذا «1» كان في تقديرها، لم يجز نقلها، لأنه يلزم منه تقدير ثبات حركة واحدة في موضعين، وليس كذلك الياء لأنها قد تنفصل عن الحركة، وتحرّك بالضمة والكسرة في نحو «2»: ألم يأتيك والأنباء .. و: غير ماضي «3» فإن قال: فهلّا إذا كان الأمر على ما وصفت لم يجز أن يجمع ما كان آخره ألف التأنيث، نحو: حبلى، إذا سمّيت به رجلا أن تقول في جمعه: حبلون، لأنه يلزم من «4» ذلك اجتماع علامة التذكير والتأنيث «5» في اسم، فيلزم أن يمتنع كما امتنع أن يجمع طلحة بالواو والنون- اسم رجل- في قول العرب والنحويين، إذا أثبتّ التاء فيه لاجتماع علامة تأنيث وتذكير في اسم واحد. فالقول في ذلك أن الألف في حبلى اسم رجل، إذا قلت: حبلون، إنما جاز لأنك إذا سميت به «6» لا تريد به معنى التأنيث، كما أردت به ذلك قبل التسمية، فجاز لأنك تخلع منها علامة التأنيث، فتجعل الألف لغيره، ألا ترى أن في كلامهم ألفا ليست للتأنيث، ولا للإلحاق ولا هي منقلبة نحو: قبعثرى،

_ (1) في (ط): فإذا. (2) قطعة من بيت لقيس بن زهير سبق ذكره. في 1/ 93، 325. (3) جزء من بيت سبق ذكره 1/ 325. (4) في (ط): في. (5) في (ط): التأنيث والتذكير. (6) في (ط): بها.

البقرة: 67

ونحو: ما حكاه سيبويه: من أن بعضهم يقول: بهماه، فإذا قدّرت خلع علامة التأنيث منها جاء جمع الكلمة بالواو والنون، كما أنك لما قلبتها ياء جاز جمعها بالألف والتاء نحو: حبليات وحباريات، فخلع علامة التأنيث منها «1» في التسمية بما هي فيه كقلبها إلى ما قلبت إليه في حبليات، وصحراوات، وخضراوات. [البقرة: 67] اختلفوا في قوله: أتتخذنا هزؤا [البقرة/ 67] في الهمز وتركه، والتخفيف والتثقيل، وكذلك جزا «2» وكُفُواً [الإخلاص/ 4]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائيّ: هُزُواً، وكُفُواً بضمّ الفاء والزّاي والهمز، وجزا بإسكان الزاي والهمز. وروى القصبيّ «3» عن عبد الوارث عن أبي عمرو، واليزيديّ أيضا عن أبي عمرو: أنه خفّف «جزا» وثقل «هُزُواً، وكُفُواً». وروى عليّ بن نصر وعباس بن الفضل عنه أنه خفّف «جزءا وكف ءا».

_ (1) سقطت من (ط). (2) من قوله سبحانه: (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) البقرة/ 260. ومن قوله سبحانه (وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين) [الزخرف/ 15]. (3) هو محمد بن عمر بن حفص أبو بكر القصبي البصري مقرئ صدوق مشهور. (انظر ترجمته في طبقات القرّاء 2/ 216). وقد تصحف في السبعة إلى القتبي.

وروى محبوب عنه «1» «كف ءا» خفيفا. وروى أبو زيد وعبد الوارث في رواية أبي معمر أنه خيّر بين التّثقيل والتّخفيف. وروى الأصمعيّ أنّه خفّف «هزءا وجزءا» «2». وقرأهنّ حمزة ثلاثهنّ بالهمز أيضا. غير أنه كان يسكّن الزّاي من قوله «هزءا»، والفاء من قوله: «كف ءا» والزّاي من «جزء»، وإذا وقف قال: «هزوا» بلا همز، ويسكّن الزاي والفاء، ويثبت الواو بعد الزّاي وبعد الفاء، ولا يهمز «3»، ووقف على قوله: «جزّا» بفتح الزّاي من غير همز «4»، حكى ذلك أبو هشام عن سليم عن حمزة يرجع في الوقف إلى الكتاب. واختلف عن عاصم، فروى يحيى عن أبي بكر عنه: «جزؤا وهزؤا وكفؤا» «5» مثقّلات مهموزات. وروى حفص «6»: أنه لم يهمز «هزوا ولا كفوا» ويثقّلهما، وأثبت الواو وهمز «جزءا» وخفّفها.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): جزءا وهزءا. (3) في (ط): ولم يهمز. (4) في البحر المحيط 2/ 300: «قرأ أبو جعفر: جزّا بحذف الهمزة وتشديد الزاي. ووجهه أنه حين حذف ضعف الزاي كما يفعل في الوقف، كقولك: هذا فرج، ثم أجري مجرى الوقف». (5) في (ط): جزؤا وكفؤا وهزؤا. (6) في (ط): وروى عنه حفص.

[حدثنا أبو بكر بن مجاهد قال] «1»: حدثني وهيب بن عبد الله، عن الحسن بن المبارك، عن عمرو بن الصّباح، عن حفص، عن عاصم: «هزوا «2» وكفوا» يثقّل ولا يهمز. ويقرأ «جزءا» مقطوعا بلا واو، يهمز ويخفّف. وكذلك قال هبيرة «3» عن حفص عن عاصم «جزءا» خفيف مهموز. وحدّثني وهيب بن عبد الله المروذيّ قال: حدّثنا الحسن بن المبارك قال: قال أبو حفص: وحدّثني سهل أبو عمرو عن أبي عمر عن عاصم أنه كان يقرأ: «هزؤا وكفوا» يثقّل، فربما همز، وربّما لم يهمز. قال: وكان أكثر قراءته ترك الهمز. حدّثني محمد بن سعد العوفيّ «4» عن أبيه، عن حفص عن عاصم أنه لا ينقص، نحو «هزؤا وكفؤا» ويقول: أكره أن تذهب عني عشر حسنات بحرف أدعه إذا همزته. وذكر عاصم أن أبا عبد الرحمن السلميّ كان يقول ذلك، وروى حسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم «هزوا وكفوا» بواو ولم يذكر الهمز.

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ط). (2) في (م): هزؤا. (3) هو هبيرة بن محمد التمار أبو عمرو الأبرش البغدادي أخذ القراءة عرضا عن حفص بن سليمان عن عاصم (طبقات القرّاء 2/ 353). (4) في الأصل (الصوفي) وهو تحريف من الناسخ، والعوفي هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعيد بن جنادة أبو جعفر العوفي البغدادي، شيخ معروف، روى الحروف عن أبيه سعد عن حفص عن عاصم. روى عنه الحروف ابن مجاهد وسمع منه محمد بن مخلد العطار (طبقات القراء 2/ 142).

وروى المفضّل عن عاصم «هزءا» مهموزا ساكنة الزاي في كل القرآن. واختلفوا «1» عن نافع في ذلك، فروى ابن جمّاز وورش وخلف بن هشام عن المسيّبي وأحمد بن صالح المصري «2» عن قالون: أنه ثقّل «هزؤا وكفؤا» وهمزهما [وخفف جزءا وهمزها] «3» وكذلك قال يعقوب بن حفص عنه. وقال إسماعيل بن جعفر عن نافع وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع «هزءا وجزءا وكف ءا» مخففات مهموزات. وأخبرني محمد بن الفرج، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن نافع، وحدثنا القاضي «4» عن قالون، عن نافع: أنه ثقّل (هزؤا) وهمزها، وخفّف (جزءا وكفؤا) وهمزهما. وقال الحلوانيّ عن قالون: أنّه ثقّل (كفؤا) أيضا. حدثني أبو سعيد البصريّ الحارثيّ «5» عن الأصمعيّ عن

_ (1) في (ط): واختلف. (2) وقع في الأصل: «المقري» والتصويب من غاية النهاية 1/ 62. (3) ما بين المعقوفتين سقطت من (م). (4) هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد القاضي أبو إسحاق الأزدي البغدادي، ثقة مشهور كبير ولد سنة تسع وتسعين ومائة. روى القراءة عن قالون وله عنه نسخة وعن أحمد بن سهل عن أبي عبيد. صنف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماما، روى القراءة عنه ابن مجاهد وابن الأنباري ومحمد بن أحمد الإسكافي وغيرهم. (طبقات القراء 1/ 162). (5) هو عبد الرحمن بن محمد بن منصور أبو سعيد الحارثي البصري المعروف

نافع أنه قرأ: «هزؤا» مثقّلة مهموزة. وروى أبو قرّة عن نافع: هزءا خفيفة مهموزة. ولم يذكر غير هذا الحرف «1». قال أبو زيد: هزئت «2» هزءا ومهزأة. وقال: [أبو علي: قوله تعالى] «3» أَتَتَّخِذُنا هُزُواً فلا يخلو «4» من أحد أمرين: أحدهما: أن يكون المضاف محذوفا، لأن (الهزء) حدث، والمفعول الثاني في هذا الفعل «5» يكون الأول «6»، قال «7»: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة/ 1] أو يكون: جعل الهزء المهزوء به مثل: الخلق «8»، والصيد في قوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [المائدة/ 96] ونحوه. فأما قوله: لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً [المائدة/ 57]. فلا تحتاج فيه إلى تقدير محذوف مضاف كما احتجت في الآية الأخرى، لأن الدّين ليس بعين. وقول موسى عليه السلام: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [البقرة/ 67]

_ بكربزان. روى عن الحسن بن يزيد عن الأصمعي عن نافع، وعنه ابن مجاهد (طبقات القراء 1/ 379). (1) السبعة: 157 - 160. (2) في (ط): هزئت به. (3) ما بين معقوفتين سقط من (م). (4) في (ط): لا يخلو. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): هو الاول. (7) في (ط): قال تعالى. (8) وذلك في قوله سبحانه: (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض) الكهف/ 51.

في جواب: أتتخذنا هزؤا يدلّ على أن الهازئ جاهل. قال أبو الحسن: زعم عيسى أنّ كلّ اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فمن العرب من يثقّله ومنهم من يخفّفه، نحو: العسر واليسر والحكم «1» والرّحم، فممّا يقوي هذه الحكاية أن ما كان على فعل من الجموع، مثل: كتاب، وكتب، ورسول ورسل، قد استمرّ فيه الوجهان، فقالوا: رسل، ورسل، حتى جاء ذلك في العين إذا كانت واوا نحو: ...... سوك الإسحل «2» ونحو قوله: وفي الأكفّ اللامعات سور «3»

_ (1) في (ط): الحلم. (2) جزء من بيت لعبد الرحمن بن حسان ونصه في شرح شواهد الشافية (122): أغرّ الثنايا أحمّ اللّثا ... ت تمنحه سوك الإسحل اللسان/ سوك/ المنصف 1/ 338، ابن يعيش 10/ 84 (يحسّنه سوك) وسوك: جمع سواك: والإسحل: شجر يستاك به، والأحم: الأسود. واللثاث: جمع لثة وهي ما حول الأسنان. (3) عجز بيت لعدي بن زيد العبادي من أبيات، وهو بتمامه مع روايته: الصحيحة: عن مبرقات بالبرين وتب*- دو بالأكف اللامعات سور انظر سيبويه 2/ 369 ابن يعيش 10/ 84 المنصف 1/ 338 اللسان/ لمع/ (تبدو وبالأكف). شرح شواهد الشافية: 121. السور: جمع سوار، وأراد بالأكف المعاصم. والمبرقة: المرأة المتزينة. والبرين: الخلاخل جمع برة، على خلاف القياس.

وحكى أبو زيد: قوم قول. فأما فعل في جمع أفعل نحو: أحمر وحمر: فكأنهم ألزموه الإسكان للفصل بين الجمعين. وقد جاء فيه التحريك في الشعر، وإذا كان الأمر على هذا يجب «1» أن يكون ذلك مستمرا في نحو: الجزء، والكفء، والهزء. إلّا أنّ من ثقّل فقال: رأيت جزؤا، وكفؤا، فجاء به مثقّل العين محقّق الهمزة، فله أن يخفّف الهمزة، فإذا خفّفها وقد ضمّ العين لزم أن يقلبها واوا فيقول: رأيت جزوا، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص/ 4]. فإن خفّف كما يخفف الرحم فأسكن العين، قال: هُزُواً وجزوا فأبقى الواو التي انقلبت عن الهمزة لانضمام ما قبلها، وإن لم تكن ضمة العين في اللفظ لأنها مرادة في المعنى، كما قالوا: لقضو الرجل، فأبقوا الواو ولم يردّوا اللام التي هي ياء من «2» قضيت، لأن الضمة وإن كانت محذوفة من اللفظ مرادة في المعنى. وكذلك قالوا: رضي زيد، فيمن قال: علم ذاك، فلم يردّوا الواو التي هي لام لزوال الكسرة، لأنها مقدّرة مرادة، وإن كانت محذوفة من اللفظ. ومما يقوي أنّ هذه الحركة، وإن كانت محذوفة في اللفظ، مرادة في التقدير- رفضهم جمع كساء، وغطاء، ونحوه من المعتل اللام على فعل. ألا ترى أنّهم رفضوا جمعه على فعل لمّا كان في تقدير فعل، واقتصروا على أدنى العدد، نحو: أغطية وأكسية، وخباء وأخبية، فكذلك تقول: رأيت كفوا، فتثبت الواو وإن كنت قد حذفت الضمة الموجبة لاجتلابها.

_ (1) في (ط): وجب. (2) في (ط): في.

فأما من أسكن فقال: (الجزء والكفء)، كما تقول: اليسر، فتكلّم به مسكّن العين، وخفّف الهمزة على هذا، فإنّ تخفيف الهمزة في قوله: أن يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها. فيقول: رأيت جزا، كما يقول: يخرج الخب «1» في السماوات [النمل/ 25] فإذا وقف على هذا في القول الشائع، أبدل من التنوين الألف كما تقول: رأيت زيدا، فإذا وقف في الرفع والجرّ، حذف الألف كما يحذف من يد، وغد، فيهما. وعلى ما وصفنا تقول: لبؤة، فإذا خففت الهمزة قلت: لبوة، فإن أسكنت العين في من قال: عضد، وسبع، قلت: لبوة فلم تردّ الهمزة لتقدير الحركة، وزعموا أنّ بعضهم قال: لباة، فهذا كأنّه «2» كان: لبأة، ساكن العين ولم يقدّر فيها الحركة التي في لبؤة فخفّفها على قول من قال: «المراة والكماة» وليس هذا مما يقدح فيما حكاه عيسى. ألا ترى أنّهم قد قالوا: رضيوا، فجعلوا السكون الذي في تقدير الحركة بمنزلة السكون الذي لا تقدّر فيه الحركة، ولولا ذلك للزم حذف الياء التي هي لام كما لزم حذفها في قول من حرّك العين ولم يسكن. فإذا كان الأمر في هذه الحروف على ما ذكرنا، فقراءة من قرأ بالضم وتحقيق الهمز «3» في الجواز والحسن، كقراءة من

_ (1) قال أبو حيان في البحر المحيط 7/ 69: قرأ أبي وعيسى بنقل حركة الهمزة إلى الباء وحذف الهمزة. والخبء: مصدر أطلق على المخبوء وهو المطر والنبات وغيرهما مما خبأه الله تعالى من غيوبه. وانظر سيبويه 2/ 165 وفهارسه للأستاذ النفاخ ص 36. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): الهمزة.

قرأ بالإسكان وقلب الهمزة واوا، لأنه تخفيف قياسيّ. ويجوز أن يأخذ الآخذ باللغتين جميعا كما روى أبو زيد عن أبي عمرو، أنه خيّر بين التخفيف والتثقيل. فأمّا قراءة حمزة للحروف الثلاثة بالإسكان والهمز فعلى قول من قال: اليسر والرّحم. فأما اختياره في الوقف: هُزُواً بإسكان الزاي، وإثبات الواو بعدها، وبعد الفاء من كفو ورفضه الهمز في الوقف، فإنه ترك الهمز في الوقف هنا «1» كما تركه في غير هذا الموضع ووجه تركه الهمز في الوقف أن الهمزة حرف قد غيّر في الوقف كثيرا. ألا ترى أنها لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة، فإذا كانت ساكنة، لزمها بدل الألف إذا انفتح ما قبلها. وبدل الياء إذا انكسر ما قبلها، وبدل الواو إذا انضمّ ما قبلها في لغة أهل الحجاز، وذلك قولك: لم أقرأ، تبدلها ألفا، ولم أهني تبدلها ياء، وهذه أكمو، تبدلها واوا. فإذا كانت متحركة لزمها القلب في نحو: هذا الكلو، وبالكلي، ورأيت الكلا. فلما رأى هذه التغييرات تعتقب عليها في الوقف، غيّرها فيه. ألا ترى أن الهمزة الموقوف عليها لا تخلو من أن تكون في الوصل ساكنة أو متحركة، وقد تعاورها ما ذكرنا من التغيير في حال حركتها وسكونها، ألزمها التغيير في الوقف ولم يحقّقها فيه، لأن الوقف موضع يغيّر فيه الحروف التي لم تتغيّر تغيّر الهمزة فألزمها في الوقف التغيير، ولم يستعمل فيه التحقيق، لما رأى من حال الهمز في الوقف.

_ (1) في (ط): هاهنا.

فإن قلت: فإنه قد غيّر ذلك في الوقف وإن لم يكن الهمز آخر الحرف الموقوف عليه: نحو يَسْتَهْزِؤُنَ [النحل/ 34]. قيل: إن الوقف قد يغيّر فيه الحرف الذي قبل الحرف الموقوف عليه نحو: النقر والرّحل، فصار لذلك بمنزلة الموقوف عليه في التغيير. فإن قلت: إن الهمزة في يَسْتَهْزِؤُنَ ليس على حدّ النّقر. قيل: يجوز أن تكون النون لما كانت تسقط للجزم والنصب عنده لم يعتدّ بها كما لا يعتدّ بأشياء كثيرة لا تلزم. ويؤكد ذلك، أن النون إعراب وأنها بمنزلة الحركة من حيث كان «1» إعرابا مثلها، فلم يعتدّ بها كما لا «2» يعتدّ بالحركة. فاختياره في الدّرج التحقيق، وفي الوقف التخفيف، مذهب حسن متجه في القياس. فأمّا وقفه على قوله: جزا بفتح الزاي من غير همز، فعلى قياس قوله: كفوا وهزوا «3». ألا ترى أن (الجزء)، من أسكن العين منه فقياسه في الوقف في النصب جزا إذا وقف على قوله: وجعلوا له من عباده جزا [الزخرف/ 15] «4» فإن وقف في الجرّ والرّفع، أسكن الزّاي في اللغة الشائعة فقال: هذا جز، ومررت بجز، وإن كان ممّن يقول: هذا فرجّ، فثقّل، لزمه أن يثقّل الحرف

_ (1) في (ط): كانت. (2) في (ط): لم. (3) في (م): كفؤا وهزءا. (4) في هامش (ط): وقف حمزة على الجزء والخبء ونحو ذلك.

البقرة: 74

الذي ألقى عليه حركة الهمزة. فإذا عضد هذا القياس أن يكون الكتاب عليه، جمع إليه موافقة الكتاب، وإنما جاء الكتاب فيما نرى على هذا القياس. وكذلك قراءة عاصم، وما روي عنه في ذلك، ليس يخرج من حكم التحقيق والتخفيف، والتخيير فيهما. وكذلك قول نافع ليس يخرج عما ذكرنا من حكم التحقيق والتخفيف. [البقرة: 74] اختلفوا في التاء والياء في قوله «1»: وَمَا اللَّهُ «2» بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة/ 74]. فقرأ ابن كثير كلّ ما «3» في القرآن من قوله «4»: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بالتاء، إلا ثلاثة أحرف: قوله «5»: لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما يعملون [البقرة/ 74] بالياء «6» وقوله «7»: يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون [البقرة/ 85] بالياء. وقوله «8»: لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة/ 144]، بالياء. وقرأ ما كان من قوله: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء [الأنعام/ 132 والنمل/ 93]. وقرأ نافع من هذه الثلاثة الأحرف حرفين بالياء: قوله: إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون بالياء، وكذلك: لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء، وسائر القرآن بالتاء.

_ (1) في (ط): قوله تعالى. (2) في (م): وما ربك، وهي من سورة الأنعام/ 132. (3) في (ط): كل ما كان. (4) في (ط): قوله عز وجلّ. (5) في (ط): قوله تعالى. (6) سقطت من (م). (7) في (ط): وقوله تعالى. (8) في (ط): وقوله تعالى.

وكذلك قرأ ما كان من قوله: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. بالتاء، وهما حرفان في آخر سورة هود، [الآية/ 123]، وآخر سورة النّمل [الآية/ 93] فهما عنده بالتاء. وقرأ في سورة الأنعام: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء [الآية/ 132]. وقرأ ابن عامر كلّ ما جاء في القرآن من قوله: وما الله بغافل عما تعملون بالتاء. وقرأ في سورة الأنعام وآخر سورة هود وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بالتاء، وقرأ في آخر سورة النّمل، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء فهذه حروف كذلك في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان. ورأيت في كتاب «1» موسى بن موسى الختّلي «2» عن ابن ذكوان: بالتاء. وفي آخر النمل: بالتاء أيضا. وقال الحلوانيّ عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر ذلك كلّه بالتاء وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء في موضعين، قوله: يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء. وقوله: لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء، وسائر القرآن بالتاء.

_ (1) سقطت من (م). (2) هو موسى بن موسى بن غالب أبو عيسى الختلي البغدادي روى القراءة عن عبد الله بن ذكوان وهارون بن حاتم روى القراءة عنه أبو بكر بن مجاهد. انظر طبقات القرّاء 2/ 323 برقم 3700.

وكلّ «1» ما في القرآن من قوله: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فهو بالياء، وهذا «2» قول أبي بكر بن عيّاش عن عاصم. وقال حفص عن عاصم في رأس الأربع والأربعين والمائة: لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة] بالياء، هذه وحدها، وسائر القرآن بالتاء. وقال حفص: قرأ عاصم في سورة الأنعام: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [الآية/ 132] بالياء، وقرأ في آخر هود وآخر النّمل: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بالتاء مثل قراءة نافع. وقرأ أبو عمرو رأس الأربع والأربعين والمائة، والتسع والأربعين والمائة «3»: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء، وسائر القرآن من قوله: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بالتاء. وما كان من قوله: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فهو بالياء. وقرأ حمزة والكسائيّ كلّ ما كان من قوله: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بالتاء «4». وكلّ ما في القرآن من قوله «5»: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ فهو ستّة مواضع. خمسة منها في سورة البقرة «6»، وحرف في آل عمران عند المائة. وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ ثلاثة مواضع «7»: في الأنعام وآخر هود وآخر النّمل.

_ (1) في (ط): وكل ما كان. (2) في (ط): هذا. (3) أي في سورة البقرة كلتاهما. (4) السبعة 160 - 162. (5) في (ط): قوله عز وجل. (6) وأرقامها: 74 - 85 - 140 - 144 - 149. (7) سقطت من (ط).

قال أبو عليّ: القول في جملة ذلك أنّ ما كان قبله خطاب جعل بالتاء، ليكون الخطاب معطوفا على خطاب مثله- كقوله «1»: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ [البقرة/ 74] وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، فالتاء هنا «2» حسن، لأنّ المتقدّم خطاب. ولو كان: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ على لفظ الغيبة. أي: وما الله بغافل عما يفعل هؤلاء الذين اقتصصنا عليكم قصصهم أيها المسلمون، لكان حسنا. وإن كان الذي قبله غيبة «3»، حسن أن يجعل على لفظ الغيبة، ليعطف ما للغيبة على مثله، كما عطفت ما للخطاب على مثله. ويجوز فيما كان قبله لفظ غيبة الخطاب. ووجه ذلك أن تجمع بين الغيبة والخطاب، فتغلّب الخطاب على الغيبة، لأنّ الغيبة يغلب عليها الخطاب فيصير كتغليب المذكّر على المؤنّث، ألا ترى أنّهم قد بدءوا بالخطاب «4» على الغيبة في باب الضمير، وهو موضع يردّ فيه كثير من الأشياء إلى أصولها؟ نحو: لك، ونحو قوله: فلا بك ما أسال ولا أغاما «5» فلمّا قدّموا المخاطب على الغائب فقالوا: أعطاكه ولم

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (ط): هاهنا (3) في (م): «قبل غيب». (4) في (ط): قدموا الخطاب. (5) عجز بيت صدره: رأى برقا فأوضع فوق بكر وقد سبق في 1/ 106.

البقرة: 81

يقولوا: أعطاهوك. علمت أنه أقدم في الرّتبة. كما أن المذكّر مع المؤنث كذلك. فإذا كان الأمر على هذا، أمكن في الخطاب في هذا النحو أن يعنى به الغيب والمخاطبون، فيغلّب الخطاب على الغيبة ويكون المعنى: ما الله بغافل عمّا تعملون. أي فيجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته. ويجوز في الخطاب بعد الغيبة وجه آخر، وهو أن يراد به: قل لهم أيها النبيّ: ما الله بغافل عمّا تعملون، فعلى هذا النحو تحمل هذه الفصول. [البقرة: 81] اختلفوا في قوله تعالى: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ [البقرة/ 81]، فقرأ نافع وحده: خطيئاته، وقرأ الباقون: خَطِيئَتُهُ واحدة «1». قال أبو علي: قوله: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون المعنى أحاطت بحسنته خطيئته أي: أحيطتها من حيث كان المحيط أكبر «2» من المحاط به فيكون بمنزلة قوله: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [العنكبوت/ 54]، وقوله أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها [الكهف/ 29]، أو يكون المعنى في: أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ: أهلكته، من قوله «3»: لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يوسف/ 66] وقوله: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ [يونس/ 22] وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ [الكهف/ 42] فهذا كلّه في معنى البوار والهلكة. ويكون للإحاطة معنى ثالث وهو: العلم. كقوله «4»:

_ (1) السبعة ص 162. (2) في (ط): أكثر. (3) من قوله سقطت من (ط). (4) في (ط): تعالى.

كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً [الكهف/ 91] و: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ [الجن/ 28]. وقال: وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ «1» [الأنفال/ 47] أي: عالم. وأما «2» الخطيئة: فقال أبو زيد: خطئت، من الخطيئة. أخطأ خطئا «3» والاسم الخطء، وأخطأت إخطاء، والاسم الخطاء «4». وقال أبو الحسن: الخطء: الإثم، وهو ما أصابه متعمّدا والخطأ: غير التعمّد. ويقال من هذا: أخطأ يخطئ وقال: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب/ 5] واسم الفاعل من هذا مخطئ. فأمّا خطئت: فاسم الفاعل فيه «5»: خاطئ، وهو المأخوذ به فاعله، وفي التنزيل: لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ [الحاقة/ 37] وقد قالوا: خطئ في معنى أخطأ، قال: يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا «6» المعنى: أخطأتهم، ويدلّك على هذا قول الأعشى:

_ (1) في (ط): وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج/ 20]. (2) في (ط): فأما. (3) في (ط): خطأ. (4) الخطء والخطأ والخطاء: ضد الصواب (القاموس). (5) في (ط): منه. (6) من أرجوزة لامرئ القيس في ديوانه ص/ 134 يقولها عند ما بلغه أن بني أسد قتلت أباه، وفي اللسان. والتاج/ خطأ/ برواية: يا لهف هند بدل: يا لهف نفسي. ويريد بقوله: إذ خطئن: الخيل. وكاهل: هي من بني أسد. اللهف واللهف: الأسى والحزن والغيظ، وقيل: الأسى على شيء يفوتك بعد ما تشرف عليه. وانظر شرح أبيات المغني 3/ 105.

فأصبن ذا كرم ومن أخطأنه ... جزأ المقيظة خشية أمثالها «1» يصف أيضا خيلا. ومما جاء فيه: خطئ في معنى أخطأ قول الشاعر «2»: والناس يلحون الأمير إذا هم ... خطئوا الصّواب ولا يلام المرشد فأما الخطيئة فتقع على الصغير وعلى الكبير، فمن وقوعها «3» على الصغير قوله: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء/ 82] ومن وقوعها «3» على الكبير قوله: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ [البقرة/ 81]. فأمّا قولهم: خطيئة يوم لا أصيد فيه «5»، فالمعنى فيه: قلّ يوم لا أصيد فيه. وأما قوله: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [البقرة/ 286] فالمعنى أن يكون أخطأنا في معنى: خطئنا،

_ (1) انظر الديوان/ 33 والمقيظة: نبات يبقى أخضر إلى القيظ يكون علفة للإبل إذا يبس ما سواه. انظر اللسان (قيظ) وجزأ بالشيء: اكتفى. (2) هو عبيد بن الأبرص، اللسان/ أمر/ المحتسب 2/ 20 وقد ورد البيت في ديوان عبيد ص/ 42/ برواية أخرى: لا شاهد فيها: والناس يلحون الأمير إذا غوى ... خطب الصواب ولا يلام المرشد يلحون: يلومون، غوى: ضل. الخطب: الأمر والشأن. ويريد بخطب الصواب: الصواب نفسه. (3) في (ط): وقوعه. (5) ويقال: خطيئة يوم يمر بي أن لا أرى فيه فلانا. انظر اللسان (خطأ).

ونسينا في معنى تركنا. لأن الخطأ والنسيان موضوعان عن الإنسان وغير مؤاخذ بهما. فيكون أَخْطَأْنا بمنزلة خطئنا كما جاء خطئنا في معنى أخطأنا. ويجوز أن تكون أَخْطَأْنا في قوله: أَوْ أَخْطَأْنا على غير التعمّد. والنّسيان: خلاف الذّكر، وليس التّرك، ولكن تعبّدنا بأن ندعو لذلك، كما جاء في الدعاء: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الأنبياء/ 112] والله سبحانه لا يحكم إلا بالحقّ. وكما قال: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ [آل عمران/ 194] وما وعدوا به على ألسنة الرّسل يؤتونه. وكذلك قول الملائكة في دعائهم للمسلمين: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ، وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [غافر/ 7] وكذلك قوله: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ [البقرة/ 286] يكون على ما يكرثهم «1» ويثقل على طباعهم، وتكون الطاقة: الاستطاعة. وقد يكون: أخطأنا: أتينا بخطإ. كقولك: أبدعت: أتيت ببدعة. ونحو هذا مما يراد به هذا النّحو. وتقول: خطّأته فأخطأ. فيكون هذا كقولهم: فطّرته فأفطر. فأمّا ما روي عن ابن عباس من قوله: خطّ الله نوءها «2».

_ (1) يكرثهم من كرثه الأمر يكرثه ويكرثه كرثا، وأكرثه: ساءه واشتد عليه، وبلغ منه المشقة ويقال: ما أكترث له أي ما أبالي به. اللسان/ كرث/. (2) يشير إلى جواب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عند ما سئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت: أنت طالق ثلاثا، فقال: خطّأ الله نوءها ألّا طلقت نفسها. يقال لمن طلب حاجة فلم ينجح: أخطأ نوؤك، أراد جعل

فقال أبو عبد الله اليزيديّ وغيره. ليس ذلك من الخطأ، وإنّما هو خطّ «1» مثل ردّ، من الخطيطة قال: وهي أرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين. السيئة في قوله «2»: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة/ 81] يجوز أن يكون. الكفر. ويجوز أن يكون: كبيرا يوتغ «3» ويهلك، ويجوز أن يكون: من للجزاء الجازم، ويجوز أن يكون «4» للجزاء غير الجازم، فتكون: السيّئة. وإن كانت مفردة، تراد بها الكثرة فكذلك تكون خطيئة «5» مفردة ... وإنما حسن أن تفرد لأنه مضاف إلى ضمير مفرد، وإن كان يراد به الكثرة كما قال «6»: مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [البقرة/ 112] فأفرد الوجه والأجر، وإن كان في المعنى جمعا في الموضعين. فكذلك المضاف إليه: الخطيئة، لما لم يكن جمعا لم تجمع كما جمعت في قوله: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ [البقرة/ 58]

_ الله نوءها مخطئا لها لا يصيبها مطره. ويروى: خطى الله نوءها، بلا همز. ويكون من خطط، وسيجيء في موضعه. ويجوز أن يكون من خطى الله عنك السوء، أي: جعله يتخطاك، يريد يتعداها فلا يمطرها، ويكون من باب المعتل اللام. قاله في النهاية 2/ 45 (خطأ). وقال في خطط، ص 48: وفي حديث ابن عباس: «خط الله نوءها» هكذا جاء في رواية، وفسر أنه من الخطيطة، وهي الأرض التي لا تمطر بين أرضين ممطورتين، وانظر اللسان/ خطأ، خطط/. (1) في (ط): من خط. (2) في (ط): تعالى. (3) وتغ يوتغ وتغا: فسد وهلك وأثم، والموتغة: المهلكة. والوتغ: الوجع والوتغ: الإثم وفساد الدين، وقيل: الوتغ: قلة العقل في الكلام، اللسان/ وتغ/. (4) في (ط): أن تكون من. (5) في (ط): خطيئته. (6) في (ط): تعالى.

لأنه مضاف إلى جماعة لكل واحد منهم خطيئة. وكذلك قوله: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا [الشعراء/ 51] وقوله «1»: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ [طه/ 73] وكذلك قوله: وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ [البقرة/ 58] لأن كل لفظة من ذلك مضافة إلى جمع. فجمعت كجمع ما أضيف إليه. فأمّا قوله: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. فمضاف إلى مفرد. فكما أفردت السيئة ولم تجمع، وإن كانت في المعنى جمعا، فكذلك ينبغي أن تفرد الخطيئة، وأنت إذا أفردته لم يمتنع وقوعه على الكثرة وإن كان مضافا. ألا ترى أنّ في التنزيل: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم/ 34] فالإحصاء إنما يقع على الجموع والكثرة، وكذلك ما أثر في الحديث من قوله: «منعت العراق درهمها وقفيزها. ومصر إردبّها» «2» فهذه أسماء مفردة مضافة، والمراد بها الكثرة فكذلك الخطيئة. ومما يرجّح به قول من أفرد ولم يجمع لأنه مضاف إلى مفرد، فأفرد لذلك وكان الوجه: قوله: بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [البقرة/ 112]

_ (1) في (ط): تعالى. (2) رواه مسلم في كتاب الفتن برقم 2896 من حديث أبي هريرة، وأبو داود في الإمارة رقم 3035 وأحمد 2/ 262 الدرهم والدرهم لغتان فارسي معرب ملحق ببناء كلامهم وجمعه دراهم وجاء في تكسيره دراهيم. قاله ابن سيده. القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك معروف عندهم. انظر النهاية لابن الأثير 4/ 90 واللسان/ درهم/. قفز/ الإردب: مكيال لهم يسع أربعة وعشرين صاعا. والهمزة فيه زائدة. انظر النهاية لابن الأثير 1/ 37.

فأفرد الأجر لما كان مضافا إلى مفرد، ولم يجمع كما جمع قوله: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء/ 25] فكما لم يجمع الأجر في الإضافة إلى الضمير المفرد، كما جمع لمّا أضيف إلى الضمير المجموع، كذلك ينبغي أن تكون الخطيئة مفردة إذا أضيفت إلى الضمير المفرد، وإن كان المراد به الجميع «1». ومن قال «خطيئاته» فجمع، حمله على المعنى، والمعنى: الجمع والكثرة. فكما جمع ما كان مضافا إلى جمع كذلك جمع ما كان مضافا إلى مفرد، يراد به الجمع من حيث اجتمعا في أنهما كثرة، ويدلّك على أنّ المراد به الكثرة. فيجوز من أجل ذلك أن تجمع خطيئة على المعنى لأن الضمير المضاف إليه جمع في المعنى. قوله: فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ [البقرة/ 81] فأولئك خبر المبتدأ الذي هو: مَنْ في قول من جعله جزاء غير مجزوم كقوله: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل/ 53] أو مبتدأ في قول من جعله جزاء مجزوما. وفي كلا الوجهين يراد به: مَنْ في قوله: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة/ 81]. ومما يدلّ على أن مَنْ يراد به الكثرة فيجوز لذلك أن تجمع خطيئة لأنها مضافة إلى جمع في المعنى. قوله بعد هذه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة/ 82]، ألا ترى أن الَّذِينَ جمع، وهو معادل به من. فكذلك المعادل به يكون جمعا مثل ما عودل به.

_ (1) في (ط): الجمع.

البقرة: 83

[البقرة: 83] اختلفوا في التاء والياء من قوله تعالى «1»: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة/ 83] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ: لا يعبدون بالياء. وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم «2» وابن عامر لا تَعْبُدُونَ بالتاء «3». قال أبو علي: الألفاظ التي جرت في كلامهم مجرى القسم، حتى أجيبت بجوابه. تستعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون كسائر الأخبار التي ليست بقسم، فلا يجاب كما لا يجاب «4». والآخر: أن يجري مجرى القسم فيجاب كما يجاب القسم. فممّا لم يجب بأجوبة القسم قوله: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «5» [الحديد/ 8]. ومنه قوله: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة/ 63] وقال «6»: فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ، وَيَحْسَبُونَ. فما جاء بعد من ذلك فيه ذكر الأوّل «7» ممّا يجوز أن يكون حالا احتمل ضربين: أحدهما: أن يكون حالا، والآخر:

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (ط): وقرأ نافع وعاصم وأبو عمر. (3) السبعة ص 172. (4) في (ط): فلا تجاب كما لا تجاب. (5) هذه قراءة أبي عمرو (أخذ ميثاقكم) بضم الهمزة وكسر الخاء من أخذ ورفع ميثاقكم. وقرأ الباقون بفتح الهمزة والخاء (أخذ) ونصب (ميثاقكم). (6) في (ط): وقال تعالى. وتمام الآية: وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ [المجادلة/ 18]. (7) في (ط): للأول.

أن يكون قسما، وإنما جاز أن تحمله على الحال دون جواب القسم، لأنه قد جاز أن يكون معرّى من الجواب، وإذا جعلت ما يجوز أن يكون حالا، فقد عرّيتها من الجواب. فمما يجوز أن يكون حالا قوله تعالى «1»: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ... [البقرة/ 63] فقوله: وَرَفَعْنا يجوز أن يكون حالا وتريد فيه قد. وإن شئت لم تقدّر فيه الحال. ومما يجوز أن يكون ما بعده فيه حالا غير جواب، قوله: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [البقرة/ 83] فهذا يكون حالا كأنه أخذ ميثاقهم موحّدين، وكذلك «2»: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ [البقرة/ 84] أي: غير سافكين، فيكون حالا من المخاطبين المضاف إليهم. وإنما جاز كونهما لما ذكرنا من أجل أن هذا النحو قد تعرّى من أن يجاب بجواب القسم. ألا ترى أن قوله (خذوا) في الآية ليس بجواب قسم، ولا يجوز أن يكون جوابا له؛ وكذلك من قرأ: «لا تعبدوا» فجعل لا للنهي كما كان: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ [آل عمران/ 187] قسما- وكذلك: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ [النحل/ 38] فكما أن لَتُبَيِّنُنَّهُ لا يكون إلا جوابا، كذلك يكون قوله: لا تَعْبُدُونَ ولا تَسْفِكُونَ. يجوز أن يكون جوابا للقسم. ويجوز أن يكون «لا تَسْفِكُونَ» ونحوه في تقدير: أن لا تسفكوا كأنّ تقديره: أخذنا ميثاقهم بأن لا يسفكوا. ولا يكون ذلك جواب

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): وكذلك قوله.

قسم كما كان فيمن قدّره حالا غير جواب قسم. إلا أنه لما حذف (أن) ارتفع الفعل. واعلم أن ما يتصل بهذه الأشياء الجارية مجرى القسم في أنّها أجيبت بما يجاب به القسم. لا يخلو من أن يكون لمخاطب أو لمتكلم، أو لغائب جاز أن يكون على لفظ الغيبة من حيث كان اللفظ لها. وجاز أن يكون على لفظ المخاطب. وإنما جاز كونه على لفظه «1»، لأنّك تحكي حال الخطاب، وقت ما يخاطب به، ألا ترى أنهم قد قرءوا: «2» قل للذين كفروا سيغلبون ويحشرون إلى جهنم [آل عمران/ 12] على لفظ الغيبة، وبالتاء على لفظ الخطاب على حكاية حال الخطاب في وقت الخطاب، فإذا كان هذا النحو جائزا، جاز أن تجيء القراءة بالوجهين جميعا، وجاز أن تجيء بأحدهما، كما جاء قوله: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ [البقرة/ 83] بالوجهين كما جاء سيغلبون، ويحشرون بالوجهين «3»، ويجوز في قياس العربية في قوله: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال/ 38] على الوجهين اللذين قرئ بهما في «سيغلبون، وستغلبون» «4». وإن كان الكلام على الخطاب لم يجز فيما يكون في تقدير ما يتلقّى به القسم إلا الخطاب، كقوله:

_ (1) في (ط): لفظ الخطاب. (2) قراءة حمزة والكسائي وخلف بالغيب فيهما، وقرأ الباقون بالخطاب [النشر/ 238]. (3) في (ط): بالوجهين جميعا. (4) في (ط): وستغلبون ويحشرون.

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ [البقرة/ 84] فهذا لا يجوز أن يكون إلا على الخطاب، لأن المأخوذ ميثاقهم مخاطبون ولأنّك إن حكيت الحال التي يكون الخطاب فيها فيما يأتي لم يجز أن تجعل المخاطبين كالغيب، كما جاز في الغيب الخطاب من حيث قدّرت الحال التي يكون فيها الخطاب فيما تستقبل، ألا ترى أنّه لا يجوز أن تجعل المخاطبين غيبا، فتقول:" أخذنا ميثاقكم لا يسفكون" لأنك إذا قدّرت الحكاية، كان التقدير: أخذنا ميثاقكم فقلنا لكم: لا تسفكون، كان بالتاء ولم يجز الياء، كما لا يجوز أن تقول للمخاطبين: هم يفعلون، وأنت تخاطبهم. وإن لم تقدّر الحكاية فهو بالتاء، فلا مذهب إذن في ذلك غير الخطاب. فقوله «1»: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ [البقرة/ 83] لا يخلو قوله: تَعْبُدُونَ من أن يكون حالا، أو يكون تلقّي قسم، أو يكون على لفظ الخبر. والمعنى معنى الأمر، أو تقدّر الجارّ في (أن) فتحذفه ثم تحذف أن فإن جعلته حالا جعلته على قول من قرأ بالياء فقال: لا يعبدون ليكون في الحال ذكر من ذي الحال. فإن قلت: وإذا قرئ بالياء فالمراد به هو بنو إسرائيل، والحال مثل الصفة، وقد حملت الصفة في هذا النحو على المعنى. فإن هذا قول، والأول البيّن. وإن جعلته تلقّي قسم، فإنّ هذا اللفظ الذي هو: أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ

_ (1) في (ط): فقوله تعالى.

مجاز ما يقع بعده على ثلاثة أضرب: أحدها: أن لا يتبع شيئا مما يجري مجرى الجواب كقوله: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الحديد/ 8] والآخر: أن يتلقّى بما يتلقّى به القسم. نحو: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آل عمران/ 187] والثالث: أن يكون أمرا نحو: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، خُذُوا. ولم يجيء شيء من هذا النحو فيما علمنا «1» تلقّي بجواب قسم، ووقع بعده أمر فإن جعلت: لا تَعْبُدُونَ جواب قسم وعطفت عليه الأمر جمعت بين أمرين لم يجمع بينهما. فإن قلت: لا أحمل الأمر على القسم، ولكن أضمر القول كأنّه: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا يعبدون إلّا الله ... وقلنا لهم: وأحسنوا بالوالدين إحسانا. فالقول: إن إضمار القول في هذا النحو لا يضيق، وقلنا على هذا معطوف على: أخذنا، وأخذ الميثاق قول، وكأنّه: قلنا لهم كذا، وقلنا لهم كذا. فإن جعلته على أنّ اللفظ في: لا تَعْبُدُونَ لفظ خبر. والمعنى معنى الأمر، فإن ذلك يقويه ما زعموا من أنّ في إحدى القراءتين: ولا تعبدوا «2» ومثل ذلك قوله: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الصف/ 11] يدلّك على ذلك قوله يَغْفِرْ لَكُمْ [الصف/ 12] وزعموا أن في بعض المصاحف آمنوا، ويؤكد ذلك أنه قد عطف عليه بالأمر، وهو قوله: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، [البقرة/ 83]

_ (1) في (ط): علمناه. (2) في (ط): لا تعبدوا.

البقرة: 83

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة/ 43] وإن حملته على أن المعنى: أخذنا ميثاقهم بأن لا تعبدوا، فإن هذا قول، إن حملته عليه كان فيه حذف بعد حذف. وزعم سيبويه أن حذف (أن) من هذا النحو قليل. وحجة من قرأ: «لا تَعْبُدُونَ» بالخطاب، قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ. ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ [آل عمران/ 81]. فجاء على الخطاب وقولوا. قال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران/ 187]. ومما يقوّيه قوله: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [البقرة/ 83] فإذا كان خطابا لا يحتمل غيره، وهو عطف على ما تقدّم، وجب أن يكون المعطوف عليه في حكمه. ومن قرأ: لا يعبدون بالياء فإنه يدل عليه قوله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال/ 38] فحمله على لفظ الغيبة فكلّ واحد من المذهبين قد جاء التنزيل به. [البقرة: 83] اختلفوا في ضم الحاء والتخفيف وفتحها والتثقيل من قوله «1»: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة/ 83] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر، حُسْناً بضم الحاء والتخفيف. وقرأ حمزة والكسائيّ «2» حُسْناً بفتح الحاء والتثقيل.

_ (1) في (ط): قوله عزّ وجلّ. (2) كذا في (ط) وسقطت من (م).

وقرأ الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائيّ في سورة الأحقاف إِحْساناً [الآية/ 15] بألف. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر حُسْناً خفيفة بغير ألف «1». قال أبو علي: من قرأ حُسْناً احتمل قوله وجهين: يجوز أن يكون الحسن لغة في الحسن، كالبخل والبخل والرّشد والرّشد، والثّكل والثّكل، وجاء «2» ذلك في الصفة، كما جاء في الاسم، ألا تراهم قالوا: العرب والعرب، وهو صفة يدلّك على ذلك: مررت بقوم عرب أجمعون. فيكون الحسن على هذا صفة، كالحسن ويكون: كالحلو والمرّ، ويجوز أن يكون الحسن مصدرا كالكفر والشّكر والشّغل، وحذف المضاف معه كأنّه: قولا ذا حسن. ويجوز أن تجعل القول نفسه الحسن في الاتّساع، وعلى هذا «3»: زورة وعدلة، فأنّثوا كما يؤنّثون الصفة التي تكون إياها، نحو: ظريفة وشريفة وحسنة، والدّليل على أن زورا مصدر، وليس كراكب وركب ما أنشده أحمد بن يحيى «5»: ومشيهنّ بالخبيب «4» مور ... كأنهنّ الفتيات الزور

_ (1) السبعة: ص 162. (2) في (م): وجاز. (3) في (ط): وعلى هذا قالوا. (4) في (ط): بالخبيت. والخبت ما اتسع من بطون الأرض. (5) ورد في اللسان/ مور/ زور/ وروايته في (زور). ومشيهن بالكثيب مور ... كما تهادى الفتيات الزور والخبيب: السرعة، والمور: السرعة، الزور: الذي يزورك. الغور: المطمئن من الأرض. الجور: نقيض العدل، والميل عن القصد، وترك القصد في السير، اللسان/ جور/.

يسألن عن غور وأين الغور والغور منهنّ بعيد جور ومن قال: حسنا جعله صفة، وكان التقدير عنده: وقولوا للنّاس قولا حسنا. فحذف الموصوف وحسن ذلك في حسن لأنها ضارعت الصفات التي تقوم مقام الأسماء. نحو الأبرق، والأبطح، وعبد، ألا تراهم يقولون: هذا حسن، ومررت بحسن، ولا يكادون يذكرون معه الموصوف. ومثل ذلك في حذف الموصوف قوله: قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا [البقرة/ 126] أي متاعا قليلا. يدلك على ذلك قوله: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ [النساء/ 77] وقوله: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِيلٌ [آل عمران/ 197] فحسن هذا وإن كان «1» قد جرى على الموصوف في قوله: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [الشعراء/ 54] فكذلك يحسن في قوله: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً. فأمّا قوله: ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ [النمل/ 11] فينبغي أن يكون اسما، لأنه قد عودل به ما لا يكون إلا اسما وهو «السّوء». وأمّا قوله: وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً [الكهف/ 86] فيمكن أن يكون أمرا ذا حسن، ويمكن أن يكون الحسن مثل الحلو. وأما قراءة الكوفيين «2» في الأحقاف إِحْساناً وهو قوله «3»: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً [الآية/ 15] فيدل عليه قوله: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [البقرة/ 83] والتقدير:

_ (1) في (ط): كان هذا. (2) انظر النشر 2/ 373. (3) في (ط): قوله عزّ وجلّ.

وأحسنوا بالوالدين إحسانا. كأنّه لما قال: أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ قال: وقلنا لهم أحسنوا بالوالدين إحسانا، كما قال: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة/ 63] فالجارّ متعلق «1» بالفعل المضمر، ولا يجوز أن يتعلّق بالمصدر، لأن ما يتعلّق بالمصدر لا يتقدّم عليه، وأحسن: يصل بالباء كما يصل بإلى، يدلّك «2» على ذلك قوله: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [يوسف/ 100] كما تعدّى بإلى في قوله: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص/ 77] والتقدير أنه لمّا قال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ، فكان هذا الكلام قولا صار كأنّه قال: وقلنا أحسن أيّها الإنسان بالوالدين إحسانا. وممّا يؤكّد ذلك ويحسّنه قوله في الأخرى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ... [النساء/ 36]. ووجه من قرأ في الأحقاف: بِوالِدَيْهِ حُسْناً [الآية/ 15] أن يكون أراد بالحسن الإحسان، فحذف المصدر وردّه إلى الأصل كما قال الشاعر «3»: فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يهلك فذلك كان قدري أي: تقديري.

_ (1) في (ط): يتعلق (2) في (ط): ويدلك. (3) هو: يزيد بن سنان. أمالي ابن الشجري 1/ 350 المخصص 9/ 92، والنفث: أقل من التّفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق، والنفث شبيه بالنفخ، وقيل: هو التفل بعينه. اللسان/ نفث/.

البقرة: 85

ويجوز أن يكون وضع الاسم موضع المصدر كما قال: وبعد عطائك المائة الرّتاعا «1» والباء في هذين الوجهين متعلق «2» بالفعل المضمر كما تعلّقت به في قول الكوفيين في قراءتهم إحسانا، ويدلّك على ذلك قولهم: عمرك الله. فنصب المصدر محذوفا كما ينصبه غير محذوف. ويجوز أن تكون الباء متعلقة ب وَصَّيْنَا ويكون حُسْناً محمولا على فعل كأنه «وصيناه» فقلنا: اتّخذ فيهم حسنا، واصطنع حسنا. كما قال: وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً [الكهف/ 86] وحكى أبو الحسن: حسنى ولا أدري أهي قراءة أم لغة غير قراءة. إلا أنّه يحتمل ضربين: أحدهما: أن تكون فعلى الأفعل، إلا أنّه استعمل استعمال الأسماء، فأخرج منها لام المعرفة حيث صارت بمنزلة الأسماء نحو قوله: في سعي دنيا طال ما قد مدّت «3» والآخر: أن يكون بمنزلة: الرّجعى والشّورى والبشرى. [البقرة: 85] اختلفوا في تشديد الظّاء وتخفيفها من قوله تعالى: تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ [البقرة/ 85]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ مشددة الظاء بألف،

_ (1) سبق ذكره في 1/ 182 وص 33 من هذا الجزء. (2) في (ط): هذين الموضعين تتعلق. (3) بيت من الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 410، وبعده: من نزل إذا الأمور غبّت

وكذلك في سورة الأحزاب والتحريم. وروى عليّ بن نصر عن أبي عمرو تَظاهَرُونَ بفتح التاء والظاء خفيفة. [وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ تَظاهَرُونَ خفيفا] «1». وفي التحريم تَظاهَرا عَلَيْهِ [الآية/ 4] خفيفة أيضا. وفارقهما عاصم في التي في سورة الأحزاب فقرأ: تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ [الآية/ 4] بضم التاء مع التخفيف. وقرأ حمزة والكسائيّ تَظاهَرُونَ بفتح التاء مع التخفيف مثل سورة البقرة «2». قال أبو علي: تظّاهرون: تعاونون. وإن تظّاهرا عليه: إن «3» تتعاونا عليه. وقال الأصمعي: اتخذ معك بعيرا، أو بعيرين ظهريّين. يقول: عدّة «4» وقال: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم/ 4] أي معين، فالتقدير فيه الجمع، واللفظ على الإفراد من التنزيل: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء/ 69]. وقال رؤبة: دعها فما النّحويّ من صديقها «5»

_ (1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط). (2) السبعة 162 - 163. (3) في (ط): أي. (4) البعير الظّهري بالكسر هو العدّة للحاجة إن احتيج إليه، نسب إلى الظهر نسبا على غير قياس، يقال: اتخذ معك بعيرا أو بعيرين ظهريين أي: عدة، والجمع ظهاري، اللسان/ ظهر/. (5) سبق ذكره في 1/ 226.

أي: من أصدقائها. وقال: قالوا ساحران تظاهرا [القصص/ 48] أي: تعاونا على سحرهما، وسِحْرانِ تَظاهَرا «1» [القصص/ 48] أي: تعاون أصحابهما، لأنه إنما يتعاون السّاحران لا السّحران. وأما قوله: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [الفرقان/ 55]. فإنه يحتمل تأويلين: أحدهما: وكان الكافر على أولياء ربه معينا. أي يعادونهم ولا يوالونهم. كما قال «2»: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا [الحج/ 72] وقال: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ [القلم/ 51]. والآخر: أن يكون هينا «3» عليه لا وزن له ولا منزلة. وكأنه من قولهم: ظهرت بحاجتي: إذا لم تعن بها قال الشاعر: تميم بن مرّ لا تكوننّ حاجتي ... بظهر ولا يعيا عليّ جوابها «4» المعنى: لا يعيا عليّ جواب ردّها، فحذف المضاف.

_ (1) قرأ الكوفيون (سحران) من غير ألف، وقرأ الباقون (ساحران) انظر النشر في القراءات العشر 2/ 341. (2) زاد في (ط): تعالى. (3) في (ط): أن يكون المعنى كان هيّنا. (4) البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 95 وروايته: تميم بن زيد لا تهونن حاجتي ... لديك ولا يعيا علي جوابها واللسان/ ظهر/ برواية: تميم بن قيس. وتفسير البحر المحيط 1/ 325. وفي (ط): فلا بدل ولا.

ويمكن أن يكون من هذا قوله «1»: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها أي: تلك شكاة هي عنك بظهر فلا يعبأ بها. والكافر في قوله: وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [الفرقان/ 55] كقولهم: كثر الشاه والبعير، في أنه يراد به الكثرة، وقد جاء ذلك في اسم الفاعل، كما جاء في سائر أسماء الأجناس. أنشد أبو زيد: إن تبخلي يا جمل أو تعتلّي ... أو تصبحي في الظاعن المولّي «2» وقال «3»: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ [الصف/ 14] أي غالبين لهم. قاهرين. ومنه ظهر المسلمون على دور الحرب. فأما قول الشاعر: مظاهرة نيّا عتيقا وعوططا ... فقد أحكما خلقا لها متباينا «4»

_ (1) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي وصدره: وعيّرها الواشون أني أحبها انظر شرح أشعار الهذليين 1/ 70 وتفسير أسماء الله الحسنى ص 60 واللسان (ظهر). (2) سبق انظر 1/ 151. (3) في (ط): وقال تعالى. (4) البيت ورد في اللسان/ عوط/ وفي الكتاب لسيبويه 2/ 377 ولم ينسب لأحد، والشاهد في البيت عند سيبويه قلب الياء واوا في العوطط، وعوطط فعلل من عاطت الناقة تعيط عياطا وعوططا إذا لم تحمل، والبيت في وصف ناقة مطارقة الشحم، وافرة القوة والجسم لاعتياط رحمها وعقرها،

فمن قولهم: ظاهر بين درعين. إذا لبس إحداهما فوق الأخرى. وكذلك مظاهرة نيّا. أي: كأنّها قد لبست الجديد على العتيق، وقال «1»: هل هاجك الليل كليل على ... أسماء من ذي صبر مخيل ظاهر نجدا فترامى به ... منه توالي ليلة مطفل ظاهر نجدا، أي: علا نجدا، وتوالي السحاب: أواخره، ومطفل، أي: مطر لنتاج ليلته، أي: نشأ الغيم فيها ومطر. فقراءة الفريقين من ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر، ومن عاصم وحمزة والكسائي، في البقرة وفي التحريم في المعنى سواء. ألا ترى أن الكلمة: تتفاعلون في المعنى، فأما في اللفظ، فمن قال: تَظاهَرُونَ أدغم التاء في الظاء لمقاربتها لها، ومن قال: تَظاهَرُونَ حذف التاء التي أدغمها الآخرون من اللفظ فكلّ واحد من الفريقين كره اجتماع الأمثال والمقاربة. فمن قال: تَظاهَرُونَ خفّف بالإدغام. ومن قال:

_ وأصل المظاهرة: لبس ثوب على آخر فالظاهر منهما ظهارة والباطن بطانة، والني: الشحم. وقد نوت الناقة تنوي إذا سمنت. والعتيق: الحولي القديم، والمتباين هو المتفاوت المتباعد. يعني أنها كاملة الخلق متباعدة ما بين الأعضاء وقد أحكم خلقها- مع تفاوته- السمن والحيال وسدده. (طرة سيبويه). (1) وهو المتنخّل الهذلي والبيتان من قصيدة في ديوان الهذليين ق 2/ 6 و 9 وبينهما 5 أبيات. صبر: جمع صبير وهو الغيم الأبيض ومخيل: أي سحاب ذو مخيلة للمطر.

تَظاهَرُونَ خفّف بالحذف. فالتاء التي أدغمها ابن كثير، ومن قرأ كقراءته، حذفها عاصم وصاحباه، والدليل على أنها هي المحذوفة: أنها كما اعتلّت بالإدغام اعتلّت بالحذف. قال سيبويه «1»: الثانية أولى بالحذف لأنها هي التي تسكن وتدغم في نحو: فَادَّارَأْتُمْ [البقرة/ 72]، وَازَّيَّنَتْ [يونس/ 24] وممّا يقوّي ذلك أن الأولى لمعنى، فإذا حذفت لم يبق شيء يدلّ على المعنى. والثانية من جملة كلمة إذا حذفت دلّ ما بقي من الكلمة عليها. وتفاعل مطاوع فاعل، كما أنّ تفعّل مطاوع فعّل. فتفاعل نحو: تضارب، وتمادى. وفعّل نحو: قطّعته فتقطّع، وملّأته فتملّأ. وقد جاء (ظاهر) متعديا. قال: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ [الأحزاب/ 26] والتي في البقرة والتحريم في المعنى واحد، وإنّما هما من المعاونة. فأما التي في الأحزاب فليس من المعاونة لكنّها «2» من الظّهار. قال أبو الحسن: قالوا: ظاهر من امرأته. ومعنى الظّهار أن يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمّي. أو يشبهها «3» بعضو منها غير الظّهر مما يحرم على الرجل من أمّه. وخالف عاصم الفريقين في ما معناه الظّهار. فقرأ الذي معناه: الظّهار على فاعل. وزعموا أنه قراءة الحسن، وكذلك قرأ هذا المعنى في المجادلة على فاعل فقال:

_ (1) الكتاب 2/ 425، 426. (2) في (ط): لكنه. (3) في (ط): ويشبهها.

الَّذِينَ يُظاهِرُونَ بضم الياء وبالألف. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو في المجادلة: الذين يظهرون [الآية/ 2] بغير ألف. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: يظاهرون بفتح الياء بألف «1» مشدّدة الظّاء. فمن قرأ يظهرون جعله مطاوع ظهّر. ومن قال يُظاهِرُونَ جعله مطاوع ظاهر. فإن قلت: فإن (ظهّر) لم يتعدّ، فكيف يكون له مطاوع؟. فإنّه قد يجيء على لفظ المطاوع ما لا يكون منه فعل متعد نحو: انطلق وفعّل وفاعل قد يستعملان بمعنى كقولهم: ضاعف وضعّف. فكذلك ظاهر وظهّر. فأمّا من ذهب من المتأخّرين إلى أنّ الظهار لا يقع في أول مرّة حتى يعيد لفظ الظّهار مرة أخرى، فيقول: «أنت عليّ كظهر أمّي»، لأن ذلك عنده هو الظاهر لقوله: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المجادلة/ 3] فليس في ذلك ظاهر كما ادّعاه، وذلك أنّ قوله: يعودون «2» العود على ضربين: أحدهما: أن يصير إلى شيء قد كان عليه قبل- فتركه ثم صار إليه، والآخر: أن يصير إلى شيء وإن لم يكن على ذلك قبل. وكأن هذا الوجه غمض على هذا القائل. وهذا عند من خوطب بالقرآن مثل الوجه

_ (1) في (ط): وبالألف. (2) كذا في (ط)، وفي (م) قولهم يعود وهو خطأ.

الأول في الظّهور، وفي أنّهم يعرفونه كما يعرفون ذاك «1». فمن ذلك ما أنشده أبو عثمان أو الرّياشيّ «2»: إذا التّسعون أقصدني سراها ... وسارت في المفاصل والعظام وصرت كأنني أقتاد عيرا ... وعاد الرأس مني كالثّغام ومنه قول الهذلي «3»: وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى الحقّ شيئا واستراح العواذل المعنى: وصار لون الرأس كلون الثّغام، ولم يكن ثمّ لون ثغام عاد إليه. وإنما المعنى صار لون الرأس كلون الثّغام. فكذلك قوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة/ 3] أي: يصيرون إليه، ومن ذلك قول العجّاج:

_ (1) في (ط): ذلك. (2) في (ط) والرياشي. ولم نعثر على قائلهما. أثغم رأس الرجل، إذا ابيض، كأن رأسه ثغامة، والثغامة: شجرة بيضاء الزهر والثمر كأنها هامة شيخ. انظر أساس البلاغة/ ثغم/. (3) الشاعر هو أبو فراس الهذلي والبيت من قصيدة له في قتل زهير بن العجوة أخي بني عمرو بن الحارث والمعنى: رجع الفتى عما كان عليه من فتوته وصار كأنه كهل، واستراح العواذل، لأنهن لا يجدن ما يعذلن فيه سوى الحق أو العدل. ورواية البيت في الديوان: سوى العدل، والمثبت رواية الأصل والأغاني. انظر ديوان الهذليين ق 2/ 150. والأغاني 21/ 237.

وقصب حنّي حتى كادا يعود بعد أعظم أعوادا «1» وسمّيت الآخرة المعاد، ولم يكن فيها ثمّ صار إليها. فالمعاد كقوله: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة/ 285] في المعنى. وقال ساعدة أو غيره: فقام ترعد كفّاه بمحجنه ... قد عاد رهبا رذيّا طائش العدم «2» وقال امرؤ القيس: وماء كلون البول قد عاد آجنا ... قليل بها الأصوات ذي كلأ مخلي «3» وقال آخر: فإن تكن الأيام أحسنّ مرّة ... إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب «4» وهذا إذا تتبّع وجد كثيرا. وفي بعض ما ذكر منه كفاية تدلّ على غلط من ذهب إلى: أنّ العود لا يكون إلا أن يفارق

_ (1) ديوان العجاج 2/ 283 واللسان عود. والقصب: كل عظم فيه مخ. (2) البيت لساعدة بن جؤية في شرح أشعار الهذليين 3/ 1124، يقول: قام بمحجنه الذي يتوكأ عليه وكفاه ترعدان. والرهب: الرقيق الضعيف. والرذي: المعيي المطروح. (3) البيت في ديوان امرئ القيس/ 363/ وآخره: في كلأ محل. (4) البيت للشاعر: غريقة بن مسافع العبسي في الأصمعيات/ 99/ وعزاه في البحر المحيط للطفيل الغنوي 2/ 283 ولم نجده في ديوانه.

شيئا كان عليه ثم يصير إليه بعد. وقد قيل في الآية قولان: يجوز أن يكون في كلّ واحد منهما على غير ما قاله هذا القائل. قال أبو الحسن: تقديرها: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم. وقال عبيد الله بن الحسين. تأويلها: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا المعنى: ثم يعودون إلى المقول فيه. والمقول فيه هو النساء. فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أي: فتحرير رقبة لكفّارة التحريم الواقع من الزوج. فتقدير قول أبي الحسن الأخفش: والذين يظّاهرون من نسائهم فعليهم تحرير رقبة لما قالوا أي: لما نطقوا به من لفظ التحريم الموجب الامتناع من الوطء إلّا بعد التكفير، فيكون قوله: لِما قالُوا الجارّ فيه متعلق بالمحذوف الذي هو خبر المبتدأ- والجارّ قد يتعلق بالمعنى. وإن تقدم عليه لكونه بذلك مثل الظرف «1» في نحو: أكلّ يوم لك ثوب. ومعنى: يعودون إلى نسائهم، أي: إلى وطئهنّ الذي كانوا حرّموه على أنفسهم بالظّهار منهنّ. فأمّا التقديم والتأخير الذي قدّره في الآية فهو كثير جدا. فمثل الآية قوله: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا، فَأَلْقِهْ «2» إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ [النمل/ 28]

_ (1) في (ط): الظروف. (2) فألقه إليهم: قرأه أبو عمرو وعاصم وحمزة بإسكان الهاء. وقرأ قالون بكسر الهاء من غير بلوغ ياء. وقرأه الباقون بصلتها بياء في الوصل. انظر الكشف لمكي 2/ 159.

فالمعنى: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، فانظر ماذا يرجعون، ثم تولّ عنهم فكما قدم قوله: ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ والتقدير به التأخير، كذلك في آية الظّهار، التقدير بثمّ وما تعلّق به التأخير. وقال أبو الحسن عبيد الله بن الحسين: التأويل: والذين يظّاهرون ثمّ يعودون [لِما قالُوا] «1» أي: يعودون إلى المقول فيه، والمقول فيه: هو القول. فما قالوا والمقالة والقول بمعنى، والمراد بقوله: لِما قالُوا هو المقول فيه. كما أنّ قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير، يراد به مضروبه. وهذا الثوب نسج اليمن. يراد به منسوج «2» اليمن. وهذا النحو كثير في كلامهم، كأنّهم وصفوا المفعول في هذا النحو بالمصدر كما وصفوا الفاعل به في قولهم: «رجل عدل» يراد به عادل. وماء غور أي غائر، فسوّوا بين الفاعل والمفعول في هذا كما سوّوا بينهما في إضافة المصدر إليهما. وفي بناء الفعل لكل واحد منهما. ومما جاء فيه- المقالة يراد به القول قول «3» كثير: وإنّ ابن ليلى فاه لي بمقالة ... ولو سرت فيها كنت ممّن ينيلها فالمقالة هنا يراد بها: المقول فيه. ألا ترى أنّ المعنى ولو سرت في طلبها، كنت ممن ينيله إيّاها. فإنما يسأل ويطلب

_ (1) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ط). (2) في (ط): منسوجه. (3) سقطت من (ط) كلمة قول.

ما تعد به الملوك من صلاتها وجوائزها لا ما تلفظ به. وكان أبو الحسن يقول: إنّ ذلك بمنزلة قوله: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» «1» أي: العائد في موهوبه. قال: ألا ترى أن العود لا يكون إلى الهبة التي هي نطق بلفظ يوجب التمليك مع القبض. فإذا لم يجز ذلك، كان المراد الموهوب. قال: ومن ثمّ لم يوجب أبو حنيفة الكفّارة على من حلف بعلم الله ثم حنث، لأن العلم صار في تعارف الناس: المعلوم «2»، ألا تراهم يقولون: غفر الله لك علمه فيك، وإنما يراد معلومه. فكذلك قوله: لما قالوا يراد به المقول فيه. ومن ذلك قوله: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم/ 27] والخلق هنا المخلوق، فهذا في المعنى كقوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف/ 29] ألا ترى أن الذي يعاد هو الأجسام المنشرة. فاللّام في قوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة/ 3] على قول أبي الحسن عبيد الله بن الحسين بمعنى إلى. وإلى واللام يتعاقبان في هذا النحو. ويقع كلّ واحد منها موقع الآخر. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف/ 43] وقال فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات/ 23] وقال: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ

_ (1) الحديث: في صحيح البخاري 3/ 215 كتاب الهبة وفضلها باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، وفي مسلم في كتاب الهبات 3/ 1241 وانظر جامع الأصول 11/ 615. (2) انظر كتاب الهداية للمرغيناني في الفقه الحنفي 2/ 73 وفتح القدير 4/ 9.

[يونس/ 35] فوصل الفعل مرة باللام ومرة بإلى كما قال: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة/ 5] وقال: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ [هود/ 26]. فأمّا قوله: يَعُودُونَ في الآية، فهو في القولين يجوز على كلّ واحد من المذهبين اللّذين ذكرناهما في العود، من «1» أنّه يكون للحال التي يكون عليها الشيء، ثم ينتقل عنها «2»، ثم يصير إليها «3». ويكون للمصير إلى الشيء، وإن لم يكن فيه قبا. فقول أبي الحسن الأخفش «4» تقديره: فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوه من لفظ الظهار الموجب للتحريم، ثم يعودون إلى نسائهم على ما كانوا عليه من قبل من وطئهنّ، ويجوز أن يكون: فتحرير رقبة لما قالوا، ثمّ يصيرون إلى استباحة وطئهنّ الذي كان قد حرم عليهم. وكذلك قول أبي الحسن: أي يصيرون إلى الحالة التي كانوا عليها من فعل الوطء. كما كانوا من قبل أن يحدثوا التحريم بالظّهار. ويجوز أن يكون المعنى: ثمّ يصيرون «5» إلى استباحة الوطء برفع الكفّارة التحريم الحادث ويخرجون عنه. فإذا أمكن في الآية كلّ واحد من التأويلين اللذين تحتملهما الكلمة، لم يجز أن يدّعى: أنّ أحدهما هو الظاهر دون الآخر.

_ (1) في (ط): في. (2) في (ط): عنه. (3) في (ط): إليه. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): يعودون.

البقرة: 85

[البقرة: 85] اختلفوا في: أسارى تفدوهم [البقرة/ 85] في إثبات الألف في الحرفين وإسقاطها وفي فتح الراء وإمالتها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: أسارى تفدوهم. وقرأ نافع وعاصم والكسائيّ: أُسارى تُفادُوهُمْ بألف فيهما. وقرأ حمزة: أسرى تفدوهم بغير ألف فيهما. وكان أبو عمرو وحمزة والكسائيّ يكسرون الراء، وكان ابن كثير وعاصم يفتحان الراء. وكان نافع يقرأ بين الفتح والكسر. قال أبو علي «1»: أسير، فعيل، بمعنى مفعول. ألا ترى أنّك تقول: أسرته، كما تقول: قتلته، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول، لم يجمع بالواو والنون كما لم يجمع فعول بهما، ولكن يكسّر على فعلى، نحو لديغ ولدغى. وقتيل وقتلى، وجريح وجرحى، وعقير وعقرى. فإذا كان كذلك، فالأقيس: الأسرى وهو أقيس من أسارى، كما كان أقيس من قولهم: أسراء، ألا ترى أنّهم قد قالوا: أسراء، فشبّهوه بظرفاء، كما قالوا في جمع قتيل: قتلاء، فكما أن أسراء وقتلا في جمع قتيل، وأسير، ليس بالقياس، كذلك أسارى ليس بالقياس. ووجه قول من قال: أُسارى أنّه شبّهه بكسالى، وذلك أن الأسير لما كان محبوسا عن كثير من تصرّفه للأسر، كما أن الكسلان محتبس عن ذلك لعادته السيّئة شبّه به، فقيل في جمعه: أسارى كما قيل: كسالى، وأجري عليه هذا الجمع للحمل «2»

_ (1) سقطت من (ط) جملة: قال أبو علي. (2) سقطت من (ط).

على المعنى، كما قيل: مرضى وموتى «1» وهلكى ووجيا. لما كانوا مبتلين بهذه الأشياء ومدخلين فيها مكرهين عليها مصابين بها، فأشبه في المعنى فعيلا الذي بمعنى مفعول. فلما أشبهه في المعنى أجري عليه في الجمع اللفظ الذي لفعيل بمعنى مفعول، كما قالوا: امرأة حميدة فألحقوها الهاء، وإن كان بمعنى مفعول لمّا كان «2» بمعنى رشيدة ورشيد- فهذه الأشياء مما تحمل على المعنى. وإن لم يكن حملها على المعنى الأصل. عند سيبويه، قال: ولو كان أصلا قبح: هالكون وزمنون، وكذلك أسارى ليس بالأصل «3» في هذا الباب، ولكنه قد استعمل كثيرا في هذا النحو، وإن لم يكن مستمرا كاستمرار فعلى في جمع فعيل الذي بمعنى مفعول. قال سيبويه: وقالوا كسلى، فشبّهوه بأسرى، كما قالوا: أسارى، فشبّهوه بكسالى. فهذا يعلم منه أنّ الأصل في فعيل الذي يراد به مفعول أن يجمع على فعلى، وأنّ فعلان نحو: سكران، وكسلان «4»، يجمع على فعالى أو فعالى. وقالوا: كسالى. وكسالى، فكأنّهم جمعوه على فعالى، وإن كانت من أبنية الآحاد نحو: حبارى ورخامى، لما كان فعال قد جاء في بعض أبنية الجموع نحو: رخال وظؤار «5» وثناء، وقد لحقته تاء التأنيث فقالوا في جمع نقوة نقاوة، كما قالوا: الحجارة والذّكارة «6»، فكما لحق التاء في هذا النحو الّذي يراد به الجمع، كذلك لحق علامة التأنيث في

_ (1) في (ط): موتى ومرضى. (2) في (ط): كانت. (3) في (ط): بأصل. (4) في (ط): كسلان وسكران. (5) رخال بكسر الراء وضمها: ج رخل، الأنثى من ولد الضأن. والظؤار: ج ظئر وهي العاطفة على غير ولدها المرضعة له (اللسان رخل وظأر). (6) الذكارة، بالكسر: ما يصلح للرجال كالمسك والعنبر والعود. (اللسان ذكر).

سكارى وكسالى. فجعلت الألف بمنزلة التاء. كما جعلت بمنزلتها في نحو قولهم: قاصعاء وقواصع، ودامّاء ودوامّ «1» فصار بمنزلة: حاوية وحوايا، وجابية وجوابي، كما صارت، الدّني والقصا بمنزلة الظّلم والثّقب، وقلّ مغالى في الجمع كما قلّ فعالة فيه. الرّبيع عن أبي العالية في قوله: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ الآية [البقرة/ 85] قال: كان بنو إسرائيل إذا استضعف قوم قوما أخرجوهم من ديارهم وقد أخذ عليهم الميثاق. أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، وأخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم بعضا أن يفادوهم، فأخرجوهم من ديارهم ثم فادوهم. فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض: آمنوا بالفداء ففدوا، وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوهم. ومرّ عبد الله بن سلّام على رأس الجالوت بالكوفة، وهو يفادي من النساء من لم تقع عليه العرب، ولا يفادي من وقع عليها «2» العرب فقال ابن سلام: أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهنّ كلّهنّ «3». قتادة: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة/ 85] كان إخراجهم كفرا، وفداؤهم إيمانا «3». غيره «5»: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ الآية [البقرة/ 85] كانت قريظة والنضير

_ (1) القاصعاء والداماء: من أسماء جحرة اليربوع السبعة، (اللسان دمم). (2) في (ط): عليه. (3) نقله الطبري عن الربيع في تفسيره: 1/ 399 وعن قتادة كذلك. (5) نقله الطبري 1/ 398 إلى قوله: من ديارهم.

أخوين، وكانوا من اليهود «1»، وكان الكتاب بأيديهم، وكان الأوس والخزرج أخوين، فافترقا وافترقت قريظة والنّضير، فكانت النّضير مع الخزرج، وكانت قريظة. مع الأوس فاقتتلوا، وكان بعضهم يقتل بعضا. قال الله «2»: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ [البقرة/ 85] قال أبو علي: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ: أي: يقتل بعضكم بعضا. كقوله: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النور/ 61] أي ليسلّم [بعضكم على بعض] «3». فديت: فعل يتعدّى إلى مفعولين، ويتعدّى إلى الثاني بالجارّ كقوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات/ 107] وكقوله: يودّون لو يفدونني بنفوسهم ... ومثنى الأواقي والقيان النواهد «4» فإذا ثقّلت العين زدت على المفعولين ثالثا، كقوله: لو يستطعن إذا نابتك مجحفة ... فدّينك الموت بالأبناء والولد وقالوا: فادى الأسير: إذا أطلقه وأخذ عنه شيئا. قال الأعشى «5»: عند ذي تاج إذا قيل له ... فاد بالمال تراخى ومزح

_ (1) في (ط): يهودا. (2) في (ط): الله عز وجل. (3) ما بين المعقوفتين سقط من (ط). (4) سقط من (م) عجز البيت. وهو لأبي ذؤيب في شرح أشعار الهذليين 192 ومثنى الأواقي يعني الذهب، ومثنى: أي مرة بعد مرة، والقيان: الخدم. (5) من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي: وروايته في ديوانه/ 237: «عند ذي ملك».

المفعول الأول محذوف. التقدير: فاد الأسرى بالمال. ومما يؤكّد فاعل في هذا الباب ويثبته أنّه، قد جاء تفادى، وتفاعل «1» إنما هو مطاوع فاعل، كما أن تفعّل مطاوع فعّل. قال: تفادى إذا استذكى عليها وتتّقي ... كما يتّقي الفحل المخاض الجوامز «2» فأمّا الفداء: فيجوز أن يكون مثل الكتاب، ويجوز أن يكون مصدر فاعل، وقد قالوا: فديته، وافتديته، وأنشد أبو زيد: ولو أنّ ميتا يفتدى لفديته ... بما اقتال من حكم عليّ طبيب «3» فافتدى يجوز أن يكون بمعنى تفاعل، مثل: ازدوجوا وتزاوجوا، واعتونوا وتعاونوا، ودلّ على ذلك تصحيح العين في افتعلوا، ويجوز أن يكون: فدى وافتدى، مثل: حفر واحتفر، وقلع واقتلع، والأخلق في البيت أن يكون بمنزلة فعلت، على تقدير: ولو أنّ ميتا يفدى لفديته. فمن قرأ: تُفادُوهُمْ فلأنّ من كلّ واحد من الفريقين فعلا، فمن الآسر دفع الأسير، ومن

_ (1) كذا في (ط) وفي (م) تتفاعل. (2) البيت للشماخ بن ضرار الذبياني ديوانه/ 180، تفادى: تتفادى: أي يلوذ بعضها ببعض، استذكى عليها: اشتد عليها وتوقد، بمعنى: غضب الفحل، والجوامز: السريعات في السير، والمخاض الحوامل من الإبل. وانظر جمهرة أشعار العرب/ 296/ وفيه تعادي مكان تفادى. (3) سبق انظر الحجة 1/ 342.

البقرة: 87

المأسور منهم دفع لفدائه «1»، فإذا كان كذلك فوجه. تُفادُوهُمْ ظاهر. والمفعول الثاني الذي يصل إليه الفعل بالحرف محذوف، كما كان المفعول الأوّل الذي يصل إليه الفعل بلا حرف محذوفا في قوله: فاد بالمال. ومن قرأ تفدوهم فالمعنى فيه مثل معنى من قرأ: تُفادُوهُمْ إلا أنّه جاء بالفعل على يفعل، ألا ترى أنّ في هذا الوجه أيضا دفعا من كلّ واحد من الآسرين والمأسور منهم على وجه الفدية للأسير، والاستنقاذ له من الأسر. فأمّا الإمالة في الرّاء من أُسارى، والتفخيم، فكلاهما حسن، فالإمالة لأن هذه الألف إذا كانت الكلمة على هذه العدّة، لم تكن الألف إلا مثل الألف المنقلبة عن الياء. [البقرة: 87] اختلفوا في تحريك الدّال وتسكينها من قوله «2»: بِرُوحِ الْقُدُسِ. فقرأ ابن كثير وحده: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة/ 87، 253] مسكّنة الدّال وكذلك في جميع القرآن. وقرأ الباقون: الْقُدُسِ مضمومة القاف والدّال «3». [قال أبو عليّ] «4»: قوله «5»: وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أيّدناه: فعّلناه، من الأيد والآد، وهو القوة، ومثل الأيد والآد في

_ (1) في (ط): دفع فدائه. (2) في (ط): قوله عز وجل. (3) السبعة ص 163. (4) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط). (5) في (ط): قوله تعالى.

بنائهما على فعل وفعل: العيب والعاب، والذّيم والذام، وجاء في أكثر الاستعمال على فعّلناه لتصحّ العين الثانية لسكون الأولى «1»، وعلى هذا قوله: إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [المائدة/ 110] ومن قال آيدناه «2» صحّح العين، لأنه إذا صحّت في مثل: أجود، وأطيب، لزم تصحيحها في آيدناه «2» لما كان يلزم من توالي الإعلالين. فمن التصحيح قوله: ناو كرأس الفدن المؤيد «4» ونظير هذا في كراهتهم توالي الإعلالين، ورفضهم ما يؤدي إليه قولهم: يَوَدُّ وتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ [الأنفال/ 7] فبنوا الماضي على فعل، ليلزمه في المضارعة يفعل. ولو كان الماضي فعل لكان المضارع مثل: يعد. فيلزم اجتماع إعلالين. فأمّا روح القدس، فقال قتادة والسّدّيّ، والرّبيع والضّحّاك في روح القدس أنّه جبريل- وقال بعض المفسرين: روح القدس: الإنجيل، أيّد الله عيسى به روحا، كما جعل القرآن روحا في قوله: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا

_ (1) انظر المحتسب 1/ 95، 96. (2) في (ط): أيدناه. ورسم المد في (م) بألفين: أيدناه. (4) هذا عجز بيت صدره: ينبي تجاليدي وأقتادها وعزاه البكري في السمط 1/ 113 واللسان/ فدن/ إلى المثقّب العبديّ. الفدن: القصر المشيد ج: أفدان، شبه به السنام لعظمه، وناو: سمين من الني وهو الشحم. وينبي من نبا جنبه عن الفراش: إذا لم يستقر عليه. وتجاليدي: جسمي. وانظر المحتسب 1/ 95 والمنصف 1/ 269.

[الشورى/ 52] والقدس والقدس التخفيف والتّثقيل فيه حسنان ... وكذلك ما كان مثله نحو: العنق والعنق والطنب والطنب. والحلم والحلم. وحكى أبو الحسن عن عيسى اطّراد الأمرين فيهما. ومما يدلّ على حسن التثقيل جمعهم ما كان على فعلة على فعلات. نحو غرفة وغرفات- وركبة وركبات وهذا الأكثر في الاستعمال. ومنهم من كره الضمّتين- فأسكن العين أو أبدل منها الفتحة نحو: ركبات. وكذلك من أسكن العين منه، والضمّ أكثر كما كان ظلمات أكثر. وأسكن أبو عمرو خُطُواتِ وحرّك الْقُدُسِ لأن الحركات في الجمع أكثر منها في الفعل، فأسكن لتوالي الحركات واجتماع الأمثال، ولا يلزمه على هذا الإسكان في الظلمات «1». وأما القدس في اللغة فإن أبا عبيدة وغيره قالوا في قوله: وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة/ 30] التّقديس: التطهير «2». وقال غيره: إن ابن عباس كان يقول: المقدس: الطاهر، وقال الرّاجز: الحمد لله العليّ القادس «3» قال: وقالوا: قدّس عليه الأنبياء، أي: برّكوا. وقال رؤبة: دعوت ربّ القوّة القدّوسا «4»

_ (1) في (ط): ظلمات. (2) مجاز القرآن 1/ 36. (3) لم نعثر على قائله. (4) البيت لرؤبة بن العجاج وبعده: دعاء من لا يقرع الناقوسا انظر ديوانه/ 68.

قال: والمقدّس: المعظّم. وقال: قدّس عليه، أي: برّك. قال أبو عليّ: فكأنّ معنى نقدّس لك. ننزّهك عن السوء. فلا ننسبه إليك. ولا ما لا يليق بالعدل. وهذا الوصف في المعنى كقول أمية: سلامك ربّنا في كلّ فجر ... بريئا ما تغنّثك الذّموم «1» قال أبو عمر: سألت أبا مالك «2» عن قوله: ما تغنّثك. قال «3» لا تعلّق بك. فاللام فيها على حدها في قوله «4»: رَدِفَ لَكُمْ [النمل/ 72] ألا ترى أن المعنى تعظيمه وتنزيهه. وليس المعنى أنه ينزّه شيء من أجله. ومثل ذلك في المعنى قولهم: سبحان الله، إنما هو براءة الله من السوء وتطهيره منه، ثم صار علما لهذا المعنى، فلم يصرف في قوله: سبحان من علقمة الفاخر «5»

_ (1) البيت لأمية بن أبي الصلت ديوانه/ 480 وروايته: بريئا ما تليق بك الذّموم وفي اللسان والتاج/ غنث/: «بريئا ما تغنثك الذموم» الذموم: العيوب. وقال ابن دريد: ما تغنثك: أي ما تلصق بك. انظر جمهرة اللغة 2/ 46. (2) في (ط) أبا ملك. (3) في (ط): فقال. (4) في (ط): قوله سبحانه. (5) هذا عجز بيت للأعشى، وصدره: أقول لمّا جاءني فخره والعرب تقول: سبحان من كذا إذا تعجب منه، ديوانه/ 143 اللسان/ سبح/ سيبويه 1/ 163 والمقتضب 3/ 18 الخزانة 2/ 41 و 3/ 251.

وروح القدس: جبريل «1» كأنّه منسوب «2» إلى الطّهارة، وذلك أنّه ممّن لا يقترف ذنبا، ولا يأتي مأثما، كما قد يكون ذلك من غيره. وقولنا في صفة الله تعالى «3»: القدّوس: أي: الطاهر المنزّه عن أن يكون له ولد، أو يكون في حكمه وفعله ما ليس بعدل. فأمّا قولهم: بيت المقدس وقول «4» الراجز: الحمد لله العليّ القادس فيدلّ «5» على أنّ الفعل قد استعمل من التقديس بحذف الزيادة، أو قدّر ذلك التقدير. فإذا كان كذلك لم يخل المقدس من أن يكون مصدرا أو مكانا. فإن كان مصدرا كان كقوله: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ [لقمان/ 15] ونحوه من المصادر التي جاءت على هذا المثال. وإن كان مكانا فالمعنى فيه «6»: بيت المكان الذي فعل فيه الطهارة «7»، وأضيف إلى الطهارة لأنه منسك كما جاء: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [البقرة/ 125] وتطهيره على إخلائه من الأصنام وإبعاده منها، وكما جاء: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج/ 30] كذلك وصف بخلاف الرّجس إذا أخلي منها، ومما لا يليق بمواضع النّسك، وإن قدّرت «المقدس» المكان لا المصدر كان المعنى: بيت مكان الطّهارة.

_ (1) في (ط): جبريل عليه السّلام. (2) في (ط): نسب. (3) في (ط): سبحانه. (4) كذا في (ط) وفي (م) فقول. (5) في (م): يدل. (6) سقطت من (ط). (7) انظر شأن الدعاء ص 40.

فأمّا ما حكاه قطرب: من أنّهم يقولون قدّس عليه الأنبياء. أي: برّكوا عليه «1» فليس يخلو هذا المقدّس عليه من أن يكون موضع منسك، أو يكون إنسانا. فإن كان موضع نسك، فهو كدعاء إبراهيم عليه السلام للحرم رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً [إبراهيم/ 35]، فكذلك يجوز أن يكون تبريك الأنبياء دعاء منهم له بالتّطهير. وإن كان إنسيّا فهو كقوله: وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم/ 6] وكما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من دعائه للحسن والحسين «2»، وهذا يؤول إلى ذلك المعنى، وكذلك من قال: المقدّس: المعظّم، إنما هو تفسير على المعنى، وكثيرا ما يفعل المفسّرون من غير أهل اللغة، ذلك لمّا رأوا ذلك لا يفعلون إلا بشيء يراد تعظيمه وتبرئته من غير الطّهارة. فسّروه بالمعظّم على هذا المعنى. والأصل: كأنّه التطهير الذي فسّره أبو عبيدة. قال أحمد «3»: وكلّهم قرأ (غلف) مخففة [البقرة/ 88]. وروى أحمد بن موسى اللؤلؤيّ «4»، عن أبي عمرو أنه

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) ورد في دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم للحسن والحسين في حديث أم سلمة الذي أخرجه أحمد في المسند 6/ 292 قوله صلّى الله عليه وسلّم عند ما أنزل الله عزّ وجلّ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ... الآية: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا». وانظر تهذيب الكمال 1/ 269. (3) في (ط): أحمد بن موسى. (4) أحمد بن موسى بن أبي مريم أبو عبد الله، وقيل: أبو بكر، ويقال: أبو

قرأ: غُلْفٌ بضم اللام «1» والمعروف عنه التخفيف «2». قال أبو علي: ما يدرك به المعلومات من الحواسّ وغيرها من الأعضاء إذا ذكر بأنّه لا يعلم به، وصف بأنّ عليه مانعا من ذلك، ودونه حائلا. فمن ذلك قوله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد/ 24] كأنّ القفل لما كان حاجزا من المقفل عليه، وحائلا من أن يدخله ما يدخل إذا لم يكن مقفلا، جعل مثلا للقلوب في أنّها لا تعي ولا تفقه. وكذلك قوله: لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا [الحجر/ 15] أي: قد حارت وحسرت، فلا تدرك ما تدركه على حقيقة. فكأنّ شدة عنادهم يحملهم على الشكّ في المشاهدات. وكذلك قوله: الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي [الكهف/ 101] فهذا كقوله: بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ [النمل/ 66] وكقوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة/ 18] لأن العين إذا كانت «3» في غطاء لم ينفذ شعاعها، فلم يقع بها إدراك، كما أن الثّقل إذا كان في الأذن لم يسمع بها. فقوله «4»: وَفِي آذانِنا وَقْرٌ [فصلت/ 5] المعنى فيه: أنها لا تسمع للوقر فيها، كما لا تبصر العين في الغطاء.

_ جعفر اللؤلؤي الخزاعي البصري صدوق، روى القراءة عن أبي عمرو بن العلاء، وعاصم الجحدري وعيسى بن عمر الثقفي، وإسماعيل القسط. روى القراءة عنه روح بن عبد المؤمن، ومحمد بن عبد الرومي، ونصر بن علي وعبد الكريم بن هاشم وخليفة بن خياط. (طبقات القراء 1/ 143). (1) قال القرطبي 2/ 20: قرأ ابن عباس والأعرج وابن محيصن: «غُلْفٌ» بضم اللام. (2) السبعة 164. (3) في (م) كان. (4) في (ط): وقوله تعالى.

البقرة: 88

[البقرة: 88] فقوله: وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ [البقرة/ 88] فيمن أسكن اللام التي هي عين جمع أغلف، كما أن حمرا جمع أحمر. فإذا كان جمع أفعل لم يجز تثقيله إلا في الشّعر. قال أبو عبيدة: كلّ شيء في غلاف فهو أغلف. قالوا: سيف أغلف وقوس غلفاء ورجل أغلف: لم يختن «1». فقوله: (أغلف): إذا كان في غلاف في المعنى، كقوله: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ [فصلت/ 5] كأنها إذا كانت في أكنّة لم ينتفع بها فيما [ينتفع فيه] «2» بالقلب. كما أن العين إذا كانت عليها غشاوة أو كانت في غطاء، لم تبصر. فإذا كان كذلك، كان الوجه الإسكان في اللام التي هي عين، كما اتفقوا عليه، إلا ما رواه اللّؤلؤيّ عن أبي عمرو من تحريك العين. ومجازه على وجهين: أحدهما أن يكون قوله: قُلُوبُنا غُلْفٌ أي ذوات غلف فيكون في «3» المعنى كقوله: غُلْفٌ، وأنت تريد به جمع أغلف. لأنها إذا كانت ذوات غُلْفٌ فهي في المعنى غُلْفٌ فتكون كلتا القراءتين تؤول إلى معنى واحد، إلا أن الإسكان أولى، لأن الكلام يحمل «4» على ظاهره من غير حذف مضاف إليه فيه. والوجه الآخر ما روي عن ابن عباس: من أنّهم قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم ما أتيت به ممّا تدعونا إليه» أو نحو ذلك- فغلف في المعنى مثل الأوعية،

_ (1) في مجاز القرآن 1/ 46 وفيه: «لم يختتن» بدل «لم يختن». (2) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): يحمل فيه.

البقرة: 90

ألا ترى أنّ وعاء الشيء غلاف له «1». [البقرة: 90] اختلفوا في تشديد الزاي من يُنَزِّلَ [البقرة/ 90] وتخفيفها. فقرأ نافع يُنَزِّلَ مشدّدة الزاي إذا كان فعلا في أوله ياء أو تاء أو نون. فإذا كان في أول الفعل ميم لم يستمرّ فيه على وجه واحد، فكان يشدّد حرفا واحدا في «المائدة»: إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ [الآية/ 115] ويخفّف ما سواه، فإذا كان ماضيا ليس في أوّله ألف، وكان فعل ذكر خفّف الزاي مثل قوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء/ 193] ومثل قوله: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد/ 16] ويشدّد سائر القرآن. وكان ابن كثير يخفّف الفعل الذي في أوله ياء أو تاء أو نون في كلّ القرآن، إلا في ثلاثة مواضع: في الحجر: وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الآية/ 21] وفي بني إسرائيل: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ [الآية/ 82] وفيها أيضا: حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الآية/ 93] ولا يخفف: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد/ 16] ويخفّف مُنَزِّلُها [المائدة/ 115] وَيُنَزِّلُ [البقرة/ 90] ومُنْزِلُونَ [العنكبوت/ 34] ومُنْزَلِينَ «2» [آل عمران/ 124]. ويخفّف: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء/ 193].

_ (1) قال ابن كثير في تفسيره (1/ 177 ط الشعب): وعلى هذا المعنى جاءت قراءة بعض الأنصار، فيما حكاه ابن جرير: وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بضم اللام، أي: جمع غلاف، أي: أوعية، بمعنى أنهم ادعوا أن قلوبهم مملوءة بعلم لا يحتاجون معه إلى علم آخر. (2) سقطت من (ط).

وقرأ أبو عمرو: يُنَزِّلَ «1» [البقرة/ 90] وما أشبهه بالتخفيف في جميع القرآن إلا حرفين: أحدهما في سورة الأنعام: قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الآية/ 37] وفي الحجر: وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الآية/ 21]. ويخفف مُنَزَّلٌ، ومُنَزِّلُها، ومُنْزِلُونَ، ويشدّد: نَزَّلَ، في كل القرآن إلّا في قوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، فإنه يخفّفه. وكان عاصم في رواية أبي بكر يشدّد: يُنَزِّلَ ونُنَزِّلُ ومُنَزِّلُها في المائدة. ونَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد/ 16] ونَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء/ 193] في كلّ القرآن. وقال حفص عن عاصم: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ خفيفة «2»، وكذلك: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ أيضا خفيفة «3». وقال أبو بكر بن عياش: هما مشدّدان. وروى حفص عن عاصم أنه «4» يشدّد أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ في سورة الأنعام [الآية/ 114] ولا يشدّد مُنَزِّلُها. وقرأ ابن عامر بتشديد ذلك كلّه في جميع القرآن من منزّل وينزّل وينزّلون ومنزّلين. وفي الأنعام «5»: أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ. وفي سورة الشّعراء: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «6»

_ (1) في (ط): ينزل وتنزل (الاسراء/ 93). (2) في (ط): مخفف. (3) في (ط): خفيفة أيضا. (4) في (ط): أنه كان. (5) في (ط): وفي سورة الأنعام. (6) هذه قراءة يعقوب وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وأبو بكر بتشديد الزاي ونصب (الروح) و (الأمين)، وقرأ الباقون بالتخفيف ورفعهما انظر النشر في القراءات العشر 2/ 336.

[الآية/ 193] وما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ في سورة الحديد [الآية/ 16] يشدّد ذلك كلّه. وقرأ حمزة والكسائيّ: وَنُنَزِّلُ ويُنَزِّلَ «1»، ونَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ مشدّدا في كل القرآن، إلا حرفين في سورة لقمان: وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ [لقمان/ 34] وفي سورة (عسق): وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ [الشورى/ 28] ويخفّفان مُنَزَّلٌ ومُنْزِلُونَ ومُنْزَلِينَ حيث وقع «2». قال أبو علي «3»: نزل فعل غير متعدّ إلى مفعول به. فإذا أردت تعديته إليه عدّيته بالأضرب الثلاثة التي يتعدّى بها الفعل وهي النّقل بالهمزة، وبحرف الجرّ، وبتضعيف العين. يدلّك على أنّه غير متعدّ قولهم في مصدره: النزول. فالنّزول كالصّعود والخروج والقفول «4»، ونحو ذلك من المصادر التي لا تتعدى أفعالها في أكثر الأمر. فممّا نقل بالهمزة قوله: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ. [الأحزاب/ 26] وممّا عدّي بالجارّ قولهم: نزلت به، ويكون منه: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء/ 193] فيمن رفع الروح. وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الكهف/ 1] وقال وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل/ 44] وقال «5»: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً .... وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ .... وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ «5» وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء/ 106]

_ (1) في (ط): ينزل وننزل. (2) السبعة 164 - 165. (3) في (ط): قولهم نزل. (4) في (ط): والقعود. (5) تمام الآية [2، 3 من آل عمران] نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ.

فقد رأيت مرّة يجيء التنزيل على أنزل ومرّة على نزّل. ومما يبيّن ذلك أنه قد جاء في بعض القراءة «1»: وأنزل الملائكة تنزيلا [الفرقان/ 25] كأنّه لما كان نزّل وأنزل بمعنى، حمل مصدر أحدهما على الآخر، وقد كثر مجيء التنزيل في القرآن، فهذا يقوي (نزّل) ولم نعلم فيه الإنزال. وقد جاء فيه أنزل كثيرا. فأمّا قوله: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً [آل عمران/ 3] فالكتاب مفعول به. وقوله: بِالْحَقِّ في موضع نصب بالحال وهو متعلّق بمحذوف، ومُصَدِّقاً حال من الضمير الذي في قولك: بِالْحَقِّ والعامل فيه المعنى، ولا يجوز أن تجعله بدلا لأنّ الاسم إنّما يبدل «2» من الاسم. وقال: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الإسراء/ 105] فقوله: بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ حال من الضمير. فأمّا قوله: وَبِالْحَقِّ نَزَلَ. فيحتمل الجارّ فيه ضربين: أحدهما: أن يكون التقدير نزل بالحقّ، كما تقول: نزلت بزيد، ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في نزل، يدلّك على جواز ذلك قوله: وَبِالْحَقِّ نَزَلَ، وقوله:

_ (1) هي قراءة الأعمش وعبد الله في نقل ابن عطية وَأَنْزَلَ ماضيا رباعيا مبنيا للمفعول مضارعه ينزل، انظر البحر المحيط 6/ 494. (2) في (ط): يبدل به.

أنزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] وهذا اتفاق في «1» مذهب الفريقين، ومثل ذلك في احتماله الوجهين قوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء/ 193] في من رفع الرّوح. يكون الجارّ مثل الذي في مررت بزيد، ويكون حالا، كما تقول: نزل زيد بعدّته، وخرج بسلاحه وفي التنزيل: وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ [المائدة/ 61]. ومما لا يكون إلا حالا قوله: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ [الأنعام/ 114] ألا ترى: أنّ أنزلت يتعدّى إلى مفعول واحد؟ فإذا بنيته للمفعول لم يبق له متعدّى إلى مفعول به، وقوله: مِنْ رَبِّكَ على حدّ وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وبِالْحَقِّ حال من الذَّكَرُ الذي في مُنَزَّلٌ، والعامل فيه منزل «2». ومما جاء الجارّ فيه حالا، كما جاء في الآي الأخر: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء/ 166] المعنى: أنزله وفيه علمه، كما أنّ: خرج بعدّته، تقديره: خرج «3» وعليه عدّته. والعلم: المعلوم، أي: أنزله وفيه معلومه. ومثل ذلك الصيد يراد به: المصطاد. يدلّك على إرادتهم به المصطاد قوله: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ [المائدة/ 94] فالأيدي «4» والرّماح إنما تلحق الأعيان ولا تلحق الأحداث. وأما قوله: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد/ 16] فمن

_ (1) في (ط): من. (2) في (ط): نزل. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): والأيدي.

خفّف نزل كان (ما) بمنزلة الذي، وفيه ذكر مرفوع يعود إلى ما، ولا يجوز فيمن خفّف أن يجعل (ما) بمنزلة المصدر مع الفعل كأن، لأنّ الفعل يبقى بلا فاعل ولا يجوز فيمن جوّز زيادة (من) في الإيجاب أن يكون: الحقّ مع الجارّ في موضع الفاعل. وقد جعلت (ما) بمنزلة الذي، لأنه لا يعود إلى الموصول شيء. ومن شدّد كان الضمير الذي في نَزَلَ لاسم الله «1»، والعائد محذوف من الصّلة. فأمّا دخول الجارّ فلأن (ما) لما كان على لفظ الجزاء حسن دخول (من) معه، كما دخلت في نحو فما يك من خير أتوه ... «2» فإذا كان كلّ واحد من نَزَلَ وأُنْزِلَ يستعمل كما يستعمل الآخر، ويعنى به ما يعنى بالآخر، لم ينكر أن يوقع كل واحد منهما موضع «3» الآخر، وكذلك ما تصرّف من ذلك. كأسماء الفاعلين، فتقرأ: (مُنْزِلُونَ ومُنْزِلُونَ) لأن كل واحد منهما بمنزلة الآخر، كما أنّ الفعل الذي جريا عليه كذلك. وهذا مما يعلم منه أنّ (فعّل) بمنزلة (أفعل)، وأن تضعيف العين للتعدّي وليس يراد به الكثرة كما أريد في نحو: وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ

_ (1) في (ط): الله عز وجل. (2) هذا جزء بيت لزهير بن أبي سلمى وتمامه في ديوانه/ 115/: فما كان من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل ورواية الأعلم: «فما يك». (3) في (ط): موقع.

[يوسف/ 23] ولكن فعّل بمنزلة أفعل. وقد قال سيبويه: قد يجيء فعّلت، وأفعلت «1» بمعنى واحد مشتركين وذلك نحو: وعزت إليه، وأوعزت، وخبّرت وأخبرت، وسمّيت وأسميت. فأمّا تخفيف حمزة والكسائي في لقمان: وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ [الآية/ 34] وفي (عسق) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ [الشورى/ 28] فلو شدّدا ذلك كما شدّدا غيره كان حسنا، ولو خفّفا بعض ما شدّدا كان كذلك. ويشبه أن يكونا «2» اعتبرا في تخفيف ذلك كثرة ما جاء في التنزيل في ذكر الغيث فحملا اسم الفاعل على ذلك. فمن ذلك قوله: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ [المؤمنون/ 18] «3»، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج/ 63] أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ [الزمر/ 21] يشبه أن يكونا لمّا رأياه بهذه الكثرة، حملا اسم الفاعل عليه. فأمّا قوله: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزمر/ 6] وقوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد/ 25] فكأنّ المعنى فيه: خلق، ألا ترى أنه قد جاء في الأخرى ثمانية أزواج وذلك محمول على أنشأ، كأنه: وأنشأ ثمانية أزواج.

_ (1) في (ط): أفعلت وفعلت. (2) في (م): يكون. (3) زادت (ط) في الاستشهاد آيتين: من سورة إبراهيم/ 32 ومن سورة الرعد/ 17.

البقرة: 98

[البقرة: 98] اختلفوا في قوله: جِبْرِيلَ وَمِيكالَ «1» [البقرة/ 98] في كسر الجيم وفتحها، والهمز وتركه. والهمز في ميكائيل، والياء بعد الهمز من (جبرئيل وميكائيل). فقرأ ابن كثير (جِبْرِيلَ) بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، و (ميكائيل) مهموز في وزن ميكاعيل بعد الألف همزة، وياء بعد الهمزة. وروى محمد بن صالح البزّي عن شبل بن عباد عن عبد الله بن كثير: (جِبْرِيلَ) بلا همز و (ميكائل) مهموز مقصور «2». وكذلك روى محمد بن سعدان عن عبيد بن عقيل عن شبل بن عبّاد عن عبد الله بن كثير (ميكائل) مهموز مقصور بزنة ميكاعل مثل نافع. وحدّثني «3» الحسين بن بشر الصوفيّ عن روح بن عبد المؤمن عن محمّد بن صالح عن شبل عن ابن كثير قال: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «4» في المنام وهو يقرأ: جِبْرِيلَ وَمِيكالَ فلا أقرأهما أبدا إلا هكذا. وقرأ نافع: (جِبْرِيلَ) بكسر الجيم والراء من غير همز (وميكائل) بهمزة بعد ألف «5» وقبل اللام، ليس بعدها ياء، في وزن ميكاعل. وقرأ أبو عمرو: (جِبْرِيلَ وَمِيكالَ) بغير همز. وكذلك روى حفص عن عاصم. وقرأ ابن عامر: (جِبْرِيلَ) مثل أبي عمرو (وميكائيل) بهمز بين الألف والياء ممدودة.

_ (1) في (ط): ميكايل. (2) في (ط): مقصور ومهموز. (3) في (ط): حدثني. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): الألف.

وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وحماد بن سلمة عن عاصم (جبرئل) بفتح الجيم والراء، وهمزة بين اللام والراء غير ممدودة في وزن: جبرعل، خفيفة اللام و (ميكائيل) في رواية يحيى بهمزة بعدها ياء. وقال الكسائيّ وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عنه. وأبان عن عاصم: (جبرئيل وميكائيل) مثل حمزة، وكذلك روى أبان بن يزيد العطار عن عاصم، وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم. وروى (ميكائل) مهموزة مقصورة في وزن ميكاعل مثل نافع. وروى محمّد بن سعدان عن محمّد بن المنذر عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه مثل حمزة. وقرأ حمزة والكسائيّ (جبرئيل) و (ميكائيل) ممدودتين مهموزتين «1». قال أبو علي: روينا عن أبي الحسن من طريق أبي عبد الله اليزيدي عن عمّه عنه أنه قال: في (جِبْرِيلَ) ستّ لغات: (جبرائيل، وجبرئيل، وجبرال، وجِبْرِيلَ، وجبرال، وجبريل) وهذه أسماء معرّبة، فإذا أتي بها على ما في أبنية العرب مثله، كان أذهب في باب التعريب. يقوّي ذلك تغييرهم للحروف المفردة التي ليست من

_ (1) السبعة 166 - 167.

حروفهم، كتغييرهم الحرف الذي بين الفاء والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة، أو الفاء المحضة، كقولهم: البرند والفرند، وكذلك تغييرهم الحركة التي ليست في «1» كلامهم كالحركة التي في قول العجم: «زور وآشوب» «2» يخلّصونها ضمّة، فكما غيّروا الحروف والحركات إلى ما في كلامهم، فكذلك القياس في أبنية هذه الكلم، إلا أنّهم قد تركوا أشياء من العجمية على أبنية العجم التي ليست من أبنية العرب. كالآجرّ، والإبريسم، والفرند، وليس في كلام العرب على هذه الأبنية، فكذلك «3» قول من قال: (جِبْرِيلَ) إذا كسر الجيم كان على لفظ (قنديل، وبرطيل) وإذا فتحها فليس لهذا البناء مثل في كلام العرب، فيكون هذا من باب الآجرّ، والفرند، ونحو ذلك من المعرّب الذي لم يجيء له مثل في كلامهم. فكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعا، وإن كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب. وكذلك القول في (مِيكالَ وميكائيل) وميكال: بزنة قنطار وسرداح «4» و (ميكائيل) خارج عن أبنية كلام العرب. فأمّا القول في زنة (مِيكالَ) فلا يخلو من أن يكون فيعالا أو مفعالا أو فعلالا. فلا يجوز أن يكون «5» فيعالا، لأن هذا بناء يختصّ به المصدر كالقيتال، والحيقال «6»، وليس هذا

_ (1) في (ط): من. (2) في المعجم في اللغة الفارسية: زور: قوة، غلبة. وآشوب: من آشوفتين: الاضطراب. (3) في (ط) وكذلك. (4) في (ط): سرداح وقنطار. (5) سقطت يكون من (م). (6) في الصحاح: حوقل الشيخ حوقلة وحيقالا: إذا كبر وفتر عن الجماع.

الاسم بمصدر، ولا يجوز أن يكون مفعالا، فيكون من أكل أو وكل، لأنّ الهمزة المحذوفة من ميكائيل محتسب بها في البناء، فإذا ثبت ذلك صارت الكلمة من الأربعة، وبنات الأربعة لا تلحقها الزيادة من أوائلها، إلا الأسماء الجارية على أفعالها، وليس هذا على ذلك الحدّ. فإذا لم يكن كذلك، ثبت أن الميم أصل كما كانت الهمزة في إبراهيم ونحوه أصلا ليست بزيادة. ولا يجوز أيضا أن يكون فعلالا، لأنّ الهمزة المحذوفة من البناء مقدرة فيه. ونظير ذلك في حذف الهمزة منه والاعتداد بها، مع الحذف [في البناء] «1» قولهم: سواية، إنما هي سوائية: كالكراهية، وكذلك الهمزة المحذوفة من أشياء- على قول أبي الحسن- مقدّرة في البناء فكذلك الهمزة في ميكائيل. فإن قلت: فلم لا تجعلها بمنزلة التي في حطائط وجرائض «2»؟ فإن ذلك لا يجوز، لأن الدّلالة لم تقم على زيادتها كما قامت في قولهم: جرواض «3». فهو إذن بمنزلة «4» التي في برائل «5»، وكذلك (جِبْرِيلَ) الهمزة التي تحذف منها ينبغي أن

_ (1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط). (2) الحطاطة والحطائط والحطيط: الصغير، (اللسان: حطط)، والجمل الجرائض: الأكول الشديد القصل بأنيابه الشجر. (اللسان: جرض). (3) الجرواض: الضخم العظيم البطن (اللسان). (4) في (ط): بمنزلة الياء. (5) البرائل: الذي ارتفع من ريش الطائر فيستدير في عنقه.

يقدّر حذفها للتخفيف وحذفها للتخفيف لا يوجب إسقاطها من أصل البناء، كما لم يجز إسقاطها في سواية من أصل البناء، وإذا كان كذلك كانت الكلمة من بنات الخمسة. وهذا التقدير يقوّي قول من قرأ: (جبريل وميكائيل) بالهمز لأنّه يقول: إن الذي قرأ: (جِبْرِيلَ) وإن كان في اللفظ مثل: برطيل، فتلك الهمزة عنده مقدرة. وإذا كانت مقدرة في المعنى، فهي مثل ما ثبت في اللفظ. فأمّا «1» (إسرافيل) فالهمزة فيه أصل، لأن الكلمة من بنات الأربعة، كما كانت الميم من ميكائيل كذلك. فإسرافيل من الخمسة كما كان جبرئيل كذلك. والقول في همزة إسرافيل وإسماعيل وإبراهيم مثل القول في همزة إسرافيل في أنها من نفس الكلمة، والكلمة بها من بنات الخمسة. وقد جاء في أشعارهم الأمران: ما هو على لفظ التعريب، وما هو خارج عن ذلك قال «2»: عبدوا الصّليب وكذّبوا بمحمّد ... وبجبرئيل وكذّبوا ميكالا وقال: «3»

_ (1) في (ط) وأما. (2) البيت لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل. ديوانه/ 450، تفسير القرطبي 2/ 38 وتفسير البحر المحيط 1/ 318. (3) البيت لحسان بن ثابت. ديوانه 1/ 18 تفسير البحر المحيط 1/ 318 وفيه: فينا مكان: منا.

وجبريل رسول الله منّا ... وروح القدس ليس له كفاء وقال «1»: شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة ... يد الدّهر إلا جبرئيل أمامها وقال كعب بن مالك «2»: ويوم بدر لقيناهم لنا مدد ... فيه لدى النّصر ميكال وجبريل وأما ما روي عن أبي عمرو من أنّه كان يخفف (جِبْرِيلَ) أو (مِيكالَ) ويهمز (إسرائيل)، فما أراه إلا لقلّة مجيء (إسرال) بلا همز وكثرة مجيء (جِبْرِيلَ وَمِيكالَ) في كلامهم والقياس فيهما واحد، وقد جاء في شعر أميّة (إسرال) قال: لا أرى من يعيشني في حياتي ... غير نفسي إلا بني إسرال «3»

_ (1) البيت لحسان وروايته: «نصرنا» بدل «شهدنا» ديوانه 1/ 522. القرطبي 2/ 37 تفسير البحر المحيط 1/ 318. ونسب البيت في الخزانة لكعب بن مالك 1/ 199، 374، والتاج واللسان/ جبر/. وفي اللسان: قال ابن بري: ورفع «أمامها» على الإتباع بنقله من الظروف إلى الأسماء. (2) البيت من قصيدة وردت في السيرة 1/ 147، وفي القرطبي 2/ 38 والبحر المحيط 1/ 318، وفي اللسان (مكا) ونسبه لحسان بن ثابت. (3) ديوان أمية: 445: وروايته يعينني بدل يعيشني. وقد عد المرزباني في الموشح 365 البيت من عيوب الشعر، وجعل قوله: إسرال من التثليم،

البقرة: 102

وليس قول من قال: إنّ (إيل، وإل) اسم الله «1»، وأضيف ما قبلهما إليهما، كما يقال: عبد الله- بمستقيم من وجهين: أحدهما: أنّ (إيل، وإل) لا يعرفان في أسماء الله سبحانه في اللغة العربية، والآخر أنّه لو كان كذلك لم يتصرّف آخر الاسم في وجوه العربيّة، ولكان الآخر مجرورا، كما أنّ آخر عبد الله كذلك، ولو كان مضافا لوقع التعريب عليه على حدّ ما وقع في «2» غيره من الأسماء المضاف إليها. [البقرة: 102] اختلفوا في كسر النّون مع التخفيف والتشديد من قوله «3»: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا [البقرة/ 102]، وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال/ 17]، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال/ 17]، وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس/ 44]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا، وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى، وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ مشدّدات في ذلك كلّه «4». وقرأ نافع وابن عامر وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة/ 177] وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى [البقرة/ 189] خفيفتي النون، ويرفعان «5» (البرّ). وشدّد النون في هذين الموضعين

_ وهو أن يأتي الشاعر بأسماء يقصر عنها العروض فيضطر إلى ثلمها والنقص منها. والبيت في البحر المحيط 1/ 172 وفيه: بني إسرالا. (1) في (ط): الله عز وجل. (2) في (ط): على. (3) في (ط): قوله عز وجل. (4) وفي (ط): مشددات كلهن. (5) في (ط): ورفع.

ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ. وقرأ حمزة والكسائيّ: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا، وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى، وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ خفيفات كلهنّ. وقرأ ابن عامر وحده: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ بالتخفيف. وشدّد النون من: وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى، وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، ولم يختلفوا إلّا في هذه الستة الأحرف «1». قال أبو علي: اعلم أن لكِنْ حرف لا نعلم شيئا على مثاله في الأسماء والأفعال، فلو كانت اسما لم يخل من أن يكون فاعلا أو فعلا، ولا نعلم أحدا ممن يؤخذ بقوله يذهب إلى أنّ الألفاظ في الحروف زائدة، فكذلك ينبغي أن تكون الألف في هذا الحرف، وهو مثل إنّ في أنّها مثقّلة ثم يخفّف إلا أنّ «إنّ وأنّ» إذا خفّفتا فقد ينصب بهما كما كان ينصب بهما مثقّلتين وإن كان غير الإعمال أكثر. ولم نعلم أحدا حكى النصب في «لكن» إذا خففت فيشبه أن النصب لم يجيء في هذا الحرف مخففا، ليكون ذلك دلالة على أن الأصل في هذه الحروف أن لا تعمل إذا خفّفت لزوال اللفظ الذي به شابه الفعل في التخفيف، وأنّ من خفّف ذلك، فالوجه أن لا يعمله. ومثل ذلك في أنّه لم يجيء فيه الجزاء؛ وإن كان القياس لا

_ (1) السبعة 167 - 168. وورد في حاشية (م) ما يلي: (وروى هبيرة عن حفص عن عاصم: لمن اشتراه ماله. والمعروف عن حفص عن عاصم التفخيم). ولا صلة لهذا الكلام بالمتن.

يمنع منه: «كيف»؛ ألا ترى أنّ الخليل وأصحابه لم يحكوا فيه الجزاء؟ وإن كان المعنى لا يمنع ذاك، ليعلم أنّ الجزاء ليس حكمه أن يكون بالأسماء، فكذلك لم يجيء النصب مع التخفيف في هذا الحرف كما جاء في «إنّ، وأنّ، ولعلّ، وليت» «1» وقد لحقتها «ما» كافة كما لحقت «إنّ وأنّ ولعلّ وليت» وذلك في نحو قوله: قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء/ 45]، وكَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ [الأنفال/ 6] وقول الشاعر «2»: .... لعلما ... أضاءت لك النار الحمار المقيّدا فممّا جاءت فيه (ما) كافة قول الشاعر «3»: ولكنّما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد ومما جاءت فيه لكن مخفّفة غير معملة ما أنشده أبو زيد «4»:

_ (1) سقطت ليت من (م). (2) هو الفرزدق، وتمام البيت: أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما ... أضاءت لك النار الحمار المقيّدا وهو من شواهد المغني. انظر شرح أبياته 5/ 169. وانظر ديوانه 2/ 213 وفيه فربما بدل لعلما. (3) هو ساعدة بن جؤية، انظر شرح أشعار الهذليين 3/ 1166. وأنشده سيبويه 2/ 15 شاهدا على تركه صرف مثنى وموحد لأنهما صفتان للذئاب معدولتان عن اثنين اثنين وواحد واحد. ومعنى تبغّى الناس، أي: تطلبهم. (4) أنشده في النوادر: 80 ونسبه لزيد الخيل.

وما دهري بشتمك فاعلمنه ... ولكن أنت مخذول كبير ومثله قول زهير «1». لقد باليت مظعن أمّ أوفى ... ولكن أمّ أوفى لا تبالي وقول الآخر «2»: فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدّما ولا يدلّ نحو ما أنشده أبو زيد «3» من قول عمران: ولكنّا الغداة بنو سبيل ... على شرف نيسّر لانحدار وكذلك الحذف في إنّ في نحو قوله: قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ [البقرة/ 14] وقوله: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه/ 12] لولا أنّ الحرف المحذوف مراد لم يوصل بضمير المنصوب، ألا ترى أنّ (إنّ) إذا خفّفت، دخلت «4» الأفعال، وفي دخولها على

_ (1) شرح ديوانه: 342. (2) البيت للحصين بن الحمام أمالي ابن الشجري 2/ 34، 187، خزانة الأدب 3/ 352، أبو حيان في البحر المحيط 1/ 281. (3) النوادر: 310 (ملحق) وص 172 ط جامعة الفاتح. وعمران هو ابن حطان السدوسي الخارجي. وانظر الخزانة 2/ 440. (4) في (ط): على الأفعال.

الأفعال، دلالة على إخراجها من الإعمال، وعلى ذلك جاء التنزيل في نحو: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا [الفرقان/ 42] وإِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ [يونس/ 29] ونحو هذا مما كثر مجيئه في التنزيل. فأمّا إنشاد من أنشد: «1» فلو أنك في يوم الرّخاء سألتني ... فراقك لم أبخل وأنت صديق فهو قليل، وقياسه قياس من أعملها «2» مخففة في المظهر، وإن كان ذلك في المضمر أقبح لأنّ المضمر كثيرا ما يردّ معه الشيء إلى أصله نحو قوله: أنشده أبو زيد: فلا بك ما أسال ولا أغاما «3» والأصل في هذه الحروف إذا خفّفت أن لا تعمل لزوال المعنى الذي به كان يعمل، ولذلك لم تعمل (لكن) مخففة. فإن قلت: إنّ لكنّ لا تشبه الأفعال، ألا ترى أنه ليس شيء على مثاله في الأسماء ولا في غيره؟. فإنّ فيه ما يشبه الفعل إذا نزّلته منفصلا كقولهم: «أراك منتفخا» «4». وقد جاء حذف ضمير القصة «5» والحديث معها في نحو

_ (1) البيت ليزيد بن مفرغ. وهو من شواهد الخزانة 2/ 465 وشرح أبيات المغني 1/ 147 والأشموني 1/ 290. (2) في (ط): وهي مخففة. (3) سبق انظر 1/ 106 و 2/ 112. (4) انظر ما سبق 1/ 309 و 2/ 79. (5) سقطت القصة من (ط).

قول أميّة «1»: ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه ... بعدّته ينزل به وهو أعزل كما جاء في قوله: فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة «2» فلولا أنّ الضمير معه مراد لما دخل على الجزاء، كما أنّه لو لم يكن مرادا مع ليت، لم تدخل على الفعل، في نحو ما أنشده أبو زيد «3»: فليت دفعت الهمّ عني ساعة ... فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال

_ (1) البيت في ديوان أمية بن أبي الصلت/ 433/، ينوبه: يصيبه وينزل به، والعدة: ما تعده من سلاح ومال، وقد استشهد به سيبويه على إضمار منصوب (لكنّ) وبقاء (من) للشرط لأن الشرط لا يعمل فيه ما قبله، وجزم (ينزل) في الجواب. انظر الكتاب 1/ 439. (2) هذا صدر بيت للراعي في ديوانه 167 وعجزه: وإن كان سرح قد مضى فتسرّعا والمعنى: ليتهم أقاموا وإن كانوا قد رحلوا وتقدم سرحهم، ومعنى حق: حقق، أي: ليت إقامتكم حققت لنا، ومعنى لو هنا: التمني، ولا جواب لها، كما تقول: لو أنك أقمت عندنا أي: ليت أقمت. والسرح: المال الراعي انظر طرة الكتاب 1/ 439. (3) النوادر: 25 والبيت لعدي بن زيد وهو من شواهد المغني، انظر شرح أبياته للبغدادي 5/ 184، والإنصاف 1/ 183.

فأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر «1»: ندمت على لسان كان منّي ... فليت بأنّه في جوف عكم فيحتمل أمرين: أحدهما أن تكون الباء زائدة، ويكون (أنّ) مع الجارّ في موضع نصب، ويكون ما جرى من صلة (أنّ) قد سدّ مسدّ خبر ليت. كما أنّها في ظننت أنّ زيدا منطلق، كذلك. ويحتمل أن تكون الهاء مرادة ودخلت الباء على المبتدأ، كما دخلت في قولهم: بحسبك أن تفعل ذلك، ولا يمتنع هذا من حيث امتنع الابتداء بأنّ لمكان الباء، ألا ترى أنّ (أنّ) قد وقعت بعد لولا في نحو «2»: لولا أنّك منطلق، ولم يجر، ذلك [في الامتناع] «3». مجرى: أنّك منطلق بلغني. لأن المعنى الذي له لم يبتدأ بالمفتوحة مع لولا معدوم «4». فأمّا ما أنشده من قول الشاعر «5»:

_ (1) النوادر: 33 والبيت للحطيئة، في ديوانه: 347 برواية: فات بدل: كان و: بيانه، بدل: بأنه، وفي خزانة الأدب 2/ 138 واللسان:/ عكم/ لسن/ وورد فيه الروايتان: كان مني، فات مني، وددت بدل: فليت. واللسان هنا: الكلام. والعكم بكسر العين: العدل، مثل الجوالق. وفسره في اللسان بأنه داخل الجنب على المثل بالعكم: النّمط. (2) في (ط): نحو قولك. (3) ما بين المعقوفتين سقط من (ط). (4) عبارة (ط): لم يبتدأ مع لا معدوم. (5) البيت لكعب بن سعد الغنوي في الأصمعيات/ 96 وكذلك في النوادر لأبي زيد/ 37، والاقتضاب لابن السيّد/ 459 برواية: الصوت رفعة مكان

فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة ... لعلّ أبي المغوار منك قريب ولعلّ أبي المغوار منك قريب. فينبغي أن يكون على إضمار القصة والحديث كأنه خفّف لعلّ. وأعملها كما يخفف أنّ ويعمل، فمن فتح اللّام وجرّ الاسم فقال: لعلّ أبي المغوار، فاللّام لام الجرّ إلّا أنّه فتحها مع المظهر كما يفتح مع المضمر. وزعم أبو الحسن أنه سمع فتح اللام مع المظهر من يونس وأبي عبيدة وخلف الأحمر. وزعم أنه سمع ذلك أيضا «1» من العرب، فيكون الجرّ في أبي المغوار على هذه اللغة. ومن قال: لعلّ أبي المغوار منك قريب حذف لام لعلّ وأضمر القصة أو الحديث. وكسر اللام مع المظهر على اللغة التي هي أشيع، والتقدير: لعلّ لأبي المغوار منك جواب قريب، أي لعلّ نصره لا يبعد عليك، ولا يتأخّر عنك. فإن قلت: إنه حذف اللام لاجتماع اللامين، كما حذف من (إِنَّا مَعَكُمْ) ونحو ذلك، كان قولا.

_ الصوت دعوة والخزانة 4/ 370 وفيها جهرة بدل: دعوة. وانظر شرح شواهد المغني للبغدادي 5/ 166. (1) في (ط): وزعم أنه سمع هو أيضا ذلك.

وحكى أبو عمر أنّ يونس لم يكن يرى «1» (لكن) الخفيفة من حروف العطف. ويقوّي هذا القول أنّ أخوات لكن ممّا حذف منهنّ لم يخرج بالتخفيف عن ما كان عليه قبل التخفيف. ألا ترى أنّ: (إنّ) و (أنّ) و (كأنّ) كذلك؛ ومثلها (لعلّ). فالقياس في (لكن) أن يكون في التخفيف على ما عليه أخواتها، ولا تخرج بالتخفيف عما كانت «2» عليه، كما لم تخرج أخواتها عنه. ويقوي ذلك أن معناها مخففة كمعناها مشدّدة، فإذا وافق حال التخفيف حال التشديد في اللفظ والمعنى، وجب أن تكون في التخفيف مثلها في التشديد. فإن قلت: لم لا تكون مثل حتّى التي تكون لمعان مختلفة مع أنّ اللفظ واحد «3». قيل: إنّ (حتّى) وإن كانت على لفظة واحدة، فإن المعاني التي تدلّ عليها مختلفة. ألا ترى أن العطف فيها غير الجرّ ووقوع الابتداء «4» كما يقع الابتداء بعد إذا نحو: خرجت فإذا زيد، غير الجرّ والعطف. وكذلك الواو إذا كانت عاطفة معناها غير الجارّة. وكذلك إذا كانت في نحو: جاء البرد والطيالسة.

_ (1) في (ط): يرى أن. (2) في (ط): كنّ. (3) في (ط): اللفظة واحدة. (4) في (ط): ووقوع الابتداء كما أن وقوعه في الابتداء كما يقع الابتداء.

وكذلك (ما) إذا كانت زائدة أو نافية أو كافّة، أو عوضا من الفعل في نحو: إمّا لا. وكذلك اللّام في: (لتفعلنّ)، وفي (لعمرو منطلق) وليس كذلك (لكن) لأنها إذا كانت مشددة كان معناها كمعناها إذا كانت مخففة؛ فإذا كان كذلك وجب «1» أن لا تخرج بعد التخفيف عما كانت «2» عليه قبل. كما أنّ سائر أخواتها «3» كذلك. فإن قلت: أليس قوم قد ذهبوا إلى أنّ (ليس) من حروف العطف، ويحملون قوله: إنّما يجزي الفتى ليس الجمل «4» فيمن أنشده بليس، فمعناها عاطفة كمعناها غير عاطفة في النفي. قيل: إنها في هذا البيت يستقيم أن تكون نافية ويكون خبرها مضمرا. فكأنّ التقدير: إنّما يجزي الفتى ليس الجمل الذي يجزي. فحذف الخبر. فليس لا تثبت حرف عطف من هذا البيت الذي استدلّوا

_ (1) في (م) زيادة على الحاشية: (أن يكون) بعد قوله: وجب. وليس لها ضرورة. (2) في (م): كان. (3) في (م): أخواته. (4) هذا عجز بيت للشاعر لبيد بن ربيعة صدره: فإذا جوزيت قرضا فاجزه ديوانه/ 141 من قصيدة له يتحدث فيها عن مآثره ومواقفه ويأسى لفقد أخيه أربد. وهو من شواهد سيبويه 1/ 370 والمقتضب 4/ 410، وبرواية غير بدل ليس. وفي الخزانة 4/ 68 كما هنا.

به على ذلك، وكذلك يجوز أن يقول يونس في نحو: ما مررت برجل صالح لكن طالح. إنّه يجرّه بباء يضمرها دلّت المتقدّمة لها عليها. كما حكى سيبويه عنه نحو هذا «1». ويضمر القصة في (لكن) وإن كانت مخففة. كما أضمروا «2» في أن وإن في نحو: أما إن يغفر الله لك، وإذا قال: ما مررت برجل صالح لكن طالح، كان على قوله: ولكن هو طالح، فإنّه يقول: لمّا خفّفته صارت «3» من حروف الابتداء، كما صارت (إنّ) كذلك، ولذلك وقع بعدها الفعل، فكذلك صار (لكن) من حروف الابتداء، كما كان قوله: ولكن على أقدامنا تقطر الدما «4» وقوله: ولكن أمّ أوفى لا تبالي «5» على ذلك. فأمّا تشديد لكنّ إذا دخلت عليها الواو- وتخفيفها معها، فالقياس لا يوجب دخول التثقيل فيها- كما أنّ انتفاء دخولها لا يوجب التخفيف. ومن شدّد مع دخول الواو كان كمن خفّف مع دخولها. ألا ترى أنّ الواو لا توجب تغييرا فيما بعدها في المعنى، وإذا كان كلّ واحد منهما لا ينافي الآخر في المساغ

_ (1) انظر سيبويه 1/ 216. (2) في (ط): أضمروها. (3) في (ط) صار. (4) البيت للحصين بن الحمام وقد سبق انظر ص/ 172/ من هذا الجزء. (5) البيت لزهير بن أبي سلمى وقد سبق انظر ص/ 172/ من هذا الجزء.

البقرة: 106

والجواز كانوا كلّهم قد أحسن فيما أخذ به لتساوي الأمرين في ذلك كله في القياس. ولم يكن في دخول الواو عليها معنى يوجب التشديد. كما لم يكن في انتفاء دخولها عليها معنى يوجب التخفيف. [البقرة: 106] اختلفوا في فتح النون «1» وضمّها وفتح السين وكسرها من قوله جلّ وعزّ: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ [البقرة/ 106]. فقرأ ابن عامر وحده: (ما ننسخ) بضم النون الأولى وكسر السين. وقرأ الباقون: (ما (ننسخ) بفتح النون الأولى والسين مفتوحة «2». قال أبو علي: النسخ في التنزيل «3»: رفع الآية وتبديلها. ورفعها على ضروب: منها أن ترفع «4» تلاوتها. وحكمها، كنحو ما روي عن أبي بكر الصديق أنّه قال: كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم إنّه كفر» ومنها أن تثبت الآية في الخطّ ويرتفع حكمها كقوله «5»: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا [الممتحنة/ 11]. فهذه ثابتة اللفظ في الخطّ مرتفعة الحكم. ونسخ حكمها يكون على ضربين: بسنّة أو بقرآن، مثل الآية المنسوخة. فممّا نسخ بالسنّة الآية التي تلوناها- ومنه قوله:

_ (1) في (ط): النون الأولى. (2) السبعة 168. (3) في (م): زيادة (على) بعد التنزيل. (4) في (م): يروّح. (5) في (ط): كقوله عز وجل.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ [الممتحنة/ 10]. وأمّا المنسوخ بقرآن مثله؛ فقوله في الأنفال: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ، وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً [الأنفال/ 65]. فنسخ بقوله: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ [الأنفال/ 66] وقوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ [البقرة/ 240] فهذا نسخ «1» بقوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة/ 234]. ومنها ما يرتفع اللفظ من التنزيل ويثبت الحكم، كالحكم برجم الثيّبين، وما روي عن عمر من أنّه قال: لا تهلكوا عن آية الرّجم، فإنّا كنا نقرأ: (الشيخ والشيخة فارجموهما) «2». ومما جاء في التنزيل من ذكر النّسخ قوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ [الحج/ 52].

_ (1) في (ط): فهذه نسخت. (2) ورد ما يقرب من هذا اللفظ في موطأ مالك: وذلك من خطبة له في المدينة يقول فيها: «إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى، لكتبتها (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة) فإنا قد قرأناها». انظر موطأ مالك 2/ 824، ومسند أحمد 1/ 36، 5/ 183، والقرطبي 14/ 113.

روي «1» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم. قرأ سورة النجم فأتى على قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [الآية/ 19] وصل به: (تلك الغرانقة الأولى «2». وإن شفاعتهن لترتجى) فسّر المشركون بذلك وقالوا: قد أثنى على آلهتنا «3». فهذا حديث مرويّ من أخبار الآحاد التي لا توجب العلم. وذهب عامة أهل النظر فيما علمت إلى إبطاله وردّه، وأنّ ذلك لا يجوز على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «4» على وجه ما رووا، ولو صحّ الحديث وثبت لم يكن في هذا الكلام ثناء على آلهة المشركين، ولا مدح لها. ولكن يكون التقدير فيه: تلك الغرانقة الأولى. وإنّ شفاعتهنّ لترتجى عندكم، لا أنها في الحقيقة كذلك كما قال «5»: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان/ 49] أي: العزيز الكريم عند نفسك. وكما حكي عن من آمن من السحرة سحرة فرعون: وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزخرف/ 49]، ومن آمن من السحرة وصدّق موسى. لا يعتقدون فيه أنه ساحر وإنما التقدير: قالوا «6» يا أيها

_ (1) في (ط): وروي. (2) وردت روايتها في كتب التفسير والحديث: العلى. (3) أورد ابن كثير في تفسيره (5/ 438 ط الشعب) ما ورد في قصة الغرانيق عند المفسرين وغيرهم من أحاديث، وقال: ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم. وانظر مجمع الزوائد 7/ 115. (4) في (ط): كما. (5) في (ط): قال عز وجل. (6) في (ط): وقالوا.

الساحر فيما يذهب إليه فرعون وقومه أو فيما يظهرون من ذلك، وكما «1» قال: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً [الأحزاب/ 25] فسمّي ما كان يناله المشركون من المسلمين- لو نالوا- خيرا على ما كان عندهم، وكما قال وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر/ 6] فهذا على: يا أيّها الذي نزّل عليه الذّكر عنده وعند من تبعه، ولو اعترفوا بتنزيل الذّكر عليه لم يقولوا ما قالوه «2»، وقال زهرة اليمن «3»: أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها ... أنّي الأغرّ وأنّي زهرة اليمن فأجابه جرير: ألم تكن في وسوم قد وسمت بها ... من حان- موعظة يا زهرة اليمن «4» وهذا النحو في «5» الكلام الذي يطلق، والمراد به التقييد على صفة واسع غير ضيّق. فعلى هذا كان يكون تأويل هذا الكلام لو صحّ [أو سلم] «6» لراويه، وإن لم يصحّ فالمعنى في قوله: (فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي: يرفعه ويبيّن إبطاله

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): ما قالوا. (3) البيت في الخصائص 2/ 461 عن أبي علي يهجو جريرا. وقد أورد ابن جني هنا شواهد من نحو ما أورده أبو علي، وجعلها مثالا لما كان مخرجه منه تعالى على الحكاية. (4) البيت في ديوان جرير/ 746/ وفيه: يا حارث اليمن، مكان: يا زهرة اليمن. والوسوم: جمع وسم، وهو أثر الكيّ يريد أذى هجائه. وحان: هلك. (5) في (ط): من. (6) سقطت من (ط).

بالحجج الظاهرة. وقد يجوز أن يكون: أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ أي: في حال تلاوته، ولا دلالة على أنّ إلقاء ذلك في حال التلاوة، إنما هو من التالي. لكن ممّن يريد التلبيس من شياطين الإنس، فيبيّن الله ذلك، ويظهره عند من نظر واعتبر، ثم يحكم الله آياته عن أن يجوز فيها ما لا يجوز في دينه من تمويه المموّهين، وتلبيس الملبسين، ومن ذلك قوله: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية/ 29] فقوله: (نستنسخ) يجوز أن يكون ننسخ كقوله: وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ [الصافات/ 14] أي يسخرون، ويجوز أن يكون يستدعي ذلك، واستدعاء ذلك إنّما هو بأمر الملائكة بكتابته وحفظه ليحتجّ عليهم بأعمالهم كقوله: بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف/ 80] وقوله: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق/ 18] وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ، كِراماً كاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ [الانفطار/ 10] وقوله: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ [يونس/ 30] وكقوله: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء/ 14] وكقوله تعالى «1»: فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ [الإسراء/ 71] ونحو ذلك من الآي التي تدلّ على أنّ أعمال العباد مكتوبة محصاة. فأمّا قراءة ابن عامر ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ بضمّ النون، فالقول فيها: أنها لا تخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون أفعل لغة في هذا الحرف كقولهم: حلّ من إحرامه، وأحلّ. وقولهم: بدأ الخلق وأبدأهم. أو تكون الهمزة للنقل كقولك: قام

_ (1) سقطت من (ط).

وأقمته، وضرب وأضربته، ونسخ الكتاب وأنسخته الكتاب. أو يكون المعنى في أنسخت الآية: وجدتها منسوخة، كقولهم: أحمدت زيدا وأجبنته وأبخلته، أي: أصبته على بعض هذه الأحوال. فلا يجوز أن يكون لغة على حدّ حلّ وأحلّ، وبدأ وأبدأ لأنّا لم نعلم «1» أحدا حكى ذلك، ولا رواه عن أحد، ولا تكون الهمزة لمعنى النقل، لأنّك لو جعلته كذلك، وقدّرت المفعول محذوفا من اللّفظ مرادا في المعنى كقولك: «ما أعطيت من درهم فلن يضيع عندك» لكان المعنى: ما ننزّل عليك من آية أو ننسها نأت بخير منها. وذلك أن إنساخه إياها إنما هو إنزال في المعنى، ويكون «2» معنى الإنساخ: أنه منسوخ من اللوح المحفوظ أو من الذّكر، وهو الكتاب الذي نسخت الكتب المنزلة منه. وإذا كان كذلك فالمعنى: ما ننزل من آية، أو: ما ننسخك من آية، أو ننسها، لأنّ ابن عامر يقرأ: أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة/ 106] وليس هذا المراد ولا المعنى، ألا ترى أنه ليس كلّ آية أنزلت أتي بآية أذهب منها في المصلحة. وإنما قوله: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها تقديره نأت بخير من المنسوخ، أي أصلح لكم أيها المتعبّدون. وأقلّ الآي هي المنسوخة وأكثرها غير منسوخ، فإذا كان تأويلها هذا التأويل يؤدي إلى الفساد في المعنى، والخروج عن الغرض الذي قصد به الخطاب؛ علمت أنّ توجيه التأويل إليه لا يصحّ، وإذا لم يصحّ ذلك، ولا الوجه الذي ذكرناه قبله، ثبت أن وجه قراءته إنما هو على القسم الثالث وهو: أنّ قوله

_ (1) في (ط): لا نعلم. (2) في (ط): فيكون.

البقرة: 106

ننسخ «1»: نجده منسوخا، وإنما نجده كذلك لنسخه إياه، فإذا كان كذلك كان قوله: نَنْسَخْ بضم النون، كقراءة من قرأ نَنْسَخْ بفتح النون، يتفقان في المعنى وإن اختلفا في اللفظ. وقول من فتح النون فقرأ: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أبين وأوضح. [البقرة: 106] اختلفوا في ضمّ النون الأولى وترك الهمزة «2» وفتح النون مع الهمز في «3» قوله: ننسأها [البقرة/ 106]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ننسأها: بفتح النون الأولى مع الهمز، وقرأ الباقون: نُنْسِها بضم النون الأولى «4» وترك الهمز. قال أبو علي: أما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: ننسأها بفتح النون وهمز لام الفعل. ففسّر على التأخير، أي: نؤخرها. وقال: بعض من لا [ينبغي أن] «5» يعبأ بقوله: إن التأخير هنا لا معنى له. وقد قرأ بذلك من السّلف فيما ذكر «6»، عمر وابن عباس، ومن التابعين إبراهيم وعطاء، وقرأ «7» به عبيد بن عمير. وروى ابن جريج عن مجاهد ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ قال:

_ (1) في (ط): قوله عز وجل ما ننسخ. (2) في (ط): الهمز. (3) في (ط): من. (4) سقطت من (ط). (5) سقط ما بين المعقوفتين من (ط). (6) في (ط): ذكروا. (7) في (ط): وقد قرأ.

«نمحاها «1» أو ننسأها» قال: نثبت خطّها ونبدل حكمها. وقال أبو زيد: نسأت الإبل عن الحوض، فأنا انسؤها نس ءا: إذا أخّرتها عنه. ونسأت الإبل، فأنا أنسؤها نس ءا. إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين أو أكثر من ذلك «2»، وتقول: انتسأت عنك انتساء. إذا تباعدت عنه، وأنسأته الدّين إنساء: إذا أخّرته عنه واسم ذلك النّسيئة. فأما معنى التأخير في قوله: ننسأها فقال ناس من أهل النظر فيه «3»: إنّ التأخير في الآية يتوجّه على ثلاثة أنحاء منها: أن يؤخّر التنزيل فلا ينزل البتّة، ولا يعلم ولا يعمل به، ولا يتلى. فالمعنى على هذا: ما ننسخ من آية أو ننسأها أي: نؤخّر إنزالها، فلا ننزلها. والوجه الثاني: أن ينزل القرآن فيعمل به ويتلى ثم يؤخّر بعد ذلك بأن ينسخ فترفع «4» تلاوته البتة، ويمحى «4» فلا يتلى «4» ولا يعمل بتأويله وذلك مثل ما روى يونس عن الحسن أنّ أبا بكر الصديق قال: كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم إنه كفر «7». ومثل ما روي عن زرّ بن حبيش أنّ أبيّا قال له: كم تقرءون الأحزاب؟ قلت: بضعا وسبعين آية. قال: قد قرأتها ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «8» أطول من سورة البقرة «9».

_ (1) في اللسان: محا الشيء يمحوه ويمحاه محوا ومحيا: اذهب أثره. (2) انظر البحر المحيط 1/ 344. (3) في (ط): من أهل الكوفة. بدل: من أهل النظر فيه. (4) في (ط): وترفع ... وتمحى فلا تتلى. (7) انظر القرطبي 2/ 66. (8) سقطت من (ط). (9) انظر القرطبي 2/ 63، 14/ 113.

والوجه الثالث: أن يؤخّر العمل بالتأويل لأنه نسخ «1» ويترك خطّه مثبتا وتلاوته قرآن يتلى، وهو ما حكي عن مجاهد أنّه قال: يثبت خطّها ويبدل حكمها. وهذا نحو قوله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ، فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا [الممتحنة/ 11] فهذا مثبت اللفظ مرفوع الحكم. وأما من قرأ نُنْسِها من النسيان فإنّ لفظ (نسي) المنقول منه أنسي على ضربين: أحدهما أن يكون بمعنى الترك، والآخر: النسيان الذي هو مقابل الذكر، فمن الترك قوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة/ 67] أي: تركوا طاعة الله فترك رحمتهم، أو ترك تخليصهم. وإضافة الترك إلى القديم سبحانه في نحو هذا اتساع. كقوله «2»: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة/ 17] وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف/ 99] أي: خلّيناهم وذاك. وقال جويبر عن الضحّاك في قوله: الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا [الجاثية/ 34] قال: اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري. فأمّا قوله «3»: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [البقرة/ 286] فقوله نَسِينا يحتمل الوجهين: يجوز أن يكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر، والخطأ: من الإخطاء الذي

_ (1) في (ط): ينسخ. (2) في (ط): كقوله عز وجل. (3) في (ط): قوله عز وجل.

ليس التعمّد، ومجاز ذلك على أنهم تعبّدوا بأن يدعوا على أن لا يؤاخذوا بذلك، وإن كانوا قد علموا أن القديم سبحانه لا يؤاخذ بهما. وقد جاء في «1» الحديث المأثور: «رفع عن أمتي الخطأ والنّسيان وما أكرهوا عليه» «2» كما جاء في الدعاء قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ «3» [الأنبياء/ 112] وهو سبحانه لا يحكم إلا بالحقّ، وكما قال: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ [آل عمران/ 194] وما وعدهم الله به على ألسنة الرّسل يؤتيهم الله إياه، وكذلك تعبّد الله الملائكة بالدّعاء بما يفعله الله لا محالة فقال: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ إلى قوله: وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ [غافر/ 9]. وعلى هذا يمكن أن يكون قوله: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ [البقرة/ 286] الاستطاعة ويكون على قوله لا تحمّلنا ما يثقل علينا ويشقّ وإن كنّا مستطيعين له. ويجوز أن يكون إِنْ نَسِينا على: إن تركنا شيئا من اللازم لنا. ومن التّرك قوله «4»: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [طه/ 115] أي ترك ما عهدنا إليه. ومنه قوله:

_ (1) سقطت من (ط). (2) رواه ابن ماجة في كتاب الطلاق 1/ 659. (3) (قل) قراءة غير حفص أما قراءة حفص فرويت بالألف (قال). انظر النشر في القراءات العشر 2/ 325. (4) في (ط): قوله عز وجل.

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر/ 19] أي: كالذين تركوا طاعة الله وأمره، فأنساهم أنفسهم، أي: لم يلطف لهم كما يلطف للمؤمنين في تخليصهم أنفسهم من عقاب الله، والتقدير: ولا تكونوا كالذين نسوا أمر الله أو طاعته، فأنساهم تخليص «1» أنفسهم من عذاب الله «2» وجاز أن ينسب الإنساء إليه. وإن كانوا هم الفاعلون له والمذمومون عليه، كما قال: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال/ 17]، فأضاف «3» الرمي إلى الله سبحانه لما كان بقوته، وإقداره، فكذلك نسب الإنساء إليه، لمّا لم يلطف لهذا المنسى «4» كما لطف للمؤمن الذي قد هدي، وكذلك قوله: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا [الجاثية/ 34] أي: نسيناكم كما نسيتم الاستعداد للقاء يومكم هذا، والعمل في التخلص من عقابه. وأما قوله «5»: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف/ 24] فعلى معنى التّرك، لأنه إذا كان المقابل للذكر لم يكن مؤاخذا. ومما هو خلاف الذكر، قوله: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى [طه/ 52] فقوله: لا يَضِلُّ رَبِّي هو في تقدير حذف الضمير العائد إلى الموصوف. وقال «6»: فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ [طه/ 88] ففي قوله: نسي، ضمير السامري، أي: ترك التوحيد باتخاذه العجل.

_ (1) في (ط): تخليصهم. (2) في (ط): الله عز وجل. (3) في (ط): فأضيف. (4) رسمت المنسى في الأصل بالألف الممدودة. (5) في (ط): قوله عز وجل. (6) في (ط): وقال عز وجل.

وقال بعض المفسرين «1»: نسي موسى ربّه عندنا، وذهب يطلبه في مكان آخر. وأما قوله: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [يوسف/ 42] فإن إنساء الشيطان هو أن يسوّل له، ويزيّن الأسباب التي ينسى معها. وكذلك قوله: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف/ 63] يجوز أن يكون الضمير في أنساه ليوسف أي أنسى يوسف ذكر ربه كما قال: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى [الأنعام/ 68]. ويجوز أن يكون الضمير في أنساه للذي ظنّ أنه ناج «2»، ويكون ربّه ملكه. وفي الوجه الأول يكون ربّه الله سبحانه «3»، كأنه أنساه الشيطان أن يلجأ إلى الله «4» في شدته. وأما قوله: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ [الأنعام/ 41] فالتقدير: تنسون دعاء ما تشركون فحذف المضاف، أي: تتركون دعاءه، والفزع إليه، إنما تفزعون إلى الله سبحانه «5»، ويكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر كقوله: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء/ 67] أي تذهلون عنه فلا تذكرونه. وقال: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي [المؤمنون/ 110]. فهذا يجوز أن يكون منقولا من الذي بمعنى الترك، ويمكن أن يكون من الذي هو خلاف الذكر،

_ (1) في (ط): زيادة المعنى. (2) في (ط): ناج منهما. (3) في (ط): عز وجل. (4) في (ط): الله عز وجل. (5) في (ط): عز وجل.

واللفظ على أنهم فعلوا بكم النسيان، والمعنى: أنكم أنتم أيها المتخذون عبادي سخريّا نسيتم ذكري باشتغالكم باتخاذكم إياهم سخريا وبالضحك منهم، أي: تركتموه من أجل ذلك، وإن كانوا ذاكرين وغير ناسين، فنسب الإنساء إلى عباده الصالحين وإن كانوا «1» لم يفعلوه لمّا كانوا كالسبب لإنسائهم، فهذا كقوله: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ [إبراهيم/ 36] وعلى هذا قوله: فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر/ 19] فأسند النسيان إليه، والمعنى على أنهم نسوا ذلك. فأمّا قوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها [البقرة/ 106] فمنقول من نسيت الشيء: إذا لم تذكره، قال الفراء: والنسيان هنا على وجهين: أحدهما: على الترك، نتركها ولا ننسخها. والوجه الآخر: من النسيان كما قال: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف/ 24]. قال أبو علي: قول الفراء نتركها ولا ننسخها، لا يستقيم هنا، وإنما هو من النسيان الذي ينافي الذكر، ألا ترى أنه قد قال: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة/ 106] وليس كل ما أخّرت «2» من الآي فلم تنسخ «3» ولم يبدل حكمها «4» يؤتى بخير من المنسوخة بآية أو المنسأة، وليس المعنى: ما ننسخ من آية أو نقرّها فلا ننسخها نأت بخير منها، إنما المعنى: أنّا إذا

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): ما أخر. (3) في (ط): فلم ينسخ. (4) في (ط): حكمه.

رفعناها من جهة النسخ بآية، أو الإنساء «1»؛ أتينا بخير من التي ترفع وتبدل على أحد هذين الوجهين، ومعنى نأت بخير منها: أنه أصلح لمن تعبّد بها، وليس المعنى في قوله: نأت بخير منها، أن الناسخة خير من المنسوخة أو المنساة، أي: أفضل منها، ولكن أصلح لمن تعبّد بها وأدعى لهم. وقال أبو إسحاق: قال أهل اللغة في معنى: أَوْ نُنْسِها قولين: قال بعضهم: أَوْ نُنْسِها من النسيان، قال: وقالوا: ودليلنا على ذلك قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعلى/ 6] فقد أعلم أنّه شاء أن ينسى، قال: وهذا القول عندي ليس بجائز، لأن الله قد أنبأ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «2» في قوله: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء/ 86] أنه لا يشاء أن يذهب بما أوحى إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «3». قال أبو علي: هذا الذي احتجّ به على من ذهب إلى أنّ ننسها من النسيان، لا يدل على فساد ما ذهبوا إليه من أن ذلك من النسيان، وذلك أن قوله: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء/ 86] إنما هو على ما لا يجوز عليه النسخ والتبديل من الأخبار وأقاصيص الأمم، ونحو ذلك مما لا يجوز عليه التبديل. والذي ينساه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «4» هو ما يجوز أن ينسخ من الأوامر والنواهي الموقوفة على المصلحة في الأوقات التي يكون ذلك فيها أصلح.

_ (1) في (ط): والإنساء. (2) سقطت صلّى الله عليه وسلّم، من (م). (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط).

ويدلك على أن ننسها من النسيان الذي هو خلاف الذكر من قولك: نسيت الشيء وأنسانيه غيري، قراءة من قرأ: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها «1». وقراءة من قرأ: أو ننسكها. فأمّا قوله: تنسها فقراءة سعد بن أبي وقاص. روى هشيم «2» قال: أخبرني يعلى بن عطاء «3» عن القاسم بن ربيعة بن قائف الثقفي قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقرؤها: ما ننسخ من آية أو تنسها. قال: فقلت له: إنّ سعيد بن المسيب يقرأ: أو تنسها أو: ننساها «4» قال «5»: إنّ القرآن لم ينزل على آل «6» المسيّب، قال الله لنبيه: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى/ 6] وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ [الكهف/ 24]. وقرأ أيضاً تنسها أوّلها تاء مفتوحة من النسيان: سعد بن مالك، حكاها أبو حاتم «7».

_ (1) في (ط): ننسها، كما أثبتنا وفي (م): تنسها. (2) هو هشيم بن بشير أبو معاوية السّلمي، الواسطي الحافظ- انظر التاريخ الصغير للبخاري 2/ 230 - 231 - 233. (3) هو يعلى بن عطاء العامري الطائفي أتى واسط وأقام بها في آخر سلطنة بني أمية وسمع منه شعبة وهشيم وأبو عوانة وأصحابهم. الطبقات الكبرى 5/ 520. (4) في (ط): أفننساها. وكتب في هامشها: «في أخرى: أو فننسأها موضع أفننساها». (5) في (ط): فقال. (6) سقطت من (ط). (7) قال ابن جني في المحتسب قرأ سعد بن أبي وقاص والحسن ويحيى بن يعمر: «أو تنسها» بتاء مفتوحة، وقراءة سعيد بن المسيب والضحاك: «تنسها» مضمومة التاء مفتوحة السين .. (انظر المحتسب 1/ 103).

وأما ننسكها فإنّ الكسائيّ قال: رأيت في مصاحف على قراءة سالم مولى أبي حذيفة: ما ننسخ من آية أو ننسكها النون الأولى مضمومة والثانية ساكنة. قال أبو علي: فالمفعول المراد المحذوف في قراءة من قرأ أَوْ نُنْسِها مظهر في قراءة من قرأ: ننسكها ويؤكد ذلك ويبيّنه قراءة من قرأ: أو تنسها. قال أبو عبيد: حدثنا محمد بن الحسن عن قرة بن خالد، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأها: تنسها. ألا ترى أن الفعل يتعدّى إلى مفعولين، فلما بني الفعل للمفعول قام أحدهما مقام الفاعل، فبقي الفعل متعديا إلى مفعول واحد. ويؤكد ذلك أيضا، ما روي من قراءة ابن مسعود: ما ننسك من آية أو ننسخها. وبقراءة ابن مسعود، قرأ الأعمش، وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد، قال: قراءة «1» أبيّ: ما ننسخ من آية أو ننسك. فهذا كله يثبت قول من جعل نُنْسِها على أنه من النسيان، وليس ذلك مما أريد بقوله: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء/ 86] لأن ذلك إنما هو فيما لا يجوز عليه النسخ. فأما ما يجوز عليه النسخ والرفع فقد يجوز أن يرفع بالنسيان كما يرفع بالنسخ، وذلك أنه يرفع من التلاوة والخط فينسى، وليس ذلك على وجه سلب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «2»، شيئاً

_ (1) في (ط): قرأ. (2) سقطت من (ط).

أوتيه من الحكمة، كما أنّ نسخ ما نسخ «1» بآية أو بسنّة لا يكون سلبا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «2» شيئاً أوتيه من الحكمة. ومما يؤكد ذلك أن سعيداً روى «3» عن قتادة أنه قال: كانت الآية تنسخ بالآية وينسي الله نبيّه من ذلك ما يشاء. وقد قدمنا أن ننسها لا يجوز أن يكون منقولًا من نسي الذي معناه ترك. وقول أبي إسحاق وفي قوله: فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعلى/ 6، 7] قولان يبطلان هذا القول الذي حكيناه عن بعض أهل اللغة، أحدهما: فلا تنسى، أي: فلست تترك، إلا ما شاء الله أن تترك. ويجوز أن يكون إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أن يلحق بالبشريّة ثم يذكر بعد. قال أبو علي: فالقول فيه أن قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إن حمل فيه لا تنسى على النسيان الذي يقابل الذكر أشبه من أن يحمل على ما يراد به الترك، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «4» كان إذا نزل عليه القرآن أسرع القراءة وأكثرها، مخافة النسيان فقال «5»: سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه، لرفعه ذلك بالنسيان، كرفعه إياه بالنسخ بآية أو سنّة. ويؤكد ذلك قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة/ 16 - 17] وقوله: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه/ 114] فحمل قوله: فلا

_ (1) في (ط): ما ينسخ الله. (2) سقطت من (ط). (3) في (م): رواه. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): فقال تعالى.

تنسى على الترك، إذا كان يسلك به هذا المسلك- ليس بالوجه. فإن قال: أحمله على الترك دون النسيان. قيل: فإن للذي أنكرت قوله- في أنه من النسيان، وقلت إن قوله: لا يجوز، لقوله: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء/ 86] وأنه لا يجوز أن يذهب بما أوحي إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم- أن يقول: ولا يجوز له أن يترك شيئا مما أوحى إليه، كما قلت أنت: لا يجوز أن ينسى شيئاً مما يوحى إليه. فإن جاز أن يترك منه شيئاً؛ جاز أن ينسى منه شيئاً. ولا يكون نسيانه له على وجه الرّفع منكراً، كما لم يكن تركه إذا شاء الله تركه منكراً. فإذا كان الأمر على هذا، فقد صار هو أيضاً إلى مثل ما أنكره من قول من أنكر قوله. فأمّا قوله: ويجوز أن يكون ما شاء الله مما يلحق بالبشريّة ثم يذكر بعد، فإنّ هذا الضرب من النسيان، وإن كان جائزاً على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم- لما روي من أنه قام في الثانية، فسبّح به فلم يرجع، وسجد للسهو «1». ونحو ما روي من حديث ذي اليدين «2» ونحو ما روي من أنه صلى فنسي آية، فلما فرغ من صلاته، قال: «أفي القوم أبيّ؟ قيل «3»: نعم يا رسول الله، أنسخت آية كذا أم نسيتها؟ فضحك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال:

_ (1) انظر البخاري في السهو 3/ 93 باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة، ومسلم باب السهو في الصلاة والسجود له 1/ 398 رقم 570. (2) انظر حديث ذي اليدين في فتح الباري 3/ 96 وصحيح مسلم 1/ 400 كتاب المساجد ومواضع الصلاة. (3) في (ط): فقيل.

نسيتها». من حديث عبد الرحمن بن أبزى «1» -. فليس «2» المراد في هذا الموضع، لأنه في حكم الذكر من حيث كان المأثم فيه موضوعا، وإنما المراد به النسيان الذي هو رفع من التلاوة والخط، وعلى هذا استدلّ به سعد بن أبي وقاص، وعليه حمل ناس من أهل النظر فهذا أولى، وإن كان ما ذهب إليه أبو إسحاق غير ممتنع في غير هذا الموضع. قال أبو إسحاق: وقالوا في: نُنْسِها قولًا آخر، وهو خطأ. قالوا: أو نتركها، وهذا إنما يقال فيه: نسيت إذا تركت، ولا يقال «3»: أنسيت تركت، وإنما معنى أَوْ نُنْسِها أي «4»: أو نتركها. أي: نأمركم بتركها. والقول «5» في ذلك: أنّ من فسر أنسيت بتركت، لا يكون مخطئاً، وذلك أنك إذا قلت: أنساني الشيطان ذكر كذا، فإنه إذا أنساك نسيت، وإذا قال: أضربت زيداً عمراً، فكأن المعنى: جعلت زيداً يضرب عمراً، فزيد يضرب إذا أضربته، كما ينسى إذا أنسيته، فإذا عبّر عن ذلك بما يوجبه فعله لم يكن خطأ، وإن كان إذا عبر عن تنسي بيترك، كان أشدّ موافقة له في اللفظ، ومطابقة فيما تريد من المعنى. ويدلّك على أن ذلك ليس بخطإ، أن المفعول الأول من الفعل المتعدي إلى

_ (1) عنه في مسند الإمام أحمد 3/ 407 وفي سنن أبي داود 1/ 558 رقم 907 باب الفتح على الإمام في الصلاة وجامع الأصول 5/ 648 رقم 3924. من حديث عبد الله بن عمر وغيره. (2) قوله: فليس: جواب وإن كان السابقة. (3) في (ط): لا يقال فيه. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): قال أبو علي: والقول.

مفعول واحد، إذا نقل بالهمزة فاعل المفعول الثاني، فإذا عبّرت عنه بنسيت، فقد جئت بشيء دلّ كلامك عليه «1»، كما أنك إذا عبّرت عنه على التحقيق فقد أتيت بما دلّ كلامك عليه. فإذا اتفقا في دلالة الكلام على كل واحد منهما لم يكن خطأ. وهذا النحو يستعمله المتقدمون من السلف المفسرون وغيرهم كثيراً على أنّ أتركت وإن كان يوجبه القياس فإنّا لم نعلم الاستعمال جاء به، وإذا لم يأت به الاستعمال لم يمتنع أن يكون مثل أشياء من هذا الباب يوجبه القياس، ولم يأت به الاستعمال، فرفض لذلك. ألا ترى أنهم قالوا: دفعت زيداً بعمرو ولم يقولوا: أدفعت. وذهب سيبويه إلى أن ذلك مرفوض وكذلك صككته بكذا، ورفضوا «2» استعمال الهمزة، وكذلك لقيت زيداً، لم يستعملوا نقله بالهمزة، وليس ألقيت منقولًا من لقيت، ألا ترى أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، وكذلك ميّزت ليس بمنقول من مزت، فإذا رفض النقل بالهمزة في هذه الأشياء ونحوها، أمكن أن يكون تركت أيضاً مثلها فلم تنقل بالهمزة، ويقوي ذلك أنّا لم نعلمه ثبت في سمع كما لم تثبت هذه الأشياء. فإذا لم يرد به سمع دل ذلك على الرفض له. ففسر الذي فسر ذلك على ما جاء السمع به دون ما أوجبه القياس الذي لعله رآه المفسّر مرفوضاً غير مأخوذ به. وقوله: وإنما معنى أَوْ نُنْسِها أو: نتركها، أي: نأمركم

_ (1) في (ط): دل عليه كلامك. (2) في (ط): فرفضوا.

بتركها؛ فالقول في ذلك: لا يخلو من «1» أن يكون المراد بنتركها الذي يراد به تقرير الشيء، كما تقول: اترك هذا في موضعه، أي: قرره فيه ولا ترفعه منه، أو يكون المراد بنتركها أي: نرفعها ونبدلها. فإن كان المراد الوجه الأول الذي هو التقرير في موضعه، وأن لا يرفع؛ فهذا لا يقع الأمر به، لأنه ليس إلى النبي «2» ولا إلى المسلمين تقرير الآي في مواضعها، إنّما ذلك إلى الله «3» إذا أنزل آية كانت مقرّرة حتى يرفعها بنسخ أو إنساء، فالأمر لنا بتقرير ذلك لا يصحّ إلا أن يراد الاعتقاد، لأن ذلك ثابت غير منسوخ، وهذا الأمر ليس بالكثير الفائدة، لأن النبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم «4»، والمسلمين إذا أنزل الله تعالى آية قرروها في موضعها، واعتقدوا أنه قرآن منزل وكلام لرب العالمين قد ثبت، حتى يرفع بنسخ أو نسيان إن كان ذلك يجوز فيها. وإن كان المراد بقوله: نأمركم بتركها، نأمركم بأن ترفعوا ذلك وتتركوه؛ فذلك ليس إلى النبي «5» ولا إلى المسلمين، وإنما تبديلها ونسخها إلى الله «6»، يدل على ذلك قوله: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ [يونس/ 15] فإن قال قائل: ما معنى تركها غير النسخ، وما الفصل بين الترك والنسخ؟ فالجواب في ذلك: أن النسخ أن يأتي في الكتاب نسخ آية بآية فتبطل الثانية العمل بالأولى، ومعنى الترك: أن تأتي الآية بضرب من العمل فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تنزل ناسخة التي قبلها، نحو قوله:

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): صلى الله عليه. (3) في (ط): الله عز وجل. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): صلى الله عليه. (6) في (ط): الله تعالى.

إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [الممتحنة/ 10] ثم أمر المسلمون بعد بترك المحنة، فهذا يدل على معنى الترك ومعنى النسخ، وقد بيناه فهذا هو الحق. قال أبو علي «1»: القول في ذلك أن ما ذكره من أن النسخ: أن يأتي في الكتاب نسخ الآية بالآية فتبطل الثانية العمل بالأولى؛ ليس بحقيقة النسخ، لكن هذا ضرب من النسخ. وقد يكون النسخ للآية والتبديل لها على ضروب أخر، وما أعلم فيه رواية ولا قياسا يدلّ على ما ذكره. وقد ينسخ القرآن عند عامّة الفقهاء بسنّة غير آية، ولا يمتنعون من أن يسموا ذلك نسخا، ولا يمتنع أن يسمى الضرب الذي سماه أبو إسحاق تركا نسخا. ومما يدل على ذلك أن الزهري روى عن عروة عن عائشة قالت: نزل في أصحاب بئر معونة قرآن منه: «بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنا وأرضانا» ثمّ نسخ «2»، فسمّت عائشة ذلك نسخا، ولم تسمّه تركا، وسمته نسخا وإن لم ينسخ بآية فهذا يفسد القسمين اللذين قسمهما. ألا ترى أنها سمت ذلك نسخا، وإن لم ينسخ ذلك «3» بآية ولم تسمه تركا. كما زعم أنه يسمّى نحو قوله: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ [الممتحنة/ 10] تركا من حيث أمر المسلمون بترك الامتحان لهنّ من غير آية نزلت. ويفسد ذلك أيضا ما روي عن

_ (1) سقطت «قال أبو علي» من (م). (2) رواه البخاري في الجهاد برقم 2811 من حديث أنس بن مالك. (3) سقطت من (ط).

البقرة: 116

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «1» من حديث حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «1» يوما قاعد في أصحابه إذ ذكر حديثا، فقال: ذاك وأن «3» ينسخ القرآن، فقال رجل كالأعرابي: يا رسول الله ما ينسخ القرآن؟ وكيف ينسخ؟ قال: «يذهب أهله الذين هم أهله، ويبقى رجال كأنهم النعام. يعني في خفة الطير». فقد سمّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «1» هذا نسخا، وإن لم ينسخ بآية فإذا لم يثبت بتسميته النسخ سماع ولا قياس، وجاءت اللغة بخلاف ما ذكره، علمت أنه قول لا وجه له «5». [البقرة: 116] قرأ ابن عامر وحده قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ [البقرة/ 116] بغير واوٍ. وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون بواو «6». قال أبو علي: حذف الواو في ذلك يجوز من وجهين: أحدهما أن الجملة التي هي قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ملابسة بما قبلها، من قوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها [البقرة/ 114] ومن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه: جميع المتظاهرين على الإسلام من صنوف الكفار، لأنهم بقتالهم المسلمين وإرادتهم غلبتهم والظهور عليهم مانعون لهم من مواضع متعبداتهم، والمساجد

_ (1) سقطت من (ط). (3) في (ط): أو أن. (5) في هامش (م) ما يلي: «ومما تبين أنه لا رواية نعلمه [كذا] في ذلك عن العرب، وإن المفسرين له إنما قالوه على طريق التقريب. إن الفراء قال: إن النسخ: بأن يعمل بالآية ثم تنزل أخرى فيعمل بها وتترك الأولى، وقال محمد بن يزيد فيما حكى عنه محمد بن السري: إن النسخ التبديل». (6) السبعة/ 168.

البقرة: 117

هي جميع المواضع التي يتعبد فيها. وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «1»: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» «2». وإذا كان التأويل على هذا، فالذين قالوا: اتخذ الله، من جملة هؤلاء الذين تقدم ذكرهم، فيستغنى عن الواو لالتباس الجملة بما قبلها كما استغني عنها في نحو قوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة/ 39] ولو كان وهم فيها خالدون، كان حسنا إلا أن التباس إحداهما بالأخرى وارتباطها بها أغنى عن الواو. ومثل ذلك قوله: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف/ 22] ولم يقل: ورابعهم، كما جاء: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف/ 22] ولو حذفت الواو منها كما حذفت من التي قبلها واستغني عن الواو بالملابسة التي بينها كان حسنا. والوجه الآخر أن تستأنف الجملة فلا تعطفها على ما تقدم. [البقرة: 117] واختلفوا في قوله عز وجل: كُنْ فَيَكُونُ [البقرة/ 117] في فتح النون وضمّها، فقرأ ابن عامر وحده: كُنْ فَيَكُونُ بنصب النون. وقرأ الباقون: فَيَكُونُ رفعا «3». قال أبو علي: لا يخلو قوله: يَقُولُ «4» [البقرة/ 117] من أن يكون المراد به القول الذي هو كلام ونطق، أو يكون «5»

_ (1) سقطت من (ط). (2) أخرجه البخاري في التيمم برقم 335 ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم 521 وأبو داود برقم 492 والترمذي برقم 317. (3) السبعة: 168. (4) سقطت من (ط). وهي من قوله سبحانه: وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. (5) في (ط): يكون القول.

الذي يتّسع فيه فلا يراد به النطق ولا الكلام، ولا الظنّ ولا الرأي ولا الاعتقاد، ولكن نحو قول الشاعر «1»: قد قالت الانساع للبطن الحق ونحو قول العجاج في صفة ثور «2»: فكّر ثمّ قال في التفكير إنّ الحياة اليوم في الكرور وقول الآخر «3»: امتلأ الحوض وقال قطني فلا يكون على القول الذي هو خطاب ونطق، لأن المنتفي الذي ليس بكائن لا يخاطب كما لا يؤمر، فإذا لم يجز ذلك حملته على نحو ما جاء في الأبيات التي قدمت ونحوها «4».

_ (1) سبق انظر 1/ 331. (2) ورد الرجز في (ط) كما يلي: وفيه كالإعراض للعكور ... ميلين ثم قال في التفكير إن الحياة اليوم في الكرور وقد سبق انظر 1/ 331 و 342. (3) في (ط): وقال الآخر، والبيت مجهول القائل وبعده: مهلا رويدا قد ملأت بطني الخصائص لابن جني 1/ 23 - شرح الأشموني لألفية ابن مالك 1/ 125 أمالي ابن الشجري 1/ 313. تفسير الطبري 1/ 510. (4) ورد في طرة (ط) تعليقة في ثلاثة أسطر وهي: «لا غرو أن هذا على مذهبه في جعله (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) مجازا ليس حقيقة، لأنه وأصحابه لا يثبتون لله عزّ وجلّ كلاما صفة ذات لقولهم بخلق القرآن

وأما قوله: كُنْ فإنه وإن كان على لفظ الأمر فليس بأمر، ولكن المراد به الخبر، كأن التقدير يكوّن فيكون وقد قالوا: أكرم بزيد، فاللفظ لفظ الأمر، والمعنى والمراد: الخبر، ألا ترى أنه بمنزلة: ما أكرم زيدا، فالجار والمجرور في موضع رفع بالفعل. وفي التنزيل: قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا [مريم/ 75] فالتقدير: مدّه الرحمن. وإذا لم يكن قوله: كُنْ أمرا في المعنى، وإن كان على لفظه؛ لم يجز أن تنصب الفعل بعد الفاء بأنه جوابه، كما لم يجز النصب في الفعل الذي تدخله الفاء بعد الإيجاب نحو: آتيك فأحدّثك، إلّا أن يكون في شعر نحو قوله «1»: ويأوي إليه المستجير فيعصما ومما يدل على امتناع النصب في قوله: فَيَكُونُ أن الجواب بالفاء مضارع للجزاء. يدلّ على ذلك أنه يؤول في المعنى إليه. ألا ترى أن: اذهب فأعطيك معناه: إن تذهب أعطيتك [والأجود إن ذهبت أعطيتك] «2» فلا يجوز: اذهب فتذهب. لأن المعنى يصير: إن ذهبت ذهبت، وهذا كلام لا يفيد، كما يفيد إذا اختلف الفاعلان والفعلان، نحو: قم فأعطيك، لأن المعنى: إن قمت

_ فجعلوا ما جاء في الآية مجازا لا حقيقة، فاعرف ذلك؛ إنّه خلاف مذهبه». اهـ كذا وردت العبارة، وفيها إشكال في قوله: خلاف مذهبه. (1) عجز بيت لطرفة بن العبد، وصدره: لنا هضبة لا ينزل الذلّ وسطها وورد البيت في (ط) كاملا. انظر الديوان/ 194. (2) ما بين المعقوفتين سقطت من (م).

أعطيتك، ولو جعلت الفاعل في الفعل الثاني فاعل الفعل الأول، فقلت: قم فتقوم، أو: أعطني فتعطيني، على قياس قراءة ابن عامر لكان المعنى: إن قمت تقم، وإن تعطني تعطني، وهذا كلام في قلة الفائدة على ما تراه، وإذا كان الأمر على هذا لم يكن ما روي عنه من نصبه فَيَكُونُ متجها. وقد يمكن أن تقول في قول ابن عامر: إنّ اللفظ لما كان على لفظ الأمر وإن لم يكن المعنى عليه حملته على صورة اللفظ، فقد حمل أبو الحسن نحو قوله: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [إبراهيم/ 31] ونحو ذلك من الآي، على أنه أجري مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن جوابا له في الحقيقة. فكذلك على قول ابن عامر: يكون قوله: فَيَكُونُ بمنزلة جواب الأمر نحو: ايتني فأحدّثك، لما كان على لفظه، وقد يكون اللفظ على شيء والمعنى على غيره، ألا ترى أنهم قد قالوا: ما أنت وزيدا؟ والمعنى: لم تؤذيه؟ وليس ذلك في اللفظ. ومثل قوله: كُنْ فَيَكُونُ في أن المعطوف ليس محمولا على لفظ الأمر وإن كان قد وليه، قوله: فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ [البقرة/ 102] ليس قوله: فَيَتَعَلَّمُونَ بجواب لقوله: فَلا تَكْفُرْ ولكنه محمول على قوله: يعلمون فيتعلمون، أو يعلّمان فيتعلمون منهما، إلا أن قوله: فَلا تَكْفُرْ في هذه الآية نهي عن الكفر، وليس قوله: كُنْ من قوله: كُنْ فَيَكُونُ أمرا. ومن ثمّ أجمع الناس على رفع يكون «1»، ورفضوا فيه النصب،

_ (1) في (ط): فيكون.

إلا ما روي عن ابن عامر وهو من الضعف بحيث رأيت، فالوجه في يكون الرفع. فإن قلت: فهلا قلت: إن العطف في قوله: فَيَكُونُ على يَقُولُ دون ما قلت من أنه معطوف على كن، ألا ترى أنه عطف على الفعل الذي قبل كن في قوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل/ 40] حمل النصب في فَيَكُونُ على الفعل المنتصب ب (أن). فكما جاز عطفه على الفعل المنتصب بأن الذي قبل قوله: كُنْ فكذلك «1» يجوز أن يحمل المرتفع عليه، كأنه قال: فإنما يقول فيكون. قيل: ما ذكرناه أسوغ مما قلت، وأشدّ اطّرادا، ألا ترى أن قوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران/ 60] لا يستقيم هذا المذهب فيه، لأن قالَ ماض، وفَيَكُونُ مضارع فلا يحسن عطفه عليه لاختلافهما. فإن قلت: فلم لا يجوز عطف المضارع على الماضي، كما جاز عطف الماضي على المضارع في قوله: ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني ... فمضيت «2» ..........

_ (1) في (ط): كذلك. (2) تتمة البيت: فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني روى هذا البيت الأصمعي في الأصمعيات ثالث خمسة أبيات، ونسبها لشمر بن عمرو الحنفي- (الأصمعيات/ 126 الأصمعية رقم 38. وهو برواية (مررت) بدل أمر، ولا شاهد فيها. وهو من شواهد سيبويه 1/ 416 والخزانة 1/ 173، وشرح أبيات المغني 2/ 287 ونسب

ألا ترى أنه مضارع ومضيت ماض، فكما جاز عطف الماضي على المضارع كذلك يجوز عطف فَيَكُونُ على خَلَقَهُ. قيل: لا يكون هذا بمنزلة البيت، لأن المضارع فيه في معنى المضي، والمراد به: ولقد مررت فمضيت، فجاز عطف الماضي على المضارع، من حيث أريد بالمضارع المضيّ وليس المراد بقوله: فَيَكُونُ في الآية المضيّ، فيعطف فيها «1» على الماضي. فإذا كان كذلك تبينت بامتناع العطف في قوله: ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. على أن العطف في قوله: فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إنما هو على كُنْ، الذي يراد به يكوّن، فيكون خبر مبتدأ محذوف كأنه: فهو يكون. فإن قلت؛ فهلا قلت: إن العطف على كن إذا كان المراد به يكوّنه غير سهل، لأنّ قوله فيكون حينئذ قليل الفائدة، ألا ترى أن يكوّنه يدل على أنه يكون. قيل له: ليس بقليل الفائدة، لأن المعنى: فيكون بتكوينه، أي بإحداثه، لا يكون حدوثه ووجوده على خلاف هذا الوجه، فإذا كان كذلك كان مفيدا، كما أن قولهم: لأضربنّه كائن ما كان، بالرفع في كائن كلام قد استعملوه وحسن عندهم، وإن كان قد علم أنّ ما يكون فهو كائن، ولكن لما دخله من المعنى أي لا أبالي بذلك، حسن، فاستعمل، ولم يكن عندهم بمنزلة ما لا يفيد

_ عندهما لرجل من بني سلول. والظاهر أن البغدادي لم يقف على الأبيات في الأصمعيات، لأنه نقل عن الأصمعي بيتين آخرين في معنى البيت الشاهد، ولم يتعرض لذكر الأصمعيات. (1) في (ط): فيه.

البقرة: 119

فيطرح فكذلك لمّا كان المعنى في الآية يكون بإحداثه جاز وحسن، ولم يكن بمنزلة ما لا يفيد. ... «1» [البقرة: 119] اختلفوا في ضم التاء ورفع اللام، وفتحها وجزم اللام من قوله جل وعز «2»: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة/ 119] فقرأ نافع وحده: وَلا تُسْئَلُ مفتوحة التاء مجزومة اللام. وقرأ الباقون وَلا تُسْئَلُ مضمومة التاء، مرفوعة اللام «3». قال أبو علي: القول في سألت إنه فعل يتعدى إلى مفعولين مثل أعطيت قال «4»: سالتاني الطّلاق أن رأتاني ... قلّ مالي قد جئتماني بنكر وقال «5»: سألناها الشفاء فما شفتنا ... ومنّتنا المواعد والخلابا

_ (1) في (ط): بداية الجزء الثاني: بسم الله الرحمن الرحيم عونك يا رب. أما في (م) فالكلام متصل. (2) سقطت جل وعز من (ط). (3) السبعة 169. (4) قائل هذا البيت زيد بن عمرو بن نفيل. انظر كتاب سيبويه 2/ 170 - مجالس ثعلب/ 389 - خزانة الأدب 3/ 96. وشرح أبيات المغني 6/ 146. (5) البيت لجرير يهجو الراعي النميري. والخلاب: المخادعة والكذب. (انظر ديوان جرير/ 65).

وأنشد أحمد بن يحيى «1»: سألت عمرا بعد بكر خفّا والدلو قد تسمع كي تخفّا ويجوز أن يقتصر فيه على مفعول واحد، فإذا اقتصرته «2» في التعدي على مفعول واحد كان على ضربين: أحدهما: أن يتعدى بغير حرف، والآخر: أن يتعدى بحرفٍ. فأما تعديه بغير حرف فقوله: وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا [الممتحنة/ 10]. وقال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل/ 43]. وأما تعديه بحرف؛ فالحرف الذي يتعدي به حرفان: أحدهما الباء كقوله: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ [المعارج/ 1]. وقال «3»: وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد أودت بثعلبة العلوق

_ (1) الرجز في اللسان- مادة خفف- ولم ينسبه لقائل. (2) في (ط): اقتصر به. (3) البيت للمفضل النكري، وهو البيت الرابع والثلاثون من قصيدته المنصفة يذكر أن ثعلبة بن سيار كان في أسره وهو الذي ذكره في البيت «ثعلبة بن سير» ضرورة لإقامة الوزن- والعلوق: المنية- الأصمعيات ص 203 والمنصفات ص 25. الخصائص لابن جني 2/ 437 وفيه وفي اللسان (سير، علق): علقت مكان أودت. وهذه الرواية كتبت فوق كلمة أودت في (م).

والآخر: عَنْ كقولك: سل عن زيد. فإذا تعدى إلى مفعولين كان على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون بمنزلة أعطيت، وذلك كقوله: سألت زيداً بعد بكر خفّا «1» فمعنى هذا: استعطيته، أي: سألته أن يفعل ذلك. والآخر: أن يكون بمنزلة: اخترت الرجال زيداً، وذلك قوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً «2» [المعارج/ 10] فالمعنى هنا: ولا يسأل حميم عن حميمه، لذهوله عنه واشتغاله بنفسه، كما قال: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس/ 37]. فهذا على هذه القراءة كقوله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف/ 162]. والثالث: أن يتعدّى إلى مفعولين، فيقع موقع المفعول الثاني منهما استفهام، وذلك كقوله: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ [البقرة/ 211] وقوله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف/ 45]. فأما قول الأخطل «3»:

_ (1) سبق قريباً برواية «عمراً» بدل زيداً. (2) «يسأل» بالبناء للمفعول وسيأتي الكلام عنها في موضعه في الجزء الرابع. (3) عجز بيت وصدره: دع المغمّر لا تسأل بمصرعه أراد بالمغمّر: القعقاع بن شور الذّهلي- والمغمّر: المجهّل، أخذ من الغمر وانظر ديوانه، 1/ 157.

واسأل بمصقلة البكريّ ما فعلا فما: استفهام، وموضعه نصب بفعل، ولا يكون جراً على البدل من مصقلة على تقدير: سل بفعل مصقلة، ولكن تجعله مثل الآيتين اللتين تلوناهما، وإن شئت جعلته بدلًا، فكان بمنزلة قوله: فَسْئَلُوا «1» أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل/ 43] ولو جعلت المفعول مراداً محذوفاً من قوله: واسأل بمصقلة، فأردت: واسأل الناس بمصقلة ما فعل؟ لم يسهل أن يكون ما استفهاماً، لأنه لا يتصل بالفعل، ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه فلا تقع الجملة التي هي استفهام موقع أحدهما كما تقع موقعه في قوله: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ [البقرة/ 211]. فإن جعلت ما موصولة، وقدرت فيها البدل من مصقلة لم يمتنع. وإن قلت: أجعل قوله: ما فعل، استفهاماً وأضمر يقول «2»، لأني إذا قلت: اسأل الناس بمصقلة، فإنه يدل على قل، لأن السؤال قول، فأحمله على هذا «3» الفعل، لا على أنه في موضع المفعول، لاستغناء الفعل بمفعولين؛ فهو قول. يدل على ذلك قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها [النازعات/ 42] ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه أحدهما: الكاف، والآخر: قد تعدى إليه الفعل بعن؛ فلا يتعلق به أَيَّانَ إلا على الحدّ الذي ذكرنا. ومن ذلك قول سيبويه: «اذهب فاسأل: زيد أبو من

_ (1) في (ط) فاسألوا. (2) في (ط): القول. (3) سقطت من (ط).

هو؟» «1» فزيد داخل في حيز الاستفهام، وليس المعنى: سل زيداً، ولكن التقدير: سل الناس: أأبو بشر زيد أم أبو عمرو؟ ولو قلت: سل زيداً على هذا الحد، لم يجز؛ لأن زيداً ليس بمسئول، إنما هو مسئول عنه، وإنما يأمر المخاطب أن يسأل غيره عنه، فلهذا قال: لو «2» قلت: سل زيداً على هذا الحد لم يجز، وذلك لما ذكرناه من انقلاب المعنى. وهذا مما يقوي قول يونس: قد علمت زيداً أبو من هو. ألا ترى أن هذا من المواضع التي ليس يجوز فيها أن يعمل الفعل في الاسم الداخل في حيز الاستفهام، فإذا أتت مواضع ليس يجوز فيها ذلك، جاز أن لا يعمل الفعل في المفعول الذي يجوز أن يعمل فيه نحو: علمت زيداً أبو من هو. فالمفعول في هذا الموضع محذوف، لأن المعنى: اسأل إنساناً زيد أبو من هو؟ وكذلك قوله: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ ... [المعارج/ 1] كأن المعنى: سأل سائل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «3» أو المسلمين بعذاب واقع، فلم يذكر المفعول الأول. وسؤالهم عن العذاب، إنما هو استعجالهم له لاستبعادهم لوقوعه، ولردهم ما يوعدون به منه، وعلى هذا قال: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ [الحج/ 47] يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [العنكبوت/ 54] وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [الرعد/ 6]

_ (1) انظر الكتاب 1/ 121 باب ما لا يعمل فيه ما قبله من الفعل الذي يتعدى إلى المفعول ولا غيره. (2) في (ط): ولو. (3) سقطت من (ط).

ويدلك على ذلك قوله: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَنَراهُ قَرِيباً [المعارج/ 5] وقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ [يونس/ 50]. وقال: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل/ 1]. فأما قوله: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء/ 32] فيجوز أن يكون مِنْ فيه في موضع المفعول الثاني على قياس قول أبي الحسن، ويكون المفعول محذوفاً في قياس قول سيبويه، والصفة قائمة مقامه. وأما قوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها [الأعراف/ 187] فإنه يحتمل أمرين، أحدهما: أن تجعل عَنْها متعلقاً بالسؤال، كأنه: يسألونك عنها، كأنك حفي بها، فحذف الجارّ والمجرور. وحسن ذلك لطول الكلام بعنها التي من صلة السؤال. ويجوز أن يكون عنها بمنزلة بها وتصل الحفاوة مرّة بالباء ومرة بعن. كما أن السؤال يعمل مرة بالباء ومرة بعن فيما ذكرنا. ويدلك على أنه يصل بالباء قوله: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا [مريم/ 47]. وقال: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان/ 59] فقوله: فَسْئَلْ بِهِ مثل: اسأل عنه خبيراً. فأما خَبِيراً فلا يخلو انتصابه من أن يكون على أنه حال، أو مفعول به، فإن كان حالًا لم يخل أن يكون حالًا من

الفاعل أو من المفعول، فلو جعلته حالا من الفاعل السائل لم يسهل لأن الخبير لا يكاد يسأل إنما يسأل، ولا يسهل الحال من المفعول أيضاً لأن المسئول عنه خبير أبداً فليس للحال كبير فائدة. فإن قلت: يكون حالًا مؤكدة فغير هذا الوجه إذا احتمل أولى، فيكون خبيراً إذا مفعولًا به كأنه: قال «1» فاسأل عنه خبيراً أي مسئولًا خبيراً. وكأن معنى سل: تبيّن بسؤالك وبحثك من تستخبره ليتقرر عندك ما اقتصّ عليك من خلقه ما خلق وقدرته على ذلك، وتعلمه بالفحص عنه والتبيّن له. ومما يقوي أن السؤال إنما أريد به ما وصفنا قول أمية «2»: واسأل ولا بأس إن كنت امرأ عمها ... إنّ السؤال شفا من كان حيرانا فيشبه أن يكون أراد باسأل: اسأل حتى تتبيّن بسؤالك، ألا ترى أنه قال: إن السؤال شفا من كان حيرانا والسؤال إذا خلا من العلم لم يكن شفاء لمن كان حيران، إنما يكون شفاء إذا اقترن به العلم والتبيّن، فكذلك «3» المراد في قوله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان/ 59]: اسأل سؤالًا تبحث به لتتبين.

_ (1) سقطت من (م). (2) ليس في ديوانه المجموع، وهو فيما يبدو من قصيدته التي ورد بعضها في الخزانة 1/ 228 وعنها في ديوانه 516 وأولها: الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبحنا ربي ومسانا (3) في (ط): وكذلك.

فالحجة «1» لمن قرأ: وَلا تُسْئَلُ بالرفع أن الرفع يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون حالًا فيكون مثل ما عطف عليه من قوله: بَشِيراً وَنَذِيراً [البقرة/ 119] وغير مسئول «2». ويكون ذكر تُسْئَلُ- وهو فعل بعد المفرد الذي هو قوله: بَشِيراً- كذكر الفعل في قوله: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [آل عمران/ 46] بعد ما تقدم من المفرد. وكذلك قوله: وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران/ 45] وهو قد يجري مجرى الجمل «3». والآخر: أن يكون منقطعاً من الأول مستأنفاً به، ويقوي هذا الوجه ما روي من أن عبد الله أو أبيّا قرأ أحدهما: وما تسأل، والآخر: ولن تسأل «4»، فكل واحدة من هاتين القراءتين يؤكد حمله على الاستئناف. ويؤكّد وجهي الرفع قوله: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [البقرة/ 171] وقوله: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة/ 99]. ومما يجعل للفظ الخبر مزية على النهي أن الكلام الذي قبله وبعده خبر فإذا كان أشكل بما قبله وما بعده كان أولى. ووجه قراءة نافع بالجزم للنهي: ما روي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم

_ (1) في (ط): والحجة. (2) انظر تفسير الطبري 1/ 517. (3) في (ط): الجملة. (4) قال ابن كثير في تفسيره 1/ 233 (ط الشعب): وفي قراءة أبي بن كعب: وما تسأل وفي قراءة ابن مسعود ولن تسأل نقلها ابن جرير. انظر تفسيره 1/ 516.

البقرة: 108

سأل: أيّ أبويه كان أحدث موتاً، وأراد أن يستغفر له، فأنزل الله: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ «1» [البقرة/ 119] وهذا إذا ثبت معنى صحيح. ويذكر أن في إسناد الحديث شيئاً. فأما قوله من قال: إنه لو كان نهياً لكانت الفاء في قوله: فلا تسأل أسهل من الواو. فالقول فيه: إن هذا النحو إنما يكون بالفاء، إذا كانت الرسالة بالبشارة والنّذارة علّة لأن لا يسأل عن أصحاب الجحيم، كما يقول الرجل: قد حملتك على فرس فلا تسألني غيره. فيكون حمله على الفرس علة لأن لا يسأل غيره. وليس البشارة والنذارة علة لأن لا يسأل. وقد جوز أبو الحسن في قراءة من جزم أن يكون على تعظيم الأمر كما تقول: لا تسلني «2» عن كذا، إذا أردت تعظيم الأمر فيه. فالمعنى أنهم في أمر عظيم، وإن كان اللفظ لفظ الأمر. [البقرة: 108] قال أحمد بن موسى: كما سُئِلَ [البقرة/ 108] مضمومة السين، مكسورة الهمزة في قراءتهم جميعاً. قال: وروى هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر: سُئِلَ مهموزة بغير «3» إشباع «4».

_ (1) ذكر الواحدي في أسباب النزول ص 26 عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ذات يوم: ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت هذه الآية. وانظر الطبري 1/ 516 وابن كثير 1/ 234. ولم نقف على تخريج لحديث المصنف هذا. وقد جاء الكلام على الآية رقم 108 متأخراً عن الآية رقم 119 في الأصل نفسه. (2) في (ط): لا تسأل. (3) في (ط): من غير. (4) السبعة 169.

قال أبو علي: القول في سئل: أنّ في سألت لغتين: سألت أسأل، العين همزة، وهي الفاشية الكثيرة وسلت أسال لغة، وعليها جاء قول الشاعر «1»: سألت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب فحمل سيبويه سالت على قلب الهمزة ألفا للضرورة. كما قال الآخر «2»: راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعي فزارة لا هناك المرتع قال سيبويه: لأن الذي قال: سالت هذيل، ليست لغته سلت أسال. وحكى أبو عثمان عن أبي زيد: هما يتساولان، في هذه اللغة، فدل أن العين منها واو، وليست المهموزة. ومن قرأ: قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ «3» يا مُوسى [طه/ 36] لا ينبغي أن يحمله على هذه اللغة لقلّتها، ولكن على تخفيف الهمز، والتحقيق سؤلك. والقول في قراءتهم: كما سئل مثل سعل، أنه على تحقيق الهمزة، وقياس من خفف الهمزة أن يجعل هذه بين

_ (1) البيت لحسان بن ثابت الأنصاري يهجو هذيلًا. انظر السيرة لابن هشام 2/ 180. وانظر ديوانه 1/ 443، وسيبويه 2/ 130 - المقتضب للمبرد 1/ 167. ومن هذه اللغة قول زيد بن عمرو بن نفيل السابق (انظر ص 208). (2) وهو الفرزدق وقد سبق انظر الجزء الأول ص 398. (3) في (م): (سؤلك) بالهمز وهو سهو من الناسخ.

بين، فيقول، سئيل، ومعنى بين بين، أن يجعلها بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها. فإن قلت: فهلّا كان تخفيف الهمزة في سئل أن يقلبها واواً إذا انضم ما قبلها وانكسرت، كما أنها إذا كانت على عكس هذا قلبتها واواً في قولك: جون والتودة، وفي المنفصل: هذا غلام وبيك. فالقول: إن الهمزة في سئل لم يلزم قلبها واواً، كما لزم في جون ونحوه، لأن جون إنما لزم قلبها واواً، لأنك في التخفيف لا تخلو من أن تقلبها واواً، أو تجعلها بين بين، فلم يصحّ أن تجعلها في جون بين بين، لأنك لو جعلتها كذلك نحوت بها نحو الألف، فلا «1» يكون ما قبل الألف ضمة، كما لم يكن قبلها كسرة؛ فلما «2» لم تكن قبلها ضمة، كذلك لم يكن قبل ما قرّبته منها. فلما لم يكن ذلك، أخلصتها واواً إذا انضم ما قبلها، كما أخلصتها ياء إذا انكسر ما قبلها في نحو: مير وذيبة وذيب، وفي المنفصل: من غلام يبيك، ولم يلزم ذلك في سئل، ولم يمتنع أن يجعلها بين بين، لأنّ في الكلام ياء مكسورة قبلها ضمّة نحو: صيد في هذا المكان، وعيي بالأمر، وحيي في هذا المكان. كما لم يلزم أن تبدل منها «3» الياء في عكس ذئب، ومئر، وهو نحو: سئم، وجئز، ومن المنفصل نحو «4»: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ [البقرة/ 126] لأن في الكلام

_ (1) في (ط): ولا. (2) في (ط): فكما. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط).

البقرة: 125

مثل: صيد، وعيي. فلذلك «1» جعلت التي في سئل بين بين ولم تقلبها. [البقرة: 125] اختلفوا في فتح الخاء وكسرها من قوله عز وجل: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة/ 125]. فقرأ نافع وابن عامر: وَاتَّخِذُوا مفتوحة الخاء على الخبر. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: وَاتَّخِذُوا مكسورة الخاء «2». قال أبو علي «3»: وجه قراءة من قرأ: وَاتَّخِذُوا أنه معطوف على ما أضيف إليه، إذ كأنه: «وإذ اتّخذوا»، ومما يؤكد الفتح في الخاء أن الذي بعده خبر، وهو قوله: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ [البقرة/ 125]. ومن قرأ: وَاتَّخِذُوا بالكسر، فلأنهم ذهبوا إلى أثر جاء فيه، روي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «3» أخذ بيد عمر، [رحمه الله] «3»، فلما أتى على المقام قال عمر: أهذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم. قال عمر: أفلا نتّخذه مصلّى؟ فأنزل الله عز وجل: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى «6». فهذا تقديره: افعلوا. والأمر- إذا ثبت هذا الخبر- آكد، لأنه يتحقق به اللزوم، وإذا أخبر ولم يقع الأمر به «7» فقد يجوز أن لا يلزم المخاطبين بذلك الفرض، لأنه

_ (1) في (ط): فكذلك. (2) في (ط) بكسر الخاء. السبعة 169. (3) سقطت من (ط). (6) انظر تفسير ابن كثير 1/ 244. فقد روى الحديث من طرق عن أبي حاتم وابن أبي شيبة وابن مردويه والنسائي. (7) سقطت «به» من (م).

البقرة: 126

قد يجوز أن يكون ناس اتخذوه فلا يلزم غيرهم. [البقرة: 126] اختلفوا في تسكين الميم وكسر التاء وتحريك الميم وتشديد التاء في قوله تعالى «1»: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا [البقرة/ 126]. فقرأ ابن عامر وحده: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا خفيفة من أمتعت. وقرأ الباقون فَأُمَتِّعُهُ مشددة التاء من متّعت «2». قال أبو علي: التشديد أولى لأن التنزيل عليه، قال تعالى «3»: فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ [هود/ 65] فتمتّع مطاوع متّع، وعامّة ما في التنزيل على التثقيل. قال جلّ اسمه: يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً [هود/ 3]. كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا [القصص/ 61]. وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [يونس/ 98]. فكما أن هذه الألفاظ على متّع دون أمتع، فكذلك الأولى بالمختلف فيه أن يكون على متّع دون أمتع. ووجه قراءة ابن عامر: أنّ أمتع لغة، وأن فعّل قد يجري في هذا النحو مجرى أفعل، نحو: فرّحته وأفرحته، ونزّلته وأنزلته. وزعموا أنّ في حرف عبد الله: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان/ 25] وأنشدوا للراعي «4»: خليلين من شعبين شتّى تجاورا ... قديماً وكانا بالتفرّق أمتعا «5»

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) السبعة 170. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) ديوانه 166 واللسان والصحاح والتاج مادة (متع).

قال الأصمعي: ليس من أحد يفارق صاحبه إلا أمتعه بشيء يذكره به. قال «1»: فكان ما أمتع كل واحد من هذين صاحبه أن فارقه. وقال أبو زيد: أمتعا أراد تمتّعاً. ويقال: متع النهار إذا ارتفع. فأمّا قَلِيلًا من قوله سبحانه «2»: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا [البقرة/ 126] فيحتمل ضربين: يجوز أن يكون قَلِيلًا صفة للمصدر، ويجوز أن يكون صفة للزمان. فالدّلالة على جواز كونه صفة للمصدر قوله تعالى «3»: يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً [هود/ 3] فوصف المصدر به. قال سيبويه: ترى الرجل يعالج شيئاً فتقول: رويداً، أي: علاجاً رويداً «4». فإن قلت: فكيف يحسن أن يكون صفة للمصدر، وفعّل يدل على التكثير، فكيف يستقيم وصف الكثير بالقليل في قوله: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا، وهلّا كان قول ابن عامر أرجح، لأن هذا السؤال لا يعترض عليه «5» فيه. فالقول: إن ما ذكرت لا يدل على ترجيح قراءته، وإنما وصفه الله تعالى «6» بالقليل من حيث كان إلى نفاد ونقص وتناه، ألا ترى قوله جل وعز «7»: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ [النساء/ 76] فعلى هذا النحو وصف المتاع في قوله: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا.

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) انظر الكتاب 1/ 124. (5) سقطت من (م). (6) في (ط): عز وجل. (7) سقطت من (ط).

البقرة: 128

وأمّا جواز كون قليل صفة للزمان فيدل عليه قوله تعالى «1»: قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ [المؤمنون/ 40]؛ فتقدير هذا: ليصبحنّ نادمين بعد زمان قليل، كما قال «2»: عرق عن الحمّى، وأطعمه عن الجوع، أي: بعد جوع، وبعد الحمّى. [البقرة: 128] اختلفوا في كسر الراء وإسكانها واشمامها الكسر في قوله تعالى: وَأَرِنا مَناسِكَنا [البقرة/ 128]. فقرأ ابن كثير: وَأَرِنا مَناسِكَنا، ورَبِّ أَرِنِي [الأعراف/ 142]، وأَرِنَا الَّذَيْنِ [حم السجدة/ 29] ساكنة الراء. وقال خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: وَأَرِنا بين الكسر والإسكان. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: أَرِنا بكسر الراء في كل ذلك. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر بكسر الراء: أَرِنا مَناسِكَنا، ورَبِّ أَرِنِي، وأَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء/ 152] [بكسر الراء] «3»، وأسكنا الراء في قوله: أرنا اللذين في «4» هذه وحدها. وروى حفص عنه: أَرِنا مكسورة الراء.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): يقال. (3) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط). (4) سقطت من (م).

واختلف عن أبي عمرو في ذلك، فقال عباس بن الفضل: سألت أبا عمرو، فقرأ [وأرنا] مدغمة، كذا قال. وسألته عن: وَأَرِنا مثقّلة، فقال: لا. فقلت أَرِنِي فقال: لا. كل شيء في القرآن بينهما ليست أَرِنا ولا أَرِنا. وقال عبد الوارث اليزيديّ وهارون الأعور، وعبيد بن عقيل وعلي بن نصر: أَرِنِي وأَرِنا بين الكسر والإسكان. وقال أبو زيد والخفّاف عن أبي عمرو وَأَرِنا بإسكان الراء «1». قال أبو علي «2»: قوله عز وجل «2»: أَرِنا مَناسِكَنا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون منقولًا من رأيت الذي يراد به إدراك البصر، نقلت بالهمزة فتعدت إلى مفعولين، والتقدير حذف المضاف، كأنه: أرنا مواضع مناسكنا. والمناسك: جمع منسك، وهو مصدر جمع لاختلاف ضروبه، والمعنى: عرّفنا هذه المواضع التي يتعلق النسك بها «4» لنفعله، ونقضي نسكنا فيها على حدّ ما يقتضيه توقيفنا عليها «5»، وذلك نحو: المواقيت التي يحرم منها، ونحو الموضع الذي يوقف به «6» من عرفات، وموضع الطواف، وموضع رمي الجمار، فهذا من: رأيت الموضع، وأريته زيداً. والآخر: أن يكون أَرِنا منقولًا من رأيت التي لا يراد بها رؤية العين، ولكن التوقيف على الأمر، وضرب من العلم.

_ (1) السبعة 170 وما بين معقوفين وَأَرِنا زيادة منه. (2) سقطت من (ط). (4) في (ط): المنسك. (5) في (ط): عليه. (6) في (ط): فيه.

وأنت تقول فلان يرى رأي الخوارج، فتقصر على مفعول واحد، وليس هناك شيء يبصر. وإلى هذا ذهب أبو عبيدة في تأويل الآية فقال: وَأَرِنا مَناسِكَنا أي: علّمنا. وأنشد لحطائط بن يعفر «1»: أريني جواداً مات هزلا لأنني «2» * أرى ما ترين أو بخيلًا مخلّداً قال: أراد: دلّيني، ولم يرد رؤية العين. وأما «3» قوله تعالى «4»: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف/ 142] فهو من رأيت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، يراد به إدراك البصر، والمفعول الثاني حذف من اللفظ، لأن ما يتعلق بالفعل الثاني يدل عليه، ومعنى الكلام يقتضيه. وقوله تعالى «5»: أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [السجدة/ 29] فهو من رأيت المتعدية إلى مفعول واحد، فلما نقل بالهمزة تعدى إلى اثنين. وجاء في الحديث: أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قال: هما «6» ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس «7».

_ (1) البيت متنازع في نسبته لحطائط ولحاتم الطائي. وقد بسط هذا الخلاف الأستاذ أحمد شاكر في تحقيقه للشعر والشعراء عند الكلام على هذا البيت 1/ 248. وممن نسب البيت إلى حطائط البغدادي في الخزانة 1/ 195 وشرح أبيات المغني 1/ 219. (2) في (ط) تحت كلمة لأنني: معناه لعلني. وهي الرواية التي جاء البيت عليها في المصادر التي ورد فيها. (3) في (ط): فأما. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) كذا في (ط) وسقطت من (م). (7) انظر الدر المنثور 5/ 363.

البقرة: 124

وقد ذكرنا وجه الإسكان فيما تقدم. فأما من اعتلّ بأن الوجه الإشباع أو الإخفاء دون الإسكان لأن الحرف قد حذف منه؛ فليس اعتلاله بذاك، لأن الحذف إذا وجب بقياس، وعلى باب مطّرد، كان هو والإثبات سواء في المساغ. ألا ترى أنهم قالوا: ر رأيك، وش ثوبك، وف بوعدك. فبقي في ذلك كلّه الكلمة على حرف واحد. فكذلك إذا أوجب ضرب من القياس فيه الإسكان فهو بمنزلة ما يوجب حذف الهمزة من التخفيف، وأوجب حذف اللام للأمر، ويقوي ذلك اتفاقهم، أو اتفاق أكثرهم، في قوله «1»: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [الكهف/ 38] فلزم فيه حذف بعد حذف. [البقرة: 124] اختلفوا في قوله عز وجل «2»: إِبْراهِيمَ [124] في الألف والياء. فقرأ ابن عامر في جميع سورة البقرة بغير ياء وطلب «3» الألف إبراهام. وقراءة «4» القرّاء في كل مصر غير ابن عامر إبراهيم بالياء «5». وقراءة ابن عامر: إبراهام بألف بعد الهاء وقال الأخفش الدمشقي عن ابن ذكوان عن ابن عامر: إبراهام بألف بعد الهاء «6». قال أبو عليّ: مما يثبت قراءة ابن عامر قول أمية: مع إبراهم التّقيّ وموسى ... وابن يعقوب عصمة في الهزال «7»

_ (1) كذا في (ط) وفي (م): قولهم. (2) سقطت من (ط). (3) كذا في (ط) وفي (م) طلب الألف بدون واو. (4) في (ط): وقرأ. (5) سقطت من (م). (6) السبعة 169. (7) لم يرد في ديوانه. وهو فيما يبدو من قصيدته المذكورة برقم 62 ص 439.

البقرة: 132

فهذا كأنه إبراهام، إلّا أنه حذف الألف، كما يقصر الممدود في الشعر. وأنشدوا «1»: عذت بما عاذ به إبراهم وقيل «2»: إنهم كتبوا ما في البقرة بغير ياء، فهذا يدل على «3» أنه إبراهام، وحذفت الألف من الخطّ، كما حذفت من دراهم، ونحو ذلك، فيشبه أنّه قرأ إبراهام وما ثبت فيه مما يدلك «4» على ذلك. وقد روي أنّه سمع ابن الزبير يقرأ: صحف إبراهام [الأعلى/ 19] بألف. [البقرة: 132] واختلفوا «5» في زيادة الألف ونقصانها من قوله تعالى «6»: وَوَصَّى بِها [البقرة/ 132]. فقرأ نافع وابن عامر وأوصى بها على أفعل. وقرأ الباقون: وَوَصَّى بغير ألف على فعّل «7». قال أبو عليّ: حجة من قرأ: وصّى بغير ألف قوله عز وجل: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً [يس/ 50] فتوصية مصدر وصّى، مثل: قطّع تقطعة، ولا يكون فيه تفعيل نحو: التقطيع، لأنك لو جئت «8» به على تفعيل للزم في حيّيت، ونحوه، إذا

_ (1) قاله زيد بن عمرو بن نفيل وتتمته: مستقبل القبلة وهو قائم ... أنفي لك اللهم عان راغم مهما تجشمني فإني جاشم انظر السيرة النبوية 1/ 230. ونسبه في اللسان (برهم) لعبد المطلب. (2) في (ط): وقد قيل. (3) سقطت على من (م). (4) في (ط): يدل. (5) في (ط): اختلفوا بدون واو. (6) في (ط): عز وجل. (7) السبعة 171. (8) في (ط): أتيت.

البقرة: 140

أتيت به على فعّل، أن يكون المصدر على تفعيل أيضاً، فتجتمع «1» ثلاث ياءات، وإذا كانوا قد رفضوا في نحو: عطاء، التحقير على الإتمام، لأنه كان يجتمع ثلاث ياءات، الوسطى منهنّ متحركة بالكسر، فكذلك رفض هذا في تفعيل، لأنه على «2» تلك العدّة وفيهن الكسرة، وإن كانت الكسرة في تفعيل أوّلا، وفي عطاء إذا حقّرت ثانية. وحجة من قرأ: وأوصى قوله تعالى «3»: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء/ 11] ومِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها [النساء/ 11]. وقد قالوا: وصى النّبت: إذا اتصل بعضه ببعض. فالوصيّة كأنّ الموصي بالوصيّة وصل جلّ أمره إلى الموصى إليه. [البقرة: 140] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أَمْ تَقُولُونَ [البقرة/ 140]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو بالياء: يقولون. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: تَقُولُونَ بالتاء «4». قال أبو علي: حجة «5» قراءة من قرأ بالتاء: أن ما قبلها وبعدها على المخاطبة، فالمخاطبة المتقدمة قوله عز وجل «6»:

_ (1) في (ط) فيجتمع. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): عز وجل. (4) السبعة 171. (5) في (ط): وجه. (6) سقطت من (ط).

البقرة: 143

أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ [البقرة/ 139] والمتأخرة قوله تعالى «1»: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة/ 140]. ومن قرأ بالياء فلأن المعنى لليهود والنصارى، وهم غيب «2». [البقرة: 143] واختلفوا في قوله عز وجل «3»: لَرَؤُفٌ [البقرة/ 143]. فقرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم: لَرَؤُفٌ على وزن: «لرعوف» في كل القرآن، وكذلك ابن عامر. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو وحمزة والكسائي: لرؤف على وزن «لرعف» «4». قال أبو زيد: رأفت بالرجل أرأف به رأفة ورآفة، ورؤفت به أرؤف به، كلّ «5» من كلام العرب. قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: رؤف أن فعولًا بناء أكثر في كلامهم «6» من فعل، ألا ترى أن باب ضروب وشكور أكثر من باب حذر، وحدث، ويقظ، وإذا كان أكثر على ألسنتهم كان أولى مما هو بغير هذه الصفة. ويؤكد ذلك أن هذا البناء قد جاء عليه من صفات، غير هذا الحرف نحو: غفور وشكور، ولا نعلم فعلا فيها. وقال «7»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) قال في اللسان/ غيب/ قوم غيّب وغيّاب وغيب: غائبون. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): رعف. السبعة 171. (5) في (ط): كلّ ذلك. (6) في (ط): كلام العرب. (7) البيت لكعب بن مالك الأنصاري وقد ورد في اللسان: نطيع نبينا. انظر اللسان (رأف).

البقرة: 148

نطيع إلهنا ونطيع ربّا ... هو الرّحمن كان بنا رءوفا ومن قرأ: رؤف فقد زعموا أن ذلك الغالب على أهل الحجاز، قالوا: ومنه قول الوليد بن عقبة «1» [بن أبي معيط لمعاوية بن أبي سفيان] «2»: وشرّ الطالبين فلا تكنه ... يقاتل عمّه الرّؤف الرحيما «3» وقد اتّسع ذلك حتى قاله غيرهم. وقال جرير «4»: ترى للمسلمين عليك حقّا ... كفعل الوالد الرّؤف الرحيم [البقرة: 148] اختلفوا في فتح اللام وكسرها من قوله جل وعز «5»: هُوَ مُوَلِّيها [البقرة/ 148]. فقرأ ابن عامر وحده: هو مولاها بفتح اللام. وقرأ الباقون بكسر اللام. قال أبو علي: قال تعالى: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة/ 144] يقال «6»: ولّيتك القبلة إذا صيّرتك تستقبلها

_ (1) انظر تفسير القرطبي 1/ 158. (2) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ط). (3) رواية العجز في (م): «بقاتل عمّه الرؤف الرحيم» وآثرنا إثبات ما في (ط). (4) قاله جرير في مدح هشام بن عبد الملك انظر ديوانه/ 507. (ت. الصاوي). (5) في (ط): تعالى. (6) في (ط): تقول.

بوجهك. وليس هذا المعنى في فعلت منه، ألا ترى أنك إذا قلت: وليت الحائط، ووليت الدار، لم يكن في فعلت منه دلالة على أنك واجهته. كما أن في «1» قولك: ولّيتك القبلة، وولّيتك المسجد الحرام دلالة على أن المراد واجهته، ففعّلت في هذه الكلمة ليس بمنقول من فعلت الذي هو وليت، فيكون على حدّ قولك: فرح وفرّحته، ولكنّ هذا المعنى الذي هو المواجهة عارض في فعّلت، ولم يكن في فعلت. وإذا كان كذلك كان فيه دلالة على أن النقل لم يكن من فعلت، كما كان قولهم: ألقيت متاعك بعضه على «2» بعض، لم يكن النقل فيه من لقي متاعك بعضه بعضاً، ولكنّ ألقيت كقولك: أسقطت، ولو كان منه زاد مفعول آخر في الكلام، ولم يحتج في تعديته إلى المفعول «3» إلى حرف الجر وإلحاقه المفعول الثاني في قولك: ألقيت بعض متاعك على بعض، كما لم يحتج إليه في: ضرب زيد عمراً، وأضربته إياه، ونحو ذلك، فكذلك: ولّيتك قبلة، من قولك: وليت كألقيت، من قولك: لقيت وقال تعالى «3»: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة/ 144] «5». فهذا على المواجهة له، ولا يجوز على غير المواجهة مع العلم أو غلبة الظن التي تنزّل منزلة العلم في تحري القبلة، وقد جاءت هذه الكلمة مستعملة على خلاف المقابلة والمواجهة وذلك في نحو قوله جل وعز «6»: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [البقرة/ 83]

_ (1) في (ط): وفي قولك. وبإسقاط: كما أن. (2) في (ط): فوق. (3) سقطت من (ط). (5) انظر ما سبق ص 24. (6) سقطت من (ط).

، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ [البقرة/ 64]. عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى [عبس/ 1] أي: أعرض عنه، وقال تعالى: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف/ 84] فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا [النجم/ 29] فهذا مع دخول الزيادة الفعل وفي غير الزيادة قوله: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة/ 25] والحال مؤكّدة لأن في وليتم دلالة على أنهم مدبرون، فهذا على نحوين: أما ما لحق التاء أوله، فإنه يجوز أن يكون من باب: تحوّب وتأثّم إذا ترك الحوب والإثم، وكذلك إذا ترك الجهة التي هي المقابلة، ويجوز أن تكون الكلمة استعملت على الشيء وعلى خلافه، كالحروف المروية في الأضداد. فأما قوله تعالى «2»: وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ [آل عمران/ 111] وقوله: وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ [الحشر/ 12] وقوله: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر/ 45] فهذا منقول من فعل، تقول: داري تلي داره، ووليت داري داره، وإذا نقلته «3» إلى فعّل قلت: وليت مآخيره، وولّاني مآخيره، ووليت ميامنه. وولّاني ميامنه، فهو مثل: فرح وفرّحته، وليس مثل: لقي وألقيته، وقوله تعالى «4»: لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ [الحشر/ 12] وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر/ 45] المفعول الثاني الزائد في نقل «فعل» إلى «فعّل» محذوف فيه «5»، ولو لم يحذف كان «6» كقوله: يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ [آل عمران/ 111]

_ (2) سقطت من (ط). (3) في (م): إذا نقله. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): منه. (6) في (ط): لكان.

وقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التوبة/ 71] المعنى فيه: أن بعضهم يوالي بعضاً، ولا يبرأ بعضهم من بعض، كما يبرءون ممن خالفهم وشاقّهم، ولكنهم يد واحدة في النصرة والموالاة، فهم أهل كلمة واحدة لا يفترقون فرقة مباينة ومشاقّة، ومن ثمّ قالوا في خلاف الولاية: العداوة، ألا ترى أنّ العداوة من عدا الشيء: إذا جاوزه «1» فمن ثمّ كانت خلاف الولاية. فأمّا قوله عزّ وجلّ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا [النساء/ 135] فيمن قرأ تَلْوُوا «2» فمعناه والله أعلم: الإقبال عليهنّ والمقاربة لهنّ في العدل في قسمهنّ، ألا ترى أنه قد عودل بالإعراض في قوله تعالى: أَوْ تُعْرِضُوا فكأنّ قوله تعالى «3»: (إن تلوا) كقوله: إن أقبلتم عليهنّ، ولم تعرضوا عنهنّ. فإن قلت: فهل يجوز أن يكون في تَلْوُوا دلالة على المواجهة فتجعل قوله: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ منقولًا من هذا، فمن ثمّ اقتضى المواجهة، وتستدلّ على ذلك بمعادلته لخلافه الذي هو الإعراض؟ فالقول: إن ذلك في هذه الكلمة ليس بالظاهر، ولا في الكلمة دلالة على هذه المخصوصة التي جاءت في قوله: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة/ 144] وإذا لم تكن عليها دلالة، لم تصرفها عن الموضع الذي جاءت فيه، فلم تنفذها إلى سواها.

_ (1) في (ط): جازه. (2) وهي قراءة حمزة وابن عامر، وستأتي في الجزء الثالث. (3) سقطت من (ط).

فأما قوله عز وجل: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى [القيامة/ 34] فقد كتبناه في «كتاب الشعر» وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال/ 20] فالضمير في عنه إذا جعلته للرسول، احتمل أمرين: لا تَوَلَّوْا عَنْهُ: لا تنفضّوا عنه كما قال تعالى: انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً [الجمعة/ 11] وقال سبحانه «1»: وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور/ 62] وقال عز اسمه «2»: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً [النور/ 63] وعلى هذا المعنى قوله تعالى: بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء/ 57] أي: بعد أن تتفرقوا عنها. ويكون «3»: لا تَوَلَّوْا عَنْهُ لا تعرضوا عن أمره: وتلقّوه بالطاعة والقبول، كما قال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور/ 63] وزعموا أن بعضهم قرأ: وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ واللفظتان تكونان بمعنى واحد، قال تعالى «4»: وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ [القصص/ 31] وقال: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة/ 25] وقال: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا [النجم/ 29] وقال فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ [الصافات/ 90]. وقوله: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران/ 68] أي ناصرهم، ومثله في أنّ المعنى فيه النّصرة قوله: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ [التحريم/ 4] أي ناصره. وكذلك قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا، وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ [محمد/ 11]

_ (1) في (ط): تعالى. (2) سقطت من (ط). (3) كذا في (ط)، وفي (م): ولا يكون وهو خطأ. (4) سقطت من (ط).

أي: لا ناصر لهم؛ ومعنى المولى من النّصرة؛ من ولي عليه: إذا اتصل به ولم ينفصل عنه. وعلى هذا قوله تعالى «1»: إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة/ 40] أي: ناصرنا، وكذلك قوله: فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ [الشعراء/ 15] في موضع آخر إِنَّنِي مَعَكُما [طه/ 46] وعلى هذا المعنى قولهم: صحبك الله. وروينا عن ابن سلّام عن يونس قال: المولى: له «2» في كلام العرب مواضع منها: المولى من «3» الدّين، وهو الوليّ «4»، وذلك قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ [محمد/ 11] أي: لا وليّ. ومنه قوله: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ [التحريم/ 4]، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «5»: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» «6» أي: وليّه. وقوله: «مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله» «7» قال العجّاج «8»: الحمد لله الذي أعطى الظّفر موالي الحقّ إن المولى شكر أي: أولياء الحقّ.

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): في. (4) انظر لسان العرب/ ولي/. (5) سقطت من (ط). (6) الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة 1/ 45 وأحمد في المسند 1/ 84 و 5/ 350. (7) الحديث رواه البخاري في المناقب، ونصه: «قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع مواليّ ليس لهم مولى دون الله ورسوله» انظر فتح الباري 6/ 533 رقم 3504. (8) انظر ديوانه 1/ 4 وفيه (الحبر) مكان (الظّفر).

ومنها العصبة، وبنو العمّ هم الموالي، قال «1» تعالى: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي [مريم/ 5] أي العصبة. وقال الزّبرقان: ومن الموالي موليان فمنهما ... معطي الجزيل وباذل النّصر ومن الموالي ضبّ جندلة ... لحز المروءة «2» ظاهر الغمر الغمر: العداوة. وقال آخر: ومولى كداء البطن لو كان قادراً ... على الدّهر أفنى الدّهر أهلي وماليا وقال آخر: ومولى قد رعيت الغيب منه ... ولو كنت المغيّب ما رعاني وقال اللهبيّ الفضل بن عباس لبني أمية «3»: مهلا بني عمّنا مهلًا موالينا ... امشوا رويدا كما كنتم تكونونا الله يعلم أنا لا نحبّكم ... ولا نلومكم أن لا تحبّونا «4»

_ (1) في (ط): وقال. (2) اللحز: البخيل الضيق الخلق. (3) ترجمته في الأغاني 16/ 119 والمؤتلف 35. (4) البيتان في الحماسة بشرح المرزوقي 1/ 224 مع اختلاف في الرواية.

وكان الزّبرقان بن بدر تكثّر في مواليه وبني عمّه فقال رجل من بني تميم «1»: ومولى كمولى الزبرقان ادّملته ... كما ادّمل العظم المهيض من الكسر ومن انضمّ إليك فعزّ بعزّك، وامتنع بمنعتك أو بعتق، وبهذا سمّي المعتقون: موالي. قال الراعي «2»: جزى الله مولانا غنياً ملامة ... شرار موالي عامر في العزائم نبيع غنيّاً رغبة عن دمائها ... بأموالها بيع البكار المقاحم البكار: الصغيرة، والمقاحم: التي لم تقو على العمل. وغنيّ: حلفاء بني عامر، قال الأخطل لجرير «3»: أتشتم قوماً أثّلوك بنهشل ... ولولاهم كنتم كعكل مواليا وعكل من الرّباب حلفاء بني سعد. وقال الفرزدق لعبد الله بن أبي إسحاق النحوي، وكان

_ (1) البيت لابن طيفان الدارمي أنشده ابن بري- والطيفان أمه- (انظر اللسان/ مادة: دمل/ ويقال: ادمل القوم، أي: اطوهم على ما فيهم. (2) الأول في ديوانه 255 ولم يقف جامعه على الثاني. (3) انظر ديوانه 1/ 352.

الإعراب:

مولى لحضرمي، وبنو الحضرميّ حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف: فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكنّ عبد الله مولى مواليا «1» الإعراب: قوله عزّ وجلّ: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها [البقرة/ 148] موضع الجملة رفع «2» لكونها وصفاً للوجهة، فمن قرأ: هُوَ مُوَلِّيها؛ فالضمير الذي هو هُوَ لاسم الله تعالى، تقديره: ولكلّ وجهة، الله مولّيها. ومعنى توليته لهم إياها: إنما هو أمرهم بالتوجّه نحوها في صلاتهم إليها، يدلّك على ذلك قوله تعالى «3»: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة/ 144]، فكما أنّ فاعل، نولّينّك الله عزّ وجلّ، فكذلك الابتداء في قوله: هُوَ مُوَلِّيها ضمير اسم الله تعالى، والتقدير: الله مولّيها إياه، ف «إياه» المراد المحذوف ضمير المولّى، وحذف المفعول الثاني لجري ذكره المظهر وهو كُلِّ في قوله: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ فإذا قرئ: ولكل وجهة هو مولاها فالضمير لِكُلٍّ وقد جرى ذكره في قوله: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ، وفي القراءة الأخرى لم يجر الذّكر، ولكن عليه دلالة، وقد استوفى الاسم الجاري على الفعل المبني للمفعول مفعوليه اللذين يقتضيهما، أحدهما:

_ (1) انظر سيبويه 2/ 58 - الخزانة 1/ 114. وليس في ديوانه. (2) كذا في (ط). ووردت في (م): جر وهو خطأ من الناسخ. (3) سقطت من (ط).

الضمير المرفوع في مولّى، والآخر: ضمير المؤنّث، وهو الذي هو ضمير كلّ ابتداء وخبره مولّاها. ولو قرأ قارئ: ولكل وجهة هو مولاها فجعل هُوَ ضمير ناس، أو قبيل، أو فريق، أو نحو ذلك فأضمر العلم به، كما أضمر اسم الله سبحانه، فيمن قرأ: هُوَ مُوَلِّيها لكان ذلك على ضربين: إن جعل الهاء لِكُلٍّ فأنّث كلا على المعنى، لأنّه في المعنى للوجهة كما قال: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ «1» [النمل/ 87] فجمع على المعنى؛ فإنّ ذلك لا يجوز، لأن اسم المفعول قد استوفى مفعوليه اللذين يقتضيهما. فلا يكون حينئذ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ متعلّق، فبقيت «2» اللام لا عامل فيها، وإن جعل الهاء في مولاها كناية عن المصدر الذي هو التولية؛ جاز، لأن الجارّ حينئذ يتعلق باسم المفعول الذي هو (مولي) كأنه قال: الفريق أو القبيل مولّى لكلّ وجهة تولية، واللام على هذا زيادة «3» كزيادتها في: رَدِفَ لَكُمْ [النمل/ 72] ونحوه. وقد قلنا في هذه المسألة بعبارة أخرى في وقت آخر: قوله جلّ وعزّ «4»: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها هُوَ: ضمير اسم الله سبحانه «5»، فإذا كان كذلك فقد حذف من الكلام أحد مفعولي الفعل الذي يتعدّى إلى مفعولين في قوله عزّ وجلّ «6»: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها. التقدير: الله مولّيها إياه، وإيّاه ضمير كُلِّ الموجّه المولّى، وتولية الله إيّاه، إنّما هو بأمره له بالتوجّه إليها.

_ (1) أتوه: قراءة حمزة وخلف وحفص. وقرأ الباقون آتوه. انظر النشر 2/ 339. وستأتي في موضعها. (2) في (ط): فتبقى. (3) في (ط): زائدة. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط).

وقراءة ابن عامر مولاها تدلّك على ما ذكرنا من إرادة مفعول محذوف من الكلام، ألا ترى أنّه لما بنى الفعل للمفعول به، فحذف الفاعل أسند الفعل إلى أحد المفعولين، وأضاف اسم الفاعل إلى المفعول الآخر وهو ضمير المؤنث العائد إلى الوجهة، فقوله: هُوَ على قراءته ضمير كُلِّ، أي كل ولّي جهة، وهذه التولية بأمر الله سبحانه إياهم بتوجّههم إليها، وقراءته في المعنى تؤول إلى قراءة من قرأ: هُوَ مُوَلِّيها. ألا ترى أنّ في مولّيها ضمير اسم الله عزّ وجلّ، فإذا أسند الفعل إلى المفعول به، وبناه له، ففاعل التولية هو الله تعالى كما كانت في القراءة الأخرى كذلك. وقد قرئ فيما ذكر أبو الحسن: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها. فضمير المؤنث في قوله: مُوَلِّيها يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون ضمير المصدر الذي هو التولية، وجاز إضمارها لدلالة الفعل عليها، كما جاز إضمار البخل في قوله تعالى «1»: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ [آل عمران/ 180] أي: البخل. ويكون هو ضمير اسم الله تعالى «2». فيكون المعنى: الله مولّ لكلّ وجهة تولية، فأوصل الفعل باللام كما تقول: لزيد ضربت وإِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يوسف/ 43]. والآخر: أن لا تجعل الهاء ضميراً للتولية، ولكن ضميراً لوجهة، فإذا جعلته كذلك لم يستقم، لأنّك إذا أوصلت الفعل

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط).

إلى المفعول الذي يقتضيه الفعل مرة لم توصله مرة أخرى إلى مفعول آخر- ألا ترى أنّك لو قلت: لزيد ضربته لم يجز أن تجعل الهاء ضمير زيد، لأنّك قد عدّيت إليه الفعل مرّة باللّام، فلا تعدّيه إليه مرة أخرى، كما لا يتعدّى الفعل إلى حالين، ولا اسمين للزمان، ولا نحو ذلك مما يقتضيه الفعل. فأما قوله «1»: هذا سراقة للقرآن يدرسه فالهاء للمصدر «2» ولا تكون للقرآن الذي تعدى إليه الفعل باللام، وقد تصحّ هذه القراءة على تقدير حذف المضاف، وهو أن تقدّر: ولكلّ ذوي «3» وجهة هو مولّيها فيكون المعنى: الله مولّ لكلّ ذوي «3»: وجهة؛ وجهتهم؛ فيكون في المعنى كقراءة من قرأ: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها، إذا قدّرت حذف المفعول الثاني الذى هو إياه، إلا أنّ المفعول الثاني المحذوف في قول من قرأ: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها مظهر في هذه القراءة، وهو قوله: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ إذا قدّرته: ولكلّ ذوي «3» وجهة، فيصير التقدير: الله مولّ كلّ ذوي «3» وجهة وجهتهم. فكلّ هم المولّون، والهاء ضمير الجهة التي أخذوا بالتوجه إليها.

_ (1) صدر بيت عجزه: والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب وهو مجهول القائل- انظر سيبويه 1/ 437 - الخزانة 1/ 227 - 2/ 383 - 3/ 572 - 649 - 4/ 170 وشرح أبيات المغني 6/ 291 واللسان مادة/ سرق/. قال الأعلم: هجا رجلا من القراء، فنسب إليه الرياء وقبول الرشا والحرص عليها. (2) والتقدير: هذا سراقة يدرس القرآن درساً. (3) في (ط): ذي في أربعة المواطن.

وما ذكرته من أنّ هُوَ ضمير اسم الله تعالى «1»، وإن لم يجر له ذكر، قول أبي الحسن. وقد روي عن مجاهد أنه قال: أراد: ولكلّ صاحب ملّة «2» وجهة، أي: قبلة هو مستقبلها، فالضمير عنده على هذا لكلّ. وقد حكى أبو الحسن «3» القولين جميعاً: أن يكون هُوَ ضمير اسم الله تعالى «4»، وأن يكون لكلّ. وجاء قوله: هُوَ مُوَلِّيها فيمن ذهب إلى هذا القول على لفظ كل، ولو قيل: هم مولّوها على المعنى، كما قال تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ [النمل/ 87] كان حسناً. وقال بعضهم: اخترت مولّيها على مولّاها لأنه قراءة الأكثر، ولأنه إذا قرئ مولّاها ظنّ أن جميع ذلك شرعه الله لهم. وقوله: مولاها اسم جار على فعل مبني للمفعول، ولم يسند إلى فاعل بعينه؛ فيجوز أن يكون فاعل التولية الله عزّ وجلّ، ويجوز أن يكون بدعة، حملهم عليها بعض رؤسائهم ومفتيهم، فليس إذا صرفه إلى أحد الوجهين، بأولى من صرفه إلى الآخر. فأمّا قوله: وِجْهَةٌ فقد اختلف أهل العربية فيها، فمنهم من يذهب إلى أنّه مصدر شذّ عن القياس فجاء مصححاً، ومنهم من يقول: إنه اسم ليس بمصدر جاء على أصله، وأنه لو كان مصدراً جاء مصحّحاً، للزم أن يجيء فعله أيضاً

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (م): قبلة، وما أثبتناه من (ط) نقله الطبري في تفسيره عن مجاهد في 2/ 28 وفسّر عنه: الوجهة بالقبلة. (3) في (ط): أبو إسحاق. (4) سقطت من (ط).

مصحّحا، ألا ترى أن هذا المصدر إنما اعتلّ على الفعل حيث كان عاملًا عمله؛ وكان على حركاته وسكونه؟ فلو صحّ لصحّ الفعل، لأن هذه الأفعال المعتلات، إذا صحت في موضع تبعها باقي ذلك، وفي أن لم يجيء شيء من هذه الأفعال مصحّحا دلالة على أن وِجْهَةٌ إنما صحّ من حيث كان اسماً للمتوجّه، لا كما رآه أبو عثمان من أنّه مصدر جاء على الأصل، وما شبّهه «1» به من «ضيون وحيوة وبنات ألببه» «2» لا يشبه هذا، لأن ذلك ليس شيء منه جارياً على فعل كالمصدر. فإن قيل: فيما استدللنا به من أنّ الفعل إذا اعتلّ وجب اعتلال مصدره، أليس قد جاء القول والبيع صحيحين؛ وأفعالهما معتلّة؛ فما ننكر أن يصحّ: وِجْهَةٌ، وإن كان فعله معتلًا؟. قيل: إن القول والبيع لا يدخل على هذا، ألا ترى أنّ وِجْهَةٌ على وزن الفعل، وليس القول والبيع كذلك؟ والموافقة في الوزن توجب الإعلال، ألا ترى «3» «بابا وعاباً». لمّا وافقا بناء الفعل أعلّا، ولم يعلّ نحو عيبة وعوض وحول؟ فالقول والبيع ليسا على وزن شيء من الأفعال فيلحقهما اعتلالها. على أن للقائل أن يقول: إن القول والبيع ونحوهما، لما سكنا أشبها بالإسكان المعتلّ، إذ الاعتلال قد يكون بالسكون يدلك على ذلك أنهم أعلّوا نحو: سياط وحياض، وإن صحت الآحاد

_ (1) في (ط): أشبهه. (2) ويقال: بنات ألبب: عروق في القلب يكون منها الرقة. انظر اللسان (لبب) وهو أحد ما شذ من المضاعف فجاء على الأصل كما قال سيبويه (انظر الكتاب 2/ 61). (3) في (ط): ألا ترى أن.

البقرة: 150

منها بحيث كانا في السكون في الواحد بمنزلة المعتل نحو: «ديمة وديم» فكما جرى ما ذكرنا مجرى المعتلّ للسكون، كذلك يجري: قول وبيع مجرى ذلك، وقد قالوا: وجّه الحجر جهة ماله» فجاء المصدر بحذف الزيادة، وكأنّ «ما» زائدة، والظّرف وصف للنكرة، ولزمت الزيادة كما لزمت في: آثرا ما «1»، ونحوه. [البقرة: 150] اختلفوا في همز لِئَلَّا [البقرة/ 150]. فروي عن نافع أنه لم يهمزها، والباقون يهمزون «2». قال أبو علي: تخفيف الهمزة في لِئَلَّا أن تخلص ياء، ولا يجوز أن تجعل بين بين، ألا ترى أنه بمنزلة «مئر» جمع: مئرة. من قولك مأرت بين القوم: إذا أفسدت. وقد تقدّم ذكر طرف من ذلك في قوله عز وجلّ: كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ «3» [البقرة/ 108]. [البقرة: 184] اختلفوا في التاء ونصب العين، والياء والجزم، من قوله عزّ وجلّ «4»: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً [البقرة/ 184]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً بالتاء ونصب العين في الحرفين جميعاً «5».

_ (1) في اللسان (أثر) عن الفراء: ابدأ بهذا آثراً ما، وآثر ذي أثير، أي: ابدأ به أول كل شيء. وقيل: افعله مؤثراً له على غيره، وما زائدة وهي لازمة لا يجوز حذفها، لأن معناه افعله آثراً مختاراً له معنياً به من قولك: آثرت أن أفعل كذا وكذا. (2) السبعة 171. (3) انظر ص 217. (4) سقطت من (ط). (5) يريد في آية البقرة هذه رقم 184 والتي سبقتها برقم 158 وهي بالواو.

وقرأ حمزة والكسائيّ: يطوع خيرا بالياء، وجزم العين. وكذلك التي بعدها. قال أبو علي: من قرأ: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً احتمل قوله: تَطَوَّعَ أمرين: أحدهما: أن يكون موضعه جزماً، والآخر: أن لا يكون له موضع. فأما الوجه الذي يجعل تَطَوَّعَ فيه في موضع جزم، فأن تجعل مِنْ للجزاء كالتي في قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الفرقان/ 68] فإذا جعلته كذلك كان في موضع جزم، وكانت الفاء مع ما بعدها أيضاً في موضع جزم لوقوعها موقع الفعل المجزوم الذي هو جزاء، والفعل الذي هو «تطوّع» على لفظ المثال الماضي والتقدير به المستقبل، كما أن قولك: إن أتيتني أتيتك. كذلك. والآخر: أن لا تجعله جزاء، ولكن يكون بمنزلة «الذي» ولا موضع حينئذ للفعل الذي هو تَطَوَّعَ، ولو كان له موضع لم تكسر إِنَّ في قوله تعالى: وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ [القصص/ 76] والفاء على هذا في قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مع ما بعدها في موضع رفع من حيث كان خبر المبتدأ الموصول- والمعنى معنى الجزاء، وإن لم يكن به جزم «1»، لأن هذه الفاء، إذا دخلت في خبر الموصول، آذنت أن الثاني وجب لوجوب الأول «2»، والنكرة الموصوفة في ذلك، كالأسماء

_ (1) في (ط): وإن لم يكن مجزوماً به. (2) قال سيبويه: وسألته عن قوله: الذي يأتيني فله درهمان، لم جاز دخول الفاء هاهنا، والذي يأتيني بمنزلة عبد الله، وأنت لا يجوز لك أن تقول:

الموصولة، وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل/ 53] تقديره: ما ثبت بكم من نعمة، أو: ما دام بكم من نعمة، فمن ابتداء الله إياكم بها. فسبب ثبات النعمة ابتداؤه بذلك. كما أن استحقاق الأجر إنما هو من أجل الإنفاق في قوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ... فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ «1» [البقرة/ 274]. فأما ما كان من النّعمة كالصّحة وتسوية البنية، والامتحان بالمرض والعلّة، فمن الله سبحانه «2». وأما ما كان من جائزة ملك وعطاء أب وهبة صديق أو ذي رحم، فإنه يجوز أن ينسب إلى الله تعالى. من حيث كان بتمكينه وإقداره كما قال: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال/ 17]، وإنما الرّامي للتراب، والحصباء بالبطحاء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولو أدخلت إِنَّ على هذه الأسماء الموصولة، جاز دخول الفاء معها كما جاز دخولها على غير هذا النحو من الابتداء. وعلى هذا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ [البروج/ 10].

_ عبد الله فله درهمان؟ فقال: إنما يحسن في «الذي» لأنه جعل الآخر جواباً للأول، وجعل الأول به يجب له الدرهمان فدخلت الفاء هاهنا كما دخلت في الجزاء إذا قال: إن يأتني فله درهمان ... إلخ. (الكتاب 1/ 453). (1) الآية بتمامها: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة/ 274]. (2) في (ط): سبحانه وتعالى.

وقوله عزّ وجلّ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ «1» [التين/ 6] على قوله: «إلا حل ذاك أن أفعله» ولو ألحقت المبتدأ ليت أو لعلّ «2» لم يجز دخول الفاء على الخبر، لأن الجزاء الجازم وغير الجازم خبر فإذا دخلت ليت ولعلّ، خرج بدخولهما الكلام عن أن يكون خبراً، وإذا خرج عن ذلك، لم يجز لحاق الفاء التي تدخل مع الخبر. ومثل ذلك قوله تعالى «3»: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة/ 95] وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا [البقرة/ 26] ومَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها [الأنعام/ 160] وفَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف/ 29] إلا أنّ قوله: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ إذا جعلته موصولًا ولم تجعل شاء في موضع جزم، احتمل مَنْ شاءَ ضربين من الإعراب: أحدهما: أن يكون مرفوعاً بالابتداء وفَلْيُؤْمِنْ في موضع خبر. والآخر: أن يكون مرتفعا بالابتداء يفسّره: (فليؤمن) مثل: زيد ليضرب. والفاء الداخلة في الخبر تحتمل أمرين: أحدهما: أن تكون زيادة مثل قولهم: أخوك فوجد، والآخر: أن يكون دخولها من أجل الصلة. ومثله: وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً [الفرقان/ 71]. فإن قلت: وما معنى وَمَنْ تابَ فَإِنَّهُ يَتُوبُ؟. فالقول في ذلك، أن اللفظ على شيء والمعنى على غيره، وذلك غير ضيّق في كلامهم، ألا ترى أنّهم قد قالوا: ما

_ (1) وهو مما دخلت فيه الفاء على غير النحو الذي مثل به من الابتداء وحمله على قول العرب: «إلّا حلّ ذاك أن أفعله» انظر سيبويه باب ما يكون مبتدأ بعد إلا 1/ 374. (2) في (م): ولعل بإسقاط الألف. (3) سقطت (قوله تعالى) من (ط).

البقرة: 164

أنت وزيد؟. والمعنى: لم تؤذيه؟ واللفظ إنّما هو على المسألة من المخاطب، وزيد معطوف عليه. وكذلك قالوا: أمكنك الصّيد، والمعنى: ارمه، وكذلك: هذا الهلال. أي: انظر إليه؛ فكذلك قوله: وَمَنْ تابَ كأنه من عزم على التوبة، فينبغي أن يبادر إليها، ويتوجه بها إلى الله سبحانه. وقال تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل/ 98]. أي: إذا عزمت على ذلك فاستعذ، ومثل قوله: فَإِنَّهُ يَتُوبُ [الفرقان/ 71] والمعنى على: ينبغي أن يتوب. قوله عزّ وجلّ: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ [البقرة/ 228] أي: ينبغي أن يتربّصن. ومن هذا الباب قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة/ 185] قياسه على ما تقدم. وأمّا من قرأ: ومن يطوع [البقرة/ 158] فتقديره: يتطوّع، إلا أنه أدغم التاء في الطاء لتقاربهما، وجزم العين التي هي لام بمعنى «إن» التي للجزاء. وهذا حسن لأن المعنى على الاستقبال، وإن كان يجوز: من أتاني أعطيته، فتوقع الماضي موضع المستقبل في الجزاء، إلّا أن اللفظ إذا كان وفق المعنى كان أحسن. [البقرة: 164] واختلفوا في قوله عز وجل «1»: الرِّياحِ في الجمع والتوحيد. فقرأ ابن كثير: الرِّياحِ على الجمع في خمسة مواضع: في البقرة هاهنا [الآية/ 164] «2» وفي الحجر:

_ (1) سقطت من (ط). (2) وهي بتمامها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [الآية/ 22] وفي الكهف: تَذْرُوهُ الرِّياحُ [الآية/ 45] وفي سورة الروم الحرف الأول: الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ [الآية/ 46]، وفي الجاثية: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ [الآية/ 5]، والباقي: الرِّيحُ. وقرأ نافع: الرِّياحِ في اثني عشر موضعاً: هاهنا وفي الأعراف: يُرْسِلُ الرِّياحَ [الآية/ 57]، وفي سورة إبراهيم: كرماد اشتدت به الرياح [الآية/ 18] وفي الحجر: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [الآية/ 22] وفي الكهف: تَذْرُوهُ الرِّياحُ [الآية/ 45] وفي الفرقان: أَرْسَلَ الرِّياحَ [الآية/ 48] [وفي النمل يُرْسِلُ الرِّياحَ] «1» [63]، وفي الروم موضعين الرِّياحَ [46، 48] وفي فاطر الرِّياحَ [الآية/ 9]، وفي عسق يسكن الرياح [الآية/ 33] وفي الجاثية: الرِّياحِ [الآية/ 5]. وقرأ أبو عمرو من هذه الاثني عشر حرفا حرفين: الرِّيحُ في إبراهيم [الآية/ 18]، وفي عسق الرِّيحَ [33] والباقي الرياح على الجمع مثل نافع. وقرأ عاصم وابن عامر مثل قراءة أبي عمرو. وقرأ حمزة الرِّياحَ على الجمع في موضعين: في الفرقان: أَرْسَلَ الرِّياحَ [الفرقان/ 48] وفي سورة الروم، الحرف الأول: الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ [الروم/ 46] وسائرهنّ على التوحيد.

_ (1) ما بين المعقوفتين سقط من (م).

وقرأ الكسائيّ: كقراءة حمزة وزاد عليه في الحجر: الرِّياحَ لَواقِحَ [الحجر/ 22]. ولم يختلفوا في توحيد ما ليست فيه ألف ولام «1». قال أبو علي: قال أبو زيد: قال القيسيّون الرّياح أربع: الشّمال والجنوب والصّبا والدّبور. فأما الشّمال فمن عن يمين القبلة، والجنوب من عن شمالها. والصّبا والدّبور متقابلتان، فالصّبا من قبل المشرق، والدّبور من قبل المغرب. وأنشد أبو زيد «2»: إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني ... نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر وإذا جاءت الريح بين الصّبا والشّمال فهي النّكباء التي لا يختلف فيها. والتي بين الجنوب والصّبا يقال لها: الجربياء. وقال السّكّريّ فيما روى عنه بعض شيوخنا قال: أخبرني أبو الحسن عليّ بن عبد الله الطوسيّ قال: أخبرنا ابن الأعرابي وأصحابنا عن الأصمعيّ وغيره قالوا: الرياح أربع: الجنوب والشّمال والصّبا والدّبور. قال ابن الأعرابيّ: كلّ ريح بين ريحين فهي نكباء، وقال الأصمعيّ: إذا انحرفت واحدة منهنّ فهي نكباء، والجميع: نكب.

_ (1) السبعة 172 - 173. (2) البيت لأبي صخر الهذلي. انظر شرح السكري/ 957.

فأمّا مهبّهنّ فإن ابن الأعرابيّ قال: مهبّ الجنوب من مطلع سهيل إلى مطلع الثّريّا، والصّبا من مطلع الثريّا إلى بنات نعش، والشمال من بنات نعش إلى مسقط النّسر الطائر [وقال: والدبور من مسقط النسر الطائر] «1» إلى مطلع سهيل، قال: والجنوب والدّبور لهما هيف. والهيف: الريح الحارّة. قال: والشّمال والصّبا «2» لا هيف لهما. وقال الأصمعيّ ما بين سهيل إلى طرف بياض الفجر جنوب، وما بإزائها مما يستقبلها من الغرب شمال، وما جاء من وراء البيت الحرام فهو دبور، وما جاء قبالة «3» ذلك فهو صبا، والصّبا: القبول. قال: وإنما سمّيت قبولًا. لأنها استقبلت الدّبور، قال الهذليّ، وأنشد البيت الذي أنشده أبو زيد «4». قال الطوسيّ: وقال غير الأصمعي وابن الأعرابي: الجنوب التي تجيء من قبل اليمن- والشمال التي تهبّ من قبل الشام، والدّبور التي تجيء من عن يمين القبلة شيئاً والصّبا بإزائها، والجنوب تسمى الأزيب وتسمى النّعامى: قال أبو ذؤيب «5»: مرته النّعامى فلم يعترف ... خلاف النّعامى من الشّؤم ريحا

_ (1) ما بين المعقوفتين سقط من (م). (2) في (ط): والصبا والشمال. (3) في (ط): من قبالة. (4) انظر صفحة/ 250/ من هذا الجزء. (5) مرته: استدرته ومسحته- والنعامى: الجنوب- يقول: إنما مطرت بجنوب ولم تهب شمال فتكشفه،- فلم تعترف الجهام ريحاً من الشام- انظر شرح السكري 1/ 199.

اقل: وتسمى الشّمال: محوة، ولا تجرى «1». وتسمى الجربياء. قال ابن أحمر «2»: بواد من قسا ذفر الخزامى ... تحنّ الجربياء به الحنينا سمّيت محوة لأنها تمحو السحاب وتذهب به. وتسمى مسعاً ونسعاً، قال «3»: قد حال دون دريسيه مؤوّبة ... مسع لها بعضاه الأرض تهزيز وأنشد عن «4» الطوسيّ للطّرمّاح: قلق لأفنان الريا ... ح للاقح منها وحائل فاللاقح: الجنوب، والحائل: الشّمال. وتسمى الشّمال عقيماً، كما سمّاها الطّرمّاح حائلًا، وقد وصفت الصّبا بالعقم. قال جرير «5»:

_ (1) هي ممنوعة من الصرف لأنها علم على الريح هذه. (2) ورد في اللسان (قسا) برواية: بجو من قسى ذفر الخزامى ... تهادى الجربياء به الجنينا يصف طيب هذا الموضع ورقة هوائه وانظر الخصائص 1/ 254. (3) سبق انظر ص 89 من هذا الجزء. (4) في (ط): غير. (5) ديوان جرير/ 496 (ط- الصاوي) - العرواء: البرد الشديد- والعقيم: التي لا مطر معها.

مطاعيم الشّمال إذا استحنّت ... وفي عرواء كلّ صباً عقيم وفي التنزيل: وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ [الذاريات/ 41]. قال الطوسيّ: العقيم: التي لا تلقح السحاب. قال: والرياح اللواقح: تثير السحاب بإذن الله، وتلقح الشجر. والذاريات: التي تذر التراب ذروا، فأما قول الطّرمّاح: للاقح منها وحائل. فاللاقح على معنى النسب، وليس الجاري على الفعل، وكذلك حائل، تقديره: ذات حيال. يريد بالحيال أنّها لا تلقح كما تلقح الجنوب. قال أبو دؤاد يصف سحاباً «1»: لقحن ضحيّاً للقح الجنوب ... فأصبحن ينتجن ماء الحيا قوله: «للقح الجنوب» تقديره: لإلقاح الجنوب. فحذف الزيادة من المصدر وأضافه إلى الفاعل كما قال «2»: وإن يهلك فذلك كان قدري أي: تقديري. وكما حذف الزيادة من المصدر كذلك حذفت من الجمع في قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [الحجر/ 22] والمعنى فيه: ملاقح، لأنها إذا ألقحت كانت

_ (1) ليس هذا البيت في شعره لغرانباوم. (2) عجز بيت ليزيد بن سنان: وقد سبق بتمامه في هذا الجزء 128.

ملقحة. وجمع الملقح: ملاقح ولواقح على حذف الزيادة، لأنّ المعنى عليه. ومثل ذلك قوله: يكشف عن جمّاته دلو الدّال «1» إنما هو المدلي، فحذف الزيادة «2» أو يكون أراد: دلو ذي الدّلو. كما قال: للاقح منها. وفي التنزيل: فَأَدْلى دَلْوَهُ [يوسف/ 19]. وقال الشاعر «3»: فسائل سبرة الشّجعيّ عنّا ... غداة تخالنا نجوا جنيبا أي: تحسبنا لكثرتنا واحتفالنا كسحاب ألقحته الجنوب فغزّرت ماءه. وروينا عن أحمد بن يحيى لزهير «4»: جرت سنحا فقلت لها مروعا ... نوى مشمولة فمتى اللّقاء

_ (1) من رجز ينسب للعجاج وبعده: عباءة غبراء من أجن طال ديوانه 2/ 321 (الملحقات) واللسان/ دلا/. (2) سقطت من (م). (3) البيت لأبي خراش الهذلي. تخالنا: تحسبنا- والنجو: السحاب، والجنيب: الذي أصابته الجنوب، وهو أدر له. يقول: وقعنا بهم مثل وقع سحابة. انظر شرح ديوان الهذليين 3/ 1206. (4) شرح ديوانه ص/ 59 برواية «أجيزي» بدل «مروعا» السنح: جمع سنيح وقد تشاءم به زهير، وكانوا يتشاءمون بالبارح، وهو ما جاء عن شمالك، ويتيمنون بالسانح وهو ما جاءك عن يمينك من طائر أو غيره.

قال «1»: قال الأصمعي: نوى مشمولة: أي: مكروهة- وقال الأصمعيّ: وأصل ذلك من الشّمال، لأنهم يكرهون الشّمال لبردها وذهابها بالغيم، وفيه الحيا والخصب، فصار كلّ مكروه عندهم مشمولا، قال: وهم يحبّون الجنوب لدفئها، ولأنها تجيء بالسحاب والمطر، وفيها الحيا والخصب. وأنشد لحميد بن ثور في مدحهم الجنوب «2»: فلا يبعد الله الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوة سنتوب ليالي أبصار الغواني وسمعها ... إليّ .. وإذ ريحي لهنّ جنوب أي: محبوبة كما تحبّ الجنوب. وذكر بعض شيوخنا أن أبا عمرو الشيبانيّ روى قول الأعشى: وما عنده مجد تليد ولا له ... من الرّيح فضل لا الجنوب ولا الصّبا «3» تقدير هذا: وما له من فضل الريح فضل لا فضل الجنوب ولا فضل الصّبا، فحذف المضاف، والمعنى: أنه لم ينل أحداً، فيكون كريح الجنوب في مجيئه «4» بالغيث. ولم ينفّس عن أحد كربة فيكون كالصّبا في التنفيس.

_ (1) سقطت من (ط). (2) ديوانه/ 52. (3) سبق الكلام عنه في 1/ 205. (4) في (ط): مجيئها.

وروى غيره فيما ذكر محمد بن السّريّ «1»: وما عنده رزقي علمت ولا له ... عليّ من الرّيح الجنوب ولا الصّبا وتقدير هذا أيضاً: ولا له عليّ من فضل الريح فضل الجنوب ولا فضل الصّبا. الأبين في قوله: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ [البقرة/ 164] الجمع، وذلك أن كلّ واحدة من هذه الرياح مثل الأخرى في دلالتها على الوحدانية وتسخيرها لينتفع الناس بها بتصريفها، وإذا كان كذلك فالوجه أن يجمع لمساواة كلّ واحدة منها الأخرى فيما ذكرنا، وقد «2» يجوز في قول من وحّد أن يريد به الجنس كما قالوا: أهلك الناس الدينار والدّرهم. وعلى هذا ينبغي أن يحمل التوحيد للريح، لأن كلّ واحدة مثل الأخرى في وضع الاعتبار لها والاستدلال بها. فأما قوله تعالى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً [الأنبياء/ 81] فإن كانت الرياح كلّها سخّرت له، فالمراد بها الكثرة، وإن سخّرت له ريح بعينها، كان كقولك: الرجل، وأنت تريد به العهد. وأما قوله تعالى: وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ [الذاريات/ 41] فهي واحدة يدلّك «3» على ذلك قوله

_ (1) سبقت ترجمته في 1/ 6. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): يدل.

تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً [فصلت/ 16]. وفي الحديث «نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور» «1» فهذا يدلّ أنها واحدة وكذلك الرّيح التي أرسلت على الأحزاب يوم الخندق، قال «2» تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب/ 9]. وأما ما روي في الحديث من أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم «3»، كان إذا هبّت ريح قال: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» «4». فممّا يدلّ على أنّ مواضع الرحمة بالجمع أولى، ومواضع العذاب بالإفراد، ويقوي ذلك قوله تعالى «5»: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ [الروم/ 46] فإنما «6» تبشر بالرحمة، ويشبه أن يكون النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «7» قصد هذا الموضع من التنزيل، وجعل الريح إذا كانت مفردة في قوله تعالى «7»: وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ [الذاريات/ 41]. وقد تختص اللفظة في التنزيل بشيء فيكون أمارة له، فمن ذلك أن عامّة ما جاء في التنزيل من قوله: وَما يُدْرِيكَ مبهم غير مبيّن. وما كان من لفظ ما أَدْراكَ مفسّر، كقوله

_ (1) الحديث رواه البخاري بشرح الفتح في كتاب بدء الخلق 6/ 300 والاستسقاء 2/ 520 ومسلم باب في ريح الصبا والدبور 2/ 617. (2) في (ط): قال الله تعالى. (3) سقطت من (ط). (4) قطعة من حديث رواه الطبراني في مجمع الزوائد 10/ 135 عن ابن عباس وقال: فيه حسين بن قيس الملقب بحنش وهو متروك وقد وثقه حصين بن نمير، وبقية رجاله رجال الصحيح. ورواه الشافعي في مسنده 47 بإسناد ضعيف جداً (انظر مشكاة المصابيح حديث 1519). (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): وإنما. (7) سقطت من (ط).

البقرة: 165

تعالى «1»: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة/ 3] وكذلك وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ [القارعة/ 2] وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى/ 17]. والخبر الذي روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «2» قال: «إن الريح تخرج من روح الله. تجيء بالرحمة والعذاب» «3» ، فيجوز أن تكون الريح يراد بها الجنس، فإذا كانت للجنس كان على القبيلين العذاب والرحمة، فإذا جاز أن يكون للجنس، جاز أن يقع على الجمع مستغرقاً له، وجاز أن يقع اسم الجنس على البعض كما قال: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ ... [الصافات/ 137 - 138]. [البقرة: 165] اختلفوا في الياء والتاء من قوله جل وعزّ: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: وَلَوْ يَرَى، الَّذِينَ ظَلَمُوا بالياء. وقرأ نافع وابن عامر: ولو ترى بالتاء. وكلّهم قرأ: إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ بفتح الياء إلّا ابن عامر فإنه قرأ: إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ بالضم «4».

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) قطعة من حديث رواه البخاري في الأدب المفرد باب لا تسبوا الريح 2/ 353 والشافعي في مسنده وأبو داود برقم 5098 وابن ماجة في الأدب 3727 والحاكم في المستدرك في كتاب الأدب 4/ 285 وصححه ووافقه الذهبي. قال العجلوني: وإسناده حسن. انظر الكشف 1/ 435 والمشكاة 1/ 482. (4) السبعة 173.

قال أبو علي: يَرَى من رؤية العين، يدلك على ذلك تعدّيه إلى مفعول واحد تقديره: ولو يرون أن القوة لله جميعاً. أي: لو يرى الكفار ذلك. فإن قلت: فلم لا تكون المتعدية إلى مفعولين، وقد سدّت أنّ مسدّهما؟. قيل: يدل على أنها المتعدية إلى مفعول واحد قول من قرأ بالتاء فقال: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165] ألا ترى أن هذا متعدّ إلى مفعول واحد لا يسدّ مسدّ مفعولين، ويدلّك على أنه متعدّ إلى مفعول واحد قوله تعالى «1»: إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ [البقرة/ 165] وقوله: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ [النحل/ 85] فتعدّى إلى مفعول واحد وكذلك قوله عزّ وجلّ «2»: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر/ 60] الأظهر أنّه متعدّ إلى مفعول واحد، أي: يعاينونهم كذلك. والجملة في موضع الحال، لا في موضع المفعول الثاني. وقد روي في التفسير في قوله تعالى «3»: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ [الرحمن/ 41] قال: سواد الوجوه وزرقة الأعين، فسواد الوجوه دلت عليه هذه الآية، وزرقة الأعين: قوله: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [طه/ 102] فكما أن الرؤية في هذه المواضع رؤية البصر. كذلك في قوله: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ [البقرة/ 165] وقوله: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [البقرة/ 165] في تعذيبهم، فهو قريب من قوله: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ [النحل/ 85].

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): تعالى. (3) سقطت من (ط).

فإن قلت: فكيف جاء إِذْ في قوله: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ [البقرة/ 165] وهذا أمر مستقبل وإِذْ لما مضى؟. فالقول فيه: إنه إنما جاء على لفظ المضي لإرادة التقريب في ذلك، كما جاء وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النحل/ 77] وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ «1» [الشورى/ 42] فلما أريد فيها من التحقيق والتقريب، جاء على لفظ المضيّ وعلى هذا جاء في ذلك «2» المعنى أمثلة الماضي كقوله: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ [الأعراف/ 50] ومما جاء على لفظ المضيّ للتقريب من الحال قول المقيم المفرد: قد قامت الصلاة. يقول ذلك قبل إيقاعه التحريم بالصلاة لقرب ذلك من قوله. وعلى هذا قول رؤبة «3»: أوديت إن لم تحب حبو المعتنك فإنما أراد بذلك تقريب معاينة الهلاك وإشفاءه عليه. فأتى بمثال الماضي لما أراد به من مشارفته، وجعله سادّاً مسدّ الجواب من حيث كان معناه الاستقبال في الحقيقة، وأن الهلاك لم يقع بعد، ولولا ذلك لم يجز، ألا ترى أنّه لا يكون: قمت إن قمت، إنما تقول: أقوم إن قمت، وقوله تعالى «4»:

_ (1) في الأصل: (وإن الساعة لقريب) وليس في القرآن آية بهذا النص. (2) في (ط) هذا بدل ذلك. (3) الديوان ص 118 من أرجوزة يمدح فيها الحكم بن عبد الملك والمعتنك: البعير يصعد في العانك من الرمل وهو المتعقد منه. وانظر الخصائص 2/ 389. (4) سقطت من (ط).

وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [الأحزاب/ 50] فيمن كسر إِنْ ينبغي أن يحمله على فعل آت يضمره، ولا يحمله على الماضي المتقدّم الذي هو أَحْلَلْنا، وعلى ما ذكرنا جاء كثير مما في التنزيل، من هذا الضرب كقوله: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ [الأنعام/ 30] وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [الأنعام/ 27] وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ [سبأ/ 31] وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ [سبأ/ 51] وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ [الأنفال/ 50]. فكما جاءت هذه الآي التي يراد بها الاستقبال بإذ، كذلك جاء وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ [البقرة/ 165]، فأما حذف جواب لَوْ في هذه الآي، فلأن حذفه أفخم لذهاب المخاطب المتوعّد إلى كل ضرب من الوعيد، وتوقّعه له «1»، واستشعاره إياه، ولو ذكر له ضرب منه لم يكن مثل أن يبهم عليه، لما يمكّن من توطينه نفسه على ذلك المذكور، وتخفيفه عليه، ومن وطّن نفسه على شيء لم يصعب عليه صعوبته على من لم يوطّن عليه نفسه. وحجّة من قرأ: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا بالياء أن المتوعّدين لم يعلموا قدر ما يشاهدون ويعاينون من العذاب كما علمه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «2» والمسلمون. فالفعل ينبغي أن يكون مسنداً إليهم في قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. ومن حجّتهم أن المتقدم لقوله: وَلَوْ يَرَى غيبة، فينبغي أن يكون المعطوف عليه مثله، وهو قوله جلّ وعزّ «3»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط).

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً [البقرة/ 165] بعد قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [البقرة/ 161] والذين ظلموا هم الذين كفروا، ألا ترى قوله: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة/ 254] والذين كفروا هم المتخذون من دون الله أنداداً. فلفظ الغيبة أولى من لفظ الخطاب من حيث كان أشبه بما قبله، وهو أيضاً أشبه بما بعده، وهو كقوله: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ [البقرة/ 167]. وحجّة من قال «1»: ولو ترى فجعل الخطاب للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «2»: كثرة ما جاء في التنزيل من قوله: جلّ وعزّ «3»: ولو ترى من الآي التي تلوناها، ولم يقصد عليه السلام بالمخاطبة لأنه لم يعلم، ولكن في قصده بالمخاطبة تنبيه لغيره، ألا ترى أنه قد يخاطب، فيكون خطابه خطاباً للكافّة، كقوله تعالى «4»: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى [الأنفال/ 70] ويا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ [الطلاق/ 1] وعلى هذا جاء: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة/ 106] أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [البقرة/ 107] فجاء الخطاب للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم «5»، والمراد به الكافّة، فكذلك قوله: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165]. وأما فتح أَنَّ في قوله أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً

_ (1) في (ط): قرأ. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): عز وجل. (5) سقطت من (ط).

[البقرة/ 165] فيمن قرأ بالتاء والياء، فمن قرأ بالياء فإنّ أَنَّ معموله يَرَى، تقديره: ولو يرون أنّ القوّة لله جميعاً. وأما من قرأ بالتاء فقال: ولو ترى الذين ظلموا [البقرة/ 165] فلا يخلو من أن يجعل ترى من رؤية العين «1» أو المتعدية إلى مفعولين. فإن جعلتها من رؤية البصر لم يجز أن يتعدّى «2» إلى أنّ، لأنها قد استوفت مفعولها الذي تقتضيه، وهو الَّذِينَ ظَلَمُوا ولا يجوز أن يكون بدلًا من المفعول، لأنها ليست الَّذِينَ ظَلَمُوا ولا بعضهم ولا مشتملًا عليهم، ولا يجوز أن تكون المتعدية إلى مفعولين، لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى. وقوله: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً لا يكون الَّذِينَ ظَلَمُوا وإذا لم يكن إياهم، لم يجز أن يكون مفعولًا ثانياً، فإذا لم يجز أن ينتصب أَنَّ ب ترى فيمن قرأ بالتاء، جعلها المتعدية إلى مفعول أو مفعولين، ثبت أنه منتصب بفعل آخر غير ترى الظاهرة، وذلك الفعل هو الذي يقدّر جواباً للو، كأنّه: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب، لرأوا أن العزّة «3» لله جميعاً. والمعنى أنهم شاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقّنوا معه أنه قوي عزيز، وأن الأمر ليس على ما كانوا عليه من جحودهم، لذلك، أو شكّهم فيه. ومذهب من قرأ بالياء أبين، لأنهم ينصبون أنّ بالفعل الظاهر دون المضمر، وهذه الجوابات في هذا النحو من الآي

_ (1) في (ط): البصر. (2) في (ط): تتعدى. (3) في (ط): القوة.

تجيء محذوفة. فإذا أعمل الجواب في شيء صار بمنزلة الأشياء المذكورة في اللفظ. فحمل المفعول عليه، فخالف ما عليه سائر هذا النحو من الآي التي حذفت الأجوبة معها ليكون أبلغ في باب التوعّد. فأمّا قوله عزّ وجلّ «1»: إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ [البقرة/ 165] وهي قراءتهم إلا ابن عامر، فحجتهم في ذلك قوله: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ [النحل/ 85] وقال تعالى «2»: وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ [البقرة/ 166] فكما بني الفعل للفاعل الرائي دون المفعول به في هذا الباب «3»، كذلك ينبغي أن يكون في قوله: يَرَوْنَ الْعَذابَ ولا يكون «4»: يرون. كما لم يكن: وأروا العذاب. وحجة ابن عامر أنه قد جاء: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ [البقرة/ 167] فإذا كانوا مفعولًا بهم في الفعل المنقول بالهمزة المتعدي إلى مفعولين، كذلك يحسن أن يبنى الفعل لهم، إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد، فتقول: يَرَوْنَ كما جاء ضميرهم مفعولًا في قوله: يُرِيهِمُ ألا ترى أنّك إذا قلت: يُرِيهِمُ فبنيت الفعل للمفعول به، قلت: يرون أعمالهم حسرات؟ وقوله: يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ منقول من رأى عمله حسرة، فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعول آخر، وصار الفاعل قبل النقل المفعول الأول.

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): ولا يكونوا.

البقرة: 168

[البقرة: 168] اختلفوا في ضمّ الطاء وإسكانها من قوله تعالى «1»: خُطُواتِ [البقرة/ 168]. فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائيّ وحفص عن عاصم خُطُواتِ مثقّلة. وروى ابن فليح بإسناده عن أصحابه عن ابن كثير: خُطُواتِ ساكنة الطاء خفيفة. وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة خُطُواتِ ساكنة الطاء «2» خفيفة «3». قال أبو علي: أما الخطوة، فإنهم قد قالوا: خطوت خطوة، كما قالوا: حسوت حسوة، والحسوة اسم ما يحتسى. وكذلك: غرفت غرفة، والغرفة اسم ما اغترف، فعلى هذا القياس يجوز أن تكون الخطوة والخطوة، فإذا كان كذلك، فالخطوة: المكان المتخطّى، كما أنّ الغرفة: العين المغترفة بالكفّ، فيكون المعنى: لا تتبعوا سبيله ولا تسلكوا طريقه، لأن الخطوة اسم مكان. وإن جعلت الخطوة كالخطوة في المعنى. كما جعلوا الدّهن كالدّهن، فالتقدير: لا تأتمّوا به. ولا تقفوا أثره، فالمعنيان يتقاربان وإن اختلف التقديران. وقول رؤبة «4»:

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة 173 - 174. (4) البيت من أرجوزة للعجاج، وقبله وهو مطلع الأرجوزة: وبلدة بعيدة النياط انظر ديوان العجاج 1/ 380 واللسان/ غول/. والنياط: الأرض المعلقة من أرض إلى أرض أخرى- والمجهولة التي ليس بها علامات يهتدى بها.

مجهولة تغتال خطو الخاطي معناه: أن هذه المفازة لطولها وبعد أقطارها كأنّ الخطى تهلك فيها فلا تؤثّر في قطعها، كما قال ذو الرّمّة في وصف عين بالسّعة: تغول سيول المكفهرّات غولها «1» أي لسعتها، وأنها لا تمتلئ مما يمتدّ إليها من الأمطار كأنّها تهلكها وتذهب بها. وحجة من حرّك العين من خطوات: أن الواحدة (خطوة) فإذا جمعت حركت العين للجمع، كما فعلت بالأسماء التي على هذا الوزن نحو: غرفة وغرفات قال تعالى: وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [سبأ/ 37]. ولم يلزم أن تبدل من الضمة كسرة، ومن الواو ياء كما يفعل ذلك في: أدل، وأجر «2»، ونحوه، لأنه بمنزلة ما يبنى على التأنيث- ألا ترى أن الضمة إنما اعترضت مع الجمع بالألف والتاء، ولم تثبت الضمة والواو آخرة، ثم لحقتها التاء للجمع، كما أن الياء والواو في: النهاية والشقاوة

_ (1) عجز بيت وصدره: فأوردها مسجورة ذات عرمض أي: أورد الحمار الأتن عيناً، ومسجورة: مملوءة- ذات عرمض: الخضرة على رأس الماء- المكفهرات: السحائب المتراكبة. أراد: أن العين تغول سيول المكفهرات من سعتها. أي: تذهب بمائها. (انظر الديوان 2/ 935). (2) جمع دلو وجرو، جمع قلة على وزن أفعل، قلبت الواو ياء لوقوعها طرفاً بعد ضمة (اللسان دلا).

لم تثبتا في الكلام، ثم يلحقهما التأنيث. وإنما بنيت الكلمة على حرف التأنيث كما يبنى «1» «مذروان» «2» على التثنية، وهذا في خُطُواتِ ونحوها أظهر. لأن الضمة إنما تلحق مع الألف والتاء كما أنها في الغرفات والرّكبات كذلك. وشيء آخر لمن ثقّل العين، وهو أنّه يجوز أن يكون لمّا حذف التاء التي للتأنيث، فبقي الاسم على فعل، حرّك العين مثل: عنق وعنق، وطنب وطنب فلمّا ثقّل العين بني الاسم على تاء التأنيث وألفه، كما بنى الاسم على التاء المفردة في: غيابة وشقاوة، وعلى التثنية في مذروان وثنايان «3»، والدليل على ذلك قول لبيد «4»: فتدلّيت عليه قافلًا ... وعلى الأرض غيايات الطّفل ألا ترى أنه لو لم يكن الاسم مبنياً عليهما لهمزت الياء لوقوعها طرفا بعد ألف «5» زائدة، فكما أن ثنايان مبني على التثنية، كذلك هذا بني على الجمع بالألف والتاء.

_ (1) في (ط): بني. (2) المذروان: أطراف الأليتين وناحيتا الرأس مثل الفودين (اللسان ذرا). (3) الثناء: عقال البعير ونحو ذلك من حبل مثني، وكل واحد من ثنييه فهو ثناء لو أفرد، وإنما لم يفرد له واحد لأنه حبل واحد تشد بأحد طرفيه اليد، وبالطرف الآخر الأخرى فهما كالواحد، وإنما لم يهمز لأنه لفظ جاء مثنى لا يفرد واحده فيقال: ثناء، فتركت الهمزة على الأصل (اللسان ثني). (4) الغياية بالياء: ظل الشمس بالغداة والعشي- الطفل: حين تهم الشمس بالغروب. ديوان لبيد/ 145. (5) في (ط): الألف.

قال أبو الحسن: التحريك: قول أهل الحجاز. وحجة من أسكن فقال: خُطُواتِ: أنهم نووا الضمة وأسكنوا الكلمة عنها- ألا ترى أنّ القول في ذلك لا يخلو من أن تكون جمع فعلة، فتركوها في الجمع على ما كانت عليه في الواحد، أو يكونوا أرادوا الضمة فخفّفوها وهم يريدونها، كما أنّ من قال: لقضو الرجل ورضي، أراد الضمة والكسرة، فحذفوها من اللفظ وهم يقدرون ثباتها، بدلالة تركهم ردّ الياء والواو، فلا يجوز الوجه الأول لأن ذلك إنما يجيء في ضرورة الشعر دون حال السّعة والاختيار، كما قال ذو الرّمّة «1». ... ورفضات الهوى في المفاصل فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه، علمت أنه على الوجه الآخر، وأنهم أسكنوها تخفيفاً، وهم يريدون الضمة، كما تراد الضمة في: لقضو الرجل ونحوه، ولهذا لم يجمع ما كان على فعال، ونحوه من المعتل على: فعل، ولا فعل لأنك لو جمعته على فعل، لكانت الضمة في تقدير الثبات، ويدلّك على أنها عندهم في تقدير الثبات: أن التحريك فصل بين الاسم والصفة، فإذا كان كذلك علمت أن التحريك الذي يختصّ بالأسماء دون الصفات منويّ، فأما قولهم: ثني «2» وثن؛ فهو مما رفضوه في سائر كلامهم.

_ (1) جزء من بيت وتمامه: أبت ذكر عوّدن أحشاء قلبه ... خفوقاً ورفضات الهوى في المفاصل رفضاته: تفرقه وتفتحه في المفاصل. انظر الديوان 2/ 1337. (2) قال سيبويه: فأما الثّني ونحوه فالتخفيف، لم يستعملوا في كلامهم الياء والواو لامات في باب فعل. (انظر الكتاب 2/ 399).

البقرة: 177

ولمن أسكن. العين من خُطُواتِ وجه آخر من الحجاج، وهو أن يكون أجرى الواو في إسكانه إياها مجرى الياء- ألا ترى أن ما كان من هذا النحو من الياء نحو، مدية، وكلية، وزبية، لم يجمع إلا بالإسكان للعين، وذلك أنك لو حركتها للزم انقلاب الياء واواً لانضمام ما قبلها، كما لزمها انقلابها في: لقضو الرجل، فلما كان التحريك يؤدي إلى القلب، قرروه على الإسكان فقالوا: مديات وكليات. فلما لزم الإسكان في الياء جعل من أسكن خُطُواتِ الواو بمنزلة الياء، كما جعلوها بمنزلتها في (اتسروا)، ألا ترى أن التاء لا تكاد تبدل من الياء، وإنما يكثر إبدالها من الواو، وإنما أبدلوها في (اتسر) «1»، لإجراء الياء مجرى الواو، وكذلك أجرى الواو مجرى الياء في أن أسكنها في خُطُواتِ ولا يلزمه على هذا أن يقول في: غرفات: غرفات، لأنه لم يجتمع مع كثرة الحركات الأمثال كما اجتمعت في خُطُواتِ. [البقرة: 177] اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ [البقرة/ 177]. فقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة: لَيْسَ الْبِرَّ بنصب الراء. وروى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يقرأ بالنصب والرفع. وقرأ الباقون الْبِرَّ رفع «2».

_ (1) في (ط): اتسرو. (2) السبعة 174 وقد تجاوز المصنف قبل هذا الحرف اختلافهم في ضم النون من قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ وأخواتها.

قال أبو علي: كلا المذهبين حسن، لأنّ كلّ واحد من الاسمين: اسم ليس وخبرها «1»، معرفة، فإذا اجتمعا في التعريف تكافئا في كون أحدهما اسماً والآخر خبراً كما تتكافأ النكرتان «2». ومن حجة من رفع الْبِرَّ: أنه أن يكون الْبِرَّ الفاعل أولى، لأن لَيْسَ تشبه الفعل وكون الفاعل بعد الفعل أولى من كون المفعول بعده، ألا ترى أنّك تقول: قام زيد؛ فيلي الاسم الفعل، وتقول: «ضرب غلامه زيد»، فيكون التقدير بالغلام التأخير، ولولا أن الفاعل أخصّ بهذا الموضع لم يجز هذا، كما لم يجز في الفاعل: «ضرب غلامه زيداً» حيث لم يجز في الفاعل تقدير التأخير كما جاز في المفعول به، لوقوع الفاعل في الموضع الذي هو أخصّ به. ومن حجة من نصب الْبِرَّ: أنه قد حكي لي عن بعض شيوخنا، أنه قال في هذا النحو: أن يكون الاسم: «أن

_ (1) في (ط): وخبرهما. (2) في هامش (ط): «وذهب ابن درستويه إلى منع جواز توسط خبر ليس، حكى لي ذلك عنه شيخنا الحافظ أبو حيان الأندلسي، قال: وهو محجوج بما جاء في القرآن من قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ بالنصب، وبقول الشاعر: سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... وليس سواء عالم وجهول» انتهى. نقول: والبيت المذكور في هامش (ط) هو للسموأل بن عاديا الغساني اليهودي وقيل قاله اللجلاج الحارثي. والأول أشهر. والشاهد فيه: عالم: اسم ليس وسواء مقدماً خبره، وهو جائز خلافاً لابن درستويه والبيت حجة عليه. انظر حاشية الصبان على الأشموني 1/ 232 والعيني 2/ 76. والحماسة للمرزوقي 1/ 117 وشرح أبيات المغني للبغدادي 4/ 202.

البقرة: 182

وصلتها» أولى وأحسن، لشبهها بالمضمر، في أنها لا توصف كما لا يوصف المضمر، فكأنّه اجتمع مضمر ومظهر، والأولى إذا اجتمع مضمر ومظهر أن يكون المضمر الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر، فكذلك «1» إذا اجتمع أن مع مظهر غيره، كان أن يكون أن والمظهر الخبر أولى. [البقرة: 182] اختلفوا في فتح الواو وتشديد الصاد وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً [البقرة/ 182]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر مُوصٍ ساكنة الواو، وحفص عن عاصم مثله. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي مُوصٍ مفتوحة الواو مشددة الصاد «2». قال أبو علي: حجة من قال «3»: مُوصٍ: قوله تعالى «4»: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً [يس/ 50] وحجة من قال «5»: مُوصٍ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء/ 11] ومِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ [النساء/ 12]. وفي المثل: إنّ الموصّين بنو سهوان «6»

_ (1) في (ط): وكذلك. (2) السبعة 175 - 176. (3) في (ط): قرأ. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): قرأ. (6) المثل ذكره الميداني 1/ 9 وذكر الاضطراب في فهمه ثم أورد صواب تفسيره بعد إيراد الرجز الوارد فيه فقال: يضرب لمن يسهو عن طلب شيء أمر به. والسّهوان: السهو، ويجوز أن يكون صفة، أي: بنو رجل سهوان، وهو آدم عليه السلام حين عهد إليه فسها ونسي، يقال: رجل

البقرة: 184

وقال النّمر بن تولب: أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي «1» وقال آخر «2»: أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح ... طبّ بصرف الدّهر غير مغفّل فأمّا قوله تعالى: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ [البقرة/ 132] فلا أرى من شدّد ذهب فيه إلى التكثير وإنما وصّى مثل: أوصى، ألا ترى أنه قد جاء: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ [النساء/ 12] ولم يشدّد، فإن كان للكثرة فليس هو من باب وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ [يوسف/ 23]. [البقرة: 184] واختلفوا في الإضافة والتنوين، والجمع والتوحيد، من قوله تعالى: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ «3» [البقرة/ 184]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ:

_ سهوان وساه، أي: إن الذين يوصّون لا بدع أن يسهوا، لأنهم بنو آدم عليه السلام. 1 هـ. ونسب صاحب اللسان (سها) الرجز الذي منه المثل إلى زرّ بن أوفى الفقيمي. (1) البيت مختلف في نسبته للنمر أو لنصيب، ومختلف في روايته أيضاً وخاصة في عجزه، انظر الشعر والشعراء 1/ 310 و 412 والأغاني 22/ 294، والموشح 299 وشرح أبيات المغني للبغدادي 5/ 9. (2) هو عبد قيس بن خفاف والبيت من مفضلية برقم 116، وانظر شرح أبيات المغني 2/ 223. (3) في (ط): اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله تعالى: فِدْيَةٌ طَعامُ. وفي الجمع والتوحيد من قوله: مِسْكِينٍ.

فِدْيَةٌ منون طَعامُ مِسْكِينٍ موحّد. وقرأ نافع وابن عامر فدية طعام مساكين [فِدْيَةٌ] مضاف ومساكين جمع «1». قال أبو علي: طَعامُ مِسْكِينٍ على قول ابن كثير، ومن قرأ كما قرأ: عطف، بيّن الفدية. فإن قلت: كيف أفردوا المسكين والمعنى على الكثرة؟ ألا ترى أن الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ جمع، وكلّ واحد منهم يلزمه طعام مسكين، فإذا كان كذلك وجب أن يكون مجموعاً كما جمعه الآخرون. فالقول: إن الإفراد جاز وحسن لأن المعنى: على «2» كل واحد طعام مسكين، فلهذا أفرد، ومثل هذا في المعنى قوله تعالى «3»: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً [النور/ 4] وليس جميع القاذفين يفرّق فيهم جلد ثمانين، إنّما على كلّ واحد منهم جلد ثمانين، وكذلك على كلّ واحد منهم طعام مسكين. فأفرد هذا كما جمع قوله: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً. وقال أبو زيد: أتينا الأمير، فكسانا كلّنا حلّة، وأعطانا كلّنا مائة. قال أبو زيد: معناه: كسا كلّ واحد منا حلّة، وأعطى كلّ واحد منا مائةً. وأما من أضاف الفدية إلى الطعام، فكإضافة البعض إلى ما هو بعض له، وذلك أنه سمّى الطعام الذي يفدى به فدية،

_ (1) السبعة 176 وما بين معقوفين منه. (2) في (ط): وعلى. (3) سقطت من (ط).

البقرة: 185

ثم أضاف الفدية إلى الطعام الذي يعمّ الفدية وغيرها، وهو على هذا من باب: خاتم حديد. [البقرة: 185] اختلفوا في تشديد الميم وتخفيفها «1» من قوله جلّ وعزّ «2»: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة/ 185]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ مشدّدة «3». وروى حفص عن عاصم وَلِتُكْمِلُوا خفيفة. وروى علي بن نصر وهارون الأعور وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ مشدّدة. وقال أبو زيد عن أبي عمرو كلاهما: مشددة ومخففة. وقال اليزيدي وعبد الوارث عنه: إنه كان يثقّلها، ثم رجع إلى التخفيف. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ بإسكان الكاف خفيفة. قال أبو علي: حجة من قرأ: وَلِتُكْمِلُوا: قوله «4»: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة/ 3] وقد قال أوس «5»: عن امرئ سوقة ممّن سمعت به ... أندى وأكمل منه أيّ إكمال ومن قال: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ فلأن فعّل وأفعل كثيراً ما

_ (1) في (ط): في تخفيف الميم وتشديدها. (2) سقطت (جل وعز) من (ط). (3) في (ط): مشددة الميم. (4) في (م): قوله تعالى. (5) ديوانه/ 102. وكل من كان دون الملك عند العرب فهو من السوقة.

يستعمل أحدهما موضع الآخر، فمن ذلك ما تقدم ذكره من: وَصَّى وأوصى. وقال النابغة «1»: فكمّلت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد قال أحمد: اتفقوا على تسكين لام الأمر إذا كان قبلها واو أو فاء في جميع القرآن. واختلفوا إذا كان قبلها ثمّ. فقرأ أبو عمرو: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج/ 29] ثُمَّ لْيَقْطَعْ [الحج/ 15] بكسر اللام مع ثم وحدها. وَلْيُوفُوا [الحج/ 29] ساكنة اللام، فَلْيَنْظُرْ [الحج/ 15] بالإسكان. واختلف عن نافع فروى أبو بكر بن أبي أويس وورش عنه: ثُمَّ لْيَقْضُوا ثُمَّ لْيَقْطَعْ بكسر اللامين مثل أبي عمرو. وروى المسيبي وإسماعيل بن جعفر وقالون وابن جماز وإسماعيل بن أبي أويس مثل حمزة بإسكان اللامين. وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي بإسكان اللامين في الحرفين جميعاً وقال القوّاس «2» عن أصحابه عن ابن كثير: ثُمَّ لْيَقْضُوا كسراً، وقال البزي: اللام مدرجة.

_ (1) ديوانه/ 16. (2) أحمد بن محمد بن علقمة بن نافع بن عمر بن صبح بن عون أبو الحسن النبال المكي المعروف بالقواس، إمام مكة في القراءة. قرأ على وهب بن واضح، قرأ عليه قنبل وعبد الله بن جبير الهاشمي وأحمد بن يزيد الحلواني والبزي. (انظر طبقات القراء 1/ 123).

وقرأ ابن عامر بتسكين لام الأمر فيما كان قبله واو أو فاء أو ثم في كل القرآن، إلا في خمسة مواضع كلها في الحج: ثُمَّ لْيَقْضُوا [الآية/ 29] ثم لْيَقْطَعْ [الآية/ 15] فَلْيَنْظُرْ [الآية/ 15] وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الآية/ 29] وَلْيَطَّوَّفُوا [الآية/ 29] بكسر اللام وسائر ذلك بالإسكان «1». قال أبو علي: حجة من أسكن لام الأمر، إذا كان قبلها واو أو فاء: أنّ الواو والفاء، لمّا كان كلّ واحد منهما حرفاً مفرداً، ولم يجز أن تفصل «2» من الكلمة التي دخلت عليها، فتفصل «2» منها بالوقف عليها «4» أشبهت «5» الكلمة التي أحدهما فيه المتصل نحو: كتف وشكس. فكما أن هذا النحو من الأسماء والأفعال يخفّف في كلامهم بالتسكين، كذلك أسكنت اللام بعد هذين الحرفين. وما يدل على «6» أن الحرف إذا لم ينفصل ممّا دخل عليه تنزّل منزلة جزء من الكلمة قولهم: هؤلاء الضاربوه والضاربوك، فحذفوا النون التي تلحق للجميع «7»، لما كانت النون حرفاً لا ينفصل من الكلمة، وعلامة الضمير كذلك، فلم يجتمعا. وكذلك حرف اللين الذي للنّدبة، عاقب التنوين من حيث كان حرفاً لا ينفصل، كما كانت «8» النون كذلك. وكما تنزّلت هذه الحروف منزلة ما هو من الكلمة من حيث لم تنفصل منها؛

_ (1) السبعة 177. (2) في (ط): يفصل بالياء. (4) في (ط) عليه. (5) في (م) أشبه. (6) زادت (م): «ذلك» بعد على، ولا ضرورة لها. (7) في (ط): للجمع. (8) في (م) كان.

تنزلت الواو والهاء، منزلتهما، فحسن تخفيف الحرف بعدها، كما خفّف نحو: كتف وسبع. وليس كذلك ثمّ، لأنها على أكثر من حرف فتفصل من الكلمة ويوقف عليها؛ فلم تجعلها بمنزلة الواو والفاء «1» لمفارقتهما لهما فيما ذكرنا. وأما وجه قول من أسكن اللام بعدها كما أسكن بعد الفاء والواو، فهو أنّه جعل الميم من ثُمَّ بمنزلة الواو والفاء من قوله: فليقضوا [الحج/ 29] فجعل فليقضوا من ثُمَّ لْيَقْضُوا بمنزلة (وليقضوا) وهذا مستقيم، وإن كان دون الأول في الحسن. ومما يدلّك على جوازه قول الراجز «2»: فبات منتصبا وما تكردسا وقالوا: أراك منتفخاً «3» فجعل تفخاً من (منتفخا) بمنزلة كتف فأسكنه كما أسكن الكتف، ومثل دخول الواو والفاء على هذه اللام دخولهما على هو وهي: في نحو: وَهُوَ اللَّهُ [القصص/ 70] ولَهِيَ الْحَيَوانُ [العنكبوت/ 64] «4» إلا أن الفصل بين اللام في نحو: فليقضوا، وبين: وَهُوَ أن اللام من لْيَقْضُوا ليس من الكلمة، ولكنّها جرت مجرى ما هو من الكلمة لمّا لم تنفصل منها، كما لم تنفصل الواو والفاء والهاء «5»، من- هو، وهي- من نفس الكلمة، إلا أنّ اللام لما لم تنفصل من الكلمة تنزّلت

_ (1) في (ط): الفاء والواو. (2) انظر ص 79 من هذا الجزء. (3) انظر ما سبق 1/ 408 و 2/ 79. (4) في (ط): زيادة ولَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الحج/ 58]. (5) سقطت من (م).

منزلة الهاء التي من الكلمة. ومن هذا الباب قول الشاعر «1»: عجبت لمولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان ومن ذلك ما أنشده أبو زيد «2»: قالت سليمى اشتر لنا سويقا فما بعد التاء من قوله: «اشتر لنا سويقا» بمنزلة كتف؛ فهذا حجة لمن قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا فأسكن. قال أحمد: اتفقوا في فتح الحاء من قوله عزّ وجل: الْحَجِّ في سورة البقرة واختلفوا في آل عمران، وأنا أذكره إذا مررت به «3». قال أبو علي: يريد في قوله تعالى «4»: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ [الآية/ 197]. والحجّ مصدر لقولهم: حجّ البيت أي: قصده، ومثل الحجّ قولهم: شدّ شداً، وردّ ردّاً، وعدّ عدّاً. قال «5» سيبويه: قالوا: حجّ حجّا- كقولهم: ذكر ذكراً. قال: وقالوا: حجّة- يريدون: عمل سنة، كما قالوا: غزاة: يريدون عمل وجه واحد «6». فلو قرئ: الْحَجِّ على ما حكاه سيبويه لم يمتنع في القياس.

_ (1) سبق انظر ج 1/ 66 و 409. (2) سبق انظر 1/ 410. (3) السبعة 178. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): وقال. (6) انظر سيبويه 2/ 230.

وقولهم:- حجّ- وهم يريدون جمع الحاجّ، يمكن أن يكونوا سمّوا بالمصدر الذي هو كالذّكر تقديره: ذوو حجّ وأنشد أبو زيد: أصوات حجّ من عمان غادي «1» وقال: وكأنّ عافية النّسور عليهم ... حجّ بأسفل ذي المجاز نزول «2» ومعنى قوله تعالى «3»: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ تقديره: أشهر الحج أشهر معلومات، فحذف المضاف أو يكون: الحجّ حجّ أشهر معلومات، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر، وعلى هذا: يا سارق الليلة أهل الدار «4» أو يكون جعل الأشهر الحجّ، لمّا كان الحجّ فيها، كقولهم: ليل نائم؛ فجعل الليل النائم لمّا كان النوم فيه.

_ (1) هذا شطر بيت من الرجز وقبله: كأنما أصواتها بالوادي اللسان/ حج/ وروايته «عادي» بالعين، وانظر النوادر في اللغة لأبي زيد/ 164. (2) البيت لجرير من قصيدة يمدح فيها عبد الملك ويهجو الأخطل، العافية: الغاشية التي تغشى لحومهم، وذو المجاز بالطائف وكان موسماً من مواسم العرب وسوقاً عظيمة كعكاظ ومجنة. ديوان جرير بشرح ابن حبيب 1/ 104. وانظر اللسان (حج) وفيه: حج بضم الحاء، مثل بزل، جمع حاج. (3) سقطت من (ط). (4) رجز سبق ذكره انظر الجزء الأول ص 20.

وأشهر الحج: شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة، فسمّى الشهرين وبعض الثالث أشهراً، لأن الاثنين قد يوقع عليه لفظ الجمع، كما يوقع عليه لفظ الجمع في نحو قولهم: ظهراهما مثل ظهور التّرسين «1» ولا يجوز على هذا القياس أن يوقع على الاثنين. وبعض الثالث قُرُوءٍ في قوله: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة/ 228] لأنّ هذا محصور بالعدد، فلا يكون الاثنان وبعض الثالث ثلاثة. واختلفوا في: البيوت والعيون والشّيوخ والغيوب والجيوب «2»: في ضمّ الحرف الأول من هذه كلّها وكسره. فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائيّ الْغُيُوبِ بضم الغين وكسر الباء من الْبُيُوتَ والعين من الْعُيُونِ.

_ (1) البيت من قصيدة لخطام المجاشعي كما في شرح أبيات المغني للبغدادي 4/ 140. وقال في شرح شواهد الشافية 60 ونسبه الصقلي والجوهري إلى هميان بن أبي قحافة. وانظر الخزانة 3/ 374. وفي الكتاب لسيبويه 1/ 241 عزاه لخطام المجاشعي وعزاه في 2/ 202 لهميان بن قحافة. وانظر البيان والتبيين 1/ 156، شرح المفصل لابن يعيش 4/ 155، 156 العيني 4/ 89. (2) البيوت في آيات كثيرة، والعيون في قوله سبحانه من سورة القمر آية 12: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً والشيوخ في سورة غافر آية 67: ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً والغيوب في آيتين من سورة المائدة 109 و 116 والتوبة 78 وسبأ 48 والجيوب في سورة النور 31: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ.

وقرأ أبو عمرو بضم ذلك كلّه: الباء والعين والغين والجيم والشين. واختلف عن نافع فروى المسيّبيّ وقالون: الْبُيُوتَ بكسر الباء، وهذه وحدها، وضمّ الغين والعين والجيم والشين. وقال ورش عن نافع: أنه ضمّ ذلك كلّه، والباء من الْبُيُوتَ، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر وابن جمّاز عنه: أنه ضمّها كلّها. قال أبو بكر بن أبي أويس «1»: الْبُيُوتَ، والْغُيُوبِ، والْعُيُونِ، والجيوب، وجُيُوبِهِنَّ، والشيوخ بكسر أول، ذلك كلّه. قال الواقديّ عن نافع: الْبُيُوتَ بضم الباء. واختلف عن عاصم أيضاً، فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه: أنه كسر الباء من الْبُيُوتَ، والعين من الْعُيُونِ، والغين من الْغُيُوبِ، والشين من شُيُوخاً، وضمّ الجيم من (الجيوب) وحدها. قال: يبدأ بالكسر ثم يشمّها الضمّ. وروى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه كان يكسر الشين من شُيُوخاً وحدها، ويضمّ الباقي وهذا غلط. وقال عمرو بن

_ (1) هو عبد الحميد بن أبي أويس، ابن أخت الإمام مالك بن أنس يعرف بالأعشى ثقة. أخذ القراءة عرضاً وسماعاً عن نافع بن أبي نعيم، مات سنة 230 هـ انظر طبقات القراء 1/ 360.

الصبّاح عن أبي عمر عن عاصم شُيُوخاً بضم الشين، وضم سائر الحروف. وكان حمزة يكسر الأول من هذه الحروف كلّها. وقال خلف وأبو هشام عن سليم عن حمزة: أنه كان يشمّ الجيم الضمّ، ثم يشير إلى الكسر، ويرفع الياء من قوله جُيُوبِهِنَّ وهذا شيء لا يضبط. وقال غير سليم بكسر الجيم «1». قال أبو علي: أما من ضمّ الفاء من شيوخ، وعيون «2»، وجيوب «3» فبيّن لا نظر فيه بمنزلة فعول إذا كان جمعاً، ولم تكن عينه ياء، وأما من قال: (شيوخ وجيوب) فكسر الفاء، فإنما فعل ذلك من أجل الياء، أبدل من الضمّة الكسرة لأن الكسرة للياء أشدّ موافقة من الضمة لها. فإن قلت: هلّا استقبح ذلك، لأنه أتى بضمّة بعد كسرة، وذلك مما قدمت أنهم قد رفضوه في كلامهم، فهلّا رفض أيضاً القارئ للجيوب ذلك؟ قيل «4»: إن الحركة إذا كانت للتقريب من الحرف لم تكره، ولم تكن بمنزلة ما لا تقريب فيه- ألا ترى أنه لم يجيء في الكلام عند سيبويه على فعل إلا إبل. وقد أكثروا من هذا البناء، واستعملوه على اطّراد، إذا كان القصد فيه تقريب الحركة من الحرف، وذلك قولهم: ماضغ لهم، ورجل محك

_ (1) السبعة 178 - 179. (2) في (ط): غيوب. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): قيل له.

وجئز «1». وقالوا في الفعل: شهد ولعب. واستعملوا في إرادة التقريب ما ليس في كلامهم على بنائه البتّة «2»، وذلك نحو: شعير ورغيف وشهيد، وليس في الكلام شيء على فعيل على غير هذا الوجه، فكذلك نحو: شيوخ وجيوب. يستجاز فيه ما ذكرنا للتقريب والتوفيق بين الجمعين «3». ومما يدل على جواز ذلك أنك تقول في تحقير فلس: فليس، ولا يكسر أحد الفاء في هذا النحو، فإذا كانت العين ياء، كسروا الفاء «4» [فقالوا: عيينة وبييت، فكسروا الفاء هاهنا] لتقريبه من الياء، ككسر الفاء من فعول وذلك مما قد حكاه سيبويه، فكما كسرت الفاء من عيينة ونحوه، وإن لم يكن في أبنية التحقير، على هذا الوزن لتقريب الحركة ممّا بعدها، كذلك كسروا الفاء من (جيوب) ونحوها. ومما يقوي هذا الكسر في الفاء إذا كان العين ياء للإتباع، أنّه قد جاء في الجموع ما لزمته الكسرة في الفاء، ولم نعلم أحداً ممّن يسكن إلى روايته «5» حكى فيه غير ذلك، وذلك قولهم في جمع قوس: قسيّ؛ فلولا أن الكسر «6» في هذا الباب قد تمكّن ما كان الحرف «7» ليجيء على الكسر خاصة، ولا يستعمل فيه غيره، فإذا نسبت إلى قسي- اسم رجل- قلت: قسويّ، فرددت الضمّة التي هي الأصل، وقياس من

_ (1) قال سيبويه 2/ 255: يقال: جئز الرجل: غصّ. وذكر سيبويه أن كسر فاء فعل، وفعيل لغة تميم. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): الحرفين. (4) في (ط): الفاء هاهنا. وسقط ما بين المعقوفين بعدها. (5) في (ط): ثقته. (6) في (ط): الكسرة. (7) في (ط): الحرف منه.

البقرة: 191

قال: صعقيّ أن يقول: قسويّ «1»، فيقرّ الكسرة، وإن كانت الكسرة في العين التي لها كسرت الفاء قد زالت كما زالت من صعقيّ. ويدلك على ذلك أيضاً ما أنشده أبو زيد «2»: يأكل أزمان الهزال والسني وقول أبي النجم: جاءت تناجيني ابنة العجليّ في ساعة مكروهة النّجيّ يكفيك ما موّت في السّنيّ فالأول فعول أيضاً، وإنما حذفت للقافية، ويدلك على أنه فعول التشديد الذي في بيت أبي النجم، ولم نعلم الضمّ سمع في ذلك أيضاً. [البقرة: 191] واختلفوا في إثبات الألف وطرحها من قوله عزّ وجلّ: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ [البقرة/ 191]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، فَإِنْ قاتَلُوكُمْ كلّها بالألف.

_ (1) ضبطت العين والسين في (م) بالكسر. في قوله: صعقي وقسوي. وانظر سيبويه 2/ 73. (2) النوادر 322 (ط جامعة الفاتح) من أبيات من مشطور الرجز منسوبة لامرأة من عقيل وهي في الخزانة 3/ 304 وقبل البيت: وحاتم الطائي وهاب المئي قال البغدادي: خففت ياءات النسب للقافية.

وقرأ حمزة والكسائيّ: ولا تقتلوهم بغير ألف، فيهنّ كلّهنّ، ولم يختلفوا في قوله: فَاقْتُلُوهُمْ أنها بغير ألف «1». قال أبو علي: حجة من قرأ: وَلا تُقاتِلُوهُمْ في هذه المواضع اتفاقهم في قوله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة/ 193] والفتنة يراد بها الكفر، أي: قاتلوهم حتى لا يكون كفر لمكان قتالكم إياهم. وحجة من قرأ: ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فيه أنهم لم يختلفوا في قوله «2»: فَاقْتُلُوهُمْ فكل واحد من الفريقين يستدل على ما اختار بالموضع المتفق عليه. ويقوي قول من قال: فَاقْتُلُوهُمْ «3»، قوله تعالى «4»: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة/ 191] والقتل: مصدر قتلته، دون قاتلته أي: الكفر أشدّ من القتل، فاقتلوهم، فأمر بالقتل ليزاح به الكفر. ويمكن أن يرجّح [قراءة من قرأ: وَلا تُقاتِلُوهُمْ من أنه على قراءة من قرأ: فَاقْتُلُوهُمْ «5» بأنّ قوله فَاقْتُلُوهُمْ وقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ نص على الأمر بالقتال. وقوله: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ في فحواه دلالة على الفعل، فيقول: الأخذ بما علم بالنص أولى ممّا علم من

_ (1) السبعة في القراءات ص 179 - 180. (2) في (ط): قوله عز وجل. (3) في (ط): ولا تقتلوهم. (4) سقطت من (ط). (5) ما بين المعقوفتين وردت في (ط) كما يلي: [من قرأ وَلا تُقاتِلُوهُمْ قراءته على قراءة من قرأ فاقتلوهم].

البقرة: 197

الفحوى، إذا كانا في أمر واحد. وقوله حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ [البقرة/ 191]. أي: حتى يقتلوا بعضكم؛ فإن قتلوكم فاقتلوهم، أي: إن قتلوا بعضكم في الحرم فاقتلوا في الحرم القاتل في الحرم. ومثل ذلك قوله تعالى: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [آل عمران/ 176] أي: ما وهن الباقون منهم لما أصابهم في سبيل الله. [البقرة: 197] واختلفوا «1» في ضم الثّاء والقاف والتنوين ونصبهما بغير تنوين في قوله تعالى «2»: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [البقرة/ 197]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ بالضم فيهما والتنوين. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ فيهما بغير تنوين، ولم يختلفوا في نصب اللام من جِدالَ «3». قال أبو علي: روي عن طاوس «4» قال: سألت ابن عباس عن قوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ قال: الرفث المذكور ليس الرفث المذكور في قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة/ 187]، ومن الرفث التعريض بذكر

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) سقطت من (ط). (3) في قوله سبحانه، وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ في الآية نفسها. السبعة في القراءات 180. (4) في الطبري 2/ 263: ابن طاوس.

الجماع، وهي الإعرابة في كلام العرب «1». وروي عنه وعن ابن مسعود وابن عمر والحسن وغيرهم: الرّفث: الجماع. وأما الفسوق فعن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم وعطاء: الفسوق: المعاصي، قال: في المعاصي كلّها. وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ [البقرة/ 282]. ابن زيد «2»: هو الذبح، وقرأ: أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام/ 145]. قال الضحاك: الفسوق: التنابز بالألقاب. قال أبو علي: كأنه ذهب إلى قوله: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ [الحجرات/ 11]. وقال أبو عبيدة فيما روى عنه التّوّزيّ: فَلا رَفَثَ أي: لا لغا من الكلام، واللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، قال العجّاج: عن اللّغا ورفث التكلّم «3» تقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت، تلقي، وقال:

_ (1) في الطبري: وهي العرابة من كلام العرب وهو أدنى الرفث والتعريب والإعراب والإعرابة والعرابة بالفتح والكسر، والعرابة والإعراب: النكاح، وقيل: التعريض به. انظر اللسان/ عرب/. (2) في (ط): أبو زيد، وأثبتنا ما ورد في تفسير الطبري 2/ 270 وقال فيه: الفسوق: الذبح للأصنام. (3) ديوانه 1/ 456 وقبله: ورب أسراب حجيج كظم أسراب: قطع، كظم: لا تتكلم بالكلام القبيح.

وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة/ 197] أي: لا شكّ فيه أنه لازم في ذي الحجّة، وقالوا: من المجادلة. وقال أبو عبيدة: الرّفث إلى نسائكم: الإفضاء إلى نسائكم. قال أبو علي: قد وافق قول أبي عبيدة ما روي عن ابن عباس، لأن ابن عباس جعل الرّفث المذكور، فيما روى عطاء عنه في قوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [البقرة/ 197] أنه غير الرّفث المذكور في قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ فقال في قوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ من الرّفث: التعريض بذكر الجماع. وينبغي أن يكون مراده بذكر الجماع مع النساء، ويؤكد ذلك قوله: التعريض بذكر النساء، والتعريض يقتضي معرّضاً له. وإنما تأوّلناه على مراجعة النساء الحديث بذكر الجماع، دون اللفظ به من غير مراجعتهنّ، لأنه قد روي عن ابن عباس أنه كان يطوف بالبيت وينشد: وهنّ يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا «1» فقيل له: أترفث؟ فقال: ليس هذا برفث، إنما الرفث مراجعة النساء الحديث بذكر الجماع. قال يعقوب فيما أخبرنا

_ (1) تفسير ابن كثير 1/ 343 تفسير القرطبي 2/ 407 و 11/ 247 وأوله في اللسان (همس). هميساً: صوت نقل أخفاف الإبل، والهمس: الكلام الخفي لا يكاد يفهم.

به محمد بن السري قال يزيد بن هارون: لميساً يعني: فرجاً، وليس بامرأة بعينها. وقد وافق قول أبي عبيدة قول ابن عباس، لأنه فسّر الرفث في قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ: ما لا ينبغي أن يتكلم به، وفسر الرفث في قوله جل وعز «1»: الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة/ 187]: الإفضاء إلى نسائكم. قال أبو الحسن: وألحق إلى في قوله عز وجل: الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ لما كان الرفث بمعنى الإفضاء. وأما قوله: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة/ 197] فيحتمل ضربين قد أشار إليهما أبو عبيدة، أحدهما: أنه لا شك في أن فرض الحج قد تقرر في ذي الحجة، وبطل ما كان يفعله النّسأة من تأخير الشهور، وفيهم نزل: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة/ 37] والآخر: لا جدال: لا تجادل صاحبك ولا تماره. فأما قوله جلّ اسمه «2»: فِي الْحَجِّ فلا يخلو (لا) من أن تقدّره «3» بمعنى ليس، كما قال: لا مستصرخ و: لا براح «4» أو تقدرها غير معملة عمل ليس، وإنما يرتفع الاسم بعدها بالابتداء، فمن قدر ارتفاع الاسم بعدها بالابتداء جاز في قول سيبويه: أن يكون في الحج خبراً عن الأسماء الثلاثة، لاتفاق الأسماء في ارتفاعها بالابتداء.

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): تكون بدلًا من: تقدره. (4) سبق الكلام عليه انظر ج 1 ص 194.

وأما قوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ فبيّن. وأما قوله: وَلا جِدالَ [البقرة/ 197] فإن لا مع جدال في موضع رفع، فقد اتفقت الأسماء في ارتفاعها بالابتداء، فلا يمنع «1» من أن يكون قوله: فِي الْحَجِّ خبرا عنها، ولا يجوز ذلك في قول أبي الحسن، لأنه يرى ارتفاع الخبر بعد لا، بلا النافية دون خبر الابتداء. ولو قدر مقدر في قوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ، الاسم مرتفعاً بلا، كما يرتفع بليس؛ لم يجز في واحد من القولين أن يكون فِي الْحَجِّ في موضع الخبر، لأن الخبر ينتصب بلا كما ينتصب بليس، وخبر لا جِدالَ في موضع رفع بأنه خبر الابتداء، وفي قول أبي الحسن في موضع نصب بلا، فلا يجوز أن يكون خبراً عن الأسماء الثلاثة لوجود عمل عاملين مختلفين في مفعول واحد. ولو رفع رافع: ولا جدال، ونوّن؛ لجاز أن يكون قوله: فِي الْحَجِّ خبراً عن الأسماء الثلاثة. فإن رفع: فلا رفث ولا فسوق، بلا التي في معنى ليس، أضمر لها خبراً، ولم يجز أن يكون قوله: فِي الْحَجِّ خبراً عنها، ولكنه يجوز أن يكون خبراً عن: لا جِدالَ ويجوز أن يكون صفة للجدال، فإذا جعلته صفة أضمرت لقولك: لا جِدالَ فِي الْحَجِّ خبراً، ولا يجوز أن يكون فِي الْحَجِّ متعلقاً بالجدال على قول الخليل، وسيبويه. ويجوز في قول البغداديين أن يكون متعلقاً بالجدال، وإن كانت لا النافية قد علمت فيه. ولو رفع الجدال ونوّن لجاز أن يكون فِي الْحَجِّ متعلقاً بالجدال، لأن الجدال يبدل بهذا الحرف

_ (1) في (ط) فلا يمتنع.

الجار، قال تعالى: أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها [الأعراف/ 71]. وحجة من فتح فقال: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ أن يقول: إنه أشد مطابقة للمعنى المقصود، ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق، كما أنه إذا قال: لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة/ 2] فقد نفى جميع هذا الجنس، فإذا رفع ونوّن فكأن النفي لواحد منه، ألا ترى أن سيبويه يرى: أنه إذا قال: لا غلام عندك ولا جارية، فهو جواب من سأل فقال: أغلام عندك أم جارية؟ والفتح أولى، لأن النفي قد عم، والمعنى عليه، ألا ترى أنه لم يرخّص في ضرب من الرفث والفسوق كما لم يرخّص في ضرب من الجدال، وقد اتفق الجميع على فتح اللام من الجدال، ليتناول النفي جميع جنسه، فيجب أن يكون ما قبله من الاسمين على لفظه إذ كان في حكمه. وحجة من رفع: أنه يعلم من الفحوى أنه ليس المنفيّ رفثا واحداً، ولكنه جميع ضروبه، وقد يكون اللفظ واحداً، والمعنى المراد به جميع، قال: فقتلًا بتقتيل وضرباً بضربكم ... جزاء العطاس لا ينام من اتّأر «1»

_ (1) هذا البيت للمهلهل وقد ورد في معجم تهذيب اللغة (11/ 145) (جزى) برواية: فقتلى بقتلانا وجزّ بجزّنا ... جزاء العطاس لا يموت من اثأر أي: لا يموت ذكره. وقوله: جزاء العطاس: أي عجلنا إدراك الثأر كقدر ما بين التشميت والعطاس.

البقرة: 208

ومن حجته: أن هذا الكلام نفي، والنفي قد يقع فيه الواحد موقع الجميع، وإن لم يبن فيه الاسم مع لا النافية نحو: ما رجل في الدار. [البقرة: 208] واختلفوا «1» في فتح السين وكسرها من قوله جل وعز «2»: السِّلْمِ. فقرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة/ 208] وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ [الأنفال/ 61] وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ [محمد/ 35] بفتح السين منهن «3». وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، بكسر السين فيهن «4». وقرأ حمزة: بكسر السين في سورة البقرة وحدها، وفي سورة محمد عليه السلام وفتح السين في سورة «5» الأنفال. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: بكسر السين في سورة البقرة، وفتحا السين في سورة الأنفال، وفي سورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم «6». وروى حفص عن عاصم في الثلاثة مثل أبي عمرو «7». قال أبو علي: قول ابن كثير ونافع والكسائي:

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): فيهن. وكذلك وردت في السبعة. (4) في (ط): فيهن كلهن. وفي السبعة: ثلاثتهن. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): عليه السلام. (7) في السبعة زاد: من كسر التي في البقرة، وفتح التي في الأنفال وسورة القتال. (السبعة في القراءات ص 181).

ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ [البقرة/ 208] يحتمل أمرين: يجوز أن يكون لغة في السّلم الذي يعنى به الإسلام. قال أبو عبيدة وأبو الحسن: السّلم: الإسلام، وإنما يكون السلم مصدراً في معنى الإسلام إذا كسرت الحرف الأول منه، فهو كالعطاء من أعطيت، والنبات من أنبت. ويجوز أن يريدوا بفتحهم الأول من قوله: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ: الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن الإسلام صلح، ألا ترى أن القتال والحرب بين أهله موضوع، وأنهم أهل اعتقاد واحد، ويد واحدة في نصرة بعضهم لبعض، فإذا كان ذلك موضوعاً بينهم، وفي دينهم، وغلّظ على المسلمين في المسايفة بينهم؛ كان صلحاً في المعنى، فكأنه قيل: ادخلوا في الصلح، والمراد به الإسلام، فسماه صلحاً لما ذكرناه «1»، فهذا المسلك فيه أوجه من أن يكون الفتح في السّلم لغة في السّلم الذي يراد به الإسلام، لأن أبا عبيدة وأبا الحسن لم يحكيا هذه اللغة، ولم أعلمها أيضاً عن غيرهما، فإن ثبتت به رواية عن ثقة فذاك. وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر بكسر السين فيهن كلّهنّ، فالقول في ذلك أن المراد بكسر السين في قوله: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ: الإسلام. كما فسره أبو عبيدة وأبو الحسن، والمعنى عليه، ألا ترى أن المراد إنما هو تحضيضهم على الإسلام، والدعاء إليه، والدخول فيه، وليس المراد: ادخلوا في الصلح، وليس ثمّ صلح يدعون إلى الدخول فيه، إلّا أن يتأوّل «2» أنّ الإسلام صلح على نحو ما تقدم ذكره، وأما كسره

_ (1) في (ط): ذكرنا. (2) في (ط): يتأولوا.

السين في قوله تعالى «1»: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ [الأنفال/ 61] فلأن السّلم: الصلح. وفيه ثلاث لغات فيما رواه التّوزيّ عن أبي عبيدة في قوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فقال: السّلم والسّلم والسّلم واحد، وأنشد: أنائل إنني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي «2» والسّلم الذي هو الصلح يذكّر ويؤنّث. وقوله: فَاجْنَحْ لَها وقد حكي عن أبي زيد أنه سمع من العرب من يقول «3»: فاجنح له، فذكّره. قال أبو الحسن: وهو مما لا يجيء منه فعل، فقال: ولكنك تقول: سالم مسالمة. وعلى ما ذكره أبو الحسن جاء قول الشاعر «4»: تبين صلاة الحرب منّا ومنهم ... إذا ما التقينا والمسالم بادن لأنه عادل المسالم بصالي الحرب، وأخذ عاصم بلغة من يكسر الأولى «5» من السّلم في الصلح. وأما كسر عاصم السين في قوله: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ [محمد/ 35] فإن

_ (1) سقطت من (ط). (2) البيت لمسعدة بن البختري يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي وكان يهواها. انظر الأغاني 13/ 271 وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج/ 43 واللسان/ سلم/ وضبطت سلم فيه بكسر السين وتسكين اللام. (3) في (ط): سمع من يقول من العرب. (4) البيت للمعطّل الهذلي في ديوان الهذليين 3/ 47. تبين: أي تستبين من كان يصلى الحرب منا، ومن كان لا يصلاها وجدته بادناً لا يهزله شيء. (5) في (ط): الأول.

المراد هنا بالسّلم: الصّلح. فكسر الأول منه، كما كسر في قوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ والصلح الذي أمر به، ولم ينه عنه في قوله جل وعز: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [محمد/ 35] أي: لا تدعوا إلى الصّلح، مع علوّ أيديكم وظهور كلمتكم إلى الصلح والموادعة. وهذا إنما هو على حسب المصلحة في الأوقات. وأما قراءة حمزة بكسر السين في سورة البقرة [وفي سورة [محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم «1»] فإن السّلم في سورة البقرة يراد به الإسلام، كما تقدم وفي سورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله: وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ فإن السلم: الصلح. وكذلك في الأنفال المراد به الصلح في قوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ. وفي السّلم إذا أريد به الصلح لغتان: الفتح والكسر، فأخذ حمزة باللغتين جميعاً، فكسر في موضع وفتح في آخر. وأما قراءة أبي عمرو وابن عامر السّلم بكسر السين في سورة البقرة، فالسلم يعنى به: الإسلام. وأما فتحهما السين في سورة الأنفال وسورة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم «2»، فإن السّلم فيهما يراد به الصلح. وفيه الكسر والفتح، فأخذا بالفتح في الموضعين جميعاً، ولم يفصلا كما فصل حمزة، وأخذ باللغتين. وكذلك القول في رواية حفص عن عاصم، وكل حسن.

_ (1) سقط ما بين المعقوفتين من (ط). (2) في (م): عليه السلام.

وأما قوله:/ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم [النساء/ 94] وقوله: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ [النحل/ 87] فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [النحل/ 28] فليس الإلقاء هاهنا كالإلقاء في قوله تعالى «1»: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران/ 44] وقوله سبحانه «2»: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل/ 15] ألا ترى أن الإلقاء هنا رمي وقذف؟ وهذا إنما يكون في الأعيان، وليس في قوله: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم [النساء/ 94] والآي الأخر عين تلقى، ولكن تلك الآي: بمنزلة قوله عز وجل: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة/ 195]. والمعنى: لا تقولوا لمن استسلم إليكم، وانقاد وكفّ عن قتالكم: لست مؤمناً. وكذلك المعنى في قوله تعالى «2»: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ [النحل/ 87] كأنهم استسلموا لأمره ولما يريده منهم من عذابه وعقابه، لا مانع لهم منه ولا ناصر. وكذلك قوله تعالى «2»: وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ [الزمر/ 29] أي: يستسلم له ويستخذي، فينقاد لما يريده منه ولا يمتنع عليه، وقد قرئ سالما لرجل وسالم: فاعل. وهو في هذا الموضع حسن لقوله: فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ [الزمر/ 29] أي: في أصحابه وخلطائه شركاء متشاكسون، يخالف بعضهم بعضاً، فلا ينقاد أحد منهم لصاحبه، فمسالم

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط)

خلاف متشاكسون «1». ومن قرأ سَلَماً لِرَجُلٍ احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون فعل بمنزلة فاعل مثل: بطل وحسن، ونظير ذلك: يابس ويبس، وواسط ووسط. ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر، لأن السّلم مصدر، ألا ترى أن أبا عبيدة قال: السّلم والسّلم والسّلم واحد، فيكون ذلك كقولهم: الخلق، إذا أردت به المخلوق، والصيد، إذا أردت به المصيد، ومعنى: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا [الزمر/ 29] أي «2»: ذوي مثل. وأما قوله تعالى «3»: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ [الذاريات/ 25] فقال أبو الحسن: هذا فيما يزعم المفسرون: قالوا: خيراً، قال: فكأنه سمع منهم التوحيد. وإذا سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيراً، فلما عرف أنهم موحّدون، قال: سلام عليكم، فسلّم عليهم، فسلام على هذا: رفع بالابتداء، وخبره مضمر. وأما قوله تعالى «4»: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف/ 89] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، كقوله: قالَ: سَلامٌ، وهو يريد: قال: سلام عليكم. والآخر: أن يكون خبر مبتدأ، كأنه أراد: أمري سلام، أي: أمري براءة، وأضمر المبتدأ في هذا الوجه، كما أضمر الخبر

_ (1) في (ط): متشاكسين. (2) سقطت «أي» من (م). (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط).

في الوجه الأول: ويكون المعنى: أمري سلام أي: أمري براءة، قال: لأن السلام يكون في الكلام البراءة، قال: تقول: إنما فلان سلام، أي: لا يخالط أحداً، وأنشد لأمية «1»: سلامك ربّنا في كلّ فجر ... بريئاً ما تغنّثك الذّموم قال: يقول: براءتك. وأخبرنا أبو إسحاق قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: السلام مصدر سلّمت والسلام جمع سلامة، والسّلام: اسم من أسماء الله «2» عز وجل «3»، والسلام: شجر، ومنه قول الأخطل: ....... إلّا سلام وحرمل «4» ويكون منه ضرب خامس، وهو ما ذكره أبو الحسن من أن السلام يكون في الكلام البراءة، واستشهاده على ذلك ببيت أمية، وقولهم: إنما فلان سلام. وأما قولهم: في أسماء «5» الله جل «6» وعز (السلام) فهو مصدر وصف به، كما أن العدل والحق في نحو قوله: أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ [النور/ 25]. والمعنى على ضربين: أحدهما: أنه يسلم من عذابه من

_ (1) سبق انظر صفحة/ 150/ من هذا الجزء. (2) انظر تفسير اسماء الله الحسنى ص 30 وشأن الدعاء ص 41. (3) في (ط): تعالى. (4) من بيت في ديوانه 1/ 14 وتمامه: فرابية السكران قفر فما بها ... لهم شبح إلّا سلام وحرمل الحرمل: ضرب من النبات. (5) في (ط): اسم. (6) سقطت من (ط).

البقرة: 207

لا يستحقه. والآخر: أن يكون الذي معناه التنزيه، كأنه المتنزّه من الظلم والاعتداء. فأما قوله سبحانه: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الأنعام/ 127] فيحتمل ضربين: يكون السلام [اسم الله تعالى] «1»، والإضافة المراد بها: الرفع من المضاف، كقولهم لمكة: بيت الله، والخليفة: عبد الله. ويجوز أن يكون السلام في قوله: دارُ السَّلامِ جمع سلامة، أي: الدار التي من حلّها لم يقاس عذاباً لعقاب «2»، كما جاء في خلافها: فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ [الواقعة/ 43] ونحو قوله: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ [إبراهيم/ 17]. [البقرة: 207] اختلفوا في إمالة الألف وتفخيمها من قوله تعالى «3»: مَرْضاتِ اللَّهِ «4» [البقرة/ 207]. فقرأ الكسائي وحده: ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ ممالة. وقرأ الباقون: مَرْضاتِ اللَّهِ بغير إمالة. وكان حمزة يقف في «5» مَرْضاتِ بالتاء، والباقون يقفون بالهاء. قال أبو علي: حجة الكسائي في إمالته الألف من مرضاة الله، أن الواو إذا وقعت رابعة كانت كالياء في انقلابها

_ (1) في (ط): اسماً من أسماء الله عز وجل. (2) في (ط): بعقاب. (3) في (ط): عز وجل. (4) كتاب السبعة، ص 180 وقد تقدم عنده على اختلافهم في ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ وهو ما يقتضيه ترتيب الآيات. (5) سقطت من (ط).

ياء، تقول: مغزيان، كما تقول: مرميان، فأمال ليدلّ على أن الياء تنقلب عن الألف في التثنية، ولم يمنعها المستعلي من الإمالة، كما لم يمنع المستعلي من إمالة نحو «1»: صار وخاف وطاب. وحكي عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزّة يقول: صار مكان كذا «2»، فلم يمنعه المستعلي من الإمالة لطلب الكسرة في صرت من أن يميل صار، فكذلك الألف في مرضاة الله. وغير الإمالة أحسن كما قرأ الأكثر. فأما وقف حمزة على التاء من مَرْضاتِ فإنه يحتمل أمرين: أحدهما: على قول من قال: طلحت، حكاه سيبويه «3» عن أبي الخطاب «4». وأنشد أبو الحسن «5»: ما بال عين عن كراها قد جفت مسبلة تستنّ لمّا عرفت داراً لسلمى بعد حول قد عفت بل جوز تيهاء كظهر الجحفت

_ (1) في (ط): في نحو. (2) أوردها سيبويه 2/ 261. (3) الكتاب 2/ 281 في باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة في الوصل. (4) سبقت ترجمته في: 1/ 86. (5) هذه الأبيات من رجز منسوب لسؤر الذئب. أورده البغدادي في شرح شواهد الشافية 4/ 200 مع اختلاف في الرواية. وانظر الخصائص 1/ 304 والمحتسب 2/ 92. وقوله: تستن: أي: تجري بدمعها، من سننت الماء: إذا أرسلته بغير تفريق. وبل وضعت موضع رب. وجوز: وسط، والتيهاء: المفازة التي يتيه فيها سالكها. والجحفة: الترس، شبه التيهاء بظهر الترس في الملاسة.

ويجوز أن يكون لمّا كان المضاف إليه في التقدير، أثبت التاء كما يثبته في الوصل، ليعلم أن المضاف إليه مرادٌ، كما أشمّ من أشمّ الحرف المضموم، ليعلم أنه في الوصل مضمومٌ، وكما شدّد من شدّد فرجّ، ليعلم أنه في الوصل متحرك، وكما حرّك من قال: ..... إذ جد النّقر «1» بالضم «2» ليعلم أنه في الوصل مضموم، وكما كسر من كسر قوله: ..... واصطفافاً بالرجل «3» ليعلم أنّه في الوصل مجرور. ويدلّ على قوله شيء آخر، وهو قول الراجز: إنّ عديّا ركبت إلى عدي وجعلت أموالها في الحطمي ارهن بنيك عنهم أرهن بني «4»

_ (1) هذا جزء من بيت سبق بتمامه في 1/ 98. (2) «بالضم» زيادة في (ط). (3) هذا جزء من بيت في الرجز وتمامه في النوادر (205 ط جامعة الفاتح) والخصائص 2/ 335: علّمنا أصحابنا بنو عجل ... الشّغزبيّ واعتقالًا بالرّجل وهو برواية: علّمنا إخواننا بنو عجل ... شرب النبيذ واصطفاقاً بالرّجل في المخصص 11/ 200 والانصاف ص 734 واللسان (عجل) والعيني 4/ 567 وقال فيه: إن أبا عمر سمع أبا مرار الغنوي ينشد هذا البيت. والشغزبي: ضرب من المصارعة. والاعتقال: أن يدخل رجله بين رجلي صاحبه حتى يصرعه. (4) في اللسان (رهن): وزعم ابن جني أن هذا الشعر جاهلي، رهنه عنه: جعله رهنا بدلًا منه، وانظر المحتسب 1/ 108 والخصائص 3/ 327.

فقوله: (بني) أراد: بنيّ، فحذف ياء الإضافة للوقف، كما يحذف المثقّل من نحو سرّ وضرّ. فلولا أن المضاف إليه المحذوف في نيّة المثبت، لردّ النون في بنين. فكما لم يردّ النون في بنين، كذلك لم يقف بالهاء في مَرْضاتِ لأن المضاف في تقدير الثبات في اللفظ، ولولا أنه كذلك عندهم، لم يجز دخول بني في هذه القافية، ألا ترى أن النون لو ثبتت في الاسم المجموع، لحذف المضاف إليه من اللفظ؛ لخرج من هذه القافية، ولم يجز ضمّ البيت إليها؟ فكذلك حكم التاء من مَرْضاتِ في الوقف عليها. فإن قال قائل في وقفه على التاء من مَرْضاتِ: ما تنكر أن يكون هذا خلاف قول سيبويه، لأنه قد قال: لو سمّيت بخمسة عشر فرخّمته، لقلت: يا خمسه، فوقفت بالهاء «1». ولو كان على قياس وقف حمزة في مرضات «2»، لقلت: يا خمست ألا ترى أن الاسم الثاني المحذوف للترخيم مرادٌ كما كان المضاف إليه مراداً؟ قيل له: لا يدلّ ما قاله سيبويه في خمسة في الترخيم، على أن وقف حمزة في المضاف بالتاء خلاف ما ذهب إليه سيبويه، لأن الترخيم بناءٌ آخر، وصيغة أخرى. وليس حذف المضاف إليه من المضاف كذلك. ألا ترى أنه يراد ضمّه إلى المضاف إذا ذكر أو حذف، والترخيم ليس كذلك، لأنه على ضربين: أحدهما: أنه يقدر فيه المحذوف. والآخر: أنه يكون ارتجال اسم على حدةٍ. فالمقدّر فيه إثبات ما حذف منه يجري

_ (1) سيبويه 1/ 342 باب الترخيم في الأسماء ... (2) في (ط): مرضاة.

مجرى ما هو اسم على حياله، كما جرى حرف اللين في قولهم في الإنكار إذا قلت: «ضربت زيداً»: أزيدنيه! فأثبتّ التنوين قبل حرف اللين، ولم تحذفه كما حذفت من الندبة في قول من قال: وا زيداه، لأن أزيدنيه في الإنكار يجري مجرى: أزيداً إنيه، فكما يثبت مع إن، يثبت بغير إن، ولم يحذف كما حذف من «1» الندبة. فكذلك الترخيم يجري مجرى ما أريد فيه الحرف المحذوف للترخيم مجرى ما ارتجل؛ لأن النداء موضعٌ ترتجل فيه الأسماء. ألا ترى أن فيه ما لا يستعمل في غيره، نحو: يا نومان، ويا هناه، ويا فل؟ فلما «2» كان فيه هذا الضرب، كان الضرب المرتجل أغلب من الآخر، فلذلك لم يكن المحذوف من الترخيم كالمضاف من المضاف إليه. ويقوي ذلك ما جاء في الشعر من نحو قوله «3»: خذوا حظّكم يا آل عكرم .. وقوله «4»: إنّ ابن حارث إن أشتق لرؤيته

_ (1) في (ط): في. (2) في (ط): ولما. (3) جزء بيت لزهير بن أبي سلمى ديوانه/ 214 الكتاب لسيبويه 1/ 343 تمامه: ..... واذكروا ... أواصرنا والرّحم بالغيب تذكر أي: أصيبوا حظكم من صلة القرابة، ولا تفسدوا ما بيننا وبينكم، فإن ذلك مما يعود عليكم مكروهة. (4) جزء بيت لابن حبناء التميمي، وعجزه: أو امتدحه فإنّ الناس قد علموا والشاهد فيه ترخيم حارثة وتركه على لفظه مفتوحا كما كان قبل الترخيم، وهذا يقوي مذهب سيبويه في حمله على وجهي الترخيم في غير النداء

البقرة: 210

وكما أجري هذا مجرى: «يا حار» «1» كذلك في الوقف عليه. [البقرة: 210] اختلفوا في فتح التاء وضمها من قوله جل وعز «2»: تُرْجَعُ الْأُمُورُ [البقرة/ 210] ويُرْجَعُ الْأَمْرُ [هود/ 123]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرٍو ونافعٌ وعاصمٌ: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ بضم التاء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: تُرْجَعُ الْأُمُورُ بفتح التاء. وكلّهم قرأ: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ بفتح الياء، غير نافعٍ وحفص عن عاصم فإنّهما قرآ: يُرْجَعُ الْأَمْرُ برفع الياء. وروى خارجة عن نافع أنّه قرأ: وإلى الله يرجع الأمور بالياء مضمومة في سورة البقرة. ولم يروه غيره «3». قال أبو علي: حجة من بنى الفعل للمفعول به قوله تعالى «4»: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام/ 62]. وقال: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي [الكهف/ 36] والمعنى في بناء

_ ضرورة كما كان في النداء جار عليهما .. انظر الأعلم: طرة سيبويه 1/ 343). (1) لعلها كلمة من بيت لمهلهل بن ربيعة تمامه: يا حار لا تجهل على أشياخنا ... إنّا ذوو الثورات والأحلام الشاهد فيه ترخيم حارث. وهو الحارث بن عباد القائم بحرب بكر بعد قتل ابنه بجير (الأعلم: طرة سيبويه 1/ 335). (2) في (ط): تعالى. (3) كتاب السبعة: ص 181. (4) سقطت من (ط).

البقرة: 214

الفعل للمفعول كالمعنى في بناء الفعل للفاعل. وحجة من بنى الفعل للفاعل قوله عز وجل «1»: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى/ 53] وقوله جلّ وعز: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ [الغاشية/ 25] وقوله: إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ «2». ألا ترى أنّ المصدر مضافٌ إلى الفاعل، والمعنى: إلينا رجوع أمرهم في الجزاء على الخير والشر «3»، وقوله: وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة/ 156]، وقوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف/ 29] وقال: وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ [النور/ 64] وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ [هود/ 123]. وأما يُرْجَعُ وتُرْجَعُ بالياء والتاء فجميعاً حسنان، فالياء لأن الفعل متقدم، فذكّر كما قال: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ [يوسف/ 30]، فالتأنيث تأنيث من أجل الجمع، وتأنيث الجمع ليس بتأنيث حقيقي، ألا ترى أن الجمع «4» بمنزلة الجماعة. والتاء في ترجع لأن الكلمة تؤنث في نحو: هي الأمور، و: قالَتِ الْأَعْرابُ [الحجرات/ 14]. [البقرة: 214] اختلفوا في نصب اللام ورفعها من قوله جلّ وعز «5»: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ [البقرة/ 214]. فقرأ نافع وحده: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ برفع اللام. وقرأ الباقون: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ نصباً. وقد كان

_ (1) سقطت من (ط). (2) في آل عمران/ 55، والعنكبوت/ 8 ولقمان/ 15. (3) وانظر النشر 2/ 208 - 209. (4) في (ط): الجميع. (5) في (ط): عز وجل.

الكسائي يقرؤها دهراً رفعاً، ثم رجع إلى النصب. وروى ذلك عنه الفرّاء «1»، قال: حدثني به وعنه محمد بن الجهم عن الكسائي «2». قال أبو علي: قوله عز وجلّ: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ من نصب فالمعنى: وزلزلوا إلى أن قال الرسول. وما ينتصب بعد حتى من الأفعال المضارعة على ضربين «3»: أحدهما: أن يكون بمعنى إلى، وهو الّذي تحمل عليه الآية. والآخر: أن يكون بمعنى كي، وذلك قولك: أسلمت حتى أدخل الجنة، فهذا تقديره: أسلمت كي أدخل الجنة. فالإسلام قد كان، والدخول لم يكن، والوجه الأول من النصب قد يكون الفعل الذي قبل حتى مع ما «4» حدث عنه قد مضيا جميعاً. ألا ترى أن الأمرين في الآية كذلك. وأما قراءة من قرأ: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ بالرفع، فالفعل الواقع بعد حتى إذا كان مضارعاً لا يكون إلّا فعل حالٍ، ويجيء أيضاً على ضربين: أحدهما: أن يكون السبب الذي أدّى الفعل الذي بعد حتى قد مضى، والفعل المسبّب لم يمض، مثال ذلك قولهم: «مرض حتى لا يرجونه» و: «شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه». وتتّجه على هذا الوجه الآية، كأن المعنى: وزلزلوا

_ (1) معاني القرآن 1/ 133. (2) كتاب السبعة 181 - 182. (3) انظر مغني اللبيب (حتى) 169 - 170 (ط. د. الفكر). (4) رسمت مع ما في الأصل موصولة هكذا: معما.

البقرة: 219

فيما مضى، حتى أن الرسول يقول الآن: متى نصر الله، وحكيت الحال التي كانوا عليها، كما حكيت الحال في قوله: هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ [القصص/ 15] وفي قوله: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف/ 18]. والوجه الآخر من وجهي الرفع: أن يكون الفعلان جميعاً قد مضيا، نحو: سرت حتى أدخلها، فالدخول متصلٌ بالسّير بلا فصل بينهما، كما كان في الوجه الأول بينهما فصلٌ. والحال في هذا الوجه أيضاً محكيّة، كما كانت محكية في الوجه الآخر، ألا ترى أنّ ما مضى لا يكون حالًا؟. وحتى إذا رفع الفعل بعدها، حرفٌ؛ يصرف الكلام بعدها إلى الابتداء، وليست العاطفة ولا الجارّة، وهي- إذا انتصب الفعل بعدها- الجارّة للاسم، وينتصب الفعل بعدها بإضمار أن، كما ينتصب بعد اللام بإضمارها. [البقرة: 219] اختلفوا في الباء والثاء من قوله تعالى: إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة/ 219] فقرأ الكسائيّ وحمزة: إثم كثير بالثاء. وقرأ الباقون: كَبِيرٌ بالباء «1». قال أبو علي: حرّمت الخمر بقوله: قل فيهما إثم كثير سعيد عن قتادة: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ذمّها ولم يحرّمها، وهي يومئذٍ حلالٌ، فأنزل الله تعالى «2»: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ [النساء/ 43] وأنزل الآي في المائدة، فحرم قليلها وكثيرها.

_ (1) كتاب السبعة ص 182. (2) في (ط): عز وجل.

ومن أهل النظر من يذهب إلى أن قوله جل وعز «1»: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة/ 219] دلالة على تحريمها لقوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ [الأعراف/ 33] فقد حرّم الإثم، وقال: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فوجب أن يكون محرماً. وقال: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ، والمعنى: في استحلالهما. ألا ترى أنّ المحرم إنّما هو بعض المعاني التي فيهما، وكذلك «2» في سائر الأعيان المحرّمة. وقال أبو حنيفة فيما أخبرنا أبو الحسن: أنه إذا نظر إليها على وجه التلذّذ بها فقد أتى محظوراً، وكذلك قوله تعالى «3»: وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما إنما هو إثمُ معاصٍ تفعل فيها، وأسبابٍ لها. وقال بعض نقلة الآثار: تواتر الخبر أن الآية التي في البقرة نزلت، ولم يحرّم بها، وقد اختلف في الآية التي حرّمت [بها الخمر، فقال قوم: حرمت بهذه الآية، وقال قوم: حرمت] «4» بالآي التي في المائدة. فيعلم من ذلك أنّ الاثم يجوز أن يقع على الكبير وعلى الصغير، لأن شربها قبل التحريم لم يكن كبيراً، وقد قال: فيهما إثمٌ كبير. وقال: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً [النساء/ 112] فالخطيئة تقع على الصغير والكبير، فمن الصغير قوله: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

[الشعراء/ 82] ومن الكبير: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ [البقرة/ 81] فهذا كبيرٌ. فإن قلت: فكيف تقدير قوله: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً [النساء/ 112] والخطيئة قد وقعت على الصغيرة والكبيرة، والإثم كذلك، فكأنه بمنزلة من يكسب صغيراً أو صغيراً، أو من يكسب كبيراً أو كبيراً؟. قيل له: ليس المعنى كذلك، ولكنّ الإثم قد وقع في التنزيل على ما يقتطعه الإنسان من مال من لا يجوز له أن يقتطع من ماله. فإذا كان كذلك، جاز أن يكون التقدير: من يكسب ذنباً بينه وبين الله، أو ذنباً هو من مظالم العباد، فهما جنسان، فجاز دخول «أو» في الكلام، على أن المعنى: من يكسب أحد هذين الذنبين. والموضع الذي وقع فيه الإثم على المظلمة قوله تعالى: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً [المائدة/ 107] أي: إن اطلعتم على أن الشاهدين اقتطعا بشهادتهما، أو يمينهما على الشهادة إثماً؛ فالأولى بالميت وبولاية أمره، آخران يقومان مقامهما. وإنّما جاز وقوع الإثم عليه على أحد أمرين: إما أن يكون أريد بالإثم: ذا إثم، أي: ما اقتطعه الإنسان مما اؤتمن فيه من مال صاحبه إثمٌ فيه، أو يكون سمّى المقتطع إثماً لمّا كان يؤدّي آخذه إلى الإثم، كما سمّي مظلمةً لأنه يؤدي إلى الظلم.

قال سيبويه: المظلمة: اسم ما أخذ منك «1». فكأنّ تقدير: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً: من أذنب ذنباً بينه وبين الله، أو اقتطع حقاً للعباد، وهذان جنسان. ومما يقوي ذلك: أن قوله: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً إنما نزل في رجل سرق شيئا من آخر، فكأنّ ذلك المسروق أوقع عليه اسم الإثم كما أوقع عليه في الآية الأخرى. فأما الذّكر الذي في رَبِّهِ على الإفراد فلأن المعنى: ثم يرم به بأحد هذين، بريئا. أو يكون عاد الذكر إلى الإثم، كما عاد إلى التجارة في قوله عز وجل «2»: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها [الجمعة/ 11] وقد يكون الذكر في إِلَيْها عائداً على المعنى، لأن المعنى: إذا رأوا إحدى هاتين الخصلتين. وقال تعالى «3»: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة/ 203] والإثم إنما يظنّ أن يكون على المتعجّل، فأمّا المتأخر فليس بآثم لإتمامه نسكه، فقيل: من تأخّر فلا إثم عليه، فذكر المتأخر بوضع الإثم عنه، كما ذكر المتعجل، فقال بعض المتأولين: ذكر أن وضع «4» الإثم عنهما، وإن كان الذي يلحقه الإثم أحدهما. قال: وقد يكون المعنى: لا يؤثّمنّ أحدهما الآخر، فلا يقول المتأخر للمتعجل: أنت مقصر «5». ومثل الوجه الأول عنده قوله في «6» المختلفين: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ

_ (1) الكتاب 2/ 248. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): بوضع، مكان: أن وضع. (5) انظر معاني القرآن 1/ 148. (6) في (م): قول المختلفين.

[البقرة/ 229]، والجناح على الزوج، لأنه أخذ ما أعطى، وقد جاء: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً [البقرة/ 229] وقال: فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً [النساء/ 20] فقد وقع الإثم هنا أيضاً على المأخوذ منه. وقد يجوز أن يكون «1»: لا جناح على كل واحد منهما إذا كان ذلك عن تراض منهما. وشبّه المتأول ما ذكرنا بقوله تعالى «2»: نَسِيا حُوتَهُما [الكهف/ 61] وبقوله: يَخْرُجُ «3» مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرحمن/ 22] فنسب النسيان إليهما، والناسي فتى موسى، لا موسى. والمخرج منه اللؤلؤ أحدهما. وهذا يجوز أن يكون على حذف المضاف، كأنه: يخرج من أحدهما، ونسي أحدُهما، فحذف المضاف كما حذف في قوله: عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف/ 31] فالتقدير: على رجل من رجلي القريتين عظيم. وحذفُ المضاف كثيرٌ جداً. وقال «4»: وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ [المائدة/ 106]. وقال: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة/ 283] فوقع الإثم في الموضعين على من لم يؤدِّ الأمانة في إقامة الشهادة. وأما قوله تعالى «5»

_ (1) أَنْ يَكُونَ زيادة من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) يَخْرُجُ بضمِّ الياء وفتح الراء قراءة المدنيين والبصريين، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الراء. انظر النشر 2/ 380. والكشف لمكي 2/ 301. (4) في (ط): وقال تعالى. (5) سقطت من (ط).

وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة/ 206] فإن الجار يجوز تعلقه بشيئين، بالأخذ وبالعزة، فإن علقته بالأخذ، كان المعنى «1»: (أخذته بما يؤثم)، أي: أخذته بما يكسبه ذلك، والمعنى: للعزّة، أنه يرتكب ما لا ينبغي له أن يرتكبه، فكأن العزة حملته على ذلك وقلة الخشوع. وقد يكون المعنى: الاعتزاز بالإثم، أي: يعتزّ بما يؤثمه فيبعده مما يرضاه الله. وقالوا: تأثّم الرجل: إذا ترك الإثم واجتنبه، وتحوّب: إذا ترك الحوب. وكان القياس أن يكون تأثّم: إذا ركب الإثم، وفعله، مثل: تفوّق، وتجرّع. ومثل تحوّب أنهم قد قالوا: هجد الرجل: إذا نام، وهجّدته: نوّمته، قال لبيد «2»: قال هجّدنا فقد طال السّرى «3» أي: نوّمنا. وقالوا تهجّد إذا سهر، فهذا مثل تأثّم إذا اجتنب الإثم وتحوّب. وفي التنزيل: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [الإسراء/ 79]. قال أبو علي: حجة من قرأ بالباء: إِثْمٌ كَبِيرٌ أن يقول: الباء أولى، لأن الكبر مثل العظم، ومقابل الكبر الصغر، قال تعالى «4»: وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر/ 53]. وقد استعملوا في الذنب إذا كان موبقا الكبير، يدلُّ على ذلك قوله:

_ (1) في (ط): المعنى فيه. (2) في (ط): وقال. (3) صدر بيت عجزه في ديوانه 2/ 142: وقدرنا إن خنى دهرٍ غفل ويروى (خنى الدهر). هجّدنا: دعنا ننام، قدرنا: أي عنى ورود الماء خنى الدهر: أحداثه. (4) سقطت من (ط).

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ [النجم/ 53] وقال تعالى «1»: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النساء/ 31]. فكما جاء: كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وكَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ بالباء، كذلك ينبغي أن يكون قوله: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ بالباء، ألا ترى أن شرب الخمر والميسر من الكبير، وكما وصف الموبق بالعظم في قوله عز وجل «1»: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/ 13] كذلك ينبغي أن يوصف بالكبر في قوله: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وقالوا في غير الموبق: صغيرٌ وصغيرةٌ، ولم يقولوا: قليل. فلو كان كثيرٌ متجهاً في هذا الباب، لوجب أن يقال في غير الموبق: قليل، ألا ترى أن القلة مقابل الكثرة، كما أن الصغر مقابل الكبر؟ ومما يدل على حسن: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ قوله تعالى «3»: وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما واتفاقهم على أكبر ورفضهم لأكثر. ومما يقوي ذلك أنه قد وصف بالعظم في قوله سبحانه «3»: فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً [النساء/ 48] فكما وصف بالعظم، كذلك ينبغي أن يوصف بالكبر. ووجه قراءة من قرأ بالثاء أنه قد جاء فيهما: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة/ 91] وجاء في الحديث فيما حدثنا «5» ابن قرين

_ (1) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (5) في (ط): حدثنا به.

ببغداد في درب الحسن بن زيد، قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق بمصر في سنة ثمانٍ وستين ومائتين قال: حدثنا أبو عاصم عن شبيب «1» عن أنس بن مالك قال: «لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «2»، في الخمر عشرةً: مشتريها، وبائعها، والمشتراة له، وعاصرها والمعصورة له، وساقيها، والمسقاها، وحاملها، والمحمولة إليه. وآكل ثمنها» «3» فهذا يقوي قراءة من قرأ (كثيرٌ). فإن قال قائل: إن الكثرة إنما ذكرت ليس في نفس الخمر، ولا في نفس الميسر، إنما هي في أشياء تحدث عنها أو تؤدّي إليها، قيل «4»: إن ذلك، وإن كان كما ذكرت، فقد وقع الذمّ في التنزيل عليها، ألا ترى أنه قال عز وجل «5»: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ والميسر: قمارٌ، وأكل المال بالباطل، وقد قال: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [النساء/ 29]. ومما يقوي قراءة من قرأ كثير قوله تعالى «6»: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة/ 219] فكأن الإثم عودل به المنافع، فلما عودل به المنافع حسن أن يوصف بالكثرة، لأنه كأنه قال: فيه مضارٌّ كثيرة، ومنافع. فلما صار الإثم كالمعادل للمنافع، والمنافع يحسن أن توصف بالكثرة، كما جاء: لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ: [المؤمنون/ 21]

_ (1) في (ط): حميد بدل شبيب. (2) سقطت من (ط). (3) رواه أحمد في 1/ 316 عن ابن عباس وفي 2/ 71 عن ابن عمر، وفي 97 عن ابن عمر عن أبيه. ورواه أبو داود 4/ 81 وابن ماجة برقم 3380 عن ابن عمر باب لعنت الخمر على عشرة أوجه. (4) في (ط): قيل له. (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط).

البقرة: 219

كذلك حسن أن يوصف الذي عودل به بالكثرة «1». وليس الخمر بالنبيذ في اللغة. والأسماء الأول لا توضع بالمقاييس، يدلُّ «2» على ذلك قول أبي الأسود «3»: دع الخمر تشربها الغواة فإنّني ... رأيت أخاها مجزئاً بمكانها «4» فإلّا يكنها أو تكنه، فإنّه ... أخوها غذته أمّه بلبانها ألا ترى أن الشيء لا يكون أخا نفسه، وأن ما أدى إلى ذلك كان فاسداً. [البقرة: 219] اختلفوا في فتح الواو وضمها من قوله جل وعز: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة/ 219]. فقرأ أبو عمرٍو وحده: قُلِ الْعَفْوَ رفعاً. وقرأ الباقون: الْعَفْوَ نصباً. وروي «5» عن ابن عامرٍ نصب الواو أيضاً.

_ (1) في (ط): الكثرة. (2) في (ط): يدلك. (3) البيتان في المقتضب 3/ 98، الخزانة 2/ 426، العيني 1/ 311 - 312 والثاني في الكتاب 1/ 21 واللسان/ لبن/. والبيتان لأبي الأسود الدؤلي يخاطب مولىً له كان يحمل تجارة إلى الأهواز، وكان إذا مضى إليها تناول شيئاً من الشراب، فاضطرب أمر البضاعة، فنهاه أبو الأسود عن ذلك. ويقول له: إن نبيذ الزبيب يقوم مقامها، فإن لم تكن الخمر نفسها من نبيذ الزبيب فهي أخته اغتذتا من شجرة واحدة (اه- العيني). (4) بين الأسطر في (م): وروي: مغنياً لمكانها. (5) في (ط): وأرى ابن.

حدثني «1» عبد الله بن عمرٍو بن أبي سعدٍ الوراق قال: حدثنا أبو زيد عمرُ بن شبّة «2»، عن محبوب بن الحسن، «3» عن إسماعيل المكي «4» عن عبد الله بن كثير أنه قرأ: قُلِ الْعَفْوَ رفعاً. والذي عليه أهل مكة الآن النصبُ. قال أبو علي: قال ابن عباس: العفوُ: ما فضل عن أهلك. عطاءٌ وقتادة والسدّي: العفوُ: الفضلُ. قال الحسن: قُلِ الْعَفْوَ: ما لا يجهدكم صفوه من أموالكم، ليس بالأصول. أبو عبيدة: العفوُ: الطاقة التي تطيقها، والقصد، يقال: ما عفا لك أي ما صفا لك. غيره: غير «5» الجهد من أموالكم. قال أبو علي: اعلم أن قولهم: (ماذا) تستعمل على وجهين: أحدهما: أن يكون ما مع ذا اسماً واحداً، والآخر: أن يكون ذا بمنزلة الذي. والدليل على جعلهما جميعاً بمنزلة اسم واحد قول العرب: عمّا ذا تسأل؟ فأثبتوا الألف في (ما). فلولا أن «ما» مع «ذا» بمنزلة اسم واحد لقالوا: عمَّ ذا تسأل؟ فحذفوا الألف من آخر ما، كما حذف من قوله «6»: عَمَّ يَتَساءَلُونَ

_ (1) في كتاب السبعة: وحدثني. (2) هو عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد أبو زيد النميري البصري ... روى القراءة عن جبلة ابن أبي مالك، وأبي زيد الأنصاري- انظر طبقات القراء 1/ 592. (3) هو محبوب بن الحسن روى عن إسماعيل بن خالد انظر طبقات القراء 1/ 164. (4) هو إسماعيل بن خالد روى عن ابن كثير وعنه محبوب بن الحسن ونصر ابن علي الجهضمي انظر طبقات القراء 1/ 164. (5) سقطت من (ط). (6) في (م): من قولهم.

[النبأ/ 1] وفِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها [النازعات/ 43] فلما لم يحذفوا الألف من آخر «ما» علمت أنه مع «ذا» بمنزلة اسم واحد، فلم تحذف الألف منه لمّا لم يكن آخر الاسم، والحذف إنما يقع إذا كانت الألف آخراً إلا أن يكون في شعرٍ، كقول الشاعر «1»: على ما قام يشتمني لئيمٌ ... كخنزيرٍ تمرّغ في دمان ويدل على ذلك قول الشاعر «2»: دعي ماذا علمت سأتّقيه ... ولكن بالمغيّب نبّئيني كأنه قال: دعي شيئاً علمت، ومما يحمل على أن «ماذا» فيه شيءٌ واحد قول الشاعر «3»: يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الدّيرين تحنانا

_ (1) البيت لحسان بن ثابت، قاله في هجو بني عابد- بموحدة بعدها دال مهملة- والدمان كالرماد وزناً ومعنى- انظر شرح أبيات المغني 5/ 220، الخزانة 2/ 537، أمالي ابن الشجري 2/ 233، الشافية 4/ 224، ابن يعيش 4/ 9، العيني 4/ 554، الهمع 2/ 217 والدرر 2/ 238. (2) البيت من شواهد النحو مجهول القائل انظر سيبويه 1/ 405 - الخزانة 2/ 554 شرح أبيات المغني 5/ 230. (3) البيت لجرير يهجو فيه الأخطل. انظر ديوانه/ 598.

فإنما قوله: «ماذا بال نسوتكم» بمنزلة: ما بال نسوتكم، فاستعملوا ماذا استعمال ما، من غير أن ينضم إليها ذا. ألا ترى أنّك لو حملت ذا على الذي في البيت لم يسهل: ما الذي هو بال نسوتكم؟ لأن المستعمل: ما بالك دون الآخر. فإنما جعل ماذا بمنزلة ما، كما جعل الآخر في قوله: دعي ماذا علمت ... بمنزلة: دعي ما علمت، ألا ترى أنك لو لم تجعلهما اسماً واحداً، لجعلت ما استفهاماً، ولا يجوز وقوع دعي ونحوه من الأفعال قبل الاستفهام، ولا يعلّق عنه. فإذا تبين بما ذكرنا أن ما مع (ذا) بمنزلة اسم واحد كان قوله تعالى: ماذا يُنْفِقُونَ بمنزلة قوله: ما ينفقون، وقوله: ماذا في موضعٍ نصبٍ، كما أن ما في قولك: ما ينفقون؟ وأيّا في قولك: أياً ينفقون؟ كذلك، فجواب هذا: الْعَفْوَ بالنصب. كما تقول في جواب ما أنفقت؟ درهماً. أي: أنفقت درهماً. فهذا وجه قول من نصب الْعَفْوَ في الآية. وأما وجه قول من رفع فقال: قُلِ الْعَفْوَ فإن ذا تجعل بمنزلة الذي بعد ما. ولا تجعل معها بمنزلة اسم واحد، فإذا قال: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ [النحل/ 24] فكأنه قال: ما الذي أنزله ربّكم؟ فجواب هذا: قرآنٌ وموعظةٌ حسنةٌ، فتضمر المبتدأ الذي كان خبراً في سؤال السائل، كما تقول في جواب: ما الذي أنفقته؟ مال زيد، أي: الذي أنفقته مال زيد. فمما جاء

على هذا في التنزيل قوله تعالى «1»: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل/ 24] فأساطير الأولين في قول سيبويه «2»: يرتفع على ما ذكرته لك. وقد روي عن أبي زيدٍ وغيره من النحويين أنهم قالوا: لم يقرّوا، يريدون: أنهم لم يُقِرُّوا بإنزال الله جلّ وعزّ لذلك، فكأنهم لم يجعلوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ خبر الذي أنزل. ووجه قول سيبويه: أن أساطير الأولين خبر «ذا» الذي بمعنى الذي في قوله: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ على أن يكون المعنى: الذي أنزل ربّكم عندكم أساطير الأولين. كما جاءت: وَقالُوا: يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزخرف/ 49] وكما قال: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الشعراء/ 27] أي الذي نزّل عليه الذكر عنده وعند من تبعه. ومما جاء على هذا قول لبيد «3»: ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطلٌ كأنه لما قال: ما الذي يحاوله؟ أبدل بعد، فقال: أنحب؟ أي: الذي يحاوله نحبٌ فيقضى أم ضلال وباطل. فقوله: فيقضى في موضع نصبٍ على أنه جوابُ

_ (1) سقطت من (ط). (2) الكتاب 1/ 405. (3) مطلع قصيدة في ديوانه 131 في رثاء النعمان بن المنذر. وانظر سيبويه 1/ 405 - معاني القرآن 1/ 139 المخصص 14/ 103 - أمالي ابن الشجري 2/ 171 - 305، شرح أبيات المغني 5/ 226.

الاستفهام، وليس بمعطوف على ما في الصلة، ولو كان كذلك لكان رفعاً. فقول من رفع فقال: الْعَفْوَ على هذا، كأنه لما قال: ماذا يُنْفِقُونَ فكان «1» المعنى: ما الّذي ينفقون؟ قال «2»: العفوُ، أي الذي «3» ينفقون: العفوُ. فهذا وجه الرفع، ونظيره في التنزيل، في قول سيبويه الآية التي مرّت. واعلم أنّ سيبويه لا يجيز أن يكون ذا بمنزلة الذي، إلا في هذا الموضع لما قام على ذلك من الدّلالة التي تقدمت. والبغداديون يجيزون أن يكون ذا بمنزلة الذي في غير هذا الموضع. ويحتجون في ذلك بقول الشاعر «4»: عدس ما لعبّاد عليك إمارةٌ ... نجوت وهذا تحملين طليق فيذهبون إلى أن المعنى: والذي تحملين طليق. ويحتجون أيضاً بقوله تعالى «5»: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه/ 17] فيتأولونه على أن المعنى: ما التي بيمينك؟. ولا دلالة على ما ذهبوا إليه من حمل «6» الحكم على ذا،

_ (1) في (ط): وكان. (2) في (ط): قل. (3) في (ط): الذين. (4) البيت ليزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري. عدس: كلمة زجر للبغل. وعبادٌ هذا هو عباد بن زياد بن أبي سفيان، وكان معاوية قد ولاه سجستان- واستصحب يزيد بن مفرغٍ معه. وانظر شرح أبيات المغني 7/ 20 والخزانة 2/ 514. (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط).

البقرة: 222

بأنه بمنزلة الذي، وذلك أن قوله: بِيَمِينِكَ يجوز أن يكون ظرفاً في موضع الحال فلا يكون صلةً، وكذلك: «تحملين» في البيت يجوز أن يكون في موضع حال، والعامل في الحال في الموضعين ما في الاسمين المبهمين من معنى الفعل. وإذا أمكن أن يكون على غير ما قالوا لم يكن على قولهم دلالة. وقد تأوّل أحد شيوخنا «1»: ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ يَدْعُوا [الحج/ 12، 13] على مذهبهم هذا فقال: ذلِكَ بمنزلة الذي، وما بعده صلةٌ، والاسم المبهم مع صلته في موضع نصب بيدعو. وهذا الذي تأوّله عليه تأويلٌ مستقيمٌ إذا صحّ الأصل بدلالةٍ تقام عليه. [البقرة: 222] اختلفوا في تخفيف الطاء وضمّ الهاء. وتشديد الطاء وفتح الهاء من قوله جل وعز «2»: حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة/ 222]. فقرأ ابن كثيرٍ ونافعٌ وأبو عمرٍو وابن عامرٍ: يَطْهُرْنَ خفيفةً. وقرأ عاصمٌ، في رواية أبي بكر والمفضل، وحمزة والكسائيُّ: يَطْهُرْنَ مشدّدة. حفصٌ «3» عن عاصمٍ يَطْهُرْنَ خفيفةً «4». قال أبو علي «5»: قال أبو الحسن: طهرت المرأة. قال: وقال بعضهم: طَهُرَت. قال: وقالوا: طَهَرَت طهراً وطهارةً.

_ (1) في (ط): شيوخنا قوله. (2) في (ط): عز وجل. (3) كذا الأصل ويريد: وقرأ. (4) السبعة ص 182. (5) سقطت من (ط) عبارة: قال أبو علي.

والقول في ذلك: أنّ طهرت بفتح العين أقيس، لأنها خلاف طمثت، فينبغي أن يكون على بناء ما خالفه، مثل: عطش وروي ونحو ذلك. ويقوي طهرت أيضاً قولهم: طاهرٌ، فهذا يدل على أنه مثل: قعد يقعد فهو قاعدٌ. ويحتمل أن يكون طهرت ويطهرن: انقطع الدم الذي كان به طمثت. كما روي عن الحسن في تفسير قوله تعالى «1»: حَتَّى يَطْهُرْنَ: حتى ينقطع الدم. ويحتمل أن يكون حَتَّى يَطْهُرْنَ: حتى يفعلن الطهارة التي هي الغسل، لأنّها ما لم تفعل ذلك كانت في حكم الحيض، لكونها ممنوعةً من الصلاة والتلاوة، وأن لزوجها أن يراجعها إذا كانت مطلّقةً، فانقطع الدم ولم تغتسل، كما كان له أن يراجعها قبل انقطاع الدم، وهذا قول عمر وعبد الله وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء. وروي لنا عن الشعبي أنه روى عن ثلاثة عشر من الصحابة، منهم أبو بكر وعمر وابن مسعود وابن عباس ذلك. فإذا «2» كان حكم انقطاع الدم قبل الاغتسال حكم اتصاله، وجب أن لا تقرب حتى تغتسل. وإذا كان كذلك، كان قراءة من قرأ: حَتَّى يَطْهُرْنَ أرجح، لأنها ما لم تتطهر «3» في حكم الحُيَّض، فيجب أن لا تقرب، كما لا تقرب إذا كانت حائضاً. ويؤكد ذلك قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة/ 6] فكما أن الجنب يتطهَّر بالماء إذا وجده، كذلك الحائض، لاجتماعهما في وجوب الغسل عليهما، وأن لفظ المتطهّر يختص بالتَّطهّر بالماء أو ما قام مقامه.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): وإذا. (3) في (ط): تطهر.

وقراءة من قرأ: حَتَّى يَطْهُرْنَ على هذا التأويل، يحتمل أن يكون المراد بها: حتى يفعلن الطهارة، فلكونهنَّ إذا لم يفعلن في حكم الحيّض «1»، وحال من لم ينقطع الدم عنه منهنّ. ويؤكد قراءة من قرأ: حَتَّى يَطْهُرْنَ إجماعهم في قوله: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ [البقرة/ 222]. فكما أن هذا لا يكون إلا على الطهارة، فكذلك قوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ يجب أن يكون على هذا اللفظ، ألا ترى شرط إتيانهنّ بعد التَّطهّر في قوله: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ. وأما قولهم: الطّهور فلفظه على ضربين: اسم، وصفةٍ. فإذا كان اسماً كان على ضربين: أحدهما: أنه مصدر، وذلك قولهم فيما حكاه سيبويه: تطهَّرت طهوراً حسناً، وتوضأت وضوءاً، فهذا مصدرٌ على فعولٍ بفتح الفاء. ومثله: وقدت النار وقوداً، في أحرفٍ أخر. وأما الاسم الذي ليس بمصدر، فما جاء من قوله: «طهور إناء أحدكم كذا» «2» فالطَّهور اسم لما يطهِّر، كالفطور «3»، والوجور «4»، والسَّعوط «5»، واللّدود «6».

_ (1) في (م): الحيض. (2) قطعة من حديث رواه مسلم- 1/ 234 برقم 91 - 92 وتتمته: إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهنّ بالتراب. (3) الفطور: الحليب يخرج من ضرع الناقة. اللسان (فطر). (4) الوجور: دواء يوجر في وسط الفم. اللسان (وجر). (5) السّعوط: دواء يصب في الأنف. اللسان (سعط). (6) اللدود: ما سقي الإنسان في أحد شقي الفم، اللسان (لدد).

وأما كونه صفةً فهو قوله تعالى «1»: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً [الفرقان/ 48] فهذا كالرسول، والعجوز، ونحو ذلك من الصفات التي جاءت على فعولٍ ولا دلالة فيه على التكرير، كما لم يكن متعدّياً نحو: ضروبٍ، ألا ترى أن فعله غير متعدٍ تعدِّي ضربت. ومن الصفة قوله جل وعز «2»: وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً [الإنسان/ 21] فوصف بالطّهور لمّا كان خلافا لما ذكر في قوله: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ [إبراهيم/ 16]. ومن ذلك قوله: «هو الطهور ماؤه» «3». فالطّهور هنا صفة، ألا ترى أنه قد ارتفع به الماء كما ارتفع الاسم بالصفات المتقدمة؟ وقال تعالى «4»: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [التوبة/ 103] فمن جعل في تطهرهم ضمير الصدقة، ولم يجعله ضمير فعل المخاطب، فلما جاء من «أن الصدقة أوساخ الناس» «5» فإذا أخذت منهم كان كالرفع لذلك، ورفعه تطهيرٌ [وقال تعالى «6»]: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج/ 26] فجاء فيه طهّر لما جاء في المطهّر منه الرجس في قوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج/ 30]. وقال سبحانه «7»: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ [البقرة/ 25] فوصفهنّ

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): تعالى. (3) هذا جزء من حديث رواه أحمد في مسنده 2/ 237 ونصه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال في ماء البحر: «هو الطهور ماؤه الحلال ميتته». (4) سقطت من (ط). (5) وذلك في الحديث الذي رواه مسلم برقم 1072 وأبو داود برقم 2985: «إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس». (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): قال.

بالطهارة يحتمل أمرين: يجوز أن يكنّ تطهّرن مما يكون فيهن من الحيض، ونحوه من الأقذار. ويجوز أن يكنّ مطهَّراتٍ من الأخلاق السيئة لما فيهن من حسن التبعّل. ودلّ على ذلك قوله: فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً [الواقعة/ 37] وأنشد يعقوب وثعلب «1»: وبالبشر قتلى لم تطهّر ثيابها وفسّراه بأنه لم يطلب بثأرهم ووجه ذلك: أنهم إذا قتلوا قتيلًا قالوا: دمه في ثوب فلانٍ، يعنون القاتل. وعلى هذا قول أوسٍ «2». نبّئت أنّ دماً حراماً نلته ... وهريق في بردٍ عليك محبّر وقال «3»: نبّئت أن بني جذيمة «4» أدخلوا ... أبياتهم تامور نفس المنذر وقال [أبو ذؤيب] «5»:

_ (1) عجز بيت لجرير وصدره في (ديوانه/ 52): أبا مالك مالت برأسك نشوة (2) (ديوانه/ 47) هراق الماء يهريقه هراقة: بمعنى أراق- المحبر: الجديد المزخرف من الثياب. (3) البيت لأوس بن حجر أيضاً في الديوان/ 47 وفي القصيدة التي منها البيت السابق. (4) في (م) تحت كلمة جذيمة: الصواب: بني سحيم. وكذلك الرواية في الديوان. والتامور: الدم، قال السكري في (شرح أشعار الهذليين 1/ 77): لم يرد أنهم أدخلوه أبياتهم، ولكنهم صاروا المطلوبين بدمه. (5) سقطت من (م). ووردت في (ط) على طرة الصفحة. والبيت من قصيدة له يرثي بها نشيبة بن محرّث. شرح أشعار الهذليين 1/ 77 - اللسان (مادة أزر).

تبرّأ من دم القتيل وثوبه ... وقد علقت دم القتيل إزارها علامة التأنيث في علقت للإزار. وأنّثها كما أنّثه ابن أحمر في قوله: طرحنا إزاراً فوقها أيزنيّةٌ ... على منهلٍ من قدقداء «1» ومورد وأنشد الأعشى «2» بإلحاق علامته في قوله «3»: ترفل في البقيرة والإزاره «4»

_ (1) في (ط): فدفداء. وقد اضطربت المصادر في هذه الكلمة ضبطاً وإعجاما، فقد ورد في معجم ما استعجم 3/ 1015 (الفاء والدال): «فدفداء: بفتح أوله وإسكان ثانيه بعدهما مثلهما. ويعقوب يقول: فدفداء، بضم الفاءين: ماء معروف، قال ابن أحمر: .. طرحنا فوقها أبينيّةً ... على مصدر من فدفداء ومورد قوله: أبينية، يعني: ثياباً من أبين» ا. هـ. وأبين: قرية على جانب البحر ناحية اليمن (اللسان). وبهذه الرواية عن المعجم في شعره ص 50. وفي اللسان (قدد) ما نصه: وقدقداء: موضع. عن الفارسي قال: وأورد عجز البيت. وفي معجم البلدان: قدقداء: موضع في اليمن. ولم يرد عنده فدفداء بفاءين اسم لأي موضع. والأيزنيّ: رمح منسوب إلى يزن ملك من ملوك حمير تنسب إليه الرماح، ووزنه: عيفلي (اللسان: يزن). (2) في (ط): وأنشده للأعشى. (3) قطعة بيت من قصيدة يهجو فيها الأعشى شيبان بن شهاب الجحدري. وتمامه في الديوان/ ص 153 واللسان (أزر): كتمايل النشوان ير فل في البقيرة والإزاره والبقيرة: ثوب يشق فيلبس بلا أكمام. (4) في (ط): ترفل في البقير وفي الإزاره.

وإذا علقت إزاره دمها «1»، صار دمه «2» في ثوبها. فأما قوله عز وجل: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر/ 4] فإنه أمر بالتزكّي واجتناب المأثم. قال قتادة: كانوا يقولون للرجل إذا نكث، ولم يوف بالعهد دنس الثياب، فإذا أوفى وأصلح قالوا: طاهر الثياب. فمما سلكوا فيه هذا المسلك قوله «3»: وقد لبست بعد الزبير مجاشعٌ ... ثياب التي حاضت ولم تغسل الدّما وكذلك قوله «4»: ثياب بني عوفٍ طهارى نقيّةٌ ... وأوجههم بيض المسافر غرّان يريد: أنهم لا يأتون ما يقال لهم فيه دنسو الثياب، وكذلك قوله: وأوجههم بيض المسافر، يريد: أنهم لا يرتكبون ما يدنّس الثياب ويسوّد الوجوه، قال تعالى «5»: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [النحل/ 58] فليس المعنى السواد الذي هو خلاف البياض، ولكن على ما يلحق من غضاضةٍ عن مذمّةٍ. ونزّلوا ولادة الأنثى- وإن لم يكن

_ (1) في (ط): إزارها دمه. (2) سقطت من (ط). (3) البيت لجرير من قصيدة يهجو فيها البعيث الديوان 2/ 983. (4) البيت لامرئ القيس من قصيدة يمدح فيها بني عوف، وقافيتها مكسورة ففيه إقواء. (ديوانه ص 213 ط السندوبي) وفي اللسان (سفر): مسافر الوجه: ما يظهر منه. قال امرؤ القيس: وأوجههم ... البيت. وفي تفسير القرطبي 19/ 63 نسبه لأبي كبشة. (5) سقطت من (ط).

البقرة: 229

فعلهم «1» - منزلة ما يكون من فعلهم، مما يلحق من أجله العار. وعلى هذا ما يمتدح به «2» من الوصف بالبياض، ليس يراد به بياض اللون، كقول الأعشى «3»: وأبيض مختلطٍ بالكرام ... يجود ويغزو إذا ما عدم وقول الآخر «4»: أمّك بيضاء من قضاعة قد ... نمت لك الأمهات والنّضد [البقرة: 229] اختلفوا في ضم الياء وفتحها من قوله جلّ وعزّ «5»: إِلَّا أَنْ يَخافا [البقرة/ 229]. فقرأ حمزة وحده: يَخافا بضم الياء. وقرأ الباقون: يَخافا بفتح الياء «6». [قال أبو علي] «7» قال أبو عبيدة: إِلَّا أَنْ يَخافا معناها: يوقنا، فَإِنْ خِفْتُمْ هاهنا: فإن أيقنتم. و: إِنْ «8» ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [البقرة/ 230] معناه: أيقنا «9». وقال بعض البغداذيين: إِلَّا أَنْ يَخافا مثل: يظنا، قال:

_ (1) في (ط): من فعلهم. (2) سقطت من (م). (3) ورد في الديوان (ص 35) برواية: وأبيض كالسيف يعطي الجزيل ... يجود ويغزو إذا ما عدم (4) جاء في اللسان (مادة: بيض) برواية: أمّك بيضاء من قضاعة في ال ... بيت الذي تستظل في طنبه (5) في (ط): عزّ وجلّ. (6) السبعة ص 183. (7) سقطت من (ط). (8) في (ط): إن. (9) مجاز القرآن ص 74.

والظن والخوف واحد «1». قال أبو علي: خاف: فعلٌ يتعدى إلى مفعولٍ واحد. وذلك المفعول يكون أن وصلتها ويكون غيرها، فأما تعديه إلى غير أن فنحو قوله عزّ وجلّ «2»: تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [الروم/ 28] وتعديته «3» إلى «أن» كقوله تعالى: تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ [الأنفال/ 26] وقوله: أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النور/ 50]. فإن عدّيته إلى مفعولٍ ثانٍ، ضعّفت العين، أو اجتلبت حرف الجر، كقولك: خوّفت الناس ضعيفهم قويّهم، وحرف الجر كقوله: لو خافك الله عليه حرّمه «4» ومن ذلك قوله عزّ اسمه: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ [آل عمران/ 175] ف يُخَوِّفُ قد حذف معه مفعولٌ يقتضيه تقديره: يخوّف المؤمنين بأوليائه، فحذف المفعول والجارّ، فوصل الفعل إلى المفعول الثاني، ألا ترى أنه لا

_ (1) قال في معاني القرآن 1/ 145 عند قوله سبحانه: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ: وفي قراءة عبد الله إلا أن تخافوا فقرأها حمزة على هذا المعنى إِلَّا أَنْ يَخافا ولا يعجبني ذلك. وقرأها بعض أهل المدينة كما قرأها حمزة. وهي في قراءة أبيّ: إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله الخوف والظن متقاربان في كلام العرب. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وتعديه. (4) من رجز نسبه في اللسان (روح) لسالم بن دارة، وقبله: يا أسديّ لم أكلته لمه وهو في الإنصاف/ 299، والعيني 4/ 555 والأشموني 4/ 217.

يخوّف أولياءه، على حدّ قولك: خوّفت اللصّ، إنما يخوّف غيرهم ممن لا استنصار له بهم، ومثل هذه في حذف المفعول منه قوله تعالى «1»: فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص/ 7] المعنى: إذا «2» خفت عليه فرعون، أو الهلاك. فالجارّ المظهر في قوله: فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ بمنزلة المحذوف من قوله: أَوْلِياءَهُ. وإذا كان تعدي هذا الفعل على ما وصفنا، فقول حمزة: إِلَّا أَنْ يَخافا مستقيمٌ، لأنه لما بنى الفعل للمفعول به، أسند الفعل إليه، فلم يبق شيءٌ يتعدى إليه. فأما (أن) في قوله تعالى «3»: أن لا يقيما فإن الفعل يتعدى إليه بالجار، كما تعدّى بالجار في قوله «4»: لو خافك الله عليه حرّمه وموضع أَنْ في قوله: إِلَّا أَنْ يَخافا «5»: جرّ بالجار

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): فإذا. (3) سقطت من (ط). (4) سبق قريباً. (5) ورد في طرة (ط) هذه التعليقة: صوابه في قوله: أَنْ يُقِيما. لأن أن وما بعدها في قوله: إِلَّا أَنْ يَخافا موضعها نصب: إما على الحال، وإما على المفعول من أجله، على الخلاف في ذلك، ولعل هذا وقع وهماً من الناسخ لا من أبي علي. ويؤيد ذلك قوله بعد: لأنه لما حذف الجار، وصل الفعل إلى المفعول الثاني .......... قال شيخنا: ليس ذلك بصحيح، ولم يذكر النحويون خاف في الأفعال التي تتعدى إلى اثنين، وأصل أحدهما أن يكون بحذف الحرف، وعدوا تلك الأفعال وخاف لا يتعدى إلا إلى واحد. وإذا جاء: خفت زيداً ضربه

المقدّر على قول الخليل والكسائي، ونصب على قول غيرهما، لأنه لما حذف الجارّ وصل الفعل إلى المفعول الثاني، مثل: أستغفر الله ذنباً «1» .. و: أمرتك الخير «2» ... فقوله مستقيم على ما رأيت. فإن قال قائل: لو كان يَخافا كما قرأ، لكان ينبغي أن يكون: فإن خيفا، قيل: لا يلزمه هذا السؤال لمن خالفه في قراءته، لأنهم قد قرءوا: إِلَّا أَنْ يَخافا ولم يقولوا: فإن خافا فهذا لا يلزمه لهؤلاء. وليس يلزم الجميع هذا السؤال لأمرين: أحدهما أن يكون انصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثم قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وقال: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم/ 39] وهذا النحو كثيرٌ في التنزيل وغيره. والآخر: أن يكون الخطاب في قوله تعالى «3»: فَإِنْ خِفْتُمْ

_ عمرا، كان بدلا. أو: من ضربه عمرا، كان مفعولا من أجله، ولا يفهم ذلك على أنه مفعول ثان. (1) هذا أول بيت تتمته: .......... لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل الكتاب 1/ 17 ولم يعزه لقائل. وعنه في الخصائص 3/ 247. (2) جزء بيت لعمرو بن معد يكرب وتتمته: .. فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب انظر الكتاب 1/ 17 والخزانة 1/ 164. وشعره ص 47. (3) سقطت من (ط).

مصروفاً إلى الولاة والفقهاء، الذين يقومون بأمور الكافة، وجاز أن يكون الخطاب للكثرة، فيمن جعله انصرافاً من الغيبة إلى الخطاب، لأن ضمير الاثنين في يَخافا ليس يراد به اثنان مخصوصان، إنما يراد به أن كلّ من كان هذا شأنه فهذا حكمه. فأمّا من قرأ: يَخافا بفتح الياء، فالمعنى أنه إذا خاف كلّ واحدٍ من الزّوج والمرأة ألا يقيما حدود الله تعالى «1»، حلّ الافتداء، ولا يحتاج في قولهم إلى تقدير الجار، وذلك أن الفعل يقتضي مفعولًا يتعدى إليه كما يقتضيه في نحو قوله تعالى «1»: فلا تخافوهم وخافوني [آل عمران/ 175]، ولا بد من تقدير الجارّ «3» في قراءة من ضمّ الياء، لأن الفعل قد أسند إلى المفعول، فلا يتعدى إلى المفعول الآخر إلا بالجار. فأمّا ما قاله الفرّاء «4» في قراءة حمزة: إلا بأن يخافا

_ (1) سقطت من (ط). (3) في حاشية (ط) تعليقة نصها: (في قوله: ولا بد من تقدير الجار .. إلخ نظر، لأنه إنما يلزم ذلك على ما قدره هو، وإنما على ما ذكره غيره من أنّ أَنْ يُقِيما في موضع يقع بدل اشتمال من ضمير الاثنين في يخافا، فلا يلزم ذلك، ويكون خاف معدى إلى مفعول واحد وهو القائم مقام الفاعل بعد هذين وأَنْ يُقِيما بدل اشتمال على حد قولك: أعجبني الزيدان علمهما. هـ. وهنالك كلمة بلغ سماعاً. (4) معاني القرآن 1/ 146 ونص كلامه: (وأما ما قال حمزة، فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة عبد الله فلم يصبه، والله أعلم، لأن الخوف إنما وقع على «أن» وحدها إذ قال: ألا يخافوا أن لا، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن، ألا ترى أن اسمهما في الخوف مرفوع بما لم يسم فاعله، فلو أراد: ألا يخافا على هذا، أو يخافا بذا، أو من ذا، فيكون

البقرة: 233

من أنّه اعتبر قراءة عبد الله: إلا أن تخافوا فلم يصبه، لأن الخوف في قراءة عبد الله واقع على أن، وفي قول حمزة: على الرجل والمرأة. فإن بلغه ذلك في رواية عنه فذاك، وإلا، فإذا اتجه قراءته على وجه صحيح، لم يجز أن ينسب إليه الخطأ، وقد قال عمر [رحمه الله] «1»: لا تحمل فعل أخيك على القبيح ما وجدت له في الحسن مذهباً. [البقرة: 233] واختلفوا «2» في نصب الراء ورفعها من قوله جلّ وعزّ: لا تُضَارَّ والِدَةٌ [البقرة/ 233]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبان عن عاصم: لا تُضَارَّ والِدَةٌ رفعاً. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: لا تُضَارَّ نصباً. وليس عندي عن ابن عامر في هذا شيء من رواية ابن ذكوان، ولكنّ المعروف عن أهل الشام النصب. قال أبو علي «3»: وجه قول من رفع أنّ قبله مرفوعا، وهو قوله لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها [البقرة/ 233] فإذا أتبعته ما قبله كان أحسن لتشابه اللفظ. فإن قلت: إنّ ذلك خبر، وهذا أمر؛ قيل: فالأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التنزيل، ألا ترى أنّ قوله وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [البقرة/ 228] وقوله:

_ على غير اعتبار قول عبد الله جائزا، كما تقول للرجل: تخاف لأنك خبيث، وبأنك وعلى أنك .. (1) سقطت من (ط). (2) سقطت الواو من (ط). (3) سقطت (قال أبو علي) من (ط)

تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الصف/ 11]، وهذا النحو، مثل ذلك، ويؤكد ذلك أن ما بعده على لفظ الخبر، وهو قوله: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ [البقرة/ 233]، والمعنى: ينبغي ذلك، فلما وقع موقعه صار في لفظه. ومن فتح جعله أمراً، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف، وعلى هذا قول سيبويه «1»: لو سمّيت رجلا بإسحارّ «2»، فرخّمته على قول من قال: يا حار، لقلت: يا إسحارّ، ففتحت من أجل الألف التي قبلها، وعلى هذا حرّك بالفتح قول الشاعر «3»: وذي ولد لم يلده أبوان حرّك بالفتح لالتقاء الساكنين، لأن أقرب الحركات إليه الفتحة. فأما قوله وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة/ 282] فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل، كأنه: لا يضارر كاتب ولا شهيد بتقاعده عن الكتاب والشهادة. والآخر: لا يضارر «4» أي: لا يشغل عن ضيعته ومعاشه باستدعاء شهادته وكتابته، وهو مفتوح لأن قبله أمراً، وليس الذي قبله خبراً، كما أنّ قبل الآية الأخرى خبراً، فالفتح للجزم بالنهي أحسن.

_ (1) سيبويه 1/ 340. (2) الإسحارّ: بكسر الهمزة وفتحها بقل يسمن عليه الإبل واحدته إسحارة (اللسان: سحر). (3) سبق النظر 1/ 66. (4) في معاني القرآن 1/ 150 أن عمر بن الخطاب قرأ: ولا يضارر كاتب ولا شهيد.

واختلفوا في «1» المدّ والقصر من قوله جلّ وعزّ «2»: إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ [البقرة/ 233]، فقرأ ابن كثير وحده: إذا سلمتم ما أتيتم قصراً، كذا قرأته على قنبل. وقرأ الباقون: ما آتَيْتُمْ بالمدّ، أنّ المعنى على الإعطاء «3». قال أبو علي: قد «4» جاء: آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء/ 25] وقال تعالى «5»: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً [النساء/ 20]، والمراد هنا: إعطاء المهر، وقال تعالى «6»: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الممتحنة/ 10]؛ فكما «7» جاء في هذه المواضع في المهر آتى؛ فكذلك ينبغي أن تكون في الموضع الذي اختلف فيه. ووجه قول ابن كثير أن يقدّر: إذا سلّمتم ما أتيتم نقده، أو أتيتم سوقه؛ فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وحذف الهاء من الصّلة، وكأنه قال: أتيت نقد ألف، أي: بذلته، كما تقول: أتيت جميلًا، أي: فعلته. ومما يقوي قوله قول زهير «8»: فما يك من خير أتوه فإنّما ... توارثه آباء آبائهم قبل

_ (1) سقطت الواو من (ط). (2) في (ط): عزّ وجلّ. (3) كتاب السبعة 183 مع اختلاف في الترتيب. (4) في (ط): وقد. (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): فلما. (8) انظر ص 160 من هذا الجزء.

البقرة: 236

فكما تقول: أتيت خيراً، وأتيت جميلًا، فكذلك تقول: أتيت نقد ألف. وقد وقع أَتَيْتَ موقع آتَيْتَ. ويجوز أن يكون ما في الآية مصدراً، فيكون التقدير: إذا سلّمتم الإتيان، والإتيان: المأتيّ، مما «1» يبدّل بسوق أو نقد، كقولك: ضرب الأمير، تريد: مضروبه. فأما قوله: بِالْمَعْرُوفِ يجوز أن يتعلق ب سَلَّمْتُمْ كأنه: إذا سلمتم بالمعروف ما آتيتم. ويجوز أن يتعلق ب آتَيْتُمْ على حدّ قولك: آتيته بزيد. [البقرة: 236] اختلفوا في ضمّ التاء، ودخول الألف وفتحها، وسقوط الألف من «2» قوله [جلّ وعزّ] «3» تَمَسُّوهُنَّ [البقرة/ 236]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: تَمَسُّوهُنَّ بغير ألف، حيث كان، وفتح التاء. وقرأ حمزة والكسائيّ: تماسوهن بألف وضم التاء «4». قال أبو علي: حجة من قال تَمَسُّوهُنَّ قوله [جلّ وعزّ:] «5» وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ [آل عمران/ 47] ألا ترى أنه جاء على: فعل دون فاعل، وكذلك قوله [عز اسمه] «5»: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن/ 74]، وقوله تعالى «5»: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ [النساء/ 25] فهذا كلّه على فعل.

_ (1) في (ط): ومما. (2) في (ط): في. (3) سقطت من (ط). (4) كتاب السبعة 183 - 184. (5) سقطت من (ط).

والنكاح عبارة عن الوطء، وإن كان قد وقع على العقد: قال الأعشى: «1» ومنكوحة غير ممهورة ... وأخرى يقال له فادها وقال آخر: «2» وبرحرحان غداة كبّل معبد ... نكحت نساؤكم بغير مهور وعلى الوطء يحمله سيبويه ويرويه. قال سيبويه: قالوا «3»: ضربها الفحل ضراباً كالنكاح، والقياس ضربا، ولا يقولونه، كما لا يقولون: نكحا، وهو القياس. وقالوا: ذقطها ذقطا، كالقرع، وهو النكاح ونحوه من باب المباضعة «4». وقال في موضع آخر: نكحها نكاحاً وسفدها سفاداً، وقالوا: قرعها قرعاً «5». فكما أن هذه الأفعال على فعل دون فاعل، فكذلك ينبغي أن يكون في الموضع المختلف فيه. فأمّا ما جاء في الظهار من قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة/ 4]. فلا دليل فيه على ما في هذه الآية، لأن المماسّة في الظهار محرّم، وقد أخذ على كلّ واحد منهما

_ (1) ديوانه 75. غير ممهورة: لأنها سبية أخذت قهراً في الحرب. (2) البيت لجرير وقد ورد برواية: نكحوا بناتكم بغير مهور. (ديوانه/ 196 ط الصاوي). (3) في (ط): يقال. (4) الكتاب 2/ 216. (5) الكتاب 2/ 215.

البقرة: 236

أن لا يمسّ، فمن ثمّ جاء: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا. وحجة من قرأ: ولا تماسوهن أن فاعل وفعل قد يراد بكلّ واحد منهما ما يراد بالآخر، وذلك «1» نحو: طارقت النّعل، وعاقبت اللّصّ، كما أن فعل واستفعل، يراد بكل واحد منهما ما يراد بالآخر، نحو: قرّ واستقرّ، وعلا قرنه واستعلاه، وفي التنزيل وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ [الصافات/ 14] وكذلك عجب واستعجب. [البقرة: 236] واختلفوا «2» في تحريك الدّال وتسكينها من قوله عزّ وجلّ: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ. [البقرة/ 236]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: قَدَرُهُ وقَدَرُهُ بإسكان الدال. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم: قَدَرُهُ وقَدَرُهُ متحركتين «3». قال أبو علي: قال أبو زيد: تقول قدر القوم أمرهم يقدرونه قدراً، وهذا قدر هذا: إذا كان مثله بجزم الدال، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، وقدر الله الرزق يقدره. وروى السّكّريّ: يقدره قدراً، وقدرت الشيء بالشيء. أقدره قدراً، وقدرت على الأمر أقدر قدرة وقدوراً وقدارة، ونسأل الله خير القدر.

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت الواو من (ط). (3) السبعة 184.

وقال أبو الصقر: هذا قدر هذا، واحمل قدر ما تطيق. وقال أبو الحسن: يقال: القدر والقدر، وهم يختصمون في القدر والقدر قال الشاعر «1»: ألا يا لقوم للنّوائب والقدر ... وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري وتقول: قدرت عليه الثوب؛ فأنا أقدره قدراً، لم أسمع منه بغير ذلك، وخذ منه بقدر كذا وقدر كذا لغتان، وفي كتاب الله [جلّ وعزّ] «2» فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [الرعد/ 17] وبِقَدَرِها «3» .. وعَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ وقَدَرُهُ «4» وقال تعالى «5»: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام/ 91]. لو حرّكت كان جائزاً، وكذلك: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر/ 49] لو خفّفت جاز، إلا أنّ رءوس الآي كلها متحرّكة، فيلزم الفتح لأن ما قبلها مفتوح. [قال أبو علي] «6»: قد ذكر أبو الحسن فيما حكينا عنه في غير موضع أن القدر والقدر بمعنى، وكذلك فيما حكاه أبو زيد، ألا ترى أنه قال: احمل على دابّتك «7» قدر ما تطيق. وهذا قدر هذا: إذا كان مثله. قال: وقال أبو الصقر. هذا قدر هذا، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، فحكى الإسكان والفتح بمعنى.

_ (1) هو هدبة بن خشرم من أبيات وردت في شرح أبيات المغني 5/ 235 وانظر اللسان (قدر). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) ساقطة من (م). (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): رأسك.

وقوله تعالى «1»: فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [الرعد/ 17] اتساع، والمراد في سال الوادي، وجرى النهر: جرى مياهها «2» فحذف المضاف، وكذلك قوله تعالى «3»: بِقَدَرِها أي: بقدر مياهها. ألا ترى أنّ المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها؟ لأن أنفسها على حال واحدة، وإنما تكون كثرة المياه وقلّتها وشدة جريها ولينه على قدر قلّة المياه المنزّلة وكثرتها. والأودية: واحدها واد، وهو جمع نادر في فاعل، ولا نعلم فاعلًا جاء على أفعلة، ويشبه أن يكون ذلك لتعاقب فاعل وفعيل على الشيء الواحد، كعليم وعالم، وشهيد وشاهد، ووليّ ووال، ألا ترى أنهم جمعوا فاعلًا أيضاً على فعلاء في نحو: شاعر وشعراء، وفقيه وفقهاء؟ وجعلوا فاعلًا كفعيل في التكسير؟. وقالوا: يتيم وأيتام، وأبيل وآبال «4»، وشريف وأشراف، كما قالوا: صاحب وأصحاب وطائر وأطيار؛ فكذلك جمع واد على أودية، واللام من قولهم: واد ياء، ولا يجوز أن يكون غير ياء. وقالوا: أودى الرجل إذا هلك؛ فهذا كقولهم: سالت نفسه، وفاضت نفسه، في قول من قاله بالضاد، وقالوا: أودى الرجل. وغيره قال:

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): مياههما. (3) سقطت من (ط). (4) الأبيل: الراهب. أو صاحب الناقوس، وكان النصارى يسمون عيسى عليه السلام. بالأبيل. اللسان (أبل).

البقرة: 240

كأنّ عرق أيره إذا ودى ... حبل عجوز ضفرت خمس قوى «1» فأما قوله: مودون تحمون «2» السبيل السابلا «3» فهو مفعلون: من الأداة الذي «4» يراد به السلاح، وليس من باب واد. [البقرة: 240] واختلفوا «5» في قوله عز وجلّ وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ [البقرة/ 240] في رفع الهاء ونصبها. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي: وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ برفع الهاء. وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر وحفص عن عاصم وَصِيَّةً نصباً. قال أبو علي: حجة من قال: وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ فرفع، أنه يجوز أن يرتفع من وجهين. أحدهما: أن يجعل الوصية مبتدأ والظرف خبره، وحسن الابتداء بالنكرة، لأنه موضع تحضيض، كما حسن أن يرتفع: سلام عليك، وخير بين

_ (1) أنشده ابن الأعرابي للأغلب العجلي- وودى الشيء وديا: سال (اللسان مادة/ ودى) وفيه: سبع مكان خمس. (2) في (ط): تحملون، وهو تحريف. (3) هذا رجز لرؤبة انظر الديوان/ 122 واللسان (ودي) وفيهما: مودين بدل مودون. (4) في (ط): التي. (5) في (ط): سقطت الواو.

يديك، و «أمت في حجر لا فيك» «1» وقوله «2»: لملتمس المعروف أهل ومرحب لأنها مواضع دعاء؛ فجاز فيها الابتداء بالنكرة لما كان معناها كمعنى المنصوب، والآخر: أن تضمر له خبراً فيكون قوله «3»: لِأَزْواجِهِمْ صفة وتقدير الخبر المضمر: فعليهم وصية لأزواجهم. ولو حمل حامل قوله تعالى «4»: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف/ 18، 83] على هذا لأنه موضع يحضّ نفسه فيه على الصبر، كان وجهاً. ويؤكد قول من رفع أن نحوه قد جاء في التنزيل مرفوعاً، نحو قوله: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة/ 196]، فقوله: فِي الْحَجِّ متعلق بالمصدر، وليس في موضع خبر، وقوله: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ [المائدة/ 89] وقوله فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء/ 92] فهذا النحو قد جاء مرفوعاً على تقدير إضمار خبر، فكذلك الآية.

_ (1) مثل. قال الزمخشري في المستقصى 1/ 360: «أمت في حجر لا فيك» أي جعل الله اعوجاجاً في حجر لا فيك. يضرب في دعاء الخير. وأورده سيبويه في 1/ 165 وعنه في اللسان (أمت). قال: الأمت: العوج، قال سيبويه: وقالوا: أمت في الحجر لا فيك أي: ليكن الأمت في الحجارة لا فيك، ومعناه: أبقاك الله بعد فناء الحجارة وهي مما يوصف بالخلود والبقاء. (2) عجز بيت للطفيل الغنوي وصدره: وبالسّهب ميمون النقيبة قوله انظر سيبويه 1/ 149 - الديوان/ 9. (3) في (ط): قوله عز وجل. (4) سقطت من (ط).

البقرة: 245

ومن قرأ: وَصِيَّةً حمله على الفعل ليوصوا وصية، ويكون قوله: لِأَزْواجِهِمْ وصفاً كما كان في قول من أضمر الخبر كذلك. ومن حجتهم: أن الظرف إذا تأخّر عن النكرة كان استعماله صفة أكثر، وإذا كان خبراً تقدّم على المنكّر «1» إذا لم يكن في معنى المنصوب كقوله: وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ [المؤمنون/ 63] وَلَدَيْنا مَزِيدٌ [ق/ 35] فإذا تأخرت؛ فالأكثر فيها أن تكون صفات. والمعنى في قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ: والذين يقاربون الوفاة، فينبغي «2» أن يفعلوا هذا، ألا ترى أن المتوفى لا يؤمر ولا ينهى؟!. ومثل ذلك في المعتدّة: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق/ 2] المعنى في ذلك: إذا قاربن انقضاء أجلهنّ من العدّة، لأن العدّة إذا انقضت، وقعت الفرقة، ولا خيار بعد وقوع الفرقة. [البقرة: 245] اختلفوا في تشديد العين وتخفيفها ورفع الفاء ونصبها وإسقاط الألف وإثباتها من قوله جلّ وعزّ «3»: فَيُضاعِفَهُ [البقرة/ 245] «4». فقرأ ابن كثير فيضعفه برفع الفاء من غير ألف «5» في جميع القرآن، وفي الحديد مثله رفعاً، وكذلك: يُضاعِفُ

_ (1) في (ط): النكرة. (2) في (ط): ينبغي. (3) في (ط): عز وجل. (4) والآية بتمامها: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون. (5) زاد في السبعة: مشددة العين.

[البقرة/ 261]، ويضعفه [التغابن/ 17]، ومضعفة [آل عمران/ 130]، ويضعف لها [الأحزاب/ 30] ويضعف لمن يشاء [البقرة/ 261] وما أشبه ذلك، كلّه بغير ألف. وقرأ ابن عامر: فيضعفه بغير ألف مشدّداً «1» في جميع القرآن، ووافقه عاصم على النصب في الفاء في: فَيُضاعِفَهُ إلا أنه أثبت الألف في كل القرآن. وكان أبو عمرو لا يسقط الألف من ذلك كلّه في جميع القرآن إلا في سورة الأحزاب، قوله: يضعف لها العذاب فإنه بغير ألف. وقرأ [نافع وحمزة والكسائيّ] «2» ذلك كلّه بالألف، ورفع الفاء «3». قال أبو علي: للرفع في قوله: فَيُضاعِفَهُ وجهان: أحدهما: أن تعطفه على ما في الصلة، والآخر: أن تستأنفه. فأمّا النصب في: فَيُضاعِفَهُ فإن الرفع أحسن منه «4»، ألا ترى أن الاستفهام إنما هو عن فاعل الإقراض، ليس عن الإقراض؛ فإذا كان كذلك لم يكن مثل قولك: أتقرضني فأشكرك، لأن الاستفهام هنا عن الإقراض، ولهذا أجاز سيبويه الرفع في الفعل بعد حتى في قولهم: أيّهم سار حتى يدخلها، لأن المسير «5» متيقّن غير مستفهم عنه «6»، وإنما الاستفهام هنا

_ (1) زاد في كتاب السبعة: ونصب الفاء. (2) في (ط): حمزة والكسائي ونافع. (3) في كتاب السبعة ص 185: «ورفعوا الفاء من فَيُضاعِفَهُ وفي الحديد مثله». (4) في (ط): فيه. (5) في (ط): الاستفهام. وهو سبق قلم من الناسخ. (6) سقطت من (ط).

عن الفاعل، ولم يجعله بمنزلة قولك: أسرت حتى تدخلها؟ في أن الرفع لا يجوز في الفعل بعد حتى، لأنك لم تثبت سيراً في قولك: أسرت حتى تدخلها. فصار بمنزلة قولك: ما سرت حتى ادخلها، وقد أثبتّ السير في قولك: أيّهم سار حتى يدخلها. ووجه قول ابن عامر وعاصم في النصب من فاء فَيُضاعِفَهُ أنه حمل الكلام على المعنى، كأنه لما كان المعنى: أيكون قرض؟ حمل قوله: فَيُضاعِفَهُ على ذلك «1». كما أنّ من قرأ قوله: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ [الأعراف/ 186] جزم قوله وَيَذَرُهُمْ «2» لما كان معنى قوله: فَلا هادِيَ لَهُ: لا يهده، ونحو ذلك مما يحمل فيه الكلام على المعنى دون اللفظ، ألا ترى أنّ يُقْرِضُ ليس بمستفهم عنه؟ وإذا لم يكن مستفهما عنه بالدّلالة التي ذكرنا؛ لم يجز أن ينزّل الفعل إذا ذكرته منزلة ذكر المصدر، كما لا يجوز ذلك في الإيجاب في حال السّعة. وإذا لم يجز ذلك في الإيجاب في حال السعة كما جاز في غير الإيجاب، لم يكن للنصب مساغ، وإذا كان كذلك، حملت النصب في قوله تعالى: فَيُضاعِفَهُ في قول من نصب على المعنى كما تقدم ذكره. فأمّا القول في (فيضاعف ويضعف) فكل واحد منهما في معنى الآخر، كما قال سيبويه. ومثل ذلك في أن الفعلين

_ (1) وانظر مشكل إعراب القرآن 1/ 102 - 103. (2) ذكر أبو حيان أنها قراءة ابن مصرف والأعمش والأخوين وأبي عمرو، فيما ذكر أبو حاتم (البحر المحيط 4/ 433).

البقرة: 245

بمعنى، وإن اختلف بناؤهما: قرّ واستقرّ، ومثل هذا النحو كثير. [البقرة: 245] [البقرة: 247] اختلفوا في السين والصاد من ويبسط [البقرة/ 245] وبَسْطَةً [البقرة/ 247] والْمُصَيْطِرُونَ [الطور/ 37] وبِمُصَيْطِرٍ [الغاشية/ 22]. فقرأ ابن كثير يقبض ويبسط، وبَسْطَةً وفي الأعراف: بسطة [الآية/ 69]، والمسيطرون كل ذلك بالسين. وبِمُصَيْطِرٍ بالصاد، وكذلك أخبرني قنبل. وقرأ نافع: يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وبصطة في سورة الأعراف والْمُصَيْطِرُونَ، وبِمُصَيْطِرٍ أربعة أحرف بالصاد، وسائر القرآن بالسين. وقال الحلواني عن قالون عن نافع: لا تبالي كيف قرأت: بصطة ويبسط بالصاد أو بالسين. [أبو قرة عن نافع: ويَبْسُطُ بالسين] «1». وقال حفص عن عاصم في الأعراف: بسطة ويبسط في البقرة بالسين. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ: يقبض ويبسط وبَسْطَةً وفي الأعراف بسطة بالسين. وقرءوا «2»: الْمُصَيْطِرُونَ وبِمُصَيْطِرٍ بالصاد. وأشمّ حمزة الصاد الزاي فيهما.

_ (1) ما بين المعقوفتين ساقطة من (م). (2) في (م): وقرأ. وفي السبعة: وقرأ أبو عمرو.

وذكر الفرّاء عن الكسائيّ أنه قرأ ذلك كلّه بالسين بَسْطَةً وبمسيطر والمسيطرون ويبسط. وقال أصحاب أبي الحارث وأبي عمر الدوري «1» وغيرهما عن الكسائي: بالصاد، إلا بَسْطَةً في البقرة، فإنها بالسين، وكذلك قال نصر بن يوسف عن الكسائي فيما زعم محمد بن إدريس الدنداني عنه. وقال أصحاب عاصم: بالصاد، وليس في كتابي ذلك عن يحيى عن أبي بكر. ولم يختلفوا في التي في سورة البقرة أنها بالسّين «2». [قال أبو علي] «3»: وجه قول من أبدل من السين الصاد في هذه المواضع أن الطّاء حرف مستعل يتصعّد من مخرجها إلى الحنك، ولم يتصعّد السين تصعّدها فكره التصعّد من التسفّل، فأبدل من السين حرفاً من مخرجها في تصعّد الطاء؛ فتلاءم الحرفان وصار كلّ واحد منهما وفق صاحبه في التصعّد، فزال بالإبدال ما كان يكره من التصعد عن التسفّل، ولو كان اجتماع الحرفين على عكس ما ذكرنا، وهو أن يكون التصعّد قبل التسفّل؛ لم يكره، ولم يبدلوا، ألا ترى أنهم قالوا: طمس الطريق وطسم، وقسوت وقست، فلم يكرهوا التسفّل عن تصعّد، كما كرهوا: بسط، حتى قالوا: بصط؛ فأبدلوا.

_ (1) سقطت كلمة الدوري من (م). (2) كتاب السبعة: 186 وزاد هنا: في قوله: وَزادَهُ بَسْطَةً. (3) سقطت من (ط).

ومثل ذلك قولهم: هذا مارق وحاذق، فلم يميلوا، لأنهم كرهوا أن يتسفّلوا بالإمالة، ثم يتصعّدوا بالحرف المستعلي، كما كرهوا أن يتسفلوا بالسين ثم يتصعّدوا إلى الطاء، ولو قالوا: مررت بطارد وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء/ 114] وهذا صاحب قادر؛ لم يكرهوا الإمالة، لأنه يتسفّل بعد تصعّد، والتسفّل بعد التصعّد أسهل من التصعّد بعد التسفّل، كذلك القول في بَسْطَةً وطسم [الشعراء/ 1]. فأمّا إشمام حمزة الصاد الزاي: فلأنه آثر أن يوفّق بين الحرفين من وجه آخر غير ما ذكرنا «1»، وهو أن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فضارع بالسين حرفاً مجهوراً في موضع السين، وهو الزاي، ليوافق الطاء أيضاً في الجهر كما وافقه «2» الصاد في الإطباق، فوفّق بين الحرفين من موضعين، كما فعل ذلك في قوله: الصِّراطَ وقد تقدّم ذكر ذلك حيث ذكرنا الصِّراطَ. فأمّا من لم يبدل السين في بسطة، وترك السين، فلأنه أصل الكلمتين، ولأنّ ما بين الحرفين من الخلاف يسير. فاحتمل الخلاف لقلّته، ولأن هذا النحو من الخلاف لقلّته غير معتدّ به، ألا ترى أنّ الحرفين المتقاربين، قد يقعان في رويّ، فيستجيزون ذلك كما يستجيزونه في المثلين، كقوله:

_ (1) في (ط): ما ذكرناه. (2) في (م): وافقها.

البقرة: 246

إذا ركبت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العنّدا «1» فكما جعل الدّال مثل الطاء في جمعهما في حرف الرويّ، ولم يحفل بما بينهما «2» من الخلاف في الإطباق، كذلك لم يحفل بما بين السين والطاء، فلم يقرّبها منها كما فعل الآخرون. [البقرة: 246] واختلفوا «3» في كسر السين وفتحها من عَسَيْتُمْ [البقرة/ 246]. فقرأ نافع: هَلْ عَسَيْتُمْ بكسر السين في الموضعين، وفتح الباقون السين من عَسَيْتُمْ «4»

_ (1) الرجز من شواهد المغني للبغدادي 8/ 69 قال فيه: العند: جمع عاند وهو المائل المنحرف- أو جمع عاند وعنود وهي الناقة إذا تنكبت الطريق من قوتها ونشاطها. وجاء في حاشية (ط) تعليقة نصها: هكذا رواه أبو بكر بن دريد: «العنّدا» بضم العين وتشديد النون، جعله جمع عاند، وهو المائل المنحرف، وزاد بعده: ولا أطيق البكرات الشرّدا ورواه غيره: العندا، بفتح العين وتخفيف النون. فإن قيل: ما الذي يمنعكم أن تجعلوا الألف حرف الروي في هذين البيتين؟ فقد وجدناهم استعملوا الألف رويا؟ فالجواب: إن الذي منعهم من ذلك أن الألف التي في قوله: وسطا، هي التي بدل من التنوين في الوقف. والألف التي في قوله: العندا هي التي تزاد للإطلاق في القوافي المنصوبة، وهاتان الألفان لا يجوز أن تكونا روياً، كما بين في علم القوافي فلذلك عدلنا عنه. والله أعلم. وهناك كلمة بَلَغْنا في الحاشية أيضاً. (2) في (م): يليهما. (3) في (ط): «اختلفوا» بدون واو. (4) السبعة 186.

البقرة: 249

[قال أبو عليّ] «1»: (عسيت): الأكثر فيه فتح السين وهي المشهورة. ووجه قول نافع: أنهم قد قالوا: هو عس بذاك، وما أعساه، وأعس به، حكاه ابن الأعرابي، فقولهم: عس. يقوي قراءته: هَلْ عَسَيْتُمْ، ألا ترى أن عس مثل حر وشج؟ وحر وحريّ «2» مثل: مذل ومذيل «3»، وطبّ وطبيب. وقد جاء فعل وفعل في نحو: نقمت ونقمت، وقالوا: وري الزّند، وقالوا: وريت بك زنادي؛ فاستعملوا فعل في هذا الحرف، فيما قاله أبو عثمان، فكذلك عسيت وعسيت. فإن أسند الفعل إلى ظاهر، فقياس عسيتم أن تقول: عسي زيد، مثل رضي، فإن قاله فهو قياس قوله، وإن لم يقله فسائغ له أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع، والأخرى في موضع آخر، كما فعل ذلك غيره. [البقرة: 249] واختلفوا «4» في ضمّ الغين وفتحها من قوله تعالى «5»: غُرْفَةً [البقرة/ 249]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: غُرْفَةً بفتح الغين.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في اللسان: هو عسيّ أن يفعل كذا وعس، أي: خليق، ثم نقل كلام الفارسي في توجيه قراءة نافع (مادة عسا) وحر بمعنى: خليق وجدير بكذا- والشجي: المشغول الخليّ الفارع. والحزين هو شجيّ. (3) مذل على فراشه مذلًا فهو مذل، ومذل مذالة فهو مذيل، كلاهما: لم يستقر عليه من ضعف وغرض (اللسان مذل). (4) سقطت الواو من (ط). (5) في (ط): عز وجل.

وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: غُرْفَةً بضم الغين «1». قال أبو علي: من فتح الفاء التي هي غين من غُرْفَةً عدّى الفعل إلى المصدر، والمفعول في قوله محذوف، إلّا من اغترف ماء غرفة «2». ومن قال: غُرْفَةً عدّى الفعل إلى المفعول به، ولم يعدّه إلى المصدر كما عدّاه الآخرون إليه، ولم يعدّوه إلى المفعول به، وإنّما جعلت هذا مفعولًا به، لأن الغرفة العين المغترفة، فهو بمنزلة: إلّا من اغترف ماء. والبغداديون يجعلون هذه الأسماء المشتقة من المصادر بمنزلة المصادر، ويعملونها كما يعملون المصادر؛ فيقولون: عجبت من دهنك لحيتك، وقد جاء عن العرب ما يدل على صحة ما ذهبوا إليه قال: وبعد عطائك المائة الرّتاعا «3» وأشياء غير هذا، فعلى هذا يجوز أن تنصب الغرفة نصب الغرفة. وقد قال سيبويه في نحو: الجلسة، والرّكبة: إنه قد يستغنى بها عن المصادر، أو قال: تقع مواقعها؛ فهذا كالمقارب لقولهم، ولو قيل: إن الضمّ هنا أوجه لقوله: فَشَرِبُوا مِنْهُ [البقرة/ 249]

_ (1) السبعة 187. (2) في حجة القراءات لابن زنجلة ص 140: عن أبي عمرو: ما كان باليد فهو غرفة- بالفتح- وما كان بإناء فهو غرفة- بالضم- .. وقال الزجاج: غرفة، أي: مرة واحدة باليد، ومن قرأ «غرفة» كان معناه: مقدار ملء اليد. (3) سبق انظر الجزء الأول ص 182.

البقرة: 251

والمشروب: الغرفة، لكان قولًا. فأما الباء في قوله: بِيَدِهِ فمن فتح فاء غرفة: جاز أن يتعلق بالمصدر عنده، وجاز أن يعلقه بالفعل، ومن أعمل الغرفة إعمال المصدر؛ جاز أن يعلّق الباء بها في قوله، وكلا الأمرين مذهب. [البقرة: 251] واختلفوا «1» في كسر الدال وفتحها، وإدخال الألف وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: وَلَوْلا دَفْعُ «2» اللَّهِ النَّاسَ [البقرة/ 251]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بغير ألف هاهنا، وفي الحج: إن الله يدفع [الآية/ 38]. «3» وقرأ نافع: ولولا دفاع الله إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ بألف فيهما جميعاً. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ بغير ألف، وإِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ بألف. وروى عبد الوهاب عن أبان عن عاصم: ولولا دفاع الله بألف «4». قال أبو علي (دفاع) يحتمل أمرين: يجوز أن يكون مصدراً لفعل، كالكتاب واللّقاء، ونحو «5» ذلك من المصادر

_ (1) سقطت الواو من (ط). (2) في (ط): دفاع. (3) في السبعة: وفي سورة الحج و: إن الله يدفع. يريد في مكانين من الحج: في الآية 40 وهي قوله سبحانه: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ ... الآية والآية الثانية 38 المذكورة هنا. (4) كتاب السبعة 187. (5) في (ط): وغير.

التي تجيء على فعال. كما يجيء على فعال نحو: الجمال والذّهاب. ويجوز أن يكون مصدراً لفاعل، يدلّ على ذلك قراءة من قرأ: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فالدفاع يجوز أن يكون مصدراً لهذا، كالقتال، ونظيره الكتاب في أنه جاء مصدراً لفاعل وفعل، فقوله تعالى «1»: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ [النور/ 33] الكتاب فيه مصدر كاتب، كما أن المكاتبة كذلك، وقال تعالى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء/ 24] فالكتاب مصدر لكتب الذي دلّ عليه قوله تعالى «2»: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النساء/ 23] لأن المعنى: كتب هذا التحريم عليكم كتاباً، وكذلك قوله: كِتاباً مُؤَجَّلًا [آل عمران/ 145] كأنّ معنى دفع ودافع سواء، ألا ترى أن قوله «3»: ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... فإذا المنيّة أقبلت لا تدفع فوضع أدافع موضع أدفع «4»، كأنّ المعنى: حرصت بأن أدفع عنهم المنيّة، فإذا المنيّة لا تدفع. وقال أمية «5»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) وهو أبو ذؤيب الهذلي، والبيت من قصيدته المشهورة في رثاء بنيه الخمسة الذين ماتوا في يوم واحد. انظر ديوان الهذليين/ 2. (4) عبارة (م): فوضع تدافع موضع تدفع- وفيها قلب من الناسخ. (5) اللسان (ضلل) وعنه في ديوانه 361 وروايته: لولا وثاق الله. ولا شاهد فيه. والوثاق: ما يوثق به من حبل أو سواه- ونتلّ: نصرع- ونوأد: ندفن أحياء.

البقرة: 254

لولا دفاع الله ضلّ ضلالنا ... ولسرّنا أنّا نتلّ ونوأد وإذا كان كذا فقوله: إن الله يدفع، ويدافع يتقاربان، وليس يدافع كيضارب. ومما يقوي ذلك قوله: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة/ 30]. وليس للمفاعلة التي تكون من اثنين هنا وجه. [البقرة: 254] واختلفوا «1» في الرّفع والنصب من قوله تعالى: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ [البقرة/ 254]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ بالنصب في كل ذلك بلا تنوين، وفي سورة إبراهيم: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [الآية/ 31] مثله أيضاً، وفي الطور: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الآية/ 23] مثله. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: كلّ ذلك بالرّفع والتنوين «2». قال أبو علي: خصّ البيع في قوله: لا بَيْعٌ فِيهِ لما في المبايعة من المعاوضة، فيظنّ أن ذلك كالفداء في النجاة ممّا أوعدوا به، فصار ذلك في المعنى كقوله تعالى «3»: وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها [الأنعام/ 70]، وكقوله: فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ [الحديد/ 15]، وقوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ [المائدة/ 36]، ونحو ذلك من الآي التي تعلم أنّه لا فداء لعذاب ذلك اليوم، ولا مانع منه، وكذلك قوله: لا خُلَّةٌ

_ (1) سقطت الواو من (ط). (2) السبعة 187. (3) سقطت من (ط).

لأن الخليل قد ينتفع بخلّة خليله، كما أنّ المشفوع له قد ينتفع عند شفاعة الشافع له، فأعلم سبحانه أن ذلك كلّه لا ينفع في ذلك اليوم، قال تعالى: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ [غافر/ 18]. فأما قوله: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [إبراهيم/ 31] فإنّ قوله: خِلالٌ يحتمل أمرين: يجوز أن يكون جعل الخلّة كالأسماء، كما جعل غيرها من المصادر كذلك، فكسّر تكسيرها، وجعل كقولهم: برمة وبرام، وجفرة وجفار، وعلبة وعلاب «1»، ويجوز أن يكون مصدر: خاللته مخالّة وخلالًا. أنشد أبو عبيدة «2»: ويخبرهم مكان النّون منّي ... وما أعطيته عرق الخلال وأما قوله تعالى: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الطور/ 23] فإن

_ (1) البرمة: قدر من الحجارة والجمع برام- والجفرة: وسط الشيء ومعظمه والجمع جفر وجفار. والعلبة: قدح ضخم من جلود الإبل، وقيل: العلبة من خشب كالقدح الضخم يحلب فيها والجمع علب وعلاب- وقيل: العلاب: جفان تحلب فيها الناقة. (2) مجاز القرآن 1/ 341 وهو للحارث بن زهير العبسي يصف سيفاً، وقبله: سيخبر قومه حنش بن عمرو ... إذا لاقاهم وابنا بلال والعرق بمعنى الجزاء. وعرق الخلال: ما يرشح لك الرجل به، أي: يعطيك للمودة، والنون: اسم سيف مالك بن زهير، وكان حمل بن بدر أخذه من مالك يوم قتله، وأخذه الحارث من حمل بن بدر يوم قتله. يقول: لم يعرق لي بهذا السيف عن مودة، إنما أخذته منه غصباً. انظر الجمهرة 1/ 70 والنقائض 1/ 96 والسمط 583 واللسان (عرق).

أبا عبيدة قال: اللّغا: التكلّم بما لا ينبغي، وأنشد للعجّاج «1»: عن اللّغا ورفث التكلّم قال: وتقول: لغيت تلغى، مثل: لقيت تلقى، قال: ولغا الطّير: أصواتها. وأنشد غيره «2»: باكرته قبل أن تلغى عصافره ... مستخفياً صاحبي وغيره الخافي قال أبو علي: فكأنّ اللّغو واللّغا مثل الدّلو والدلا، والعيب والعاب، ونحو ذلك مما يجيء على فعل وفعل، واللغو: التكلم بما لا ينبغي، والخوض فيما نهي عنه. قال تعالى «3»: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [القصص/ 55]، أي «4»: لا نبتغي مجاراتهم «5» ولا الخوض معهم فيما يخوضون فيه، فالمضاف محذوف، وقال تعالى «6»: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون/ 3]، فأما قوله سبحانه «7»: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان/ 72] فيجوز أن يكون المعنى: إذا مرّوا بأهل اللغو، أو: ذوي اللغو، مرّوا

_ (1) سبق الرجز في هذا الجزء ص 284. (2) هو عبد المسيح بن عسلة- وهو عبد المسيح بن حكيم وجده الأعلى مرة بن همام وعسلة أمه نسب إليها، والبيت من مفضلية برقم 73 وفي اللسان (لغا). تلغى: تصيح- وصاحبه: فرسه- يريد: أن النبت غمره وأخفاه- غيره الخافي: أي: مثله لا يخفى لطوله وإشرافه. (3) في (ط): عز وجل. (4) سقطت من (م). (5) في (ط): ممارتهم. (6) سقطت من (ط). (7) سقطت من (ط).

كراماً، فلم يجاورهم فيه، واجتنبوهم، فلم يخوضوا معهم. ويجوز أن يكون مثل قولك: مرّت بي آية كذا، ومررت بسورة كذا، أي: تلوتها وقرأتها. أي: إذا أتوا على ذكر ما يستفحش ذكره كنّوا عنه ولم يصرّحوا. وأحسب بعض المفسّرين إلى هذا التأويل ذهب فيه. وليس هذا في كلّ حال، ولكن في بعض دون بعض، فإذا كان الحال حالًا يقتضي التبيين، فالتصريح أولى، كما روي من التصريح في قصة ماعز «1»، وكما روي: «من تعزّى بعزاء الجاهلية، فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا» «2» وكما روي عن أبي بكر رضي الله عنه، أو غيره من الصحابة، أنه قال لبعض المشركين: اعضض ببظر اللات «3». وقد يستعمل اللغو في موضع آخر، وهو أن لا يعتدّ بالشيء، فمما يكون على هذا قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ [المائدة/ 89] فهذا يحمل على ما وضعت فيه الكفّارة، نحو: لا والله، وبلى والله. ومن ذلك قول الشاعر «4»:

_ (1) وهي في صحيح مسلم كتاب الحدود 3/ 1320. (2) رواه أحمد في مسنده 5/ 136. (3) رواه البخاري بشرح الفتح 5/ 248 باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط رقم الحديث 2731 - 2732. وأحمد 4/ 224 و 229 والرواية عندهما: امصص. (4) البيت لذي الرمة وقد روي في الديوان 2/ 1379: ويهلك بينها المرئي ... والمرئي: نسبة إلى امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم. وانظر شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 4/ 192.

ويلغى دونها المرئيّ لغوا ... كما ألغيت في الدّية الحوارا ألا ترى أن الدّية لا يؤخذ فيها الحوار، فصار لا اعتداد به فيها؛ فأما التأثيم فقالوا: أثم يأثم. إذا ركب مأثما «1»، فإذا حملته على ذلك قلت: أثّمته تأثيما، وفي التنزيل: إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ [المائدة/ 106] وفيه: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية/ 7] وقال تعالى «2»: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القلم/ 12]؛ فيجوز أن يكون: آثم وأثيم، مثل: عالم وعليم وشاهد وشهيد، ويجوز أن يكون: أثيم من آثم، مثل: قريح وطبيب، ومذيل وسميح، فمعنى لا تأثيم: ليس فيها ما يحمل على الإثم؛ فأما من فتح بلا تنوين، فإنه جعله جواب هل فيها من لغو أو تأثيم؟ [ومن رفع جعله جواب: أفيها لغو أو تأثيم؟] «3». وقد ذكرنا صدراً من القول على النفي فيما تقدم. والمعنيان يتقاربان في أن النفي يراد به العموم والكثرة في القراءتين يدلّ على ذلك قول أمية «4»: فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به لهم مقيم

_ (1) في (ط) إثما. (2) سقطت في (ط). (3) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط). (4) هذا البيت ملفق من بيتين كما ورد في الديوان (477 - 475) ولا لغو ولا تأثيم فيها ... ولا غول ولا فيها مليم وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به لهم مقيم

ألا ترى أنه يريد من نفي اللغو- وإن كان قد رفعه- ما يريد بنفي التأثيم الذي فتحه ولم ينوّنه. فإن جعلت قوله: (فيها) خبراً أضمرت للأول خبراً وإن جعلته صفة. أضمرت لكلّ واحد من الاسمين خبراً. قال أحمد بن موسى: كلّهم قرأ: أَنَا أُحْيِي [البقرة/ 258] يطرحون الألف التي بعد النون، من أَنَا إذا وصلوا في كل القرآن، غير نافع، فإنّ ورشا وأبا بكر بن أبي أويس وقالون رووا: إثباتها في الوصل إذا لقيتها همزة في كل القرآن مثل: أَنَا أُحْيِي وأَنَا أَخُوكَ، [يوسف/ 69] إلّا في قوله: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الشعراء/ 15] فإنه يطرحها في هذا الموضع مثل سائر القرّاء، وتابع أصحابه في حذفها عند غير همزة، ولم يختلفوا في حذفها، إذا لم تلقها «1» همزة إلا في قوله: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [الكهف/ 38] ويأتي في موضعه إن شاء الله «2». [قال أبو علي] «3»: القول في أَنَا أنّه ضمير المتكلم، والاسم: الهمزة والنون، فأما الألف فإنّما تلحقها في الوقف،

_ والغول: الصداع وقيل:- السّكر- والمليم: اللائم أو المذنب، ومقيم: ثابت- والساهرة: الأرض. (1) في (ط) يلقها. (2) السبعة 188. وهنا ينتهي الجزء الثاني في نسخة (م) في حين يستمر الكلام في (ط). (3) سقطت من (ط).

كما تلحق الهاء له في نحو: مسلمونه، فكما أنّ الهاء التي «1» تلحق للوقف، إذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء؛ سقطت، كذلك هذه الألف تسقط في الوصل، والألف في قولهم: أنا، مثل التي في: حيّهلا، في أنها للوقف «2». فإذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء، سقطت، لأن ما يتصل به يقوم مقامه. مثل همزة الوصل في الابتداء، في نحو «3»: ابن واسم وانطلاق، واستخراج. فكما أنّ هذه الهمزة إذا اتّصلت الكلمة التي هي فيها بشيء سقطت، ولم تثبت، لأن ما يتّصل به يتوصّل به إلى النطق بما بعد الهمزة، فلا تثبت الهمزة لذلك؛ كذلك الألف في أَنَا والهاء إذا اتصلت الكلم «4» التي هما فيها بشيء، سقطتا ولم يجز إثباتهما، كما لم تثبت به «5» همزة الوصل، لأن الهمزة في هذا الطّرف، مثل الألف والهاء في هذا الطرف. وقد يجرون الوقف مجرى الوصل في ضرورة الشعر، فيثبتون فيه «6» ما حكمه أن يثبت في الوقف. وليس ذلك مما ينبغي أن يؤخذ به في التنزيل، لأنهم إنما يفعلون ذلك

_ (1) سقطت من (م). (2) فإذا وصلوا قالوا: حيّهل بعمر، وإن شئت قلت: حيّهل. انظر سيبويه 2/ 279. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): الكلمة. (5) سقطت «به» من (ط). (6) سقطت من (ط).

لتصحيح وزن، أو إقامة قافية، وذانك لا يكونان في التنزيل، فمن ذلك قوله: ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا «1» لما كان يقف على الأضخمّ بالتشديد، ليعلم أن الحرف في الوصل يتحرك «2»، أطلق الحرف، وأثبت التشديد الذي كان حكمه أن يحذف. ولهذا وجه في القياس وهو: أن الحرف الذي للإطلاق لمّا لم يلزم، لأنّ في الناس من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام «3»، فيقول: أقلّي اللّوم عاذل والعتاب «4»

_ (1) من رجز لرؤبة في ديوانه ص 183 وقبله: وصلت من حنظلة الأسطما والعدد الغطامط الغطمّا ثمّت جئت حيّة أصمّا ضخماً ... البيت كذا رواية الديوان بالنصب وتبعها ابن جني في المنصف 1/ 10 وسرّ صناعة الإعراب 1/ 179، وصاحب تاج العروس أما سيبويه فرواه في 1/ 11 برواية المصنف وفي 2/ 283 برواية: بدء بدل ضخم، والبدء: السيد. وتبع سيبويه على رواية الرفع صاحب اللسان والجوهري. وفي حاشية سر صناعة الإعراب قال ابن بري: صوابه: ضخماً بالنصب لأنه نعت لحية قبله. (2) في (ط): محرك. (3) انظر سيبويه 2/ 299. (4) صدر بيت لجرير سبق في 1/ 73.

واسأل بمصقلة البكري ما فعل «1» فكذلك يلزم أن يقول: الأضخمّ على هذا فلا يطلق فإذا كان ذلك وجهاً في الإنشاد؛ علمت أن الحرف الذي للإطلاق غير لازم، فإذا لم يلزم لم يعتدّ به، وإذا لم يعتدّ به، كان الحرف «2» المشدّد كأنّه موقوف عليه في الحكم، ومثل ذلك: لقد خشيت أن أرى جدبّا «3» ومثله «4»: ببازل وجناء أو عيهلّ ومثله «5»: تعرّض المهرة في الطّولّ

_ (1) عجز بيت للأخطل سبق في ص 211 ومصقلة: هو ابن هبيرة الشيباني. (2) سقطت من (ط). (3) سبق في 1/ 65 (حاشية). (4) لمنظور بن مرثد وقد سبق في 1/ 151 (حاشية) وانظر الضرائر لابن عصفور ص 51. (5) من رجز تابع للبيت السابق، وقبله: تعرّضت لي بمكان حلّ كما في العسكريات ص 219 والمحتسب 1/ 137 وشرح شواهد الشافية للبغدادي 4/ 249، والبيت من أرجوزة طويلة ذكرها ثعلب في مجالسه من ص 533 - 536 وذكر منها أبياتا أبو زيد في نوادره ص 53 منها الشاهد السابق.

ومثله «1»: مثل الحريق وافق القصبّا «2» فهذا النحو قد يجيء في الشعر على هذا. وليس هذا كوقف حمزة في مَرْضاتِ من مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة/ 207] لأنّ الوقف على التاء لغة حكاها عن أبي الخطّاب «3»، فقد «4» استعمل في الكلام والشعر، وهذا الذي أثبت حرف الإطلاق مع التشديد إنما هو في الشعر دون الكلام، فليس قول القائل: بل جوز تيهاء كظهر الجحفت «5» مثل: عيهلّ، والقصبّا، ويمكن أن يكون قوله: هم القائلون الخير والآمرونه «6» وقوله: ولم يرتفق والناس محتضرونه «7»

_ (1) سقطت من (م). (2) من رجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ص 169 سبق ذكره في 1/ 65 وانظر الضرائر لابن عصفور ص 50 وشرح الشافية 4/ 250 والمسائل العسكرية ص 224 والعيني 4/ 549 وابن يعيش 3/ 94. (3) أبو الخطاب هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد مولى قيس بن ثعلبة ( ... - 177 هـ) أخذ عنه سيبويه اللغات، وكان إماماً في العربية قديماً. لقي الأعراب وأخذ عنهم وعن أبي عمرو بن العلاء وطبقتهم ... وكان ديّناً ورعاً ثقة، وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، وما كان الناس يعرفون ذلك قبله؛ وإنّما كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسّروها. انظر الفهرست ص 76 والبغية 2/ 74 والأعلام 4/ 59. (4) في (ط): «وقد». (5) سبق في ص: 300. (6) وعجزه: إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما. (7) وعجزه: جميعاً وأيدي المعتفين رواهقه ..

الهاء فيه هاء الوقف التي تلحق في «مسلمونه» و «صالحونه» فألحق الهاء حرف اللين، كما ألحقوا الحرف المشدّد حرف الإطلاق، وأجروا غير القافية مجرى القافية، كما أجروا قوله: لمّا رأت ماء السّلا مشروبا «1» وإن لم يكن مصرّعاً مجرى المصرّع. ولا يجوز شيء من ذلك في غير الشعر. وأمّا ما روي عن نافع من إثباته الألف في أَنَا إذا كانت بعد الألف همزة، فإنّي لا أعلم «2» بين الهمزة وغيرها من الحروف فصلًا، ولا شيئاً يجب من أجله إثبات الألف التي حكمها أن تثبت في الوقف، بل لا ينبغي أن تثبت الألف التي حكمها أن

_ وهذا البيت مع سابقه أنشدهما سيبويه 1/ 96 شاهدين على الجمع بين النون والضمير في الآمرونه ومحتضرونه. وقال في عزوهما: وقد جاء في الشعر فزعموا أنه مصنوع. وأوردهما المبرد عن سيبويه فقال: وقد روى سيبويه بيتين محمولين على الضرورة، وكلاهما مصنوع، وليس أحد من النحويين المفتشين يجيز مثل هذا في الضرورة (الكامل 1/ 316) وذكرهما ابن عصفور في الضرائر (27 - 28) وقال: كان الوجه أن يقال: محتضروه، والآمروه، لولا الضرورة. وقوله: يرتفق، أي يتكئ على مرفق يده، والمعتفون: طلاب المعروف، ورواهقه، أي: دانية منه. وانظر شرح الكافية للرضي 2/ 232 (ت- يوسف حسن عمر) والخزانة 2/ 187 - 188. (1) هذا صدر بيت عجزه: والغرث يعصر في الإناء أرنّت وقد اختلف في نسبته إلى شبيب بن جعيل أو حجل بن نضلة. انظر شرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 247 - 248. والسّلا: الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفاً فيه. (2) في (ط): «لا أعرف».

تلحق في الوقف، وتسقط في الوصل قبل الهمزة، كما لا تثبت قبل غيرها من الحروف في شيء من المواضع. وقد جاءت ألف «1» إِنَّا مثبتة في الوصل في الشعر من ذلك: قول الأعشى «2»: فكيف أنا وانتحالي القواف ... ي بعد المشيب كفى ذاك عارا وقول الآخر «3»: أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذرّيت السّناما ومن زعم أن الهمزة في إِنَّا أصلها ألف ساكنة، ألحقت أولًا، فلما ابتدئ بها قلبت همزة، فالهمزة على هذا مبدلة من

_ (1) في (ط) «الألف في». (2) ديوانه 53. وروايته فيه: فما أنا أم ما انتحالي القوا ... ف بعد المشيب كفى ذاك عاراً وذكره أبو حيان في البحر 2/ 288، وأورده المبرد شاهداً على إثبات ألف أنا في الوصل ضرورة ثم قال: والرواية الجيدة: فكيف يكون انتحال القوافي بعد .... (الكامل 1/ 384). والمعنى: ينفي عن نفسه ما اتهم به عند الممدوح من أنه يسطو على شعر غيره وينتحله لنفسه. (3) هو حميد بن بحدل الكلبي، انظر المنصف 1/ 10 وفيه: «سيف العشيرة ... حميداً» وابن يعيش 3/ 93 والخزانة 2/ 390 وشرح شواهد الشافية 4/ 223، والصحاح أنن. وفي الأساس (ذرى) ونسبه لحميد، وعنه أثبته العلامة الميمني في ديوان حميد بن ثور ص 133 مع التحفظ فقال: الأساس (ذرى) لحميد، كذا بلا نسبة والصواب ما تقدم، وجعله ابن عصفور من الضرائر فقال: ومنها إثبات ألف أنا في الوصل إجراء لها مجرى الوقف، وأنشد بيت الأعشى السابق، وبيت حميد هذا (انظر الضرائر ص 49 - 50).

ألف؛ فإنّ قائل هذا القول جاهل بمقاييس النحويين، وبمذاهب العرب في نحوه. أما جهله بمقاييس النحويين فإنهم لا يجيزون الابتداء بالساكن، فلذلك قال الخليل: لو لفظت بدال «قد» لجلبت همزة الوصل فقلت: إد، وقال أبو عثمان: لو لم تحذف الواو من عدة ونحوها، للزمك أن تجتلب الهمزة للوصل، فقلت: إيعدة. وأما موضع الجهل بمذاهب العرب التي عليها قاس النحويون: فهو أنهم لم يبتدءوا بساكن في شيء من كلامهم، فإذا أدى إلى ذلك قياس اجتلبوا همزة الوصل. ويبيّن ذلك أنهم لم يخففوا الهمزة مبتدأة، لأن في تخفيفها تقريباً من الساكن، فكما لم يبتدءوا بالساكن، كذلك لم يبتدءوا بما كان مقرّباً منه. ومما يبيّن ذلك أنّهم إذا توالى حرفان متحرّكان [في أول بيت] «1»، حذفوا للجزم المتحرك الأول حتى يصير فعولن: عولن، وقد توالى في «متفا» من «متفاعلن» ثلاث متحركات فلم يخرموه، لما كان الثاني من «متفا» قد يسكن للزّحاف، فإذا سكن للزحاف لزمه أن يبتدئ بساكن، فإذا «2» كانوا قد رفضوا ما يؤدي إلى الابتداء بالساكن، فأن يرفضوا الابتداء بالساكن نفسه أولى، وإذا «3» كان الأمر على ما وصفنا، تبيّنت أنّ الذي قال ذلك جهل ما ذكرنا من مقاييس النحويين، ومذاهب العرب فيها أو تجاهل، وتبينت أيضاً أنه ليس في الحروف التي يبتدأ بها

_ (1) سقطت من (م) ما بين المعقوفين. (2) في (ط): فلما. (3) في (ط): «فإذا».

البقرة: 259

حرف مبدل للابتداء به، وأن الحروف التي يبتدأ بها على ضربين: متحرك وساكن، فإن كان متحركاً ابتدئ به ولم يغيّر من أجل الابتداء به، وإن كان ساكناً، اجتلبت «1» له همزة الوصل في اسم كان، أو فعل، أو حرف، وقد كان من حكم مثل هذا الرأي أن لا يتشاغل به لسقوطه وخروجه من قول الناس. [البقرة: 259] اختلفوا في إدغام الثّاء في التاء من «2» قوله تعالى: كَمْ لَبِثْتَ [البقرة/ 259] ولَبِثْتُمْ «3». فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في كلّ القرآن ذلك بإظهار الثاء. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائيّ بالإدغام. قال أبو علي: من بيّن لبثت ولم يدغم، فلتباين المخرجين، وذلك «4» أنّ الظاء والذال والثاء من حيّز، والطاء والتاء والدال من حيّز، فلمّا تباين المخرجان، واختلف الحيّزان لم يدغم. ومن أدغم أجراهما مجرى المثلين، من حيث اتفق الحرفان في أنّهما من طرف اللسان وأصول الثنايا، واتّفقا في الهمس، ورأى الذي بينهما من الاختلاف في المخرج خلافاً يسيراً فأدغم، وأجراهما مجرى المثلين. ويقوّي ذلك وقوع نحو هذا حرفي رويّ في قصيدة واحدة، فجرى عندهم في ذلك

_ (1) في (ط): اجتلب. (2) في (ط): في. (3) الكهف/ 19 والمؤمنون 112. (4) في (ط): وذاك.

البقرة: 259

مجرى المثلين. ويقوّي ذلك اتفاقهم في ستّ في الإدغام. ألا ترى أن الدّال ألزمت الإدغام في مقاربها «1»، وإن اختلفا في الجهر والهمس، ولما ألزمت الدال الإدغام في مقاربها «1»، فصارت الكلمة بذلك على صورة لا يكون في كلامهم مثلها، إلّا أن يكون صوتا، أبدلت من السين التاء، وأدغمت الدال في التاء فصار ستّا «3»، فبحسب إلزامهم الإدغام في هذه الكلمة مع اختلاف الحرفين في الجهر والهمس يحسن الإدغام في: لَبِثْتَ ولَبِثْتُمْ. ويقوّي الإدغام فيه أيضاً أنّ التاء ضمير فاعل، وضمير الفاعل يجري مجرى الحرف من الكلمة، يدلّ «4» على ذلك وقوع الإعراب بعد ضمير الفاعل في: يقومان، ونحوها، وسكون اللّام في نحو: فعلت، فضارع بذلك الحرفين المتصلين، وإذا «5» صار بمنزلة المتصلين من حيث ذكرنا، لزم الإدغام كما لزم في ستّ، وكما أدغم من أسكن العين في وتد فقال: ودّ. [البقرة: 259] اختلفوا في إثبات الهاء في الوصل من قوله عزّ وجلّ «6»: لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة/ 259] واقْتَدِهْ [الأنعام/ 90] وما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [الحاقة/ 28]

_ (1) في (ط): مقاربه. (3) عبارة اللسان (سدس): ستة وست: أصلهما: سدسة وسدس، قلبوا السين الأخيرة تاء لتقرب من الدال التي قبلها، وهي مع ذلك حرف مهموس، كما أن السين مهموسة فصار التقدير: سدت، فلما اجتمعت الدال والتاء وتقاربتا في المخرج، أبدلوا الدال تاء لتوافقها في الهمس، ثم أدغمت التاء في التاء، فصارت ست كما ترى، فالتغيير الأول للتقريب من غير إدغام، والثاني للإدغام. (4) في (ط): «يدلك». (5) في (ط): «فإذا». (6) سقطت «وجل» من (ط).

وسُلْطانِيَهْ [الحاقة/ 29] وما أَدْراكَ ما هِيَهْ [القارعة/ 10]، وإسقاطها في الوصل ولم يختلفوا في إثباتها في الوقف. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلّها بإثبات الهاء في الوصل. وكان حمزة يحذفهنّ في الوصل. وكان الكسائيّ يحذف الهاء في الوصل من قوله: يَتَسَنَّهْ واقْتَدِهْ ويثبتها في الوصل في الباقي. وكلّهم يقف على الهاء، ولم يختلفوا في كِتابِيَهْ [الحاقة/ 19 - 25] وحِسابِيَهْ [الحاقة/ 20 - 26] أنّها بالهاء في الوقف «1». قال أبو عليّ: السنة تستعمل على ضربين: أحدهما: يراد به الحول والعام «2» والآخر: يراد به الجدب، خلاف «3» الخصب. فمما أريد به الجدب قوله تعالى «4»: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ [الأعراف/ 130] ومنه ما يروى من قوله: «اللهمّ سنين كسنيّ يوسف» «5» وقول عمر: إنّا

_ (1) السبعة 188 - 189. (2) سقطت من (م). (3) في (م): وخلاف. (4) سقطت من (ط). (5) طرف من حديث أخرجه البخاري في الفتح برقم 1006 استسقاء وبرقم 4821 تفسير سورة الدخان، وبرقم 6393 دعوات ومسلم برقم 675 مسافرين وبرقم 2799 صفات المنافقين وأبو داود برقم 1442 وتر والترمذي برقم 3251 تفسير والنسائي 2/ 201 افتتاح. وانظر شأن الدعاء للخطابي ص 191 - 192. وقد وردت كلمة «سني» في (ط) بتسكين الياء، وأصلها سنين حذفت نونها للإضافة، وفي (م) ومسلم ضبطت

لا نقطع في عرق «1» ولا في عام السّنة» فلا يخلو عام السنة من أن يريد «2» به الحول أو الجدب، فلا يكون الأول لأنّه يلزم أن يكون التقدير: عام العام، ولا يكون عام العام، كما لا يكون حول الحول، فإذا لم يستقم هذا، ثبت الوجه الآخر. ومن ذلك قول أوس: على دبر الشّهر الحرام بأرضنا ... وما حولها جدب سنون تلمّع «3» فقوله: تلمّع، معناه: لا خصب فيها ولا نبات، كقولهم: السنة الشهباء، كأنها وصفت بالشّهب الذي هو البياض، كما وصف خلافها لريّ النبات فيها بالسّواد، وعلى ذلك جاء في وصف الجنتين: مُدْهامَّتانِ [الرحمن/ 64] وقال ذو الرّمة في وصف روضة «4»:

_ بالتشديد مع الكسر، وهي جمع تكسير فعلة على فعول، كما سيذكره المؤلف قريباً في رجز لأبي النجم، ففي التخفيف أعربت بالحرف وفي التشديد بالحركة. (1) كذا رواية الأصل: «عرق ... » بالراء. والعرق كما في النهاية (عرق): العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم. ولعل رواية الراء تحريف صوابه: عذق كما في النهاية (عذق): ومنه حديث عمر: «لا قطع في عذق معلّق». والحديث كما في تلخيص الحبير 4/ 78: من حديث ابن حدير عن عمر قال: «لا تقطع اليد في عذق، ولا عام سنة»، قال: فسألت أحمد عنه فقال: العذق: النخلة، وعام سنة: المجاعة. اهـ. وقد وقع لفظ: «عذق» في التلخيص، مصحفاً في المكانين إلى: «غدق» بالغين والدال. والغدق: الماء الكثير. ولا ينسجم ذلك مع معنى الحديث. (2) في (ط): «يراد». (3) البيت ليس في ديوان أوس وهو أشبه بقصيدته فيه ص/ 57 وهو في ابن يعيش 2/ 45 بغير نسبة. (4) في (م): «الروضة».

حوّاء قرحاء أشراطيّة وكفت ... فيها الذّهاب وحفّتها البراعيم «1» فأمّا قوله تعالى «2»: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى [الأعلى/ 4 - 5] فإنّ قوله: أَحْوى يحتمل ضربين: يجوز أن يكون أحوى وصفاً للمرعى كأنّه: والذي أخرج المرعى أحوى، أي: كالأسود من الرّي لشدة الخضرة فجعله غثاء بعد. ويجوز أن يكون أحوى صفة للغثاء، وذلك أنّ الرّطب إذا جفّ ويبس اسودّ بعد، كما قال: إذا الصّبا أجلت يبيس الغرقد ... وطال حبس بالدّرين الأسود «3» ومما يراد به الجدب قول حاتم: وإنّا نهين المال من غير ضنّة ... ولا يشتكينا في السنين ضريرها «4» أي: لا يشتكينا الفقير في المحل، لأنّا نسعفه ونكفيه. وإذا «5» ثبت أنّ السنة والسنين الجدوب فيجوز أن يكون

_ (1) ديوان ذي الرمة 1/ 399 من قصيدته المشهورة التي يشبب فيها بخرقاء. قوله: حواء: من الحوة: خضرة شديدة تضرب إلى السواد. قرحاء: فيها زهر أبيض كقرحة الفرس، والقرحة: بياض في وجه الفرس. أشراطية: مطرت بنوء الشرطين: نجمان من الحمل. وكفت: قطرت. الذهاب: الأمطار فيها ضعف. البراعيم: أوعية الزهر قبل أن يتفتق واحدها برعوم. (2) سقطت من (ط). (3) لم نعثر على قائله. والدرين: النبت الذي أتى عليه سنة ثم جف. والغرقد: شجر عظام من العضاه واحدتها غرقدة (اللسان). (4) ديوان حاتم الطائي/ 63 وفيه: «في غير ظنة» بدل «من غير ضنة»، و «ما» بدل «لا». (5) في (ط): «فإذا».

لَمْ يَتَسَنَّهْ: لم تذهب طراءته، فيكون قد غيّره الجدب، فشعّثه وأذهب غضارته. ولمّا كانت السنة يعنى بها الجدب، اشتقوا منها كما يشتقّ من الجدب، فقيل: أسنتوا: إذا أصابتهم السّنة فأجدبوا قال الشاعر: بريحانة من بطن حلية نوّرت ... لها أرج ما حولها غير مسنت «1» وقد اشتق من السّنة للجدب من كلتا اللغتين اللتين فيها: فأسنتوا من الواو، وقوله: ليست بسنهاء «2» من الهاء. فأمّا قوله: تأكل «3» أزمان الهزال والسّني «4»

_ (1) وهو للشّنفرى الأزدي من مفضلية برقم 20 وقبله: فبتنا كأن البيت حجّر فوقنا ... بريحانة ريحت عشاء وطلّت حلية: واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة، الأرج: توهج الريح وتفرقها في كل جانب. المسنت: المجدب. (2) هذه قطعة من بيت لسويد بن الصامت الأنصاري في اللسان (رجب- سنه) وتتمته: فليست بسنهاء ولا رجبيّة ... ولكن عرايا في السنين الجوائح قال في اللسان (رجب): يصف نخلة بالجودة، وقوله: سنهاء: حملت سنة ولم تحمل أخرى، أو التي أصابتها السنة المجدبة، ورجّب النخلة: دعمها إذا كثر حملها لئلا تتكسر أغصانها، ورجبيّة ورجّبيّة: بني تحتها رجبة: دعامة، ويكون ترجيبها: أن يجعل حول النخلة شوك لئلا يرقى فيها راق فيجني ثمرها. والعرايا: جمع عرية، وهي التي يوهب ثمرها. الجوائح: السنون الشداد التي تجيح المال. وانظر معجم تهذيب اللغة للأزهري 6/ 129 (3) في (ط): «يأكل». (4) سبق انظر ص 284.

فلا يصلح أن يقدر فيه أنّه ترخيم، لأنّ الترخيم إنّما يستقيم أن يجوز في غير النداء منه ما كان يجوز منه في النداء، فأمّا إذا لم يجز أن تكون الكلمة مرخمة في نفس النداء فأن لا يجوز ترخيمها في غير النداء أجدر. وإنما أراد بالسني: جمع فعلة على فعول، مثل: مأنة ومئون «1». وكسر الفاء كما كسر في عصيّ، وخفف للقافية كما خفّف الآخر: كنهور كان من اعقاب السّمي «2» وإنّما السّميّ كعنوق، كما أنّ سماء كعناق. ويدلّ على صحة هذا قول أبي النجم: قامت تناجيني ابنة العجليّ ... في ساعة مكروهة النّجيّ يكفيك ما موّت في السّنيّ «3» فالتخفيف والحذف الذي جاء في السنيّ للقافية، تمّم في بيت أبي النجم. والسنيّ في قول أبي النجم معناه: الجدب، كأنّه: ما موّت في الجدوب. وقالوا: سنون، وسنين، [وجاء سنين] «4» كثيراً في الشعر.

_ (1) المأنة: قال سيبويه (2/ 183): تحت الكركرة وفي اللسان (مأن): شحمة قص الصدر، وقيل: هي باطن الكركرة. (2) بيت من الرجز نسبه صاحب اللسان (كنهر) لأبي نخيلة وقال: الكنهور. من السحاب: المتراكب الثخين، قال الأصمعي وغيره: هو قطع من السحاب أمثال الجبال والسّميّ: جمع سماء، وهو السحاب والمطر. (3) سبق انظر 284. (4) سقطت من (ط).

وقد أنشدنا في كتابنا في «شرح الأبيات المشكلة الإعراب من الشعر» في «1» ذلك صدرا فمن ذلك: قول الشاعر: دعاني من نجد فإنّ سنينه ... لعبن بنا شيباً وشيّبننا مردا «2» فأمّا قوله تعالى «3»: لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة/ 259] فيحتمل ضربين: أحدهما: أن تكون الهاء لاماً فيمن قال: سنهاء، فأسكنت للجزم، والآخر: أن يكون من السنة فيمن قال: أسنتوا، وسنوات، أو يكون من المسنون الذي «4» يراد به التّغيّر كأنّه كان لم يتسنّن، ثم قلب على حد القلب في لم يتظنّن. ويحكى أنّ أبا عمرو الشيباني إلى هذا كان يذهب في هذا الحرف. فالهاء «5» في يَتَسَنَّهْ على هذين القولين تكون للوقف، فينبغي أن تلحق في الوقف، وتسقط في الدّرج. فأمّا قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلّها بإثبات الهاء في الوصل فإنّ ذلك مستقيم

_ (1) في (ط): من. (2) البيت للصمة بن عبد الله القشيري وهو في معاني القرآن 2/ 92 مع آخر بعده. وأمالي ابن الشجري 2/ 53 ومجالس ثعلب 177 و 320 والاقتضاب/ 193، والعيني 1/ 170، والخزانة 3/ 411 وضرائر الشعر 220 والصحاح (نجد) واللسان عن الفارسي (نجد) و (سنه) وروي: ذراني بدل دعاني. (3) زيادة من (م). (4) في (ط): التي. (5) في (ط): فأما الهاء.

في قياس العربية في يَتَسَنَّهْ، وذلك أنّهم يجعلون اللام في السنة الهاء، فإذا وقفوا وقفوا على اللام، وإذا وصلوا كان بمنزلة: لم ينقه زيد، ولم يجبه عمرو «1». فأما قوله تعالى: اقْتَدِهْ [الأنعام/ 90] فإنه أيضاً يستقيم، وذلك أنّه يجوز أن تكون الهاء كناية عن المصدر، ولا تكون التي تلحق للوقف. ولكن لما ذكر الفعل دلّ على مصدره، فأضمره كما أضمر «2» في قوله: وَلا يَحْسَبَنَّ «3» الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ [آل عمران/ 180]. وقال الشاعر «4»: فجال على وحشيّه وتخاله ... على ظهره سبّاً جديداً يمانيا وقال آخر «5»: هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرّشى إن يلقها ذيب فالهاء في يدرسه للمصدر، ألا ترى أنّها لا تخلو من أن تكون للمصدر أو للمفعول به، فلا يجوز أن تكون للمفعول به «6»، لأنّه قد تعدّى إليه الفعل باللّام، فلا يكون أن يتعدى إليه مرة ثانية، فإذا لم يجز ذلك علمت أنّه للمصدر، وكذلك قراءة من

_ (1) ينقه: يفهم ويفقه. ونقه من المرض: صح (اللسان) ويجبه: من جبهه إذا رده عن حاجته. (2) في (م): «أضمر». (3) كذا ضبطها المؤلف وَلا يَحْسَبَنَّ وهي قراءة، وستأتي في موضعها. (4) البيت للشاعر العبدي، انظر ابن يعيش 1/ 124 ومعنى السّبّ: الثوب الرقيق. اللسان (سبب). (5) سبق انظر ص 241. (6) في (م) للمفعول بدون «به».

قرأ: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها «1» [البقرة/ 148] إذا تعدى الفعل باللّام إلى المفعول. لم يتعدّ إليه مرة أخرى، فكذلك قوله: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام/ 90] يكون: اقتد الاقتداء، فيضمر لدلالة الفعل عليه. وأمّا إجماعهم في: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [الحاقة/ 28] وسُلْطانِيَهْ [الحاقة/ 29] وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ [القارعة/ 10] فالإسقاط للهاء في الدرج أوجه في قياس العربية. ووجه الإثبات أنّ ما كان من ذلك فاصلة أو مشبها للفاصلة في أنّه كلام تام يشبّه بالقافية، فيجعل في الوصل مثله في الوقف، كما يفعل ذلك في القافية، فيجعل في الوصل مثله في الوقف. وقول حمزة في ذلك أسدّ، وذلك أنه يحذف ذلك كلّه في الوصل، وحجته: أن من الناس من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام فيقول: واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل «2» و: أقلي اللوم عاذل والعتاب «3» فإذا كانوا قد أجروا القوافي مجرى الكلام؛ فالكلام «4» الذي ليس بموزون، أن لا يشبّه بالقوافي أولى.

_ (1) قراءة حفص عن عاصم (ولكل وجهة). (2) عجز بيت للأخطل وقد سبق. انظر 211 و 362. (3) سبق انظر 1/ 73، 2/ 361. (4) سقطت من: (م).

والكسائي قد وافق حمزة في حذف الهاء من قوله: يَتَسَنَّهْ واقْتَدِهْ، وأثبت الهاء في الوصل في الباقي، وحجته في إثباته الهاء فيما أثبت مما حذف فيه حمزة الهاء، أنه أخذ بالأمرين، فشبّه البعض بالقوافي، فأثبت الهاء فيه في الوصل كما تثبت في القوافي، ولم يشبّه البعض، وكلا الأمرين سائغ. قال أحمد بن موسى: ولم يختلفوا في كِتابِيَهْ وحِسابِيَهْ أنّها بالهاء في الوصل، فاتفاقهم في هذا دلالة «1» على تشبيههم ذلك بالقوافي، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون لهذا التشبيه، أو لأنّهم راعوا إثباتها في المصحف، فلا يجوز أن يكون لهذا الوجه، ألا ترى أنّ تاءات التأنيث أو عامّتها قد أثبتت في المصحف هاءات، لأنّ الكتابة على أنّ كلّ حرف منفصل من الآخر وموقوف عليه. فلو كان ذلك للخط، لوجب أن تجعل تاءات التأنيث في الدّرج هاءات لكتابتهم إياها هاءات، ولوجب في نحو قوله: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [الحجر/ 47] أن يكون في الدرج بالألف، لأنّ الكتابة بالألف، فإذا لم يجز هذا، علمت أنّ الكتابة ليست معتبرة في الوقف «2» على هذه «3» الهاءات. وإذا لم تكن معتبرة، علمت أنّه للتشبيه بالقوافي. ولإثبات هذه الهاءات في الوصل وجيه «4» في القياس، وذلك أنّ سيبويه حكى في العدد أنّهم يقولون: ثلاثة أربعة «5»، فقد أجروا

_ (1) في (ط): دليل. (2) في (ط): الوقوف. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): وجه. (5) سيبويه، 2/ 34 ونص كلامه فيه: وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب من

الوصل في هذا مجرى الوقف، ألا ترى أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف في إلقائه حركة الهمزة على التاء التي للتأنيث، وإبقائها هاء كما تكون في الوقف. ولم يقلبها تاء كما يقول «1» في الوصل: هذه ثلاثتك، فيجيء بالتاء؟ فكذلك قوله: كِتابِيَهْ وعلى هذا المسلك يحمل تبيين أبي عمرو النون في: ياسين والقرآن [يس/ 1 - 2] لما كانت هذه الحروف التي للتهجي موضوعة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد كذلك، وصلها وهو ينوي الوقف عليها، ولولا أنّ نيّته الوقف لم يجز تبيين النون. ألّا ترى أنّ أبا عثمان يقول: إن تبيين النون عند حروف الفم لحن؟ فعلى هذا إثبات الهاء، وهذا أيضاً ينبغي أن يكون محمولًا على ما رواه سيبويه من قولهم «2»: ثلاثة أربعة، وترك القياس على هذا أولى من القياس عليه، لقلة ذلك، وخروجه مع قلته على «3» القياس. وإذا جاء الشيء خارجاً عن قياس الجمهور والكثرة في جنس، لم ينبغ أن يجاوز به ذلك الجنس. وحروف التهجي، وأسماء العدد كالقبيل الواحد، لمجيئهما جميعاً مبنيّين، على الوقف وليس غيرهما كذلك. وسيبويه لا يعتدّ بهذه الشواذ ولا يقيس عليها. ومن رأى مخالفته جاوز بذلك باب العدد والتهجي «4».

_ يقول: ثلاثة اربعة: طرح همزة أربعة على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنّه جعلها ساكنة، والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيداً. (1) في (ط): جاء الفعلان بالتاء المضارعة. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): عن. (4) في (ط): «باب التهجي والعدد».

البقرة: 259

[البقرة: 259] اختلفوا في: الراء والزاي من قوله تعالى «1»: كَيْفَ نُنْشِزُها [البقرة/ 259] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ننشرها بضم النون الأولى وبالراء. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: نُنْشِزُها بالزاي. وروى أبان عن عاصم كيف ننشرها: بفتح النون الأولى وضم الشين «2». حدثني «3» عبيد الله بن علي عن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم مثله. وروى عبد الوهاب عن أبان عن عاصم كيف ننشرها بفتح النون الأولى وضم الشين وبالراء مثل قراءة الحسن «4». قال أبو علي: من قال: كيف ننشرها «5»، فالمعنى فيه: كيف نحييها، وقالوا: أنشر «6» الله الميّت فنشر، وفي التنزيل: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ [عبس/ 22] وقال الأعشى: يا عجبا للميّت الناشر «7» وقد وصفت العظام بالإحياء قال تعالى «8»: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس/ 78 - 79]

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (ط): بضم الشين وفتح النون الأولى. وفي السبعة زيادة: «والراء». (3) في (ط): جدتنا. (4) السبعة 189، والحسن هو البصري. (5) سقطت كلمة «كيف» من (م). (6) في (ط): وقالوا نشر. (7) عجز بيت للأعشى صدره في ديوانه/ 141. حتى يقول الناس مما رأوا وانظر البحر المحيط 2/ 286، وشرح أبيات المغني 5/ 41. ومعاني القرآن للفراء 1/ 173. (8) سقطت من (ط).

وكذلك في قوله تعالى «1»: كيف ننشرها وقد استعمل النشر في الإحياء في قوله تعالى «2»: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك/ 15] وقال تعالى «3»: وهو الذي يرسل الرياح نشرا «4» بين يدي رحمته [الأعراف/ 57] فنشر: مصدر في موضع الحال من الريح، تقديره: ناشرة، من نشر الميت فهو ناشر. قال أبو زيد: أنشر الله الريح إنشاراً: إذا بعثها، وقد أرسلها نشراً بعد الموت. فتفسير أبي زيد له بقوله: بعثها، إنّما هو لأنّ البعث قد استعمل في الإحياء من نحو قوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ [البقرة/ 56] وقال تعالى «5» وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ [الأنعام/ 60] وقال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر/ 42] فجاء في هذا المعنى الإرسال، كما جاء البعث في قوله: ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ فالمعنى واحد. ومما جاء فيه وصف الريح بالحياة، قول الشاعر: وهبّت له ريح الجنوب وأحييت ... له ريدة يحيي المياه نسيمها «6»

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): عز وجل. (3) سقطت من (ط). (4) بفتح النون، وهي قراءة حمزة والكسائي، وستأتي في موضعها. وانظر النشر 2/ 269، 270. (5) سقطت من (ط). (6) البيت في اللسان (ريد) بغير نسبة وفيه: «وأنشرت» بدل «وأحييت» و «الممات» بدل «المياه». والريدة: الريح اللينة.

وقالوا: ريح ريدة، ورادة، وريدانة، وكما وصفت بالحياة كذلك وصفت بالموت في قول الآخر: إنّي لأرجو أن تموت الرّيح ... فأقعد اليوم وأستريح «1» فكما وصفت بالنشر كذلك وصفت بالإحياء، فالنشر «2» والحياة والبعث والإرسال تقارب في هذا المعنى. فأما ما روي عن عاصم من قوله: كيف ننشرها بفتح النون الأولى، وضم الشين، وبالراء مثل قراءة الحسن، فإنّه يكون من: نشر الميّت، ونشرته أنا، مثل: حسرت الدابّة «3»، وحسرتها أنا، وغاض الماء، وغضته، قال: كم قد حسرنا من علاة عنس «4» أو يكون جعل الموت فيها طيّا لها، والإحياء نشراً. فهو على هذا مثل: نشرت الثوب. وأمّا من قرأ: نُنْشِزُها بالزاي فالنشز: الارتفاع، وقالوا لما ارتفع من الأرض: نشز قال: ترى الثّعلب الحوليّ فيها كأنّه ... إذا ما علا نشزاً حصان مجلّل «5»

_ (1) البيت في اللسان (موت) بغير نسبة وفيه: «فأسكن» بدل «فأقعد» وانظر شأن الدعاء ص 116. (2) في (ط): والنشر. (3) حسرت الدابة: أعيت وكلت. يتعدى ولا يتعدى (اللسان). (4) رجز أورده في اللسان (عنس) ولم ينسبه والعنس: الصخرة، والناقة القوية شبهت بالصخرة لصلابتها. والعلاة في (اللسان): السندان، ويقال للناقة علاة تشبّه بها في صلابتها. (5) البيت للأخطل في ديوانه 1/ 23، من قصيدة في مدح خالد بن

البقرة: 259

يريد: شرفا من الأرض، ومكاناً مرتفعاً. فتقدير نُنْشِزُها نرفع بعضها إلى بعض للإحياء، ومن هذا: النشوز من المرأة، إنّما هو أن تنبو عن الزوج في العشرة فلا تلائمه. وفي التنزيل: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً [النساء/ 128]. وقال الأعشى: ......... فأصبحت ... قضاعيّة تأتي الكواهن ناشصا «1» وقال أبو الحسن: نشز وأنشزته، ويدلّك على ما قال «2»، قوله عزّ وجلّ «3»: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا [المجادلة/ 11]. [البقرة: 259] اختلفوا في قطع الألف ووصلها، وضمّ الميم وإسكانها من قوله عزّ وجلّ: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة/ 259]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مقطوعة الألف مضمومة الميم.

_ عبد الله بن أسيد، كان أحد أجواد العرب في الإسلام وكان جواد أهل الشام. والحولي: ما أتى عليه حول، والمجلل: الذي عليه الجلال. (1) البيت في ديوانه/ 149 واللسان (قمر) من قصيدة في هجاء علقمة بن علاثة وتمام صدره: تقمّرها شيخ عشاء فأصبحت ..... البيت. قال في اللسان: قال ابن الأعرابي في بيت الأعشى: تقمرها: تزوجها وذهب بها وكان قلبها مع الأعشى، فأصبحت وهي قضاعية. نشصت المرأة على زوجها فهي ناشص: كرهته وملت صحبته. (2) في (ط): «ويدل على ما قاله». (3) زيادة من (م).

وقرأ حمزة والكسائي: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ موصولة الألف ساكنة الميم «1». قال أبو علي: أما من قرأه على لفظ الخبر، فإنّه «2» لمّا شاهد ما شاهد من إحياء الله وبعثه إياه بعد وفاته، أخبر عما تبيّنه وتيقّنه مما لم يكن تبيّنه هذا التبيين «3» الّذي لا يجوز أن يعترض عليه فيه إشكال، ولا يخطر «4» على باله شبهة ولا ارتياب، فقال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي: أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته قبل. ومن قال: أَعْلَمُ على لفظ الأمر، فالمعنى: يؤول إلى الخبر، وذاك أنّه لما تبيّن له ما تبيّن من الوجه الذي ليس لشبهة عليه منه طريق، نزّل نفسه منزلة غيره، فخاطبها كما يخاطب سواها فقال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وهذا مما تفعله العرب، ينزّل أحدهم نفسه منزلة الأجنبيّ فيخاطبها كما تخاطبه قال: تذكّر من أنّى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل «5»

_ (1) السبعة 189. (2) في (ط): «فلأنه». (3) في (ط): «التبيّن». (4) في (م): «تخطر». (5) البيت للكميت بن زيد أنشده صاحب التاج في (أبل) ونسبه للكميت، وكذلك اللسان (أبل) بلفظة (شربه) بضم الشين وذكره الطبري في تفسيره 2/ 398. وفي القرطبي 3/ 297 عند تفسير قوله تعالى: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قال ابن عطية: وتأنس أبو عليّ في هذا المعنى بقول الشاعر: وأورد البيت .... يؤامر نفسه: يشاورها. والهجمة: عدد من الإبل قريب من المائة. والإبل بكسر الباء: اسم فاعل من أبل كفرح: إذا أحسن رعية الإبل، والقيام عليها.

فجعل عزمه على وروده الشرب له «1» لجهد العطش، وعلى تركه الورود مرة لخوف الرامي وترصّد القانص نفسين له. ومن ذلك قول الأعشى: أرمي بها البيد إذا هجّرت ... وأنت بين القرو والعاصر «2» فقال: أنت، وهو يريد نفسه، فنزّل نفسه منزلة سواه في مخاطبته لها مخاطبة الأجنبيّ. ومثل ذلك قوله: ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل ... وهل تطيق وداعاً أيّها الرّجل «3» فقال: ودّع، فخاطب نفسه كما يخاطب غيره، ولم يقل: لأودّع، وعلى هذا قال: أيّها الرجل، وهو يعني نفسه. وقال: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمداً «4» فكذلك قوله لنفسه أَعْلَمُ «5» أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

_ (1) سقطت من (ط). (2) البيت في اللسان (قرا) للأعشى وفيه: «إذ أعرضت» بدل «إذا هجّرت». وليس في ديوان الأعشى. وهو أشبه بقصيدته التي يهجو فيها علقمة بن علاثة ويذكر في آخرها ناقته. انظر ديوانه ص 147 والقرو: مسيل المعصرة ومثعبها. (3) سبق انظر 1/ 318. (4) صدر بيت للأعشى عجزه: وعادك ما عاد السليم المسهّدا والسليم يطلق على اللديغ تفاؤلًا، وهو مطلع قصيدة للأعشى يمدح بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. انظر ديوانه/ 135. واستشهد به القرطبي مع سابقه في تفسيره 3/ 297 عن أبي علي للمعنى الذي ذكره أبو علي هنا. (5) ضبطها في (م): «أعلم» بالمضارع، وما أثبتناه من (ط) وهو الذي ينسجم مع ما ذهب إليه المصنف.

البقرة: 265

[البقرة/ 259] نزّله منزلة الأجنبيّ المنفصل منه، لتنبهه على ما تبيّن له ممّا كان أشكل عليه. قال أبو الحسن «1»: وهو أجود في المعنى. [البقرة: 265] اختلفوا في ضم الراء وفتحها من قوله تعالى «2»: بِرَبْوَةٍ [البقرة/ 265] فقرأ عاصم وابن عامر: بِرَبْوَةٍ بفتح الراء. وفي المؤمنين مثله. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: بِرَبْوَةٍ بضم الراء وفي المؤمنين مثله «3». قال أبو عليّ: قال أبو عبيدة «4»: الرّبوة: الارتفاع عن المسيل، وقال أبو الحسن: ربوة. وقال بعضهم: بربوة، وربوة، ورباوة، ورباوة، كلّ من لغات العرب، وهو كلّه في الرابية، وفعله: ربا يربو. قال أبو الحسن: والذي نختار: ربوة، بضم الراء وحذف الألف. قال أبو عليّ: يقوّي هذا الاختيار أنّ جمعه ربى «5»، ولا

_ (1) هو علي بن سليمان الأخفش الأصغر، أبو الحسن، شيخ أبي علي الفارسي، ذكره ابن العديم ممن أخذ عنهم الفارسي. توفي في بغداد (315 هـ) انظر بغية الوعاة 2/ 167، ومجلة المجمع 4/ 743 سنة 1983 م. (2) في (ط): عز وجل. (3) السبعة ص 190. (4) في مجاز القرآن 1/ 82 وفيه: «من المسيل» بدل «عن المسيل» (5) في (ط): على ربى.

يكاد يسمع غيره، وإذا كان فعله: ربا يربو إذا ارتفع؛ فالرابية؛ والرّبوة، إنّما هو لارتفاع أجزائها عن صفحة «1» المكان التي هي بها «2». ومنه الرّبا، وهو على ضربين: أحدهما متوعّد عليه محرّم بقوله [عز اسمه] «3»: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة/ 278] وذلك أن يأخذ المكيل أو الموزون اللّذين هما من «4» جنس واحد بأكثر من مثله في بيع أو غيره. والآخر: مكروه غير محرم، فالمكروه أن تهدي شيئاً أو تهبه، فتستثيب «5» أكثر منه، فمن ذلك قوله تعالى «6»: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الروم/ 39] كأنّ المعنى: لا يربو لكم عند الله، أي: لا يكون في باب إيجابه للثواب لكم ما يكون من إيجابه إذا أخلصتم لله، وأردتم التقرّب إليه، ألّا تراه قال: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم/ 39]. فأمّا ما في قوله: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً، فيحتمل تقديرين: يجوز أن يكون للجزاء، ويجوز أن يكون صلة، فإن قدّرتها جزاء، كانت في موضع نصب بآتيتم، وقوله: فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ

_ (1) في (ط): صحيفة. (2) في (ط): «به». (3) سقطت من (ط). (4) سقطت «من» من (ط). (5) في (ط): «يهدي شيئا أو يهبه فيستثيب» بالياء في المواضع الثلاثة. (6) سقطت من (ط).

في موضع جزم بأنّه جواب للجزاء. ويقوي هذا الوجه قوله: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ. ألّا ترى أنّه لو كان مبتدأ لعاد عليه ذكره؟ ولو جعلتها موصولة لم يكن لآتيتم موضع من الإعراب، وكان موضع ما رفعاً بالابتداء، وآتيتم صلة، والعائد إلى الموصول: الذكر المحذوف من آتيتم. وقوله: فَلا يَرْبُوا في موضع رفع بأنّه خبر الابتداء، والفاء دخلت في الخبر على حدّ ما دخلت في قوله تعالى «1»: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل/ 53] وكذلك قوله: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ [الروم/ 39] تكون الهاء العائدة المحذوفة راجعة إلى الموصول، وموضع فأولئك: رفع بأنّه خبر المبتدأ، وقال: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ ثمّ قال: فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ، فانتقل الخطاب بعد المخاطبة إلى الغيبة، كما جاء: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «2» [يونس/ 22] والفاء دخلت على خبر المبتدأ لذكر الفعل في الصلة، والجملة في موضع خبر المبتدأ الذي هو: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ وتقدّر راجعاً محذوفاً، والتقدير «3»: فأنتم المضعفون به، التقدير: فأنتم «4» ذوو الضعف بما آتيتم من زكاة، فحذفت العائد على حدّ ما حذفته من قولك: السمن منوان بدرهم، وقال تعالى «5»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): ذكر تتمة الآية: « .... بريح طيبة». (3) في (م): التقدير. بدون واو. (4) في (ط): «أنتم» بدون الفاء. (5) سقطت من (ط).

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشوري/ 43] ومثل هذه الآية في المعنى قوله جلّ وعزّ «1»: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر/ 6] حدثنا الكندي قال: حدّثنا المؤمّل: قال حدّثنا إسماعيل بن عليّة عن أبي رجاء قال: سمعت عكرمة «2» يقول: «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» قال: لا تعط شيئاً لتعطى أكثر منه» «3». فأمّا رفع تستكثر فعلى ضربين: أحدهما: أن تحكي به حالًا آتية، كما كان قوله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [النحل/ 124]

_ (1) سقطت من (ط). (2) عكرمة هو مولى عبد الله بن عباس، أحد أوعية العلم انظر ميزان الاعتدال 3/ 93. وأبو رجاء العطاردي: عمران بن تيم ويقال ابن ملحان البصري التابعي الكبير ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة وكان مخضرماً، أسلم في حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يره، وعرض القرآن على ابن عباس وتلقنه من أبي موسى، ولقي أبا بكر الصديق، وحدث عن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ... قال ابن معين: مات سنة خمس ومائة، وله مائة وسبع وعشرون سنة وقيل مائة وثلاثون. انظر طبقات القراء 1/ 604، وذكره ابن حجر في التقريب 2/ 85 وقال عنه: مخضرم ثقة معمّر مات سنة خمس ومائة وله مائة وعشرون سنة روى عنه الجماعة. - وإسماعيل بن علية: هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي- أسد خزيمة- مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية روى له الجماعة انظر تهذيب الكمال للحافظ المزي طبعة دار المأمون للتراث ص 95. أما مؤمّل: بوزن محمد، فهو مؤمل بن هشام اليشكري أبو هشام البصري ختن إسماعيل بن علية روى عنه البخاري، وأبو داود، والنسائي. - وأما الكندي الذي يروي عن مؤمّل فهو أحد اثنين أخوين: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الكندي الصيرفي، وأخوه أبو بكر أحمد بن محمد بن إبراهيم الكندي انظر تهذيب الكمال للحافظ المزي ص 1396. (3) أخرجه الطبري في التفسير 29/ 148 من طريق عكرمة وغيره.

البقرة: 260

كذلك، والآخر: أن تقدّر ما يقوله النحويون في قوله: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً، أي مقدّراً الصيد، فكذلك يكون هنا مقدراً الاستكثار. وليس للجزم اتجاه في تستكثر، ألّا ترى أنّ المعنى: ليس على أن لا تمنن تستكثر، إنّما المعنى على ما تقدّم. [البقرة: 260] اختلفوا في ضمّ الصاد وكسرها من قوله جلّ وعزّ: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ [البقرة/ 260] فقرأ حمزة وحده: فَصُرْهُنَّ بكسر الصاد. وقرأ الباقون: فَصُرْهُنَّ «1» بضم الصاد. قال أبو عليّ: «صرت» يقع على إمالة الشيء، يقال صرته، أصوره: إذا أملته إليك، وعلى قطعه، يقال: صرته أي: قطعته فمن الإمالة قول الشاعر «2»: على أنّني في كلّ سير أسيره ... وفي نظري من نحو أرضك أصور فقالوا: الأصور: المائل العنق. ومن الإمالة قوله: يصور عنوقها أحوى زنيم ... له ظاب كما صخب الغريم «3»

_ (1) في (ط): زيادة: «إليك». (2) لم نعثر على قائله. (3) البيت في أمالي القالي 2/ 52 وكتاب الفرق ص 199 - وفي المصادر الآتية- برواية: يصوع بدل يصور، قال البكري في السمط 2/ 685: أنشده أبو عبيد في الغريب، وإنما صحّة اتصاله كما أنا مورده: وجاءت خلعة دبس صفايا ... يصور عنوقها أحوى زنيم يفرّق بينها صدع رباع ... له ظأب كما صخب الغريم وقال في التنبيه ص 93: هذا ما اتبع فيه أبو علي (القالي) - رحمه الله-

فهذا لا يكون إلّا من الإمالة وكذلك قول الآخر:

_ غلط من تقدّمه، فأتى ببيت من أعجاز بيتين أسقط صدورهما، والشعر للمعلى العبدي وأنشد البيتين. والبيتان بهذه الرواية ما عدا (دبس) فإنّها وردت في المصادر (دهس) - أوردهما صاحب اللسان في مادة (زنم) ونسبهما للمعلى بن حمّال العبدي، ويتراءى لنا من هذه الرواية أن بيت المصنف ملفق من البيتين، ولكن الغريب في الأمر أن المصادر تناولت البيت بروايته المذكورة عند الفارسي ونسبته لأوس بن حجر!. ففي اللسان (ظأب) أنشده الأصمعي لأوس بن حجر وقال: وليس أوس بن حجر هذا هو التيمي لأنّ هذا لم يجيء في شعره. قال ابن بري: هذا البيت للمعلى بن جمال العبدي. اهـ منه ثم ذكره في مادة (ظرب، صدع، عنق) لأوس وفي التاج لأوس أيضاً. وكذلك نسبه الأزهري في التهذيب 1/ 254 لأوس. والظاهر عندنا من رواية الفارسي للبيت الآتي، وقوله: وكذلك قول الآخر: وجاءت خلعة دهس صفايا ... يصور عنوقها أحوى زنيم أن هنالك تداخلًا بين الروايتين، وربّما كان الشعر لشاعرين مختلفين، وتوافق عجزا البيتين عندهما إمّا من وقع الحافر على الحافر كما يقولون، وإمّا أن أحدهما أخذ من الآخر، وهذا في نظرنا ما يفسر الاختلاف في نسبة الشعر مرة لأوس وأخرى للمعلى ثم إن البيت الثاني: في كتاب الأضداد للأصمعي ص 33 برواية وكانت خلعة دهساً صفايا ... وفي الأضداد لابن السكيت ص 187 برواية المصنف، وفي المكانين نسب البيت للعبدي وكذلك في مجاز القرآن 1/ 81 ونظام الغريب للربعي ص/ 179، هنالك اختلاف بين (جمّال وحمّال) بين المصادر، وفي تفسير الطبري 3/ 54 بدون نسبة. فبعيد أن يتناقل هؤلاء الثقات بيتاً ملفقاً من البيتين، كما قال البكري، دون أن يتنبهوا له. وانظر ديوان أوس في الملحقات ص 140 فإنهما برواية اللسان (زنم). وقوله: يصوع: يسوق ويجمع، وعنوق ج عناق: للأنثى من ولد المعر، والأحوى: أراد به تيساً أسود. والحوّة: سواد يضرب إلى حمرة. والزنيم:

وجاءت خلعة دهس صفايا ... يصور عنوقها أحوى زنيم «1» ومن القطع قول ذي الرّمّة: صرنا به الحكم وعيّا الحكما «2» قال أبو عبيدة: فصلنا به الحكم. ومنه قول الخنساء: لظلّت الشّمّ منها وهي تنصار أي: تصدّع وتفلّق «3». قال أبو عبيدة، ويقال: انصارّوا: فذهبوا. قال: وصرهن من الصّور وهو القطع. قال أبو الحسن «4»: وقالوا في هذا المعنى، يعني القطع: صار يصير، وقد حكاه غيره،

_ الذي له زنمتان في حلقه. وظاب التيس وظأبه (مهموز وبدون همز): صياحه عند الهياج. وفي مجاز القرآن: ولون الدّهاس: لون الرمل، كأنه تراب رمل أدهس. خلعة: خيار شائه. صفايا: غزار. (1) انظر التعليق السابق. (2) البيت في اللسان (صور) وفيه: وأعيا بدل عيّا، ونسبه إلى العجاج، مع بيتين آخرين، وذكر الأبيات الثلاثة الدكتور عبد الحفيظ السطلي في ملحقات ديوان العجاج 2/ 335 عن اللسان. ولم نجد البيت في ديوان ذي الرمة. (3) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 81 ومصراع الخنساء ليس في ديوانها، وهو في الأضداد للأصمعي وابن السكيت ص 33 - 187 وللأنباري 23 وتفسير الطبري 3/ 54 والغريبين واللسان/ صور/ وصدر البيت «كما في البحر المحيط 2/ 300: فلو يلاقي الذي لاقيته حضن (4) هو الأخفش الأصغر سبقت ترجمته.

قال الشاعر: وفرع يصير الجيد وحف كأنّه ... على اللّيث قنوان الكروم الدّوالح «1» فمعنى هذا يميل الجيد من كثرته. ومثل هذا قول الآخر: وقامت ترائيك مغدودنا ... إذا ما ما تنوء به آدها «2» فقد ثبت أنّ الميل والقطع، يقال في كلّ واحد منهما. صار يصير. فقول حمزة: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، يكون من القطع، ويكون من الميل، كما أنّ قول من ضمّ يحتمل الأمرين، فمن قال: فصرهنّ إليك فأراد بقوله صرهنّ: أملهنّ، حذف من الكلام، المعنى: أملهنّ فقطعهنّ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً [البقرة/ 260]، فحذف الجملة لدلالة الكلام عليها، كما حذف من قوله تعالى: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشعراء/ 63] المعنى: فضرب فانفلق، وكقوله: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ [البقرة/ 196] أي: فحلق، ففدية، وكذلك قوله عز وجل «3»: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ «1» إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ [النمل/ 28]

_ (1) أنشده الفراء في تفسيره 1/ 174 عن الكسائي عن بعض بني سليم والطبري في تفسيره 3/ 53 واللسان/ صير/. (2) البيت رابع أبيات من قصيدة أبياتها 20/ عشرون بيتا لحسان في ديوانه 1/ 113، وذكره صاحب اللسان/ غدن/ والبيت في المحتسب 1/ 319 والمنصف 3/ 13، 30 عن أبي علي. (3) سقطت من (ط).

، فالقه «1» اليهم ثم تول عنهم) [النمل/ 28] قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ [النمل/ 29] فحذف: فذهب فألقى «2» الكتاب، لدلالة الكلام عليه. ومن قدّر: فَصُرْهُنَّ أو فَصُرْهُنَّ، أنّه بمعنى: قطّعهنّ، لم يحتج إلى إضمار، كما أنّه لو قال: خذ أربعة من الطير، فقطعهنّ، ثم اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا؛ لم يحتج إلى إضمار، كما احتاج في الوجه الأول. وأما «3» قوله: إِلَيْكَ فإنّه على ما أذكره لك. فمن «4» جعل فَصُرْهُنَّ أو فَصُرْهُنَّ بمعنى: قطّعهن، كان إِلَيْكَ متعلقاً ب فَخُذْ، كأنّه قال: خذ إليك أربعة من الطير فقطعهنّ ثم اجعل على ... [على كلّ جبل منهنّ جزءاً] «5». ومن جعل فَصُرْهُنَّ أو فَصُرْهُنَّ بمعنى: أملهنّ، احتمل إِلَيْكَ ضربين: أحدهما: أن يكون متعلقاً بخذ، وأن يكون بصرهن، أو بصرهن، وقياس قول سيبويه: أن يكون متعلقاً بقطعهنّ، لأنّه إليه أقرب، واستغنيت بذكر إِلَيْكَ عن تعدية الفعل الأول، كما تقول: ضربت وقتلت زيداً وإن علقته بالأول وحذفت المفعول من الفعل الثاني، فهو كقول جرير:

_ كذا الأصل بكسر الهاء وهي رواية قالون ... وسيأتي الحديث عنها في سورة النمل مفصلًا إن شاء الله. (1) ورواية حفص عن عاصم، وحمزة ساكنة الهاء. (2) في (م): «وألقى». (3) في (ط): «فأمّا». (4) في (م): «من» بدون الفاء. (5) زيادة من (ط).

كنقا الكثيب تهيّلت أعطافه ... والريح تجبر متنه وتهيل «1» اختلفوا في ضمّ الكاف وإسكانها من الأكل: فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع أُكُلَها [البقرة/ 265] خفيفة ساكنة الكاف وكذلك كلّ مضاف إلى مؤنث، وفارقهما أبو عمرو فيما أضيف إلى مذكر مثل أُكُلُهُ «2» أو غير مضاف إلى مكني مثل أُكُلٍ خَمْطٍ [سبأ/ 16] والْأُكُلِ [الرعد/ 4] فثقّله أبو عمرو وخفّفاه «3». وقرأها عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أكلها، والْأُكُلِ، وأُكُلُهُ مثقّلا كلّه. قال أبو علي: الأكل مصدر أكلت أكلا، وأكلة، فأمّا الأكل: فهو المأكول، يدل على ذلك قوله تعالى «4»: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [إبراهيم/ 25]، إنّما هو ما يؤكل منها، ومن ذلك قول الأعشى «5»:

_ (1) البيت في ديوانه 1/ 91 من قصيدة يمدح فيها عبد الملك ويهجو الأخطل وروى صاحب الأغاني في 8/ 76 البيت ضمن ثلاثة أبيات في وصف جارية بين يدي الحجاج، ودفعها له بمتاعها وبغلها ورحالها، لأنّه أحسن وصفها، مكافأة له. وقبله: ودّع أمامة حان منك رحيل ... إنّ الوداع لمن تحبّ قليل مثل الكثيب ... البيت. ووقعت الرواية في الديوان: تميل بدل ونهيل، والبيت فيه سادس أبيات من قصيدة طويلة بلغت عدتها سبعين بيتاً. (2) من قوله تعالى من سورة الأنعام/ 141: وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ. (3) انظر السبعة ص 190. (4) سقطت من (ط). (5) البيت في ديوانه/ 11 وفيه: التالد العتيق بدل الطارف التليد. وانظر اللسان أكل. وروايته في (ط): «التالد الطريف».

البقرة: 271

جندك الطارف التليد من السّا ... دات أهل القباب والآكال فالآكال: جمع أكل «1»، مثل عنق وأعناق [قال أبو علي] «2» الأكل «3» في المعنى مثل الطّعمة، تقول: جعلته أكلا له، كما تقول: جعلته طعمة له، والطّعمة ما يطعم. وقوله: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ [البقرة/ 265] فيه دلالة على أنّ الأكل: المأكول. وقال أبو الحسن: الأكل ما يؤكل، والأكل: الفعل الذي يكون منك، [تقول: أكلته «4»] أكلا، وأكلت أكلة واحدة، قال الشاعر «5»: ما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام ففتح الألف من الفعل، ويدلّك على ذلك، ولا جوعة، وإن شئت ضممت الأكلة، وعنيت الطّعام. انتهى كلام أبي الحسن. وقال أبو زيد: يقال إنّه لذو أكل، إذا كان له حظّ ورزق من الدنيا. [البقرة: 271] اختلفوا في فتح النّون وكسرها من قوله [جلّ وعزّ] «6»:

_ (1) في (ط): الأكل. (2) كذا في (ط) وهي ساقطة من (م). (3) في (م): زيادة: «كأنّ». (4) في (ط): يقال أكلت. (5) البيت في تفسير الطبري 3/ 72 - وانظر تفسير الطبري 5/ 538 ط المعارف فإن محققه نسبه لأبي مضرس النهدي. (6) زيادة من (م).

فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة/ 271] وإسكان العين وكسرها. فقرأ نافع في غير رواية ورش وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر والمفضّل فَنِعِمَّا بكسر النون، والعين ساكنة. وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص، ونافع في رواية ورش فَنِعِمَّا هِيَ بكسر النون والعين. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي فَنِعِمَّا هِيَ بفتح النون وكسر العين، وكلّهم شدّد الميم «1». قال أبو عليّ: من قرأ فَنِعِمَّا، بسكون العين من فَنِعِمَّا لم يكن قوله مستقيما عند النحويين، لأنّه جمع بين ساكنين، الأول منهما ليس بحرف مدّ ولين، والتقاء الساكنين عندهم إنّما يجوز إذا كان الحرف الأول منهما حرف لين، نحو: دابّة وشابّة، وتمودّ الثوب، وأصيم «2» لأنّه ما في الحروف من المدّ يصير عوضاً من الحركة، ألا ترى أنّه إذا صار عوضاً من الحرف المتحرك المحذوف من تمام بناء الشعر عندهم، فأن يكون عوضاً من الحركة أسهل. وقد أنشد سيبويه شعراً قد اجتمع فيه الساكنان «3» على

_ (1) انظر السبعة ص 190. (2) قوله: تمود لم ترد في المعاجم وأوردها سيبويه 2/ 407 والرضي في شرح الشافية 2/ 212 وأصيم: تصغير أصمّ. (3) وقد ردّ ابن جني في سر صناعة الإعراب والمحتسب على من ظن أن سيبويه جمع بين الساكنين فقال: «قال سيبويه كلاماً يظن به في ظاهره أنه أدغم الحاء في الهاء، بعد أن قلب الهاء الحاء، فصار في ظاهر قوله: «مسحّ». واستدرك أبو الحسن ذلك عليه وقال: إن هذا لا يجوز إدغامه؛ لأنّ السين ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين. فهذا لعمري تعلق بظاهر لفظه، فأمّا حقيقة معناه؛ فلم يرد محض الإدغام وإنّما أراد الإخفاء؛

حدّ ما اجتمعا في فَنِعِمَّا في قراءة من أسكن العين وهو: كأنّه بعد كلال الزاجر ... ومسحي مرّ عقاب كاسر «1» وأنكره أصحابه «2». ولعل أبا عمرو أخفى ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو «3» بارِئِكُمْ «4» [البقرة/ 54]، وَيَأْمُرُكُمْ «4» [البقرة/ 67] فظنّ. السامع الإخفاء إسكاناً للطف ذلك في السّمع وخفائه. وأمّا من قرأ: فَنِعِمَّا، فحجّته أنّه أصل الكلمة نعم، ثم كسر الفاء من أجل حرف الحلق. ولا يجوز أن يكون ممن قال: نعم، فلمّا أدغم حرّك، كما يقول: يَهْدِي

_ فتجوّز بذكر الإدغام، وليس ينبغي لمن قد نظر في هذا العلم أدنى نظر أن يظن سيبويه ممن يتوجه عليه هذا الغلط الفاحش حتى يخرج فيه من خطأ الإعراب إلى خطأ الوزن. لأنّ هذا الشعر من مشطور الرجز، وتقطيع الجزء الذي فيه السين والحاء: «ومس حهي» مفاعلن، فالحاء: بإزاء عين مفاعلن، فهل يليق بسيبويه أن يكسر شعراً، وهو من ينبوع العروض، وبحبوحة وزن التفعيل؟!» ا. هـ. (من سرّ الصناعة 1/ 66). (1) البيت من شواهد سيبويه 2/ 413 على إدغام الهاء في الحاء في كلمة «مسحي» كما جاء رسمها في الكتاب، وأصله: «مسحه» وفي سرّ صناعة الإعراب ص 65 والمحتسب 1/ 62. قال الأعلم: يريد- سيبويه- أنّه أخفى الهاء عند الحاء في قوله: «مسحه» وسماه إدغاما لأنّ الإخفاء عنده ضرب من الإدغام، ولا يجوز الإدغام في البيت لانكسار الشعر. وكذلك بيّنه ابن جني. وجاء رسم «مسحي» في (ط). وفي (م): «مسحه» وكتب فوقها كلمة: «مدغم». (2) من أمثال أبي الحسن الأخفش الذي ذكره ابن جني. (3) زيادة من (ط). (4) كتب فوقهما في (م): «مخفي».

[يونس/ 35] ألّا ترى أنّ من قال: هذا قدّم مالك، فأدغم، لم يدغم نحو قوله «1»: هذا قدم مالك، وجسم ماجد «2»، لأنّ المنفصل لا يجوز فيه ذلك كما جاز في المتصل قال سيبويه: أمّا قول بعضهم في القراءة: فَنِعِمَّا، فحرك العين، فليس على لغة من قال: نعم ما، فأسكن العين، ولكن على لغة من قال: نعم فحرك العين. وحدّثنا أبو الخطاب «3»: أنّها لغة هذيل، وكسر، كما قال: لعب. ولو كان الذي يقول «4»: نعمّا ممن يقول في الانفصال: نعم لم يجز الإدغام على قوله، لما يلزم من تحريك الساكن في المنفصل. وأمّا من قال: فَنِعِمَّا فإنّما جاء بالكلمة على أصلها، وهو نعم كما قال: ما أقلّت قدماي إنّهم ... نعم الساعون في الأمر المبرّ «5»

_ (1) كذا في (ط) وهي ساقطة من (م). (2) في (ط): زيادة: «بالإدغام». (3) هو الأخفش الأكبر. (4) في (ط): قال. (5) البيت من شواهد التبريزي في شرح الحماسة 2/ 85 لطرفة برواية المصنف، وعجزه في شرح الكافية 4/ 239، وفي سيبويه 2/ 408 برواية: ما أقلّت قدم ناعلها ... نعم الساعون في الحي الشّطر ونقله ابن جني عن شيخه أبي علي في المحتسب 1/ 342، 357 والخصائص 2/ 228 برواية: ما أقلت قدمي إنّهم ... نعم الساعون في الأمر المبرّ ورواية البيت في ديوان طرفة ص 72 حالتي والنفس قدما إنّهم ... نعم الساعون في القوم الشطر وقد استوفى الكلام على الشاهد البغدادي في خزانة الأدب 4/ 101. وفي اللسان (برر). المبرّ: الغالب، من أبرّه يبرّه: إذا قهره بفعال أو غيره.

البقرة: 271

ولا يجوز أن يكون ممن يقول: قبل الإدغام نعم، كما أن من قال: نعمّا لا يكون ممن قال قبل الإدغام: نعم، ولكن ممن يقول نعم، فجاء بالكلمة على أصلها وكل حسن. والمعنى في قوله تعالى «1»: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة/ 271] أن في نعم ضمير الفاعل و (ما) في موضع نصب وهي تفسير الفاعل «2» المضمر قبل الذكر فالتقدير نعم شيئاً إبداؤها، فالإبداء هو: المخصوص بالمدح إلّا أنّ المضاف حذف، وأقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات مقامه، فالمخصوص بالمدح هو الإبداء بالصدقات لا الصدقات يدلّك على ذلك قوله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة/ 271] أي: الإخفاء خير لكم، فكما أن هو ضمير الإخفاء، وليس بالصّدقات، كذلك ينبغي أن يكون ضمير الإبداء مراداً، وإنّما كان الإخفاء- والله أعلم- خيراً لأنّه أبعد من أن تشوب الصدقة مراءاة للنّاس وتصنع لهم، فتخلص لله سبحانه «3». ولم يكن المسلمون إذ ذاك ممن «4» تسبق إليهم ظنة في منع واجب. [البقرة: 271] واختلفوا «5» في الياء والنون والرفع والجزم من قوله: ونكفر عنكم من سيئاتكم [البقرة/ 271]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر:

_ (1) ساقطة من (ط). (2) أي أن (ما) تمييز للفاعل المضمر في «نعم». (3) سقطت «سبحانه» من (ط). (4) سقطت كلمة: «ممن» من (م). (5) سقطت الواو من (ط).

ونكفر بالنون والرفع. وقرأ نافع وحمزة والكسائي ونكفر بالنون وجزم الراء. وروى أبو جعفر عن نافع ونكفر بالنون والرفع. وروى الكسائيّ عن أبي بكر عن عاصم ونكفر جزم بالنون. وقرأ ابن عامر وَيُكَفِّرُ بالياء والرفع وكذلك حفص عن عاصم «1». قال أبو عليّ: من قرأ ونكفر عنكم من سيئاتكم فرفع، كان رفعه من «2» وجهين: أحدهما: أن يجعله خبر مبتدأ «3» محذوف تقديره: ونحن نكفّر عنكم سيئاتكم «4». والآخر: أن يستأنف الكلام ويقطعه مما قبله، فلا يجعل الحرف العاطف للاشتراك ولكن لعطف جملة على جملة. وأمّا من جزم فقال: ونكفر عنكم فإنّه حمل الكلام على موضع قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لأنّ قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في موضع جزم، ألّا ترى أنّه لو قال: وإن تخفوها يكن أعظم لأجركم، لجزم. فقد علمت أنّ قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في موضع جزم فحمل قوله: ويكفر «5» على الموضع. ومثل هذا في الحمل على الموضع أن سيبويه زعم أن بعض القراء قرأ:

_ (1) انظر السبعة ص 191. (2) في (ط): «علي». (3) في (ط): ابتداء. (4) سقطت من (ط). «سيئاتكم». (5) في (ط): ويكفر عنكم.

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ «1» [الأعراف/ 186] لأنّ قوله: فَلا هادِيَ لَهُ: في أنّه في موضع جزم مثل قوله: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. ومثله في الحمل على الموضع، قوله تعالى «2»: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ [المنافقون/ 10] حمل قوله وَأَكُنْ على موضع قوله: فَأَصَّدَّقَ لأنّ هذا موضع فعل مجزوم، لو قال: أخّرني إلى أجل قريب أصّدق، لجزم، فإذا ثبت أنّ قوله: فأصّدق في موضع فعل مجزوم حمل قوله: أَكُنْ «3» عليه، ومثل ذلك قوله الشاعر «4»: أنّى سلكت فإنّني لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد فحمل قوله وأزدد على موضع قوله: فإنني لك كاشح. ومثله قول الآخر، وأظنّه أبا دؤاد «5»: فأبلوني بليّتكم لعلّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا فأمّا النون والياء في قوله: نكفّر، ويكفّر، فمن قال: ويكفّر فلأن ما بعده على لفظ الإفراد، فيكفّر أشبه بما بعده من الإفراد منه بالجمع.

_ (1) انظر سيبويه 1/ 448. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): «وأكن». (4) البيت في شرح أبيات المغني 6/ 296 نقلا عن الحجة وفي تهذيب اللغة للأزهري 15/ 653 وفيه: «أيّا فعلت» مكان «أنّى سلكت». (5) البيت في ديوانه جمع كرنباوم ص 350 ومعاني القرآن للفراء 1/ 88 والخصائص 1/ 176، 2/ 341، 424 وابن الشجري 1/ 280 والنقائض 1/ 408، وتأويل مشكل القرآن ص 40، وهو من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 292، واللسان (علل).

البقرة: 273

وأمّا من قال: نكفّر على لفظ الجمع، فإنّه أتى بلفظ الجمع، ثم أفرد بعد «1» كما أتى بلفظ الإفراد ثمّ جمع في قوله تعالى «2»: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء/ 1] ثمّ قال: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ [الإسراء/ 2]. [البقرة: 273] اختلفوا في كسر السين وفتحها من قوله جلّ وعزّ «3»: يَحْسَبُهُمُ [البقرة/ 273] وتَحْسَبَنَّ [آل عمران/ 278]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: يَحْسَبُهُمُ وتَحْسَبَنَّ بكسر السين في كلّ القرآن. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: يَحْسَبُهُمُ، وتَحْسَبَنَّ. بفتح السين في كلّ القرآن. وقال هبيرة «4» عن حفص أنّه كان يفتح ثم رجع إلى الكسر «5». قال أبو عليّ: قال أبو زيد: يقال «6»: حسبت الشّيء أحسبه وأحسبه حسبانا. وحكى سيبويه أيضا: حسب يحسب ويحسب. وقال «7» أبو زيد: حسبت ذلك الحقّ حسابا وحسابة من الحساب، فأنا أحسبه. قال أبو زيد: وقال رجل من بني نمير: حسبانك على الله أي: حسابك على الله، وقال الشاعر:

_ (1) زيادة من (ط). (2) في (ط) عزّ وجلّ. (3) سقطت من (ط). (4) هو هبيرة بن محمد التمار أبو عمر الأبرش انظر الطبقات 2/ 353. (5) انظر السبعة ص 191 - 192. (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): قال.

البقرة: 279

على الله حسباني إذا النّفس أشرفت ... على طمع أو خاف شيئا ضميرها «1» وأحسبت الرجل إحسابا إذا أطعمته وسقيته حتى يشبع ويروى، وتعطيه حتى يرضى. قال أبو علي: القراءة بتحسب بفتح السّين أقيس، لأنّ الماضي إذا كان على فعل نحو حسب، كان المضارع على يفعل مثل: فرق يفرق، وشرب يشرب، وشذّ يحسب فجاء على يفعل في حروف أخر. والكسر حسن لمجيء السمع به، وإن كان شاذا عن القياس. [البقرة: 279] اختلفوا في قوله تعالى «2»: فَأْذَنُوا [البقرة/ 279] في مدّ الألف وقصرها وكسر الذّال وفتحها. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي فَأْذَنُوا مقصورة مفتوحة الذال. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة فآذنوا ممدودة مكسورة الذّال. وروى حفص عن عاصم والمفضّل فَأْذَنُوا مقصورة. حدثني وهيب بن عبد الله [المروزي] «3» عن الحسن بن المبارك عن [أبي حفص] «3» عن عمرو بن الصبّاح عن أبي

_ (1) البيت في تهذيب اللغة 4/ 331 مع نقله عن أبي زيد بتصرف، ولم ينسبه، وذكره صاحب اللسان. (حسب)، ولم نجد كلام أبي زيد في النوادر. (2) سقطت من (ط). (3) ما بين معقوفين زيادة من السبعة ص 192 وجاء اسمه في طبقات القراء 2/ 361: «وهب».

يوسف الأعشى عن أبي بكر عن عاصم أنّه قال «1»: فَأْذَنُوا وفآذنوا ممدودا ومقصورا. قال أبو علي: قال سيبويه: آذنت: أعلمت، وأعلمت: آذنت، وأذّنت: النداء، والتصويت بالإعلام. قال: وبعض العرب يجري آذنت مجرى أذّنت «2»، فمن أذّن الّذي معناه: التصويت والنداء قوله: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ [يوسف/ 70] فالأشبه في هذا الإعلام بالتصويت لقوله: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ فالتقدير: يقال: إنّكم لسارقون. فأمّا قوله: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف/ 44]. فإنّ قوله: بَيْنَهُمْ يحتمل أمرين: الأحسن فيه: أن يكون بَيْنَهُمْ ظرفا لمؤذن، كما تقول: أعلم وسطهم ولا تجعله صفة للنكرة؛ لأنّك توصله بالباء إلى أن، واسم الفاعل إذا أعمل عمل الفعل، لم يوصف، كما لا يصغّر، لأنّ الصفة تخصيص والفعل وما أجري «3» مجراه لا يلحقه تخصيص، والتصغير كالوصف بالصغر فمن ثمّ لم يستحسن: هذا ضويرب زيدا، كما لا يستحسن: هذا ضارب ظريف زيدا، ولأنّك في هذا أيضا تفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي.

_ (1) كذا الأصل وفي السبعة ص 192: «أنّه كان يقرؤها» بدل «أنّه قال». (2) انظر سيبويه 2/ 236 ففي عبارته اختلاف يسير عمّا هنا. (3) في (ط): جرى.

وإن شئت جعلت «بينهم» صفة، وقلت: إنّ معنى الفعل قد يعمل في الجارّ ويصل إليه، ألا ترى أنّك تقول: هذا مارّ أمس بزيد، فيصل اسم الفاعل إذا كان لما مضى؟ والمعنى: بأن لعنة الله، فإن «1» شئت جعلت الباء متعلقة بمؤذّن «2» مع أنّه قد «3» وصف «4»، وإن شئت جعلت «بين» ظرفا للمؤذن لا صفة، وإن شئت جعلته متعلقا بأذّن، كلّ هذا لا يمتنع. فأما قوله: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة/ 3] فإن قوله: مِنَ اللَّهِ صفة فيها ذكر من الموصوف، وكذلك إِلَى النَّاسِ ولا يكون من صلة أذان لأنّه اسم، وليس بمصدر «5»، ومن أجرى هذا الضرب من الأسماء مجرى المصادر، فينبغي أن لا يعلّق به هذا الجارّ، ألا ترى أنّ المصدر الّذي هذا منه، لا يصل بهذا الحرف كما يصل قوله: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة/ 1] به؟ «6» كقوله: برئت إلى عرينة من عرين «7» وإِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة/ 166]

_ (1) في (ط) وإن. (2) في (ط) متعلقة بقوله مؤذن. (3) زيادة من (ط). (4) في (م) زيادة: (بها) والوجه حذفها. (5) في (م) للمصدر. (6) زيادة من (ط). (7) عجز بيت لجرير صدره: عرين من عرينة ليس منّا. وانظر ديوانه 1/ 429.

فأمّا قوله: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [التوبة/ 3] فيجوز أن يتعلق بالصفة ويجوز أن يتعلق بالخبر الذي هو ب أَنَّ اللَّهَ. ولا يجوز أن يتعلق ب أَذانٌ لأنك قد وصفته، والموصوف «1» إذا وصفته لم يتعلق بشيء ولا بدّ من تقدير الجارّ في قوله: (بأن الله) لأنّ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لا يكون الإعلام، كما يكون الثاني الأول في قولك «2»: خبرك أنّك خارج. فأمّا قوله تعالى «3»: فقل آذنتكم على سواء [الأنبياء/ 109]، فقوله: على سواء يحتمل ضربين: أحدهما أن يكون صفة لمصدر محذوف، والآخر: أن يكون حالا، فإذا جعلته وصفا للمصدر كان التقدير: آذنتكم إيذانا على سواء. ومثل وصف المصدر هاهنا، قوله تعالى «4»: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة/ 183] التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة كما كتب على الذين، فحذف المصدر، فكذلك يحذف في «5» قوله: آذنتكم على سواء [الأنبياء/ 109] وفيه ذكر من المحذوف، ومعنى إيذانا على سواء: أعلمتكم إعلاما نستوي في علمه لا أستبدّ أنا به دونكم لتتأهبوا لما يراد منكم. وقال أبو عبيدة: إذا أنذرته وأعلمته فأنت وهو على سواء «6».

_ (1) في (ط): «الموصول» بدل «الموصوف». (2) في (م) نحو. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): وكذلك يحذف من. (6) مجاز القرآن 2/ 43 مختصرا.

وأمّا إذا جعلته حالا، فإنّه يمكن فيه ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون حالا من الفاعل. والآخر: أن يكون من المفعول به. والثالث: أن يكون منهما جميعا على قياس ما جاء من قول عنترة «1»: متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا وما أنشده أبو زيد «2»: إن تلقني برزين لا تغتبط به وكذلك قوله تعالى «3»: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ

_ (1) البيت في ديوانه ص 234 من قصيدة يهجو بها عمارة بن زياد وفيه: «نلتقي» بدل «تلقني» والعيني 3/ 174، وابن يعيش 2/ 55 و 4/ 116 و 6/ 87 وشواهد الشافية/ 505/ وأمالي ابن الشجري 1/ 19 والخزانة 3/ 359 و 477 والسمط 1/ 482 وأساس البلاغة (رنف) قال ابن الشجري في الأمالي: الرانفة: طرف الألية الذي يلي الأرض إذا كان الإنسان قائما. وأما الألية فقال أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي رحمه الله: قد جاء من المؤنث بالياء حرفان لم يلحق في تثنيتهما التاء وذلك قولهم: خصيان وأليان، فإذا أفردوا قالوا: خصية وألية ... قال ابن الشجري: وقد جاءت في قوله: روانف أليتيك تاء التأنيث كما ترى، فالعرب إذن مختلفة في ذلك ا. هـ. منه 1/ 20. وفي (ط) برواية ترعد، بدل ترجف. (2) هذا صدر بيت عجزه: وإن تدع لا تنصر عليّ وأخذل وأنشده في النوادر مع بيت بعده: فإن غزالك الذي كنت تدّري ... إذا شئت ليث خادر بين أشبل للمطير بن الأشيم الأسدي وهو جاهلي. قوله: برزين، أي فردين. وهذه رواية (ط). (3) سقطت من (ط).

[الأنفال/ 58]، قياسه قياس قوله: آذنتكم على سواء، قال أبو عبيدة «1» معناه الخلاف والغدر في هذا الموضع فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ: فأظهر لهم أنّك عدو وأنّك مناصب لهم. فأمّا قوله: آذناك ما منا من شهيد [فصلت/ 47] فإن شئت جعلته مثل: علمت أزيد منطلق؟ وإن شئت جعلته على معنى القسم، كما قال: ولقد علمت لتأتينّ منيّتي «2» فإن قلت: إنّ عامّة ما جاء مجيء القسم لم يتعدّ إلى مفعول به كقولهم: علم الله لأفعلنّ. قيل: قد جاء: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ [فاطر/ 42]، [النور/ 53] متعديا بالحرف. وقد قرأ حمزة: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب

_ (1) انظر مجاز القرآن 1/ 249. (2) هذا صدر بيت عجزه كما في سيبويه 1/ 456، ونسبه للبيد: إن المنايا لا تطيش سهامها والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 232 والخزانة 4/ 13 و 332 وشذور الذهب ص 356 والعيني 2/ 405، وأوضح المسالك/ 316 والهمع 1/ 154 والدرر 1/ 37 وحاشية الصبان 2/ 30. قال البغدادي في شرح أبيات المغني: البيت نسبه سيبويه للبيد والموجود في معلقته إنما هو: المصراع الثاني وصدره: صادفن منها غرة فأصبنه ... ولم يوجد للبيد في ديوان شعره على هذا الوزن والروي غير المعلقة، والله تعالى أعلم والذي ذكره البغدادي موافق لما في معلقته. ا. هـ. منه ديوانه ص/ 171 والمعلقات السبع الطوال ص/ 557.

وحكمة [آل عمران/ 81] وقد أجيب بما يجاب به القسم، فكذلك قوله: آذناك يكون على القسم، وإن كان قد تعدّى إلى مفعول به. وبعد فإذا جاء نفس القسم متعديا إلى المفعول به نحو: بالله، ونحو: الله لأفعلنّ، فما يقوم مقامه، ينبغي أن يكون في حكمه. وأمّا قوله «1»: وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ [الانشقاق/ 2، 5] فقد فسّر أذنت أنها استمعت، وفي الحديث: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ» «2». وقال عديّ: في سماع يأذن الشّيخ له ... وحديث مثل ماذيّ مشار «3» وأنشد أبو عبيدة «4»: صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

_ (1) سقط «قوله» من (ط). (2) الحديث متفق عليه واللفظ بمسلم وتمامه « ... يتغنى بالقرآن يجهر به». انظر البخاري بشرح الفتح 13/ 385، 433 ومسلم 1/ 546 برقم 234 وقوله: كإذنه، هو بفتح الهمزة والذال، مصدر أذن يأذن أذنا، كفرح يفرح فرحا. (3) البيت في شرح الحماسة للتبريزي 4/ 12 وشرح أبيات المغنى 8/ 102 هـ اللسان (شور) وصدره عند المرزوقي 3/ 1451 ومعنى يأذن: يستمع. (4) البيت في مجاز القرآن 2/ 291 ونسبه لرؤبة وهذا غريب منه لأنه ذكر البيت ملفقا من بيتين في 1/ 177 لقعنب بن أم صاحب برواية

وأما قول عدي: أيها القلب تعلّل بددن ... إنّ همّي في سماع وأذن «1» فالسماع مصدر يراد به المسموع نحو: الخلق والمخلوق، والصيد والمصيد، يدلّك على ذلك أنّه لا يخلو من أن يكون على ما ذكرنا، أو على أنّه السماع الذي هو الاستماع، فلا يستقيم هذا؛ لأنّ المعنى يكون: إنّ همي في سماع وسماع، وليس هكذا، ولكن إنّ همي في مسموع، أي في غناء واستماع له. وأمّا قوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ [الأعراف/ 167] فقد قدّمنا ذكر ما قاله سيبويه «2»: من أنّ من العرب من يجعل أذّن وآذن

_ إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... وإن ذكرت .... البيت والمصادر تروي البيت الشاهد ضمن ثلاثة أبيات لقعنب بن ضمرة بن أم صاحب وهي: إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ... عني وما سمعوا من صالح دفنوا صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا جهلا عليّ وجبنا عن عدوهم ... لبئست الخلتان الجهل والجبن وأضاف ابن السيد في الاقتضاب ص 292 بيتين آخرين مع البيت الشاهد وهما: ولن يراجع قلبي ودهم أبدا ... زكنت منهم على مثل الذي زكنوا كل يداجي على البغضاء صاحبه ... ولن أعالنهم إلّا كما علنوا وانظر أمالي القالي 1/ 121 والسمط ص 362 والحماسة بشرح المرزوقي 3/ 1450 والتبريزي 4/ 12 وشرح أبيات المغني للبغدادي 8/ 102. (1) البيت في اللسان (أذن) وشرح أبيات المغني 8/ 103. (2) سبق هذا قريبا.

بمعنى، كأنّه جعله بمنزلة سمّى وأسمى، وخبّر وأخبر، فإذا كان أذّن: أعلم في لغة بعضهم، فتأذّن: تفعّل من هذا، وليس تفعّل هاهنا بمنزلة: تقيّس «1» وتشجّع، ولكنّه بمنزلة فعّل، كما أنّ تكبّر في قوله سبحانه «2»: الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر/ 23] ليس على حدّ: تكبّر زيد، إذا تعاطى الكبر، ولكنّ المتكبر بمنزلة الكبير، كما أنّ قوله عزّ وجلّ «3»: وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ «4» [الإسراء/ 43] تقديره: وعلا، وليس على حدّ تعاقل وتغاشى إذا أظهر شيئا من ذلك ليس فيه. فبناء الفعلين يتفق والمعنى يختلف، وكذلك تأذّن بمنزلة علم ومثل تفعّل، في أنّه يراد به فعل قول زهير «5»: تعلّم أنّ شرّ النّاس قوم ... ينادى في شعارهم يسار وكذلك قوله «6»: تعلّماها لعمر الله ذا قسما ... فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك

_ (1) قال في اللسان/ قيس/ وحكى سيبويه تقيّس الرجل: انتسب إلى قبيلة قيس. وانظر سيبويه 2/ 240. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) هذه الآية أوردها الفارسي سهوا كما يلي: وتعالى عما يقول الظالمون، والصواب ما أثبتناه. (5) البيت في ديوانه 300 وفيه حيّ بدل (قوم). (6) البيت لزهير في ديوانه/ 182 وفي الكتاب لسيبويه 2/ 145، 150 «تعلّمن» بدل «تعلماها» ومعنى اقصد بذرعك: أي اقصد في أمرك ولا تتعد طورك، ومعنى بنسلك: تدخل. وانظر المقتضب 2/ 323 والخزانة 2/ 475، 4/ 208، 478.

ليس يريد «1»: تعلّم هذا عن جهل به، إنّما يريد به «2»: اعلم، كأنّه ينبهه ليقبل على خطابه. ومثله «3»: تعلّمن أنّ الدّواة والقلم ... تبقى ويفني حادث الدّهر الغنم وهذا كثير يريدون به: اعلم، وليس يريدون تعلّم «4» كما يريدون بقولهم: تعلّم الفقه، إنّما يريدون: اعلم. فكذلك تأذّن معناه: علم. ومما يدل على أنّ معناه العلم، وقوع لام اليمين بعدها كما تقع بعد العلم في نحو: علم الله لأفعلنّ، فكأنّ المعنى في تأذّن: علم ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة، وليس هو من الاستماع نحو: أَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ [الانشقاق/ 2] ونحو: «ما أذن الله لشيء» «5» ألا ترى أنّك لو قلت سمع ليفعلنّ، أو تسمّع ليفعلن، لم يسهل ذلك كما يكون في علم من حيث استعمل استعمال القسم، فتعلق الجواب به كما يتعلق بالقسم؟ وأمّا قوله: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [التوبة/ 61] فإنّه يذكر في موضعه إن شاء الله، وأمّا قوله سبحانه «6»: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة/ 279] المعنى: فإن لم تضعوا الرّبا عن النّاس الّذي قد أمركم الله بوضعه عنهم، فأذنوا بحرب من الله «7».

_ (1) هكذا في (ط) وسقطت من (م). (2) سقطت من (ط). (3) لم نعثر على قائله. (4) في (م): يتعلم: وما أثبتناه من (ط). (5) قطعة من حديث صحيح سبق في ص 409. (6) سقطت من (ط). (7) سقطت من (م): من الله.

قال أبو عبيدة «1»: آذنتك بحرب فأذنت به. فمن قال: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ فقصر، فمعناه: اعلموا بحرب من الله، والمعنى: أنّكم في امتناعكم من وضع ذلك حرب لله ورسوله. ومن قال: فآذنوا بحرب فتقديره: فأعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب، والمفعول هنا «2» محذوف على قوله: وقد أثبت هذا المفعول المحذوف هنا، في قوله فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم أيضا لا محالة، ففي أمرهم بالإعلام ما يعلمون هم أيضا أنهم حرب إن لم يمتنعوا عمّا نهوا عنه من وضع الرّبا عمن كان عليه. وليس في علمهم دلالة على إعلام غيرهم، فهذا في الإبلاغ آكد. قال أحمد بن موسى: قرءوا كلّهم: لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة/ 279] بفتح التاء الأولى وضم الثانية «3». وروى المفضّل عن عاصم لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ بضم التاء الأولى وفتح الثانية «4». قال أبو علي: موضع «لا تظلمون» نصب على الحال من لكم، التقدير: فلكم رءوس أموالكم غير ظالمين ولا مظلومين. والمعنى: إن تبتم فوضعتم الرّبا الذي أمر الله بوضعه عن النّاس فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون بأن تطالبوا المستدين بالرّبا

_ (1) في مجاز القرآن 1/ 83. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وروى المفضل عن عاصم (لا تظلمون) بضم التاء الأولى ولا، (ولا تظلمون بفتح التاء الثانية وتكرار (ولا، ولا) وهو سهو من الناسخ. (4) السبعة ص 192.

البقرة: 280

الموضوع عنه، ولا تظلمون بأن تبخسوا رءوس أموالكم. أو تمطلوا بها. وقد جاء: «ليّ الواجد ظلم» «1». والمعنى؛ والتقدير في التقديم والتأخير الذي روي عن عاصم؛ سواء. ويرجح تقديم: لا تَظْلِمُونَ بأنّه أشكل بما قبله، لأنّ الفعل الذي قبله مسند إلى فاعل، وهو قوله: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ، فتظلمون أشكل بما قبله لإسناد الفعل فيه إلى الفاعل من تظلمون المسند فيه الفعل إلى المفعول به «2». [البقرة: 280] واختلفوا «3» في ضمّ السّين وفتحها من قوله تعالى: فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ [البقرة/ 280] فقرأ نافع وحده: إِلى مَيْسَرَةٍ بضمّ السّين. وقرأ الباقون: مَيْسَرَةٍ بفتح السّين، وكلّهم قلب الهاء تاء ونوّنها «4». قال أبو عليّ: حجّة من قرأ إِلى مَيْسَرَةٍ أنّ مفعلة قد جاء

_ (1) أخرجه البخاري تعليقا في كتاب الاستقراض 5/ 62 بشرح الفتح. وأبو داود برقم 3628، والنسائي 7/ 316، وابن ماجة برقم 2427، والإمام أحمد 4/ 222، 388، 389، متصلا من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه بلفظ: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته» قال ابن حجر في الفتح: وإسناده حسن. ثم قال: وقع في الرافعي في المتن المرفوع: «لي الواجد ظلم» وهذه الرواية تنسجم مع رواية الفارسي هنا، ومع ما رواه الخطابي في شأن الدعاء ص 81. ومثل هذا الحديث في المعنى ما أخرجه البخاري في الفتح برقم 2287 و 2288 و 2400 ومسلم برقم 1564 من حديث أبي هريرة: «مطل الغني ظلم ... ». (2) سقطت من (ط). (3) سقطت الواو من (ط). (4) السبعة ص 192.

في كلامهم كثيرا. وأمّا من قرأ إِلى مَيْسَرَةٍ بضمّ السّين فلأنّ مفعلة قد جاء أيضا في كلامهم. قالوا: المسربة «1»، وقالوا: المشرقة «2» وليس بكثرة مفعلة. فالقراءة الأولى أولى لأنّ الكلمة بفتح العين منها أكثر من الضمّ، ومفعلة بناء مبني على التأنيث، ألا ترى أن مفعلا بغير هاء بناء لم يجيء في الآحاد؟. قال سيبويه: وأمّا ما كان يفعل منه مضموما، فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا، ولم يبنوه على مثال يفعل، لأنّه ليس في الكلام مفعل، فلمّا لم يكن إلى ذلك سبيل، وكان مصيره إلى إحدى الحركتين ألزموه أخفّهما «3». قال أبو علي: كلامه هذا في الآحاد، ألا ترى أنّه يقصد مكان الفعل، وهو معلوم أنّه لا يكون إلّا مفردا. وما جاء في الشّعر من معون ومكرم جمع معونة ومكرمة لا يدخل على هذا لأنه جمع ومراد سيبويه فيما ذكر المفرد دون الجمع «4».

_ (1) في (ط): المشربة. وفي اللسان (شرب) المشربة والمشربة، بالفتح والضم، الغرفة. أمّا المسربة فهي صحيحة أيضا ففي اللسان (سرب): والمسربة، بالضم، الشعر المستدق النابت وسط الصدر إلى البطن، وفي حديث صفة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: كان دقيق المسربة، وفي رواية كان ذا مسربة. (2) في اللسان (شرق) عن ابن سيده: المشرقة والمشرقة والمشرقة: الموضع الذي تشرق عليه الشمس، وخصّ بعضهم به الشتاء. (3) الكتاب 2/ 247. (4) في (م): الجميع.

قال أحمد بن موسى: وكلّهم قلب الهاء تاء ونوّنها، يعني: في الوصل، يريد أنّه: لم يقرأ أحد منهم إلى ميسرة لأنّ مفعل لا يجيء في الآحاد إلّا بالتاء، وقد جاء في الجمع، [قال جميل] «1»: بثين الزمي (لا) إنّ (لا) إن لزمته ... على كثرة الواشين أيّ معون «2» وروي: أبلغ النعمان عني مألكا ... إنّه قد طال حبسي وانتظاري «3» فالأول جمع معونة، ومألكا جمع مألكة وهي: الرسالة، ومثل هذا الذي يقلّ قد لا يعتدّ به سيبويه، فربّما أطلق القول،

_ (1) سقطت من (ط). (2) في ديوانه ص 212، والمحتسب 1/ 144، والخصائص 3/ 212، وشرح شواهد الشافية 4/ 67 والبحر المحيط 2/ 340 عن أبي علي في معنى (معون) وأنشده ابن عصفور في الضرائر ص 137. (3) البيت لعدي بن زيد العبادي ص 124 مطلع قصيدته الرائية المكسورة يستعطف بها النعمان، وبعده: لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري والبيت الشاهد في الشعر والشعراء ص 229 وفي الأغاني 2/ 94، قال أبو الفرج: وهي قصيدة طويلة. والعقد الفريد 6/ 95، والعيني 4/ 455 والخزانة 3/ 597 وشرح أبيات المغني 5/ 83، واللسان (ألك)، ونقله في البحر 2/ 340 عن أبي علي في معنى «مألكا». وضبط البيت في الأصل بسكون الراء من قوله: «انتظار» وكذلك جاء في المحتسب 1/ 144، والمنصف لابن جني 2/ 104، واللسان (ألك)، ولكن البيت كما روته المصادر المتقدمة من قصيدة مكسورة الراء، كما أثبتّه. ولا يتعلق بالتسكين غرض، فيحتاج إليه.

البقرة: 281

فقال: ليس في الكلام كذا، وإن كان قد جاء عليه حرف أو حرفان، كأنّه لا يعتدّ بالقليل، ولا يجعل له حكما. [البقرة: 281] واختلفوا «1» في قوله عزّ وجلّ «2»: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة/ 281] في فتح التاء «3» من ترجعون وضمها. فقرأ أبو عمرو وحده تُرْجَعُونَ بفتح التاء وكسر الجيم. واختلف عنه في آخر سورة النور، فروى علي بن نصر، وهارون الأعور وعبيد بن عقيل، وعباس بن الفضل، وخارجة بن مصعب وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ [النور/ 64] بضم الياء. وقرأ الباقون: يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ ويَوْمَ يُرْجَعُونَ بضم التاء والياء فيهما، وكذلك في النّور «4». قال أبو علي: حجة من قرأ: يرجعون: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ [الأنعام/ 62] وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي [الكهف/ 36].

_ (1) سقطت الواو من (ط). (2) في (ط): تعالى. (3) في (ط): في. (4) انظر السبعة ص 193، فإنّ أبا علي رحمه الله- كثّف العبارة هنا، وأسقط: رواية عبد الوارث واليزيدي عن أبي عمرو في قوله تعالى من سورة النور: يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ مضمومة التاء.

البقرة: 282

وحجة أبي عمرو: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ [الغاشية/ 25] فأضيف المصدر إلى الفاعل فهذا بمنزلة: (يرجعون) وآبوا: مثل رجعوا. ومن حجته: وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة/ 156] وقال: فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ [يونس/ 46] فأضاف المصدر إلى الفاعل، كما أضيف في الآية الأخرى. وقال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف/ 29]. فأمّا انتصاب (يوم) من قوله: وَاتَّقُوا يَوْماً [البقرة/ 48] فانتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف، وليس المعنى: اتّقوا في هذا اليوم، ولكن «1» تأهبوا للّقاء به، بما تقدمون من العمل الصالح. ومثل ذلك: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً [المزمل/ 17]؟ أي: كيف تتّقون هذا اليوم الذي هذا وصفه مع الكفر بالله، أي: لا يكون الكافر مستعدّا للّقاء به لكفره، ومثل ذلك قوله: وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ [العنكبوت/ 36] أي: خافوه. [البقرة: 282] واختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [البقرة/ 282] ورفع الراء ونصبها من فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة/ 282]. فقرأ حمزة وحده: أَنْ تَضِلَّ بكسر الألف فَتُذَكِّرَ بالتشديد والرفع وكسر إن.

_ (1) سقطت من (ط).

وقرأها الباقون: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ نصبا، غير أنّ ابن كثير وأبا عمرو خفّفا الكاف وشدّدها الباقون «1». قال أبو علي: قوله تعالى «2»: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى لا يكون متعلقا بقوله: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [البقرة/ 282] ألا ترى أنّك لو قلت: استشهدوا شهيدين من رجالكم أن تضلّ إحداهما؛ لم يسغ، ولكن تتعلق أن بفعل مضمر دلّ عليه هذا الكلام، وذلك أنّ قوله: فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان يدلّ على قولك: فاستشهدوا رجلا وامرأتين؛ فتعلّق أَنْ إنّما هو بهذا الفعل المدلول عليه من حيث ذكرنا. وقال أبو الحسن في قوله تعالى «2»: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ [البقرة/ 282] التقدير: فليكن رجل وامرأتان، وهذا قول حسن، وذاك أنّه لما كان قوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما لا بدّ من أن يتعلق بفعل، وليس في قوله: فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، شيء يتعلق به أن جعل المضمر فعلا ترتفع النكرة به، ويتعلق به المصدر، وكان هذا أولى من تقدير إضمار المبتدأ الذي هو: ممن «4» يشهد رجل وامرأتان. لأنّ المصدر الذي هو أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما لا يجوز أن يتعلق به لفصل الخبر بين الفعل والمصدر. فإن قلت: من أيّ الضربين تكون كان المضمرة في قوله، هل تحتمل أن تكون الناصبة للخبر أو تكون التامّة؟. فالقول في ذلك: أن كلّ واحد منهما يجوز أن يقدّر

_ (1) انظر السبعة ص 194. (2) سقطت من (ط). (4) في (ط): فمن.

إضماره. فإذا أضمرت التي تقتضي الخبر، كان تقدير إضمار الخبر: فليكن ممّن تشهدون رجل وامرأتان، وإنّما جاز إضمار هذه، وإن كان قد قال: لا يجوز: عبد الله المقتول، وأنت تريد: «كن عبد الله المقتول» «1»، لأنّ ذكرها قد تقدّم، فتكون هذه إذا أضمرتها لتقدّم الذكر بمنزلة المظهرة، ألا ترى أنّه لا يجوز العطف على عاملين، ولمّا تقدّم ذكر كلّ في قوله «2»: أكلّ امرئ تحسبين امرأ كان كلّ بمنزلة ما قد ذكر في قوله: ونار توقّد بالليل نارا «3» وكذلك جاز «4» إضمار «كان» المقتضية للخبر بعد إن في

_ (1) من حديث أخرجه أحمد في المسند 5/ 110 من حديث عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي قال: «فإن أدركت ذاك فكن عبد الله المقتول» قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: «ولا تكن عبد الله القاتل». وأخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 517 من حديث خالد بن عرفطة قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا خالد! إنه سيكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل» وللحديث طرق بعضها يقوي بعضا، وقد بين ذلك العجلوني في كشف الخفاء 2/ 175 - 176 «طبعة القلاس». (2) صدر بيت لأبي دواد عجزه: ونار توقد الآتي انظر الكتاب لسيبويه 1/ 33 والكامل 1/ 247، 825 وشرح أبيات المغني للبغدادي 6/ 190 برقم 487. وابن الشجري 1/ 296. (3) سقطت كلمة: «نارا» من (م) واستدركت من (ط). (4) في (ط): أجاز.

قوله: إن خنجرا فخنجر «1»، لما كان الحرف يقتضيها، ويجوز أن تضمر التامة التي بمعنى الحدوث والوقوع، لأنّك إذا أضمرتها أضمرت شيئا واحدا، وإذا أضمرت الأخرى احتجت أن تضمر شيئين، وكلّما قلّ الإضمار كان أسهل. وأيّهما أضمرت فلا بدّ من تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. المعنى: فلتحدث شهادة رجل وامرأتين، أو تقع، أو نحو ذلك، ألا ترى أنّه ليس المعنى: فليحدث رجل وامرأتان، ولكن لتحدث شهادتهما، أو تقع، أو تكن «2» شهادة رجل وامرأتين مما «3» تشهدون، ويجوز أن تتعلق «أن» في قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [البقرة/ 282] بشيء ثالث؛ وهو أن تضمر خبر المبتدأ الذي هو: فرجل وامرأتان يشهدون، فيكون «4» يشهدون خبر المبتدأ. ويكون العامل في أَنْ وموضع إضماره فيمن فتح الهمزة من أَنْ تَضِلَّ: ما «5» قبل أَنْ. وفيمن كسر إن بعد انقضاء الشرط بجزائه «6». فقد جاز في: أَنْ تَضِلَّ أن يتعلق بأحد ثلاثة أشياء:

_ (1) هذا من أمثلة سيبويه في الكتاب وتتمته: «وذلك قولك الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرّا فشر، والمرء مقتول بما قتل به إن خنجرا فخنجر وإن سيفا فسيف» انظر الكتاب 1/ 130 واللسان (خنجر). (2) في (م): «تكون» وآثرنا العطف بالجزم للسياق. (3) في (ط): «فيما». (4) في (م): «فتكون». (5) سقطت «ما» من (م). (6) في (ط): «بجوابه».

أحدها: المضمر الذي يدلّ عليه قوله: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ. والثاني: الفعل الذي هو: (فليشهد رجل وامرأتان). والثالث: الفعل الذي هو خبر المبتدأ. وأمّا إحدى: فمؤنث الواحد، والواحد الذي مؤنّثه إحدى، إنّما هو اسم وليس بوصف؛ ولذلك جاء إحدى على بناء لا يكون للصّفات أبدا، كما كان الذي هو مذكّرة كذلك. وقال أحمد بن يحيى: قالوا: هو إحدى الإِحَد، وأحد «1» الأحدين، وواحد الآحاد، وأنشد «2»: عدّوني الثّعلب فيما عدّدوا ... حتى استثاروا بي إحدى الإِحَد ليثا هزبرا ذا سلاح معتدي قال أحمد «3»: إحدى الإِحَد: كما تقول: واحد لا مثل له، وقالوا: الإِحَد، كما تقول «4»: الكسر، جعلوا الألف بمنزلة التاء، كما جعلوها مثلها، في الكبرى، والكبر، والعليا، والعلى، فكما جعلوا هذه: كظلمة وظلم، جعلوا الأول بمنزلة كسر وسدر، وكما جعلوا المقصورة بمنزلة التاء، كذلك جعلوا

_ (1) في (ط): وواحد الأحدين. (2) رجز للمرار الفقعسي وبعده: يرمي بطرف كالحريق الموقد في الأغاني 10/ 324 والخزانة 3/ 293 ورواية البيت الأول: عدّوني الثّعلب عند العدد وهي الرواية المنسجمة مع الأبيات والشطران الثاني والثالث في اللسان (وحد) عن ابن سيده. (3) في (ط): أحمد بن يحيى. (4) في (م): قالوا.

الممدودة بمنزلتها في قولهم: قاصعاء وقواصع، ودامّاء ودوامّ. وحكى أحمد بن يحيى: أن الواحد والوحد والأحد، بمعنى وقد شرحنا ذلك في المسائل. فأمّا بدل الهمزة من الواو إذا كانت مكسورة، فإنّ أبا عمر «1» يزعم أنّ ذلك لا يجاوز به المسموع، وغيره يذهب إلى أن بدل الهمزة منها، مطرد كاطراد البدل من المضمومة. والقول في أنّه ينبغي أن يكون مطّردا أنّ الكسرة بمنزلة الياء، ولا تخلو الحركة في الحرف المتحرك من أن تكون مقدرة قبله أو بعده، فإن كانت قبله، فالواو إذا وقعت قبلها الياء أعلّت، وكذلك إذا وقعت بعدها، فإذا كان كذلك اعتلّت الواو مع الكسرة كما اعتلت مع الياء، ألا ترى أنّها إذا تحركت بالفتح لم تعتل، كما لا تعتلّ الواو إذا كانت قبلها ألف نحو: عوان وطوال؟. فإن قلت: [فإذا وجب القلب من حيث ذكرت] «2» فهلّا «3» أبدلت غير أوّل مكسورة كما اعتلت الواو بالياء إذا كانت قبلها أو بعدها!. قيل: هذا لا يلزم وذلك «4» أن القلب في المكسورة كالقلب في المضمومة، ألا ترى أنّ الضمّة مع الواو كالواوين. كما أنّ الكسرة مع الواو كالياء والواو؟ فكما تعلّ الواو مع الياء،

_ (1) في (ط): أبا عمرو. وأبو عمر هذا هو الزاهد المعروف بغلام ثعلب. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط). (3) في (ط): هلّا. (4) في (ط): ذلك بدون واو.

كذلك أعلّت مع الكسرة، كما أنّ الواو لمّا اعتلّت «1» مع الواو كذلك أعلّت مع الضمة، ولم يجب من هذا أن تعلّ الواوان «2» غير أول في نحو: أحوويّ، ولوويّ، فكذلك لم يلزم أن تعلّ الواو مع الكسرة غير أوّل، ألا ترى أنّ مواقع الإبدال ينبغي أن تعتبر كما أن مواقع الزيادة ينبغي أن تعتبر؟ فكما أن الحرف إذا كثرت زيادته في موضع، واستمر، لم يلزم أن تجعل في غير ذلك الموضع، كذلك لا يلزم إذا استمرّ إبداله «3» في موضع أن يبدل في غير ذلك الموضع. ومن ثمّ جعل أبو عثمان «4» دلامصا من غير دليص «5»، لأن الميم لم تزد هنا، وإن كانت زيادتها قد استمرت أولا. وأمّا قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [البقرة/ 282] فقال أبو عبيدة: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما أي «6» تنسى «7»، قال تعالى: قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء/ 20] أي نسيت، أي: ضللت وجه الأمر. وقال أبو زيد: ضللت الطريق والدار أضلّه ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والشيء إضلالا، وكلّ ما ضلّ عنك فذهب.

_ (1) في (ط): أعلّت. (2) في (ط): الواو. (3) في (ط): إبدالها. (4) هو المازني. (5) في المنصف، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني، 3/ 25: دلامص: هو البرّاق. يقال: دلامص ودلاص ودلّاص، ودليص بمعنى، قال الأعشى: إذا جرّدت يوما حسبت خميصة ... عليها وجريال النضار الدّلامصا (6) في (ط): أن. (7) مجاز القرآن 1/ 83.

قال: وإذا كان الحيوان مقيما فهو بمنزلة ما لا يبرح نحو: الدار، والطريق، فهو كقولك: ضللته ضلالة. وقال أبو الحسن: تقول: ضللت دار فلان، وقال الفرزدق: ولقد ضللت أباك تدعو دارما ... كضلال ملتمس طريق وبار «1» وفي كتاب الله تعالى: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى [طه/ 52] أي: لا يضلّ الكتاب عن ربّي. وأمّا موضع أن فنصب وتعلّقه إنّما هو بأحد الأشياء التي تقدّم ذكرها. والمعنى: استشهدوا رجلين أو رجلا وامرأتين لأن تضلّ إحداهما فتذكّر. فإن قيل: فإنّ الشهادة لم توقع للضلال الذي هو النسيان إنّما وقعت للذكر والحفظ. فالقول في ذلك أنّ سيبويه قد قال: أمر بالإشهاد لأن تذكّر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكّر إحداهما الأخرى. قال: فإن قال إنسان: كيف جاز أن يقول: «أن تضلّ إحداهما» ولم يعدّ هذا للضلال والالتباس «2»؟ فإنّما ذكر «أن تضلّ» لأنّه سبب للإذكار كما

_ (1) البيت في ديوان الفرزدق 2/ 450 وفيه تطلب بدل تدعو، قال ياقوت في معجم البلدان 5/ 357 (وبار): قرية كانت لبني «وبار» وهم من الأمم الأولى، منقطعة بين رمال بني سعد وبين الشّحر ومهرة، ويزعم من أتاها أنهم يهجمون على أرض ذات قصور مشيدة ونخل ومياه مطر، وليس بها أحد، يقال: إن سكانها الجن، لا يدخلها إنسي إلّا ضلّ قال الفرزدق: وأنشد البيت مع آخر: لا تهتدي أبدا ولو بعثت به ... بسبيل واردة ولا آثار اهـ منه. وذكر ياقوت أساطير عجيبة عن وبار .. (2) في سيبويه: «للالتباس».

تقول: أعددته أن يميل الحائط، فأدعمه، وهو لا يطلب بذلك ميلان الحائط، ولكنّه أخبر بعلة الدعم وسببه. انتهى كلام سيبويه «1». [قال أبو علي] «2» وقوله: فتذكّر: معطوف على الفعل المنصوب بأن، فأمّا قوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ فالظرف وصف للأسماء المنكورة «3»، وفيه ذكرها. وأمّا وجه قراءة حمزة: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما بكسر الألف، فإنّه جعل إن للجزاء، والفاء في قوله: فَتُذَكِّرَ: جواب الجزاء، ومواضع الشرط وجزائه «4» رفع بكونهما وصفا للمنكورين «5» وهما المرأتان في قوله: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ وقوله: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ: خبر مبتدأ محذوف تقديره: فمن يشهد رجل وامرأتان. ويجوز أن يكون «رجل» مرتفعا بالابتداء، والمرأتان معطوفتان عليه وخبر الابتداء «6» محذوف تقديره: فرجل وامرأتان يشهدون. وقوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ فيه ذكر يعود إلى الموصوفين الذين هم: «فرجل وامرأتان»، ولا يجوز أن يكون فيه ذكر لشهيدين المتقدم ذكرهما، لاختلاف إعراب الموصوفين، ألا ترى أنّ شهيدين منصوبان، ورجل وامرأتان إعرابهما «7» الرفع،

_ (1) انظر سيبويه 1/ 430 ففيه اختلاف يسير عمّا هنا. (2) ما بين المعقوفتين سقطت من (م). (3) في (ط): المذكورة. (4) في (ط): وجوابه. (5) في (ط): للمذكورين. (6) في (ط): المبتدأ. (7) في (ط): إعرابهم.

فإذا كان كذلك علمت أنّ الوصف الّذي هو ظرف إنّما هو وصف لقوله: «فرجل وامرأتان» دون من تقدّم ذكرهما من الشهيدين. والشرط وجزاؤه وصف للمرأتين؛ لأنّ الشرط وجزاءه «1» جملة يوصف بها كما يوصل بها في نحو قوله تعالى «2»: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ [الحج/ 41] واللّام التي هي لام في قوله: أَنْ تَضِلَّ فيمن جعل إن جزاء في موضع جزم، وإنّما حرّكت بالفتح لالتقاء الساكنين، ولو كسرت للكسرة التي «3» قبلها لكان جائزا في القياس. وأمّا قوله تعالى «4»: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى فقياس قول سيبويه في قوله: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة/ 95] والآي التي تلاها معها «5» أن يكون بعد الفاء في: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا «6» مبتدأ محذوف ولو أظهرته لكان فيما تذكّر إحداهما الأخرى، فالذكر العائد إلى المبتدأ المحذوف الضمير في قوله: «إحداهما». وأمّا قوله: فتذكر، فإنّ الذّكر على ضربين: ذكر هو خلاف النسيان. وذكر، هو قول.

_ (1) في (ط) والجزاء. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت «التي» من (م). (4) سقطت من (ط). (5) هي قوله تعالى من سورة المائدة/ 95: «ومن كفر فأمتّعه قليلا» انظر سيبويه 1/ 438. (6) سقطت من (ط).

فممّا هو خلاف النسيان قوله: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف/ 63]. وقال: نَسِيا حُوتَهُما [الكهف/ 61] فأسند النسيان إليهما، والناسي فتى موسى، فيجوز أن يكون المعنى؛ نسي أحدهما، فحذف المضاف، وقد تقدم ذكر شيء من هذا النحو. والذكر الذي هو قول يستعمل على ضربين: قول لا ثلب فيه للمذكور، والآخر يراد به ثلب المذكور. فمن الأول قوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ [البقرة/ 200]، وقوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ [البقرة/ 198] وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [البقرة/ 203] وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام/ 121]. ومن الذّكر الّذي يراد به الثلب، قوله: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ [الأنبياء/ 60]، فهذا الذكر يشبه أن يكون من جنس ما واجههم به في قوله تعالى «1»: قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء/ 67]. ومن ذلك قول الشاعر: بذكركم منّا عديّ بن حاتم ... لعمري لقد جئتم حبولا ومأثما «2»

_ (1) سقطت من (ط). (2) الحبل والحبل: الداهية، وجمعها حبول انظر اللسان (حبل) واستشهد ابن

وقالوا في مصدر ذكرته، ذكرى قال «1»: هبّت شمالا فذكرى ما ذكرتكم ... عند الصفاة الّتي شرقيّ حورانا وقال «2»: صحا قلبه عن سكره وتأمّلا ... وكان بذكرى أمّ عمرو موكّلا فمن قدّر في «ذكرى» التنوين، نصب الاسم بعده، ومن لم يقدر فيه التنوين جر الاسم، وأضاف المصدر إلى المفعول به. قال سيبويه: قالوا ذكرته ذكرا كحفظته حفظا، وقالوا: ذكرا كما قالوا: شربا «3». فأمّا قوله: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا [الطلاق/ 10] فإنّ قوله: ذكرا، يحتمل أمرين: أحدهما: أن تقدّر حذف المضاف إلى الذكر، والآخر أن لا تقدر ذلك، فإن قدرت حذف المضاف، كان إظهاره: قد أنزل الله إليكم ذا ذكر، والذكر يحتمل تأويلين: أحدهما: ذا شرف وصيت كما قال:

_ قتيبة في المعاني الكبير 2/ 865 بصدر البيت على معنى الحبول: الدواهي. وجاء برواية قلتم بدل جئتم. ولم يعزه لأحد. (1) البيت لجرير من قصيدة طويلة يهجو بها الأخطل. انظر ديوانه 1/ 165 والكامل للمبرد 3/ 65 وفيه إلى بدل التي، والكتاب لسيبويه 1/ 113 وفيه جنوبا بدل شمالا، وفي (ط): «أهل» بدل «عند» ورواية (م) المثبتة هي رواية الديوان. (2) البيت لأوس بن حجر وفيه «فتأملا» بدل «وتأملا». انظر ديوانه/ 82. وشرح أبيات المغني للسيوطي 1/ 399 والبغدادي 3/ 178. وفي حاشية شرح ديوان زهير ص 30 وفي ط: «صحا قلبه من بعد ما كان أقصرا». وهذا خلاف ما في المصادر السابقة. (3) انظر الكتاب 2/ 215.

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف/ 44] فسّر أنّه شرف لهم، والآخر ذا قرآن، وقد سمّي القرآن ذكرا «1» في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل/ 44] فإذا قدرت حذف المضاف كان المعنى في أنزل: الإحداث والإنشاء، كما قال: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزمر/ 6] وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد/ 25] يبيّن أنّه الإنشاء والإحداث. قوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ «2» [الأنعام/ 141] ثم قال بعد: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الأنعام/ 143] فحمل الأزواج على الإنشاء كما حمله على الإنزال في قوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ، [الزمر/ 6] وقال: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ [الطلاق/ 10] فوصل الفعل مرّة باللّام ومرّة بإلى كما قال: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل/ 68] وفي أخرى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة/ 5] وقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ [الشورى/ 52] و (الحمد لله الّذي هدانا لهذا) [الأعراف/ 43] فإنّ لم تقدّر حذف المضاف، كان المعنى: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا فيكون: رسولا معمول المصدر، والتقدير: أن ذكر رسولا أي: ذكر رسولا لأن يتبعوه، فيهتدوا «3» بالاقتداء به، والانتهاء إلى أمره، وذلك نحو قوله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ [الأعراف/ 157] إلى قوله أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف/ 157] ومثل ذلك

_ (1) في (م) وقد سمي ذكرا. (2) سقطت: «معروشات» من (ط). (3) في (ط): فتهدوا.

في إعمال المصدر قوله تعالى «1»: ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً [النحل/ 73] فشيئاً «2» مفعول المصدر، والذكر: كتاب الله الذي ذكره في قوله سبحانه «3»: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ [الأنبياء/ 105] وفي قوله: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد/ 39] فأمّا قول الشاعر: يذكّر نيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلًا «4»

_ (1) سقطت من (م) قوله تعالى. (2) في (ط): الشيء. (3) سقطت من (ط). (4) البيت مع آخر قبله: على أنني بعد ما قد مضى ... ثلاثون للهجر حولًا كميلًا في الكتاب 1/ 292، ومجالس ثعلب ص 424 والخزانة 1/ 573/ 575 وشرح أبيات المغني 7/ 203، والبيت للعباس بن مرداس كما نسبه السيوطي في شواهد المغني 2/ 908 قال البغدادي في الخزانة وشرح أبيات المغني: البيتان من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلوها ونقل العيني عن الموعب- كتاب في اللغة لثمام بن غالب الأندلسي- أنهما للعباس بن مرداس الصحابي، والله أعلم. ثم أضاف في الخزانة: وكذا رأيته أنا في شرح ابن يسعون على شواهد الإيضاح لأبي علي الفارسي منسوباً إلى العباس بن مرداس. ا. هـ. منه. وانظر ترجمة العباس بن مرداس الصحابي في الإصابة 2/ 262. قوله: حنين العجول: الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. والعجول من الإبل: الواله التي فقدت ولدها بذبح أو موت أو هبة. ونوح الحمامة: صوت تستقبل به صاحبها. والهديل: قال ابن قتيبة في أدب الكاتب ص 210 - 211: العرب تجعله مرة فرخاً تزعم الأعراب أنه كان على عهد

فإنّ ذكرت فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضعّفت منه العين أو نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعول آخر، وذلك نحو فرّحته وأفرحته، وغرّمته وأغرمته. فمن قال: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى كان ممن جعل التعدية بالتضعيف، ومن قال: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا كان ممن نقل بالهمزة وكلاهما سائغ. ومن حجة من قال: فَتُذَكِّرَ قوله تعالى «1»: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات/ 55] فهذا مضارعه ينبغي أن يكون يذكّر. وقول ابن كثير «2» وأبي عمرو مثل أغرمته وأفرحته، وقول الباقين على غرّمته وفرّحته. والمفعول الثاني من قوله سبحانه «3»: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى محذوف. المعنى: فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة التي احتملتاها. وروي عن سفيان بن عيينة في قوله: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى، أي: تجعلها ذكراً «4»، وأحسب أنّ أحداً من أهل

_ نوح عليه السلام، فصاده جارح من جوارح الطير، قالوا فليس من حمامة إلّا وهي تبكي عليه، ومرة يجعلونه الطائر نفسه، ومرة يجعلونه الصوت. انتهى من الخزانة وشرح أبيات المغني. (1) سقطت من (ط). (2) انظر ترجمته في 1/ 8. (3) سقطت من (ط). (4) نقله الطبري في تفسيره 3/ 125 قال: حدثت بذلك عن أبي عبيد القاسم

التأويل، لم يذهب إلى ذلك غيره، وليس هو في المعنى بالقوي، ألا ترى أنّهنّ لو بلغن ما بلغن ولم يكن معهنّ رجل لم تجز شهادتهنّ حتى يكون معهنّ رجل «1». فإذا كان الأمر على هذا لم يذكّرها «2». والحاجة في إنفاذ «3» الشهادة إلى الرجل قائمة. ومما يبعّد قوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما، والضلال قد فسّره أبو عبيدة: بالنسيان «4»، فالذي ينبغي أن يعادله ما هو مقابل للنسيان من التذكير. فأمّا من ذهب في قوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما وقوله: إنّ الجزاء فيه مقدّم، أصله التأخير، فلمّا تقدّم اتّصل بأوّل الكلام، ففتحت أن؛ فإنّ هذه دعوى لا دلالة عليها، والقياس على ما عليه كلامهم يفسدها، ألا ترى أنّا نجد الحرف العامل

_ ابن سلّام أنّه قال: حدثنا عن سفيان بن عيينة أنّه قال: ليس تأويل قوله: «فتذكر إحداهما» من الذّكر بعد النسيان، إنّما هو من الذّكر، بمعنى أنها إذا شهدت مع الأخرى صارت شهادتهما كشهادة الذكر. (1) هذا ما ذهب إليه الأحناف وغيرهم «انظر فتح القدير لابن الهمام 6/ 91 في كتاب الرجوع عن الشهادة» وهذا ما عدا الحدود فإن شهادة المرأة في الحدود لا تثبت، وقال الشافعي رحمه الله: لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها: انظر شرح فتح القدير 6/ 6 و 62 وتقبل شهادتها فيما يتعلق بأمور النساء مما لا يطلع عليه الرجال، ولو كانت واحدة والثنتان أحوط وبه قال الإمام أحمد، وشرط الشافعي أربعا ومالك ثنتين. انظر شرح فتح القدير 6/ 8، 9. (2) في (ط): تذكّرها وكلاهما بمعنى. (3) في (م): نفاذ. (4) في مجاز القرآن 1/ 83 سبق في ص 424.

إذا تغيرت حركته لم يوجب ذلك تغييراً في عمله ولا معناه؟. وذلك فيمن فتح اللّام الجارة مع المظهر فقال: لزيد ضربت، وضربت لزيد، روى أبو الحسن فتح هذه اللّام عن يونس، وعن أبي عبيدة وعن خلف الأحمر، وزعم أنّه سمع هو ذلك من العرب، قال: وعلى ذلك أنشدوا: تواعدني ربيعة كلّ يوم ... لأهلكها «1» وأقتني الدّجاجا «2» فكما أنّ هذه اللّام لما فتحت لم يتغيّر من عملها ومعناها شيء عمّا كان عليه في الكسر، كذلك أَنْ الجزاء لو فتحت لم يجب على قياس اللّام أن يتغيّر له «3» معنى ولا عمل. ومما يبعّد ذلك: أنّ الحروف العاملة إذا تقدمت كانت مثلها إذا تأخّرت، لا تتغيّر «4» بالتقدّم عمّا كانت عليه في التأخّر. ألا ترى أنّ من قال: بزيد مررت، وإلى عمرو ذهبت. فقدّم الحرف كان تقديمه مثل تأخيره، لا يغيّر التّقديم شيئاً كان عليه في التأخير؟ وممّا يبعّد ذلك قولهم: ربّ غارة، وربّت غارة، وربّتما غارة، وربّ هيضل «5»، فكما لم يختلف في التخفيف عن

_ (1) رواية (ط): لأهلكها، بضم الكاف. (2) لم نعثر على قائله. (3) في (ط): لها. (4) في (ط): لا تغير لها. (5) ورد هذا اللفظ في شعر لأبي كبير الهذلي: أزهير إن يشب القذال فإنّني ... رب هيضل مرس لففت بهيضل والهيضل جماعة. فإذا جعل اسماً قيل هيضلة. انظر اللسان/ هضل/ وقال السكري في شرح ديوان الهذليين ص 1070: «الهيضل والهيضلة واحد، وهم الجماعة من الناس يغزى بهم».

حال التثقيل، ولحاق حرف التأنيث به، وكذلك ثمّ وثمّت، كذلك ينبغي أن لا يتغير «1» أَنْ، بل أَنْ أجدر أن لا تتغيّر لأنّ التغيير بالحركة أيسر من التغيير بحذف حرف وزيادة آخر، وكذلك الحذف من «إنّ، وكأنّ» لم يغيرهما عن عملهما، ولا يلزم من حيث تغيّرت، إنّ المكسورة بالحذف فدخلت على الفعل أَنْ تتغير «2» بإبدال حركة وتغييرها لأنّ الحذف والتغيير في إنّ أكثر. وممّا يبعّد ذلك أنّ الحرف قد أبدل «3» منه غيره، وهو مع الإبدال، يعمل عمله غير مبدل، وذلك نحو بدل الواو من الباء في: «والله» وبدل التاء من الواو في تَاللَّهِ، فإذا كانت هذه الحروف مع التغيير الحادث فيها من الحذف منها، والتغيير باختلاف حركاتها ليست تزول عمّا كانت عليه من العمل والمعنى؛ فأن لا تتغير أن بكسر الهمزة منها أجدر. ومما يفسد ذلك إبدالهم الألف من نون إذن ألا ترى أنّها إذا أبدلت كان عملها ومعناها على ما كان قبل الإبدال؟، وإبدال الحرف أكثر من تغيير الحركة، فلو كان لما ذكره مجاز أو «4» مساغ، لكان ذلك في هذه الحروف المغيرة أيضاً، فإن لم يكن ذلك فيها مع ما ذكرنا من ضروب التغيير اللّاحق لها ما يبيّن أنّ ما ذهب إليه يفسده ما عليه مقاييس كلامهم، وما كان من هذا الضرب من الدعاوى التي يفسدها ردّها إلى ما ذكرناه ساقط.

_ (1) في (ط): «تتغير». (2) في (م): «بأنّ يتغير». (3) في (ط): يبدل. (4) في (م): «ومساغ».

البقرة: 282

[البقرة: 282] واختلفوا «1» في قوله تعالى «2»: تِجارَةً حاضِرَةً [البقرة/ 282] في رفعها ونصبها «3». فقرأ عاصم وحده تِجارَةً نصباً. وقرأ الباقون: بالرفع. [قال أبو بكر]: وأشكّ في ابن عامر «4». قال أبو علي: كانَ كلمة استعملت على أنحاء: أحدها: أن تكون بمنزلة حدث، ووقع، وذلك قولك: قد كان الأمر، أي وقع وحدث، والآخر: أن تخلع منه معنى الحدوث فتبقى الكلمة مجردة للزّمان، فتلزمها «5» الخبر المنصوب. ونظير خلعهم معنى الحدث من كان وأخواتها، خلعهم معنى الاسم من التاء والكاف اللتين للخطاب في قولهم: أنت وذلك، والنّجاءك «6»، وذلك قولك: كان زيد ذاهباً. والثالث: أن تكون بمعنى صار. أنشد أحمد بن يحيى «7»: بتيهاء قفر والمطيّ كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها «8»

_ (1) سقطت الواو من (ط). (2) في (ط): عز وجل. (3) في (ط): في رفعهما ونصبهما. (4) السبعة ص 194 وما بين معقوفين زيادة منه. (5) في (ط) فيلزمها. (6) النجاءك: قال في تاج العروس (نجو) يمدّ ويقصر أي (أسرع) أصله: النجاء. أدخلوا الكاف للتخصيص بالخطاب ولا موضع لها من الإعراب. قال ابن الأثير: هو مصدر منصوب بفعل مضمر، أي: أنجو النجاء (النهاية 5/ 25). (7) هو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة ولد سنة مائتين. وتوفي سنة 291 هـ. انظر بغية الوعاة 1/ 396. (8) البيت لعمرو بن أحمر الباهلي في ديوانه ص 119 ضمن أبيات خمسة هو

أي: صارت، فيجوز أن يكون من هذا قوله تعالى «1»: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم/ 29]، أي صار في المهد. والرابع: أن تكون زيادة، وذلك: قولهم: ما كان أحسن زيداً، المعنى فيه: ما أحسن زيداً، وأنشد لبعض البغداديين: سراة بني أبي بكر تساموا ... على كان المسوّمة الجياد «2»

_ رابعها. وهو من شواهد شرح الكافية للرضي 4/ 189 والأشموني 1/ 230، والمعاني الكبير 1/ 213 بدون عزو وعزاه في الحيوان 5/ 575 وتاج العروس/ بيض/ والخزانة 4/ 33 لابن أحمر، ونسبه ابن يعيش في شرح المفصل 7/ 102 لابن كنزة، وفي اللسان (طبعة صادر) (بيض) عجزه، ووقع محرفاً، وبرواية: «على قفرة طارت فراخاً بيوضها». فحرّف: «كانت» بكلمة «طارت» ولم أر من ذكره بهذه الرواية. وفي الخزانة والتاج برواية: أريهم سهيلًا والمطي كأنها قطا الحزن البيت. وذكر البغدادي أنها الرواية التي في عامة نسخ شعره. (1) سقطت من (ط). (2) البيت في سر صناعة الإعراب 1/ 298 ومن شواهد الرضي في شرح الكافية 4/ 190 وابن هشام في أوضح المسالك 1/ 181 وشرح المفصل لابن يعيش 7/ 98، 100 والأشموني 1/ 241 والخزانة 4/ 33 والعيني 2/ 41 والتصريح 1/ 192 ويس 1/ 191 وهمع الهوامع 1/ 120 والدرر 1/ 89 وذكره ابن عصفور في الضرائر ص 78 والبيت مروي عن الفراء ولم ينسبه أحد إلى قائل. وهو فيما تقدم من المصادر برواية «العراب» بدل «الجياد» وهي التي أشار إليها في نسخة (م) بقوله: «في أخرى: العراب» وهذه العبارة زيادة ليست في (ط) ولعلها زيادة على الأصل الذي بين أيدينا.

في أخرى: العراب «1». فأمّا موضع أن في «2» قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ [البقرة/ 282] فنصب، المعنى: ولا تسأموا كتابته إلّا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم. أي: يداً بيد لا أجل فيه، فلا يحتاج في تبايع ذلك إلى التّوثّق باكتتاب الكتاب، ولا «3» ارتهان الرهن، لوقوع التقابض في المجلس، ومثل موضع «أن» هذه في النصب موضع التي في قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [البقرة/ 282] فالعامل في قوله: «أن» تكون من قوله: إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم، قوله عزّ وجلّ «4»: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [النساء/ 29] بتوسّط إلّا، وكلا الاستثناءين منقطع. وزعم سيبويه: أنّه قد نصب في القراءة تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ «5».

_ والبيت مع آخر قبله في عبث الوليد ص 73 برواية: «المطهمة الصّلاب». وللبيت روايات: تسامى وتساقوا، وسراة وجياد، ومسومة ومطهمة والصلاب والعراب ... (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): من. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) انظر سيبويه 1/ 377، وفي البحر 2/ 353: قرأ عاصم: «تجارة حاضرة» بنصبهما. على أن كان ناقصة ... وقرأ الباقون برفعهما على أن يكون «تكون» تامة وتجارة فاعل.

فأمّا حجة من رفع: فإنّه جعل كان بمعنى وقع وحدث كأنّه: إلّا أن تقع تجارة حاضرة، ومثل ذلك في الرفع قوله: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ [البقرة/ 280] المعنى فيه على الرفع وذلك أنه لو نصب، فقيل: وإن كان ذا عسرة لكان المعنى: وإن كان المستربي ذا عسرة فنظرة، فتكون النظرة مقصورة عليه وليس الأمر كذلك لأنّ المستربي، وغيره، إذا كان ذا عسرة فله النظرة. ألا ترى أنّ المستربي والمشتري وسائر من لزمه حقّ إذا كان معسراً فله النظرة إلى الميسرة؟ فكذلك المعنى في قوله: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً، إلّا أن تقع تجارة حاضرة في هذه الأشياء التي اقتصّت، وأمر فيها بالتوثقة «1» بالشهادة والارتهان، فلا جناح، في ترك ذلك فيه لأن ما يخاف في بيع النّساء، والتأجيل يؤمن في البيع يداً بيد. ومما جاء فيه كان بمعنى وقع قول أوس «2»: هجاؤك إلّا أنّ ما كان قد مضى «3» * عليّ كأثواب الحرام المهينم ومن ذلك قول الشاعر «4»: فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا

_ (1) في (ط): بالوثيقة. (2) البيت في ديوانه ص 121 من قصيدة طويلة. هو الرابع والعشرون منها وذكره ابن قتيبة في المعاني الكبير بدون نسبه ص 484، 1177. وابن دريد في الجمهرة 3/ 356، ولم ينسبه ولكنه ذكره بعد أن قال: قال الراجز ا. هـ. وهذا غريب! لأن البيت ليس من الرجز، بل من الطويل، وأوس من الشعراء وليس من الرجاز. (3) جاء في (م) كلمة «بيننا» فوق كلمة «قد مضى». (4) البيت بهذه الرواية ملفق من بيتين أنشدهما سيبويه متتابعين وهما:

فهذا أيضاً من باب وقع ولا يكون (أشنع) خبراً لأنّك لو جعلته خبراً لم تستفد به إلّا ما استفدت «1» بما تقدّم، فلم يجيء الخبر هكذا كما جاء الحال في نحو قوله «2». كفى بالنأي من أسماء كافي وأمّا وجه قول من نصب فقال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً، فالذي في الكلام الذي تقدّمه مما يظن أنّه يكون اسم كان ما دلّ عليه: تَدايَنْتُمْ، من قوله إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ، والْحَقُّ من قوله: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً فلا يجوز أن يكون التداين اسم كان، لأنّ حكم، الاسم أن يكون الخبر في المعنى، والتداين حقّ في ذمّة المستدين، للمدين المطالبة «3» به، فإذا كان ذلك لم يكن اسم

_ (1) قول مقاس العائذي: فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشهب 2 - وقول عمرو بن شأس: بني أسد هل تعلمون بلاءنا ... إذا كان يوماً ذا كواكب أشنعا انظر الكتاب 1/ 21، 22 وبيت مقاس في المقتضب 4/ 96 وابن يعيش 7/ 98. وبيت عمرو بن شأس برواية المصنف استشهد به التبريزي في شرح الحماسة 1/ 201 في خبر أبيات حصين بن حمام المري. (1) في (ط): تستفيد. (2) صدر بيت لبشر بن أبي خازم الأسدي وعجزه: وليس لحبها إذ طال شافي. انظر ديوانه/ 142 والمقتضب 4/ 22 والكامل ص 729 والخصائص 2/ 268 والمنصف 2/ 115 وابن الشجري 1/ 183، 283، 296، 298، والمفصل بشرح ابن يعيش 6/ 51، 10/ 103. والخزانة 2/ 261. ورغبة الآمل 6/ 128. (3) في (ط): «المطالبة» بدل «المطالبة به».

كان، لأنّ التداين معنى، والمنتصب يراد به العين، ومن حيث لم يجز أن يكون التداين اسم كان، لم يجز أن يكون الحقّ اسمها، لأنّ الحقّ يراد به الدين في قوله: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فكما لم يجز أن يكون التداين اسمها، كذلك لا يجوز [أن يكون] «1» هذا في الْحَقُّ، فإذا لم يجز ذلك لم يخل اسم كان من أحد شيئين: أحدهما أنّ هذه الأشياء التي اقتصّت من الإشهاد والارتهان قد علم في «2» فحواها التبايع؛ فأضمر التبايع لدلالة الحال عليه، كما أضمر لدلالة الحال فيما حكاه من قوله: إذا كان غدا فأتني، أو يكون أضمر التجارة، كأنّه: إلّا أن تكون التجارة تجارة حاضرة. ومثل ذلك قول الشاعر «3»: فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوماً ذا كواكب أشنعا أي: إذا كان اليوم يوماً، فأمّا التجارة فهي «4» تقليب الأموال وتصريفها لطلب النماء بذلك، وهو اسم حدث واشتقّ التاجر منه إلّا أنّ المراد به في الآية العين، ولا يخلو وقوع اسم الحدث «5» على هذا المعنى الذي وصفناه من أحد ثلاثة أشياء: إمّا أن يكون المراد: إلّا أن يقع ذو تجارة أي: متاع ذو تجارة. والآخر: أن يراد بالتجارة: المتّجر فيه الذي هو: عين،

_ (1) هكذا في ط وسقطت من م. (2) في (ط): من. (3) سبق في الصفحة 439. (4) في (م): «فهو». (5) في (ط) وقوع الحدث.

البقرة: 283

فيكون كقوله: هذا الدرهم ضرب الأمير، وهذا الثوب نسج اليمن، أي مضروبه ومنسوجه، وكذلك لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ [المائدة/ 94] أي المصيد. ألا ترى أن الأيدي والرماح إنّما تنالان الأعيان. والثالث: أن يوصف بالمصدر فيراد به العين كما يقال: عدل، ورضى، يراد به عادل ومرضيّ، وعلى هذا قالوا: عدلة، لما جعلوه الشيء بعينه. وليس هذا كالوجه الذي قبله لأنّ ذاك مصدر يراد به المفعول، وليس هذا مقصوراً على المفعول، فالمراد بالمصدر الذي هو تجارة: العروض وغيرها مما يتقابض، يبيّن ذلك وصفها بالحضور وبالإدارة بيننا، وهذا من أوصاف الأعيان، والاسم المشتق من هذا الحدث يجري مجرى الصفات الغالبة؛ ولذلك كسّر تكسيرها في قولهم: تاجر وتجار، كما قالوا: صاحب وصحاب، وراع ورعاء، قال الشاعر «1»: كأنّ على فيها عقاراً مدامة ... سلافة راح عتّقتها تجارها [البقرة: 283] اختلفوا في ضمّ الرّاء وكسرها وإدخال الألف وإخراجها، وضمّ الهاء وتخفيفها من قوله تعالى «2»: فرهن مقبوضة [البقرة/ 283]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فرهن، واختلف عنهما

_ (1) البيت من قصيدة طويلة لأبي ذؤيب الهذلي يرثي نشيبة بن محرّث في شرح أشعار الهذليين 1/ 73 الثاني عشر منها. والخمر العقار: التي تعاقر الدّنّ أو العقل، أي: تلزمه. والسلاف: أول ما يخرج من المبزل. عتّقتها: تركتها حتى قدمت. (2) في (ط): عز وجل.

فروى عبد الوارث «1» وعبيد بن عقيل «2» عن أبي عمرو: فرهن ساكنة الهاء. وروى اليزيديّ عنه فرهن بضم الهاء. وروى عبيد بن عقيل عن شبل «3» ومطرّف الشّقريّ «4» عن ابن كثير فرهن ساكنة الهاء. وروى قنبل «5» عن النبال «6» والبزّيّ «7» عن أصحابهما، ومحمد بن صالح المرّيّ «8» عن شبل عن ابن كثير: فرهن

_ (1) سبقت ترجمته 1/ 376. (2) سبقت ترجمته 1/ 341. (3) سبقت ترجمته 1/ 341. (4) الشقري أبو بكر مطرّف بن معقل الشقريّ التميمي السعدي قاله أبو عبيد القاسم بن سلام. انظر الأنساب للسمعاني 7/ 363 والذي في طبقات القراء 2/ 300: مطرف بن معقل أبو بكر النهدي، ويقال: الباهلي البصري ثقة معروف ... (5) قنبل أبو عمر محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد بن جرجة المخزومي (مقرئ مكة) مولاهم المكي ولد سنة 195 وتوفي 291 انظر معرفة القراء 1/ 186 وجعله من الطبقة السابعة. (6) أبو الحسن أحمد بن محمد بن علقمة ... المعروف بالقواس إمام مكة في القراءة، قرأ على وهب، وقرأ عليه قنبل وغيره .. توفي 240 أو 245 انظر طبقات القراء 1/ 123. (7) البزي: أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة الإمام أبو الحسن البزي المكي مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام ولد سنة 170 وتوفي 250 محقق ضابط متقن قرأ على أبيه عبد الله بن زياد وعكرمة بن سليمان ووهب بن واضح قرأ عليه إسحاق بن محمد الخزاعي والحسن بن الحباب وأحمد بن فرح ... وغيرهم وروى عنه القراءة قنبل، وروى حديث التكبير من آخر الضحى وقد أخرجه له الحاكم في المستدرك .. انظر طبقات القراء 1/ 119. (8) المري: محمد بن صالح أبو إسحاق المري البصري الخياط. روى الحروف

مضمومة الهاء. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فَرِهانٌ بألف مكسورة الراء «1». قال أبو علي: قال أبو زيد: رهنت عند الرجل رهنا ورهنته رهنا، فأنا أرهنه: إذا وضعته عنده. وارتهن فلان من رجل رهنا ارتهانا: إذا أخذه منه، وقد أرهنت في السلعة من مالي حتى أدركتها إرهانا، وذلك إذا غاليت بها في الثمن، فالارتهان- في المغالاة وفي القرض والبيع-: الرّهن، قال الشاعر «2»: يطوي ابن سلمى بها عن راكب بعداً ... عيديّة أرهنت فيها الدّنانير

_ سماعا عن شبل بن عباد، روى القراءة عنه عرضاً محمد بن عبد الله القاسم بن أبي بزة ... وروى عنه الداني أنّه قال: سألت شبل بن عباد عن قراءة أهل مكة فيما اختلفوا فيه، وفيما اتفقوا عليه فقال: إذا لم أذكر ابن محيصن فهو المجتمع عليه، وإذا ذكرت ابن محيصن فقد اختلف هو وعبد الله بن كثير وذكر القراءة. طبقات القراء 2/ 155. (1) السبعة 194 - 195. (2) البيت الأول في تهذيب اللغة 6/ 274 ولم يعزه لأحد. قال الأزهري: بها: بإبل. عيدية: نجب منسوبة إلى بنات العيد، وهو فحل معروف كان منجباً اهـ. وقال ابن سيده في المخصص السفر 7/ 135: العيدية: نوق تنسب إلى حيّ يقال له بنو العيد، وقيل نسبت إلى عاد بن عاد، وقيل: إلى عادي بن عاد فهو إذا على ذلك من شاذ النسب، وقيل نسبت إلى فحل يقال له: عيد، وهو نجيب كريم وأولاده نجب. اهـ. وقريب مما ذكره ابن سيدة في المخصص هو في اللسان (عود) وأنشد البيت لرذاذ الكلبي برواية: ظلّت تجوب بها البلدان ناجية .. عيدية .. البيت. وذكره في مادة (رهن) برواية المصنف وأشار إلى الرواية الثانية. وفي الصحاح (عود) عجزه، وأنشده بالرواية الثانية لرذاذ الكلبي أيضاً صاحب

كأنّها بحسير الرّيح صادية ... وقد تحرّز ملحرّ «1» اليعافير وأرهنّا بيننا خطراً إرهانا، وهو أن يبذلوا من الخطر ما يرضى به القوم بالغا ما بلغ، فيكون لهم سبقا، وأخطرت لهم خطراً إخطاراً وهو مثل الإرهان. وأنشد غير أبي زيد للعجاج «2»: وعاصما سلّمه من الغدر ... من بعد إرهان بصمّاء الغبر فقال بعض أصحاب الأصمعي: إرهان: إثبات وإدامة. ويقال: أرهن لهم الشرّ أي أدامه، وقال أبو موسى: رهن لهم، أي: دام، وأنشد «3»:

_ التاج في (عود) ولم تذكر المصادر السابقة البيت الثاني. وجاء البيت في البحر المحيط 2/ 342 بدون نسبة، وصحفت فيه كلمة «بعدا» إلى «بعراً» بالراء. وقوله: بعداً، جاء في اللسان (بعد): البعد، بالضم، وبعد، بالكسر، بعدا وبعدا، فهو بعيد وبعاد، عن سيبويه، أي: تباعد وجمعها: بعداء. ثم نقل عن الصحاح: البعد، بالتحريك، جمع باعد، مثل: خادم وخدم. وقوله: ملحرّ أي: من الحرّ، واليعافير ج اليعفور: الظبي الذي لونه كلون العفر وهو التراب وقيل: هو الخشف اهـ اللسان (عفر) والحسير: الكليل، وحسير الريح: الريح المقطوعة الضعيفة. قال في اللسان (حسر) العرب تقول: حسرت الدابة إذا سيّرتها حتى ينقطع سيرها. اهـ (1) رسمها في (م): «مالحرّ» ووضع فوقها كلمة: «صل» إشارة إلى وصلها. وأثبتنا ما في (ط) لعدم التكلف. (2) البيت في ديوان العجاج 1/ 93، وعاصم: لص كان حبسه مروان بن الحكم ثم أرسله، والصماء: الداهية التي لا تجيب، والغبر: البقاء، وإرهان: إثبات. (3) هذا صدر بيت عجزه: وقهوة راووقها ساكب. في اللسان (رهن) دون نسبة وفي شرح ديوان العجاج 1/ 93. ورواية (ط): واللحم والخبز.

والخبز واللحم لهم راهن فقد فسروا الرهن بالإثبات والإدامة، فمن ثم يبطل الرهن إذا خرج من يد المرتهن بحق لزوال إدامة الإمساك، والرّهن الذي يمسكه المرتهن توثقة لاستيفاء ماله من الراهن: اسم مصدر كما كان الكتاب كذلك في قوله تعالى «1»: وكتابه [التحريم/ 12] وهذه المصادر إذا نقلت فسمّي بها يزول عنها عمل الفعل، وذلك فيها إذا صارت على ما ذكرنا بيّن، إذ لم يعملوا من المصادر ما كثر استعمالهم له، كما ذهب إليه في قولهم: لله درّك، وتمثيله إياه بقولهم: لله بلادك، فإذا قال: رهنت زيداً رهناً وارتهنت رهنا، فليس انتصابه انتصاب المصدر، ولكن انتصاب المفعول به كما تقول: رهنت زيداً ثوباً، ورهنته ضيعة. وقد قالوا في هذا المعنى: أرهنته، وفعلت فيه أكثر. قال الأعشى «2»: حتى يفيدك من بنيه رهينة ... نعش ويرهنك السّماك الفرقدا وقال آخر: فلمّا خشيت أظافيره ... نجوت وأرهنتهم مالكا «3»

_ (1) سقطت من (ط). (2) البيت في ديوانه 231 والبحر المحيط 2/ 343 وفيه: يقيد له بالقاف وهو تصحيف مع بيت آخر قبله سيذكره المصنف بعد قليل. (3) البيت في البحر المحيط 2/ 342 واللسان (رهن) لهمام بن مرة، وجعله اللسان مطلع أبيات أربعة. وفي تهذيب الأزهري 6/ 274، والصحاح رهن لعبد الله بن همام السلوليّ ورواية البيت في المصادر السابقة ما عدا الأزهري.

وقال آخر: يراهنني فيرهنني بنيه ... وأرهنه بنيّ بما أقول «1» فرهنت في كل هذه الأبيات قد تعدى إلى مفعولين، فكذلك إذا قال: رهنت زيداً رهناً، فالرهن مصدر، ولمّا نقل فسمّي به ما ذكرت كسّر كما تكسّر الأسماء، كما كسّر غيره من المصادر المسمى بها. وتكسير رهن على أقل العدد لم أعلمه جاء، ولو جاء «2» لكان قياسه أفعل، مثل كلب وأكلب، وفلس وأفلس، وكأنّه استغني ببناء الكثير عن القليل كما استغني «3» ببناء الكثير عن القليل في قولهم: ثلاثة شسوع «4»، وكما استغني ببناء القليل عن بناء الكثير في نحو: رسن وأرسان، فرهن جمع على بناءين من أبنية الجموع، وهو فعل وفعال وكلاهما من أبنية الكثير فممّا جاء على فعل. قول الأعشى «5»: آليت لا أعطيه من أبنائنا ... رهنا فيفسدهم كمن قد أفسدا فرهن: جمع رهن، ثم يخفّف «6» العين كما خفّف في

_ «أظافيرهم» بدل «أظافيره». (1) البيت في اللسان (رهن) ونسبه إلى أحيحة بن الجلاح. (2) في (ط): ولو كان جاء. (3) في (ط): كما استغنوا. (4) في اللسان (شسع): شسع النعل: قبالها الذي يشدّ زمامها، والجمع: شسوع لا يكسر إلّا على هذا البناء. (5) البيت في ديوانه 229 وفيه: لا نعطيه بدل لا أعطيه. واللسان رهن وسبقت الإشارة إليه قريباً. (6) في (ط): خفّف.

رسل وكتب ونحو ذلك فقيل: رسل وكتب. ومثل رهن ورهن، سقف وسقف، وفي التنزيل: لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ [الزخرف/ 33] ومثل تخفيفهم الرّهن وقولهم: رهن؛ أنّهم جمعوا أسداً على أسد، ثم خفّفوا فقالوا: أسد قال: كأنّ محرّبا من أسد ترج ... ينازلهم لنابيه قبيب «1» ومثل رهن ورهن فيما حكاه أبو الحسن: لحد القبر، ولحد، وقلب وقلب، لقلب النخلة، وقالوا: ثطّ «2»، وثطّ، وورد وورد «3»، وسهم حشر، وسهام حشر «4». فإن قلت: أيجوز أن يكون رهان جمع رهن، ولا يكون جمع رهن. فالقول: إنّ سيبويه «5» لا يرى جمع الجمع مطّرداً، فينبغي أن لا يقدم عليه حتى يعلم، فإذا كان رهن قد صار مثل كعب، وكلب، قلنا «6»: إنّ «رهان» مثل كعب وكعاب، ولم يجعله جمع الجمع إلّا بثبت. فإن قلت: إنّهم

_ (1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 110 وديوانهم 1/ 97 والمحرّب: الأسد المغيظ المغضب. ترج: واد. قبيب: صوت يقبقب، وهي: القبقبة، وانظر اللسان (قبب). (2) رجل ثطّ: ثقيل البطن بطيء. انظر اللسان/ ثطط/. (3) قال في التاج (ورد): فرس ورد وجمعه ورد، بضم فسكون مثل: جون وجون. (4) في اللسان (حشر): سهم محشور وحشر: مستوي قذذ الريش، قال سيبويه: سهم حشر وسهام حشر. اه. منه. (5) قال سيبويه في 2/ 200: «اعلم أنه ليس كل جمع يجمع، كما أنّه ليس كل مصدر يجمع كالأشغال والعقول والحلوم والألباب». (6) في (ط): قلت.

قد جمعوا فعلا في قولهم: طرقات وجزرات، وحكى أبو عثمان أنّ الرّياشي حكى أنّه سمع من يقول: عندنا معنات «1»، فإذا جمعوه هذا الجمع جاز أن يكسّر أيضاً لاجتماع البابين «2» في التكسير والتصحيح في أنّ كلّ واحد منهما جمع فهذا قياس، التوقف عنه نراه أولى، وقد ذهب إليه ناس. وكذلك لو قال: إنّ فعل مثل فعال، في أنّ كلّ واحد منهما بناء للعدد الكثير، وقد كسّروا «فعالًا» «3» في نحو قول ذي الرّمة «4». وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما ... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر فيكون رهان جمع رهن لا جمع رهن، وجمعوا فعلًا، على فعال، كما جمعوا فعالًا على فعائل في قولهم: جمائل، لم نر هذا القياس؛ لأنّه إذا جمع شيء من هذا لم يجز قياس الآخر عليه عنده، حتى يسمع، وليست الجموع عنده في هذا كالآحاد.

_ (1) المعن: الماء الظاهر أو السائل، والجمع معن ومعنات. انظر اللسان (معن). (2) في (ط): البناءين. (3) في (م): فعال. (4) البيت في ديوانه 1/ 566. والمسلسل في غريب اللغة ص 79 والحيوان 3/ 430 والصحاح (خطر) وشروح سقط الزند بشرح الأصمعي 4/ 1536 و 1537. واللسان (جمل، غرب، خطر، زرق) والتاج (غرب) وهنالك اختلاف يسير في رواية البيت في المصادر. وفي شرح الديوان: الزرق: أكثبة الدهناء- تقوب: تقشّر، غربان أوراكها: طرف رءوس الأوراك الذي يلي الذنب. والخطر: أن يخطر بذنبه فيصير على عجزه لبد من أبواله- ومعنى البيت: تقوّب غراباه لأنّه يأكل الرطب فيسلح به على ذنبه ثم يخطر فيضرب به بين وركيه، فإذا أصابه الصيف وضربه الحر انسلخ الشّعر عن موضع خطره بذنبه، فهو حيث يتقوب.

قال أحمد بن موسى: قرأ حمزة وعاصم في رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم وحفص عن عاصم الَّذِي اؤْتُمِنَ [البقرة/ 283] بهمزة وبرفع الألف، ويشير بالضم إلى الهمز «1». قال أحمد: وهذه الترجمة غلط. وقرأ الباقون: الذي ائتمن «2» الذال مكسورة، وبعدها همزة ساكنة بغير إشمام الضمّ، وهذا هو الصواب الذي لا يجوز غيره. وروى خلف وغيره عن سليم عن حمزة: الَّذِي اؤْتُمِنَ، يشمّ الهمزة الضمّ، وهذا خطأ أيضاً، لا يجوز إلّا بتسكين الهمزة «3». قال أبو علي: لا تخلو الحركة التي أشمّوها الهمزة من أن تكون لنفس الحرف، أو تكون حركة حرف قبل الهمزة أو بعدها: فلا يجوز أن تكون الحركة لنفس الحرف الذي هو الهمزة، لأنّ الحرف ساكن لا حظّ له في الحركة، وذلك «4» أن اؤْتُمِنَ افتعل من الأمان، والفاء من افتعل ساكنة في جميع الكلام صحيحه ومعتلّه، تقول: اقتتل اقترع، ايتكل، ايتجر، اختار، انقاد، اتّعد، ارتدّ «5»، اتّزن، فتكون فاء افتعل في

_ (1) في (ط): «الهمزة». (2) رسمها في (م): «اؤتمن» وكتب فوق الكلمة: «صل» والذي أثبتنا من (ط) ينسجم مع المراد، والنطق. (3) السبعة ص 194. (4) في (ط): وذاك. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م).

جميع هذه الأبنية ساكنة، ولا يجوز أن تكون حركة حرف قبلها «1» لأنّ حركة ما قبل لم تلق على ما بعد في شيء علمناه، كما تلقى حركة الحرف على ما قبله في نحو: استعدّ، واستمرّ، وقيل، واختير، وردّ، والخب «2» ونحوه. فإذا لم يكن لشيء من هذه الأقسام مساغ ثبت أن الحركة لا تجوز فيها على الإشمام، كما لا تجوز فيها «3» على الإشباع، فإن قيل: إن هذا الإشمام إنّما هو ليعلم أنّ قبلها همزة وصل مضمومة، وذلك أنّك إذا ابتدأت قلت: اؤتمن. قيل: فهذا يلزم قائله أن يقول في نحو: إِلَى الْهُدَى ائْتِنا [الأنعام/ 71] أن يشير إلى الهمز بالكسر، وكذلك يلزمه أن يشير إلى الكسر في قوله: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا [الأعراف/ 70] وفي قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي [التوبة/ 49] ونحو ذلك أن يشير إلى الكسر في الهمز لأنّ قبل الهمزة في كل ذلك في الابتداء همزة مكسورة كما كانت في قوله اؤْتُمِنَ في الاستئناف همزة مضمومة. فإن مرّ على قياس هذا الذي لزم كان مارّاً على خطأ وآخذاً به من غير وجه. ومن ذلك أنّ الحرف الذي بعد الحرف لا يحرّك بحركة ما قبله، كما يحرّك الحرف الذي قبل الحرف لحركة الحرف الذي بعده نحو:

_ (1) في (ط): قبله. (2) أصلها «الخبء» من قوله تعالى من سورة النمل/ 25: «ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ... » قال في البحر المحيط 7/ 69: قرأ الجمهور (الخبء) بسكون الباء والهمزة، وقرأ أبيّ وعيسى بنقل حركة الهمزة إلى الباء وحذف الهمزة. (3) في (م): كما تجوز على الإشباع. والصواب ما أثبتناه من (ط).

يستعدّ، ويَهْدِي «1» [يونس/ 35] والْخَبْءَ [النمل/ 25] ونحو ذلك. ولو جاز «2» ذلك في كلامهم، لم يلزم في هذا الموضع في الإدراج؛ وذلك أنّ همزة الوصل تسقط في الإدراج، فإذا سقطت سقطت حركتها، ولم تبق الحركة بعد سقوط الحرف، فإذا كان كذلك لم يجز أن تقدّر إلقاء حركة ما قبلها عليها لأنّها «3» ليس قبلها شيء وإذا لم يجز ذلك، تبيّن أن الهمزة لا وجه لها إلّا السكون، كما ذهب الآخرون إليه غير عاصم وحمزة من إسكانها. إلّا أنه يجوز في الهمزة «4» التخفيف والتحقيق فمن خفف: الَّذِي اؤْتُمِنَ قال: الذيتمن «5»، فحذف الياء من الذي لالتقائها ساكنة مع فاء افتعل، لأنّ همزة الوصل قد سقطت للإدراج، فيصير: ذيتمن بمنزلة: بير، وذيب، وإن حقّق كان بمنزلة من حقّق الذئب والبئر.

_ (1) «يهدّي»: كذا جاء رسمها في الأصل وفي المصحف برواية حفص: «يهدّي» قال أبو حيان في البحر 5/ 156: قرأ أهل المدينة إلّا ورشاً: «أمّن لا يهدّي» بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدّال. فجمعوا بين ساكنين. قال النحاس: لا يقدر أحد أن ينطق به. وقال المبرد من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة. وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية كذلك، إلّا أنه اختلس الحركة. وقرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء، وأصله: يهتدي، فقلب حركة التاء إلى الهاء وأدغمت التاء في الدال، وقرأ حفص ويعقوب والأعمش عن أبي بكر كذلك، إلّا أنهم كسروا الهاء، لما اضطر إلى الحركة حرّك بالكسر، قال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر. وقرأ أبو بكر في رواية يحيى بن آدم كذلك إلّا أنه كسر الياء. وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى ابن وثاب والأعمش: يهدي، مضارع هدى. وستأتي في موضعها من الكتاب. (2) في (ط): ولو جاء ذلك وجاز. (3) في (ط): لأنه. (4) في (ط): الهمز. (5) رسمت في (ط): الذي ايتمن.

وليس إشمام الحركة الهمزة في قوله الَّذِي اؤْتُمِنَ كإشمام أبي عمرو فيما حكى سيبويه «1» من قراءاته قوله: يا صالح يتنا «2» [الأعراف/ 77] لأنّه أشمّ الحركة التي على الحاء، ولها حركة هي الضمة، ولا حركة للهمزة في: الَّذِي اؤْتُمِنَ. ولم يقلب أبو عمرو الياء التي أبدلت من الهمزة التي هي فاء واواً لتشبيهه المنفصل بالمتصل نحو: قيل. ولا يلزمه على هذا أن يقول ومنهم من يقول: ائْذَنْ لِي لأنّه إنّما فعل ذلك في حركة بناء وحركة البناء في النداء المفرد كحركة البناء في قيل. فإذا فعل ذلك في حركة البناء، لم يلزمه أن يجري حركة الإعراب كحركة البناء، ومن شبّه حركة الإعراب بحركة البناء، وهو قياس قول سيبويه لزمه أن يشمّ الضمة في يقول الكسرة كما جاء ذلك في قيل. ولعل أبا عمرو يفصل بينهما كما فصل غيره من النحويين. وليس ذلك أيضاً كما حكاه أبو الحسن من أن بعضهم قال في القراءة: فِي الْقَتْلى الْحُرُّ [البقرة/ 178] فأشمّ الفتحة التي على اللام التي هي لام الفعل من القتلى الكسرة، كما كان يميله، والألف التي في القتلى ثابتة، لأنّ الألف التي في القتلى حذفت لالتقاء الساكنين. وقد وجدت الحذف لالتقاء الساكنين في حكم الثبات، ألا ترى أنّهم أنشدوا «3»:

_ (1) انظر الكتاب 2/ 358. (2) رسمها في (ط): «يا صالح ايتنا» بإثبات ألف الوصل. ورسمها في سيبويه: «يا صالحيتنا». (3) لأبي الأسود الدؤلي في الكتاب 1/ 85 والمقتضب 2/ 313، ومجالس ثعلب ص 123، والمنصف 2/ 231 وأمالي ابن الشجري 1/ 383 والانصاف لابن الأنباري ص 659 والهمع 2/ 169، والدرر 2/ 230، والخزانة 4/ 554 وشرح أبيات المغني 7/ 182. واللسان (عتب).

فألفيته غير مستعتب ولا ... ذاكر «1» الله إلّا قليلًا فنصبوا الاسم مع حذف التنوين كما كانوا ينصبون مع إثباته لما كان المحذوف في حكم الإثبات. فكذلك الألف في «القتلى» في حكم الإثبات، وإذا كان في حكمه جازت إمالة الفتحة مع حذف الألف كما جازت إمالتها مع ثباتها. ونظير ذلك من كلامهم قولهم: صعقيّ «2»، ألا ترى أنّه إنّما كسرت الصّاد لمكان كسرة العين، ثم انفتح ما كانت الفاء كسرت لكسرته فبقيت الفاء على كسرتها، فكذلك الفتحة في «القتلى» أميلت لمكان الألف، ثم ارتفع ما كان أميلت له الفتحة، وذهب، فبقيت اللّام على إمالة فتحتها كما بقيت الفاء في صعقي على كسرتها.

_ وللبيت قصة رواها صاحب الأغاني بسنده عن أبي عوانة ملخصها: أنه تزوج امرأة فوجدها بخلاف ما قالت له قبل الخطبة فجمع أهلها الذين حضروا تزويجه إياها وطلقها .. انظر الأغاني 12/ 314، 315. (1) في الأصل ضبطه بالكسر: «ذاكر الله». وبعض المصادر ترويه بالفتح كما في المقتضب، وشرح أبيات المغني قال البغدادي: قوله: ولا ذاكر الله، روي بنصب ذاكر وجره، فالنصب للعطف على غير، والجر للعطف على مستعتب، ولا: لتأكيد النفي المستفاد من غير. (2) صعقي: نسبة إلى الصعق، وهو خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، كان سيداً، يطعم بعكاظ، وأحرقته صاعقة، فلذلك سمي الصعق. ومن ولده الشاعر يزيد بن عمرو بن الصعق. انظر جمهرة الأنساب ص 286 لابن حزم وفي القاموس (صاعقة): والنسبة: صعقي، محركة، وصعقي كعنبي، على غير قياس.

البقرة: 285

[البقرة: 285] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله جلّ وعزّ «1»: وَكُتُبِهِ [البقرة/ 285] هاهنا، وفي سورة التحريم [الآية: 12]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: وَكُتُبِهِ هاهنا جمع، وفي التحريم: وكتابه، على التوحيد. وقرأ أبو عمرو: هاهنا وفي التحريم: وَكُتُبِهِ على الجمع. وقرأ حمزة والكسائي: وكتابه على التوحيد فيهما. وروى حفص عن عاصم هاهنا، وفي التحريم: وَكُتُبِهِ مثل أبي عمرو. وخارجة عن نافع في التحريم مثل أبي عمرو «2». قال أبو علي: قال أبو زيد: كتبت الصكّ، أكتبه كتاباً، وكتبت السقاء، أكتبه كتباً: إذا خرزته. قال ذو الرّمّة: وفراء غرفيّة أثأى خوارزها ... مشلشل ضيّعته بينها الكتب «3»

_ (1) سقطت من (ط). (2) انظر السبعة ص 195 - 196 وهنالك اختلاف يسير عمّا هنا. (3) البيت في شرح ديوانه للأصمعي 1/ 11 وفراء: واسعة، وغرفيّة: دبغت بالغرف وهو شجر يدبغ بورقه. أثأى خوارزها: قال الأصمعي: الثأي: أن تلتقي الخرزتان فتصيرا واحدة، المشلشل: الذي يكاد يتصل قطره (المطر). الكتب: الخرز، الواحدة كتبة وكلّما جمعت شيئاً إلى شيء فقد كتبته وسميت الكتيبة بذلك لأنّها تكتبت واجتمعت، ومنه كتبت الكتاب: إذا جمعت حروفاً إلى حروف. وقوله: ضيّعته: يريد الكتب أي: الخرز ضيعت الماء فيما بينها فهو يشلّ.

وكتبت البغلة «1» أكتبها كتباً «2»، إذا حزمت حياءها بحلقة حديد أو صفر، وكتبت عليها كتباً، وكتّبت الناقة تكتيباً: إذا صررتها. فالكتاب مصدر كتب «3». وقد جاء كتب في التنزيل على غير وجه فمن ذلك أن يراد به: فرض، قال تعالى «4»: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة/ 183]، وقال تعالى «5»: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى [البقرة/ 178] وقال: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة/ 45] وقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال/ 75] أي فيما فرض الله لهم في «6» السّهام في المواريث، أو الحيازة للتركة، ويجوز أن يعنى به التنزيل، أي: هم في فرض كتاب الله أولى بأرحامهم، وأن يحمل على الكتاب المكتتب أولى، وذلك لقوله سبحانه «7» في أخرى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً، كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً [الأحزاب/ 6] والمسطور إنّما يسطر في صحف أو ألواح، فردّ المطلق منهما إلى هذا المقيّد أولى، لأنّه أمر واحد. وقد جاء كتب يراد به الحكم. قال تعالى «8»:

_ (1) في (ط): الدابة. (2) «كتبا» زيادة من (ط). (3) في (ط): كتبت. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): من. (7) سقطت من (ط). (8) سقطت من (ط).

كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة/ 21] كأنه حكم، قال «1»: وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا [الحشر/ 3] أي حكم بإخراجهم من دورهم. وقال: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا [آل عمران/ 145] فانتصب كتاباً بالفعل الذي دلّ عليه هذا الكلام، وذلك «2» أنّ قوله: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يدلّ على كتب، وكذلك قوله: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء/ 24] لأنّ في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النساء/ 23] دلالة على كتب هذا التحريم عليكم «3» أي: فرضه، فصار كتاب الله، كقوله: صُنْعَ اللَّهِ [النمل/ 88]، ووَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم/ 6]. فأمّا قوله: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة/ 22] فإنّ معناه جمع، وقد قالوا: الكتيبة للجمع من الجيش، وقالوا للخرز التي ينضم بعضها إلى بعض: كتب، كأنّ التقدير: أولئك الذين جمع الله في قلوبهم الإيمان أي: استوعبوه واستكملوه، فلم يكونوا ممن يقول: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء/ 150] وهم الذين جمعوا ذلك في الحقيقة، وأضيف ذلك «4» إلى الله تعالى «5»، لأنّه كان بتقويته ولطفه كما قال: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال/ 17]. فأمّا قوله تعالى «6»: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ

_ (1) في (ط): وقال. (2) في (ط): وذاك. (3) سقطت من (م). (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط).

[التوبة/ 36] فلا يجوز تعلقه بالعدّة لأنّ فيه فصلًا بين الصلة والموصول بالخبر، ولكنّه يتعلق بمحذوف على أن يكون صفة للخبر الذي هو قوله: اثْنا عَشَرَ شَهْراً، والكتاب لا يكون إلّا مصدراً، ولا يجوز أن يكون «1» يعنى به الذكر، ولا غيره من الكتب، وذلك لتعلّق اليوم به، واليوم وسائر الظروف لا تتعلق بأسماء الأعيان لأنّها لا معاني فيها للفعل، فبهذا يعلم أنّه مصدر. فأمّا قوله تعالى: وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ [البقرة/ 285] فإنّ الكتب جمع كتاب وهو مصدر كتب فنقل، وسمّي به، فصار يجري مجرى الأعيان وما لا معنى فعل فيه، وعلى ذلك كسر، فقيل: كتب كما قالوا: إزار وأزر، ولجام ولجم. ولولا أنّه صار منقولًا، لكان خليقاً أن لا يكسّر، كما أنّ عامة المصادر لا تجمع، فأمّا الجمع فيه فللكثرة، وأمّا الإفراد في قول من قرأ: وكتابه فليس كما تفرد المصادر، وإن أريد بها الكثير كقوله تعالى «2»: وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان/ 14] ونحو ذلك، ولكن كما تفرد الأسماء التي يراد بها الكثرة نحو قولهم: كثر الدينار والدرهم، ونحو ذلك مما يفرد لهذا المعنى، وهي تكسر، وكذلك: أهلك الناس الشاة والبعير، فإن قلت: إنّ هذه الأسماء التي يراد بها الكثرة تكون مفردة، وهذه مضافة قيل: قد جاء المضاف من الأسماء، يعنى به الكثرة، وفي التنزيل:

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط).

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [النحل/ 18، إبراهيم/ 34] وفي الحديث: «منعت العراق درهمها وقفيزها» «1». فهذا يراد به الكثرة، كما يراد فيما فيه لام التعريف، وممّا يجوز أن يكون على هذا قول عدي «2» بن الرقاع: يدع الحيّ بالعشيّ رغاها ... وهم عن رغيفهم أغنياء «3» وقال: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة/ 187] وهذا الإحلال شائع في جميع ليالي «4» الصّيام، والتكسير أوجه لأنّ الموضع يراد به الكثرة، وليس مجيء الأسماء المضافة التي يراد بها الجنس، والشّياع، بكثرة ما جاء منها «5»، وفيه لام المعرفة، والاسمان اللذان أحدهما قبله، والآخر بعده مجموعان، فهذا يقوّي الجمع ليكون مشاكلا لما قبله وما بعده، ويجوز فيمن أفرد فقال: وكتابه أن يعني به الشّياع، ويكون الاسم مصدرا غير منقول، فيسمّى الذي يكتب كتابا،

_ (1) سبق تخريجه انظر ص 119 من هذا الجزء. (2) كذا في (ط)، وسقطت من (م). وعدي بن الرقاع من الشعراء المقدمين، قال جرير سمعته ينشد: تزجي أغنّ كأن إبرة روقه. فرحمته من هذا التشبيه فقلت: بأي شيء يشبهه ترى! فلما قال: قلم أصاب من الدواة مدادها رحمت نفسي منه. انظر الأغاني 9/ 308 حيث أخبار عدي. (3) لم أظفر بالقصيدة التي منها هذا البيت، وفي الشعر والشعراء ص 620 بيتان من نفس الروي والوزن وهما: لو ثوى لا يريمها ألف حول ... لم يطل عندها عليه الثواء أهواها يشفّه أم أعيرت ... منظراً فوق ما أعير النساء (4) في (م): أيام. (5) في (م): فيها.

البقرة: 285

كما قيل: نسج اليمن، أو على تقدير ذي، أي: ذي الذي يكتب. [البقرة: 285] اختلفوا في ضمّ السّين وإسكانها من قوله تعالى «1»: وَرُسُلِهِ [البقرة/ 285] ورُسُلِنا [الإسراء/ 77] «2». فقرأ أبو عمرو ما أضيف إلى مكنيّ «3» على حرفين مثل: رُسُلِنا، ورُسُلُكُمْ [غافر/ 50] بإسكان السين، وثقّل ما عدا ذلك. وروى عليّ بن نصر عن هارون عن أبي عمرو أنّه خفّف عَلى رُسُلِكَ [آل عمران/ 194] أيضاً. وقال عليّ بن نصر: سمعت أبا عمرو يقرأ عَلى رُسُلِكَ مثقّلة، وقرأ الباقون كلّ ما في القرآن من هذا الجنس بالتثقيل «4». قال أبو عليّ: وجه قراءة من ثقّل عَلى رُسُلِكَ أنّ أصل الكلمة على فعل بضمّ العين، ومن أسكن خفّف ذلك «5» كما يخفّف ذلك في الآحاد في نحو العنق، والطّنب، وإذا خفّفت الآحاد، فالجموع أولى من حيث كانت أثقل من الآحاد، والدليل على أنّه على فعل مضموم العين، رفضهم هذا الجمع، فيما كان «6» لامه حرف علّة نحو: كساء، ورداء

_ (1) سقطت من (ط). (2) هذه الآية وردت كثيراً ولكنها لم تأت مكسورة اللام إلّا في موضعين، الأول في الإسراء والثاني في الحديد/ 27. انظر المعجم المفهرس للآيات. (3) مكني: ضمير. (4) انظر السبعة ص 185 فهناك اختلاف يسير. (5) سقطت ذلك من (ط). (6) في (ط): كانت.

ورشاء، ألا تراهم لم يجمعوا شيئاً من هذا النحو على فعل، كما جمعوا قذالًا، وكتاباً، وحماراً ورغيفاً على فعل، ولم يجمعوه أيضاً على التخفيف لأنّه إذا خفّف، والأصل التثقيل، كانت الحركة في حكم الثبات ومنزلته. ألا ترى أنّ من قال: رضي، ولقضو الرجل، لمّا كانت الحركة في حكم الثبات عنده لم يردّ الواو ولا الياء؟ وكذلك نحو رشاء، وقباء، لم يجمع على فعل ولم يجيء من هذا الباب شيء على فعل إلّا ثنيّ «1» وثن، وقالوا: ثنيان في جمعه أيضاً، وما عداه مرفوض غير مستعمل، ومما يدلّ على أن الأصل فيه الحركة، أنّه لو كان الأصل السكون لم يرفض فيه جمع ما كانت اللّام فيه ياءً، أو واواً، كما لم يرفض ذلك في جمع ما أصله فعل، وذلك نحو: عمي، وأَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ [يونس/ 43] وكذلك قنواء «2» وقنو، وعشواء «3»، وعشو، وأبواء «4»، وأبو، ألا ترى أنّهم لم يرفضوا جمع هذا لمّا كان ما قبله ساكناً فصار بمنزلة الآحاد نحو: حلو وعري، وما أشبه ذلك؟ فقد دلّك «5» رفضهم لجمع هذا الضرب أنّه على فعل وأنهم رفضوه لما يلزم فيه من القلب

_ (1) في القاموس (ثنى): الناقة الطاعنة في السادسة والبعير: ثنيّ، والفرس الداخلة في الرابعة والشاة في الثالثة كالبقرة. (2) قنواء: مؤنث أقنى. كما في القاموس (القنوة). (3) مقصورة سوء البصر بالليل والنهار كالغشاوة: أو العمى. القاموس (العشا). (4) في القاموس: (أبى): أبوته إباوة- بالكسر- صرت له أبا، والاسم الأبواء، وقال ياقوت في معجم البلدان (الأبواء) 1/ 79: الأبواء: فعلاء من الأبوّة. (5) في (ط): فقد صار ذلك.

والإعلال. ومما يدلّ على أنّ أصله فعل، بضم العين، أنّهم خفّفوا من ذلك نحو: عوان وعون «1» ونوار، ونور «2»، وخوان، وخون، كراهة الضمة في الواو فإذا اضطرّ الشاعر ردّه إلى أصله كما جاء: تمنحه سوك الإسحل «3» وقوله: وفي الأكفّ اللامعات سور «4» على أن أبا زيد حكى: قوم قول، بضم الواو. وأمّا وجه تخفيف أبي عمرو ما اتّصل من ذلك بحرفين

_ (1) في القاموس (عون): العوان: كسحاب من الحروب التي قوتل فيها مرّة، ومن البقر والخيل التي نتجت بعد بطنها البكر، ومن النساء التي كان لها زوج- جمعها عون بالضم ا. هـ منه. وكلمة عوان من قوله تعالى في سورة البقرة/ 68: «قال إنه يقول إنّها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك». (2) في القاموس (نور): النوار كسحاب جمع نور، بالضم، والأصل نور، بضمتين فكرهوا الضمة على الواو. ونارت نورا ونوارا بالكسر والفتح نفرت، وبقرة نوار تنفر من الفحل. وجاءت في (ط): «وبوار وبور» بدل «نوار ونور». (3) عجز بيت لعبد الرحمن بن حسان وصدره: أغرّ الثنايا أحمّ اللّثات، انظر المنصف 1/ 338، وابن يعيش 10/ 84 وفيه يحسنه بدل تمنحه. وشرح شواهد الألفية للعيني 4/ 530 وفيه تحسنها بدل تمنحه. والأشموني 4/ 130. والمقتضب 1/ 113. وفي (ط) فوق البيت: كذا عنده، والمعروف: تمنح فاها سوك الإسحل. (4) عجز بيت لعدي بن زيد العبادي وصدره: عن مبرقات بالبرين تبدو انظر اللسان (لمع) والمنصف 1/ 338 وسيبويه 2/ 369 والمقتضب 1/ 113. وشرح الشافية 2/ 127 وشواهدها 121.

البقرة: 284

من حروف الضمير، أو بحرف نحو: رُسُلِكَ [آل عمران/ 194]، فلأنّ هذا قد يخفّف إذا لم يتّصل بمتحرك، فإذا اتّصل بمتحرك حسن التخفيف لئلا تتوالى أربعة أحرف متحركة لأنّهم كرهوا تواليها على هذه العدة بهذه الصورة، ومن ثم لم تتوال أربع متحركات في بناء الشعر، والكلم «1»، إلّا أن يكون مزاحفاً، أو يخفّف «2» لهذا الذي ذكرناه من كراهتهم توالي أربع متحركات. ومن لم يخفّف فلأنّ هذا الاتصال بالحرفين ليس بلازم للحرف، وما لم يكن لازماً في هذه الكلم «3» فلا حكم له، ألا ترى أنّ الإدغام في نحو: جعل لك، لم يلزم وإن كان قد توالى خمس متحركات، وهذا لا يكون في بناء الشعر، لا في مزاحفه ولا في سالمه ولا في الكلم المفردة. وقد جاز في نحو هذا أن لا يدغم لمّا لم يكن لازماً، ومن ثمّ روي عن أبي عمرو عَلى رُسُلِكَ وعَلى رُسُلِكَ كأنّه أخذ بالوجهين وذهب إلى المذهبين. [البقرة: 284] واختلفوا «4» في الجزم والرفع من قوله تعالى «5»: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ [البقرة/ 284]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ جزماً. وقرأ ابن عامر وعاصم: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ رفعاً «6».

_ (1) في (ط): والكلام. (2) في (ط): فيخفف. (3) في (م) (الكلمة). (4) سقطت الواو من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) السبعة ص 195.

قال أبو علي: وجه قول من جزم أنّه أتبعه ما قبله، ولم يقطعه منه وهذا أشبه بما عليه كلامهم، ألا ترى أنّهم يطلبون المشاكلة، ويلزمونها؟ فمن ذلك أنّ ما كان معطوفاً على جملة، من فعل وفاعل، واشتغل عن الاسم الذي من الجملة التي يعطف عليها الفعل، يختار فيه النصب ولو لم «1» يكن قبله الفعل والفاعل لاختاروا «2» الرفع، وعلى هذا ما «3» جاء من هذا النحو في التنزيل نحو قوله تعالى «4»: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ [الفرقان/ 39]، وقوله تعالى «4»: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الأعراف/ 30] وقوله: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الإنسان/ 31] فكذلك ينبغي أن يكون الجزم أحسن ليكون مشاكلًا لما قبله في اللفظ [ولم يخلّ من المعنى بشيء] «6». وكذلك إذا عطفوا فعلًا على اسم أضمروا قبل الفعل «أن»، ليقع بذلك عطف اسم على اسم، لأنّ الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم، كما أن جملة من فعل وفاعل أشبه بجملة من فعل وفاعل. من جملة من مبتدأ وخبر بجملة من فعل وفاعل فلهذا ما جاء ما كان من نحو: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ [الفرقان/ 39] في التنزيل بالنصب. وهذا النحو من طلبهم المشاكلة كثير. ومن لم يجزم

_ (1) في (ط): وإن لم. (2) في (ط): اختاروا. (3) سقطت من (م). (4) سقطت من (ط). (6) في (ط): وليس يختل من المعنى شيء.

قطعه من الأول، وقطعه منه على أحد «1» وجهين إما أن يجعل الفعل خبراً لمبتدإ محذوف فيرتفع «2» الفعل لوقوعه موقع خبر المبتدأ، وإمّا أن يعطف جملة من فعل وفاعل على ما تقدمها. [تمّ الكلام في سورة البقرة والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى] «3». يليه في الجزء الثالث (حسب تقسيمنا) الكلام في سورة آل عمران

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (م): «يرتفع» وما أثبتناه من (ط) بالعطف على الفعل «أن يجعل» أوجه. (3) ما بين المعقوفتين سقطت من (ط).

سورة آل عمران

بسم الله الرحمن الرحيم «1» ذكر اختلافهم في سورة آل عمران «2» [آل عمران: 1] قرءوا كلّهم: الم الله [آل عمران/ 1] مفتوحة الميم والألف ساقطة إلّا ما حدثني به القاضي موسى بن إسحاق الأنصاري «3» قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي «4» قال: حدثنا

_ (1) في (م): «بسم الله». (2) في (ط): «عونك يا رب، سورة آل عمران». (3) موسى بن إسحاق أبو بكر الأنصاري الخطمي البغدادي القاضي، ثقة روى القراءة عن قالون وعن أبي بكر هشام الرفاعي، وهارون بن حاتم ومحمد بن إسحاق المسيبي. روى عنه القراءة أبو بكر بن مجاهد .. مات سنة سبع وتسعين ومائتين. طبقات القراء 2/ 317. (4) هو محمد بن يزيد بن رفاعة بن سماعة. الكوفي القاضي، إمام مشهور، أخذ القراءة عرضا عن سليم، وروى الحروف سماعا عن الأعشى وحسين بن علي الجعفي، ويحيى بن آدم ... له كتاب في القراءات. ومما انفرد به عن الكسائي: إشمام «الصراط» و «ملك يوم الدين» بغير ألف لم يروه عنه غيره. روى القراءة عنه موسى بن إسحاق القاضي وغيره ... قال أبو العباس السراج: مات آخر يوم من شعبان ببغداد، وكان قاضيا عليها سنة ثمان وأربعين ومائتين، وقال البخاري يوم الأربعاء منسلخ شعبان انظر طبقات القراء 2/ 280 - 281.

يحيى بن آدم «1» عن أبي بكر «2» عن عاصم أنّه قرأ (الم) ثم قطع وابتدأ (الله) ثم سكّن فيها. قال يحيى بن آدم وآخر ما حفظت عنه (الم الله) مثل حمزة. [حدثنا ابن مجاهد قال] «3»: حدثنا موسى بن إسحاق قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: سمعت أبا يوسف الأعشى «4» قرأها على أبي بكر (الم) ثم قطع فقال: (الله) بالهمز.

_ (1) يحيى بن آدم بن سليمان بن خالد بن أسيد أبو زكريا الصلحي، سبقت ترجمته في 1/ 377. (2) وأبو بكر هذا الذي يروي عنه يحيى: هو ابن عياش بن سالم الحناط الأسدي النهشلي الكوفي راوي عاصم. واختلف في اسمه على ثلاثة عشر قولا أصحها «شعبة» ولد سنة خمس وتسعين وعرض القرآن على عاصم ثلاث مرات وعلى عطاء بن السائب، وأسلم المنقري .. وعمّر دهرا، إلّا أنّه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنين وقيل بأكثر. وكان إماما كبيرا عالما عاملا وكان يقول أنا نصف الإسلام. وكان من أئمة السنة. قال أبو داود حدثنا حمزة بن سعيد المروزي، وكان ثقة، قال: سألت أبا بكر بن عياش: وقد بلغك ما كان من أمر ابن عليّة في القرآن؟ قال: ويلك! من يزعم أنّ القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق، عدوّ لله، لا نجالسه ولا نكلمه، وروى يحيى بن أيّوب عن أبي عبد الله النخعي، قال: لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة وكذا قال يحيى بن معين ... ولما حضرته الوفاة بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك!؟ انظري إلى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة. توفي في جمادي الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وقيل سنة أربع وتسعين انظر طبقات القراء 1/ 325 - 327. (3) ما بين معقوفين سقط من (ط). (4) هو يعقوب بن محمد بن خليفة بن سعيد بن هلال أبو يوسف الأعشى التميمي الكوفي، أخذ القراءة عرضا عن أبي بكر شعبة وهو أجلّ أصحابه ... روى عنه محمد بن يزيد الرفاعي [أبو هشام] توفي في حدود المائتين. انظر طبقات القراء 2/ 390.

حدثنا ابن مجاهد قال: حدثني محمد بن الجهم «1» عن ابن أبي أمية «2» عن أبي بكر عن عاصم الم «3» جزم، ثم ابتدأ ألله. [حدثنا ابن مجاهد قال] «4»: حدثني أحمد بن محمد ابن صدقة «5» قال: حدثنا أبو الأسباط «6» عن عبد الرحمن بن أبي حماد «7» عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ: (الم الله) بتسكين

_ (1) محمد بن الجهم بن هارون، أبو عبد الله السمّري، بكسر السين المهملة- وفتح الميم المشدّدة- البغدادي الكاتب، شيخ كبير، إمام شهير، أخذ القراءة عرضا عن عائذ بن أبي عائذ صاحب حمزة، وروى الحروف سماعا عن خلف البزار وغيره ... وسمع كتاب المعاني من الفراء. روى القراءة عنه الحسن بن العباس الرازي ... وابن مجاهد. مات ببغداد سنة ثمان ومائتين. انظر طبقات القراء 2/ 113. (2) هو عبد الله بن عمرو بن أبي أمية، أبو عمرو البصري، نزيل الكوفة، روى القراءة عن أبي بكر [بن عياش] عن عاصم، وروى عنه القراءة روح بن عبد المؤمن ... ومحمد بن الجهم، شيخ ابن مجاهد. انظر طبقات القراء 1/ 438. تنبيه: وقع في ترجمته ما يلي: روى القراءة عن أبي بكر بن عاصم، كذا: ابن عاصم والصواب عن عاصم. ولعلّه خطأ من الطبع. (3) رسمها في (ط) هكذا: آلميم. (4) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ط). (5) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة، أبو بكر البغدادي، مشهور ثقة، قرأ على إبراهيم بن محمد بن إسحاق صاحب قالون ... روى القراءة عنه محمد بن يونس وابن مجاهد ... انظر الطبقات 1/ 119. (6) ذكره في طبقات القراء 1/ 173 برقم 812، ولم يزد على قوله: «أبو الأسباط المعلم» وذكره في ترجمة ابن أبي حماد كذلك. انظر الترجمة الآتية. (7) عبد الرحمن بن أبي حماد هو: عبد الرحمن بن سكين، أبو محمد بن أبي حماد الكوفي، صالح مشهور، روى القراءة عرضا عن حمزة .. وعن أبي بكر بن عياش وأخذ القرآن عنه تلاوة روى القراءة عنه الحسن بن جامع ..

الميم وقطع الألف. [حدثنا ابن مجاهد قال] «1»: حدثني محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: قرأ عاصم: الم جزم [و] «2» الله مقطوع. والمعروف عن عاصم الم الله موصولة. و «3» حفص عن عاصم الم (صل) الله مفتوحة الميم غير مهموزة الألف «4». قال أبو علي: اتفاق الجميع على إسقاط الألف الموصولة في اسم الله وذاك «5» أن الميم ساكنة كما أن سائر حروف التهجي مبنية على الوقف فلمّا التقت الميم الساكنة، ولام التعريف حرّكت الميم بالفتح للساكن الثالث الذي هو لام المعرفة «6». والدّليل على أنّ التحريك للساكن الثالث- وهو مذهب سيبويه- أن حروف التهجي يجتمع فيها الساكنان «7» نحو كهيعص «8» [مريم/ 1] وحم عسق «9» وذلك أنّها مبنيّة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد كذلك فحرّكت الميم للساكن

_ وأبو الأسباط المعلم، وعلي بن حمزة الكسائي انظر طبقات القراء 1/ 369 - 370. (1) سقط ما بين المعقوفتين من (ط). (2) زيادة من السبعة. (3) في (م): حفص، بإسقاط الواو. (4) السبعة ص 200. (5) في (ط): ذاك على. (6) في (ط): التعريف. (7) انظر الكتاب 2/ 275. (8) كذا في (ط) وفي (م): «كهيعين صاد» وما أثبتناه من (ط) ينسجم مع رسم المصحف. (9) كذا في (ط) وفي (م) «حميم .. ».

الثالث بالفتح كما حرّكت النون في قوله: من الله [آل عمران/ 15] ومن المسلمين [يونس/ 72] ومن البقر اثنين [الأنعام/ 144] بالفتح لالتقاء الساكنين. فأمّا ما روي عن عاصم من قطعه الألف، فكأنّه قدّر الوقوف على الميم، واستأنف (الله)، فقطع الهمزة للابتداء بها. والوجه ما عليه الجماعة، وما وافقهم هو أيضا عليه، من أنّ الهمزة تسقط في الوصل، فإذا سقطت لم يجز أن تلقى لها حركة على ما قبلها. والّذي حكاه سيبويه من قولهم: ثلاثة اربعة «1»، لم تحمل عليه هذه الآية، ألا ترى أنّه ذهب إلى أنّ الحركة فيها لالتقاء الساكنين، وأنّه في الفتح لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله: من الله. وأمّا ما حكاه بعض البغداديين من قوله: مريب الذي جعل [ق/ 25/ 26]. فإنّه حرّك النّون بالفتح كما حرّك في قولهم: من الله به. ولا يجوز أن تكون الفتحة لهمزة الوصل ألقيت على النون، لأنّ الهمزة إذا أوجب الإدراج إسقاطها «2» لم تبق لها حركة تلقى على شيء، ولم يأت في نحو هذا عنهم شيء فيما علمناه، كما جاء (ثلاثة اربعة).

_ (1) ضبطها في (م) بالسكون وفوقها فتحة كما أثبتناه ثم كتب فوق الكلمة «صل» ولم يشر في (ط) إلى شيء من ذلك بل اكتفى بتحريك الهاء بالفتح، وضبط كلمة «أربعة» بسكون الباء. (2) في (ط): بإسقاطها.

آل عمران:، 3

[آل عمران:، 3] اختلفوا في إمالة الرّاء وفتحها من التوراة «1» [آل عمران/ 3]. فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر: (التوراة) مفخّما «2». وكان نافع وحمزة يلفظان: بالراء بين الفتح والكسر، وكذلك كانا يفعلان بقوله تعالى «3»: مع الأبرار «4» [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62] ومن قرار [إبراهيم/ 26] وذات قرار [المؤمنون/ 50] إذا كان الحرف مخفوضا. وقال ابن سعدان عن المسيّبي عن نافع: الراء مفتوحة، وكذلك قال ابن المسيبي عن نافع. وقال ورش عن نافع: (التّورية)، بكسر الراء وكان أبو عمرو والكسائي يقرءان: (التورية) مكسورة الراء ويميلان هذه الحروف أشد من إمالة حمزة ونافع أعني: (الأبرار) و (من قرار) وما أشبه ذلك. ابن عامر يشم الراء الأولى من (الأبرار) الكسر «5». قال أبو علي: قالوا ورى الزند، يري، إذا قدح ولم يكب «6»، وقالوا ورى وأوريته، وفي التنزيل: فالموريات قدحا [العاديات/ 2] وفيه: أفرأيتم النار التي تورون [الواقعة/ 71]. فأمّا قولهم: وريت بك زنادي على مثال شريت، فزعم

_ (1) رسمها في (ط): «التورية». (2) في (م): «مفخّم» وما أثبتناه من (ط) ومن السبعة. (3) سقطت من (ط). (4) هذه الآية الكريمة وردت في (م) و (ط) سهوا: «من الأبرار» بدل «مع الأبرار» وقد أثبتنا نص الآية الكريمة كما هي في سورة آل عمران وتوفنا مع الأبرار. (5) السبعة ص 201. (6) في (م): ينب. وفي اللسان: كبا الزّند: لم يور. ولم يورد (اللسان) هذا المعنى في (نبا) وفيه: نبا السيف: كلّ.

أبو عثمان: أنّه استعمل في هذا الكلام فقط لم يجاوز به غيره. وقال أبو زيد: ورى النّقي، يري، وريا: إذا كثر ودكه، قال: والواري: الكثير الودك. والوراء في اسم الجهة التي هي خلاف الأمام ليس من هذا، لأنّ تحقيره: وريئة، مثل وريعة. وألحقت الهاء في تحقيرها، وإن كانت على أربعة أحرف كما ألحقت في قديديمة. فأمّا الوراء: لولد الولد فيمكن أن يكون من هذا وقيل له: وراء، كما قيل له: نجل. وأنشد أبو زيد «1»: يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم «2» * أمّ الهنيبر من زند لها واري

_ (1) في النوادر، وقبله آخر للقتال الكلابي، وهو ملفق من بيتين انظرهما عند العسكري- قال: أمّا الإماء فلا يدعونني ولدا ... إذا ترامى بنو الإموان بالعار والبيت من قصيدة في النوادر ص 190 (طبعة الفاتح)، والتصحيف للعسكري ص 129 - 130 والتنبيه على حدوث التصحيف ص 87، وروي البيت عن الفراء: «أم الهنيبن» مكان «أم الهنيبر» قال في التنبيه: فقال [التّوزيّ] له: إنّما ينشد أصحابنا «أم الهنيبر» وهي الضبع فقال: هكذا أنشدنيه الكسائي، فأحال تصحيفه على الكسائي، وعند العسكري جاء خبر التصحيف هذا عن التوزي، أيضا وعن محمد بن يحيى ولكنه أشرح وأكثر فائدة والبيت في الأغاني 23/ 332 مطلع قصيدة طويلة وذكره المرصفي في رغبة الآمل 1/ 183 ضمن القصيدة. واللسان (هنبر) والإنصاف 1/ 119. والبيت الشاهد يروى: يا قاتل الله .. ، ويا قبّح الله .. والقتال الكلابي اسمه عبيد بن المضرّجيّ (2) في (ط): «بها».

قال السكري: ضرب الزّند مثلا للرحم، والزّند: تستخرج به النار «1»، وقال أمية: الحامل النار في الرّطبين يحملها ... حتّى تجيء من اليبسين تضطرم يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها ... من صلب أعمى أصمّ الصلب منقصم «2» روى محمد بن السري أن «3» الرّطبين: هما العودان الرطبان، يعني: الشجر الذي فيه النار، واليبسين: هما العودان اليابسان، يعني: الزندين، يقول: تكون النار في عودين رطبين، فإذا جفا قدحا، فجاءت النار منهما، والأعمى الأصمّ: يعني الزّند، والزّند: الأعلى، والزندة: السفلى، وأصمّ الصّلب يعني: العود، وأعمى: لا جوف له، يريد: يأتي بها حية للناس أي: حياة لهم. فأمّا قولهم «4»: التّريّة: لما تراه المرأة من الطهر [بعد الحيض] «5» فيجوز أن تكون فعيلة من الوراء، لأنّها ترى بعد الصفرة والكدرة اللتين تريان في الحيض، وتكون فعيلة من: ورى الزند، يري، كأنّها من خروجها من الطهر بعد الحيض، فكأنّ الطهر أخرجه، والتاء في الوجهين بدل من الواو التي هي فاء، كما أنّها في «تيقور»، و «تولج» كذلك «6».

_ (1) في النوادر نقل هذا التفسير عن أبي حاتم وليس عن السكري. (2) البيتان لم نعثر عليهما في ديوانه. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): قوله. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م). (6) إشارة إلى ما نقله سيبويه عن الخليل في الكتاب 2/ 356: من أن «تيقور» من الوقار و «تولج» على وزن فوعل، فأبدلوا التاء مكان الواو.

فأمّا القول في التوراة، فلا تخلو من أن تكون فوعلة، على قول «1» الخليل: في تولج «2»، أو تفعلة مثل تتفلة، أو تفعلة بالكسر وفتح العين كما فتح في: ناصاة «3»، فممّا يدلّ على أنّها فوعلة، ليست تفعلة، مثل تتفلة، وتألب، أنّ هذا البناء يقلّ، وأنّ فوعلة في الكثرة بحيث لا يتناسبان، ولا إشكال في أن الحمل على الأكثر الأشيع أولى من الحمل على خلافه. ويدلّك على ذلك أن التاء لم تكثر زائدة أوّلا كما لم تكثر النون أوّلا، فكما أنّ النون إذا جاءت أولا في نحو نهشل ونعثل «4»، لا يحكم بزيادتها، لقلتها زائدة. أوّلا، كذلك لا يحكم بزيادة التاء. فإن قلت: إنك إذا جعلته فوعلة، حكمت بإبدال الفاء التي هي واو: تاء، وإذا حكمت بزيادة التاء لم تجعلها «5» بدلا، ولكنك جعلتها التاء التي زيدت في الكلمة «6»، قيل: ليس هذا باعتراض لأنّ الواو إذا كانت أوّلا فقد استمرّ البدل «7»

_ (1) في (ط): على قياس قول. (2) انظر التعليق رقم (6) في الصفحة السابقة وسيبويه 2/ 356. (3) الناصاة والناصية بمعنى وهي لغة طيئية، قصاص الشعر في مقدم الرأس. انظر اللسان/ نصا/. (4) النهشل: المسن المضطرب من الكبر. والنعثل: ضرب من المشي وهو من التبختر. انظر اللسان نهشل/ نعثل. وفي (ط): نهصل بدل نعثل. (5) في (ط): لم تجعله. (6) في (ط): في أوّل الكلمة. (7) في (ط): زيادة البدل.

فيها نحو وجوه، وأجوه، ووقّتت، وأقّتت، ووشاح، وإشاح ووفادة، وإفادة، ووجم، وأجم، ووناة وأناة، فإذا اجتمعا «1» لزم الأول منهما البدل إمّا همزة وإمّا تاء، فالهمزة نحو الأولى في فعلى من الأول، وأواق في جمع واقية. وقد أبدلت التاء من الواو إذا كانت مفردة أوّلا نحو تيقور من الوقار، فهذا فيعول، وليس بتفعول كتعضوض «2»، ألا ترى كثرة فيعول نحو سيهوج «3»، وسيهوب «4»، وديقوع «5». وقد أبدلت تاء أولى مفردة في نحو: تجاه، وتراث، وتخمة، وتكلان «6»، وزعم أبو عثمان أنّ إبدال نحو تخمة، مضطرد، وقال أبو الحسن: ليس بمطرد. فإذا كثر إبدال التاء من الواو أوّلا، هذه الكثرة، كان حملها على هذا الكثير أولى من حملها «7» على ما لم يكثر، ولم يتسع هذا الاتساع. ولا يقرب حملها أيضا على تفعلة لأنّه لا يخلو من أن تجعلها اسما نحو: تودية، أو مصدرا نحو: توصية، فأمّا باب تودية فقليل، كما أنّ تفعلة كذلك، وباب توصية فيه اتساع وحمل على لغة لم نعلم منها شيئا في

_ (1) في (ط): وإذا اجتمعت. (2) التعضوض: تمر أسود حلو، واحدته بهاء انظر القاموس «عضضته». (3) في اللسان (سهج) ريح شديدة. (4) سيهوب: لم أجده في المعاجم التي بين يدي. (5) في القاموس (دقع): جوع أدقع وديقوع: شديد. (6) في (ط): وتكأة. (7) في (ط): حمله.

التنزيل، فإذا لم يكن هذان الوجهان بالسهلين حملته على فوعلة دونهما للكثرة، ألا ترى أن نحو صومعة، وحوجلة ودوسرة، وعومرة «1»، قد كثر؟. ومن لم يمل التوراة. فلأنّ الراء حرف يمنع الإمالة، لما فيه من التكرير، كما يمنعها «2» المستعلي، فكما أنّ الراء لو كان مكانها مستعل مفتوح لم تحسن الإمالة، كذلك إذا كانت الراء مفتوحة. وأيضا فإنّ ما بعد الواو من توراة لو كان منفصلا لم تكن فيه الإمالة كذلك إذا كان متصلا. وقول من أمال: إنّ الألف لما كانت رابعة لم تخل من أن تشبه ألف التأنيث أو الألف المنقلبة عن الياء أو عن الواو. وألف التأنيث تمال وإن كان قبلها مستعل كقولهم: فوضى وجوخى. فكما أمالوا المستعلية معها كذلك يميلون الراء، وإذا أمالوا نحو صغا «3»، وضغا «4»، وشقا «5» مع أنّ الواو تصحّ في هذا البناء الذي على ثلاثة أحرف فأن يميلوا فيما لا تصحّ الواو معه أجدر.

_ (1) في (ط) وعومرة وجوهرة. (2) في (ط): يمنعه. (3) في القاموس (صغا) يصغو ويصغى صغوا، وصغي يصغى صغا وصغيّا: مال. وصغوه وصغوه معك: أي: ميله. (4) في القاموس (ضغا) استخذى، ضغوا وضغاء. (5) في (م): سقا.

وممّا يقوّي ذلك أنّهم قد أمالوا اسم المفعول «1» إذا كان فيه مستعل، نحو معطا، وإذا أمالوا مع المستعلي كانت الإمالة مع الراء أجود، لأنّ الإمالة على الراء أغلب منها على المستعلي، ألا ترى أنّه قد حكى «2» الإمالة في نحو عمران ونحو فراش، وجراب، ولو كان مكان الراء المستعلي لم تكن فيها «3» إمالة؟. وممّا يقوّي الإمالة في الراء من توراة أنّهم قد قالوا: رأيت علقا، وعرقا، وضيقا، فأمالوه للتشبيه بألف حبلى إلّا أنّ الأول من هذه الحروف مكسور وليس من التوراة كذلك والإمالة في فتحة الراء نحو الكسرة في نحو: مع الأبرار «4» [آل عمران/ 193] ومن قرار «5» [إبراهيم/ 26] أقوى منها في التوراة، وذلك أنّ الراء المكسورة قد غلبت المستعلي في نحو قارب وغارم وطارد، فلما غلبت المستعلي مع قوته على الإمالة كان أن تغلب الراء المفتوحة فتميل فتحها «6» إلى الكسرة

_ (1) في الأصل: (م) و (ط) «اسم فاعل» وجاء في (م) على الهامش «اسم مفعول» وكأنّه تصويب للفظ. وهو الصواب الذي يتفق مع ضبط الكلمة في الأصل: «معطا». (2) حكاه سيبويه في الكتاب 2/ 270. (3) في (ط) فيه. (4) من آية كريمة في سورة آل عمران وردت في النص سهوا بلفظ (من الأبرار) وقد أثبتنا نص الآية كما هي وتوفنا مع الأبرار. وفي (ط): من الأشرار بدل مع الأبرار. (5) هذه الآية من سورة إبراهيم وردت في (ط) و (م) سهوا بلفظ (بالقرار) وقد أثبتنا نص الآية كما هي في السورة الكريمة ما لها من قرار. (6) في (ط): فتحتها.

آل عمران: 13، 12

أولى، لأنّ الراء، وإن كان فيها «1» تكرير، صارت به كأنّها حرفان مفتوحان؛ فهي «2» بزنة حرف واحد، فلمّا قويت على المستعلي «3» كانت على الراء المفتوحة أقوى. [آل عمران: 13، 12] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ «4»: سيغلبون، ويحشرون [آل عمران/ 12] ويرونهم مثليهم [آل عمران/ 13]. فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: ستغلبون وتحشرون بالتاء، ويرونهم بالياء. وحكى أبان عن عاصم: ترونهم بالتاء، وفي رواية أبي بكر بالياء. وقرأ نافع: ستغلبون، وتحشرون، وترونهم بالتاء ثلاثتهن. وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء ثلاثتهن «5». قال أبو علي: قوله: قل للذين كفروا ... [آل عمران/ 12] يجوز أن يعنى به اليهود والمشركون جميعا، يدلّ على ذلك قوله تعالى «6»: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين [البقرة/ 105] ففسر الذين كفروا

_ (1) في (ط): وإن كانت فيه. (2) في (ط): فهو. (3) في (ط): الحرف المستعلي. (4) سقطت من (ط). (5) انظر السبعة ص 201 - 202. (6) سقطت من (ط).

بالقبيلين، وكذلك قوله جلّ وعزّ «1»: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البينة/ 1] فالتقدير على هذا: قل للقبيلين: ستغلبون. ويدلّ على حسن التاء هنا والمخاطبة قوله تعالى «2»: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] والآية كلّها على الخطاب. وكذلك قول من قرأ: ستغلبون بالتاء. وللتاء على الياء مزية ما في الحسن، وهو أنّه إذا قيل: سيغلبون فقد يمكن أن يكون المغلوبون والمحشورون من غير المخاطبين، وأنّهم قوم آخرون، فإذا كان بالخطاب، لم يجز أن يظنّ هذا. وحجة من قرأ بالياء قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] وقوله تعالى «3»: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون [الجاثية/ 14] والدّليل على حسن مجازهما «4» جميعا أنّهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: قل للذين كفروا إن تنتهوا نغفر لكم «5». فأمّا قوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور/ 30] فظاهره يقوّي قول من قرأ بالياء. ألا ترى

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): حسنهما. (5) في (ط) يغفر لهم. والصواب ما في (م). وقراءة عبد الله ذكرها في البحر 4/ 494.

أنّه قال: يغضوا، ولم يقل: غضوا، فيكون للخطاب كقراءة من قرأ ستغلبون وكذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن [النور/ 31]. إلّا أنّ من الناس من يحمل هذا «1» على إضمار لام الأمر، وإضمار الجازم لم نعلمه جاء في حال السعة، وقد قيل: إنّ الذين كفروا: اليهود. والضمير في سيغلبون للمشركين، فعلى هذا القول لا يكون سيغلبون إلّا بالياء، لأنّ المشركين غيب. والخطاب لهم، وما تقدّم ذكره أوجه لما ذكرناه من جواز وقوع الذين كفروا على الفريقين، ولأنّهما جميعا مغلوبان، فاليهود وأهل الكتاب غلبوا بوضع الجزى عليهم، وحشرهم لأدائها، والمشركون غلبوا بالسيف، فالقول الأول أبين. ومن قرأ: (يرونهم) بالياء، فلأنّ بعد الخطاب غيبة، وهو قوله: فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم [آل عمران/ 13] أي: ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم. ومما يؤكد الياء قوله: مثليهم، ولو كان على التاء لكان: مثليكم، وإن كان قد جاء: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ثمّ قال: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] ورأيت هنا المتعدية إلى مفعول واحد يدلّك على ذلك تقييده برأي العين، وإذا كان كذلك، كان انتصاب مثليهم على الحال لا على أنّه مفعول ثان. وأمّا مثل فقد يفرد في موضع التثنية والجمع.

_ (1) في (ط): هذا النحو.

فمن الإفراد في التثنية قوله: وساقيين مثل زيد وجعل ... سقبان ممشوقان مكنوزا العضل «1» ومن إفراده في الجمع قوله تعالى «2»: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140]. ومن جمعه قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/ 38]. وأمّا قوله: ترونهم مثليهم [آل عمران/ 13] ويرونهم فمن قرأ بالتاء فللخطاب الذي قبله، وهو قوله: قد كان لكم آية في فئتين ... ترونهم مثليهم فالضمير المرفوع في ترونهم للمسلمين، والضمير المنصوب للمشركين. المعنى: ترون- أيّها المسلمون- المشركين مثلي المسلمين، وكان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، فرآهم المسلمون ستمائة وكسرا، وأرى الله المشركين أن المسلمين أقلّ من ثلاثمائة، وذلك أن المسلمين قد قيل لهم «3»: فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال/ 66] فأراهم

_ (1) الرجز بغير نسبة في سيبويه 1/ 226 والفرق بين الحروف الخمسة ص 370 (نشر دار المأمون للتراث). وروايته عندهما: «صقبان» بالصاد. قال ابن السيد: الصقب بالصاد: عمود في آخر البيت، وهما صقبان. ورجل صقب: ممتلئ الجسم ناعمه، قال الراجز: وساقيين .. البيت. وقد أخذ الأعلم في تفسيره للبيت بالمعنى الأول. وجاءت روايته في اللسان (سقب) و (كنز): «سقبان» بالسين كما هو عندنا. قال: والسقب الذكر من ولد الناقة بالسين لا غير، وقوله: سقبان، إنما أراد مثل سقبين في قوة الغناء. وممشوق: خفيف اللحم. وفي (م): وساقيان مثل. (2) سقطت من (ط). (3) في (م وط) سقطت الفاء من أوّل الآية. أمّا قراءة التاء من قوله تعالى: «فإن

آل عمران: 15

الله عددهم «1» حسب ما حدّ «2» لهم من العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليه، ولا يحجموا عنهم. ومثل هذا في المعنى، قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم [الأنفال/ 44] وقال قتادة: كان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. [آل عمران: 15] اختلفوا في كسر الراء وضمّها «3» من قوله تعالى «4»: ورضوان [آل عمران/ 15]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (ورضوان) بضم الراء في كلّ القرآن إلّا قوله «5» في المائدة [16]: من اتبع رضوانه فإنّه كسر الراء فيه. وقال شيبان «6» عن عاصم، وابن أبي حمّاد «7» عن أبي بكر عن عاصم، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، بضم الراء، في كل ذلك. وقال محمد بن المنذر «8» عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنّه ضمّه كلّه.

_ تكن ... » فهي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر، انظر السبعة ص 308. وستأتي في الأنفال آية/ 66. (1) في (ط): عدوّهم. (2) في (ط): حدّد. (3) في (ط): «في قوله». (4) سقطت من (ط). (5) في (م): «في قوله» بزيادة (في) والمثبت من (ط) والسبعة. (6) شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمي الكوفي روى القراءة عن عاصم، روى القراءة عنه حسين بن علي الجعفي. طبقات القراء 1/ 329. (7) سبقت ترجمته في ص 7. (8) محمد بن المنذر الكوفي، مقرئ معروف، روى الحروف سماعا عن يحيى بن آدم وله عنه نسخة وعن سليم عن حمزة عن الأعمش وعن ابن أبي

آل عمران: 19

[حدثنا ابن مجاهد قال] «1»: حدثني محمد بن الجهم «2» عن ابن أبي أميّة «3» عن أبي بكر عن عاصم: (رضوان) و (رضوانا) [المائدة/ 2] بضمّ الراء في كلّ القرآن، وكذلك حدّثني ابن صدقة عن أبي الأسباط عن ابن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم. وقال حفص عن عاصم: مكسور كلّه، وقرأ الباقون: (رضوان) كسرا «4». قال أبو علي: رضوان مصدر، فمن كسر «5» جعله كالرّئمان والحرمان، ومن ضمّ فقد قال سيبويه: رجح رجحانا، كما قالوا: الشكران والرّضوان «6». [آل عمران: 19] قال أحمد: كلّهم قرأ: إن الدين عند الله الإسلام [آل عمران/ 19] بكسر الألف إلّا الكسائي فإنّه فتح الألف من أن الدين عند الله الإسلام «7». قال أبو علي: الوجه: الكسر في (إنّ)، لأنّ الكلام الذي قبله قد تمّ، وهذا النحو من الكلام الذي يراد به التنزيه، والتقرب، أن يكون بجمل متباينة أحسن من حيث كان أبلغ في

_ ليلى، روى عنه الحروف ابنه المنذر ومحمد بن سعدان النحوي. الطبقات 2/ 266. (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط). (2) سبق في ص (7) من هذا الجزء. (3) سبق في ص (7) من هذا الجزء. (4) انظر السبعة ص 201 - 202. (5) في (ط): كسره. (6) الكتاب 2/ 217. (7) السبعة ص 202 - 203.

آل عمران: 21

الثناء، وأذهب في باب المدح، ومن ثمّ جاء والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء [البقرة/ 177]. ومن فتح (أنّ) جعله بدلا، والبدل، وإن كان في تقدير جملتين، فإنّ العامل لمّا لم يظهر، أشبه الصفة. فإذا جعلته بدلا جاز أن تبدله من شيئين: أحدهما: من قوله: أنه لا إله إلا هو [آل عمران/ 18] فكأنّ التقدير: شهد الله أنّ الدين عنده «1» الإسلام، فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو. ألا ترى أنّ الدّين الذي «2» هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل وهو هو في المعنى؟. وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأنّ الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من القسط لأنّ الدين الذي هو الإسلام قسط وعدل، فيكون من البدل الذي الشيء فيه هو هو. [آل عمران: 21] [قال] «3» أحمد: كلهم قرأ: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] بغير ألف إلّا حمزة فإنّه قرأ (ويقاتلون) بألف «4». قال أبو علي: حجة من قرأ: ويقتلون الذين يأمرون أنّه معطوف على قوله، ويقتلون النبيين [آل عمران/ 21] وقد

_ (1) في (ط): عند الله. (2) سقطت من (ط). (3) زيادة من (ط). (4) السبعة ص 203.

جاء في أخرى «1» فلم تقتلون أنبياء الله من قبل [البقرة/ 91] فجاء الفعل على يفعل دون يفاعل، فكذلك: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] لأنّ الآمرين بالقسط من الناس قد وافقوا الأنبياء في الأمر بالقسط، وكبر عليهم مقامهم وموضعهم فقتلوهم، كما قتلوا الأنبياء. وحجة من قرأ: ويقاتلون الذين يأمرون أنّ في حرف عبد الله فيما زعموا: وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط فاعتبرها، وكأن معنى يقاتلونهم، أنّهم لا يوالونهم ليقلّ «2» نهيهم إياهم «3» عن العدوان عليهم، فيكونون مباينين لهم، مشاقّين لهم «4»؛ لأمرهم بالقسط، وإن لم يقتلوهم كما قتلوا الأنبياء، ولكن قاتلوهم قتال المباين المشاقّ لهم. فإن قال قائل: إنّه في قراءته (ويقاتلون) لم يقرأ بحرف عبد الله، وترك قراءة الناس. قيل: ليس بتارك حرف عبد الله الذي هو (قاتلوا) في قراءته (يقاتلون) لأنّ قوله: (يقاتلون) يجوز أن يريد به (قاتلوا)، ألا ترى أنّه قد جاء إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله [الحج/ 25]. وقال في أخرى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [النحل/ 88، محمد/ 1] فإذا جاء المعنى لم يكن تاركا لقراءة

_ (1) في (ط): الأخرى. (2) في (ط): لثقل نهيهم. (3) في (ط): إيّاه. (4) سقطت من (ط).

آل عمران: 27

عبد الله، وذلك أنّ قوله: يصدون يجوز أن يكون في المعنى (صدّوا)، إلّا أنّه جاء على لفظ المضارع حكاية للحال، وكذلك حمزة في قراءته (يقاتلون) يجوز أن يكون مراده به «1» (قاتلوا) إلّا أنّه «2» جاء على لفظ المضارع حكاية للحال. [آل عمران: 27] اختلفوا في قوله جلّ اسمه «3»: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27]، في التّشديد والتّخفيف: فقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت [الأعراف/ 57] أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة [يس/ 33] وإن يكن ميتة [الأنعام/ 139] كل ذلك بالتخفيف. وروى حفص عن عاصم: (من الميّت) مشدّدة «4» مثل حمزة، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الحي من الميت والميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت [الأعراف/ 57] وإلى بلد ميت [فاطر/ 9] مشدّدا. وخفف حمزة والكسائي غير هذه الحروف. وقرأ نافع: أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة

_ (1) في (ط): فيه قد. (2) في (ط): أنه قد. (3) في (ط): تعالى. (4) في (ط): فشدد.

[يس/ 33] ولحم أخيه ميتا [الحجرات/ 12] وخفّف في سائر القرآن ما لم يمت «1». قال أبو علي: قال أبو زيد: وقع في المال: الموتان، والموات، والموات في قول بعض بني أسد: إذا وقع فيه الموت. قال أبو علي: يقال «2»: مات يموت مثل: قال يقول، وقالوا: متّ تموت، ودمت تدوم. ومتّ ودمت: شاذان. ونظيرهما من «3» الصحيح: فضل يفضل. فأمّا الميّت فهو الأصل، والواو التي هي عين «4» انقلبت ياء لإدغام الياء فيها، والأصل التثقيل. وميّت محذوف منه، والمحذوف العين أعلّت عينه بالحذف كما أعلّت بالقلب، فالحذف حسن والإتمام حسن. وما كان من هذا النحو، العين فيه واو، فالحذف فيه أحسن، لاعتلال العين بالقلب، ألا ترى أنّهم قالوا: هائر «5» وهار، وسائر، وسار، فأعلّوا العين بالحذف. كما أعلّوها بالقلب؟ فكذلك نحو: ميّت وسيّد. وما مات، وما لم يمت، في هذا الباب يستويان في الاستعمال «6»، ألا ترى أنّه قد جاء: ومنهل فيه الغراب الميت

_ (1) السبعة في القراءات ص 203 مع اختلاف يسير في العبارة، والمؤدى واحد. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): في. (4) في (ط): عين فيه. (5) هائر: وصف من هار البناء يهور هورا: انهدم. (6) يريد ما كان من فعل مات مستعملا في الموت الحقيقي، وما كان مستعملا في الموت المجازي، يستويان في التخفيف والتشديد.

آل عمران: 28

[كأنّه من الأجون زيت] «1» سقيت منه القوم واستقيت «2» فهذا قد مات. وقال الآخر: ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء «3» فقد خفّف [ما مات] «4» في الرّجز والبيت الآخر، وقال: ميّت الأحياء فشدّد، ولم يمت، وقال تعالى «5»: إنك ميت وإنهم ميتون [الزمر/ 30]. [آل عمران: 28] اختلفوا في إمالة القاف من قوله جلّ وعزّ «6»: تقاة [آل عمران/ 28]. فأمال الكسائيّ القاف في الموضعين جميعا، وأمال حمزة منهم تقاة [آل عمران/ 28] إشماما من غير مبالغة، ولم يمل حمزة حق تقاته [آل عمران/ 102] وفتح الباقون القاف في الموضعين غير أن نافعا كانت قراءته بين الفتح والكسر «7».

_ (1) ما بين المعقوفين زيادة من (ط). (2) هذا رجز لأبي محمد الفقعسي. في اللسان/ أجن/ ورواية (م): «ميت» بدل: «الميت». (3) البيت لعدي بن الرعلاء الغساني في شرح أبيات المغني 3/ 197 و 7/ 16 مع أبيات، وفي اللسان (موت) وسيأتي منسوبا في الأنعام/ 22. (4) ما بين المعقوفين زيادة من (ط). (5) في (ط): عزّ وجلّ. (6) في (ط): عزّ وجلّ. (7) السبعة ص 203 - 204.

قال أبو علي: قال أبو زيد: وقيت الرجل أقيه وقاء و «1» وقاية، وأنشد «2»: لولا الذي أوليت كنت وقاية ... لأحمر لم تقبل عميرا قوابله وأنشد أبو زيد: زيادتنا نعمان لا تحرمنّنا ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو «3» وأنشد أيضا: تقوه أيّها الفتيان إني ... رأيت الله قد غلب الجدودا «4» وأنشد أيضا: تقاك بكعب واحد وتلذّه ... يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل «5»

_ (1) سقطت الواو من (م). (2) لم نعثر على قائله. (3) البيت في النوادر ص 146 - 200 (ط- الفاتح) لعبد الله بن همّام السلولي، الخصائص 2/ 286 3/ 89 المحتسب 2/ 372 ابن الشجري 1/ 205، شرح شواهد الشافية 4/ 496 واللسان (وقي). ويروى: «لا تمحونّها- ولا تنسينها» بدل «لا تحرمننا». (4) البيت في النوادر 146 - 200 مع بيتين آخرين قبله لخداش بن زهير. وعنه في المنصف 1/ 290. وفي العيني 2/ 371 ضمن قصيدة. (5) البيت لأوس بن حجر انظر ديوانه/ 96 والنوادر/ 200 والخصائص 2/ 286 واللسان (وقي).

قال أبو عمرو «1»: يصف رمحا، يريد: اتقاك. وقال السكريّ: تقاك: وليك منه كعب. قال: ويقال: إبلك اتقت كبارها بصغارها، أي جعلت الصغار ممّا يليك، وكذلك: اتقاني فلان بحقي، أي: أعطانيه وجعله بيني وبينه. فأمّا قولهم: تقاك، فتقديره «2»: تعلك، والأصل: اتّقاك فحذف فاء الفعل المدغمة، فسقطت همزة الوصل المجتلبة لسكونها، وأعللتها بالحذف كما أعللتها بالقلب، وليس ذلك بالمطّرد، وقولهم في المضارع: يتقي، تقديره: يتعل وقال: يتقي به نفيان كلّ عشيّة «3» ............. وأمّا التّقوى فهو فعلى. من وقيت، وأبدلت من اللّام التي هي ياء من وقيت الواو، كما تبدل في هذا النحو من الأسماء، وقد أنشد أبو زيد: قصرت له القبيلة إذ تجهنا ... وما ضاقت بشدّته ذراعي «4» فهذا فعلنا من الوجه، يقال: تجه يتجه تجها، مثل: فزع يفزع فزعا، إذا واجهه.

_ (1) في (ط): أبو عمر الجرمي. (2) في (ط) فتقدير مثال الفعل: فعلك. (3) هذا صدر بيت لساعدة بن جؤية عجزه: فالماء فوق متونه يتصبّب. انظر شرح أشعار الهذليين 3/ 1100، والنوادر 148 وفيها: سراته بدل متونه. (4) البيت لمرداس بن حصين من جملة أبيات انظر النوادر 150 والمنصف 1/ 290 والمحتسب 1/ 263، واللسان (وجه) قال فيه: والأصمعي يرويه:

وأنشد الأصمعي: تجهنا «1» ......... فهذا ينبغي أن يحمل على فعل، ولا تجعله مثل: تقى يتقي، لقلة ذلك وشذوذه، وتقيته واتّقيته مثل شويته واشتويته. وتقول في المضارع: أنت تتقي وتتّقي. والواقية يشبه أن تكون مصدرا كالعاقبة والعافية، وقالوا في جمعه: أواق، فأبدلوا لاجتماع الواوين قال: ................ .. ... يا عديا لقد وقتك الأواقي «2» فأمّا من لم يمل الألف من تقاة، فحجّته: أنّ قاة من تقاة بمنزلة قادم، فكما لم يمل هذا كذلك ينبغي أن [لا يمال قاف تقاة] «3» لاستعلاء القاف، كما لم يمل ما ذكرنا. وحجّة من أمال أنّ سيبويه زعم: أنّ قوما قد أمالوا من هذا «4» مع المستعلي ما لا ينبغي أن يمال في القياس. قال: وهو قليل، وذلك قول بعضهم: رأيت عرقا وضيقا «5».

_ تجهنا- بفتح الجيم- والذي أراده: اتجهنا، فحذف ألف الوصل وإحدى التاءين. وسيأتي قول الأصمعي. (1) نفس المصدر السابق. (2) هذا عجز بيت لمهلهل، وصدره: ضربت صدرها إلي وقالت انظر اللسان (وقي)، والمقتضب 4/ 214 وفيه: رفعت رأسها، بدل ضربت صدرها، المنصف 1/ 218، وابن الشجري 2/ 9، وابن يعيش 10/ 10، والخزانة 4/ 211، وشرح أبيات المغني 5/ 75. (3) ما بين المعقوفتين في (ط): لا يمال فتحة قاف تقى. (4) في (ط) هذا يعني. (5) الكتاب 2/ 267.

آل عمران: 36

قال أبو علي: ولو قلت إنّ الإمالة فيما ذكره أمثل منها في (تقاة) لأنّ قبلها كسرة، والكسرة تجلبها، والإمالة في حق تقاته [آل عمران/ 102] تحسن «1» لمكان الكسرة وهو في الأولى نحو: عرقا، للزوم الكسرة أقوى، وكسرة التاء في تقاته كسرة إعراب لا تلزم، على أن الأحسن الأكثر أن لا تميل لأنّ: قاته من تقاته بمنزلة قادم وقافل، فكما لا يمال هذا كذلك ينبغي أن لا تميل الألف من تقاته. ومن وجه إمالة القاف في (تقاته، وتقاة) أنّهم قد أمالوا سقى، وصغا وضغا، ومعطى «2»، طلبا للياء التي الألف في موضعها، فكما «3» أميلت هذه الألف مع المستعلي كذلك أميلت التي في تقاة وتقاته. فإن قلت: إنّ هذه الإمالة إنّما جاءت في الفعل، والفعل أكثر احتمالا للتغيير، واسم الفاعل بمنزلة الفعل، وليس التقاة، بواحدة «4» منهما. قيل: يمكن أن يقال: إنّه شبّه المصدر باسم الفاعل لمشابهته له في الإعمال، وقيامه مقام الصفة في عدل، وزور، كما شبّه «5» اسم المفعول في معطى بالفعل لعمله عمله. [آل عمران: 36] واختلفوا في ضمّ التاء وتسكين العين، وفتح العين وتسكين

_ (1) في (ط): أحسن. (2) سبق هذا التنظير ... وهو في سيبويه 2/ 266، 267. وقد رسمت (سقى ومعطى) في الأصلين بالألف اليابسة. (3) في (ط): فلما. وسقطت «هذه» من بعدها. (4) في (ط): التقى بواحد. (5) في (ط): يشبه.

التاء في قوله تعالى «1»: بما وضعت [آل عمران/ 36]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بما وضعت بضم التاء وإسكان العين. وروى حفص عن عاصم والمفضّل عن عاصم «2»: (بما وضعت) بالإسكان. وقرأ الباقون: (وضعت) بالإسكان مثل حفص «3». قال أبو علي: من قرأ: والله أعلم بما وضعت [آل عمران/ 36] جعله من كلام أمّ مريم. وإسكان التاء أجود في قوله: والله أعلم بما وضعت لأنّها قد قالت: رب إني وضعتها أنثى [آل عمران/ 36] فليست تحتاج بعد هذا أن تقول: والله أعلم بما وضعت. ووجهه: أنّه كقول القائل في الشيء: ربّ قد كان كذا وكذا. وأنت أعلم، ليس يريد إعلام الله سبحانه ذلك، ولكنّه كالتسبيح والخضوع والاستسلام له «4»، وليس يريد بذلك إخبارا. ومن قرأ: والله أعلم بما وضعت جعل ذلك من قول الله تعالى، والمعنى: أنّ الله- سبحانه- قد علم ما قالته، قالته هي أو لم تقله. وممّا يقوّي قول من أسكن التاء، قوله: والله أعلم بما وضعت

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): عنه. (3) في السبعة ص 203، 204 اختلاف يسير عما هنا فأبو علي قدم وأخر واختصر، ولكن المؤدى واحد. (4) سقطت من (ط).

آل عمران: 37

ولو كان من قول أمّ مريم لكان: وأنت أعلم بما وضعت، لأنّها تخاطب الله سبحانه. وقال بعض المتأوّلين: كانوا لا يحررون الإناث والله أعلم بما وضعت على جهة النّدم، وأنّها فعلت ما لا يجوز، فلذلك قالت «1»: وليس الذكر كالأنثى [آل عمران/ 36] لأنّ الذكر يتصرف في الخدمة والأنثى خلافه، وكانت الأحبار يكفلون المحررين، فاقترعوا على مريم بأقلامهم، فغلب عليها زكريا. [آل عمران: 37] اختلفوا في تشديد الفاء وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ «2»: وكفلها زكريا «3» [آل عمران/ 37] ومدّ (زكرياء) وقصره ورفعه ونصبه. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (وكفلها) مفتوحة الفاء خفيفة، و (زكرياء) رفع ممدود. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (وكفّلها) مشدّدة «4» و (زكرياء) نصب وكان يمدّ (زكرياء) في كلّ القرآن، وكذلك كلّ من تقدّم ذكره، هذه رواية أبي بكر. وروى حفص عن عاصم: (وكفّلها) مشددا و «5» زكريّا قصرا في كل القرآن.

_ (1) في (م): قال. (2) سقطت من (ط). وهي ليست في السبعة. (3) «زكريا» زيادة من (ط) والسبعة. (4) الواو زيادة من (ط) والسبعة وفي (م): «مشدّدة» بدل «مشدّدا». (5) سقطت الواو من (م).

وكان حمزة والكسائي يشددان (كفّلها)، ويقصران (زكريّا) في كل القرآن «1». قال أبو علي: حجة من خفّف (كفّلها) قوله تعالى «2»: أيهم يكفل مريم [آل عمران/ 44] و (زكرياء) مرتفع لأنّ الكفالة مسندة إليه، فأمّا من قال: وكفلها زكرياء فشدّد الفاء، فإنّ كفلت يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضاعفت العين تعدى إلى مفعولين نحو: غرم زيد مالا، وغرّمت زيدا مالا، وفاعل كفّلها فيمن شدّد الضمير العائد إلى ربّها من قوله: فتقبلها ربها بقبول حسن [آل عمران/ 37] وزكرياء الذي كان فاعلا قبل تضعيف العين صار مفعولا ثانيا بعد تضعيف العين. وأمّا زكرياء: فالقول في همزته أنّها لا تخلو من أن تكون للتأنيث أو للإلحاق أو منقلبة، فلا يجوز أن تكون للإلحاق لأنّه ليس شيء في الأصول على وزنه فيكون هذا ملحقا به. ولا يجوز أن تكون منقلبة لأنّ الانقلاب لا يخلو من أن يكون من نفس الحرف أو من حرف للإلحاق، فلا يجوز أن يكون من نفس الحرف لأنّ الياء والواو لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف، ولا يجوز أن يكون منقلبا من حرف الإلحاق لأنّه ليس في الأصول شيء يكون هذا ملحقا به! فإذا بطل هذان، ثبت أنّه للتأنيث، وكذلك القول فيمن قصر. فقال: زكريا. ونظير القصر والمدّ في هذا الاسم قولهم: الهيجا والهيجاء، قال:

_ (1) انظر السبعة ص 203 - 205، وفيه اختلاف يسير عمّا هنا. (2) سقطت من (ط).

وأربد فارس الهيجا إذا ما ... تقعّرت المشاجر بالفئام «1» وقال: إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك عضب مهنّد «2» لمّا أعربت الكلمة وافقت العربية. وقد حذفوا ألف التأنيث من الكلمة فقالوا: هو يمشي الجيضّ والجيضّى «3»، فعلى هذا قالوا: زكرياء وزكريّ، فمن قال: زكريّ صرف، والقول فيه أنّه حذف الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريا) وألحق الكلمة ياءي النسب «4»، يدلك على ذلك صرف الاسم، ولو كانت الياءان في زكري الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريّا)، لوجب أن لا ينصرف الاسم للعجمة والتعريف كما أنّ إبراهيم ونحوه من

_ (1) البيت للبيد وهو في ديوانه/ 200 وفيه بالخيام بدل بالفئام وأورده اللسان (هيج/ شجر) وفيه: وأرثد بدل وأربد، وبالقيام بدل بالفئام. (2) البيت في ابن يعيش 2/ 48، 51 ومعاني القرآن 1/ 417، وهو من شواهد شرح أبيات المغني. 7/ 191، واللسان (عصا/ هيج) ويروى: «سيف» بدل «عضب» والبيت شاهد على أنّه روي «الضحاك» بالحركات الثلاثة. قال البغدادي: البيت قائله مجهول اهـ. ونسبه في ذيل الأمالي ص 140 إلى جرير، وليس في ديوانه. ولم يتكلّم عليه البكري في السمط ص 899 بشيء. (3) ضبطه في القاموس/ جاض/ بوزن زمكّى وفي التكملة: بكسر الجيم وفتح الياء، ونص على ذلك بالحروف، ووافقه اللسان. والجيضّ والجيضّى: مشية فيها تبختر واختيال. (4) في (ط): ياءين للنسب.

الأعجمية لا ينصرف، فانصراف الاسم يدلّ على أنّ الياءين للنسب، فانصرف «1» الاسم وإن كان لو لم تلحق الياءان لم ينصرف بالعجمة «2» والتعريف، يدلّك على ذلك أنّ ما كان على وزن مفاعل لا ينصرف فإذا ألحقته «3» ياءي النسب انصرف كقوله: مدائنيّ ومعافريّ. وقد جرت تاء التأنيث هذا المجرى، فقالوا: صياقل، فلم يصرفوا، وألحقوا التاء فقالوا: صياقلة، فاتفق تاء التأنيث، وياء النسب في هذا كما اتفقا في روميّ، وروم، وشعيرة، وشعير، ولحقت الاسم الياءان وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى شيء كما لم يكن في كرسيّ وقمريّ وثمان معنى نسب إلى شيء، وهذا نظير لحاق تاء التأنيث ما لم يكن فيه معنى تأنيث: كغرفة وظلمة ونحو ذلك، ويدل «4» على أنّ الياءين في زكريّ ليستا اللتين كانتا في (زكرياء) أنّ ياءي النسب لا تلحقان قبل ألف التأنيث وإن كانتا قد لحقتا قبل التاء من «5» بصرية لأنّ التاء بمنزلة اسم مضموم إلى اسم، والألف ليست كذلك. ألا ترى أنّك تكسر عليها الاسم والتاء ليست «6» كذلك؟.

_ (1) في (ط): فانصراف. (2) في (ط): للعجمة. (3) في (ط): ألحقتها. (4) في (ط): ويدلك. (5) في (ط): في. (6) في (ط): ليس.

آل عمران: 39

[آل عمران: 39] واختلفوا في الألف «1» والتاء من قوله تعالى «2»: فنادته الملائكة [آل عمران/ 39]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر (فنادته) بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي (فناداه) بإمالة الدال «3». قال أبو علي: من قرأ (فنادته) بالتاء فلموضع الجماعة، والجماعة ممن يعقل في جمع التكسير يجري مجرى ما لا يعقل، ألا ترى أنّك تقول: هي الرجال، كما تقول هي الجذوع، وهي الجمال؟ فعلى هذا أنّث كما جاء: قالت الأعراب [الحجرات/ 14] ومن زعم أنّ التأنيث يكره هاهنا لأنّ فيه كالتحقيق لما كانوا يدّعونه في الملائكة لم يكن هذا بحجة على من قرأ بالتاء. ألا ترى أنّه قد جاء: إذ قالت الملائكة [آل عمران/ 45]؟ فلو كان في تأنيث هذا حجة لما كانوا يدّعونه في الملائكة لكان في تذكير [نحو قوله] «4» والملائكة باسطو أيديهم [الأنعام/ 93]، والملائكة يدخلون عليهم [الرعد/ 23] حجة عليهم، ولكان في نحو قوله: إذ قالت الملائكة حجة لهم، فليس هذا بشيء. ومن قرأ «5»: فناداه

_ (1) في السبعة: «الياء» بدل الألف. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة ص 204. (4) زيادة من (ط). (5) في (ط): قال.

آل عمران: 39

الملائكة، فهو كقوله: وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30] وأمّا إمالة الألف في ناداه فحسنة لأنّها تصير إلى الياء، من الواو كانت أو من الياء، فتحسن الإمالة للانتحاء نحو ما الألف منقلبة عنه وهو الياء. وحجة التفخيم في ناداه أنّه في قلبه الياء إلى الألف فرّ من الياء، فإذا أمال بعد فقد قرّب الحرف مما كان كرهه وفرّ منه. قال سيبويه: ولا تقول «1» ذلك في حبلى، لأنّه لم يفرّ فيها «2» من ياء «3». يريد أنّ ألف حبلى لم تكن ياء قلبت ألفا، إنّما هي في أصلها ألف مزيدة للتأنيث. [آل عمران: 39] واختلفوا «4» في كسر الألف في «5» (إنّ) وفتحها من قوله تعالى «6»: [في المحراب] أن الله [آل عمران/ 39]. فقرأ ابن عامر وحمزة: إنّ الله بالكسر. وقرأ الباقون: أن الله بالفتح «7». قال أبو علي «8»: من فتح «أنّ» المعنى: فنادته بأنّ الله، فلمّا حذف الجارّ منها وصل الفعل إليها فنصبها، فأنّ في موضع نصب،

_ (1) في سيبويه: يقول. (2) في (ط): منها. (3) انظر سيبويه 2/ 263. (4) سقطت الواو من (ط). (5) في (ط): من. (6) سقطت من (ط). (7) السبعة ص 205. (8) في (ط): فقول.

وعلى قياس قول الخليل في موضع جرّ. ومن كسر أضمر القول، كأنّه: نادته فقالت: إنّ الله فحذف القول كما حذف في قول من كسر، فقال: فدعا ربه إني مغلوب [القمر/ 10] وإضمار القول كثير في هذا النحو، كما قال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23] والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا [الأنعام/ 93]. فاما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [آل عمران/ 106]. فأضمر القول في ذلك كلّه. وزعموا أنّ في حرف عبد الله فنادته الملائكة يا زكرياء إن الله فقوله: يا زكرياء في موضع نصب بوقوع النداء عليه، وكذلك إن أضمرت يا زكرياء ولم تذكره كان جائزا وحذف كما حذف المفعول من الكلام، ولا يجوز الفتح في (إنّ) على هذا، لأنّ ناديت قد استوفى «1» مفعوليها، أحدهما: علامة الضمير، والآخر: المنادى، فإن فتحت (أنّ) لم يكن لها شيء يتعلق به. قال «2»: وكلهم [فتح الراء من: المحراب] «3» [آل عمران/ 37 و 39]: إلا ابن عامر فإنه أمالها. قال أبو علي: قد أطلق أبو بكر القول في إمالة ابن عامر الألف من محراب. ولم يخصّ به الجرّ من غيره. وقال غيره: إنّما يميله في الجر. وحجة من لم يمل أنّ «راب» من محراب

_ (1) في (ط): استوفت. (2) سقطت قال من (م). (3) ما بين معقوفين أثبتناه من السبعة بدلا من عبارة الأصل عندنا وهي: «وكلهم قرأ (من المحراب) بفتح الراء» لموافقته لما جاء في آل عمران، وما جاء في أصلنا هو من [سورة مريم/ 11].

بمنزلة راء وراءة «1» ونحو ذلك. فكما لا تمال الراء من هذا النحو كذلك ينبغي أن لا تمال من المحراب «2» في الجرّ ولا في الرفع. ألا ترى أنّه لا تمال رادة من قولهم: ريح رادة وراشد؟. والراء من «راب» بمنزلة الراء من راشد. فإن قلت: فهلّا جازت إمالتها للكسرة التي في الميم كما جازت الإمالة في مقلات «3» للكسرة. قيل إنّ من أمال مقلاتا، إنّما أماله لأنّه قدّر الكسرة كأنّها على القاف، لأنّها تليها، والقاف إذا تحركت بالكسر حسنت إمالة الألف بعدها. نحو: ققاف وغلاب. ولو قدّرت الكسرة على الحاء من محراب كما قدّرتها على القاف من مقلات لم تحسن «4» الإمالة، ألا ترى أنّ «حراب» بمنزلة فراش، وفراس؟. وقد قال «5»: إنّهم لا يميلون فراشا «6»، فكذلك المحراب، يريد سيبويه، بقوله: لا يميلون، لا يميله الأكثر. وحجة من أمال الألف من «محراب» أنّ سيبويه قد زعم أنّهم قالوا: عمران، ولم يميلوا برقان يعني: أنّهم لم يجعلوا الراء كالمستعلي في منع الإمالة، فعلى هذا يجوز أن تمال الألف في «7» «محراب» في

_ (1) الراءة: الرؤية. (2) في (ط): محراب. (3) قال في اللسان (قلت): أقلتت المرأة إقلاتا، فهي مقلت ومقلات إذا لم يبق لها ولد، وقيل: هي التي تلد واحدا ثمّ لا تلد بعد ذلك. قال كثير أو غيره: بغاث الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصقر مقلات نزور ونسب البيت في (بغث) للعباس بن مرداس، وفي المخصص المجلد الثاني السفر الثامن ص 144: نسبه للنجاشي. (4) في (ط) لم تجز. (5) في (ط) قد قالوا. (6) الكتاب 2/ 267: (هذا باب الراء). (7) في (ط): من.

آل عمران: 39

الرفع، وزعم أيضا أنّهم قالوا: ذا «1» فراش، هذا جراب، لما كانت الكسرة أولا والألف زائدة. قال: والنصب فيه كلّه حسن «2». [آل عمران: 39] اختلفوا في ضمّ الياء «3» وفتحها أو فتح الباء وسكونها والتثقيل «4» من قوله جلّ وعزّ «5»: يبشرك [آل عمران/ 39]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يبشرك بضم الياء وفتح الباء والتشديد في كل القرآن، إلّا في عسق فإنّهما قرأ ذلك الذي يبشر الله عباده [الشورى/ 23] مفتوح الياء مضموم الشين مخففا. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم يبشرك مشدّدا في كلّ القرآن. وقرأ حمزة يبشر خفيفا «6»، مما لم يقع في كلّ القرآن، إلّا قوله تعالى «7»: فبم تبشرون [الحجر/ 54]. وقرأ الكسائي يبشر مخففة في خمسة مواضع: في آل عمران في قصة زكريا، وقصة مريم وفي سورة بني إسرائيل، وفي

_ (1) في (ط): هذا. (2) في (ط): أحسن. (3) كذا في (ط) وفي (م) الراء. والصواب ما أثبتناه. من (ط) والسبعة. (4) في السبعة: وتثقيل الشين. (5) سقطت من (ط). (6) في السبعة أخر قوله: خفيفا، إلى ما بعد قوله: مما لم يقع، ويريد بقوله: مما لم يقع خفيفا في كل القرآن، أي ما وقع مشددا بجميع صوره واشتقاقاته في القرآن كله قرأه حمزة خفيفا إلّا ما استثناه من ذلك. (7) سقطت من (ط).

الكهف: ويبشر المؤمنين [الإسراء/ 9] وفي عسق: يبشر الله عباده «1» [الشورى/ 23]. [قال أبو علي] «2»: قال أبو عبيدة: يبشّرك، ويبشرك ويبشرك وبشرناه «3» واحد «4». قال أبو الحسن في يبشّر: ثلاث لغات: بشّر وبشر وأبشر يبشر بكسر الشين إبشارا، وبشر يبشر بشرا وبشورا يقال: أتاك أمر بشرت به، وأبشرت به في معنى بشّرت به ومنه وأبشروا بالجنة [فصلت/ 30]. وأنشد: وإذا رأيت الباهشين إلى العلى ... غبرا أكفّهم بقاع ممحل فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل «5» وقال أبو زيد: بشّرت القوم بالخير تبشيرا، والاسم: البشرى. وأبشر «6» بالخير إبشارا، وبشّرت الناقة باللّقاح حين يعلم ذاك منها أول ما تلقح.

_ (1) انظر السبعة ص 205 - 206. (2) سقطت من (ط). (3) كذا في (ط)، وسقطت من (م). (4) في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 91: يبشّرك ويبشرك فقط. (5) البيتان آخر مفضلية برقم 116 ص 385 لعبد القيس بن خفاف البرجمي وهي الأصمعية رقم 87 وأوردها البغدادي في شرح أبيات المغني 2/ 223، 224 وأوردهما اللسان (بشر) وعزاهما إلى عطية بن زيد أو لعبد القيس بن خفاف البرجميّ. (6) في (ط): وأبشر يا فلان.

آل عمران: 48

قال أبو علي: إذا كانت هذه اللغات في الكلمة شائعة فأخذ القارئ بإحداها وجمعه بينها مستقيم سائغ. [آل عمران: 48] اختلفوا في النون والياء من قوله تعالى «1»: ويعلمه الكتاب [آل عمران/ 48]. فقرأ نافع وعاصم: ويعلمه الكتاب بالياء، وقرأ الباقون: ونعلمه بالنون «2». فحجّة من قرأ: يعلمه أنّه عطفه على قوله: إن الله يبشرك، ويعلمه على العطف على يبشرك. ومن قال: نعلمه: فهو على هذا المعنى، إلّا أنّه جعله على نحو «3» نحن قدرنا بينكم الموت [الواقعة/ 60]. قال: كلّهم قرأ: أني أخلق لكم [آل عمران/ 49]. وقرأ نافع: (إني) «4». قال أبو عليّ: قول من فتح (أنّ) أنّه جعلها بدلا من (آية): كأنّه قال: وجئتكم بأنّي أخلق لكم. ومن كسر إنّ احتمل وجهين: أحدهما: أنّه استأنف، وقطع الكلام مما قبله. والآخر: أنّه فسّر الآية بقوله: إنّي أخلق لكم من الطين، كما فسّر الوعد في قوله: وعد الله الذين آمنوا بقوله: لهم مغفرة

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة ص 206. (3) سقطت من (ط). (4) انظر السبعة ص 206.

آل عمران: 57

[المائدة/ 9] وكما فسّر المثل في قوله: كمثل آدم [آل عمران/ 59] بقوله: خلقه من تراب [آل عمران/ 59] وهذا الوجه «1» أحسن ليكون في المعنى كمن فتح وأبدل من (آية). قال: وكلّهم قرأ: فيكون طيرا [آل عمران/ 49] بغير ألف غير نافع فإنّه قرأ: طائرا بألف هاهنا، وفي المائدة «2». قال أبو علي: حجّة من قرأ: فيكون طيرا قوله تعالى «3»: إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] ولم يقل كهيئة الطائر، فكذلك يكون كهيئة الطير «4» وكذلك التي في المائدة، إلّا أنّ هاهنا فأنفخ فيه وثمّ فتنفخ فيها [المائدة/ 110] فيجوز أن يكون على الهيئة مرة وعلى الطير أخرى، ويجوز أن يكون ذكّر الطير على معنى الجمع، وأنّث على معنى الجماعة. وقالوا: طائر، وأطيار، فهذا يكون كصاحب وأصحاب. وقال أبو الحسن: وقول العرب: طيور جمعوا الجمع، ووجه قراءة من قرأ، فيكون طائرا أنّه أراد: يكون ما أنفخ فيه، أو ما أخلقه طائرا، فأفرد لذلك، أو يكون أراد: يكون كلّ واحد من ذلك طائرا كما قال: فاجلدوهم ثمانين جلدة، أي اجلدوا كلّ واحد منهم. [آل عمران: 57] قال [أحمد] «5»: ولم يختلفوا في النون من قوله تعالى «6»:

_ (1) سقطت من (م). (2) ابن مجاهد في السبعة ص 206. (3) سقطت من (ط). (4) في ط: طيرا. (5) زيادة من (ط). (6) سقطت من (ط).

آل عمران: 59

فنوفيهم أجورهم [آل عمران/ 57، النساء/ 173] إلّا ما رواه حفص عن عاصم فإنّه «1» روى عنه بالياء «2». قال أبو علي «3»: وجه من قرأ بالنون قوله: فأما الذين كفروا فأعذبهم [آل عمران/ 56] فقوله: فنوفيهم بالنون «4» في المعنى مثل فأعذبهم. ومما يحسّن ذلك قوله: ذلك نتلوه عليك [آل عمران/ 58]، ومن قرأ بالياء فلأنّ ذكر الله- سبحانه- قد تقدّم في قوله: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك [ورافعك إلي] «5» [آل عمران/ 55] فيحمل على لفظ الغيبة لتقدّم هذا الذكر، إذ صار في لفظ الخطاب في قوله: فأعذبهم وقوله: فيوفيهم إلى الغيبة كقوله: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] بعد قوله: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39]. [آل عمران: 59] قال: وقرأ ابن عامر وحده: فيكون [آل عمران/ 59] بالنصب وهو وهم. وقال هشام بن عمار: كان أيوب بن تميم يقرأ: فيكون نصبا ثم رجع فقرأ: فيكون رفعا «6». [قال أبو علي] «7» قد تقدّم ذكر ذلك في سورة البقرة «8». [آل عمران: 66] اختلفوا في المدّ في ها أنتم [آل عمران/ 66] والهمز وتركه.

_ (1) في (ط): روي. وفي السبعة: رواه. (2) السبعة ص 206. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (م). (5) زيادة من (ط). (6) ابن مجاهد في السبعة ص 206، 207. (7) سقطت من (ط). (8) انظر 2/ 203.

فقرأ ابن كثير: هأنتم لا يمدّها، ويهمز أنتم. وقرأت أنا على قنبل عن ابن كثير: هأنتم في وزن «هعنتم». وقرأ نافع وأبو عمرو هآنتم: ممدودا استفهام «1» بلا همز. وقال علي بن نصر عن أبي عمرو أنه كان يخفف ولا يهمز استفهاما بلا همز. وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع ممدود غير مهموز «2». وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ها أنتم ممدود مهموز. ولم يختلفوا في مدّ (هؤلاء)، و (ألاء) «3». [قال أبو علي] «4»: أمّا قول ابن كثير (هأنتم هؤلاء) فوجهه: أنّه أبدل من همزة الاستفهام الهاء، أراد: أأنتم فأبدل من الهمزة الهاء. فإن قلت: هلّا لم يجز البدل من الهمزة لأنّه «5» على حرف واحد؟ وإذا كان على حرف واحد وأبدلت منه لم يبق شيء من الحرف يدلّ عليه، فيكون الإبدال منه كالحذف له، فكما لا يجوز حذفه، كذلك لا يجوز البدل منه. قيل: لا يمتنع البدل منه، وإن كان على حرف، وما ذكرته ضرب من القياس الذي جاء

_ (1) في (ط): استفهاما. (2) في حاشية (ط): بلغت. (3) السبعة ص 207 وفيه اختلاف يسير في الألفاظ عمّا هنا، ولكن المؤدى واحد. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): لأنّها.

استعمالهم بخلافه. ألا ترى أنّهم قد أبدلوا من الباء الواو في قولهم: والله، وأبدلوا من الواو التاء في تالله؟ فهذه حروف مفردة وقد وقع الإبدال منها كما ترى، فكذلك تكون الهاء بدلا من الهمزة. فإن قلت: فهل يجوز أن تكون الهاء التي «1» في «ها» التي للتنبيه، كأنّه أراد: ها أنتم، فحذف الألف من الحرف، كما حذف «2» من «ها» «3» في قولهم: هلمّ؟. قيل: لا يسهل ذلك، لأنّ الحروف لا يحذف منها، إلّا إذا كان فيها تضعيف، وليس ذلك في «ها» وإنّما حذف من هلمّ لأنّ اللّام التي هي فاء في تقدير السكون، لأنّها متحركة بحركة منقولة [إليها، والحركة المنقولة قد يكون] «4» الحرف المتحرك بها في نيّة السكون. كقولهم: الحمر، فاللّام في تقدير سكون بدلالة تقدير الهمزة التي للوصل معها، فكذلك اللّام في هلمّ. فإذا كان في نيّة سكون استقام حذف الألف من «ها» كما تحذف لالتقاء الساكنين، وليس ذلك في (هأنتم) فإذا كان كذلك لم يستقم الحذف فيه كما جاء في هلمّ. ومعنى الاستفهام في أأنتم تقرير. فأمّا قراءة نافع وأبي عمرو (هانتم) فتحتمل ضربين: أحدهما «5»: يجوز أن تكون (ها) التي للتنبيه دخلت على أنتم

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): تحذف. (3) في (م) رسمها متصلة هكذا «منها». (4) جاءت العبارة المحصورة بين معقوفين في (م) كذا: «وفيها الحركة المنقولة بدلا من» وما أثبتناه من (ط) أبين. (5) سقطت من (ط).

ويكون التنبيه داخلا على الجملة كما دخل في قوله «1»: هلمّ، وكما دخلت (يا) التي للتنبيه في نحو ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] وكما دخلت فيما أنشده أبو زيد [من قوله] «2»: يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم ... أمّ الهنيبر من زند لها واري «3» [وكما أنشد غيره: يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا] «4» فإن شئت قلت: إنّ «يا» دخلت يراد بها منادى محذوف كقوله: أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله «5» * ..........

_ (1) في (ط): قولهم. (2) سقطت من (ط). (3) سبق في ص 11. (4) ما بين المعقوفين ساقط من (م) وهذا صدر بيت عجزه: من هؤليائكنّ الضّال والسّمر وهو من شواهد شرح أبيات المغني 8/ 71 ذكره مع جملة أبيات انظر تخريجه هناك. والبيت مختلف في نسبته، فهو للعرجي كما نسبه العيني ولكامل الثقفي كما في الدمية ولحسين بن عبد الرحمن العريني عند الصاغاني ولعلي بن محمد العريني، وهو متأخر، عند السخاوي شارح المفصل. قاله البغدادي في شرح أبيات المغني 8/ 73. (5) هذا صدر بيت للصلتان العبدي وعجزه: جرير ولكن في كليب تواضع. انظر الكتاب 1/ 328 والخزانة 1/ 304 والمحتسب 1/ 311 والبيت من قصيدة طويلة يحكم فيها بين جرير والفرزدق فيحكم لجرير بالشعر وللفرزدق بالمجد انظرها في الأمالي 2/ 141، 142.

وكقوله: يا لعنة الله والأقوام كلّهم «1» * .......... وإن شئت جعلته لاحقا للجماعة بدلالة قولهم: هلم، ألا ترى أنّه لاحق للجملة التي هي (لمّ) بدلالة أن الفريقين جميعا من يثنّي الفاعل فيه ويجمع، ومن لا يفعل ذلك قد اتفقوا على فتح الآخر منه؟ وإنّما فتح الآخر منه لبنائها مع الكلمة، ولا يجوز مع هذا البناء وكون الكلمتين بمنزلة شيء واحد أن تقدر منبّها، فكما أنّ هذا لاحق للجملة كذلك يجوز في: «يا قاتل الله» «2» وقوله: ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] لاحقا لها. فأمّا الهمزة من (أنتم) فيجوز أن تخفّف ولا تحقّق لوقوعها بعد الألف، كما تقول في هباءة: هباة، وفي المسائل: المسايل ويجوز أن تكون الهاء في «3» ها أنتم بدلا من همزة الاستفهام، كما كانت بدلا منها في قول ابن كثير، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزتين لتفصل بينهما، كما تدخل بين النونين لتفصل بينهما في اخشينانّ. فإن قلت: إنّ الألف إنّما تلحق لتفصل بين المثلين في:

_ (1) هذا صدر بيت عجزه: والصالحين على سمعان من جار انظر الكامل 3/ 1016 الكتاب 1/ 320 والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 171، ولم ينسب لقائل. (2) هذا أوّل بيت، سبق قريبا. (3) في (ط): من.

اخشينانّ، وأاأنتم، واجتماع المثلين قد زال بإبدال الهاء من الهمزة فلا يحتاج إلى الألف، وإذا لم يحتج «1» إليها كان قوله: ها أنتم (ها) فيه للتنبيه «2»، ولا تكون الهاء فيه بدلا من الهمزة، ألا ترى أنّ من قال: هراق قال: أهريق، ولم يحذف الهاء «3» مع الهمزة كما يحذف إذا قال: أريق لزوال اجتماع المثلين؟. قيل: إنّ البدل قد يكون في حكم المبدل منه، ألا ترى أنّك لو سميت رجلا بهرق لقلت: هريق فلم تصرف كما لا تصرف مع الهمزة، وأنّ حكم الهاء حكم الهمزة؟ وكذلك الهمزة في حمراء، حكمها حكم الألف التي انقلبت عنه في امتناع الصّرف، وكذلك الهمزة في علياء، حكمها حكم الياء التي انقلبت عنها في مثل درحاية «4»، وكذلك قال أبو الحسن: إنّك لو سمّيت بأصيلال لم تصرفه، فجعل «5» اللام في حكم النون، وذلك لما قامت الدلالة عليه من أن النون في عطشان لما كانت بدلا من الهمزة في حمراء جرى عليها ما جرى على الهمزة، فكذلك تكون الهاء إذا كانت بدلا من الهمزة تجتلب الألف معها كما كانت تجتلب مع الهمزة، وتخفّف الهمزة من أنتم بعد الألف الفاصلة كما تخفّف بعد الألف من «6» (ها) فإن كان ما حكوه في الترجمة حكوه عن أبي عمرو، فإنّه يدل على أنّه كان

_ (1) في (م): فلا تحتاج ... لم نحتج وما أثبتناه من (ط). (2) كذا في (ط)، وفي (م): للتثنية وهو خطأ. (3) كذا في (ط)، وفي (م): الياء. وهو سبق قلم من الناسخ. (4) في القاموس (درح): رجل درحاية: بالكسر، قصير سمين بطين. (5) في (ط): فجعلت. (6) في (ط): في.

يذهب «1» إلى أنّه استفهام، وكذلك، ما حكي عن نافع ممدود غير مهموز. يريد: أنّه ممدود غير محقّق الهمزة. وأما قراءة عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (ها أنتم) ممدود مهموز، فإنّ (ها) فيه تحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما في قراءة نافع وأبي عمرو إلّا أنّهم حقّقوا الهمزة التي هي بعد الألف ولم يخفّفوها كما خفّفها أبو عمرو ونافع، وإن لم يروا إلحاق الألف للفصل بين الهمزتين، كما يراه أبو عمرو في نحو أاأنتم. فينبغي أن تكون (ها) في قولهم حرف التنبيه، ولا تكون الهاء «2» بدلا من همزة الاستفهام، كما يجوز أن تكون بدلا منها على قول من أدخل الألف بين الهمزتين. قال: ولم يختلفوا في مدّ هؤلاء، وألاء. قال أبو علي: في هؤلاء لغتان: المدّ والقصر كالتي في قول الأعشى «3»: هاؤلى ثمّ هاؤلى «4» كلّا اعطي ... ت نعالا محذوّة بمثال

_ (1) في (ط): يذهب فيه. (2) في (م): «الياء» بدل «الهاء» والصواب ما أثبتناه. (3) البيت في ديوانه/ 11، والمقتضب 4/ 278، وفي ابن الشجري 1/ 30 وابن يعيش 3/ 137، وشرح أبيات المغني 2/ 195: «بنعال» بدل «بمثال» وكذلك جاء في (ط). وهو من قصيدة طويلة يمدح فيها الأسود اللخمي. ويشير بذلك إلى إيقاعه ببني محارب حين أحمى لهم الأحجار، وسيّرهم عليها، فتساقط لحم أقدامهم. وحذا النعل: قطعها وقدرها على مثال (انظر حاشية الديوان). (4) رسمها في (ط) في الموطنين «هاؤلا» بإبقاء ألف هؤلاء على رسمها بعد قصرها بحذف الهمزة بعدها.

آل عمران: 73

[آل عمران: 73] وكلّهم «1» قرأ: أن يؤتى أحد غير ممدود، إلّا ابن كثير فإنّه قرأ: أن يؤتى أحد، ممدودا [آل عمران/ 73] «2». قال أبو علي: فقول الباقين أن المعنى على قراءة الجماعة «3»: لا تصدقوا إلّا لمن تبع دينكم، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وقوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] اعتراض بين المفعول وفعله، والتقدير: لا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم. فأمّا قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] فإن «4» أول الآية: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار [آل عمران/ 72] فقوله «5»: ولا تؤمنوا ... أن يؤتى أحد يكون تؤمنوا فيه متعدّيا بالجارّ، كما كان في أول الآية متعديا به. وإذا حذفت «6» الجارّ من «أن» كان موضع «أن» على الخلاف، يكون «7» في قول الخليل جرّا، وفي قول سيبويه نصبا. وأمّا اللّام في «8» قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم [آل عمران/ 73]

_ (1) في (ط): كلهم. (2) السبعة 207. (3) جاءت العبارة في (م) كما يلي. ابن كثير (آن يؤتى أحد) والباقون: [(أن يؤتى أحد)] وأثبتنا ما بين معقوفين من: (ط) لوضوحه. (4) في (ط): فإن في. (5) في (م): «وقوله». (6) في (ط): حذف. (7) سقطت من (ط). (8) في (ط): من.

فلا يسهل أن يعلّقه ب تؤمنوا وأنت قد أوصلته بحرف آخر جارّ فتعلّق بالفعل جارّين، كما لا يستقيم أن تعدّيه إلى مفعولين إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد، ألا ترى أنّ تعدّي الفعل بالجارّ كتعديه بالهمزة، وتضعيف العين؟ فكما لا يتكرر هذان، كذلك لا يتكرر الجارّ. فإن قلت: فقد جاء: فلأبغينّكم قنا وعوارضا ... ولأقبلنّ الخليل لابة ضرغد «1» والتقدير: لأقبلنّ بالخيل «2» إلى هذا الموضع. فإنّ هذا إنّما جار لأنّ الثاني من المفعولين مكان، فيجوز أن يكون شبه المختص بالمبهم كقولهم: ذهبت الشام، فيمن لم يجعل الشام اسم الجهة. فإذا لم يسهل تعليق المفعولين به حملته على المعنى، والمعنى: لا تقرّوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم، كما تقول: أقررت لزيد بألف، فيكون اللام متعلقا بالمعنى، ولا تكون زائدة على حدّ إن كنتم للرءيا تعبرون [يوسف/ 43] ولكن متعلق بالإقرار. فإن قلت: فهذا فعل قد تعلّق بجارّين. فإن الجارّين [لم

_ (1) البيت لعامر بن الطفيل من أصمعية برقم 78 ص 216 قالها في يوم الرقم كما في معجم البلدان 3/ 456 (ضرغد) وهي المفضلية رقم 107 ص 363 وفي الكتاب 1/ 82، 109، وابن الشجري 2/ 248 والخزانة 1/ 470 وشرح أبيات المغني 8/ 4. قال ابن الأنباري في شرح المفضليات ص 712. قال الأثرم: الملا: من أرض كلب، وعوارض: جبل في بلاد بني أسد، واللابة: الحرة. وضرغد: من أرض العالية. ولابة ضرغد: حرة لبني تميم اهـ ورواية المصنف رواية الأصمعيات ويروى البيت فلأنعينّكم، بالعين المهملة قبلها نون ولأهبطنّ، بدل: لأقبلنّ. كما في المفضليات. (2) في (م): «الخيل» بدون حرف جار، والتقدير جرى عليه.

يتعلقا به] «1» على حدّ أنّه «2» مفعول بهما، ولكن أحدهما على غير أنّه «3» مفعول به، والمفعول به إذا تعدى الفعل إليه بالجارّ أشبه الظرف، ولذلك جاز: «سير بزيد فرسخ» فأقمت الظرف مقام الفاعل، مع أنّ في الكلام مفعولا به على المعنى، لما كان المفعول به الذي هو الجار والمجرور يشبه الظرف، ولولا ذلك لم يجز: «سير بزيد فرسخ». فالمعنى: لا تقرّوا أن يؤتى أحد إلّا لمن تبع دينكم، فاللام غير زائدة. وإن شئت حملت الكلام على معنى الجحود، لأنّ معنى لا تؤمنوا: اجحدوا، فكأنّه قيل: اجحدوا أن يؤتى أحد، أو اجحدوا بأن يؤتى أحد إلّا من تبع دينكم، كأنه قيل: اجحدوا الناس إلّا من «4» تبع دينكم، فتكون اللّام على هذا زائدة. وقد تعدى (آمن) باللّام في غير هذا، قال تعالى: فما آمن لموسى إلا ذرية [يونس/ 83] وقال: آمنتم له قبل أن آذن لكم [الشعراء/ 49، وطه/ 71] ويؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [التوبة/ 61] فتعدى مرّة بالباء، ومرّة باللّام. فأمّا قوله: أن يؤتى أحد [فإنّ قوله: أحد] «5» إنّما دخل للنفي الواقع في أوّل الكلام، وهو قوله: ولا تؤمنوا كما دخلت من في قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما دخلت من في صلة «أن ينزّل» لأنّه مفعول النفي اللّاحق لأول الكلام، كذلك دخل أحد في

_ (1) في (ط): لم يتعلّق بهما. (2) في (ط): أنهما. (3) زيادة من (ط). (4) في (ط): لمن. (5) في (م): «فإنّ أحدا».

صلة «أن» من قوله: أن يؤتى أحد لدخول النفي في أول الكلام. ووجه قول ابن كثير أنّ: (أن) في موضع رفع بالابتداء. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يحمل على ما قبله من الفعل لقطع الاستفهام بينهما، كما كان يحمل عليه قبل؟ فارتفع بالابتداء. وخبره: تصدّقون به، وتعترفون «1» به، أو تذكرونه لغيركم، ونحو هذا مما دلّ عليه قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، وهذا في «2» قول من قال: أزيد ضربته، ومن قال: أزيدا ضربته، كان (أن) عنده «3» في موضع نصب، ومثل حذف خبر المبتدأ هنا، لدلالة ما قبل الاستفهام عليه، حذف الفعل في قوله [جلّ وعزّ] «4» آلآن وقد عصيت قبل [يونس/ 91] التقدير: الآن أسلمت حين لا ينفعك الإيمان، للإلجاء من أجل المعاينة إلى الإيمان، كما قال: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل [الأنعام/ 158] فحذف الفعل لدلالة ما قبل الاستفهام عليه، فكذلك حذف خبر المبتدأ من قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] ويجوز أن يكون موضع (أن) نصبا فيكون المعنى «5»: أتشيعون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو أتذكرون أن يؤتى أحد. ويدلّ على جواز ذلك قوله تعالى «6»: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم [البقرة/ 76]

_ (1) في (ط): أو تعترفون. (2) في (ط): «من». (3) سقطت «أن» من (م). (4) زيادة من (ط). (5) في (ط): التقدير. (6) سقطت من (ط).

فحديثهم بذلك إشاعة منهم له ذكر وإفشاء. ومثل هذا في المعنى في قراءة ابن كثير قوله: وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون [البقرة/ 76] فوبخ بعضهم بعضا. بالحديث بما علموه من أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- «1» وعرفوه من وصفه «2»، فهذه الآية في معنى قراءة ابن كثير، ولعله اعتبرها في قراءته هذه «3». فإن قلت: فكيف وجه دخول أحد في قراءة ابن كثير، وقد انقطع من النفي بلحاق الاستفهام، والاستفهام ما بعده منقطع مما قبله، والاستفهام على قوله تقرير وتوبيخ كما أنه في «4» قوله: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم تقرير، وإذا كان تقريرا كان بمعنى الإيجاب، وإذا كان بمعنى الإيجاب، لم يجز دخول أحد في الكلام كما لم يجز دخوله في الإيجاب، ألا ترى أن التقرير لا يجاب بالفاء كما لا يجاب الإيجاب بها؟ وأحد على قول ابن كثير أيضا يدلّ «5» على الكثرة، كما أنّه في قول سائرهم ممن لا يستفهم كذلك، ألا ترى أن بعده: أو يحاجوكم والضمير ضمير جماعة؟ فالقول في ذلك أنّه يجوز أن يكون أحد في هذا الموضع أحدا الذي في نحو: أحد وعشرون «6» وهذه تقع في الإيجاب، ألا ترى أنّه بمعنى واحد؟.

_ (1) سقطت (وسلم) من (ط). (2) في (ط): صفته. (3) زيادة من (ط). (4) في (ط): على. (5) في (ط): يدل أيضا. (6) في (ط): أحد وعشرين.

آل عمران: 80

وقد قال أحمد بن يحيى: إن أحدا، ووحدا، وواحدا بمعنى، وجمع ضمير أحد، لأنّ المراد به الكثرة، فحمل على المعنى في قوله: أو يحاجوكم، وجاز ذلك لأنّ الأسماء المفردة قد تقع للشياع، وفي «1» المواضع التي يراد بها الكثرة، فهذا موضع ينبغي أن ترجّح له قراءة غير ابن كثير على قراءته، لأنّ الأسماء التي هي مفردة تدلّ على الكثرة ليس بالمستمر في كلّ موضع. وفي قراءة غيره ليس يعترض هذا ويقوي قوله: يخرجكم طفلا [غافر/ 67] واجعلنا للمتقين إماما [الفرقان/ 74] فيمن جعل الإمام مثل كتاب ولم يجعله كصحاف «2». [آل عمران: 80] اختلفوا في ضمّ الرّاء وفتحها من قوله تعالى «3»: ولا يأمركم [آل عمران/ 80]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، ولا يأمركم رفعا، وكان أبو عمرو يختلس حركة الراء تخفيفا. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة: ولا يأمركم نصبا. ولم يختلفوا في رفع الراء من قوله: أيأمركم بالكفر [آل عمران/ 80] إلّا اختلاس أبي عمرو «4».

_ (1) في (ط): في المواضع. (2) في (ط): مثل صحاف. (3) سقطت من (ط). (4) السبعة ص 213.

آل عمران: 79

قال أبو علي: قال سيبويه: قال «1» تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس [آل عمران/ 79] ثم قال: ولا يأمركم فجاءت منقطعة من الأول، لأنّه أراد: ولا يأمركم الله. قال: وقد نصبها بعضهم على قوله: ما كان لبشر ... أن يأمركم أن تتخذوا «2». ومما يقوي الرفع أنّه في حرف ابن مسعود زعموا: ولن يأمركم فهذا يدل على الانقطاع من الأول. وممّا يقوّي النصب أنّه قد جاء في السّير فيما ذكر عن «3» بعض شيوخنا أنّ اليهود قالوا: للنّبيّ صلى الله عليه وسلم «4»: أتريد يا محمد أن نتخذك ربّا؟ فقال الله تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ... ولا يأمركم «5». [آل عمران: 79] اختلفوا في فتح التاء واللام والتخفيف وضمّها والتشديد في «6» قوله [جلّ وعزّ] «7»: تعلمون الكتاب [آل عمران/ 79]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: تعلمون بإسكان العين ونصب اللام.

_ (1) في (ط): قوله. (2) انظر الكتاب 1/ 430. (3) «عن» زيادة من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) روى هذا الخبر الطبري في تفسيره 3/ 325 وابن كثير 1/ 377 كلاهما من حديث أبي رافع القرظي. وانظر القرطبي 4/ 123. (6) في (م): (من) والمتبت من (ط) والسبعة. (7) سقطت من (ط).

وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: تعلمون مثقّلا. قال أبو علي: قال سيبويه: علّمت: أدّبت، وأعلمت: آذنت «1»، والباء في قوله: بما كنتم. متعلقة بقوله: كونوا من قوله: ولكن كونوا ربانيين بما كنتم [آل عمران/ 79] ومثل ذلك قول طفيل «2»: نزائع مقذوفا على سرواتها ... بما لم تخالسها الغزاة وتركب وقول الأعشى: ................ .. ... قالت بما قد أراه بصيرا «3» فأمّا (ما) في كلتا «4» القراءتين فهي التي مع الفعل بتأويل المصدر مثل أن الناصبة للفعل في أنّها مع الفعل كذلك، والتقدير: بكونكم تعلمون، ولا عائد من الصلة إلى الموصول، يدلك على ذلك «5» أنه لا يخلو الذكر إن عاد من أن يكون من «6» قوله:

_ (1) الكتاب 2/ 236. (2) في (م) «الشاعر» بدل «طفيل» والبيت سبق في 1/ 302 وفي المعاني الكبير 1/ 99، وفي ديوانه ص/ 23 برواية يسهب، قال ابن قتيبة: المسهب: المهمل المتروك، ويقال: مقذوفا على سرواتها الشحم، بما لم تخالسها الغزاة. أي: حين ترك ركوبها والمخالسة لها سمنت، ولو كان يفعل ذلك بها لضمرت ومن ذهب إلى هذا رواه: «يخالسها الغزاة ويركب». (3) جزء من بيت للأعشى وتمامه: على أنّها إذ رأتني أقا ... د قالت ... انظر ديوانه/ 95. (4) جاء رسمها في الأصل «كلتى» بالألف المقصورة. (5) في (م) «يدل على أنه». (6) في (م): (في).

كنتم أو من تعلمون فلا يجوز أن يعود من قوله: كنتم، لأنّ قوله تعلمون في موضع نصب. ألا ترى أنّ التقدير: بكونكم عالمين للكتاب؟ وإذا كان في موضع نصب لم يجز أن يقدر في الكلام راجع إلى الموصول لاستيفائه المفعول الذي يقتضيه ظاهرا، ولا يجوز أن يعود من تعلمون، لأنّ قوله تعلمون قد استوفى أيضا المفعول الذي يقتضيه وهو قوله: الكتاب فإذا كان كذلك علمت أنّه لا راجع في الصلة إلى الموصول، ومثل ذلك قوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10] ومثله قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] التقدير: كنسيانهم «1» لقاء يومهم هذا، وككونهم «1» بآياتنا جاحدين. فأمّا قوله: تعلمون: فهو من العلم الذي يراد به المعرفة فيتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65] والله يعلم المفسد من المصلح [البقرة/ 220]. فإذا ضعّفت العين تعدى إلى مفعولين، كما أنّك لو نقلت بالهمزة كان كذلك، فالمفعول الثاني من قوله: في قراءة من قرأ: تعلمون الكتاب محذوف. التقدير: بما كنتم تعلّمون الناس الكتاب، أو: غيركم الكتاب، ونحو هذا، وحذف [هنا] «3» لأنّ المفعول به قد يحذف من الكلام كثيرا،

_ (1) في (م): «بنسيانهم ... وبكونهم» وما أثبتناه من (ط) جار مع قوله تعالى: كما نسوا ... وما كانوا ... » أي: وكما كانوا ... (3) زيادة من (ط).

ومثل ذلك قوله تعالى «1»: وعلم آدم الأسماء كلها [البقرة/ 31] فهذا منقول من: علم آدم الأسماء، وعلّمه الله الأسماء. وحجّة من قال: (بما كنتم تعلمون)، أبا عمرو قال فيما زعموا: يصدّقها «2»: تدرسون «3»، ولم يقل: تدرّسون، ومن حجّتها أنّ العالم الدارس قد يدرك بعلمه ودرسه مما «4» يكون داعيا إلى التمسك بعلمه، والعمل به ما يدركه العالم المعلّم في تعليمه، ألا ترى أنّه يتكرر عليه في درسه ما يتكرر في تعليمه مما ينبّه ويبصّر من اللطائف التي يثيرها النظر في حال الدرس؟. [قال أبو زيد كلاما معناه: لا يكون الدرس درسا حتى تقرأه على غيرك] «5». وحجة من قال: تعلّمون، أن التعليم أبلغ في هذا الموضع، لأنّه إذا علّم الناس فلم يعمل بعلمه، ولم يتمسك بدينه كان مع استحقاق الذّم بترك عمله بعلمه داخلا في جملة من وبّخ بقوله: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [البقرة/ 44]، ومن حجّتهم: أن الذي يعلّم لا يكون إلّا عالما بما يعلّم. فإذا علّم كان عالما، فيعلّم في هذا الموضع، أبلغ لأنّ المعلّم عالم، والعالم لا يدلّ على علّم.

_ (1) «تعالى» زيادة من (ط). (2) في (ط) «تصديقها». (3) جاء في هامش (ط) في نهاية الورقة (114): قال أبو زيد: لا يكون درسا حتى تقرأه على غيرك هـ. (4) في (ط): (ما). (5) ما بين المعقوفين ذكر في (ط) وسقط من (م). وتكرر في (ط) على الحاشية كما سبقت الإشارة إلى ذلك في التعليق؟.

آل عمران: 81

[آل عمران: 81] واختلفوا «1» في فتح اللام وكسرها من قوله: لما آتيتكم [آل عمران/ 81]. فقرأ حمزة وحده: (لما) مكسورة اللّام. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: لما مفتوحة اللام. وروى هبيرة عن حفص عن عاصم (لما) بكسر اللام، وذلك غير محفوظ عن حفص عن عاصم، والمعروف عن عاصم في رواية حفص وغيره فتح اللام «2». قال أبو علي: وجه قراءة حمزة (لما آتيتكم) بكسر اللّام أنّه يتعلق بالأخذ كأنّ المعنى: أخذ ميثاقهم لهذا، لأنّ من يؤتى الكتاب والحكمة يؤخذ عليهم الميثاق لما أوتوه من الحكمة، وأنّهم الأفاضل وأماثل الناس. فإن قلت: أرأيت الجملة التي هي قسم هل يفصل بينها وبين المقسم عليه بالجارّ؟. قيل: قد قالوا: «بالله» والجارّ والمجرور متعلقان بالفعل والفاعل المضمرين وكذلك قوله: ألم ترني عاهدت ربي ......... على حلفة لا أشتم الدهر «3» ............

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) السبعة ص 213. (3) هاتان قطعتان من بيتين للفرزدق، وهما: ألم ترني عاهدت ربي وإنّني ... لبين رتاج قائما ومقام على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام انظر ديوانه 2/ 769 - وفيه على قسم بدل على حلفة- وسيبويه 1/ 173 والكامل للمبرد 1/ 105 والمحتسب 1/ 57 وشرح أبيات المغني 5/ 254 وشرح شواهد الشافية 4/ 72.

فيمن جعل لا أشتم يتلقى قسما. وهو قول الأكثر، علّق قوله: على حلفة بعاهدت، فكذلك قوله: (لما آتيتكم) في قراءة حمزة. فإن قال «1» إنّ (ما) في قوله: (لما) «2» موصولة، فلا يجوز أن تكون غير موصولة، كما جاز ذلك في قول من فتح اللام، فإذا كان كذلك، لزم «3» أن يرجع من الجملة المعطوفة على الصلة ذكر إلى الموصول وإلّا لم يجز. ألا ترى أنّك لو قلت: الذي قام أبوه ثم انطلق زيد، ذاهب، لم يجز، إذا لم يكن راجع مذكور، وليس يقدّر «4» محذوف؟. قيل: يجوز أن يكون المظهر بمنزلة المضمر، ألا ترى أنّ قوله: ما معكم هو في المعنى: ما أوتوه من الكتاب والحكمة، فهذا يكون على قياس قول أبي الحسن مثل قوله «5»: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين [يوسف/ 90] والمعنى كأنّه قال: لا يضيع أجرهم لأنّ المحسنين هو من يتقي «6» ويصبر، وكذلك قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا [الكهف/ 30] المعنى عنده «7» إنّا لا نضيع

_ (1) في (ط): قيل. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وجب. (4) في (ط): أو مقدر. (5) في (ط): قوله تعالى. (6) في (ط): «يتق» جاءت على أصل القراءة التي أثبتها في الأصلين. وجاءت في (م) «يتقي» بإثبات الياء. على اعتبار أن (من) اسم موصول وليست اسم شرط. وإثبات الياء قراءة قنبل عن ابن كثير وحده في الوصل والوقف. كما في السبعة ص 351. (7) في (ط): «عندهم».

أجرهم لأنّ من أحسن عملا هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فكذلك قوله: لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم تقديره: مصدّق له: أي: مصدق لما آتيتكم من كتاب وحكمة. ألا ترى أنّ ما معهم هو ما أوتوه من كتاب وحكمة؟ فهذا وجه. ويجوز فيه شيء آخر، وهو: أن يكون: (لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول [مصدق لما معكم لتؤمنن] به) أي: بتصديقه، أي: بتصديق ما آتيتكموه، فحذف من الصلة، وحسن الحذف للطّول، كما حسن الحذف للطول فيما حكاه «1» الخليل من قولهم: «ما أنا بالذي قائل لك شيئا» «2». فأمّا من فتح اللام فقال: لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم فإنّ ما فيه تحتمل «3» تأويلين: أحدهما: أن تكون موصولة، والآخر: أن تكون للجزاء. فمن قدّرها موصولة، كان القول فيما يقتضيه قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم [آل عمران/ 81] من الراجع إلى الموصول، ما تقدّم ذكره في وجه قراءة حمزة. فأمّا الراجع إلى الموصول من الجملة الأولى فالضمير المحذوف من الصلة تقديره: لما آتيتكموه، فحذف الراجع كما حذف من قوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] ونحو ذلك. واللّام في لما فيمن قدّر ما موصولة لام الابتداء وهي المتلقية «4» لما أجري مجرى القسم من قوله:

_ (1) في (ط): ذكره. (2) في سيبويه 1/ 399: زعم الخليل أنّه سمع عربيّا يقول «ما أنا ... ». (3) في (ط): «يحتمل». (4) في (ط): المنقلبة.

وإذ أخذ الله ميثاق النبيين [آل عمران/ 81] وموضع ما رفع بالابتداء، والخبر: لتؤمنن به [آل عمران/ 81] ولتؤمننّ: متعلق بقسم محذوف، المعنى: والله لتؤمننّ به. فإذا قدرت (ما) للجزاء كانت (ما) في موضع نصب بآتيتكم وجاءكم في موضع جزم بالعطف على آتيتكم، واللّام الداخلة على (ما) لا تكون المتلقية للقسم، ولكن تكون بمنزلة اللّام في قوله: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض [الأحزاب/ 60]. والمتلقية للقسم قوله: لتؤمنن به كما أنّها في قوله: لئن لم ينته المنافقون قوله لنغرينك بهم [الأحزاب/ 60]. وهذه اللّام الداخلة على إن في لئن لا يعتمد القسم عليها، فلذلك جاز حذفها تارة وإثباتها تارة كما قال: وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا [المائدة/ 73] فتلحق هذه اللّام مرة (إن) ولا تلحق أخرى، كما أنّ «1» (أن) كذلك في قوله: والله أن لو فعلت لفعلت، وو الله لو فعلت لفعلت. فهذه اللام بمنزلة (أن) الواقعة بعد لو. قال سيبويه: سألته- يعني الخليل- عن قوله: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه [آل عمران/ 81] فقال: (ما) هاهنا بمنزلة الذي، ودخلتها اللام كما دخلت على (إن) حين قلت: لئن فعلت لأفعلنّ، فاللّام التي في (ما) مثل هذه التي في (إن) واللّام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هاهنا «2».

_ (1) سقطت من (ط). (2) انظر الكتاب 1/ 455.

قال أبو عثمان: فيما حكى عنه أبو يعلى [ابن أبي زرعة] «1»: زعم سيبويه أنّ (ما) هاهنا بمنزلة الذي، ثمّ فسّر تفسير الجزاء. والقول فيما قاله من أنّ لما بمنزلة الذي، أنّه أراد أنّه اسم كما أنّ الذي اسم، وليس بحرف كما كان حرفا في قوله: وإن كلا لما ليوفينهم [هود/ 111] وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا [الزخرف/ 35] فهذا المعنى أراد بقوله: أنّه بمنزلة الذي ولم يرد أنّها موصولة كالذي. وإنّما لم يحمله سيبويه على أنّ (ما) موصولة بمنزلة الذي لأنّه لو حمله على ذلك للزم أن يكون في الجملة المعطوفة على الصّلة، ذكر يعود إلى «2» الموصول فلمّا لم ير ذلك مظهرا، ولم ير أن يضع المظهر موضع المضمر كما يراه أبو الحسن، عدل عن القول بأنّ (ما) موصولة إلى أنّها للجزاء، ولا يجيز سيبويه: لعمرك ما معن بتارك حقّه ولا منسئ أبو زيد «3» ...

_ (1) ما بين المعقوفين زيادة من (ط). (2) في (ط): على. (3) هكذا وقعت الرواية بالأصل: أبو زيد ... وبنى عليها الفارسي- كما ترى- تعليله. وهذا بيت للفرزدق في ديوانه 1/ 384 ونصه: لعمرك ما معن بتارك حقه ... ولا منسئ معن ولا متيسّر وهو في الكتاب 1/ 31 والخزانة 1/ 181 وفي ذيل أمالي القالي ص 73: قال أبو محلم: ومعن: رجل كان كلّاء بالبادية يبيع بالكالئ أي: بالنسيئة، وكان يضرب به المثل في شدّة التقاضي وفيه يقول القائل: قال أبو الحسين أنشدناه المبرد للفرزدق-: لعمرك ما معن .... البيت. اهـ وقال البغدادي في

إذا كان أبو زيد كنيته لأنّه ليس باسمه الظاهر ولا المضمر، وأبو الحسن يجيز ذلك فلم يحمل الآية على ما لا يراه، ولم يحملها على الحذف من المعطوف على الصلة أيضا، لأنّه ليس بالكثير، ولا بموضع يليق به الحذف، ألا ترى أنّها إنّما تذكر للإيضاح. فإن قلت فمن جعل (ما) موصولة في قوله: لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] وجب أن تكون على قوله ابتداء، وإذا كانت «1» ابتداء اقتضت «2» خبرا، فما خبر هذا المبتدأ؟. قيل: خبره قوله: لتؤمنن به، والذكر الذي في به يعود على الذي آتيتكموه، والذكر الذي في لتنصرنه يعود على رسول المتقدم ذكره، ولا يجوز أن يعود الذكر الأول أيضا على رسول «3» لبقاء الموصول حينئذ غير عائد إليه من خبره ذكر. فأمّا من جعله جزاء فإنّه لا يمتنع على رأيه أن يكون الذكر في لتؤمننّ به عائدا أيضا على رسول المتقدّم ذكره، لأنّ (ما) إذا كانت للجزاء لا تحتاج إلى عائد ذكر، كما تحتاج إليه (ما) التي بمنزلة الذي في أنّها موصولة لأنّ (ما) إذا كانت جزاء مفعول بها، والمفعول لا يحتاج إلى عائد ذكر. فإن قلت: فما وجه قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم

_ الخزانة في شرح البيت: قال شراح أبيات الكتاب: عنى بالبيت معن بن زائدة الشيباني وهو أحد أجواد العرب ... وهذا غير صحيح، فإن معن بن زائدة متأخر عن الفرزدق، فإنه قد توفي الفرزدق في سنة عشر ومائة وتوفي معن بن زائدة في سنة ثمان وخمسين ومائة. (1) في (ط): كان. (2) في (ط): اقتضى. (3) في (ط): رسول الله.

آل عمران: 81

، والنبيّون لم يأتهم الرسول؟ ألا ترى أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- «1» لم يكن في وقته رسول ولا نبي، وإنّما الذين [كانوا في زمانه أهل الكتاب] «2». قيل: يجوز أن يعنى بذلك أهل الكتاب في المعنى، لأنّ الميثاق إذا أخذ على النبيّين، فقد أخذ على الذين أوتوا كتبهم من أممهم، وعامّة ما شرع للأنبياء قد شرع لأممهم وأتباعهم، من ذلك «3» أن الفروض التي تلزمنا تلزم نبينا صلى الله عليه وسلم «4»، وإذا كان كذلك، فأخذ الميثاق على النبيّين كأخذ ميثاق الذين أوتوا كتبهم من أممهم. ومن ثم جاء نحو: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء [الطلاق/ 1] فجمع النبي صلى الله عليه وسلم «5» ومن تبعه «6» في الخطاب الواحد. فهذا من جهة المعنى. ويجوز من جهة اللفظ أن يكون المراد: وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيّين أو أتباع النبيّين. وأهل الكتاب إنّما يأخذ عليهم الميثاق الأنبياء الذين أتوهم بالكتب، كما أخذه نبيّنا، عليه السلام، على أمّته فيما جاء من قوله «7»: وما لكم لا تؤمنون. بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم «8» إن كنتم مؤمنين [الحديد/ 8]. [آل عمران: 81] اختلفوا في التاء والنون من قوله تعالى «9»: آتيتكم [آل عمران/ 81].

_ (1) سقطت (وسلم) من (ط). (2) في (ط): كانوا أهل الكتاب في زمانه. (3) في (ط): يبين ذلك. (4) سقطت (وسلم) في (ط). (5) سقطت (وسلم) من (ط). (6) في (م): «معه». (7) في (ط): قوله تعالى. (8) هذه قراءة أبي عمرو وحده كما سيأتي، وفي (ط) ضبطها (أخذ) على قراءة الجمهور. (9) سقطت من (ط).

آل عمران: 83

فقرأ نافع وحده: (آتيناكم) بالنون. وقرأ الباقون: آتيتكم بالتاء «1». [قال أبو علي] «2»: الحجة لنافع في قراءته: (لما آتيناكم)، قوله تعالى: وآتينا داود زبورا [الإسراء/ 55] وآتيناه الحكم صبيا [مريم/ 12] وآتيناهما الكتاب المستبين [الصافات/ 17] ونحو ذلك. وحجة من قال: آتيتكم، قوله: هو الذي ينزل على عبده آيات بينات [الحديد/ 9] ونزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1]. [آل عمران: 83] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: يبغون، و (ترجعون) [آل عمران/ 83]. فقرأ أبو عمرو وحده: يبغون، بالياء مفتوحة (وإليه ترجعون) بالتاء مضمومة. وقرأهما الباقون: (تبغون وإليه ترجعون) بالتاء جميعا. وروى حفص عن عاصم: يبغون، ويرجعون بالياء جميعا «4». قال أبو علي: هذا مخاطبة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم «5»، بدلالة قوله: قل آمنا بالله [آل عمران/ 84] فإذا كان كذلك كان هذا حجة لمن قرأ

_ (1) السبعة ص 214. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) السبعة ص 214. (5) سقطت (وسلم) من (ط).

آل عمران: 97

بالتاء على تقدير: قل لهم: (أفغير دين الله تبغون وإليه ترجعون) [آل عمران/ 83] ليكون مثل (تبغون) في أنّه خطاب. ويؤكّد التاء في (ترجعون) أنّهم كانوا منكرين للبعث، ويدل على ترجعون إلي مرجعكم [آل عمران/ 55]. وحجة من قرأ بالياء: يبغون أنّه على تقدير: قل: كأنّه قل لهم: أفغير دين الله يبغون، وإليه يرجعون؟! فهذا: لأنّهم غيب فجاء على لفظ الغيبة وكذلك: وإليه يرجعون. وقد تقدّم القول في ترجعون ويرجعون. والمعنى على الوعيد، أي: أيبغون غير دين الله، ويزيغون عن دينه مع أنّ مرجعهم إليه فيجازيهم على رفضهم له. وأخذهم ما سواه «1»؟. [قوله: إصري آل عمران/ 81] «2». قال: كلهم قرأ إصري بكسر الألف إلّا ما حدّثني به محمد بن أحمد بن واصل قال: حدثنا محمد بن سعدان عن معلّى [ابن منصور] «3» عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ: أصري بضم الألف «4». قال أبو علي: يشبه أن يكون الضمّ في «الأصر» لغة في «الإصر». [آل عمران: 97] اختلفوا في نصب الحاء وكسرها من قوله جلّ وعزّ «5»: حج البيت [آل عمران/ 97].

_ (1) في (م): «سواه». (2) ما بين معقوفين ساقط من الأصل، واستدركناه من السبعة. (3) زيادة في السبعة ص 214. (4) المصدر السابق. (5) في (ط): تعالى.

فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: حج البيت بكسر الحاء. وقرأ الباقون: (حج البيت) بفتح الحاء «1» قال أبو علي: قال سيبويه: حجّ حجّا، مثل: ذكر ذكرا «2»، فحجّ على هذا مصدر، فهذا حجة لمن كسر الحاء. وقال أبو زيد: قال المفضّل: أنشدني أبو الغول هذا البيت لبعض أهل اليمن: لا همّ إن كنت قبلت حجّتج ... فلا يزال شاحج يأتيك بج «3» قال أبو علي فقوله: حجّتي مصدر حججت، حجّة. قال أبو زيد: الحجج: السنون، واحدتها «4» حجّة. قال أبو علي: يدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ «5»: على أن تأجرني ثماني حجج [القصص/ 27].

_ (1) انظر السبعة 214. (2) الكتاب 2/ 216. (3) هذان بيتان من مشطور الرجز في النوادر ص 456 (ط الفاتح) ومعهما ثالث هو: أقمر نهات ينزي وفرتج وفيها: «يا رب» مكان «لا هم». والأبيات في سر صناعة الإعراب 1/ 193، وشرح شواهد الشافية 4/ 215، 216 وفي المحتسب 1/ 75 ومجالس ثعلب 1/ 171 البيتان فقط. تنويه: توهم البغدادي رحمه الله في شرح شواهد الشافية أن أبا علي الفارسي وابن جني لم يخطر على بالهما رواية هذه الأبيات عن أبي زيد في نوادره، ولهذا نسباها إلى الفراء .. إلخ ما قال، فهذا إن صح عن ابن جني كما في سر الصناعة، لأنه رواه عن الفراء- لا يصح عن الفارسي الذي رواه كما نرى عن أبي زيد عن المفضل عن أبي الغول، وهو السند نفسه في النوادر. (4) في (م): «واحدها». (5) في (ط): تعالى.

وقال أبو زيد: والحجّة، من حجّ البيت: الواحدة «1». وقال سيبويه: قالوا: غزاة، فأرادوا عمل وجه واحد، كما قالوا: حجّة يريد «2»: عمل سنة «3»، ولم يجيئوا بها على الأصل، ولكنّه اسم له «4»: فقوله: لم يجيئوا به «5» على الأصل، أي: على الفتح الذي هو للدّفعة من الفعل، ولكن كسروه فجعلوه اسما لذا المعنى كما أنّ غزاة كذلك، ولم تجىء فيه الغزوة وكان القياس [أن تجيء] «6». قال أبو زيد: ويقال: حجّ، وأنشد: أصوات حج من عمان غادي «7» قال: يريد أصوات حجّاج، وأنشد أبو زيد: وإن رأيت الحجج الرّواددا ... قواصرا للعمر أو مواددا «8»

_ (1) النوادر ص 457. (2) في (ط): يريد فيه. (3) في (ط): سنة واحدة. (4) الكتاب 2/ 230 مع اختلاف يسير في العبارة. (5) في (ط): بها. (6) زيادة من (ط). (7) سبق البيت في 2/ 306. (8) البيت في النوادر/ 457 وفيه: مراددا» بدل «مواددا» وفي (م) «مواردا» وهو في الخصائص لابن جني 1/ 161، 3/ 87، برواية ما أثبتناه من (ط) وموادد: على وزن فواعل من صيغ منتهى الجموع وهي قياسية من مادّه في المدة، أي أطالها. وفي الحديث: «إن شاءوا ماددناهم» انظر اللسان والتاج (مدد) والروادد: على وزن فواعل من الفعل (ردّ)، وفي التكملة للصاغاني يشتقها من (رود)، ويجعل واحد الروادد الرودد، وفسره بالعاطف.

آل عمران:/ 115

فالحجج اسم السنين كما قدّمه. وقولهم: حجّ في الحجّاج يجوز أن يكون تسمية بالمصدر على قول من كسر فيكون كزور وعدل، ويجوز أن يكون اسما صيغ للجمع كقوم ورهط. [آل عمران:/ 115] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «1»: وما تفعلوا من خير فلن تكفروه «2» [آل عمران/ 115]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بالتاء، وكان أبو عمرو لا يبالي كيف قرأهما بالياء، أو بالتاء. وقال علي بن نصر عن هارون عن أبي عمرو بالياء، ولم يذكر التاء. وكان حمزة والكسائي وحفص عن عاصم يقرءونها بالياء «3». [قال أبو علي] «4»: حجة من قرأ بالتاء: قوله «5» إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم [الإسراء/ 7] وقوله: وما تنفقوا من خير، يوف إليكم [البقرة/ 272] وقوله «5»: وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا [البقرة/ 197] قوله: يعلمه الله أي: يجازي «7» عليه. وحجّة من قرأ بالياء أنّه قد تقدّم أمة قائمة يتلون آيات الله [آل عمران/ 113] وما يفعلوا من خير فلن يكفروه [آل عمران/ 115].

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): بالياء في قوله: «يفعلوا ... يكفروه». (3) انظر السبعة ص 215. (4) سقطت من (ط). (5) زيادة من (ط). (7) في (م): يجاز.

آل عمران: 120

[آل عمران: 120] اختلفوا في ضمّ الضّاد وتشديد الرّاء، وكسر الضاد، وتخفيف الراء من قوله تعالى «1» لا يضركم [آل عمران/ 120]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: (لا يضركم) «2» بكسر الضاد وتخفيف الراء. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يضركم: بضم الضاد وتشديد الراء. [حدثنا ابن مجاهد قال]: أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله المقرئ «3» عن عبد الرزّاق بن الحسن قال حدثنا: أحمد بن جبير قال: حدثنا حجّاج الأعور عن حمزة أنّه

_ (1) سقطت من (ط). (2) ما بين المعقوفين سقطت من (ط). (3) كذا جاء في الأصل عندنا، وفي السبعة: أخبرني بذلك أبو عبد الله محمد بن عبد الله الرملي، عن عبد الرزاق بن الحسن ... قال الجزري: هو محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن سليمان أبو بكر الضرير الرملي، من رملة لدّ، يعرف بالداجوني الكبير، إمام كامل ناقل رحّال مشهور ثقة ... حدّث عنه ابن مجاهد، وحدّث هو عن ابن مجاهد، وصنف كتابا في القراءات، قال الداني: إمام مشهور ثقة مأمون، حافظ، ضابط، رحل إلى العراق وإلى الريّ بعد سنة ثلاثمائة، قلت: وقد دلّس ابن مجاهد اسمه في كتابه فقال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الرملي المقرئ. قال حدثنا عبد الرزاق، فمحمد بن عبد الله هذا هو الداجوني وقال في مكان آخر حدثنا محمد بن أحمد المقرئ قال حدثنا عبد الرزاق بن الحسن، والمقرئ هذا هو الداجوني، مات في رجب سنة أربع وعشرين وثلاثمائة عن إحدى وخمسين سنة اهـ منه. الطبقات 2/ 77. والمكان الآخر الذي ذكره فيه ابن مجاهد هو في سورة الأنعام، قال: «أخبرني بذلك محمد بن أحمد المقرئ قال حدثنا عبد الرزاق بن الحسن ... » انظر السبعة ص 268.

آل عمران: 124

قرأ: (لا يضركم) مثل قراءة أبي عمرو «1». قال أبو علي: من قال: (لا يضركم) جعله من ضار يضير مثل باع يبيع وحجّته قوله: قالوا: لا ضير [الشعراء/ 50] فضير مصدر كالبيع. وقال الهذليّ: فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها «2» وحجّة من قال: لا يضركم قوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم [يونس/ 18] فكلتا القراءتين حسنة لمجيئهما جميعا في التنزيل. [آل عمران: 124] قال: وكلّهم قرأ منزلين، [آل عمران/ 124] خفيف «3» الزاي غير ابن عامر فإنّه قرأ منزلين مشدد الزاي «4». قال أبو علي: حجّة ابن عامر: تنزل الملائكة والروح فيها [القدر/ 4] ألا ترى أنّ [مطاوع نزّل ينزّل نزّلته فتنزّل] «5»، وقوله

_ (1) السبعة ص 215. (2) البيت لأبي ذؤيب في شرح أشعار الهذليين 1/ 208، والكتاب لسيبويه 1/ 438 والمقتضب 2/ 72، وابن يعيش 8/ 158، والخزانة، 3/ 647 وشرح شواهد الألفية للعيني 4/ 431، والأشموني 1/ 18، وشرح أبيات المغني 1/ 372 و 5/ 52 قال الأعلم في شرح البيت: وصف قرية كثيرة الطعام، من امتار منها، وحمل فوق طاقته، لم ينقصها. (3) في (ط): خفيفة. (4) السبعة ص 215. (5) جاء ما بين المعقوفين في (ط): «أنّ تنزّل مطاوع نزّل ينزّل، تقول: نزّلته فتنزّل».

آل عمران: 125

[جلّ اسمه] «1»: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة [الأنعام/ 111] وحجّة من خفّف قوله: وقالوا لولا أنزل عليه ملك [الأنعام/ 8] ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر [الأنعام/ 8]. ومن حجّة «2» من قرأ: منزلين أنّ الإنزال يعمّ التنزيل وغيره، قال تعالى «3»: وأنزلنا إليك الذكر [النحل/ 44]. وإنا أنزلناه في ليلة القدر [القدر/ 1] وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25] وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6]. [آل عمران: 125] واختلفوا في فتح الواو وكسرها من قوله [جلّ وعز] «4»: مسومين [آل عمران/ 125]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: مسومين بكسر الواو. وقرأ الباقون: مسومين بفتح الواو «5». قال أبو علي «6»: جاء في التفسير في قوله تعالى: يعرف المجرمون بسيماهم [الرحمن/ 41] أنّه سواد الوجوه وزرقة الأعين. قال أبو زيد: السّومة: العلامة تكون على الشاة ويجعل عليها لون يخالف لونها لتعرّف به «7». قال أبو علي: فقوله: مسومين من هذا، وهذه العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاء ليعرف بها. قال:

_ (1) في (ط): تعالى. (2) في (ط): وحجة. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): تعالى. (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): بها.

آل عمران: 133

فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم ... شاك سلاحي في الحوادث معلم «1» وقال أبو زيد: سوّم الرجل تسويما فهو مسوّم إذا أغار على القوم إغارة فعاث فيهم. وقال: وسوّمت الخيل تسويما إذا أرسلتها وخلّيتها تخلية. وأمّا من قرأ: مسومين فقال أبو الحسن: لأنّهم هم سوّموا الخيل. قال: ومن قرأ: مسومين فلأنّهم هم سوّموا. قال: ومسوّمين. يكون معلمين، ويكون مرسلين من قولك: سوّم فيها الخيل، أي: أرسلها، ومنه السائمة. وذكر بعض شيوخنا أنّ الاختيار عنده الكسر، لما جاء في الخبر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال يوم بدر: «سوّموا فإنّ الملائكة قد سوّمت» «2» فنسب الفعل إلى الملائكة. [آل عمران: 133] أحمد: وكلّهم «3» قرأ: وسارعوا-[آل عمران/ 133] بواو

_ (1) البيت ثاني أبيات من أصمعية برقم 39 لطريف بن تميم العنبري برواية: فتوسموني، بدل: تعرفوني، وقبله: أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم وانظر الكتاب لسيبويه 2/ 129، 378، والمنصف 2/ 53، 3/ 66، والمحتسب 2/ 253 وأسماء المغتالين ص 219 من نوادر المخطوطات وشرح الشافية 4/ 370 ومعاهد التنصيص 1/ 204. (2) رواه الطبري في تفسيره 4/ 82 وأخرجه السيوطي في الدر المنثور 2/ 70 فقال: أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمير بن إسحاق قال: إن أول ما كان الصوف ليوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسوّموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت» فهو أول وضع الصوف. قال في النهاية 2/ 425 (سوم) فيه: «أنّه قال يوم بدر: سوّموا فإنّ الملائكة قد سوّمت»، أي: اعملوا لكم علامة يعرف بها بعضكم بعضا، والسومة والسّمة: العلامة. (3) السبعة ص 216.

آل عمران: 140

غير نافع وابن عامر فإنّهما قرأ: سارعوا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي: وسارعوا وأولئك يسارعون في الخيرات [المؤمنون/ 61] ونسارع لهم في الخيرات [المؤمنون/ 56] بالإمالة في كلّ ذلك «1». قال أبو علي: [كلا الأمرين سائغ] «2» مستقيم، فمن قرأ بالواو فلأنّه عطف الجملة على الجملة، والمعطوف عليها قوله: وأطيعوا الله والرسول [آل عمران/ 132] وسارعوا. ومن ترك الواو فلأنّ الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بالتباسها بها «3» عن عطفها بالواو. وقد جاء الأمران في التنزيل في قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] وقال: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] وقال «4»: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39] فهذا على قياس قراءة نافع وابن عامر. وما روي عن الكسائي من إمالة الألف في وسارعوا وأولئك يسارعون ونسارع لهم في الخيرات فالإمالة هنا في الألف حسنة، لوقوع الراء المكسورة بعدها، وكما تمنع المفتوحة الإمالة، فكذلك المكسورة تجلبها. [آل عمران: 140] اختلفوا في فتح القاف وضمّها من قوله تعالى «5»: قرح [آل عمران/ 140].

_ (1) انظر السبعة ص 216. (2) في (ط): كل الأمر شائع. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): وقال تعالى. (5) سقطت من (ط).

آل عمران: 146

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: قرح بفتح القاف في كلّهنّ. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: قرح* بضم القاف في جميعهنّ. وروى حفص عن عاصم: قرح بالفتح مثل أبي عمرو. وكلّهم أسكن الراء في قرح «1». قال أبو علي: قرح وقرح مثل: الضّعف والضّعف، والكره والكره، والفقر والفقر، والدّف والدّف. والشّهد والشّهد. وكأن الفتح أولى لقراءة ابن كثير، ولأنّ لغة أهل الحجاز الأخذ بها أوجب، لأنّ القرآن عليها نزل. وقال أبو الحسن: قرح، يقرح قرحا، وقرحا، فهذا يدلّ على أنّهما مصدران، وأنّ كلّ واحد منهما بمعنى الآخر. ومن قال: إنّ القرح الجراحات بأعيانها، والقرح ألم الجراحات «2» قبل ذلك منه إذا أتى فيه برواية، لأنّ ذلك ممّا لا يعلم بالقياس. [آل عمران: 146] اختلفوا في الهمز من قوله تعالى «3» كأين [آل عمران/ 146].

_ (1) السبعة ص 216. (2) قال في المحكم 2/ 402: «وقيل: القرح: الآثار. والقرح: الألم. وقال يعقوب: كأنّ القرح: الجراحات بأعيانها، وكأنّ القرح: ألمها ... وقيل يميت الجراحات قرحا بالمصدر، والصحيح أنّ القرحة: الجراحة، والجمع قرح وقروح». (3) سقطت من (ط).

فقرأ ابن كثير وحده: وكائن* الهمزة بين الألف والنون في وزن كاعن. وقرأ الباقون: وكأي الهمزة بين الكاف والياء، والياء مشدّدة في وزن كعيّ «1». قال أبو علي: كنّا رأينا قديما في قولهم: وكائن وأكثر ما يجيء في الشعر كقول الشاعر: [كما أنشده سيبويه] «2»: وكائن رددنا عنكم من مدجّج ... يجيء أمام القوم يردي مقنّعا «3» وكقوله «4»: وكائن إليكم قاد من رأس فتنة ... جنودا وأمثال الجبال كتائبه وقول جرير: «5». وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت المصابا

_ (1) السبعة ص (216). (2) ما بين المعقوفتين ساقط في (ط). (3) في (ط): برواية: وكائن رددنا عنكم من كتيبة ... يجيء أمام الألف يردي مقنّعا وكتب في الهامش: في أخرى: مدجج. أي بدل «كتيبة». وفي (م) رسم فوق كلمة: «القوم»: «الألف» مشيرا إلى الرواية الثانية. والبيت لعمرو بن شأس في الكتاب 1/ 297، وفي الهمع 1/ 256 صدره، والدرر 1/ 213 واستشهد به القرطبي في تفسيره للآية 4/ 228. (4) لم نعثر عليه. (5) ديوانه ص 17 (ط: الصاوي) وابن الشجري 1/ 106، وابن يعيش 3/ 110،

وكائن على وزن كاعن، كان الأصل فيه كأيّ دخلت الكاف على أيّ كما دخلت على (ذا) من (كذا) و (أنّ) من (كأنّ)، وكثر استعمال الكلمة فصارت ككلمة واحدة، فقلب قلب الكلمة الواحدة، كما فعل ذلك في قولهم: لعمري ورعملي، حكي «1» لنا عن أحمد بن يحيى، فصار كيّإن [مثل كيّع] «2» فحذفت الياء الثانية كما حذفت في كينونة فصار كيء بعد الحذف، ثمّ أبدلت من الياء الألف كما أبدل من طائيّ، وكما أبدلت من «آية» عند سيبويه، وكانت «أيّة». وقد حذفت الياء «3» من أيّ في قول الفرزدق: تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما ... عليّ من الغيث استهلّت مواطره «4» ومن قول الآخر: «بيّض .. » «5». فحذف الياء الثانية من أيّ أيضا. فأمّا النون في أيّ، فهي التنوين الداخل على الكلمة مع الجرّ، فإذا كان كذلك، فالقياس إذا وقفت عليه (كاء) فتسكن الهمزة المجرورة للوقف، وقياس من

_ 4/ 135، والهمع 1/ 256، والدرر 1/ 213، والخزانة 2/ 454، والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 7/ 75 وهو من قصيدة في مدح الحجاج بن يوسف الثقفي. واستشهد به القرطبي في تفسيره 4/ 228. (1) في (ط): وحكي. (2) كذا في (ط) وسقطت من (م). (3) سقطت من (ط). (4) سبق البيت في 1/ 67 وهو في المحتسب 1/ 41، 108 و 2/ 152، والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 2/ 146، 149. ونصر: هو نصر بن سيار أمير خراسان. (5) سقط من (م) قوله: «ومن قول الآخر بيّض» وهي قطعة من شاهد لم نقف على تمامه.

آل عمران: 146

قال: مررت بزيدي أن يقول: كائي، فيبدل منه «1» الياء. ولو قال قائل: إنّه بالقلب الذي حدث في الكلمة، صارت بمنزلة النون التي من نفس الكلمة، فصار بمنزلة لام فاعل فأقرّه نونا في الوقف، وأجعله بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، كما جعلت التي في «لدن» بمنزلة التنوين الزائد في قول من قال «2»: لدن غدوة لكان قولا. ويقوّي ذلك أنّهم لمّا حذفوا الكلام في قولهم: إما لا جعلوها بالحذف ككلمة واحدة حتى أجازوا الإمالة في ألف لا* كما أجازوها في التي تكون من نفس الكلمة في الأسماء والأفعال. وسمعت أبا إسحاق يقول: إنّها تقال ممالة فجعل القلب في كائن بمنزلة الحذف في إما لاجتماعهما في التغيير، لكان قولا، فيقف على كائن بالنون، ولا يقف على النون إذا لم تقلب، كما لا تميل الألف في لا* إذا «3» لم تحذف معها. [آل عمران: 146] اختلفوا في ضمّ القاف وفتحها وإدخال الألف وإسقاطها من قوله تعالى: قتل معه [آل عمران/ 146]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع قتل معه [آل عمران/ 146] بضم القاف بغير ألف. وقرأ الباقون: قاتل بفتح القاف وبألف «4».

_ (1) في (ط): «منها». (2) هذا من قول العرب: قال المبرد وثعلب: العرب تقول: لدن غدوة ولدن غدوة ولدن غدوة، فمن رفع أراد لدن كانت غدوة، ومن نصب أراد: لدن كان الوقت غدوة، ومن خفض أراد من عند غدوة. انظر تهذيب اللغة للأزهري 8/ 171. (3) في (ط): «إذ» بدل «إذا». (4) السبعة ص 217.

[قال أبو علي] «1»: أمّا قتل فيجوز أن يكون مسندا إلى ضمير أحد اسمين إلى ضمير «نبي»، والدّليل على جواز إسناده إلى هذا الضمير أنّ هذه الآية في معنى قوله: أفإن مات أو قتل انقلبتم [آل عمران/ 144] وروي عن الحسن أنّه قال: «ما قتل نبي في حرب قطّ» «2» وقال ابن عباس في قوله «3»: وما كان لنبي أن يغل «4» [آل عمران/ 161]: «قد كان النبيّ يقتل فكيف لا يخوّن» «5»! والذي في الآية من قوله: قتل لم يذكر أنّه في حرب. فإذا أسند قتل إلى هذا الضمير احتمل قوله: معه ربيون أمرين: أحدهما: أن يكون صفة لنبي «6»، فإذا قدّرته هذا التقدير كان قوله: ربّيون: مرتفعا بالظرف بلا خلاف «7». والآخر: أن لا تجعله صفة ولكن حالا من الضمير الذي في قتل، فإن جعلته صفة كان الضمير الذي في «8» معه* المجرور، لنبيّ، وإن جعلته حالا كان الضمير الذي في معه* يعود إلى الذكر المرفوع الذي في قتل، والاسم الآخر الذي يجوز أن يسند إليه قتل ربّيّون فيكون قوله:

_ (1) سقطت من (ط). (2) ذكره القرطبي في التفسير 4/ 229. (3) في (ط): قوله تعالى. (4) وهي قراءة ستأتي في موضعها. وانظر البحر المحيط 3/ 101. (5) قال السيوطي في الدر المنثور 2/ 91: «أخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال: كان ابن عباس ينكر على من يقرأ: وما كان لنبي أن يغل ويقول: كيف لا يكون له أن يغلّ وقد كان له أن يقتل؟! قال الله: ويقتلون الأنبياء بغير حق ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله: وما كان لنبي ... » اهـ منه. (6) في (ط): للنبي. (7) في (م): لا خلاف. (8) سقطت من (ط).

آل عمران: 151

معه* على هذا التقدير معلّقا «1» بقتل، وعلى القولين الآخرين اللذين هما: الصفة والحال متعلّقا في الأصل بمحذوف، وكذلك من قرأ: قاتل فهو يجوز فيه ما جاز في قراءة من قرأ قتل*: والرّبيون: الذين يعبدون الرّبّ، واحدهم ربّي. هكذا فسره أبو الحسن، وقيل فيه: إنه منسوب إلى علم الربّ وكذا «2» الربّانيّون. وحجّة من قرأ: قتل* أنّ هذا الكلام اقتصاص ما جرى عليه سير أمم الأنبياء قبلهم ليتأسوا بهم، وقد قال: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [آل عمران/ 144] وحجّة من قرأ: قاتل أن المقاتل قد مدح كما مدح المقتول فقال: «3» وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم [آل عمران/ 195]. فمن أسند الضمير الذي في قتل إلى نبي كان قوله: فما وهنوا [آل عمران/ 146] أي: ما وهن الرّبيون، ومن أسند الفعل إلى الربّيين دون ضمير نبي كان معنى: فما وهنوا ما وهن باقيهم بعد من قتل منهم في سبيل الله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. ومن جعل قوله: معه ربيون صفة أضمر للمبتدإ الذي هو كأيّ خبرا، وموضع الكاف الجارّة في كأيّ مع المجرور: رفع، كما أنّ موضع الكاف في قوله «4»: له كذا وكذا: رفع، ولا معنى للتشبيه فيها، كما أنّه لا معنى للتشبيه في كذا وكذا. [آل عمران: 151] اختلفوا في تخفيف قوله: [جلّ وعز] «5»: الرعب

_ (1) في (ط): متعلّقا. (2) في (ط): وكذلك. (3) في (ط): فقال تعالى. (4) في (ط): قولك. (5) سقطت من (ط).

وتثقيله [آل عمران/ 151] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة: الرعب ساكنة العين خفيفة. وقرأ ابن عامر والكسائي: الرعب* مضمومة العين مثقلة حيث وقعت «1». قال أبو علي: الإلقاء في قوله تعالى: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب [آل عمران/ 151] أصله في الأعيان، واستعمل في غيرها على طريق الاتّساع. يدل «2» على ذلك قوله «3»: وألقى الألواح [الأعراف/ 150] وفألقوا حبالهم وعصيهم [الشعراء/ 44] وإذ يلقون أقلامهم [آل عمران/ 44]. وقال سيبويه: «ألقيت متاعك بعضه على بعض» «4»، وليس الرعب بعين، وكذلك قوله تعالى: وألقيت عليك محبة مني [طه/ 39] ومثل الإلقاء في ذلك الرمي، قال: رمى فأخطأ أي: السهم. وقال «5»: كشهاب القذف يرميكم به

_ (1) السبعة ص 217. (2) في (ط): يدلك. (3) في (ط): قوله تعالى. (4) انظر الكتاب 1/ 78 فقد أطنب سيبويه في تقليب وجه إعرابه. وفسر سيبويه هنا ألقى بمعنى أسقط وطرح ... (5) صدر بيت للأفوه الأودي في ديوانه ص 12 من الطرائف الأدبية وعجزه: الحماسة البصرية 1/ 49 والحيوان 6/ 275، ورسالة الغفران ص 79 وذكر الجاحظ في الحيوان 6/ 280، أنّ البيت من قصيدة مصنوعة. فارس في كفّه للحرب نار.

فأضاف الشهاب إلى القذف لمّا كان من رمي الرامي به، كما قال «1»: يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي وإذا مات لم تكن له خلّة، ولكن أضافها إلى نفسه، لما كان منه من سدّه لها، وهذا النحو من الإضافة على هذا الوجه كثير. وقال تعالى: والذين يرمون أزواجهم [النور/ 6] أي: بالزنا، فهذا اتساع لأنّ هذا ليس بعين، وكذلك قوله «2».

_ (1) هذا عجز بيت، صدره: زعمت تماضر أنّني إمّا أمت وهو من قصيدة أوردها أبو زيد في النوادر ص 375، وفي الأصمعيات ص 161 برقم (156) نسبها لعلباء وفي أمالي القالي 1/ 81 عن الأصمعي لسلّميّ بن ربيعة، وفي الحماسة شرح المرزوقي 2/ 546 - 552 والتبريزي 2/ 55 لسلمى بن ربيعة. وتماضر: امرأته. وهو من شواهد الرضي في شرح الكافية 3/ 379، وابن الشجري 1/ 43 و 2/ 69 وابن يعيش 9/ 5، 41 والخزانة 3/ 400، والهمم 2/ 63، والدرر 2/ 79. قال في النوادر: «قال أبو الحسن: هكذا وقع في كتابي: سلمى، وحفظي: سلميّ». قال التبريزي: فقوله: أبينوها على هذا: تصغير أبناء مقصورا عند البصريين وهو اسم صيغ للجمع كأروى وأضحى، فهو على أفعل بفتح العين، وعند الكوفيين تصغير ابن مثل دلو وأدل على أفعل بضم العين. (2) البيت أول بيتين لعمرو بن أحمر، انظرهما في شعره ص 187، وتتمته: ... ومن أجل الطّويّ رماني وهو من أبيات سيبويه 1/ 38. واستشهد به البغدادي في شرح أبيات المغني 6/ 9 على أن التمثيل من محاسن الكلام. وهو أن يروم الشاعر ذكر معنى فيعدل على الإفصاح به إلى ما يجري مجرى المثل فيكون مبنيا على

رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا .... وقال «3»: قذفوا سيّدهم في ورطة ... قذفك المقلة وسط المعترك «4» فالأوّل: على الاتساع، والثاني: على الأصل، ألا ترى أن المقلة تلقى للتصافن، كما يلقى غيرها؟ فهذا بمنزلة: ألقيت الحجر ونحوه. ومما جاء قريبا من الرمي والقذف والإلقاء، الرجم، ورجم ماعز «5»، ومن الاتساع فيه قوله:

_ مراده فيه كقوله الشاعر ... وأنشد البيت. وأراد أنه رجع إليه ما رمى به، من قولهم: «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها» اهـ منه. وقد فاتنا تخريجه في شرح أبيات المغني. (3) سقطت من (ط). (4) البيت ليزيد بن طعمة الخطميّ. انظر المعاني الكبير 1/ 309 وفيه: جارهم في هوة بدل: سيدهم في ورطة واللسان (مقل) وشروح سقط الزند/ 1433/. والمقلة: حصاة القسم، توضع في الإناء ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم، وذلك عند قلة الماء في المفاوز (اللسان). (5) ماعز هو ماعز بن مالك الأسلمي قال ابن حبان له صحبة وهو الذي رجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم انظر الإصابة 3/ 317 وقصة ماعز بن مالك وإقراره على نفسه بالزنى في مسلم برقم/ 1692/ من حديث جابر بن سمرة وبرقم/ 1694/ من حديث أبي سعيد (حدود) وعند البخاري بشرح الفتح برقم/ 6814/ من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم إلخ الحديث .. وقد استوفى ابن حجر طرق الحديث، وشرح قصته شرحا وافيا. انظره في 12/ 120 - 127.

آل عمران: 154

هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشدّ رجام «1» فالرجام المراجمة بالسّباب، فهذا نحو: رماه بالزّنا، وقذفه به، وألقى عليه مسألة، ونفثا السّباب: اتساع أيضا، لأنّه ليس بعين. فأمّا مثل «2» الرّعب والرعب، والطنب والطنب، والعنق والعنق، فقد تقدّم ذكره. [آل عمران: 154] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: يغشى طائفة منكم [آل عمران/ 154] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يغشى طائفة منكم بالياء. وقرأ حمزة والكسائي تغشى بالتاء «4». [قال أبو علي] «5»: حجّة من قرأ بالياء: قوله تعالى «6»: إذ يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فالنّعاس هو الغاشي، وكذلك قراءة من قرأ: إذ يغشيكم النعاس لأنّه إنّما جعل الفاعل بتضعيف العين مفعولا. ومن حجّتهم: أنّ يغشى أقرب إلى النعاس،

_ (1) البيت للفرزدق، في ديوانه ص 771 برواية: تفلا بدل نفثا ولجامي بدل: رجام. وفي الكتاب 2/ 83، 202، والمقتضب 3/ 158 والخصائص 1/ 170، 3/ 147، والمحتسب 2/ 238، والإنصاف 1/ 345 والخزانة 2/ 269، 3/ 346 وشرح شواهد الشافية 4/ 115 واللسان (فوه). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) السبعة ص 217. (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط).

فإسناد الفعل إليه أولى. ومنها «1» أنّه يقال: غشيني النعاس، وغلب عليّ النعاس، ولا يسهل: غشيني الأمنة، ومن قرأ بالتاء حمله «2» على الأمنة. فأمّا قوله: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي [الدخان/ 45] فحمل الكلام على الشجرة لقوله تعالى «3»: فإنهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون [الصافات/ 66] وقال: لآكلون من شجر من زقوم [الواقعة/ 52] فنسب الأكل إلى الشجر. ومن حجّة من قرأ بالتاء: أنّ النعاس، وإن كان بدلا من الأمنة، فليس المبدل منه في طريق ما يسقط من الكلام، يدلّك على ذلك قولهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله. وقال: وكأنّه لهق السّراة كأنّه ... ما حاجبيه معيّن بسواد «4» فجعل الخبر عن «5» الذي أبدل منه.

_ (1) في (ط): «منه». (2) في (ط): «جعله». (3) سقطت من (ط). (4) البيت للأعشى في الكتاب 1/ 80 وابن يعيش 3/ 67، والخزانة 2/ 370، والبيت ليس في ديوانه قال الأعلم: وصف ثورا وحشيا شبه به بعيره في حذقه ونشاطه، فيقول: كأنّه ثور لهق السراة، أي: أبيض أعلى الظهر، وسراة الظهر أعلاه أسفع الخدين كأنما عين بسواد. اهـ. (5) في (م): على.

آل عمران: 154

[آل عمران: 154] واختلفوا في رفع اللام ونصبها من قوله: [جلّ وعز] «1»: قل إن الأمر كله لله [آل عمران/ 154]. فقرأ أبو عمرو وحده: قل إن الأمر كله لله رفعا. وقرأ الباقون كله نصبا «2». قال أبو علي: حجّة من نصب: أنّ كله بمنزلة أجمعين وجمع في أنّه للإحاطة والعموم، فكما أنّه لو قال: [إنّ الأمر] «3» أجمع، لم يكن إلّا نصبا «4»، كذلك إذا قال: كله لأنّه بمنزلة أجمعين، وليس الوجه أن يلي العوامل، كما لا يليها أجمعون. وحجّة أبي عمرو في رفعه كله* وابتدائه به أنّه وإن كان في أكثر الأمر بمنزلة أجمعين لعمومها، فإنّه قد [ابتدئ بها كما] «5» ابتدئ «6» بسائر الأسماء في نحو «7» قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فابتدأ به في الآية. ولم يجره على ما قبله، لأنّ قبله كلاما قد بني عليه فأشبه [بذلك ما يكون] «8» جاريا على ما قبله، وإن خالفه في الإعراب، ألا ترى أنّ اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا جرى صفة لموصوف أو حالا لذي حال أو خبرا لمبتدإ، ولا يحسن إعماله عمل الفعل، إلّا في هذه المواضع؟ وقد قالوا: أقائم أخواك وأ ذاهب إخوتك،

_ (1) في (ط): تعالى. (2) السبعة ص 217. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): إلّا النصب. (5) ما بين المعقوفتين سقط من (ط). (6) في (ط): ابتدأ. (7) سقطت من (ط). (8) في (ط): به اسما يكون.

آل عمران: 156

وما ذاهب إخوتك، فأعملوا اسم الفاعل لمّا تقدّمه كلام أسند إليه، وإن لم يكن أحد تلك الأشياء التي تقدّم ذكرها، فكذلك حسن ابتداء كلّهم في الآية لمّا كان قبله كلام، فأشبه بذلك [اتباعه، ما كان] «1» جاريا عليه كما أشبه اسم الفاعل في إجرائه على ما ذكرنا، ما يجري صفة على موصوف أو حالا أو خبر مبتدأ، نحو: مررت برجل قائم أبواه، وهذا زيد قائما غلامه وزيد منطلق أبواه، فكذلك. حسن الابتداء بكلّهم، وقطعه مما قبله لما ذكرت من المشابهة. ومن ثمّ أجاز سيبويه: أين تظن زيد ذاهب «2»، فألغى الظنّ، وإن كان أين غير مستقرّ، كما جاز إلغاؤه إذا كان أين مستقرّا لأنّ قبله كلاما، فجعله، وإن لم يكن مستقرا، بمنزلة المستقر كما جعلوا همزة الاستفهام، وحرف النفي في: أقائم أخواك، بمنزلة الموصوف نحو: مررت برجل قائم أخواه. [آل عمران: 156] واختلفوا «3» في التاء والياء من قوله: [جلّ اسمه] «4» يحيى ويميت والله بما تعملون بصير [آل عمران/ 156] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعملون بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. وروى هارون الأعور وعلي بن نصر عن أبي عمرو بالياء «5».

_ (1) في (ط): اتباعهم ما يكون. (2) انظر سيبويه 1/ 63 حيث قال: «كما ضعف أظنّ زيد ذاهب، وهو في متى وأين أحسن». (3) سقطت الواو من (ط). (4) في (ط): تعالى. (5) في السبعة ص 217: روى علي بن نصر عن هارون الأعور عن أبي عمرو.

آل عمران: 157

[قال أبو علي] «1»: حجّة من قرأ بالتاء قوله تعالى «1»: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا [آل عمران/ 156] وحجّة الياء: أنّ قبلها أيضا غيبة وهو قوله: وقالوا لإخوانهم [آل عمران/ 147] وما بعده، فحمل الكلام على الغيبة. [آل عمران: 157] واختلفوا «3» في ضمّ الميم وكسرها [من قوله جلّ وعزّ] «4»: مت ومتنا ومتم، في كلّ القرآن. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: مت، ومتم ومتنا برفع الميم في كلّ «5» القرآن. وروى حفص عن عاصم ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] ولئن متم أو قتلتم [آل عمران/ 158] برفع الميم في هذين الحرفين، ولم يكن يرفع الميم في غير هذين الحرفين في جميع القرآن. [حدّثنا ابن مجاهد قال] «6»: حدثنا وهيب المروذيّ قال: حدّثنا الحسن بن المبارك، قال: حدّثنا أبو حفص قال: حدّثنا سهل أبو عمرو قال: قال عاصم: ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] بضمّ الميم من الموت، وباقي القرآن متّم «7» بكسر الميم، أي: بليتم. ومتنا ومتّ.

_ (1) ما بين معقوفين زيادة في (م). (3) سقطت الواو من (ط). (4) ما بين المعقوفين سقط من (ط). (5) في (ط): جميع. (6) ما بين المعقوفين ساقط من (ط). (7) سقطت من (ط).

وقرأ نافع وحمزة والكسائي: متم*، ومت*، ومتنا* في كلّ القرآن بالكسر «1». قال أبو علي: الأشهر «2» الأقيس: متّ تموت، مثل: قلت تقول وطفت تطوف، وكذلك هذا يستمرّ على ضمّ الفاء منه، والكسر شاذ في القياس، وإن لم يكن في الاستعمال كشذوذ «3». ... اليجدّع «4» ونحوه مما شذّ عن الاستعمال والقياس، ونظيره: فضل يفضل في الصحيح، وأنشدوا: ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر ... وما مرّ من عمري ذكرت وما فضل «5» وقد أنشد بعضهم: عيشي ولا يومي بأن تماتي «6» ولا أظنّه ثبتا، وكذلك شعر آخر فيه «تدام» «7» وهو عندي مثل

_ (1) السبعة ص 218 وسقط من السبعة من قوله: وقرأ نافع ... إلى بالكسر. (2) سقطت من (ط). (3) في (م) بشذوذ. (4) هذا آخر بيت سبق في 1/ 101. (5) البيت أوّل أبيات ثلاثة لأبي الأسود الدؤلي في الأغاني في 12/ 322 وهو في المنصف 1/ 256، وفيه وفي الأغاني: عيشي بدل عمري. وابن يعيش 7/ 154 وفيه: يومي بدل عمري. (6) شطر بيت من الرجز: في اللسان (موت) ولم يعزه. ونصه: بنيّ يا سيدة البنات ... عيشي ولا يؤمن أن تماتي (7) قال في اللسان/ دوم/: دام الشيء يدوم ويدام، قال: يا ميّ لا غرو ولا ملاما ... في الحبّ إنّ الحبّ لن يداما. قال أبو الحسن: في هذه الكلمة نظر، ذهب أهل اللغة في قولهم، دمت

آل عمران: 161

الأول، ولا أعلم فصلا بين الموت إذا تبعه البلى، وبينه إذا لم يتبعه البلى. قال: وكلّهم قرأ: خير مما تجمعون بالتاء [آل عمران/ 157] إلّا عاصما في رواية حفص، فإنّه قرأ بالياء، ولم يروها عن عاصم غيره بالياء «1». [قال أبو علي] «2»: والمعنى: خير مما تجمعون. أيها المقتولون في سبيل الله، أو المائتون مما تجمعون من أعراض الدنيا التي تتركون القتال في سبيله للاشتغال بها وبجمعها عنه. ومعنى الياء أنه: لمغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم، مما تركوا القتال لجمعه. والأول أظهر وأشكل بالكلام. [آل عمران: 161] اختلفوا في فتح الياء وضمّ الغين، وضمّ الياء وفتح الغين من قوله: [جلّ وعز] «3»: يغل [آل عمران/ 161]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بغل بفتح الياء وضمّ الغين. وقرأ الباقون: يغل بضم الياء، وفتح الغين «4».

_ تدوم إلى أنّها نادرة كمتّ تموت. وفضل يفضل ... وذهب أبو بكر إلى أنها متركبة فقال: دمت تدوم كقلت تقول. ودمت تدام، كخفت تخاف، ثمّ تركبت اللغتان فظن قوم أن تدوم على دمت، وتدام على دمت ذهابا إلى الشذوذ وإيثارا له، والوجه ما تقدّم من أنّ: تدام على دمت. اهـ منه. (1) السبعة ص 218. (2) ما بين معقوفين سقط من (ط) والواو بعدها زيادة منها. (3) سقطت من (ط). (4) السبعة ص 218.

[قال أبو علي] «1»: قالوا في الخيانة: أغلّ يغلّ إغلالا: إذا خان ولم يؤدّ الأمانة، قال النمر بن تولب «2»: جزى الله عنّا جمرة ابنة نوفل ... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب وقال آخر: حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع «3» أي: لكراهة الغدر. فأمّا «4» «خائنة» فيحتمل أن تكون مصدرا كالعافية، والعاقبة، فإن حملته في البيت على هذا قدرت حذف المضاف، وإن شئت جعلته مثل راوية.

_ (1) سقط من (ط). (2) البيت أول أبيات أربعة له في الأغاني 22/ 291 والبيت في اللسان والصحاح/ غلل/ وكلهم برواية «حمزة» بدل «جمرة» وجاء في هامش الأغاني: في مخطوطة: «عمرة» وفي المشوف المعلم 2/ 549 برواية المصنف. (3) البيت مع آخر بعده في المشوف المعلم 2/ 550 عن أحد بني كلاب، وهو: أقرين إنّك لو رأيت فوارسي ... بعمايتين إلى جوانب ضلفع قال العكبري في معناه: حدثت نفسك، أي: لو رأيت جمعنا بهذه المواضع لحدثت نفسك بأن تفي ولم تغدر، وكان قد استجار به رجل فقتله. وخائنة: الهاء للمبالغة. والإصبع هنا: الأثر الحسن. وقدم ابن السيرافي البيت الثاني على الأول وهو الأوجه من حيث المعنى. (انظر حاشية المشوف) وانظر اللسان (غلل صبع، ضلفع). (4) في (م): فأما ما جاء.

ونسب الإغلال إلى الإصبع كما نسب الآخر الخيانة إلى اليد في قوله: فولّيت العراق ورافديه ... فزاريا أحذّ يد القميص «1» [الرواية: أأطعمت العراق] «2». وقالوا: من الغلّ الذي هو الشحناء والضّغن، غلّ يغلّ، بكسر الغين. وقالوا في الغلول من الغنيمة: غلّ يغلّ بضمّ الغين. والحجّة «3» لمن قرأ: يغل أنّ ما جاء في التنزيل من هذا النحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء [يوسف/ 38] وما كان ليأخذ أخاه [يوسف/ 76] وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله [آل عمران/ 145] وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم [التوبة/ 115] وما كان الله ليطلعكم على الغيب [آل عمران/ 179] ولا يكاد يجيء منه «4»: ما كان زيد ليضرب، فيسند الفعل فيه «5» إلى المفعول به. فكذلك ما كان لنبي أن يغل [آل عمران/ 161] يسند الفعل فيه إلى الفاعل. وروي عن ابن عباس أنّه قرأ: يغل وقيل له: إنّ

_ (1) البيت للفرزدق، ثاني أبيات خمسة في هجاء عمر بن هبيرة. وروايته في ديوانه 2/ 487: أأطعمت بدل فولّيت، وأراد: أنّه قصير اليدين عن نيل المعالي كالبعير الأخذ، وهو الذي لا شعر لذنبه، وانظر الحيوان 5/ 197 وفيه: بعثت بدل: فوليت. وانظر الشعر والشعراء/ 88 وفيه أوليت بدل فوليت. والكامل 3/ 808 والأغاني 21/ 336 والسمط 862. (2) ما بين المعقوفين سقط من (ط). (3) في (ط): الحجة. (4) في (ط): فيه. (5) في (ط) «منه» بدل: «فيه».

عبد الله قرأ: يغل فقال ابن عباس: بلى والله ويقتل «1»، وروي أيضا «2» عن ابن عباس: «قد كان النبي يقتل فكيف لا يخوّن» «3»؟. ومن قال: يغلّ احتمل أمرين: أحدهما أن ينسب إلى ذلك، أي: لا يقال له غللت، كقولك: أسقيته. أي «4»: قلت له: سقاك الله. وقال: وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه «5» وكقولهم: [أكفرتني أي: نسبتني] «6» إلى الكفر قال: فطائفة قد أكفرتني بحبّكم «7» ..... أي: نسبتني إلى الكفر. ويجوز أن يكون يغل. أي: ليس لأحد أن يغلّه، فيأخذ من الغنيمة التي حازها، وإن كان لا يجوز أن يغلّ غير النبي صلى الله عليه وسلم «8» من إمام للمسلمين «9» وأمير لهم، لأنّ ذلك يجوز أن يعظم بحضرته، ويكبر كبرا لا يكبر عند غيره [عليه

_ (1) أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2/ 91 من طريق ابن جرير [الطبري] عن الأعمش. وهو كذلك في تفسيره 4/ 155 بدون جملة القسم: «والله». (2) سقطت من (ط). (3) وسبق نقله هذا عن ابن عباس في ص 79. (4) سقطت من (م). (5) البيت لذي الرّمة في ديوانه 2/ 821، وشرح شواهد الشافية 4/ 41 والعيني 2/ 176 والأشموني 1/ 263. (6) في (ط): أكفرته أي نسبته. (7) هذا صدر بيت للكميت بن زيد عجزه: وطائفة قالوا مسيء ومذنب وهو من قصيدة من قصائده الهاشميات أوردها البغدادي في الخزانة 2/ 207، 208 وفيها: بحبّهم، بدل: بحبّكم. (8) سقطت (وسلم) من (ط). (9) في (م): المسلمين.

آل عمران: 171

السلام] «1»، لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، كما قال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. [الحجرات/ 2] فالغلول «2» وإن كان كبيرا، فهو بحضرته عليه السلام أعظم. قال: وكلهم قرأ: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله [آل عمران/ 169] مخففة التاء إلا ابن عامر فإنّه قرأ: قتلوا* مشدّدة التاء «3». [قال أبو علي] «4»: وجه من قرأ قتلوا بالتخفيف أنّ التخفيف يصلح للكثير والقليل، تقول: قتلت القوم فيصلح، التخفيف للكثرة، وضربت زيدا ضربة، فيصلح للقلّة. ووجه التّثقيل أنّ المقتولين كثرة «5» فحسن التثقيل، كما قال: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] وفعّل يختص به الكثير دون القليل. [آل عمران: 171] اختلفوا في قوله [جلّ وعز] «6» وأن الله لا يضيع [آل عمران/ 171] في كسر الألف وفتحها، فقرأ الكسائي وحده: وإن الله لا يضيع بكسر الألف وقرأ الباقون: وأن الله بفتح الألف «7». [قال أبو علي] «8»: وجه الفتح أنّ المعنى يستبشرون بنعمة من الله، وبأنّ الله لا يضيع، فأنّ معطوفة على الباء، المعنى: يستبشرون، بتوفر ذلك عليهم، ووصوله إليهم، لأنّه إذا لم يضعه،

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) في (ط): فكذلك الغلول. (3) السبعة ص 219. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): «كثير». (7) السبعة ص 219. (8) سقطت من (ط).

آل عمران: 176

وصل إليهم، فلم يبخسوه، ولم ينقصوه، فهذا مما يستبشر به «1»، كما أنّ النعمة والفضل كذلك. ومن كسر فإلى ذا «2» المعنى يؤول، لأنّه إذا لم يضعه وصل إليهم، فلم ينقصوه، فالأول أشدّ إبانة لهذا المعنى. [آل عمران: 176] اختلفوا في فتح الياء وضمّ الزاي، وضمّ الياء وكسر الزاي من قوله تعالى «3»: ولا يحزنك [آل عمران/ 176]. فقرأ نافع وحده يحزنك* وليحزن [المجادلة/ 10] وإني ليحزنني [يوسف/ 13] بضم الياء، وكسر الزاي في كلّ القرآن إلّا في سورة الأنبياء: لا يحزنهم الفزع [الآية/ 103] فإنّه فتحها، يعني الياء، وضمّ الزاي. وقرأ الباقون في جميع ذلك يحزن* بفتح الياء وضمّ الزاي في كلّ القرآن «4». [قال أبو علي] «5»: قال سيبويه تقول «6»: فتن «7» الرجل وفتنته، وحزن وحزنته. قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت: فتنته

_ (1) في (ط): له. (2) في (ط): هذا. (3) سقطت من (ط). (4) انظر السبعة ص 219. (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط). (7) كذا الأصل ضبط: فتن بكسر التاء في المكانين وهو صحيح. والذي في سيبويه 2/ 234 بفتحها، وفي تهذيب الأزهري 14/ 300: أبو زيد: فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة ... وقال ابن شميل: يقال: افتتن الرجل وافتتن لغتان. وهذا صحيح، [وأمّا فتنته ففتن، فهي لغة ضعيفة]. وهذا الأخير في التكملة 6/ 285 وفي كتاب الأفعال للسرقسطي 4/ 51 وزن فعل، قال في:/ فتن/: وفتن فتونا تحول من حسن إلى قبيح، وفتن إلى النساء أراد الفجور بهنّ، وفتن أيضا فيهما. اهـ. وهذا الضبط لم يذكره القاموس والتاج والصحاح واللسان. والجمهرة. والتكملة. بل جميعهم ضبطه، ضبط شكل، بالفتح.

آل عمران: 188، 180، 178

وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا وجعلته فاتنا، كما أنّك حين قلت: أدخلته، أردت: جعلته داخلا، ولكنك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة، فقلت: فتنته، كما قلت: كحلته، أي: جعلت فيه كحلا، ودهنته جعلت فيه دهنا، فجئت بفعلته على حدّه «1». ولم ترد بفعلته هاهنا تغيير قوله: حزن وفتن، ولو أردت ذلك لقلت أحزنته، وأفتنته، وفتن من فتنته، كحزن من حزنته. قال: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته: أراد «2» جعلته حزينا وفاتنا، فغيروا فعل «3». قال أبو علي: فهذا الذي حكاه عن بعض العرب حجة نافع في قراءته «4» ليحزنني وأمّا قراءته: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] فعلى أنّه يشبه أن يكون تبع فيه أثرا أو أحبّ الأخذ بالوجهين إذ كان كل واحد منهما جائزا. [آل عمران: 188، 180، 178] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز] «5»: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء «6»، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ «7»

_ (1) ضبط في سيبويه: حدة. (2) في (ط): إذا. (3) سيبويه 2/ 234 مع اختصار يسير. (4) في (ط): قوله. (5) سقطت من (ط). (6) كذا في (ط) وسقطت من (م). (7) في (م): «ضمّ».

الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل «1» القرآن. وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون «2» [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء «3» فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون ... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله «4»: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء «5». قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون

_ (1) في (ط): جميع. (2) سقط ما بين القوسين من (م) واستدرك من (ط) والسبعة. (3) وقع في (م) بالتاء بدل بالياء. والصواب ما أثبتناه من (ط) ومن السبعة. والبحر المحيط 3/ 138 حيث قال: وقرأ نافع وابن عامر (لا يحسبن) بياء الغيبة. (4) سقطت من (ط). (5) انظر السبعة ص 219 - 220.

[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن. [قال أبو علي] «1»: الذين في هذه الآي في قراءتهما: رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب «2» مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم «3»، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه «4». وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (م): حسبت. (3) في (ط): أن يقوم عمرو. (4) في (ط): إليها.

يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من «1» اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي: الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل «2» هو خيرا لهم، فدخلت «3» هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني «4» قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ. ولقد علمت لتأتينّ منيتي «5» ....... وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب. وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في

_ (1) في (ط): في. (2) كذا في (م) وفي (ط): «هو البخل». (3) في (ط): «فدخل». (4) في (ط): لا تعجبني. (5) صدر بيت للبيد عجزه: إنّ المنايا لا تطيش سهامها. انظر الكتاب 1/ 456 والخزانة 4/ 13 وهو من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 232 وأمّا رواية البيت في ديوانه ص 171 والقصائد السبع الطوال ص 557. صادفن منها غرّة فأصبنها ... إنّ المنايا لا تطيش سهامها.

كلامهم] «1» لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو: وما خلت أبقى بيننا من مودّة ... عراض المذاكي المسنفات القلائصا «2» إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك «3» قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك «4» أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو: إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو «5» وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،

_ (1) زيادة من (ط). (2) البيت للأعشى في ديوانه/ 151 والبحر المحيط 3/ 137 مصحفا، واللسان (سنف). قال شارح ديوانه: المذاكي من الخيل: التي قد بلغت أسنانها، المسنفات: المتقدمات، القلائص: الإبل، وكانوا في غاراتهم يركبون الإبل ويسوقون أمامها الخيل فلا يركبونها إلّا إذا قاربوا موضع الغارة حتى لا يتعبوها، لينزلوا بها إلى القتال موفورة النشاط. وجاء في طرة (ط) تعليق على كلمة المسنفات فيما يظهر نصه: «بالكسر المتقدمات وبالفتح: المشدودات بالسّناف» اهـ. والسّناف (في اللسان): خيط يشد من حقب البعير إلى تصديره، ثم يشد إلى عنقه إذا ضمر. (3) في (م): ولذلك. (4) في (ط): يدلك على. (5) في (ط): نحو قوله تعالى.

وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول «1» إليهما، كما استغنى في قوله: بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب «2» بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما «3» فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188]. وقد دخلت الفاء بينهما «4» ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف. فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ «5» تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون

_ (1) في (م): الأولى. (2) البيت للكميت بن زيد من قصائده الهاشميات. انظر الخزانة 2/ 208، 4/ 5 والعيني 2/ 413 والمحتسب 1/ 183 والهمع 1/ 152 والدرر 1/ 134 والبحر المحيط 3/ 137. (3) في (م): إليها. (4) في (م): «فيها» وما أثبتناه من (ط) أوجه. (5) في (ط): «يحسبون» جاء بها على أصل الفعل قبل توكيده بالنون التي توجب في مثل هذه الحالة حذف واو الجماعة، والمؤدى واحد.

الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت «1» فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن «2» زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا «3». وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه «4» ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو: ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك] «5»: ظننتني ذاهبا، كما تقول: إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين «6» عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا. قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] .. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.

_ (1) سقطت من (ط). (2) شدد النون في (ط) وهو سهو من الناسخ لأنّ أبا علي يمثل للنون الخفيفة. (3) في (ط): في هذا. (4) في (م): «ففيه» وما أثبتناه من (ط). (5) (م): «كدخولها على الأفعال عليهما وذلك قول .. » وما أثبتناه من (ط) أجدر بالصواب. (6) في (ط): «النفس» بدل «اليقين».

قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ «1» القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء. والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما. قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء «2». قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في «3» قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من «4» قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] «5» قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث

_ (1) في (ط): وقد قدّم. (2) السبعة ص 220. (3) في (ط): من. (4) في (ط): في. (5) ما بين معقوفين سقط من (م).

كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت «1» أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] «2» ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من «3» قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين «4». وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من «5» أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ

_ (1) في (ط): علم. (2) في (ط): «لم يجز إلّا الكسر، كسر إن». (3) في (ط): في. (4) في (ط): فعل الفاعلين. (5) سقطت من (ط).

ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي «1» قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].

_ (1) عجز بيت للنمر بن تولب صدره: لا تجزعي إن منفسا أهلكته سبق في 1/ 44. وجاء هنا على حاشية (م): «ولم يذكر حجة حمزة في: «لا تحسبنّ الذين يبخلون» بالياء، ولا كيف يكون تقديرها؟. قلت: الملاحظ أن قراءة حمزة التي أشار إليها بالحاشية هي بالتاء لا بالياء، ومع ذلك فإن أبا علي احتجّ للقراءتين بما فيه المأرب. انظر ما تقدم ص 98 - 99.

آل عمران: 179

قال: ولم «1» يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله «2»: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه. [آل عمران: 179] اختلفوا في فتح الياء والتخفيف وضمّها والتّشديد من قوله عز وجل «2»: حتى يميز [آل عمران/ 179] وليميز الله الخبيث [الأنفال/ 37]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: حتى يميز وليميز الله الخبيث بفتح الياء والتخفيف. وقرأ حمزة والكسائي حتى يميز وليميز الله بضمّ الياء والتشديد «4». [قال أبو علي] «5»: قال يعقوب: مزته، فلم ينمز، وزلته فلم ينزل، وأنشد أبو زيد «6»:

_ (1) في (م): «لم». (2) في (ط): تعالى. (4) انظر السبعة ص 220. (5) سقطت من (ط). (6) البيت لمالك بن الرّيب أوّل أبيات أربعة له في النوادر ص 285 (ط: الفاتح) وفي الأغاني 22/ 311 من قصيدة طويلة يقع البيت الشاهد السابع منها. ويروى في النوادر: «شرّ عدوته ... ولا بعلا» وفي الأغاني: «شر عدوته رقدت لا مثبتا ذعرا ولا بعلا» قال في النوادر. مسئيا: «أراد مسيئا فقدم الهمزة وهي لغة كما يقال: رآني وراءني ... قال أبو الحسن: أمّا روايتهم (لا مسئيا) وتفسيرهم لها على تقديم الهمزة فقد صدقوا في ترتيب اللفظ وسهوا عن المعنى، لأنّ مسيئا لو ردّ إلى أصله فقيل، وإن لم يكن شعرا: لا مسئيا ذعرا، لم يكن له معنى وإن كان قد يجوز على وجه بعيد: لا مسيئا للذعر وذلك أنّه

لمّا ثنى الله عنّي شرّ عزمته ... وانمزت لا مسئيا «1» ذعرا ولا وجلا [مسئيا من قول ذي الرّمّة «2»: ... بعيد السأو مهيوم والسأو: هو الهمّة. تقول: لا أذعر ولا أهم بالذعر. فمزت وميّزت لغتان] «3»، وليس ميّزت بمنقول من مزت كما أنّ غرّمته منقول من غرم، يدلّك على ذلك أنّه لا يخلو تضعيف العين في ميّز من أن يكون لغة في ماز، أو يكون تضعيف العين لنقل الفعل، كما أنّ الهمزة في أقمته له، فالذي يدلّ على أنّه ليس للنقل، كما أن غرّمته للنّقل، أنّه لو كان للنّقل للزم أن يتعدّى ميّزت إلى مفعولين، كما أنّ غرّمت يتعدى إلى مفعولين، تقول: غرّمت زيدا مالا. وفي أنّ ميّزت لا يتعدّى إلى مفعولين إلّا بحرف جر نحو قولهم «4»: ميّزت

_ إذا فزع فقد أساء عند نفسه ... والذي قرأناه في شعر مالك بن الريب: «وانحزت لا مونسا ذعرا» وهذا لا طعن عليه ولا مئونة فيه». والبعل: المتحير. (1) في (ط): مسيئا وهو تحريف من الناسخ. (2) في ديوانه بشرح الأصمعي 1/ 382 من قصيدة طويلة يقع البيت الحادي عشر منها وتتمته: كأنني من هوى خرقاء مطّرف ... دامي الأظل ... قال في شرحه: بعير مطرف: اشتري طريفا، لا من بلاد القوم .. فهو يحن إلى ألأفه ويشتاق. مهيوم، أي: به هيام، وهو داء يأخذ الإبل شبيه بالحمى. (3) ما بين المعقوفين سقط من (م) واستدرك من (ط). (4) ما بين المعقوفين جاء في (ط) قبل قوله: أنشد أبو زيد السابق.

متاعك بعضه من بعض، دلالة بيّنة على أنّ تضعيف العين ليس للنّقل. ومثل ميّزت في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدية إنّما هو لغير هذا المعنى، الهمزة في قولهم: ألقيت ألا ترى أنّ الهمزة فيه ليست لنقل الفعل من فعل إلى أفعل ليزيد في الكلام مفعول؟ إنّما ألقيت بمنزلة أسقطت، ولو كان منقولا من لقي لتعدّى إلى مفعولين، لأنّ لقي يتعدّى إلى مفعول في قولك: لقيت زيدا، ولو كانت الهمزة في ألقيت للنقل لتعدّى إلى مفعولين. وفي قولهم: ألقيت متاعك بعضه على بعض وتعدّيه إلى المفعول الثاني بالجارّ دلالة على أنّ ألقيت ليس للنقل «1» من لقي، وأنّ ألقيت بمنزلة أسقطت في تعدي ألقيت إلى مفعول واحد كما أنّ أسقطت يتعدّى إلى مفعول واحد، ولا يتعدّى إلى مفعول ثان، إلّا بحرف الجرّ، كما أنّ أسقطت لا يتعدّى إلى مفعول ثان إلّا بحرف الجرّ، كقولك: أسقطت متاعك بعضه على بعض. ومثل ميّز في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدي قولهم: عوّض، فالتضعيف فيه ليس للنقل، ولو كان للنقل من عاض، لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين لأنّ عاض يتعدّى إلى مفعولين يدلّك على ذلك ما أنشده الأصمعي: عاضها الله غلاما بعد ما ... شابت الأصداغ والضرس نقد «2»

_ (1) في (ط): بنقل والمؤدى واحد. (2) البيت من شواهد شرح أبيات المغني 7/ 65 وهو في إصلاح المنطق ص 49 والمشوف المعلم 2/ 786 والخصائص 2/ 71، والصحاح واللسان والتاج (نقد) اهـ. قال البغدادي وهذا البيت لم أقف على قائله ولا على تتمته، والله أعلم.

آل عمران: 180

وتقول: عوّضت زيدا مالا، فعوّض وعاض لغتان كما أنّ ميّز وماز لغتان، كلّ واحد منهما في معنى الآخر، ليس عوّض منقولا من عاض، كما أنّ ميّز ليس بمنقول من ماز. وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، فكلتا القراءتين حسنة، لأنّ ماز فعل متعد إلى مفعول واحد، كما أنّ ميّز كذلك. ولقولهم: ماز من المزية أنّ أكثر القراء عليها، وكثرة القراءة بها يدلّ على أنّها أكثر في استعمالهم. [آل عمران: 180] قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] بالياء وقرأ الباقون بالتاء «1». [قال أبو علي] «2»: القول في ذلك أنّ من قرأ بالياء أتبعه ما قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله: سيطوقون [آل عمران/ 180] والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] من منعهم الحقوق من أموالهم فيجازيهم عليه، ومن قرأ بالتاء فلأنّ قبله خطابا، وهو قوله: وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم [آل عمران/ 179] والله بعملكم المرضيّ خبير «3» فيجازيكم عليه، فالغيبة أقرب إليه من الخطاب. قال: قرأ ابن عامر وحده: بالبينات وبالزبر [آل عمران/ 184] بالباء وكذلك في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون: بالبينات والزبر بغير باء [في الزبر] «4» وكذلك هي «5» في مصاحفهم «6».

_ (1) السبعة ص 220. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) زيادة من (ط). (5) سقطت: «هي» من (ط). (6) السبعة ص 221.

قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: بالبينات والزبر أنّ الواو قد أغنت عن تكرير العامل، ألا ترى أنّك إذا قلت: مررت بزيد وعمرو، أشركت الواو عمرا في الباء، فأنت عن تكريرك الباء مستغن، وكذلك إذا قلت: جاءني زيد وعمرو: فالواو: قد. أشركت عمرا في المجيء، وكذلك جميع حروف العطف. ووجه قول ابن عامر أنّ إعادة الباء، وإن كان «1» مستغنى عنها فإنّه لضرب من التأكيد، ولو لم يكرر لاستغنى بإشراك حرف العطف فممّا جاء على قياس قراءة ابن عامر قول رؤبة: يا دار عفراء ودار البخدن «2». فكرر الدار ولو قلت: دار زيد وعمرو، لأشركت الحرف «3» في الاسم الجار كما تشرك بالباء، فكما كرر الدار كذلك كرر الباء، والدار في شعر رؤبة [دار «4»] واحدة لهما. ويدلك على ذلك قوله: أما جزاء العارف المستيقن ... عندك إلّا حاجة التفكّن «2» وكلا الوجهين حسن عربي.

_ (1) في (ط): كانت. (2) سبقت الأشطار الثلاثة- وهي من قصيدة واحدة- في 1/ 257 والشطر الأول في سيبويه 1/ 305. (3) في (ط): «الواو» وكلاهما بمعنى، لأنه سبق ذكره عند قوله: «بإشراك حرف العطف». (4) زيادة من (ط).

آل عمران: 181

[آل عمران: 181] اختلفوا «1» في قوله تعالى «2»: سنكتب ما قالوا، وقتلهم الأنبياء بغير حق .... وتقول [آل عمران/ 181] في الياء والنون والرفع والنصب. فقرأ حمزة وحده: سيكتب ما قالوا بالياء، وقتلهم* رفعا ويقول* بالياء. وقرأ الباقون: سنكتب ما قالوا بالنون وقتلهم نصبا، ونقول بالنون «3». قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ سنكتب أنّ قبله: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير [آل عمران/ 181] فالنون هاهنا بعد الاسم الموضوع للغيبة، كقوله: بل الله مولاكم [آل عمران/ 150] ثمّ قال: سنلقي [آل عمران/ 151] ولو قرئ: سيكتب ما قالوا بالياء لكان في الإفراد كقوله: وقذف في قلوبهم الرعب [الأحزاب/ 26] وقوله: كتب الله لأغلبن أنا [المجادلة/ 21] وقوله: ونقول [آل عمران/ 181] معطوف على سنكتب. ووجه قول حمزة: ويقول* أنّ معنى سيكتب، سيكتب «4»، كما أنّ معنى: كتب عليه أنه من تولاه [الحج/ 4] كتب، ويقوّي سنكتب قوله: وكتبنا عليهم فيها [المائدة/ 45]. وأمّا رفع حمزة وقتلهم* [آل عمران/ 181] فلأنّه عطفه على ما قالوا وهو في موضع رفع بإسناده إلى الفعل المبني للمفعول به.

_ (1) في (ط): واختلفوا. (2) زيادة من (ط). (3) السبعة ص 220 - 221. (4) في (ط): ستكتب.

آل عمران: 187

ومن قال: وقتلهم فنصب حمله على سنكتب ما قالوا وهو في موضع نصب بأنّه مفعول به. [آل عمران: 187] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: «1» لتبيننه للناس ولا تكتمونه [آل عمران/ 187]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالياء فيهما. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء فيهما «2». قال أبو علي: حجّة من قرأ بالتاء قوله «3»: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم [آل عمران/ 81] والاتفاق عليه، وكذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله [البقرة/ 83] وقد تقدّم القول في ذلك. وحجّة من قرأ بالياء أنّ الكلام حمل على الغيبة لأنّهم غيب. [وقد تقدم القول في ذلك] «4». [آل عمران: 195] واختلفوا في قوله: وقاتلوا [آل عمران/ 195] وقتلوا [آل عمران/ 195] في تقديم الفعل المبني للفاعل، وتأخيره والتشديد والتخفيف. فقرأ ابن كثير وابن عامر: وقاتلوا وقتلوا مشدّدة التاء.

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة ص 221. (3) سقطت من (ط). (4) زيادة من (ط).

وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو: وقاتلوا وقتلوا خفيفة. وقرأ حمزة والكسائي: وقتلوا، وقاتلوا. يبدءان بالفعل المبني للمفعول به قبل الفعل المبني للفاعل، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة، غير أنّ ابن كثير وابن عامر شدّدا في التوبة «1». قال أبو علي: تقديم قاتلوا على: قتلوا حسن، لأنّ القتال قبل القتل، والتشديد حسن لتكرّر القتل، فهو مثل مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ومن خفّف فقال: وقتلوا فإنّ فعلوا يقع على الكثير والقليل، والتثقيل تختص به الكثرة. ومن قرأ: قتلوا وقاتلوا كان حسنا، لأنّ المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى، وإن كان مؤخرا في اللفظ، وليس العطف بها كالعطف بالفاء، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة. ووجه قول من قرأ قتلوا وقاتلوا أن يكون لمّا قتل منهم قاتلوا ولم يهنوا ولم يضعفوا للقتل الذي أوقع بهم، كما قال: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146]. قال [أحمد] «2»: وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62] وذات قرار [المؤمنون/ 50] وما كان مثله بين الفتح والكسر. وقرأ ابن كثير وعاصم بالفتح. وروى خلف بن هشام وأبو هشام الرفاعي عن سليم بن عيسى الحنفي عن حمزة أنّه كان يشمّ

_ (1) السبعة ص 221 - 222. (2) سقطت من (ط).

[سورة النساء]

الراء الأولى من قوله: ذات قرار، والأشرار، وما كان مثل ذلك الكسر من غير إشباع «1». قال أبو علي: الإمالة في فتحة الراء حسنة، لأنّ الراء المكسورة تغلب المفتوحة، كما غلبت المستعلي في قولهم: قارب وطارد، وقادر، فإذا غلبت المستعلي فأن تغلب الراء المفتوحة أجدر لأنّه لا استعلاء في الراء، إنّما هو حرف من مخرج اللام فيه تكرير. ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميل «2» شيئا من ذلك. [آخر الكلام في سورة آل عمران] «3» [سورة النساء] «4» بسم الله الرحمن الرحيم «5» ذكر اختلافهم في سورة النساء [النساء: 1] اختلفوا في تشديد السين وتخفيفها من قوله تعالى «6»: تسائلون به [النساء/ 1]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: تساءلون* مشدّدة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: تساءلون مخفّفة.

_ (1) انظر السبعة ص 222. (2) في (ط): لا يميلون. (3) ما بين المعقوفين ساقط من (ط). (4) كذا في (ط)، وسقطت من (ط). (5) في (م): بسم الله. (6) سقطت من (ط).

واختلف عن أبي عمرو، فروى علي بن نصر وهارون بن موسى، وعبيد بن عقيل وعبد الوهاب بن عطاء عنه، والواقدي «1» عن عدي بن الفضل «2»، وخارجة بن مصعب «3»، عنه: تساءلون مخففة. وروى اليزيديّ وعبد الوارث عنه: تساءلون* مشدّدة وروى أبو زيد عنه التخفيف والتشديد. وقال عباس عنه: إن شئت خفّفت، وإن شئت شدّدت قال: وقراءته التخفيف «4». قال أبو علي: من ثقّل تساءلون* أراد: تتساءلون فأدغم التاء في السين، وإدغامها في السين حسن لاجتماعهما في أنّهما من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، واجتماعهما في الهمس. ومن خفّف فقال: تساءلون، حذف تاء تتفاعلون لاجتماع حروف متقاربة، فأعلّها بالحذف، كما أعلّ «5» بالإدغام في قول من قال: تسّاءلون، وإذا اجتمعت المتقاربة خفّفت بالحذف والإدغام

_ (1) محمد بن عمرو بن واقد أبو عبد الله الواقدي المدني ثم البغدادي. روى القراءة عن نافع بن أبي نعيم وعيسى بن وردان وغيرهما، وروى الحروف عن عدي بن الفضل عن أبي عمرو مات سنة 209 هـ. (طبقات القراء 2/ 219). (2) عدي بن الفضل أبو حاتم البصري. روى الحروف عن أبي عمرو، وحدث عن مالك بن أنس روى عنه الحروف محمد بن عمر الواقدي. كذا ذكر الحافظ أبو عمرو الداني (طبقات القراء 1/ 511). (3) خارجة بن مصعب أبو الحجاج الضبعي السرخسي، أخذ القراءة عن نافع وأبي عمرو وله شذوذ كثير عنهما لم يتابع عليه. توفي سنة ثمان وستين ومائة (طبقات القراء 1/ 268). (4) السبعة 226 وفيه وقرأته بالتخفيف. (5) في (ط): أعلها.

والإبدال «1». فالإبدال كقولهم: طست، أبدلت من السين الثانية التاء «2» لتقاربهما واجتماعهما في الهمس، قال العجاج: أأن رأيت هامتي كالطّست «3» وأنشد أبو عثمان: لو عرضت لأيبليّ قسّ ... أشعث في هيكله مندسّ حنّ إليها كحنين الطّسّ «4»

_ (1) في (ط): وبالإدغام وبالإبدال. (2) في (ط): تاء. (3) الرجز لرؤبة لا للعجاج وهو في ديوانه في مجموع أشعار العرب ص 23 من أرجوزة قالها في نفسه أولها: يا بنت عمرو لا تسبي بنتي ... حسبك إحسانك إن أحسنت وفي اللسان (طس). (4) نسبها للعجاج في البحر المحيط 3/ 156 وهي في ملحق ديوانه 2/ 295 نقلا عن البحر المحيط. وبدون نسبة في الفاضل للمبرد 19 وسر صناعة الإعراب 1/ 172 وشروح سقط الزند 3/ 1373. والفرق بين الحروف الخمسة 581 (من منشورات دار المأمون للتراث) واللسان طسس، قسس وفي سفر السعادة 1/ 349 مع بيت سابق لها وهو: جارية من آل عبد شمس. والقسّ: هو رئيس من رؤساء النصارى في الدين والعلم، وقيل هو الكيس العالم، والقسيس كالقسّ، والجمع قساقسة على غير قياس وقسّيسون. وفي التنزيل: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا) [المائدة/ 82] والأيبليّ والأيبل: صاحب الناقوس الذي ينقّس النصارى بناقوسه يدعوهم به إلى الصلاة. اللسان (أبل). والهيكل: معبد النصارى فيه صورة مريم، ومندس: مدفون. وطسّ: قال في

النساء: 1

[النساء: 1] واختلفوا «1» في نصب الميم وكسرها من قوله [جلّ وعزّ] «2»: والأرحام [النساء/ 1]. فقرأ حمزة وحدة: والأرحام بالخفض. وقرأ الباقون: والأرحام نصبا «3». قال أبو علي: من نصب الأرحام احتمل انتصابه وجهين: أحدهما: أن يكون معطوفا على موضع الجار والمجرور، والآخر: أن يكون معطوفا على قوله: واتقوا، التقدير: اتقوا الله الذي تساءلون به. واتقوا الأرحام أي اتقوا حقّ الأرحام فصلوها ولا تقطعوها. وأمّا من جرّ الأرحام فإنّه عطفه على الضمير المجرور بالباء. وهذا ضعيف في القياس، وقليل في الاستعمال. وما كان كذلك فترك الأخذ به أحسن. فأما ضعفه في القياس: فإن الضمير قد صار

_ سفر السعادة: طسّ: هو فارسي الأصل. قال أبو عبيدة: ومما دخل في كلام العرب: الطست. قال الفراء: وطيء تقول: الطّست، وغيرها يقول: الطسّ، قال: وهم الذين يقولون: لصت- يعني طيئا- وغيرهم يقول: لصّ، والجمع عندهم: لصوت وطسوت ... وأنشد الرجز. ومثل ذلك ورد في اللسان عن الأزهري (طسس) والحنين: الشديد من البكاء والطرب، وقيل: هو صوت الطرب كان ذلك عن حزن أو فرح. وقالوا: لا أفعل ذلك حتى يحن الضب في إثر الإبل الصادرة، وليس للضب حنين إنّما هو مثل، وذلك لأنّ الضب لا يرد أبدا، والطست تحن إذا نقرت على التشبيه (اللسان: حنن). (1) في (ط): اختلفوا. بغير واو. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة 226.

عوضا مما كان متصلا باسم نحو غلامه وغلامك، وغلامي، من التنوين فقبح أن يعطف عليه كما لا تعطف الظاهر على التنوين. ويدلك على أنّه قد جرى عندهم مجرى التنوين حذفهم الياء من «1» المنادى المضاف إليه «2» كحذفهم التنوين، وذلك قولهم: يا غلام، وهو الأكثر من غيره في الاستعمال وجهة «3» الشبه بينهما أنّه على حرف، كما أنّ التنوين كذلك، واجتماعهما في السكون، وأنه لا يوقف على اسم «4» منفصلا منه، كما أنّ التنوين كذلك، فلما اجتمعا في هذه المعاني جعل بمنزلته في الحذف. فإن قال قائل: فهلا قبح أيضا عطف الظاهر المجرور على الظاهر المجرور «5»، لأنّه أيضا عوض من التنوين وفي محله؟ فالقول في ذلك: أن المضمر أذهب في مشابهة التنوين من المظهر، ألا ترى أنه لا ينفصل من الاسم، كما أنّ التنوين لا ينفصل ولا يوقف عليه، كما لا يوقف على بعض أجزاء الكلم دون تمامها، وليس الظاهر كذلك، ألا ترى أنّه قد يفصل بين المضاف والمضاف إليه إذا كان المضاف إليه ظاهرا بالظروف وبغيرها «6» نحو:

_ (1) في (ط): في. (2) في (ط): إليها. (3) في (ط): ووجه. (4) في (ط): الاسم. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): بالظرف وبغيره.

كأنّ أصوات- من إيغالهنّ بنا-* أواخر الميس إنقاض «1» الفراريج «2» ونحو: ... من قرع القسيّ الكنائن «3»

_ (1) في (ط): «أصوات». (2) يريد كأن أصوات أواخر الميس إنقاض- أي: أصوات الفراريج من إيغالهنّ بنا والإيغال: المضي والإبعاد، يقال: أوغل في الأرض: إذا أبعد، والميس: الرحل، والميس: شجر تعمل منه الرحال. والأواخر جمع آخرة، وهي آخرة الرحل، وهو العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب، ويقال فيه: مؤخر الرحل. والفراريج جمع فروجة وهي صغار الدجاج، يريد: أنّ رحالهم جدد، وقد طال سيرهم، فبعض الرحل يحك بعضا، فتصوت مثل أصوات الفراريج من شدّة السير واضطراب الرحل، ومن إيغالهنّ: من للتعليل والبيت من قصيدة لذي الرمة في ديوانه 2/ 996 والخزانة 2/ 199 وروايته، إنقاض كما في (م) وعند سيبويه 1/ 92، 347 والمقتضب 4/ 376 والإنصاف 2/ 433 وابن يعيش 1/ 103 و 2/ 108 و 3/ 77 وشروح سقط الزند 4/ 1533 والموشح 292 برواية «أصوات» بدل «إنقاض» كما في (ط)، وهما بمعنى. (3) قطعة من بيت للطرماح وتمامه: يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن الأصل: قرع الكنائن القسي، ففصل بين المصدر المضاف وفاعله المضاف إليه بالمفعول وهو القسي. والبيت من قصيدة يصف فيها بقر الوحش (ديوانه 169). قوله: يطفن، بضم الياء من أطاف به إذا ألم به وقاربه، ويجوز أن يكون بفتح الياء من الطواف. والحوزي: المتوحد، وهو الفحل منها، وهو من حزت الشيء إذا جمعته أو نحيته (الأزهري: حاز) قال العيني: الحوزي هاهنا: الثور الذي يجعله بقر الوحش رأسا لهن يتبعنه في المرعى ومورد الماء، وهو الذي يحوشهنّ ويحميهنّ عمن يقصدهنّ من بني آدم وغيرهم. والمراتع: مواضع الرتع، وأراد بالبوادي: البوادر

فليس المضمر في هذا كالظاهر، فلما صار كذلك لم يستجيزوا عطف الظاهر عليه، لأن المعطوف ينبغي أن يكون مشاكلا للمعطوف عليه، ألا تراهم قالوا: ولولا رجال من رزام أعزّة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما «1» لمّا كان أسوأ فعلا، وما قبله اسم، أضمر أن ليعطف شكلا

_ (3/ 464) وهي جمع بادرة وهي ما يظهر عند الغضب. وقد تكون «بواديه» بكسر الباء، أي بالوادي الذي هو فيه. وقوله: من قرع القسي الكنائن، أي: من تعرض الصيّاد له. وقبل البيت: يخافتن بعض المضغ من خشية الرّدى ... وينصتن للسمع انتصات القناقن والقناقن: البصير باستنباط المياه، وجمعه قناقن- بفتح القاف- (الأزهري 8/ 293 وأنشد البيت). وانظر الخصائص 2/ 406، والإنصاف 2/ 429، والخزانة 2/ 252 عرضا والعيني 3/ 462، والتهذيب 5/ 178 (حاز) واللسان (حوز). (1) البيت للحصين بن الحمام، شاعر إسلامي من الصحابة، كان سيدا شاعرا وفيا. وكان يقال له: مانع الضيم. وهو من مفضلية برقم 12 ويقع الثامن عشر فيها، وروايته: «من رزام بن مازن» بدل «أعزّة». ورزام: هو ابن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان، وسبيع هو ابن عمرو بن فتية. وعلقم: ترخيم علقمة بن عبيد بن عبد بن فتية. وجواب لولا في البيت بعده، وهو: لأقسمت لا تنفكّ مني محارب ... على آلة حدباء حتّى تندّما والبيت من شواهد سيبويه 1/ 429 قال الأعلم: الشاهد فيه نصب أسوءك بإضمار أن ليعطف على ما قبله من الأسماء، والمعنى: لولا هؤلاء وأن أسوءك لفعلت كذا، أي: لولا كون هؤلاء الموصوفين أو أن أسوءك لفعلت كذا، أي ومساءتك. وانظر المحتسب 1/ 326، والعيني 4/ 411 والأشموني 3/ 296.

على شكله. وكذلك قوله تعالى: وكلا ضربنا له الأمثال [الفرقان/ 39] ويدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31] فكما روعي التشاكل في هذه المواضع في المعطوف، وفي غيرها، كذلك روعي في المضمر المجرور فلم يعطف عليه المظهر المجرور، لخروج المعطوف عليه من شبه الاسم إلى شبه الحرف. ومما يبين ذلك أنهم لم يستحسنوا عطف الظاهر المرفوع على المضمر المرفوع «1» حتى يؤكّد، فيقع العطف في اللفظ على المضمر المنفصل الذي يجري مجرى الأجنبي، وذلك نحو: أذهب وزيد وذهبت وزيد، ولا يستحسنون ذلك حتى يؤكّدوه فيقولوا: اذهب أنت وزيد، وذهبت أنا وزيد، لأنه لما اختلط الاسم بالفعل حتى صار كبعض أجزائه لوقوع إعرابه بعده في نحو: تفعلين، وتفعلان، وتفعلون. ولإسكانهم الآخر منه، إذا اتصل بالضمير مع تحريكهم نحو: علبط «2» لم يستجيزوا العطف عليه في حال السّعة إلّا بالتأكيد، ليقع العطف عليه في اللفظ، فلا يكون كأنه عطف اسما على فعل كما يصير في المجرور كأنه عطف اسما على تنوين. وإذا اتصل علامة الضمير المجرور بالحرف كان كاتصاله بالاسم، ألا ترى أنه لا ينفصل من الحرف كما لا ينفصل من الاسم، ولا يفصل بينهما كما لا يفصل بينهما إذا اتصل بالاسم، فلا فصل بين اتصاله بالحرف

_ (1) سقطت من (ط). (2) رجل علبط وعلابط: ضخم عظيم. وقيل: كل غليظ علبط، وكل ذلك محذوف من فعالل، وليس بأصل لأنّه لا تتوالى أربع حركات في كلمة واحدة (اللسان).

واتصاله بالاسم من حيث ذكرنا. فإن قال قائل: هلّا «1» جاز أن يعطف الظاهر المجرور على المضمر المجرور، كما جاز أن يؤكد بالنفس وغيره من التأكيد. قيل: لم يجز العطف من حيث جاز التأكيد، لأن العطف تقدير حرفه أن يقوم مقام الذي يعطف عليه، فإن كان المعطوف فعلا كان في تقدير الفعل، وإن كان اسما كان في تقدير الاسم، وكذلك إن كان حرفا، وإذا كان كذلك وكان المضمر المجرور قد خرج عن شبه الاسم وصار بمنزلة الحرف بدلالة أنه لا ينفصل مما اتصل به، كما أن التنوين لا ينفصل، ويحذف في النداء في الاختيار، كما يحذف، وامتنع أن يفصل بينه وبينه في الشعر كما يفصل ذلك في المظهر، لم يجز العطف فيه، لأن حرف العطف لمّا خرج الاسم الذي يعطف عليه في حكم اللفظ عن حكم الأسماء، لم يصح العطف عليه، لأنّك إنما تعطف عليه لإقامتك إياه مقام الاسم، فإذا خرج عن شبه الاسم لم يقم حرف العطف مقام الاسم لخروج المعطوف عليه عن ذلك، وليس التأكيد كذلك، لأنك لو حملت التأكيد على نفس العامل في المجرور لم يمتنع، فليس ضعف المؤكّد بحرف التأكيد بأبعد من أن لا يكون في الكلام، فلذلك جاز التأكيد بالنفس وسائر حروف التأكيد، ولم يجز العطف. ومما يتعلق بهذا الباب قوله تعالى «2»: يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به [البقرة/ 217] لا يخلو ارتفاع قوله: وصد عن سبيل الله من أن يكون بالعطف على الخبر الذي هو كبير كأنه:

_ (1) في (ط): فهلا. (2) سقطت من (ط).

قتال فيه كبير، وصد وكفر، أي: القتال قد جمع أنه كبير وأنه صد وكفر. أو يكون مرتفعا بالابتداء وخبره «1» محذوف، لدلالة كبير المتقدم عليه، كأنه قال: والصدّ كبير، كقولك: زيد منطلق وعمرو أو يكون مرتفعا بالابتداء والخبر المظهر، فيكون الصدّ ابتداء، وما بعده من قوله: وكفر به وإخراج أهله يرتفع بالعطف على الابتداء، والخبر قوله: أكبر عند الله، فلا يجوز الوجهان الأولان، وهما جميعا قد أجازهما الفراء. أما الوجه الأول فلأنّ المعنى يصير: قل: قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله كبير، والقتال، وإن كان كبيرا ويمكن أن يكون صدا لأنه ينفّر الناس «2» عنه، فلا يجوز أن يكون كفرا. ألا ترى أن أحدا من المسلمين لم يقل ذلك، ولم يذهب إليه؟ فلا يجوز أن يكون خبر المبتدأ شيئا لا يكون المبتدأ. ويمنع من ذلك أيضا قوله بعد: وإخراج أهله منه أكبر عند الله [البقرة/ 217] ومحال أن يكون إخراج أهله منه أكبر من الكفر، لأنه لا شيء أعظم منه. ويمتنع الوجه الثاني أيضا، لأن التقدير فيه يكون: قتال فيه كبير وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به. وكذلك مثّله الفراء «3» وقدّره، وإذا صار كذلك، صار المعنى: وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر، فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله، وإذا كان كذلك امتنع كما امتنع الأول، وإذا امتنع هذان ثبت الوجه الثالث: وهو: أن يكون قوله: وصدّ عن سبيل الله ابتداء، وكفر به،

_ (1) في (ط): والخبر. (2) في (ط) ينفر الناس. (3) معاني القرآن 1/ 141.

وإخراج أهله منه «1»، معطوفان عليه، وأكبر: خبر. فيكون المعنى: صدّ عن سبيل الله أي: منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم ولاته، والذين هم أحقّ به منهم، وكفر بالله أكبر من قتال في الشهر الحرام. وهذا القتال في الشهر الحرام هو ما عابه المشركون على المسلمين من قتل عبد الله بن جحش وأصحابه من المهاجرين «2» عمرو بن الحضرمي [وصاحبه لما] «3»، فصلا من الطائف في عير في آخر جمادى وأول رجب وأخذهم العير، وهو أوّل من قتل من المشركين فيما روي، وأوّل فيء أصابه المسلمون «4» فهذا هو التأويل لا الوجهان الأوّلان. وأما قوله: والمسجد الحرام، فزعم الفراء أنّه محمول على قوله: يسألونك عن القتال وعن المسجد الحرام «5»، هذا لفظه «6». وهذا أيضا ممتنع، لأنه لم يكن السؤال عن المسجد الحرام، وإنّما السؤال عن قتال ابن جحش ابن الحضرمي وأصحابه الذين عابهم به المشركون وعيّروهم فقالوا: إنّكم استحللتم الشهر الحرام، وهو رجب، فقتلتم فيه. فعن هذا كان السؤال، لا عن المسجد «7» الحرام. فإذا لم يجز هذا الوجه، لم يجز حمله أيضا فيمن جوز عطف

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): من المسلمين المهاجرين. (3) سقطت من (م). (4) انظر تفصيل القصّة في تفسير الطبري 2/ 347 - 349. (5) في (م): يسألونك عن القتال وعن الشهر الحرام وعن المسجد، ولفظ الفراء كما في (ط). (6) معاني القرآن 1/ 141. (7) في (م): الشهر.

النساء: 5

الظاهر على المضمر المجرور، فيكون محمولا على الضمير في به* لأن المعنى ليس على كفر بالله أو بالنبي. والمسجد ثبت أنه معطوف على عن* من قوله: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، لأن المشركين صدّوا المسلمين عنه كما قال الله عزّ وجلّ «1»: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام [الحج/ 25] فكما أن المسجد الحرام في هذه الآية محمول على عن* المتصلة بالصدّ بلا إشكال، كذلك في مسألتنا في هذه الآية. [النساء: 5] اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله تعالى «2»: قياما وقيما* [النساء/ 5]. فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي وأبو عمرو: قياما بألف «3». وقرأ نافع وابن عامر قيما* بغير ألف «4». قال أبو علي: قال أبو عبيدة: التي جعل الله لكم قياما مصدر يقيمكم. ويجيء في معناها قوام، وإنّما هو الذي يقيمك، فإنّما أذهبوا الواو لكسرة القاف، كما قالوا: ضياء وتركها بعضهم «5». قال لبيد: أفتلك أم وحشيّة مسبوعة خذلت وهادية الصّوار قوامها «6»

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): بالألف. (4) السبعة 226. (5) مجاز القرآن 1/ 117 مع اختلاف يسير في النقل. (6) البيت من معلقته في ديوانه 171 قال ابن الأنباري: معناه: أفتلك الأتان التي

وقال أبو الحسن: جعل الله لكم قياما، وفي الكلام قواما، وقيما، وهو القوام الذي يقيم شأنهم. وقال أبو الحسن: في قيام ثلاث لغات: قيما، وقياما، وقوما. قال: وبنو ضبّة يقولون: طويل وطيال، والعامّة على طوال. قال أبو علي: ليس قول من قال: إن القيم جمع قيمة بشيء، إنما القيم بمعنى القيام، ليس أن القيم جمع. والذي يدلّ على أنّ قيام الشيء إنّما يعنى به دوامه وثباته، ما أنشده أبو زيد: إنّي إذا لم يند حلقا ريقه ... وركد السّبّ فقامت سوقه «1» والراكد: الدائم الثابت، ومن ثم قيل: ماء راكد، لخلاف الجاري، وماء دائم. وفي التنزيل: فيظللن رواكد على ظهره [الشورى/ 33] وقال: يدوم الفرات فوقه ويموج «2»

_ تشبه ناقتي أم بقرة وحشية مسبوعة: أكل السبع ولدها فهي مذعورة. وقوله: خذلت، تأخرت عن القطيع. يريد: خذلت أصحابها من الوحش وأقامت على ولدها ترعى قربه وتلفّت إلى البقر، فإذا رأتها طابت نفسها وعلمت أنّ الصوار لم يفتها. والهادية: التي تهدي الصوار، أي تكون في أوله. والصوار: القطيع من البقر. يقال: صوار وصوار وصيار، والجمع أصورة وصيران. وقوامها: معناه تهتدي بأول الصوار (اهـ. شرح القصائد السبع الطوال 553) وانظر شرح المعلقات السبع 103 للزوزني. (1) النوادر 169 (ط الفاتح) مع أربعة أخرى بعده وعنه في اللسان (سوق)، والثاني في المخصص 17/ 21 والسب- بالكسر-: الحبل والخمار والعمامة والوتد وشقة رقيقة كالسبيبة (القاموس). (2) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي، صدره:

فالدوام: كالسكون والثبات على حال خلاف التموّج، وهذا يدل على أن تفسير قوله: يقيمون الصلاة يديمونها، ويحافظون عليها. وهذا التفسير أشبه من أن يفسر بيتمّونها. والدليل على أن قيما مصدر في معنى القيام قوله: دينا قيما ملة إبراهيم [الأنعام/ 161] فالقيمة التي هي معادلة الشيء ومقاومته لا مذهب له هنا «1». إنما المعنى والله أعلم: دينا ثابتا دائما لازما لا ينسخ «2» كما تنسخ الشرائع التي قبله، وكذلك قوله: إلا ما دمت عليه قائما [آل عمران/ 75] أي: اقتضائك له ومطالبتك إياه. فقوله: دينا قيما ينبغي أن يكون مصدرا وصف به الدّين ولا وجه للجمع هنا، ولا للصفة، لقلّة مجيء هذا البناء في الصفة، ألا ترى أنه إنما جاء في قولهم: قوم عدى، ومكان سوى، وفعل في

_ فجاء بها ما شئت من لطميّة انظر ديوان الهذليين 1/ 57 وجاءت روايته في شرح أشعارهم للسكري 1/ 134 واللسان. (دوم): تدوم البحار فوقها وتموج وهي أجود لما سيأتي قال السكري في شرحه: بها، أي: بالدرة، أي: جلبت في اللطائم، واللطيمة: عير تحمل التجارة والعطر، فإن لم يكن فيها عطر فليست بلطيمة، فجعل هذه الدرة تحملها عير اللطيمة. تدوم البحار، أي تسكن فوقها. قال الأصمعي: «يدوم الفرات فوقها» والفرات: العذب، ولا يجيء منه الدر، إلّا أنّه غلط، وظنّ أنّ الدرة إذا كانت في الماء العذب فليس لها شبه، ولم يعلم أنها لا تكون في العذب. (اهـ). وانظر ما قيل في تفسير اللطيمة من معان في التاج (لطم). (1) في (ط) هاهنا. (2) في (ط): دينا دائما ثابتا ولا ينسخ.

المصادر كالشّبع والرّضا، وحروف أخر أوسع من الوصف، فإذا كان كذلك حمل على الأكثر. فإن قلت: فكيف اعتلّ، وهو على وزن ينبغي أن يصح معه ولا يعتلّ، كما لم «1» يعتلّ العوض والحول ونحو ذلك؟ فإنه يمكن أن يكون هذا الوزن إنما «2» جاء في الجمع متّبعا واحده في الإعلال، نحو: ديمة وديم، وحيلة، وحيل، مع أن حكم الجمع أن لا يتبع الواحد في نحو: معيشة ومعايش، فإذا كانوا قد أتبعوه في الواحد الجمع، جاز أن يتبعوه أيضا في هذا الفعل فيعلّ، كما يعلّ الفعل، لأن المصادر أشدّ اتباعا لأفعالها في الاعتلال من الجمع للواحد. فإن قلت: فقد قالوا: وعدا ووزنا، فصحّحوا المصدر مع إعلالهم الفعل نحو يعد. قيل: لا يشبه هذا ما ذكرنا من بناء «فعل»، لأنّ «فعلا» على بناء لا طريق للإعلال عليه، وليس «فعل» كذلك، لأنّ الكسرة توجب الإعلال في الواو إذا كانت عينا، لا سيّما إذا انضم إليها هاهنا الاعتلال في الفعل. ويدلّك على أنه مصدر، وأنه مثل عوض حكاية أبي الحسن قوما، وقيما، وكان «3» القياس تصحيح الواو كما حكاه أبو الحسن، وإنما انقلبت ياء على وجه الشذوذ عن الاستعمال كما انقلبت ثيرة، وكما قالوا: طويل وطيال في لغة بني ضبّة فيما حكاه أبو الحسن، وكما قالوا: جميعا جواد، وجياد وكان حكم جواد أن تصحّ عينه في الجمع «4»، قال الأعشى:

_ (1) في (ط): لا. (2) في (ط): لما. (3) في (ط): فكان. (4) سقطت: «في الجمع» من (ط).

جيادك في الصّيف «1» في نعمة ... تصان الجلال وتعطى الشّعيرا «2» فكما شذّت هذه الأشياء عما عليه الاستعمال كذلك شذّ قولهم: قيما، وهو فعل كالشبع، ولا وجه للصفة هنا لقلة الصفة، ولا لأن يكون جمع قيمة، لأنّ ذلك لا مذهب له، ألا ترى أنه لا يجوز أن يوصف الدّين بذلك، وقوله: قيما، وقياما بمعنى، وإنّما أعلّ القيام لأنه مصدر قد اعتلّ فعله، فأتبع الفعل في الاعتلال، فأمّا القوام الذي حكاه أبو عبيدة، فإنه ينبغي أن يكون اسما غير مصدر، كالقوام فيمن فتح. ويجوز أن يكون مصدر قاوم، كما أنّ الغوار مصدر غاور، فأما القيام والصّيام، والعياذ، والعيادة، والحياكة ونحو ذلك مما قلبت الواو فيه ياء، فمصادر جارية على الفعل، ومما يدل على أن قيما ليس بجمع قيمة، وإنما هو مصدر قوله: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس [المائدة/ 97] وقيما للناس، وإنّما المعنى جعل الله حجّ البيت الحرام قواما لمعايش الناس. قال: وقرأ حمزة وحده: ضعافا [النساء/ 9] «3» بإمالة العين، وكذلك: خافوا بإمالة الخاء. واختلف عنه في الإمالة فروى عبيد الله «4» بن موسى: ضعافا بالفتح. وروى خلف بن

_ (1) في (ط): بالصيف. (2) ديوانه/ 99 من قصيدة يمدح فيها هوذة بن علي الحنفي. (3) تمام الآية: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا. (4) في (ط): عبد الله. وهو عبيد الله بن موسى بن باذام. أخذ القراءة عرضا عن عيسى بن عمر وشيبان بن عبد الرحمن الهمذاني وروى الحروف سماعا من

هشام عن سليم بن عيسى «1» عنه بالكسر «2». قال أبو علي: وجه الإمالة في ضعافا أنّ ما كان على فعال وكان أوّله حرفا مستعليا مكسورا نحو: ضعاف وقباب، وخباث، وغلاب، يحسن فيه الإمالة وذلك أنه قد تصعّد بالحرف المستعلى، ثم انحدر بالكسر فيستحبّ أن لا يتصعّد بالتفخيم بعد التصويب بالكسر «3»، فيجعل الصوت على طريقة واحدة، فلا يتصعّد بالتفخيم بعد التصوّب بالكسر «4»، وذلك نحو ما قدمنا من نحو: ضعاف وقباب. ومما يدل على أنّ الإصعاد بعد الانحدار يثقل عليهم أنهم يقولون: صبقت، وصقت، فيبدلون من السين الصاد، ولا تقرّر السين لئلا يتصعّد منها إلى المستعلي فإذا كان بعكس ذلك لم يبدل، وذلك نحو: قست، وقسوت، لأنه إذا تصعّد بالقاف تحدّر بالسين، فيكون الانحدار بعد الإصعاد خفيفا. ومما يدلّك على حسن الإمالة في ضعاف أن الحرف المكسور إذا كان بينه وبين الألف حرفان، وكان الأول منهما مستعليا ساكنا، حسنت فيه الإمالة وذلك نحو: مقلات، ومظعان، ومطعام، لأن المستعلي لمّا كان ساكنا وقبله كسرة صار المستعلي كأنه تحرّك «5» بالكسر لما كانت الكسرة قبله كما أن من قال:

_ غير عرض عن حمزة، وسمع حروفا من الكسائي وفاته سنة 213 هـ. (انظر طبقات القراء 1/ 494). (1) سليم بن عيسى بن سليم بن عامر الكوفي المقرئ ضابط محرر حاذق عرض القرآن على حمزة وهو من أخص أصحابه (الطبقات 1/ 318). (2) السبعة 227. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): بالكسرة. (5) في (ط): يتحرك.

أحبّ المؤقدين إليّ مؤسى «1» ..... لما كانت الضمة قبل الواو قدرها كأنها عليها، فأبدل منها الهمزة كما يبدلها «2» منها إذا كانت مضمومة، فكذلك إذا قال: مقلات، صار كأنه قال: قلات، فحسنت الإمالة «3». وأما الإمالة في خافوا فإنها حسنة، وإن كان الخاء مستعليا، لأنه يطلب الكسرة التي في: خفت، فينحو نحوها بالإمالة «4». قال سيبويه: بلغنا عن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزة يقول: صار مكان كذا كذا «5». قال: وكلهم قرأ «6»: وإن كانت واحدة [النساء/ 11] نصبا إلّا نافعا فإنه قرأ: وإن كانت واحدة رفعا «7». قال أبو علي: الاختيار ما عليه الجماعة، لأن التي قبلها لها خبر منصوب وذلك قوله: (فإن كنّ نساء فوق اثنتين ... وإن كانت

_ (1) صدر بيت لجرير، سبق في 1/ 239. (2) في (م): يبدل. (3) في (ط): الإمالة فيه. (4) قال السيرافي (طرة سيبويه 2/ 261): أما إمالة خاف فلأنه على فعل، وأصله خوف- كفرح- فللكسرة المقدّرة في الألف جازت إمالته، ويكسر أيضا إذا جعلت الفعل لنفسك، فقلت: خفت، وكل ما كان في فعل المتكلم مكسورا جازت إمالته من ذوات الواو أو من ذوات الياء. (5) سقطت من (ط) كذا. وانظر سيبويه 2/ 261 وقد سبق في 2/ 300. (6) في (ط): قرءوا. (7) السبعة 227 والملاحظ أنّ المؤلف قدم الكلام في الآية 11 على الآية 10 من النساء.

النساء: 10

واحدة) أي: وإن كانت المتروكة واحدة. كما أن الضمير في الأول تقديره: وإن كنّ المتروكات أو الوارثات نساء. ووجه قول نافع: إن وقعت واحدة أو وجدت واحدة، أي: إن حدث حكم واحدة، أو إرث واحدة، ألا ترى أنّ المراد حكمها والقضاء في إرثها لا ذاتها. [النساء: 10] واختلفوا في فتح الياء وضمها «1» من قوله [جلّ وعزّ] «2»: وسيصلون سعيرا [النساء/ 10]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وسيصلون: بفتح الياء. وقرأ ابن عامر: وسيصلون سعيرا بضم الياء. واختلف عن عاصم فروى أبو بكر بن عيّاش وأبان، والمفضّل عنه: وسيصلون مثل ابن عامر بضم الياء وتصلى نارا حامية [الغاشية/ 4] بالضم أيضا. وروى عنه حفص: وسيصلون وتصلى نارا حامية، ويصلى سعيرا [الانشقاق/ 12] مفتوحا كلّه «3». [وقال أبو علي] «4»: قال أبو زيد: صلي الرجل النار يصلاها صلا وصلاء، وهما واحد، وأصلاه الله حرّ النار إصلاء، وهو صالي النار في قوم صالين وصليّ.

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) السبعة 227. (4) سقطت من (ط).

النساء: 11

حجة من قال: سيصلون بالفتح قوله تعالى: اصلوها اليوم [يس/ 64] وإلا من هو صال الجحيم [الصافات/ 163] وجهنم يصلونها [إبراهيم/ 29]. وحجة من قال: سيصلون أنه من: أصلاه الله، وسيصلون مثل: سيعطون، من أصلاه الله، مثل: أدخله الله النار، وحجته: سوف نصليهم نارا [النساء/ 56]. [النساء: 11] اختلفوا في ضمّ الألف من أم* وكسرها إذا وليتها كسرة أو ياء ساكنة. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: فلأمه [النساء/ 11] وفي بطون أمهاتكم [الزمر/ 6] وفي أمها [القصص/ 59] وفي أم الكتاب [الزخرف/ 4] بالرفع. وقرأ حمزة والكسائيّ كلّ ذلك بالكسر إذا وصلا «1». قال أبو علي: حجة من ضمّ: أن الهمزة ليست كالهاء ولا في خفائها، وإنّما أتّبع الهاء الياء والكسرة من أتبع في بهم، وبهي، وعليهم، ولديهم، لخفائها، وليست الهمزة كذلك، وإن كانت تقارب الهاء في المخرج. ويقوّي ذلك أنهم لم يغيّروا غير همزة أم* هذا التغيير، ألا ترى أنّ الهمزة في أدّ «2» وأفّ، مضمومة على جميع أحوالها وكذلك همزة «3» أناس. ووجه قول حمزة والكسائي أن الهمزة

_ (1) السبعة 228. (2) قال ابن دريد: هو اسم رجل، أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، وأحسب أنّ الهمزة في «أدّ» واو، لأنه من الود، أي: الحب، فقلبوا الواو همزة. (الجمهرة 1/ 15). (3) في (م) همز.

النساء: 23

حرف مستثقل بدلالة تخفيفهم لها، فأتبعوها ما قبلها من الياء والكسرة، ليكون العمل فيها من وجه واحد. ويقوي ذلك أنها تقارب الهاء وقد فعل ذلك بالهاء ويقوي ذلك أيضا أنهم قد أتبعوا غيرها من الحروف نحو: هو منحدر من الجبل، فغيّروا البناء للاتباع. ويقوي ذلك أنهم قد أتبعوا ما قبل الهمزة الهمزة في قولهم: أجوؤك وأنبؤك، كما أتبعوا الهمزة ما قبلها في قوله في: إمّها، ولأمّه. فالهمزة لما يتعاورها من القلب والتخفيف، تشبه الياء والواو والهاء، فتغيّر كما تغيّر. فإن قلت: فهلّا فعلوا ذلك بغير هذا الحرف مما فيه الهمزة. قيل: إنّ هذا الحرف قد كثر في كلامهم، والتغيير إلى ما كثر استعماله أسرع. وقد يختص الشيء في الموضع بما لا يكون في أمثاله، كقولهم: أسطاع، وأهراق «1»، ولم يفعل ذلك بما أشبهه، فكذلك هذا التغيير في الهمزة مع الكسرة والياء اختص به هذا الحرف ولم يكن فيما أشبهه. [النساء: 23] واختلفوا في الميم من إمهاتكم [النساء/ 23] فكسرها حمزة وفتحها الكسائي «2». [قال أبو علي] «3» أمّا فتح الكسائي الميم في «4» إمهاتكم فهكذا ينبغي، لأنّ التغيير والإتباع إنّما جاء في الهمزة، ولم يأت في الميم، فغيّر الهمزة وترك غيرها على الأصل، ألا ترى أنّ الميم لم تغيّر، وإنّما غيّرت الهمزة إذا وليتها الكسرة أو الياء، فلما كان

_ (1) سيأتي تعليل ذلك قريبا ص (143). (2) السبعة 228 وهي تابعة لسابقتها عنده. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): «من قوله».

النساء: 11

كذلك أتبع الهمزة ما كان «1» قبلها من الكسرة «1» والياء، وترك الميم على أصلها كما تركها من ضم الهمزة فقال: أمّهات. وأمّا كسر الميم في إمّهات، فقول الكسائي أشبه منه. ووجهه أنّه أتبع الميم الهمزة، كما قالوا: منحدر من الجبل، فأتبعوا حركة الدال ما بعدها، ونحو هذا الإتباع لا يجسر عليه إلّا بالسمع ويقوي ذلك قول من قال: عليهمي ولا [الفاتحة/ 7] ألا ترى أنّه أتبع الهاء الياء ثم أتبع الميم الهاء، وإن لم تكن في خفاء الهاء؟ فكذلك أتبع الميم الهمزة في قوله: إمهات، وكما أن قول من قال: عليهمي، فاعلم يقوّي ما أخذ به حمزة، فكذلك قول من قال: عليهمو ولا، يقوّي قول الكسائي، ألا ترى أنّه أتبع الياء ما أشبهها في الخفاء، وترك غير الهاء على أصلها «3». فكذلك أتبع الكسائي الكسرة أو الياء الهمزة وترك الميم التي بعد الهمزة في قوله: لإمها على أصله فلم يغيره. [النساء: 11] واختلفوا في كسر الصاد وفتحها من قوله [جلّ وعز] «4» يوصي بها [النساء/ 11]. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: يوصى بها* بفتح الصاد في الحرفين. وقرأ حفص عن عاصم: الأولى بالكسر يوصي*، والثانية بالفتح يوصى*.

_ (1) في (ط): الكسر. (3) في (ط): أصله. (4) في (ط): تعالى.

النساء: 13

وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: يوصي فيهما بالكسر «1». [قال أبو علي] «2»: حجة من قال «3»: يوصي* أنّه قد تقدّم ذكر الميت، وذكر المفروض فيما ترك، يبين ذلك قوله: فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي [النساء/ 11] وحجة من قال: يوصى* أنه في المعنى يؤول إلى يوصي، ألا ترى أن الموصي هو الميت، وكأن الذي حسّن ذلك أنّه ليس لميت معين إنّما هو شائع في الجميع، فلذلك حسن يوصى*. [النساء: 13] اختلفوا في الياء والنون من قوله [جلّ وعز]: «4» يدخله. فقرأ ابن عامر ونافع: ندخله جنات [النساء/ 13] بالنون في الحرفين جميعا، وقرأ الباقون بالياء فيهما «5». قال أبو علي: كلاهما حسن، فمن قرأ يدخله فلأنّ ذكر اسم الله عزّ وجل «6» قد تقدّم فحمل الكلام على الغيبة، ومن قرأ

_ (1) السبعة 228. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): قرأ. (4) سقطت من (ط). (5) نقل الفارسي كلام ابن مجاهد في هذا الحرف باختصار، ونصه في السبعة ص 228: «واختلفوا في الياء والنون من قوله: يدخله جنات ويدخله نارا [النساء/ 14] فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (يدخله) بالياء في الحرفين. وقرأ نافع وابن عامر: (ندخله) بالنون في الحرفين جميعا». (6) سقطت من (ط).

النساء: 16

ندخله فالمعنى فيه «1» كالمعنى في الياء، ويقوّي ذلك قوله تعالى «2»: بل الله مولاكم [آل عمران/ 150] ثمّ قال: سنلقي [آل عمران/ 151]. [النساء: 16] واختلفوا في تشديد النون وتخفيفها من قوله عز وجل «3» والذان [النساء/ 16] وهذان [طه/ 63 - والحج/ 19] وفذانك [القصص/ 32] وهاتين [القصص/ 27]. فقرأ ابن كثير: هذان*، واللذان، وفذانك. وهاتين مشدّدة النون. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بتخفيف ذلك كلّه، وشدّد أبو عمرو فذانك وحدها، ولم يشدّد غيرها. قال أبو علي: من قرأ: اللذان وهذان* وهاتين فالقول في تشديد نون التثنية: أنّه عوض من الحذف الذي يلحق «4» الكلمة، ألا ترى أنّ قولهم «ذا» قد حذف لامها، وقد حذفت الياء من «اللذان» في التثنية. فإن قلت: فإن الحذف في تثنية اللذان إنّما هو لالتقاء الساكنين، وما حذف لالتقاء الساكنين فهو في تقدير الثبات بدلالة قوله: ولا ذاكر الله إلّا قليلا «5».

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): لحق. (5) سبق في 2/ 454.

ألا ترى أنّه «1» نصب مع الحذف كما ينصب مع الإثبات؟ قيل: إنّ اللام في اللتان واللذان وإن كانت حذفت لالتقاء الساكنين، فإنّهما لما لم تظهر في التثنية التي كان يلزم أن يثبت فيها وتتحرك، أشبه ما حذف حذفا، لغير التقاء الساكنين، فاقتضى العوض منه كما اقتضته المبهمة نحو: هذان، واتّفقت هذه الأسماء من اللذان وهذان في هذا التعويض، كما اتفقا في التحقير في فتح الأوائل منهما، مع ضمها من غيرهما، وفي إلحاق الألف أواخرهما، وذلك نحو اللتيّا، واللذيّا، وهاتيّا. فأما تخصيص أبي عمرو التعويض في المبهمة في نحو قوله: فذانك وتركه التعويض في اللذان، فيشبه أن يكون ذلك لما رآه من أنّ الحذف للمبهمة ألزم، فبحسب لزومها الحذف ألزمها العوض ولم يعوض في اللّذين، ألا ترى أنّ اللذين إذا قلت: اللّذيّا فحقّرت أظهرت اللام المحذوفة في التثنية في التحقير، وإذا حقرت المبهم فقلت: هاذيّا، فالحذف في الاسم قائم، لأنّه كان ينبغي هاذييّا، الياء الأولى عين الفعل، والثانية للتحقير، والثالثة لام الفعل، فحذفت التي هي عين الفعل، ولم يجز أن تحذف التي هي لام لأنّك لو حذفتها لتحركت ياء التحقير لمجاورتها الألف، وهذه الياء لا تحرك أبدا، ألا ترى أنّه «2» لم يلق عليها حركة الهمزة في نحو: أقيّس، فلما لم يتمّ في التحقير، وأتمّ الموصول خصّ المبهم بالعوض دون الموصول لذلك. فإن قال قائل: هلّا «3» وجب

_ (1) في (ط): أنه قد. (2) في (ط): أنها. (3) في (ط): فهلّا.

عوض المنقوص في التثنية نحو: يد، ودم، وغد؟ فإن ذلك ليس بسؤال، ألا ترى أنّهم عوّضوا في: أسطاع، وأهراق «1» ولم يعوضوا في: أجاد وأقام ونحو ذلك. وأيضا: فإنّ الحذف لمّا لم يلزم هذه المتمكنة، كان الحذف في حكم لا حذف، ألا ترى أن منه ما يتمّ في الواحد نحو: غد وغدو؟ ومنه ما يتمّ في التثنية نحو: يديان بيضاوان «2» .... ونحو: جرى الدّميان «3» .....

_ (1) قال سيبويه 1/ 8: «وقولهم: أسطاع يسطيع، وإنّما هي أطاع يطيع، زادوا السين عوضا من ذهاب حركة العين من أفعل». وفي اللسان: وأما أسطاع مقطوعة فعلى أنّهم أنابوا السين مناب حركة العين في أطاع التي أصلها: أطوع، ثمّ قال: ويؤكد ما قال سيبويه من أنّ السين عوض من ذهاب حركة العين، أنّهم قد عوضوا من ذهاب حركة هذه العين حرفا آخر غير السين وهو الهاء من قول من قال: أهرقت، فسكن الهاء، وجمع بينها وبين الهمزة، فالهاء هنا عوض من ذهاب فتحة العين، لأنّ الأصل أروقت أو أريقت ... ثمّ إنّهم جعلوا الهاء عوضا من نقل فتحة العين عنها إلى الفاء، كما فعلوا ذلك في أسطاع. (اللسان: طوع) وانظره في مادة (هرق) أيضا. (2) قطعة من بيت مجهول القائل تمامه: يديان بيضاوان عند محلّم ... قد تمنعانك أن تضام وتضهدا انظر المنصف 1/ 64 و 2/ 148 وابن يعيش 4/ 151 و 5/ 83 و 6/ 5 و 10/ 56 والخزانة 3/ 347. (3) قطعة من بيت لعلي بن بدال تمامه: ولو أنّا على حجر ذبحنا ... جرى الدّميان بالخبر اليقين

النساء: 19

وفي الجمع نحو: أيد ودماء، وفي التحقير نحو: دميّ ويديّة، وليست المبهمة كذلك، ويمكن أن يكون أبو عمرو قدّر ذانك تثنية ذلك، فعوّض الحرف في التثنية من الحرف الزائد الذي كان في الإفراد قبل التثنية، والأول أشبه. [النساء: 19] اختلفوا في فتح الكاف وضمها من قوله [جلّ وعز] «1» كرها [النساء/ 19] وذلك في أربعة مواضع في النساء [19]، والتوبة [53]، والأحقاف في موضعين [15]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: كرها بفتح الكاف فيهنّ كلّهنّ. وقرأ عاصم وابن عامر: كرها بالفتح في النساء والتوبة. وقرأ في الأحقاف: كرها* مضمومتين. وقرأ حمزة والكسائي: كرها* بالضم فيهنّ كلّهنّ. وقال ابن ذكوان في حفظي: كرها: بفتح الكاف في سورة الأحقاف في الموضعين «2». قال أبو علي: الكره والكره: لغتان، كقولهم: الفقر والفقر، والضّعف، والضّعف، والدّفّ والدّفّ، والشّهد والشّهد. فمن قرأ الجميع بالضم فقد أصاب. وكذلك لو قرأ قارئ جميع ذلك

_ انظر المقتضب 1/ 231 2/ 238 و 3/ 153 والخزانة 3/ 349 وابن الشجري 2/ 34 والمنصف 2/ 148 وابن يعيش 4/ 151، 152 و 5/ 84 و 6/ 5 و 9/ 24. (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 229.

النساء: 19

بالفتح، وكذلك إن قرأ بعض ذلك بالفتح وبعضه بالضم، كل ذلك مستقيم. [النساء: 19] اختلفوا في كسر الياء وفتحها من قوله [جلّ وعز] «1»: بفاحشة مبينة [النساء/ 19] وآيات مبينات [النور/ 34/ 46]. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: بفاحشة مبينة*، وآيات مبينات* بفتح الياء فيهما جميعا. وقرأ نافع وأبو عمرو بفاحشة مبينة كسرا، وآيات مبينات فتحا. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص، والمفضّل عن عاصم بفاحشة مبينة كسرا وآيات مبينات كسرا أيضا «2». قال أبو علي: قال سيبويه: قالوا: أبان الأمر وأبنته واستبان، واستبنته، والمعنى واحد، وذا هنا بمنزلة حزن، وحزنته، في فعلت. وكذلك: بيّن وبيّنته «3». وقال أبو عبيدة: الفاحشة: الشّنار والفحش والقبح. قال أبو علي: الفاحشة: مصدر كالعاقبة والعافية يدل على ذلك قوله تعالى: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء [الأعراف/ 28] فالفحشاء: كالنعماء والبأساء والضراء.

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 230. (3) سيبويه 2/ 237 في آخر باب افتراق فعلت وأفعلت في الفعل للمعنى.

النساء: 24

وقيل في قوله «1»: ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [الطلاق/ 1] قولان: أحدهما: إلّا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحدّ عليهنّ، وقيل: إلّا أن يأتين بفاحشة مبيّنة في خروجهنّ من بيوتهنّ. فمن فتح العين في مبيّنة كان المعنى: يبيّن فحشها، فهي مبيّنة، ومبيّنة: فاحشة: بيّنت فحشها فهي مبيّنة. وقيل: إنّه جاء في التفسير: فاحشة: ظاهرة. فظاهرة حجّة لمبيّنة. وأمّا الفتح في قوله: مبينات* فحجّته «2»: قد بينا لكم الآيات [آل عمران/ 118 - الحديد/ 17] ومن قرأ: مبينات فحجّته قوله: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله [المائدة/ 15] فالمبين والمبيّن واحد، وكذلك قوله: هذا بيان للناس [آل عمران/ 138] فما هدى الله به فهو مبيّن للمهديّ، كما أنّ البيان للناس مبيّن لهم. [النساء: 24] اختلفوا في فتح الصاد وكسرها من قوله جلّ وعزّ «3»: والمحصنات [النساء/ 24]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة: والمحصنات بفتح الصاد في كلّ القرآن. وقرأ الكسائي: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [النساء/ 24] بفتح الصاد في هذه وحدها، وسائر القرآن: والمحصنات* «4» ومحصنات* [النساء/ 25] بكسر الصاد. ولم يختلف أحد من القراء في هذه وحدها أنها بفتح الصاد

_ (1) في (ط): قوله تعالى. (2) في (ط): فحجته قوله. (3) سقطت من (ط). (4) وهي في: النساء/ 25 والمائدة/ 5 والنور 4/ 23.

أعني: والمحصنات من النساء [النساء/ 24] حدّثنا أحمد قال «1»: حدثنا أبو حمزة الأنصاري: قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن مجاهد وعبد الله بن كثير مثل قراءة الكسائي: والمحصنات من النساء مفتوحة الصاد وسائر القرآن: والمحصنات* «2». [قال أبو علي] «3»: قال سيبويه: قالوا: للمرأة حصنت حصنا، وهي حصان، كجبنت جبنا وهي جبان. قال: وقالوا: حصنا كما قالوا: علما «4». وقد جاء الإحصان في التنزيل واقعا على غير شيء. من ذلك وقوعها «5» على الحرائر، يدل على ذلك غير موضع في التنزيل، أحدها: قوله: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم [النور/ 4] ألا ترى أنه إذا قذف غير حرة لم يجلد ثمانين. ومن ذلك: قوله «6»: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [النساء/ 25]. ومن ذلك قوله «7»: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [النساء/ 25] والمحصنات: المتزوجات بدلالة قوله: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [النساء/ 24]

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة: 230. (3) سقطت من (ط). (4) سيبويه 2/ 226 باب في الخصال التي تكون في الأشياء. (5) في (ط): وقوعه. (6) في (ط): قوله تعالى. (7) في (ط): قوله تعالى.

فذوات الأزواج محرّمات على كل أحد، إلّا على أزواجهنّ، وفسّروا قوله: إلا ما ملكت أيمانكم إلّا ما ملكتموهنّ بالسبي من دار الحرب، ألا ترى أنّ ذوات الزوج في دارنا محرّمة على كل أحد سوى الزوج. فأمّا إذا كانت متزوجة في دار الحرب، فسبيت منها، فإنّها تحلّ لمالكها، ولا عدّة عليها إذا دخلت دار الإسلام. ويدل على أنّ المتزوجة يقال لها محصنة قوله: وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات [النساء/ 25]. ويدلّ عليه أيضا قوله: أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين [النساء/ 24] وقد فسّر قوله: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات [النساء/ 25] بالعفائف. ويدلّ على وقوع الإحصان على العفّة قوله: ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها [التحريم/ 12] وروي عن إبراهيم «1» ومجاهد أن أحدهما قرأ: أحصن وفسّره بتزوّجن، وقرأ الآخر: أحصن «2» وفسره: بأسلمن. فقد ثبت بما «3» ذكرنا أنّ الإحصان يقع على الحريّة، وعلى التزويج، وعلى العفّة، وعلى الإسلام. وليس تبعد هذه الأسماء عمّا عليه موضوع اللغة. قال أبو عبيدة: في قوله: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم المحصنات: ذوات الأزواج «4». وأنشد الأصمعي:

_ (1) هو النخعي: ابن يزيد بن قيس بن الأسود أبو عمران الكوفي الإمام المشهور ... قرأ على الأسود بن يزيد ... وقرأ عليه الأعمش انظر طبقات القراء 1/ 29. (2) وسيأتي الكلام عن هاتين القراءتين قريبا. (3) في (ط): مما. (4) مجاز القرآن 1/ 122.

إذا المعسيات كذبن الصّبو ... ح خبّ جريّك بالمحصن «1» وفسّر المحصن المدّخر من الطعام، والمدّخر للاحراز لا تمتد إليه اليد امتدادها إلى غير المحرز للادّخار. والحريّة تبعد وتمنع من «2» امتهان الرقّ، والإسلام يحظر الدم والمال اللذين كانا على الإباحة قبل، والتزويج في المرأة كذلك في حظر خطبتها التي كانت مباحة قبل ويمنع تصدّيها للتزويج، والعفّة: حظر النفس عما يحظره الشرع. فهذه الأسماء قريبة مما عليه أصل اللغة. وأنشد أبو عبيدة «3»: وحاصن من حاصنات ملس ... من الأذى ومن قراف الوقس قال: الحاصن: العفيفة، قال: والوقس: مثل توقّس الجرب، قال: والمحصنة أحصنها زوجها. قال أبو علي: الحاصن

_ (1) البيت في التهذيب للأزهري (عسا) 3/ 86 واللسان (عسا) و (جرا) بغير نسبة. قال ابن الأعرابي: المعسية: الناقة التي يشك فيها أبها لبن أم لا؟ وقد جاءت في (م) واللسان (جرا): المعشيات، وهي تصحيف. والجريّ: الخادم والوكيل والرسول. (2) في (ط): عن. (3) مجاز القرآن 1/ 122، ونسبه للعجاج وهو في ديوانه 2/ 42، 43، وتفسير الطبري 5/ 7 والجمهرة لابن دريد 2/ 165. واللسان (حصن، وقس) ملس، يقول: هي ملساء من الأذى، أي: ليس فيها أثر فيه. القراف: المداناة، ويقال: القرف من التلف، أي: مداناة الأرض الوبئة، والوقس: الجرب، فأراد أن يقول: من قراف المكروه كله، (ا. هـ عن شرح الديوان 2/ 42، 43) وقال في اللسان: الوقس الفاحشة وذكرها، ضرب الجرب مثلا للفاحشة.

النساء: 24

يحتمل ضربين: إما أن يكون على معنى النسب أو يكون مثل: دلو الدال «1» ... وإنّما وقع الاتفاق على فتح العين من قوله: والمحصنات لما فسروا الحرف عليه من أنّه يعنى به الحربية المتزوجة في دار الحرب. [النساء: 24] واختلفوا في فتح الألف وضمها من قوله تعالى: وأحل لكم [النساء/ 24]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأحل لكم بفتح الألف والحاء. وقرأ حمزة والكسائي: وأحل لكم بضم الألف «2». قال أبو علي: وأحل لكم ما وراء ذلكم بناء الفعل للفاعل أشبه بما قبله، ألا ترى أن معنى: كتاب الله عليكم: كتب الله عليكم كتابا، وأحلّ لكم؟ ومن بنى الفعل للمفعول به فقال: وأحل لكم فهو في المعنى يؤول إلى الأول، وفي ذاك مراعاة مشاكلة ما بعد بما «3» قبل. [النساء: 25] واختلفوا في فتح الألف وضمها «4» من قوله تعالى «5»: أحصن [النساء/ 25].

_ (1) جزء بيت من الرجز للعجاج سبق. في 2/ 277. (2) السبعة 230. (3) في (ط): لما. (4) ورد في هامش (م) تعليقة نصها: قوله: فتح الألف وضمها تعبير ناقص، لأنّ الألف لا تقبل الحركة، والعبارة الصحيحة أن يقال: ضم الهمزة وفتحها، وإن كان أراد ذلك في تعبيره بالألف، والله أعلم. هـ. (5) سقطت من (ط).

النساء: 29

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (أحصنّ) مضمومة الألف، وقرأ حمزة والكسائي أحصن مفتوحة الألف. واختلف عن عاصم فروى عنه أبو بكر والمفضل: وأحل لكم [النساء/ 24] وأحصن بالفتح جميعا. وروى عنه حفص: وأحل لكم وأحصن بالضم جميعا. حدّثنا «1» محمد بن الحسين بن شهريار قال: حدّثنا الحسين بن الأسود قال «2»: حدّثنا عبد الله بن موسى عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النّجود، أنّه قرأ: وأحل* بفتح الألف. [حدّثنا أحمد: قال] «3»: أخبرني علي بن العباس، قال: حدثنا: محمد بن عمر بن الوليد الكندي عن ابن أبي حمّاد عن شيبان عن عاصم: وأحل* فتحا، فإذا أحصن بضم الألف. قال أبو علي: أحصنّ: أحصنّ بالأزواج، وقد رويت عن ابن عباس. وفسر بعض السلف أحصنّ: تزوّجن «4». ومن قرأ: أحصن: فمعناه أسلمن، وكذا فسره إبراهيم أو مجاهد. [النساء: 29] اختلفوا في الرفع والنصب في «5» قوله (جلّ وعز) «6»: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [النساء/ 29].

_ (1) في (ط): حدثني أبو بكر. وهو أبو بكر القطان البلخي محمد بن الحسين بن شهريار محدث ثقة روى الحروف سماعا عن الحسين بن علي بن الأسود صاحب يحيى بن آدم وروى عنه القراءة أبو بكر بن مجاهد والنقاش وأبو بكر بن الأنباري وغيرهم. (طبقات القراء 2/ 130 - 131). (2) سقطت من (ط). وفي (ط): الحسين بن علي الأسود. (3) سقطت من (ط). (4) انظر تفسير الطبري 5/ 22، 23. (5) في (ط): من. (6) في (ط): تعالى.

النساء: 31

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر تجارة* رفعا. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم تجارة نصبا «1». قال أبو علي: من رفع فالاستثناء منقطع، لأنّ التجارة عن تراض ليس من أكل المال بالباطل. ومن نصب إلا أن تكون تجارة احتمل ضربين: أحدهما: إلّا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قوله: إذا كان يوما ذا كواكب «2» .... أي إذا كان اليوم يوما «3». والآخر: إلّا أن تكون الأموال ذوات «4» تجارة، فتحذف المضاف، وتقيم المضاف إليه مقامه، والاستثناء على هذا الوجه أيضا منقطع. [النساء: 31] اختلفوا «5» في الياء والنون من قوله [جل وعز] «6»: نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم [النساء/ 31]. فروى أبو زيد سعيد بن أوس عن المفضّل عن عاصم يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم بالياء جميعا. وقرأ الباقون: بالنون «7».

_ (1) السبعة 231. (2) عجز بيت لعمرو بن شأس سبق في الجزء الأول ص 148. (3) في (ط) يوما ذا كواكب. (4) في (ط): أموال. (5) في (ط): واختلفوا. (6) سقطت من (ط). (7) السبعة 232.

النساء: 31

[قال أبو علي] «1»: من قرأ يكفر بالياء، فلأنّ ذكر اسم الله تعالى «2» قد تقدّم في قوله: إن الله كان بكم رحيما [النساء/ 29]. ومن قال: نكفر: فالمعنى: معنى الياء، ومثل ذلك بل الله مولاكم [آل عمران/ 150] ثمّ قال: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب [آل عمران/ 151]. وأبو الحسن يستحسن النون في هذا النحو. [النساء: 31] اختلفوا في ضمّ الميم «3» وفتحها من قوله [جل وعز] «4»: مدخلا [النساء/ 31]. فقرأ نافع وحده: مدخلا كريما مفتوحة الميم، وفي الحج: مثله. وقرأ الباقون: مدخلا مضمومة الميم هاهنا، وفي الحج. ولم يختلفوا في بني إسرائيل في: مدخل صدق ومخرج صدق [الإسراء/ 80] أنّهما بضمّ الميم. وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: مدخلا* بفتح الميم هاهنا وفي الحج «5». قال أبو علي: قوله تعالى: مدخلا* بعد «6» يدخلكم* يحتمل وجهين: يحتمل أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون مكانا. فإن

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (م). (3) في (م) النون وهو خطأ. (4) زيادة في (م). (5) السبعة 232. (6) في (ط): بعد قوله: و

حملته على المصدر أضمرت له فعلا دلّ عليه الفعل المذكور. ويكون قوله مدخلا* فيمن قدره مصدرا انتصابه بذلك الفعل، التقدير: ويدخلكم فتدخلون مدخلا. ويجوز أن يكون مكانا، كأنه قال: يدخلكم مكانا، ويكون على هذا التقدير منتصبا بهذا الفعل المذكور، كما أنّك إذا قلت: أدخلتك مكانا، انتصب بهذا الفعل، والمكان أشبه هاهنا، لأنا رأينا المكان وصف بالكريم، وهو قوله: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم [الدخان/ 25 - 26] فوصف المكان بالكريم «1»، فكذلك يكون قوله: مدخلا* يراد به المكان، مثل المقام «2»، ويجوز أن يكون المراد به: الدخول، أو الإدخال، وإن كان قد وصف بالكرم، ويكون المعنى دخولا تكرمون فيه، خلاف من قيل فيه «3»: الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم [الفرقان/ 34] فليس هذا كقولك: حشرتهم على الوجه، وحشرتهم على وجوههم، أي: لم أدع منهم أحدا غير محشور، ولكن مثل قوله: أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي «4» [الملك/ 22] وكقوله: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة [الزمر/ 24]. قال «5»: ولم يختلفوا في بني إسرائيل في: مدخل صدق، ومخرج صدق أنّهما بضم الميم [قال أبو علي] «6» لا يمتنع في

_ (1) في (ط): فوصف المكان بالكرم. (2) في (ط): المقام والمكان. (3) في (ط): فيهم. (4) ما بين معقوفين زيادة من (ط). (5) يعني ابن مجاهد. (6) سقطت من (م).

النساء: 32

القياس أن تفتح الميم من مدخل على نحو ما قدمنا ذكره من أنّه يكون على فعل مضمر يدل عليه الكلام. ويجوز في المدخل إذا ضمّ أن يكون مكانا وأن يكون مصدرا، فإذا جعلته مصدرا جاز أن تريد مفعولا محذوفا من الكلام، كأنه قال «1»: أدخلني الجنّة مدخلا، أي: إدخال صدق، والأشبه أن يكون مكانا، لإضافته إلى صدق، فهو في هذا كقوله: في مقعد صدق [القمر/ 55] فكما أنّ هذا المضاف إلى صدق مكان، كذلك، يكون المدخل مكانا، ولا يمتنع الآخر لأنّ غير العين قد أضيف إلى صدق في نحو: أن لهم قدم صدق عند ربهم [يونس/ 2] ألا ترى أنّه قد فسّر بالعمل الصالح. [النساء: 32] اختلفوا في الهمز وتركه من قوله تعالى «2»: وسئلوا الله من فضله [النساء/ 32]. فقرأ ابن كثير والكسائي: وسلوا الله من فضله وفسل «3» الذين [يونس/ 94] وفسل «4» بني إسرائيل [الإسراء/ 101] وسل من أرسلنا [الزخرف/ 45] وما كان مثله من الأمر المواجه به، وقبله واو أو فاء، فهو غير مهموز في قولهما. وروى الكسائي عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة أنّهما لم يهمزا:

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) في الأصل (سل) بإسقاط الفاء. (4) في (م): و (سل). وهي من البقرة 211 ولا شاهد فيها. وفي (ط): (فسل) بإسقاط واو العطف قبل الآية.

النساء: 33

وسل، ولا فسل مثل قراءة الكسائي. وقرأ الباقون بالهمز في ذلك كله «1» ولم يختلفوا في قوله: وليسئلوا ما أنفقوا [الممتحنة/ 10] أنّه مهموز «2». قال أبو علي: الهمز وترك الهمز حسنان، ولو خففت الهمزة في قوله: وليسئلوا ما أنفقوا كان أيضا حسنا، وقد قدّمنا ذكر وجوه سل «3». [النساء: 33] واختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [جلّ وعز] «4»: عاقدت [النساء/ 33]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر: عاقدت بالألف. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: عقدت بغير ألف: «5». قال أبو علي: الذكر الذي يعود من الصّلة إلى الموصول ينبغي أن يكون ضميرا منصوبا، فالتقدير: والذين عاقدتهم أيمانكم فجعل الأيمان في اللفظ هي المعاقدة، والمعنى على الحالفين الذين هم أصحاب الأيمان، والمعنى: والذين عاقدت حلفهم أيمانكم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. فعاقدت أشبه بهذا المعنى، لأنّ لكل نفر من المعاقدين يمينا على

_ (1) في السبعة: وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة بالهمز في ذلك كله. (2) السبعة 233. (3) انظر 2/ 216، البقرة/ 119. (4) سقطت من (ط). (5) السبعة 233.

النساء: 36

المحالفة. ومن قال: عقدت أيمانكم، كان المعنى: عقدت حلفهم أيمانكم، فحذف الحلف وأقام المضاف إليه مقامه. والأوّلون كأنّهم حملوا الكلام على المعنى فقالوا: عاقدت، حيث كان من كل واحد من الفريقين يمين، والذين قالوا: عقدت، حملوا الكلام على اللفظ لفظ الأيمان، لأنّ الفعل لم يسند إلى أصحاب الأيمان في اللفظ إنّما أسند إلى الأيمان. [النساء: 36] قال أحمد: روى أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري عن المفضّل عن عاصم: والجار الجنب [النساء/ 36] بفتح الجيم، وإسكان النون، ولم يأت به غيره. وقرأ الباقون: الجنب بضمتين «1». [قال أبو علي] «2»: قال أبو عبيدة: والجار ذي القربى: القريب، والجار الجنب: الغريب. يقال: ما تأتينا إلّا عن جنابة، أي: عن بعد، قال علقمة بن عبدة «3»: فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب «4»

_ (1) السبعة 233. (2) سقطت من (ط). (3) ديوانه ص 48 وهو من مفضلية برقم 119 قالها يمدح الحارث بن جبلة، وكان أسر أخاه شأسا، فرحل إليه يطلب فكّه. انظر شرح المفضليات ص 779 وابن الشجري 1/ 149 والكامل 2/ 723 واللسان والتاج (جنب) والأعلم على طرة الكتاب 2/ 423. (4) مجاز القرآن 1/ 126.

قال أبو الحسن: قال: والجار الجنب، وقال بعضهم: الجنب. قال الراجز «1»: الناس جنب والأمير جنب يريد: بجنب: الناحية، وهذا هو المتنحّي عن القرابة. قال أبو علي: قوله تعالى: والجار الجنب، يحتمل معنيين: أحدهما: أن يريد الناحية، فإذا أراد هذا فالمعنى: ذي الجنب، فحذف المضاف، لأنّ المعنى مفهوم، ألا ترى أنّ الناحية لا يكون الجار إياها، والمعنى: ذي ناحية ليس هو الآن بها، أي: هو غريب عنها. والآخر: أن يكون وصفا مثل: ضرب، وفسل، وندب، فهذا وصف يجري على الموصوف، كما أن الجنب كذلك، وهو في معناه ومعنى اللفظتين على هذا واحد، وهو أنّه مجانب لأقاربه متباعد عنهم. فأما الجنب في قوله: والجار الجنب. فصفة على فعل، مثل أحد في ناقة أحد وسجح في قوله: وامشوا مشية سجحا «2» فالجنب؛ المتباعد عن أهله، يدلّك على ذلك مقابلته

_ (1) الرجز في الصحاح واللسان والتاج (جنب) بغير نسبة عن الأخفش أيضا. (2) قطعة من بيت لحسان بن ثابت وتمامه دعوا التّخاجؤ وامشوا مشية سجحا ... إنّ الرجال ذوو عصب وتذكير انظر الكتاب 2/ 315، والخصائص 2/ 116 وديوانه 1/ 219 واللسان (خجأ) وأساس البلاغة (سجح).

النساء: 37

بالقريب، في قوله تعالى «1» والجار ذي القربى من القرب، كالبشرى من بشّر. ويدل على أنّه البعد، والغربة قول الأعشى: «2» أتيت حريثا زائرا عن جنابة ... فكان حريث عن عطائي جامدا وقال آخر «3»: كرام إذا ما جئتهم عن جنابة ... أعفّاء عن بيت «4» الخليط المجاور فأمّا قوله [جلّ وعز] «5»: وإن كنتم جنبا فاطهروا [المائدة/ 6] فمن الجنابة التي تقتضي التطهّر «6»، وهو أيضا صفة إلّا أنّه يقع على الواحد والجميع «7» كما أن بشرا كذلك، وكما أنّ الحلوب يقع على الجميع، فأمّا الحلوبة والرّكوبة فيقع على الواحد والجميع فيما رواه أبو عمر الجرمي «8» عن أبي عبيدة. وقال أبو عبيدة: والصاحب بالجنب: الذي يصاحبك في سفرك، فيلزمك فينزل إلى جنبك «9». [النساء: 37] اختلفوا في ضمّ الباء في البخل* [النساء/ 37] والتخفيف وفتحها والتثقيل.

_ (1) «تعالى» زيادة في (ط). (2) ديوانه/ 65. (3) لم نعثر على قائله. (4) في (ط): جار. (5) في (ط): تعالى. (6) في (ط): التطهير. (7) في (ط): وعلى الجميع. (8) كذا في (ط): وسقطت من (م). (9) مجاز القرآن 1/ 126.

النساء: 40

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: بالبخل خفيفا وقرأ حمزة والكسائي: بالبخل* مثقلة وكذلك في سورة الحديد [الآية/ 24] مثله. قال أبو علي: قال سيبويه: «قالوا: بخل يبخل بخلا، فالبخل كاللّؤم، والفعل: كشقي وسعد، وقالوا: بخيل، وبعضهم يقول: البخل: كالفقر» والبخل كالفقر، وبعضهم يقول: البخل كالكرم «1» وقد حكى فيه ثلاث لغات وقرئ باثنتين منها: البخل، والبخل. [النساء: 40] اختلفوا في الرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ «2»]: وإن تك حسنة [النساء/ 40]. فقرأ ابن كثير ونافع: وإن تك حسنة رفعا. وقرأ الباقون: نصبا «3». قال أبو علي: النصب حسن لتقدم ذكر: مثقال ذرة [النساء/ 40]، فالتقدير وإن تكن الحسنة مثقال ذرة يضاعفها، كما قال: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] والرفع على: وإن تحدث حسنة، أو إن تقع حسنة يضاعفها. واختلفوا «4» في إثبات الألف وإسقاطها والتخفيف والتشديد

_ (1) سيبويه 2/ 225. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة 233. (4) في (ط): اختلفوا. بإسقاط الواو.

النساء: 42

من قوله [جلّ وعز] «1»: يضاعفها [النساء/ 40]. فقرأ ابن كثير وابن عامر: يضعفها مشدّدة العين بغير ألف. وقرأ الباقون: يضاعفها خفيفة بألف «2». قال أبو علي: المعنى فيهما واحد وهما لغتان. قال «3» سيبويه: تجيء فاعلت لا تريد به عمل اثنين، ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعل، وذلك قولهم: ناولته، وعاقبته، وعافاه الله، وسافرت قال: ونحو ذلك: ضاعفت، وضعّفت، وناعمت ونعّمت «4» فدلّ هذا على أنّه لغتان فبأيّهما قرأت كان حسنا. [النساء: 42] اختلفوا في فتح التاء في «5» قوله تعالى «6»: تسوى. [النساء/ 42] والتشديد وضمها والتخفيف. فقرأ ابن كثير وعاصم، وأبو عمرو «7»: لو تسوى مضمومة التاء خفيفة السين. وقرأ نافع وابن عامر: تسوى مفتوحة التاء مشدّدة السين. وقرأ حمزة والكسائي: لو تسوى مفتوحة التاء خفيفة

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 233. (3) في (ط): وقال. (4) سيبويه 2/ 239 باب دخول الزيادة في فعلت للمعاني. (5) في (ط): من. (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): وأبو عمرو وعاصم.

السين، والواو ممالة مشدّدة في كلّ القرآن «1». [قال أبو علي] «2»: من قال «3»: تسوى فهو تفعّل من التسوية، والمعنى: لو تجعلون والأرض سواء، كما قال تعالى «4»: ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا [عمّ/ 40] ومن هذا قوله: بلى قادرين على أن نسوي بنانه [القيامة/ 4] أي: نجعلها صفحة واحدة لا تفصل بعضها عن بعض، فتكون كالكف، فيعجز لذلك عمّا يستعان عليه من الأعمال بالبنان كالكتابة والخياطة ونحو ذلك، مما لو فقدت البنان معها لم يتمكن منها. ومن أيمانهم: لا والذي شقّهنّ خمسا من واحدة. وقراءة نافع وابن عامر: لو تسوّى المعنى: لو تتسوّى فأدغم التاء في السين لقربها منها، وهذا مطاوع لو تسوّى، لأنّك تقول سوّيته فتسوّى، ولا ينبغي أن يكره هذا لاجتماع تشديدتين، ألا ترى أن في التنزيل: اطيرنا [النمل/ 47] وازينت، [يونس/ 24] ولعلكم تذكرون [الأنعام/ 152] ونحو ذلك، وفي هذا الوجه اتساع لأنّ الفعل مسند إلى الأرض وليس المراد: ودّوا لو تصير الأرض مثلهم، إنّما المعنى: ودّوا لو يصيرون يتسوّون «5» بها، لا تتسوّى هي بهم، وجاز ذلك لأنّه لا يلبس، وقالوا: أدخل فوه الحجر لمّا لم يلتبس.

_ (1) السبعة 234. وفي (ط): في كل ذلك. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): قرأ. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): متسوين.

النساء: 43

وقول حمزة والكسائي: لو تسوّى هو: لو تتسوّى فحذفا التاء التي أدغمها من قال: لو تسوّى لأنها كما اعتلت بالإدغام اعتلت بالحذف. وأمّا إمالة الفتحة نحو الكسرة والألف نحو الياء في تسوّى فحسنة، لأنّ الفعل إذا صار على هذه العدّة استمرّت فيه الإمالة لانقلاب ألفه إلى الياء في نحو يتسويان. [النساء: 43] اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [جلّ وعز] «1» أو لامستم النساء [النساء/ 43]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: أو لامستم بألف هاهنا، وفي المائدة [الآية/ 6] مثله. وقرأ حمزة والكسائي: لمستم بغير ألف، وفي المائدة مثله «2». قال أبو علي: اللمس يكون باليد، وقد اتّسع فيه فأوقع على غيره فمما جاء يراد به مسّ «3» باليد قوله: ولا تلمس الأفعى يداك تنوشها ... ودعها إذا ما غيّبتها سفاتها «4» ومما جاء يراد به غير اللمس بالجارحة قوله تعالى «5»: وأنا لمسنا السماء فوجدناها [الجن/ 8]

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 234. (3) في (ط): اللمس. (4) البيت في اللسان (سفا) وفيه تريدها بدل تنوشها ولم ينسبه. والسفى: التراب. (5) سقطت من (ط).

تأويله: عالجنا غيب السماء ورمناه لنسترقه فنلقيه إلى الكهنة ونخبرهم به. ولما كان اللمس قد يكون غير المباشرة بالجارحة قال «1»: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم [الأنعام/ 7] فخصص باليد لئلا يلتبس بالوجه الآخر، كما جاء وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم [النساء/ 23] لما كان الابن «2» قد يكون متبنّى به من غير الصّلب، وقد كان ينسب المتبنى به إلى المتبنّي فقال: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [الأحزاب/ 5]. وقد «3» قالوا: التمس وهو افتعل من اللمس، فأوقع على ما لا يقع عليه اللمس والمباشرة- قال: الحرّ والهجين والفلنقس ثلاثة فأيّهم تلمّس «4» ليس يريد أيّهم تباشر بيدك، ولكن أيّهم تطلب. قال: وبالسّهب ميمون النّقيبة قوله* لملتمس المعروف أهل ومرحب «5»

_ (1) في (ط): قال تعالى. (2) في (ط): الابن غير. (3) سقطت من (ط). (4) الرجز في اللسان (فلقس) ولم ينسبه الفلقس والفلنقس: البخيل اللئيم، والفلنقس: الهجين من قبل أبويه، الذي أبوه مولى وأمه مولاة، والهجين: الذي أبوه عتيق وأمه مولاة. (5) البيت للطفيل وهو في ديوانه/ 38 من قصيدة يرثي فيها فرسان قومه: ويذكر وقعتهم بطيء. والسهب: موضع هلك فيه رجل منهم حسن الخلق كريم

فملتمس المعروف طالبه ليس مماسّه «1» ولا مباشره. وقوله تعالى «2»: أو لامستم النساء قد عنى به ما لا يكون مسّا بيد، وذاك «3» أنّ الخلوة قد تكون في حكم المسّ في قول عمر وعلي [رضي الله عنهما] «4» والخلوة ليست بلمس ولا مس بجارحة. واختلف الصحابة في قوله: أو لامستم «5» النساء على قولين: فحمله حاملون على المسّ باليد، وآخرون على الجماع، ولم يحمله أحد منهم على الأمرين جميعا، فحمله عليهما خروج من إجماعهم، وأخذ بقول قد أجمعوا على رفضه. وقد أجري المسّ هذا المجرى لا يراد به المباشرة وتلزيق الجارحة بالمطلوب، وذلك قوله: مسنا السّماء فنلناها وطالهم* حتى رأوا أحدا يهوي وثهلانا «6» فليس يريد باشرناها، ولكن يريد به «7» رفعتهم وأنّ غيرهم لا

_ الطبيعة. وهو من شواهد الكتاب 1/ 149، والمقتضب 3/ 219، وابن يعيش 2/ 29. (1) في (م): ماسّه. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وذلك. (4) سقطت من (ط). ولم نظفر بقول عمر وعلي. (5) في (ط): لمستم. (6) البيت لابن مغراء في التهذيب 12/ 325 وفيه: مسنا بفتح الميم «ويمشي» بدل «يهوي» واللسان (مسس). (7) سقطت من (ط).

النساء: 58

يدرك شأوهم ولا ينال ما نالوه من رفعة المنزلة وهذا كقوله «1»: .. وقد فاتت يد المتناول ومن المباشرة قوله تعالى «2»: ذوقوا مس سقر [القمر/ 48] وإن يمسسكم قرح [آل عمران/ 140] ولن تمسنا النار إلا أياما [آل عمران/ 24] فأما قوله تعالى «3»: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن [البقرة/ 236] فقد يكون من «4» مثل قوله: ذوقوا مس سقر وقد لا يكون مسّا، ولكن ما يكون في حكم المسّ، وهو الخلوة بها في قول عمر وعلي رضي الله عنهما. وحجة من قرأ «5»: لمستم أن هذا المعنى جاء في التنزيل في غير موضع على فعلتم، وذلك قوله: ولم يمسسني بشر [مريم/ 20] ولم يطمثهن إنس [الرحمن/ 56]. وحجّة من قرأ: لامستم أنّ فاعل قد جاء في معنى فعل، نحو عاقبته، وطارقت النعل. وقال أبو عبيدة اللماس «6» النكاح «7». [النساء: 58] اختلفوا في [قوله تعالى] «8» نعما [النساء/ 58] وقد ذكرته في سورة «9» البقرة. [الآية/ 271].

_ (1) لم نعثر على قائله. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (م). (5) في (ط): قال. (6) في (م): اللمس. (7) مجاز القرآن 1/ 128. (8) كذا في (ط) وسقطت من (م). (9) سقطت من (ط).

النساء: 66

[النساء: 66] اختلفوا في كسر النون وضمها من قوله [جلّ وعز] «1»: أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا [النساء/ 66] وكسر الواو وضمها. فروى نصر بن علي الجهضميّ عن أبيه عن أبي عمرو: أن اقتلوا بالكسر أو اخرجوا [مضمومة الواو] «2» مثل قول اليزيدي. وقرأ ابن عامر وابن كثير ونافع والكسائي: أن اقتلوا أو اخرجوا بالضم فيهما. وقرأ عاصم وحمزة: أن اقتلوا أو اخرجوا كلاهما كسرا «3». قال أبو علي: أما فصل أبي عمرو بين الواو والنون، وكسره النون في أن اقتلوا وضمّه الواو في أو اخرجوا: فلأنّ الضم في الواو أحسن لأنّها تشبه واو الضمير، والجمهور في واو الضمير على الضم، نحو: ولا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237] والنون إنّما ضمّت «4» لأنّها مكان الهمزة التي ضمت لضم الحرف الثالث، فجعلت بمنزلتها، وإن كانت منفصلة، وفي الواو هذا المعنى، والمعنى الآخر الذي ذكرنا من «5» مشابهة واو الضمير. والضمّ في سائر هذه أحسن، لأنّها في موضع الهمزة. قال أبو الحسن: وهي لغة حسنة، وهي أكثر في الكلام وأقيس. ووجه قول من كسر

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): بالضم. (3) السبعة 224. (4) في (ط): تضم. (5) في (ط): في.

أنّ هذه الحروف منفصلة في «1» الفعل المضموم الثالث، والهمزة متّصلة «2» بها، فلم يجروا المنفصل مجرى المتصل. وما أجروه من المنفصل في «3» كلامهم مجرى المتصل أكثر من أن يقتصّ. قال: وكلهم قرأ: ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء/ 66] رفعا، إلّا ابن عامر فإنّه قرأ: إلا قليلا منهم* نصبا، وكذلك هي في مصاحفهم «4». قال أبو علي: الوجه في «5» قولهم: ما أتاني أحد إلّا زيد، الرفع، وهو الأكثر الأشيع في الاستعمال، والأقيس، فقوّته من جهة القياس أنّ معنى: ما أتاني أحد إلّا زيد، وما: أتاني إلّا زيد؛ واحد فكما اتفقوا على: ما أتاني إلّا زيد، على الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلّا زيد، بمنزلته ومعناه «6»، اختاروا الرفع مع ذكر أحد، وأجروا ذلك على «يذر» و «يدع» في أنّ «يذر» لما كان في معنى «يدع» فتح، وإن لم يكن فيه حرف حلق. ومما يقوي ذلك أنّهم في الكلام وأكثر «7» الاستعمال يقولون: ما جاءني إلّا امرأة، فيذكّرون حملا على المعنى، ولا يؤنّثون ذلك فيما زعم أبو الحسن «8» إلّا في الشعر قال:

_ (1) في (ط): من. (2) في (م): فمتّصلة: وهي تحريف. (3) في (ط): من. (4) السبعة: 235. (5) في (ط): من. (6) في (ط): وبمعناه. (7) في (ط): زيادة «في» بعد «أكثر». (8) في (ط): «الخليل» مكان أبو الحسن.

برى النّخر والأجرال ما في غروضها فما بقيت إلّا الضّلوع الجراشع «1» فكما أجروه على المعنى في قوله، فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو: ما جاءني أحد إلّا زيد، فرفعوا الاسم الواقع بعد حرف الاستثناء. وأمّا من نصب فقال: ما جاءني أحد إلّا زيدا، فإنّه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، وذلك: أن قوله: ما جاءني أحد، كلام تام. كما أنّ: جاءني القوم، كذلك، فنصب مع النفي، كما نصب مع الإيجاب من حيث اجتمعا في أن كلّ واحد منهما كلام تام. فأمّا قوله [جلّ وعزّ] «2»: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك [هود/ 81] فإذا جعلت قوله تعالى: امرأتك مستثنى من: لا يلتفت منكم أحد؛ كان فيه الوجهان: الرفع والنصب، والوجه الرفع. ومن قال: ما فعلوه إلا قليل؛ فقياس قوله في هذه الرفع. وإن جعلت الاستثناء من قوله: فأسر بأهلك لم يكن إلّا النصب. قال سيبويه: ومن قال: أقول: ما أتاني القوم إلّا أباك، لأنّه بمنزلة

_ (1) البيت الذي الرمة من قصيدة في ديوانه 3/ 1296 والمحتسب 2/ 207 وابن يعيش 2/ 87 والعيني 2/ 477 وجاء في الديوان برواية: طوى النحز والأجراز ما في غروضها ... فما بقيت إلّا الصدور الجراشع والنحز (بالنون والزاي): ضرب الأعقاب والاستحثاث في السير: وهو أن يحرك عقبيه، ويضرب بهما موضع عقبي الراكب. والأجرال: جمع جرل، وهو المكان الصلب الغليظ. والأجراز: الأمحال والواحد: جرز ومحل. والغروض: الواحد غرض، وهو حزام الرحل. والجرشع واحد الجراشع: وهو المنتفخ الجنبين. (2) سقطت من (ط).

النساء: 73

قولي: أتاني القوم إلّا أباك، فإنّه ينبغي له أن يقول: ما فعلوه إلا قليل منهم. وحدّثني يونس أنّ أبا عمرو كان يقول: الوجه: ما أتاني القوم إلّا عبد الله. ولو كان هذا بمنزلة قوله: أتاني القوم؛ لما جاز أن يقول: ما أتاني أحد، كما أنّه لا يجوز أن يقول: أتاني أحد، ولكن المستثنى في هذا الموضع بدل من الاسم الأوّل، ولو كان من قبل الجماعة لما قلت: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم [النور/ 6] «1». قال أبو عمر «2»: قوله: ولو كان هذا من قبل الجماعة لما قلت: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم يعني: أن قوما يقولون: إذا أخرجت واحدا من جماعة، أو قليلا من كثير فهو نصب، إن كان ما قبله نفيا أو إيجابا، وهذا خطأ. قال أبو عمر: وإذا قلت: ما أتاني أحد إلّا زيد، فهي نفي الناس كلّهم لأنّ أحدا جماعة، فكان ينبغي في قياس قولهم أن يقولوا: ما أتاني أحد إلّا زيدا فينصبوا «3». [النساء: 73] واختلفوا «4» في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «5» كأن لم تكن بينكم وبينه مودة [النساء/ 73]. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص والمفضّل: كأن لم تكن بالتاء.

_ (1) انتهى نقله عن الكتاب 1/ 360: باب ما يكون استثناء بإلا. (2) سقطت من (ط). (3) في هامش (م) عبارة: بلغت والحمد لله وحده. (4) في (ط): اختلفوا. (5) سقطت من (ط).

النساء: 77

وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: يكن* بالياء «1». قال أبو علي: من قرأ بالتاء، فلأنّ الفاعل المسند إليه الفعل مؤنّث في اللفظ ومن قرأ بالياء، فلأنّ التأنيث ليس بحقيقي، وحسّن التذكير الفصل الواقع بين الفعل والفاعل. ومثل التذكير قوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67] وقوله: فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة/ 275] وفي أخرى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57] فكلا الأمرين قد جاء التنزيل به. وقوله جلّ وعزّ: كأن لم يكن بينكم وبينه مودة «2» اعتراض بين المفعول وفعله، فكما أنّ قوله: قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا [النساء/ 72] في موضع نصب، كذلك قوله: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما في موضع نصب بقوله: ليقولن واتصاله إنّما هو بقوله: قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا .. كأن لم تكن بينكم وبينه مودة «3» أي: لا يعاضدكم على قتال عدوّكم، ولا يرعى الذمام الذي بينكم. [النساء: 77] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز] «4»: ولا يظلمون* [النساء/ 77].

_ (1) السبعة: 235. (2) سقطت من (ط). (3) تمام الآية 73 مع ما قبلها: وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا. ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما. (4) سقطت من (ط).

النساء: 49

فقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي: ولا يظلمون* بالياء «1». وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم: تظلمون بالتاء. [النساء: 49] قال: ولم يختلفوا في قوله: يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا [النساء/ 49] [أنّه بالياء] «2». قال أبو علي: من قرأ: ولا يظلمون فتيلا* بالياء، فلما تقدّم من ذكر الغيبة، وهو قوله: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ... ولا تظلمون. ومن قرأ بالتاء فكأنّه ضمّ إليهم في الخطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم «3» والمسلمين «4»، فغلّب الخطاب على الغيبة، والمعنى: أنّكم أيها المسلمون ما تفعلون «5» من خير يوفّ إليكم، ويجازى «6» من أمر بالقتال فتثبط «7» عنه، بعد أن كان «8» كتب عليه. ويؤكّد التاء قوله «9»: قل متاع الدنيا قليل [النساء/ 77] وما في قل من الخطاب. وأمّا قوله: بل الله يزكي من يشاء [النساء/ 49] ففي يزكي ضمير الغيبة ولا يظلمون بالياء لأنّه إذا كان لمن يشاء فهو للغيبة. [النساء: 81] واختلفوا في إدغام التاء وإظهارها من قوله [جلّ وعز] «10»: بيت طائفة [النساء/ 81].

_ (1) أسقط «السبعة» ابن عامر في قراءة الياء، وأثبته في قراءة التاء. (2) تتمة من السبعة ص 235. (3) سقطت «وسلم» من (ط). (4) في (م): والمسلمون. (5) في (م): ما تفعلونه. وهو خطأ. (6) في (ط): يجازي. (7) في (م): فثبط. (8) سقطت من (ط). (9) سقطت من (ط). (10) سقطت من (ط).

النساء: 94

فقرأ أبو عمرو وحمزة: بيت طائفة مدغما. وقرأ الباقون «1»: بيت طائفة بنصب التاء «2». [قال أبو علي] «3»: وجه الإدغام: أن الطاء والتاء والدال من حيّز واحد، فالتقارب الذي بينهما يجريهما مجرى المثلين في الإدغام. ومما يحسّن الإدغام أنّ الطاء تزيد على التاء بالإطباق، فحسن إدغام الأنقص صوتا من الحروف في الأزيد، بحسب قبح إدغام الأزيد في الأنقص، ألا ترى أنّ الضاد لا تدغم في مقاربها، ويدغم مقاربها فيها وكذلك الصاد والسين والزاي لا تدغم في مقاربها، ويدغم مقاربها فيها، ويدغم بعضها في بعض. ومن بيّن فقال: بيت طائفة فلانفصال الحرفين واختلاف المخرجين. [النساء: 94] اختلفوا «4» في الثاء والنون «5» من قوله [جلّ وعز] «6». : فتثبتوا [النساء/ 94]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: فتبينوا بالنون «7»، وكذلك في الحجرات [الآية/ 6]. وقرأ حمزة والكسائي: فتثبتوا بالتاء «8» وكذلك في الحجرات «9».

_ (1) فصلهم في السبعة وهم: ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر والكسائي. (2) السبعة 235. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): واختلفوا. (5) في السبعة: واختلفوا في التاء والثاء والياء والنون. (6) ما بين المعقوفين سقط من (ط). (7) في السبعة: بالياء والنون. (8) في السبعة: بالثاء والتاء. (9) السبعة ص 236.

[قال أبو علي]: «1» حجة من قال «2»: تثبتوا: أن التثبّت هو خلاف الإقدام، والمراد التأنّي، وخلاف التقدّم، والتثبّت أشد اختصاصا بهذا الموضع. ومما يبين ذلك قوله: وأشد تثبيتا [النساء/ 66] أي: أشدّ وقفا لهم عما وعظوا بأن لا يقدموا عليه. ومما يقوّي ذلك قولهم: تثبّت في أمرك. ولا يكاد يقال في هذا المعنى: تبيّن. ومن قرأ: فتبينوا فحجته أنّ التبيّن ليس وراءه شيء، وقد يكون تبينت أشدّ من تثبّت، وقد جاء أنّ التبيّن من الله، والعجلة من الشيطان «3»» فمقابلة «4» التبيّن بالعجلة دلالة «5» على تقارب التثبت والتبيّن وقد «6» قال الأعشى: كما راشد تجدنّ امرأ* تبيّن ثمّ ارعوى أو قدم «7»

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): قرأ. (3) الحديث رواه الترمذي في البرّ برقم 2013 وبلفظ: «الأناة» بدل «التبين» وقال: هذا حديث غريب، وقد تكلّم بعض أهل الحديث في عبد المهيمن بن عباس بن سهل (وهو أحد رواة الحديث) وضعفه من قبل حفظه ورواه السيوطي في الجامع الصغير عن البيهقي في شعب الإيمان وأشار إلى ضعفه 3/ 277 ورواه بلفظ «التأني» ورواه الطبري في تفسيره 26/ 124 عن قتادة بلفظ المؤلف. وفسّر ابن الأنباري التبيّن في الحديث بالتثبّت. النهاية لابن الأثير (1/ 175). (4) في (ط): فتقابل. (5) في (ط): دالة. (6) سقطت من (ط). (7) ديوانه ص 35 من قصيدة في مدح قيس بن معدي كرب. وفيه: ثم انتهى، بدل: ثم ارعوى.

النساء: 94

فاستعمل التبين في الموضع الذي يقف فيه ناظرا في الشيء حتى يقدم عليه أو يرتدع عنه. فالتبين على هذا أولى من التثبت، وقال في موضع الزجر والنهي والتوقف: أزيد مناة توعد يا بن تيم ... تبيّن أين تاه بك الوعيد «1» [النساء: 94] اختلفوا «2» في إدخال الألف وإخراجها من قوله [جلّ وعز] «3»: ألقى إليكم السلام [النساء/ 94]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر، وحفص عن عاصم والكسائي: السلام بألف «4». وروى قنبل والبزّيّ ومطرّف بن معقل الشّقريّ عن ابن كثير، وحكيم عن شبل «5» عن ابن كثير (السلام) بألف. وروى محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير السلم* بغير ألف. وروى عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير: ألقى إليكم السلم بغير ألف.

_ (1) لم نعثر على قائله. (2) في (ط): واختلفوا. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط) بالألف، كما في السبعة. (5) شبل بن عباد أبو داود المكي مقرئ مكة، ثقة ضابط هو أجل أصحاب ابن كثير مولده سنة سبعين، وعرض على ابن محيصن وعبد الله بن كثير وهو الذي خلفه في القراءة. روى عنه القراءة. عبيد بن عقيل وعلي بن نصر ومحمد بن صالح المري ... (طبقات القراء 1/ 323).

قال عبيد: وهم يقرءون كلّ شيء في القرآن من الاستسلام بغير ألف. وروى علي بن نصر «1» عن أبان «2» عن عاصم إليكم السلام بألف. [حدّثنا أحمد قال] «3» حدّثني الحسين بن علي بن مالك قال: حدّثنا أحمد بن صالح قال: حدّثنا حرميّ «4» عن أبان عن عاصم، وحدثني موسى بن هارون عن شيبان عن أبان عن عاصم ألقى إليكم السلم بالكسر وتسكين اللام. المفضّل عن عاصم: السلم* مثل حمزة. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة: السلم* بغير ألف «5». قال أبو علي: من قرأ: السلام احتمل ضربين: أحدهما: أن يكون السلام الذي هو تحيّة المسلمين، أي: لا تقولوا لمن حيّاكم هذه «6» التحيّة: إنّما قالها تعوّذا «7»، فتقدموا

_ (1) في (ط) نصير. وهو علي بن نصر الجهضمي، سبقت ترجمته. (2) أبان بن يزيد بن أحمد أبو يزيد البصري العطار النحوي، ثقة صالح، قرأ على عاصم، وروى الحروف عن قتادة بن دعامة، روى القراءة عنه بكّار بن عبد الله العودي وحرمي بن عمارة، وعلي بن نصر وغيرهم (طبقات القراء 1/ 4). (3) سقطت من (ط). (4) حرميّ بن عمارة بن أبي حفصة أبو روح البصري الأزدي، روى القراءة عن أبان العطار، وروى عنه الحروف أحمد بن صالح (طبقات القراء 1/ 203). (5) السبعة 236 مع اختلاف يسير في التقديم والتأخير. (6) في (ط): بهذه. (7) في (ط): متعوّذا.

عليه بالسيف، ولكن كفّوا عنه، واقبلوا منه ما أظهره من ذلك وارفعوا عنه السيف. والآخر: أن يكون المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم، وكفّوا أيديهم عنكم، ولم «1» يقاتلوكم: لست مؤمنا. قال أبو الحسن: يقولون: إنّما فلان سلام إذا كان لا يخالط أحدا، فكأنّ المعنى: لا تقولوا لمن اعتزلكم، ولم يخالطكم في القتال: لست مؤمنا. ومن قال: السلم* أراد الانقياد والاستسلام إلى المسلمين، ومنه قوله تعالى «2»: وألقوا إلى الله يومئذ السلم [النحل/ 87] أي: استسلموا لأمره، ولما يراد منهم، ولم يكن لهم من ذلك محيص ومنه قوله: ورجلا سلما لرجل [الزمر/ 29] أي: منقاد له غير مخالف عليه ولا متشاكس. ومن قال: السلم* بكسر السين وسكون اللام، فمعناه: الإسلام. والإسلام: مصدر أسلم، أي: صار سلما، وخرج عن أن «3» يكون حربا. قال الشاعر «4»: فإن السّلم زائدة نوالا ... وإنّ نوى المحارب لا تئوب وقال آخر «5»: تبين صلاة الحرب منّا ومنهم ... إذا ما التقينا والمسالم بادن

_ (1) في (ط): فلم. (2) سقطت من (ط). (3) كذا في (ط) وسقطت من (م). (4) لم نعثر على قائله. (5) البيت للمعطل الهذلي وقد سبق في 2/ 322 عند آية البقرة/ 208.

النساء: 95

فالمسالم: خلاف المحارب. وقال تعالى «1»: ادخلوا في السلم كافة [البقرة/ 208] والسّلم: الصلح، وقد يفتح فيقال: السّلم، ومنه قوله سبحانه «2»: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ... [محمد/ 35]. أي: لا تدعو إلى الصلح والمكافّة، ولكن قاوموهم وقاتلوهم، تعلوا عليهم وتعل كلمتكم. ولا يجوز أن يكون المراد فيمن قرأ هذه الآية السلم*: الصلح، ولكن الإسلام كقوله: ادخلوا في السلم [البقرة/ 208] ألا ترى أنّ الحربي إذا حاول من المسلم الصلح كان له الخيار في «3» قتاله ومصالحته، وإذا أظهر له الإسلام لم يجز قتاله. والمعنى في الآية: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم الإسلام لست مسلما. والسّلم الذي «4» هو: الصلح، تفتح فاؤه وتكسر، ويؤنّث ويذكّر، قال تعالى «5»: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها [الأنفال/ 61]. [النساء: 95] اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله [جلّ وعز] «6»: غير أولي الضرر [النساء/ 95]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة غير أولي الضرر برفع الراء.

_ (1) سقطت من (ط) وقد سبق الكلام على الآية في 2/ 292. (2) سقطت من (ط). (3) في (م): وضعت كلمة «بين قتاله» على الهامش. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (م). (6) سقطت من (ط).

[حدّثنا أحمد قال] «1»: حدّثني الصّوفي الحسين بن بشر «2» قال: حدثنا روح بن عبد المؤمن «3» قال: حدثنا محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير أنّه قرأ: غير أولي الضرر بنصب الراء. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي: غير أولي* بنصب الراء «4». قال أبو علي: من رفع الراء جعل غير صفة للقاعدين عند سيبويه، وكذلك من قال: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب [الفاتحة/ 7] فجرّ «5» غير* كان عنده أيضا صفة، ومثل ذلك قول لبيد: وإذا جوزيت قرضا فاجزه ... إنّما يجزي الفتى غير الجمل «6»

_ (1) ما بين المعقوفين ساقط من (ط). (2) الحسين بن بشر بن معروف أبو الحسين الطبري الريشي، يعرف بالصوفي، روى القراءة عن روح بن عبد المؤمن، روى عنه أبو بكر بن مجاهد (طبقات القراء 1/ 279). (3) روح بن عبد المؤمن أبو الحسن الهذلي البصري النحوي: مقرئ جليل ثقة ضابط مشهور، عرض على يعقوب الحضرمي، وهو من جلة أصحابه وروى الحروف عن أحمد بن موسى، ومعاذ بن معاذ، ومحبوب ومحمد بن صالح المري وغيرهم، روى عنه البخاري في صحيحه. مات سنة أربع أو خمس وثلاثين ومائتين (طبقات القراء 1/ 285). (4) في (ط): «نصبا». السبعة: 237. (5) في (ط) بجرّ. (6) سبق البيت في 2/ 186 قال الأعلم (طرة سيبويه 1/ 370): الشاهد فيه: نعت الفتى، وهو معرفة، بغير وإن كان نكرة، والذي سوغ هذا أنّ التعريف بالألف واللام يكون للجنس فلا يخص واحدا بعينه فهو مقارب للنكرة، وإن غيرا مضافة إلى معرفة فقاربت المعارف لذلك، وإن كانت نكرة فجرت على

النساء: 114

فغير صفة للفتى. ومثله في «إلّا» في «1» قول الشاعر: لو كان غيري سليمى اليوم غيّره ... وقع الحوادث إلّا الصارم الذّكر «2» كأنه قال: لو كان غيري غير الصارم الذّكر، غيّره «3» وقع الحوادث، قال: والمعنى: أنّ الصارم الذكر لا يغيره شيء «4». ومن نصب غيرا جعله استثناء من القاعدين. قال أبو الحسن: وبها نقرأ. قال: وبلغنا أنّها نزلت من بعد قوله: لا يستوي القاعدون، ولم تنزل معها؛ استثني بها قوم لم يقدروا على الخروج. والقاعدون مرتفع بقوله: يستوي ويستوي هذا يقتضي فاعلين فصاعدا. وقوله: والمجاهدون معطوف عليه التقدير: لا يستوي القاعدون إلّا أولي الضرر والمجاهدون. [النساء: 114] واختلفوا «5» في الياء والنون من قوله تعالى «6»: فسوف نؤتيه [النساء/ 114].

_ الأول لذلك. يقول: ينبغي لمن أقرض قرضا وأحسن إليه أن يجزي عليه ولا يكفر النعمة، فيكون كالبهيمة لا تعرف الإحسان ولا تجازي به. اهـ. (1) سقطت من (ط). (2) البيت للبيد بن ربيعة وهو في ديوانه/ 57، والأشموني 2/ 156، قال الأعلم: الشاهد فيه جري إلّا وما بعدها على غير نعتا لها. والمعنى: إن وقع الدهر لا يغيره كما لا يغير الصارم الذكر. وهو الماضي من السيوف، والذكر والمذكر: الحديد الذي ليس بأنيث. (طرة الكتاب 1/ 370). (3) في سيبويه: لغيره. (4) انتهى نقله عن الكتاب 1/ 370 باب ما يكون فيه إلّا وما بعده وصفا بمنزلة مثل وغير. (5) في (ط): اختلفوا. (6) سقطت من (ط).

النساء: 124

فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «1» والكسائيّ فسوف نؤتيه بالنون. وقرأ أبو عمرو وحمزة: يؤتيه* بالياء «2». قال أبو علي: من قرأ بالياء فلقوله: ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف يؤتيه ومن قرأ: نؤتيه فهو مثل يؤتيه* في المعنى. [النساء: 124] اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها من قوله [جلّ وعز]: «3»: يدخلون الجنة [النساء/ 124] فقرأ ابن كثير: يدخلون الجنة*، في ثلاثة مواضع: في النساء، وفي مريم [60]، وفي المؤمن «4» [40]، ورابعا فيه سين، وهو «5» قوله تعالى «6»: سيدخلون جهنم [غافر/ 60]. وروى مطرّف الشّقري عن معروف بن مشكان «7» عن ابن كثير أنّه ضمّ الحرف الذي في سورة الملائكة «8»: جنات عدن

_ (1) سقطت ابن عامر من (م). وهي في السبعة و (ط). (2) السبعة 237. (3) سقطت من (ط). (4) وتسمى سورة غافر. (5) في (ط): فهو. (6) سقطت من (ط). (7) معروف به مشكان أبو الوليد المكي مقرئ مكة مع شبل ولد سنة مائة، وهو من أبناء الفرس الذين بعثهم كسرى في السفن لطرد الحبشة من اليمن، أخذ القراءة عرضا عن ابن كثير وهو أحد الذين خلفوه في القيام بها بمكة روى عنه القراءة عرضا إسماعيل القسط، وسمع منه الحروف مطرف النهدي وحماد بن زيد. مات سنة خمس وستين ومائة (طبقات القراء 2/ 303، 304). (8) وهي سورة فاطر أيضا.

يدخلونها [33] ولم يأت بها «1» مضموما عن ابن كثير غيره. وقرأ عاصم في رواية أبي هشام عن يحيى وابن عطارد عن أبي بكر مثل ابن كثير في الملائكة. وأما خلف ومحمد بن المنذر وأحمد بن عمر الوكيعي فرووا عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم: بفتح الياء في يدخلون الجنة في المؤمن. وقال خلف عن يحيى سمعت أبا بكر وقد سئل عنها، فقال: سيدخلون بفتح الياء. وقرأ أبو عمرو في النساء، وفي مريم، وفي الملائكة، وفي المؤمن: يدخلون الجنة بضم الياء، وفتح الياء من سيدخلون جهنم داخرين. وروى حفص عن عاصم أنّه كان يفتحهن كلّهنّ. وروى الكسائي عن أبي بكر وخلاد عن حسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم أنّه فتحهنّ كلّهنّ مثل حفص. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء فيهنّ كلّهنّ «2» .. [قال أبو علي] «3»: حجّة من قال: يدخلون قوله: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون [الزخرف/ 70] ادخلوها بسلام آمنين [الحجر/ 46] قيل ادخل الجنة [يس/ 26]. ومن قال: يدخلون فلأنّهم لا يدخلونها حتى يدخلوها.

_ (1) في (ط): به. (2) السبعة 237 - 238. (3) سقطت من (ط).

النساء: 128

[النساء: 128] اختلفوا «1» في ضمّ الياء والتخفيف، وفتحها والتشديد من قوله «2»: أن يصالحا [النساء/ 128]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: يصالحا بفتح الياء والتشديد. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أن يصلحا بضم الياء والتخفيف «3». قال أبو علي: من قال: فلا جناح عليهما أن يصالحا؛ فوجهه أنّ الأعرف في استعمال «4» هذا النحو: تصالحا. ويبين ذلك أنّ سيبويه زعم أنّ هارون حدّثهم أنّ بعضهم قرأ: فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا «5»، فيصّلحا: يفتعلا، وافتعل وتفاعل بمعنى، ولذلك صحّت الواو في: اجتوروا، واعتونوا، واعتوروا، لمّا كان بمعنى: تجاوروا، وتعاونوا، وتعاوروا، فهذه حجة لمن قرأ أن يصالحا، وكذلك زعموا «6» في حرف عبد الله: فلا جناح عليهما إن اصّالحا. ومن قرأ: يصلحا، فإنّ الإصلاح عند التنازع والتشاجر أيضا قد استعمل كما استعمل تصالح، قال: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم [البقرة/ 182] وقال: إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس [النساء/ 114]

_ (1) في (ط): واختلفوا. (2) في (م): زيادة: جلّ وعز إلّا. وكلمة إلّا ليست في آية النساء المذكورة. (3) السبعة 238. (4) في (ط): الاستعمال. (5) سيبويه 2/ 421. (6) زادت (م) «أن» بعد زعموا.

وليس الصلح على واحد من الفعلين، فيجوز أن يكون اسما مثل: العطاء والعطية من أعطى، والكرامة من أكرم، فمن قرأ: يصلحا كان تعدّي الفعل إليه كتعدّيه إلى الأسماء، كقولك: أصلحت ثوبا. فإن قلت: فمن قرأ: تفاعل، فما وجهه، وتفاعل لا يتعدّى كما تعدّى أفعل؟ قيل: إن تفاعل قد جاء متعديا في نحو قول ذي الرّمّة: ومن جردة غفل بساط تحاسنت ... به الوشي قرّات الرّياح وخورها «1» ويجوز فيه أن يكون مصدرا حذفت زوائده، كما قال:. وإن يهلك فذلك كان قدري «2» أي: تقديري: ويجوز أيضا أن يكون وضع المصدر موضع الاسم كما وضع الاسم في «3» موضع المصدر في نحو قوله «3»: باكرت حاجتها الدّجاج ... «5» وقوله: وبعد عطائك المائة الرّتاعا «6»

_ (1) البيت من قصيدة في ديوانه 1/ 232 والمعاني الكبير 1192، وفيه: «بها» بدل «به» قال شارح الديوان: الجردة من الرمل: بمعنى الجرداء، وغفل: ليس بها علم، بساط: واسعة مستوية، قرّات الرّياح: بواردها، وخورها: أراد خور الرياح وهو: ما لان منها، ولم يكن فيه برده. قال ابن قتيبة: شبه آثار الرياح بالوشي. (2) هذا عجز بيت ليزيد بن سنان وقد سبق انظر 2/ 132، 277. (3) سقطت من (ط). (5) قطعة من بيت للبيد سبق في 1/ 182. (6) هذا عجز بيت للقطامي سبق انظر 1/ 182، 2/ 288.

النساء: 135

[النساء: 135] واختلفوا في إسقاط الواو وإثباتها، وضمّ اللام، وإسكانها من قوله [جلّ وعز] «1»: وإن تلووا [النساء/ 135]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم والكسائي: تلووا بواوين الأولى مضمومة، واللام ساكنة. وقرأ حمزة وابن عامر: تلوا بواو واحدة، واللام مضمومة «2». [قال أبو علي] «1»: حجة من قال: تلووا أنّه «4» قيل: إنّ ابن عباس فسّره بأنّه: القاضي يكون ليّه وإعراضه لأحد الخصمين على الآخر. وحجة من قال: تلوا بواو واحدة أن يقول: إن تلوا في هذا الموضع حسن، لأنّ ولاية الشيء. إقبال عليه، وخلاف الإعراض عنه، فالمعنى: إن تقبلوا أو تعرضوا، فلا تلوا، فإن الله كان بما تعملون خبيرا، فيجازي المحسن المقبل بإحسانه، والمسيء المعرض بإعراضه وتركه الإقبال على ما يلزمه أن يقبل عليه، ويقول: لو قرأت: وإن تلووا أو تعرضوا؛ لكان كالتكرير، لأنّ اللّيّ مثل الإعراض، ألا ترى أنّ قوله: لووا رؤسهم ورأيتهم يصدون [المنافقون/ 5] إنّما هو إعراض منهم وترك انقياد «5» للحق، وكذلك ليا بألسنتهم [النساء/ 46] إنّما هو انحراف وأخذ فيما لا ينبغي أن يأخذوا فيه، فإذا كان كذلك كان كالتكرير، وإذا قلنا: تلوا فقد ذكرنا الإعراض وخلافه.

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 239. (4) في (ط): فقد بدل أنه. (5) في (ط): إعراض عنهم وترك الانقياد.

النساء: 136

ومن حجة من قال «1»: تلووا بواوين من لوى أن يقول: ما ذكرتم أنّ الدلالة وقعت عليه في قراءتكم تلوا بواو واحدة وقد فهم بما تقدم من قوله: فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا فيستغنى به، ولا ينكر أن يتكرر اللفظان لمعنى واحد نحو قوله: فسجد الملائكة كلهم أجمعون [الحجر/ 30] ونحو قوله: وهند أتى من دونها النّأي والبعد «2» وقوله: وألفى قولها كذبا ومينا «3» وقد قيل: إن تلوا يجوز أن يكون تلووا، وأن الواو التي هي عين همزت لانضمامها كما همزت في أدؤر، وألقيت حركة الهمزة على اللام التي هي فاء. [النساء: 136] اختلفوا في فتح النون والألف من قوله تعالى «4»: والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل [النساء/ 136] وضمّها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر: الذي نزل على

_ (1) في (ط): قرأ. (2) عجز بيت للحطيئة وصدره: ألا حبذا هند وأرض بها هند انظر ديوانه/ 140، وابن الشجري 2/ 36، وابن يعيش 1/ 10، 70. (3) هذا عجز بيت من قصيدة لعدي بن زيد وصدره: وقدمت الأديم لراهشيه وهو من شواهد مغني اللبيب انظر شرح أبياته 6/ 97 والدرر 2/ 167 واللسان (مين). (4) سقطت من (ط).

النساء: 140

رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل مضمومتين. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: الذي نزل .... والكتاب الذي أنزل مفتوحتين. وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم مثل قراءة أبي عمرو بالضم «1». [قال أبو علي] «2»: حجّة من قال: الذي نزل: قوله تعالى: لتبين للناس ما نزل إليهم، [النحل/ 44] وقوله: تنزيل الكتاب من الله [الزمر/ 1] فأضيف المصدر إلى المفعول به، والكتاب على هذا منزّل. وحجّتهم في قوله: والكتاب الذي أنزل قوله: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق [الأنعام/ 114]. وحجة من قرأ: نزل قوله «3»: إنا نحن نزلنا الذكر [الحجر/ 9] وحجّتهم في قوله: والكتاب الذي أنزل من قبل [النساء/ 136] قوله «4»: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس [النحل/ 44]. [النساء: 140] قال: وكلهم قرأ: وقد نزل عليكم في الكتاب [النساء/ 140] غير عاصم فإنه قرأ: وقد نزل «5».

_ (1) زادت (ط): وبفتح النون. وليست ضرورية وزاد في السبعة ص 239 قبل كلمة بالضم: في (نزّل). (2) سقطت من (ط). (3) زادت (ط): تعالى. (4) سقطت من (م). (5) السبعة 239.

النساء: 145

قال أبو علي: المنزّل في الكتاب قوله تعالى «1»: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إلى قوله [جلّ وعز] «2»: الظالمين [الأنعام/ 68]. [النساء: 145] اختلفوا في فتح الرّاء وإسكانها من قوله تعالى «3»: الدرك «4» [النساء/ 145]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: في الدرك مفتوحة الراء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: في الدرك ساكنة الراء. وروى الكسائي وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم: في الدرك مثل أبي عمرو «5». قال أبو عليّ: الدّرك، والدّرك لغتان في الكلمة مثل: الشّمع والشّمع، والقصص والقصّ «6». ومثله في المعتلّ العيب والعاب، والذّيم والذّام، ولو كان الشمع مسكّنا عن الشمع ولم يكن لغة فيه، لم يجز أن يسكّن، ألا ترى أنّ مثل جمل وقدم، لا يسكّن كما يسكّن المضموم والمكسور، كما لم يحذف الألف في الفواصل والقوافي، كما حذفت الياء والواو. حفص عن عاصم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في حاشية (ط) هنا ما نصه: ابتداء المقابلة من قوله: الدرك. (5) السبعة: 239. (6) في (ط): والقص والقصص.

النساء: 152

[النساء: 152] [النساء/ 152] بالياء ولم يكن يقرأ بالياء في هذه السورة غير هذا الحرف. أبو بكر عن عاصم بالنون. وقرأ حمزة: أولئك سوف نؤتيهم أجورهم بالنون. وكذلك قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي بالنون. وقرأ حمزة وحده: أولئك سيؤتيهم أجرا عظيما [النساء/ 162] بالياء. وقرأ الباقون هذا الحرف بالنون «1». حفص عن عاصم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم بالياء «2» حجته في ذلك وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما [النساء/ 146]. حمزة: سوف نؤتيهم أجورهم [النساء/ 152] بالنون. حجته قوله تعالى «3»: وآتيناه أجره [العنكبوت/ 27] فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم [الحديد/ 27]. حمزة وحده: أولئك سيؤتيهم [النساء/ 152] حجته وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما [النساء/ 146] وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم [النساء/ 173].

_ (1) السبعة 240. (2) سقطت من (م). (3) سقطت من (ط).

النساء: 154

[النساء: 154] اختلفوا في قوله [جلّ وعز] «1» لا تعدوا في السبت. [النساء/ 154]. فقرأ نافع: تعدوا بتسكين العين وتشديد الدال. وروى عنه ورش: تعدوا بفتح العين وتشديد الدال. وكلهم ضمّ الدال، وقرأ الباقون: لا تعدو خفيفة «2». قال أبو زيد: عدا عليّ اللص أشدّ العدوّ، والعدو والعداء والعدوان، أي: سرقك وظلمك، وعدا الرجل يعدو عدوا في الحضر، وقد عدت عينه عن ذاك أشدّ العدوّ فهي تعدو. قال أبو علي [ومن قرأ] «3»: لا تعدوا حجته قوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65] فجاء في هذه القصّة بعينها: افتعلوا، وقال: ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [البقرة/ 190]. وأمّا من قال: لا تعدوا على: لا تفعلوا، فحجّتهم قوله تعالى: إذ يعدون في السبت [الأعراف/ 163] في هذه القصة، وقال: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [المؤمنون/ 7] وقال: فمن اضطر غير باغ ولا عاد [البقرة/ 173] [النمل/ 115] [الأنعام/ 145] فقوله: ولا عاد يحتمل أمرين: أحدهما أنّه فاعل من عدا يعدو: إذا جاوز، وقد تقول «4»: ما عدوت أن زرتك، أي: ما جاوزت ذلك. وروي عن الحسن: ولا عاد أي: ولا عائد فقلب؛ من عاد إلى الشيء. ويقوي تفسير الحسن ما أثر من قوله [عليه السلام] «5»: «يجزئ في الضارورة

_ (1) في (ط): تعالى. (2) السبعة 240. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): ويقولون. (5) زيادة في (ط).

صبوح أو غبوق» «1» أي: لا يعود إليه لأنّه إذا أكله مرة واحدة «2» لا يخشى معها على نفسه. ومن حجتهم قوله: فلا عدوان إلا على الظالمين [البقرة/ 193] وقوله: فلا عدوان علي [القصص/ 28] فهذا مصدر كالشكران والغفران ومصدر افتعل: الاعتداء. فأما قراءة نافع: لا تعدوا فإنه يريد: لا تفتعلوا، فأدغم التاء في الدال لتقاربهما، ولأنّ الدال تزيد على التاء بالجهر. وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما، ولم يكن الأول حرف لين، نحو: دابّة، وشابّة، وثمودّ الثوب، وقيلّ لهم، ويقولون: إنّ المدّ يصير عوضا من الحركة. وقد قالوا: ثوب بكر، وجيب بكر فأدغموا، والمدّ الذي فيهما أقلّ من المد «3» الذي يكون فيهما إذا كان حركة ما قبلهما منهما. وساغ فيه وفي نحو: أصيمّ ومديقّ ودويبّة، فإذا جاز ما ذكرنا مع نقصان المدّ الذي فيه، لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين «4» في نحو تعدوا، وتخطف، وقد جاء في القراءة، وجاز ذلك لأنّ الساكن الثاني لما كان يرتفع اللسان عنه وعن المدغم فيه ارتفاعة واحدة؛ صار بمنزلة حرف متحرك، يقوي ذلك: أن من العلماء بالعربية من جعل المدغم مع المدغم فيه بمنزلة حرف واحد، وذلك قول يونس في النسب إلى مثنّى:

_ (1) أورده صاحب النهاية في غريب الحديث مادة (ضرر) 3/ 83 عن سمرة. وقال: والضارورة: لغة في الضرورة: أي إنّما يحل للمضطر من الميتة أن يأكل منها ما يسد الرّمق غداء أو عشاء وليس له أن يجمع بينهما. وانظر اللسان (ضرر). (2) سقطت من (ط). (3) زيادة في (ط). (4) في (ط): ساكنين.

مثنويّ، جعله بمنزلة ملهويّ، ويقوي ذلك جواز نحو أصيمّ وأنّه قول العرب جميعا مع نقصان المدّ فيه. ويقوّي ذلك أنّهم قد وضعوا موضع حرف لين «1» غيره. وذلك نحو قوله: «2» تعفّف ولا تبتئس فما يقض يأتيكا فحرف المدّ الذي قبل «3» حركة ما قبله منه. وقال «4»: خليليّ عوجا على رسم دار ... خلت من سليمى ومن ميّه فحركة ما قبل حرف اللين ليس منه. وقال: صفيّة قومي ولا تعجزي ... وبكّي النساء على حمزة «5» فجعل مكان حرف اللين غيره. وقال: لقد ساءني سعد وصاحب سعد ... وما طلباني دونها بغرامه «6» [وما كل موت نصحه بلبيب «7»

_ (1) في (ط): اللين. (2) لم نعثر على قائله ولا تتمته. (3) في (ط): فحرف المد والذي قبل كل حركة. وشطب على عبارة: الذي قبل كل. (4) لم نعثر على قائله. (5) البيت لكعب بن مالك، وقد سبق في 1/ 73، 212. (6) البيت في مجالس العلماء للزجاجي 151، أنشده الأصمعي ولم ينسبه. (7) عجز بيت صدره: وما كلّ ذي لب بموتيك نصحه وهو في الكتاب 2/ 409 قال الأعلم: الشاهد فيه وقوع الياء ساكنة، وقبلها كسرة لما فيها من المد موقع الحرف المتحرك في إقامة الوزن، ولذلك لزمت هذه الياء حرف الروي وكانت ردفا له لا يجوز في موضعها إلا

النساء: 163

مخالف للبيت الأول، لأنّ حرف اللين فيه أطول من البيت الأول .. ] «1». فإذا كانوا قد جعلوا مواضع حرف اللين غيره في هذه الأشياء التي ذكرنا؛ جاز أن يجعل موضع حرف اللين غيره في هذه المواضع التي قرأت بها القراء، ولم يكن ذلك لحنا وإن كان الوجه الآخر أكثر في الاستعمال، ويقوي ذلك أنّ ما بين حرف اللين وغيره يسير، فلا يتفاوت ذلك من حيث كان الجميع في الوزن واحدا، ألا ترى أنّ الضاد وإن شغلت في خروجها مواضع لتفشّيها واستطالتها بمنزلة النون التي تخرج من الخياشيم في الوزن، فكذلك ما بين حرف اللين الذي ليس ما قبله من جنسه، وبين سائر الحروف التي ليست بليّنة، يسير يحتمل ذلك ولا يتفاوت. ويقوي ذلك ما أنشده سيبويه: كأنّه بعد كلال الزّاجر ... ومسّح مرّ عقاب كاسر «2». [النساء: 163] قال: قرأ حمزة وحده: وآتينا داود زبورا [النساء/ 163] بضمّ الزاي حيث وقعت «3». قال أبو علي: القول فيه على وجهين: أحدهما: أن يكون

_ الواو، إذ كانت في المد بمنزلتها. والمعنى: إن الإنسان قد ينصح من يستغشه، فينبغي للعاقل اللبيب أن يرتاد موضعا مستحقا للنصيحة. (1) ما بين معقوفتين سقط من (م). (2) سبق انظر 2/ 397. ووضع في طرة (ط): يريد: ومسحه فأدغم. وقد رسمت في (م) ومسحه، على الأصل. (3) السبعة 240 وزاد بعده: ومثله ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر [الأنبياء 105] وقرأ الباقون: زبورا وفي الزبور مفتوحتين.

جمع زبر فأوقع على المزبور اسم الزبر كقولهم: ضرب الأمير. ونسج اليمن، كما سمّي المكتوب الكتاب ثمّ جمع الزبر على زبور «1»، وجمعه لوقوعه موقع «2» الأسماء التي ليست بمصادر، كما جمع الكتاب على كتب لمّا استعمل استعمال الأسماء، فقالوا: زبور. والآخر: أن يكون جمع زبورا بحذف الزيادة على زبور كما قالوا: ظريف وظروف، وكروان وكروان، وورشان وورشان ونحو ذلك مما جمع بحذف الزيادة. ويدل «3» على قوّة هذا الوجه في القياس أن التكسير مثل التصغير، وقد اطّرد هذا الحذف في ترخيم التصغير نحو: أزهر وزهير وحارث، وحريث، وثابت، وثبيت فالجمع مثله في القياس، وإن كان أقلّ منه في الاستعمال. [آخر الكلام في سورة النساء] «4»

_ (1) في (ط): الزبور. (2) في (ط): مع. (3) في (ط): ويدلك. (4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط). وفي (ط): سورة المائدة بسم الله الرحمن الرحيم.

سورة المائدة

سورة المائدة [ذكر اختلافهم في سورة المائدة] [المائدة: 2] اختلفوا في فتح النون وإسكانها من شنآن [المائدة/ 2]. فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن كثير: شنآن متحركة النون. وقرأ ابن عامر: شنان ساكنة النون. واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر شنان ساكنة النون، وروى عنه حفص شنآن متحركة النون. واختلف عن نافع أيضا فروى عنه إسماعيل بن جعفر، والمسيّبي والواقديّ: شنان ساكنة النون «1». وروى عنه ابن جمّاز والأصمعيّ وورش وقالون: شنآن متحركة النون «2». قال أبو علي: تأويل لا يجرمنكم: لا يكسبنكم أن تعتدوا.

_ (1) في (ط) زيادة مقحمة بين إشارتين تعادل سطرا. (2) السبعة 242 مع اختلاف يسير في العبارة.

فيجرمنّكم: فعل متعد إلى مفعولين، كما أنّ يكسبنكم كذلك. ويدلّ «1» على ذلك قول الشّاعر في صفة عقاب: جريمة ناهض في رأس نيق ... ترى لعظام ما جمعت صليبا «2» وقوله: «جريمة ناهض» يحتمل تقديرين «3»: أحدهما: جريمة قوت ناهض أي: كاسب «4» قوته، وقد قالوا: ضارب قداح، وضريب قداح، وعارف وعريف. والآخر: أن لا يقدّر حذف المضاف، وتضيف جريمة إلى ناهض، والمعنى كاسب ناهض، كما تقول: بديع «5» كاسب مولاه، تريد: أنّه يسعى «6» له ويردّ عليه. فجرم يستعمل في الكسب وما يردّ سعي الإنسان عليه. وأما أجرم ففي اكتساب الإثم، قال [جلّ وعزّ] «7»: إنا من المجرمين منتقمون [السجدة/ 22].

_ (1) في (ط) ويدلك. (2) البيت لأبي خراش الهذلي، وقبله: كأني إذ عدوا ضمنت بزي ... من العقبان خائنة طلوبا وهو يذكر عقابا شبه فرسه بها، والمعنى: كأني إذ غدوا للحرب ضمنت بزي، أي سلاحي عقابا، خائنة أي: منقضة، وجريمة: بمعنى كاسبة، والناهض: فرخها، والنيق: أرفع موضع في الجبل، والصليب: ودك العظام. انظر اللسان (صلب) وانظر ديوان الهذليين 3/ 1205. (3) في (ط): أمرين. (4) في (ط): كاسبة. (5) في (م): بزيع. (6) في (ط): أي يسعى. (7) سقطت من (ط).

وقال تعالى «1»: فعلي إجرامي [هود/ 35] والتقدير: فعلي عقوبة إجرامي، أو إثم إجرامي، ومعنى: لا يجرمنكم شنآن قوم: لا تكتسبوا «2» لبغض قوم عدوانا ولا تقترفوه. ومن فتح أن وقع النهي في اللفظ على الشنآن، والمعنيّ بالنهي: المخاطبون، كما قالوا: لا أرينّك هاهنا، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران/ 102]. وكذلك قوله: ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم [هود/ 89] ف أن يصيبكم المفعول الثاني، وأسماء المخاطبين المفعول الأول، كما أنّ المفعول الأول في الآية الأخرى المخاطبون، والثاني قوله: أن تعتدوا ولفظ النهي واقع على الشقاق والمعنيّ بالنهي المخاطبون بها «3». وقال «4» أبو زيد: شنئت الرجل أشنؤه شنأ، وشنآنا، وشنأ، ومشنأة: إذا أبغضته. ويذهب «5» سيبويه إلى أن ما كان من المصادر على فعلان لم يتعدّ فعله قال «6»: إلّا أن يشذّ شيء نحو: شنأته شنآنا «7». ولا يجوز أن يكون شنأته «8» يراد به حرف الجر والحذف، كما قال سيبويه في فرقته، وحذرته إنّ أصله حذرت منه «9». وذلك

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): لا تكسبوا. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): قال. (5) في (ط): وذهب. (6) سقطت من (ط). (7) الكتاب 2/ 218. (8) سقطت من (م). (9) انظر الكتاب- 2/ 219.

أن اسم الفاعل منه جاء على فاعل نحو شانئ وإن شانئك هو الأبتر [الكوثر/ 3] وقال: لشانئك الضّراعة والكلول «1» فهذا يقوي أنه مثل: علم يعلم فهو عالم، وشرب يشرب فهو شارب، ونحو ذلك من المتعدي. ومما يقوي ذلك: أن شنأته في المعنى مثل أبغضت «2»، فلما كان بمعناه عدّي كما عدّي أبغضت، كما أنّ الرفث لما كان بمعنى الإفضاء عدّي بالجار كما عدي الإفضاء به. ومما يدل على تعدّيه ما حكاه أبو زيد في مصدره في «3» الشّنء والشنء، فالشنء مثل: الشّتم، والشنء مثل الشغل. وقال سيبويه: وقالوا «4»: لويته «5» حقّه ليّانا، على فعلان «6». فيجوز على هذا: أن يكون شنآن فيمن أسكن النون مصدرا كاللّيّان، فيكون المعنى: لا يجرمنكم بغض قوم، كما كان التقدير

_ (1) عجز بيت لساعدة بن جؤية يصف ضبعا وصدره: ألا قالت أمامة إذ رأتني قال شارحه أبو سعيد: كأنّها قد رأته قد ضرع وكلّ من المرض، فكرهت أن تقول له شيئا، فقالت: «لشانئك الضراعة والكلول» كما تقول: لعدوك البلاء. والكلول: أن يكل بصره. (شرح أشعار الهذليين 3/ 1142. واللسان: كلل). (2) في (ط): أبغضته. (3) في (ط): من. (4) في (م): «قالوا». (5) في (ط) ألويته. (6) الكتاب 2/ 216.

فيمن فتح كذلك، وقال أبو زيد: رجل شنان وامرأة شنآنة، مصروفان. قال «1»: وقد يقال: رجل شنآن بغير صرف، ولأنك «2» تقول: امرأة شنأى. أبو عبيدة: شنان قوم: بغضاء قوم، وهي متحركة الحروف: مصدر شنئت، وبعضهم يسكن النون الأولى، وأنشد للأحوص: وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام «3» فيه ذو الشّنان وفنّدا «4» قال أبو عبيدة: وشنئت في موضع آخر معناه: أقررت وبؤت به، وأخرجته وأنشد للعجاج: زلّ بنو العوّام عن آل الحكم وشنئوا الملك لملك ذي قدم «5» وقال الفرزدق: ولو كان هذا الأمر في جاهليّة ... شنئت به أو غصّ بالماء شاربه «6»

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): لأنك. (3) في (م): عاب. (4) البيت في ديوان الأحوص ص 58، وطبقات فحول الشعراء 664 والشعر والشعراء 519 وتفسير الطبري 9/ 487 والبحر المحيط 3/ 422 والصحاح واللسان والتاج (شنأ) مع اختلاف في الرواية. والشنان: الشنان، سهل همزته، وسيشير إلى ذلك المصنف موضحا. (5) ديوانه 1/ 173، واللسان والتاج (شنأ). (6) ديوانه 1/ 49 واللسان (شنأ) مع اختلاف في الرواية فيهما وفي مجاز القرآن.

انتهى كلام أبي عبيدة «1». [قال أبو علي] «2» وفي قوله «3»: بعضهم يسكن النون الأولى يدلّ على أنّ الشنان بإسكان النون مصدر كما أن الشنان كذلك. فأما الشنان على فعلان، فإن فعلان قد جاء مصدرا وجاء وصفا، وهما جميعا قليلان. فممّا جاء فيه فعلان مصدرا ما حكاه سيبويه «4» من قولهم: لويته حقه ليّانا، فيجوز على قياس هذا، وإن لم يكثر أن يكون شنان مثله، في أنّه مصدر على أنّ في قول أبي عبيدة دلالة على أن شنان المسكن العين مصدر. ويجوز أن يكون وصفا على فعلان، وفعلان أيضا في الوصف ليس بالكثير إذا لم يكن له فعلى، فمما جاء من فعلان صفة لا فعلى له ما حكاه سيبويه من قولهم: خمصان، وحكى غيره ندمان قال «5»: وندمان يزيد الكأس طيبا «6» وأنشد أبو زيد ما ظاهره أن يكون فعلان فيه صفة، وهو:

_ (1) مجاز القرآن 1/ 147 - 148 مع اختصار يسير. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): قوله وبعضهم. (4) سقطت من (ط). (5) سبق قريبا. (6) صدر بيت من قصيدة للبرج بن مسهر وعجزه: سقيت إذا تغوّرت النجوم انظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 3/ 1272، والمؤتلف والمختلف للآمدي/ 80 وانظر اللسان (ندم) وهو من أبيات المغني انظر شرحها للبغدادي 2/ 234.

لما استمرّ بها شيحان مبتجح ... بالبين عنك بها يرآك شنانا «1» ويقرب أن يكون مثل شنان في أنّه فعلان، وإن كان شنآن له مؤنث هو شنأى. فيما حكاه أبو زيد، وليس لشيحان. فإن قلت: فلم لا يكون شاح يشيح مما «2» يجوز أن يكون منه فعلان له مؤنث على فعلى، كما أنّ عام يعيم، وعيمان كذلك. فإنّه لا يكون مثله، ألا ترى أن يقول: إنّ قولهم «3» في مصدره: عيمة، ولحاق علامة التأنيث به صار بدلا من تحريك العين، فجاء فيه فعلان وفعلى، كما جاء فيما كان مصدره على فعل، نحو: العطش، فمن ثمّ جاء: غرت تغار غيره وغيران وغيرى، وحرت تحار حيرة وحيران وحيرى، وليس شيحان كذلك، ألا ترى أنّه قد جاء: .... وشايحت قبل اليوم إنك شيح «4»

_ (1) البيت بغير نسبة في النوادر ص 494 (ط. الفاتح) والمحتسب 1/ 129 مع آخرين قبله وفي سر صناعة الإعراب 1/ 87 واللسان (بجح، شيح، رأى) مع اختلاف في الرواية. المبتجح: المفتخر، وشيحان: اختلف في ضبط فائه بالفتح والكسر، وهو الغيور. (2) في (ط): ومما. (3) في (ط): في قولهم. (4) عجز بيت لأبي ذؤيب في ديوان الهذليين ق 1/ 116 من قصيدة يرثي بها نشيبة، صدره: بدرت إلى أولاهم فسبقتهم والعجز في الكامل 1/ 81 واللسان (شيح).

وفاعل في أكثر الأمر يجيء فيما كان على فعل نحو: ضارب وضرب، وجاء في الحديث: «أعرض وأشاح» «1». فأما ترك صرف شيحان في البيت مع أنه لا فعلى له، فإنّه يجوز أن يكون اسما علما، ويجوز أن يكون على قول من يجيز «2» ترك صرف ما ينصرف في الشعر. فأمّا الشنان فإن فعلانا يجيء على ضربين: أحدهما: اسم، والآخر: وصف. والاسم «3» على ضربين؛ أحدهما أن يكون مصدرا، كالنّقزان، والنّغران، والغليان، والنّفيان، والطّوفان، والنّعبان «4» والغثيان، وعامّة ذلك يكون معناه: التحرّك، والتقلّب، فالشنان على ما جاءت «5» عليه هذه المصادر. والاسم الذي ليس بمصدر نحو: الورشان والعلجان. وأما «6» مجيء فعلان وصفا فنحو: الزّفيان والقطوان، والصميان «7»، ومن ذلك ما حكاه أبو زيد [من

_ (1) قطعة من حديث رواه مسلم في كتاب الزكاة عن عدي بن حاتم 68 (1016) قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم النار فأعرض وأشاح ثمّ قال: «اتقوا النار» ثمّ أعرض وأشاح، حتى ظننا أنّه كأنّما ينظر إليها، ثمّ قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة». (2) في (ط): يجوز. (3) في (ط): فالاسم. (4) سقطت من (م). والنعبان: صوت الغراب. (5) في (ط): ما جاء. (6) في (ط): فأما. (7) النقز والنقزان: كالوثبان صعدا في مكان واحد، وقد غلب على الطائر المعتاد الوثب كالغراب والعصفور. اللسان/ نقز/. نغز ينغز نغزانا: غلى وغضب وقيل: هو الذي يغلي جوفه من الغيظ اللسان/ نغر/.

قولهم] «1»: إن عدوك لرضمان، أي: ثقيل؛ إذا ثقل عدوه مثل عدو الشيخ الكبير. وقال أبو زيد أيضا: يقال: كبش آل، مثل: عال، وأليان، وكباش ألي، مثل: عمي، ونعجة أليانة. وأليانتان، وأليانات، وكبش أليان، وكباش أليانات، مثل: أتان قطوانة، وحمار قطوان: إذا لم يكن سهل السير، وقطوانتان وقطوانات قال: وهو من قولك قطا يقطو قطوا وقطوّا، إذا قارب بين خطوه، فإن قلت: كيف لا يكون نحو «2» رضمان وصميان، مصادر وليست بصفات، وإن كان قد جرى «3» على الموصوف كما أنّ عدلا ورضى كذلك؟ فالذي يدل على أنّ هذه الأسماء «4» صفات وليست بمصادر مجيئها في نحو «5»: كبش أليان، فلا يخلو هذا من أن يكون وصفا أو مصدرا، فلا يجوز أن يكون مصدرا لأنّ مصادر نحو: نعجة ألياء، لا يخلو من أن يكون من «6» نحو: الحمرة والصفرة، أو الصلع «7» والفطس، ولم يجيء منه شيء على فعلان فيما علمنا. ويقوي ذلك ما حكاه أبو زيد في أليان من التأنيث والتثنية والجمع، وهذا إنّما يكون في الصفات، ولا يكاد

_ النفيان: نفيان السيل ما فاض من مجتمعه. اللسان/ نفي/. الغثيان: خبث النفس وهو تحلب الفم فربما كان منه القيء. اللسان/ غثا/ الزفيان: شدّة هبوب الريح. اللسان/ زفا/. الصميان: الشجاع الصادق الحملة. والجريء على المعاصي. والتلفت. والوثب، اللسان/ صما/. (1) زيادة في (ط). (2) في (ط): مثل. (3) في (ط): كانت. قد جرت. (4) في (ط): أسماء. (5) في (ط): مثل. (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): والصلع.

يجيء ذلك في المصادر. وما حكي من تأنيث زور وعدل ليس بالشائع، فأما ما أنشده أبو عبيدة من قول الأحوص: وإن عاب فيه ذو الشّنان وفنّدا «1» فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون على التخفيف القياسي كقولك في تخفيف: ملآن وظمئان: ظمان وملآن، تحذفها وتلقي حركتها على ما قبلها، والآخر أن يكون على حذف الهمزة التي هي لام، كما حذفت من السّواية التي أصلها سوائية، مثل الكراهية، وكما يذهب إليه أبو الحسن في أشياء: أنّه جمع شيء، على أفعلاء، كما قيل: سمح وسمحاء، فحذفت الهمزة التي هي لام فأما الأظهر في قوله: ذو الشنان، فأن يكون مصدرا كاللّيان، ألا ترى أنه قد أضيف إليه ذو، فلا يكون من أجل ذلك وصفا. فإن قلت: قد «2» جاء (ذو) في مواضع غير معتدّ بها كقول الشماخ: وأدمج دمج ذي شطن بديع «3» فإنّ حمله على الوجه الأوّل أقرب عندنا. وأمّا ما حكاه أبو زيد من قولهم: كبش آل، على مثال «4»: فاعل، فشاذ، وكان القياس أن يكون أليى «5» على أفعل، مثل: أعمى. فأما ما حكاه من

_ (1) سبق انظر الصفحة 193 من هذا الجزء. (2) في (ط): فقد. (3) عجز بيت صدره في ديوانه 233: «أطار عقيقة عنه نسالا»، العقيقة والعقيق والعقة: الشعر الذي يكون على المولود حين يولد من الناس والبهائم، والنسال: اسم ما سقط من الشعر والصوف والريش. أدمج: أي أحكمت أعضاؤه. الشطن: الحبل الشديد. بديع: جديد. وانظر اللسان (بدع). (4) في (ط): مثل. (5) سقطت من (م).

قولهم: كباش ألي فيجوز «1» أن يكون الجمع وقع على القياس الذي كان يجب في الكلمة كأحمر «2» وحمر، ويجوز أن يكون كبزل وعيط «3». ومن قال: شنآن وشنأى [وقد حكاهما أبو زيد] «4» مثل عطشان وعطشى، وحرّان وحرّى، فشنئت على هذا «5» غير متعدّ، كما أن عطش كذلك، لأنّ هذا المصدر في أكثر الأمر ينبغي أن يكون الشنء أو الشنء مثل الشّنع «6»، وقد حكاه «7» أبو زيد. ومصدر هذا «8» الذي لا يتعدّى ينبغي أن يكون الشنان، مثل الغليان والطّوفان [لأن هذا هو المصدر في أكثر الأمر] «9»، ويجوز أن يكون الشنان بتسكين العين مثل اللّيّان، ومن زعم أنّ فعلان إذا أسكنت «10» عينه لم يك مصدرا، فقد أخطأ، لأنّ أبا زيد قد حكى في عيمان أيمان أنّ بني تميم تنصب اللام فتقول: لويته حقه ليّانا بنصب اللام. ومن قال:

_ (1) في (م): «فيكون» بدل: «فيجوز». (2) في (ط): مثل أحمر. (3) جمع بازل وهو البعير إذا فطر نابه، وعيط: جمع أعيط وهو البعير الطويل العنق، والناقة عيطاء (اللسان عيط). (4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط). (5) في (ط): هذا القول. (6) في (ط): الشّنع. والشّنع: من شنع بالأمر: رآه شنيعا. (7) في (ط): حكاهما. (8) في (ط): «ومصدرهما» بدل «ومصدر هذا». (9) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط) وقد وضع الناسخ إشارة عنده لاستدراك النقص غير أنّه سها عنه فيما يبدو. (10) في (ط): سكنت.

شنئت العقر عقر بني شليل «1» * و: لشانئك الضّراعة والكلول «2» وإن شانئك هو الأبتر [الكوثر/ 3] كان شنئت على قوله متعديا، وليس كالوجه الأوّل، ولكن تجعله في التقدير مثل شربت ولقمت، ومثل هذا أنّه جاء الفعل منه على ضربين من التعدّي. وغير التعدي قولهم: جزل السّنام يجزل، وقالوا: جزلته. قال: منع الأخيطل أن يسامي قومنا ... شرف أجبّ وغارب مجزول «3» فهذا يدلّ على جزلته. ومن ذلك: القصم والقصم، فالقصم مصدر قصم «4». وفي التنزيل: وكم قصمنا من قرية [الأنبياء/ 11] وقال الأعشى «5»: ومبسمها عن شتيت النبا ... ت غير أكسّ ولا منقصم «6»

_ (1) هذا صدر بيت عجزه: إذا هبت لقاربها الرياح العقر: موضع، وقاريها: متتبعها، انظر المحتسب 2/ 282 واللسان (عقر) وفيه: «كرهت العقر» بدل «شنئت». (2) سبق انظر الصفحة/ 192 من هذا الجزء. (3) البيت لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل انظر ديوانه 1/ 95، واللسان (جزل) والجزل: أن يصيب الغارب- وهو ما بين السنام والعنق- دبرة فيخرج منه عظم، ويشد فيطمئن موضعه، يقال: جزل غارب البعير، فهو مجزول، مثل جزل. ورواية الديوان: قرمنا: بدل قومنا. (4) في (ط): قصمت. (5) في (ط): الشاعر. (6) البيت في ديوانه/ 35 وفيه منقضم بالضاد.

وقال آخر: عجبت هنيدة أن رأت ذا رثّة ... وفما به قصم وجلدا أسودا «1» فهذا مصدر قصم الذي لا يتعدّى، ومن ذلك قولهم: عجي وهو عج. وأنشدنا «2» علي بن سليمان: عداني أن أزورك أنّ بهمي ... عجايا كلّها إلّا قليلا «3» فعجايا كأنه جمع عجيّ مثل: طبّ وطبيب، ومذل «4» ومذيل وقال: ...... فما تع ... جوه إلّا عفافة أو فواق «5»

_ (1) البيت في أساس البلاغة (قضم) بغير نسبة وروايته: قالت بثينة إذ رأت ذا رتّة ... وفما به قضم وجلد أسود والرتة: عجلة في الكلام وقلة أناة، وقيل: هو أن يقلب اللام ياء، والقضم: من قضمت أسنانه إذا تكسرت أطرافها. وقريب منه القصم بالصاد، في اللسان: رجل أقصم الثنية إذا كان منكسرها من النصف بين القصم. (2) في (ط): وأنشد. (3) البيت في تهذيب الأزهري (عدا) واللسان (بهم- عجا- عدا) بغير نسبة. وعداني: شغلني، والبهم: صغار المعز. والعجيّ: الفصيل تموت أمه فيرضعه صاحبه بلبن غيرها ويقوم عليه وجمعه عجايا، بضم العين وفتحها. (4) المذل: الضجر والقلق مذل مذلا فهو مذل والأنثى مذلة اللسان/ مذل/. (5) البيت للأعشى من قصيدة قالها بنجران يتشوق إلى قومه مفتخرا بهم وتمامه في ديوانه ص 211: ما تعادى عنه النهار ولا تع ... جوه إلّا عفافة أو فواق.

ومن ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: غضف الكلب أذنه أشدّ الغضفان «1»، وقال الشاعر: غضفا طواها أمس كلّابيّ «2» فهذا يدل على غضف يغضف. ومن ذلك قولهم: طوي يطوى فهو طيّان. وقالوا: طويته أطويه طيّا. وقال «3»: فقام إلى حرف طواها بطيّه ... بها كلّ لمّاع بعيد المساوف «4» وقال: .... طواها أمس كلّابيّ

_ وهو في اللسان [عدا- عفف] مع اختلاف في الرواية ينبني عليها اختلاف في تفسير البيت. تعادى: تباعد. والعفافة: بقية اللبن في الضرع بعد أن يحلب أكثر ما فيه. والفواق: اجتماع الدرّة. يصف ظبية وغزالها فيقول: لا تبعد عنه طول النهار، ولا تؤخر رضاعته إلّا ريثما يجتمع في ضرعها بعض اللبن. (1) النوادر 544 (ط: الفاتح). (2) هذا الشطر من أرجوزة طويلة للعجاج، وهو في وصف ثور وحشي رأى كلاب صيد ضمرها صاحبها. غضفا: أي كلابا مسترخية الآذان وهو وصف غالب لكلاب الصيد وانظر ديوانه 1/ 518 والخصائص 3/ 104، 205. (3) سقطت من (ط) وقال. (4) البيت الذي الرّمة انظر ديوانه بشرح الأصمعي 3/ 1636 قال في شرحه: فقام هذا الرجل إلى «حرف»: ناقة ضامر، طواها، أي: أضمرها بطيه كل لماع «بها» أي بالناقة. والمساوف: الواحدة مسافة ما بين الأرضين. ولماع: بلد يلمع بالسراب. وانظر أساس البلاغة/ سوف/.

وقال: «1» بات الحويرث والكلاب تشمّه ... وغدا بأحدب كالهلال من الطّوى ومن قال: شنان وشنأى، فشنئت على هذا ينبغي أن لا يتعدى، فأما من قال: شنان وامرأة شنانة، فالفعل المتعدي إنّما هو من هذا دون الأول، وكلاهما قد حكاه أبو زيد. ونظير هذا في أنّه اشتق منه فعل متعد وآخر غير متعد: ما حكاه أبو إسحاق من أنّهم يقولون «2»: جزل السنام يجزل جزلا: إذا فسد وجزلته أجزله: إذا قطعته، فاشتق منه المتعدي وغير المتعدي، وأنشد أبو زيد فيما جاء فيه فعلان وصفا: وقبلك ما هاب الرّجال ظلامتي ... وفقّأت عين الأشوس الأبيان «3» وأنشد غيره: «4» هل أغدون يوما وأمري مجمع وتحت رحلي زفيان ميلع «5»

_ (1) لم نعثر على قائله. (2) في (ط): ما حكاه أبو إسحاق تقول: (3) البيت لأبي المجشّر الضبي- جاهليّ- وهو من مقطعة، انظر النوادر (426. ط الفاتح) والأشوس: الرافع رأسه تكبرا. اللسان (شوس). (4) في (ط): وقال الآخر. (5) هذا رجز لم يعرف قائله، وقبله: يا ليت شعري والمنى لا تنفع الزّفيان: السريعة، الميلع: الجواد الخفيفة. انظر النوادر/ 133، والخصائص 2/ 136 وشرح أبيات المغني 6/ 196 والدرر 1/ 204.

فحجّة من قرأ (شنآن) أنّه مصدر، والمصدر يكثر على فعلان نحو: النزوان والغثيان والنّفيان «1» والشنآن يقارب الغليان «2»، فجاء على وزنه لمقاربته «3» له في المعنى «4». ومن حجّة ابن عامر في إسكان النون أنه مصدر وقد جاء المصدر على فعلان في غير هذا [وذلك قولك] «5»: لويته دينه ليّانا وقال «6»: وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا «7» فهذا مخفف [من الهمزة] «8» على قياس الجمهور، والأكثر «9» الشنان، ألا ترى أنّه حذف الهمزة وألقى حركتها على الساكن الذي «10» قبلها والمعنى فيه البغضاء. فإذا كان كذلك فالمعنى في القراءتين واحد وإن اختلف اللفظان والمعنى. ومن زعم أنّ إسكان النون لحن؛ لم يكن قوله مستقيما، لأنّه يجوز أن يكون مصدرا كاللّيان، وأن يكون وصفا كالنفيان، حكى ذلك أبو زيد. [ولا ينبغي أن يحمل البيت على حذف الهمزة على غير قياس كقوله:

_ (1) سقطت من (م): الغثيان والنفيان. (2) في (ط): يقارب في المعنى كالغليان. (3) في (ط): لموافقته. (4) في (ط): وهي. (5) في (ط): نحو. (6) في (ط): وقال الشاعر. (7) قريبا ص 189، وقد أسقطت (م) صدره: (8) كذا في (ط) وسقطت من (م). (9) زادت (م) «من» بعد الأكثر. (10) زيادة في (ط).

يابا المغيرة ربّ أمر معضل ... فرّجته بالنّكر مني والدّها «1» وقال آخر: إن لم أقاتل فالبسوني برقعا «2» لأنّك تجد له مذهبا في الشائع المستقيم] «3» والمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم. أي: بغضكم قوما لصدّهم إياكم، ومن أجل صدّهم إياكم أن تعتدوا، فأضيف المصدر إلى المفعول به وحذف الفاعل، كقوله تعالى «4»: من دعاء الخير [فصلت/ 49] وبسؤال نعجتك [ص/ 24] ونحو ذلك مما أضيف المصدر فيه إلى المفعول به، وحذف الفاعل في المعنى من اللفظ، وفي التفسير فيما زعموا: لا يحملنكم بغض قوم، فعلى هذا يحمل الشنان «5» فيمن حرّك أو أسكن. أما من أسكن فلأن هذا البناء قد «6» جاء في الصفات «7»، نحو غضبان وسكران، وحكى أبو زيد:

_ (1) البيت في أمالي ابن الشجري 2/ 16 ونسبه لأبي الأسود الدؤلي. وفي الخزانة 4/ 335 (عرضا). والبحر المحيط 5/ 52. (2) رجز أورد معه الفارسي في الجزء الأخير من هذا الكتاب بيتا آخر هو: وفتحات في اليدين أربعا. ولم ينسبه. ونقله ابن جني عنه في الخصائص 3/ 151. وانظر المحتسب 1/ 120 والبحر المحيط 5/ 52. (3) ما بين معقوفين ساقط من (م). (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): الشنان والشنآن. (6) في (م): وإن، وليست بشيء. (7) في (ط): في الصفة.

المائدة: 2

رجل «1» شنان وامرأة شنأى فإن حملته على هذا دون المصدر فقد أقمت الصفة مقام الموصوف وإنّما المعنى على المصدر، لأنّ المعنى: لا يحملنكم بغض قوم على أن تعتدوا فإن حملته على الصفة كان التقدير لا يحملنّكم بغيض قوم، والمعنى على الأوّل. وأمّا من حرّك فقال: الشّنان فإنّ هذا البناء في المصادر التي معناها التقلّب والتزعزع كثير، والصفة دونه في الكثرة، فإذا كثر في الاستعمال واستقام في المعنى، وعضده التفسير، لم يكن عنه مذهب إلى ما لم تجتمع فيه هذه الخلال. [المائدة: 2] واختلفوا في فتح الهمزة وكسرها من قوله تعالى: أن صدوكم [المائدة/ 2]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إن صدوكم بالكسر. وقرأ الباقون «2»: أن صدوكم «3» بالفتح. قال أبو علي: حجّة ابن كثير وأبي عمرو في كسرهما الهمزة أنّهما جعلا (إن) للجزاء، فإن قلت: كيف صح الجزاء هنا والصدّ ماض، لأنّه إنّما هو ما «4» كان من المشركين من صدّهم المسلمين عن البيت في الحديبيّة، والجزاء إنّما يكون بما لم يأت، فأما ما

_ (1) سقطت من (ط). (2) فصلهم في السبعة 242 بقوله: وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. (3) سقطت من (ط) الآية. (4) سقطت من (ط): هو ما.

كان ماضيا فلا يكون فيه الجزاء. فالقول فيه: أن الماضي قد يقع في الجزاء وليس على أنّ المراد بالماضي الجزاء، ولكنّ المراد أن «1» ما كان مثل هذا الفعل فيكون اللفظ على ما مضى، والمعنى على مثله، كأنّه «2» يقول: إن وقع مثل هذا الفعل يقع منكم كذا «3»، وعلى هذا حمل الخليل وسيبويه قول الفرزدق: أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا ... جهارا، ولم تغضب لقتل ابن حازم «4» وعلى ذلك قول الشاعر: إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ... ولم تجدي من أن تقرّي به بدّا «5» فانتفاء الولادة أمر ماض، وقد جعله جزاء، والجزاء إنّما يكون بالمستقبل، فكأنّ المعنى: إن تنسب لا تجدني مولود لئيمة «6»، وجواب إن قد أغنى عنه ما تقدّم من قوله: ولا يجرمنكم، المعنى: إن صدّكم قوم عن المسجد الحرام فلا تكسبوا عدوانا.

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): كذا وكذا. (4) ديوانه 2/ 855 وفيه: «ليوم» بدل: «لقتل» وانظر شرح أبيات المغني 1/ 117. (5) البيت لزائدة بن صعصعة يعرض فيه بزوجته وكانت أمها سريّة انظر شرح أبيات المغني 1/ 125. (6) في (م): لئيم.

المائدة: 9

وأمّا قول من فتح فبيّن لا مئونة فيه، وهو أنّه مفعول له التقدير: ولا يجرمنكم شنان قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا. فأن الثانية في موضع نصب لأنّه «1» المفعول الثاني والأول منصوب لأنه مفعول له. [المائدة: 9] واختلفوا في نصب اللام وخفضها من قوله تعالى «2»: وأرجلكم [المائدة/ 9]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة: وأرجلكم* خفضا. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي «3»: وأرجلكم نصبا. وروى أبو بكر عن عاصم: وأرجلكم* خفضا، وحفض عن عاصم وأرجلكم نصبا «4». [قال أبو علي] «5»: الحجة لمن جرّ فقال: وأرجلكم أنه وجد في الكلام عاملين: أحدهما: الغسل، والآخر: الباء الجارة. ووجه العاملين إذا اجتمعا في التنزيل أن تحمل على الأقرب منهما دون الأبعد، وذلك نحو قوله: وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا [الجن/ 7] ونحو قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء/ 176] ونحو قوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [المعارج/ 19] وقوله: قال: آتوني أفرغ عليه قطرا [الكهف/ 96] فلما رأى العاملين إذا اجتمعا «6» حمل الكلام على أقربهما إلى المعمول، حمل «7» في هذه الآية أيضا

_ (1) في (م): بأنه. (2) سقطت من (ط). (3) زادت (ط): حفصا بعد الكسائي. (4) السبعة 242 - 243. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط) اجتمعتا. (7) سقطت من (م).

على أقربهما، وهو الباء دون قوله: فاغسلوا وكان ذلك «1» الموضع واجبا، لما قام من الدلالة على أنّ المراد بالمسح الغسل. وقيام الدلالة من وجهين: أما أحدهما فإن من لا نتهمه روى لنا عن أبي زيد أنه قال: المسح خفيف الغسل، قالوا: تمسّحت للصلاة، فحمل المسح على أنه غسل. ويقوي ذلك أن أبا عبيدة ذهب في قوله تعالى: فطفق مسحا بالسوق والأعناق [ص/ 33] إلى أنّه الضرب. وحكى التّوّزي عنه أنّه قال: قالوا مسح علاوته بالسيف «2» إذا ضربه «3»، فكأنّ المسح في الآية غسل خفيف، كما أنّ الضرب كذلك، ليس في واحد منهما متابعة ولا موالاة. فإن قلت: فإنّ المستحبّ أن يغسل ثلاثا؛ قيل: ذلك السنّة والاستحباب، وإنّما جاءت الآية بالمفروض دون المسنون، فهذا وجه. والوجه الآخر: أنّ التحديد والتوقيت إنّما جاء في المغسول ولم يجيء في الممسوح، فلما وقع التحديد مع المسح، علم أنّه في حكم الغسل لموافقته الغسل في التحديد. فإن قلت: فقد «4» يجوز أن يكون على المسح، ألا ترى أنّك تقول: مررت بزيد وعمرا فتحمله على موضع الجار والمجرور، فحمله على المسح

_ (1) في (ط): في هذا الموضع. (2) سقطت من (ط) ومن مجاز القرآن. (3) انظر مجاز القرآن 2/ 183. (4) في (ط): فإنه.

المائدة: 13

قد ثبت وجاز، جررت اللام أو نصبته؟ قيل: ليس الحمل على الموضع في هذا النحو في الكسرة كالحمل على اللفظ. ووجه من نصب فقال: وأرجلكم أنه حمل ذلك على الغسل دون المسح، لأنّ العمل «1» من فقهاء الأمصار فيما علمت على الغسل دون المسح. وروي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم «2» رأى قوما وقد توضّئوا وأعقابهم تلوح، فقال [عليه السلام]: «3» «ويل للعراقيب من النار» «4» وهذا أجدر أن يكون في المسح منه في الغسل، لأن إفاضة الماء لا يكاد يكون غير عام للعضو. [المائدة: 13] اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله تعالى «5»: قاسية [المائدة/ 13]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر قاسية بألف. وقرأ حمزة والكسائي قسية بغير ألف. [قال أبو علي] «6»: حجة من قرأ: قاسية على فاعلة قوله تعالى «7»: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك [البقرة/ 74] وقوله

_ (1) في (ط): الجمهور. (2) سقطت «وسلم» من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) رواه مسلم في الطهارة برقم 240 وأحمد 2/ 201 و 407. وابن ماجة 1/ 155 برقم (454). (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط). (7) سقطت من (ط).

تعالى «1»: فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم [الحديد/ 16] وقال: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله [الزمر/ 22]. ومن قرأ: قسية على فعيلة: أنه قد يجيء فاعل وفعيل، مثل: شاهد وشهيد، وعالم وعليم، وعارف وعريف. والقسوة كأنّه «2» خلاف اللين والرقّة. وقد وصف الله عزّ وجل «3» قلوب المؤمنين باللين فقال «4»: ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [الزمر/ 23] فالقسوة كأنّها خلاف ذلك، وقال تعالى «5»: فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [الحديد/ 16] أي: كثير ممن قست «6» قلوبهم فاسقون. فهذا يوجب أن ممن قسا قلبه من ليس بفاسق. فأما قول الشاعر: ما زوّدوني غير سحق عمامة* وخمس مئي منها قسي وزائف «7» فإنّ القسيّ أحسبه معرّبا، وإذا كان معرّبا لم يكن من القسيّ العربي، ألا ترى أنّ قابوس وإبليس وجالوت وطالوت، ونحو ذلك من الأسماء الأعجمية التي من ألفاظها عربي لا تكون مشتقة من

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): كأنها. (3) في (ط): تعالى. (4) في (م): قال تعالى. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): قد قست. (7) البيت في اللسان (زيف، قسا) وفيه «وما» بدل: «ما» بدون خرم ونسبه إلى مزرّد، له ترجمة موجزة في معجم الشعراء للمرزباني/ 483. وقسي: رديئة.

المائدة: 44

باب القبس والإبلاس، يدل على ذلك منعهم الصرف، فأما قوله: فإن يقدر عليك أبو قبيس «1» فليس صرفه للضرورة، ولكن رخّمه ترخيم التحقير، فردّه إلى الأصل، فصار مثل نوح ولوط، وهذا النحو مصروف في كل قول، فكذلك أبو قبيس. وأنشد أبو عبيدة: وقد قسوت وقسا لداتي «2» فكأنّ معنى هذا: فارقني لين الشباب ولدونته. [المائدة: 44] واختلفوا في قوله تعالى: واخشون ولا تشتروا [المائدة/ 44]. فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة وابن عامر والكسائي، بغير ياء في وصل ولا وقف. وقرأ أبو عمرو بياء في الوصل. واختلف عن نافع فروى ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر بالياء في الوصل وروى المسيبي وقالون وورش بغير ياء في وصل ولا وقف «3».

_ (1) هذا صدر بيت للنابغة الذبياني، عجزه برواية ابن السكيت 149. تحطّ بك المنيّة في رهان وأبو قبيس هو النعمان بن المنذر، وهو مصغر من قابوس. ولهذا الشطر روايات أخرى انظرها في ديوانه، وانظر اللسان (قبس) وفيه: يحط بك المعيشة. (2) مجاز القرآن 1/ 158 وروايته: «لدّتي» بدل «لداتي». قال فيه: ولدّتي ولداتي واحد. ولم ينسبه. (3) السبعة 244.

قال أبو علي: القول في ذلك: أن الإثبات حسن والحذف حسن، وذلك أن الفواصل في أنّها أواخر الآي مثل القوافي في أنّها أواخر البيوت، فكما أنّ من القوافي ما لا يكون إلّا محذوفا منه، ومخالفا لغيره، كذلك الفواصل. وكما أنّ من القوافي ما يكون فيه الحذف والإتمام جميعا، كذلك تكون الفواصل. فمما لا يكون من القوافي إلّا ما قد حذف منه هذه الياء وحذف منها غير هذه الياء قول الأعشى: فهل ينفعنّي ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين ومن شانئ كاسف وجهه ... إذا ما انتسبت له أنكرن «1» فهذا لا يكون إلّا محذوفا منه، ألا ترى أنّ هذا الضرب لا يخلو من أن يكون: فعولن، أو فعول، أو فعل، ولا يجوز تحريك الياء في شيء من ذلك، فعلى هذا يكون من «2» الفواصل ما يكون ملزما الحذف، وأما ما يجوز فيه الحذف والإتمام فقوله: وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إنّ «3»

_ (1) البيتان من قصيدة طويلة في مدح قيس بن معديكرب في ديوانه/ 15 - 25 ورواية الأول: «فهل يمنعني» بدل «ينفعني» وانظر الكتاب 2/ 151 و 290، والمحتسب 1/ 349، وابن يعيش 9/ 40، 86 والعيني 4/ 324، وابن الشجري 2/ 73 (الثاني من البيتين). (2) في (ط): في. (3) البيت للنابغة الذبياني برواية ابن السكيت/ 199 وفيه: «إنّي» بدل «إنّ». عكاظ: سوق بين مكّة والطائف، والجفار: ماء معروف لبني أسد وكانت عليه

فهذا فعولن قد حذفه، ويجوز أن يتمم فيقول: إني. وقد أجرى قوم القوافي مجرى غيرها «1» من الكلام فقالوا: أقلّي اللّوم عادل والعتاب «2». واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل «3». فعلى هذا القياس يجوز أن تجرى الفواصل مثل غير الفواصل ولا تغيّر بحذف ولا غيره كما فعل ذلك بالقوافي. وإنّما فعلوا ذلك بالقوافي لأن اقتضاء الوزن للمحذوف وتمامه به يجعلانه في حكم المثبت في اللفظ، فصار هذا يسوّغ الحذف فيه إذ قد حذف مما لا يقتضيه الوزن، فصار المحذوف منه في حكم المثبت، مع أنّ الوزن لا يقتضيه، وذلك نحو قوله: ارهن بنيك عنهم أرهن بني «4» فياء المتكلم التي «5» تزاد في بني في حكم المثبت، يدلّ على ذلك حذف النون من «6» الجميع، كما تحذف مع إثبات الياء

_ وقعة وانظر الكتاب 2/ 290، والنوادر/ 535 (ط. الفاتح) قال: وزعم الأصمعي أنّه منحول، وابن الشجري 2/ 165. (1) في (م): غيره. (2) هذا صدر بيت لجرير سبق في 1/ 73، و 2/ 361، 3/ 18. (3) هذا عجز بيت للأخطل سبق انظر 2/ 211، 212، و 362. (4) شطر من الرجز في اللسان (رهن) وقال فيه: وزعم ابن جني أنّ هذا الشعر جاهلي. (5) في (م) الذي. (6) في (ط): في.

في بنيّ، وإن كان الوزن لا يقتضيه، ألا ترى: أنّ: أرهن بني: مستفعلن، وإنّما خصّ القوافي والفواصل بالحذف في أكثر الأمر، لأنّها مما يوقف عليها، والوقف موضع تغيير فجعل التغيير فيه الحذف، كما جعل التغيير فيه الإبدال وتخفيف التضعيف، ونحو ذلك مما يلحق الوقف من التغيير. وقال بعض من يضبط القراءة: لم يذكر أحمد بن موسى كيف يقف أبو عمرو قال: وهو يقف. واخشون بغير ياء ويصل بياء. اختلفوا في ضمّ الحاء وإسكانها من قوله تعالى «1»: السحت [المائدة/ 62/ 63]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: السحت* مضمومة الحاء مثقّلة. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة: السحت ساكنة الحاء خفيفة. وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع: أكالون للسحت [المائدة/ 42] بفتح السين [وجزم الحاء] «2». قال «3» أبو عبيدة «4»: السّحت: أكل ما لا يحلّ. يقال: سحته وأسحته: إذا استأصله، وفي التنزيل: فيسحتكم بعذاب

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). السبعة 243. (3) سقطت من (ط). (4) انظر مجاز القرآن 1/ 166 عند تفسير سورة المائدة/ 42 و 2/ 20 عند تفسير سورة طه/ 61.

المائدة: 45

[طه/ 61] أي: نستأصلكم «1» به، ومن أسحت قول الفرزدق: إلّا مسحتا أو مجلّف «2» والسّحت والسّحت لغتان، ويستمر التخفيف والتثقيل في هذا النحو، وهما اسم الشيء المسحوت، وليسا بالمصدر. فأما من قرأ أكالون للسحت [المائدة/ 42] فالسّحت مصدر سحت، وأوقع اسم المصدر على المسحوت كما أوقع الضرب على المضروب في قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير. والصيد على المصيد في قوله: لا تقتلوا الصيد [المائدة/ 95] والسّحت أعم من الربا، وهؤلاء قد وصفوا بأكل الربا. في قوله: وأخذهم الربا وقد نهوا عنه «3» [النساء/ 161] إلّا أنّ السّحت أعمّ من الربا نحو ما أخذوا فيه من كتمانهم «4» ما أنزل عليه «5» وتحريفهم إياه ونحو ذلك لأنّه يشمل الربا وغيره. [المائدة: 45] واختلفوا «6» في الرفع والنصب من قوله تعالى «7»:

_ (1) في (ط): يستأصلكم. (2) هذه قطعة من بيت وتمامه: وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلّا مسحتا أو مجلّف انظر ديوانه/ 556، والخزانة 2/ 347 والجمهرة 2/ 107 واللسان والتاج (سحت) المسحت: المهلك، والمجلّف: الذي بقيت منه بقية، أو الرجل الذي جلفته السنون، أي: أذهبت أمواله. اللسان (جلف). (3) وردت هذه الآية في الأصل: وأكلهم الربا .. وهو خطأ والصواب ما أثبتناه. (4) في (ط): ما أخذوه في كتمانهم. (5) في (ط): عليهم. (6) في (ط): اختلفوا. (7) سقطت من (ط).

أن النفس بالنفس إلى قوله: والجروح قصاص [المائدة/ 45]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: أن النفس بالنفس والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن والسن بالسن [المائدة/ 45] ينصبون ذلك كله، ويرفعون: والجروح قصاص [المائدة/ 45]. كان نافع وعاصم وحمزة ينصبون ذلك كله. وروي عن «1» الواقدي عن نافع: والجروح رفعا. وقرأ الكسائي: أن النفس بالنفس نصبا، ورفع ما بعد ذلك كله «2». [قال أبو علي]: «3» حجّة من نصب العين بالعين وما بعده: أنّه عطف ذلك على أنّ، فجعل الواو للاشراك في نصب أنّ، ولم يقطع الكلام مما قبله، كما فعل ذلك من رفع. فأما من رفع بعد النصب فقال: أن النفس بالنفس والعين بالعين فحجته أنه يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون الواو عاطفة جملة على جملة وليست للاشتراك في العامل كما كان كذلك «4» في قول من نصب، ولكنها عطفت جملة على جملة، كما تعطف المفرد على المفرد.

_ (1) زيادة في (م). (2) السبعة 244. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): ذلك.

والوجه الثاني أنّه حمل الكلام على المعنى، لأنّه إذا قال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة/ 45] فمعنى الحديث: قلنا لهم: النفس بالنفس، فحمل العين بالعين على هذا كما أنه لما كان المعنى في قوله: يطاف عليهم بكأس من معين [الصافات/ 45] يمنحون كأسا من معين، حمل حورا عينا على ذلك، كأنّه: يمنحون كأسا، ويمنحون حورا عينا، وكما أنّ معنى الحديث في قوله: فلم يجدا إلّا مناخ مطيّة «1» ...... أنّ هناك مناخ مطية، حمل قوله: وسمر ظماء

_ (1) هذا صدر بيت لكعب بن زهير من قصيدة في ديوانه ص 52، استشهد سيبويه 1/ 88 بثلاثة أبيات منها، وهو أولها وعجزه: تجافى بها زور نبيل وكلكل وما بعده من قوله: «وسمر ظماء» قطعة من البيت الثالث منها: والبيتان بعد الأول هما: ومفحصها عند الحصى بجرانها ... ومثنى نواج لم يخنهنّ مفصل وسمر ظماء واترتهنّ بعد ما ... مضت هجعة من آخر الليل ذبّل قال الأعلم: وصف منزلا رحل عنه فطرقه ذئبان يعتسفانه، فلم يجدا به إلّا موضع إناخة مطيته، وموضع فحصها الحصى عند البروك بجرانها، وهو باطن عنقها، ومواضع قوائمها وهي المثنى لأنّها تقع بالأرض مثنية. والنواجي: السريعة يعني قوائمها، ووصفها بتجافي الزور لنتوئه وضمرها، فإذا بركت تجافى بطنها عن الأرض والزور: ما بين ذراعيها من صدرها. والنبيل: المشرف الواسع. والكلكل: الصدر. وأراد بالسمر الظماء: بعرها، ووصفها بهذا لعدمها المرعى الرطب وقلّة ورودها للماء لأنّها في فلاة، ومعنى واترتهنّ: تابعت بينهنّ عند انبعاثها، والهجعة: النومة في الليل خاصة، والذبل: من وصف السمر الظماء.

على معنى الحديث، كأنّه قال: ثمّ مناخ «1» مطية وسمر ظماء وكذلك قوله: ومشجّج أمّا سواء قذاله ... فبدا وغيّر ساره المعزاء «2» لما كان المعنى في: بادت وغيّر آيهنّ مع البلى «3» * إلّا رواكد «4» .. بها رواكد، حمل مشججا عليه، فكأنّه قال: هناك رواكد ومشجّج فعلى هذا يكون وجه الآية. ومثل هذا من «4» الحمل على المعنى كثير في التنزيل وغيره. والوجه الثالث: أن يكون عطف قوله والعين «6» على. الذكر

_ (1) في (ط): مناخ مطية. (2) وهو مع ما بعده في الكتاب 1/ 88 وهو متقدم عليه فيه واللسان (شجج) ومشجج: هو الوتد. وانظر أساس البلاغة (شجج). (3) البيت بتمامه: بادت وغيّر آيهنّ مع البلى ... إلّا رواكد جمرهنّ هباء قال الأعلم: أراد بالرواكد الأثافي، وركودها ثبوتها وسكونها، ووصف الجمر بالهباء لقدمه وانسحاقه، والهباء: الغبار وما يبدو عن شعاع الشمس إذا دخلت من كوة. وأراد بالمشجج وتدا من أوتاد الخباء وتشجيجه: ضرب رأسه ليثبت، ومنه الشجة في الرأس. وسواء قذاله: وسطه، وأراد بالقذال أعلاه، وهو من الدابة: معقد العذار بين الأذنين. وقوله: وغير ساره، أراد: سائره، فحذف عين الفعل لاعتلاله، ونظيره: هار، بمعنى هائر، وشاك بمعنى شائك. والمعزاء: أرض صلبة ذات حصى، وكانوا يتحرون النزول في الصلابة ليكونوا بمعزل عن السبيل، ولتثبت أوتادها الأبنية، ومعنى بادت: تغيّرت وبليت والآي: جمع آية وهي علامات الديار، والبلى: تقادم العهد. (4) في (ط): في. (6) في (ط): والعين بالعين.

المرفوع في الظرف الذي هو الخبر وإن لم يؤكد المعطوف عليه بالضمير المنفصل كما أكّد في نحو إنه يراكم هو وقبيله [الأعراف/ 27] ألا ترى أنه قد جاء: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا [الأنعام/ 148] فلم يؤكد بالمنفصل، كما أكّد في الآي الأخر. فإن قلت: فإن لا* في قوله: ولا آباؤنا عوضا من التأكيد، لأنّ الكلام قد طال بها «1»، كما طال في نحو: حضر القاضي اليوم امرأة؛ قيل: هذا إنّما يستقيم أن يكون عوضا إذا وقع قبل حرف العطف ليكون عوضا من الضمير المنفصل الذي كان يقع قبل حرف العطف، فأما إذا وقع بعد حرف العطف لم يسدّ ذلك المسدّ. ألا ترى أنّك لو قلت: حضر امرأة اليوم «2» القاضي، لم يغن طول الكلام في غير هذا «3» الموضع الذي كان ينبغي أن يقع فيه التعويض. فأمّا قوله تعالى «4»: والجروح قصاص فمن رفعه بقطعه «5» عما قبله فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قول من رفع: والعين بالعين. ويجوز أن يستأنف: والجروح قصاص ليس على أنّه مما كتب عليهم في التوراة، ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة في ذلك، ويقوّي أنه من المكتوب عليهم في التوراة نصب من نصبه، فقال: والجروح قصاص.

_ (1) في (ط): به. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (م). (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): فقطعه.

المائدة: 47

قال: وكلّهم ثقّل الأذن إلّا نافعا فإنّه خففها في كل القرآن «1». القول في ذلك أنّهما لغتان، كما أنّ السّحت والسّحت لغتان، وقد تقدّم القول في ذلك. قال أبو زيد: يقال «2»: رجل أذن ويقن، وهما واحد، وهو الذي لا يسمع بشيء إلّا أيقن به، وقد ذكرنا ذلك «3» في سورة التوبة أيضا «4». [المائدة: 47] واختلفوا في إسكان اللام والميم، وكسر اللام وفتح الميم [في قوله تعالى] «5»: وليحكم أهل الإنجيل [المائدة/ 47]. فقرأ حمزة وحده: وليحكم أهل الإنجيل بكسر اللام وفتح الميم. وقرأ الباقون بإسكان اللام وجزم الميم «6». [قال أبو علي] «7»: حجة حمزة في قراءته: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه [المائدة/ 47] أنه جعل اللام متعلقة بقوله: وآتيناه الإنجيل [المائدة/ 46] لأنّ إيتاءه «8» الإنجيل

_ (1) السبعة 244. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وقد ذكرناه. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): من قوله. (6) السبعة 244. (7) سقطت من (م). (8) في (ط): إتيانه.

المائدة: 50

إنزال ذلك عليه، فصار «1» بمنزلة قوله: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [النساء/ 105] فكأنّ المعنى: آتيناه الإنجيل ليحكم، كما قال: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم فالحكمان جميعا حكمان لله «2» تعالى «3»، وإن كان أحدهما حكما بما أنزله الله، والآخر حكما بما أراه الله، فكلاهما حكم الله. وأمّا حجة من قرأ: وليحكم أهل الإنجيل فهي نحو قوله: وأن احكم بينهم بما أنزل الله فكما أمر عليه السلام- بالحكم بما أنزل الله كذلك أمروا هم بالحكم بما أنزل الله في الإنجيل. [المائدة: 50] قال: وكلّهم قرأ أفحكم الجاهلية يبغون [المائدة/ 50] بالياء إلّا ابن عامر فإنّه قرأ: تبغون بالتاء «4». [قال أبو علي]: «5» من قرأ بالياء فلأنّ قبله غيبة لقوله: وإن كثيرا من الناس لفاسقون [المائدة/ 49]. والتاء على قوله «6»: قل لهم: أفحكم الجاهلية تبغون والياء أكثر في القراءة، زعموا، وهي أوجه لمجرى «7» الكلام على ظاهره،

_ (1) في (ط): فصار ذلك. (2) كذا في (ط) وفي (م): حكما الله. (3) سقطت من (ط). (4) السبعة 244. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م). (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): لجري.

المائدة: 53

واستقامته عليه من غير تقدير إضمار، ونحو هذا الإضمار لا ينكر لكثرته وإن كان الأوّل أظهر. [المائدة: 53] واختلفوا في إدخال الواو وإخراجها والرفع والنصب في قوله [جل وعز] «1»: ويقول الذين آمنوا [المائدة/ 53]. فقرأ أبو عمرو وحده: ويقول الذين آمنوا* نصبا. وروى علي بن نصر عن أبي عمرو أنّه قرأ بالنصب والرفع: ويقول الذين آمنوا* نصبا ويقول الذين آمنوا رفعا. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ويقول الذين آمنوا رفعا. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: يقول الذين آمنوا* بغير واو في أولها ورفع اللام، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة ومكة واللام من يقول مضمومة «2». [قال أبو علي] «3»: إن قلت: كيف قرأ أبو عمرو: ويقول الذين آمنوا* ولا يجوز عسى الله أن يقول الذين آمنوا. فالقول في ذلك أنّه يحتمل أمرين غير ما ذكرت، أحدهما: أن يحمله على المعنى لأنّه إذا قال: فعسى الله أن يأتي بالفتح [المائدة/ 52] فكأنّه قد «4» قال: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا. كما أنّه إذا قال: فأصدق وأكن [المنافقون/ 10] فكأنّه قد «4» قال: أصّدق

_ (1) في (ط): تعالى. (2) السبعة 245. (3) سقطت من (م) ما بين المعقوفين، وفيها: فإن قلت. (4) سقطت من (م).

وأكن، ألا ترى أنّه يستقيم أن يقع في موضع قوله: لولا «1» أخرتني إلى أجل قريب فأصدق: هلّا أخّرتني إلى أجل قريب أصّدّق، لأنّ هلّا للتحضيض، فكأنّه قال: أخّرتني إلى أجل قريب أصّدّق «2»، كما تقول: أعطني أكرمك، فلما وقع قوله: فأصدق موضع قوله: أصّدّق حمل أكن على الجزم الذي كان يجوز في الفعل لو وقع موقع الفاء والفعل الذي بعده، كما أنّ قوله: أنّى سلكت فإنّني لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد «3» حمل أزدد فيه على الجزم الذي كان يكون في موضع الفعل الذي هو جزاء، فكذلك حمل: ويقول الذين آمنوا على ما كان يجوز وقوعه بعد عسى من أن، ألا ترى أنّ جواز كلّ واحد منهما ومساغه كجواز الآخر وقد جاء التنزيل بهما [قال عزّ وجل] «4»: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [البقرة/ 216] وعسى الله أن يكف بأس الذين كفروا [النساء/ 84] فلمّا كان مجازهما واحدا، صرت إذا ذكرت أحدهما فكأنّك ذكرت الآخر، فجاز الحمل عليه. ووجه آخر وهو أنّه إذا قال: فعسى الله أن يأتي بالفتح [المائدة/ 52] جاز أن يبدل أن يأتي من اسم الله كما أبدلت

_ (1) في الأصل: (هلا) وصوبت على الهامش. (2) في (ط): قال: أخرتني إلى أجل قريب أصدّق. وما في (م) أصوب. (3) ورد البيت في معجم تهذيب اللغة للأزهري (أي) 15/ 653، وعنه في اللسان (أيا) برواية «أيا فعلت» مكان «أنى سلكت». ولم يعز لقائل. (4) سقطت من (ط).

أن من الضمير في قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وإذا أبدلت «1» منه حملت النصب في: ويقول* على ذلك، كأنّك قلت: عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا. فأمّا من رفع، فحجّته أن يجعل الواو لعطف جملة على جملة، ولا يجعلها عاطفة على مفرد، ويدلّ على قوة الرفع قول من حذف الواو فقال: يقول الذين آمنوا*. وأما إسقاط الواو وإثباتها من قوله: ويقول الذين آمنوا فالقول فيه «2» إنّ حذفها في المساغ والحسن كإثباتها. فأمّا الحذف فلأنّ في الجملة المعطوفة ذكرا من المعطوف عليها، وذلك أن من وصف بقوله: يسارعون فيهم يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة إلى قوله: نادمين [المائدة/ 52] هم الذين قال فيهم الذين آمنوا: أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم [المائدة/ 53] فلمّا صار في كلّ واحدة من الجملتين ذكر من الأخرى حسن عطفها بالواو وبغير الواو، كما أن قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم [الكهف/ 22] لمّا كان في كل واحدة من الجملتين ذكر مما تقدّم، اكتفي بذلك عن الواو، لأنّها بالذكر وملابسة بعضها ببعض به ترتبط إحداهما بالأخرى كما ترتبط بحرف العطف، وعلى هذا قوله: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39]

_ (1) في (ط) أبدلته. (2) كذا في (ط) وسقطت من (م).

المائدة: 54

ولو أدخلت «1» الواو فقيل: وهم فيها خالدون، كان حسنا، ويدلّك على حسن دخول الواو قوله: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم فحذف الواو من قوله: ويقول الذين آمنوا كحذفها في هذه الآي، وإلحاقها كإلحاقها في قوله: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] فقد تبين لك بمجيء التنزيل بالأمرين أنّ هذا الموضع أيضا مثل ما جاء التنزيل به في غير هذا الموضع. [المائدة: 54] واختلفوا «2» في إظهار الدال وإدغامها من قوله جلّ وعز: من يرتد منكم عن دينه [المائدة/ 54]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بإدغام الدال الأولى في الآخرة. وقرأ نافع وابن عامر: من يرتدد منكم عن دينه بإظهار الدالين وجزم الآخرة «3». حجة من أظهرهما ولم يدغم: أن الحرف المدغم لا يكون إلّا ساكنا، ولا يمكن الإدغام في الحرف الذي يدغم حتى يسكن، لأنّ اللسان يرتفع عن المدغم فيه ارتفاعة واحدة، فإذا لم يسكن لم يرتفع اللسان ارتفاعة واحدة، فإذا لم يرتفع كذلك لم يمكن الإدغام فإذا كان كذلك لم يسغ الإدغام في الساكن «4»، لأنّ

_ (1) في (ط): دخلت. (2) في (ط): اختلفوا. (3) السبعة 245. (4) في (ط): (إذا كان كذلك). زيادة بعد الساكن.

المدغم إذا كان ساكنا، والمدغم فيه كذلك، التقى ساكنان، والتقاء الساكنين في الوصل في هذا النحو ليس من كلامهم، فأظهر الحرف الأوّل وحرّكه، وأسكن الحرف الثاني من المثلين، وهذه لغة أهل الحجاز فلم يلتق الساكنان. وحجة من أدغم أنّه لما أسكن الحرف الأول من المثلين ليدغمه في الثاني «1» وكان الثاني ساكنا، وقد أسكن الأوّل للإدغام حرّك المدغم فيه لالتقاء الساكنين على اختلاف في التحريك، وهذه لغة بني تميم. وإنّما حرّك بنو تميم ذلك لتشبيههم إياه بالمعرب، وذلك أنّ المعرب قد اتفقوا على إدغامه، فلما وجدوا ما ليس بمعرب مشابها للمعرب في تعاور الحركات عليه كتعاورها على المعرب، جعلوه بمنزلة المعرب فأدغموا كما أدغموا المعرب، وهذا من فعلهم يدل على صحّة ما ذهب إليه سيبويه من تشبيه حركة الإعراب بحركة البناء في التخفيف نحو: .. أشرب غير مستحقب «2» ألا ترى أنّهم «3» شبهوا حركة البناء بحركة الإعراب في إدغامهم في الساكن المحرّك «4» بغير حركة الإعراب، فكما شبهوا حركة البناء بحركة الإعراب، كذلك شبهوا حركة الإعراب بحركة البناء في نحو: أشرب غير مستحقب

_ (1) عبارة (ط): ولم يدغم في الثاني ... (2) سبق انظر 1/ 117 و 410. (3) في (ط): قد. (4) في (ط): المتحرك.

المائدة: 57

وليس ذلك بأبعد من تشبيههم أفكل بأذهب، وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا «1» قال [جلّ وعزّ] «2»: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى [النساء/ 115] وقال: ومن يشاقق الله ورسوله [الأنفال/ 13]. [المائدة: 57] واختلفوا «3» في نصب الراء وخفضها من قوله تعالى «4»: والكفار أولياء [المائدة/ 57]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة: والكفار نصبا «5». وقرأ أبو عمرو والكسائي: والكفار* خفضا، وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو والكفار بالنصب «6». حجة من قرأ بالجر فقال: والكفار* أنه حمل الكلام على أقرب العاملين وقد تقدّم أن لغة التنزيل الحمل على أقرب العاملين، فحمل «7» على عامل الجرّ من حيث كان أقرب إلى المجرور من عامل النصب، وحسن الحمل على الجر، لأنّ فرق الكفار الثلاث: المشرك، والمنافق، والكتابي الذي لم يسلم، قد كان منهم الهزء فساغ لذلك أن يكون الكفار ... مجرورا وتفسيرا

_ (1) سقطت من (م). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): اختلفوا. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): بالنصب. (6) السبعة 245. (7) في (ط): فحمله.

للموصول، وموضحا له، فالدليل على استهزاء المشركين قوله: إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلها آخر [الحجر/ 95 - 96] والدليل على استهزاء المنافقين قوله: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن [البقرة/ 14]. وأمّا «1» الكتابي الذي لم يسلم فيدا، على وقوع ذلك منه قوله: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا «2» من الذين أوتوا الكتاب [المائدة/ 57] وكلّ من ذكرنا من المشركين والمنافقين ومن لم يسلم من أهل الكتاب يقع عليه اسم كافر ويدل على ذلك قوله: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البيّنة/ 1] وقال: ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب [الحشر/ 11] وقال: إن الذين آمنوا ثم كفروا [النساء/ 137]، فإذا وقع على المستهزئين اسم كافر حسن أن يكون قوله: والكفار* تفسيرا للاسم الموصول، كما كان قوله: من الذين أوتوا الكتاب تفسيرا له، ولو فسّر الموصول بالكفار لعمّ الجميع. ولكنّ الكفار كأنه أغلب على المشركين وأهل الكتاب، على من إذا عاهد دخل «3» في ذمّة المسلمين وقبلت «4» منه الجزية، على دينه أغلب فلذلك فصّل ذكرهما، ويدل على تقدم قوله: والكفار* قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما

_ (1) سقطت «أما» من (ط). (2) في (م) لعبا ولهوا. وهو خطأ. (3) في (م): «ودخل». (4) في (م): قبلت.

المائدة: 60

أنّ الاتفاق فيما علمنا على الجرّ في قوله: ولا المشركين ولم يحمل على العامل الرافع، كذلك ينبغي أن يتقدم الجرّ في قوله: والكفار أولياء. وحجّة من نصب فقال: والكفار أولياء أنه عطف على العامل الناصب، فكأنّه قال: لا تتخذوا الكفار أولياء، وحجتهم في ذلك قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [آل عمران/ 28] فكما وقع النهي عن اتّخاذ الكفار أولياء في هذه الآية، كذلك يكون في الأخرى معطوفا على الاتخاذ. [المائدة: 60] واختلفوا «1» في ضم الباء وفتحها من قوله تعالى «2»: وعبد الطاغوت [المائدة/ 60]. فقرأ حمزة وحده: وعبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت. وقرأ الباقون: وعبد الطاغوت منصوبا كلّه «3». حجّة حمزة في قراءته عبد الطاغوت: أنه يحمله على ما عمل فيه جعل* فكأنه قال: «4» وجعل منهم عبد الطاغوت. ومعنى جعل*: خلق كما قال: وجعل منها زوجها [الأعراف/ 189] وكما قال: وجعل الظلمات والنور [الأنعام/ 1] وليس عبد*

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة 246. (4) سقطت من (م).

لفظ جمع، ألا ترى أنّه ليس في أبنية الجموع شيء على هذا البناء، ولكنه واحد يراد به الكثرة، ألا ترى أن في الأسماء المنفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه لفظ الإفراد ومعناه الجمع؟ وفي التنزيل: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] [يريد: نعم الله] «1» فكذلك قوله: وعبد الطاغوت وجاء على فعل لأنّ هذا البناء تراد به الكثرة والمبالغة، وذلك نحو يقظ، وندس «2»، وفي التنزيل: وتحسبهم أيقاظا [الكهف/ 18] فكأنّ «3» تقديره أنّه قد ذهب في عبادة الطاغوت، والتذلّل له كلّ مذهب وتحقّق به، وجاء على هذا لأنّ عبدا في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، واستعمالهم إياه استعمالها لا يزيل عنه كونه صفة، ألا ترى أنّ الأبرق والأبطح، وإن كانا استعملا استعمال الأسماء حتى كسّر هذا النحو تكسيرها عندهم في نحو قوله: بالعذب في رصف القلات مقيله ... قضّ الأباطح لا يزال ظليلا «4» لم يزل عنهما «5» حكم الصفة يدلك على ذلك تركهم

_ (1) سقطت من (ط). (2) ندس: فهم سريع السمع فطن (اللسان). (3) في (م): فهذا كأن. (4) البيت لجرير يهجو الفرزدق. والقلات جمع قلت: هي البئر تكون في الصخرة من ماء السماء، ولا مادة لها من ماء الأرض. والقض: الموضع الخصب. انظر ديوانه/ 453 (الصاوي). (5) في (ط): عنه.

المائدة: 67

صرفها «1» كتركهم صرف آخر «2»، ولم يجعلوا ذلك كأفكل، وأيدع «3»، فكذلك عبد، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء، لم يخرجه ذلك عن أن يكون صفة وإذا لم يخرج عن أن يكون صفة، لم يمتنع أن يبنى بناء الصفات على فعل نحو يقظ «4». فأما من فتح فقال «5»: وعبد الطاغوت فإنّه عطفه على مثال الماضي الذي في الصلة وهو قوله: لعنه الله [النساء/ 118] وأفرد الضمير الذي «6» في عبد، وإن كان المعنى فيه الكثرة «7» لأنّ الكلام محمول على لفظ من دون معناه، وفاعله ضمير من كما أن فاعل الأمثلة المعطوف عليها ضمير من، فأفرد لحمل ذلك جميعا على اللفظ ولو حمل الكلّ على المعنى أو البعض على اللفظ والبعض على المعنى كان مستقيما. [المائدة: 67] واختلفوا «8» في التوحيد والجمع في قوله تعالى «9»: فما بلغت رسالاته «10» [المائدة/ 67].

_ (1) في (ط): لصرفه. (2) في (ط): أحمر. (3) الأفكل على أفعل: الرّعدة تعلو الإنسان ولا فعل له اللسان (فكل) الأيدع: صبغ أحمر وقيل هو خشب البقم أو دم الأخوين أو الزعفران. اللسان (يدع). (4) ضبطها في (ط) على: فعل نحو يقظ. (5) سقطت من (ط). (6) زيادة في (ط). (7) في (ط): كثرة. (8) في (ط): اختلفوا. (9) سقطت من (ط). (10) في (ط): فما بلغت رسالته.

فقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: فما بلغت رسالته واحدة، وفي الأنعام: حيث يجعل رسالاته [الآية/ 124] جماعة، وفي الأعراف: برسالاتي [144] على الجمع أيضا. وقرأ ابن كثير: رسالته على التوحيد، وفي الأنعام: حيث يجعل رسالته وفي الأعراف: برسالتي على التوحيد ثلاثهنّ. وقرأ نافع: فما بلغت رسالاته جماعا، وقرأ في الأنعام: حيث يجعل رسالاته جماعة «1»، وقرأ: على الناس برسالتي واحدة. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: فما بلغت رسالاته وحيث يجعل رسالاته وعلى الناس برسالاتي جماعا ثلاثهنّ. وروى حفص عن عاصم: فما بلغت رسالته واحدة حيث يجعل رسالته واحدة أيضا وعلى الناس برسالاتي جماعا «2». قال أبو علي: أرسل فعل يتعدّى إلى مفعولين: ويتعدّى إلى الثاني منهما بحرف الجر «3» كقوله: إنا أرسلنا نوحا إلى قومه [نوح/ 1] وأرسلناه إلى مائة ألف [الصافات/ 147] ويجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر، من نحو: أعطيت، وكسوت،

_ (1) في (ط) جماعا أيضا. (2) السبعة 246. (3) في (ط): بالجار.

وليس من باب حسبت كقوله: ثم أرسلنا رسلنا تترا [المؤمنون/ 44] وقوله: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا [الأحزاب/ 45] وقال: فأرسل إلى هارون [الشعراء/ 13] فعدّى إلى الثاني، والأول مقدّر في المعنى، التقدير: أرسل رسولا إلى هارون، فأمّا قوله: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات [الحديد/ 25] فالجار في موضع نصب على الحال، كما تقول: أرسلت زيدا بعدّته، وكذلك قوله: أرسله معنا غدا نرتع [يوسف/ 12] إن رفعت المضارع كان حالا، وإن جزمته كان جزاء. وقد يستعمل الإرسال على معنى التخلية بين المرسل وما يريد «1» وليس يراد به البعث قال الراجز: أرسل فيها مقرما غير قفر ... طبّا بإرسال المرابيع السؤر «2» وقال آخر: أرسل فيها بازلا يقرّمه ... وهو بها ينحو طريقا يعلمه «3»

_ (1) في (ط): وبين ما يريد. (2) لم نعثر على قائله. المقرم: البعير المكرم الذي لا يحمل عليه ولا يذلل، ولكن يكون للفحلة والضراب، القفر: المنسوب إلى القفر، أو القليل اللحم. المرابيع: جمع مرباع، وهي التي تنتج في الربيع. والسؤر جمع سؤرة وهي جيد المال. (3) هذا رجز أورده أبو زيد في نوادره ص 461 ونسبه لرجل زعموا أنّه من كلب. وقال البغدادي في شرح الشافية 4/ 177: وقال خضر الموصلي شارح شواهد التفسيرين: البيت من رجز لرؤبة أوله: قلت لزير لم تصله مريمه

فهذا إنّما يريد خلّى بين الفحل وبين طروقته، ولم يمنعه منها وقال: فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغض الدّخال «1» المعنى: خلى بين هذه الإبل وبين شربها ولم يمنعها من ذلك، فمن هذا الباب قوله تعالى «2»: ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين [مريم/ 83] فأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر «3»: لعمري لقد جاءت رسالة مالك ... إلى جسد بين العوائد مختبل وأرسل فيها مالك يستحثّنا ... وأشفق من ريب المنون فما وأل

_ أقول: قد فتشت هذه الأرجوزة مرارا، فلم أجد فيها البيت الشاهد. اهـ. منه. وبعده: وانظر الأزهري 13/ 117 واللسان (سما) وأساس البلاغة (قرم)، المصنف 1/ 60. (1) البيت للبيد يصف إبلا أوردها الماء مزدحمة. والعراك الازدحام ولم يشفق على ما تنغص شربه منها، والدخال: أن يدخل القوي بين ضعيفين أو الضعيف بين قويين. فيتنغص عليه شربه. انظر ديوانه/ 108 وسيبويه 1/ 187، والمقتضب 3/ 237 وابن الشجري 2/ 284 وروي على نغض بالضاد، وانظر ابن يعيش 2/ 62، 4/ 55، والخزانة 1/ 524، والعيني 3/ 219، والمخصص 14/ 227 واللسان (عرك نغص دخل). (2) في (ط): عز وجل. (3) النوادر (ط. الفاتح) 203 والبيتان من مقطعة في ستة أبيات للبعيث واسمه خداش بن بشر بن خالد.

فالرسالة هاهنا بمنزلة الإرسال، والمصدر في تقدير الإضافة إلى الفاعل والمفعول الأول، في التقدير «1» محذوف كما كان محذوفا في قوله: فأرسل إلى هارون [الشعراء/ 13] والتقدير: رسالة مالك إلى جسد، والجار والمجرور في موضع نصب لكونه مفعولا ثانيا، والمعنى: إلى ذي جسد، لأنّ الرسالة لم تأت الجسد دون سائر المرسل إليه. ومثل ذلك قوله: ........ وبعد عطائك المائة الرّتاعا «2» في وضعه العطاء في موضع الإعطاء. وقوله: وأرسل فيها مالك يستحثّنا «3» ....... يجوز أن يكون المعنى: أرسل الرسالة يستحثنا، ودخول الجار كدخوله في قوله: لهم «4» فيها [يس/ 57]، ويستحثّنا حال من مالك. وإن شئت قلت: تستحثّنا، فجعلته حالا من الرسالة. وإن شئت ذكّرت، لأنّ الرسالة والإرسال بمعنى. والرسول جاء على ضربين أحدهما أن يراد به المرسل. والآخر [أن يراد به] «5» الرسالة، فالأوّل كقولك: هذا رسول زيد،

_ (1) سقطت من (ط) في التقدير. (2) هذا عجز بيت للقطامي صدره: أكفرا بعد رد الموت عني. وقد سبق في 1/ 182. (3) سبق قريبا. (4) في (م): كدخوله لهم. (5) زيادة من (م).

تريد «1» مرسله وقال [جلّ وعز] «2»: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل [آل عمران/ 144] فهذا كأنه يراد به المرسل، يقوي ذلك قوله: إنك لمن المرسلين [يس/ 3]. ومثل هذا في أنّه فعول: يراد به المفعول قوله «3»: وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... بلحييك عاديّ الطريق ركوب المعنى أنّه طريق مركوب مسلوك، وقال «4»: تضمّنها وهم ركوب كأنّه ... إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق وقالوا: الحلوبة والحلوب، والركوبة والركوب لما يحلب ويركب. فأمّا استعمالهم الرسول بمعنى الرسالة فكقول الشاعر: لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ... بسرّ ولا أرسلتهم برسول «5» أي: برسالة، فيجوز على هذا في قوله: إنا رسول ربك [طه/ 47] أن يكون التقدير: إنّا ذوو رسالة ربك. فلم يثنّ رسول كما لا يثنّى المصدر. ويجوز أن يكون وضع الواحد موضع التثنية كما وضع موضع الجمع «6» في قوله: وهم لكم عدو

_ (1) زادت (ط): «أي» بعد تريد. (2) سقطت من (ط). (3) لم نعثر على قائله. (4) لم نعثر على قائله. (5) البيت لكثير عزة. انظر تهذيب اللغة للأزهري 12/ 391. (6) في (ط): الجميع.

[الكهف/ 50] فإن كان من قوم عدو [النساء/ 92] ونحو ذلك. وجمع رسالة: رسالات، وعلى «1» التكسير رسائل ومثله: عمامة وعمامات وعمائم. فأما قوله تعالى «2»: أعلم حيث يجعل رسالاته [الأنعام/ 124] فلا يخلو حيث فيه من أن يكون انتصابه انتصاب الظروف، أو انتصاب المفعولين «3» ولا يجوز أن يكون انتصابه انتصاب الظروف، لأن علم القديم سبحانه في جميع الأماكن على صفة واحدة، فإذا لم يستقم أن يحمل أفعل على زيادة علم في مكان، علمت أن انتصابه انتصاب المفعول به، والفعل، الناصب مضمر دلّ عليه قوله: أعلم كما أن القوانس في قوله: وأضرب منا بالسيوف القوانسا «4» ينتصب على مضمر دلّ عليه أضرب، فكذلك حيث إذا انتصب انتصاب المفعول به، ألا ترى أنّ المفعول به لا ينتصب بالمعاني ومثل ذلك في انتصاب حيث على أنّه مفعول به قول الشماخ: وحلّأها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواحز «5»

_ (1) في (ط): حكى. (2) في (ط): عزّ وجلّ: (الله أعلم ... ). (3) في (ط): المفعول به. (4) هذا عجز بيت للعباس بن مرداس، وقد سبق انظر 1/ 27. (5) انظر ديوانه/ 182. حلأها: منعها من الماء والضمير للحمر، عامر أخو

فحيث مفعول به، ألا ترى أنه ليس يريد أنه يرمي شيئا حيث تكوى النواحز، إنّما يرمي حيث تكوى النواحز، فحيث تكوى مفعول به وليس بمفعول فيه. فحجة من جمع فقال: برسالاتي أن الرسل يرسلون بضروب من الرسائل كالتوحيد والعدل، وما يشرعون من الشرائع، وما ينسخ منها على ألسنتهم، فلمّا اختلفت الرسائل حسن أن يجمع، كما حسن أن تجمع أسماء الأجناس إذا اختلفت، ألا ترى أنّك تقول: رأيت تمورا كثيرة، ونظرت في علوم كثيرة «1» فجمعت هذه الأسماء «2» إذا اختلفت ضروبها كما تجمع غيرها من الأسماء. وحجة من أفرد هذه الأسماء ولم يجمعها أنّها تدل على الكثرة، وإن لم تجمع كما تدل عليها الألفاظ المصوغة «3» للجمع، وتدل على الكثير «4» كما تدل ألفاظ الجمع عليه. مما يدل على ذلك

_ الخضر قانص مشهور، وقيل له الرامي، وفيه يقول الشماخ البيت. والخضر: هم ولد مالك بن طريف بن خلف بن محارب بن خصفه بن قيس عيلان وسموا بذلك لشدّة سمرتهم، والخضرة في ألوان الناس: السمرة. ذو الأراكة: نخل بموضع من اليمامة لبني عجل، انظر معجم البلدان (أراك) النواحز: التي بها نحاز: وهو داء يأخذ الدواب والإبل في رئاتها فتسعل سعالا شديدا. فتكوى في جنوبها وأصول أعناقها فتشفى انظر المعاني الكبير 2/ 782 والبحر المحيط 4/ 216. (1) سقطت من (م). (2) في (ط): فجميع هذه الأسماء جمعت. (3) في (ط): الموضوعة. (4) في (ط): التكثير.

المائدة: 71

قوله تعالى «1»: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14] فوقع الاسم الشائع على الجميع، كما يقع على الواحد، فكذلك الرسالة ولو وضع موضع القراءة بالإفراد الجمع، أو موضع الجمع الإفراد، لكان سائغا في العربية، إلّا أنّ لفظ الجمع في الموضع الّذي يراد به الجمع «2» أبين. والقرّاء قد يتبعون مع ما يجوز في العربية الآثار، فيأخذون بها ويؤثرونها. إذا وجدوا مجاز ذلك في العربية مجازا واحدا. [المائدة: 71] واختلفوا في رفع النون ونصبها من قوله [جلّ وعز]: «3» وحسبوا ألا تكون فتنة [المائدة/ 71]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر أن لا تكون فتنة نصبا. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: أن لا تكون فتنة رفعا. ولم يختلفوا في رفع فتنة «4». قيل: إنّ المراد بقوله: وحسبوا ألا تكون فتنة: حسبوا أن لا تكون فتنة بقولهم «5»: نحن أبناء الله وأحباؤه [المائدة/ 18]. قال أبو علي: الأفعال على ثلاثة أضرب: فعل يدلّ على ثبات الشيء واستقراره، وذلك نحو العلم والتيقّن والتبيّن،

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): الجميع. (3) سقطت من (ط). (4) السبعة 247. (5) في (ط): لقولهم.

والتثبّت، وفعل يدلّ على خلاف الاستقرار والثبات. وفعل يجذب مرّة إلى هذا القبيل، وأخرى «1» إلى هذا القبيل، فما كان معناه العلم وقعت «2» بعده أنّ الثقيلة، ولم تقع بعده الخفيفة الناصبة للفعل، وذلك أنّ أنّ الثقيلة معناها ثبات الشيء واستقراره، والعلم وبابه كذلك أيضا، فإذا أوقع عليه واستعمل معه كان وفقه وملائما له. ولو استعملت الناصبة للفعل بعد ما معناه العلم واستقرار الشيء لم تكن وفقه فتباينا وتدافعا، ألا ترى أنّ «أن» الناصبة لا تقع على ما كان ثابتا مستقرا. فمن استعمال الثقيلة بعد العلم ووقوعه «3» عليها قوله: ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور/ 25] وأ لم يعلم بأن الله يرى [العلق/ 14] لأنّ الباء زائدة وكذلك التّبيّن والتيقّن، وما كان معناه العلم كقوله تعالى «4»: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات [يوسف/ 35] فبدا* ضرب من العلم، ألا ترى أنّه تبيّن لأمر لم يكن قد تبيّن، فلذلك كان قسما، كما كان علمت قسما في نحو قوله: ولقد علمت لتأتينّ منيّتي «5»

_ (1) في (ط): ومرة. (2) في (ط): وقع. (3) في (ط): وإيقاعه. (4) سقطت من (ط). (5) هذا صدر بيت عجزه: إنّ المنايا لا تطيش سهامها. انظر الكتاب 1/ 456، والخزانة 4/ 13، 332 وشرح أبيات المغني 6/ 232 والعيني 2/ 405، والأشموني 2/ 30 قال البغدادي: ونسبه سيبويه في كتابه للبيد والموجود في معلقته إنّما هو المصراع الثاني وصدره: صادفن منها غرّة فأصبنه. ولم يوجد للبيد في ديوانه شعر على هذا الروي غير المعلقة والله أعلم (انظر ديوانه ص 171).

قال: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه [يوسف/ 35] فهذا بمنزلة: علموا ليسجننّه «1»، وعلى هذا قول الشاعر: بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى «2» ... فأوقع بعدها الشديدة كما يوقعها بعد علمت. وأمّا ما كان معناه ما لم يثبت ولم يستقر، فنحو: أطمع وأخاف وأخشى وأشفق وأرجو، فهذه ونحوها تستعمل بعد «3» الخفيفة الناصبة للفعل، قال: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي [الشعراء/ 82] وتخافون أن يتخطفكم الناس [الأنفال/ 26] وإلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما [البقرة/ 229] فخشينا أن يرهقهما [الكهف/ 80] أأشفقتم أن تقدموا [المجادلة/ 13] وكذلك أرجو وعسى ولعلّ. وأمّا ما يجذب مرة إلى هذا الباب ومرّة إلى الباب الأول «4» فنحو: حسبت، وظننت وزعمت، فهذا النحو يجعل مرّة بمنزلة أرجو وأطمع من حيث كان أمرا غير مستقر، ومرة يجعل بمنزلة

_ (1) في (ط) زيادة: حتى حين. (2) هذا صدر بيت لزهير عجزه: ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا. انظر الكتاب 1/ 83 وغيرها، الخصائص 2/ 353، 424، ابن يعيش 2/ 53، الخزانة 3/ 665 والعيني 2/ 267، 3/ 351، وديوانه/ 287 وفيه: ولا سابقي شيء. (3) في (ط): فهذا ونحوه يستعمل بعده. (4) في (ط): هذا الباب بدل: «الباب الأوّل».

العلم من حيث استعمل استعماله ومن حيث كان خلافه، والشيء قد يجري خلافه «1» في كلامهم نحو: عطشان وريّان. فأما استعمالهم إياه استعمال العلم فهو أنهم قد أجابوه بجواب القسم، حكى سيبويه: ظننت ليسبقنّني «2». وقيل في قوله: وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] أنّ النفي جواب للظن، كما كان جوابا لعلمت في قوله: لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات [الإسراء/ 102]. فكلتا القراءتين في قوله: وحسبوا ألا تكون فتنة، وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل، فمثل قول من نصب فقال: ألا تكون قوله: أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا [العنكبوت/ 4] أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم [الجاثية/ 21] أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 2]. ومثل قراءة من رفع: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم [الزخرف/ 37] أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55] أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه [القيامة/ 3] فهذه مخففة من الشديدة. ومثل ذلك في الظن قوله: تظن أن يفعل بها فاقرة [القيامة/ 25]. وقوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله [البقرة/ 230]. وفي «3» الرفع قوله: وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا [الجن/ 5] وقوله: وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا [الجن/ 7] ف «أن» هاهنا المخففة من الشديدة، لأنّ الناصبة للفعل لا يقع بعدها «لن» لاجتماع

_ (1) في (ط): الخلاف. (2) الكتاب 1/ 456 وفيه: «أظن» بدل: «ظننت». (3) في (ط): ومن.

الحرفين في الدلالة على الاستقبال، كما لم تجتمع الناصبة مع السين، ولم يجتمعا كما لا يجتمع الحرفان لمعنى واحد، فمن ثمّ كانت أن في قوله تعالى: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] المخففة من الشديدة، ومن ذلك قوله: وظنوا أنهم أحيط بهم [يونس/ 22]. فأما قوله: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم [البقرة/ 46] فالظن هاهنا علم، وكذلك قوله: إني ظننت أني ملاق حسابيه [الحاقة/ 20] وقال سيبويه: لو قلت على جهة المشورة: «ما أعلم إلّا أن تدعه» لنصبت، وهذا «1» لأنّ المشورة أمر غير مستقرّ. ولا متيقّن من المشير، فصار بمنزلة الأفعال الدالّة على خلاف الثبات والاستقرار. وحسن وقوع المخفّفة من الشديدة في قول من رفع، وإن كان بعدها «2» فعل لدخول لا، وكونها عوضا من حذف الضمير معه، وإيلائه ما لم يكن يليه. ولو قلت: علمت أن تقول لم يحسن حتى تأتي بما يكون عوضا نحو: قد، ولا، والسين، وسوف، كما قال: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] فإن قلت: فقد جاء: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم/ 39] فلم يدخل بين أن وليس شيء. فإنّما جاء هذا لأنّ ليس ليس بفعل على الحقيقة. قال أحمد: وكلهم قرأ: ألا تكون فتنة بالرفع [في فتنة] «3» فهذا لأنّهم جعلوا كان بمنزلة وقع، ولو نصب فقيل: أن لا

_ (1) في (ط): فهذا. (2) في (ط) بعده. (3) سقطت من (ط).

المائدة: 89

يكون فتنة أي: أن لا يكون قولهم فتنة: لكان جائزا في العربية، وإنّما رفعوه فيما نرى لاتباع الأثر، لا لأنّه لا يجوز في العربية غيره «1». [المائدة: 89] اختلفوا في تشديد القاف وتخفيفها وإدخال الألف وإخراجها من قوله [عزّ وجل] «2» عقدتم الأيمان [المائدة/ 89]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: بما عقدتم بغير ألف مشدّدة القاف. وكذلك روى حفص عن عاصم. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: بما عقدتم بغير ألف خفيفة. وكذلك قرأ حمزة والكسائي. وقرأ ابن عامر عاقدتم بألف «3». قالوا: أعقدت العسل، فهو معقد وعقيد. وأخبرنا أبو إسحاق أنّ بعضهم قال: عقدت العسل، قال: والكلام أعقدت. من قال: عقدتم فشدد القاف احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون لتكثير الفعل لقوله: ولكن يؤاخذكم فخاطب الكثرة فهذا مثل: غلقت الأبواب [يوسف/ 23] والآخر: أن يكون عقّد مثل ضعّف، لا يراد به التكثير، كما أن ضاعف لا يراد به فعل من اثنين.

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) سقطت من (ط). (3) السبعة 247.

ومن قال: عقدتم فخفف جاز أن يراد به الكثير من الفعل والقليل، إلّا أن فعّل يختص بالكثير، كما أن الرّكبة تختصّ بالحال التي يكون عليها الركوب. وقالوا: عقدت الحبل والعهد، واليمين: عهد، ألا ترى أن عاهدت يتلقّى بما يتلقّى به القسم قال: قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم «1» وأما قراءة ابن عامر بما عاقدتم الأيمان فيحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون عاقدتم يراد به عقدتم، كما أن عافاه الله وعاقبت اللصّ، وطارقت النعل بمنزلة فعلت، فتكون قراءته في المعنى «2» على هذا كقراءة من خفف. ويحتمل أن يراد بعاقدتم: فاعلت. الذي «3» يقتضي فاعلين فصاعدا، كأنه يؤاخذكم بما عاقدتم عليه اليمين. ولما كان عاقد في المعنى قريبا من عاهد عدّي «4» بعلى كما يعدّى عاهد بها، قال: ومن أوفى بما عاهد عليه الله [الفتح/ 10] ونظير ذلك في تعديته بالجار لما كان

_ (1) هذا صدر بيت للحطيئة من قصيدة يمدح فيها بغيضا وعجزه: شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا انظر ديوانه/ 128. قال شارحه: العناج: حبل يشدّ أسفل الدلو إذا كانت ثقيلة، والكرب: عقد الرشاء الذي يشد على العراقي. والعراقي: العودان: المصلبان اللذان تشد إليهما الأوذام، فأراد أنهم إذا عقدوا لجارهم عقدا أحكموه. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): التي. (4) في (ط): عداه.

بمعنى ما يتعدّى به قولهم: ناديت، قالوا: ناديت زيدا، وناديناه من جانب الطور [مريم/ 52]، وقال: وإذا ناديتم إلى الصلاة [المائدة/ 58] فعدّي بالجار لما كان بمعنى ما يتعدّى بالجار، وهو دعوت تقول: دعوته إلى كذا، وقال: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله [فصلت/ 33] فكما عدّي نادى لمّا كان في معنى دعا بالجار، كذلك عدّي عاقد- لمّا كان بمعنى عاهد- به واتسع فيه، وحذف الجار فوصل الفعل إلى المفعول، ثمّ حذف من الصلة الضمير الذي «1» كان يعود إلى الموصول، كما حذف «2» من قوله: فاصدع بما تؤمر [الحجر/ 94] ومثل حذف الجار هنا حذفه من قول الشاعر: كأنّه واضح الأقراب في لقح ... أسمى بهنّ وعزّته الأناصيل «3» إنّما هو عزت عليه، فاتّسع فيه «4»، فالتقدير: يؤاخذكم بالذي عاقدتم عليه، ثمّ عاقدتموه الأيمان فحذف الراجع. ويجوز أن يجعل ما التي مع الفعل بمنزلة المصدر فيمن قرأ عقدتم وعقدتم، ولا يقتضي «5» راجعا، كما لا تقتضيه في نحو قوله تعالى «6»: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10]

_ (1) في (ط): لما. (2) في (ط): حذفه. (3) البيت في اللسان والتاج (نصل) ولم يعز لقائل. والأنصولة بالضم: نور نصل البهمى، وقيل: هو ما يوبسه الحر من البهمى فيشتد على الأكلة. اللّقح: جمع لقحة، وهي الناقة اللبون. الأقراب: جمع قرب وهو الخاصرة. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط) فلا تقتضي. (6) سقطت من (ط).

المائدة: 95

وقوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] والكفارة في الأيمان إنّما أوجبت بالتنزيل فيما عقد عليه دون اليمين التي لم يعقد عليها. يدل على ذلك قوله: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته [المائدة/ 89] أي: كفارة ما عقدتم عليه، والمعقود عليه ما كان موقوفا على الحنث، والبرّ، دون ما لم يكن كذلك. [المائدة: 95] واختلفوا «1» في الإضافة والتنوين في «2» قوله تعالى «3»: فجزاء مثل ما قتل «4» [المائدة/ 95]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: فجزاء مثل ما مضافة بخفض «5» مثل. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: فجزاء مثل جزاء منون، ومثل مرفوع. حجّة من رفع المثل أنه صفة للجزاء، والمعنى: فعليه جزاء من النّعم مماثل المقتول، والتقدير: فعليه جزاء وفاء للّازم له، أو: فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد، ف من النعم على هذه القراءة صفة للنّكرة، والتي «6» هي جزاء وفيه

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) في (ط): من. (3) سقطت من (ط). (4) زادت (ط) بعدها: مضافة وبخفض مثل. (5) في (ط): وبخفض. (6) في (ط): «التي» بإسقاط الواو.

ذكره، ويكون مثل صفة للجزاء، لأنّ المعنى عليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد من النعم. والمماثلة في القيمة أو الخلقة «1» على حسب اختلاف الفقهاء في ذلك، ولا ينبغي إضافة جزاء إلى المثل، ألا ترى أنّه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة. إنّما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، ولا جزاء عليه لمثل المقتول الذي لم يقتله، فإذا كان ذلك «2» كذلك، علمت أنّ الجزاء لا ينبغي أن يضاف إلى المثل «3»، لأنّه يوجب جزاء المثل، والموجب جزاء المقتول من الصيد، لا جزاء مثله الذي ليس بمقتول. ولا يجوز أن يكون قوله: من النعم على هذه القراءة متعلّقا بالمصدر كما جاز أن يكون الجار متعلقا به في «4» قوله: جزاء سيئة بمثلها [يونس/ 27]، لأنك قد وصفت الموصول، فإذا وصفته لم يجز أن تعلّق به بعد الوصف شيئا، كما أنّك إذا عطفت عليه أو أكّدته لم يجز أن تعلّق به شيئا بعد العطف عليه، والتأكيد له. وأما «5» قراءة من أضاف الجزاء إلى المثل، فإنّ قوله: من النعم يكون صفة للجزاء، كما كان في قول من نوّن ولم يضف صفة له. ويجوز فيه وجه آخر لا يجوز في قول من نوّن ووصف، وهو أن يقدره متعلّقا بالمصدر، ولا يجوز على هذا القول أن يكون

_ (1) في (ط): والخلقة. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): مثل. (4) في (ط): به من. (5) في (ط): وأما في.

فيه ذكر كما تضمّن الذكر لمّا كان صفة، وإنّما جاز تعلّقه بالمصدر على قول من أضاف لأنّك لم تصف الموصول كما وصفته في قول من نوّن، فيمتنع تعلّقه به، والدليل على أن المثل منفصل مما أضيف إليه، وأن المضاف إليه لا يقع عليه المثل في المعنى قول دريد بن الصمّة: وقاك الله يا ابنة آل عمرو ... من الأزواج أمثالي ونفسي وقالت إنّه شيخ كبير ... وهل نبّأتها أنّي ابن أمس «1» ألا ترى أنّ نفسه لو دخلت في جملة قوله: أمثالي، لم يحتج أن يقول: نفسي. وأما من أضاف الجزاء إلى مثل، فقال: فجزاء مثل ما قتل من النعم [المائدة/ 95] فإنّه وإن كان عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، فإنّهم قد «2» يقولون: أنا أكرم مثلك، يريدون: أنا أكرمك، فكذلك إذا قال: فجزاء مثل ما قتل، فالمراد: جزاء ما قتل، كما أن المراد في: أنا أكرم مثلك: أنا أكرمك. فإذا كان كذلك كانت الإضافة في المعنى كغير الإضافة، لأنّ المعنى: فعليه جزاء ما قتل، ومما يؤكد أنّ المثل، وإن كان قد أضيف إليه الجزاء، فالمعنى: فعليه جزاء المقتول لا جزاء مثله الذي لم

_ (1) البيتان من قصيدة لدريد بن الصمة يهجو بها الخنساء لأنّها رفضت أن تتزوج منه. الأغاني 10/ 23 وفيهما اختلاف يسير في الرواية. (2) سقطت من (م).

المائدة: 95

يقتل: قوله تعالى «1»: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات [الأنعام/ 122] والتقدير: أفمن جعلنا له نورا يمشي به كمن هو في الظلمات، والمثل والمثل، والشّبه والشّبه واحد، فإذا كان مثله في الظلمات فكأنّه هو أيضا فيها. وقوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كقوله: يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به [الحديد/ 28] وقال: انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [الحديد/ 13] وقال: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم [التحريم/ 8] ولو قدّرت الجزاء تقدير المصدر، فأضفته إلى المثل، كما تضيف المصدر إلى المفعول به، لكان في قول من جرّ مثلا على الاتساع الذي وصفنا، ألا ترى أن المعنى: فجزاء مثل ما قتل «2» أي يجازى مثل ما قتل، والواجب عليه في الحقيقة جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول. [المائدة: 95] واختلفوا «3» في الإضافة والتنوين من قوله [جلّ وعز] «4»: أو كفارة طعام مساكين [المائدة/ 95]. فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أو كفارة منونا طعام رفعا مساكين جماعة. وقرأ نافع وابن عامر: أو كفارة رفعا غير منون، طعام

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (م): معنى فجزاء مثل. (3) في (ط): اختلفوا. (4) سقطت من (ط).

المائدة: 97

مساكين على الإضافة، ولم يختلفوا في مساكين أنه جمع «1». وجه قول من رفع طعام مساكين أنّه جعله عطفا على الكفارة عطف بيان لأنّ الطعام هو الكفّارة، ولم يضف الكفّارة إلى الطعام لأنّ الكفّارة ليست للطعام، إنّما الكفّارة لقتل الصّيد، فلذلك لم يضيفوا الكفّارة إلى الطعام. ومن أضاف الكفّارة إلى الطعام، فلأنّه لما خيّر المكفّر بين ثلاثة أشياء: الهدي، والطعام، والصيام، استجاز الإضافة لذلك، فكأنّه قال: كفّارة طعام لا كفّارة هدي، ولا كفّارة صيام، فاستقامت الإضافة عنده لكون الكفّارة من هذه الأشياء. [المائدة: 97] واختلفوا «2» في إدخال الألف وإخراجها من قوله تعالى: قياما للناس [المائدة/ 97]. فقرأ ابن عامر وحده: قيما* بغير ألف. وقرأ الباقون قياما بألف «3». قوله عز وجل: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس [المائدة/ 97] التقدير فيه: جعل الله حج الكعبة [البيت الحرام قياما] «4» أو نصب الكعبة قياما لمعايش الناس ومكاسبهم «5»، لأنه مصدر قاموا، كأنّ المعنى: قاموا بنصبه ذلك لهم فاستتبّت

_ (1) السبعة 249. (2) في (ط): اختلفوا. (3) السبعة: 248. (4) ما بين المعقوفتين زيادة في (م). (5) في (ط): أو مكاسب الناس.

معايشهم به «1» واستقامت أحوالهم له. ويؤكّد إثبات الألف في القيام قوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما [النساء/ 5] فالقيام: كالعياذ، والصيام والقياد «2» وعلى هذا ما لحقته تاء التأنيث من هذه المصادر فجاءت على فعالة كالزيارة والعياسة «3» والسياسة والحياكة. فكما جاءت هذه المصادر على فعالة «4»، كذلك حكم القيام أن يكون على فعال. ووجه قول ابن عامر قيما* على أحد أمرين: إما أن يكون جعله مصدرا كالشّبع «5»، أو حذف الألف وهو يريدها كما يقصر الممدود. وحكم هذا الوجه أنّه يجوز في الشعر دون الكلام وحال السعة. فإن قلت: فإذا جعله مصدرا كالشّبع «5» فهلّا صحّحه كما صحح الحول والعوض مما «7» ليس على بناء من أبنية الفعل؟ فالقول فيه أنه لما اعتلّ فعله اعتلّ المصدر على اعتلال فعله، ألا ترى أنّهم قالوا: ديمة وديم، وحيلة وحيل، فأعلّوا الجموع لاعتلال آحادها «8»، فإذا أعلّوا الجموع لاعتلال الآحاد، فأن تعلّ المصادر لاعتلال أفعالها أولى، ألا ترى أنّهم قد أعلّوا بعض الآحاد، وصححوا الجموع نحو معيشة ومعايش، ومقام ومقاوم، ولم

_ (1) سقطت من (ط). (2) كذا في (ط) وسقطت من (م). (3) سقطت من (م). والعياسة: من عاس ما له: أحسن القيام عليه. (4) في (ط): على فعال أو فعالة. (5) في (م): «كالشيع» وهو تصحيف. (7) في (ط): وما. (8) في (ط): الآحاد.

المائدة: 107

يصحّحوا مصدرا أعلّوا فعله، لكي يجزي المصدر على فعله، إن صحّ حرف العلّة في الفعل صحّ في مصدره، نحو اللّواز والغوار، وإن اعتلّ في الفعل اعتلّ في مصدره. وتقدير الآية: جعل الله حج الكعبة [البيت الحرام] «1» أو نصب الكعبة قياما لمعايش الناس ومصالحهم. وقوله تعالى: والشهر الحرام [المائدة/ 97] معطوف على المفعول الأول: لجعل. ونحو ذلك: ظننت زيدا منطلقا وعمرا، أي: فعل ذلك ليعلموا أنّ الله يعلم مصالح ما في السموات والأرض، وما يجري عليه شأنهم في معايشهم، وغير ذلك مما يصلحهم، وأن الله بكلّ شيء يقيمهم ويصلحهم عليم. وقيل في قوله: قياما للناس: أمنا لهم. وقيل: قياما للناس أي: مما ينبغي أن يقوموا به، والقول الأوّل عندنا أبين. [المائدة: 107] واختلفوا «2» في التثنية والجمع في قوله: استحق عليهم الأوليان [المائدة/ 107]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: من الذين استحق عليهم مضمومة التاء، الأوليان على التثنية. وروى نصر بن عليّ عن أبيه عن قرّة قال: سألت ابن كثير فقرأ: استحق بفتح التاء الأوليان على التثنية. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة استحق بضم التاء الأولين* جماع «3».

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): اختلفوا. (3) في (ط): جماعا.

وروى حفص عن عاصم استحق بفتح التاء. الأوليان على التثنية «1». قال الواقديّ: حدثنا أسامة بن زيد عن أبيه قال: كان تميم الداريّ وأخوه عديّ نصرانيّين، وكان متّجرهما إلى مكّة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجرا، فخرج هو وتميم الداري وأخوه عديّ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية، فكتب وصية بيده ودسّها في متاعه، وأوصى إليهما، فلما مات فتحوا «2» متاعه، فوجدوا وصيّته وقد كتب ما خرج به، ففقدوا شيئا فسألوهما فقالا: لا ندري، هذا الذي قبضنا له، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» فنزلت الآية «4»: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم [المائدة/ 106] فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» أن يستحلفوهما بالله ما قبضا له غير هذا ولا كتماه. قال الواقدي: فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» بعد العصر، فمكثا ما شاء الله، ثمّ ظهر على إناء من فضة منقوش بذهب «7» معهما، فقالوا: هذا من متاعه، فقالا: اشتريناه منه، وارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما [المائدة/ 107] قال: فأمر

_ (1) السبعة 248 - 249. (2) في (ط): فتحا. (3) في (ط): صلى الله عليه. (4) في (ط): فأنزل الله الآية. (7) في (ط): مذهب.

رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» رجلين من أهل الميت أن يحلفا «2» على ما كتما وغيّبا. قال الواقدي: فحلف عبد الله بن عمرو والمطّلب بن أبي وداعة، فاستحقّا، ثمّ إنّ تميما أسلم، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم «3»، وكان يقول: صدق الله وبلّغ رسوله، أنا أخذت الإناء «4». قال: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان فشهادة مرتفع بالابتداء، واتّسع في بين، وأضيف إليه المصدر، وهذا يدل على قول من قال: إن الظروف التي تستعمل أسماء يجوز أن تستعمل أسماء في غير الشعر، ألا ترى أنّه قد جاء ذلك «5» في التنزيل وكذلك «5»: لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94] في قول من رفع، فجاء في غير الشعر، كما جاء في الشعر نحو قوله: فصادف بين عينيه الجبوبا «7»

_ (1) في (ط): صلى الله. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): صلى الله. (4) أخرج حديث سبب النزول على نحو آخر البخاري في كتاب الوصايا 5/ 409 برقم 2780 عن ابن عباس. والترمذي في التفسير 8/ 224 عن ابن عباس عن تميم الداري وقال: هذا حديث غريب وليس إسناده بصحيح. وفيه اختلاف في الرواية عمّا هنا. وانظر تفسير ابن كثير 3/ 214 (ط الشعب). (5) سقطت من (ط). (7) عجز بيت لأبي خراش الهذلي ونصّه في ديوان الهذلين 3/ 1205. فلاقته ببلقعة براز* فصادم بين عينيها الجبوبا وانظر اللسان (جبب) وفيه: براح مكان براز وتصادم مكان فصادم. هذا وقد جاء ضبطها في الهذليين بالفتح ولم يشر السكري إلى ضبطها وما يجب أن يكون عليه. وكذلك ورد ضبطها في اللسان خطأ بالفتح مخالفا ما نصّص عليه.

فأمّا قوله: إذا حضر أحدكم الموت [المائدة/ 106] فيجوز أن يتعلّق بالشهادة فيكون معمولها، ولا يجوز أن يتعلّق بالوصية لأمرين: أحدهما أنّ المضاف إليه لا يعمل في ما قبل المضاف، لأنّه لو عمل فيما قبله للزم أن يقدّر وقوعه في موضعه، فإذا قدر ذلك لزم تقديم المضاف إليه على المضاف، ومن ثمّ لم يجز: القتال زيدا حين نأتي. والآخر: أنّ الوصية مصدر فلا يتعلّق به ما يتقدم عليه، فأما قوله: حين الوصية فلا يجوز أن تحمله على الشهادة، لأنّه إذا عمل في ظرف من الزمان لم يعمل في ظرف آخر منه «1»، ولكن تحمله على ثلاثة أوجه «2»، أحدها: أن تعلّقه بالموت، كأنه الموت من «3» ذلك الحين، وهذا إنّما يكون على ما قرب منه «4». يدلّك على ذلك قوله عزّ وجل «5»: حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن [النساء/ 18]، وكذلك قوله: حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا [الأنعام/ 61]، وقوله: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون [المؤمنون/ 99] فلو كان هذا على وقوعه، ولم يكن على مقاربته، لم يجز أن يسند إليه القول بعد الموت. والثاني «6»: أن تحمله على حضر، أي: إذا حضر في هذا الحين. والثالث: أن تحمله على البدل من إذا، لأنّ ذلك الزمان في المعنى هو ذلك الزمان، فتبدله منه كما تبدل الشيء

_ (1) في (ط): فيه. (2) في (ط): أحد ثلاثة أشياء. (3) في (ط): في. (4) سقطت من (م). (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): والآخر.

من الشيء إذا كان إياه. وقوله تعالى: اثنان ذوا عدل منكم [المائدة/ 106]، هو خبر المبتدأ الذي هو شهادة بينكم، والتقدير شهادة بينكم شهادة اثنين، فأقام «1» المضاف إليه مقام المضاف، ألا ترى أنّ الشهادة لا تكون إلّا باثنين. وقوله: منكم، صفة لقوله: اثنان، كما أنّ ذوا عدل صفة لهما وفي الظرف ضميرهما. وقوله: أو آخران من غيركم تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم، ومن غيركم صفة للآخرين «2» كما كان منكم صفة الاثنين «3»، وأما من غيركم فقيل في تفسيره: إنّه من غير أهل ملّتكم. حدّثنا الكندي قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا إسماعيل عن هشام بن حسان عن محمد قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قال: اثنان ذوا عدل من أهل الملّة، أو آخران من غيركم من غير أهل الملة، وهو فيما زعموا قول ابن عباس وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وقيل فيهما: من غير أهل قبيلتكم. وقوله: إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت [المائدة/ 106] اعتراض بين الصفة والموصوف، وعلم به أن شهادة الآخرين اللّذين هما من غير أهل ملّتنا إنّما تجوز في السفر. واستغني عن جواب إن* بما تقدم من قوله: أو آخران من غيركم

_ (1) في (ط): فأقيم. (2) في (ط): لآخرين. (3) في (ط): لاثنين.

لأنّه وإن كان على لفظ الخبر فالمعنى على الأمر، كأن المعنى: ينبغي أن تشهدوا إذا ضربتم في الأرض آخرين من غير أهل ملتكم. ويجوز أيضا أن يستغنى عن جواب إذا في قوله: إذا حضر أحدكم الموت بما تقدمها من قوله: شهادة بينكم فإن جعلت إذا بمنزلة حين، ولم تجعل له جوابا، كان بمنزلة الحين، وينتصب الموضع بالمصدر الذي هو شهادة بينكم كما تقدم. وإن قدّرت له جوابا فإن قوله: شهادة بينكم يدل عليه ويكون موضع إذا في قوله: إذا حضر أحدكم الموت نصبا بالجواب المقدّر المستغني عنه بقوله: شهادة بينكم لأنّ المعنى ينبغي أن تشهدوا إذا حضر أحدكم الموت، وقوله: تحبسونهما من بعد الصلاة صفة ثانية لقوله: أو آخران من غيركم. وقوله: من بعد الصلاة معلّق، وإن شئت لم تقدر الفاء في قوله: فيقسمان بالله لعطف جملة على جملة ولكن تجعله جزاء كقول ذي الرّمّة: وإنسان عيني يحسر الماء مرّة ... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق «1» تقديره عندهم: إذا حسر بدا، فكذلك إذا حبستموهما أقسما. وقال: من بعد الصلاة، لأنّ الناس فيما ذكروا كانوا يحلّفون بالحجاز بعد صلاة العصر، لاجتماع الناس وتكاثرهم في ذلك الوقت.

_ (1) ديوانه 1/ 460 وفيه: «تارة» بدل «مرة». وانظر المحتسب 1/ 150، وشرح أبيات المغني 7/ 79 برقم (741)، والعيني 1/ 578 4/ 178، 449، والهمع 1/ 89، والدرر 1/ 74، والأشموني 1/ 196 3/ 96.

وقوله: فيقسمان بالله إن ارتبتم أي: ارتبتم في قول الآخرين اللّذين ليسا من أهل ملّتنا، أو غير قبيلة الميت، فغلب في ظنكم خيانتهما. وقوله: لا نشتري به ثمنا: لا نشتري جواب ما يقتضيه قوله: فيقسمان بالله لأنّ أقسم ونحوه، يتلقّى بما يتلقّى به الأيمان. وقوله: لا نشتري به ثمنا: لا نشتري بتحريف شهادتنا ثمنا، فحذف المضاف وذكّر الشهادة، لأنّ الشهادة قول، كما جاء: وإذا حضر القسمة ثمّ قال: فارزقوهم منه [النساء/ 8] لما كان القسمة يراد به المقسوم، ألا ترى أنّ القسمة التي هي إفراز الأنصباء لا يرزق منه، إنما يرزق من التركة المقسومة؟ وتقدير لا نشتري به ثمنا: لا نشتري به ذا ثمن، ألا ترى أنّ الثمن لا يشتري، وإنّما الذي يشتري المبيع دون ثمنه؟ وكذلك قوله: اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا أي: ذا ثمن، والمعنى: أنّهم آثروا الشيء القليل على الحق، فأعرضوا عنه وتركوه له. ولا يكون اشتروا في الآية بمعنى باعوا، وإن كان ذلك يجوز في اللغة، لأنّ بيع الشيء إخراج وإبعاد له من البائع، وليس المعنى هنا على الإبعاد، إنّما هو على التمسك به والإيثار له على الحق. ولو كان ذا قربى التقدير: ولو كان المشهود له ذا قربى. وخصّ ذو القربى بالذكر لميل الناس إلى قراباتهم ومن يناسبونه. ولا نكتم شهادة الله إنّا إن كتمناها لمن الآثمين. وقال: شهادة الله، فأضيفت الشهادة إليه سبحانه لأمره بإقامتها والنهي عن كتمانها في قوله: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [البقرة/ 283]. وقوله وأقيموا الشهادة لله [الطلاق/ 2] فإن عثر على أنهما استحقا إثما

[المائدة/ 107] أي غير أهل الميت أو من يلي أمره، على أنّ الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا استحقّا إثما بقصدهما في شهادتهما إلى غير الاستقامة، ولم يتحرّيا الحق فيها، فآخران يقومان مقامهما، أي: مقام الشاهدين اللذين هما من غيرنا من الذين استحق عليهم الأوليان- فقوله: من الذين «1» صفة للآخرين. فأما الأوليان فلا يخلو ارتفاعه من أن يكون على الابتداء وقد أخر، كأنّه في التقدير: فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله، أو من أهل دينه يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما كقولهم: تميمي أنا. أو يكون خبر مبتدأ محذوف كأنه: فآخران يقومان: مقامهما، هما الأوليان. أو يكون بدلا من الضمير الذي في يقومان فيصير التقدير: فيقوم الأوليان. أو يكون مسندا إليه استحق. وقد أجاز أبو الحسن «2» شيئا آخر وهو أن يكون الأوليان صفة لقوله: فآخران لأنّه لما وصف اختصّ فوصف من أجل الاختصاص الذي صار له بما يوصف به المعارف. ومعنى الأوليان: الأوليان بالشهادة على وصية الميت، وإنّما «3» كانا أولى به ممن اتّهم بالخيانة من غيرنا، لأنّهما «4» أعرف بأحوال الميت وأموره، ولأنّهما من المسلمين، ألا ترى أن وصفهم

_ (1) في (ط): اللذين. (2) في (ط): زيادة فيه. (3) في (م): وأنهما، وأثبت إنما على الهامش. (4) في (ط): لأنّهم.

بأنّه «1» استحقّ عليهم يدل على أنّهم مسلمون، لأنّ الخطاب من أوّل الآية مصروف إليهم. فأما ما يسند إليه استحقّ فلا يخلو من أن يكون الأنصباء «2» أو الوصية أو الإثم أو الجارّ والمجرور، وإنّما جاز: استحقّ الإثم لأن آخذه بأخذه آثم، فسمّي إثما كما سمي ما يؤخذ منا بغير حق مظلمة. قال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك «3»، فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر. وأمّا قوله عليهم فيحتمل ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون على فيه بمنزلة قولك: استحقّ على زيد مال بالشهادة، أي: لزمه ووجب عليه الخروج منه، لأنّ الشاهدين لما عثر على خيانتهما استحقّ عليهما ما ولياه من أمر الشهادة والقيام بها ووجب عليهما الخروج منها وترك الولاية لها، فصار إخراجهما منها مستحقّا عليهما كما يستحقّ على المحكوم عليه الخروج مما وجب عليه. والآخر: أن يكون على* فيه بمنزلة «من»، كأنّه: من الذين استحق منهم الإثم، ومثل هذا قوله: إذا اكتالوا على الناس [المطففين/ 2] أي: من الناس. والثالث: أن يكون «على» بمنزلة «في» كأنّه استحق فيهم، وقام «على» مقام «في» كما قام «في» مقام «على» في قوله تعالى:

_ (1) في (ط): بأنهم. (2) في (ط): الإيصاء. (3) سيبويه 2/ 248.

لأصلبنكم في جذوع النخل [طه/ 71] والمعنى: من الذين استحق عليهم بشهادة الآخرين اللذين هما من غيرنا. فإن قلت: فهل يجوز أن يسند استحق «1» إلى الأوليان؟ فالقول: إن ذلك لا يجوز «2» لأنّ المستحقّ إنّما يكون الوصية أو شيئا منها «3» والأوليان بالميت لا يجوز أن يستحقّا فيسند استحقّ إليهما. وأمّا «4» من قرأ: من الذين استحق عليهم الأولين «5» فتقديره: من الأوّلين الذين استحقّ عليهم الأنصباء أو الإثم، وإنّما قيل لهم الأوّلين من حيث كانوا الأولين في الذكر، ألا ترى أنّه قد تقدّم: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم وكذلك اثنان ذوا عدل منكم ذكرا في اللفظ، قبل قوله: أو آخران من غيركم. واحتجّ من قرأ الأولين* على من قرأ: الأوليان بأن قال: أرأيت إن كان الأوليان صغيرين؟ أراد أنّهما إذا كانا صغيرين لم يقوما مقام الكبيرين في الشهادة ولم يكونا لصغرهما أولى بالميت، وإن كانا لو كانا كبيرين كانا أولى به فيقسمان بالله، أي: يقسم

_ (1) في (ط): استحق فيه. (2) في (ط): زيادة: [ولا يجوز أن يستحق الأوليان وهما الأوليان بالميت]. (3) سقطت من (ط) الأولين. (4) في (ط): فأما. (5) في طرة (ط) هنا تعليقة نصها: قد أجاز ذلك أبو القاسم الجرمي على حذف مضاف وتقديره: من الذي استحق عليهما ابتداء الأولين، وقام الأوليان المضاف إليه بمقام المضاف، وذلك سائغ.

المائدة: 110

الآخران اللذان يقومان مقام الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا. وقوله: لشهادتنا أحق من شهادتهما متلقّى به فيقسمان بالله وما اعتدينا فيما قلناه من أن شهادتنا أحق من شهادتهما. وأمّا من قرأ: من الذين استحق عليهم الأوليان فتقديره: من الذين استحقّ عليهم الأوليان بالميّت وصيّته التي أوصى بها إلى غير أهل دينه، والمفعول محذوف، وحذف المفعول من هذا النحو كثير. [المائدة: 110] واختلفوا «1» في قوله تعالى «2»: إن هذا إلا سحر مبين [المائدة/ 110] في اسم الفاعل والمصدر. فقرأ ابن كثير وعاصم هاهنا وفي هود [7] والصف إلا سحر مبين [الآية/ 6] بغير ألف «3». وقرأ في يونس: لساحر مبين [2] بألف. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر في كلّ ذلك: سحر مبين بغير ألف. وقرأ حمزة والكسائيّ في المواضع الأربعة: ساحر بألف «4».

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت: «بغير ألف» من (م). (4) السبعة 249.

قال [أبو علي: قال تعالى] «1»: وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين فمن قرأ: إلا سحر مبين جعله إشارة إلى ما جاء به، كأنه قال: ما هذا الذي جئت به إلّا سحر، ومن قال: إلا ساحر، أشار إلى الشخص لا إلى الحدث الذي أتى به، وكلاهما حسن لاستواء كلّ واحد منهما في أنّ ذكره قد تقدم، وكذلك ما «2» في سورة الصف في قصة عيسى أيضا «3» وهو قوله: فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين [6] وكذلك ما في هود في «4» قوله: ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين [7] فمن قال: سحر جعل الإشارة إلى الحدث ومن قال: ساحر فإلى الشخص. فأما اختيار من اختار ساحر* في هذه المواضع لما ذهب إليه من أنّ الساحر يقع على العين «5» والحدث، فإنّ وقوع اسم فاعل على الحدث، ليس بالكثير، إنّما جاء في حروف قليلة. ولكن لمن اختار سحرا «6» أن يقول: إنّه يجوز أن يراد به الحدث والعين جميعا، ألا ترى أنّه يستقيم أن يقول: إن هذا إلا سحر وأنت تريد به «7»:

_ (1) ما بين معقوفين ساقط من (م). (2) في (م): فيما. (3) أيضا: زيادة في (ط). (4) في (ط): من. (5) في (ط): المعنى، وهو سبق قلم من الناسخ. (6) في (ط): سحر. (7) سقطت من (م).

المائدة: 112

ذو سحر، كما جاء ولكن البر من آمن بالله [البقرة/ 177] وأ جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام [التوبة/ 19] أي: أهلها، ألا ترى قوله: كمن آمن بالله. وقالوا: إنّما أنت سير، وما أنت إلّا سير. ....... وإنّما هي إقبال وإدبار «1» فيجوز أن يريد بسحر، ذا سحر. وساحر لا يجوز أن يراد به سحر، وقد جاء فاعل يراد به المصدر في حروف ليست بالكثيرة نحو: عائذا بالله من شرها، أي: عياذا، ونحو: العاقبة. ولم تصر هذه الحروف من الكثرة بحيث يسوغ القياس عليها. وحكي أنّ أبا عمرو كان يقول: إذا كان بعده: مبين* فهو سحر*، وإذا كان بعده عليم* فهو ساحر*، ولا إشكال في الوصف بعليم أنّه لا ينصرف إلى الحدث، ولكن مبين* يقع على الحدث كما يقع على العين، فإذا كان كذلك لم يمتنع: ساحر مبين، كما لم يمتنع: سحر مبين. [المائدة: 112] واختلفوا «2» في الياء والتاء من قوله جل وعز: هل يستطيع ربك [المائدة/ 112].

_ (1) هذا عجز بيت للخنساء صدره: ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت ... فإنما ..... ديوانها/ 50 وهو من شواهد سيبويه 1/ 169 والمقتضب 3/ 230، 4/ 305 والمحتسب 2/ 43 والمنصف 1/ 197 وابن الشجري 1/ 71 والخزانة 1/ 207. (2) في (ط): اختلفوا.

فقرأ الكسائي وحده: هل تستطيع ربك بالتاء، ونصب الباء واللام مدغّمة في التاء. وقرأ الباقون: هل يستطيع ربك بالياء ورفع الباء «1». [قال أبو علي] «2» وجه قراءة الكسائي: تستطيع* بالتاء أن المراد: هل تستطيع سؤال ربك، وذكروا الاستطاعة في سؤالهم له لا لأنّهم شكّوا في استطاعته، ولكن كأنّهم ذكروه على وجه الاحتجاج عليه منهم، كأنّهم قالوا: إنّك مستطيع فما يمنعك؟! ومثل ذلك قولك لصاحبك: أتستطيع أن تذهب عني فإنّي مشغول؟ أي: اذهب لأنّك غير عاجز عن ذلك. وأما أن* في قوله: هل تستطيع ربك أن ينزل فهو من صلة المصدر المحذوف، ولا يستقيم الكلام إلّا على تقدير ذلك، ألا ترى أنّه لا يصح: هل تستطيع أن يفعل غيرك؟ وأنّ الاستفهام لا يصح «3» عنه، كما لا يصح في الإخبار: أنت تستطيع أن يفعل زيد، فأن في قوله: أن ينزل علينا متعلّق بالمصدر المحذوف على أنّه مفعول به. فإن قلت: هل يصح هذا على قول سيبويه، وقد قال: إن بعض الاسم لا يضمر في قوله: .... إلّا الفرقدان «4» فإن ذلك لا يمتنع، لأنّه في تقدير المذكور في اللفظ وإن

_ (1) السبعة 249. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): لا يقع. (4) وهو قطعة من بيت سبق بتمامه في 1/ 22.

كان محذوفا منه، إذ كان الكلام لا يصحّ إلّا به، كما ذهب إليه في قوله: ........... ونار توقّد بالليل نارا «1» إلى أنّ كلّا في تقدير الملفوظ به من حيث لو لم تقدره كذلك لم يستقم عنده، فكذلك قياس الآية على قوله. وأمّا قراءة من قرأ: هل يستطيع ربك فليس على أنّهم شكّوا في قدرة القديم سبحانه على ذلك، لأنّهم كانوا مؤمنين عارفين، ولكن كأنّهم قالوا: نحن نعلم قدرته على ذلك فليفعله بمسألتك إياه، ليكون علما «2» لك ودلالة على صدقك، وكأنّهم سألوه ذلك ليعرفوا صدقه وصحّة أمره من حيث لا يعترض عليهم منه إشكال ولا تنازعهم فيه شبهة، لأنّ علم الضرورة لا تعرض فيه الشبه التي تعرض في علوم الاستدلال، فأرادوا علم أمره من هذا الوجه فمن ثم قالوا: وتطمئن قلوبنا [المائدة/ 113] كما قال إبراهيم عليه السلام: بلى ولكن ليطمئن قلبى [البقرة/ 260] بأن أعلم ذلك، من حيث لا يكون لشبهة ولا إشكال عليّ طريق. وليس قول عيسى عليه السلام لهم: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين

_ (1) عجز بيت لأبي دواد الإيادي وصدره: أكلّ امرئ تحسبين امرأ انظر الكتاب 1/ 33، والكامل 1/ 247، 3/ 825، ابن الشجري 1/ 296 والإنصاف 2/ 473، وابن يعيش 3/ 26، 27، 29، 79، 5/ 142، 8/ 52. 9/ 105 وشرح أبيات المغني 5/ 190 والدرر 2/ 65 والأشموني 2/ 273. (2) ضبطت (م) الكلمة بكسر العين وتسكين اللام وليس ذلك بالوجه.

[المائدة/ 112] إنكارا لسؤالهم، ولكن قال لهم هذا، كما جاء: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته [آل عمران/ 102] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة [المائدة/ 35] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس [الحشر/ 18] ونحو هذا من الآي. وأمّا إدغام الكسائي اللام في التاء فحسن، ألا ترى أنّ أبا عمرو قد أدغمها في التاء، فيما حكى عنه سيبويه «1» من قوله: هثوب الكفار [المطففين/ 36] والتاء أقرب إليها من الثاء والإدغام في المتقاربين «2»، إنّما يحسن بحسب قرب الحرف من الحرف، وإذا جاز إدغامها في الشين مع أنها أبعد منها من حروف طرف اللسان والثنايا لأنّها تتصل بمخارج هذه الحروف فأن يجوز في الثاء ونحوها من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا أجدر، وأنشد سيبويه: تقول إذا استهلكت مالا للذّة ... فكيهة هشّيء بكفّيك لائق «3»

_ (1) انظر الكتاب 2/ 417. (2) في (م): المقاربين. (3) الكتاب 2/ 417 وانظر ابن يعيش 10/ 141، واللسان (ليق) والبيت لطريف بن تميم العنبري كما نسبه سيبويه قال الأعلم: الشاهد فيه: إدغام لام هل في الشين لاتساع مخرج الشين وتفشيها، وإجرائها وإن كانت من وسط اللسان إلى طرفه، واختلاطها بطرفه، واللام من حروف طرف اللسان فأدغمت فيها لذلك، وإظهارها جائز لأنّهما من كلمتين مع انفصالهما في المخرج، واللائق: المستقر المحتبس.

قال سيبويه: وقد قرئ: بتؤثرون الحياة الدنيا [الأعلى/ 16]) وأنشد: فذر ذا ولكن هتّعين متيّما ... على ضوء برق آخر الليل ناصب «1» قال أحمد بن موسى: قرأ نافع وحده: طائرا بألف مع الهمز. وقرأ الباقون طيرا بغير ألف «2». [المائدة/ 110]. حكى أبو الحسن الأخفش: «3» طائرة، وطوائر، ونظير «4» ما حكاه من ذلك قولهم: ضائنة، وضوائن «5». فأما الطير فواحده طائر. مثل ضائن وضان، وراكب وركب، والطائر كالصفة الغالبة، وقد قالوا: أطيار، فهذا مثل صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد، وشبّهوا فيعلا بفاعل، فقالوا: ميّت وأموات، ويمكن أن يكون أطيار جمع طير، جعله مثل بيت وأبيات، وجمعوه على العدد القليل كما قالوا: جمالان ولقاحان، وإذا «6» جاز أن يثنّى، جاز العدد القليل أيضا فيه، وكما جمع على أفعال كذلك جمع على

_ (1) نسبه سيبويه لمزاحم العقيلي. انظر الكتاب 2/ 417 وفيه: فدع، بدل: فذر. وانظر ابن يعيش 10/ 141. (2) السبعة 249. (3) سقطت كلمة (الأخفش) من (م). (4) سقطت من (م). (5) في اللسان: الضوائن جمع ضائنة وهي الشاة من الغنم خلاف المعز. (6) في (ط): فإذا.

العدد الكثير، فقالوا: طيور فيما حكاه أبو الحسن. ولو قال قائل: إنّ الطائر قد يكون جمعا مثل الجامل، والباقر. والسامر، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، لكان قياسا. ويقوي ذلك ما حكاه أبو الحسن من قولهم: طائرة، فيكون [على هذا] «1» من باب شعيرة وشعير. فأما قوله: أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] وفي هذه: فتنفخ فيها [المائدة/ 110] وفي آل عمران: فأنفخ فيه فالقول في ذلك أنّ الضمير الذي في قوله فيها لا يخلو من أن يعود إلى ما تقدم له ذكر في الكلام، أو إلى ما وقعت عليه دلالة من اللفظ، فمما تقدم ذكره: الطين، والهيئة، والطير، فلا يجوز أن يعود إلى الطين لتأنيث الضمير [الراجع إليه] «2» وتذكير ما يعود الضمير إليه، ولو كان الذكر مذكرا لم يسهل أن يعود إليه، ألا ترى أنّ النفخ إنّما يكون في طين مخصوص، وهو ما كان منه مهيّأ للنفخ «3»، والطين المتقدم ذكره عامّ، فلا يكون العائد على حسب ما يعود إليه. فإن قلت: يعود الذكر من فيها* إلى الهيئة. فإنّ النفخ لا يكون في الهيئة إنّما يكون في المهيّأ، ذي «4» الهيئة، إلّا أن تجعل الهيئة التي هي

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): وذي.

المصدر في «1» موضع المهيّأ، كما يقع الخلق موضع المخلوق. وإذا ذكّر فقال: أنفخ فيه جاز أن يكون الضمير عائدا على ذي الهيئة، كما قال: وإذا حضر القسمة أولوا القربى ... فارزقوهم منه «2» إذ «3» جعلت القسمة المقسوم. ويجوز أن يعود إلى الطير لأنّها مؤنّثة «4»، قال: أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات [الملك/ 19]. ويجوز أن يعود الذكر إذا ذكّر على ما وقعت عليه الدّلالة «5» في اللفظ، وهو أنّ يخلق يدلّ على الخلق، كما أنّ يبخلون يدل على البخل، فيجوز في قوله: فأنفخ «6» فيه أي: في الخلق، ويكون الخلق بمنزلة المخلوق. ويجوز أن يعود الذكر حيث ذكر إلى ما دلّ عليه الكاف من معنى المثل، أو إلى الكاف نفسه فيمن يجوّز أن يكون اسما في غير الشعر، وتكون الكاف في موضع نصب على أنّه صفة للمصدر المراد، تقديره: وإذ تخلق خلقا من طين «7» كهيئة الطير، فتنفخ في الخلق الذي يراد به المخلوق. ويجوز في قراءة نافع: فيكون طائرا، أن يكون الذكر المؤنث يرجع إلى الطائر على قوله: أعجاز نخل خاوية

_ (1) سقطت من (ط). (2) وتمام الآية: وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا [النساء/ 8]. (3) في (ط): إذا جعلت. (4) في (ط): مؤنث. (5) في (ط): على ما وقعت الدلالة عليه. (6) في (ط): فتنفخ. (7) في (ط): الطين.

[الحاقة/ 7] والموضع الذي ذكّر فيه يكون على قوله: أعجاز نخل منقعر [القمر/ 20] والشجر الأخضر [يس/ 80] ويكون أيضا على من جعله «1» جمعا: كالسامر، والجامل، والباقر، فأما قول الشاعر: هم أنشبوا زرق القنا في نحورهم ... وبيضا تقيض البيض من حيث طائره «2» فإن الدماغ يسمى الفرخ، فيما روى لنا محمد بن السريّ، وتقيض: تكسر. وقد قال غيره: الدماغ يقال له الفرخ، فوضع الطائر موضع الفرخ، لأنّه في المعنى طائر وحرّف الاسم عمّا كان عليه لما احتاج إليه من إقامة القافية، كما حرّف لإقامة الوزن في نحو ما أنشدناه علي بن سليمان: بني ربّ الجواد فلا تفيلوا ... فما أنتم فنعذركم لفيل «3» أراد ربيعة الفرس، فوضع الجواد موضعه، وأنشدنا علي بن سليمان:

_ (1) في (ط): يجعله. (2) البيت في المعاني الكبير 2/ 987 وعزاه إلى عبد الله بن الحويرث الحنفي. ونقله عن الفارسي صاحب اللسان (نشب- طير) وقال: عنى بالطائر الدماغ، وذلك من حيث قيل له: فرخ. (3) البيت للكميت بن زيد في ديوانه 2/ 51 وانظر معجم تهذيب اللغة 15/ 376 والصحاح واللسان (فيل) وإصلاح المنطق 89 والمشوف المعلم 587 ومقاييس اللغة 4/ 467 والضرائر 243. ورجل فيل الرأي، أي ضعيف الرأي والجمع أفيال.

كأنّ نزو فراخ الهام بينهم ... نزو القلات زهاها قال قالينا «1» فأراد بفراخ الهام الدماغ. فقوله: فراخ الهام ليس «2» يضيف الشيء إلى نفسه، ولكن الهام جمع هامة، فتشمل «3» الدماغ وغيره، فصار بمنزلة نصل السيف، لأنّ السيف يقع على النصل وغيره [وعلى نفسه] «4» فأضاف الطائر إلى البيض في قوله: «من حيث طائره» لالتباسه به كما قال: وليلبسوا عليهم دينهم [الأنعام/ 137] يريد الدين الذي شرع لهم، فأضافه إليهم لالتباسهم به من حيث شرع لهم ودعوا إليه، وإن لم يتدينوا به. وقوله: هم أنشبوا زرق القنا «5» على حذف المضاف التقدير: هم أنشبوا زرق أسنة القنا، لأنّ الذي يوصف بالزرقة السنان دون الرماح، ألا ترى أنّ الرماح

_ (1) البيت لابن مقبل وهو في ملحقات ديوانه/ 407 وفي اللسان (قول، طير، قلا) ونسبه إلى ابن مقبل. وهو في المعاني الكبير 2/ 987 من غير عزو. فراخ الهام: يريد بها الرءوس، ونزو فراخ الهام: تطاير الرءوس في الحرب من ضرب السيوف، والقلات: جمع قلّة، وهي الدوامة التي يلعبون بها، والقال: الخشبة التي تضرب بها الدوامة، والقالون: الذين يلعبون بالقلة ويضربون بها من قلا يقلو، زهاها: رفعها وأطارها. (2) في (ط): لم يضف. (3) في (ط): فهو يشمل. (4) سقطت من (ط). (5) سبق قريبا.

توصف بالسّمرة في نحو «1» قوله: وأسمر خطيّا كأنّ كعوبه «2» ووصفت الأسنة بالزرقة في نحو قوله: وزرق كستهنّ الأسنّة هبوة ... أرقّ من الماء الزّلال كليلها «3» الأسنّة: واحدها سنان، وهي المسانّ، فإذا كان الكليل أرقّ من الماء الزّلال، فكيف الحادّ، وما لم يكلّ، وإن شئت جعلت الزرق الأسنّة على إقامة الصفة مقام الموصوف، كأنّه: هم أنشبوا أسنّة القنا. فأمّا قول الكميت: وليس التفحّش من شأنهم ... ولا طيرة الغضب المغضب فقوله: طيرة الغضب، يحتمل ضربين: أحدهما مصدر طار الغضب يطير طيرة، وقد قالوا: طار طير فلان إذا غضب وخفّ، وأنشد بعض أصحاب الأصمعي: فلمّا أتاني ما يقول تطايرت ... عصافير رأسي وانتشيت من الخمر

_ (1) سقطت من (ط). (2) لم نعثر على قائله وتتمته. (3) البيت لزيد الخيل في المعاني الكبير 2/ 1042 وفي أساس البلاغة (سنن) بغير عزو. قال ابن قتيبة: زرق: نصال بيض، والأسنة: المسان التي يحدد بها، واحدها سنان، وهبوة: يعني من صفائها. كأن عليها غبرة.

المائدة: 119

ويجوز في قوله: طيرة الغضب أن يكون سمّى الطائر الذي استعمل في الغضب باسم المصدر. قال [أحمد بن موسى] «1»: قرأ نافع وعاصم وابن عامر منزلها [المائدة/ 115] مشدّدة. وقرأ الباقون: خفيفة «2». وجه التخفيف أنّه قال: أنزل علينا مائدة فقال: إني منزلها فيكون الجواب كالسؤال. ومن قال: منزلها فلأنّ نزّل وأنزل، قد استعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر، قال: نزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] وقال: وأنزل الفرقان [آل عمران/ 4] وقال تعالى «3»: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده [الفرقان/ 1] وقال: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1] فقد صار كل واحد من هاتين اللفظتين يستعمل موضع الأخرى. [المائدة: 119] اختلفوا في نصب الميم ورفعها من قوله تعالى «4»: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم [المائدة/ 119]. فقرأ نافع وحده: هذا يوم ينفع بنصب الميم. وقرأ الباقون هذا يوم برفع الميم «5».

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 250. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) السبعة 250.

من رفع يوما جعله خبر المبتدأ الذي هو هذا* وأضاف يوما إلى ينفع، والجملة التي من المبتدأ وخبره في موضع نصب بأنّه مفعول القول، كما تقول: قال زيد: عمرو أخوك. ومن قرأ «1»: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم احتمل أمرين: أحدهما أن يكون مفعول قال*، تقديره: قال الله هذا القصص، أو هذا الكلام: يوم ينفع الصادقين صدقهم، فيوم ظرف للقول، وهذا إشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم [المائدة/ 116]، وجاء على لفظ المضي وإن كان المراد به الآتي: كما قال: ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة [الأعراف/ 50] ونحو ذلك، وليس ما بعد قال* حكاية في هذا الوجه، كما كان إياها في الوجه الآخر. ويجوز أن يكون المعنى على الحكاية تقديره: قال الله هذا يوم ينفع. أي: هذا الذي اقتصصنا يقع، أو يحدث يوم ينفع الصادقين، فيوم خبر المبتدأ الذي هو هذا لأنّه إشارة إلى حدث، وظروف الزمان تكون أخبارا عن الأحداث، والجملة في موضع نصب بأنّها في موضع مفعول. قال: ولا يجوز أن تكون في موضع رفع وقد فتح لإضافته إلى الفعل، لأنّ المضاف إليه معرب، وإنّما يكتسي البناء من المضاف إليه، إذا كان المضاف إليه مبنيا، والمضاف مبهما، كما يكون ذلك في هذا الضرب من الأسماء إذا أضيف إلى ما كان مبنيا، نحو: ومن خزي يومئذ [هود/ 66] ومن عذاب يومئذ [المعارج/ 11]. وصار في المضاف البناء للإضافة إلى المبني كما صار فيه الاستفهام للإضافة إلى المستفهم به نحو: غلام من

_ (1) في (ط): قال.

أنت؟ وكما صار فيه الجزاء في نحو: غلام من تضرب أضرب وليس المضارع في هذا كالماضي في نحو قوله: على حين عاتبت المشيب على الصبا «1» لأنّ الماضي مبني والمضارع معرب، فإذا كان معربا، لم يكن شيء يحدث من أجله في المضاف البناء، ولا يلزم أن تقدّر في الفعل هنا عائدا إلى شيء، لأنّ الفعل قد أضيف إليه وليس بصفة، ولا يلزم أن يكون في المضاف ذكر من المضاف إليه «2»، فليس قوله: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم فيمن رفع أو نصب كقوله: واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا [البقرة/ 48] لأنّ الفعل هنا «3» صفة للنكرة، فلا بدّ من ذكر عائد منه إلى الموصوف، ولو نوّن اليوم هنا لكان ينفع صفة له، ولما لم ينوّن كان مضافا إليه، والإضافة إلى الفعل نفسه في الحقيقة لا إلى مصدره، ولو كانت الإضافة إلى المصدر لم يبن المضاف لبناء المضاف إليه في نحو: على حين عاتبت المشيب على الصبا «4» [تمّت سورة المائدة والحمد لله وحده] «5»

_ (1) هذا صدر بيت للنابغة الذبياني عجزه: فقلت: ألما تصح والشيب وازع انظر ديوانه/ 44، والكامل 1/ 158 وشرح أبيات مغني اللبيب 7/ 123. مع بقية تخريجه. (2) عبارة (م) هنا: ولا يلزم أن يكون في المضاف إليه عائد إلى الأول. (3) في (ط): هاهنا. (4) سبق قريبا. (5) سقط ما بين المعقوفين من (ط).

سورة الأنعام

بسم الله «1» سورة الأنعام [الانعام: 16] اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها من قوله تعالى «2»: من يصرف عنه يومئذ [الأنعام/ 16]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر يصرف عنه مضمومة الياء مفتوحة الراء. وقرأ حمزة والكسائي: يصرف عنه مفتوحة الياء مكسورة الراء «3». واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه من يصرف مثل حمزة وروى حفص: يصرف عنه مثل أبي عمرو. فاعل يصرف الضمير العائد إلى ربي* من قوله: إني أخاف إن عصيت ربي [الأنعام/ 15]، وينبغي أن يكون حذف الضمير العائد إلى

_ (1) زيادة من (م). (2) زيادة من (م). (3) السبعة ص 254.

العذاب، والمعنى: من يصرفه عنه، وكذلك هو في قراءة أبيّ فيما زعموا، وليس حذف هذا الضمير بالسهل، وليس بمنزلة الضمير الذي يحذف من الصلة، لأنّ من* جزاء، ولا يكون صلة على أنّ الضمير إنّما يحذف من الصلة إذا عاد إلى الموصول نحو: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41]. وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] أي: بعثه واصطفاهم. ولا يعود الضمير المحذوف هنا «1» إلى موصول ولا إلى من* التي للجزاء إنّما يرجع إلى العذاب في قوله: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم [الأنعام/ 15] وليس هذا بمنزلة قوله: والحافظين فروجهم والحافظات [الأحزاب/ 35]، لأنّ هذا فعل واحد قد تكرّر، وعدّي الأول منهما إلى المفعول، فعلم بتعدية الأول، أنّ الثاني بمنزلته. وأمّا قراءة من قرأ يصرف فالمسند إليه: الفعل المبني للمفعول، ضمير العذاب المتقدّم ذكره، وليس هذا كقول من قال: يصرف بفتح الياء، لأنّ ضمير المنصوب هنا محذوف، وفي قول من قرأ: يصرف مضمر ليس بمحذوف، والذكر العائد إلى المبتدأ الذي هو من في القراءتين جميعا الضمير الذي في عنه. ومما يقوي ذلك قوله: ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم [هود/ 8]. ألا ترى أنّ الفعل مبني للمفعول به وفيه ضمير العذاب؟ وممّا يحسّن قراءة من قرأ: يصرف، بفتح الياء، أنّ ما

_ (1) في (ط): هاهنا.

الانعام: 23

بعده من قوله: فقد رحمه فعل مسند إلى ضمير اسم الله تعالى «1»، فقد اتّفق الفعلان في الإسناد إلى هذا الضمير فيمن قرأ يصرف «2» بفتح الياء. ومما يقوي قراءة من قرأ: من يصرف «3» بفتح الياء، أنّ الهاء المحذوفة من يصرفه لما كانت في حيز الجزاء، وكان ما في حيز الجزاء في أنّه لا يتسلّط على ما تقدّمه، بمنزلة ما في الصلة، في أنّه لا يجوز تسلّطه على الموصول، حسن حذف الهاء منه، كما حسن حذفها من الصلة. [الانعام: 23] واختلفوا «4» في الياء والتاء والرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: «5» ثم لم تكن فتنتهم [الأنعام/ 23]. فقرأ ابن كثير في رواية قنبل عن القواس، وعبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم ثم لم تكن بالتاء فتنتهم رفعا. وروى خلف وغيره عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ثم لم تكن بالتاء فتنتهم نصبا.

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) في (ط): (من يصرف). (3) في (ط): (يصرف). (4) في (ط): اختلفوا. (5) سقطت من (ط).

وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تكن بالتاء فتنتهم نصبا «1». وقرأ حمزة والكسائي ثم لم يكن بالياء فتنتهم نصبا «2». [قال أبو علي] «3» من قرأ: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا [الأنعام/ 23] تكن بالتاء ورفع الفتنة، كان ذلك حسنا لإثباته علامة التأنيث في الفعل المسند إليه الفتنة، والفتنة مؤنثة بلحاقها علامة التأنيث «4» وأن قالوا على هذه القراءة: في موضع نصب، والتقدير: لم تكن فتنتهم إلّا قولهم. فأمّا ما روي عن ابن كثير من «5» قراءته: ثم لم تكن بالتاء فتنتهم نصبا، فقد أنّث، أن قالوا لمّا كان الفتنة في المعنى، وفي التنزيل: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] فأنّث الأمثال، وواحدها مثل، حيث كانت الأمثال في المعنى الحسنات، وقد كثر مجيء هذا في الشعر والرواية الأولى أوجه من حيث كان الكلام محمولا فيها على اللفظ. ومثل هذا قراءة نافع، وأبي عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر. ومما جاء على هذا في الشعر قوله:

_ (1) جاء في (م) بعد كلمة نصبا العبارة التالية، وهي مستدركة على هامشها: «لم يذكر في هذه الآية قراءة حمزة والكسائي». اهـ ويلاحظ أن قراءة حمزة والكسائي مذكورة بعدها مباشرة. وهي زيادة ليست في (ط) ولا في السبعة. (2) انظر السبعة ص 255 فهناك اختلاف يسير في التقديم والتأخير والمؤدى واحد. (3) زيادة من (ط). (4) في (م): «بلحاق علامة التأنيث إياها». (5) في (ط): في.

.. وكانت عادة ... منه إذا هي عرّدت إقدامها «1» فأنّث الإقدام لما كان العادة في المعنى، وهذا البيت، وهذه الآية إذا قرئت على القياس «2» أقرب من قول الشاعر: هم أهل بطحاوي قريش كليهما ... هم صلبها ليس الوشائظ كالصلب «3» لأنّ بطحاوي مكة مؤنث، والمذكر: الأبطح، فهو لفظ غير لفظ المؤنّث، والفتنة هي: القول. وقد جاء في الكلام: ما جاءت حاجتك، فأنّث ضمير (ما) حيث كان الحاجة في المعنى: وألزم التأنيث ونصبت «4» الحاجة. ومثل

_ (1) من بيت للبيد في معلقته وتمامه: فمضى وقدّمها وكانت ... انظر ديوانه/ 170 وفي السبع الطوال ص 550. ومضى: أي الحمار، وقدم الأتان لكيلا تعند عليه. عرّدت: تركت الطريق وعدلت عنه وأصل التعريد: الفرار. وانظر اللسان (عرد). (2) في (ط): قياسه. (3) البيت في اللسان (وشظ) وقال فيه: ويقال: بنو فلان وشيظة في قومهم، أي: حشو فيهم، وأنشد البيت ولم يعزه وفي شعر الأخطل 1/ 47 بيت شطره الثاني كأنه له برواية: على ابن أبي العاصي قريش تعطفت ... له صلبها ليس الوشائظ كالصلب (4) في (ط): ونصب.

الانعام: 22

ذلك قولهم: من كانت أمّك، فأنّث ضمير من حيث كان الأمّ «1» ومثله: ومن تقنت منكن [الأحزاب/ 31]. وممّا يقوّي [نصب فتنتهم] «2» أنّ قوله: أن قالوا: أن يكون الاسم دون الخبر أولى، لأنّ أن* إذا وصلت لم توصف فأشبهت بامتناع وصفها المضمر «3». فكما أنّ المضمر إذا كان مع المظهر كان أن يكون الاسم أحسن، كذلك أن* إذا كانت مع اسم غيرها، كانت أن تكون الاسم أولى. [الانعام: 22] قال: وقرأ عاصم في رواية حفص ويوم نحشرهم [الأنعام/ 22] بالنون حرفين هاهنا، وفي يونس قبل الثلاثين «4» أيضا: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا [يونس/ 28] وباقي القرآن بالياء. وروى أبو بكر عن عاصم ذلك كلّه بالنون. وقرأ الباقون بالنون إلّا أنّهم اختلفوا في سورة الفرقان، ويأتي في موضعه [إن شاء الله] «5». حجّة من قرأ بالنون قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] وقوله: ويوم نحشرهم [الأنعام/ 22]، والياء في المعنى كالنون.

_ (1) ذكر ذلك سيبويه في 1/ 24. (2) في (ط): قراءة من قرأ فتنتهم بالنصب. (3) في (ط): الضمير. (4) المراد في الآية 28 وهي قبل الثلاثين. كما قال. (5) سقطت من (م)، وهي في السبعة ص 254.

الانعام: 23

[الانعام: 23] اختلفوا في الخفض والنصب من قوله تعالى «1»: والله ربنا [الأنعام/ 23]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر بالكسر فيهما. وقرأ حمزة والكسائي: والله ربنا بالنصب «2». من قرأ والله ربنا: جعل الاسم المضاف وصفا للمفرد، ومثل ذلك: رأيت زيدا صاحبنا، وبكرا جاركم. وقوله: ما كنا مشركين [الأنعام/ 23] جواب القسم. ومن قال: والله ربنا، فصل بالاسم المنادى بين القسم والمقسم عليه بالنداء، والفصل به لا يمتنع، وقد فصل بالمنادى بين الفعل ومفعوله [كما فعل ذلك] «3» في نحو قوله: إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك [يونس/ 88] والمعنى آتيتهم زينة «4» وأموالا ليضلوا فلا يؤمنوا «5»، وفصل به في أشدّ من ذلك، وهو الفصل بين الصلة والموصول قال:

_ (1) في (ط): عزّ وجل. (2) انظر السبعة ص 254. (3) ما بين المعقوفين ساقط من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): فلا يؤمنوا به.

الانعام: 27

فلأحشأنّك مشقصا* أوسا أويس من الهبالة «1» وهذا لكثرة النداء في الكلام ومثل ذلك في الفصل قوله: ذاك الّذي وأبيك تعرف مالك ... والحقّ يدفع ترّهات الباطل «2» [الانعام: 27] اختلفوا في الرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: «3» ولا نكذب بآيات ربنا ونكون [الأنعام/ 27]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: ولا نكذب ونكون* جميعا بالرفع. وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص: ولا نكذب ونكون بنصبهما هذه رواية ابن ذكوان عن أصحابه عن «4» أيوب بن تميم عن ابن عامر. وقال هشام ابن عمار عن أصحابه عن ابن عامر: ولا نكذب مرفوعة، ونكون نصبا «5».

_ (1) البيت مع آخر قبله في الخصائص 2/ 72 برواية المصنف، ومع اختلاف في الرواية يسير في السمط 1/ 437. وهو ثالث أبيات ثلاثة في تهذيب الألفاظ ص 579 ولم أجدها منسوبة فيما تقدم وتنسب للفرزدق وهي في ديوانه. 2/ 607 وهي في اللسان (حشأ- أوس- هبل) لأسماء بن خارجة وتنسب للكميت كما في الأزمنة 1/ 259 وسبق ذكر البيت في 1/ 108. (2) البيت لجرير. في ديوانه 2/ 580 وروايته يدمغ بدل: يدفع، والخصائص 1/ 336 وهو من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 212، وانظر ص 192، 214، 238 منه. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت: «عن» من (ط). (5) السبعة ص 255.

[قال أبو علي] «1»: [فأمّا] «2» من قرأ بالرفع جاز في قراءته وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفا على نرد فيكون قوله: ولا نكذب ونكون* «2» داخلا في التمني دخول نرد فيه، فعلى هذا: قد تمنّى الردّ، وأن لا نكذّب، والكون من المؤمنين. ويحتمل الرفع وجها آخر: وهو أن تقطعه من الأول، فيكون التقدير على هذا: يا ليتنا «4» نردّ ونحن لا نكذب بآيات ربّنا، ونكون. قال سيبويه: وهو على قولك: فإنّا لا نكذب، كما تقول: دعني ولا أعود، أي: فإنّي ممن لا يعود، فإنّما يسألك الترك، وقد أوجب على نفسه أن لا يعود ترك أو لم يترك، ولم يرد أن يسأل: أن يجمع له الترك وأن لا يعود «5». وهذا الوجه الثاني ينبغي أن يكون أبو عمرو ذهب إليه في قراءته جميع ذلك بالرفع، فالأوّل الذي هو [عطف على] «6» الردّ داخل في التمني، وقوله: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون* على نحو: دعني ولا أعود، يخبرون على البتات أن لا يكذّبوا ويكونوا من المؤمنين، لأنّ أبا عمرو روي عنه أنّه استدلّ على خروجه من التمني بقوله: وإنهم لكاذبون [الأنعام/ 28] فقال: قوله: وإنهم لكاذبون يدلّ على أنّهم أخبروا بذلك عن أنفسهم، ولم

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (م). (4) في (م): «أننا». (5) انظر الكتاب 1/ 426. (6) سقطت من (ط).

يتمنوه، لأنّ التمني لا يقع فيه الكذب، إنّما يكون الكذب في الخبر دون التمني. وأهل النظر يذهبون إلى أنّ الكذب لا يجوز وقوعه في الآخرة، فإذا لم يجز ذلك فيها كان تأويل قوله: وإنهم لكاذبون. على تقدير: إنّهم لكاذبون في الدنيا في تكذيبهم الرسل، وإنكارهم البعث، ويكون قوله: وإنهم لكاذبون حكاية للحال التي كانوا عليها في الدنيا، كما أنّ قوله: وكلبهم باسط ذراعيه [الكهف/ 18] حكاية للحال الماضية، وكما أنّ قوله: وإن ربك ليحكم بينهم [النحل/ 124] حكاية للحال الآتية. ولو جاز الكذب في الآخرة لكان ذلك حجة للرفع على الوجه الذي ذكرنا. وحجّة من نصب فقال: يا ليتنا نرد ولا نكذب ونكون [الأنعام/ 37] أنّه أدخل ذلك في التمني، لأنّ التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي والعرض في انتصاب ما بعد ذلك كلّه من الأفعال إذا دخلت عليها الفاء على تقدير ذكر مصدر الفعل الأول، كأنّه في التمثيل: يا ليتنا يكون لنا ردّ وانتفاء للتكذيب «1»، وكون من المؤمنين. ومن رفع نرد ولا نكذب ونصب ونكون [فإنّ الفعل الثاني من الفعلين المرفوعين] «2» يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون داخلا في التمني فيكون في

_ (1) في (م): «وانتفاء التكذيب». (2) في (م): «فإن الموضوع» وما أثبتناه من (ط) أوضح، لأنّ ما في (م) قد ينصبّ على الفعلين المرفوعين وليس هو المراد. بل المراد الفعل الثاني «ولا نكذب».

الانعام: 32

المعنى كالنصب. والوجه الآخر أنّه يخبر على البتات أن لا يكذّب ردّ أو لم يردّ. ومن نصب ولا نكذب ونكون جعلهما جميعا داخلين في المعنى في التمني كما أنّ من رفع ذلك، وعطفه على التمني كان كذلك. [الانعام: 32] اختلفوا في الياء والتاء من قوله «1»: تتقون أفلا تعقلون [الأنعام/ 32] في خمسة مواضع في الأنعام والأعراف [169] ويوسف [109]، ويس «2» [68]، والقصص [60]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء في أربعة مواضع وفي القصص بالتاء. وقرأ نافع ذلك كلّه بالتاء. وقرأ عاصم في رواية حفص ذلك بالتاء إلّا قوله في يس: في الخلق أفلا يعقلون [الآية/ 68] بالياء. وروى أبو بكر بن عياش: ذلك كلّه بالياء إلّا قوله في يوسف أفلا تعقلون فإنّه قرأه بالتاء وفي القصص أيضا: بالتاء. وقرأ ابن عامر واحدا بالياء، وسائر ذلك بالتاء، وهو قوله في يس: ننكسه في الخلق أفلا يعقلون وكلّهم قرأ في القصص بالتاء إلّا أبا عمرو فإنّه يقرأ بالتاء والياء «3».

_ (1) في (ط): قوله عزّ وجل. (2) في (ط) رسمها هكذا: ياسين في المواطن الآتية كلها. (3) السبعة ص 256.

[قال أبو علي] «1» العقل والحجا والنّهى كلم مختلفة الألفاظ متقاربة المعاني، قال الأصمعي: بالدّهناء خبراء، فالدهناء يقال لها: معقلة، قال: [أبو علي] «2» ونراها سمّيت معقلة لأنّها تمسك الماء، كما يمسك الدواء البطن، فالعقل: الإمساك، عن القبيح، وقصر النفس وحبسها على الحسن. والحج أيضا: احتباس وتمكّث، قال: فهنّ يعكفن به إذا حجا «3» روى محمد بن السري، وأنشد الأصمعي: حيث تحجّى مطرق بالفالق «4» تحجّى: أقام، فكأنّ الحجا مصدر كالشبع. ومن هذا الباب، الحجيّا: للّغز، لتمكّث الّذي يلقى عليه حتى يستخرجها. قال أبو زيد: حج حجيّاك «5» فالحجيّا جاءت «6» مصغّرة كالثّريّا، والحديّا، ويشبه أن يكون ما حكاه أبو زيد من قولهم: حج

_ (1) زيادة من (ط). (2) زيادة من (ط). (3) هذا من رجز للعجاج في ديوانه 2/ 24 وقبله: يتبعن ذيّالا موشّى هبرجا ويعكفن به: يطفن به ويقمن عليه، حجا: وقف، يقول: هذه البقر يقبلن على الثور إذا وقف، لا يصرفن وجوههنّ عنه. هبرج: يتبختر وانظر المعاني الكبير 2/ 767. واللسان (عكف). (4) الفالق اسم موضع انظر اللسان (فلق، حجا) وقال في (حجا): وأنشد الفارسي لعمارة بن أيمن الرياني، ثمّ أنشد البيت. (5) سقطت من (م). (6) في النوادر ص 310 (ط- الفاتح).

حجيّاك، على القلب، تقديره: فع، وحذف اللام المقلوبة إلى موضع العين. وهذا يدلّ على أنّ الكلمة لامها واو. وكذلك النهى لا يخلو من أن يكون مصدرا كالهدى، أو جمعا كالظلم، وقوله تعالى «1»: لأولي النهى [طه/ 128] يقوّي أنّه جمع لإضافة الجمع إليه، وإن كان المصدر يجوز أن يكون مفردا في موضع الجمع «2» وهو في المعنى ثبات وحبس. ومنه النهي والنهي والتنهية: للمكان «3» الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع فيه لتسفّله، ويمنعه ارتفاع ما حوله من أن يسيح ويذهب على وجه الأرض. ووجه «4» القراءة بالياء في قوله: وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون أنه قد تقدّم ذكر الغيبة وهو قوله: للذين يتقون والمعنى: أفلا يعقل الذين يتّقون أنّ الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار [فيعملوا لما ينالون] «5» به الدرجة الرفيعة [والنعم الدائمة] «6» فلا يفترون في طلب ما يوصل إلى ذلك. وفي الأعراف: وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون [الآية/ 169] [أفلا

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): الجميع. (3) في (م): «المكان». (4) في (م): «وجه». (5) في (م): «فعملوا لما ينالوا، وما أثبتناه من (ط) أصوب». (6) في (ط): والنعيم الدائم.

يعقل] «1» هؤلاء الذين ارتكبوا المحارم في أخذ عرض هذا الأدنى، وأخذ مثله مع أنّهم «2» أخذ الميثاق عليهم في كتابهم، ومعرفتهم له بدرسهم ما في كتابهم أن لا يقولوا على الله إلّا الحقّ، فلا «3» يستحلوا ما حرّم عليهم من تناول أموال غيرهم المحظورة عليهم، وفي يوسف: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون [الآية/ 109]، محمول على الغيبة التي «4» قبله في قوله: أفلم يسيروا في الأرض أي «5»: أفلا يعقلون أنّ من تقدّمك من الرسل كانوا رجالا، ولم يكونوا ملائكة، فلا يقترحوا إنزال الملائكة في قولهم: وقالوا لولا أنزل عليه ملك [الأنعام/ 8] وقولهم «6»: لولا أنزل علينا الملائكة [الفرقان/ 21] وليعتبروا «7» بما فيه عاقبة من كان قبلهم فيما نزل من ضروب العذاب «8». ووجه القراءة في القصص بالتاء، أن قبله خطابا، وهو قوله تعالى «9»: وما «10» أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون [القصص/ 60] [أي أفلا

_ (1) سقطت من (م). (2) سقطت من (م). (3) في (ط): «ولا ... ». (4) في (ط): الذي. (5) سقطت من (م). (6) في (ط): وقوله. (7) في (ط): ويعتبروا. (8) في (م) ينتهي هنا الجزء الثالث بينما يستمر الكلام في (ط). ويبدأ الثالث في (م) بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم: استعنت بالله. (9) سقطت من (ط). (10) في الأصل فما أوتيتم ... وهذه بداية آية الشورى/ 36 أما آية القصص

تعقلون] «1» فتعملوا بما تستحقون به المنزلة في التي هي خير وأبقى، ولا تركنوا إلى العاجلة التي تفنى «2» ولا تبقى. وقراءة نافع ذلك كلّه بالتاء، أنّه «3» يصلح أن يوجّه الخطاب في ذلك كلّه «4» إلى الذين خوطبوا بذلك، ويجوز أن يراد الغيب والمخاطبون، فيغلّب الخطاب، وهكذا وجه «5» رواية حفص عن عاصم في قراءته ذلك كلّه بالتاء، وقراءته في يس* «6» بالياء أفلا يعقلون [الآية/ 68]. وجهه أن يحمله على أنّ فاعل يعقلون من تقدّم ذكره من الغيب في قوله: ومن نعمره ننكسه في الخلق [يس/ 68] أفلا يعقل من نعمره أنّه يصير إلى حالة لا يقدر فيها. أن يعمل ما يعمله قبل الضعف للسن، فيقدّم قبل ذلك من القرب والأعمال الصالحة ما يرفع له، ويدّخر، ويجازى «7» عليه الجزاء الأوفى.؟. ورواية أبي بكر بن عياش ذلك كلّه بالياء، إلّا قوله في يوسف أفلا تعقلون [الآية/ 109] أي: أفلا تعقلون أيها

_ فهي ما أثبتناه واقتصر في (ط) على بداية الآية ونهايتها وأسقط ما بين المعقوفين، كما أسقط في (م): «وزينتها». وآية الشورى لا تنتهي بقوله: أفلا تعقلون. (1) سقطت من (م). (2) في (ط): «يفنى» وهو حسن. (3) سقطت من (م). (4) سقطت من (م). (5) سقطت من (ط). (6) رسمها في (ط): «ياسين». (7) في (ط): «فيجازى».

المخاطبون أن ذلك خير؟ أو على: قل لهم: أفلا تعقلون؟ وفي القصص أيضا بالتاء، فهذا لأنّ قبله خطابا، وقد تقدّم ذكر ذلك. وقراءة ابن عامر من ذلك واحدا بالياء، وسائر ذلك بالتاء، فوجه التاء قد ذكر. وأما وجه الياء في قوله: أفلا يعقلون فللغيبة التي قبل، وهو «1» قوله: ومن نعمره ننكسه في الخلق [يس/ 68]، وجاء يعقلون على معنى من، لأنّ معناها الكثرة، وجاء في قوله: نعمره وننكسه على لفظ من*، ولو جاء على معناها لكان حسنا أيضا، ومثل ذلك في المعنى قوله «2»: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر [النحل/ 70]، وقوله: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين [التين/ 5]. وقراءة أبي عمرو في القصص بالياء والتاء وتخييره في ذلك، فوجه التاء أبين للخطاب الذي قبله، وهو قوله: وما أوتيتم .. أفلا تعقلون والياء على قوله: أفلا يعقل المميّزون ذلك؟ أراد: أفلا يعقل المخاطبون بذلك أنّ هذا هكذا. قال: وكلهم قرأ وللدار الآخرة [الأنعام/ 32] بلامين ورفع الآخرة غير ابن عامر فإنّه قرأ: ولدار الآخرة بلام واحدة وخفض الآخرة «3». الحجة لقراءتهم قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان

_ (1) في (ط): وهي. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة ص 256.

[العنكبوت/ 64]، وقوله: تلك الدار الآخرة [القصص/ 83]، فالآخرة صفة للدار، وإذا كانت صفة لها «1» وجب أن يجرى عليها في الإعراب، ولا يضاف إليها. والدّليل على كونها صفة للدّار قوله: وللآخرة خير لك من الأولى [الضحى/ 4] فقد علمت بإقامتها مقامها أنّها هي، وليس غيرها، فيستقيم أن يضاف إليها. ووجه قول ابن عامر أنّه لم يجعل الآخرة صفة للدار، ولكنّه أضاف الآخرة إلى الدار، فلا تكون الآخرة على هذا صفة للدار، لأنّ الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكنّه جعلها صفة للساعة، فكأنّه قال: ولدار الساعة الآخرة، وجاز وصف الساعة بالآخرة، كما وصف اليوم بالآخر في قوله: وارجوا اليوم الآخر [العنكبوت/ 36] وحسن إضافة الدار إلى الآخرة ولم يقبح من حيث استقبحت «2» إقامة الصفة مقام الموصوف لأنّ الآخرة صارت كالأبطح «3» والأبرق «4»، ألا ترى أنّه قد جاء: وللآخرة خير لك من الأولى؟ فاستعملت استعمال الأسماء، ولم تكن مثل الصفات التي لم تستعمل استعمال الأسماء «5»، ومثل الآخرة في أنّها استعملت استعمال الأسماء قولهم: الدنيا لمّا استعملت استعمال الأسماء حسن أن لا تلحق لام

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): استقبح. (3) الأبطح: المسيل الواسع فيه دقاق الحصى. (4) الأبرق: كثير التهديد والتوعد. (5) في (ط): الآخرة. بدل الأسماء.

الانعام: 33

التعريف في نحو قوله «1»: في سعي دنيا طال ما قد مدّت «2» [الانعام: 33] اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله تعالى: فإنهم لا يكذبونك [الأنعام/ 33]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم وابن عامر: فإنهم لا يكذبونك مشدّدة. وقرأ نافع والكسائيّ يكذبونك خفيفة «3». يجوز أن يكون المعنى في من ثقّل فقال: يكذبونك: قلت له: كذبت، مثل: زنّيته وفسّقته، نسبته إلى الزّنا والفسق «4»، وفعّلت في هذا المعنى قد جاء في غير شيء نحو: خطّأته أي «5»، نسبته إلى الخطأ، وسقّيته، ورعّيته، قلت له: سقاك الله، ورعاك الله، وقد جاء في هذا المعنى «أفعلته» قالوا: أسقيته، قلت له: سقاك الله، قال «6»: وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه فيجوز على هذا أن يكون معنى القراءتين واحدا، وإن

_ (1) عجز بيت للعجاج. سبق في ج 2/ 133 وانظر ابن يعيش 6/ 100 والخزانة 3/ 508 وشرح أبيات المغنى 6/ 175. (2) كذا في الأصل ضبط «مدّت» بالبناء للفاعل وضبطه في الديوان وفي الخزانة وأبيات المغني بالبناء للمفعول. (3) السبعة ص 257، وفي (ط): «مخففة» بدل خفيفة. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت أي من (م). (6) البيت لذي الرمة. ديوانه 2/ 821. الكتاب 2/ 235، شرح شواهد

اختلف اللفظان، إلّا أنّ: فعّلت إذا أراد أن ينسبه إلى أمر أكثر من أفعلت. ويؤكّد أن القراءتين بمعنى، أنّهم قالوا: قلّلت وكثّرت، وأقللت وأكثرت بمعنى، حكاه سيبويه «1». ومعنى لا يكذبونك: لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به ممّا جاء في كتبهم. ويجوز لا يكذبونك لا يصادفونك كاذبا، كما تقول: أحمدته، إذا أصبته محمودا، لأنّهم يعرفونك بالصّدق والأمانة، ولذلك سمي الأمين قال أبو طالب «2»: إنّ ابن آمنة الأمين محمّدا ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [الأنعام/ 33] أي يجحدون بألسنتهم ما يعلمونه يقينا لعنادهم، وما يؤثرونه من ترك الانقياد للحقّ، وقد قال في صفة قوم وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [النمل/ 14]، ويدلّ على أنّ يكذبونك في قول من خفّف [ينسبونك إلى الكذب] «3» قول الشاعر «4». فطائفة قد أكفرتني بحبّكم ... وطائفة قالوا مسيء ومذنب

_ الشافية 41، العيني 2/ 176، الأشموني 1/ 263، التصريح 1/ 204. (1) في الكتاب 2/ 237. (2) سبق في 1/ 339. (3) سقطت من (م). (4) البيت للكميت من قصيدة يمدح بها أهل البيت. انظر شرح شواهد المغني للسيوطي 1/ 35 - وشرح الهاشميات للرافعي/ 36.

أي: قد نسبتني إلى الكفر. قال أحمد بن يحيى: كان الكسائيّ يحكي عن العرب: أكذبت الرجل، إذا أخبرت أنّه «1» جاء بكذب، وكذّبته: إذا أخبرت أنّه كذّاب، فقوله: أكذبته: إذا أخبرت أنّه جاء بكذب كقولهم: أكفرته، إذا نسبوه إلى الكفر، وكذّبته: أخبرت أنّه كذاب، مثل: فسّقته، إذا أخبرت أنّه فاسق. قرأ نافع وحده: قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون [الأنعام/ 33] بضم الياء وكسر الزاي. وقرأ الباقون ليحزنك بفتح الياء وضمّ الزاي «2». يقال: حزن يحزن حزنا وحزنا، قال: ولا تحزن عليهم [النمل/ 70]، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة/ 62]. قال سيبويه: قالوا: حزن الرجل وحزنته، قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت حزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا، كما أنّك حيث قلت: أدخلته، أردت جعلته داخلا، ولكنّك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا، كما قلت: كحلته «3»، جعلت فيه كحلا. ودهنته، جعلت فيه دهنا، ولم ترد بفعلته هاهنا. تغيير قوله: حزن، ولو أردت ذلك لقلت: أحزنته. ومثل ذلك شتر الرجل وشترت عينه، فإذا أردت تغيير شتر

_ (1) في (ط): قد. (2) انظر السبعة ص 257. (3) في (ط): أي.

الانعام: 40، 46

الرجل، قلت: أشترت، كما تقول: فزع وأفزعته. انتهى كلام سيبويه «1». فعل وفعلته جاء في حروف، واستعمال «2» حزنته أكثر من أحزنته، فإلى كثرة الاستعمال ذهب عامة القراء. وقال: إني ليحزنني أن تذهبوا به [يوسف/ 13] وحجّة نافع: أنّه أراد تغيير حزن فنقله بالهمز. وقال الخليل: إذا أردت تغيير حزن قلت: أحزنته، فدلّ هذا من قوله على أنّ أحزنته مستعمل. وإن كان حزنته أكثر في الاستعمال. ويقوّي قوله: أنّ أبا زيد حكى في كتاب «خبأة»: أحزنني الأمر إحزانا وهو يحزنني، ضمّوا الياء. وقال سيبويه «3»: قال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته، وأرجعته، وأعورت عينه، أرادوا: جعلته حزينا وفاتنا، فغيّروا ذلك «4» كما فعلوا ذلك بالباب الأوّل. [الانعام: 40، 46] واختلفوا «5» في الهمز وتركه، وإثبات الألف من غير همز من قوله تعالى: أرأيتم [الأنعام/ 46] وأ رأيتكم [الأنعام/ 40]، وأ رأيت [الكهف/ 63]. فقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة:

_ (1) الكتاب 2/ 234 مختصرا. (2) في (ط): والاستعمال في. (3) انظر الكتاب 2/ 234. (4) في سيبويه مكان ذلك فعل. (5) في (ط): اختلفوا.

أرأيتم وأرأيتكم وأرأيت بألف «1» في كلّ القرآن بالهمز. وقرأ نافع: أرايتم، وأ رايتكم، وأ رايت بألف في كل القرآن من غير همز على مقدار ذوق الهمز. وقرأ الكسائيّ: أريتم، وأريتكم، وأريت، وأريتك «1» بغير همز ولا ألف «3». [قال أبو علي] «3» من قال: أرأيتم «5» وأرأيتكم فهمز، وحقّق الهمز «6» فوجه قوله بيّن، لأنّه فعلت من الرؤية، فالهمزة عين الفعل. وقوله: قرأ نافع بألف في كل القرآن من غير همز على مقدار ذوق الهمز، يريد: أن نافعا كان يجعل الهمزة بين بين، وقياسها إذا خفّفت أن تجعل بين بين، أي «7» بين الهمزة والألف، فهذا التخفيف على قياس التحقيق. وأمّا قول الكسائي أريتم، وأريت فإنّه حذف الهمزة حذفا على غير التخفيف، ألا ترى أنّ التخفيف القياسيّ فيها أن تجعل بين بين، كما قرأ نافع؟ وهذا حذف للتخفيف، كما قالوا: ويلمّه، وكما أنشده أحمد بن يحيى «8»:

_ (1) سقطت من (م). (3) كذا في (ط) وسقطت من (م). (5) في (ط): أرأيت. (6) في (ط): الهمزة. (7) سقطت من (ط). (8) سبق في الكلام عن أول المائدة ص (210) من هذا الجزء.

إن لم أقاتل فالبسوني برقعا وكقول «1» أبي الأسود «2»: يا با المغيرة ربّ أمر معضل ولو كان ذلك كلّه على التخفيف القياسي، لكانت بين بين، ولم تحذف، وقد زعموا أنّ عيسى كذلك كان يقرؤها على الحذف. وممّا يقوّي ذلك من استعمالهم قول الشاعر: فمن «3» را مثل معدان بن ليلى ... إذا ما النسع طال على المطيّة «4» فهذا على أنّه قلب الهمزة ألفا كما قلبها في قوله «5»: لا هناك المرتع فاجتمعت مع المنقلبة عن اللّام، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين، فهذا يقوّي قول عيسى والكسائي. وممّا جاء على ذلك قول الراجز «6»:

_ (1) في (ط): وقول. (2) سبق البيت في 205. (3) رواية (ط) بالجزم أي «من» بدل «فمن» وهي كذلك في اللسان. (4) ورد هذا البيت في اللسان (رأي) برواية: فمن را مثل معدان بن يحيى. ولم ينسبه. (5) سبق في 1/ 398 - 2/ 218. (6) شطران من الرجز مع ثالث لهما وهو:

أريت إن جئت به أملودا ... مرجّلا ويلبس البرودا فأمّا القول في: أرأيتك زيدا ما فعل، وفتح التاء في جميع الأحوال، فالقول في ذلك أنّ الكاف في أرأيتك لا يخلو من أن يكون للخطاب مجردا، ومعنى الاسم مخلوع منه «1»، [أو يكون دالا عليه مع دلالته] «2» على الخطاب فالدّليل على أنّه للخطاب مجردا من علامة الاسم أنّه لو «3» كان اسما لوجب «4» أن يكون

_ أقائلن أحضري الشهودا في المحتسب 1/ 193 والخصائص 1/ 136، وهي من شواهد شرح الكافية 4/ 488 (ط: الفاتح) واللسان (رأى) عن ابن جني والخزانة 4/ 574، وشرح أبيات المغني 6/ 32. والرجز مختلف في قائله، وأورده السكري في شرح أشعار الهذليين 2/ 651 لرجل من هذيل لم يسمّ، مع أشطار ثلاثة أخرى، ونسبه العيني في المقاصد 1/ 118 و 4/ 334 لرؤبة وهو في ملحقات ديوانه ص 173، واستبعد البغدادي هذه النسبة في شرح أبيات المغني والخزانة، كما استبعد رواية: أحضروا، بواو الجمع، لأنّ المخاطب به امرأة ومن قصتها فيما نقله البغدادي في شرح أبيات المغني. قال: أخبرنا أبو عثمان التّوّزي عن أبي عبيدة قال: أتى رجل من العرب له أمة، فلما حبلت جحدها فأنشأت تقول: الأبيات ... ويروى: «جاءت» بدل «جئت». وقوله: أملود، قال الجوهري: غصن أملود، أي: ناعم ... والمرجل: اسم مفعول من رجل شعره ترجيلا، أي: سرحه. ورواية (ط): «أريت إن جئت» بكسر التاء في الموطنين. والمثبت من (م) وكلاهما وجه. (1) في (ط): منها. (2) في (ط): أو تكون دالة على الاسم مع دلالتها. (3) في (ط): إن. (4) في (ط): وجب.

الاسم الذي «1» بعده في نحو قوله: أرأيتك هذا الذي كرمت علي [الإسراء/ 62] وقولهم: أرأيتك زيدا ما صنع؟ لو كان الكاف اسما ولم يكن حرفا للخطاب لوجب أن يكون الاسم الذي بعده الكاف الكاف «2» في المعنى، ألا ترى أنّ أرأيت «3»: يتعدّى إلى مفعولين يكون الأوّل منهما هو الثاني في المعنى وفي كون المفعول الذي بعده ليس الكاف، وإنّما هو غيره دلالة على أنّه ليس باسم، وإذا لم يكن اسما كان حرفا للخطاب مجردا من معنى الاسمية، كما أنّ الكاف في «ذلك- وهنالك- وأبصرك زيدا» للخطاب، وكما أنّ التاء في أنت، كذلك، فإذا ثبت أنّه للخطاب معرّى من معنى الاسميّة «4» ثبت أنّ التاء لا يجوز أن يكون فيه معنى «5» الخطاب، ألا ترى أنّه لا ينبغي أن تلحق الكلمة علامتان للخطاب، كما لا تلحقها علامتان للتأنيث، ولا علامتان للاستفهام فلما لم يجز «6» ذلك، أفردت التاء في جميع الأحوال، لمّا كان الفعل لا بدّ له من فاعل، وجعل في جميع الأحوال على لفظ واحد، لأنّ ما يلحق الكاف من «7» معنى الخطاب يبيّن الفاعلين، فيخصّص التأنيث من التذكير، والتثنية من الجمع، ولو لحقت

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت كلمة «الكاف» من (ط). (3) في (ط): «رأيت». (4) في (ط): الأسماء. (5) في (ط): بمعنى. (6) في (ط): «ولم يجز .. » بدل «فلما لم يجز ... ». (7) في (ط): في.

علامة التأنيث والجمع التاء، لاجتمعت «1» علامتان للخطاب مما «2» يلحق التاء وما يلحق الكاف، فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى ما لا نظير له، رفض، وأجري على ما عليه سائر كلامهم من هذا النحو. وكلّهم قرأ: به، انظر [الأنعام/ 46] «3» بكسر الهاء إلّا أنّ ابن المسيبي روى عن أبيه عن نافع به انظر برفع «4» الهاء، وكذلك أبو قرّة عن نافع أيضا، ولم يروه عن نافع غيرهما «5». من قال: به انظر حذف الياء التي تلحق الهاء في نحو: بهي عيب، لالتقاء الساكنين: وهما «6» الياء والفاء من انظر. ومن قال: به انظر فهو على قول من قال: فخسفنا بهو وبدار هو [القصص/ 81] فحذف الواو لالتقاء الساكنين، كما حذف الياء من «7» بهي لذلك فصار به انظر، وممّا يحسّن هذا الوجه أنّ الضّمّة فيه مثل الضمة في أن اقتلوا [النساء/ 66] أو انقص [المزمل/ 3] ونحو ذلك. فأمّا قوله: قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم، وختم على قلوبكم [الأنعام/ 46] ثمّ قال: يأتيكم به [الأنعام/ 46] فقال أبو الحسن: هو على السمع أو على ما أخذ منكم.

_ (1) في (ط): «لحق ... لاجتمع». (2) في (ط): ما. (3) ورد في السبعة قبل هذه الآية الكلام عن الآية 44 فتحنا عليهم وقد أخّرها المصنف في الذكر إلى آخر السورة، وكأنه استدركها هناك. (4) في (ط): فرفع. (5) السبعة ص 257 - 258. (6) كذا في (ط): وسقطت من (م). (7) في (ط): في.

الانعام: 54

[الانعام: 54] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: «1» إنه من عمل ... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: إنه من عمل فإنه غفور رحيم مكسورة «2» الألف فيهما. وقرأ عاصم وابن عامر أنه من عمل فإنه بفتح الألف فيهما. وقرأ نافع الرحمة أنه [الأنعام/ 54] بفتح الألف فإنه غفور رحيم كسرا «3». من كسر فقال: الرحمة إنه من عمل منكم جعله تفسيرا للرّحمة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد. فأمّا كسر إنّ من «4» قوله: فإنه غفور رحيم فلأنّ ما بعد الفاء حكمه الابتداء، ومن ثمّ حمل «5» قوله: ومن عاد فينتقم الله منه [المائدة/ 95] على إرادة المبتدأ بعد الفاء، وحذفه. وأمّا من فتح أنّ في قوله: أنه فإنّه جعل أن* الأولى بدلا من الرّحمة، كأنّه: كتب ربّكم على نفسه أنّه من عمل منكم.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): بكسر. (3) في (ط): مكسورا. وانظر السبعة ص 258. (4) في (ط): في. (5) كذا ضبطه في (ط) بالبناء للمفعول وفي (م) ضبطه بالبناء للفاعل.

وأمّا فتحها بعد الفاء من قوله: «1» فأنه غفور رحيم [الأنعام/ 54]، فعلى أنّه أضمر له خبرا تقديره: فله أنّه غفور رحيم، أي: فله غفرانه، أو أضمر مبتدأ يكون أنّ خبره، كأنّه، فأمره أنّه غفور رحيم. وعلى هذا التقدير يكون الفتح في قول من فتح: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم [التوبة/ 63] تقديره: فله أنّ له نار جهنّم، إلّا أنّ إضماره هنا «2» أحسن لأنّ ذكره قد جرى في صلة أن ... ، وإن شئت قدّرت، فأمره أنّ له نار جهنّم، فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر. ومثل البدل في هذا قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7] المعنى: وإذ يعدكم الله كون إحدى الطائفتين، مثل قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63]. ومن ذهب في هذه الآية إلى أنّ أنّ «3» التي بعد الفاء تكرير من الأولى لم يستقم قوله وذلك أنّ من ... لا تخلو من أن تكون للجزاء الجازم الذي اللفظ عليه، أو تكون موصولة، ولا «4» يجوز أن يقدّر التكرير مع الموصولة، ولو كانت موصولة لبقي المبتدأ بلا خبر. ولا يجوز ذلك في الجزاء الجازم، لأنّ الشرط يبقى بلا جزاء، فإذا لم يجز ذلك، ثبت أنّه على ما ذكرنا، على أنّ ثبات الفاء في قوله: فأن له، يمنع من أن يكون بدلا، ألا ترى أنّه لا يكون بين البدل

_ (1) سقط من (ط): من قوله. (2) في (ط) هاهنا. (3) سقطت: (أنّ) من (م). (4) في (ط): «فلا».

والمبدل منه الفاء العاطفة، ولا التي للجزاء؟ فإن قلت: إنّها زائدة، بقي الشرط بلا جزاء، فلا يجوز إذا تقدير زيادتها هنا «1»، وإن جاءت زائدة في غير هذا الموضع. وأمّا قراءة نافع كتب أنه ... فإنه! فالقول فيها أنّه أبدل من الرحمة واستأنف ما بعد الفاء. قال سيبويه «2»: بلغنا أنّ الأعرج قرأ: أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54] قال: ونظيره البيت الذي أنشدتك «3» يعني بالبيت الذي أنشده «4»: قول ابن مقبل «5». وعلمي بأسدام المياه فلم تزل ... قلائص تخدى في طريق طلائح وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها ... فإنّي على حظّي من الأمر جامح يريد أنّ قوله: وأني إذا ملّت ركابي محمول على ما قبله،

_ (1) في (ط): هاهنا. (2) في الكتاب 1/ 467. (3) في (ط): أنشد. (4) في (ط): أنشد. (5) وهذه رواية سيبويه وفي ص 45 - 49 من الديوان كما يلي: وعاودت أسدام المياه ولم تزل ... قلائص تحتي في طريق طلائح وإني إذا ملّت ركابي مناخها ... ركبت ولم تعجز عليّ المنادح ورواية (ط) هي رواية سيبويه ما عدا: «تخدى» فإنّه ضبطها بالبناء للفاعل. ورواية (م) محرفة إلى: «تحدا- طلانح- جانح».

الانعام: 55

كما أنّ قوله: من عمل محمول على ما قبله، وما بعده «1» من قوله: «فإنّي على حظّي من الأمر» مستأنف، كما أنّ قوله: فإنه غفور رحيم مستأنف به «2» منقطع مما قبله. [الانعام: 55] اختلفوا في الياء والتاء والرّفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: ولتستبين سبيل المجرمين [الأنعام/ 55]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: ولتستبين بالتاء، سبيل رفعا. وقرأ نافع: ولتستبين بالتاء أيضا «3»، سبيل المجرمين نصبا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ وليستبين بالياء سبيل رفعا حفص عن عاصم مثل أبي عمرو «4». وجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ولتستبين بالتاء «5» سبيل رفعا، أنهم جعلوا السبيل فاعل الاستبانة «6»، وأنّث السبيل كما قال: قل هذه سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وقد ذكّر السبيل أيضا في قوله: وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا [الأعراف/ 146]. فالسّبيل على هذا فاعل الاستبانة. قال سيبويه: استبان

_ (1) في (م) بعد. (2) سقطت به من (ط). (3) سقطت أيضا من (ط). (4) السبعة ص 258. (5) زيادة من (ط). (6) ما بين المعقوفين في (ط). فالسبيل على هذا فاعل الاستبانة.

الشيء واستبنته «1». وقراءة نافع: ولتستبين سبيل التاء فيها ليس على ما تقدّم ولكنّها لك أيّها المخاطب ففي الفعل ضمير المخاطب. والفعل في القراءة الأولى «2» فارغ لا ضمير فيه، والتاء تؤذن بأنّ الفاعل المسند إلى الفعل مؤنث. ومثل هذا في أنّ تفعل يحتمل الأمرين، الخطاب والتأنيث، قوله: يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 4]، أي: يومئذ تحدّث الأرض، يريد: أهل الأرض، ويكون تحدّث أنت أيّها الإنسان، فأمّا قول الهذليّ «3»: زجرت لها طير الشمال فإن تكن ... هواك «4» الذي يهوى يصبك اجتنابها فالفعل للغائبة على حد قولك: هند تهوى كذا. وقول الأعشى «5»: فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفى حتى تلاقي محمّدا يكون تلاقي فيه: مرة للخطاب وأخرى «6» للغيبة،

_ (1) الكتاب 2/ 237 وعبارة سيبويه كاملة: ويقال: أبان الشيء نفسه وأبنته، واستبان واستبنته، والمعنى واحد. (2) في (ط): الأخرى. (3) هو أبو ذؤيب ويريد: إن صدق هذا الطير السنيح سيصيبك اجتنابها أي: تجنبها وتبعدها. انظر شرح السكري 1/ 42. (4) ضبطه في (ط) بالكسر وفي (م) بالفتح وفي السكري كما في (م) إلا أنه ضبط: «زجرت» بفتح التاء. (5) سبق في 1/ 94. (6) في (ط): ومرة.

فالخطاب: على أن تكون الياء في تلاقي ضمير المؤنّث على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، كقوله تعالى: الحمد لله ثمّ قال: إياك نعبد [الفاتحة/ 5]. وأمّا الغيبة فإنّه على حدّ قولك: هند تفعل، إلّا أنّه أسكن الياء للضرورة كما قال: سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق «1» فالتاء في قراءة نافع للخطاب دون التأنيث على قولك: استبنت الشيء. وقراءة «2» حمزة والكسائي: وليستبين بالياء سبيل رفعا. فالفعل على هذا مسند إلى السبيل إلّا أنّه ذكّر السبيل على قوله: يتخذوه سبيلا [الأعراف/ 146]. والمعنى: وليستبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين، فحذف لأنّ ذكر أحد السبيلين «3» يدل على الآخر، ومثله: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81] ولم يذكر البرد لدلالة الفحوى عليه. قرأ عاصم في رواية أبي بكرخفية* بكسر الخاء هاهنا

_ (1) لرؤبة وبعده: تفليل ما قارعن من سمرة الطّرق وصف حوافر حمر الوحش- أي أنّ الحجارة سوت حوافرها كأنّما قططت تقطيط الحقق. والتقطيط: قطع الشيء. ديوانه/ 106 - وسيبويه 2/ 55 واللسان (حقق وقطط). (2) في (ط): وقرأ. (3) في (ط): القبيلين.

[الأنعام/ 63] وفي الأعراف عند قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الآية/ 55]. وقرأ الباقون خفية بضم الخاء هاهنا، وفي الأعراف. وروى حفص عن عاصم خفية بضم الخاء أيضا في الموضعين. قال «1» أبو عبيدة: خفية: تخفون في أنفسكم «2». وحكى غيره: خفية، وخفية وهما لغتان. وروي عن الحسن: التضرّع: العلانية، والخفية بالنية. وأمّا «3» قوله تعالى: تضرعا وخيفة فخيفة «4» فعلة من الخوف، وانقلبت الواو للكسرة والمعنى: ادعوا خائفين وجلين، قال «5»: فلا تقعدنّ على زخّة ... وتضمر في القلب وجدا وخيفا

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) في مجاز القرآن 1/ 194. (3) في (ط): «فأمّا». (4) سقطت كلمة «فخيفة» من (ط). وبعدها: ففعلة، بدل: فعلة. (5) البيت لصخر الغي من قصيدة أبياتها (27) بيتا في شرح أشعار الهذليين 1/ 299 ويقع البيت الشاهد السابع عشر منها. قال السكري: زخة: غيظ، ولم أسمعه في شيء من كلام العرب ولا في أشعارها إلّا في هذا البيت. والخيف: جمع الخيفة. ويروى: غيظا وخيفا، أي مخافة. ويروى على زكّة، والزكّة: الغمّ والبيت في اللسان (زخخ).

الانعام: 57

[الانعام: 57] اختلفوا في الضاد والصاد من قوله [جلّ وعزّ]: يقضي «1» الحق [الأنعام/ 57]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم: يقص الحق بالصاد. وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر والكسائيّ: يقضي «1» الحق بالضّاد «3». حجّة من قرأ يقضي* أنّهم زعموا أنّ في حرف ابن مسعود يقضي بالحق، بالضاد «4» وذكر عن أبي عمرو أنّه استدلّ على يقضي بقوله: وهو خير الفاصلين [الأنعام/ 57] قال «5»: والفصل في القضاء ليس في القصص. ومن حجّتهم قوله تعالى: والله يقضي بالحق وهو يهدي السبيل [الأحزاب/ 4]. وحجّة من قال يقص الحق قوله: نحن نقص عليك أحسن القصص [يوسف/ 3] وإن هذا لهو القصص الحق [آل عمران/ 62]. وأمّا ما احتجّ به من قرأ: يقضي* من قوله: وهو خير الفاصلين [الأنعام/ 57] في أنّ الفصل في الحكم لا في القول، فإنّهم قالوا: قد جاء الفصل في القول أيضا في نحو قوله: إنه لقول فصل [الطارق/ 13] وقال: أحكمت آياته ثم فصلت

_ (1) في (ط) رسمها «يقض» في الموطنين. (3) السبعة ص 259. (4) سقطت من (م). (5) في (ط): قالوا.

[هود/ 1]، وقال: نفصل الآيات [الأنعام/ 55]، فقد حمل الفصل على القول، واستعمل معه كما جاء مع القضاء، وقال: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى، ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء [يوسف/ 111]، فقد ذكر في القصص أنّه تفصيل. فأمّا الحقّ في قوله: يقضي الحق [الأنعام/ 57] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف، يقضي القضاء الحقّ، أو يقصّ القصص الحقّ. ويجوز أن تكون مفعولا به مثل يفعل الحق كقوله: قضاهما داود «1» كلّهم قرأ بالغداة والعشي [الأنعام/ 52] بألف، غير ابن عامر، فإنّه قرأ: بالغدوة والعشي في كل القرآن بواو «2». الوجه: الغداة، لأنّها تستعمل نكرة وتتعرف بالألف واللام «3». وأمّا غدوة فمعرفة، وهو علم صيغ له. قال سيبويه: غدوة وبكرة، جعل كلّ واحد منهما اسما للحين، كما جعلوا أمّ حبين اسما لدابة معروفة «4».

_ (1) هذه قطعة من بيت لأبي ذؤيب الهذلي ونصه: وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبّع انظر شرح السكري 1/ 39 وفيه: وعليهما ماذيتان، والمسرودتان: درعان تعاورهما بالطعن، والسرد: الخرز في الأديم. وقضاهما: فرغ من عملهما. والصّنع: الحاذق بالعمل. والصنع هاهنا تبّع. (2) السبعة 258. (3) في (م) باللام. (4) أم حبين: دويبّة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة البطن وقيل: هي أنثى الحرباء انظر اللسان (حبن).

قال: وزعم يونس عن أبي عمرو، وهو قوله:- وهو القياس- أنّك إذا قلت: لقيته يوما من الأيام: غدوة أو بكرة، وأنت تريد المعرفة لم تنوّن «1»، فهذا يقوي قراءة من قرأ: بالغداة والعشي*. ووجه ذلك قراءة ابن عامر أن سيبويه قال: زعم الخليل أنّه يجوز أن تقول: أتيتك اليوم غدوة وبكرة، فجعلهما بمنزلة ضحوة «2». ومن حجّته أن بعض أسماء الزمان جاء معرفة بغير ألف ولام نحو ما حكاه أبو زيد من قولهم: لقيته فينة، غير مصروف، والفينة بعد الفينة، فألحق لام المعرفة ما استعمل معرفة. ووجه ذلك أنه يقدّر فيه التنكير والشّياع، كما يقدّر فيه ذلك إذا ثني، وذلك مستمرّ في جميع هذا الضرب من المعارف. ومثل ذلك ما حكاه سيبويه «3» من قول العرب: هذا يوم اثنين مباركا فيه «4» وأتيتك يوم اثنين مباركا فيه. فجاء معرفة بلا ألف ولام كما جاء بالألف واللّام، ومن ثمّ انتصب الحال، ومثل ذلك قولهم: هذا ابن عرس «5» مقبل. إمّا أن يكون جعل عرسا نكرة، وإن كان علما، وإنّما أن يكون أخبر عنه بخبرين.

_ (1) انظر سيبويه 2/ 48. (2) المصدر السابق. (3) في المصدر السابق. (4) كذا في (ط) وسقطت من (م). (5) ابن عرس: دويبة معروفة دون السنور أشتر- أصلم أصك له ناب والجمع بنات عرس ويجوز أن تقول: هذا ابن عرس مقبلا.

الانعام: 64، 63

كلّهم قرأ: توفته رسلنا [الأنعام/ 61] بالتاء غير حمزة فإنّه قرأ: توفاه «1» حجّة من قال «2»: توفته بالتاء قوله: كذبت رسل من قبلك [الأنعام/ 34]، وقوله: إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم [فصلت/ 14]. جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالت رسلهم: أفي الله شك [إبراهيم/ 9]. وحجّة حمزة أنّه فعل متقدّم مسند إلى مؤنّث غير حقيقي، وإنّما التأنيث للجمع، فهو مثل قوله: وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30]، وما أشبه ذلك ممّا تأنيثه تأنيث الجمع. وإن كان الكتاب في المصحف بسينة «3»، فليس ذلك بخلاف له، لأنّ الألف الممالة قد كتبت ياء. [الانعام: 64، 63] واختلفوا «4» في التخفيف والتّشديد من قوله [جلّ وعزّ]: قل من ينجيكم .... قل الله ينجيكم [الأنعام/ 63، 64]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر قل من ينجيكم مشدّدة قل الله ينجيكم مخففة «5».

_ (1) السبعة ص 259 وأضاف ابن مجاهد: «ممالة الألف». (2) في (ط): قرأ. (3) أي بياء غير منقوطة، والسينة: شعبة من شعب حرف السين الثلاثة، انظر الصحاح واللسان (سين). (4) في (ط): اختلفوا. (5) في (ط): خفيفة.

وروى عليّ بن نصر عن أبي عمرو قل من ينجيكم خفيفة «1»، قل الله ينجيكم مثله مخفّفة «1». وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ قل من ينجيكم .. قل الله ينجيكم مشدّدتين. وقرأ الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائيّ: لئن أنجانا بألف. وقرأ الحجازيون وأهل الشام: ابن كثير ونافع وابن عامر: لئن أنجيتنا [يونس/ 22] وأبو عمرو مثلهم لئن أنجيتنا. وكان حمزة والكسائيّ يميلان الجيم وغيرهما لا يميل «3». وجه التشديد والتخفيف في ينجيكم وينجيكم أنّهم قالوا: نجا زيد، قال «4»: نجا سالم والنّفس منه بشدقه فإذا نقل الفعل فحسن نقله بالهمزة في أفعل كحسن نقله بتضعيف العين، ومثل ذلك: أفرحته وفرّحته، وأغرمته وغرّمته، وما أشبه ذلك. وفي التنزيل: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24]، فأنجيناه والذين معه [الأعراف/ 64]

_ (1) في (ط): خفيفا. (3) انظر السبعة ص 259 - 260. (4) صدر بيت من قصيدة لحذيفة بن أنس الهذلي وعجزه: ولم ينج إلّا جفن سيف ومئزرا «النفس بشدقه» أي: كادت تخرج فبلغت شدقه، أي: إنما نجا بجفن سيف. انظر السكري 2/ 558 اللسان مادة (نجا) وفيه عامر بدل سالم.

وفيه «1» ونجينا الذين آمنوا [فصلت/ 18] ولئن أنجيتنا من هذه [يونس/ 22]، فلما أنجاهم [يونس/ 23]، فإذا جاء التنزيل باللغتين جميعا تبينت من ذلك استواء القراءتين في الحسن. فأمّا حجّة من قرأ لئن أنجانا [الأنعام/ 63] فهي أنّه حمله على الغيبة، وذلك قوله: تدعونه لئن أنجانا، وكذلك ما بعده قل الله ينجيكم قل هو القادر [الأنعام/ 65]، فهذه كلّها «2» أسماء غيبة، فأنجانا أولى من أنجيتنا، لكونه على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة، وإذا كان مشاكلا لما قبله وما بعده كان أولى وموضع تدعونه نصب على الحال، تقديره: قل من ينجّيكم داعين وقائلين: لئن أنجانا. وكذلك من قرأ: لئن أنجيتنا تقديره داعين وقائلين «3»: لئن أنجيتنا، فواجهوا بالخطاب، ولم يراعوا ما راعاه الكوفيون من المشاكلة. ويقوّي قول من خالف الكوفيين قوله في أخرى لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين [يونس/ 22]. قل الله ينجيكم، فجاء أنجيتنا على الخطاب وبعده اسم غيبة. فأمّا إمالة حمزة والكسائي في أنجانا فمذهب حسن، لأنّ هذا النحو من الفعل إذا كان على أربعة أحرف. استمرت فيه

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): فهذا كلّه. (3) في (ط) قائلين. بحذف الواو.

الإمالة لانقلاب الألف إلى الياء في المضارع، وإذا كانت الإمالة قد حسنت في «غزا» مع أنّه «1» على ثلاثة أحرف لأنّ الياء تثبت فيه إذا بني الفعل للمفعول، مع أنّ الواو تصحّ فيه في فعلت، فلا إشكال في حسنها في أنجا وأغزا ونحو ذلك. كلّهم قرأ وإما ينسينك الشيطان [الأنعام/ 68] بتسكين النون الأولى، وتشديد الثانية غير ابن عامر فإنّه قرأ ينسينك بفتح النون وتشديد السين مع النون الثانية «2». الحجّة لهم في قراءتهم وإما ينسينك قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] فجاء في التنزيل: على أفعل. ووجه قول ابن عامر أنّك تقول: نسيت الشيء، فإذا أردت أن غيرك أنساكه جاز أن تنقل الفعل بتضعيف العين كما تنقله بالهمزة، وعلى هذا قالوا: غرّمته وأغرمته، ففعّل وأفعل يجري كل واحد منهما مجرى الآخر، وفي التنزيل: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا [الطارق/ 17]. كلّهم قرأ: استهوته الشياطين [الأنعام/ 71] بالتاء غير حمزة فإنّه قرأ: استهواه بألف [و] «3» يميلها.

_ (1) في (ط): أنها. (2) السبعة ص 260. (3) سقطت الواو من (م) وهي في (ط) والسبعة ص 260.

قال «1» أبو عبيدة: كالذي استهوته الشياطين أي: استمالته، أي: ذهبت به «2». وقرأ حمزة استهواه الشياطين. على قياس قراءته توفاه رسلنا [الأنعام/ 61] وكلا المذهبين حسن. قال الشاعر: «3» وكنّا ورثناه على عهد تبّع ... طويلا سواريه شديدا دعائمه وأرى قولهم: استهواه كذا، إنّما هو من قولهم: هوى من حالق: إذا تردّى منه، ويشبّه به الذي يزلّ عن الطريق المستقيم، كما أنّ زلّ إنّما هو من العثار في المكان كقوله «4». قام إلى منزعة زلخ فزلّ ثمّ يشبّه به المخطئ في طريقته. وتقول: أزلّه غيره، كما قال: فأزلهما الشيطان عنها [البقرة/ 63]، فكذلك: هوى «5» هو، وأهواه غيره، قال: والمؤتفكة أهوى [النجم/ 53]، فتقول: أهويته واستهويته، كما قال: فأزلهما الشيطان وإنّما استزلّهم الشيطان، فكما أنّ استزلّه بمنزلة أزلّه. كذلك استهواه

_ (1) زيادة من (ط). (2) لم نجده بنصه في مجاز القرآن 1/ 196 عند تفسيره للآية. (3) البيت للفرزدق وقد ورد في ديوانه كما يلي: قديما ورثناه على عهد تبع ... طوالا سواريه شدادا دعائمه انظر ديوانه 2/ 765 - وسيبويه 1/ 238. (4) سبق في 2/ 17 وأنشده ثعلب في مجالسه ص 581 وقبله: يا عين بكّي عامرا يوم النهل ... ربّ العشاء والرشاء والعمل. (5) سقطت كلمة: «هوى» من (ط).

الانعام: 76

بمنزلة أهواه، كما أنّ استجابه بمنزلة أجابه في قوله «1»: فلم يستجبه عند ذاك مجيب [الانعام: 76] واختلفوا «2» في فتح الراء والهمزة وكسرهما من قوله تعالى: رأى كوكبا [الأنعام/ 76]. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص، رأى بفتح الراء والهمزة. وقرأ نافع: بين الفتح والكسرة «3». وقرأ أبو عمرو: رأى كوكبا بفتح الراء وكسر الهمزة. وروى القطعيّ «4» عن عبيد بن عقيل عن أبي عمرو: بكسر الراء والهمزة جميعا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائيّ

_ (1) عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي من الأصمعية رقم 25 ص 96. وصدره: وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى وانظر شرح أبيات المغني 5/ 167 - وأمالي ابن الشجري 1/ 62 وسبق البيت 1/ 352 و 2/ 152. (2) في (ط): اختلفوا. (3) في (ط): الكسر. (4) القطعي: محمد بن يحيى بن مهران، أبو عبد الله القطعي البصري، إمام مقرئ مؤلف متصدر، أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن المتوكل، وهو أكبر أصحابه وروى الحروف سماعا عن أبي زيد الأنصاري وعبيد بن عقيل ... روى القراءة عنه أحمد بن علي الخزاز والفضل بن شاذان ... ذكره أبو أحمد الحاكم وقال: هو من زبيد من اليمن، وروى عنه أبو داود، ووهم فيه أبو العزّ فسمّاه علي بن محمد. انظر طبقات القراء 2/ 278 للجزري.

رأى* بكسر الراء والهمزة «1». وجه قول ابن كثير وعاصم في إحدى الروايتين عنه أنّهما لم يميلا، كما أنّ من قال: رعى ورمى لمّا لم يمل الألف لم يمل الفتحة التي قبلها، كما يميلها من يرى الإمالة ليميل الألف نحو الياء. قال: وقرأ نافع بين الفتح والكسر [قوله: بين الفتح والكسر] «2» لا يخلو من أن يريد الفتحتين اللتين على الراء والهمزة، أو الفتحة التي على الهمزة وحدها، فإن كان يريد فتحة الهمزة فإنّما أمالها نحو الكسرة لتميل الألف التي في رأى نحو الياء، كما أمال الفتحة التي على الدّال من هدى* والميم من رمى*. وإن كان يريد أنّه أمال الفتحتين جميعا، الّتي على الراء، والتي على الهمزة، فإمالة فتحة الهمزة على ما تقدّم ذكره. وأمّا إمالة الفتحة التي على الراء، فإنّما أمالها لاتباعه إياها إمالة فتحة الهمزة، كأنّه أمال الفتحة لإمالة الفتحة، كما أمال الألف لإمالة الألف في قولهم: رأيت عمادا، فأمال ألف النصب لإمالة الألف في عماد «3»، والتقديم والتأخير في ذلك سواء، والفتحة الممالة منزلة منزلة الكسرة، فكما أملت الفتحة في قولك «4» من عمرو، لكسرة الراء، كذلك أملت فتحة الراء من رأى* لإمالة الفتحة التي على الهمزة.

_ (1) انظر السبعة ص 260. (2) ما بين المعقوفين ساقط من (ط). (3) في (ط): لإمالة ألف عماد. (4) سقطت من (م).

قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائيّ رأي* بكسر الراء والهمزة. قال «1»: وجه قراءتهم أنّهم كسروا الراء من رأى، لأنّ المضارع منه على يفعل، وإذا كان المضارع على «يفعل» فكأنّ الماضي على «فعل»، ألّا ترى أنّ المضارع في الأمر العام إذا كان على يفعل كان الماضي على «2» فعل؟ وعلى هذا قالوا: أنت تينا، فكسروا حرف المضارعة كما كسروه في نحو: تعلم وتفهم، وكسروا الياء أيضا في هذا الحرف فقالوا: ييبا، ولم يكسروه في يعلم، وإذا كان الماضي كأنّه على فعل فيما ينزّل، كسرت «3» الراء التي هي فاء لأنّ العين همزة، وحروف الحلق إذا جاءت في كلمة على زنة فعل* كسرت فيها الفاء لكسرة العين في الاسم والفعل، وذلك قولهم: عير نعر «4»، ورجل جئز، ومحك «5»، وماضغ لهم. وكذلك الفعل نحو: شهد ولعب ونعم، وكسرة الراء على هذا كسرة مخلّصة محضة، وليست بفتحة ممالة. وأمّا كسر «6» الهمزة فإنّه يراد به إمالة فتحها إلى الكسر، لتميل الألف نحو الياء وذلك قولك: رأي كوكبا.

_ (1) سقطت من (م). والقائل هنا أبو علي. (2) سقطت من (ط). (3) كذا في (ط) وفي (م): كسر. (4) قال سيبويه في الكتاب 2/ 184: النعر: داء يأخذ الإبل في رءوسها. (5) في اللسان: جئز بالماء: إذا غص به فهو جئز. ورجل محك إذا كان لجوجا في الخصومة. (6) في (ط): كسرة.

الانعام: 77

فإن قلت: إنّ الفاء إنّما تكسر لتتبع الكسرة في العين في نحو شهد* والهمزة في رأى* مفتوحة، فكيف أجيزت كسرة الراء. مع أنّ بعدها حرفا مفتوحا؟. فالقول في ذلك أنّه فيما نزّلناه بمنزلة الفتح، فأتبع الفتحة الكسرة «1» المقدّرة، لمّا نزّلناه بمنزلة الكسرة تبعته فتحة الراء، كما أنّ ضمّة ياء يعفر لما كان في تقدير الفتحة ترك صرف الاسم معها، كما ترك مع فتحة الياء في يعفر، وترك صرفه مع ضمّة الياء حكاه أبو الحسن، وكما أنّ الفتحة في يطأ، ويسع لما كانت في تقدير الكسرة حذفت معها الفاء، كما حذفت في: يزن ويعد. ومثل تنزيلهم الفتحة في رأى ... منزلة الكسرة، تنزيلهم لها أيضا منزلة الكسرة في قولهم: هما يشأيان في يفعلان، من الشأو، لمّا قالوا: يشأى، نزّلوا «2» الماضي على فعل، فقالوا في المضارع: يشأيان، كما قالوا: يشقيان. [الانعام: 77] واختلفوا فيها إذا لقيها ساكن. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ وابن عامر: رأى القمر [الأنعام/ 77] ورأى الشمس [الأنعام/ 78] ورأى المجرمون [الكهف/ 53] ورأى الذين أشركوا [النحل/ 86]، وما كان مثله بفتح الراء والهمزة. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة: رأى القمر ورأى الشمس بكسر الراء وفتح الهمزة في كل القرآن.

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): أنزلوا.

وذكر خلف عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم: رأى القمر ورأى الشمس بكسر الراء والهمزة معا «1». قال بعض أصحاب أحمد: قوله: بكسر الراء والهمزة، خطأ «2»، وإنّما هو بكسر الراء وإمالة الهمزة. قال أبو علي: تحقيق هذا: وإمالة فتحة الهمزة. وروى حفص عن عاصم: بفتح الراء والهمزة في رأى* في كل القرآن «3». وجه إزالتهم الإمالة عن فتحة الهمزة في رأى*: أنّهم إنّما كانوا أمالوا الفتحة لتميل الألف نحو الياء، فلمّا سقطت الألف بطلت إمالتها لسقوطها، ولمّا بطلت إمالتها لسقوطها بطلت إمالة الفتحة نحو الكسرة لسقوط الألف التي كانت الفتحة الممالة يميلها نحو الياء. وأمّا موافقة ابن عامر والكسائيّ وعاصم في رواية أبي بكر «4» وابن كثير نافعا «5» وأبا عمرو، في رأى المجرمون، وفتحهم الراء، وقد كانوا كسروها في رأى كوكبا فلأنّهم آثروا الأخذ باللغتين، كسر الراء وفتحها، فكسرها لما ذكر، وفتحها لأنّهم جعلوها بمنزلة الراء في رمى ورعى «6» ولأنّهم أعلّوا الرّاء

_ (1) انظر السبعة ص 261. (2) في (ط): غلط. (3) السبعة ص 261. (4) في هامش (ط): الصواب في رواية حفص. (5) في (ط) «ونافعا» وليس بسديد. (6) رسمهما في (م) بالألف اليابسة (رما- رعا).

وقدّروا فيه ما قدّروا لإعلال الهمزة بإمالة فتحتها [فلمّا غيّروها] «1»، غيّروا الراء أيضا ألا ترى أنّهم «2» لما أعلّوا اللّام بالقلب في عصي، وعتي «3» ونحوهما «4» أعلّوا الفاء أيضا بالكسر في عصيّ؟ ولمّا أعلّوا الاسم بحذف التاء منه في النسب إلى: ربيعة، وحنيفة: ألزموه في الأمر العام الإعلال والتغيير، بحذف الياء منه أيضا، فقالوا: ربعيّ، وحنفيّ. ووجه قراءة عاصم في رواية أبي بكر وحمزة رأى القمر ورأى الشمس بكسر الراء وفتح الهمزة في كل القرآن: فلأنّ كسر الرّاء إنّما هو للتنزيل الذي ذكرنا، وهو معنى منفصل من إمالة فتحة الهمزة، ألا ترى أنّه يجوز أن يعمل هذا المعنى من لا يرى الإمالة، كما يجوز أن يعمله من يراها؟ فإذا كان كذلك، كان انفصال أحدهما من الآخر سائغا غير ممتنع. وأمّا رواية خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: رأي القمر ورأي الشمس بكسر الرّاء والهمزة معا، يريد بكسر الهمزة إمالة فتحتها، فوجه كسر الرّاء قد ذكر، وأمّا إمالة فتحتها مع زوال ما كان يوجب إمالتها من حذف الألف، فلأنّ الألف محذوفة لالتقاء الساكنين، وما يحذف لالتقاء الساكنين، فقد ينزّل تنزيل المثبت، ألا ترى أنّهم قد أنشدوا «5»:

_ (1) في (ط): فلما غيروا الفتحة بالإمالة. (2) في (ط): بأنهم. (3) ضبطهما في (م) بضم فاء الكلمة وفي (ط) بكسرهما، وكلاهما صحيح. (4) في (ط): ونحوه. (5) عجز بيت لأبي الأسود الدؤلي سبق في 3/ 141 وصدره: فألفيته غير مستعتب

الانعام: 80

ولا ذاكر الله إلّا قليلا فنصب الاسم بعد ذاكر، وإن كان النون قد حذفت «1» لمّا كان الحذف لالتقاء الساكنين، والحذف لهما في تقدير الإثبات من حيث كان التقاؤهما غير لازم ومن ثمّ لم تردّ الألف في نحو: رمت المرأة. وممّا يشهد لذلك أنّهم قالوا: شهد* فكسروا الفاء لكسرة العين، ثمّ أسكنوا فقالوا: شهد*، فبقّوا الكسرة في الفاء مع زوال ما كان اجتلبها، وعلى هذا ينشد قول الأخطل: «2» إذا غاب عنّا غاب عنّا فراتنا ... وإن شهد أجدى فضله ونوافله ويشهد لذلك أيضا أنّهم قالوا: صعق، ثم نسبوا إليه، فقالوا صعقي فأقرّوا كسرة الفاء مع زوال كسرة العين التي لها كسرت الفاء، فكذلك تبقية إمالة فتحة الهمزة في قراءة حمزة رأى القمر. وزعم أبو الحسن أنّ ذلك لغة مع ما ذكرنا من وجوه المقاييس فيه، وأنّها قراءة: في القتلى الحر. [الانعام: 80] واختلفوا «3» في تشديد النون وتخفيفها من قوله تعالى: أتحاجوني في الله [الأنعام/ 80] وتأمروني [الزمر/ 64].

_ (1) في (ط): وإن كان النون قد حذف. (2) سبق في 1/ 386. (3) في (ط): اختلفوا.

فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: أتحاجوني، وتأمروني مشدّدتين. وقرأ نافع وابن عامر مخفّفتين «1». لا نظر في قول من شدّد. فأمّا وجه التخفيف: فإنّهما حذفا النون الثانية لالتقاء النونين، والتضعيف يكره، فيتوصّل إلى إزالته تارة بالحذف نحو: «علماء بنو فلان» وتارة بالإبدال نحو «2»: لا أملاه حتّى يفارقا ونحو: «ديوان وقيراط» فحذفا «3» الثانية من المثلين كراهة التضعيف، ولا يجوز أن يكون المحذوف: النون «4» الأولى لأنّ الاستثقال يقع بالتكرير في الأمر الأعمّ، والأولى «5» أيضا فيها أنّها دلالة الإعراب، وإنّما حذفت الثانية كما حذفتها من ليتي في قوله «6»: .. إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي

_ (1) السبعة ص 261. (2) بعض بيت تمامه: فآليت لا أشريه حتى يملني ... بشيء ولا أملاه حتى يفارقا سبق في 1/ 208. (3) في (ط): فحذفوا. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): وفي الأولى. (6) قائل البيت- زيد الخيل الذي سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم، زيد الخير وتمام البيت. كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي انظر سيبويه 1/ 386 حاشية الصبان 1/ 123. الخزانة 2/ 446.

وكقوله «1»: تراه كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني فالمحذوفة المصاحبة للياء ليسلم سكون لام الفعل وما يجري مجراها أو حركتها، ولا يجوز أن تكون المحذوفة الأولى، فيبقى الفعل بلا فاعل «2»، كما لا تحذف الأولى في أتحاجوني، لأنّها «3» الإعراب، ويدلّك على أنّ المحذوف الثانية أنّها قد حذفت مع الجارّ أيضا في نحو قوله «4». قدني من نصر الخبيبي قدي وقد جاء حذف هذه النون في كلامهم قال «5»: أبالموت الّذي لا بدّ أنّي ... ملاق لا أباك تخوّفيني

_ (1) البيت لعمرو بن معد يكرب. في شرح أبيات المغني 7/ 297 فانظر تخريجه هناك. (2) عبارة (ط) هنا: ولا يجوز أن يكون الأولى، لأن الفعل يبقى بلا فاعل. (3) في (ط) لأنه. (4) شطر من الرجز لحميد بن مالك الأرقط وبعده: ليس الإمام بالشحيح الملحد وهو من شواهد سيبويه 1/ 387 والخزانة 2/ 449، وشرح أبيات المغني 4/ 83 وقد استوفينا فيه تخريجه. ومعنى قدني: حسبي- وأراد بالخبيبين: خبيب بن عبد الله بن الزبير وأباه عبد الله. (5) البيت لأبي حية النميري. في الكامل 487 - 953 والمقتضب 4/ 375 وأمالي ابن الشجري 1/ 362 وابن يعيش 2/ 105 والخصائص 1/ 345

الانعام: 83

وزعموا أنّ المفضّل أنشد «1»: تذكرونا إذ نقاتلكم ... إذ لا يضرّ معدما «2» عدمه وزعم بعض البصريين في حذف هذه النون أنّها لغة لغطفان. وحكى سيبويه هذه القراءة، فزعم أنّ بعض القراء، قرأ أتحاجوني واستشهد بها في حذف النونات لكراهة التضعيف «3». قرأ الكسائيّ وحده «4» هداني* [الأنعام/ 80] بإمالة الدّال. وقرأ الباقون بالفتح «5». الإمالة في هداني* حسنة لأنّه من هدى يهدي، فهو من الياء، وإذا كانوا قد أمالوا نحو: غزا، ودعا، لأنّه قد يصير إلى الياء في: غزي، ودعي «6» فلا إشكال في حسنها، فيما كان الأصل فيه الياء. [الانعام: 83] اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله تعالى «7»: نرفع درجات من نشاء [الأنعام/ 83].

_ والخزانة 2/ 118 والتصريح 2/ 26 واللسان مادة (أبى) والهمع 1/ 145 والدرر 1/ 125 والبيت ينسب للأعشى وليس في ديوانه. (1) البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص 76 وفيه: «تذكرون» بدل «تذكرونا». وقوله: تذكرون أراد: أتذكرون، وقوله: لا يضر معدما عدمه، أي: يقاتلكم الغني منا ليدفع عن ماله، ويقاتلكم الفقير المعدم منا ليغنم. (2) في (ط): «عادما». (3) انظر الكتاب 2/ 154 باب أحوال الحروف التي قبل النون الخفيفة والثقيلة. (4) سقطت من (ط). (5) السبعة ص 261. (6) زادت (ط) هنا: في هذا المكان. (7) في (ط): عز وجل.

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر نرفع درجات من نشاء بالنون «1» مضافا، وكذلك في سورة يوسف الآية/ 76]. وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: درجات من نشاء منونا، وكذلك في يوسف «2». قوله: ورفع بعضهم درجات [البقرة/ 253] يدلّ على قراءة من نوّن، ألا ترى أنّه في ذكر الرّسل قال: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات [البقرة/ 253]. فأمّا قوله تعالى: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا [الزخرف/ 32] فإنّه في الرّتب وارتفاع الأحوال في الدنيا واتضاعها. يدلّك على ذلك قوله: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا [الزخرف/ 32]. ويقوّي قراءة من أضاف، قوله: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، فمن فضّل على غيره فقد رفعت درجته عليه، فقوله: فضلنا بمنزلة قولك «3» رفعنا درجته.

_ (1) في (ط) تقديم للنون على درجات. (2) السبعة ص 261 - 262. (3) كذا في (ط) وسقطت من (م).

الانعام: 86

[الانعام: 86] اختلفوا في زيادة اللّام ونقصانها في قوله تعالى «1»: واليسع [الأنعام/ 86]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر بلام واحدة. وقرأ حمزة والكسائيّ: والليسع بلامين وفي «صاد» مثله «2». [قال أبو علي]: «3» اعلم أن لام المعرفة تدخل الأسماء على ضربين: أحدهما للتعريف، والآخر زيادة زيدت، كما تزاد الحروف، فلا تدلّ على المعاني التي تدلّ عليها إذا لم تكن زائدة. والتعريف الذي يحدث بها على ضروب: منها: أن يكون إشارة إلى معهود بينك وبين المخاطب نحو: الرجل والغلام، إذا أردت بها رجلا وغلاما عرفتماه بعهد كان بينكما. والآخر أن يكون إشارة إلى ما في نفوس الناس من علمهم للجنس، فهذا الضرب، وإن كان معرفة، كالأول، فهو مخالف له من حيث كان الأول قد علمه حسا، وهذا لم يعلمه كذلك، إنّما يعلمه معقولا. فأمّا نحو: مررت بهذا الرجل، فإنّما أشير به إلى الشاهد الحاضر لا إلى غائب معلوم «4» بعهد، ألا ترى أنّك تقول ذلك فيما

_ (1) في (ط): عزّ وجل. (2) السبعة 262. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): الغائب المعلوم.

لا عهد «1» فيه بينك وبين مخاطبك. وممّا يدلّ على ذلك قولك «2» في النداء، يا أيّها الرجل، فتشير به إلى المخاطب الحاضر، وهما يجريان مجرى الاسم الواحد، كما أنّ ماذا من قوله تعالى: ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا [النحل/ 30]، يجريان مجرى الاسم الواحد، فلا يجوز أن يكون الاسم معرّفا بتعريفين مختلفين أحدهما حاضر والآخر غائب. ويدلّك على أنّهما يجريان مجرى الاسم الواحد أنّه لا يوصف بالمضاف نحو: مررت بهذا ذي المال، ولا يوصف بالأسماء المفردة، إذا ثنّيت، فلا يجوز مررت بهذين، الطويل والقصير، كما تقول: مررت بالرجلين القائم والقاعد، وذلك أنّه قد صار مع الأول كالشيء الواحد، ويبيّن ذلك من جهة المعنى، وهو «3» أنّك تستفيد بهما ما تستفيد «4» من الاسم المفرد من معنى الجنس. فأمّا الأسماء الأعلام، فلا تدخل عليها الألف واللام، وذلك «5» أنّ تعليقها على من تعلّق عليه، وتخصيصه بها يغني عن الألف واللام، وذلك نحو التسمية: بجدار، وحمار، وثور، وأسد، وكلب، وزيد، وزياد، وبشر، وحمد.

_ (1) سقطت من (م). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): تستفيده. (5) في (ط): وذاك.

فأمّا نحو العبّاس، والحارث، والقاسم، والحسن، فإنّما دخلت الألف واللام فيها على تنزيل أنّها صفات جارية على موصوفين، وهذا يعني الخليل بقوله: جعلوه الشيء بعينه، فإن لم ينزّل هذا التنزيل، لم يلحقوها «1» الألف واللام، فقالوا: حارث وعباس وقاسم وعلى كلا المذهبين جاء ذلك في كلامهم، قال الفرزدق «2»: تقعّدهم أعراق حذلم بعد ما ... رجا الهتم إدراك العلى والمكارم وقال «3»: ثلاث مئين للملوك وفى بها ... ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم

_ (1) في (ط): يلحقوه. (2) لم نعثر على البيت في ديوانه. (3) البيت للفرزدق في النقائض 1/ 371 وديوانه 2/ 853 من قصيدة طويلة يمدح بها سليمان بن عبد الملك ويهجو قيسا وجريرا، وروايته فيه: فدى لسيوف من تميم وفى بها ... ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم وجاء البيت برواية المصنف في المقتضب 2/ 170، وأمالي ابن الشجري 2/ 24، 64، وابن يعيش 6/ 21، 23 وشرح الرضي على الكافية 3/ 302 (ط- الفاتح) والخزانة 3/ 302 والعيني 4/ 480. اهـ. والظاهر أن هذه رواية النحاة الذين استشهدوا بالرواية المذكورة على استعمال «ثلاث مئين» أما رواية الديوان والنقائض فلا شاهد فيها .. ولكنّ الفارسي هنا استشهد ببيتي الفرزدق على استعمال: «الهتم، والأهاتم» قال ابن حبيب شارح المناقضات: قوله: الأهاتم: يعني الأهتم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم» النقائض 1/ 371 قال البغدادي فعرف أنّ الأهتم ليس لقبا لسنان بن خالد ولا سنان هو ابن سمي كما تقدّم، ومشى عليه العيني. انظر الخزانة 3/ 303.

فجعله مرة بمنزلة: أضحاة، وأضاح، ومرّة بمنزلة أحمر وحمر. وجمع الأعشى بين الأمرين في بيت وذلك قوله «1»: أتاني وعيد الحوص من آل جعفر ... فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا وأنشد الأصمعيّ «2»: أحوى من العوج وقاح الحافر والعوج نسب إلى أعوج كما أنّ الحوص نسب إلى أحوص، فإذا حذفت ياءي النسب، جعلتها «3» بعد التسمية به بمنزلته، وهو صفة لم يسمّ بها، فكسّر الصفة، وهذا يدلّ على صحّة قول من لم يصرف أحمر، إذا نكّره بعد أن سمّى به. فإذا كسّره تكسير الاسم نحو: الأفاكل، والأرامل، قال: الأحاوص، وعلى هذا القياس تقول: الأعاوج، كما تقول: الأهاتم، ومثل هذا قولهم: الفرس في جمع فارسي، [حذفت منه ياءً النسب كما حذفتا] «4» من الأعوجي، وكسّر فاعل «5»، على فعل. كبازل وبزل، وعائط وعيط، وحائل وحول، وهذا مما

_ (1) انظر ديوان الأعشى/ 149 الأحاوصا: هم بنو الأحوص. (2) ذكره اللسان في مادة (عوج) ولم ينسبه، أحوى: أسود، حافر وقاح: صلب. (3) في (ط): ياء النسب، جعلته .. (4) في (ط): «حذف ياءي النسب كما حذفهما». (5) في (ط): «وكسّر فاعلا».

يقوّي العوج، ألا ترى أنّه جمعه جمع الصفات وإن كانت ياءً النسب فيه محذوفتين «1»؟. قال ابن مقبل «2». طافت به الفرس حتّى بذّ ناهضها فأما قوله «3»: والتّيم ألأم من يمشي وألأمهم ... ذهل بن تيم بنو السود المدانيس فإنّه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون بمنزلة العباس، وذلك أن التيم مصدر، والمصادر قد أجريت مجرى أسماء الفاعلين، ألا ترى أنّه قد وصف بها كما وصف بأسماء الفاعلين. وجمع جمعها في نحو: نور ونوّار، وسيل، وسوائل؟ فلمّا كانت مثلها أجراها مجراها، وعلى هذا قالوا: الفضل، في اسم رجل، كأنّهم جعلوه الشيء الذي هو خلاف النقص. والآخر أن يكون تيميّ وتيم، كزنجيّ وزنج، ويهودي،

_ (1) في (ط): «منه محذوفة. و». (2) صدر بيت له في ديوانه ص 92 برواية «بها» بدل به. وعجزه: عمّ لقحن لقاحا غير مبتسر. وطافت بها: أي تولتها بالرعاية- وبذّ: غلب- وناهضها، الناهض: هو الرجل الذي يصعد النخلة ليلقحها- ونخل عمّ: أي طويل، والمبتسر: من لقح النخلة قبل أوان التلقيح. انظر اللسان (بسر- فرس) والجمهرة 1/ 255. (3) البيت لجرير من قصيدة له في ديوانه 2/ 131 يهجو فيها التيم وروايته في الديوان: «أولاد ذهل» بدل «ذهل بن تيم».

ويهود، وفي التنزيل وقالت اليهود [البقرة/ 113]، واليهود إنّما هو جمع يهوديّ، ولو لم يكن جمعا لم تدخل اللام، لأنّ يهود جرت عندهم اسما للقبيلة، فصارت بمنزلة مجوس عندهم. أنشدنا علي بن سليمان «1»: فرّت يهود وأسلمت جيرانها ... صمّي لما فعلت يهود صمام وفي حديث القسامة: «تقسم يهود .. » «2». ومن الصفات الغالبة التي تجري مجرى، الحارث والقاسم قولهم: النابغة، فالنابغة له اسم يجري مجرى الأعلام، وغلب عليه هذا الوصف، كما أنّ الحارث ونحوه قد نزل تنزيل من له اسم

_ (1) البيت للأسود بن يعفر (اللسان: صمم). وصمّي صمام: يضرب للرجل يأتي الداهية أي: احترسي يا صمام. (2) حديث القسامة هذا أخرجه مسلم برقم (1669) والإمام أحمد 4/ 2 من حديث سهل بن أبي حثمة، ومن حديثه في مسلم وحديث رافع بن خديج وبشير بن يسار. والحديث عند أبي داود 4/ 655 برقم (4520 - 4521) وسبب هذا الحديث أنّ عبد الله بن سهل بن زيد وجد مقتولا في خيبر، فاتهموا اليهود في قتله، فجاء أخوه عبد الرحمن وابنا عمّه حويّصة ومحيّصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته»؟ قالوا: أمر لم نشهده، كيف نحلف؟ قال: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم»؟ قالوا يا رسول الله! قوم كفار! قال: «فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله» اهـ ملخصا من مسلم. ويلاحظ أن الحديث جاء على لفظ «فتحلف لكم يهود» و «فتبرئكم يهود» ولا ضير في ذلك فإن الحلف والقسم شيء واحد، ويبقى موطن الاستشهاد بكلمة «يهود» هو المراد.

علم فغلب عليه هذا الوصف، فجرى هذا الوصف الغالب مجرى العلم، وسدّ مسدّه، حتى صار يعرف به كما يعرف بالعلم، فلمّا سدّ مسدّه وكفى منه أجراه مجرى العلم نحو: جعفر وثور فقال «1»: ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته .......... ومن ذلك قولهم في اسم اليوم: الاثنان، لما جرى مجرى العلم، استجيز حذف اللام فيه «2» كما استجازوا حذف اللّام من النابغة، وذلك فيما حكاه سيبويه «3» من قولهم: هذا يوم اثنين مباركا فيه. فأمّا قولهم الغدوة والفينة، فدخول لام التعريف فيهما «4» على وجه آخر وهو: أن غدوة، وفينة كانا معرفتين، كما تكون الأسماء التي للألقاب معارف، فأزيل هذا التعريف عنهما ... كما أزيل التعريف عن الاسم الموضوع وضع الأعلام، وذلك في أحد تأويلي سيبويه في قولهم: هذا ابن عرس مقبل، فلما أزيل هذا

_ (1) صدر بيت للشاعر مسكين الدارمي وعجزه: عليه تراب من صفيح موضّع وجاءت روايته في الخزانة: «عليه صفيح من رخام موضع» وأراد بالرمل: رمل بني جعدة وهي رمال ذراء من طريق البصرة إلى مكة. انظر الخزانة 2/ 117 - سيبويه 2/ 24. اللسان: مادة «نبغ». (2) في (ط): منه. (3) في الكتاب 2/ 48. (4) في (ط): فيه.

التعريف عنهما عرّفا «1» بالألف واللام، فقرأ من قرأ بالغدوة [على هذا] «2». وحكى أبو زيد: لقيته فينة، والفينة بعد الفينة. ومثل إزالة هذا الضرب من التعريف عن هذه الأسماء إزالتهم إياه في قولهم: أمّا البصرة فلا بصرة لك، وأمّا خراسان فلا خراسان لك: وعلى هذا قوله: ولا أميّة بالبلاد «3» و «قضيّة ولا أبا حسن» «4». ومثل هذا زوال تعريف العلم عن «5» الأعلام المثنّاة

_ (1) في (ط): عنه، عرف. (2) سقطت من (ط). (3) جزء من بيت لابن الزّبير الأسدي، وتمامه: أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ... في سيبويه 1/ 355 والمقتضب 4/ 362 وأمالي ابن الشجري 1/ 239 وشرح المفصل لابن يعيش 2/ 102 والخزانة 2/ 100 ونقل صاحب الخزانة في 2/ 451 عن ابن المستوفي في شرح أبيات المفصل نسبة البيت لفضالة بن شريك والد عبد الله. وفي الأغاني 10/ 66 نسبه إلى عبد الله بن فضالة بن شريك في قصة وفوده على عبد الله بن الزبير. ثمّ نقل عن ابن حبيب في ص 69 - 70 أن الشعر وقصته كانت مع فضالة وابن الزبير لا مع ابنه، وقد ذكر ذلك البغدادي في الخزانة أيضا 2/ 100 - 102. قال ابن يعيش في شرح المفصل 2/ 103. وابن الزبير هو عبد الله بن زبير بن فضالة بن شريك الوالي، من أسد خزيمة. اهـ والزبير: بوزان أمير، هو المذكور، وعبد الله بن الزبير بن العوام: بضم الزاي. انظر القاموس المحيط (زبر). (4) يراد بأبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في سيبويه 1/ 355 والمعنى: لا أمثال عليّ لهذه القضية. (5) في (ط): من.

والمجموعة نحو: الجعفران والعمران، فزال تعريف العلم عن الجعفرين، كما زال تعريف العدل عن العمرين، والقثمين، ولو لم يزل لم يجز دخول لام المعرفة عليه، كما لم يجز دخولها قبل التثنية، ولا تدخل لام المعرفة على المعدول. واستدلّ أبو عثمان على أنّ الثلاثاء والأربعاء غير معدولين بدخول لام المعرفة عليهما، وقال: المعدول لا تدخل عليه الألف واللام، فأمّا أبانان، وعرفات فلم تدخلهما اللّام لأنّ التسمية وقعت بالجمع والتثنية، كما وقعت بالمفرد، فلم تدخل اللّام، كما لم تدخل على المفرد. فأمّا الألف واللّام في اليسع، فلا يخلو من أن تكون على حدّ الرجل إذا أردت المعهود أو الجنس نحو: إن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2]، أو على حدّ دخولها في العباس، فلا يجوز أن يكون على واحد من ذلك، ولا يجوز أن يكون على حدّ العبّاس، لأنّه لو كان كذلك كان صفة، كما أنّ العباس كذلك، ولو كان كذلك لوجب أن يكون فعلا، ولو كان فعلا: لوجب أن يلزمه الفاعل، ولو لزمه الفاعل لوجب أن يحكى من حيث كان جملة، ولو كان كذلك لم يجز لحاق اللّام له، ألا ترى أنّ اللّام لا تدخل على الفعل؟ وليس بإشارة كقولك: هذا الرجل، فإذا لم يجز فيه شيء من ذلك ثبت أنّه زيادة، ومثل ذلك فيما جاءت اللّام فيه زائدة قول الشاعر: «1»

_ (1) البيتان مع ثالث لهما في الإنصاف ص 318، وأنشدها في اللسان (أبل) ونسبها لابن عبد الجن، وهو تحريف «عبد الحق» لأنّه نسب البيت الأوّل في مادة (مور) لعبد الحق، والبيت الثالث وهو قوله:

أما ودماء لا تزال كأنّها ... على قنّة العزّى وبالنسر عند ما وما سبّح الرهبان في كل بيعة ... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما فتعلم زيادة اللّام فيه بما في التنزيل من قوله: ولا يغوث ويعوق ونسرا [نوح/ 23] فأمّا انتصاب عندم في البيت فيأخذ شيئين: أحدهما بما «1» في كأنّ من معنى الفعل والآخر أن تجعل «على قنّة العزّى» مستقرا، فيكون الحال عنه، فإن نصبت بالأول: فذو الحال الضمير الذي في كأنها ... ، وإن نصبته عن المستقرّ، فذو الحال الذكر الّذي في المستقرّ، والمعنى على حذف المضاف، كأنّه مثل. عندم، فحذف «2». ومثل ذاك ما أنشده محمد بن السّريّ للمرّار الفقعسي «3»: إذا نهلت بسفرتها وعلّت ... ذنوبا مثل لون الزّعفران المعنى: ماء ذنوب مثل لون الزعفران، ولو جعلت العندم هو الدم لموافقته إياه في اللون لكان مذهبا، ولو رفعت مثل لون

_ لقد ذاق منّا عامر يوم لعلع ... حساما إذا ما هزّ بالكف صمّما نسبه لحميد بن ثور في مادة (لعع) وليس في ديوانه، وذكره الميمني في زيادة ديوانه ص 31 عن اللسان وفي أمالي ابن الشجري 1/ 154 الشطر الثاني من البيت الأول. والعندم: قيل دم الأخوين وقيل غير ذلك. (1) في (ط): «ما». (2) في (ط): فحذفت. (3) هو المرار بن سعيد بن حبيب بن خالد بن فقعس- شاعر إسلامي كثير الشعر انظر معجم الشعراء للمرزباني/ 337.

الزعفران جاز، ويكون «1» التقدير: ذنوبا لونه مثل لون الزعفران، فحذفت المبتدأ، والجملة في موضع نصب، ومثل ذلك قوله «2»: وهي تنوش الحوض نوشا من علا المعنى على ماء الحوض، ألا ترى أنّها تتناول ماءه لا نفس الحوض؟ ومثل ذلك قول الآخر «3»: لا عيش إلّا كلّ حمراء غفل ... تناول الحوض إذا الحوض شغل ومما جاءت اللام فيه زيادة ما أنشده أبو عثمان «4»: باعد أمّ العمر من أسيرها وأنشد أحمد بن يحيى:

_ (1) في (ط): جاز على أن يكون. (2) بيت من مشطور الرجز نسبه فى اللسان إلى غيلان بن حريث وبعده: نوشا به تقطع أجواز الفلا وقد ذكره سيبويه ولم ينسبه- وتنوش الحوض: تتناول ملأه- يريد أن الإبل عالية الأجسام طوال الأعناق- وذلك النوش الذي تناله هو الذي يعينها على قطع الفلوات. انظر اللسان مادة/ نوش/- سيبويه 2/ 123 - الخزانة 4/ 125 - 261. (3) ذكره اللسان في مادة/ غفل/ ولم ينسبه. (4) شطر بيت لأبي النجم العجلي وبعده: حراس أبواب على قصورها انظر المقتضب 4/ 49 وشرح شواهد المغني للبغدادي 1/ 302 وانظر تخريجه هناك. 60.

يا ليت أمّ العمر كانت صاحبي ... مكان من أنشا على الرّكائب «1» فأما قوله: «2» ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر فإنّه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون قد اعتقب عليه تعريفان، كما اعتقب على غدوة، والغدوة، واثنين والاثنين، من قولهم: اليوم يوم الاثنين، فيكون التعريف الذي وضع له في أول أمره في تقدير الزوال عنه، كما قدّر سيبويه ذلك في أحد تأويلية في قولك «3»: هذا ابن عرس مقبل «4». وممّا جاء فيه الألف «5» واللام زائدة قولهم: الخمسة العشر درهما، حكاه أبو الحسن الأخفش. ألا ترى أنّهما اسم واحد، ولا يجوز أن يعرّف «6» اسم واحد بتعريفين، كما لا يجوز أن يتعرّف بعض الاسم دون بعض، فإذا كان كذلك، علمت

_ (1) رجز غير منسوب وقد ذكر في شرح المفصل 1/ 44 والإنصاف 11/ 316 برواية «أشتى» بدل «أنشا» وفي المخصص 1/ 168 والمنصف 3/ 134 كلاهما عن أبي علي. (2) البيت غير منسوب وهو من شواهد المغني- انظر شرح أبياته للبغدادي 1/ 310 وابن عقيل 1/ 156 - والعيني 1/ 498 - ومجالس ثعلب 556 - الإنصاف 1/ 319 الصبان 1/ 182 - واللسان مادة (وبر). (3) في (ط): قولهم. (4) انظر سيبويه 1/ 265. (5) سقطت (الألف) من (ط). (6) في (ط): يتعرف.

زيادة اللام في الخمسة العشر درهما، ويذهب أبو الحسن في اللات في قوله: أفرأيتم اللات والعزى [النجم/ 19]، إلى أنّ اللام في اللات زائدة، وذلك صحيح لأنّ اللات معرفة. أما «1» العزى فبمنزلة العبّاس، فإذا كانت اللات معرفة ولم تكن بمنزلة العباس، ثبت أن اللام فيها زائدة، وقياس قول أبي الحسن هذا أن تكون اللام في اليسع* أيضا زائدة، لأنه علم مثل اللات وليس بصفة كما أن اللات ليست بصفة. فإن قلت: فلم لا تكون اللات صفة، ويكون مأخوذا من: لوى «2» على الشيء: إذا عطف عليه، ومن قول الشاعر «3»: ........ فإنّني ... ألوي عليك لو انّ لبّك يهتدي ويؤكد هذا قوله «4»: واصبروا على آلهتكم [ص/ 6]

_ (1) في (ط): فأما. (2) في (ط): لوى به. (3) جزء من بيت لابن أحمر، وتمامه: عمّرتك الله الجليل فإنني ... ألوي عليك لو انّ لبّك يهتدي قوله: عمرتك الله: ذكرتك به، وجوابه في بيت بعده. انظر سيبويه 1/ 163. المقتضب 2/ 329 المنصف 3/ 132 أمالي ابن الشجري 1/ 349. (4) في (ط): قولهم.

الانعام: 90

فهذا من العطف عليها والتمسّك بعبادتها، فإن ذلك لا تقوله، ألا ترى أنه يلزم أن يكون قد وصفت باسم على حرفين ثالثه تاء «1» التأنيث، وهذا مما لم نعلمه جاء في الصفات، فإذا كان كذلك وجب أن يكون مطّرحا. ومما جاءت اللام فيه زائدة ما أنشده بعض البغداديّين: وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأحناء الخلافة كاهله «2» فأمّا قول من قال: الليسع، فإنه تكون اللام فيه على حدّ ما «3» في الحارث ألا ترى أنه على وزن الصفات؟ فهو كالحارث، إلّا أنه، وإن كان كذلك، فليس له مزيّة على القول الآخر، ألا ترى أنّه لم يجيء في الأسماء الأعجميّة المنقولة في حال التعريف، نحو: إسماعيل وإبراهيم شيء على هذا النحو، كما لم يجيء فيها شيء فيه لام التعريف؟ فإذا كان كذلك، كان الليسع بمنزلة: اليسع في أنّه خارج عما كان «4» عليه الأسماء الأعجمية المختصة المعربة. [الانعام: 90] اختلفوا في إثبات الهاء في [قوله تعالى]: «5» اقتده [الأنعام/ 90] في الوصل، فقرأ ابن كثير

_ (1) في (م): ياء، وهو تصحيف. (2) البيت لابن ميادة انظر شرح أبيات المغني 1/ 304 - الخزانة 1/ 323. الإنصاف/ 317 وفيها وفي (ط) بأعباء الخلافة. (3) في (ط): حدّها. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (ط).

وأهل مكّة ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة وعاصم: فبهداهم اقتده قل، يثبتون الهاء في الوصل ساكنة. وقرأ حمزة والكسائيّ: فبهداهم اقتد قل بغير هاء في الوصل، ويقفان بالهاء. وقرأ عبد الله بن عامر: فبهداهم اقتده، قل يكسر الدال، ويشمّ الهاء الكسر من غير بلوغ ياء. وهذا غلط، لأن هذه «1» الهاء هاء وقف لا تعرب في حال من الأحوال، وإنّما تدخل لتبيّن «2» بها حركة ما قبلها «3». قال أبو علي: الوجه: الوقف «4» على الهاء لاجتماع الكثرة، والجمهور على إثباته، ولا ينبغي أن يوصل، والهاء ثابتة، لأن هذه الهاء في السكت بمنزلة همزة الوصل في الابتداء، في أنّ الهاء للوقف، كما أنّ همزة الوصل للابتداء بالساكن، وكما لا تثبت الهمزة في الوصل «5»، كذلك ينبغي أن لا تثبت الهاء. قال أبو الحسن: وكذلك قوله: قل هو الله أحد [الإخلاص/ 1]، ولتركبن طبقا عن طبق [الانشقاق/ 19]، وكلا لينبذن في الحطمة [الهمزة/ 4]. يسكتون عنده

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): ليبيّن. (3) السبعة 262. (4) في (ط): فالوجه الوقوف. (5) في (ط): الصلة.

أجمع، وقوله: الذي جمع مالا وعدده [الهمزة/ 2]. هكذا تكلّم به العرب على الوقف. قال: وكان أبو عمرو يقرأ: قل هو الله أحد «1» الله [الإخلاص/ 1] على السكون «2». وقول حمزة والكسائيّ القياس «3»، وفي ترك قول الأكثر ضرب من الاستيحاش، وإن كان الصواب والقياس ما قرآ به «4». وقراءة «5» ابن عامر بكسر الدال وإشمام الهاء الكسرة «6» من غير بلوغ ياء ليس بغلط، ووجهها: أن تجعل الهاء كناية عن المصدر لا التي تلحق للوقف، وحسن إضماره لذكر الفعل الدّالّ عليه «7». ومثل ذلك قول الشاعر: «8» فجال على وحشيّه وتخاله ... على ظهره سبّا جديدا يمانيا كأنه قال: تخاله خيلانا على ظهره سبّا جديدا يمانيا.

_ (1) وقفت (م) عند أحد. (2) في (م): السكوت. (3) سقطت كلمة (القياس) من (م). (4) سقطت «به» من (م). (5) في (م): وقرأه. (6) في (ط): الكسر. (7) سقطت عليه من (م). (8) وهو العبدي، والسّب: الثوب الرقيق انظر شرح المفصل لابن يعيش 1/ 124.

فعلى متعلّق بمحذوف، وعلى هذا قول الشاعر «1»: هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب فالهاء كناية عن المصدر، ودلّ يدرسه على الدرس، ولا يجوز أن يكون ضمير «2» القرآن لأنّ الفعل قد تعدّى إليه باللام، فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره، كما أنّك إذا قلت: أزيدا ضربته، لم تنصب زيدا بضربت لتعديه إلى ضميره «3». ومثل ذلك ما حكاه أبو الحسن من قراءة بعضهم: ولكل وجهة هو موليها [البقرة/ 148]، فاللام متعلّقة «4» بمولّ على هذه القراءة «5». والهاء كناية عن التولية، ودلّ عليه «6» قوله: مول فعلى هذا أيضا قراءة ابن عامر: فبهداهم اقتده قل: وقياسه: إذا وقف عليه أن يقول: اقتده فيسكن هاء الضمير، كما تقول: اشتره، في الوقف. وفي الوصل: اشترهي يا هذا، واشترهو «7» قبل.

_ (1) سبق في 2/ 241. (2) ضبطها في (م) بالضم، أي: ضمير. (3) في (ط): الضمير. (4) سبقت القراءة في 2/ 240. (5) في (ط): متعلق. (6) في (ط): عليها. (7) في (ط): أو اشترهو. الحجة ج 3 م/ 32

الانعام: 91

[الانعام: 91] اختلفوا في التّوحيد والجمع من قوله جلّ وعزّ: وأزواجهم وذرياتهم [غافر/ 8] في غير هذا الموضع. ولم يختلفوا في هذا الموضع [أنه بالجمع] «1». قد قلنا فيما تقدم في الذرية، وأنه يكون واحدا وجمعا، فيغني ذلك عن الإعادة هنا. فأما قوله «2»: أزواجهم* فواحدها زوج، وهو الأكثر «3»، ولغة التنزيل قال: اسكن أنت وزوجك الجنة [البقرة/ 35]، وإن هذا عدو لك ولزوجك [طه/ 117] وقد قالوا: زوجة، قال «4»: فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي [الانعام: 91] واختلفوا في التاء والياء من قوله جلّ وعزّ: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا [الأنعام/ 91]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يجعلونه قراطيس يبدونها، ويخفون كثيرا بالياء جميعا.

_ (1) ما بين معقوفين زيادة من السبعة ص 262 والملاحظ أن المصنف استشهد هنا بآية غافر، بدلا من آية الأنعام رقم 87: ومن آبائهم وذرياتهم التي يأتي ترتيبها في هذا المكان. (2) في (ط): قولهم. (3) في (ط): أكثر. (4) صدر بيت لعبدة بن الطبيب وعجزه: والطامعون إليّ ثم تصدّعوا انظر النوادر لأبي زيد/ 23 - الخصائص 3/ 295 والمفضليات/ 148.

وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ كلّ ذلك بالتاء «1». من قرأ بالياء فلأنّهم غيب، يدلّك على ذلك قوله: وما قدروا الله حق قدره، إذ قالوا، وقوله «2»: من أنزل الكتاب ... يجعلونه [الأنعام/ 91] فيحمله على الغيبة، لأنّ ما قبله كذلك أيضا. ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب، قل لهم: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا. ومعنى: تجعلونه قراطيس: تجعلونه ذوات «3» قراطيس أي: تودعونه إياها، وتخفون أي: تكتمونه كما قال: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى [البقرة/ 159]. وقوله تبدونها وتخفون كثيرا يحتمل موضعه ضربين: أحدهما: أن يكون صفة للقراطيس، لأن النكرة توصف بالجمل. والآخر: أن تجعله حالا من ضمير الكتاب في قوله: يجعلونه على أن تجعل الكتاب القراطيس في المعنى، لأنه مكتتب فيها. ويؤكد قراءة من قرأ بالتاء قوله: وعلمتم ما لم تعلموا أنتم [الأنعام/ 91]،

_ (1) السبعة: 263. (2) في (ط): «قل» بدل: «وقوله» وهي موهمة أنها من الآية نفسها وليست كذلك، بل المراد بها التفسير والتقدير. (3) في (ط): ذا قراطيس.

الانعام: 92

فجاء على الخطاب، وكذلك «1» يكون ما قبله من قوله: تجعلونه قراطيس تبدونها. [الانعام: 92] واختلفوا في الياء والتاء في قوله: ولتنذر أم القرى [الأنعام/ 92]. فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: ولينذر أم القرى بالياء. وقرأ الباقون: ولتنذر أم القرى بالتاء، وكذلك روى حفص عن عاصم بالتاء أيضا «2». وجه من قرأ «3» بالتاء قوله: إنما أنت منذر [الرعد/ 7]، وإنما أنت منذر من يخشاها [النازعات/ 45]، وو أنذر به الذين يخافون [الأنعام/ 51]. ومن قرأ بالياء جعل الكتاب هو المنذر، لأن فيه إنذارا، ألا ترى أنه قد خوّف به في نحو «4» قوله: هذا بلاغ للناس ولينذروا به [إبراهيم/ 52]. وو أنذر به الذين يخافون [الأنعام/ 51]. و: قل إنما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45]، فلا يمتنع أن يسند الإنذار إليه على الاتساع. [الانعام: 94] اختلفوا في رفع النّون ونصبها من قوله: عزّ وجل «5»:

_ (1) في (ط): فكذلك. (2) السبعة 262. (3) في ط: وجه قراءة من قرأ. (4) سقطت من (ط). (5) زيادة من (ط).

لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم. في رواية أبي بكر، وابن عامر وحمزة: لقد تقطع بينكم رفعا. وقرأ نافع والكسائيّ بينكم نصبا. وكذلك روى حفص عن عاصم بالنّصب أيضا «1». [قال أبو علي] «2»: البين مصدر بان يبين إذا فارق، قال «3»: بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما ظعنوا لبين تجزع وقال «4» أبو زيد: بان الحيّ بينونة وبينا: إذا ظعنوا، وتباينوا تباينا: إذا كانوا جمعا «5»، فتفرقوا. قال: والبين: ما ينتهي إليه بصرك من حائط وغيره «6». واستعمل هذا الاسم على ضربين: أحدهما أن يكون اسما متصرفا كالافتراق. والآخر: أن يكون ظرفا. فالمرفوع «7» في

_ (1) السبعة 263. (2) سقطت من (م). (3) البيت لجرير من قصيدة يهجو فيها الفرزدق. وقد ورد في الديوان برواية: «رفعوا» بدلا من «ظعنوا» انظر الديوان/ 340. (4) في (ط): قال. (5) في (ط): جميعا. (6) في (ط): أو غيره. (7) في (ط): والمرفوع.

قراءة من قرأ لقد تقطع بينكم هو «1» الذي كان ظرفا ثم استعمل اسما. والدليل على جواز كونه اسما قوله: ومن بيننا وبينك حجاب [فصلت/ 5]، و: هذا فراق بيني وبينك [الكهف/ 78]، فلما استعمل اسما في هذه المواضع. جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو تقطع* في قول من رفع. ويدلّ على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا أنّه لا يخلو من أن يكون الذي هو ظرف اتسع فيه، أو يكون الذي هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم، لأن التقدير يصير: لقد تقطّع افتراقكم. وهذا، مع بعده عن القصد، خلاف المعنى المراد، ألا ترى أنّ المراد: لقد تقطّع وصلكم وما كنتم تتألفون عليه. فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى «2» الوصل، وأصله الافتراق والتباين، وعلى هذا قالوا: بان الخليط «3» .... إذا فارق، وفي الحديث «4» «ما بان من الحيّ فهو ميتة». قيل: إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو:

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (م): المعنى. (3) انظر الصفحة السابقة. (4) رواية الحديث، في صحيح البخاري كتاب الذبائح/ 4: (إذا ضرب صيدا فبان منه يد أو رجل لا تأكل الذي بان، وتأكل سائره ... ). ورواه ابن ماجة في- كتاب الصيد برقم/ 3216. وأحمد في المسند 5/- 218 برواية- «ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة».

بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة على «1» خلاف الفرقة، فلهذا جاء: لقد تقطع بينكم بمعنى: لقد تقطّع وصلكم. ومثل بين في أنه يجري في الكلام ظرفا، ثم يستعمل اسما: «وسط» الساكن العين، ألا ترى أنّك تقول: جلست وسط القوم، فتجعله ظرفا، لا يكون إلّا كذلك، ثم استعملوه اسما في نحو قول القتّال «2»: من «3» وسط جمع بني قريط بعد ما ... هتفت ربيعة يا بني جوّاب وقال آخر «4»: أتته بمجلوم كأنّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا فجعله مبتدأ وأخبر عنه، كما جرّه الآخر «5» بالحرف الجارّ. وحكى سيبويه: هو أحمر بين العينين. فأمّا من قال: لقد تقطع بينكم بالنصب ففيه مذهبان:

_ (1) في (ط): وعلى. (2) هو القتال الكلابي وقريط: بطن من كلاب. والبيت في ديوانه ص 36 والخصائص 2/ 369 وقد سبق في 1/ 251. (3) في (ط): في. (4) البيت للفرزدق وقد سبق انظر 1/ 39 و 252. (5) في (ط): والآخر.

أحدهما: أنه أضمر الفاعل «1» في الفعل ودلّ عليه مما «2» تقدّم في «3» قوله: وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء [الأنعام/ 94]، ألا ترى أن هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر؟ وذلك أن «4» المضمر هو الوصل كأنّه قال: لقد تقطّع وصلكم بينكم. وقد حكى سيبويه: أنّهم قالوا: إذا كان غدا فائتني، فأضمر ما كانوا «5» فيه من بلاء أو رخاء، لدلالة الحال عليه، فصار «6» دلالة الحال عليه بمنزلة جري الذكر وتقدّمه. والمذهب الآخر: انتصاب البين في «7» قوله: لقد تقطع بينكم على شيء يقوله «8» أبو الحسن، وهو أنه يذهب إلى أن قوله: لقد تقطع بينكم إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع، فلمّا جرى في كلامهم منصوبا ظرفا، تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام وكذلك يقول في قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]، وكذلك يقول في قوله: وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك [الجن/ 11]، فدون في موضع

_ (1) في (ط): أضمر الاسم الفاعل. (2) في (ط): ما تقدم. (3) في (ط): من. (4) سقطت من (ط) (أن). (5) في (ط): ما كان كانوا. «وكأنه ضرب على كان». (6) في (ط): وصار. (7) في (ط): من. (8) في (ط): يراه.

الانعام: 96

رفع عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى أنك تقول: منا الصّالح ومنّا الطّالح فترفع. [الانعام: 96] اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [عز وجل] «1»: وجاعل الليل سكنا [الأنعام/ 96]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وجاعل الليل سكنا بألف. وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: وجعل الليل سكنا بغير ألف «2». وجه قول من قال: جاعل* أن قبله اسم فاعل: إن الله فالق الحب والنوى ... فالق الإصباح وجاعل، ليكون فاعل المعطوف مثل، فاعل المعطوف عليه، ألا ترى أنّ حكم الاسم أن يعطف على اسم مثله، لأن الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم. وقد رأيتهم راعوا هذه المشاكلة في كلامهم، وذلك نحو ما جاء في قوله: يدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31]، وقوله: وكلا ضربنا له الأمثال [الفرقان/ 39]، وفريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة [الأعراف/ 30]، نصبوا كلّ هذه الأسماء التي اشتغل عنها الفعل، ليكون القارئ بنصبها كالعاطف جملة من فعل

_ (1) سقطت من (م). (2) السبعة: ص 263.

وفاعل على جملة من فعل وفاعل، وكما أن الفعل بالفعل أشبه من المبتدأ بالفعل، كذلك الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم، وإذا كان كذلك كان جاعل الليل أولى من جعل، ويقوي ذلك قولهم «1»: للبس عباءة وتقرّ عيني «2» ... وقوله «3»: ولولا رجال من رزام أعزّة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما ومن قرأ: وجعل فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضيّ، فلما كان (فاعل) بمنزلة (فعل) في المعنى عطف عليه فعل لموافقته إياه «4» في المعنى، ويدلّك على أنه بمنزلة (فعل)

_ (1) صدر بيت منسوب لميسون بنت بحدل زوج معاوية عجزه: أحبّ إلي من لبس الشفوف انظر سيبويه 1/ 426 - المقتضب 2/ 27 المحتسب 1/ 326 أمالي ابن الشجري 1/ 280 - الخزانة 3/ 562 - 621 - وشرح أبيات المغني. الشاهد رقم/ 422/. (2) «تقر عيني» سقطت من (م). (3) البيت للحصين بن الحمام، والشاهد فيه نصب أسوءك بإضمار أن ليعطف اسم على اسم وهو رجال. وبعد البيت في المفضليات: لأقسمت لا تنفكّ مني محارب ... على آلة حدباء حتى تندّما انظر سيبويه 2/ 181 - المحتسب 1/ 326 - المفضليات 66 رقم المفضلية 12 العيني 4/ 411. (4) في (ط): له.

أنه نزل منزلته فيما عطف عليه، وهو قوله: والشمس والقمر حسبانا [الأنعام/ 96] ألا ترى أنه لما كان المعنى فعل، حمل المعطوف على ذلك، فنصب الشمس والقمر على فعل كما «1» كان فاعل كفعل. ويقوي ذلك قولهم: هذا معطي زيد درهما أمس. فالدرهم محمول على أعطى، لأن اسم الفاعل، إذا كان لما مضى، لم يعمل عمل الفعل، فإنما جعل معط بمنزلة أعطى فكذلك جعل: فالق الإصباح [الأنعام/ 96] بمنزلة فلق، لأنّ اسم الفاعل لما مضى، فعطف عليه فعل، لمّا كان بمنزلته فأما «2» قول الشاعر «3»: قعودا لدى الأبواب طلّاب حاجة ... عوان من الحاجات أو حاجة بكرا فليس يوافق «4» الآية لأنّ طلاب جمع اسم فاعل، الذي يراد به الحال، وإنّما حذف التنوين مستخفّا، وحمل حاجة على اسم الفاعل الذي للحال، واسم الفاعل في الآية لما مضى.

_ (1) في (ط): لما. (2) في (ط): وأما. (3) البيت للفرزدق من قصيدة قالها لما أراد زياد أن يخدعه ليقع في يده- انظر ديوانه 1/ 227، والمقتضب 4/ 152 وفيه قعود، وطلاب بالرفع. والشاهد في البيت عطف «حاجة بكرا» على محل «حاجة عوان». في الأضداد- لابن الأنباري ص 330: حاجة عوان: طلبت مرة بعد مرة، وأنشد البيت. (4) في (ط): بوفق.

الانعام: 98

[الانعام: 98] اختلفوا في كسر القاف وفتحها من قوله تعالى «1»: فمستقر [الأنعام/ 98]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فمستقر بكسر القاف. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ: فمستقر بفتح القاف «2». قال سيبويه: قالوا: قرّ في مكانه واستقرّ، كما قالوا: جلب الجرح وأجلب، يريد بهما «3» شيئا واحدا. فكما بني هذا على فعلت، بني هذا على استفعلت «4»، فمن كسر القاف كان المستقرّ بمعنى القارّ. وإذا كان كذلك وجب أن يكون خبره المضمر منكم، أي: منكم مستقرّ، كقولك: بعضكم مستقرّ، أي: مستقرّ في الأرحام، وقال: يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق [الزمر/ 6]، كما قال: وقد خلقكم أطوارا [نوح/ 14]. ومن فتح مستقر* «5» فليس «6» على أنه مفعول به. ألا ترى أنّ استقرّ لا يتعدى؟، وإذا لم يتعدّ لم يكن «7» منه اسم

_ (1) في (ط): عز وجل. (2) السبعة 263. (3) في (ط): بهما جميعا شيئا. (4) سيبويه 2/ 240 باب استفعلت. (5) سقطت من (ط) مستقر. (6) سقطت من (م) فليس. (7) في (ط): يبن.

مفعول به، وإذا لم يكن مفعولا به كان اسم مكان، فالمستقرّ بمنزلة المقرّ كما أن «1» المستقرّ بمنزلة القارّ، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون خبره المضمر منكم، كما جاز ذلك في قول من كسر القاف، فإذا لم يجز ذلك جعلت الخبر المضمر لكم، فيكون التقدير: لكم مقرّ. وأما «2» المستودع فإن استودع فعل يتعدى إلى مفعولين، تقول: استودعت زيدا «3»، وأودعت زيدا ألفا، فاستودع مثل أودع كما أن استجاب بمنزلة «4» أجاب والمستودع «5» يجوز أن يكون الإنسان الذي استودع ذلك المكان ويجوز أن يكون المكان نفسه، فمن قرأ: فمستقر بفتح القاف، جعل المستودع مكانا ليكون مثل المعطوف عليه، أي: فلكم مكان استقرار ومكان استيداع. ومن قرأ: فمستقر فالمعنى: منكم مستقرّ في الأرحام، ومنكم مستودع في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به فيكون مثل «6» المستقرّ في أنه اسم لغير المكان فعلى هذا يوجّه.

_ (1) في (ط): كان. (2) في (ط): فأما. (3) في (ط): زيدا ألفا. (4) في (ط): مثل. (5) في (ط): فالمستودع. (6) في (م): «ليكون مثل» بالوقع.

الانعام: 141، 99

[الانعام: 141، 99] واختلفوا في الثاء، والميم من قوله «1»: انظروا إلى ثمره [الأنعام/ 99]، ومن ثمره [الأنعام/ 141]، و «2» ليأكلوا من ثمره [يس/ 35]، في الفتح فيها والضم. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم بالفتح في ذلك «3» كلّه. وقرأ حمزة والكسائيّ بالضم في ذلك «4». وجه قول من فتح فقال: من ثمره: أن سيبويه «5» يرى: أن الثّمر جمع ثمرة، ونظيره «6» فيما قال: بقرة وبقر وشجرة وشجر، وجزرة وجزر، ويدل على أن واحد الثمر ثمرة قوله: ومن ثمرات النخيل والأعناب [النحل/ 67]، وقد كسّروه على فعال فقالوا ثمار، كما قالوا: أكمة وإكام، وجذبة وجذاب «7»، ورقبة ورقاب. وأما قول حمزة والكسائيّ: من ثمره*، فإنه يحتمل وجهين: الأبين أن يكون جمع ثمرة على ثمر، كما جمعوا «8»

_ (1) في (ط): قوله عز وجل. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): كلّ القرآن. وانتهى نقله عن السبعة ص 263 - 264 باختصار يسير. (5) انظر الكتاب 2/ 183. (6) في (ط): فنظيره. (7) الجذبة: جمارة النخل. (8) في (ط): جمع.

خشبة على خشب في قوله «1»: كأنهم خشب مسندة [المنافقون/ 4] وكذلك أكمه وأكم، في نحو قوله «2»: نحن الفوارس يوم ديسقة ال ... مغشو الكماة غوارب الأكم ونظيره من المعتل: ساحة وسوح، وقارة وقور، ولابة «3» ولوب، وناقة ونوق. قال أبو عمر «4»: أنشدنا الأصمعيّ لرجل من هذيل «5». وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرّت السوح والآخر أن يكون جمع ثمارا على ثمر فيكون: ثمر جمع الجمع، وجمعوه على فعل، كما جمعوه على فعائل في

_ (1) في (ط): قولهم. (2) وهو النابغة الجعدي. قوله: ديسقة: اسم موضع، وغارب كل شيء: أعلاه. انظر اللسان (دسق) وشعره/ 235/. (3) اللابة: الحرّة أو الأرض التي كسيت بحجارة سود. (4) في (ط): أبو عمرو. (5) هذا بيت ملفق من بيتين لأبي ذؤيب الهذلي وهما: وقال ماشيهم: سيان سيركم ... أو أن تقيموا به واغبرّت السّوح وكان مثلين ألا يسرحوا نعما ... حيث استرادت مواشيهم وتسريح انظر شرح السكري 1/ 122 - وقد سبق في 1/ 266.

قولهم: جمال «1» وجمائل قال «2»: وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما ... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر ولم أعلم سيبويه ذكر تكسيره على فعل، وإن كان قد حكى تكسيره على فعائل، ولا يمتنع في القياس، ألا ترى أن فعلا «3» جمع للكثير كما أن فعائل جمع له، وجمعوه بالألف والتّاء أيضا في قول من قرأ: كأنه جمالات صفر [المرسلات/ 33]. وأنشد بعض البغداديين «4»: أحبّ كلب في كلابات الناس ... إليّ نبحا كلب أمّ العبّاس فأما قول الشاعر «5»: كنّا بها إذ الحياة حيّ فليس حيّ بجمع حياة: كبدنة وبدن، وقارة وقور، إنما الحيّ مصدر كالعيّ، ولو كان جمعا على فعل لجاز في فائه

_ (1) في (ط): تكررت كلمة جمال. (2) البيت لذي الرمّة- وقد سبق. (3) في (م) فعل. (4) ورد هذا البيت في اللسان في مادة (كلب) دون أن ينسبه. (5) شطر بيت من الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 486 وروايته فيه: وقد نرى إذ الحياة حيّ. وبعده: وإذ زمان الناس دغفليّ. وانظر اللسان مادة/ حيا/.

الضمّ والكسر، كما قالوا: قرن ألوى، وقرون ليّ وليّ. قال: اختلفوا «1» في سورة الكهف، فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ، وكان له ثمر [الكهف/ 34]، وأحيط بثمره [الكهف/ 42] بضمتين. وقرأ أبو عمرو: بثمره بضمّة واحدة وأسكن الميم. وقرأ عاصم: وكان له ثمر، وأحيط بثمره، بفتح الثاء والميم فيهما «2». أمّا حمزة والكسائيّ فقراءتهما في ذلك كقراءتهما فيما تقدّم، وابن كثير ونافع وابن عامر أخذوا بذلك في هذا الموضع لأن اللفظتين جميعا للجمع، ألا ترى أن الثمر جمع كما كان «3» الثمر كذلك. ووافقهم أبو عمرو في الأخذ بالجمع الذي هو: فعل، إلّا أنه خفّف العين، كما خفف في بدنه وبدن، قال: والبدن جعلناها لكم [الحج/ 36] وكما قالوا: الأكم، في جمع أكمة في قوله «4»: ترى الأكم منه سجّدا للحوافر وعلى هذا قالوا: أسد وأسد. وقد فسّر الثّمر في سورة الكهف أنّه من تثمير المال.

_ (1) في (ط): واختلفوا. (2) السبعة 264. (3) في (ط): كما أن. (4) عجز بيت ورد في اللسان مادة (سجد) ولم ينسبه.

وروي عن مجاهد: وكان له ثمر قال: ذهب وورق. قال أبو علي: وكأنّ «1» الذهب والورق، قيل له ثمر على التفاؤل، لأن الثمر نماء في ذي الثمر، ولا يمتنع أن يكون الثّمر جمع ثمرة، كما قدّمنا، ويدلّ على ذلك أن عاصما قرأ: وكان له ثمر في الموضعين في الكهف. وكأنّ الثمر الذي هو الجنا أشبه في التفسير من الذهب والورق «2» لأنّه أشدّ مشاكلة بالمذكور معه. ألا ترى أنه قال: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل ... وفجرنا خلالهما نهرا، وكان له ثمر، فقال لصاحبه [الكهف/ 32، 34] فالثمر الذي «3» هو الجنا أشبه بالنخيل والأعناب، من الذهب والورق منهما «4» وأشدّ مشاكلة، ويقوّي ذلك قوله في الأخرى في وصف جنّة: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ... له فيها من كل الثمرات [البقرة/ 266]. فكما أنّ الثمرات في هذه لا تكون إلّا الجنا، كذلك في الأخرى يكون إياه. ويقوي أن الثمر ليس بالذهب والورق هنا قوله: وأحيط بثمره، والإحاطة به إهلاك له، واستئصال بالآفة التي حلت بها كما حلّت بالأخرى في قوله: فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت [البقرة/ 266]، وكما قال: فأصبحت كالصريم [القلم/ 20]

_ (1) في (م): وكان. (2) في (ط): والفضة. (3) الذي سقطت من (م). (4) في (ط): بهما.

أي: سوداء كسواد الليل بالاحتراق، ويقوي «1» ذلك قوله فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها [الكهف/ 42]، والإنفاق في الأمر العام إنّما يكون من الورق لا من الشجر. قال: وقرأ عاصم: وكان له ثمر وأحيط بثمره بفتح الثاء والميم فيهما لأنّ «2» ثمر* «3» جمع، كما أنّ ثمر كذلك. ويدلّك على أن الثّمر ونحوه جمع قوله: وينشئ السحاب الثقال [الرعد/ 12]، وقوله: كأنهم أعجاز نخل خاوية [الحاقة/ 7]. وإنما «4» جاء التأنيث لمعنى الجمع، كما جاء التذكير في نحو «5»: من الشجر الأخضر [يس/ 80]، وأعجاز نخل منقعر [القمر/ 20]، على تذكير اللفظ، وإن كان المعنى الجمع. وقد يجوز أن يكون ثمر* «6» جمع ثمر، لأن سيبويه قد حكى: ثمر، وجاز أن يكون ثمر جمع على ثمر كما جمع فعل على فعل وذلك قولهم: نمر ونمر قال «7»:

_ (1) في (م): يقوي. (2) في (ط): فهذا لأن. (3) في (ط): ثمرا. (4) في (ط): فإنما. (5) سقطت «نحو» من (م). (6) ضبطت في (ط) بفتحتين. (7) هذا البيت لحكيم بن معية الربعي يصف قناة نبتت في موضع محفوف بالجبال والشجر وقبله:

الانعام: 100

فيه «1» عياييل أسود ونمر والأول الوجه لأنه الأكثر كما رأيت. [الانعام: 100] اختلفوا في تشديد الراء وتخفيفها في «2» قوله تعالى «3»: وخرقوا له [الأنعام/ 100]. [فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: وخرقوا له بنين وبنات، خفيفة] «4». وقرأ «5» نافع وحده وخرقوا له مشددة الراء. [قال أبو علي: قال] «6» أبو عبيدة: وخرقوا له بنين وبنات أي: جعلوا له وأشركوه.

_ حفّت بأطواد جبال وسمر ... في أشب الغيطان ملتفّ الخطر وعياييل جمع عيّل وهو الذي يلتمس الشيء. انظر سيبويه 2/ 179 والمقتضب 2/ 203، وشرح المفصل: 10/ 92 وشرح شواهد الشافية 376 والعيني 4/ 586. واللسان مادة نمر وعيل*. (1) في (ط): فيها. (2) في (ط): من. (3) في (ط): عز وجل. (4) ما بين معقوفين لم يرد في (ط) بهذا التفصيل بل استبدله بقوله في آخر الكلام عن الحرف: «وقرأ الباقون: (وخرقوا خفيفة الراء». والمؤدّى واحد، وهو الموافق لما في السبعة 264. (5) في (ط): فقرأ. (6) سقطت العبارة من (ط).

الانعام: 105

اخترق واختلق، وابتشك سواء. وقال أحمد بن يحيى: خرّق واخترق. وقال أبو الحسن: الخفيفة أعجب إليّ، لأنها أكثر وبها أقرأ. وقيل: إن المعنى أن المشركين ادّعوا الملائكة: بنات الله «1»، والنّصارى: المسيح، واليهود: عزيرا. ومن شدّد، فكأنه ذهب إلى التكثير. [الانعام: 105] اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله عزّ وجلّ «2»: دارست [الأنعام/ 105]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دارست بألف. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ درست ساكنة السين بغير ألف. وقرأ ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء بغير ألف «3». قال أبو زيد: درست، أدرس، دراسة، وهي القراءة قال: وإنما يقال ذلك إذا قرأت على غيرك، قال «4» الأصمعي: أنشدني ابن ميادة «5»:

_ (1) سقطت من (م). (2) زيادة من (ط). (3) السبعة 264. (4) في (ط): وقال. (5) شطران من الرجز في شعره ص 179 ضمن أبيات وهما في السمط ص 656.

يكفيك من بعض ازديار الآفاق ... سمراء ممّا درس ابن مخراق قال: درس يدرس، مثل داس يدوس، وقال بعضهم: سمراء: ناقته، ودرسها: رياضتها «1»، قال: ودرس السورة من هذا. أي يدرسها لتخفّ على لسانه. وجه من قرأ: دارست. أي «2»: دارست أهل الكتاب وذاكرتهم، ويقوي ذلك «3»: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون [الفرقان/ 4]. فإن قيل: ليس في المصحف ألف، فإن الألف قد تحذف في المصحف في نحو هذا، ويقوي ذلك قوله: وقالوا أساطير «4» الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5]. ووجه درست في «5» حجّة هذه القراءة: أن أبيّا، وابن مسعود فيما زعموا قرآ درس «6» وأسندا «7» الفعل فيه إلى الغيبة، كما أسندا «8» إلى الخطاب وهو فعل، من: درست، كما أنّ دارست فاعلت منه.

_ (1) وقيل: السمراء: الحنطة، ودرس على هذا: داس- وازديار من الزيارة. انظر اللسان: مادة (سمر). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): ذلك قولهم. (4) رسمها في الأصل: «أساطير» والاستشهاد فيها على ما أثبتناه من المصحف. (5) في (م): فمن. (6) في (ط): وليقولوا درس. (7) في (ط): فأسندا. (8) في (ط): أسند.

الانعام: 109

وقراءة ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء فهو من الدّروس الذي هو: تعفّي الأثر، وامّحاء الرّسم «1». قال أبو عبيدة: درست: امّحت «2»، فأما اللام في قوله: وليقولوا درست فعلى ضربين: من قال: درست فالمعنى في: ليقولوا لكراهة أن يقولوا، ولأن لا يقولوا: درست. أي: فصّلت الآيات وأحكمت لئلا يقولوا إنّها أخبار وقد «3» تقدّمت وطال العهد بها، وباد من كان يعرفها، كما قالوا: أساطير الأولين [الفرقان/ 5]. لأنّ تلك الأخبار، لا تخلو من خلل، فإذا «4» سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن موضع طعن. وأما من قرأ: دارست، ودرست فاللام على قولهم كالتي في قوله «5»: ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]، ولم يلتقطوه لذلك، كما لم تفصّل الآيات ليقولوا: درست، ودارست ولكن لمّا قالوا ذلك أطلق هذا عليه «6» في الاتساع. [الانعام: 109] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ] «7»: وما يشعركم إنها [الأنعام/ 109]. فقرأ ابن كثير: وما يشعركم إنها مكسورة الألف، قرأ

_ (1) في (ط): الرسوم. (2) مجاز القرآن 1/ 203 وفيه: امتحنت. وهو تحريف. (3) في (ط): أخبار قد تقدمت. (4) في (ط): وإذا. (5) في (ط): قولهم. (6) سقطت من (ط). (7) سقطت من (ط).

أبو عمرو بالكسر أيضا، غير أنّ أبا عمرو كان يختلس حركة الراء من يشعركم. وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائيّ- وأحسب ابن عامر- أنها* بالفتح. وأما أبو بكر بن عياش: فقال يحيى عنه: لم نحفظ عن عاصم كيف قرأ: أفتحا أم كسرا «1»؟. وقال حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم إنها* مكسورة، أخبرني به موسى بن إسحاق «2» عن هارون بن حاتم عن حسين الجعفي بذلك. وحدثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام «3» محمد بن يزيد قال: سمعت أبا يوسف الأعشى: قرأها على أبي بكر: إنها* كسرا، [لا يؤمنون بالياء] «4». وكذلك روى داود الأودي أنه سمع عاصما يقرؤها إنها* كسرا «5». قال سيبويه: سألته: يعني الخليل «6» عن قوله عز وجل «7»: وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يحسن ذلك

_ (1) في (ط): فتحا أو كسرا. (2) في (ط): أيضا عن هارون. (3) في (م) هاشم والصواب ما في (ط) وقد سبقت ترجمته في أول هذا الجزء ص 5. (4) ما بين المعقوفتين سقط من (ط) ومن السبعة. (5) السبعة 265. (6) في (ط): سألت الخليل. (7) زيادة من (ط).

في هذا الموضع، إنما قال: وما يشعركم؟ ثم ابتدأ فأوجب فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما يشعركم أنها كان ذلك عنه «1» عذرا لهم، وأهل المدينة يقولون: أنها* فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلّك، فكأنه قال: لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون «2». قوله «3»: وما يشعركم ما* فيه استفهام، وفاعل يشعركم ضمير ما*، ولا يجوز أن يكون نفيا، لأن الفعل فيه يبقى بلا فاعل. فإن قلت: يكون نفيا ويكون فاعل يشعركم ضمير اسم الله تعالى «4»: قيل: ذلك لا يصحّ، لأن التقدير يصير: وما يشعركم الله انتفاء إيمانهم، وهذا لا يستقيم. ألا ترى أن الله تعالى «5» قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111]، فالمعنى: ما «6» يدريكم إيمانهم إذا جاءت، فحذف المفعول، وحذف المفعول كثير والتقدير: ما «7» يدريكم إيمانهم إذا

_ (1) سقطت من (ط). ومن سيبويه. (2) انظر سيبويه 1/ 462، 463. (3) وسقطت من (م). (4) في (ط): عز وجل. (5) في (ط): سبحانه. (6) في (ط): وما. (7) في (ط): وما.

جاءت: أي: هم لا يؤمنون، مع مجيء الآية إياهم. فأما يشعركم، فإنك تقول: شعرت بالشيء كما تقول: دريت به، وقال: دريته، فيجوز أن يكون شعرت مثله في أنه يتعدّى مرة بحرف، ومرّة بلا حرف كدريت، فمن عدّاه بالحرف جاز أن يكون أنّ في قول من لم يجعله بمعنى: لعلّ، في موضع جر، لأن الكلام لما طال صار كالبدل منه «1» وجاز أن يكون في موضع نصب. فأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: فالتقدير فيها: وما يشعركم إيمانهم. فحذف المفعول، أي: لو جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، ثم قال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون [الأنعام/ 109]، كما قال: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111] [أي: إلّا أن يشاء إجبارهم على الإيمان] «2». ولو فتح أنّ، وجعلها التي في نحو: بلغني أن زيدا منطلق، لكان عذرا لمن أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون، لأنه إذا قال القائل: إنّ زيدا لا يؤمن، فقلت: ما يدريك أنه لا يؤمن، فالمعنى أنه: يؤمن، وإذا كان كذلك كان عذرا لمن نفى الإيمان عنه. فأما وجه قراءة من فتح أنّ، فإن في فتحها تأويلين: أحدهما: أن يكون بمعنى لعلّ كقوله «3»:

_ (1) في (ط): منها. (2) سقط ما بين معقوفين من (ط). (3) البيت لأبي النجم وقد ورد شطره الثاني عند سيبويه 1/ 460 وفي

قلت لشيبان ادن من لقائه ... أنّا نغدّي القوم من شوائه أي: لعلنا. وقال آخر «1»: أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا وقال الفرزدق «2»: هل انتم عائجون بنا لأنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام «3»

_ الإنصاف 2/ 591 برواية: كما تغدّي الناس من شوائه. على أن كما هنا معناها لعل. (1) البيت سبق في 2/ 225 وانظر اللسان (أنف). (2) في (م): وقال آخر. (3) ديوان الفرزدق 835 مطلع قصيدة مدح بها هشام بن عبد الملك وهجا جريرا، وروايته فيه «لعنا» بدل «لأنا». وفي الإنصاف 224 ورواية صدره فيه: ألا يا صاحبي قفا لغنا قال ابن الأنباري: تلعبت العرب بهذه الكلمة فقالوا: لعلّ، ولعلن، ولعنّ- بالعين غير المعجمة- ولغن- بالغين معجمة- ورعنّ، وعن، وغن، ولغلّ، وغلّ. أهـ منه. ولم يورد فيها اللغة التي أوردها الفارسي، والتي هي من إبدال العين همزة. وانظر التصريح على التوضيح 1/ 192 وشرح شواهد الشافية 466، واللسان (لغن). وقد ورد البيت مفردا. برواية المصنف في ديوان جرير (ط الصاوي) ص 565 وفي اللسان (أنن) كذلك.

فالمعنى: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهذا ما «1» فسّره الخليل في قوله: ائت السوق أنّك تشتري لنا شيئا، أي: لعلّك، وقال عديّ بن زيد «2»: أعاذل ما يدريك أن منيّتي ... إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد وفسّر على «3»: لعل منيّتي. ويدل على صحة ذلك وجودته في المعنى: أنه قد جاء في التنزيل لعل بعد العلم، وذلك قوله: وما يدريك لعله يزكى [عبس/ 3]، وما يدريك لعل الساعة قريب [الشورى/ 17]، فكما جاء لعلّ بعد العلم، كذلك يكون «4» أنها إذا جاءت بمنزلة: لعلّها إذا جاءت. والتأويل الآخر لم يذهب إليه الخليل وسيبويه، وهو أن يكون أنّها في قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون أنّ الشديدة التي تقع بعد الأفعال التي هي عبارات عن ثبات الشيء وتقرّره نحو: علمت، وتبينت، وتيقنت، على أن تكون لا زائدة فيكون التقدير: وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون «5». والمعنى على هذا «6» أنها: لو «7» جاءت لم يؤمنوا. ومثل

_ (1) سقطت ما من ط. (2) انظر اللسان مادة/ أنن/. (3) سقطت «على من (ط). (4) في (ط): تكون. (5) في (م): لا يؤمنون، والوجه ما في (ط). (6) سقطت من (م). (7) في (م): «إذ» بدل: «لو».

لا هذه في أنها تكون في تأويل: زائدة، وفي أخرى: غير زائدة. قول الشاعر «1»: أبا جوده لا البخل واستعجلت به ... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله ينشد: أبا جوده لا البخل، ولا البخل، فمن نصب البخل جعلها زائدة، كأنه قال: أبا جوده البخل، ومن قال: لا البخل، أضاف «لا» إلى البخل «2». ومثل هذه الآية في أنّ لا فيها زائدة قوله: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء/ 95] فهذه تحتمل تأويلين: تكون لا في أحدهما زيادة «3»، وأنّ في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ الذي هو: حرام* والمعنى: وحرام على قرية أنهم لا يرجعون، أي: أنّهم يرجعون، والتقدير: وحرام على قرية مهلكة رجوعهم إلى أهلهم كما قال: فلا يستطيعون توصية، ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50]، فلا* على هذا التأويل زيادتها كزيادتها في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29]، وكزيادتها في قول الشاعر «4»:

_ (1) سبق في 1/ 69 وانظر معاني القرآن للأخفش، ص 294. (2) قال الأخفش: أراد أبى جوده «لا» التي هي للبخل، لأن «لا» قد تكون للجود والبخل، لأنه لو قال: امنع الحق، أو: لا تعط المساكين، فقال: لا، كان هذا جودا منه. (3) في (ط): زائدة. (4) سبق في 1/ 164.

الانعام: 109

أفعنك لا برق كأنّ وميضه ... غاب تسنّمه ضرام مثقب والوجه الآخر: أن تكون لا غير زائدة، ولكنها متصلة بأهلكنا، كأنه قال «1»: وحرام على قرية أهلكناها بأنّهم لا يرجعون، أي: أهلكناهم بالاصطلام والاستئصال بأنّهم «2» إنما لا يرجعون إلى أهليهم للاستئصال الواقع بهم والإبادة لهم. وخبر المبتدأ على هذا محذوف تقديره: وحرام على قرية أهلكناها بالاستئصال بقاؤهم أو حياتهم، ونحو ذلك، مما يكون في الكلام دلالة عليه، فهذه في أحد التأويلين مثل قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنت تريد به يؤمنون. [الانعام: 109] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: لا يؤمنون. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: لا يؤمنون بالياء. وروى حفص عن عاصم، وحسين الجعفي «4» عن أبي بكر عن عاصم بالياء أيضا. وقرأ ابن عامر وحمزة: لا تؤمنون بالتاء «5». وجه القراءة بالياء: أن قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها [الأنعام/ 109] إنّما يراد به قوم

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): لأنهم. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (م). (5) السبعة ص 265.

الانعام: 111

مخصوصون. يدلّك على ذلك قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى [الأنعام/ 111]، وليس كل الناس بهذا الوصف فالمعنى: وما يشعركم أيها المؤمنون، لعلّهم «1» إذا جاءت «2» الآية التي اقترحوها «3» لم يؤمنوا، قال: وجه «4» الياء في قوله: لا يؤمنون أنّ «5» المراد بمن نفى عنه الإيمان، هم الغيب المقسمون، والوجه على هذا: لا يؤمنون، أي: لا يؤمن هؤلاء الغيب المقسمون، وليس الخطاب للمؤمنين فيكون قوله: لا تؤمنون بالتاء. ووجه القراءة بالتاء: أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب، والمراد بالمخاطبين في يؤمنون هم الغيب المقسمون الذي أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون مثل قوله الحمد لله [الفاتحة/ 1]، ثم قال: إياك نعبد ونحو ذلك مما يصرف إلى الخطاب بعد الغيبة. [الانعام: 111] اختلفوا في ضمّ القاف وكسرها من قوله تعالى «6»: كل شيء قبلا [الأنعام/ 111]. فقرأ نافع وابن عامر: كل شيء قبلا، والعذاب قبلا [الكهف/ 55] بكسر القاف فيهما «7»، وفتح الباء.

_ (1) في (ط): لعله. (2) في (ط): جاءتهم. (3) في (ط): اقترحوا. (4) في (م): فالوجه. (5) في (م): يؤمنون لأن. (6) في (ط): عز وجل. (7) في (ط): منهما.

وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: كل شيء قبلا «1» والعذاب قبلا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كل شيء قبلا مضمومة القاف، والعذاب قبلا مكسورة القاف «2». قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانا قبلا، ومقابلة، وقبلا، وقبلا، وقبليّا، وقبيلا، وكلّه واحد وهو المواجهة «3»، فالمعنى في القراءتين على ما قاله أبو زيد واحد وإن اختلفت الألفاظ. وقال أبو عبيدة: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا جماعة قبيل أي: أصناف، أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] أي معاينة «4». فوجه قراءة نافع وابن عامر كل شيء قبلا والعذاب قبلا: أن المعنى: لو حشرنا عليهم كلّ شيء معاينة، أو أتاهم العذاب معاينة، لم يؤمنوا. كأنّهم من شدّة عنادهم وتركهم الإذعان، والانقياد للحق يشكّون في المشاهدات التي لا شكّ فيها. ومثل قوله: أو يأتيهم العذاب قبلا أي: معاينة، قوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم، قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم [الأحقاف/ 24]،

_ (1) في (ط): مضمومة القاف. (2) السبعة ص 265 - 266. (3) النوادر ص 569 - 570 (ط. الفاتح). (4) مجاز القرآن 1/ 204 والنقل عنه بتصرف.

وقوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم [الطور/ 44]. وقراءة عاصم. وحمزة، والكسائي: كل شيء قبلا، يحتمل ثلاثة أضرب: يجوز أن يكون قبلا جمع قبيل، الذي يعنى به الكفيل، ويجوز أن يكون جمع قبيل الذي يعنى به الصنف، كما فسّره أبو عبيدة، ويجوز أن يكون قبلا بمعنى قبل، كما فسّره أبو زيد. فليس بالسهل أن يحمل على القبيل الذي هو الكفيل لأنهم إذا لم يؤمنوا مع إنزال الملائكة إليهم، وأن يكلّمهم الموتى، مع أن ذلك «1» مما يبهر ظهوره، ويضطرّ مشاهدته، فأن لا يؤمنوا بالكفالة التي هي قول لا يبهر ولا يضطرّ، ويجوز أن لا يصدّق، أجدر. فإن قلت: إن موضع الآية الباهرة في قول من حمل قبلا على أنه جمع قبيل الذي هو الكفيل، هو حشر كلّ شيء. وفي الأشياء المحشورة ما ينطق وما لا ينطق، فإذا نطق بالكفالة من لا «2» ينطق، كان ذلك موضع بهر الآية فهو قول. وأمّا إذا حملت قوله: قبلا على أنّه جمع القبيل الذي هو الصنف، كما قال أبو عبيدة، فإنّ موضع إبانة الآية حشر جميع الأشياء جنسا جنسا، وجميع الأشياء ليس في العرف أن تجتمع

_ (1) في (ط): ذاك. (2) في (ط): ما لا ينطق.

وتنحشر إلى موضع، فموضع ما يبهر هو اجتماعها، مع أنّ ذلك ليس في العرف. وإن حملت قوله: قبلا على أنّه بمعنى، قبل، أي: مواجهة، كما فسره أبو زيد، فإن قبلا حال من المفعول به، والمعنى: حشرناه مواجهة ومعاينة، وهو في المعنى كقراءة نافع وابن عامر قبلا*: معاينة. فأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] فمعناه: مواجهة، ولا يجوز أن يكون القبيل الذي يراد به الكفيل، ولا يمتنع أن يكون جمع قبيل الذي هو الصنف، فيكون المعنى: أو يأتيهم العذاب صنفا صنفا، فمما «1» جاء القبل فيه بمعنى المقابلة قوله: إن كان قميصه قد من قبل [يوسف/ 26] ألا ترى أنه قد قوبل به قوله: قد من دبر [يوسف/ 27]. فأما قوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [الإسراء/ 92] فلا يخلو من أن يكون بمعنى الكفيل، أو يكون معناه معاينة، كما حكاه أبو زيد. فإذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدرا كالنذير والنكير، وهو في موضع حال من المفعول به، ولو أراد به الكفيل لكان خليقا أن يجمع على: فعلاء كما قالوا: كفلاء، لأنّه في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء. ويدلّ على أن المراد بالقبيل: المعاينة لا الكفيل قوله: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا

_ (1) في (ط): ومما.

الانعام: 114

[الفرقان/ 21] وكما اقترح ذلك غيرهم في قوله: أرنا الله جهرة [البقرة/ 55]. وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا «1» [الأنعام/ 111]. فعلى الأضرب الثلاثة التي مضى ذكرها. وقراءتهما: العذاب قبلا [الكهف/ 55]، فعلى المعاينة كما قال أبو زيد وأبو عبيدة. [الانعام: 114] وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: إنه منزل من ربك [الأنعام/ 114] مشدّدة الزاي، وخفّفها الباقون، وأبو بكر عن عاصم أيضا «2». حجّة التشديد: تنزيل الكتاب من الله [الجاثية/ 2]، وحجة التخفيف: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم [النحل/ 64] و: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه [النساء/ 166]. [الانعام: 115] اختلفوا في التوحيد والجمع في قوله «3»: وتمت كلمات ربك [الأنعام/ 115]، في أربعة مواضع: فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وتمت كلمات ربك جماعا، وفي يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين [33 - 96]، وفي حم* المؤمن [6] كلمة ربك*. على واحدة.

_ (1) قوله: ما كانوا ليؤمنوا سقط من (م). (2) السبعة 266. (3) في (ط) من قوله عز وجل.

وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع الأربعة كلّها كلمات* جماعة. وقرأهنّ عاصم وحمزة والكسائيّ بالتوحيد كلمة*، ولم يختلفوا في غير هذه المواضع الأربعة «1». الكلمة والكلمات- والله أعلم- ما جاء من «2» وعد، ووعيد، وثواب، وعقاب، فلا تبديل فيه ولا تغيير له، كما قال: ما يبدل القول لدي [ق/ 29]، وقال: لا مبدل لكلماته [الكهف/ 27]. فكأنّ «3» التقدير، وتمّت ذوات الكلمات، ولا يجوز أن يعنى بالكلمات الشرائع هنا، كما عني بقوله: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة/ 124]، وقوله: وصدقت بكلمات ربها [التحريم/ 12]، لأنه قد قال: لا مبدل لكلماته، والشرائع يجوز فيها النسخ والتبديل. وصدقا، وعدلا مصدران ينتصبان على الحال من الكلمة، تقدير ذلك: صادقة وعادلة، وقد قدّمنا شيئا من القول فيما تقدم من هذا الكتاب. ووجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وتمت كلمات ربك جماعا، وفي سورة يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين، وفي حم* «4» المؤمن: حقت كلمة ربك على

_ (1) السبعة 266. (2) في ط: في. (3) في (م): وكان. (4) سقطت من (م).

واحد. وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع كلّها: كلمات* جماعة. وجه جميع «1» ذلك: أنّه لما كان جمعا كان في المعنى جمعا. ووجه الإفراد أنهم قد قالوا: الكلمة، يعنون «2» الكثرة كقولهم: قال زهير في كلمته، يعني: قصيدته، وقال قسّ في كلمته، يعني: خطبته، فقد وقع المفرد على الكثرة، فلما كان كذلك أغنى عن الجمع، وممّا جاء على ذلك قوله: وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف/ 137]، فإنما هو، والله أعلم، قوله: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ... إلى آخر الآية [القصص/ 5]. فسمي هذا القصص كلّه كلمة. وقال مجاهد [في قوله] «3»: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها [الفتح/ 26]، قال: لا إله إلّا الله. فإذا وقعت الكلمة على الكثرة، جاز أن يستغنى بها عن لفظ الجميع «4»، وجاز أن يجمع على المعنى من حيث كان في المعنى جمعا. وأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتوحيد «5»، فهو على ما ذكرنا من أنّ الكلمة قد جاءت يراد بها الكثرة والجمع،

_ (1) في (ط): جمع. (2) في (م) يعني. (3) سقطت من (م). (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): بالتوحيد كله فهو ...

الانعام: 119

ويؤكد ذلك أمر آخر وهو أن المضاف قد يقع على الكثرة في نحو قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34]. [الانعام: 119] اختلفوا في ضمّ الفاء والحاء من قوله عز وجل «1»: وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ونصبهما. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: وقد فصل لكم ما حرم عليكم. مرفوعتان جميعا. وقرأ نافع، وعاصم في رواية حفص: وقد فصل لكم ما حرم عليكم بنصبهما جميعا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: وقد فصل بفتح الفاء، ما حرم عليكم بضم الحاء «2». حجة من ضمّ الحاء من حرم* و [الفاء من] «3» فصل* قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [المائدة/ 3]: فهذا تفصيل هذا العام المجمل بقوله: حرم* فكما أن الاتفاق هاهنا على حرمت .. الميتة كذلك يكون الذي أجمل فيه في قوله: وقد حرم عليكم على ما فصّل «4»، وكما وجب حرم بضم الحاء لقوله: حرمت عليكم الميتة، كذلك ضمّ فصل* لأنّ هذا المفصّل هو ذلك المحرّم الذي قد أجمل في هذه الآية ذكره. وقال: وهو الذي أنزل إليكم الكتاب

_ (1) سقطت من (م). (2) السبعة 267. (3) سقط ما بين معقوفين من (ط) وفيها حرّم وفصّل. (4) عبارة (ط): في قوله: وقد فصل لكم ما حرم عليكم.

مفصلا [الأنعام/ 114]؛ فمفصلا يدل على فصّل. وحجة نافع وعاصم في إحدى الروايتين عنه في: فصل لكم ما حرم عليكم قوله: قد فصلنا الآيات [الأنعام/ 97] وحجّتهما في حرم* قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم [الأنعام/ 151]، الذين يشهدون أن الله حرم هذا [الأنعام/ 150]. ويدلّ على الفتح قوله: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ينبغي أن يكون الفعل مبنيا للفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى «1». ووجه قراءة عاصم في إحدى الروايتين وحمزة والكسائيّ وقد فصل لكم ما حرم بضم الحاء وفتح الفاء قوله: قد فصلنا الآيات. ووجه حرم* قوله: حرمت عليكم الميتة [المائدة/ 3]، وهو تفصيل المحرّم في قوله «2»: ما حرم عليكم* ومعنى وقد فصل لكم ما حرم عليكم هو ما فصّله في قوله: حرمت عليكم الميتة والدم الآية ... [المائدة/ 3] ومعنى إلا ما اضطررتم إليه [الأنعام/ 119]. إلّا «3» ما أباحه عند الضرورة من الميتة وغيرها من المحرّمات بقوله: فمن اضطر غير باغ ولا عاد [البقرة/ 173]، وقوله: فمن اضطر

_ (1) في (ط): عزّ وجلّ. (2) في (ط): بقوله. (3) سقطت من (م).

الانعام: 199

في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور رحيم [المائدة/ 3]. [الانعام: 199] اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها «1» في قوله [جلّ وعزّ] «2»: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119] في ستة مواضع. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضلون، هاهنا. وفي يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك وفي سورة إبراهيم [30]: أندادا ليضلوا وفي سورة الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، وفي لقمان [6]: ليضل عن سبيل الله بغير علم، وفي الزّمر [8] أندادا ليضل عن سبيله بفتح الياء في هذه المواضع الستة. وقرأ نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم بغير علم وفي يونس ربنا ليضلوا بفتح الياء فيهما، وفي الأربعة التي بعد هذين الموضعين يضمان الياء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في الستة المواضع بضم الياء «3». قال أبو زيد: أبرمت الرّجل إبراما، وأضللته إضلالا حتى برم برما وضلّ ضلالة. قال: وتقول: ضللت الطريق، والدّار أضلّها ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والصبيّ إضلالا، وكذلك كلّ ما ضلّ عنك فذهب.

_ (1) في (ط): «من» بدل «في». (2) سقطت من (ط). (3) السبعة 267.

وإذا كان الحيوان مقيما فأخطأت مكانه، فهو بمنزلة ما لا يبرح. مثل الدار والطريق؛ فهو كقولك: ضللت ضلالة. وقال أبو عبيدة «1» في قوله: فإنما يضل عليها [يونس/ 108]؛ فإنما ضلاله لنفسه وهداه لنفسه «2». وقال «3» أبو عبيدة «4» في قوله: أن تضل إحداهما [البقرة/ 282] أي: تنسى «5»، يقال: ضللت أي: نسيت قال: فعلتها إذا وأنا من الضالين [الشعراء/ 20] أي: نسيت، وضللت وجه الأمر. وقال أبو الحسن «6» في قوله: في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [طه/ 52] تقديره: ولا يضلّ عن ربي، ففاعل يضل* على تقدير أبي الحسن (كتاب) «7» المتقدم ذكره، وكان الأصل: لا يضلّ عن ربّي، لأن الضلال يتعدى «8» بعن، يدلّك على ذلك قوله: وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]. فلما حذف عن، وصل الفعل إلى المفعول به.

_ (1) مجاز القرآن 1/ 284. (2) في (ط): لها. (3) في (ط): قال. (4) سقطت من (ط). (5) مجاز القرآن 1/ 83. (6) هو سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط. ولم يرد النقل في معاني القرآن المطبوع. (7) في (ط): الكتاب. (8) عبارة (ط): لأن الضلالة تتعدى.

قال أبو علي: يقال «1»: ضلّ زيد عن قصد الطريق، وأضلّه غيره عنه، وقال «2»: ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]، وقال: أضل أعمالهم [محمد/ 1]، فهذا كقوله: فأحبط الله أعمالهم [الأحزاب/ 19] وكقوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ... إلى قوله لم يجده شيئا [النور/ 39]، وكقوله: لا يقدرون على شىء مما كسبوا [البقرة/ 264] أي: على جزاء شيء مما كسبوا من الخير لبطوله بالإحباط. وقال: أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا [غافر/ 74]، فهذا في الآلهة التي كانوا يعبدونها كقوله: فزيلنا بينهم [يونس/ 28]، فزيّلنا «3»: إنما هو فعّلنا من زال يزيل. وقولهم: زلته فلم ينزل، وفي غير الآلهة قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]. وقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون [الروم/ 14]. وأما «4» قراءة ابن كثير وأبي عمرو وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم [الأنعام/ 119] أي: يضلّون باتّباع أهوائهم، كما قال: واتبع هواه [الأعراف/ 176]. أي: يضلّون في أنفسهم

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): قال. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): فأما.

من غير أن يضلّوا غيرهم من أتباعهم بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه، وغير ذلك مما «1» يتبعونه، ويأخذون به ممّا لا شيء يوجبه من شرع ولا عقل؛ نحو السائبة والبحيرة، وغير ذلك ممّا كان يفعله أهل الجاهلية. وأما قراءتهما في سورة «2» يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك، فالذي قاله «3» أبو الحسن أن اللام في ليضلوا* إنما هو لما يؤول إليه الأمر؛ فالمعنى إنك آتيت فرعون وملأه زينة ليضلّوا عن سبيلك، فلا يؤمنوا، فقوله: فلا يؤمنوا [يونس/ 88] عطف على النصب الحادث مع اللام في ليضلوا* وما بين ذلك من قوله: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم [يونس/ 88]، اعتراض بين (آتيت) وما يتّصل به، كما كان قوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] كذلك. وهذا الضّرب من الاعتراض كثير، وقد جاء بين الصّلة والموصول في قوله: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27]. فالمعنى: ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة فضلّوا، كما أن معنى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]. أي: فكان كذلك، فالفتح في قوله: ليضلوا* أحسن لهذا المعنى، لأنهم هم ضلّوا وطغوا لما أوتوه من الزينة والأموال.

_ (1) في (م): ما. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): يراه.

وقراءتهما في إبراهيم [10]: وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله أي لم ينتفعوا بما اتخذوا من الأنداد، إلّا ليزيغوا عن الطريق المستقيم الذي نصبت الأدلة عليه، فقوله: ليضلوا* فتح الياء فيه حسن «1» لذلك. وقوله في الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، أي: يجادل في الله بغير علم مستكبرا ثاني عطفه، ولاويا عنقه، ليضلّ عن سبيل الله، ويذهب عنه، لا أنّ له على ذلك حجّة أو لديه فيه بيان «2». ومثل ذلك في هذا المعنى إذا فريق منهم بربهم يشركون، ليكفروا [الروم/ 33] فيمن جعل اللام الجارّة، أي: أشركوا ليكفروا بما بيناه لهم، لا لأن لهم على ذلك حجّة ولا بيانا. وفي لقمان [6]: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، أي: يذهب عنه، وقيل في لهو الحديث: أنه سماع الغناء، روينا ذلك عن الكندي عن المؤمّل عن ابن عليّة عن ليث عن مجاهد. وفي الزّمر [8]: وجعل لله أندادا، ليضل عن سبيله وقد «3» تقدم القول فيه. قال: وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في المواضع الستة بضم الياء. ومن حجة من ضمّ الياء في هذه المواضع أنه يدلّ

_ (1) في (ط): أحسن. (2) في (ط): بيانا. (3) في (م): قد بإسقاط الواو.

على أنّ الموصوف بذلك يكون في الضلال أذهب، ومن الهدى أبعد، ألا ترى أن كلّ مضلّ ضالّ، وليس كلّ ضالّ مضلا، لأن الضالّ قد يكون ضلاله مقصورا عليه «1» نفسه لا يتعداه إلى سواه، والمضلّ «2» أكثر استحقاقا للذم، وأغلظ حالا من الضال، لتحمّله إثم من أضلّه، كما قال: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [النحل/ 25]. وقوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13]. والمواضع التي فتح فيها الياء من فتح، يسوغ فيها تقدير الإضلال ويستقيم. فقوله: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119]. على تقدير: ليضلّون أشياعهم؛ فحذف المفعول به، وحذف المفعول به كثير. ويقوي ذلك قوله: وما أضلنا إلا المجرمون [الشعراء/ 99] وقال: ربنا هؤلاء أضلونا [الأعراف/ 38]، وكذلك في يونس [88] ربنا ليضلوا عن سبيلك أي: ليضلّوا أشياعهم، ألا ترى أن «3» في قصّتهم وأضلهم السامري [طه/ 85]، وكذلك أندادا ليضلوا [إبراهيم/ 30] أي ليضلّوا أشياعهم، وكذلك في المواضع الأخر، هذا التقدير سائغ «4» فيها، وغير ممتنع من هذا التقدير. فأما قراءة نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم

_ (1) في (ط): على. (2) في (ط): فالمضل. (3) سقطت من (ط). (4) عبارة (م): وكذلك هذا التقدير في الموضع الآخر، هذا التقدير سائغ.

الانعام: 122

[الأنعام/ 119]، وفي يونس: ربنا ليضلوا عن سبيلك فحجتهما في فتح الياء حجة ابن كثير وأبي عمرو وقد تقدم القول فيه. وحجتهما في الأربعة المواضع: حجة عاصم وحمزة والكسائي. [الانعام: 122] قرأ نافع وحده أو من كان ميتا مشدّدة. [الأنعام/ 122]. وقرأ الباقون: ميتا بالتخفيف «1». أبو عبيدة الميتة* مخففة، وهو تخفيف: ميّتة، بالتشديد «2» ومعناهما واحد ثقّل أو خفّف «3» قال ابن الرّعلاء الغساني: ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء إنّما الميت من يعيش كئيبا ... كاسفا باله، قليل الرّجاء «4» وقد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون [النحل/ 21]، وكذلك قوله: أومن كان ميتا فأحييناه أي: صادفناه حيّا بالإسلام من بعد الكفر، كالكافر المصرّ على كفره!؟.

_ (1) السبعة 269. (2) بالتشديد زيادة من (ط). (3) في (ط): ثقّل أو خفّف، وفي مجاز القرآن: ثقلت أو خففت. (4) سبق الأول في ص 27 من هذا الجزء. قال أبو عبيدة: واسم ابن الرعلاء: كوتي. والكؤتي والكوتي يهمز ولا يهمز، والكوتي من الخيل

الانعام: 125

فأما «1» قوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس [الأنعام/ 122]، فيحتمل أمرين: أحدهما أن يراد به النور المذكور في قوله: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [الحديد/ 12]، وقوله يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم [الحديد/ 13]، ويجوز أن يراد بالنور: الحكمة التي يؤتاها المسلم بإسلامه، لأنه إذا جعل الكافر لكفره في الظلمات، فالمؤمن بخلافه. والتخفيف مثل التشديد، والمحذوف من الياءين الثانية المنقلبة عن الواو «2»، وأعلّت «3» بالحذف كما أعلّت بالقلب. [الانعام: 125] اختلفوا في تشديد الياء وتخفيفها «4» من قوله عز وجل «5»: ضيقا [الأنعام/ 125]. فقرأ ابن كثير وحده: ضيقا* ساكنة الياء، وفي الفرقان [13] مكانا ضيقا خفيفتين «6». وقرأ الباقون التي في سورة الأنعام: ضيقا مشدّدة.

_ والحمير القصار، قال: فلا أدري أيكون في الناس أم لا؟ ولا أدري الرعلاء أبوه أو أمه. انظر مجاز القرآن 1/ 148، 149. (1) في (ط): وأما. (2) وأصلها: ميوت. (3) في (ط): أعلّت. (4) في (ط): والتخفيف. (5) سقطت من (م). (6) في (م): خفيفتان.

الانعام: 125

وكذلك روى حجّاج بن محمد الأعور عن عقبة بن سنان عن أبي عمرو ضيقا* خفيفا. أخبرني بذلك أبو بكر «1» محمد بن عبد الله المقري، قال: حدثنا عبد الرزّاق بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن جبير مقرئ أنطاكيّة، قال: حدثنا حجّاج الأعور، عن عقبة، عن أبي عمرو أنّه قرأ: ضيقا* خفيفا «2». الضّيق والضّيّق: مثل: الميت والميّت، في أن المحذوف مثل المتمّ في المعنى، والياء مثل الواو في الحذف، وإن لم يعتلّ بالقلب، كما اعتلّت الواو به، وأتبعت «3» الياء الواو في هذا كما أتبعتها في قولهم: اتّسر. قالوا في اتسار الجزور: اتّسروها، فجعلت بمنزلة اتعد. [الانعام: 125] واختلفوا «4» في فتح الراء وكسرها من قوله عزّ وجلّ «5»: حرجا [الأنعام/ 125]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: حرجا مفتوحة الراء. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: حرجا* مكسورة الراء.

_ (1) سقطت من (م). (2) السبعة 268. (3) في (ط): اتبعت. (4) في (ط): اختلفوا. وجاء على هامش (ط) كلمة: (بلغت). (5) سقطت من (م).

الانعام: 125

وروى حفص عن عاصم حرجا مثل أبي عمرو «1». قال أبو زيد: حرج عليه السحور، يحرج حرجا: إذا أصبح قبل أن يتسحّر، وحرم عليه حرما، وهما واحد، وحرمت على المرأة الصلاة تحرم حرما، وحرجت عليها الصلاة تحرج حرجا، وهما واحد. وقال أبو زيد: حرج فلان يحرج حرجا، إذا هاب أن يتقدم على الأمر، أو قاتل فصبر وهو كاره. من فتح الراء كان وصفا بالمصدر، مثل: قمن وحرى «2»، ودنف، ونحو ذلك من المصادر التي يوصف بها، ولا يكون «3» كبطل، لأن اسم الفاعل في الأمر العامّ من فعل إنما يجيء على فعل. ومن قرأ: حرجا* فهو مثل دنف، وفرق، ومعنى الكلمة فيما فسّر أبو زيد: الضّيق والكراهة. [الانعام: 125] واختلفوا في تشديد العين وتخفيفها، وإدخال الألف وإخراجها من قوله عزّ وجلّ: كأنما يصعد في السماء [الأنعام/ 125]. فقرأ ابن كثير وحده: كأنما يصعد في السماء. ساكنة الصاد بغير ألف خفيفة.

_ (1) السبعة ص 268. (2) قمن: بفتح الميم، يقال: أنت قمن أن تفعل كذا، أي خليق وجدير لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنق، فإن كسرت الميم أو قلت: قمين، ثنيت وجمعت. ومثلها حرى. (3) في (ط): تكون. الحجة ج 3 م/ 26.

وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: يصعد مشدّدة العين بغير ألف. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: يصاعد بألف مشدّدة الصاد. وروى حفص عن عاصم مشدّدة بغير ألف يصعد مثل حمزة «1». قراءة ابن كثير يصعد في السماء من الصعود، والمعنى أنه في نفوره من «2» الإسلام وثقله عليه بمنزلة من تكلّف «3» ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يستطاع. ومن قال: يصّعّد أراد: يتصعّد، فأدغم، ومعنى يتصعّد: أنه كأنه يتكلف ما يثقل عليه وكأنه «4» يتكلف شيئا بعد شيء، كقولهم «5»: يتفوّق ويتجرّع ونحو ذلك مما يتعاطى فيه الفعل شيئا بعد شيء، ويصّاعد مثل: يتصعّد في المعنى مثل: ضاعف وضعّف وناعم ونعّم. فإن قلت: هل يجوز أن يكون فاعل يشرح صدره الضمير، العائد إلى من* كأنّ المهديّ «6» يشرح صدر نفسه؟

_ (1) السبعة 269. (2) في (ط): عن. (3) في (ط): يكلّف. (4) في (ط): فكأنه. (5) في (ط): كقوله. (6) في (ط): المهتدي.

فإن ذلك صحيح في المعنى، والأشبه أن يكون الضمير الذي فيه عائدا «1» إلى اسم الله عزّ وجلّ «2» لقوله: أفمن شرح الله صدره للإسلام [الزمر/ 22]، وقوله: ألم نشرح لك صدرك [الانشراح/ 1] وكذلك يكون الضمير الذي في قوله يشرح صدره لاسم الله تعالى «3»، والمعنى أنّ الفعل مسند إلى اسم الله تعالى «3» في اللفظ، وفي المعنى: للمنشرح «5» صدره، وإنّما نسبه إلى ضمير اسم الله لأنّه بقوته كان وتوفيقه كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17]، ويدلّك على أن المعنى لفاعل الإيمان إسناد هذا الفعل إلى الكافر في قوله: ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله [النحل/ 106]، فكما أسند الفعل إلى فاعل الكفر كذلك يكون إسناده في المعنى إلى فاعل «6» الإيمان. ومعنى شرح الصدر: اتساعه للإيمان أو الكفر وانقياده له، وسهولته عليه، يدلّك على ذلك وصف خلاف المؤمن بخلاف الشرح الذي «7» هو اتساع وهو قوله: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا [الأنعام/ 125] كأنما يفعل ما يعجز عنه، ولا يستطيعه لثقله عليه وتكاؤده له. فأما قوله: كأنما يصاعد في السماء: فمن قال: يصّاعد

_ (1) في (م): عائد. (2) سقطت من (م). (3) سقطت من (ط). (5) في (م) المنشرح. (6) في (ط): الفاعل الإيمان. (7) في (ط): والذي.

ويصّعّد، فهو من المشقّة وصعوبة الشيء ومن «1» ذلك قوله: يسلكه عذابا صعدا [الجن/ 17]. وقوله: سأرهقه صعودا [المدثر/ 17]. أي: سأغشّيه عذابا صعودا، أي عقوبة «2» صعودا أي: شاقا. ومن ذلك قول عمر «3»: «ما تصعّدني شيء كما تصعّدتني «4» خطبة النكاح»، أي: ما شق عليّ شيء «5» مشقّتها، وكأنّ «6» ذلك لما يتكلفه الخطيب في مدحه وإطرائه للمملك، وربما لم يكن كذلك، فتحتاج إلى تطلّب المخلص، فلذلك شقّ «7». ومن ذلك «8» قول الشاعر «9»: وإن سيادة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلبها شديد فكأنّ معنى يصعد ... يتكلّف «10» مشقة في ارتقاء

_ (1) في (ط): من. (2) في (ط): وعقوبة. (3) انظر- النهاية لابن الأثير 3/ 30 واللسان (صعد). (4) في (ط): تصعدني. (5) سقطت من (م). (6) في (م): وكان. (7) في (ط): يشق. (8) في (ط): ومنه. (9) رواية اللسان (صعد) لهذا البيت هي: وإن سياسة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلعها طويل ولم ينسبه. (10) في (م): تصعّد: تتكلف ..

صعدا «1»، وعلى هذا قالوا: عقبة عنوت وعنتوت «2»، وعقبة كئود، ولا تكون السماء في هذا القول المظلّة للأرض، ولكن كما قال سيبويه: القيدود: الطويل في غير سماء، يريد به «3» في غير ارتفاع صعدا «4»، وعلى هذا قوله: قد نرى تقلب وجهك في السماء [البقرة/ 144]. فأما قوله: يجعل صدره ضيقا حرجا فعلى تأويلين: أحدهما: التسمية في قوله «5»: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف/ 19]، أي: سمّوهم بذلك، فكذلك «6» يسمى القلب ضيّقا بمحاولة الإيمان وحرجا عنه. والآخر: الحكم كقولهم: اجعل البصرة بغداد، وجعلت حسني قبيحا، أي: حكمت بذلك، ولا يكون هذا من الجعل الذي يراد به الخلق، ولا الذي يراد به «7» الإلقاء كقولك: جعلت متاعك بعضه «8» على بعض، وقوله: .. ويجعل الخبيث بعضه على بعض [الأنفال/ 37].

_ (1) في (م): صعداء. (2) معناها: العقبة الشاقة والصعبة (انظر اللسان عنت). (3) سقطت من (ط). (4) في (م): صعداء. (5) في (ط): كقوله. (6) في (ط): وكذلك. (7) سقطت من (ط). (8) ضبطت في (م) بضم الضاد.

الانعام: 128

[الانعام: 128] [قوله: ويوم بحشرهم [الأنعام/ 128]. حفص عن عاصم ويوم يحشرهم بالياء. وقرأ الباقون بالنون «1». أما الياء فلقوله: لهم دار السلام عند ربهم [الأنعام/ 127]، ويوم يحشرهم، والنون كالياء في المعنى، والذي يتعلق به اليوم: هو القول المضمر. ويقوي النون قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47]، وقوله: ونحشره يوم القيامة أعمى [طه/ 124]. [الانعام: 135] اختلفوا في: الجمع والتوحيد في «2» قوله تعالى «3»: على مكانتكم [الأنعام/ 135]. فقرأ الجميع: على «4» مكانتكم على الواحد، واختلف عن عاصم؛ فروى أبو بكر علي مكاناتكم جماع في كلّ القرآن. وروى حفص عن عاصم، وشيبان النحوي عن عاصم: مكانتكم واحدة في كلّ القرآن. حدثني موسى بن إسحاق قال: حدّثنا هارون بن حاتم قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن عاصم أنه قرأ: على مكانتكم واحدة، وكذلك قرأ الباقون على التوحيد أيضا «5».

_ (1) السبعة 269 وما بين معقوفين منه. (2) في (ط): من. (3) في (ط): عزّ وجلّ. (4) سقطت من (م). (5) السبعة ص 269.

قال أبو زيد: يقال «1»: رجل مكين عند السلطان من قوم مكناء «2»، وقد مكن مكانة، وقال أبو عبيدة: على مكانتكم، أي: على حيالكم [وناحيتكم] «3»، وما جاء في التنزيل من قوله: إنك اليوم لدينا مكين أمين [يوسف/ 54]، وقوله: مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم [الأنعام/ 6]؛ يدلّ «4» على أن المكانة: المنزلة والتّمكّن، كأنه: اعملوا على قدر منزلتكم، وتمكّنكم من «5» دنياكم، فإنّكم لن تضرّونا بذلك شيئا، كما قال: لن يضروكم إلا أذى [آل عمران/ 111]، ومثل هذا قوله: وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون [هود/ 21]. ووجه الإفراد: أنه مصدر، والمصادر في أكثر الأمر مفردة. ووجه الجمع أنها قد تجمع كقولهم: الحلوم والأحلام. قال «6»:

_ (1) في (م) قال. (2) في (م): مكنّا. (3) مجاز القرآن 1/ 206 وما بين معقوفين زيادة منه. (4) في (م): فدلّ. (5) في (ط): في. (6) البيت للأعشى من قصيدة يمدح فيها قيس بن معديكرب ورواية الديوان: إذا ما هم جلسوا بالعشي ... فأحلام عاد وأيدي هضم واليد الهضوم: هي التي تجود بما لديها، وجمعها هضم. وانظر ديوانه/ 41 - واللسان مادة (هضم).

الانعام: 135

فأمّا إذا جلسوا بالعشيّ ... فأحلام عاد وأيد هضم والأمر العام على الوجه الأول. [الانعام: 135] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «1»: من تكون له عاقبة الدار [الأنعام/ 135]، هاهنا وفي القصص [الآية/ 37]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر «2» من تكون له* بالتاء. وكذلك قراءتهم في سورة القصص. وقرأ حمزة والكسائيّ: يكون له* في الموضعين بالياء «3». العاقبة: مصدر كالعافية، وتأنيثه غير حقيقي، فمن أنّث فكقوله «4»: وأخذت الذين ظلموا الصيحة «5» [هود/ 94]، ومن ذكّر فكقوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67]. وكقوله: قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57]، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى [البقرة/ 275]، وكلا الأمرين حسن كثير.

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (م). (3) السبعة 270. (4) في (ط): فكقولهم. (5) في (ط): فأخذتهم الصيحة [الحجر/ 73].

الانعام: 136

[الانعام: 136] اختلفوا في فتح الزاي في قوله تعالى: بزعمهم [الأنعام/ 136] وضمّها «1». فقرأ الكسائيّ وحده بزعمهم* مضمومة الزاي. وقرأ الباقون: بزعمهم مفتوحة «2» الزاي «3». القول فيه «4» أنهما لغتان. وقرأ ابن عامر وحده: وما ربك بغافل عما تعملون [النمل/ 93] بالتاء، وقرأ الباقون بالياء «5». [الانعام: 137] اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ] «6»، وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم [الأنعام/ 137]. فقرأ ابن عامر وحده وكذلك زين* برفع الزاي لكثير من المشركين قتل برفع اللام، أولادهم* بنصب الدال، شركايهم* بياء. وقرأ الباقون: زين بفتح «7» الزاي لكثير من المشركين قتل بنصب اللام، أولادهم خفض شركاؤهم رفع «8».

_ (1) عبارة (ط): اختلفوا في ضم الزاء وفتحها من قوله عزّ وجلّ بزعمهم*. (2) في (ط): بفتح. (3) السبعة 270. (4) في (ط): فيهما. (5) ذكر هذا الحرف سابق لمكانه هنا. وسيتكلم المصنف عنه في موضعه من السورة. ولعله من إقحام الناسخ. (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): بنصب. (8) السبعة 270.

الشركاء على قول العامة فاعل زين وهو مثل: لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام/ 158]، لمّا تقدم ذكر المشركين كنّى عنهم في قوله: شركاؤهم كما أنه لما تقدم ذكر النفس وإبراهيم في قوله لا ينفع نفسا إيمانها وإذ ابتلى إبراهيم ربه [البقرة/ 124] كنّى عن الاسمين المتقدم ذكرهما. وقتل أولادهم مفعول زين، وفاعل زين شركاؤهم، ولا يجوز أن يكون الشركاء فاعل المصدر الذي هو القتل كقوله: ولولا دفاع الله الناس [البقرة/ 251]، لأنّ زين حينئذ يبقى بلا فاعل، ولأن الشركاء ليسوا قاتلين، إنما هم مزيّنون القتل للمشركين، وأضيف المصدر الذي هو القتل إلى المفعولين الذين هم الأولاد، كقوله: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير [فصلت/ 49] ونحو ذلك مما يحذف معه الفاعلون والمعنى: قتلهم أولادهم، فحذف المضاف إليه الذي هو الفاعل، كما حذف ضمير الإنسان في قوله من دعاء الخير. والمعنى: من دعائه الخير. وأما «1» قول ابن عامر: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم، فإن الفعل المبنيّ للمفعول به، أسند إلى القتل فاعمل المصدر عمل الفعل، وأضافه إلى الفاعل، ونظير ذلك قوله: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض فاسم الله فاعل، كما أنّ الشركاء فاعلون، والمصدر مضاف إلى الشركاء الذين هم فاعلون، والمعنى: قتل شركائهم أولادهم، ففصل بين المضاف والمضاف إليه، بالمفعول به،

_ (1) في (ط): فأما.

والمفعول به «1» مفعول المصدر، وهذا قبيح قليل في الاستعمال، ولو عدل «2» عنها إلى غيرها كان أولى، ألا ترى أنه لم «3» يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة، مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو: إن فيها قوما جبارين [المائدة/ 22]. ونحو «4»: .. للهجر حولا كميلا «5» ونحو قوله: فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله «6»

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): (عدل). (3) في (ط): أنه إذا لم. (4) سقطت من (م): نحو. (5) هذه قطعة من بيت للعباس بن مرداس وتمامه: على أنّني بعد ما قد مضي ... ثلاثون للهجر حولا كميلا وبعده: يذكرنيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا انظر سيبويه 1/ 292 وشرح أبيات المغني 7/ 203، والخزانة 1/ 573. (6) هو من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها. انظر سيبويه 1/ 280. الخزانة 3/ 572 شرح أبيات المغني 8/ 105.

ألا ترى أنه قد فصل بين أنّ واسمها «1» بما يتعلق بخبرها، ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك، ألا ترى أنهم لا يجيزون: إن زيدا عمرا ضارب، إذا نصبت زيدا بضارب، فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام، مع اتساعهم في الظرف في الكلام، وإنما جاز «2» في الشعر كقوله «3»: كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهوديّ ... كان لا يجوز في المفعول به الذي لم يتّسع «4» فيه بالفصل، به أجدر. ووجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال أنه قد جاء في الشعر الفصل على حدّ ما قرأه، قال الطّرمّاح «5»:

_ (1) في (ط): أن وبين اسمها. (2) في (ط): جاء. (3) جزء من بيت لأبي حية النميري وتمامه: كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهوديّ يقارب أو يزيل وهو يصف رسم الدار التي وقف عليها ويشبهه بالكتابة- وكانت الكتابة يتعاطاها اليهود، وقوله: يقارب أي: يدني بعض خطه من بعض. وقوله: يزيل أي: يميز بين الحروف ويباعد بينها- انظر الخصائص 2/ 405 - شواهد العينى 3/ 470 - اللسان: مادة/ عجم/ وفيه: كتحبير الكتاب. (4) في (ط): يتّسع. (5) سبق في ص 118 من هذا الجزء.

يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن «1» وزعموا أن أبا الحسن أنشد «2»: زجّ القلوص أبي مزادة وهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، ألا ترى أنه قد فصل فيهما «3» بين المصدر والمضاف إليهما «4»، كما فصل ابن عامر بين المصدر، وما حكمه أن يكون مضافا إليه؟ وذكر سيبويه في هذه الآية قراءة أخرى، وهي: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم، وحمل الشركاء فيها على فعل مضمر غير هذا الظاهر «5». [كأنه لما قيل: وكذلك زين لكثير من المشركين] «6». قيل: من زيّنه؟؛ فقال: زيّنه شركاؤهم. قال: ومثل ذلك قوله «7»:

_ (1) في (م): الكتائب وهو تحريف. (2) عجز بيت وصدره: فزججتها بمزجّة. زجّه: طعنه بالرمح- انظر الخصائص 2/ 406 - العيني 3/ 468. الخزانة 2/ 251 ابن يعيش 3/ 19. (3) في (ط): فيما. (4) في (ط): إليه. (5) انظر سيبويه 1/ 146. (6) ما بين المعقوفين ساقط من (م). (7) البيت من مقطعة اختلف في نسبتها، وقد بسط ذلك الخلاف البغدادي في الخزانة 1/ 152. وانظر ديوان لبيد/ 361 (ط الكويت) - وسيبويه 1/ 145 - ونسبه للحارث بن نهيك- والخصائص 2/ 353.

الانعام: 139

ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط ممّا تطيح الطوائح كأنّه لما قال: ليبك يزيد، دلّ على أن له باكيا، فقال: يبكيه ضارع، ومثل هذه الآية على هذه القراءة قوله: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال [النور/ 36]، كأنّه لما قال: يسبح* فدلّ على يسبح «1» فقيل له «2»: من يسبحه؟ قال: يسبّحه رجال. [الانعام: 139] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ]: «3» [وإن يكن ميتة في الرفع والنصب] «4» [الأنعام/ 139]. فقرأ ابن كثير: وإن يكن بالياء ميتة* رفعا خفيفا. وقرأ ابن عامر: وإن تكن بالتاء، ميتة* رفعا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر [وإن تكن] «5» بالتاء، ميتة نصبا، وروى حفص عنه بالياء ميتة نصبا. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائيّ: يكن بالياء، ميتة نصبا «6».

_ (1) في (ط): مسبح. (2) سقطت من (م). (3) سقطت من (ط). (4) ما بين المعقوفتين ورد في (ط) كما يلي: وإن تكن وفي الرفع والنصب من قوله (ميتة). (5) سقطت من (ط). (6) السبعة 270 - 271.

قراءة ابن كثير: وإن يكن بالياء، ميتة* رفعا، أنه لم يلحق الفعل علامة التأنيث لمّا كان الفاعل المسند إليه تأنيثه غير حقيقي، ولم يجعل في يكن شيئا. والمعنى: وإن وقع ميتة، أو حدث ميتة. وألحق ابن عامر الفعل علامة التأنيث، لما كان الفاعل في اللفظ مؤنثا، وأسند الفعل إلى الميتة، كما فعل ذلك ابن كثير. وأما قراءة أبي عمرو ومن تبعه وإن يكن ميتة فإنه «1» ذكّر الفعل لأنه مسند إلى ضمير ما تقدم في «2» قوله: ما في بطون هذه الأنعام [الأنعام/ 139]، وهو مذكّر، وانتصب الميتة لما كان الفعل مسندا إلى الضمير، ولم يسنده إلى الميتة، كما فعل ابن كثير وابن عامر. وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر، تكن* بالتاء. ميتة فإنّه أنّث، وإن كان المتقدم مذكرا لأنه حمله على المعنى، وما في بطون «3» الأنعام حوران فحمل على المعنى كما قالوا: ما جاءت حاجتك، فأنث الضمير لمّا كان في المعنى حاجة. ورواية حفص يكن بالياء، ميتة على لفظ المتقدم الذي هو مذكر.

_ (1) في (ط): فكأنّه. (2) في (ط): من. (3) في (ط): وما في بطون هذه الأنعام.

الانعام: 140

[الانعام: 140] اختلفوا في التخفيف والتشديد في التاء في «1» قوله [جلّ وعزّ]: «2» قد خسر الذين قتلوا أولادهم [الأنعام/ 140]. فقرأ ابن كثير وابن عامر قتلوا* مشددة التاء. وقرأ الباقون قتلوا «3» خفيفة التاء «4». التشديد للتكثير مثل: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، والتخفيف يدلّ على الكثرة «5». [الانعام: 141] اختلفوا في فتح الحاء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: «6» يوم حصاده [الأنعام/ 141]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، والكسائيّ حصاده بكسر الحاء. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر حصاده مفتوحة الحاء «7». قال سيبويه: جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال: فعال وذلك الصّرام، والجرام «8»، والجذاذ «9»،

_ (1) في (ط): من. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) السبعة 271. وانظر ما سبق في سورة آل عمران آية 169. (5) قال مكي بن أبي طالب: لأن التخفيف للتقليل والتكثير، فهو كالتشديد في أحد وجهيه، وهو الاختيار لإجماع القراء عليه. الكشف 1/ 364. وانظر. ما سبق في سورة آل عمران آية 169. (6) سقطت من (م). (7) السبعة 271. (8) في (ط): الجزاز، وكذلك هي في سيبويه، والجرام: من جرم النخل وهو قطعة. (9) في (ط): وسيبويه: الجداد بدالين: وهما بمعنى.

والقطاع، والحصاد، وربّما دخلت اللغة في بعض هذا، فكان فيه فعال، وفعال «1». فقد «2» تبيّنت مما قال: أن الحصاد والحصاد لغتان، فأما قول النابغة «3»: يمدّه كلّ واد مزبد لجب ... فيه ركام من الينبوت والحصد فإن محمّد بن السّريّ روى فيه: الحصد، وذكر أن بعضهم رواه: الخضد، وفسّر الخضد: ما تكسّر من الشجر. قلل أبو علي: ويجوز أن يكون الحصد الذي يفسره «4» ابن السرّي: الحصاد حذف الألف منه، كما يقصر الممدود، وكأن المحصود سمّي الحصاد باسم المصدر، كالخلق، والصيد، وضرب الأمير، ونسج اليمن، ونحو ذلك، ويدلّك «5» على ذلك قول الأعشى «6»:

_ (1) سيبويه 2/ 217. (2) في (ط): وقد. (3) رواية البيت في ديوانه ص 27: يمده كلّ واد مترع لجب ... فيه ركام من الينبوت والخضد واللجب: المصوّت لشدة جريه- والينبوت: شجر الخرّوب. (4) في (ط): لم يفسره. (5) في (ط): ويدلّ. (6) البيت من قصيدة طويلة في ديوانه ص 99 يمدح فيها هوذة بن علي الحنفي ورواية الديوان: لها جرس. يصف صوت الدروع في الحرب.

الانعام: 143

له زجل كحفيف الحصا ... د صادف بالليل ريحا دبورا والحفيف إنما يكون للمحصود، ومثل ذلك قول العجّاج «1»: هذّ الحصاد بغروب المنجل [الانعام: 143] اختلفوا في فتح العين وإسكانها من المعز [الأنعام/ 143]. فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، من المعز بفتح العين. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ من المعز ساكنة العين «2». من قرأ: المعز فإن المعز جمع، يدلّ على ذلك قوله: ومن المعز اثنين «3» ومن الضأن اثنين ولو كان واحدا لم يسغ فيه هذا، فأما انتصاب اثنين فمحمول على أنشأ، التقدير:

_ (1) شطر بيت من الرجز جاءت روايته في ديوانه 1/ 311: سوق الحصاد بغروب المنجل وقبله: خضمّة الذّراع هذّ المختلي وقد جاءت «هذّ» في (م) و (ط) بإثبات الألف بعدها، وهو سبق قلم من النساخ. والهذ: القطع. والغروب: جمع غرب، وغرب كل شيء: حدّه. وسوق في الرواية الثانية: جمع سارق. والرجز في وصف سيف قاطع. (2) السبعة 269. (3) سقط من (ط): (ومن المعز اثنين) وكتبت في (م) على هامش النسخة.

أنشأ ثمانية أزواج، أنشأ من كذا اثنين. فأمّا المعز في جمع ماعز، فهو: مثل خادم، وخدم، وطالب، وطلب، وحارس، وحرس، وحكى أحمد بن يحيى: رائح وروح، وقال أبو الحسن: هو جمع على غير واحد، وكذلك المعزى، وحكى أبو زيد: الأمعوز، وأنشد «1»: كالتيس في أمعوزه المتربّل وقال «2»: المعيز، كالكليب والضئين، قال «3»: ويمنحها بنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان فأما من قال: المعز بإسكان العين: فهو على هذا جمع أيضا، كما كان في قول من فتح العين جمعا أيضا، وجمع ماعز عليه، كما قالوا: صاحب وصحب وتاجر وتجر، وراكب وركب. وأبو الحسن «4» يرى هذا الجمع مستمرا فيردّه في التصغير إلى

_ (1) عجز بيت لربيعة بن مقروم الضبي وصدره: أخلصته صنعا فآض محملجا والمتربّل: الذي قد أكل الرّبل (ضرب من الشجر)، والأمعوز: القطيع من الظباء. انظر النوادر 297 (ط. الفاتح). والمحملج: يقال للعير الذي دوخل خلقه اكتنازا (اللسان). (2) في ط: وقالوا. (3) البيت لامرئ القيس. والمعيز اسم لجماعة المعز- وحنانك ذا الحنان: يعني رحمتك يا ذا الرحمة. انظر ديوانه/ 143. (4) في (ط): الحسين والأظهر ما في (م).

الواحد فيقول في تحقير ركب: رويكبون، وفي تجر: تويجرون، وسيبويه يراه اسما من أسماء الجمع، وأنشد أبو عثمان في الاحتجاج لقول سيبويه «1»: بنيته بعصبة من ماليا ... أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا فتحقيره له على لفظه من غير أن يردّه إلى الواحد الذي هو فاعل، ويلحق الواو والنون أو الياء، يدل على أنه اسم للجمع. وأنشد أبو زيد «2»: وأين ركيب واضعون رحالهم ... إلى أهل [بعل من مقامة أهودا] «3» وقال أبو عثمان: البقرة عند العرب: نعجة، والظبية عندهم ما عزة، والدليل على أن ذلك كما ذكره قول ذي الرمة «4»:

_ (1) الشاهد في المنصف 2/ 101. شرح المفصل 5/ 77 شرح شواهد الشافية/ 150 ولم ينسب. (2) البيت لعبد القيس بن خفاف البرجمي ورواية عجزه في النوادر ص 114: إلى أهل نار من أناس بأسودا وقبله عنده: إذا ما اتصلت قلت يال تميم ... وأين تميم من مقامة أهودا (3) ما بين معقوفين سقط من «م». (4) في ديوانه 1/ 231 (إذا ما رآها) بدلا من (إذا ما علاها) وكذلك (أو يثيرها).

إذا ما علاها راكب الصّيف لم يزل ... يرى نعجة في مرتع ويثيرها مولّعة خنساء ليست بنعجة ... يدمن أجواف المياه وقيرها فقوله: لم يزل يرى نعجة يريد به «1» بقرة ألا ترى أنّه قال: مولّعة خنساء، والخنس والتوليع: إنما يكونان في البقر دون الظباء، وقوله: ليست بنعجة، معناه: أنه «2» ليست بنعجة أهلية، يدلك على ذلك أنه لا يخلو من أن يريد أنه «3» ليست بنعجة أهلية، أو ليست بنعجة، فلا يجوز أن يحمل على أنها ليست بنعجة، لأنك إن حملته على هذا، نفيت ما أوجبه من قوله: لم يزل يرى نعجة، فإذا لم يجز ذلك، علمت أنه يريد بقوله: ليست بنعجة، ليست بنعجة أهلية. والدّلالة على أنّ الظبية ما عزة قول أبي ذؤيب «4».

_ ومعنى البيتين: هذه الرملة مأوى الوحش فلا يزال راكبها بالصيف يرى نعجة، وهي نعجة وحشية لا إنسية تألف أجواف المياه أولادها- وسيزيد المصنف ذلك إيضاحا وبسطا. (1) ساقط من (ط). (2) في (ط): أنها. (3) في (ط): أنها. (4) من قصيدة في 41 بيتا. يرثي فيها نشيبة بن محرث، والبيت هو التاسع والثلاثون من أبياتها. انظر شرح السكري 1/ 86 قوله: عادية: رجال يعدون، والمحص بالصاد المهملة: عدو شديد، وانبتارها: في شرح السكري: وانبتارها، يقول: تنبتر من الخيل فتسبق وتمضي.

الانعام: 145

وعادية تلقي الثياب كأنّها ... تيوس ظباء محصها وانبتارها وقوله: تيوس ظباء، كقوله: تيوس معز، ولو كانت عندهم ضائنة، ولم تكن ماعزة لقال: كأنّها كباش ظباء. ويدلّ على أن نعجة في قوله: ليست بنعجة، يريد به النعجة الأهلية قوله «1»: يدمن أجواف المياه وقيرها «2» والوقير: الشاء يكون فيها كلب وحمار «3» فيما روي عن الأصمعي [الانعام: 145] واختلفوا «4» في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ «5»: إلا أن يكون ميتة [الأنعام/ 145]. فقرأ ابن كثير وحمزة: إلا أن تكون* بالتاء، ميتة نصبا. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، والكسائيّ: إلا أن يكون بالياء، ميتة نصبا، وقد روى نصر بن علي عن أبيه قال: سمعت أبا عمرو يقرأ: إلا أن يكون وإلا أن تكون* بالياء والتاء.

_ (1) في (م): بقوله. (2) سبق قريبا. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): اختلفوا. (5) سقطت من (م).

وقرأ ابن عامر وحده: إلا أن تكون* بالتاء، ميتة* رفعا «1». قول ابن كثير وحمزة محمول على المعنى، كأنّه قال: إلّا أن تكون العين أو النفس أو الجثّة ميتة، ألا ترى أن المحرّم لا يخلو من جواز العبارة عنه بأحد هذه الأشياء؟، وليس قوله: إلا أن يكون كقولك: ما جاءني القوم لا يكون زيدا، وليس زيدا، في أن الضمير الذي يتضمّنه في الاستثناء، لا يظهر ولا يدخل الفعل علامة تأنيث، لأنّ الفعل إنما يكون عاريا من علامة ومن أن يظهر معه الضمير، إذا لم يدخل عليه أن، وأمّا «2» إذا دخله أن فعلى حكم سائر الأفعال. وقول أبي عمرو ومن معه: إلا أن يكون ميتة نصبا، فإنه جعل فيه ضميرا مما تقدّم، وهو أقيس من الأول، كأنّه قال «3»: إلّا أن يكون الموجود ميتة، ويجوز أن يكون أضمر مؤنثا، كما أضمره ابن كثير وحمزة، إلّا أنه ذكر الفعل لمّا تقدّم. ويؤكد ذلك «4» ما روي عن أبي عمرو من «5» أنه قرأ بالتاء والياء، وقول ابن عامر على: إلّا «6» أن تقع ميتة، أو تحدث

_ (1) السبعة: 272. (2) في (ط): فأما. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (م). (5) سقطت من (ط). (6) عبارة (ط): على أن لا.

الانعام: 152

ميتة، فألحق علامة التأنيث الفعل كما لحق في نحو: قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57]. [الانعام: 152] واختلفوا «1» في تشديد الذّال وتخفيفها من قوله تعالى «2»: يذكرون* [الأنعام/ 57]. واختلوا «1» في تشديد الذّال وتخفيفها من قوله تعالى «2»: يذكرون* [الأنعام/ 152]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يذكرون*، وتذكرون*، ويذكر الإنسان [مريم/ 67]، وأن يذكر [الفرقان/ 62]، وليذكروا [الإسراء/ 41 - الفرقان/ 50]، مشددا ذلك كله. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: كلّ ذلك بالتشديد إلّا قوله: أولا يذكر الإنسان [مريم/ 67]، فإنهم خفّفوها. وروى عليّ بن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم: تذكرون خفيفة الذال في كل القرآن، وكذلك روى حفص عن عاصم. وقرأ حمزة والكسائيّ: يذكرون* مشدّدا إذا كان بالياء، وتذكرون «5» مخففا إذا كان بالتاء. واختلفوا في سورة الفرقان في قوله: لمن أراد أن يذكر [الآية/ 62]، فقرأ حمزة وحده: أن يذكر* مخفّفة، وقرأ الكسائي: أن يذكر مشدّدة، واتفقا على تخفيف الذّال في

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) في (ط): عزّ وجلّ. (5) ضبطها في (م): (تذكرون) بتسكين الذال وضم الكاف.

بني إسرائيل [41] والفرقان [50] في قوله: ليذكروا خفيفة، وشدّدها الباقون. واتّفقوا على تخفيف ذال قوله «1»: وما يذكرون ورفع الكاف في المدثر [56]. فقرأ نافع: وما تذكرون بالتاء ورفع الكاف. وقرأ الباقون بالياء «2». قال سيبويه قالوا «3»: ذكرته ذكرا، كحفظته حفظا، وقالوا: ذكرا مثل: شربا، وذكر: فعل متعد إلى مفعول واحد، قال: فاذكروني أذكركم [البقرة/ 152]، واذكروا نعمة الله عليكم [الأحزاب/ 9]، فإذا ضاعفت العين تعدى إلى مفعولين نحو: ذكّرت زيدا أمره، قال «4»: يذكّرنيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا ونقله بالهمزة في القياس كتضعيف العين، وتقول: ذكّرته

_ (1) عبارة (ط): على تخفيف الذال من قوله. (2) السبعة 272 - 273. (3) سقطت من (م). (4) البيت للعباس بن مرداس- انظر مجالس ثعلب 424 والإنصاف 308 وابن يعيش 4/ 130 والخزانة 1/ 573 و 3/ 119 وشرح أبيات المغني 7/ 203 وقد جاء في سيبويه 1/ 292 مع آخر قبله بغير نسبة. والعجول من الإبل: الواله التي فقدت ولدها. والهديل: الذكر من الحمام.

فتذكّر تفعّل، لأن تذكّر مطاوع فعّل، كما أن تفاعل «1» مطاوع فاعل، قال: إذا مسهم طيف «2» من الشيطان تذكروا [الأعراف/ 201]، وقد تعدّى تفعّلت، قال «3»: تذكّرت أرضا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها وأنشد أبو زيد «4»: تذكّرت ليلى لات حين ادّكارها ... وقد حني الأصلاب ضلّا بتضلال فقال: ادّكارها، كما قال: وتبتل إليه تبتيلا [المزمل/ 8]، ونحو ذلك مما لا يجيء المصدر فيه على فعله، وجاء المصدر على ذكرى بألف التأنيث، كما جاء على فعلى، نحو: الدعوى والعدوى، وتترى فيمن لم يصرف، وعلى فعلى نحو: شورى، وقالوا في الجمع: الذّكر فجعلوه بمنزلة سدرة وسدر، كما جعلوا العلى مثل الظلم، وقالوا: الدكر، بالدال، حكاه سيبويه، والقياس: الذّكر بالذال المعجمة،

_ (1) في (م): (يفاعل) وهو خطأ. (2) طيف: قراءة ابن كثير وأبي عمر والكسائي، وستأتي في موضعها. (3) البيت لعمرو بن قميئة وهو من شواهد سيبويه، أورده شاهدا على نصب أعمامها وأخوالها بإضمار فعل انظر سيبويه 1/ 144 - والخصائص 2/ 427 - المحتسب 1/ 116. (4) البيت لعمرو بن شأس- أدرك الإسلام. وهو أول مقطّعة. انظر النوادر 225 (ط الفاتح) واللسان (ضلل) وذكر أن هذه العبارة «ضلا بتضلال» تقال للباطل.

وكذلك روي بيت ابن مقبل «1»: من بعض ما يعتري قلبي من الدّكر لما كثر تصرف الكلمة «2» بالدّال، نحو ادكر [يوسف/ 45]، وهل من مدكر [القمر/ 15]، وقال «3»: وبدّلت شوقا بها وادّكارا أشبهت تقوى، وتقيّة، وتقاة، وهذا أتقى من هذا، وفي التنزيل: وادكر بعد أمة [يوسف/ 45]، وفيه: فهل من مدكر، ويجوز في القياس أن يكون ادّكرت متعديا مثل: شويته، واشتويته، وحفرته واحتفرته، وعرّوته، واعتريته، وفي التنزيل: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا [هود/ 54]، وكذلك: عرّه، واعترّه، ويقوي ذلك قول الشاعر «4»: تذكرت ليلى لات حين «5» ادّكارها فأضاف المصدر إلى المفعول به. فأما قوله: واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض

_ (1) صدر البيت: يا ليت لي سلوة يشفى الفؤاد بها انظر ديوانه/ 81. (2) عبارة (ط): لمّا كثر تصرّف بالكلمة بالدال. (3) عجز بيت للأعشى في ديوانه ص 45: وبانت بها غربات النّوى (4) تقدم ذكره قريبا. (5) في (ط): حين لات حين، بزيادة حين قبل لات وهو خطأ.

[الأنفال/ 26]، فمن الذكر الذي يكون عن النسيان، والمعنى: قابلوا أحوالكم «1» التي أنتم عليها الآن، بتلك الحال المتقدمة ليتبيّن لكم موضع النعمة فتشكروا عليه، وهذا قريب من قوله: واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم [الأعراف/ 86]، فقوله «2»: ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون [الأنعام/ 152]. أي: ذلك الذي تقدم ذكره في «3» ذكر مال اليتيم، وأن لا يقرب إلّا بالتي هي أحسن، وإيفاء الكيل، واجتناب البخس، والتطفيف فيهما، وتحرّي الحقّ على مقدار الطاقة والاجتهاد، ولذلك «4» أتبع بقوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها [الأنعام/ 152]، والقول بالقسط والحقّ، ولو كان المقول فيه، والمشهود له، والمحكوم «5» له، ذا قربى، والوفاء بالعهد، لينجز ما وعد عليه من قوله: ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما [الفتح/ 10]. هذا كلّه مما وصّى به، ليتذكروه، ويأخذوا به، ولا «6» يطرحوه، فيتذكرون، هو الوجه والمعنى عليه، لأنه أمر نافذ بأخذ بعد أخذ، ووقت «7» بعد وقت، فهو من باب التفوّق والتجرّع، وكذلك التذكّر من قوله: أولا يذكر الإنسان أنا

_ (1) في (ط): حالكم. (2) في (ط): وقوله. (3) في (ط): من. (4) في (م): وكذلك. (5) في (ط): أو المحكوم. (6) في (ط): فلا. (7) في (م): ووقتا بعد وقت.

خلقناه من قبل [مريم/ 67]، إنما «1» هو حضّ على الشكر على خلقه وإحيائه وتعريضه للنعيم الدائم والخلود فيه. فأما قوله: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر [الفرقان/ 62] أي أن «2» يتفكّر، فيتبيّن «3» شكر الله، وموضع النعمة، وإتقان الصنعة، فيستدلّ منه على التوحيد، فيستوجب بذلك المنزلة الرفيعة، وقوله تعالى «4»: ولقد صرفناه بينهم ليذكروا [الفرقان/ 50]، أي: صرفنا هذا الماء المنزل بينهم في مراعيهم ومزارعهم وشربهم، ليتفكروا في ذلك في مكان النعمة به. قال أحمد «5»: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر «6» كلّ ذلك بالتشديد إلّا قوله: أو لا يذكر الإنسان [مريم/ 67]، فإنّهم خفّفوها، كأنهم ذهبوا في تخفيف ذلك، إلى أنّ إيجاده وإنشاءه هو «7» دفعة واحدة، فحضّ على ذكر تلك النعمة، فلم يلزم عندهم أن يكون على لفظ التكثير، وما يحدث مرّة بعد مرّة، والباقون كأنهم ذهبوا إلى أنّه ينبغي أن يتذكّر ذلك مرّة بعد مرّة، وإن كان دفعة كما يتذكر الأشياء الأخر

_ (1) في (ط): وإنما. (2) سقطت من (ط). (3) في (م) فيبين. وعليها فإن ضبط ما بعدها يختلف من الفتح إلى الضم. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (م). (6) عبارة (ط): وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر. (7) في (ط): أي هو دفعة واحدة.

المتكرّرة، ليكون شكره للنعمة بمكان ذلك متتابعا. كما يكون ذلك في الحال المتكررة. قال: أحمد «1» وروى نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم «2» تذكرون خفيفة الذّال في كلّ القرآن، وكذلك روى حفص عن عاصم. والقول في ذلك أن التخفيف مثل التشديد في المعنى، إنما هو تتذكرون فحذف لاجتماع المتقاربة بالحذف كما خفّفه غيره بالإدغام، ويمكن أن يقال: إنّ الحذف أولى لأنه أخفّ في اللفظ، والدلالة على المعنى قائمة. قال أحمد «3»: وقرأ حمزة والكسائيّ يذكرون* مشدّدا إذا كان بالياء، يتذكّرون، مخففا إذا كان بالتاء، هذا مثل رواية أبان وحفص عن عاصم «4». فأما تشديد حمزة والكسائي يذكرون*، إذا كان بالياء، وتخفيفها «5» إذا كان بالتاء، فإنهما ثقّلا يذكرون* بالياء، لأنه لم تجتمع المتقاربة مع الياء، كما اجتمعت مع التاء، ألا ترى أن الياء ليست بمقاربة للتاء، كما أن التاء مثل له «6» في

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): نصر عن أبيه عن عاصم. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): عنه. بدل عن عاصم. (5) في (ط): وتخفيفهما. (6) في (ط): لها.

يتذكّرون، فلما لم تجتمع المقاربة ولا الأمثال مع الياء، إنّما ولم يحذفا، وحذفا في: يتذكرون* لاجتماع التاءين، وكون الدال معهما «1» مقاربة لهما. وهذا اعتبار حسن، وهو كاعتبار عاصم في رواية أبان وحفص عنه. فأمّا اختلافهم في سورة الفرقان في قوله: لمن أراد أن يذكر [الفرقان/ 62]، وقرأ «2» حمزة وحده أن يذكر* مخفّفة، وقرأ «2» الكسائي: أن يذكر مشدّدة، والتشديد على أن «4» يتذكر نعم الله تعالى «5» ويذكّر ليدرك العلم بقدرته، ويستدل على توحيده كما قال: أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق [الروم/ 8]، أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء [الأعراف/ 185] وتخفيف حمزة على أنّه يذكر ما نسيه في أحد هذين الوقتين في الوقت الآخر، وهو «6» فيما زعموا قراءة الأعمش، ويجوز أن يكون على: يذكر تنزيه الله وتسبيحه، أي: يذكر ما ندب إليه من «7» قوله عزّ من قائل «8»: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا [الأحزاب/ 41]، ويجوز أن يكون على: أراد أن يذكر نعم الله

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): وقراءة. (4) في (ط): أنه. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): وهي. (7) في (ط): في. (8) سقطت من (ط): عز من قائل.

عليه، فيشكر «1» لها، كما قال: اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم [المائدة/ 11]، واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه [المائدة/ 7]، أي: تلقّوها بالشكر. قال أحمد: واتفقا على تخفيف الدال في بني إسرائيل وفي الفرقان في قوله: ليذكروا* خفيفة، وشدّدها الباقون. أما في بني إسرائيل فقوله: ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا، وما يزيدهم إلا نفورا [الإسراء/ 41]، فمعنى صرفنا في هذا القرآن: صرّفنا ضروب القول فيه من الأمثال وغيرها مما يوجب الاعتبار به والتفكّر فيه، كما قال: ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون [القصص/ 51]، وقال: وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون [طه/ 113]. وقال «2»: وما يزيدهم إلا نفورا أي وما يزيدهم تصريف القول إلّا نفورا، أضمر الفاعل لدلالة ما تقدّم عليه، كما قال: فلما جاءهم نذير ما زادهم [فاطر/ 42]، أي: ما زادهم مجيئه إلّا نفورا، ومعنى: ما زادهم إلا نفورا أراد: زادهم «3» نفورا عند مجيئه، فنسب ذلك إلى السورة، والنذير. أو الآية على الاتساع لمّا ازدادوا هم عند ذلك نفورا وعنادا، كما قال: رب إنهن أضللن كثيرا من الناس [إبراهيم/ 36]، وإنما ضلّ الناس، ولم تضلّهم الأصنام، وكذلك: فزادتهم رجسا إلى رجسهم

_ (1) في (ط): فيشكرها. (2) سقطت من (ط). (3) في (م) زادوهم.

[التوبة/ 125]. وأما ما في الفرقان مما اتّفق حمزة والكسائيّ على تخفيفه، وشدّدهما غيرهما «1» فقوله: ولقد صرفناه بينهم [الفرقان/ 50]، أي: الماء المنزل من السماء سقيا لهم وغيثا، ليذكروا موضع النعمة فيشكروه، ويتقبّلوه «2» بالشكر، فأبى أكثر الناس الشكر لمكانه، وكفروا بالنعمة «3» به، وقد يقال: إن كفر النعمة به قولهم: مطرنا بنوء كذا، وكذلك قوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [الواقعة/ 82] فكأنّه على هذا تجعلون شكر رزقكم التكذيب، ومثل ذلك ما أنشده أبو زيد: فكان ما ربحت تحت «4» الغيثرة ... وفي الزّحام أن وضعت عشره «5» قال [أحمد] «6» واتفقوا على تخفيف ذال قوله: وما يذكرون ورفع الكاف في المدّثر [56]. فقرأ نافع: وما تذكرون بالتاء ورفع الكاف. وقرأ الباقون بالياء.

_ (1) في (ط): وشدده غيرهما. (2) في (ط): فيشكروا ويتقبلوه. (3) في (ط): النعمة. (4) في (ط): وسط، وفي النوادر: ما أصبت وسط. (5) من رجز ذكر أبو زيد في نوادره ص 407 (ط الفاتح) سبب وروده ولم ينسبه. والغيثرة: الجماعة من الناس المختلطون من الناس الغوغاء (اللسان غثر عن أبي زيد) ووضع في تجارته: غبن وخسر فيها (اللسان وضع وأورد الرجز). (6) سقطت من (ط).

وروي عن الحسن في قوله: كلا إنها تذكرة [المدثر/ 54]، قال: القرآن، فأما قوله: فمن شاء ذكره [المدثر/ 55]، فتقديره أن ذلك ميسّر له كما قال: ولقد يسرنا القرآن للذكر [القمر/ 17]، أي: لأن يحفظ ويدرس، فيؤمن عليه التحريف والتبديل الذي جاز على غيره من الكتب لتيسيره للحفظ، ودرس الكثرة له وخروجه بذلك عن الحدّ الذي يجوز معه التبديل له، والتغيير، وقال: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر/ 9]، فأما قوله: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل/ 5]، فليس على ثقل الحفظ له، واعتياصه، ولكن كما قال الحسن: إنّهم ليهذّونه هذّا «1»، ولكن العمل به ثقيل. ويجوز أن يكون المراد به ثقيل على من عانده، فردّه ولم ينقد له، كما قال: وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون [القلم/ 51]، وقوله «2»: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر [الحج/ 72]، وكقوله: ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر. فقال إن هذا إلا سحر يؤثر. إن هذا إلا قول البشر [المدثر/ 22 - 25]. فأما وجه الياء فلأن قبله ما يدل عليه الياء، وهو قوله: كلا بل لا يخافون الآخرة [المدثر/ 53]، وما يذكرون

_ (1) هذّ القرآن يهذّه هذّا: أي سرده سردا. (2) سقطت من (ط).

الانعام: 153

[المدثر/ 56] ووجه آخر، وهو: أنه يجوز أن يكون فاعل يذكرون قوله: فمن شاء ذكره [المدثر/ 55]، وقوله: فمن شاء ذكره، لا يخلو من أن يكون صلة أو جزاء، وكيف كان لم يمتنع أن يكون فاعل هذا الفعل. ووجه التاء أنه يجوز أن يعنى به الغيب، والمخاطبون، فغلّب الخطاب «1» ويجوز أن يكون على: قل لهم: وما تذكرون مثل: وما تشاءون. [الانعام: 153] اختلفوا في فتح الألف وكسرها وتخفيف النون وتشديدها [وتحريك الياء وإسكانها] من قوله تعالى «2»: وأن هذا صراطي مستقيما [الأنعام/ 153]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وأن هذا صراطي مستقيما، مفتوحة الألف مشدّدة النون، صراطي ساكنة الياء. وقرأ ابن عامر: وأن هذا مفتوحة «3» الألف ساكنة النون، صراطي مفتوحة الياء. وقرأ حمزة والكسائي وإن* مكسورة الألف مشددة النون، صراطي ساكنة الياء. وقرأ ابن كثير وابن عامر: سراطي بالسين.

_ (1) في (م): له الخطاب. (2) في (ط): عزّ وجلّ. (3) في (م): ساكنة مفتوحة.

وقرأ حمزة بين الصاد والزاي، واختلف عنه وقد ذكر. وقرأ «1» الباقون بالصّاد «2». من فتح أن* فقياسه «3» قول سيبويه «4»: أنه حمله «5» على فاتبعوه لأنّه قال في قوله: لإيلاف قريش [قريش/ 1]، وقوله: وأن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاتقون «6» [المؤمنون/ 52]، وقوله «7»: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [الجن/ 18]، أن المعنى: لهذا فليعبدوا، ولأن هذه أمّتكم، ولأن المساجد لله فلا تدعوا، فكذلك لأن هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه. ومن خفّف فقال: وأن هذا صراطي فإنّ المخففة في قوله يتعلّق بما يتعلّق به المشدد «8»، وموضع هذا* رفع بالابتداء، وخبره: صراطي وفي أن* ضمير القصة، والحديث، وعلى هذه الشريطة يخفّف، وليست المفتوحة كالمكسورة إذا خففت، وعلى هذا قول الأعشى «9»:

_ (1) سقطت من (م). (2) السبعة 273 وما بين معقوفين زيادة منه. (3) في (ط): القياس. (4) انظر سيبويه 1/ 464 في «باب آخر من أبواب أن». (5) في (ط): حملها. (6) في الأصل: «فاعبدون» وهي من سورة الأنبياء/ 92، وهو خلاف ما عند سيبويه، الذي أثبتناه. (7) سقطت من (ط). (8) في (ط): تتعلق بما تتعلق به المشددة. (9) ورد عجز البيت في ديوانه ص 59 برواية: أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل

الانعام: 158

في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل والفاء التي «1» في قوله: فاتبعوه، مثل الفاء التي «1» في قوله: بزيد فامرر. ومن كسر إن* استأنف بها، والفاء في قوله فاتبعوه على قوله عاطفة جملة على جملة، وعلى القول الأول زيادة. [الانعام: 158] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: تأتيهم الملائكة [الأنعام/ 158]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: تأتيهم بالتاء. وقرأ حمزة والكسائيّ: يأتيهم* بالياء «4». وقد تقدّم «5» هذا النحو في غير موضع. [الانعام: 159] اختلفوا في تشديد الراء وتخفيفها، وإدخال الألف وإخراجها من قوله تعالى «6»: فرقوا «7» دينهم [الأنعام/ 159]. فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم:

_ انظر: شرح أبيان المغني للبغدادي 1/ 147 وانظر تخريجه فيه. (1) سقطت من (ط). (3) في (ط): عزّ وجلّ. (4) السبعة 273، 274. (5) في (ط): وقد تقدم القول في هذا النحو. (6) في (ط) عزّ وجلّ. (7) في (م): فارقوا.

فرقوا دينهم مشدّدة وكذلك في الروم [32]. وقرأ حمزة والكسائيّ ب فارقوا بألف، وكذلك في الروم «1». من قال: فرقوا فتقديره: يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، كما قال: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض [البقرة/ 18]، فهم خلاف المسلمين الذين وصفوا بالإيمان به كلّه، في قوله: وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119]. وقال: إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض [النساء/ 150]. ويجوز أن يكون المعنى في قوله: [يريدون أن يفرّقوا بين دين الله ودين رسله: لا يؤمنون بجميعه] «2» كمن وصف بذلك في قوله: وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119]. ومن قرأ: فارقوا فالمعنى: باينوه، وخرجوا عنه. وإلى معنى: فرّقوا «3»، يؤول، ألا ترى أنّهم لمّا آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه فارقوه كلّه، فخرجوا عنه ولم يتبعوه. وأما قوله: يومئذ يتفرقون [الروم/ 14] فالمعنى:

_ (1) السبعة: 274. (2) في (ط) جاء ما بين معقوفين كما يلي: ويريدون أن يفرقوا بين دين الله ورسله يفرقون بين دين الله ودين رسله أيؤمنون بجميعه. (3) في (ط): فرقوه.

الانعام: 161

يصيرون فرقة فرقة من قوله: فريق في الجنة وفريق في السعير [الشورى/ 7]. [الانعام: 161] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ «1» دينا قيما [الأنعام/ 161]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: دينا قيما مفتوحة القاف مشدّدة الياء «2». وقرأ عاصم وابن عامر، وحمزة والكسائي دينا قيما مكسورة القاف خفيفة الياء. «3». حجة من قرأ: دينا قيما قوله: وذلك دين القيمة [البينة/ 5]، كأنه دين الملة القيّمة، فعلى هذا يكون وصفا للدّين، إذا كانت نكرة كما كان وصفا للملّة، لأنّ الملّة هي الدين، وزعموا أنه في قراءة أبيّ وهذا صراطي ... دينا قيما. قال أبو الحسن: قال أهل المدينة: دينا قيما وهي حسنة، ولم نسمعها من العرب، قال: وهي في معنى المستقيم. فأما قيما* فهو مصدر كالشّيع «4»، ولم يصحّح كما صحّح عوض، وحول، وقد كان القياس، ولكنه شذّ عن القياس، كما شذّ أشياء من نحوه عن القياس نحو: ثيرة،

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (م). (3) السبعة 274. (4) في (ط): مثل الشيع.

الانعام: 162

ونحو قولهم: جياد في جمع جواد، وكان القياس الواو، كما قالوا: طويل وطوال، قال الأعشى: جيادك في الصّيف في نعمة ... تصان الجلال وتنطى الشعيرا «1» فأما انتصاب دينا، فيحتمل نصبه ثلاثة أضرب: أحدها: أنه لما قال: قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم [الأنعام/ 161]، استغني بجري ذكر الفعل عن ذكره فقال: دينا قيما، أي: هداني دينا قيما، كما قال: اهدنا الصراط المستقيم. وإن شئت نصبته على: اعرفوا، لأن هدايتهم إليه تعريف، فحمله على: اعرفوا دينا قيما. وإن شئت حملته على الاتّباع كأنه قال: اتّبعوا دينا قيما، والزموه، كما قال: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم [الزمر/ 55]. [الانعام: 162] قال: كلّهم «2» قرأ: محياي [الأنعام/ 162]، محرّكة الياء ومماتي ساكنة الياء غير نافع، فإنه أسكن الياء في محياي ونصبها في مماتي «3». إسكان الياء في محياي شاذّ عن القياس والاستعمال، فشذوذه عن القياس أن فيه التقاء ساكنين، لا يلتقيان على هذا الحد في محياي، وأما شذوذه عن الاستعمال، فإنك لا تكاد

_ (1) البيت في ديوان الأعشى 99 من قصيدة يمدح فيها هوذة الحنفي. وفيه: وتعطى بدل وتنطى، والجلال: ج جل وهو ما تلبسه الدابة لتصان به. (2) في (ط): وكلهم. (3) السبعة: 274.

الانعام: 44

تجده في نثر ولا نظم، ووجهها مع ما وصفنا، وبعض البغداديين، قد حكى أنه سمع، أو حكي له: التقت حلقتا البطان «1» بإسكان الألف مع سكون لام المعرفة، وحكى غيره: له ثلثا المال، وليس هذا مثل قوله: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38] لأن هذا في المنفصل مثل دابّة في المتصل، ومثل هذا ما جوّزه يونس في قوله: اضربان زيدا، واضربنان زيدا، وسيبويه ينكر هذا من قول يونس. [الانعام: 44] قرأ ابن عامر وحده فتحنا عليهم* [الأنعام/ 44]. مشدّدة، وقرأها الباقون مخفّفة «2». حجة التشديد مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، وحجة التخفيف قوله «3»: ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها «4»

_ (1) من أمثال العرب التي تضرب للأمر إذا اشتد. انظر الأمثال لابن سلّام/ 343 واللسان (بطن). (2) السبعة 257 وقد ذكرنا فيما تقدم أن مكان هذه الآية متأخر الذكر. (3) صدر بيت للراعي من قصيدة في ديوانه ص 28 وعجزه: دوني وأفتح بابا بعد إرتاج انظر الكامل 1/ 242. (4) هنا ينتهي الجزء الثاني من نسخة (ط) لابن غلبون في حين تتابع (م) الكلام في سورة الأعراف.

[انتهى بحمد الله الجزء الثالث من الكتاب ويتلوه في الجزء الرابع: اختلافهم في سورة الأعراف]

سورة الأعراف

بسم الله [الرحمن الرحيم عونك يا رب] «1» ذكر اختلافهم في سورة الأعراف [الاعراف: 3] اختلفوا في تشديد الذال وتخفيفها وزيادة ياء «2» في قوله تعالى «3»: قليلا ما تذكرون [الأعراف/ 3]. فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر قليلا ما تذّكّرون مشدّدة الذال والكاف. وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص: تذكرون خفيفة الذال شديدة الكاف. وقرأ ابن عامر: قليلا ما يتذكّرون بياء وتاء. وقد روي عنه بتاءين «4». من قرأها: تذكّرون أراد: تتذكرون، فأدغم تاء تفعّل في الذال، وإدغامها فيه حسن، لأن التاء مهموسة، والذال مجهورة، والمجهور أزيد صوتا، وأقوى من المهموس، فحسن

_ (1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ط). (2) في (م): تاء. (3) في (ط): عز وجل. (4) السبعة 278.

الاعراف: 10

إدغام الأنقص في الأزيد، ولا يسوغ إدغام الأزيد في الأنقص ألا ترى أن الصاد وأختيها لم يدغمن في مقاربهنّ لما فيهنّ من زيادة الصفير. و (ما) في قوله: ما تذكّرون «1» موصولة بالفعل، وهي معه بمنزلة المصدر، والمعنى: قليل «2» تذكّركم. ولا ذكر في الصلة يعود إليها كما لا يكون في صلة أن ذكر. وقراءة عاصم وحمزة والكسائي في المعنى مثل قراءة من تقدم ذكره، إلّا أنّهم حذفوا التاء، التي أدغمها هؤلاء، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة. ويقوي ذلك قولهم: اسطاع يسطيع «3»، فحذفوا أحد الثلاثة المتقاربة. وقول ابن عامر: تتذكّرون بتاءين كقراءة من قرأ: تذّكّرون، وتذكّرون إلا أنه أظهر ما أدغمه من قال: تذّكّرون وما حذفه من قال: تذكرون. وقول ابن عامر: يتذكّرون بياء وتاء، وجهه أنه مخاطبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم «4» أي: قليلا تذكّر هؤلاء الذين ذكّروا بهذا الخطاب. [الاعراف: 10] وكلّهم «5» قرأ: (معايش) [الأعراف/ 10] بغير همز.

_ (1) في (م): ما يذكّرون. (2) في (ط): قليلا. (3) في (م): استطاع يستطيع. (4) عبارة (م): أنه وجهه أنه مخاطبة النبي. (5) في (ط): كلهم بإسقاط الواو.

وروى خارجة عن نافع: (معايش) ممدود مهموز «1»، وهذا غلط «2». قوله: وجعلنا لكم فيها معايش. معايش فيه جمع معيشة، واعتل معيشة لأنه على «3» وزن يعيش، وزيادته زيادة تختصّ الاسم دون الفعل، فلم يحتج إلى الفصل بين الاسم والفعل، كما احتيج إليه فيما كانت «4» زيادته مشتركة نحو الهمزة في: أجاد، وهو أجود منك. وموافقة الاسم لبناء الفعل، يوجب في الاسم الاعتلال، ألا ترى أنّهم أعلّوا بابا ودارا ويوم راح لمّا كان على وزن الفعل، وصحّحوا نحو: حول، وعيبة ولومة لما لم يكن على مثال الفعل، فمعيشة موافقة للفعل في البناء، ألا ترى أنه مثل: يعيش، في الزّنة، وتكسيرها يزيل مشابهته، في البناء؛ فقد علمت بذلك زوال المعنى الموجب للإعلال «5» في الواحد في الجمع «6»، فلزم التصحيح في التكسير لزوال المشابهة في اللفظ، ولأن «7» التكسير معنى لا يكون في الفعل، إنما يختصّ به الاسم وإذا كانوا قد صححوا نحو الجولان والهيمان والغثيان «8»، مع قيام

_ (1) في (ط): ممدودا مهموزا. (2) السبعة 278. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): كان. (5) في (ط): للاعتلال. (6) في (ط): في الجميع. (7) في (ط): لأن بسقوط الواو. (8) سقطت من (ط).

بناء الفعل فيه لما لحقه من الزيادة التي يختصّ بها الاسم؛ فتصحيح قولهم (معايش) الذي قد زال مشابهة الفعل عنه في اللفظ والمعنى لا إشكال في تصحيحه، وفي وجوب العدل عن إعلاله، ومن أعلّ فهمز؛ فمجازه على وجه الغلط، وهو أن معيشة على وزن: سفينة، فتوهّمهما: فعيلة؛ فهمز كما يهمز «1» مصائب، ومثل ذلك ممّا «2» يحمل على الغلط قولهم في جمع مسيل: أمسلة، وقد جاء ذلك في شعر هذيل. قال أبو ذؤيب «3»: وأمسلة مدافعها خليف فتوهموه فعيلة. وإنّما هو مفعلة؛ فالميم في أمسلة على هذا ميم مفعل، وقد حكى يعقوب وغيره مسيل ومسل، فالميم على هذا فاء، ومسيل: فعيل وليس بمفعل من سال. ومن همز: مداين، لم يجعله: مفعلة، من دان «4» ولكنّه

_ (1) في (ط): فهمزها كما همز. (2) في (م): ما. (3) عجز بيت وصدره: بواد لا أنيس به يباب وقبله: فقال له أرى طيرا ثقالا ... تخبّر بالغنيمة أو تخيف ويباب: قفر ليس فيه أحد- ومدافعها: التي تدفع إلى الأودية. وخليف: الطريق في أصل الجبل. انظر شرح أشعار الهذليين للسكري 1/ 185. (4) في (ط): دان يدين.

الاعراف: 25

فعلية، يدل على ذلك: مدن ولا يجوز أن يكون: مفعلة، من دان يدين، ومن أخذه من ذلك، كان مدينة مفعلة عنده، وجمعها: مداين بتصحيح الياء. [الاعراف: 25] واختلفوا في ضم التاء [وفتحها من قوله] «1»: ومنها تخرجون [الأعراف/ 25]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع، وعاصم ومنها تخرجون، بضم التاء وفتح الراء هاهنا، وفي الروم: وكذلك تخرجون، ومن آياته [الآية/ 19] مثله. وفي الزخرف [11]: كذلك تخرجون، مثله، وفي الجاثية [35]: فاليوم لا يخرجون منها، وقرأ في: سأل سائل: يوم يخرجون [المعارج/ 43]، وفي الروم [25]: إذا أنتم تخرجون؛ ففتح «2» التاء والياء في هذين، ولم يختلف الناس فيهما. وقرأ حمزة والكسائي: ومنها تخرجون في الأعراف، بفتح التاء وضم الراء، وفي الروم: وكذلك تخرجون مثله، وفي الجاثية: فاليوم لا يخرجون منها مثله وكذلك «3» الزخرف [11] يخرجون. وفتح ابن عامر التاء في الأعراف فقط «4». وضمّها في

_ (1) سقط من (م) ما بين معقوفين. (2) في (ط): بفتح. (3) في (ط): وفي الزخرف كذلك. (4) سقطت من (م).

الباقي. وأما قوله: يخرج منهما اللؤلؤ [الرحمن/ 22]؛ فقرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائيّ، وابن عامر: يخرج منهما بنصب الياء وضم الراء. وقرأ نافع وأبو عمرو: يخرج منهما بضم الياء وفتح الراء، وروى أبو هشام عن حسين الجعفي، عن أبي عمرو (نخرج منهما) بنون مضمومة (اللّؤلؤ والمرجان) نصبهما. حدثني محمد بن عيسى المقرئ، عن أبي هشام «1»، عن حسين الجعفي، عن أبي عمرو: (نخرج) بنون مضمومة «2». ومن قرأ: (يخرجون) بضم الياء فحجّته قوله: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون «3» [المؤمنون/ 35]. وقوله: كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57]. وحجّة من قال: (تخرجون) اتفاق الجميع في قوله: ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [الروم/ 25] بفتح التاء. ومن حجّته قوله: إلى ربهم ينسلون [يس/ 51]؛ فأسند الفعل إليهم. ومن حجته أنه أشبه بما قبله من قوله: قال فيها تحيون

_ (1) كذا في (ط) وفي (م): عن أبي هاشم. (2) السبعة 279. (3) في (م) قطع الآية وقال: إلى قوله: أنكم مخرجون.

وفيها تموتون ومنها تخرجون [الأعراف/ 25]، ومن حجّتهم قوله: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29]. فأمّا قوله: يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22]، فمن قال: (تخرج منهما) «1» فعلى أنه أسند الفعل «2» إلى الله تعالى «3»، كما قال: فأخرجنا به من كل الثمرات [الأعراف/ 57]، ومن قال: (يخرج) جعله مطاوع أخرج، كما تقول: أخرجته فخرج، والأوّل أدخل في الحقيقة، وقال: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، واللؤلؤ «4» يخرج من الملح. وزعم أبو الحسن: أن قوما قالوا: إنّه يخرج منهما جميعا، ويجوز أن يكون: يخرج منهما في المعنى «5»: يخرج من الملح، فقال: يخرج منهما على أنه يخرج من أحدهما، فحذف المضاف، ومثل ذلك في حذف المضاف قوله: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف/ 31]. والرجل «6» إنما يكون من قرية واحدة، كما أنّ اللؤلؤ يخرج من الملح، وإنما المعنى: على رجل من رجلي

_ (1) سقط من (ط). منهما. (2) كذا في (ط) وسقطت من (م). (3) في (ط): عز وجل. (4) في (ط): واللؤلؤ إنما. (5) في (ط): والمعنى. (6) في (ط): فالرجل.

الاعراف: 26

القريتين عظيم «1»، والقريتان: مكة والطائف «2». [الاعراف: 26] اختلفوا في رفع السين ونصبها من قوله تعالى «3»: ولباس التقوى [الأعراف/ 26]. فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة: ولباس التقوى رفعا. وقرأ نافع وابن عامر والكسائيّ: (ولباس التّقوى) نصبا «4». أما النصب: فعلى أنه حمل على (أنزل) من قوله: (قد أنزلنا عليكم لباسا ولباس التّقوى) [الأعراف/ 26]، وأنزلنا هنا كقوله: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25]، وكقوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6]، أي: خلق، وقوله «5»: (ذلك) على هذا: مبتدأ، وخبره (خير). ومن رفع فقال: ولباس التقوى ذلك خير قطع اللباس من الأول واستأنف «6» به فجعله مبتدأ. وقوله (ذلك) صفة أو بدل أو عطف بيان، ومن قال: إنّ (ذلك) لغو، لم يكن على قوله دلالة، لأنه يجوز أن يكون على ما

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط) بعدها: «والرجلان ينص الشيخ» ولم يذكر شيئا بعدها. (3) سقطت من (ط). (4) السبعة 280. (5) في (ط): فقوله. (6) في (ط): فاستأنف.

الاعراف: 32

ذكرنا «1»، و (خير) خبر للباس «2» والمعنى: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمّل «3» به، وأضيف اللباس إلى التقوى، كما أضيف في قوله «4»: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف [النحل/ 112] إلى الجوع «5». [الاعراف: 32] اختلفوا في رفع التاء ونصبها من قوله «6»: خالصة يوم القيامة [الأعراف/ 32]. فقرأ نافع وحده (خالصة) رفعا. وقرأ الباقون: خالصة نصبا «7». قال أبو الحسن: أخرج لعباده في الحياة الدنيا، [قال أبو علي] «8»: لا يخلو القول في قوله في الحياة الدنيا [الأعراف/ 32] من أن يتعلق ب (حرّم) أو: ب (زينة)، أو: ب (أخرج)، أو: ب (الطيبات)، أو: ب (الرّزق) من قوله: من الرزق [الأعراف/ 32] أو بقوله: آمنوا [الأعراف/ 32]؛ فلا يمتنع من أن يتعلّق ب (حرّم) فيكون التقدير: قل من حرّم في

_ (1) العبارة في (ط): على واحد مما ذكرنا. (2) في (ط): خبر اللباس. (3) في (ط): يتحمل، بالحاء المهملة. وهو تصحيف. (4) في (ط): عزّ وجل. (5) في (ط): الجوع والخوف. (6) في (ط): قوله عز وجل. (7) السبعة ص 280. (8) سقطت من (م).

الحياة الدنيا، ويكون «1» المعنى: قل من حرّم ذلك وقت الحياة الدنيا زينة، ولا يجوز أن يتعلّق بزينة لأنّه مصدر، أو جار مجراه، وقد وصفتها «2»، فإذا وصفتها «2»، لم يجز أن يتعلّق بها شيء بعد الوصف، كما لا يتعلق به بعد العطف عليه، ويجوز أن يتعلق بأخرج لعباده في الحياة الدنيا. فإن قلت: فهلّا «4» لم يجز تعلّقه بقوله: أخرج لعباده لأنّ فيه فصلا بين الصلة والموصول بقوله: قل هي للذين آمنوا [الأعراف/ 32]، وهو كلام مستأنف ليس في الصلة؟ قيل: لا يمتنع الفصل به لأنّه ممّا يسدّد القصة، وقد جاء: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27] [فقوله: وترهقهم] «5» معطوف على كسبوا، فكذلك: قل هي للذين آمنوا، ويجوز أيضا أن يتعلق بالطيبات، تقديره: والمباحات من الرزق. ويجوز أن يتعلق بالرزق أيضا، وإن كان موصولا، ويجوز أن يتعلق بآمنوا، الذي هو صلة الذين أي: آمنوا في الحياة الدنيا، فكلّ ما ذكرنا من هذه الأشياء يجوز أن يتعلق به هذا الظرف. فأمّا «6» قوله: (خالصة) فمن رفعه «7» جعله خبرا للمبتدإ

_ (1) في (ط): أو يكون. (2) في (ط): وصفناها. (4) في (ط): هلّا بسقوط الفاء. (5) سقطت من (م). (6) في (ط): وأما. (7) في (ط): رفع.

الذي هو هي، ويكون للذين آمنوا تثبيتا للخلوص، ولا شيء فيه على هذا «1»، ومن قال: هذا حلو حامض، أمكن أن يكون (للذين آمنوا) خبرا، و (خالصة) خبر آخر، ويكون الذكر فيه على ما تقدّم وصفه في هذا الكتاب. ومن نصب خالصة كان: حالا ممّا في قوله: للذين آمنوا، ألا ترى أنّ فيه ذكرا يعود إلى المبتدأ الذي هو هي؟ فخالصة حال عن ذلك الذكر، والعامل في الحال ما في اللام من معنى الفعل، وهي متعلقة بمحذوف، وفيه الذكر الذي كان يكون في المحذوف، ولو ذكر ولم يحذف، وليس متعلقا بالخلوص، كما تعلق به في قول من رفع. قال سيبويه: وقد قرءوا هذا الحرف على وجهين: (قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) بالرفع والنصب «2»، فجعل اللام الجارّة لغوا في قول من رفع، (خالصة) ومستقرا في قول من نصب (خالصة). والقول فيما ذهب إليه أبو الحسن «3» من أن المعنى: التي أخرج لعباده في الحياة الدنيا، أنّه إن علّق في الحياة الدنيا، ب (حرّم)، أو (أخرج)، فلا يخلو من أن تنصب (خالصة) أو ترفعه «4»، فإن رفعته فصلت بين الابتداء والخبر بالأجنبي، ألا

_ (1) في (ط): ولا شيء على هذا فيه. (2) انظر الكتاب 1/ 262. (3) عبارة (ط): والقول فيما ذهب إليه سيبويه أبو الحسن. وهذا سهو من الناسخ. (4) في (ط): فلا يخلو من أن ينصب خالصة أو يرفعه.

ترى أن قوله: في الحياة الدنيا إذا لم يكن متصلا ب (آمنوا) كان أجنبيا من الابتداء والخبر، وإن نصبت (خالصة)، فصلت بين الحال وذي الحال بأجنبي منهما، كما فصلت بين الابتداء والخبر؟ فإذا «1» كان كذلك لم يحسن، وليس باعتراض فيكون فيه تسديد. ومن حجة أبي الحسن أن يقول: إن المفصول به في هذا الموضع بين ما لا «2» يحسن الفصل بينهما بالأجنبي، ظرف، ولا يمتنع الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا مما يفصل به «3» بينهما. ألا ترى أنّهم لم يجيزوا: كانت زيدا الحمّى تأخذ؟ ولم يفصلوا بين الفاعل وفعله بالمفعول به، ولو كان مكان المفعول به ظرف، لأجازوا ذلك، وذلك «4» قولهم: إنّ في الدار زيدا قائم، فأجازوا الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا من العامل والمعمول فيه، وعلى هذا جاء «5»: فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله وحجة من رفع «خالصة» أنّ المعنى: هي تخلص للّذين آمنوا يوم القيامة، وإن شركهم فيها غيرهم من الكافرين في الدنيا.

_ (1) في (ط): وإذا. (2) في (م): بين لا يحسن الفصل. (3) سقطت من (م). (4) في (م) وذلك إن. (5) سبق في 3/ 411.

الاعراف: 38

ومن نصب، فالمعنى عنده: هي ثابتة للذين آمنوا في حال خلوصها يوم القيامة لهم. وانتصاب (خالصة) على الحال، وهو أشبه لقوله: إن المتقين في جنات وعيون آخذين [الذاريات/ 15 - 16]، ونحو ذلك مما انتصب فيه الاسم على الحال بعد الابتداء وخبره وما يجري مجراه إذا كان فيه معنى فعل. [الاعراف: 38] اختلفوا في التاء والياء «1» في قوله تعالى «2»: ولكن لا تعلمون [الأعراف/ 38]. فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (لكلّ ضعف، ولكن لا يعلمون) بالياء. وروى حفص عن عاصم بالتاء. وكذلك قرأ الباقون بالتاء «3». وجه القراءة بالتاء في «4» قوله: ولكن لا تعلمون أن المعنى: لكلّ ضعف، أي: لكلّ فريق من المضلّين والمضلّين ضعف ولكن لا تعلمون أيّها المضلّون والمضلّون. ومن قرأ بالياء: حمل الكلام على كلّ، لأنّه، وإن كان للمخاطبين، فهو اسم ظاهر موضوع للغيبة، فحمل على اللفظ دون المعنى،

_ (1) في (ط) من. (2) في (ط): عز وجل. (3) السبعة ص 280. (4) كذا في (ط): وسقطت من (م).

الاعراف: 40

ومثل هذا في المعنى: قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار [ص/ 61]. [الاعراف: 40] اختلفوا في التخفيف والتشديد في قوله تعالى «1»: (لا تفتح لهم) [الأعراف/ 40]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: لا تفتح بالتاء مشددة التاء الثانية. وقرأ أبو عمرو (لا تفتح) بالتاء خفيفة ساكنة الفاء. وقرأ حمزة والكسائيّ: (لا يفتح) بالياء خفيفة «2». حجة من قال «3»: تفتح قوله: جنات عدن مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]؛ فقياس مفتحة: تفتّح، وقوله: (وفتّحت السماء فكانت أبوابا) [النبأ/ 19]، لأن المعنى «4» في فتّحت السماء على أبوابها، والمعنى: فكانت ذات أبواب. وحجّة من خفف قوله: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر [القمر/ 11]، وقوله: فتحنا عليهم أبواب كل شيء [الأنعام/ 44]، و (فتحنا) قد يقع على التكثير كما يقع (فتّحنا)، ومن قال: (لا يفتح) بالياء، فلتقدّم الفعل، ويشهد للتأنيث قوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ألا ترى أنّ

_ (1) في (ط): في الياء والتخفيف والتاء والتشديد من قوله عز وجل. وما في (ط) موافق للسبعة. (2) السبعة ص 280. (3) في (ط) من قرأ. (4) كذا في (ط) وسقطت من (م).

الاعراف: 44

اسم الفاعل يجري مجرى الفعل، وقد أنّث، وكذلك الفعل ينبغي أن يؤنّث، وأما قوله: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج [الأنبياء/ 96] فإنّما خفّف؛ لأنّ المعنى: فتح سدّ يأجوج ومأجوج «1»؛ فأجرى التأنيث على لفظ يأجوج، وإن كان المعنى على السدّ، أو يكون: فتحت أرض يأجوج، لأنّ فتح سدّها فتح أرضهم؛ فهو فتح واحد لا تكرير فيه، فيحسن التشديد. ومعنى: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، أي: لا تصعد أعمالهم إليها. وروي في تفسير قوله: فما بكت عليهم السماء والأرض [الدخان/ 29]، أنّ موضع المؤمن الذي كان يرتفع إليه عمله الصالح، يبكي عليه إذا مات، وقال [الله عزّ وجلّ] «2»: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر/ 10]. [الاعراف: 44] كلّهم قرأ: قالوا نعم [الأعراف/ 44] بفتح العين والنون في كلّ القرآن غير الكسائي؛ فإنّه قرأ: (نعم) بفتح النون وكسر العين في كلّ القرآن «3». قال أبو الحسن: (نعم، ونعم) لغتان، قال: وفي القراءة: الفتح.

_ (1) زيادة من (ط). (2) ما بين المعقوفين سقط من (ط). (3) السبعة ص 281.

قال «1» سيبويه: نعم: عدة وتصديق، قال: وإذا استفهمت أجبت بنعم «2»، ولم يحك سيبويه فيها الكسر. والذي يريده بقوله: عدة وتصديق أنّه يستعمل عدة، ويستعمل تصديقا، وليس يريد أن التصديق يجتمع مع العدة، ألا ترى أنّه إذا قال: أتعطيني؟، فقال: نعم، كان عدة، ولا تصديق في هذا، وإذا قال: قد كان كذا وكذا «3»؛ فقلت: نعم، فقد صدّقته ولا عدة في هذا. فليس قوله في نعم أنّه عدة وتصديق؛ كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء «4»، لأنّ إذا، يكون جوابا في الموضع الذي يكون فيه جزاء، يقول: أنا آتيك، فتقول: إذا أكرمك، فيكون جوابا لكلامه. ويكون جزاء أيضا في هذا الموضع؛ فقد علمت أنّ قوله في نعم عدة وتصديق ليس كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، وقوله: إذا استفهمت أجبت بنعم، تريد: استفهمت عن موجب أجبت بنعم، تقول: أيقوم زيد؟ فتقول: نعم «5»، ولو كان مكان الإيجاب نفي لقلت: بلى، ولم تقل: نعم، كما تقول في جواب الإيجاب.

_ (1) في (ط) وقال. (2) الكتاب 2/ 312. (3) سقطت من (م). (4) قاله سيبويه في 2/ 312. (5) جاء هنا على هامش (ط) كلمة (بلغت) دلالة على المقابلة.

الاعراف: 44

قال تعالى «1»: ألست بربكم قالوا بلى [الأعراف/ 172] [ولم يقل: نعم] «2»، وقال: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى [القيامة/ 3] «3». ويجوز في القياس على قول من قال: شهد، أن تكسر النون من نعم في لغة من كسر العين، كما كسرت الفاء في شهد. فإن قلت: إنّ ذلك إنّما جاء في الأسماء والأفعال، فالقول أنّ نعم، وإن كان حرفا، فإنّه: إذا «4» كان على لفظ الأسماء جاز أن تجرى «5» في القياس مجراها، ألا ترى أنّهم أمالوا «بلى» وإن كان حرفا لما كان على لفظ «6» الأسماء؟ [الاعراف: 44] اختلفوا في تشديد النون وتخفيفها «7» في قوله عز وجل «8»: أن لعنة الله [الأعراف/ 44]. فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: أن لعنة الله خفيفة النون ساكنة.

_ (1) سقطت من (ط). (2) ما بين المعقوفين سقط من (ط). (3) انظر للاستزادة في هذا الموضوع رسالة: شرح كلّا وبلى ونعم، والوقف على كل واحدة منهن في كتاب الله عزّ وجلّ لمكي، بتحقيق الدكتور فرحات، ومن منشورات دار المأمون للتراث. (4) في (ط): لما. (5) في (ط): يجرى. (6) في (ط): ألفاظ. (7) في (ط) من. (8) سقطت من (م).

حدثني نصر «1» بن محمد القاضي عن البزّي عنهم (أنّ لعنة الله) نصبا. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: (أنّ لعنة الله) نصبا، (على الظالمين) مشددة النون. حدثني الحسين بن بشر الصوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن محمد بن صالح المرّي عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ) مشدّدة، وكذلك روى خلف والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ لعنة الله) نصبا. وكلّهم قرأ التي في سورة «2» النّور: أن لعنة الله [الآية/ 7]، وأن غضب الله [الآية/ 9] بالتشديد، غير نافع فإنّه قرأ: (أن لعنة الله)، و (وأن غضب الله) «3» مخففتين «4».

_ (1) في السبعة: مضر، بدل، نصر، وأظنه الصواب وما في الأصل تصحيف، ومضر هذا هو الذي روى القراءة سماعا عن أحمد بن محمد البزي كما في طبقات القراء للجزري 2/ 299، أما نصر فلم أجد أنه روى عن البزي. وقال الجزري هو: مضر بن محمد بن خالد بن الوليد أبو محمد الضبي الأسدي الكوفي، معروف وثقوه. (2) سقطت من (م). (3) كذا الأصل وهو الصواب، وفي السبعة ص 282: «أن غضب الله» بالمصدر وهذه القراءة في سيبويه واستشهد بها في 1/ 480 على قراءة من خفف «أن» ورفع «غضب» وهي قراءة يعقوب، ونسبها أبو حيان في البحر المحيط 6/ 434 إلى أبي رجاء، وقتادة، وعيسى، وسلام، وعمرو بن ميمون، والأعرج، والحسن أيضا، انظر فهرس سيبويه ص 34 صنعة الأستاذ أحمد راتب النفاخ. (4) السبعة ص 281، 282، وفي الكلام تقديم وتأخير، واختلاف يسير في

أذن مؤذن [الأعراف/ 44]، بمنزلة أعلم. قال سيبويه: أذّنت: إعلام بتصويت «1»، فالتي تقع بعد العلم إنّما هي المشددة أو المخفّفة عنها، والتقدير «2»: أعلم معلم أنّ لعنة الله. ومن خفّف (أن) كان على إرادة إضمار القصة والحديث، تقديره: أنّه لعنة الله، ومثل ذلك قوله: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]، التقدير: (أنّه)، ولا تخفّف (أن) هذه إلّا وإضمار القصة والحديث يراد معها، ومن ثقّل نصب بأنّ ما بعدها، كما ينصب بالمشددة المكسورة، فالمكسورة «3» إذا خففت لا يكون ما بعدها على إضمار القصة والحديث، كما تكون المفتوحة كذلك. والذي فصل بينهما أنّ المفتوحة موصولة، والموصولة تقتضي صلتها، فصارت لاقتضائها «4» الصلة أشدّ اتصالا بما بعدها من المكسورة، فقدّر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها، وليست المكسورة كذلك. ومن المفتوحة قول الأعشى «5»: في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل

_ العبارة، ولكن المؤدى واحد. (1) الكتاب 2/ 236، وعبارة سيبويه: «وأذّنت: النداء والتصويت بإعلان». (2) في (ط): فالتقدير. (3) في (ط): والمكسورة. (4) عبارة (م): والموصول يقتضي صلتها لاقتضائها. (5) سبق انظر 3/ 437.

وأمّا «1» قراءتهم في النور أن غضب الله فإنّ (أنّ) في موضع رفع بأنّه «2» خبر المبتدأ؛ فأمّا تخفيف نافع أن لعنة الله فحسن، وهو بمنزلة قوله وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]. وأمّا «3» تخفيفه (أن غضب الله)، فإن قال قائل: فهلّا «4» لم يستحسن هذا، لأنّ المخففة من المشدّدة «5» لا يقع بعدها الفعل، حتى يدخل عوض من حذف أن، ومن أنّها تولى ما لا يليه من الفعل، يدلّ على ذلك قوله: علم أن سيكون منكم [المزمل/ 20]، وقوله: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وقوله: لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله [الحديد/ 29]. قيل: استجاز هذا، وإن لم يدخل معه شيء من هذه الحروف، لأنّه «6» دعاء، وليس شيء من هذه الحروف يحتمل الدخول معه، ونظير هذا في أنّه لمّا كان دعاء لم يلزمه العوض. قوله: نودي أن بورك من في النار ومن حولها [النمل/ 8]؛ فولي قوله: (نودي) أن، وإن لم يدخل معها عوض، كما لم يدخل في قراءة نافع (أن غضب الله عليها)

_ (1) في (ط): فأما. (2) في (ط): لأنه. (3) في (ط): فأما. (4) في (ط): هلّا. (5) في (ط): الشديدة. (6) في (م): فلأنه.

الاعراف: 43

[النور/ 9]. والدعاء قد استجيز معه ما لم يستجز مع غيره، ألا ترى أنّهم قالوا: «أما إن «1» جزاك الله خيرا» وحمله سيبويه «2» على إضمار القصة في «إن» المكسورة، ولم يضمر القصة مع المكسورة إلّا في هذا الموضع؟! [الاعراف: 43] كلّهم قرأ: وما كنا لنهتدي [الأعراف/ 43]. بواو غير ابن عامر؛ فإنّه قرأ ما كنا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام «3». وجه الاستغناء عن حرف العطف في قوله: وما كنا لنهتدي أنّ الجملة ملتبسة بما قبلها، فأغنى التباسها به عن حرف العطف. وقد تقدّم ذكر ذلك، ومثل ذلك قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22]، فاستغنى عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى. [الاعراف: 42] قرأ «4» ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر أورثتموها [الأعراف/ 42] غير مدغمة وكذلك في الزخرف [72]. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ أورثتموها «5» مدغمة، وكذلك في الزخرف «6». [قال أبو علي] «7» من ترك الإدغام فلتباين المخرجين،

_ (1) في (ط): أن. (2) انظر الكتاب 1/ 482. (3) السبعة ص 280. ومكان الكلام عن هذا الحرف جاء متأخرا عن موضعه كما هو ملحوظ. (4) في (ط): وقرأ. (5) جاء رسمها في السبعة: (أورثّموها) كلفظها. (6) السبعة ص 281. (7) سقطت من (م).

الاعراف: 54

وأن الحرفين في حكم الانفصال، وإن كانا في كلمة واحدة. ألا ترى أنّهم لم يدغموا ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253]، وإن كانا مثلين لمّا لم يكونا لازمين، ألا ترى أن تاء «افتعل» قد يقع بعدها غير التاء؟، فكذلك «أورث» قد يقع بعدها غير التاء فلا يجب الإدغام. ووجه الإدغام أن الثاء والتاء مهموستان متقاربتان فاستحسن الإدغام «1» من أدغم. وقد جعل قوم تاء المضمر «2» بمنزلة غيرها، مما يتصل بالكلمة؛ لأنّ الفعل لا يقدّر منفصلا من الفاعل، بل يقدّر متصلا «3» بدلالة قولهم فعلت، وإسكانهم اللام في قولهم: يفعلن «4» ومجيئهم بالإعراب بعد الفاعل، وقد قال قوم: فحصط برجلي، فأبدلوا تاء الضمير طاء، وقالوا: فزد، فأبدلوا منها الدال كما أبدلوا في نحو: اذدكر، ونحو اصطبر «5»؛ فعلى هذا يحسن الإدغام في أورثتموها. [الاعراف: 54] واختلفوا في تشديد الشين وتخفيفها في قوله جلّ وعزّ «6»: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر يغشى ساكنة الغين خفيفة، وكذلك في الرعد [3].

_ (1) في (م): ضبط الجملة بالبناء للمفعول، وليس بالوجه. (2) في (ط): الضمير. (3) في (ط): متصلا به. (4) عبارة (م): وقولهم يفعلون. (5) في (ط): ازدجر واصطبر. (6) في (ط): من قوله. وسقطت: عزّ وجلّ، وهي كذلك في السبعة.

وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ (يغشّي) مفتوحة الغين مشددة «1»، وكذلك في الرّعد. وروى حفص عن عاصم يغشي ساكنة الغين خفيفة «2» فيهما. وأمّا قوله: (إذ يغشاكم النّعاس) «3» [الأنفال/ 11]، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو إذ يغشاكم النّعاس رفعا، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي يغشيكم بضم الياء وفتح الغين وتشديد الشين، النعاس نصبا. وقرأ نافع: (إذ يغشيكم) من أغشى (النعاس) نصبا «4». قولهم: غشي، فعل متعدّ «5» إلى مفعول واحد يدلّ على ذلك قوله «6»: وتغشى وجوههم النار [إبراهيم/ 50]، وغشيهم من اليم ما غشيهم [طه/ 78]، فإذا نقلت الفعل المتعدي إلى المفعول الواحد بالهمزة أو بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين. وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا؛ فمما «7» جاء بتضعيف

_ (1) في السبعة: مشدّدة الشين. (2) في (ط): مخففة، والسبعة بدون «فيهما». (3) في (م) زيادة كلمة رفعا وليست ضرورية. (4) السبعة ص 282 مع اختلاف يسير في العبارة. (5) في (ط) يتعدى وكتب فوق الكلمة متعد. (6) سقطت قوله من (م) وتكررت في (ط). (7) في «م»: «بالأمرين فيما جاء»

الاعراف: 54

العين قوله: فغشاها ما غشى [النجم/ 54]، فما في موضع نصب بأنّه المفعول الثاني، ومما جاء بنقل الهمزة، قوله: فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس/ 9]، فهذا منقول بالهمزة، والمفعول الثاني محذوف، والمعنى: فأغشيناهم العمى عنهم أو فقد الرؤية. فإذا جاء التنزيل بالأمرين؛ فكل واحد من الفريقين ممّن قرأ: (يغشي، ويغشّي) أخذ بما جاء في التنزيل، وكذلك إن أخذ آخذ بالوجهين جميعا كما روي عن عاصم الأمران جميعا، وكذلك من قرأ: إذ يغشيكم النعاس، [الأنفال/ 11]، (ويغشيكم النعاس) [الكاف والميم مفعول أول] «1»، وهذا كقولهم فرّحته وأفرحته، وغرّمته وأغرمته، قال: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54] ولم يقل: ويغشي النهار الليل، كما قال: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81]، ولم يذكر تقيكم البرد للعلم بذلك من الفحوى، ومثل هذا لا يضيق، وكلّ واحد من اللّيل والنهار منتصب بأنّه مفعول به. والفعل قبل النقل: غشي الليل النهار، فإذا نقلت قلت: أغشى الله اللّيل النّهار وغشّى الله «2»، فصار ما كان فاعلا قبل النقل مفعولا أول «3». [الاعراف: 54] وقرأ ابن عامر وحده: والشمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره [الأعراف/ 54]. رفعا كلها، ونصب الباقون هذه الحروف كلّها «4».

_ (1) زيادة في (ط). (2) في (ط): وغشى الله الليل النهار. (3) في (م): أولا. (4) السبعة 282.

الاعراف: 55

حجّة من نصب، قوله: ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن [فصلت/ 37]، فكما أخبر في هذه أنّه خلق الشمس والقمر، كذلك يحمل على خلق في قوله: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات [الأعراف/ 54]. وحجة ابن عامر قوله: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض [الجاثية/ 13]، وممّا في السماء: الشمس والقمر. فإذا أخبر بتسخيرها حسن الإخبار عنها به، كما أنّك إذا قلت: ضربت زيدا «1»، استقام أن تقول: زيد مضروب. [الاعراف: 55] قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (تضرّعا وخفية) [الأعراف/ 55] بكسر الخاء هاهنا وفي الأنعام [63]. وقرأ الباقون: خفية مضمومة الخاء جميعا «2». وروى حفص عن عاصم خفية مضمومة الخاء فيهما «3». القول في ذلك: أن خفية و (خفية) «4» لغتان فيما حكاهما أبو الحسن.

_ (1) في (ط): ضرب زيد. (2) في (ط): فيها. (3) السبعة 283. (4) في (م) خيفة: والصواب ما في (ط). وفي القاموس «خفا»: وخفيت له،

قال: والخفية: الإخفاء، والخيفة «1»: الخوف والرهبة. قال أبو علي: فالهمزة في الإخفاء منقلبة عن الياء، بدلالة الخفية، كما أنّ الألف في الغنى منقلبة عن الياء بدلالة ما حكاه أبو زيد من قولهم: أدام الله لك الغنية «2» وفي التنزيل ما نخفي وما نعلن [إبراهيم/ 38] فمقابلة الإخفاء له فيها «3» بالإعلان، [ويدلك أنّ الإخفاء والإعلان] «4» كالإسرار والإجهار. قال: وأسروا قولكم أو اجهروا به [الملك/ 13] قالوا «5»: خفيت الشيء إذا أظهرته، قال «6»: يخفي التراب بأظلاف ثمانية ... في أربع مسّهنّ الأرض تحليل فيمكن أن يكون: أخفيت الشيء: أزلت إظهاره، وإذا

_ كرضيت، خفية بالضم والكسر: اختفيت. وقال في مادة «خاف»: يخاف خوفا وخيفا ومخافة، وخيفة بالكسر وأصلها خوفة وجمعها خيف: فزع. (1) في (ط) الخفية، وصوابه ما أثبتناه. (2) في (م): الغيّة. (3) سقطت من (م). (4) عبارة ما بين معقوفين في (ط): يدلك على الإخفاء والإعلان سواء. (5) في (ط): وقالوا. (6) البيت من مفضلية طويلة برقم 26 ص 140 وبشرح ابن الأنباري ص 282 لعبدة بن الطبيب، واسمه يزيد بن عمرو، قالها بعد القادسية، يصف فيه ثورا وحشيا، قال ابن الأنباري في شرحه: يخفي التراب: يستخرجه لشدة عدوه. ويقال: خفيت الشيء إذا استخرجته، قال أبو زيد يقول: إذا عدا فلا تمسّ قوائمه الأرض إلّا بقدر تحلّة اليمين. وانظر الخصائص 3/ 81 ونوادر أبي زيد ص 154.

الاعراف: 57

أزلت إظهاره، فقد كتمته، ومثل ذلك قولهم: أشكيته: إذا أزلت شكواه، قال «1» وأنشد أبو زيد: تمدّ بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أنّنا نشكيها «2» فأما «3» قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الأعراف/ 55] فمما يدل على أن رفع الصوت بالدّعاء، لا يستحبّ، والخوف لله ممّا أمر به، ومدح عليه من قوله: (وخافوني) «4» [آل عمران/ 175] وقوله: يخافون ربهم من فوقهم [النحل/ 50]، والمعنى: خافوا عقابي، كما قال: ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء/ 57]. [الاعراف: 57] اختلفوا في قوله «5»: وهو الّذي يرسل الرّياح نشرا بين يدي رحمته [الأعراف/ 57]، فقرأ ابن كثير: وهو الّذي يرسل الرّيح واحدة، (نشرا) مضمومة النون والشين. وقرأ أبو عمرو، ونافع: (الرياح) جماعة (نشرا) مضمومة النون والشين أيضا «6». وقرأ ابن عامر: (الرّياح) جماعة «7» (نشرا) مضمومة النون ساكنة الشين.

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) ورد الرجز في الخصائص دون أن يذكر قائله. وهو في وصف إبل قد أتعبها السير فهي تمد أعناقها. انظر الخصائص 3/ 77. الخزانة 4/ 530. (3) في (ط): وأما. (4) في (ط) «وخافون». (5) في (ط): عز وجل. (6) سقطت من (م). (7) سقطت من (م).

وقرأ عاصم: الرياح جماعة. بشرا بالباء. ساكنة الشين منونة. وقرأ حمزة والكسائيّ: (الريح) على التوحيد، (نشرا) بفتح النون ساكنة الشين منونة «1». القول في إفراد الريح وجمعها «2»: اعلم أنّ الريح اسم على فعل، والعين منه واو، فانقلبت في الواحد للكسرة. فأمّا في الجمع القليل: أرواح، فصحّت لأنّه لا شيء فيه يوجبها «3» الإعلال، ألا ترى أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في نحو قوم، وقول، وعون؟ وأمّا «4» في الجمع الكثير فرياح، فانقلبت «5» الواو ياء للكسرة التي قبلها، وإذا كانت قد انقلبت في نحو ديمة، وديم، وحيلة وحيل، فأن تنقلب في رياح أجدر لوقوع الألف بعدها، والألف تشبه الياء «6»، والياء إذا تأخّرت عن الواو أوجبت فيها الإعلال؛ فكذلك الألف لشبهها بها، وقد يجوز أن يكون (الريح) على لفظ الواحد، ويراد بها الكثرة. كقولك: كثر

_ (1) سقطت من (ط). وانظر السبعة ص 283. (2) بين (ط) و (م) تقديم وتأخير في عدة صفحات ولكن الكلام مستقيم. (3) في (ط): يوجب. (4) في (ط): فأما. (5) في (ط) انقلبت؛ بسقوط الفاء. (6) في (ط): التاء وهو تصحيف.

الدينار والدرهم، والشاء والبعير، وإن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2]، ثم قال: إلا الذين آمنوا [العصر/ 3]، فكذلك من قرأ: (الريح- نشرا)، فأفرد، ووصفه «1» بالجمع، فإنّه حمله على المعنى وقد أجازه أبو الحسن. «2» وقد «3» قال: فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا .... «4». فمن نصب حمله على المعنى لأن المفرد يراد به الجمع، وهذا وجه «5» قراءة ابن كثير. ألا ترى أنّه أفرد الريح، ووصفه بالجمع في قوله: (نشرا بين يدي رحمته) [الأعراف/ 57]، فلا تكون الريح على هذا إلّا اسم الجنس «6».

_ (1) في (م) وصفه. (2) في (ط): وقد أجاز أبو الحسن ذلك. (3) سقطت من (ط). (4) جزء من بيت لعنترة وتمامه: فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم وهو من معلقته. والأسحم: الأسود- وصف رهط عشيقته بالغنى والتمول. انظر الديوان ص 193 وشرح المعلقات السبع للزوزني/ 139 والخزانة 3/ 310. (5) في (ط): فهذا وجه. (6) كذا في (ط)، وعبارة (م) اسما الجنس.

وقول من جمع الريح، إذا وصفها بالجميع «1» الذي هو (نشرا) أحسن، لأنّ الحمل على المعنى ليس بكثرة الحمل على اللفظ، ويؤكد ذلك قوله: الرياح مبشرات فلمّا وصفت بالجمع جمع الموصوف أيضا. ومما جاء فيه الجمع القليل بالواو قول ذي الرّمّة «2»: إذا هبّت الأرواح من نحو جانب ... به آل ميّ هاج شوقي هبوبها وليس ذلك كعيد وأعياد، لأنّ هذا بدل لازم، وليس البدل في الريح كذلك. فأمّا ما جاء في الحديث من أنّ النبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم «3» كان يقول إذا هبّت ريح: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» «4» ، فلأنّ عامّة ما جاء في التنزيل، على لفظ الرياح للسقيا والرحمة كقوله: [عزّ من قائل] «5»: وأرسلنا الرياح لواقح [الحجر/ 22]. وكقوله «6»: ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46] وقوله «7» الله الذي يرسل الرياح فتثير

_ (1) في (ط): بالجمع. (2) انظر ديوانه 2/ 694. (3) سقطت من (ط). (4) ذكره الخطابي في شأن الدعاء ص 190 وغريب الحديث 1/ 679 والهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 135 وابن حجر في المطالب العالية 3/ 238 والإمام النووي في الأذكار، انظر شرحها لابن علان 4/ 276، 277. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): وقوله. (7) سقطت من (م).

سحابا فيبسطه في السماء [الروم/ 48]. وما «1» جاء بخلاف ذلك جاء على الإفراد كقوله: وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم [الذاريات/ 41]، وقوله: وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر [الحاقة/ 6]، بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها [الأحقاف/ 24]، فجاءت في هذه المواضع على لفظ الإفراد وفي خلافها على لفظ الجميع «2». أبو عبيدة «3»: (نشرا) أي متفرقة من كلّ جانب، وقال أبو زيد: قد أنشر الله الريح إنشارا، إذا بعثها، وقد أرسلها نشرا بعد الموت. قال أبو علي: أنشر الله الريح إنشارا «4» مثل أحياها، فنشرت هي، أي: حييت، والدليل على أنّ إنشار الريح إحياؤها قول المرّار الفقعسي «5»:

_ (1) في (ط): ومما جاء. (2) في (ط): الجمع. (3) في (ط): وقال أبو عبيدة. وعبارته في مجاز القرآن 1/ 217، أي: «متفرقة من كل مهب وجانب وناحية». وما عندنا هو في بعض روايات نسخة في هامش المجاز. (4) كذا في (ط) وسقطت من (م). (5) هو المرار بن سعيد بن حبيب الفقعسي أبو حسان، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية انظر الأعلام 7/ 199 فقد أحال على مواطن ترجمته. ورواية اللسان للبيت: وهبت له ريح الجنوب وأنشرت ... له ريدة يحيي الممات نسيمها والريدة: الريح اللينة. انظر اللسان مادة/ ريد/.

وهبّت له ريح الجنوب وأحييت ... له ريدة يحيي المياه نسيمها وكما «1» جاء أحييت كذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: أنشر الله الريح، معناه: الإحياء. وممّا يدلّ على ذلك «2» أنّ الريح قد وصفت بالموت، كما وصفت بالحياة: قال «3». إني لأرجو أن تموت الريح ... فأقعد اليوم وأستريح فقال: تموت الريح. بخلاف ما قاله الآخر: وأحييت له ريدة ... والرّيدة: الريح، قال «4»: أودت به ريدانة صرصرّ وقراءة «5» من قرأ (نشرا) يحتمل ضربين: يجوز أن يكون جمع ريح نشور، وريح ناشر. ويكون «6»: ناشر على معنى

_ (1) في (ط): فكما. (2) سقطت من (م). (3) ذكره اللسان في مادة/ موت/ ولم ينسبه ويروى (فأسكن اليوم). (4) عجز بيت لابن ميادة في شعره ص 122 وتمامه: أهاجك المنزل والمحضرّ ... أودت به ريدانة صرصرّ وانظر المنصف 2/ 11 وقد جاءت القافية في شعره مخففة. (5) في (ط): فقراءة. (6) في (ط): ويكون ريح ناشر.

النسب؛ فإذا جعلته جمع نشور احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون النشور بمعنى المنتشر، كما أنّ الركوب بمعنى المركوب. قال «1»: وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... بلحييك عاديّ الطريق ركوب وقال أوس: تضمّنها وهم ركوب كأنّها «2» * إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق «3» كأنّ المعنى: ريح أو رياح منشرات «4». ويجوز أن يكون نشرا: جمع نشور يراد به الفاعل، كأنّه كطهور ونحوه من الصفات. ويجوز أن يكون نشرا: جمع ناشر، كشاهد وشهد، وبازل وبزل، وقاتل وقتل، وقال الأعشى «5»: إنا لأمثالكم يا قومنا قتل

_ (1) سبق في 3/ 243. (2) في (ط): كأنه. (3) الوهم: الطريق الواضح- والركوب: الذي قد ذلّله كثرة الوطء مرة بعد مرة، والمخارم: ج مخرم وهو منقطع أنف الجبل والرزدق في اللسان: السطر من النخيل والصف من الناس، وهو معرب. انظر ديوانه/ 77. (4) في (ط): منشرة. (5) صدر البيت: كلا زعمتم بأنّا لا نقاتلكم انظر ديوانه/ 61.

وقول ابن عامر: نشرا يحتمل الوجهين: أن يكون جمع فعول وفاعل، فخفّف العين، كما يقال: كتب ورسل، ويكون جمع فاعل كبازل وبزل وعائط وعيط. وأمّا قراءة حمزة والكسائيّ نشرا فإنه «1» يحتمل ضربين: يجوز أن يكون المصدر حالا من الريح فإذا جعلته حالا منها احتمل أمرين: أحدهما أن يكون النّشر الذي هو خلاف الطيّ، كأنّها كانت «2» بانقطاعها كالمطويّة، ويجوز على تأويل أبي عبيدة «3»، أن تكون متفرقة في وجوهها. والآخر: أن يكون النشر، الذي هو الحياة في قوله «4»: يا عجبا للميّت الناشر فإذا حملته على ذلك وهو الوجه، كان المصدر يراد به الفاعل كما تقول: أتانا ركضا، أي: راكضا، ويجوز أن يكون المصدر يراد به المفعول، كأنّه يرسل الرياح إنشارا، أي: محياة؛ فحذف الزوائد من المصدر كما قالوا: عمرك الله، وكما قال «5»: فإن يهلك فذلك كان قدري أي: تقديري.

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) كذا في (ط) وسقطت من (م). (3) سبق قول أبي عبيدة قريبا. (4) عجز بيت للأعشى وصدره: حتى يقول الناس ممّا رأوا انظر ديوانه/ 141 (5) سبق في 2/ 129.

الاعراف: 59

والضرب الآخر: أن يكون نشرا على قراءتهما ينتصب انتصاب المصادر من باب صنع الله [النمل/ 88]. لأنه إذا قال يرسل الرياح دلّ هذا الكلام على: ينشر الريح نشرا أو تنشر نشرا، من قوله «1»: كما تنشّر بعد الطية الكتب ... ومن نشرت الريح مثل نشر الميت. وقراءة عاصم: بشرا؛ فهو جمع بشير، وبشر من قوله: يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46]. أي تبشّر بالمطر والرحمة، وجمع بشيرا على بشر، ككتاب وكتب «2». [الاعراف: 59] اختلفوا في الرفع والخفض في قوله تعالى «3»: من إله غيره [الأعراف/ 59]. فقرأ الكسائي وحده ما لكم من إله غيره* خفضا، وقرأ الباقون: [ما لكم من إله غيره] رفعا في كلّ القرآن. وقرأ حمزة والكسائيّ: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] خفضا.

_ (1) هو عجز بيت لذي الرّمّة وصدره: أم دمنة نسفت عنها الصبا سفعا الدمنة: واحدة الدمن وهو ما سوّد بالرماد. والسفعة ما خالف لون الأرض وهو يضرب إلى السواد. انظر ديوانه 1/ 15. واللسان/ طوى/ وفيه: من دمنة. (2) إلى هنا ينتهي التقديم والتأخير المشار إليه في الصفحة 32. (3) في (ط): من قوله عز وجل. وفي السبعة: «ومن قوله».

وقرأ الباقون: غير الله رفعا «1». وجه قراءة الكسائي في: ما لكم من إله غيره* بالجرّ أنّه جعل غيرا صفة لإله على اللفظ، وجعل لكم مستقرا، أو جعله غير مستقر، وأضمر الخبر، والخبر: ما لكم في الوجود أو العالم، ونحو ذلك، لا بدّ من هذا الإضمار «2»، إذا لم يجعل لكم «3» مستقرا لأنّ الصفة والموصوف، لا يستقلّ بهما كلام. وحجة من قرأ ذلك رفعا ما لكم من إله غيره قوله: وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62]، فكما أنّ قوله إلّا الله بدل من قوله: ما من إله كذلك قوله: غير الله يكون بدلا من قوله من إله وغيره يكون بمنزلة الاسم الذي «4» بعد إلّا، وهذا الذي ذكرنا أولى أن يحمل عليه من أن يجعل غير صفة لإله على الموضع. فإن قلت: ما تنكر أن يكون إلا الله صفة لقوله: من إله على الموضع. كما كان قوله: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [الأنبياء/ 22]. صفة لآلهة. فالقول أنّ «إلّا» بكونها استثناء أعرف، وأكثر من كونها صفة، وإنّما جعلت صفة على التشبيه بغير؛ فإذا كان بالاستثناء أولى حملنا: هل من خالق غير الله على الاستثناء من المنفي

_ (1) السبعة ص 284 وما بين معقوفين منه. (2) كذا في (ط). وفي (م): والإضمار. (3) سقطت من (م). (4) في (م): الأسماء الذي.

الاعراف: 62

في المعنى، لأنّ قوله: هل من خالق غير الله بمنزلة: ما من خالق غير الله، ولا بدّ من إضمار الخبر، كأنّه: ما من خالق للعالم غير الله، ويؤكّد ذلك قوله: لا إله إلا الله [محمد/ 19] فهذا استثناء من منفي مثل: لا أحد في الدار إلّا زيد. فأمّا قراءة حمزة والكسائيّ: هل من خالق غير الله فعلى أن جعلا غير* صفة للخالق، وأضمر الخبر كما تقدّم. والباقون جعلوه استثناء بدلا من المنفي، وهو الأولى عندنا لما تقدّم من الاستشهاد عليه من قوله: وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62]. [الاعراف: 62] واختلفوا «1» في تشديد اللّام وتخفيفها من قوله تعالى: أبلغكم [الأعراف/ 62]. فقرأ أبو عمرو وحده: أبلغكم* ساكنة الباء خفيفة اللّام مضمومة الغين في كلّ القرآن. وقرأ الباقون: أبلغكم بفتح الباء وتشديد اللّام في كلّ القرآن «2». القول: إنّ بلغ* فعل يتعدى إلى مفعول واحد «3» في

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) السبعة ص 284 مع اختلاف يسير. (3) سقطت من (ط).

الاعراف: 81، 80

نحو: بلغني خبرك «1»، وبلغت أرضك جريبا «2». فإذا نقلته تعدى إلى مفعولين. والنقل تارة يكون بالهمز وأخرى بتضعيف العين، وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل، قال: فإن تولوا فقد أبلغتكم [هود/ 57]. فهذا. نقل بالهمزة، والنّقل بالتضعيف، يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته [المائدة/ 67]، فكلا الأمرين في التنزيل، وكلّ واحدة من اللغتين مثل الأخرى في مجيء التنزيل بهما، وفي الحديث: «اللهم هل بلّغت» «3». [الاعراف: 81، 80] واختلفوا في الاستفهامين يجتمعان، فاستفهم فيها «4» بعضهم، واكتفى بعضهم بالأول من الثاني. فممن استفهم بهما جميعا عبد الله بن كثير، وأبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة «5» كانوا يقرءون: ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ... أئنكم لتأتون الرجال

_ (1) في (ط): خبركم. (2) الجريب من الأرض مقدار معلوم من الذراع والمساحة وهو عشرة أقفزة، انظر اللسان/ جرب/. (3) من حديث طويل في مسلم برقم (901) باب صلاة الكسوف. (4) كذا الأصل «فيها» وفي السبعة «بهما» وقال محققه في الحاشية عن الأصل وت وش: «فيهما». ولعل هذه الأخيرة هي المرادة عندنا وسقط الميم من الناسخ، بدليل ما جاء بعدها من قوله: فممن استفهم بهما .. (5) قراءة العبارة في (ط): أبي بكر عنه وحمزة.

[الأعراف/ 80، 81]، أإذا كنا ترابا [الرعد/ 5]، وما كان مثله في كلّ «1» القرآن باستفهام. وروى حفص عن عاصم: إنكم في الأعراف. مثل نافع، وكذلك في العنكبوت [28 - 29] غير أنّهم اختلفوا في الهمز. وقرأ عاصم بهمزتين، وكذلك حمزة، ولم يهمز ابن كثير، وأبو عمرو إلّا واحدة. وممّن اكتفى بالاستفهام الأول من الثاني: نافع والكسائيّ؛ فكانا يقرءان: أءذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد [الرعد/ 5]، أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون [الصافات/ 16]، وما كان مثله في القرآن كلّه، إلّا أن الكسائيّ همز همزتين ونافع لم يهمز إلّا واحدة. وخالف نافع الكسائي في قصة لوط، فكان نافع يمضي على ما أصّل «2»، وكان الكسائيّ يقرأ بالاستفهامين جميعا في قصة لوط، ثم اختلفا في العنكبوت «3»: أئنكم لتأتون الرجال [الآية/ 29]؛ فكان نافع يستفهم بالثاني ولا يستفهم بالأول، وكان الكسائيّ يستفهم بهما جميعا. اختلفوا «4» في سورة النمل في قوله: وقال الذين كفروا

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): أصله. (3) في (ط): واختلفا في قوله في العنكبوت. (4) في (ط): واختلفوا.

أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا [67] باستفهام. فقرأ «1» الكسائيّ أإذا كنا ترابا بهمزتين. وو آباؤنا إننا بنونين من غير استفهام. وقرأ ابن عامر ضد قراءة نافع والكسائي «2» في عامّة ذلك، فكان لا يستفهم بالأول ويستفهم بالثاني، وهمز «3» همزتين في كلّ القرآن إلّا في حرفين؛ فإنه خالف فيهما هذا الأصل؛ فقرأ في الواقعة: أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا [الآية/ 47]، جمع بين الاستفهامين. وفي النازعات: أئنا لمردودون في الحافرة [الآية/ 10] بالاستفهام، إذا كنا عظاما* [الآية/ 11] بغير استفهام، وقرأ في النمل غير ذلك: وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا لمخرجون [الآية/ 67] كقراءة الكسائي، ومضى في العنكبوت على الأصل الذي أصّل من ترك الاستفهام في الأول «4». قوله: أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها [الأعراف/ 80] إنكم لتأتون الرجال [الأعراف/ 81]. كل واحد من الاستفهامين كلام مستقل لا حاجة بواحد من الكلامين إلى الآخر فيما يستقل به.

_ (1) في (ط): «وقرأ». (2) في (ط): ضد قراءة الكسائي. (3) في (ط): ويهمز. (4) انظر السبعة ص 285، 286 ففي النص اختلاف عمّا هنا من حيث بسط المسألة والتقديم والتأخير.

فلو قال: إنّ قوله: إنكم لتأتون الرجال تقرير؛ فهو بمنزلة الإخبار، وإن كان على لفظ الاستفهام «1» وإذا «2» كان كذلك جعلت: أئنكم «3» لتأتون الرجال تفسيرا للفاحشة، كما أن قوله: للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء/ 176] تفسير للوصية؛ لكان «4» قولا. فأمّا قوله: أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا [النمل/ 67] فليس مثل قوله: أتأتون الفاحشة [الأعراف/ 80] أئنكم لتأتون الرجال [الأعراف/ 81]، لأنّ الاستفهامين هنا قد استثقلا وليس كذلك قوله: أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا، ألا ترى أنّ قوله: إذا* في قوله: إذا كنا ترابا، ظرف من الزمان يقتضي أن يكون متعلقا بشيء، وليس في الكلام ما يتعلق به. فإن قلت: فلم لا يتعلق إذا* بقوله: كنا*؟ قيل: لا يجوز ذلك، لأنّ كنّا مضاف إليه، ألا ترى أنّ إذا مضاف إلى كنّا، والمضاف والمضاف إليه لا يكون منهما كلام مستقل، كما لا يكون من الصفة والموصوف. فإن قلت: فاجعل الفعل في موضع جزم بإذا لتكون إذا معمولة. فإنّ ذلك لم يجيء في الكلام، إنّما يجيء في الشعر،

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) في (ط): فإذا. (3) في (ط): إنكم. (4) جملة «لكان قولا» جواب لقوله: «فلو قال».

فإذا كان كذلك، فلا بدّ من تعليق إذا بشيء يكون معمولا، ويستقلّ به الكلام، وذلك نبعث أو نحشر، التقدير: أنبعث إذا كنا ترابا. فحذف نبعث في اللفظ لدلالة: أئنا لمبعوثون عليه- ولا يجوز أن يتعلق إذا في «1» قوله: أإذا كنا ترابا بقوله: مبعوثون لأنّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه ما بعد الاستفهام، ولكن يتعلق بالمضمر الذي ذكرنا. ومثل ذلك قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]، فقوله: يوم يرون الملائكة متعلق بما دلّ عليه هذا الكلام من قوله: يحزنون، ولا يتعلق بشيء مما بعد لا* من قوله: لا بشرى يومئذ للمجرمين. قال: روى «2» حفص عن عاصم إنكم* في الأعراف مثل نافع؛ وكذلك في العنكبوت، غير أنّهم اختلفوا في الهمز. فقرأ عاصم بهمزتين، وكذلك حمزة، ولم يهمز ابن كثير، وأبو عمرو، إلّا واحدة، يريد أحمد بن موسى بقوله: إلّا واحدة، أنهم خففوا إحدى الهمزتين، ولم يحقّقوهما كما حقّقهما عاصم وحمزة. قال: وممّن اكتفى بالاستفهام الأول من الثاني نافع

_ (1) في (ط): من قوله. (2) في (ط): وروى.

والكسائيّ، وكانا يقرءان: أئذا كنا ترابا، إنا لفي خلق جديد [الرعد/ 5] أءذا متنا وكنا ترابا .. إنا لمبعوثون [الواقعة/ 47] وما كان مثله في القرآن كلّه، إلّا أنّ الكسائيّ همز همزتين ونافع لم يهمز إلّا واحدة. يريد أحمد بقوله: إلّا أنّ الكسائيّ همز همزتين، أنّه حقّقهما كما يحقّقهما عاصم وحمزة، وخفّف نافع إحداهما «1». والقول في قوله: أءذا كنا ترابا، إنا لفي خلق جديد: أنّ إذا متعلق بفعل مضمر يدلّ عليه قوله: إنا لفي خلق جديد* تقديره: أإذا كنّا ترابا نبعث أو نحشر أو نعاد، لأنّ قوله: إنا لفي خلق جديد*، يدلّ على هذا الضرب من الفعل، ولا يجوز أن يتعلق إذا بجديد؛ لأنّ ما بعد إن لا تعمل «2» فيما قبلها، كما أنّ ما بعد لام الابتداء، لا يعمل فيما قبلها، وكذلك القول في «3» قوله: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون [المؤمنون/ 82]. قال أحمد: وخالف نافعا الكسائيّ في قصة لوط، فكان نافع يمضي على ما أصّل، وكان الكسائيّ يقرأ بالاستفهامين جميعا في قصة لوط: وقد «4» تقدم ذكر ذلك. قال أحمد: واختلفا في قوله في العنكبوت: أئنكم

_ (1) في (م) احديهما. (2) في (ط): لا يعمل. (3) سقطت في من (ط). (4) في (ط): قد تقدم.

لتأتون الرجال، فكان نافع يستفهم بالثاني ولا يستفهم بالأول، وكان الكسائيّ يستفهم بهما جميعا. كل واحد من الاستفهامين جملة مستقلة لا تحتاج في تمامها إلى شيء، فمن ألحق حرف الاستفهام جملة نقلها به من الخبر إلى الاستخبار، ومن لم يلحقها بقّاها على الخبر. واختلفا «1» في سورة النمل في قوله: وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا [الآية/ 67]. فقرأ نافع وقال الذين كفروا إئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا باستفهام. وقرأ الكسائيّ: أئذا كنا ترابا بهمزتين، وآباؤنا إننا بنونين من غير استفهام. وجه قراءة نافع: إذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا أن إذا* لا بدّ من أن يحمل على فعل، يدلك على ذلك أنّه لا يخلو من أن يترك الكلام على ظاهره؛ فلا يضمر شيء، أو يضمر الفعل؛ ليحمل إذا عليه، فلا يجوز إن ترك «2» على ظاهره، لأنّ ما بعد الاستفهام. لا يعمل فيما قبله، وكذلك ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها، وقد اجتمع الأمران في قوله: إذا كنا ترابا أئنا. فإذا لم يجز حمل إذا على شيء من هذا الكلام ظاهر،

_ (1) في (ط): قال: واختلفا. وفي السبعة: واختلف الكسائي ونافع- انظر ص 286. (2) في (ط): يترك.

فلا بدّ من إضمار الفعل وتقدير ذلك الفعل: أنبعث أو نحشر، أو نخرج، ودلّك «1» قوله: إنا لمبعوثون* على ذلك، وكذلك قراءة الكسائي: أإذا كنا ترابا، وآباؤنا بهمزتين أيضا، وينبغي أن يقدر فعل في الكلام، يتعلق إذا به، يدلّ على ذلك أنّ إذا لا يجوز تعلّقها بشيء قبلها، لأنّ ما في حيّز الاستفهام ينقطع مما قبله، فلا يتعلق به، ولا يجوز أن يتعلق [ما بعد إنّ من قوله] «2»: إنّنا، لأنّ إنّ لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، كما أنّ الاستفهام، ولام الابتداء، كذلك. ومثلهما في هذا لا* النافية التي تبنى مع المفرد المنكور على الفتح، نحو: لا رجل؛ فإذا لم يجز تعلّقها بما قبلها، ولا بما بعدها فلا بدّ من فعل مضمر يتعلق به إذا، وهو الفعل الذي تقدّم ذكره، ولا يجوز تعلّق إذا بالفعل الذي بعدها، لأنّها مضافة إليه، ولو جاز ذلك لجاز: القتال زيدا حين يأتي، يريد: القتال حين يأتي زيدا. وأمّا قراءته: إننا* بنونين؛ فلأنّه جاء به على الأصل، ومن قرأ: إنا* حذف من النونات واحدة كراهة اجتماع الأمثال والمحذوفة، وهي الوسطى، لأن علامة الضمير لا تحذف. فإن قلت: إن التكرير إنّما وقع بالتي هي علامة الضمير، فهي لذلك أولى بالحذف. قيل: إنه* وإن كان كذلك لم يحذف، لأنّها لم تحذف في موضع، ونظير ذلك في أن الحذف وقع في غير الآخر قولهم: في تحقير ذا* ذيّا حذف

_ (1) في (ط): ويدلك. (2) ما بين معقوفين ورد في (ط): بما بعد إن في قوله.

الأول من الأمثال، وكان أصله: ذييّا، فلم تحذف الياء للتحقير، ولم تحذف التي هي لام لما كان يلزم من تحريك ياء التحقير، وهي لم تحرّك في موضع. قال «1»: وقرأ ابن عامر ضدّ قراءة نافع والكسائي في عامة ذلك، فكان لا يستفهم بالأول ويستفهم بالثاني، ويهمز همزتين في كلّ القرآن إلّا في حرفين. [قال أبو علي] «2»: إلحاق حرف الاستفهام الأول نحو: أءذا كنا ترابا ... إنا لمبعوثون أحسن لأمرين: أحدهما: أنّ قوله: لمبعوثون* «3»، لمّا كان يدلّ على يبعث ونحوه مما يتعلق إذا* به صار كجزء من الكلام الذي دخل عليه حرف الاستفهام. والآخر: أنّ الكلام الأول إذا دخل عليه الاستفهام قد ذكر حرفه، وأريد في الكلام الثاني كان أحسن لأنّه على الاستفهام أدلّ. ووجه قول ابن عامر: أنّ الدلالة مما تذكر بعد قد يكون كالدّلالة فيما يذكر قبل، ألا ترى أنّ من قرأ: ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] إنما يريد: لا تحسبنّ بخل الذين يبخلون؛

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): إنا لمبعوثون.

الاعراف: 75

فأضمر البخل لدلالة ما يجيء من بعد عليه في «1» قوله: يبخلون فكذلك الاستفهام إذا ذكر حرفه بعد، يدل على إرادته فيما تقدمه. ووجه قراءة ابن عامر في الواقعة: أإذا متنا وكنا ترابا أئنا [الآية/ 47]. فعلق إذا* بالمضمر على ما تقدّم، وقراءته في النازعات: أئنا لمردودون في الحافرة. إذا كنا [الآية/ 10 - 11] فإنّ قوله إذا* إذا لم يدخل عليه حرف الاستفهام، جاز تعلقه بقوله: مردودون، وإذا «2» ألحق إذا حرف الاستفهام، لم يكن بدّ من إضمار فعل. قال: وقرأ في النمل غير ذلك: وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا لمخرجون [الآية/ 67]، كقراءة الكسائي، ومضى في العنكبوت على ما أصّل من ترك الاستفهام في «3» الأول. قوله: إذا كنا ترابا* ينبغي أن يتعلق بمضمر على نحو «4» ما تقدّم به القول في نحوه. [الاعراف: 75] قرأ ابن عامر في الأعراف [75] في قصة صالح: وقال الملأ الذين استكبروا بإثبات الواو، وكذلك هي في مصاحفهم.

_ (1) في (ط): من. (2) في (ط): ولو وفي (م) كانت لو فشطب عليها وصححها على الهامش وإذا. (3) في (م): (من) وما أثبته من (ط) وموافق للسبعة. (4) سقطت نحو من (ط).

الاعراف: 96

وقرأ الباقون بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم «1». قد قلنا فيما تقدّم في نحو هذه الواو أنّ إثباتها حسن وحذفها حسن. [الاعراف: 96] كلّهم قرأ لفتحنا عليهم [الأعراف/ 96] خفيفة غير ابن عامر، فإنّه قرأ لفتحنا عليهم مشددة التاء «2». قد تقدّم القول في هذا. [الاعراف: 98] اختلفوا في فتح الواو وإسكانها من قوله تعالى «3»: أوأمن [الأعراف/ 98]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: أو أمن بإسكان «4» الواو. وروى ورش عن نافع أو امن «5» يفتح «6» ويدع الهمزة، ويلقي حركتها على الواو. وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أو أمن بتحريك الواو، غير أن ابن كثير كان ينصب الواو في الصافات [17] والواقعة [48]. وكان نافع وابن عامر يقفانها في الثلاثة المواضع «7».

_ (1) السبعة 284. (2) السبعة ص 286. (3) في (ط): عز وجل. (4) في (ط) بسكون. (5) رسمها في (ط): (أو من). (6) سقطت «يفتح» من (ط). (7) السبعة ص 287.

[قال أبو علي] «1»: أو: حرف استعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون بمعنى أحد الشيئين أو الأشياء في الخبر والاستفهام. والآخر: أن يكون للإضراب عمّا قبلها في الخبر والاستفهام، كما أنّ «أم» المنقطعة في الاستفهام، والخبر كذلك. فأمّا «أو» «2» التي تكون لأحد الشيئين أو الأشياء، فمثاله في الخبر: زيد أو عمرو جاء، وزيد أو عمرو ضربته كما تقول: أحدهما جاء، وأحدهما ضربته، وهي إذا كانت للإباحة، كذلك أيضا، وذلك قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، ويدلّك على أنّها ليست بمعنى الواو أنّه إذا جالس أحدهما؛ فقد ائتمر للأمر، ولم يخالفه، وإنّما جاز له الجمع بين مجالستهما من حيث كان كلّ واحد منهما مجالسته بمعنى مجالسة الآخر، ليس من حيث كانت «أو» بمعنى الواو، وقول الشاعر «3»: وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما ... أو يسرحوه بها واغبرّت «4» السّوح إنّما حسن له استعمال أو، مع أنّه لا يجوز: سيّان

_ (1) سقطت من (م). (2) سقطت من (ط). (3) سبق انظر 1/ 266. (4) في (ط): فاغبرّت.

أحدهما؛ أنّه رأى نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين؛ فيجوز له أن يجمع بين مجالستهما. وأمّا «أو» التي تجيء للإضراب بعد الخبر والاستفهام، فكقولك: أنا أخرج، ثم تقول: أو أقيم، أضرب «1» عن الخروج وأثبت الإقامة، كأنّك قلت: لا بل أقيم، كما أنّك في قولك: «إنّها لإبل أم شاء» مضرب عن الأول، ولا تقع بعد أو هذه إلّا جملة، كما لا تقع «2» بعد «أم» إذا كانت للإضراب إلّا جملة. ومن ثمّ قال سيبويه: في قوله «3»: ولا تطع منهم آثما أو كفورا [الإنسان/ 24]، إنّك لو قلت: أو لا تطع كفورا، انقلب المعنى «4»، وإنّما كان ينقلب المعنى لأنّه إذا قال: لا تطع آثما أو كفورا، فكأنّه قال: لا تطع هذا الضّرب، ولا تطع هؤلاء، وإنّما لزمه أن لا يطيع أحدا «5» منهما، لأنّ كلّ واحد منهما في معنى الآخر في وجوب ترك الطاعة له، كما جاز له أن يجمع بين مجالسة الحسن وابن سيرين، لأنّ كلّ واحد منهما أهل للمجالسة، ومجالسة كلّ واحد منهما كمجالسة الآخر، ولو قال: لا تطع آثما أو لا تطع كفورا، كان بقوله: أو لا تطع، قد

_ (1) في (ط): أضربت. (2) في (ط): يقع. (3) في (ط): قوله عز وجل. (4) انظر سيبويه 1/ 489 - 491. (5) في (ط): واحدا.

الاعراف: 105

أضرب عن ترك طاعة الأوّل، فكان يجوز أن يطيعه، وفي جواز ذلك انقلاب المعنى. فوجه قراءة من قرأ: أو أمن، أنّه جعل أو للإضراب لا على أنّه أبطل الأوّل، ولكن كقوله «1»: الم، تنزيل الكتاب لا ريب فيه [السجدة/ 1 - 2]، ثم قال: أم يقولون افتراه [السجدة/ 3]، فجاء هذا ليبصّروا ضلالتهم، فكأنّ المعنى: أأمنوا هذه الضروب من معاقبتهم، والأخذ لهم، وإن شئت جعلته أو التي في قولك: ضربت زيدا أو عمرا، كأنّك أردت: أفأمنوا إحدى هذه العقوبات؟ ووجه قراءة من قرأ: أوأمن أهل القرى [الأعراف/ 98] أنّه أدخل همزة الاستفهام على حرف العطف، كما دخل في نحو قوله: أثم إذا ما وقع [يونس/ 51]. وقوله: أوكلما عاهدوا عهدا [البقرة/ 100]. ومن حجة من قرأ ذلك: أنّه أشبه بما قبله وما بعده، ألا ترى أنّ قبله: أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا وبعده أفأمنوا مكر الله [الأعراف/ 99] أولم يهد للذين يرثون الأرض [الأعراف/ 100]، فكما أنّ هذه الأشياء، حروف عطف دخل عليها حرف الاستفهام، كذلك يكون قوله: أوأمن. [الاعراف: 105] اختلفوا في تشديد الياء وتخفيفها من قوله جلّ وعزّ: حقيق علي أن لا أقول [الأعراف/ 105].

_ (1) في (ط): كقوله عز وجل.

فقرأ نافع وحده: حقيق على أن لا أقول بتشديد الياء ونصبها. وقرأ الباقون بتخفيف الياء وهي مرسلة «1». حجة نافع «2» في قوله عزّ وجلّ «3»: حقيق علي وإيصاله له بعلي* أنّه يسوغ من وجهين: أحدهما: أنّ «حقّ» الذي هو «4» فعل، قد تعدّى بعلى، قال: فحق علينا قول ربنا [الصافات/ 31]، وقال: فحق عليها القول [الإسراء/ 16]، فحقيق يتصل بعلى من هذا الوجه. والوجه «5» الآخر: أنّ حقيق بمعنى واجب، فكما أنّ وجب يتعدى بعلى، كذلك تعدى حقيق به إذا أريد به ما أريد بواجب. وأمّا من قرأ: حقيق على فجاز تعدّيه «6» بعلى من الوجهين اللّذين ذكرنا. وقد قالوا: هو حقيق بكذا، فيجوز على هذا أن يكون «7»

_ (1) السبعة ص 287 وفي العبارة اختلاف يسير والمؤدى واحد. (2) في (م): نافع وغيره. (3) «عز وجل» زيادة في (ط). (4) سقطت من (م). (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): تعديته. (7) في (ط): تكون.

الاعراف: 111

على بمنزلة الباء تقول: «حقيق على أن». فتضع على موضع الباء. قال أبو الحسن: قال «1»: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون [الأعراف/ 86]، فكما وقعت الباء في قوله: بكل صراط توعدون موقع على، كذلك وقعت على موقع الباء في قوله: حقيق على أن لا. قال: والأول أحسنهما عندنا «2»، يعني: حقيق على أن لا بالألف غير مضاف إلى المتكلم. قال: لأنّ حقيق على، معناها الباء، أي حقيق بذا، قال: وليس ذلك بالمقيس لو قلت: ذهبت على زيد، وأنت تريد بزيد؛ لم يجز، قال «3»: وجاز في علي* «4» لأنّ القراءة قد وردت به. [الاعراف: 111] اختلفوا في الهمز وإسقاطه من قوله تعالى «5»: قالوا أرجه وأخاه [الأعراف/ 111]. فقرأ ابن كثير أرجئهو وأخاه مهموز بواو بعد الهاء في اللّفظ، وقرأ أبو عمرو مثله، غير أنّه كان يضم الهاء ضمة من غير أن يبلغ بها الواو، وكانا يهمزان مرجئون [التوبة/ 106] وترجئ من تشاء [الأحزاب/ 51].

_ (1) في (ط): كما قال عز وجل. (2) انظر معاني القرآن 2/ 307. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): «الآية» بدل: «علي». (5) في (ط): عز وجل.

وقرأ نافع [وحده] «1» أرجه وأخاه بكسر الهاء، ولا يبلغ بها الياء، ولا يهمز. هذه رواية المسيّبي وقالون. وروى ورش عنه: أرجهي وأخاه يصلها بياء، ولا يهمز بين الجيم والهاء، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر عن نافع. وقال خلف وابن سعدان عن إسحاق عن نافع أنّه وصل «2» الهاء بياء. وقرأ ابن عامر: أرجئه وأخاه في رواية هشام بن عمار مثل أبي عمرو. وفي رواية ابن ذكوان: كسرها بالهمز، وكسر الهاء «3» أرجئه، وهمز مرجئون وترجئ، وهذا غلط، لا يجوز كسر الهاء مع الهمز «4»، وإنما يجوز إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة. واختلف عن عاصم فروى هارون بن حاتم عن حسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ مثل أبي عمرو أرجئه مهموزا. وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر أنه ربما كان همزها ورفع الهاء.

_ (1) زيادة من (ط) وليست في (م) ولا في السبعة. (2) في (م): يصل. وما أثبتناه من (ط) والسبعة. (3) في السبعة: «بالهمز وكسر الهاء». (4) في (ط): الهمزة.

وحدّثني محمد بن الجهم عن ابن أبي أميّة عن أبي بكر عن عاصم أرجئه مهموز «1» ساكنة الهاء. وقال محمد بن الجهم فيما نحسب- شكّ ابن الجهم-: بهمز «2» الألف التي قبل الراء. وقال إبراهيم بن أحمد الوكيعي عن أبيه عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: أرجئه مهموز «3» جزم. حدّثني موسى بن إسحاق القاضي، عن أبي هشام عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: أرجه جزم «4» بغير همز. وكذلك روى خلف عن يحيى عنه جزم «4». وكذلك حدثني عبد الله بن شاكر عن يحيى عن أبي بكر: بجزم الهاء، والكسائي عن أبي بكر [عن عاصم] «6»: بجزم الهاء، ولم يذكر هو «7» الهمز. [قال الأعشى عن أبي بكر عن عاصم أرجه بغير همز، ويهمز مرجئون ولا يهمز ترجي أبو البحتري عن يحيى عن أبي بكر عنه أنه لا يهمز ترجي ولا مرجون] «8».

_ (1) في (ط): مهموزا. وفي السبعة: مهموزة. (2) في السبعة: هي بهمز. (3) في (ط): مهموزا. (4) في (ط): جزما. (6) سقطت من (ط). (7) في السبعة: هؤلاء. (8) ما بين معقوفين زيادة من السبعة.

و «1» قال هبيرة عن حفص عن عاصم: أنه جزم الهاء في الأعراف، وجرّها في الشعراء [36]. وقال غير هبيرة عن حفص: أرجه جزم «2» ولا يهمز مرجون وترجى وفي الشعراء أرجه جزم «2»، وكذلك قال وهيب [بن عبد الله] «4» عن الحسن بن مبارك عن أبي حفص عمرو بن الصباح «5» عن أبي عمر عن عاصم. وقرأ حمزة والكسائي أرجه وأخاه. واختلفا في الهاء؛ فأسكنها حمزة مثل عاصم، ووصلها الكسائي بياء فقال «6» أرجهي وأخاه «7». قال أبو زيد: أرجأت الأمر إرجاء: إذا أخّرته، فقوله: أرجئه. أفعله من هذا، وضمّ الهاء مع الهمزة لا يجوز غيره، وأن لا يبلغ الواو أحسن لأنّ الهاء خفيّة، فلو بلغ بها الواو لكان كأنّه قد جمع بين «8» ساكنين، ألا ترى أنّ من قال: ردّ يا فتى،

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط) جزما. (4) سقطت من (ط) ومن السبعة. (5) هو عمرو بن الصباح بن صبيح أبو حفص البغدادي الضرير مقرئ حاذق. وقد ورد اسمه في (م) عمر بن الصباح وهو خطأ. انظر طبقات القراء 1/ 601. (6) سقطت من (م). (7) انظر السبعة ص 287، 288 ففي النص اختلاف يسير غير الزيادة التي أشرت إليها. (8) عبارة (م): كأنه جمع ساكنين.

فضمّ، فإنّه إذا وصل بالدّال الضمير «1» المؤنث قال: ردّها، ففتح، كما تقول: ردّا، لخفاء الهاء، فكذلك أرجئه لا ينبغي أن يبلغ بها الواو، فيصير كأنّه جمع بين ساكنين. ومن قال: أرجئهو فألحق الواو، فلأنّ الهاء متحركة ولم يلتق ساكنان، لأنّ الهاء فاصل، فقال: أرجئهو كما تقول: اضربهو قبل، ولو كان مكان الباء حرف لين لكان وصلها بالواو أقبح، نحو: عليهو «2»، لاجتماع حروف متقاربة مع أن الهاء، ليس بحاجز قوي في الفصل، واجتماع المتقاربة في الكراهة كاجتماع الأمثال. قال: وقرأ نافع: أرجه وأخاه بكسر الهاء، ولا يبلغ بها الياء، ولا يهمز. هذه رواية المسيّبي وقالون. وروى ورش: أرجهي يصلها بياء، ولا يهمز بين الجيم والهاء. وكذلك قال إسماعيل بن جعفر. [قال أبو علي] «3»: وصل الهاء بياء إذا قال: أرجهي لأنّ هذه الهاء توصل في الإدراج بواو أو ياء، نحو: بهو أو «4» بهي وضربهو، ولا تقول في الوصل: به، ولا به، ولا ضربه

_ (1) في (ط): الدال بضمير. (2) في (ط): عليهمو. (3) سقطت من (م). (4) في (ط): و.

حتّى. تشبع فتقول: بهو فاعلم، وبهي داء، أو: بهو داء، إلّا في ضرورة شعر كقوله «1»: وما له من مجد تليد قال «2»: وقرأ «3» ابن عامر: أرجئه وأخاه في رواية هشام ابن عمّار مثل أبي عمرو، وفي رواية ابن ذكوان كسرها بالهمز. [قال أبو علي] «4»: كسر الهاء مع الهمز غلط، لا يجوز، وإنّما يجوز إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة، ولو خفّف الهمزة فقلبها ياء فقال: أرجيه، فكسر الهاء؛ لم يستقم، لأنّ هذه الياء في تقدير الهمزة؛ فكما لم يدغم نحو: رؤيا، إذا خفّفت «5» الهمزة، لأنّ الواو في تقدير الهمزة، كذلك لا يحسن «6» تحريك الهاء بالكسر مع الياء المنقلبة عن الهمز «7». وقياس من قال: ريّا، فأدغم، أن يحرّك الهاء أيضا بالكسر، وعلى هذا المسلك قول من قال: أنبيهم [البقرة/ 33] إذا كسر الهاء مع قلب الهمزة ياء.

_ (1) صدر بيت للأعشى في ديوانه ص 115 تقدم ذكره في الجزء الأول ص 205. (2) جاء على هامش (ط): بلغت. دلالة على المقابلة. (3) في (ط): قرأ. (4) سقطت من (م). (5) ضبطها في «م» بالبناء للفاعل. (6) في (ط): لا يجوز. (7) في (ط): الهمزة.

الاعراف: 112

قال: واختلف عن عاصم، فروى هارون بن حاتم عن حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ مثل قراءة «1» أبي عمرو أرجئه مهموز «2». وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم «3» أنه كان «4» ربّما همزها ورفع الهاء. وروى أبان عن عاصم: أرجه جزم «5»، [قال أبو علي] «6»: وهذا لأنّه قد جاء في أرجأت لغتان: أرجأت، وأرجيت، وإذا «7» قال: أرجه كان من أرجيت. [الاعراف: 112] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: يأتوك بكل ساحر عليم [الأعراف/ 112]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر في الأعراف وفي يونس [79]: بكل ساحر عليم بالألف «8» قبل الحاء. وقرءوا في [الشعراء/ 37] سحار* بألف بعد الحاء.

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) في (ط): مهموزا. (3) سقطت من (ط). (4) كذا في (ط) وسقطت من (م). (5) في (ط): جزما. (6) كذا في (ط) وسقطت من (م). (7) في (ط): فإذا. (8) في (ط) بألف.

الاعراف: 113

وقرأ حمزة والكسائيّ ثلاثتهنّ سحار* بألف بعد الحاء «1». [قال أبو علي] «2»: من حجة من قال: ساحر قوله: ما جئتم به السحر [يونس/ 81]، والفاعل من السّحر، ساحر يدلّك «3» على ذلك قوله: فألقي السحرة ساجدين [الأعراف/ 120]. ولعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم .. [الشعراء/ 40]. والسّحرة جمع ساحر، ككاتب وكتبة، وفاجر وفجرة. ومن حجّتهم: سحروا أعين الناس [الأعراف/ 116]، واسم الفاعل على سحروا: ساحر. ومن حجّة من قال: سحار*، أنّه قد وصف بعليم، ووصفه به يدلّ على تناهيه فيه، وحذقه به؛ فحسن لذلك أن يذكروا بالاسم الدّالّ على المبالغة في السحر. [الاعراف: 113] اختلفوا في الاستفهام والخبر «4» في قوله: أئن لنا لأجرا [الأعراف/ 113]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص هاهنا إن لنا لأجرا مكسورة الألف على الخبر، وفي الشعراء: آين لنا

_ (1) السبعة ص 289. (2) كذا في (ط) وسقطت من (م). (3) في (ط): ويدل. (4) في (ط): من قوله. وقد تكررت في (ط).

[الآية/ 41] ممدودة مفتوحة الألف غير أنّ حفصا روى عن عاصم في الشعراء أئن لنا لأجرا بهمزتين. وقرأ أبو عمرو آئن لنا ممدودة في السورتين. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر فيما أرى وحمزة والكسائي بهمزتين. في الموضعين جميعا «1». [قال أبو علي] «2»: الاستفهام أشبه في هذا الموضع «3»، لأنّهم يستعلمون «4» عن الأجر، وليس يقطعون على أنّ لهم الأجر. ويقوي ذلك إجماعهم في الشعراء، وربّما حذفت همزة الاستفهام. قال أبو الحسن في قوله عزّ وجلّ «5» وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل [الشعراء/ 22]، أنّ من الناس من يذهب إلى أنّه على الاستفهام، وقد جاء ذلك في الشعر قال «6»:

_ (1) السبعة ص 289. (2) كذا في (ط) وسقطت من (م). (3) عبارة (ط): الاستفهام في هذا الموضع أشبه. (4) في (ط): يستعملون، وهو سهو من الناسخ. (5) سقطت من (ط). (6) البيت من أبيات ستة في أمالي القالي 1/ 66 تنسب لحضرمي بن عامر الأسدي واستشهد به البغدادي في شرح أبيات المغني 1/ 35، على حذف ألف الاستفهام دون دليل في اللفظ عليها إلّا بما يعطيه معنى الكلام.

الاعراف: 117

أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذودا شصائصا نبلا وهذا أقبح من قوله «1»: وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر ... أتوني فقالوا من ربيعة أم «2» مضر لأنّ أم قد تدلّ على الهمزة. [الاعراف: 117] كلّهم قرأ: تلقف* بتشديد القاف إلّا عاصما؛ فإنّه قرأ: تلقف ساكنة اللّام خفيفة القاف «3» [الأعراف/ 117]. أبو عبيدة: تلقف، وتلقم واحد، قال: ما يأفكون ما يسحرون «4». وما روي عن عاصم من «5» قراءته: تلقف ينبغي أن يكون مضارع لقف* مثل لقم يلقم. وروى ابن أبي بزّة وعبد الوهاب بن فليح، بإسنادهما عن ابن كثير فإذا هي تلقف* مشددة التاء. وكان قنبل يروي عن القواس بإسناده عن ابن كثير أنّه قرأ

_ (1) البيت لعمران بن حطان كما في الكامل للمبرد 3/ 172 رابع أبيات سبعة وفي الخصائص 2/ 281، وأمالي ابن الشجري 1/ 267. (2) في (م): أو. وما أثبتناه يتمشى مع ما أراده المؤلف. (3) السبعة ص 290. (4) مجاز القرآن 1/ 225 وعبارته فيه: «تلقف ما يأفكون» أي تلهم ما يسحرون ويكذبون، أي: تلقمه». (5) في (ط): في.

تلقف* «1» خفيفة التاء مشددة القاف في هذه وأخواتها، في كلّ القرآن «2». كأنّه لفظ بها بألف ولام، هي تلقف*، فإذا ابتدأت تلقف* ابتدأت بها خفيفة التاء، ولا يمكن غير ذلك. [قال أبو علي] «3» وجه ما روي عن ابن كثير: فإذا هي تلقف* أنّه أدغم بالتاء «4»، فسكنت المدغمة ولو كان هذا في الماضي، لاجتلبت له همزة الوصل مثل: فادارأتم فيها «5» [البقرة/ 72]، وازينت [يونس/ 24]، ولكن همزة الوصل، لا تجتلب في المضارع لمشابهتها «6» اسم الفاعل، وإن آخره معرب. فإذا ابتدأ بها قال «7»: تلقف* يثبت «8» التاء التي للمضارعة، ويحذف التاء التي للمطاوعة في تفعّل، وليس القياس أن تجتلب في المعرب همزة الوصل، والأسماء التي جاء ذلك فيها وليست بجارية على الأفعال شاذّة في «9» القياس قليلة.

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) انظر السبعة، ص 290. (3) زيادة من (ط). (4) سقطت من (م). (5) وردت في الأصل. ادّارأتم وراد في (م): كلمة: به. (6) في (ط): لمشابهته. (7) في (م): قلت. (8) كذا في (ط) وسقطت من (م). (9) في (ط): عن.

الاعراف: 123

[الاعراف: 123] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: قال فرعون آمنتم به [الأعراف/ 123]. فقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر أآمنتم به بهمزة ومدة على الاستفهام «1». قياس قول أبي عمرو: أآمنتم بهمزة مفتوحة بعدها ألف، والألف التي بعدها هي الألف التي تفصل بها بين الهمزتين، كما يفصل بين النونات في «اخشينانّ» والهمزة الثانية التي بعد هذه الألف هي همزة أفعل في قولك: أأمن، والألف بعدها هي المنقلبة عن الفاء التي هي همزة لاجتماع همزتين في: أأمن أوقعت الألف بعد الهمزة المخففة، كما وقعت بعد الهمزة. [إذا قلت] «2»: اقرأ آية «3» فحققت الهمزتين جميعا، هذا «4» قياس قوله، إلّا أنّه يشبه أن يكون ترك قياس قوله هاهنا؛ لما كان يلزم من «5» اجتماع المتشابهة؛ فترك الألف التي تدخل بين الهمزتين في نحو: «آأنت» «6». وخفف الهمزة الثانية، التي هي همزة أفعل من أأمن «7»، وبعدها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء، يدلّ على ذلك قولهم فيما ترجموا عنه بهمزة ومدّة على الاستفهام، وكذلك ما ترجموا عنه من قولهم.

_ (1) السبعة ص 290، وقد أوردت (ط) الكلام عن الحرف جميعه الوارد في السبعة، ثم فصلت الكلام عن القراءات. في حين اقتصرت (م) على الكلام عن الحرف حين وروده. والنسختان متفقتان في هذا. (2) كذا في (ط) وسقطت من (م). (3) في (م): «اقرأ انّه». (4) في (ط): هذا هو. (5) في (ط): في. (6) جاء رسمها في (الأصل): أاأنت. (7) في (م): أآمن.

وكذلك في طه [71]، والشعراء [49] في تقدير همزة بعدها ألفان. فالهمزة همزة الاستفهام، والألفان الأولى منهما: الهمزة المخففة التي هي في أفعلتم والثانية المنقلبة عن الفاء. قال: وقال البزيّ عن أبي الإخريط «1» عن ابن كثير قال فرعون وآمنتم [الأعراف/ 123]. بواو بعد النون بغير همزة «2». القول فيه: أنّه أبدل من همزة الاستفهام اللاحقة لأفعلتم، واوا لانضمام ما قبلها، وهي النون المضمومة في قوله: فرعون، وهذا في المنفصل كالمتصل في تودة، فقوله: .. ن وا .. مثل: تود من تودة «3»، وقوله: بغير همزة يريد بغير همزة بعد الواو المنقلبة عن همزة الاستفهام، يريد أنّه خفّف همزة أفعلتم، من آمنتم فجعلها بين الهمزة والألف، وهذا على قول أهل الحجاز؛ لأنّهم يخفّفون الهمزتين إذا اجتمعتا، كما يخففون الواحدة. قال أحمد بن موسى: قال قنبل عن القواس مثل رواية البزيّ عن أبي الإخريط، غير أنّه كان يهمز بعد الواو «4».

_ (1) هو: وهب بن واضح أبو الإخريط ويقال أبو القاسم المكي مقرئ أهل مكة وروى عنه أحمد بن محمد البزي وغيره. انظر طبقات القراء 2/ 361. (2) السبعة ص 290. (3) جاءت في (م) مهموزة جميعها. (4) السبعة ص 290. وقد زاد بعد الواو (قال فرعون وآمنتم به): وأحسبه وهم. وفي (ط): وأحسبه غلط.

قال أبو علي: همز بعد الواو لأنّ هذه الواو هي منقلبة عن همزة الاستفهام وبعد همزة الاستفهام همزة أفعلتم، فحقّقها ولم يخفّفها كما خفّف في القول الأول لمّا خفف الأولى حقّق الثانية. ووجهه [أن الأول لما زال عن لفظة الهمزة] «1» بانقلابها واوا حقّق الهمزة بعدها، لأنّه لم يجتمع همزتان. ووجه القول الأول أنّ الواو لمّا كان انقلابها عن الهمزة في تخفيف قياسي كان في حكم الهمزة، فلم تحقّق معها الثانية، كما لا تحقق مع الهمزة نفسها، لأنّ الواو في حكمها، كما أنّها لما كانت في حكمها في قولهم: رويا* في تخفيف رؤيا* لم يدغموها في الياء، كما لم تدغم الهمزة فيها، وكما جعلوا الواو في حكم الهمزة في رويا، فلم «2» تدغم كذلك جعل «3» الواو في قوله نوا* من قوله «4» قال فرعون وامنتم في حكم الهمزة؛ فخفف الهمزة الثانية التي «5» في أفعلتم. قال أحمد: وقال قنبل في طه: ءامنتم [71] بلفظ الخبر من غير مدّ «6». [قال أبو علي] «7»: وجه الخبر فيه أنّه يخبرهم بإيمانهم على وجه التقريع لهم بإيمانهم والإنكار له عليهم.

_ (1) في (ط): الأولى لما زالت عن لفظ الهمز. (2) في (ط): فلم تكن. (3) في (ط): جعلوا. (4) كذا في (ط) وعبارة (م) هنا: «قوانوا». (5) سقطت «التي» من (م). (6) السبعة ص 290 - 291. (7) سقطت من (ط).

الاعراف: 127

ووجه الاستفهام أنّه استفهام على وجه التقرير «1»، يوبّخهم به وينكره «2» عليهم. قال قنبل في الشعراء: قال: أآمنتم مثل أبي عمرو ويمدّ. [قال أبو علي] «3»: يريد أنّه يزيد الاستفهام، فألحق همزة الاستفهام وخفف همزة أآمنتم وهي الهمزة التي بعد همزة الاستفهام، وتخفيفها أن تجعل بين بين. وقرأ حمزة والكسائيّ في المواضع الثلاثة: أآمنتم بهمزتين، الثانية ممدودة «4». [قال أبو علي] «5»: حقّقا الهمزتين على ما يريانه من تحقيقهما، والهمزة الثانية ممدودة لأنّ الهمزة الثانية تتصل بها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء في الأمر. وما بعد هذا روايات لا عمل فيها. [الاعراف: 127] اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله عز وجل «6»: سنقتل أبناءهم [الأعراف/ 127] ويقتلون أبناءكم [الأعراف/ 141]. فقرأ ابن كثير: سنقتل خفيفة، ويقتلون مشددة؛

_ (1) في (ط): التقريع لهم ويوبخهم به. (2) في (ط): وينكر. (3) كذا في (ط) وسقطت من (م). (4) السبعة 291. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م). (6) سقطت من (ط).

الاعراف: 128

وشدّدهما جميعا أبو عمرو وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ، وخفّفهما جميعا نافع، يقتلون* وسنقتل [بالتخفيف] «1» «2». [قال أبو علي] «3» التثقيل حسن. لأنّه يراد به الكثير «4»، والتثقيل لذا المعنى أخصّ، والتخفيف يقع على التكثير، وغيره؛ فمن خفّف فلأنّه يصلح للتكثير أيضا، ومن جمع بين التخفيف والتثقيل كان آخذا بالوجهين. [الاعراف: 128] وقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: يورثها [128] ساكنة الواو خفيفة الراء، وكذلك في مريم [63]. واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه: يورثها خفيفة مثل حمزة. وأخبرني الخزّاز-[أحسبه] «5» أحمد بن علي- عن هبيرة عن حفص عن عاصم يورثها مشدّدة الراء، ولم يروها [عن عاصم] «6» عن حفص غير هبيرة، وهو غلط، والمعروف عن عاصم «7» يورثها خفيفة. وفي سورة مريم لم يختلفوا في قوله: تلك الجنة التي نورث [الآية/ 62]، أنّها خفيفة «8».

_ (1) زيادة من (ط). (2) السبعة ص 292. (3) كذا في (ط) وسقطت من (م). (4) في (ط): التكثير. (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (ط). (7) في السبعة: عن «حفص». (8) السبعة ص 292.

الاعراف: 137

قال أبو علي: حجة «1» التخفيف قوله: وأورثكم أرضهم وديارهم [الأحزاب/ 27]، وقوله: كذلك وأورثناها قوما آخرين [الدخان/ 28]، وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون [الأعراف/ 137]. ووجه التشديد أنّك تقول: ورث زيد مالا، وفي التنزيل: وورثة أبواه [النساء/ 11]؛ فهو متعدّ فنقول «2» في نقله بالهمزة وبتضعيف العين والتخفيف أولى لمجيء التنزيل عليه. قال أبو زيد: ورث الرجل أباه يرثه وراثة، وميراثا، وورثا، وأورث الرجل ابنه مالا إيراثا حسنا، وورّث الرجل بني فلان ماله توريثا، وذلك إذا أدخل في ماله على ورثته من ليس منهم، فجعل له نصيبا. قال أبو علي: فالقراءة بالتثقيل على وجه ما حكاه أبو زيد، وحملها عليه بعيد، ولكنّه يكون على قول الأعشى «3»: مورّثة مالا وفي الحي رفعة [الاعراف: 137] واختلفوا «4» في ضمّ الراء وكسرها من قوله تعالى «5»:

_ (1) كذا في (ط) وسقطت من (م). (2) (م): فيقول. (3) صدر بيت عجزه: لما ضاع فيها من قروء نسائكا والقرء: الحيض- أو هو ما بين الحيضتين. انظر ديوانه/ 91 وفيه الحمد بدل الحي. (4) في (ط): اختلفوا. (5) سقطت من (ط).

الاعراف: 138

يعرشون [الأعراف/ 137]-[النحل/ 68]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم يعرشون بكسر الراء، وفي النحل مثله. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بضم الراء فيهما. [الاعراف: 138] واختلفوا «1» في ضم الكاف وكسرها من قوله عز وجل: يعكفون [الأعراف/ 138] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يعكفون بضم الكاف. وروى عبد الوارث عن أبي عمرو يعكفون بكسر الكاف. وقرأ حمزة والكسائي: يعكفون «2». [قال أبو علي] «3»: كل واحد من الضمّ والكسر؛ في عيني الكلمتين لغة، ومثل: يعكف، ويعكف، ويعرش، ويعرش، قولهم: يحشر ويحشر، ويفسق، ويفسق. قال أبو عبيدة: يعرشون* أي يبنون «4»، والعرش في هذا الموضع: البناء، ويقال: عرش مكة أي: بناؤه «5».

_ (1) في (م): اختلف. (2) السبعة ص 292. (3) سقطت من (م). (4) مجاز القرآن 1/ 227 وفيه: وعريش مكة: خيامها. (5) في (ط): بناؤها.

الاعراف: 143

وقال أبو الحسن: يعرشون ويعرشون لغتان، وكذلك يبطش ويبطش، ويحشر ويحشر، ويعكف ويعكف، وينفر وينفر. [الاعراف: 143] واختلفوا «1» في المدّ والقصر [في قوله جلّ وعزّ] «2»: دكا [الأعراف/ 143]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وابن عامر: جعله دكا منونة مقصورة هاهنا «3» وفي الكهف [98] مثله «4». وقرأ عاصم في الأعراف: دكا منونة مقصورة، [وقرأ في] «5» الكهف [98]: دكاء ممدودة غير منونة. وقرأ حمزة والكسائي: دكاء في الموضعين ممدودة غير منوّنة «6». قال أبو زيد: دككت على الميّت التراب أدكّه دكّا: إذا دفنته، وهلت عليه التراب أهيله هيلا، وهما واحد، ودككت الرّكيّة دكا: إذا دفنتها، ودكّ الرجل فهو مدكوك: إذا مرض. قال «7» أبو عبيدة: جعله دكا أي: مندكا، والدّكّ والدكّة مصدر، وناقة دكّاء ذاهبة السّنام، والدك: المستوي، وأنشد للأغلب:

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) في (ط): من قوله. (3) سقطت من (م). (4) سقطت من (ط) «مثله». (5) كذا في (ط)، وفي (م): وفي الكهف. وما أثبتناه موافق للسبعة أيضا. (6) السبعة: ص 293. (7) سقطت من (م).

الاعراف: 144

هل غير غار دكّ غارا فانهدم «1» قال «2» أبو الحسن: جعله دكا لأنّه لمّا قال: جعله كأنّه قال: دكّه، أو أراد جعله ذا دكّ، ويقال: دكّاء: جعلوها كالناقة «3» الدكّاء التي لا سنام لها «4»؛ فكأنّه «5» بقي أكثره، قال «6»: والأوّل أكثر القراءتين. [قال أبو علي] «7»: والمضاف محذوف على قول «8» أبي الحسن. وفي التنزيل: وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة/ 14]، وفيه: كلا إذا دكت الأرض دكا دكا [الفجر/ 21]. [الاعراف: 144] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى «9»: برسالاتي [الأعراف/ 144].

_ (1) مجاز القرآن 1/ 228 وفي النقل اختلاف يسير. والرجز من أشطار. وانظر السمط ص 801. (2) في (ط): وقال. (3) انظر معاني القرآن 2/ 309 للأخفش. (4) في (ط): مثل الناقة. (5) في (ط): وكأنه. (6) سقطت من (م). (7) سقطت من (م). (8) في (ط): تقدير. (9) في (ط): عز وجل.

فقرأ ابن كثير ونافع برسالتي واحدة، وقرأ الباقون برسالاتي جماعة «1». الرسالة تجري مجرى المصدر، فتفرد في موضع الجمع، وإن لم يكن المصدر من «أرسل» يدلّك على أنّه جار مجراه قول الأعشى «2». غزاتك بالخيل أرض العدوّ* وجذعانها كلفيظ العجم فإعماله إيّاه إعمال المصدر، يدلّك على ذلك أنّه يجري مجراه، والمصدر قد يقع لفظ الواحد منه، والمراد به الكثرة. قال «3»: فقتلا بتقتيل وضربا بضربكم* جزاء العطاس لا ينام من اتّأر [فكان المعنى على الجميع] «4» لأنّه مرسل بضروب من الرسالة، والمصادر قد تجمع مثل الحلوم والألباب «5». وقال عزّ وجل «6»: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير

_ (1) السبعة ص 293. (2) رواية الديوان: مقادك بالخيل. ولفيظ أي ملفوظ، والعجم: النّوى. انظر ديوانه/ 37. (3) سبق انظر 2/ 291. (4) في (ط): وكأن المعنى على الجمع. (5) عبارة (ط): مثل الحلوم والأشغال والألباب. (6) كذا في (ط) وسقطت من (م).

الاعراف: 146

[لقمان/ 19]، فجمع الأصوات لمّا أريد بها أجناس مختلفة صوت الحمار بعضها، وأفرد صوت الحمار، وإن كان المراد به الكثرة؛ لأنّه ضرب واحد. [الاعراف: 146] اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله [جلّ وعزّ] «1»: وإن يروا سبيل الرشد [الأعراف/ 146]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر سبيل الرشد بضم الراء خفيفة. وقرأ حمزة والكسائيّ: سبيل الرشد مثقّلة بفتح الراء والشين. وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائيّ في الكهف: مما علمت رشدا [الآية/ 66] مضمومة الراء خفيفة. وقرأ أبو عمرو رشدا* مفتوحة الراء خفيفة. وقرأ ابن عامر رشدا* مضمومة الراء والشين ثقيلة. هكذا في كتابي عن ابن ذكوان رشدا* بضم الراء والشين. ورأيت في رواية غيره رشدا* خفيفة الشين موقوفة أخبرني بذلك أحمد بن يوسف [التغلبي] عن عبد الله بن ذكوان عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عنه. وروى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا بضم الراء موقوفة الشين خفيفة «2».

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة ص 294 وفي النص اختلاف يسير وما بين معقوفين زيادة منه.

قال أبو علي: الرشد، والرّشد؛ حكي أنّ أبا عمرو فرّق بينهما، فقال الرّشد: الصلاح، والرّشد: الدين، مثل قوله مما علمت رشدا [الكهف/ 66]. قال [أبو علي] «1»: وقد جاء: فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا [الجن/ 14]، فهذا في الدين وكذلك: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا [الكهف/ 66]، وهيئ لنا من أمرنا رشدا [الكهف/ 10]؛ فهذا كله في الدين، وهذه التي في الأعراف يجوز أن يكون «2» يعني به الدين. كأنّ المعنى: وإن يروا سبيل الخير زاغوا عنه، وعدلوا فلم يتخذوه سبيلا، أي لم يأخذوا به. وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ألا تراه يقول: ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا، ومقابلته بالغيّ يدلّ على الضلالة والزيغ عن طريق الدين والهدى. وقال: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [الحجر/ 42]، والتي في سورة «3» النساء في قوله: فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم [الآية/ 6] فمن إصلاح المال والحفظ له، وقد جاء الرّشد في غير الدين. قال «4»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) كذا في (ط) وسقطت من (م). (4) البيت لذي الرمة من قصيدة يمدح فيها هلال بن أحوز التميمي والدهناء موضع ببلاد تميم، يمدّ ويقصر. انظر الديوان 1/ 175.

الاعراف: 148

حنّت إلى نعم الدّهنا فقلت لها ... أمّي هلالا على التوفيق «1» والرّشد ويدلّ على تقوية قول أبي عمرو في فصله بين الرّشد والرّشد، وأنّه ليس بلغتين على حدّ العجم والعجم، والعرب والعرب، ونحو ذلك: أن سيبويه قال: بعضهم يقول: البخل كالفقر، والبخل كالفقر، وبعضهم يقول: البخل كالكرم، فلم يحمل البخل والبخل على مثال «2»: العجم والعجم والثّكل والثّكل، وكذلك «3» الرّشد والرّشد. [الاعراف: 148] واختلفوا «4» في ضمّ الحاء وكسرها من قوله تعالى «5»: من حليهم [الأعراف/ 148]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم من حليهم بضم الحاء. وقرأ حمزة والكسائي: من حليهم بكسر الحاء، وكلّهم شدّد الياء «6». الواحد من الحليّ: حلي، وجمعه: حليّ، ومثله: ثدي وثديّ، ومن الواو: حقو وحقيّ قال «7»:

_ (1) في (م): الإقصاد. (2) في (ط): مثل. (3) في (ط): فكذلك. (4) في (ط): اختلفوا. (5) في (ط): عز وجل. (6) انظر السبعة ص 294. (7) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يعتذر فيها إلى النعمان والسليم: اللديغ

يسهّد من نوم العشيّ سليمها ... لحلي النّساء في يديه قعاقع قال: لحلي النساء على أحد أمرين: إمّا على حدّ قوله «1»: كلوا في بعض بطنكم تعفّوا وقوله: «2» قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس «3» أو يكون على حدّ قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34 - النحل/ 18] فيريد به الكثرة، [أمّا فعول فإنّه يكون مفردا، ويكون جمعا. فإذا كان مفردا. جاء على ضربين: أحدهما أن يكون مصدرا وهو العام الكثير، مثل: القعود والدخول والمضيّ. وقد جاء اسما في قولهم: الأتيّ والسّدوس «4».

_ قلب عن معناه، والحلي: الخلاخل ويعلق عليه لئلا ينام، وكانوا يقولون: إنه إذا نام دب السّمّ فيه. انظر ديوانه/ 46. (1) صدر بيت عجزه في الكتاب 1/ 108: فإنّ زمانكم زمن خميص (2) في (م): وقولهم. (3) عجز بيت لجرير من قصيدة يهجو بها التّيم وصدره: تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ انظر ديوانه/ 325 شرح الصاوي. وانظر ابن الشجري 2/ 38، 343، والمخصص 1/ 31. (4) السدوس: الطيلسان.

وإذا كان جمعا كان على ضربين: أحدهما أن يكون جمعا للثلاثة مثل: كعب وكعوب، والآخر أن يكون لما زاد على الثلاثة نحو: شاهد وشهود، وحاضر وحضور؛ فإذا كان جمعا للثلاثة، فالثلاثة المجموع بها على ضربين: صحيح ومعتل، ومن المعتل: المجموع على فعول ما كان لامه حرف علة وذلك نحو: ثدي وثدي، وحقو وحقيّ، مما كان من الياء نحو قولهم: حليّ في جمع حلي، فواو فعول قلبت ياء لوقوعها قبل الياء التي هي لام، كما أبدلت واو مفعول من مرميّ لذلك، وأبدلت من ضمة عين فعول كسرة، كما أبدلت ضمّة عين مفعول في: مرميّ، وإن كانت اللام واوا أبدلت منها الياء وذلك نحو: حقو وحقيّ] «1»، وقال الشاعر «2»: بريحانة من بطن حلية نوّرت ... لها أرج ما حولها غير مسنت فإن كان هذا المكان سمّي بواحد حلي، كتمرة، وتمر، كان حلي جمعا، ويكون قوله: لحلي النساء جمعا قد أضيف إلى جمع.

_ (1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط) وكتب على هامش (م). (2) البيت للشنفرى الأزدي من قصيدة قالها يوم قتل حرام بن جابر قاتل أبيه قوله: بريحانة، يريد: طيب ريحها. يقول: ما حولها غير مسنت فهو أطيب لها وأحسن. وقد سبق في 2/ 372، وانظر اللسان (روح).

وقال: أو من ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18]، وقال: وتستخرجون حلية تلبسونها [فاطر/ 12]، فيجوز أن تكون الحلية إنّما كسرت مع علامة التأنيث، وفتح بلا هاء فقال «1»: حلي، كما قالوا: البرك للصدر، والبركة قال «2»: ولوح ذراعين في بركة وقالوا: كان زياد أشعر «3» بركا. فأمّا «4» وجه قول من ضمّ من حليهم؛ فإنّ حليا لا يخلو من أن يكون جمعا على حدّ نخل وتمر، أو مفردا فيكون: حلي وحليّ، كقولهم: كعب وكعوب وفلس وفلوس، إلّا أنّه لما جمع أبدل من الواو الياء؛ لإدغامها في الياء وأبدل من الضمة كسرة كما أبدلت في «5» مرميّ ومخشيّ، ونحو ذلك. فأمّا الحاء التي هي فاء في الحلي، فإنّها بقيت مضمومة كما كانت مضمومة في: كعوب وفلوس، ويجوز أن يكون جمعا كتمر، وجمع على فعول كما جمع صفا على صفيّ في نحو «6»: مواقع الطّير على الصّفيّ

_ (1) في (ط): فقيل. (2) صدر بيت للنابغة الجعدي وعجزه: إلى جؤجؤ رهل المنكب والبركة: الصدر، ورهل: مسترخ من السمن لا من الضعف- والجؤجؤ: الصدر أو مجتمع رءوس عظام الصدر، انظر شعره/ 21. (3) في (م): أسعر. (4) في (ط): وأما. (5) في (ط): من. (6) عجز بيت منسوب إلى الأخيل الطائي وصدره:

وممّا يحتمل أن تكون الضمة أبدلت فيه كسرة قولهم: بكيت، والمحتزن البكيّ «1» فالبكيّ يجوز أن يكون فعيلا، ويكون باك وبكيّ، كعالم وعليم، وشاهد وشهيد، فالكسرة من «2» العين على هذا كسرة فعيل، ويجوز أن يكون فعولا، أبدلت الواو منها «3» ياء، وأبدلت من ضمّتها الكسرة «4» كقولهم: أدحيّ النّعام، وآريّ الدابة «5» هما فاعول، إلّا أنّ اللام من أدحيّ واو قلبت ياء، ومن آريّ ياء والكسرة في البناء «6» مبدلة ضمة. ووجه قول حمزة والكسائي في كسرهما الحاء من حليهم، هو أنّ المكسر من المجموع «7» قد غيّر «8» عمّا كان الواحد عليه في اللفظ والمعنى، كما أن الاسم المضاف إليه كذلك، ألا ترى أنّ الاسم المكسر في الجمع يدلّ بالتكسير

_ كأنّ متنيه من النّفيّ ومواقع الطير: مواضع وقوعها التي اعتادت إتيانها- والصّفيّ ج صفا والصفا: ج صفاة وهي الحجر الصلد الضخم لا ينبت شيئا. انظر الجمهرة 3/ 153 - ومجالس ثعلب 1/ 207، واللسان (صفا). (1) البكيّ: كثير البكاء. انظر ما سبق 1/ 74. (2) في (ط): في. (3) في (ط): منه. (4) في (ط): كسرة. (5) أدحي النعام: مبيضها في الرمل، والآري: محبس الدابّة (اللسان: دحي- أري). (6) عبارة (ط): في البناءين مبدلة من ضمة. (7) في (ط) الجموع (8) في (ط): غيره.

على الكثرة، وأن الفاء قد غيّر في التكسير كما أن الاسم المضاف إليه كذلك؟ وذلك أنّه بالنّسب صار صفة، وكان قبل اسما، وقد تغيّر في اللفظ بما «1» لحقه من الزيادة؛ فلمّا تغيّر الاسم تغييرين وهو: إبدال الواو ياء وإبدال الضمة كسرة كما غيّر في الإضافة تغييرين، قوي هذا التغيير على تغيير الفاء، كما قوي النسب للتغييرين على حذف الياء من «2» نحو: حنفي، وجدلي في النسب إلى حنيفة، وجديلة «3»، وكذلك حليّ وعصيّ. فإن قلت: فهلّا لزم هذا التغيير في الجمع هاهنا «4»، كما لزم في النسب؟. قيل: إنّ النسب قد جاء منه ما لم يغيّر «5»، وترك على أصله، وذلك قولهم في الإضافة إلى سليقة: سليقي، وإلى عميرة كلب: عميري، فجاء غير مغيّر مع التغييرين اللاحقين للاسم في النسب؛ فكذلك جاء حليّ على الأصل مع هذين «6» التغييرين اللاحقين للاسم. وأما «7» نحو: عصيّ وقنيّ فقد لحقه مع هذين التغييرين اللذين ذكرنا تغيير ثالث، وهو إبدال الواو ياء، وكذلك ما كان

_ (1) في (ط): لما. (2) في (ط): في. (3) عبارة (ط): وفي النسب إلى حنيفة وجديلة فكذلك. (4) ساقطة من (م). (5) في (ط): يغيره. (6) سقطت من (ط). (7) في (ط): فأما.

من ذلك جمعا، الآخر منه واو، فإنّه يلزم بدل الواو منه ياء نحو عصيّ وحقي ودليّ؛ فهذا مستمر، إلّا أن يشذّ منه شيء، فيجيء على الأصل نحو ما حكاه من قولهم: إنّكم لتنظرون في نحو كثير «1»، ونحو ما أنشده «2» أحمد بن يحيى «3»: وأصبحت من أدنى حموّتها حما فجاءت الواو في الحموّة مصححة، وكان القياس أن تنقلب ياء من حيث كان جمعا. فأمّا إلحاق «4» تاء التأنيث له فعلى حدّ عمومة وخيوطة «5»، وليس لحاق هذه التاء ممّا يمنع القلب، ألا ترى أن الذي يوجب القلب فيه هو أنّه جمع، وما كان من هذا النحو واحدا كالمضيّ والصّلي، مصدر صلي فإنّ الفاء منه، لا تكسر كما كسر في الجموع، لأنّ الواحد لم يتغيّر فيه المعنى كما تغيّر في الجمع. وحكى أبو عمر عن أبي زيد آوى إليه إويّا، وممّا يؤكد

_ (1) في (ط): كثيرة. (2) في (م): أنشد. (3) عجز بيت أورده اللسان دون أن ينسبه وكان لقائله امرأة فطلقها وتزوجها أخوه فقال: لقد أصبحت أسماء حجرا محرما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما أي: أصبحت أخا زوجها بعد ما كنت زوجها. انظر اللسان مادة/ حما/. (4) في (ط): لحاق. (5) جمع خيط، مثل فحولة؛ زادوا الهاء لتأنيث الجمع (اللسان: خيط).

كسر الفاء في هذا النحو من الجمع قولهم: قسيّ في «1» جمع قوس، ألا ترى أنّا لا نعلم أحدا يسكن إلى روايته حكى فيه غير الكسر في الفاء؛ فهذا ممّا يدل «2» على تمكن الكسرة في هذا الباب الذي هو الجمع، وربما أبدلت اللّامات إذا كانت واوات من الأسماء، وليس ذلك على حدّ الإبدال في عصيّ وحقيّ، لو كان على هذا الحدّ للزم هذا الضرب من الآحاد كما لزم الجموع، وإنّما ألزمت الآحاد التغيير، كما لزمت أدل وأحق وأجر، وذلك أنّه لما قرب من الطّرف أبدلت كما أبدل هذا الضرب، وعلى هذا قالوا: مسنيّة «3»، ومعدي، ومن ذلك قولهم: العتوّ قال تعالى «4»: وعتوا عتوا كبيرا [الفرقان/ 21]؛ فصحّحت، وأبدلت في قوله: أيهم أشد على الرحمن عتيا [مريم/ 69]، وقد بلغت من الكبر عتيا [مريم/ 8]؛ فهذا مصدر، ولو كان اسما على حد: شاهد، وشهود، للزم فيه البدل كقولهم: الجثيّ في جمع جاث لأنّه من يجثو، ولكنّه أبدل على حدّ مسني ومعديّ، وقالوا «5»: أنا أجوؤك وأنبؤك، وهو منحدر من الجبل، فأتبعوا الحركة الحركة، فإن «6» لم يكن في الكلمة تغييران، فهذا التغيير في الجمع على ما قرأه حمزة والكسائي أقوى.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): يدلك. (3) أرض مسنية: أي مرويّة. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): وقد قالوا. (6) في (ط): وإن.

الاعراف: 149

وأمّا قولهم في جمع: الفتى فتوّ؛ فهو على قول أبي الحسن من باب نحوّ وحموّة «1»، لأنّه يرى أنّه من الواو وفي «2» قول غيره أذهب في باب الشذوذ. ألا ترى أنّه إذا قلب ما كان من الواو إلى الياء نحو: حقي وعصي، فالذي من الياء «3» أجدر أن يترك على ما هو عليه، فإذا أبدل منها الواو في الجمع مع أنّها من الياء كان على خلاف ما جاء عليه الجمهور والكثرة. [الاعراف: 149] اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا [الأعراف/ 149]، وفي الرفع والنصب من قوله تعالى «4»: ربنا*. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا بالياء والرفع، وقرأ حمزة والكسائي لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا بالتاء ونصب ربنا «5». القول في ذلك أنّ من قرأ: لئن لم يرحمنا ربنا جعل الفعل للغيبة، وارتفع ربنا به، وكذلك: ويغفر لنا فيه ضمير ربنا وهو مثل يرحمنا في الإسناد إلى الغيبة. ومن قرأ: لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا جعل تغفر لنا

_ (1) في (ط): حمو. (2) في (ط): في. (3) في (م): والذي من الواو. (4) سقطت من (ط). (5) السبعة ص 294. وفي (م): (ربّنا) نصب.

الاعراف: 150

للخطاب، وفيه ضمير الخطاب وربنا* نداء. والذي «1» كان في قراءة من قدمنا قوله فاعلا، وحذف حرف التنبيه معه لأنّ عامة ما في التنزيل من ذلك، يحذف حرف التنبيه منه «2»، كقوله: ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة .. ربنا ليضلوا .. ربنا اطمس [يونس/ 88]، ربنا إني أسكنت من ذريتي [إبراهيم/ 37]، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194]. [الاعراف: 150] اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله جلّ وعزّ: قال ابن أم [الأعراف/ 150]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم قال ابن أم نصبا، وفي طه [94] مثلها. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: قال ابن أم بكسر الميم، فأما «3» الهمزة فمضمومة «4». [قال أبو علي] «5» من قال: يا ابن أمّ؛ فقال سيبويه: قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمّ؛ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لأن هذا أكثر في كلامهم من يا ابن أبي، ويا غلام غلامي. قال أبو علي: جعلوهما بمنزلة اسم واحد، ولم يرفضوا

_ (1) في (ط): وهو الذي. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وأما. (4) السبعة ص 295. (5) سقطت من (ط).

الأصل الذي هو إضافة الأول إلى الثاني كما رفضوا الأصل في خطايا، والتصحيح للعين، في: قال، وباع وخاف. ونحو ذلك مما يرفض فيه الأصل؛ فلا يستعمل، ألا ترى قول أبي زبيد «1»: يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي ... أنت خلّيتني لأمر شديد «2» فهذا بمنزلة القصوى الذي استعمل فيه الأصل الذي رفض في غيره، فكذلك قولهم: يا ابن أمي. ومن قال: يا ابن أمّ، فبنى الاسمين على الفتح، والفتحة «3» في: ابن، ليست النصبة التي كانت تكون في الاسم المضاف المنادى، ولكن بني على الحركة التي كانت تكون للإعراب، كما أنّ قولهم: لا رجل كذلك، وكما «4» أن: مكانك، إذا أردت به الأمر لا تكون الفتحة فيه الفتحة التي كانت فيه وهو ظرف، ولكنّه على حدّ الفتحة التي كانت «5» في رويدك.

_ (1) في (م): زيد. وهو تحريف. (2) أبو زبيد: هو أبو زبيد الطائي، والبيت في سيبويه 1/ 318، وأمالي ابن الشجري 2/ 74، وشرح المفصل 2/ 12. (3) في (ط): فالفتحة. (4) في (ط): فكما. (5) سقطت من (ط).

فإن قلت: لم «1» لا نقول: إنها نصبة؟، فالمراد «2» يا ابن أمّا، فحذف الألف كما حذفت «3» ياء الإضافة في غلامي [في النداء] «4». قيل: ليس مثله، ألا ترى أنّ من حذف الياء من: يا غلام، أثبتها في يا غلام غلامي؟ فلو كانت الألف مقدرة في: يا ابن أمّ «5»، لم يكن يحذف، كما لم يحذف في قوله «6»: يا بنت «7» عمّا لا تلومي واهجعي فالألف لا تحذف حيث تحذف الياء، ألا ترى أن من قال ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، والليل إذا يسر [الفجر/ 4]، فحذف الياء من الفواصل، وما أشبه الفواصل من الكلام التام، لم يكن عنده في نحو قوله «8»: والليل إذا

_ (1) في (ط): فلم. (2) في (ط): والمراد يابن. (3) كذا في (ط) وفي (م) حذف. (4) كذا في (ط) وسقطت من (م). (5) في (م): أما. (6) من أرجوزة لأبي النجم العجلي يخاطب امرأته أم الخيار، وهي ابنة عمه ولها يقول: قد أصبحت أم الخيار تدعي* علي ذنبا كله لم أصنع انظر سيبويه 1/ 318 المحتسب 4/ 238 شرح المفصل 2/ 12، 13 وانظر شرح أبيات المغني 6/ 159 - 161. (7) رسمها في (م) (عمى) بالألف المقصورة. (8) سقطت من (ط).

يغشى والنهار إذا تجلى [الليل/ 1]، إلّا الإثبات. فإن قلت: فقد حذفت الألف في نحو: رهط «1» مرجوم، ورهط ابن المعلّ «2» وهو يريد المعلّى، وقد أنشد أبو الحسن «3»: فلست بمدرك ما فات مني ... بلهف ولا بليت ولا لو أنّي يريد بلهفى فحذف الألف. فالقول: إن ذلك في الشعر ولا يجوز «4» في الاختيار وحال السّعة؛ فلا «5» ينبغي أن يحمل قوله: يابن أم على هذا. وقياس من أجاز ذلك أن تكون فتحة الابن نصبة، والفتحة في أمّ ليست كالتي في عشر من خمسة عشر، ولكن مثل الفتحة التي في الميم من: يا بنت عمّا. وحجة من قال: يا بن أم لا تأخذ أن سيبويه قال: وقد

_ (1) في (ط): من رهط. وهو خطأ. (2) سبق البيت في 1/ 79، وهو من ملحقات قصيدة لبيد اللامية في ديوانه ص 99 ط. الكويت. (3) معاني القرآن 1/ 65، 72 وهو من شواهد الخصائص 3/ 135، والمحتسب 1/ 277 و 323 والأمالي الشجرية 2/ 74 والإنصاف 390 والعيني 4/ 248 والخزانة (عرضا) 1/ 63 واللسان مادة (لهف). ولم ينسب. (4) في (ط): ولا يكون. (5) في (ط): ولا.

الاعراف: 157

قالوا أيضا: يا بن أمّ ويا بن عمّ، كأنهم جعلوا الأول والآخر اسما واحدا ثم أضافوه كقولك: يا أحد عشر أقبلوا. قال «1» وإن شئت قلت: حذفوا هذه الياء لكثرة هذا في كلامهم وعلى ذا قال الشاعر: يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي «2» [الاعراف: 157] اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله تعالى «3»: إصرهم [الأعراف/ 157]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي إصرهم بكسر الألف. وقرأ ابن عامر: آصارهم ممدودة الألف على الجمع «4». [قال أبو علي] «5» الإصر: مصدر يقع على الكثرة مع إفراد لفظه، يدلك «6» على ذلك قوله: ويضع عنهم إصرهم [الأعراف/ 157]، فأضيف وهو مفرد إلى الكثرة، ولم يجمع، وقال: ربنا ولا تحمل علينا إصرا [البقرة/ 286]، ولو شاء

_ (1) سقطت من (م). (2) انظر سيبويه 1/ 318. (3) في (ط) عز وجل. (4) السبعة ص 295. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م). (6) في (ط): يدل.

الاعراف: 161

الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [البقرة/ 20]، وقال: لا يرتد إليهم طرفهم [إبراهيم/ 43]، وقال: ينظرون من طرف خفي [الشورى/ 45]. فالوجه الإفراد كما أفرد في غير هذا الموضع. وجمع ابن عامر كأنّه أراد ضروبا من المآثم مختلفة، فجمع لاختلافها، والمصادر قد تجمع إذا اختلفت ضروبها كما تجمع سائر الأجناس، وإذا كانوا قد جمعوا ما يكون ضربا واحدا كقوله «1»: هل من حلوم لأقوام فتنذرهم ... ما جرّب النّاس من عضّي وتضريسي فأن يجمع ما يختلف من المآثم أجدر. فجعل إصرا وآصارا، بمنزلة عدل، وأعدال، ويقوي ذلك قوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13] والثقل مصدر كالشّبع والصّغر والكبر. [الاعراف: 161] اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ] «2»: نغفر «3» لكم خطاياكم [الأعراف/ 161]. فقرأ ابن كثير وعاصم، وحمزة، والكسائيّ: نغفر لكم

_ (1) البيت سبق في 1/ 299. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): يغفر.

خطيئاتكم بالتاء مهموزة على الجمع. وقرأ أبو عمرو: نغفر لكم بالنون، خطاياكم* من غير «1» همز، مثل: قضاياكم، ولا تاء فيها. وقرأ نافع: تغفر لكم* بالتاء مضمومة، خطيئاتكم بالهمز، وضم التاء على الجمع، وكذلك روى محبوب عن أبي عمرو: تغفر لكم* [بالتاء مضمومة] «2» خطيئاتكم بالهمز، وضم التاء، وتابعه ابن عامر على التاء من تغفر لكم وضمّها، وقرأ: خطيئتكم واحدة مهموزة مرفوعة «3». من قرأ: نغفر لكم، فهو على «4»: وإذ قيل لهم ... ادخلوا ... نغفر لكم. والتي في البقرة: نغفر والنون هناك أحسن لقوله: وإذ قلنا [البقرة/ 58]. وفي الأعراف: وإذ قيل لهم [الآية/ 161]، والمعنى فيمن قرأ في الأعراف: نغفر لكم، كأنّه قيل لهم: ادخلوا نغفر. أي: إن دخلتم غفرنا، فأمّا خطيئاتكم فجمع خطيئة، صححها في الجمع، كما كسّرت على خطايا، وكلا الأمرين شائع وحسن «5»، فخطايا في اللفظ مثل قضايا إلّا أنّ الألف في قضايا منقلبة عن ياء هي لام الفعل، والألف في خطايا منقلبة عن ياء منقلبة عن همزة وهي لام الفعل.

_ (1) في (ط): بغير. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة ص 296. (4) كذا في (ط) وسقطت من (م). (5) في (ط): سائغ حسن.

فإن قلت: فهلّا رددت الهمزة في خطايا، لأنّك إنّما كنت قلبتها ياء لاجتماع الهمزتين وقد زال اجتماعهما، فهلّا قلت: خطايأكم*؟. فإن ذلك لا يستقيم لأنّ الياء في خطايا منقلبة عن همزة فعيلة، فحكمها حكم ما انقلب عنها، ألا ترى أنّ حكم الهمزة في حمراء حكم ما انقلب «1» عنها من الألف، وحكم هرق، حكم أرق؟ فلو سمّيت بها لم تصرف كما لا تصرف أرق، وكذلك حكم الهمزة في علباء، حكم الياء في درحاية «2»، فكذلك حكم الياء في خطايا، حكم الهمزة التي انقلبت عنها، وإذا كان كذلك، فاجتماع الهمزتين في الحكم قائم، وإن لم يكن اللفظ عليه. فأمّا «3» قراءة نافع: تغفر بالتاء مضمومة فلأنّه «4» أسند إليها خطيئاتكم، وهو مؤنث، فأنّث وبنى الفعل للمفعول فقال: تغفر*، ولم يقل نغفر لأنّ بناءه للمفعول أشبه بما قبله، ألا ترى أنّ قبله: وإذ قيل لهم وليس هذا مثل ما في البقرة، لأنّ

_ (1) عبارة (ط): حكم ما انقلبت عنه في الألف. (2) رجل درحاية: كثير اللحم قصير سمين ضخم البطن لئيم الخلقة وقد وردت هذه الكلمة في بيت للراجز: إمّا تريني رجلا دعكاية ... عكوّكا إذا مشى درحاية انظر اللسان/ درح/. (3) في (ط): وأما. (4) في (ط): فلأنه قد أسند.

الاعراف: 164

في البقرة: وإذ قلنا، ف نغفر لكم في البقرة، إنّما «1» هو على: قلنا. وممّا يقوي قراءة من قرأ: نغفر بالنون ما بعده من قوله: وسنزيد المحسنين. [الاعراف: 164] اختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى «2»: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164]. فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي معذرة رفعا. واختلف عن عاصم؛ فروى أبو بكر في رواية يحيى بن آدم عنه، وغيره معذرة رفعا مثل حمزة وروى الحسين «3» بن علي الجعفي عن أبي بكر وحفص عن عاصم معذرة نصبا «4». قال أبو زيد: عذرته. أعذره عذرا، ومعذرة وعذرى. فعلى «5». حجة «6» من رفع: أن سيبويه قال: ومثله [في

_ (1) في (ط): إنّما. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وروى حسين بن علي. (4) السبعة ص 296. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م). (6) في (ط): وحجة.

الاعراف: 165

قراءته] «1» على الابتداء ويريد مثل حنان في «2» قوله: فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا «3» ومثله في أنّه على الابتداء، وليس على فعل قوله: قالوا: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164] لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليموا عليه، ولكنّهم قيل لهم: لم تعظون قوما؟ فقالوا: معذرة. أي: موعظتنا معذرة إلى ربكم. وحجة من نصب معذرة: أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله، وإليك من كذا وكذا لنصب. [الاعراف: 165] واختلفوا في قوله جل وعز «4»: بعذاب بئس [الأعراف/ 165]. فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بئيس على وزن فعيل، الهمزة بين الباء والياء «5» منون. وقرأ نافع بعذاب بيس بما بكسر الباء من غير همز وينوّن.

_ (1) سقطت من (ط). (2) عبارة (ط): في أنه على الابتداء يريد مثل حنان في قوله. (3) أنشده سيبويه عن بعض العرب الموثوق بهم وعجزه: أذو نسب أم أنت بالحي عارف انظر سيبويه 1/ 161 - 175 - اللسان مادة (حنن). الخزانة 1/ 277. (4) سقطت من (ط). (5) في (م): بين الياء والباء.

وروى أبو قرّة عن نافع بئيس على وزن فعيل مثل حمزة. وروى خارجة عن نافع بيس* بفتح الباء من غير همز منون على وزن فعل. وقرأ ابن عامر: بعذاب بئس بما على وزن فعل مثل نافع غير أنه مهموز؛ فكذلك «1» ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بئس. وروى حفص عن عاصم [بئيس] مثل حمزة. وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بيأس «2» على وزن فيعل بفتح الهمزة «3»، أخبرني «4» موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم عنه. وحدثني أبو البختريّ عن يحيى بن آدم عن أبي بكر قال: كان حفظي عن عاصم بيأس بما على وزن فيعل ثم دخلني منها «5» شك، فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش بئيس بما مثل حمزة. حدثني محمد بن الجهم قال: حدثني ابن أبي أمية عن أبي بكر قال: كان حفظي عن عاصم بيئس على وزن فيعل «6»

_ (1) في (ط): وكذلك. (2) جاء رسمها في (ط): (بيئس). (3) في (م) الباء. (4) في (ط): وأخبرني. (5) في (ط): فيها. (6) ورد في حاشية (ط) التعليقة التالية: في الأصل بئيس على وزن فعيل.

ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم، وأخذتها عن الأعمش بعذاب بئيس [على وزن فعيل] «1» قال أبو زيد: قد بؤس الرجل يبؤس بأسا «2»، إذا كان شديد البأس، وقال في البؤس: قد «3» بئس يبأس بؤسا وبيسا وبأسا، والبأساء الاسم. [قال أبو علي] «4»: يحتمل قول من قال: بئيس أمرين: أحدهما أن يكون فعيلا من بؤس يبؤس، إذا كان شديد البأس مثل: من عذاب شديد [إبراهيم/ 2]، والآخر أن يكون من عذاب بئيس، فوصف بالمصدر، والمصدر على فعيل وقد جاء كثيرا كالنذير، والنكير، والشحيح. وعذير الحي، والتقدير: من عذاب ذي بئيس، أي عذاب ذي بؤس. وأما ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس، فإنه جعل بيس الذي هو فعل اسما فوصف به، ومثل ذلك قوله «5»: «إنّ الله ينهى عن قيل وقال» و «عن قيل وقال» وقال «6»: أصبح الدهر وقد ألوى بهم ... غير تقوالك من قيل وقال

_ (1) زيادة من (ط). السبعة ص 297. وما بين معقوفين غير ما أشير إليه منه. (2) في (م): بأسا شديدا. (3) زيادة من (ط). (4) كذا في (ط) وسقطت من (م). (5) نص الحديث كما جاء في صحيح البخاري: «إنّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنع وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» البخاري. كتاب الأدب 8/ 4. (6) ذكره اللسان في مادة (لوى) دون أن ينسبه. وفي (ط): قال. بسقوط الواو.

ومثل ذلك: «من شبّ إلى دبّ»، و «من شبّ إلى «1» دبّ» «2»، فكما استعملت هذه الألفاظ أسماء وأفعالا، كذلك بئس* جعله اسما بعد أن كان فعلا فصار وصفا. ونظيره من الصفة: نقض، ونضو، وهرط «3». وما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس بفتح الباء من غير همز، فهو أيضا فعل في الأصل، وصف، كما أن بيس كذلك. وأمّا «4» إبداله من الهمزة الياء، فإنّ سيبويه حكى أنّه سمع بعض العرب يقول: بيس* فلا يحقّق الهمزة، ويدع الحرف على الأصل، يريد على الأصل الذي هو فعل، كأنّه «5» يسكن العين، كما يسكن في «6» علم، ويقلب الهمزة ياء، لأنّه لمّا أسكنها لم يجز فيها أن تجعل بين بين، فأخلصها ياء. وقراءة ابن عامر: بعذاب بئس بالهمز، فهي قراءة

_ (1) كذا عبارة (م) وفي (ط): مذ شبّ في الموطنين. (2) من أمثال العرب وتمامه: أعييتني من شبّ إلى دبّ أي من الصبا إلى الهرم، وورد في (ط): مذ شبّ إلى دبّ ومذ شب إلى دب. انظر المستقصى في أمثال العرب 1/ 257 - اللسان مادة/ شبب/ والأمثال لابن سلام/ 122. (3) الهرط: النعجة الكبيرة المهزولة- والهرط أيضا: لحم مهزول. اللسان مادة/ هرط/. (4) في (ط): فأما. (5) في (ط): فكأنه. (6) في (ط): من.

الاعراف: 170

نافع «1» بعذاب بيس إلّا أنّ ابن عامر حقّق الهمزة. وما رواه أبو بكر عن عاصم بعذاب بيأس فإنه يكون وصفا مثل ضيغم، وحيدر، وهو بناء كثير في الصفة، ولا يجوز كسر العين في «2» بيأس، لأنّ فيعل «3» بناء اختصّ به ما كان عينه ياء، أو واوا، مثل: سيد وميت وطيب ولين، ولم يجيء مثل ضيغم، وقد جاء في المعتل فيعل، حكى سيبويه عيّن، وأنشد لرؤبة «4»: ما بال عيني «5» كالشّعيب العيّن «6» فينبغي أن يحمل بيأس على الوهم ممّن رواه عن عاصم والأعمش. [الاعراف: 170] اختلفوا في التخفيف والتشديد «6» في قوله جلّ وعزّ: والذين يمسكون بالكتاب [الأعراف/ 170]. فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: والذين يمسكون

_ (1) في (ط): فهو مثل قراءة نافع (2) في (ط): من. وانظر اللسان مادة (بأس)، فقد ذكر أن من القراء من كسر العين. (3) في (ط) فيعلا. (4) سقطت من (م). (5) في (م): عين. (6) بيت له من مشطور الرجز وبعده: وبعض أعراض الشجون الشّجّن وهو من شواهد سيبويه 2/ 372. والشّعيب: القربة الصغيرة. والعين البالية. شبه عينه لبكائه بالقربة القديمة التي يسيل الماء من خرزها. انظر أدب الكاتب 598 (ط. الرسالة) - الاقتضاب/ 472 - الخصائص 2/ 485 - 3/ 214، شواهد الشافية/ 59، ديوانه/ 160 وفيه «العيّن» بالكسر.

خفيفا، وكذلك قرأ «1»: ولا تمسكوا بعصم الكوافر [الممتحنة/ 10] خفيفا «2». وروى عنه حفص: يمسكون مشدّدة، ولا تمسكوا خفيفا. وقرأ ابن كثير ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ، والذين يمسكون مشددة ولا تمسكوا خفيفة. وقرأ أبو عمرو: والذين يمسكون وو لا تمسكوا مشدّدتين مضمومة التاء. انفرد أبو عمرو بقوله: ولا تمسكوا أنّها مشدّدة، والباقون يخفّفونها «3». [قال أبو علي] «4» حجة من قرأ: يمسكون بتخفيف السين قوله: فإمساك بمعروف [البقرة/ 229]. وقوله: أمسك عليك زوجك، [الأحزاب/ 37]، وكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة/ 4]. وقول الجميع: يمسكون بالكتاب أولى من الرواية التي انفرد بها من قال: يمسكون بالكتاب عن عاصم، وذلك أنّ التشديد هاهنا إذا أريد به الكثرة كان أولى من التخفيف لقوله:

_ (1) سقطت من (م). (2) سقطت من (م). (3) السبعة ص 297 مع اختلاف يسير. (4) سقطت من (م).

الاعراف: 172

وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119]، أي لا تؤمنون ببعض الكتاب «1» وتكفرون ببعض، فأنتم خلاف «2» من حكي عنهم: ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض [النساء/ 150] واتفاق الجماعة غير أبي عمرو في قوله: ولا تمسكوا بالتخفيف حسن، لأنّ ذلك في إمساك المرأة، وقد قال فيه: فإمساك بمعروف، وقال: أمسك عليك زوجك [الأحزاب/ 37]، وقال: فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [البقرة/ 231]. وقال: فأمسكوهن في البيوت [النساء/ 15]، وقال: ولا تمسكوهن ضرارا [البقرة/ 231]، فعلى هذا قول الجماعة: ولا تمسكوا بعصم الكوافر [الممتحنة/ 10] وقول أبي عمرو: إنّ أفعل، وفعّل قد «3» يكونان بمعنى واحد. [الاعراف: 172] اختلفوا في الجمع والتوحيد في قوله جلّ وعزّ «4»: من ظهورهم ذرياتهم [الأعراف/ 172]. فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي من ظهورهم ذريتهم واحدة. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: ذرياتهم* جماعة «5».

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): بخلاف. (3) سقطت من (ط). (4) عبارة (ط): من قوله. (5) السبعة ص 298.

[قال أبو علي] «1» قولهم: الذريّة تكون جمعا وتكون واحدا، فمما جاء فيه «2» ذرية يراد به الواحد قوله: هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة، ... فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى [آل عمران/ 39]. فهذا مثل قوله: فهب لي من لدنك وليا، يرثني [مريم/ 5]، يا زكرياء إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى [مريم/ 7]. وممّا جاء فيه جمعا قوله: وكنا ذرية من بعدهم [الأعراف/ 173]، ومنه قوله: ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح [الإسراء/ 2 - 3]، فمن أفرد جعله جمعا؛ فاستغنى عن جمعه بوقوعه على الجميع. ومن جمع فمن حجته أن يقول: لا يخلو من أن يكون واحدا، أو جمعا؛ فإن كان واحدا، فلا إشكال في جواز الجمع فيه، وإن كان جمعا فجمعه أيضا حسن، لأنّك قد رأيت الجموع المكسّرة قد جمعت نحو: الطرقات، والجزرات «3»، وصواحبات يوسف. ومن حجة من أفرد فلم يجمع، أنّ الذريّة قد وقع على

_ (1) سقطت من (م). (2) زيادة من (ط). (3) جزر وجزرات: جمع الجمع كطرق وطرقات، وهي جمع جزر والجزر جمع الجزور وهي الناقة المجزورة أي المعدة للذبح. انظر اللسان/ جزر/.

الواحد والجميع «1» بدلالة ما تقدم ذكره، كما أنّ قوله: بشر تقع «2» على الواحد والجميع، فالجميع كقوله: أبشر يهدوننا [التغابن/ 6]، وإن أنتم إلا بشر مثلنا [إبراهيم/ 10]، والواحد كقوله: ما هذا بشرا إن هذا [يوسف/ 31]، ولئن أطعتم بشرا مثلكم ... أيعدكم أنكم [المؤمنون/ 33 - 34]، فكما لم يجمع بشر بتصحيح ولا تكسير، كذلك لا تجمع الذريّة. فأمّا مثال ذرية من الفعل فيجوز أن يكون فعلولة من الذرّ، فأبدلت من الراء التي هي اللّام الأخيرة ياء كما أبدلت من دهديّة؛ يدلّك على البدل فيه قوله «3»: دهدوهة «4» ويحتمل أن يكون فعّيلة منه، فأبدلت من الراء الياء، كما تبدل من هذه الحروف للتضعيف، وإن وقع فيها الفصل، ويحتمل أن يكون فعليّة نسبا إلى الذرّ، إلّا أنّ الفتحة أبدلت منها الضمة، كما أبدلوا في الإضافة إلى الدهر دهري، وإلى السهل: سهلي، ويجوز أن تكون فعّيلة من ذرأ الله الخلق، اجتمع على تخفيفها، كما اجتمع على تخفيف البرية*. ويجوز أن تكون فعّيلة من قوله: تذروه الرياح [الكهف/ 45]، [أبدلت

_ (1) في (ط): الجمع. (2) في (ط): يقع. (3) في (ط): قولهم. (4) الدهدوهة: كالدحروجة وهو ما يجمعه الجعل من الخرء وفي الحديث: «كما يدهده الجعل النتن بأنفه». ودهدهت الحجر إذا دحرجته، انظر اللسان/ دهده/.

الاعراف: 173، 172

من الواو الياء لوقوع ياء قبلها] «1»، ويقوي ذلك أنّ في بعض الحروف ذرية من حملنا [الإسراء/ 3]. [الاعراف: 173، 172] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «2»: أن يقولوا يوم القيامة أو تقولوا [الأعراف/ 172 - 173]. فقرأ أبو عمرو وحده: أن يقولوا* أو يقولوا بالياء جميعا، وقرأ الباقون جميعا بالتاء «3». حجة أبي عمرو: أنّ الذي تقدّم من الكلام على الغيبة، وذلك قوله: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم [الأعراف/ 172] كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا «4»، ويؤكد ذلك ما جاء بعد من الإخبار عن الغيبة وهو قوله: قالوا بلى [الأعراف/ 172]. وحجة من قرأ بالتاء: أنّه قد جرى في الكلام خطاب فقال «5»: ألست بربكم، قالوا: بلى شهدنا [الأعراف/ 172]، وكلا الوجهين حسن، لأنّ الغيب هم المخاطبون في المعنى. [الاعراف: 180] واختلفوا «6» في ضمّ الياء وفتحها من قوله تعالى «7»: يلحدون [الأعراف/ 180].

_ (1) في (م): «أبدلت من الواو والياء لوقوع ما قبلها»، والوجه ما في (ط). (2) سقطت من (ط). (3) السبعة ص 298. (4) قراءة (ط): ولئلا يقولوا. (5) في (ط): قال. (6) في (ط): اختلفوا. (7) سقطت من (ط).

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: يلحدون بضمّ الياء، وكذلك في سورة النحل [103]، والسجدة [40]. وقرأ حمزة الأحرف الثلاثة بفتح الياء والحاء. وقرأ الكسائي في النحل: لسان الذي يلحدون إليه بفتح الياء والحاء وفي الأعراف والسجدة «1» يلحدون [بضم الياء] «2». [قال أبو علي] «3» حجة من قرأ: يلحدون قوله: ومن يرد فيه بإلحاد [الحج/ 25]، ويدلّ على أن ألحد أكثر، قولهم: ملحد كما قال: ليس الإمام بالشحيح الملحد «4» ولا تكاد تسمع لاحدا. وزعم أبو الحسن وغيره: أنّ ألحد ولحد لغتان: فمن جمع بينهما في قراءته، فكأنّه أراد الأخذ بكلّ واحد «5» من اللغتين، وكأنّ «6» الإلحاد: العدول عن الاستقامة والانحراف عنها، ومنه اللحد: الذي يحفر في جانب القبر خلاف الضريح الذي يحفر في وسطه.

_ (1) يريد بالسجدة هنا (فصلت) وقد ورد في نسخة في السبعة عند فصلت تسميتها بالسجدة، انظر ص 576. (2) ما بين قوسين سقط من (ط) والسبعة وانظر السبعة ص 298. (3) زيادة من (ط). (4) عجز بيت لحميد الأرقط وهو من شواهد سيبويه 1/ 387، وانظر السمط ص 649. (5) في (ط): واحدة. (6) في (م): وكان.

الاعراف: 186

[الاعراف: 186] اختلفوا في الياء والنون. والرفع والجزم في قوله «1»: ويذرهم [الأعراف/ 186]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ونذرهم بالنون والرفع. وقرأ أبو عمرو: ويذرهم بالياء والرفع، وكذلك قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحفص عن عاصم: ويذرهم بالياء والرفع. [وقرأ حمزة والكسائي: ويذرهم بالياء مع الجزم خفيفة. وكذلك حدثني الخزّاز عن هبيرة عن حفص عن عاصم ويذرهم] «2» [مثل حمزة] «3». [قال أبو علي] «4» حجة من رفع أنّه قطعه مما قبله؛ فإمّا أن يكون أضمر المبتدأ فصار ويذرهم في موضع خبر المبتدأ المحذوف، وإمّا أن يكون استأنف الفعل فرفعه. وأمّا قول أبي عمرو: ويذرهم بالياء على الغيبة، فلتقدم اسم الله تعالى «5»، وهو على لفظ الغيبة. ومن قال: ونذرهم بالنون فالمعنى فيه مثل الياء. وأمّا قراءة حمزة والكسائي: ويذرهم بجزم الفعل؛

_ (1) قراءة (ط): من قوله عز وجل. (2) ما بين قوسين تكرر في (ط). (3) السبعة ص 299 وما بين معقوفين زيادة من (ط) والسبعة. (4) سقطت من (م). (5) زيادة من (ط).

فوجهها فيما يقول «1» سيبويه أنّه عطف على موضع الفاء، وما بعدها من قوله: فلا هادي له [الأعراف/ 186]، لأن موضع الفاء مع ما بعدها جزم؛ فحمل ويذرهم على الموضع، والموضع جزم «2». ومثل ذلك قول الشاعر «3»: أنّى سلكت فإنّني لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد ومثله قول أبي داود «4»: فأبلوني بليّتكم لعلّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا حمل أستدرج على موضع الفاء المحذوفة من قوله: فلعلي أصالحكم. والموضع جزم. ومثله في الحمل على الموضع قوله: فأصدق وأكن [المنافقين/ 10]. ألا ترى أنّه «5» لو لم تلحق الفاء لقلت: لولا أخّرتني

_ (1) في (ط): يقوله. (2) انظر سيبويه 1/ 448. (3) ذكره البحر المحيط في 4/ 433 غير منسوب وقد سبق انظر 2/ 401. (4) أبلوني بليّتكم: اصنعوا صنعا جميلا- ونويا: نواي والنوى: النية أي الوجه الذي يقصده المرء. أستدرج: أرجع أدراجي من حيث كنت- والمعنى: أحسنوا إلي لعلي أصالحكم وأعود إلى جواركم. انظر ديوانه/ غرنباوم/ 350 وهو من شواهد شرح أبيات المغني برقم 669 ج 6/ 292. (5) في (ط): أنك.

الاعراف: 190

[إلى أجل قريب] «1» ... أصّدّق؛ لأنّ معنى لولا أخرتني: أخّرني أصّدّق، فحمل قوله: وأكن على ذلك. [الاعراف: 190] اختلفوا في ضم الشين والمدّ، والقصر والكسر «2» في قوله جلّ وعز «3»: جعلا له شركاء [الأعراف/ 190]. فقرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائيّ: جعلا له شركاء جمع شريك بضم الشين والمدّ، وكذلك حفص عن عاصم. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: شركا مكسورة الشين على المصدر لا على الجمع «4». [قال أبو علي] «5» وجه قول «6» من قال: جعلا له شركا أنّه حذف المضاف كأنّه أراد جعلا له ذا شرك أو ذوي «7» شرك، فإذا جعلا له ذوي شرك فيما آتاهما كان في المعنى كقوله: جعلا له شركاء، فالقراءتان على هذا تئولان إلى معنى واحد والضمير الذي في له* يعود إلى اسم الله، كأنّه جعلا لله شركاء فيما آتاهما. قال أبو الحسن: وكان ينبغي لمن قرأ: جعلا له شركا

_ (1) زيادة من (ط). (2) في (ط): وكسرها والقصر. (3) سقطت من (ط). (4) السبعة ص 299. (5) سقطت من (م). (6) سقطت من (م). (7) في (ط): وذوي.

أن يقول: جعلا لغيره شركا «1»، وقول من قرأ: جعلا له شركا يجوز أن يريد: جعلا لغيره شركا فحذف المضاف، فالضمير على هذا أيضا في له*: لاسم الله، ويجوز أن يكون الكلام على ظاهره، ولا يقدّر حذف المضاف في قوله: جعلا له. وأنت تريد لغيره، ولكن تقدر حذف المضاف إلى شرك، فيكون المعنى: جعلا له ذوي شرك، وإذا جعلا له ذوي شرك، كان في المعنى مثل: جعلا لغيره شركا، فلا يحتاج إلى تقدير جعلا لغيره شركا، لأنّ تقدير حذف المضاف من شرك بمنزلة جعلا لغيره شركا، ومثل: جعلا له شركا، قوله: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه [الرعد/ 16]، لأنّه تقرير بمنزلة: أم يقولون افتراه [يونس/ 38]. ويجوز في قوله: جعلا له شركا «2» جعل أحدهما له شركا، أو ذوي شرك، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، كما حذف من قوله: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف/ 31]، والمعنى: على رجل من أحد رجلي القريتين. وكذلك قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22] عند من رأى أن اللؤلؤ يخرج من الماء الملح، تقديره عنده: يخرج من أحدهما، فيكون الذي جعل له «3»

_ (1) انظر معاني القرآن 2/ 316. (2) في (ط): شركاء. (3) سقطت من (ط).

الاعراف: 193

شركا «1»، أحدهما، ويخرج آدم إلى «2» هذا من أن ينسب إليه ذلك. وذهب أحد أهل النّظر إلى أن الضّمير في جعلا للوالدين «3»، كأنّه الذكر والأنثى. فإن قلت: إنّه لم يجر لهما ذكر فيكنى عنهما، فإنّ فيما جرى من الكلام دلالة على اسميهما؛ فجاز لذلك إضمارهما، كأشياء تضمر لدلالة الأحوال عليها، وإن لم يجر لهما «4» في اللفظ ذكر. من ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم: إذا كان غدا فائتني «5»، فأضمر ما كانوا فيه من الرخاء والبلاء «6»، ولم يجر لهما ذكر. [الاعراف: 193] اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها «7» من قوله تعالى «8»: لا يتبعوكم [الأعراف/ 193]. فقرأ نافع وحده: لا يتبعوكم ساكنة التاء وبفتح الباء. وقرأ الباقون: لا يتبعوكم مشددا «9». قال أبو زيد: تقول: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا، إذا

_ (1) في (ط): شركاء. (2) في (ط): على هذا. (3) في (ط): للولدين. (4) في (ط): لها. (5) سيبويه 1/ 114. (6) في (ط) أو البلاء. (7) سقطت من (م). (8) في (ط): عز وجل. (9) السبعة ص 299.

الاعراف: 195

سبقوك، فأسرعت نحوهم. ومرّوا عليّ فاتّبعتهم اتّباعا، إذا ذهبت معهم، ولم يستتبعوك، قال: وتبعتهم أتبعهم تبعا، مثل ذلك. [قال أبو علي] «1»: معنى القراءتين على هذا واحد. ألا ترى أن أبا زيد قال: إنّ تبعتهم مثل اتّبعتهم، والمعنى على تركهم الانقياد للحقّ والإذعان للهدى، وما «2» شرّع لهم، ودعوا إليه، وكأنّ اتّبع أكثر في استعمالهم من تبع، وإن كانا فيما حكاه أبو زيد بمعنى. ألا ترى أنّ قوله: واتبع هواه [الأعراف/ 176] القراءة فيه على افتعل. [الاعراف: 195] وقال «3» أحمد: وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ثم كيدون [الأعراف/ 195] بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ أبو عمرو ونافع في رواية ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر بالياء في الوصل وكذلك ابن عامر في رواية ورش وقالون والمسيّبي بغير ياء في وصل ولا وقف. وفي كتابي عن ابن ذكوان عن ابن عامر: ثم كيدوني بياء، وحفظي بغير ياء. كذا حدثني أحمد بن يوسف بإسناده عن ابن ذكوان «4».

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط) وما جاء. (3) سقطت الواو من (ط). (4) السبعة ص 300.

القول في ذلك أن الفواصل وما أشبه الفواصل من الكلام التام تجري مجرى القوافي لاجتماعهما في أنّ الفاصلة آخر الآية، كما أنّ القافية آخر البيت، وقد ألزموا الحذف هذه الياءات إذا كانت في القوافي في قوله «1»: فهل يمنعنّي ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين والياء التي هي لام كذلك نحو قوله «2»: يلمس الأحلاس في منزله ... بيديه كاليهوديّ المصلّ وقد تمّ الوزن دونهما «3». ومن أثبت فلأنّ الأصل الإثبات، وقد جاء الإثبات في هذا النحو في «4» القوافي أيضا كقوله «5»: وهم أصحاب يوم عكاظ إنّي

_ (1) في (ط): كقوله والبيت للأعشى، وقد سبق في 3/ 219. (2) البيت للبيد، والأحلاس: ما يوضع على ظهر البعير كلباس ويكون عادة من القماش الرقيق انظر ديوانه/ 147 ط. صادر- واللسان مادة/ لمس/. (3) في (ط): دونها. هذا، والبيت الأول من المتقارب والثاني من التخفيف. (4) في (ط): من. (5) في (ط): قوله. وهذا عجز بيت للنابغة وصدره: وهم وردوا الجفار على تميم وقد سبق في 3/ 219.

الاعراف: 196

وربّما أثبت هذا النحو في الغلوّ والغالي، وإن كان وزن البيت قد تمّ دونه. [الاعراف: 196] واختلفوا «1» في قوله [جلّ وعز] «2»: إن وليي الله [الأعراف/ 196]. فقرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: وليي الله بثلاث ياءات: الأولى ساكنة، والثانية مكسورة، والثالثة هي «3» ياء الإضافة مفتوحة. وقال ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو أنه قال: لام الفعل مشمّة «4» كسرا وياء الإضافة منصوبة. وقال ابن سعدان عن اليزيدي عنه أنّه قرأ: ولي الله يدغم الياء. قال أبو بكر: والترجمة التي قال ابن سعدان عن اليزيدي في إدغام الياء، ليست بشيء، لأنّ الياء الوسطى التي «5» هي لام الفعل متحركة وقبلها ساكن، والياء الزائدة ساكنة ولا يجوز إسكانها وإدغامها، وقبلها ساكن، ولكني أحسبه أراد حذف الياء الوسطى وإدغام الياء الزائدة في ياء الإضافة. وقال أبو زيد عن أبي عمرو: إن ولي الله مدغمة، وإن شاء بالبيان قال: وليي الله مثقّلة.

_ (1) في (ط) اختلفوا. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وهي. (4) في السبعة مشتّمة. (5) سقطت من (م).

وروى العباس «1» بن الفضل كذلك مثقّلة «2» عن أبي عمرو مثله «3». [قال أبو علي] «4»: لا يخلو ما رواه أبو زيد عن أبي عمرو من قوله: إن وليي الله من أن يدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة، أو يحذف الياء التي هي لام الفعل، فإذا حذفها أدغم ياء فعيل في الياء التي هي ياء الإضافة، فلا يجوز أن يدغم الياء التي هي لام في ياء الإضافة لأنّه إذا فعل ذلك انفكّ الإدغام. ويذهب سيبويه «5» إلى أنك إذا قلت: هذا وليّ يزيد وعدوّ وليد، لم يجز إدغام الياء التي هي لام في ياء يزيد، لأنّك حيث أدغمت الياء في وليّ «6»، والواو في عدوّ، ذهب «7» المد للإدغام، فصارت الياء والواو بمنزلة غيرهما من الحروف التي لا تكون للمدّ، واستدلّ على ذلك بجواز ليّا في القافية مع طيّا ودوّا مع غزوا، فلو أدغمت شيئا من ذلك عاد المدّ إلى الحرف الذي كان ذاك المدّ عنه بالإدغام، وعود المدّ إليه بانفكاك الإدغام بمنزلة تحريك الساكن في نحو: قرم «8» موسى، واسم

_ (1) في (ط) أبو العباس. (2) في (ط) منقلبة. (3) السبعة ص 300. (4) سقطت من (م). (5) انظر الكتاب 2/ 410. (6) في (م): وليي. (7) في (ط): وذهب. (8) في (م): قوم. والقرم: الفحل الذي يترك من الركوب والعمل ويودع للفحلة (اللسان).

مالك، فكما لا يدغم هذا أحد، كذلك لا ينبغي إدغام الياء التي هي لام في وليّ «1» لعود «2» المدّ إليه بانفكاك الإدغام، وعود المدّ بمنزلة تحريك الراء «3» في قرم «4» موسى، ألا ترى أن المدّ قد قام مقام الحركة في دابّة، وتمودّ الثوب وتضربينّي، فكما لم يجز التحريك في راء قرم موسى، كذلك لا يجوز إدغام الياء «5» التي هي لام في ياء الإضافة. فإن قلت: فليست ياء الإضافة منفصلة لأنّها لا تنفرد. قيل: إنّها في حكم المنفصل كما أنّ اقتتلوا في حكم المنفصل لاجتماعهما جميعا في أنّ كلّ واحد من الحرفين، يجري في الكلام، ولا يلزمه به مثله، وإذا «6» لم يجز هذا لما ذكرنا، ثبت أنّ اللّام من وليّ حذفها حذفا كما حذفت اللّام من قوله «7»: ما باليت به بالة. وكما حذفت من قولهم: حانة، وكما حذفت الهمزة التي هي لام في قول أبي الحسن من أشياء، وكما حذفت الهمزة في قولهم: سواية إذا أردت به «8» سوائية مثل الكراهية.

_ (1) (م): وليي. (2) (م): ليعود. (3) في (ط): الواو. (4) في (م): قوم. (5) سقطت من (م). (6) في (ط): فإذا. (7) لعله يقصد قول ابن عباس: ما أباليه بالة. وفي الحديث الشريف: وتبقى حثالة لا يباليهم الله بالة (البخاري 8/ 114) (اللسان مادة/ بلا). (8) سقطت من (م).

وكما استمر الحذف في التحقير في هذه اللامات نحو: عطيّ في تحقير: عطاء، بدلالة قولهم: سميّة؛ فلما حذفت اللّام أدغمت ياء فعيل في ياء «1» الإضافة، فقلت: وليّ الله، فهذه الفتحة فتحة ياء الإضافة. فإن قلت: فأبو عمرو لا يرى حذف الياء الثالثة إذا اجتمعت ثلاث ياءات، لأن سيبويه حكي عنه أنّه يقول في تحقير أحوى فيمن قال: أسيد: أحيّ «2». قيل: هذا لا يدل على ما ذكرت من أنّه يرى الجمع بين ثلاث ياءات في نحو تحقير سماء، وذلك أنّه استجاز أحيّ، لأنّ في أوّل الكلمة الزيادة التي تكون في الفعل، وقد جرى هذا مجرى الفعل في أنّه منع الصرف، فكما جرى مجرى الفعل فيما ذكرنا، كذلك ما جرى «3» مجراه في جواز اجتماع ثلاث ياءات في أحيّ، كما اجتمع في الفعل نحو أحيّي، ورأيت أحيي قبل «4» وفي الاسم الجاري عليه نحو: محيّي، فلا يدل هذا على جواز عطيّ عنده، بل يفصل بينهما بما ذكرناه «5». ألا ترى أنّ سيبويه ألزمه عطي على قوله: أحيّ، ولو كان يرى عطيّ، كما يرى أن يقول: أحيّ لم يلزمه سيبويه «6» ذلك،

_ (1) سقطت من (م). (2) الكتاب 2/ 131. (3) في (ط): جري. (4) سقطت من (م). (5) في (ط): ذكرنا. (6) سقطت من (ط).

الاعراف: 201

فكأن أبا عمرو في قوله: إن ولي الله شبّه المنفصل بالمتصل، فحذف إحدى الياءات من وليّ، كما يحذف من عطيّ. وقرأ أبو عمرو أيضا: إن وليي الله كما «1» قرأ غيره، ولم يحذف الياء، فقصر حذف الياء إذا اجتمعت ثلاث ياءات على المتصل، ولم يجر المنفصل مجرى المتصل في هذا المذهب الآخر الذي وافق فيه الأكثر. [الاعراف: 201] واختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله عز وجل «2»: طيف* [الأعراف/ 201]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: طيف* بغير ألف. وقرأ نافع وابن عامر، وعاصم، وحمزة: طائف بألف [وهمز] «3». أبو زيد: طاف الرجل يطوف «4» طوفا، إذا أقبل وأدبر، وأطاف يطيف إطافة، إذا جعل يستدير بالقوم ويأتيهم من نواحيهم، وطاف الخيال يطيف طيفا، إذا ألمّ في المنام. أبو عبيدة: طيف من الشيطان: أي: يلمّ به لمّا وأنشد الأعشى «5»:

_ (1) في (ط) على ما قرأ غيره. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة ص 301 وما بين معقوفين زيادة منه. (4) في (م): وهو يطوف. (5) غبّ الشيء: عاقبته وما يليه- السرى: السير في الليل- ألم به: خالطه-

وتصبح عن غبّ السّرى وكأنّما ... ألمّ بها من طائف الجنّ أولق «1» فقد ثبت ممّا «2» قاله أبو زيد من قولهم: يطيف طيفا، أنّ الطيف مصدر، فكأنّ «3» المعنى: إذا مسّهم وخطر لهم خطرة من الشيطان، ويكون: طائف بمعناه، مثل العاقبة والعافية، ونحو ذلك مما جاء المصدر فيه على فاعل وفاعلة. والطيف أكثر لأنّ المصدر على هذا الوجه «4»، أكثر منه على وزن فاعل، فطيف كالخطرة والطائف كالخاطر، وقال «5»: ألا يا لقوم لطيف الخيا ... ل أرّق من نازح ذي دلال وقال آخر «6»: فإذا بها وأبيك طيف جنون

_ الطائف: ما يطوف بالإنسان ويلم به. ألق الرجل: فهو مألوق أي: جنّ أو أصابه مسّ من جنون. انظر ديوانه/ 221 وفي (ط): وأنشد للأعشى. (1) مجاز القرآن 1/ 236. (2) في (م): ما. (3) في (م): «وكان». (4) في (ط): الوزن. (5) البيت لأمية بن أبي عائذ. انظر اللسان مادة/ طوف/. وفيه: لقومي، بدل: لقوم. (6) سقطت من (م): آخر. والشطر عجز بيت لأبي العيال الهذلي وصدره: ومنحتني فرضيت حين منحتني انظر شرح أشعار الهذليين للسكري 1/ 415، واللسان (طيف).

الاعراف: 202

قال أبو الحسن: الطيف أكثر في كلام العرب. [الاعراف: 202] اختلفوا في فتح الياء وضمها «1» في قوله عزّ وجلّ «2»: يمدونهم في الغي [الأعراف/ 202]. فقرأ نافع وحده: يمدونهم بضم الياء وكسر الميم. وقرأ الباقون: يمدونهم بفتح الياء «3» وضمّ الميم «4». [قال أبو علي] «5» عامة ما جاء في التنزيل فيما يحمد ويستحبّ أمددت على أفعلت كقوله: إنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55]. وقوله: وأمددناهم بفاكهة [الطور/ 22]، وقال «6»: أتمدونني بمال [النمل/ 36] وما كان خلافه «7» يجيء على مددت قال: ويمدهم في طغيانهم يعمهون [البقرة/ 15]. وقال أبو زيد: أمددت القائد بالجند، وأمددت الدواة، وأمددت القوم بمال ورجال، وقال أبو عبيدة: يمدّونهم في الغي، أي: يزينون لهم [الغي والكفر ويقال]: مدّ له في غيه:

_ (1) في (ط): من. (2) سقطت من (ط). (3) تكررت في (ط). (4) السبعة ص 301. (5) كذا في (ط) وسقطت من (م). (6) في (ط): قال. (7) في (م): كلامه.

[زينه له وحسنه وتابعه عليه] «1». قال أبو عبيدة: هكذا يتكلمون بهذا، فهذا ممّا يدل أن «2» الوجه فتح الياء، كما ذهب إليه الأكثر. ووجه قول نافع أنّه بمنزلة قوله: فبشرهم بعذاب أليم [آل عمران/ 21]. وقوله: فسنيسره للعسرى «3» [الليل/ 10].

_ (1) مجاز القرآن 1/ 237 وما بين معقوفين زيادة منه. (2) في (ط): على أن. (3) جاء على هامش (ط): بلغت.

سورة الأنفال

بسم الله الرّحمن الرّحيم «1» [ذكر اختلافهم في] «2» سورة الأنفال [الانفال: 9] اختلفوا في فتح الدال وكسرها من قوله جلّ وعز: مردفين [الأنفال/ 9]. فقرأ نافع وحده: مردفين بفتح الدال، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: مردفين [بكسر الدال] «3»، وروى المعلّى بن منصور عن أبي بكر عن عاصم مردفين بفتح الدال «4». قال أبو علي: من قال مردفين احتمل وجهين: أحدهما أن يكونوا مردفين مثلهم. كما تقول: أردفت زيدا دابّتي، فيكون المفعول الثاني محذوفا في الآية، وحذف المفعول كثير. والوجه الآخر في مردفين: أن يكونوا جاءوا بعدهم.

_ (1) في (م): بسم الله. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) السبعة: 304.

الانفال: 11

قال أبو الحسن: تقول العرب: بنو فلان يردفوننا، أي: يجيئون «1» بعدنا. قال أبو عبيدة: مردفين: جاءوا بعد، وردفني «2»، وأردفني واحد، وهذا الوجه كأنّه أبين لقوله: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [الأنفال/ 9] أي: جائين بعد لاستغاثتكم ربّكم، وإمداده «3» إياكم بهم، فمردفين على هذا صفة للألف «4» الذين هم الملائكة. ومردفين: على أردفوا الناس أي: أنزلوا بعدهم، فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في ممدّكم مردفين بألف من الملائكة. [الانفال: 11] اختلفوا في قوله [جل وعز] «5»: إذ يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إذ يغشاكم النعاس بفتح الياء [وجزم الغين] «6» وفتح الشين، [وألف بعدها] «7» النعاس رفعا.

_ (1) في (ط): هم يجيئون. (2) في مجاز القرآن 1/ 241: «جاءوا بعد قوم قبلهم. وبعضهم يقول: ردفني، أي: جاء بعدي، وهما لغتان». (3) في (م): فإمداده. (4) في (ط): صفة الألف. (5) سقطت من (ط). (6) كذا في (ط) وسقطت من (م). (7) كذا في (ط) وسقطت من (م).

وقرأ نافع: يغشيكم بضم الياء وجزم الغين وكسر الشين النعاس نصبا. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يغشيكم بضم الياء وفتح الغين مشدّدة الشين مكسورة: النعاس بنصب السين «1». قال أبو علي: حجّة من قرأ يغشاكم قوله سبحانه «2»: أمنة نعاسا يغشى [آل عمران/ 154]، فكما أسند الفعل إلى النعاس أو الأمنة التي هي من النعاس، كذلك على هذا: إذ يغشاكم النعاس. وأما من قرأ: يغشيكم ويغشيكم «3» فالمعنى واحد، وقد جاء بهما التنزيل قال: فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس/ 9]، وقال: فغشاها ما غشى [النجم/ 54] وقال: كأنما أغشيت وجوههم قطعا [يونس/ 27]. ومن حجّة من قرأ: إذ يغشيكم أو يغشيكم أنه أشبه بما بعده، ألا ترى أنّ بعده وينزل عليكم من السماء [الأنفال/ 11]، فكما أنّ ينزل* مسندا إلى اسم الله سبحانه «4»، كذلك يغشيكم ويغشيكم «5».

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 304. (3) كذا في (ط) وسقطت من (م). (4) في (ط): تعالى بدل سبحانه. (5) في (ط): يغشي ويغشّي.

الانفال: 18

[الانفال: 18] اختلفوا في فتح الواو وإسكانها وتشديد الهاء وتخفيفها من قوله جلّ وعز «1»: موهن كيد الكافرين [الأنفال/ 18]. فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو موهن* بفتح الواو مشدّدة الهاء منونة، كيد الكافرين* نصبا. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم، موهن* ساكنة الواو منونة، كيد الكافرين* نصبا. وروى حفص عن عاصم موهن كيد مضاف «2» بتسكين الواو وكسر الهاء وضمّ النون من غير تنوين، وكسر الدال من كيد «3». قال أبو علي: تقول: وهن الشيء وأوهنته أنا، كما تقول: فرح وأفرحته وخرج وأخرجته، فمن قرأ موهن* كان من أوهن، مثل: مخرج من أخرج أي: جعلته واهنا. فأما: موهن* فهو من: وهّنته، كما تقول: خرّج وخرّجته، وعرّف وعرّفته [وغرّم وغرّمته] «4». وزعم أبو عثمان أن أبا زيد قال: سمعت من الأعراب من يقرأ: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146]، فوهن يهن، على هذا مثل: ومق يمق، وولي يلي وهو أيضا ينقل بالهمزة، وبتثقيل العين، فالأمران فيهما حسن. قال

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): مضافا. (3) السبعة 304 - 305. (4) سقطت من (م).

الانفال: 19

أبو الحسن: الخفيفة قراءة الناس، وهو أجود في المعنى وبها نقرأ. [الانفال: 19] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ] «1»: وأن الله مع المؤمنين [الأنفال/ 19]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: وإن الله مع المؤمنين بكسر الألف. وقرأ نافع وابن عامر: وأن الله مع المؤمنين بفتح الألف، وكذلك روى حفص عن عاصم فتحا «2». قال أبو علي: قول من كسر الهمزة أنه منقطع ممّا قبله، ويقوّي ذلك أنهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: والله مع المؤمنين. ومن فتح فوجهه: ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت [الأنفال/ 19]، ولأن الله مع المؤمنين. أي: لذلك لن تغني عنكم فئتكم شيئا. [الانفال: 42] اختلفوا في كسر العين وضمّها من قوله جلّ وعزّ: بالعدوة [الأنفال/ 42]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالعدوة*، وبالعدوة* «3» العين فيهما مكسورة. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ بضم العين فيهما «4».

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 305. (3) في (ط): بالعدوة والعدوة. (4) السبعة 306.

الانفال: 42

قال أبو الحسن: تقرأ بالكسر، وهو كلام العرب لم يسمع منهم غير ذلك، وقال «1»: وهي قراءة أبي عمرو وعيسى، قال: وبها قرأ يونس، وزعم يونس أنه سمعها من العرب. قال «2» أحمد بن يحيى: الضم في العدوة أكثر اللغتين، وقال أبو عبيدة «3»: هما لغتان، وأكثر القراءة بالضم. [الانفال: 42] اختلفوا في الإدغام والإظهار من قوله [جل وعز] «4»: ويحيا من حي عن بينة [الأنفال/ 42]. فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: من حي عن بينة بياء واحدة مشدّدة. حفص عن عاصم بياء واحدة أيضا: حي. وقال البزّي عن أصحابه عن ابن كثير: حيي عن بينة بياءين، الأولى مكسورة والثانية مفتوحة. وحدثني الحسين بن بشر الصوفي «5» قال: حدّثنا روح بن عبد المؤمن قال: حدثنا محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير أنه قرأ من حيي بياءين، ظاهرة «6» مثل رواية البزّي.

_ (1) في (ط): قال بحذف الواو. (2) في (ط): وقال. (3) في (ط): وقال غيره. وقد ورد الكلام عن هذا الحرف في مجاز القرآن 1/ 246 ولم يرد نقل أبي علي فيه. (4) سقطت من (ط). (5) في (م) الحسن والصواب ما في (ط) وقد سبقت ترجمته. (6) في السبعة: ظاهرتين.

وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع بياءين: الأولى مكسورة والثانية مفتوحة حيي* «1». [قال] «2» أبو عبيدة: الحياة والحيوان، والحيّ واحد «3»، فهذه على ما حكاه أبو عبيدة، مصادر، فالحياة كالجلبة، والحدمة «4»، والحيوان كالغليان والنّزوان، والحيّ، كالعيّ، قالوا «5»: حيي يحيا حيّا، كما قالوا: عيي يعيا عيّا، فمن ذلك قوله «6»: كنّا بها إذ «7» الحياة حيّ فهذا كقوله: إذ «7» الحياة حياة. ومن زعم «9» أنّ حيّ، جمع حياة، كبدنة وبدن، فإن قوله غير متّجه لأن باب المصادر الأعمّ فيها أن لا تجمع «10»، ولأنه لو كان جمعا لفعل «11» لجاء فيه الضمّ، والكسر، كما جاء في

_ (1) السبعة 306 - 307. (2) سقطت من (ط). (3) انظر مجاز القرآن 2/ 117. (4) الحدمة: صوت التهاب النار أو لهيبها. انظر اللسان (حدم). (5) في (م): وقالوا. (6) رجز للعجاج. وقد سبق في 3/ 368 وروايته في ديوانه 1/ 486: وقد نرى إذ الحياة حي (7) في (م): إذا. (9) هم بعض البغداديين كما نقل الدكتور السطلي في تعليقاته المفيدة على شرح ديوان العجاج عن حاشية الأصل 1/ 488 عن الفارسي. (10) في (م) يجمع. (11) في (ط): لفعل.

قولهم: قرن ألوى، وقرون ليّ، فأن لم يسمع «1» في الحيّ إلا الكسر، ولم نعلم أحدا حكاه، ولا ادّعى أنه جمع فعل؛ دلالة على أنّه لا مجاز له. وذكر محمد بن السريّ أن بعض أهل اللغة قال في قول أمية «2»: يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها* من صلب أعمى أصمّ الصّلب منقصم أن المعنى: يأتي بها حياة، وهذا على ما قاله هذا القائل مثل قولهم: عيب، وعاب، وذيم، وذام، ونحو ذلك مما جاء على فعل [وفعل] «3»، ولم يكن كآية، وغاية، لأنّ باب غاية وآية نادر، ألا ترى أن الأول من المعتلّين، يصحّح ويعلّ الثاني، مثل نواة وضواة، وحيا وحياة. وباب «4» آية على غير القياس. ويمكن أن يكون قوله: «يأتي بها حية» يعني بها خلاف الميّتة، لأنها قد وصفت بالحياة، فيكون «5» صفة كسهلة، وعدلة، لأنّ النار قد وصفت بالحياة في نحو قوله «6»:

_ (1) في (ط): نسمع. (2) لم يرد في ديوانه المجموع. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): فباب. (5) في (ط): فتكون. (6) البيت لابن مقبل- وتقص: تدق وتكسر- المقاصر: أصول الشجر واحدها مقصور. كربت: دنت. والمتنور: الذي ينظر إلى النار من بعيد. يقول:

فبعثتها تقص المقاصر بعد ما* كربت حياة النّار للمتنوّر فإذا جعل لها حياة جاز أن يكون قوله: حيّة وصفا غير مصدر، ويقوّي ذلك قولهم في وصفها: خمدت وهمدت، فهذا خلاف الحياة. ويقوي ذلك قوله «1»: ... يهديك رؤيتها فإنّما يريد: يهدي ضياؤها الضالّ لتعرّفه قصده «2». ومن ذلك ما أنشده أبو زيد «3»: ونار قبيل الصبح بادرت قدحها ... حيا النار قد أوقدتها للمسافر وقال أبو زيد: الحيوان لما فيه روح، والموتان والموات لما لا روح فيه. فالحيوان في روايتي أبي زيد وأبي عبيدة على ضربين: أحدهما: أن يكون مصدرا، كما حكاه أبو عبيدة، والآخر: أن يكون وصفا كما حكاه أبو زيد، والحيوان مثل الحي الذي هو صفة يراد به خلاف الميّت.

_ بعثت ناقتي عند مغرب الشمس ودنو الليل. انظر ديوانه/ 126 - اللسان مادة/ قصر- قص- نور/. (1) سقطت «قوله» من (ط) ويشير في ذلك إلى بيت أمية الذي سبق ذكره. (2) في (ط): فيعرفه مقصده. (3) ذكره اللسان في مادة/ حيا/ ولم ينسبه.

وقد جاء من «1» الصفة على هذا المثال نحو قولهم: رجل صميان للسريع الخفيف والزّفيان، قال «2»: وتحت رحلي زفيان ميلع فهذا أظهر من أن يقال: إنه وصف بالمصدر. فأما قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان [العنكبوت/ 64]، فيحتمل أن يكون المعنى: وإنّ حياة الدار هي الحياة، لأنّه لا تنغيص فيها ولا نفاد لها، أي: فتلك الحياة هي الحياة، لا التي يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار، فيكون الحيوان مصدرا على هذا. ويجوز أن يكون الحيوان الذي هو خلاف الموتان، وقيل لها: الحيوان، لأنها لا تزول ولا تبيد، كما تبيد هذه الدار، وتزول، فتكون الدار قد «3» وصفت بالحياة لهذا المعنى، والمراد أهلها. ويجوز أن يكون التقدير في قوله: لهي الحيوان هي ذات الحيوان، أي: الدار الآخرة هي ذات الحياة، كأنه لم يعتدّ بحياة هذه الدار حياة. فأمّا القول في حروف الحيوان، فهو أن العين واللام منه مثلان في أصل الكلمة، أبدلت «4» من الثانية الواو لمّا لم

_ (1) في (ط): في. (2) سبق انظر 3/ 209. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): وأبدلت.

يسغ الإدغام في هذا المثال، ألا ترى أن مثل طلل، وشرر يصح، ولا يدغم؟ فكذلك «1» الحيوان لم يجز فيه الإدغام، فيتوصّل «2» منه «3» إلى إزالة المثلين بالبدل. ووجب ذلك في الثاني منهما وهو الكثير العام في كلامهم لأن التكرير به «4» وقع. ومن زعم أنّ الحيوان ليس على هذا النحو الذي سلكه الخليل، ولكنّه بمنزلة قولهم: فاظ الميّت فيظا وفوظا «5»، ولم يستعمل من الفوظ فعل. فإنّ قوله غير متّجه لأنّ الحيوان لا يكون كالفيظ، والفوظ، ألا ترى أنه كثيرا ما تكون العين منه «6» مرة ياء وأخرى واوا، وليس في كلامهم في الاسم والفعل ما عينه ياء ولامه واو، فإذا جعل هذا مثل الفوظ والفيظ، بناه على شيء لا يصحّ ولا نظير له. وأما قولهم: الحيّة، فالعين واللام فيه مثلان، والدليل على ذلك ما حكاه من أنّهم يقولون في الإضافة إلى حيّة بن بهدلة «7»: حيويّ، فلو كانت واوا لقالوا: حوويّ، كما قالوا في النسب إلى ليّة: لوويّ، وإذا ثبتت أن العين ياء بهذه الدلالة،

_ (1) في (ط): وكذلك. (2) في (م): فيوصل. (3) في (ط): فيه. (4) في (ط): بها. (5) فاظ بمعنى: مات. (6) سقطت من (ط). (7) أبو بطن (انظر التاج حيي).

علمت أن اللام ياء أيضا، ولا يصح أن تكون واوا. فأما قولهم: الحوّاء في صاحب الحيّات، فليس من الحيّة، ولكنه «1» من: حويت لجمعه لها في جؤنه وأوعيته. وعلى هذا قالوا: أرض محياة للتي بها الحيّات. ومثل قولهم: الحوّاء، لمعالج الحيّات، قولهم: اللئّال لبائع اللؤلؤ، وليس اللئّال من اللّؤلؤ وكذلك «2» الحوّاء ليس من الحيّة. ومن هذا الباب قولهم: حيا الغيث، فالحيا مثل المطر. ومنه أيضا قولهم: حياء الناقة في أن حروفه «3» حروف الحي، وقالوا في جمعه: أحيّة وأحيية. وقال أبو زيد في جمع حياء الناقة: حياء وأحياء، وهو فعال وأفعال، وحكى أيضا: جواد، وأجواد. فأما ما حكاه بعض البغداديين من قولهم: فلان يبيع الحيوان والحيوات، فلا وجه للحيوات هنا، إلّا أن يكون جمع حياة، وحياة لم نعلمه جمع في موضع، ولا وجه له غير الجمع، ألا ترى أنه لا يحمل على فعلال، ولا فعوال، ولا غير ذلك من أبنية الآحاد «4» ولا تكون التاء بدلا من النون في الحيوان كما كان اللام بدلا منها في أصيلال، ألا ترى أن

_ (1) في (ط): ولكنها. (2) في (ط) فكذلك. (3) في (ط): حروفها. (4) جاء في (ط) على هامشها: بلغت.

النون تبدل منها اللام في غير هذا الموضع، وهما حرفان متقاربان، والتاء لا تقارب النون فتجعله في الحيوات بدلا، وأما «1» ما روي من قوله «2»: ويأكل الحيّة والحيّوتا فأظن البيت أيضا بغداديا، وينبغي أن يكون الحيّوت مثل سفّود وكلّوب، ألا ترى أنه ليس في الكلام فعلوت، فيكون فيه بعض حروف الحي، وليس منه والتاء لام الفعل. فإن قلت: فقد جاء المروت في قوله «3»: وما خليج من المروت ذو «4» حدب* [يرمي الضرير بعود الأيك والضّال

_ (1) في (ط): فأما. (2) رجز ذكره اللسان في مادة/ حيا/ وقال: أنشد الأصمعي: ويأكل الحيّة والحيّوتا ... ويدمق الأغفال والتابوتا ويخنق العجوز أو تموتا والحيّوت: هو ذكر الحية. (3) البيت لأوس بن حجر ورواية الديوان: يرمي الضرير بخشب الطلح والضّال والمروت: أرض فيها نبات ومسايل وهي من أرض العالية. الحدب: ارتفاع الماء وتعاليه في النهر. الضرير: جانب الوادي. يصف النهر في حال تدفقه وفيضانه وقذفه بالخشب على الجانبين. انظر ديوانه/ 105 واللسان (مادة: مرت). (4) في (م): ذي حدب.

ويروى: بخشب الأيك] «1»، فإنه أيضا فعّول من المرت، ولا يكون: فعلوتا من المرور، لأنّ هذا الوزن لم يجيء في شيء. فإن قلت: فهذا التأليف الذي هو: ح ي ت لم نعلمه في موضع. فإن ذلك أسهل من أن يدخل في الأبنية ما ليس منها. وإن قلت: فما تنكر أن يكون حيّوت فعلوت كالرّغبوت، فالتاء «2» فيه زيادة، وإنما أسكن لكراهة المثلين، كما أبدل في الحيوان لكراهة المثلين، ومع ذلك فلو لم يدغم ويثبت للزمك أن تجري اللام التي هي ياء بالضم، وإذا لزم تحريكها لزم إسكانها، فإذا لزم إسكانها لزم حذفها لالتقاء الساكنين. فأسكنت العين من فعلوت لتحتمل «3» الياء الحركة لسكون ما قبلها، كما قلبت اللام من «4» طاغوت وحانوت وجالوت، لمّا لزم حركتها بالضم في فعلوت، فلمّا قلبت الكلمتان انقلب حرف العلّة فيهما، فإسكان العين من فعلوت في الحيّوت كقلب اللام من طاغوت وحانوت، فذلك إن قاله قائل أمكن أن يقول. وتقول «5»: إن المعتل يختص «6» بأبنية لا تكون في

_ (1) ما بين معقوفين سقط من (ط) وجاء في (م) على الهامش. (2) في (ط): والتاء فيه زائدة. (3) في (م) لتحمّل الياء. (4) في (ط): في. (5) في (ط): ويقول. (6) في (ط): اختص.

الصحيح، فكذلك فعلوت جاء حيّوت عليه لما قدّمنا، وإن لم يجيء في غير المعتل. فأما قول الشاعر «1»: إذا شئت آداني صروم مشيّع ... معي وعقام يتّقي الفحل مقلت «2» يطوف بها من جانبيها ويتّقي ... بها الشمس حيّ في الأكارع ميّت من «3» أعمل الآخر من الفعلين، أضمر في الأول على شريطة التفسير، ومن أعمل الأول لم يضمر وكان التقدير: يطوف بها حيّ من جانبيها. وفي يتّقي ذكر من حيّ. ومعنى حيّ في الأكارع: حيّ في أسفل الأكارع، وأسفل الأكارع: الخفّ ومعنى ميّت، أي: ميت في غير هذا المكان، لأنه لا يثبت إلا في أسفل الأكارع في ذلك الوقت، فجعل عدمه في «4» هذه المواضع موتا له فيها.

_ (1) ذكرهما القالي في أماليه فقال: وأملى علينا أبو بكر محمد بن السّريّ السراج دون أن ينسبهما. وآداني: أعانني وقوّاني. وصروم بمعنى صارم وهو قلبه. ومشيّع: شجاع كأن معه شيئا يشيعه. وعقام: عقيم. والمقلت: التي لا يبقى لها ولد كأنّها تقتلهم أي: تهلكهم. وقوله: حي في الأكارع ميت: يعني: الظل كأنه مات مما سواه إلا من الأكارع، وذلك حين يقوم قائم النهار. انظر الأمالي 2/ 236. (2) في (ط): مقلب، وهو تصحيف. (3) في (ط): فمن. (4) في (ط): من.

وقد يقولون: حيّ فلان، يريدون فلانا، وأنشد أبو زيد «1»: يا قرّ «2» إنّ أباك حيّ خويلد ... قد كنت خائفه على الإحماق وأنشد أبو الحسن «3»: أبو بحر أشدّ الناس منّا ... علينا بعد حيّ أبي المغيرة وروي عن أحمد بن إبراهيم «4»: وحيّ بكر طعنّا طعنة نجرا «5» يريد: بكرا.

_ (1) لجبّار بن سلمى: النوادر/ 451 (ط الفاتح) وهو من شواهد الخزانة 2/ 216 وقرّ: مرخم قرة، والإحماق: مصدر أحمق الرجل: إذا ولد له ولد أحمق. قال البغدادي: المعنى: أنني كنت أرى من أبيك مخايل تدل على أنه يلد ولدا أحمق، وقد تحقق بولادته إياك. وإيضاح الشعر ص 40. (2) في (ط): أعمير. (3) ورد هذا الشاهد في الخزانة 2/ 211 (عرضا) نقلا عن أبي علي في الإيضاح الشعري. غير منسوب. ونسبه اللسان (حيا) لأبي الأسود الدؤلي. وهو في ديوانه ص 48 وإيضاح الشعر ص 41. (4) ورد في اللسان (حيا): وحيّ بكر طعنّا طعنة فجرى ولم يكمل عجزه، ولم ينسبه. وهو في الإيضاح الشعري ص 40. ص 98. (5) في (م): بجراء.

وسئل أعرابيّ عن قائل أبيات أنشدها فقال: قالهنّ حي رياح، يريد: رياحا. فأما قول من أدغم، فقال: حي عن بينة [الأنفال/ 42]، فلأن الياء قد لزمتها الحركة وصارت «1» بلزوم الحركة لها مشابهة «2» للصحيح، ألا ترى أن من حذف الياء من قوله «3»: جوار، وعذار في الجرّ والرّفع، لم يحذفها إذا تحرّكت بالفتح لمشابهتها بالحركة سائر الحروف الصحيحة «4»، وقال «5» في الوقف: كلا إذا بلغت التراقي [القيامة/ 26] فلم تحذف، كما حذفت الياء من [نحو] «6» قوله: الكبير المتعال [الرعد/ 9]. ومن جعلها وصلا في نحو: .... وبعض القوم يخلق ثم لا يفري «7» و: ... ما يمرّ وما «8» يحلو «9».

_ (1) في (ط): فصار. (2) في (ط): مشابها. (3) سقطت «قوله» من (م). (4) في (ط): الصحاح. (5) في (ط): وقالوا. (6) سقطت نحو من (ط). (7) سبق انظر 1/ 405. (8) في (م): ولا يحلو. (9) جزء من بيت لزهير وتمامه: وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا ... على صير أمر ما يمرّ وما يحلو يقال: مرّ الشيء: صار مرا، وهنا: ما يضرّ وما ينفع. على صير

قد «1» يحذفها في الوقف، ولو تحركت لم يحذفها، فهذا ونحوه يدلّك على أنّها بالحركة قد صارت في حكم الصحيح، وإذا صارت «2» كذلك، جاز الإدغام فيها، كما جاز في الصحيح، وعلى هذا جاء ما أنشده من قوله «3»: عيّوا بأمرهم كما ... عيّت ببيضتها الحمامة وقال «4»: فهذا أوان العرض حيّ ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمّس وقال «5»:

_ أمر: على شرف منها. انظر ديوانه/ 96، وشرح شواهد الشافية/ 232. (1) في (ط): وقد. (2) في (ط): صار. (3) البيت لعبيد بن الأبرص. ورواية الديوان ص 126: برمت بنو أسد كما ... برمت ببيضتها الحمامة وهو كذلك في الأغاني 9/ 82 وانظر سيبويه 2/ 387 ومعاني القرآن 2/ 324 والمقتضب 6/ 182، والمنصف 2/ 191 وشرح شواهد الشافية/ 356 واللسان مادة/ حيا/. (4) البيت للمتلمس يخاطب فيه النعمان بن المنذر خطاب تهكم فيقول: كثر فيه الزرع وحيّ ذبابه. والزنابير والأزرق: ضربان من الذباب، والعرض: من أودية اليمامة، وبهذا البيت لقب المتلمس، واسمه جرير بن عبد المسيح. انظر الأغاني 23/ 524، والخصائص 2/ 377، والخزانة 2/ 152. اللسان (عرض) وفيه: «جنّ ذبابه». (5) البيت للنابغة الجعدي، انظر شعره/ 92، الاقتضاب/ 291، اللسان مادة (طرب).

سألتني جارتي عن أمّتي ... وإذا ما عيّ ذو اللّبّ سأل فجعلوا هذه الأشياء في الإدغام بمنزلة شمّوا «1» وعضّوا. وعبرة هذا أنّ كلّ موضع يلزم ياء يخشى فيه الحركة، جاز الإدغام في اللام من حيي .. فأما قوله جلّ وعز «2»: على أن يحيي الموتى [الأحقاف/ 33]، فلا يجوز فيه الإدغام، لأن حركة النصب غير لازمة، ألا ترى أنها تزول في الرفع، وتذهب في الجزم مع الحرف! وإذا لم تلزم لم يجز «3» الاعتداد بها، كأشياء لم يعتدّ بها لمّا لم تلزم، نحو الواو الثانية في: ووري، ونحو ضمة الرفع، في: غزو، لزوالها في النصب والجرّ، ونحو احتمالهم الضمّة في: هذه فخذ، وإن لم يكن «4» في الكلام ضمّة قبلها كسرة، لما كانت غير لازمة، وهذا النحو كثير. وقد أجاز ناس الإدغام في لام يعيا، وأنشدوا بيتا فيه «5»: تمشي بسدّة بيتها فتعي وهذا لا يتجه في القياس، ولم يأت في نثر ولا نظم معروف، وما كان كذلك وجب اطّراحه.

_ (1) في (م): «سمّوا». (2) سقطت من (ط): جل وعز. (3) في (ط): يجب. (4) في (ط): تكن. (5) عجز بيت صدره: فكأنّها بين النساء سبيكة انظر المنصف 2/ 206، المحتسب 2/ 269، اللسان مادة (عيا). قال في المنصف: بيت شاذ، طعن في قائله، والقياس ينفيه ويسقطه.

وقد كنّا بينّا فساد ذلك في المسائل المصلحة من كتاب أبي إسحاق «1». فأمّا «2» قول من قال: حيي* فبيّن ولم يدغم؛ قال سيبويه «3»: أخبرنا بهذه اللغة يونس قال: وسمعنا بعض العرب يقول: أحيياء «4» وأحيية، فبيّن. ومما يقوّي البيان فيه أن مثال الماضي قد أجري حركته مجرى حركة المعرب، فلم تلحقه الهاء في الوقف، كما لم يلحق «5» المعربة، فكما أجريت مجرى المعربة في هذا، كذلك تجري مجراها «6» في ترك الإدغام فيها «7»، ومما يقوّي ذلك أن حركة اللام في حيي- فيمن بيّن يزول لاتصالها «8» بالضمير، فصار زوال الحركة عن اللام في هذا البناء بمنزلة زوال حركة النصب عن المعرب لحدوث إعراب آخر فيه، ويقوّي ذلك قولهم: أعيياء، فبيّنوا مع أنّ الحركة غير مفارقة، فإذا لم يدغموا ما لم تفارقه الحركة، فأن لا يدغموا ما تفارقه الحركة أولى. ومثل ذلك قولهم: أبيناء [جمع بيّن] «9»، والإخفاء في

_ (1) هو أبو إسحاق الزجاج شيخ أبي علي، وسمى كتابه هذا «الأغفال» انظر معجم الأدباء 7/ 240. (2) في (ط): وأما. (3) الكتاب 2/ 388 باب التضعيف في بنات الياء. (4) في الكتاب: أعيياء. (5) في (ط): تلحق. (6) في (ط): مجراه. (7) في (ط): فيه. (8) في (ط): لاتصالها فيه. (9) سقطت من (م).

الانفال: 35

هذا النحو في قول من أظهر ولم يدغم [حسن] «1»، وهو بزنة المتحرك. [الانفال: 35] كلّهم قرأ «2»: وما كان صلاتهم رفعا «3»، عند البيت إلا مكاء وتصدية نصبا «4» [الأنفال/ 35]، إلا ما حدثني به موسى بن إسحاق الأنصاري. عن هارون بن حاتم عن حسين عن أبي بكر، ورواه أيضا خلّاد عن حسين عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ: وما كان صلاتهم نصبا، عند البيت إلا مكاء وتصدية رفعا جميعا «5». حدثنا محمد بن الحسين «6» قال: حدثنا حسين بن الأسود، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش: أن عاصما قرأ: وما كان صلاتهم نصبا، عند البيت إلا مكاء وتصدية رفعا، قال الأعمش «7»: وإن لحن عاصم تلحن أنت «8»؟! قال أبو علي: الوجه: الرفع في قوله [جل وعزّ] «9»:

_ (1) سقطت من (م). (2) في (م): رووا. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (م): جميعا. (6) في (م): محمد بن الحسن. (7) في السبعة: قال للأعمش. (8) السبعة ص 305 - 306. (9) سقطت من (ط).

صلاتهم لأنّه معرفة، والمعرفة أولى بأن يكون المحدّث عنها «1» من النّكرة، لأن النكرة شائعة غير مختصة، فتلتبس، ولا تختص لما فيها من الشّياع، فكرهوا أن يقربوا باب لبس، ويشبه أن يكون القارئ إنّما أخذ به، لمّا رأى الصلاة مؤنّثة «2» في اللفظ، ولم يلحق الفعل علامة للتأنيث «3»، فلمّا لم ير فيه علامة التأنيث «4» أسنده إلى المذكّر «5» الذي هو المكاء ولم يكن ينبغي هذا، لأن الفعل الذي لم تلحقه علامة التأنيث قد أسند إلى المؤنّث كقوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67]، وقوله: فكان عاقبتهما أنهما في النار [الحشر/ 17] ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى [الروم/ 10] فانظر كيف كان عاقبة مكرهم [النمل/ 51]، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين [الأعراف/ 103] وليس هذا كقول من قال: أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل [الشعراء/ 197]، لأنه قد يجوز أن يكون جعل في يكن* ضمير القصة، فلا يكون آية* مرتفعة بيكن، ولكن بخبر الابتداء، ألا ترى أنه إذا جعل في الجملة اسم المؤنث «6»، جاز أن يؤنّث الضمير الذي يضمر، على شريطة التفسير، وعلى

_ (1) في (ط): عنه. (2) في (ط): مؤنثا. (3) في (ط): علامة التأنيث. (4) في (ط): تأنيث. (5) في (م): الذكر. (6) في (ط): اسم مؤنث.

ذلك جاء قوله [جلّ وعزّ] «1»: فإنها لا تعمى الأبصار [الحج/ 46]، وقوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]. وقال أبو عبيدة وغيره: المكاء: الصفير والتصدية: التصفيق «2». وقال أبو زيد: مكت است الدابّة، فهي تمكو مكاء، إذا نفخت بالريح، قال: ولا تمكو إلّا است مفتوحة مكشوفة «3». وقال أبو الحسن: المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، ولم أسمع فيه بفعل. قال أبو علي: قوله [جل وعزّ] «4»: إلا مكاء وتصدية الهمزة في المكاء منقلبة عن الواو، بدلالة ما حكاه أبو زيد من قوله «5»: تمكو، وكذلك ما جاء من قوله «6»: تمكو فريصته ..

_ (1) سقطت من (ط). (2) معاني القرآن 1/ 246. (3) انظر اللسان مادة/ مكا/. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): قولهم. (6) جزء من بيت من معلقة عنترة وهو بتمامه: وحليل غانية تركت مجدّلا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم والفريصة: المضغة التي في مرجع الكتف، والأعلم: الجمل. انظر شرح المعلقات السبع لابن الأنباري 340.

والمكاء: مصدر على فعال، وجاء على فعال، لأن الأصوات تجيء عليه كثيرا، كقولهم: النّباح والصّراخ، والعواء والدّعاء، وأما «1» المكّاء: المغرّد في الروض «2»، فهو من هذا الباب أيضا، ولكنّه كالخطّاف، وليس كالحسّان والكرّام، كما أنّ الجاهل والباقر ليس كالضّارب والشّاتم. فأما التصدية: فمن أحد شيئين: قالوا «3»: صدّ زيد عن الشيء وصددته عنه قال «4»: صدّت خليدة عنا ما تكلّمنا وقال «5»: صددت «6» الكأس عنّا أمّ عمرو

_ (1) في (ط): فأما. (2) في (ط): الرياض. (3) في (ط): يقال. (4) صدر بيت لأعشى ميمون وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها: ودع هريرة ... وروايته في الديوان ص 55 «هريرة» بدل «خليدة» وعجزه: جهلا بأمّ خليد حبل من تصل (5) صدر بيت لعمرو بن كلثوم وعجزه: وكان الكأس مجراها اليمينا وقد أورده الزوزني في معلقته، وأسقطه ابن الأنباري منها. وقال الأعلم في حاشية الكتاب 1/ 113: ويروى هذا البيت لعمرو بن عدي ابن رقاش أخت جذيمة الأبرش. وقد أورد ابن رشيق في العمدة 2/ 283 هذا البيت مع آخر منسوبين لعمرو هذا وجعلهما شاهدا على الاستلحاق، وقال: استلحقهما عمرو بن كلثوم فهما في قصيدته، وكان عمرو بن العلاء وغيره لا يرون ذلك عيبا. (6) في (م): صدتّ.

فيمكن أن تكون التّصدية مصدرا من صدّ، بني الفعل منه على فعّل للتكثير، على حدّ غلقت الأبواب ليس على حدّ غرّمته، وفرّحته، لأنّ الفعل الذي هو على فعل متعدّ، فإنّما يكون [على] «1» فعّل على حدّ غلّق للتكثير، فبناء «2» الفعل على فعّل، والمصدر من فعّل على تفعيل وتفعلة، إلّا أن تفعلة في هذا كالمرفوض من مصدر التضعيف، كأنّهم عدلوا عنه إلى التفعيل، نحو: التحقيق، والتشديد، والتخفيف، لما يكون فيه من الفصل بين المثلين بالحرف الذي بينهما. كما لم يجعلوا شديدة في النسب كحنيفة وفريضة، وكما لم يجعلوا شديدا، وشحيحا، كفقيه وعليم، لما كان يلتقي في التضعيف، فعدلوا عنه إلى أفعلاء وأفعلة نحو: أشدّاء «3» وأشحّة لمّا لم يظهر المثلان في ذلك، فلمّا خرج المصدر على ما هو مرفوض في هذا النحو، أبدل من المثل الثاني الياء، وكأنّ «4» التصفيق منع من المصفّق للمصفّق به، وزجر له. وفي الحديث «التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء» «5».

_ (1) سقطت من ط. (2) في (ط): فبني. (3) في (ط): أشحاء. (4) في (م): وكان. (5) رواه البخاري في كتاب العمل في الصلاة باب التصفيق للنساء رقم 1203 و 1204 ومسلم في الصلاة 1/ 318 وأبو داود 1/ 578 والترمذي في المواقيت رقم 369 والنسائي في السهو 3/ 11 وابن ماجة في الإقامة رقم 1034 والدارمي في الصلاة 1/ 317 ومالك في الموطأ رقم 61 وأحمد في مسنده 2/ 261 وغيرها.

وقوله [جل وعزّ] «1»: رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [النساء/ 61]، يحتمل أنهم يمتنعون في أنفسهم عن اتباعك ونصرتك كما وصفوا بذلك في قوله: وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون [المنافقون/ 5]. ويجوز أن يكون المعنى على أنهم يمنعون غيرهم ويثبّطونهم عنكم «2»، كما قال [جل وعز] «3»: وإن منكم لمن ليبطئن [النساء/ 72]. ويجوز أن يكون التقدير «4» في قوله تعالى «5»: صاد والقرآن [ص/ 1] أي: صاد بالقرآن عملك وأمرك. «6» ومن ذلك الصدى، وهو انعكاس الصوت إذا فعل في موضع صقيل كثيف، وكأنّهم جعلوا ذلك معارضة للصوت لما كان يتبعه، كما أن المصفّق بمعارضته «7» المصفّق به «8» يمنعه مما يأخذ فيه، والفاعل «9» على هذا من نفس الكلمة.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): عنك. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): التصدية. وفي أصل (م) جاءت كذلك لكن الناسخ شطبها وأثبت على الحاشية كلمة التقدير. (5) سقطت من (ط) والعبارة فيها: من قوله. (6) قال ابن جني في الخصائص 2/ 130: ومنه قراءة الحسن رضي الله عنه (صاد والقرآن) وكان يفسره: عارض القرآن بعملك، أي: قابل كلّ واحد منهما بصاحبه. (7) في (م) بمعارضة. (8) في (ط): له. (9) في (ط): والياء.

ومن ذلك قولهم: فلان صدا مال، إذا كان حسن القيام به والتعاهد له، فكأنّ المراد به: أنه يقابل بإصلاحه ما رأى فيه من فساد، وكذلك قولهم: هو إزاء مال، معناه: أنه يمنع من أن يشيع فيه الفساد لحسن قيامه وتعهّده. قال «1»: حدثنا علي بن سليمان [قال: يقال] «2»: فلان صدا مال، وإزاء مال، وخال مال [وخايل مال] «3». وسوبان «4» مال. وقال «5»: هذا الزمان مولّ خيره آزي أي: ممتنع ليس بمتّصل «6»، ومن ذلك قول الشاعر «7»:

_ (1) سقطت من (م). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) قال ابن جني: هو فعلان من السّأب، وهو الزق للشراب. والتقاؤهما أن الزقّ إنما وضع لحفظ ما فيه، فكذلك هذا الراعي يحفظ المال ويحتاط له احتياط الزقّ على ما فيه. (الخصائص 2/ 131) وعنه في اللسان (سأب). (5) صدر بيت لعمارة، عجزه: صارت رءوس به أذناب أعجاز ذكره ابن جني في الخصائص 2/ 131، عن أبي علي. وانظر اللسان (أزا). (6) في (ط): بمتسع. (7) رجز نسبه في اللسان. (أزا) للباهلي. وأورد ما ذكره الفارسي، وقال: أي ضيق قليل الخير. وزرانيق الركي: أبنية تبنى على جوانب الآبار، وعلى

ظلّ من الشعرى لنا «1» يوم أزي* يعوذ «2» منه بزرانيق الرّكيّ فأز وآز، كأسن وآسن، وهذا في المعنى كقوله «3»: ويوم من الشّعرى تظلّ ظباؤه ... بسوق العضاه عوّذا ما تبرّح وتقدير بسوق، أي: بظلال سوقه، كما أن قوله: بزرانيق «4» الركي، أي: بظلالها من حرّه، وكذلك العوذ «5» منه، أي من حرّه. ومثله «6»: وقدت لها الشّعرى فآ ... لفت الخدور بها الجآذر

_ البئر زرنوقان يعلّق عليهما البكرة. والركي: جمع ركية: البئر. وجاء في الخصائص 2/ 131 برواية: ظل لها يوم من الشّعرى أزي وكذا في اللسان (أزا). وانظر مجالس ثعلب 546. (1) في (م): لها. (2) في (ط): تعوذ. وفي اللسان: (نعوذ). (3) البيت لذي الرّمة. وهو في ملحقات ديوانه 3/ 1857 نقلا عن المعاني الكبير 2/ 790 وشرحه فيه: لواجئ في الكنس تحت سوق العضاه، وهو شجر. (4) سقطت من (م). (5) في (ط) تعوذ. (6) البيت للحطيئة، وهو في الديوان ص 165 برواية «فآلفت الخدود بها الهواجر». يريد: الحر الذي كان بالشعرى، فجعلت الخدود مؤتلفة في الكنس من شدة الحر. وانظر المعاني الكبير 2/ 790.

الانفال: 37

فوصف اليوم بأن يكون ذلك فيه، كقولهم: ليل نائم، ويجوز في قياس قول سيبويه: أن يكون الهمزة في إزاء من نفس الكلمة غير منقلبة عن شيء، ولو كان على ثلاثة أحرف، لم يكن من نفس الكلمة، ألا ترى أنّ نحو: أجاء، قليل! [الانفال: 37] اختلفوا في فتح الياء وضمّها من قوله [جل وعزّ] «1»: ليميز الله [الأنفال/ 37] بفتح الياء خفيفة. وقرأ حمزة والكسائي ليميز الله بضم الياء والتشديد «2». فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: ليميز الله بضم الياء والتشديد «2». قال أبو علي: حجّة من قال «4»: ليميز أنهم قد قالوا: مزته فلم ينمز، حكاه يعقوب، ومما يثبت ذلك ما أنشده أبو زيد «5»: لما ثنى الله عنّي شرّ عدوته ... وانمزت لا مسئيا ذعرا ولا وجلا

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 306 وكان من حق هذا الحرف التقديم على ما قبله في الكلام، إلا أنه كذا ورد في الأصول متأخرا عن الآية 42 من الأنفال التي تقدم الكلام عليها. (4) في (ط): قرأ. (5) في النوادر ص 285 وقائل البيت: مالك بن الريب، وهو من قصيدة أوردها صاحب الأغاني (23/ 312. ثقافة) مع اختلاف في رواية العجز. وأورد بعضها أبو زيد. وقال: ومسئيا: أراد مسيئا، فقدم الهمزة، وهي لغة، يقال: رآني وراءني. انظر اللسان مادة/ سأي/.

وقال «1» أبو الحسن: خفّفها بعضهم، فجعلها من ماز يميز، قال «2»: وبها نقرأ «3». وحجة من قال «4»: ليميز الله أنه قد جاء في التنزيل: تميز، وتميّز: مطاوع ميّزته تقول: ميّزته فتميّز، كما تقول: قطّعته فتقطّع وذلك [قوله جل وعز] «5»: وهي تفور. تكاد تميز من الغيظ. [الملك/ 7 و 8]، وقوله «6»: تكاد تميز دليل على شدة التفوّر، ولأن «7» التميّز انفصال بعض الأشياء من بعض، وذلك إنّما يكون بكثرة التقلّب والتزعزع، ودلّ «8» قوله [جل وعز] «9»: من الغيظ على شدّة الفوران والتقلّب، لأنّ المغتاظ قد يكون منه التزعزع. وقد قال قوم في الغيظ والغضب «10»: إنه غليان دم القلب لإرادة الانتقام. وقد يراد التشبيه فتحذف حروفه كقوله «11»: حلبانة ركبانة صفوف ... تخلط بين وبر وصوف

_ (1) في (ط): قال بسقوط الواو. (2) سقطت من (ط). (3) معاني القرآن 2/ 322. (4) في (ط): قرأ. (5) في (ط): في قوله. (6) في (ط): فقوله. (7) في (ط): لأن، بسقوط الواو. (8) في (م): وذلك. (9) سقطت من (ط). (10) عبارة (م): وقد قال قوم من الغيظ أو الغضب أنه. (11) سبق في 1/ 293 وقد جاء ضبطه هنا بالضم في حلبانة وركبانة.

الانفال: 59

وقال في صفة غليان القدر «1»: لهنّ نشيج بالنّشيل كأنّها «2» * ضرائر حرميّ تفاحش غارها وقد تقدم القول في هذا الحرف في سورة آل عمران. [الانفال: 59] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «3»: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا [الأنفال/ 59]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم، في رواية أبي بكر، والكسائيّ، ولا تحسبن الذين كفروا بالتاء وكسر السين، غير عاصم فإنّه فتح السين، وفي النور أيضا [57] بالتاء. وروى حفص عن عاصم، وابن عامر وحمزة: ولا يحسبن بالياء وفتح السين. وقرأ [عاصم] «4» في رواية حفص بالياء هنا «5»، وفي

_ (1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وقوله لهن: يعود على القدر والنشيج: الشهيق. وأصل النشيل: ما طبخ ثم أخذ من القدر ولم يجعل في إناء، ولكنه انتشل. فشبّه صوت غليانها بأصوات الضرائر. وحرمي من أهل الحرم أو قريش. وأهل الحرم أول من اتخذ الضرائر. تفاحش غارها: غارت غيرة فاحشة. انظر شرح أشعار الهذليين 1/ 79. واللسان مادة (نشج). (2) في (ط): كأنه. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): هاهنا.

النور بالتاء. والباقون غير حمزة وابن عامر في السورتين بالتاء، وقرأهما حمزة بالياء «1». قال أبو علي: من قرأ: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا. بالتاء، ف الذين كفروا: المفعول الأول، وسبقوا المفعول الثاني، وموضعه نصب، ووجهه بيّن. ومن قرأ: يحسبن الذين كفروا* بالياء، فلا يخلو القول فيه من أن يكون أسند يحسبن* إلى الذين كفروا، فجعل الذين كفروا الفاعل، فإن جعل الذين كفروا رفعا لإسناد الفعل إليهم، لم يحسن، لأنه لم يعمل يحسبن* في المفعولين، فلا يحمله على هذا، ولكن يحمله على أحد ثلاثة أشياء «2»: إما أن تجعل فاعله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «3»، كأنه: ولا يحسبنّ النبي الذين كفروا، وهو قول أبي الحسن. ويجوز أن يكون أضمر المفعول الأول، التقدير: ولا يحسبنّ الذين كفروا نفسهم سبقوا، أو إيّاهم سبقوا. ويجوز أيضا أن تقدره على حذف «أن» كأنه: ولا يحسبنّ الذين كفروا أن سبقوا؛ فحذفت أن كما حذفتها في تأويل سيبويه، في قوله: أفغير الله تأمروني أعبد [الزمر/ 64]،

_ (1) السبعة: 307. (2) في (ط): أوجه. (3) سقطت من (ط).

كأنّه: أفغير عبادة الله تأمرونّي، وحذف أن قد جاء في شيء من كلامهم. قال «1»: وإنّ لكيزا لم تكن ربّ علّة «2» * لدن صرّحت حجّاجهم فتفرقوا فحذف أن، والتقدير: لدن أن صرّحت، وأثبته «3» الأعشى في قوله «4»: أراني لدن أن غاب رهطي كأنّما ... يرى بي فيكم طالب الضّيم أرنبا وقد حذفت من الفعل وهي «5» مع صلتها في موضع الفاعل، أنشد أحمد بن يحيى «6»:

_ (1) هذا البيت لم نعثر على قائله. ولكيز: ابن أفصى بن عبد القيس بن أفصى ابن دعمي بن جديلة (التاج لكز). (2) في (ط): عكة. (3) في (م): أثبت. (4) الديوان/ 115 وروايته فيه: أراني لدن أن غاب قومي كأنما ... يراني فيهم طالب الحقّ أرنبا وهو من قصيدة قالها يهجو عمرو بن المنذر بن عبدان ويعاتب بني سعد بن قيس. (5) سقطت من (م). (6) البيت لمعاوية الأسدي يهجو إبراهيم بن حوران. والقين: الحداد. والكير: الزق الذي ينفخ فيه الحداد. انظر الخصائص 2/ 434، وشرح المفصل 4/ 27 وشرح شواهد المغني 2/ 691.

الانفال: 59

وما راعنا إلا يسير بشرطة ... وعهدي به قينا يفشّ بكير فإذا وجّهته على هذا، سدّ: أن سبقوا، مسدّ المفعولين، كما أن قوله [جلّ وعزّ] «1»: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا [العنكبوت/ 2] كذلك. [الانفال: 59] قال: وكلهم قرأ: إنهم لا يعجزون [الأنفال/ 59] بكسر الألف، إلا ابن عامر فإنه قرأ «2»: أنهم لا يعجزون بفتح الألف «3». قال أبو عبيدة: سبقوا «4» معناها: فاتوا، وإنهم «5» لا يعجزون لا يفوتون «6». ومثل ما فسّره أبو عبيدة بفاتوا قوله: أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا [العنكبوت/ 4]، وكما «7» أن ما بعد هذه الآية من قوله: ساء ما يحكمون منقطعة من الجملة التي قبلها، كذلك يكون ما بعد هذه، فتكون إن مكسورة على أنها استئناف كلام، كما كان: ساء ما يحكمون كذلك.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): قرأها. (3) السبعة: 308. (4) في (ط): مسفوكا. وهي خطأ ناسخ. (5) في (م): فإنهم. (6) مجاز القرآن 1/ 249. (7) في (ط): فكما.

الانفال: 61

ووجه قول ابن عامر أنه جعله «1» متعلقا بالجملة الأولى، فيكون التقدير: لا تحسبنّهم سبقوا، لأنهم لا يفوتون، فهم يجزون على كفرهم. [الانفال: 61] قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: وإن جنحوا للسلم [الأنفال/ 61] بكسر السين. وقرأ الباقون للسلم بفتح السين. وروى حفص عن عاصم للسلم أيضا بالفتح «2». قال أبو زيد: فيما روى عنه الأثرم: جنح الرجل يجنح «3» جنوحا: إذا أعطى بيده، أو عدل إلى ما يحبّ القوم، وجنح الليل يجنح جنوحا: إذا أقبل، وجنحت الإبل تجنح جنوحا «4»: إذا خفضت سوالفها في السير. وقال أبو عبيدة: وإن جنحوا للسلم أي: رجعوا وطلبوا المسالمة «5»، قال: والسّلم والسّلم والسّلم واحد، قال رجل جاهلي «6»:

_ (1) في (ط): يجعله. (2) السبعة: 308. (3) وبابه خضع ودخل (مختار الصحاح). (4) زيادة من (ط). (5) عبارة أبي عبيدة في مجاز القرآن: أي: رجعوا إلى المسالمة، وطلبوا الصلح. (6) في مجاز القرآن (1/ 250): رجل من أهل اليمن جاهلي. أقول: والبيت في الأغاني 13/ 271 منسوب لمسعدة بن البختري، يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي وكان يهواها. وانظر تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج 43 بتحقيق أحمد الدقاق، واللسان (سلم).

الانفال: 66، 65

أنائل إنني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي أنشده [أبو زيد] «1» بالفتح فيما رواه التوّزي عنه، وقال أبو الحسن: الصّلح «2»: فيه «3» الكسر والفتح لغتان، يعني: السّلم والسّلم، وقد تقدم القول في ذلك في سورة البقرة «4». قال: كلهم قرأ: إذ يتوفى الذين كفروا [الأنفال/ 50] بالياء غير ابن عامر، فإنه قرأ: إذ تتوفى بتاءين «5». قال أبو علي: قول ابن عامر: إذ تتوفى مثل قوله: إذ قالت الملائكة، ومثل قوله: توفته رسلنا [الأنعام/ 61] [آل عمران/ 45]، ونحو ذلك من الفعل المسند إلى المؤنث، ألحقت به علامة التأنيث. وإذ يتوفى مثل قوله: قد جاءكم بصائر من ربكم [الأنعام/ 104]، وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30] ونحو ذلك. [الانفال: 66، 65] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «6»: وإن يكن منكم مائة يغلبوا ... فإن تكن منكم مائة صابرة [الأنفال/ 65 - 66]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: إن يكن منكم مائة

_ (1) سقطت من (ط). (2) انظر معاني القرآن 2/ 325. (3) في (ط): فيها. (4) انظر 2/ 292. (5) السبعة: 307. (6) سقطت من (ط).

يغلبوا وفإن يكن «1» منكم مائة صابرة بالياء فيهما «2». وقرأ أبو عمرو: وإن تكن منكم بالتاء والأخرى بالياء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي الحرفين جميعا بالياء. وليس عن نافع خلاف أنهما بالتاء، إلا ما رواه خارجة عن نافع أنهما بالياء «3». قال أبو علي: قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر بالياء إن يكن «4»، لأنه يراد به المذكر ويدل «5» على ذلك قوله: يغلبوا وكذلك ما وصف فيه المائة بقوله: صابرة لأنهم رجال في المعنى، فحملوا الكلام على أنهم مذكّرون في المعنى كما جاء: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160]. فأنّث الأمثال على المعنى لما كانت حسنات. وقراءة أبي «6» عمرو: فإن تكن منكم مائة صابرة لأنّه كما أنّث «7» صفة المائة، وهي قوله: صابرة، كذلك أنّث الفعل، وكأنّ التأنيث في قوله سبحانه «8»: إن تكن منكم مائة

_ (1) في (ط) والسبعة: (تكن) بالتاء في الموضعين وهو خلاف ما سيذكره أبو علي في الكلام عن هذه القراءة. (2) في (ط): بالتاء جميعا. (3) السبعة: 308. (4) في (ط): تكن. وهو تصحيف. وقد جاء على الهامش ما نصه: كذا في الأصل وهذا التفسير الذي فسره لمن قرأ بالياء. (5) في (ط): يدلك. (6) في (ط): وقرأ أبو. (7) ضبطت في (ط): «أنّث» بالبناء للمعلوم في الموضعين. (8) سقطت من (ط).

الانفال: 66

أشدّ مشاكلة لقوله: صابرة من التذكير، وفي الأخرى «1» بالياء لأنه أخبر عنه بقوله: يغلبوا فكان التذكير أشدّ مشاكلة ليغلبوا، كما كان التأنيث في تكن* أشدّ مشاكلة لقوله: صابرة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي الحرفين جميعا بالياء، حملوا ذلك على «2» المعنى، لأنهم في الموضعين جميعا رجال، فكان ذلك في الحمل على المعنى في قراءتهم كقوله: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160]. وقرأ «3» نافع جميعا بالتاء، فحمله على اللفظ، واللفظ مؤنّث، ورواه «4» خارجة بالياء، وذلك للحمل على المعنى دون اللفظ، وكلّ ذلك حسن. [الانفال: 66] اختلفوا في ضمّ الضّاد وفتحها من قوله [جلّ وعزّ] «5»: وعلم أن فيكم ضعفا [الأنفال/ 66]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: ضعفا* ومن ضعف [الروم/ 54] كلّ ذلك بضمّ الضاد «6». وقرأ عاصم وحمزة بفتح الضاد ضعفا في كلّ ذلك، وكذلك في [سورة] «7» الروم.

_ (1) في (ط): وقرأ الأخرى. (2) في (ط): حملوا على ذلك على المعنى. (3) في (ط): وقراءة. (4) في (ط): ورواية خارجة. (5) سقطت من (ط). (6) زاد في السبعة: في كل القرآن. (7) سقطت من (ط).

الانفال: 67

وخالف حفص عاصما، فقرأ عن نفسه لا عن عاصم في الروم: من ضعف وضعفا* بالضم جميعا «1». [قال أبو علي] «2»: قال سيبويه: قالوا: ضعف ضعفا، وهو ضعيف، وقال أيضا: قالوا «3» الفقر، كما قالوا: الضّعف، وقالوا: الفقر، كما قالوا: الضّعف «4»: فعلمنا بذلك أنّ كل واحد من الضّعف والضّعف لغة، كما كان الفقر والفقر كذلك. [الانفال: 67] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «5»: أن يكون له أسرى [الأنفال/ 67]. فقرأ أبو عمرو وحده أن تكون له بالتاء. وقرأ الباقون: يكون بالياء. قال أبو علي: أنّث أبو عمرو تكون* على لفظ الأسرى، [لأن الأسرى] «6» وإن كان المراد به التذكير والرجال فهو مؤنث اللفظ. ومن قال: يكون، فلأن الفعل متقدم، والأسرى مذكّرون في المعنى، وقد وقع الفصل بين الفعل والفاعل، وكلّ واحد من ذلك إذا انفرد يذكّر الفعل معه، يقال «7»: جاء

_ (1) السبعة: 308 - 309. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): وقالوا. (4) انظر الكتاب 2/ 224: باب في الخصال التي تكون في الأشياء. (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (م). (7) في (ط): مثل.

الانفال: 70

الرجال، وحضر قبيلتك، وحضر القاضي امرأة، فإذا اجتمعت هذه الأشياء كان التذكير أولى. وقال أبو الحسن: التذكير أحبّ إليّ، لأنّ الأسرى فعل للرجال وليس للنساء، تقول: النساء يفعلن، ولا تقول: الأسرى يفعلن، فتذكير فعلهم أحسن والتأنيث على المجاز. [الانفال: 70] [واختلفوا في قوله تعالى: قل لمن في أيديكم من الأسارى [الأنفال/ 70]] «1». فقرأ «2» أبو عمرو وحده: قل لمن في أيديكم من الأسارى بالألف. وقرأ الباقون: من الأسرى بغير ألف «3». قال أبو علي: أسرى: أقيس من الأسارى وذلك أن أسير فعيل بمعنى مفعول، وما كان من باب فعيل الذي بمعنى مفعول، لا يجمع بالواو والنون ولا بالألف والتاء، كما أن فعولا «4» كذلك، لكنّه يجمع على فعلى نحو جريح وجرحى، وقتيل، وقتلى، وقال [جلّ وعزّ] «5»: كتب عليكم القصاص في القتلى [البقرة/ 178]، وعقير وعقرى، ولديغ ولدغى، وكثر هذا الجمع في هذا الباب، واستمر حتى

_ (1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط). (2) في (ط): قال. (3) السبعة: 309. (4) في (م): مفعولا. (5) سقطت من (ط).

شبّه به غيره مما ليس منه، وذلك «1» لموافقته إياه «2» في المعنى، وذلك مثل: مرضى، وموتى، وهلكى، ووج ووجيا «3» فهذا أشبه «4» بفعيل الذي بمعنى مفعول، لمقاربته له في المعنى، وذلك [أن هذا أمر ابتلوا به، وأدخلوا فيه، وأصيبوا به، وهم له كارهون] «5» فصار لذلك في قول الخليل مشبها لفعيل الذي بمعنى «6» مفعول وليس مثله، يدلّ على ذلك أنهم قالوا: هالكون، وهلّاك، فجاءوا به على القياس، ولم يحملوه على المعنى، وكذلك قالوا: دامرون ودمّار «7»، وضامر وضمّر، فلم يجيئوا به على فعلى، وإنما قالوا: أسارى على التشبيه بكسالى، قال سيبويه: قالوا: أسارى شبّهوه بكسالى، وقالوا: كسلى فشبّهوه بأسرى «8». وأسارى في جمع أسير، ليس على بابه، وما عليه قياسه، كما أن أسراء، وقتلاء في جمع أسير، ليس على بابه، وإنّما شبّه بظرفاء حيث كان على وزنه، فأسارى في جمع أسير على

_ (1) في (م): ولكنه. (2) سقطت من (ط). (3) الوجى: أن يشتكي البعير باطن خفه والفرس باطن الحافر. وانظر سيبويه 2/ 214. (4) في (ط): شبّه. (5) عبارة (ط): «أن هذه أمورا ابتلوا بها، وأدخلوا فيها، وأصيبوا بها وهم لها كارهون». وهذا نص كلام الخليل. أورده مع ما بعده سيبويه. (6) في (ط): في معنى. (7) رجل دامر: هالك لا خير فيه (اللسان دمر). (8) الكتاب 2/ 213.

الانفال: 72

التشبيه بغير بابه، وبابه أسرى، فكما شبّه أسير بكسلان، فقالوا: أسارى كما قالوا: كسالى، كذلك شبّه كسلان بأسير. وقالوا في جمعه: كسلى، كما قالوا: أسرى. فعلى هذا يوجّه قول من قال: أسارى. فأمّا أسرى فهو على الباب المستمر الكثير. وقال أبو الحسن: الأسرى ما لم يكن موثقا، والأسارى: الموثقون، قال: والعرب لا تعرف ذلك، كلاهما عندهم سواء. [الانفال: 72] اختلفوا في فتح الواو وكسرها من قوله جلّ وعزّ: من ولايتهم [الأنفال/ 72]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر: من ولايتهم والولاية [الكهف/ 44] بفتح الواو فيهما. وقرأ حمزة: ولايتهم والولاية بالكسر فيهما. وقرأ الكسائي: من ولايتهم بفتح الواو، والولاية بكسر الواو «1». قال أبو عبيدة: من ولايتهم: مصدر المولى، يقال: مولى بيّن الولاية إذا فتحت، فإذا كسرت فهو من وليت الشيء «2». وقال أبو الحسن: ما لكم من ولايتهم من شيء، وهذا

_ (1) السبعة: 309. وجاء في (م) زيادة: «وقرأ الباقون بالفتح». (2) مجاز القرآن 1/ 251 مع اختلاف في العبارة.

من الولاية فهو مفتوح، وأما في السلطان، فالولاية بالكسر «1»، وكسر الواو في الأخرى لغة «2». قال: وقرأ الأعمش: ما لكم من ولايتهم من شيء مكسورة «3». قال أبو علي: الولاية هنا من الدين، فالفتح أجود. قال أبو الحسن: وهي قراءة الناس، إلّا أن الأعمش كسر الواو وهي لغة، وليست بذاك. وحكى محمد بن يزيد عن الأصمعي: أن الأعمش لحن في كسره لذلك، وليس قوله هذا بشيء، لأنه إذا كانت لغة فيما حكاه أبو الحسن فليس بلحن.

_ (1) في (ط): مكسورة الواو. (2) معاني القرآن 2/ 325 مع اختلاف في العبارة يسير. (3) في (ط): مكسور.

سورة التوبة

[بسم الله: ذكر اختلافهم في] «1» سورة التوبة [التوبة: 12] اختلفوا في الهمزتين، وإسقاط إحداهما من قوله [جلّ وعزّ] «2»: أئمة [التوبة/ 12]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: أيمة* بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة، على أنّ نافعا يختلف «3» عنه في ذلك، فروى المسيّبي، وأبو بكر بن أبي أويس: آيمة ممدودة الهمزة، وياء بعدها كالساكنة، وقال أحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس: أحفظ عن نافع: أئمة بهمزتين. وقال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق المسيّبي «4» عن أهل المدينة: أيمة* همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام، أخبرني بذلك إسماعيل بن أحمد عن أبي عمر الدّوري، عن أبي عمارة عن يعقوب. وقال القاضي إسماعيل، عن قالون بهمزة واحدة.

_ (1) ما بين المعقوفتين سقط من (ط). (2) في (ط): تعالى. (3) في (ط): مختلف. (4) في (م): إسحاق والمسيبي.

وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين «1». قال أبو علي: المثلان إذا اجتمعا «2» في كلمة، ولم يكن الثاني منهما للإلحاق، ولم يكن على فعل نحو: طلل وشرر؛ فحركة الأوّل منهما مرفوضة غير مستعملة، إلّا فيما لا اعتداد به من حرف شاذّ نحو: ألبب، ولححت عينه. وما يجيء في الشعر من نحو ذلك، فهو من الأصول المرفوضة التي لا تستعمل في حال «3» السّعة والاختيار. وإذا كان كذلك، فالحركة المقدّرة في أول المثلين من مودّ لم تخرج إلى اللفظ في هذا البناء، وإذا لم تخرج إليه كان ساكنا، وإذا سكن كانت الواو في مودّ في تقدير الحركة من غير أن تنقل إليه، كما أن الحركة في زوج وزوجة وعود وعودة كذلك. وإذا كانت الحركة في حكم الثبات في الواو، لم «4» يكن سبيل إلى قلبها، كما لم يكن لها إلى ذلك سبيل في زوجة، ولواذ، وعوض وحول «5»، ونحو ذلك، ولو كان الأمر فيه على غير هذا المسلك، لكان ميدّ لأنّ الحركة لو كانت مقدرة على العين لنقلتها إلى الياء، وقد قلبتها الكسرة، ومثل «6» هذا قولهم: إوزّ، ألا ترى أنه

_ (1) السبعة: 312. (2) في (ط): اجتمعتا. (3) في (ط): أحوال. (4) في (م): ولم. (5) في (ط): وجوار. (6) في (ط): وأصل.

افعل، فصحّحوا الواو، ولم تقلبها الكسرة كما قلبت نحو: ميزان، أنشد أبو عثمان «1»: كأنّ خزّا تحته وقزّا* أو فرشا محشوّة إوزّا وقال آخر «2»: يلقى «3» الإوزّون في أكناف دارتها وأما «4» قولهم: أيمة*، فهو في الأصل أفعلة، وواحدها إمام، فإذا جمعته على أفعلة ففيه همزة، هي فاء الفعل، وتزيد عليها همزة أفعلة الزائدة، فتجتمع همزتان، واجتماع الهمزتين في كلمة لا يستعمل تحقيقهما، ولا «5» تخلو الهمزة التي هي فاء الفعل «6» في أيمة* من أن تكون الحركة نقلت إليها بعد أن كانت ساكنة، أو وقعت في أول حالها متحركة من غير تقدير سكون فيها، ونقل الحركة إليها بعد، فلو ثبتت ساكنة، ونقلت إليها الحركة بعد لوجب أن تبدل ألفا كما أبدلت في آنية،

_ (1) من رجز ذكره في مجالس العلماء ص 243 والسمط 216 والمخصص 8/ 166. واللسان (وزز). وقوله: إوزا، أي: ريش إوز. (2) صدر بيت ذكره ابن يعيش في شرح المفصل 5/ 5 واللسان في مادة/ وزز/ برواية: تلقى الإوزين، ولم ينسبه وعجزه: فوضى وبين يديها التبن منثور وفي (ط): وقال الآخر. وإوزون: جمع إوزة. (3) في (ط): تلقى. (4) في (ط): فإما. (5) في (ط): فلا. (6) زيادة من (ط).

وآزرة، ونحو ذلك، ولو أبدلت ألفا لجاز وقوع المدغم بعدها، ولم يحتج مع وقوع المدغم بعدها إلى القلب فيها، فلما لم تقلب ألفا ووقعت متحرّكة، ولم تحركها على أن الفتحة في الهمزة، صادفت الهمزة التي هي فاء «1» متحركة بالكسر، ولو صادفتها ساكنة لقلبتها «2» ألفا، فالحركة في أيمة* كالحركة في مودّ، ودلّ على هذا قولهم «3»: إوزّ فلمّا لم تنقل الحركة إلى الفاء من العين، صارت الفاء كأنّها لم تزل مكسورة، فانقلبت «4» ياء، لأنّ الهمزتين لمّا لم تجتمعا في كلمة واحدة لزم الثانية منهما البدل. وإذا لزم الثانية البدل كان بمنزلة ما لم يزل حرف لين، يدلّك على ذلك قولهم: أوادم، ونحو ذلك: جاء، في قول عامة النحويّين. وعلى هذا قاس النحويون، فقالوا: لو بنيت من جاء مثل: فعلل، لقلت: جيئا، وقد علمت أن الحركات تنزّل منزلة الحروف، فكما تعتلّ بعض الحروف لمجاورة بعضها للتقريب نحو: حتى يصدر الرعاء [القصص/ 23] اعتلّت الصاد لمجاورة الدال، ونحو: اصطبر اعتلّت التاء لمجاورة المطبق، كذلك انقلبت الهمزة من أيمة* ياء لمجاورة الكسرة التي بعدها، كما انقلبت ياء لمجاورة «5» الحركة التي قبلها في

_ (1) سقطت من (م). (2) عبارة (ط): ولم تصادفها ساكنة فتقلبها. (3) في (ط): من قوله قولهم. (4) في (م): وانقلبت. (5) في (م): بالمجاورة الحركة.

ذيب. وأيضا فإن الهمزة «1» تشبه الألف لأنها من مخرجها وتقاربها، لأن كلّ «2» واحدة منهما تنقلب إلى صاحبتها في نحو: هو يضربها، وحبلأ، في وقف بعضهم، كما قلبت ألفا في الوقف عند أهل التخفيف في: لم يقرأ، وكما قلبت هي أيضا إليها في آدم، ورأس، والألف تعتلّ وتغيّر لما قبلها ولما بعدها في نحو: كتاب وعالم، كذلك قلبت الهمزة للحركة التي قبلها والتي بعدها في نحو: ذيب وأيمّة. وكذلك الواو تعلّ للياء التي بعدها في نحو طوي طيّا، وللياء التي قبلها في مثل «3». ديّار وقيّام ونحوه، ولو كسّرت قولهم «4»: أيمة* أو حقّرته، كما قلت: أسقية وأساق، لزم أن تقول: أويمة فتقلبها واوا لتحرّكها أيضا بالفتح «5»، كما قلبتها واوا في أوادم وآخر وأواخر. فإن كسّرت قلت: أوامّ، ولا تقول: أييمة، فتقرر الياء في التحقير على ما كانت عليه في التكبير «6»، لزوال الكسرة الموجبة لانقلاب الهمزة إلى الياء، كما لا يجوز أن تقرّر الياء في ميزان ونحوه، إذا كسّرت أو حقّرت لزوال المعنى الموجب للياء وهو الكسر الذي في الميم، وكذلك الياء المنقلبة عن الهمزة في أيمة* ولا يجوز تقريرها في التحقير والتكسير، لزوال

_ (1) في (م): فالهمزة. (2) في (ط): ولأن كلّ. (3) في (ط): في نحو. (4) سقطت من (م). (5) في (م) لتحركها بالفتحة. (6) في (م): التكسير.

الكسرة، كما لا يجوز أن تقرّر الياء إذا خفّفت ذئبا «1» وبئرا في التحقير والتكسير، لزوال الكسرة الموجبة لقلبها، وكذلك في: هذا أفعل من هذا من: أممت، تقول: هذا أومّ من هذا «2» لتحركها بالفتح، وهذا قول أبي الحسن. وقول أحمد بن موسى: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: أيمة* بهمز الألف وبعدها ياء ساكنة، غير أن نافعا يختلف عنه إلى آخر الفصل. فالقول فيه: أن هذه التراجم مضطربة، وفي هذه الكلمة همزتان: الأولى «3» منهما همزة أفعلة، والثانية: فاء الفعل، فمن لم ير الجمع بينهما من النحويين، وهو أبو عمرو والخليل وسيبويه وأصحابهم «4»، قال: أيمة* فأبدل من الهمزة التي هي فاء «5»، الياء لانكسارها، فلم يجتمع «6» همزتان، ومن لم ير الجمع بين الهمزتين لم يجعل الثانية بين بين، لأنّها إذا كانت كذلك كانت في حكم الهمزة، ألا ترى أن العرب قالوا في فاعل من جاء وشاء وناء «7»، جاء، وشاء وناء؟ فقلبوا الثانية ياء محضة لانكسار ما قبلها، ولم يخفّفوا، ولو خفّفوها لزم أن

_ (1) في (م): دينا. وهو تصحيف. (2) في (ط): ذا. (3) في (ط): الأول. (4) وفي (م) وأصحابهما. (5) في (ط): فاء الفعل. (6) في (ط): تجتمع. (7) سقطت من (ط).

تكون بين الياء والهمزة في قول الخليل وسيبويه، وقول أبي عمرو «1» والعرب فيما ذكر سيبويه، أو تقلب «2» ياء في قول أبي الحسن؛ فإذا كان كذلك فما ذكره من أن نافعا وابن كثير وأبا عمرو قرءوا بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة غير مستقيم، لأن الياء التي بعد ألف أفعلة متحركة بالكسر، فكيف تكون ساكنة، ولا يجوز أن يكون المراد بقوله: بعدها ياء ساكنة. أنها همزة بين بين، لأنها لو كانت كذلك كانت في حكم أئمة المحقّقة، يدلّك على ذلك أنّ أبا عمرو إذا فصل بين الهمزتين بالألف في نحو «3»: أأنت أم أمّ سالم جعل الثانية بين بين، فلو لم يكن «4» في حكم الهمزة في هذه الحال، لم يفصل بينهما بالألف، كما يفصل بينهما من يفصل، إذا حقّق الهمزتين، وشيء آخر يدلّك «5» على أنّ المخففة في حكم المتحركة، وهو أنها لو كانت إذا خفّفت

_ (1) سقطت من (م). (2) في (م): وتقلب. (3) جزء من بيت لذي الرمة وتمامه في ديوانه 2/ 768: فيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم والوعساء: رابية من الرمل- وجلاجل: موضع- أي: أأنت أحسن أم أم سالم؟ وانظر سيبويه 2/ 168. ورسمت «آأنت» في الأصل بثلاث ألفات: «أاأنت». (4) في (ط): تكن. (5) في (ط): يدل.

ساكنة لم يستقم قوله «1»: أأن رأت رجلا أعشى إذا خففت «2» الثانية، كما لم يستقم الشعر إذا أسكن، وكذلك قول الشاعر «3»: كلّ غرّاء إذا ما برزت لو كان إذا خفف الثانية كانت ساكنة لم يستقم، كما لم يستقم البيت الآخر. فإذا لم يخل قوله: بعدها ياء ساكنة، من أن يريد به: السكون الذي هو خلاف الحركة، أو يعني به: الهمزة التي تجعل بين بين، أو يعني به: إخفاء الحركة، ولم يجز واحد من الوجهين الأولين؛ ثبت أنه إخفاء الحركة، والإخفاء تضعيف الصوت بالحركة، فهو يضارع السكون من جهة الإخفاء، وإن كان المخفيّ «4» في وزن المتحرك. وأما ما ذكره من قوله «5» أن نافعا يختلف عنه في ذلك، فروى المسيّبي وأبو بكر بن أبي أويس: آئمة ممدودة الهمزة مختل، ألا ترى أنه لا مدّ في هذه الهمزة، كما لا مدّ في همزة أبد، وأجل، وأمد؟

_ (1) جزء من بيت للأعشى سبق في 1/ 286. (2) في (ط): خفف. (3) سبق في 1/ 286. (4) في (م): المخفى. (5) زيادة في (م).

وقوله: وياء بعدها كالساكنة، يحتمل وجهين: أحدهما: تخفيف الهمزة، والآخر إخفاء الحركة، وذلك أن الهمزة إذا خففت، صارت مضارعة للساكن، وإن كانت في الوزن متحركة، ولذلك لم تخفف مبتدأة، فهذا إن أريد كان صحيحا في العبارة، إلّا أنه يفسد في هذا الموضع لخروجه «1» عن المذهبين، ألا ترى أن خلافهم فيها على ضربين، أحدهما: إبدال الياء من الهمزة الثانية من «2» أئمة، والآخر: تحقيقهما، وهو «3» قراءة حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر، فيفسد لخروجه عن المذهبين، وإن كان قد يستقيم في اللفظ؛ فإذا لم يجز ذلك لخروجه عن المذهبين، فينبغي أن يحمل ذلك على إخفاء حركة الياء المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء الفعل. وما حكاه من قوله: قال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق المسيبي، عن أهل المدينة: همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام، فإنه يفهم منه أنهم أثبتوا في أيمة* همزة مفتوحة كفتحة همزة الاستفهام، ولم يذكر في الذي بعد الهمزة شيئا، وكذلك قال القاضي إسماعيل عن قالون بهمزة واحدة، فهذا مستقيم لا اختلاف فيه، إلا أنه لا يفهم من ذلك حكم الثانية. قال: وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين، فالقول فيه أن تحقيق الهمزتين فيها ليس بالوجه، ومما يضعّف الهمزتين أنه لا نعلم أحدا حكى التحقيق فيهما

_ (1) في (ط): بخروجه. (2) في (ط): في. (3) في (ط): وهي.

التوبة: 12

في آدم، وآدر، وآخر، ونحو هذا، فكذلك ينبغي في القياس أن يكون أيمة*. فإن قلت: إن الثانية التي في آدم ساكنة، والثانية في أئمة متحركة، والمتحرك أقوى من الساكن. قيل: المتحرك في هذا ليس بأقوى من الساكن، لأنك قد رأيت الكسرة توجب فيها الاعتلال والقلب، مع أنها متحركة في: مئر، وذئب، فلم تكن الحركة لها مانعة من الاعتلال، كما كان جؤن، وتؤدة كذلك. وحجتهم في الجمع بين الهمزتين في أإمة أن سيبويه زعم أن ابن أبي إسحاق كان يحقّق الهمزتين وناس معه. قال سيبويه: وقد يتكلّم ببعضه العرب، وهو رديء، وقد تقدم القول في أوائل هذا الكتاب «1». والدلالة على ضعف اجتماع الهمزتين، ووجهه من القياس، أن يقول: الهمزة حرف من حروف الحلق، كالعين وغيرها، وقد جمع بينهما في نحو: لعاعة «2»، وكعّ «3»، وكعّة، والفهّة «4»، وكذلك في غير هذه الحروف، فكما جاء أن اجتماع العينين كذلك، يجوز اجتماع الهمزتين. [التوبة: 12] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعز: إنهم لا أيمان لهم [التوبة/ 12].

_ (1) انظر 1/ 284. (2) اللعاعة: الذي يتكلف الألحان من غير صواب. والمرأة اللعة: المليحة العفيفة. (3) الكعّ: الضعيف العاجز. ورجل كع الوجه: رقيقه. (4) الفهّ: كليل اللسان عييّ عن حاجته والأنثى فهّة.

فقرأ ابن عامر وحده: لا إيمان لهم بكسر الألف. وقرأ الباقون: لا أيمان لهم بفتح الألف «1». قال أبو علي: حجة من قال: لا أيمان لهم، ففتح أن يقول: قد قال: إلا الذين عاهدتم [التوبة/ 4] والمعاهدة يقع فيها أيمان* فإذا كان كذلك ففتح الهمزة أشبه بالموضع وأليق وأيضا، فقد قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13]، ويقوي ذلك أن المتقدم ذكره، إنما هو أيمان نكثوها. ومما يقوي أيمان* بفتح الهمزة أن قوله: فقاتلوا أيمة الكفر يعلم منه أنه لا إيمان لهم؛ فإذا كان كذلك فالفتح في قوله جل وعزّ: لا أيمان لهم أولى، لأنه لا يكون تكريرا، ولم يقع عليه دلالة من الكلام الذي تقدمه. فإن قلت: فكيف قال: إنهم لا أيمان لهم فنفى أيمانهم؟، ثم قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13] فأوجبها، فإنّما ذلك لأنّ المعنى لا أيمان لهم يفون بها، ولا أيمان لهم صادقة، كما أن قوله: وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا [مريم/ 9] معناه: شيئا مذكورا، ويبيّن ذلك في الأخرى بقوله: لم يكن شيئا مذكورا [الإنسان/ 1] وقد قالوا: إنّك ولا شيئا سواء، فلو كان الكلام يراد به النفي، كان محالا، لأنّ لا شيء لا يساوي شيئا، وإنما جاز لما يراد بهذا الكلام من النقص المراد بهذا الكلام، فكذلك قوله: لا أيمان لهم على هذا الحد.

_ (1) السبعة: 312.

التوبة: 17

ووجه قول ابن عامر أنّه ذكر أن الكسر قراءة الحسن، ووجه: لا إيمان لهم أن يجعله مصدرا من آمنته إيمانا، يريد به خلاف التخويف، ولا يريد به «1» مصدر آمن الذي هو صدّق، أي: ليس لأئمة الكفر من المشركين إيمان، كما يكون الإيمان الذي هو مصدر آمنته لذوي الذمّة من أهل الكتاب، لأنّ المشركين لا يقرّون، ولا يؤمنون إلّا أن يسلموا، فإن لم يسلموا فالسيف، ولا يؤمنون بتقرير بقبول جزية، كما يقرّ أهل الكتاب، ولا «2» يكون على هذا الإيمان الذي هو خلاف الكفر، فيكون تكريرا لدلالة ما تقدم من قوله تعالى: فقاتلوا أيمة الكفر على أن أهل الكفر لا إيمان لهم، لأن الإيمان على هذا إنما هو مصدر. آمنت المنقول من أمن الذي هو «3» خلاف خوّفت. [التوبة: 17] اختلفوا في الجمع والتّوحيد من قوله [جلّ وعزّ] «4»: أن يعمروا مسجد الله [التوبة/ 17]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: أن يعمروا مسجد الله على واحد، إنما يعمر مساجد الله [التوبة/ 18] على الجمع. أخبرني أبو حمزة الأنسي، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال عن حمّاد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأ: مسجد الله إنما يعمر مسجد الله بغير ألف على التوحيد.

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): فلا. (3) عبارة (ط): من أمن وخلاف خوّفت. (4) سقطت من (ط).

وقرأ نافع وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ على الجمع فيهما «1». قال أبو علي: حجّة من أفرد فقال: مسجد الله أنه يعني به ما تأخر من قوله تعالى «2»: وعمارة المسجد الحرام [التوبة/ 19]، فقال: ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله واستغنى «3» عن وصفه بالحرام بما تقدّم من «4» ذكره، ثم قال: إنما يعمر مساجد الله يعني به: المسجد الحرام وغيره. ويدل على أنهم ليس لهم عمارته كالمسلمين: قوله في الأخرى: وما كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلا المتقون [الأنفال/ 34]. ووجه من قرأ: أن يعمروا مسجد الله إنما يعمر مسجد الله أنه عنى بالمسجد الثاني الأول في قوله: أن يعمروا مسجد الله فكرره، وسائر المساجد حكمه حكم المسجد الحرام، في أنه ينبغي أن يكون عمّاره أهله الذين هم أولى به. ومن جمع فقال: مساجد الله بعد قوله: ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله. فلأنّ الجمع يشمل المسجد الحرام وغيره.

_ (1) السبعة: 313. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): استغني. (4) سقطت «من» من (ط). ( .. ) في (ط): يدل.

التوبة: 24

ووجه قول من جمع في الموضعين: أن المشركين ليسوا بأولياء لمساجد المسلمين، لا المسجد الحرام ولا غيره، فإذا لم يكونوا أولياءها لم تكن لهم عمارتها، وإنّما عمارتها للمسلمين الذين هم أولياؤه، فدخل في ذلك المسجد الحرام وغيره. [التوبة: 24] واختلفوا «1» في الجمع والتوحيد من قوله [جلّ وعز] «2»: وعشيرتكم [التوبة/ 24]. فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: وعشيراتكم على الجمع. وقرأ الباقون: وعشيرتكم واحدة، وقال حفص عن عاصم: واحدة «3». قال أبو علي: وجه الجمع: أن كل واحد من المخاطبين له عشيرة، فإذا جمعت «4» قال: عشيراتكم من حيث كان المراد بهم الجمع. وقول من أفرد: أن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغني بذلك فيها «5» عن جمعها، ويقوّي ترك الجمع بالتاء أن أبا الحسن قال: لا تكاد العرب تجمع عشيرة عشيرات، إنّما يجمعونها على: عشائر.

_ (1) في (ط): اختلفوا. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة: 313. (4) في (ط): جمع. (5) زيادة من (ط).

التوبة: 30

[التوبة: 30] اختلفوا في التنوين وتركه من قوله جلّ وعزّ: عزير ابن الله [التوبة/ 30]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة: عزير ابن الله بغير تنوين. وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو منوّنا «1»، حدّثني ابن أبي خيثمة قال: حدثني «2» القصبيّ عن عبد الوارث عن أبي عمرو بذلك. وقرأ عاصم والكسائي: عزير منوّن «3». قال أبو علي: من نوّن عزيرا، جعله مبتدأ، وجعل: ابنا خبره، وإذا كان كذلك فلا بدّ من إثبات التنوين في حال السّعة والاختيار، لأن عزيرا ونحوه ينصرف؛ عجميّا كان أو عربيّا «4». فأمّا «5» من حذف التنوين، فإنّ حذفه على وجهين: أحدهما: أنه جعل الصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد، كما جعلهما كذلك في قولهم «6»: لا رجل ظريف، وحذف التنوين ولم يحرّك «7» لالتقاء الساكنين، كما يحرّك في:

_ (1) في (ط): منون. (2) في (ط): حدثنا. (3) السبعة: 313. (4) قال ابن الشجري 1/ 382: والتنوين في عزير للصرف لأنه مصغر الثلاثي ينصرف، وإن كان عجميا، كما ينصرف مكبره، وينصرف في هذه العدة وإن كان متحرك الأوسط، كما ينصرف إذا سكن أوسطه. (5) في (ط): وأما. (6) في (ط): قوله. (7) قراءة (ط): وحذف التنوين ولم يحرّك.

زيدن «1» العاقل، لأن الساكنين كأنّهما التقيا في تضاعيف كلمة واحدة، فحذف الأول منهما، ولم يحرّك لكثرة الاستعمال، فصار آخر الاسم في اتباعه حركة ما قبله بمنزلة إتباع الآخر ما قبله فيما حكاه أبو عثمان عن ابن إسحاق من قولهم: هذا مرء، ورأيت مرءا، ومررت بمرء «2». فإن قلت: فقد تخالف الحركة الأولى الحركة الآخرة في المرء، وقولهم: امرؤ، وامرأ، وامرئ في نحو: مررت بعمر بن زيد، وإبراهيم بن عمرو، فلا تتبع الحركة الأولى الآخرة. قيل: الفتح في هذا الموضع بمنزلة الكسر وفي حكمه، كما كان في قولهم: بمسلمات ورأيت مسلمات، كذلك فكما اتفقا في هذا الموضع، وإن اختلف لفظاهما. كذلك اتفقا في

_ (1) جاء رسمها في (م): في زيد العاقل. (2) قال المبرد في المقتضب 2/ 314: «فمن ذهب إلى أن حذف التنوين لالتقاء الساكنين قال: هذه هند بنت عبد الله، فيمن صرف هندا، لأنه لم يلتق ساكنان، فكان أبو عمرو بن العلاء يذهب إلى أن الحذف جائز، لأنهما بمنزلة اسم واحد لالتقاء الساكنين، ويحتج بما ذكرته لك في النداء من قولهم: يا زيد بن عبد الله، وقال: هذا هو بمنزلة قولك: هذا امرؤ، ومررت بامرئ، ورأيت امرأ. تكون الراء تابعة للهمزة، فكذلك آخر الاسم الأول تابع لنون ابن وهو وابن شيء واحد، تقول: هذا زيد بن عبد الله، ومررت بزيد بن عبد الله، ورأيت زيد بن عبد الله، فيقول: هذه هند بنت عبد الله، فيمن صرف هندا».

نحو: عمر بن زيد، وعمرو «1» بن بشر. ولا يجوز إثبات التنوين في هذا الباب إذا كان صفة، وإن كان الأصل، لأنهم جعلوه من الأصول المرفوضة، كما أن إظهار الأوّل من المثلين في نحو: ضننوا، لا يجوز في الكلام، وإن كانا «2» بمنزلة اسم مفرد، والاسم المفرد لا يكون جملة مستقلة مفيدة في هذا النحو، فلا بد من إضمار جزء آخر [يقدر انضمامه إليه ليتمّ جملة] «3»، وتجعل الظاهر إمّا مبتدأ وإما خبر مبتدأ، فيكون التقدير: صاحبنا، و «4» نسيبنا أو نبيّنا عزير بن الله، إن قدّرت المضمر المبتدأ، وإن قدّرته بعكس ذلك جاز، فهذا أحد الوجهين. والوجه الآخر: أن لا تجعلهما اسما واحدا، ولكن تجعل الأول من الاسمين المبتدأ والآخر الخبر، فيكون المعنى فيه على هذا كالمعنى في إثبات التنوين، وتكون القراءتان متّفقين، إلّا أنّك حذفت التنوين لالتقاء الساكنين، كما تحذف حروف اللين لذلك، ألا ترى أنه قد جرى مجراها في نحو: لم يك زيد منطلقا، وفي نحو: صنعانيّ، وبهرانيّ «5»، وقد أدغمت في الواو والياء كما أدغم «6» كلّ واحد من الواو والياء في الأخرى

_ (1) في (ط): وعمر. (2) في (ط): وإذا كان. (3) عبارة (ط): يكون بانضمامه إليه جملة. (4) في (ط): أو. (5) بهراني: منسوب إلى بهراء وهي حي في اليمن. (6) في (م): كما تدغم.

بعد قلب الحرف إلى ما يدغم فيه، وقد وقعت زيادة لمعاقبة الألف «1» في: جرنفس، وجرافس «1»، وحذفوها في عزير كما حذفوا الألف من علبط «3»، وأبدلوا الألف من النون في نحو: رأيت زيدا، ولنسفعا [العلق/ 15]، فلمّا «4» اجتمعت مع حروف اللين في هذه المواضع، وشابهتها كذلك يجوز أن تتّفق معها في الحذف لالتقاء الساكنين، وعلى هذا ما يروى من قراءة بعضهم «5»: أحد الله، [الإخلاص/ 1 - 2]، فحذف النون لالتقاء الساكنين وقد جاء ذلك في الشعر كثيرا، قال: حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع «6»

_ (1) في (ط): معاقبة للألف. والجرافس: من الإبل: الغليظ، ومن الرجال: الشديد، والجر نفس كذلك. (3) رجل علبط وعلابط: ضخم عظيم. والقطيع من الغنم. وقيل: كل غليظ علبط. وكل ذلك محذوف من فعالل، وليس بأصل لأنه لا تتوالى أربع حركات في كلمة واحدة (اللسان: علبط) وانظر سيبويه 2/ 335 و 351. (4) في (ط): فكما. (5) وهي رواية عن هارون عن أبي عمرو، وسيأتي الكلام عنها في آخر الكتاب مبسوطا. (6) البيت في النوادر 368 (ط الفاتح). والكامل 3/ 86 والمقتضب 2/ 313 وأمالي ابن الشجري 1/ 382 نقلا عن أبي علي. وفي معجم البلدان 1/ 249: أمج: بالجيم وفتح أوله وثانيه والأمج في اللغة العطش؛ بلد من أعراض المدينة، منها حميد الأمجي، دخل على عمر بن عبد العزيز وهو القائل: شربت المدام فلم أفلح ... وعوتبت فيها فلم أسمع

وقال: إذا غطيف السلميّ فرّا «1» وقال: وحاتم الطائيّ وهّاب المئي «2» وقال «3»:

_ حميد الذي ... البيت. وضبطت في الأصل «الأصلع» بالضم. علاه المشيب على حبّها ... وكان كريما فلم ينزع وانظر الخزانة 4/ 555 واللسان (أمج). (1) شطر من أرجوزة وقبله: لتجدنّي بالأمير برّا ... وبالقناة مدعسا مكرّا انظر النوادر/ 321، (ط الفاتح) أمالي ابن الشجري 1/ 383 والإنصاف 2/ 665 اللسان (دعص ودعس) ومعاني القرآن 1/ 431. (2) شطر بيت من أرجوزة قالتها امرأة من بني عقيل تفخر بأخوالها من اليمن ومطلعها: حيدة خالي ولقيط وعلي ... وحاتم الطائيّ وهّاب المئي انظر النوادر/ 91. أمالي ابن الشجري 1/ 383 الخزانة 3/ 304 اللسان/ مأي/ واستشهد في المنصف بالشطر الأول على تخفيف «علي» للقافية (المنصف 2/ 68). (3) وقبله: كيف نومي على الفراش ولمّا ... تشمل الشام غارة شعواء وهما في المنصف 2/ 231 برواية: «وتلوي بخدام» ومعاني القرآن 1/ 432 وأمالي ابن الشجري 1/ 383. قال فيه: والخدام: الخلخال.

التوبة: 30

تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء وهذا النحو «1» في الشعر كثير، والوجه فيه الحمل على الوجه الآخر، لأنه لم يستقر حذفه في «2» الكلام، وإن حصلت المشابهات بين النون وحروف اللين فيما رأيت. [التوبة: 30] اختلفوا في الهمز وإسقاطه من قوله جلّ وعزّ: يضاهون [التوبة/ 30]. فقرأ عاصم وحده: يضاهئون بالهمز. وقرأ الباقون: يضاهون بغير همز «3». قال أبو عبيدة: المضاهاة: التشبيه، ولم يحك الهمزة «4»، وقال أحمد بن يحيى: لم يتابع عاصما أحد على الهمزة «5». والذين كفروا [التوبة/ 30] يشبه أن يكونوا المشركين الذين لا كتاب لهم، لأنهم ادّعوا في الملائكة أنها «6» بنات، قال: ويجعلون لله البنات [النحل/ 57] وقال: ألكم الذكر وله الأنثى [النجم/ 21]، وقال: وإذا بشر أحدهم بما ضرب

_ أي: ترفع المرأة الكريمة ثوبها للحرب فيبدو خلخالها. وانظر قسم الشروح والتعليقات في المنصف 2/ 416 على البيتين من قبل المحققين. (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): من. (3) السبعة: 314. (4) انظر مجاز القرآن 1/ 256. (5) في (ط): الهمز. (6) في (ط): أنهم.

للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا [الزخرف/ 17] وقال: وخرقوا له بنين وبنات بغير علم [الأنعام/ 6] «1». وليس يضاهئون فيمن همز من لفظ: ضهياء، لأن الهمزة في ضهياء زائدة بدلالة ضهيأ «2»، والياء أصل ألا ترى أنها لو كانت الياء فيها زائدة لكانت مكسورة الصدر؟ وأشبه «3» أن يكون ما قرأ به عاصم من الهمز في يضاهئون لغة وهي فيما زعم الفرّاء عنه لغة الطائف «4»، فيكون في الكلمة لغتان مثل: أرجيت وأرجأت، ولا يجوز أن يكون من قولهم: امرأة ضهياء، وذلك أن «5» الهمزة في ضهياء قد قامت الدلالة على زيادتها، ألا ترى أنهم قالوا: ضهيأ «6»؟ فاشتقّوا من الكلمة ما سقطت فيه هذه الهمزة، فاشتقاقهم ضهيأ من ضهياء وهو «7» بمنزلة اشتقاقهم جرواض من جرائض «8»، ...

_ (1) زيادة من (ط). (2) قال سيبويه: وكذلك الهمزة لا تزال غير أولى إلا بثبت، فمما ثبت أنها فيه زائدة قولهم: ضهيأ، لأنك تقول: ضهياء كما تقول: عمياء. والضّهيأ: شجر، وهي أيضا التي لا تحيض. وقالوا أيضا ضهياء (الكتاب 2/ 352) وانظر المنصف 1/ 105 و 110. واللسان (ضها) وقد اضطربت (م) و (ط) في رسم كلمة ضهيأ في كل ما سيأتي وقد أثبتنا الهمزة فيها كما يقتضي سياق العبارة. (3) في (ط): ويشبه. (4) عبارة (ط): وهي فيما زعموا لغة أهل الطائف. (5) في (ط): لأن. (6) رسمت في الأصل: ضهياء. (7) عبارة (م): فاشتقاقهم من ضهياء ضهياء هو. (8) الجرواض: الجمل الضخم العظيم البطن. والجرائض: الأكول، الشديد

وشنذارة «1» من شئذارة «2»، وزوبر من زئبر، وزعموا «3» أنهم يقولون: زوبر الثوب إذا خرج زئبره؛ [فكذلك يعلم من ضهيأ زيادة الهمزة في ضهياء] «4» وأمر آخر يعلم منه زيادة الهمزة في ضهياء، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون فعلا مقصورا أو فعيلا «5»، فلا يجوز أن يكون فعيلا لأن ذلك بناء لم يجيء في كلامهم، وما كان من هذا النحو الياء زائدة فيه، كان مكسور الصدر، نحو: حذيم، وعثير، وحمير، وطريم «6» وقالوا في مريم، ومزيد، ومدين «7»: إنها مفعل جاءت على الأصل وليس بفعيل، لأنّ ذلك لو كان إياه، لكان مكسور الصدر، ومن ثمّ قالوا في يهيرّى «8»: إن الياء الأولى زائدة، ولو خفّفت فقلت: يهيرّ كانت

_ القصل بأنيابه الشجر. انظر (اللسان: جرض) وانظر المنصف 1/ 106. (1) رجل شنذارة: أي غيور. اللسان/ شذر/. (2) في (ط) وشيذارة من شيذار. (3) في (ط): زعموا. (4) قراءة العبارة ما بين معقوفين في (م): فكذلك يعلم من ضهياء أن الهمزة في ضهياء. وكتبت كلمة قصر فوق ألف ضهياء الأخيرة. (5) قراءة (ط): مقصور أو فعيل. (6) الحِذيَم: الحاذق الشديد، والعثير: الغبار، والطريم: السحاب- أو العسل- أو الطويل. (انظر اللسان). (7) عبارة (ط) بعد قوله طريم: ومزيد ومدين ومريم قالوا إنها. (8) اليهيرّ- بياءين- واليهيرّى: الماء الكثير، وذهب ماله في اليهيرّى، أي: الباطل (اللسان هير) قال سيبويه 2/ 344، وقالوا: يهيّرى، فليس شيء من الأربعة على هذا المثال لحقته ألف التأنيث، وإنّما كان هذا فيما كان أوله حرف الزوائد، فهذا دليل على أنها من بنات الثلاثة، وعلى أن الياء الأولى زائدة. ولا نعلم في الأربعة على هذا المثال بغير ألف. وقالوا: يهيرّ فحذفوا كما حذفوا مرعزّى.

الأولى أيضا هي الزائدة، دون الثانية، لأنك لو حكمت بزيادة الثانية، لوجب أن يكون فعيلا «1»، وذلك بناء قد رفضوه فلم يستعملوه. وأما «2» من قال: يجوز أن يكون فعيلا «3» ويضاهئون مشتق منه؛ فقول لم يذهب إليه أحد علمناه، وهو ظاهر الفساد، لإتيانه ببناء لم يجيء في كلامهم. فإن قال: فقد جاء «4» أبنية في كلامهم لا نظير لها، مثل: كنهبل، فأجوّز فعيل، وإن لم يجيء كما جاء: كنهبل ونحوه. قيل له: فأجز في غزويت أن يكون: فعويلا أو فعليلا، وإن كان فعويل لم يجيء واستدلّ على ذلك بمجيء كنهبل، كما استدللت على جواز فعيل: بقرنفل وكنهبل، وجوّز أن يكون فعويل، وإن لم يجيء ذلك في كلامهم، كما جاء قرنفل وكنهبل، وجوّز أيضا أن يكون فعليلا، وإن كان «5» حروف اللين لم تجىء أصولا في بنات الأربعة، واستدلّ عليه كما جاز أن يكون: رنوناة، فعوعلة، من الرنا «6» مثل: غدودن، وكما جاز

_ (1) في (ط): فعيل. (2) في (ط): فأما. (3) في (ط): فعيل. (4) قراءة (ط): فإن قال قد جاءت في الكلام نحو. (5) في (ط): كانت. (6) كتب على هامش (م): فوقها من رنا- يرنو.

أن يكون فعلعل مثل: حبربر «1». وكما جاز أن يكون فعلنا مثل: عفرنا، وعرضنا، وهذا نقض للأصول «2» التي عليها عمل العلماء، وهدم لها، وإنّما أدخله في هذا ما رامه من اشتقاق يضاهئون، وقد يجوز أن تجيء الكلمة غير مشتقة، وذلك أكثر من أن يحصى. وأما «3» ما ذهب إليه من أن الهمزة زائدة في: غرقئ «4» فخطأ قد قامت الدلالة على فساده، وذلك أن أبا زيد قد حكى أنهم يقولون: غرقأت الدجاجة بيضها، والبيضة مغرقأة به «5» وليس في الكلام شيء على فعلأت، إلا أن يزعم أنه يثبت هذا أو يجيزه، كما جاء، كنهبل، فإن ركّب هذا قيل له: فجوّز في منجنيق أن يكون: منفعيلا «6»، وإن كان لم يجيء هذا النحو، على أن هذا أشبه مما ارتكبه، لأنه يكون في توالي الزائدتين «7» في أوّلها مثل: انقحل «8». وليس هذا بقول يعرّج عليه، ولا يصغى إليه، ويلزمه أن يكون حماطة «9»: فعللة، وقد انقلبت

_ (1) يقال: ما أصبت منه حبربرا، أي: ما أصبت منه شيئا. (2) في (م): الأصول. (3) في (ط): فأما. (4) الغرقئ: قشر البيضة. (5) زيادة في (ط). (6) في (ط): منفعيل. (7) في (ط): الزيادتين. (8) يقال: رجل انقحل وامرأة انقحلة، بكسر الهمزة: مخلقان من الكبر والهرم (اللسان قحل). (9) الحماطة: حرقة وخشونة يجدها الرجل في حلقه. (اللسان حمط).

الألف عن حرف علة «1». فإن قال: هذا بناء لم يجيء؛ قيل له: جوّز مجيئه، واجعله بمنزلة كنهبل «2»، وما ذكرته. واتفقوا على همز «3» النسيء [التوبة/ 37] وحده، وكسر سينه، إلا ما حدّثني به محمد بن أحمد بن واصل قال: حدثنا محمد بن سعدان، عن عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير أنه قرأ: إنما النسء زيادة على وزن النّسع. حدثني ابن أبي خيثمة، وإدريس، عن خلف، عن عبيد، عن شبل، أنه قرأ: النسي مشدّدة الياء بغير همز. وقد روي عن ابن كثير: النسي بفتح النون وسكون السين وضم الياء مخففة، قال أبو بكر: والذي قرأت به على قنبل النسيء بالمد والهمز مثل أبي عمرو، وكذلك الناس عليه بمكة «4». قال أبو عبيدة فيما روى عنه التوّزيّ في قوله تعالى «5»: إنما النسيء زيادة في الكفر: كانوا قد وكّلوا قوما من بني كنانة يقال لهم: بنو فقيم، فكانوا يؤخّرون المحرّم، وذلك نسء «6» الشهور، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت

_ (1) في (ط): عن حرف العلة. (2) في (ط): الكنهبل. (3) في (ط): اتفقوا على همزة ... (4) السبعة: 314. (5) سقطت من (ط). (6) رسمت في الأصل الهمزة على الألف: نسأ.

العرب للموسم، فينادي مناد «1»: [أن افعلوا ذلك لحرب أو لحاجة وليس كلّ سنة يفعلون ذلك] «2»؛ فإذا أرادوا أن يحلّوا المحرّم، نادوا: هذا صفر، وإن المحرم الأكبر صفر، وربّما جعلوا صفرا محرّما مع ذي القعدة، حتى يذهب الناس إلى منازلهم، إذا نادى المنادي بذلك، وكانوا يسمّون المحرم وصفرا: الصّفرين، ويقدّمون صفرا سنة ويؤخرونه، والذي كان ينسؤها، حتى جاء الإسلام: جنادة بن عوف بن أبي أميّة، وكان في بني عدوان «3» قبل بني كنانة «4». [قال أبو علي] «5»: ووجه «6» قراءة ابن كثير: النسء أن هذا تأخير، وقد «7» جاء النّسء في أشياء معناها التأخير. قال أبو زيد: نسأت «8» الإبل في ظمئها، فأنا أنسؤها نس ءا: إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين، أو أكثر من ذلك، والمصدر: النّسء. قال أبو زيد: ويقال: نسأت الإبل عن الحوض فأنا أنسؤها نس ءا إذا أخّرتها عنه. وحجة من قرأ «9»: النسيء أنه كأنّه أكثر في

_ (1) في (م) ومجاز القرآن: منادي، بإثبات الياء. (2) ما بين معقوفين ساقط من مجاز القرآن مع الفاء من إذا. (3) عدوان بالتسكين: قبيلة من قيس، واسمه الحارث بن عمرو بن قيس، وإنما قيل ذلك لأنه عدا على أخيه فهمّ بقتله (التاج: عدو). (4) مجاز القرآن 1/ 258 - 259 (الحاشية). (5) سقطت من (م). (6) في (ط): وجه. (7) في (م): قد. (8) في (ط): قد نسأت. (9) في (ط): قال.

هذا «1» المعنى، قال أبو زيد: أنسأته الدّين إنساء إذا أخرته عنه. واسم ذلك النسيئة، والنّساء؛ فكأنّ النسيء في الشهور: تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة، فيحرّمون بهذا التأخير ما أحلّ الله، ويحلّون ما حرّم الله، كما قال تعالى «2»: يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله [التوبة/ 37] ألا ترى أن المحرم عين الشهر لا ما يوافقه في العدة، كما أن المحرّم فيه الإفطار على غير المريض والمسافر عين رمضان. والنسيء: مصدر كالنذير والنّكير، وعذير الحي، ولا يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول، كما قال بعض الناس لأنه إن «3» حمل على ذلك، كان معناه: إنما المؤخّر زيادة في الكفر، والمؤخّر الشهر وليس الشهر نفسه بزيادة في الكفر، وإنّما الزيادة في الكفر تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة؛ فأما نفس الشهر فلا. وأما ما روي عن ابن كثير إنما النسي بالياء، فذلك يكون على إبدال الياء من الهمزة، ولا أعلمها لغة في التأخير، كما أنّ أرجيت: لغة في أرجأت. وما روي عنه من قوله: النسيء بتشديد الياء، فعلى تخفيف الهمزة «4»، وليس هذا القلب مثل القلب في النّسيء لأن

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) قراءة (ط): لأنه إذا إن. (4) في (ط): الهمز.

التوبة: 37

النسيّ بتشديد الياء: على وزن فعيل، تخفيف قياسيّ، وليس النّسي كذلك، كما أن مقروّة في مقروءة: تخفيف قياسي، وسيبويه لا يجيز نحو هذا القلب الذي في النسي إلا في ضرورة الشعر، وأبو زيد يراه ويروي كثيرا منه عن العرب. [التوبة: 37] اختلفوا في فتح الياء وكسر الضّاد وضمّ الياء وفتح الضّاد من قوله تعالى «1»: يضل به الذين كفروا [التوبة/ 37]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر يضل به* بفتح الياء وكسر الضاد. وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: يضل به بضم الياء وفتح الضاد «2». قال أبو علي: وجه من قرأ: يضل* أن الذين كفروا لا يخلون من أن يكونوا مضلّين لغيرهم، أو ضالين هم في أنفسهم، وإذا «3» كان كذلك، لم يكن في إسناد الضلال إليهم في قوله: يضل* إشكال ألا ترى أن المضلّ لغيره ضالّ بفعله إضلال غيره؟ كما أنّ الضالّ في نفسه الذي لم يضلّه غيره لا يمتنع إسناد الضلال إليه. وأما يضل فالمعنى فيه «4» أنّ كبراءهم أو أتباعهم «5»

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة: 314. (3) في (ط): فإذا ... (4) زيادة من (ط). (5) في (ط): وأتباعهم.

التوبة: 54

يضلّونهم بأمرهم إياهم بحملهم «1» على هذا التأخير في الشهور، وزعموا أنّ في التفسير: أنّ رجلا من كنانة يقال له: أبو ثمامة، كان يقول للناس في منصرفهم من الحج: إن آلهتكم قد أقسمت لتحرّمنّ، وربما قال: لتحلّنّ، هذا الشهر، يعني: المحرم، فيحلّونه ويحرّمون صفرا، وإن حرّموه أحلّوا صفرا، وكانوا يسمّونهما الصّفرين، فهذا إضلال من هذا المنادي لهم، يحملهم بندائه على ذلك، وقوله تعالى «2»: يضل يفعل من هذا. وزعموا أنّ في حرف ابن مسعود يضل به الذين كفروا، ويقوّي ذلك: ما أتبع هذا من الفعل المسند إلى المفعول، وهو قوله: زين لهم سوء أعمالهم [التوبة/ 31]. أي: زيّن لهم ذلك حاملوهم عليه، وداعوهم إليه. ولو قرئ: يضل به الذين كفروا لكان الذين كفروا في موضع رفع، بأنهم الفاعلون «3»، والمفعول به محذوف تقديره: يضلّ به الذين كفروا تابعهيم والآخذين بذلك، ومعنى: يضل به الذين كفروا يضلّ بنسء الشهور. [التوبة: 54] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جل وعز] «4» أن يقبل منهم نفقاتهم [التوبة/ 54] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: أن تقبل بالتاء.

_ (1) في (ط): بحملهم لهم ... (2) عبارة (ط): فقوله يضل. (3) في (ط): فاعلون. (4) سقطت من (ط).

التوبة: 58

وقرأ حمزة والكسائي: أن يقبل بالياء «1». قال أبو علي: وجه القراءة بالتاء أنّ الفعل مسند إلى مؤنث في اللفظ، فأنّث ليعلم أنّ المسند إليه مؤنث. ووجه الياء أن التأنيث ليس بتأنيث حقيقي، فجاز أن يذكّر كما قال تعالى «2»: فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة/ 275] وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67]. [التوبة: 58] قال أحمد: كلّهم قرأ يلمزك [التوبة/ 58] بكسر الميم: إلا ما روى حمّاد بن سلمة عن ابن كثير فإنّه روى عنه: يلامزك حدّثني بذلك محمد بن الجهم عن ابن أبي أميّة البصري، عن حمّاد بن سلمة، وحدّثني الصّوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن محمد بن صالح، عن شبل، عن ابن كثير وأهل مكة: يلمزك ويلمزون [التوبة/ 79] برفع الميم فيهما. وحدثني أبو حمزة الأنسي قال: حدثنا حجاج بن المنهال قال: حدثنا حمّاد بن سلمة قال: سمعت ابن كثير يقول: يلمزك بضم الميم «3». أبو عبيدة: يلمزك أي: يعيبك، قال زياد الأعجم: إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة ... وإن تغيبت كنت الهامز اللّمزة «4»

_ (1) السبعة: 314. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة: 315. (4) مجاز القرآن 1/ 262 - 263 وجاء عجزه برواية: «وإن أغيب فأنت العائب

وقال قتادة: يلمزك: يطعن عليك، والعيب والطعن يشملان ما يكون فيهما في المغيب، وما يكون في المشهد. وفي الشّعر دلالة على قدحه فيه، وطعنه عليه في المغيب، لقوله: تغيّبت، فيكون الهمز الغيبة «1»، وكذلك قوله [تعالى] «2»: هماز مشاء بنميم [القلم/ 11] يجوز أن يعنى الغيبة «3». وحكى بعض الرواة أنّ أعرابيّا قيل له: أتهمز الفارة؟ قال «4»: تهمزها الهرّة، فأوقع الهمز على الأكل. فالهمز كاللمز. وقال عز وجل «5»: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا [الحجرات/ 12]. وكأنّ الهمز أوقع على الأكل لمّا كان غيبة، وقال الأصمعي: فلان ذو وقيعة في الناس إذا كان يأكلهم، فلما أوقع الأكل عليه حسن أن يستعمل في خلافه: الغرث، فلذلك قال «6»:

_ اللمزة» وهو في اللسان (همز). (1) في (ط): هو الغيبة. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): يعني به الغيبة. (4) في (ط): فقال. (5) سقطت من (ط). (6) عجز بيت لحسان بن ثابت وصدره: حصان رزان ما تزنّ بريبة وقد قاله في أم المؤمنين عائشة. غرثى: وصف المؤنث من الغرث وهو الجوع. ما تزنّ: أي ما تتّهم. والغوافل: ج غافلة، يعني: أنها لا تغتاب أحدا. انظر: ديوانه/ 94 والإنصاف 2/ 759 - اللسان/ غرث/ وزن/.

التوبة: 61

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل والذي جاء في الآية من اللمز، عني به المشهد فيما دلّ عليه الأثر، والمعنى على حذف المضاف «1» التقدير: يعيبك في تفريق الصدقات. ومن قرأ: يلامزك فينبغي أن يكون فاعلت فيه من واحد نحو: طارقت النّعل، وعافاه الله، لأنّ هذا لا يكون من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «2». فأمّا يلمزك ويلمزك «3»، فلغتان مثل: يعكف ويعكف، ويحشر ويحشر، ويفسق ويفسق. [التوبة: 61] اختلفوا في التثقيل والتخفيف من قوله عز وجل «4»: هو أذن قل أذن خير لكم [التوبة/ 61]. فقرأ نافع وحده: هو أذن قل أذن خير لكم بإسكان الذال فيهما. وقرأ الباقون: بتثقيل الأذن، وكلّهم يضيف [أذن] إلى خير*] «5». قال أبو علي: من قال: أذن* فهو تخفيف من أذن، مثل: عنق، وطنب، وظفر. وكل ذلك يجيء على «6»

_ (1) في (ط): الإضافة. (2) في (ط): عليه السلام. (3) في (ط): يلمز ويلمز. (4) سقطت من (ط). (5) السبعة: 315 وما بين معقوفين زيادة منه، وسيذكرها المصنف في الشرح. (6) في (ط): فيه.

التخفيف، ويدلّك على اجتماع الجميع في الوزن الاتفاق في التكسير، تقول: أذن، وآذان، كما تقول: طنب وأطناب، وعنق وأعناق، وظفر وأظفار. فأمّا القول في أذن في «1» الآية إذا خففت أو ثقّلت، فإنه يجوز أن يطلق على الجملة، وإن كانت عبارة عن جارحة منها. كما «2» قال الخليل في الناب من الإبل: إنّه سمّيت به لمكان الناب البازل، فسميت الجماعة «3» كلّها به، وقريب من هذا قولهم للمرأة: ما أنت إلا رجيل، وللرجل: ما أنت إلّا مريّة، ويدلّ على أنهم أرادوا النّاب قولهم، في التصغير: نييب، فلم يلحقوا الهاء ولو كنت مصغّرا لها على حدّ تصغير الجملة «4» لألحقت الهاء في التحقير، كما تلحق في تحقير قدم ونحوها، وعلى هذا قالوا للمرأة: إنما أنت بظر، فلم يؤنّثوا حيث أرادوا الجارحة دون الجملة، وقالوا للربيئة: هو عين القوم، وهذا عينهم. ويجوز فيه شيء آخر، وهو أن الاسم يجري عليه كالوصف له لوجود معنى ذلك الاسم فيه وذلك كقول جرير «5»: تبدو فتبدي جمالا زانه خفر ... إذا تزأزأت السّود العناكيب

_ (1) في (ط): من. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): الجملة. (4) في (ط): التصغير للجملة. (5) التزأزؤ: شدة العدو وسرعته. انظر ديوانه/ 33.

فأجرى العناكيب وصفا عليهن، يريد به «1»: أنّهن في الحقارة والدّمامة، كالعناكيب. وأنشد أبو عثمان «2»: مئبرة العرقوب إشفى المرفق فوصف المرفق بالإشفى «3»، لما أراد من الدقّة والهزال، وخلاف الدّرم «4»، وقال آخر «5»: فلولا الله والمهر المفدّى ... لأبت وأنت غربال الإهاب فجعله غربالا لكثرة الخروق فيه من آثار الطعن، وكذلك قوله «6»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) شطر بيت من الرجز لا يعرف قائله والإشفى في الأصل: المثقب- الذي للأساكفة، عنى أن مرفقها حديد كالإشفى (اللسان شفي). انظر الخصائص 2/ 221، 3/ 295، المخصص 1/ 81 - 15/ 106. (3) في (م): بأشفى، وهي في الشعر بفتح الهمزة كذلك والصواب ما في (ط). (4) الدرم: استواء الكعب وعظم الحاجب. انظر اللسان/ درم/. (5) ينسب البيت إلى حسان بن ثابت أو عفيرة بنت طرامة. وليس في ديوان حسان. انظر الخصائص 2/ 221، 3/ 195 الهمع 2/ 101 الدرر 2/ 136 شرح الألفية للأشموني 3/ 16. (6) البيت من شواهد سيبويه 1/ 253 وهو غير منسوب مع آخر قبله. أراد أنه عظيم البطن كامرأة متئم تم لها تسعة أشهر ودخلت في العاشر واتكأت على مرفقيها فنتأ بطنها وعظم. انظر شرح المفصل 1/ 36.

حضجر كأمّ التوأمين توكّأت ... على مرفقيها مستهلّة عاشر «1» لمّا أراد وصفه بالانتفاخ والضّخم، وأنّه ليس بضرب خفيف، فيكون متوقدا متنبّها لما يحتاج إليه، فكذلك قوله: هو أذن أجري على الجملة اسم الجارحة لإرادته كثرة استعماله لها في الإصغاء بها. ويجوز أن يكون فعلا من أذن يأذن، إذا استمع، والمعنى أنه كثير الاستماع مثل شلل وأذن «2» وسجح، ويقوّي ذلك أنّ أبا زيد قال: قالوا رجل أذن، ويقن، إذا كان يصدّق بكلّ ما يسمع، وكما «3» أنّ يقن صفة، كبطل، كذلك: أذن كشلل، وقالوا: أذن يأذن: إذا استمع وفي التنزيل: وأذنت لربها [الانشقاق/ 2] أي: استمعت، وقالوا: ائذن لكلامي، أي: استمع له، وفي الحديث: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ» «4»، وقال الشاعر «5»:

_ (1) جاء على حاشية (ط) عبارة: بلغ سماعا. (2) في (ط): شلك وأنف. (3) في (ط): فكما .. (4) الحديث بهذا اللفظ أخرجه مسلم في صلاة المسافرين رقم 234 (792) وأخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم 7482 بلفظ: «ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يتغنى بالقرآن .. » وهو من حديث أبي هريرة. ونقل البغدادي كلام أبي علي في شرح أبيات المغني في 8/ 102 منه. وانظر اللسان (غنا). (5) وهو عدي بن زيد. انظر شرح حماسة التبريزي 4/ 24 والمرزوقي 1451 واللسان مادة/ أذن/ وشرح أبيات المغني 8/ 102.

في سماع يأذن الشيخ له* [وحديث مثل ماذيّ مشار] «1» وقول الشاعر: إن همّي في سماع وأذن «2» تقدير سماع فيه: المسموع «3»، فوضع المصدر موضع المفعول، ألا ترى أنك إن لم تحمله على هذا كان المعنى: إن «4» همّي في سماع وسماع، وليس كذلك! ولكن المعنى: إن «5» همّي في مسموع واستماعه، فحذف كما يحذف المفعول في الكلام، وهو كثير، وخاصّة مع المصدر. قال أحمد: وكلّهم يضيف، [أي: يضيف] «6» أذنا إلى خير، ولا يصفون أذنا بخير، كما روي، من قراءة من وصف الأذن بالخير، فقال: أذن خير لكم.

_ (1) ما بين قوسين زيادة من (ط). (2) عجز بيت لعدي بن زيد أيضا وصدره: أيّها القلب تعلل بددن انظر أمالي ابن الشجري 2/ 36. اللسان مادة/ أذن/ و/ ددن/ وشرح أبيات المغني 8/ 103. (3) عبارة البغدادي التي نقلها عن الحجة هنا هي: فالسماع مصدر بمعنى المسموع. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) سقطت من (م) ما بين المعقوفين.

التوبة: 61

والمعنى في الإضافة: مستمع خير وصلاح، ومصغ إليه ولا «1» مستمع شرّ وفساد. [التوبة: 61] قال أحمد: وكلّهم قرأ: ورحمة [التوبة/ 61] رفعا إلّا حمزة، فإنه قرأ: أذن خير لكم ورحمة خفضا، حدثني محمد ابن يحيى الكسائي قال: حدثنا أبو الحارث قال: حدّثنا أبو عمارة حمزة بن القاسم عن يعقوب بن جعفر عن نافع: ورحمة* مثل حمزة [قال أبو بكر] «2» وهو غلط «3». قال أبو علي: من رفع فقال: ورحمة كان المعنى: أذن خير، ورحمة، أي: مستمع خير ورحمة، فجعله الرحمة لكثرة هذا فيه. وعلى هذا [قوله سبحانه] «4»: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء/ 107] كما قال: بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة/ 128] ويجوز أن يقدر حذف المضاف من المصدر «5». فأما «6» الجر في رحمة فعلى العطف على خبر، كأنه: أذن خير ورحمة. فإن قلت: أفيكون أذن رحمة؟ فإن هذا لا يمتنع، لأن الأذن في معنى: مستمع في

_ (1) في (ط): لا، بإسقاط الواو. (2) زيادة في (ط). (3) السبعة: 316. (4) سقطت من (ط). (5) وتقدير الكلام: هل هو أذن خير لكم، وهو ذو رحمة. (6) في (ط): وأما الجر ...

الأقوال الثلاثة التي تقدّمت، وكأنه «1» مستمع رحمة، فجاز هذا كما كان مستمع خير، ألا ترى أن الرحمة من «2» الخير؟. فإن قلت: فهلّا استغني بشمول الخير للرحمة وغيرها عن تقدير عطف الرحمة عليه؟ فالقول: إن ذلك لا يمتنع، كما لم يمتنع: اقرأ باسم ربك الذي خلق [العلق/ 1] ثم خصّص فقال: خلق الإنسان من علق، وإن كان قوله: خلق يعمّ الإنسان وغيره فكذلك الرّحمة، إذا كانت من الخير لم يمتنع أن يعطف «3»، فتخصّص الرحمة بالذّكر من بين ضروب الخير، لغلبة ذلك في وصفه وكثرته، كما خصّص الإنسان بالذّكر، وإن كان الخلق قد عمّه وغيره، والبعد بين الجارّ وما عطف عليه لا يمنع «4» من العطف، ألا ترى أنّ من قرأ: وقيله يا رب [الزخرف/ 88] إنّما يحمله على: وعنده علم الساعة [الزخرف/ 85] وعلم قيله. فإن قلت: أيكون الجرّ في رحمة* على اللام في قوله: ويؤمن للمؤمنين [التوبة/ 61]، فإنّ ذلك ليس وجها، لأن اللام في قوله: ويؤمن للمؤمنين على حدّ اللام في «5» قوله: ردف لكم أو على المعنى، لأن معنى يؤمن: يصدّق، فعدّي

_ (1) في (ط): فكأنه. (2) في (ط): مثل. (3) في (ط): تعطف. (4) في (م): لا يمتنع. (5) في (ط): من.

التوبة: 66

باللام، كما عدّي مصدّق به في «1» نحو: مصدقا لما بين يدي من التوراة [آل عمران/ 50] ولا يكون يؤمن للرحمة، والمعنى: يؤمن الرحمة، لأن هذا الفعل لا يقع عليه في المعنى، ألا ترى أنك لا تقول: يصدّق الرحمة «2»؟ وزعموا أنّ الأعمش قرأ: قل أذن خير ورحمة لكم وكذلك هو «3» في حرف أبيّ وعبد الله زعموا. [التوبة: 66] اختلفوا في الياء والنون من قوله [جل وعز] «4»: إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة [التوبة/ 66]. فقرأ عاصم وحده: إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بالنّون جميعا. وقرأ الباقون: إن يعف عن طائفة منكم بالياء «5» تعذب «6» طائفة بالتاء «7». قال أبو علي «8»: حدثنا أحمد بن محمد البصريّ قال: حدّثنا المؤمّل بن هشام قال: حدثنا إسماعيل بن عليّة عن ابن

_ (1) سقطت من (م). (2) قال مكي في «الكشف» 1/ 504: ولا يحسن عطف رحمة على المؤمنين، لأنه يصير المعنى: ويؤمن رحمة، إلا أن يجعل الرحمة القرآن، وتكون اللام زائدة، فيصير التقدير: ويؤمن رحمة، أي: يصدق رحمة، أي: القرآن، أي: يصدق القرآن. (3) في (ط): هي. (4) سقطت من (ط): جل وعز. (5) بالياء المضمومة وفتح الفاء (الكشف 1/ 504). (6) بالتاء المضمومة وفتح الذال. الكشف (1/ 504). (7) السبعة: 316. (8) سقطت من (ط).

التوبة: 98

أبي نجيح، عن مجاهد في قوله سبحانه «1»: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [النور/ 2] قال: أقلّه رجل، وقال عطاء: أقلّه رجلان. حجة من قال: إن نعف قوله: ثم عفونا عنكم من بعد ذلك [البقرة/ 52]. ومن قال: إن يعف فالمعنى: معنى تعف، وأمّا تعذّب: بالتاء، فلأنّ الفعل في اللفظ مسند إلى مؤنّث. [التوبة: 98] اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله تعالى «2»: دائرة السوء [التوبة/ 98] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دائرة السوء* بضمّ السّين، وكذلك في سورة الفتح [الآية: 6]. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: السوء بفتح السين فيهما، ولم يختلف في غيرهما. حدثني الصوفيّ عن روح بن عبد المؤمن عن محمّد بن صالح عن شبل عن ابن كثير: دائرة السوء بفتح السّين، وكذلك في سورة «3» الفتح بالنصب. وقرأ ابن محيصن: السوء* بضم السين «4». قال أبو علي: الدائرة لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون صفة قد غلبت، أو تكون بمنزلة العافية، والعاقبة،

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) السبعة: 316.

والصفة أكثر في الكلام، وينبغي أن [يكون] «1» يحمل عليها؛ فالمعنى فيها أنها «2» خلّة تحيط بالإنسان حتى لا يكون له عنها «3» مخلص، يبيّن ذلك أن ما جاء في التنزيل منه يدلّ على هذا المعنى، فمن ذلك قوله سبحانه «4»: نخشى أن تصيبنا دائرة [المائدة/ 52] وقال تعالى «5»: الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء [الفتح/ 6] وقال: ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء [التوبة/ 98]. فإن قلت: فما معنى إضافته إلى السّوء أو إلى السّوء؟ فإنّه على وجه التأكيد، والزيادة في التبيين، ولو لم يضف لعلم هذا المعنى منها، كما أن نحو قوله: لحيي رأسه، وشمس النّهار، كذلك، ولو «6» لم يضافا عرف منهما هذا المعنى الذي فهم بالإضافة. وأما «7» إضافتهما إلى السّوء أو إلى السّوء، فالقول فيه: إن السّوء يراد به الرداءة والفساد، فهو خلاف الصدق الذي في قولك: ثوب صدق، وليس الصدق من صدق اللسان الذي هو خلاف الكذب، كما أن السّوء ليس من سؤته في المعنى، وإن

_ (1) زيادة في (م). (2) سقطت أنها من (م). (3) في (ط): منها. (4) سقطت من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): لو لم. (7) في (ط): فأما.

كان اللفظ واحدا يدلّك على ذلك أنّك تقول: ثوب صدق، فتضيفه «1» إلى ما لا يجوز عليه الصدق والكذب في الأخبار. فأمّا دائرة السوء بالضم فكقولك «2»: دائرة الهزيمة ودائرة البلاء، فاجتمعا في جواز إضافة الدائرة إليهما من حيث أريد بكلّ واحدة منهما الرداءة والفساد، فمن قال: دائرة السوء فتقديره الإضافة إلى الرداءة والفساد. فمن «3» قال: دائرة السّوء فتقديره دائرة الضرر والمكروه، من ذلك «4»: سؤته مساءة ومسائية، والمعنيان يتقاربان. قال أبو زيد: قال العدوي: عليهم دائرة السوء [الفتح/ 6]، وأمطرت مطر السوء [الفرقان/ 40] فضمّ أوائلهما، وقال: رجل سوء، ففتح أولها. وقال أبو الحسن: دائرة السوء، كما تقول: رجل السّوء، وأنشد «5»: وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دما* بصاحبه يوما أحال على الدّم

_ (1) في (ط): فتضيف. (2) في (ط): فكقوله. (3) في (ط): ومن. (4) في (ط): من قولك. (5) البيت للفرزدق من قصيدة في ديوانه 2/ 749 والتنبيه للبكري ص 36. قال فيه: إن الذئاب إذا رأت ذئبا قد عقر وظهر دمه، أكبّت عليه تقطعه وتمزقه وأنثاه معها تصنع كصنيعها. اه. وفي اللسان (حول) أحال الذئب على الدم: أقبل عليه؛ قال الفرزدق: فكان كذئب ... البيت. وانظر السمط 1/ 243.

التوبة: 99

قال: وقرئت دائرة السوء* وفي «1» ذا القياس تقول: رجل السّوء، قال: وذا ضعيف إلا أنك إذا قلت: كانت عليهم دائرة السّوء كان أحسن من رجل السّوء، ألا ترى أنك تقول: كانت عليهم دائرة الهزيمة؟ قال: والرجل لا يضاف إلى السّوء، كما يضاف هذا، لأن هذا تفسيره «2»: الخير والشرّ، كما يقول: سلكت «3» طريق الشرّ، وتركت طريق الخير «4». [التوبة: 99] اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله [جلّ وعز] «5»: ألا إنها قربة لهم [التوبة/ 99] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائي: قربة لهم خفيفة. واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز، وإسماعيل بن جعفر، عنه في رواية الهاشمي سليمان بن داود وغيره، وورش، والأصمعيّ، ويعقوب بن جعفر: قربة* مثقّل، وروى قالون والمسيبيّ وأبو بكر بن أبي أويس: قربة خفيفة، ولم يختلفوا في قربات أنها مثقّلة «6». قال أبو علي: لا تخلو قربة من أن يكون الأصل فيه التخفيف أو التثقيل، ولا يجوز أن يكون التخفيف في الواحد الأصل ثم يثقّل، لأنّ ذلك يجيء على ضربين: أحدهما في

_ (1) في (ط): ومن. والعبارة بعدها ليست في معاني القرآن، إلى قوله: قال. (2) في معاني القرآن: يفسّر به. (3) في الأصل تركت. وما أثبتناه من معاني القرآن. (4) معاني القرآن 2/ 335 - 336. (5) سقطت من (ط). (6) السبعة: 317.

الوقف، والآخر أن يتبع الحركة التي قبلها، فما كان من ذلك في الوقف فنحو قوله «1». أنا ابن مأويّة إذ جدّ النّقر وإنما هو النّقر، فحرك القاف بالحركة التي كانت تكون للّام في الإدراج، وما كان من إتباع ما قبلها، فنحو قول الشاعر «2»: إذا تجرّد نوح قامتا معه ... ضربا «3» أليما بسبت يلعج الجلدا فالكسر في اللام إنما هو لاتباع حركة فاء الفعل، ألا ترى أنه لا يجوز أن يكون كالبيت الأول، لأنّ حرف الإعراب الذي [هو] «4» في هذا البيت قد تحرك بحركته التي يستحقّها، فظهر ذلك في اللفظ، والحركة التي حركت بها اللام التي هي عين في الجلد من قوله: الجلدا ليست كالضمة «5» في النّقر، وعلى هذا يكون قوله «6»:

_ (1) سبق في 1/ 98 - 349. (2) البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي. تجرد: تهيأ. والنّوح النساء القيام أو الجماعة النائحة. ويلعج: يحرق، السّبت: النّعل. انظر شرح السكري 2/ 672، الخصائص 2/ 333، النوادر/ 204 (ط الفاتح) المصنف 2/ 308 واللسان (جلد) والخزانة 3/ 172 ضمن قصيدته. (3) في (ط): عجلا. (4) سقطت من (ط). (5) في (م): ليست نصبة كالضمة. (6) جزء من بيت لزهير بن أبي سلمى وتمامه:

فيد أوركك أتبع العين حركة الفاء التي هي فتحة الراء. فأمّا قول الأعشى «1»: أذاقتهم الحرب أنفاسها ... وقد تكره الحرب بعد السّلم فيجوز فيه أن يكون أتبع حركة العين الفاء [حرك العين] «2» على حدّ ما حرك الجلدا. ويجوز أن يكون ألقى حركة الإعراب التي كانت تستحقها اللام على العين، وهذا أولى. وعلى قولهم: الجلدا، قالوا: رأيت الحجر، فحرّكوا العين اتباعا لحركة ما قبلها في الوقف، وليس قوله: قربة* في الآية موقوفا عليه، ولا ينبغي أن يحمل على التحريك اتباعا لحركة ثم استمروا وقالوا إنّ موعدكم ... ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك وفي رواية: «إن مشربكم». وسلمى: أحد جبلي طيء- وفيد: نجد قريب منهما. وركك: ماء قريب منها. انظر شرح ديوانه/ 167، والمحتسب 1/ 87 - 2/ 27 ومعجم ما استعجم 1/ 150 أسنمة وفي المنصف 2/ 309: قال أبو عثمان: وزعم الأصمعي قال: قلت لأعرابي، ونحن بالموضع الذي ذكره زهير فقال: ثم استمروا ... البيت: هل تعرف رككا؟ فقال: قد كان هنا ماء يسمى: ركّا. فهذا مثل: فكك، حين احتاج إلى تحريكه بناه على: فعل. اه. وانظر شرح ابن جني لكلام أبي عثمان فيه.

_ (1) انظر ديوانه/ 39. (2) سقطت من (م).

التوبة: 103

ما قبلها، لأن ذلك أيضا يكون في الوقف، أو في الضرورة؛ فإذا لم يجز حملها على واحد من الأمرين، علمت أن الحركة هي الأصل في قربه* وأنّ الإسكان تخفيف، كما أسكنوا الرسل، والكتب، والطنب، والأذن، ونحو ذلك. فأما «1» إذا جمعت فينبغي أن يكون قربات لأنه لا يخلو من أن يكون: كغرفة، أو كبسرة ومن أي الوجهين كان، فينبغي أن يثقّل في الجمع، ألا ترى أنه إذا ثقل ما أصله التخفيف نحو: الظلمات، والغرفات، فاجتلبت في الجمع الضمة، فأن تقرّ الحركة الثابتة في الكلمة أجدر، وينبغي في قول من خفّف فقال في الواحد: قربة إذا جمع أن يعيد الضمّة التي هي الأصل، و [وقع التخفيف فيها] «2»، لأنها أولى من المجتلبة، كما رددت الضمّة في نحو ضربتهم الآن، ومذ اليوم الذي كان لها في الأصل، ولم تجتلب حركة غريبة في الكلمة لالتقاء الساكنين. والقربة: ما تقرّب به إلى الله تعالى من فعل خير، أو إسداء «3» عرف، ومثل قولهم: قربة، وقربة، بسرة وبسرة، وهدبة وهدبة. حكاه محمد بن يزيد. [التوبة: 103] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله [جل وعز] «4»: إن

_ (1) في (ط): وأما. (2) في (ط): ويقع التخفيف عليها. (3) في (ط): وإسداء. (4) سقطت من (ط).

صلاتك [التوبة/ 103] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر: إن صلواتك جماعة. وفي سورة هود: أصلواتك تأمرك [الآية/ 87] وفي سورة المؤمنين: على صلواتهم [الآية/ 9] جماعة كلهم. وروى حفص عن عاصم: إن صلاتك على التوحيد، وفي سورة هود على التوحيد أيضا: أصلاتك فيهما «1»، وفي سورة المؤمنين: على صلواتهم هذه جماع وحدها. وقرأ حمزة والكسائيّ في الثلاثة المواضع في سورة التوبة وهود والمؤمنين على التوحيد، ولم يختلفوا في سورة الأنعام [الآية/ 92]، وسأل سائل «2» [23، 34] «3». قال أبو علي: الصلاة في اللغة: الدّعاء، قال الأعشى في الخمر «4»: وقابلها الريح في دنّها ... وصلّى على دنّها وارتسم

_ (1) زيادة من (ط). (2) هي سورة المعارج. (3) السبعة 317 - 318. وقد تجاوز أبو علي الكلام عن قوله سبحانه: (تجري تحتها الأنهار) [التوبة/ 100]. قال في السبعة: كلهم قرأ عند رأس المائة: (تجري تحتها الأنهار) غير ابن كثير وأهل مكة فإنهم قرءوا: (تجري من تحتها) بزيادة (من) وكذلك هي في مصاحف أهل مكة خاصة. (السبعة: 317). (4) من قصيدة يمدح فيها قيس بن معديكرب، وارتسم الرجل لله: كبر ودعا وتعوذ. انظر ديوانه/ 35.

فكأن معنى: وصل عليهم أدع لهم، فإن دعاءك لهم «1» تسكن إليه نفوسهم، وتطيب به، فأمّا قولهم: صلى الله على رسوله وعلى أهله «2» وملائكته، فلا يقال فيه: إنّه دعاء لهم من الله. كما لا يقال في نحو: ويل يومئذ للمكذبين «3» [الطور/ 11] إنّه دعاء «4» عليهم، ولكنّ المعنى فيه: أن هؤلاء ممن يستحقّ عندكم أن يقال فيهم هذا النحو من الكلام، وكذلك قوله سبحانه «5»: بل عجبت ويسخرون [الصافات/ 12] فيمن ضمّ التاء «6»، وهذا مذهب سيبويه. وإذا كان الصلاة مصدرا وقع على الجميع والمفرد على لفظ واحد، كقوله: لصوت الحمير [لقمان/ 19] فإذا اختلف جاز أن يجمع لاختلاف ضروبه، كما قال: إن أنكر الأصوات «7» ومن المفرد الذي يراد به الجمع قوله سبحانه «8»: وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14] وممّا جاء من الصلاة «9» مفردا يراد به الجمع قوله: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء [الأنفال/ 35] وقال: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [البقرة/ 43] والزكاة في هذا كالصلاة، وكأن الرّكعات

_ (1) سقطت من (م). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): ويل للمطففين وويل للمكذبين. (4) في (ط): دعاء. (5) سقطت من (ط). (6) وهي قراءة حمزة والكسائي، وستأتي في موضعها. وانظر السبعة ص 547. (7) عبارة (م): كما أنّ (أنكر الأصوات) كذلك. (8) سقطت من (ط). (9) عبارة (ط): في قوله الصلاة.

المفروضة والمتنفّل بها سميت صلاة لما فيها من الدعاء إلا أنّه اسم شرعي، فلا يكون الدعاء على الانفراد، حتى ينضم إليها خلال أخر جاء بها الشرع، كما أن الحجّ: القصد في اللغة، فإذا أريد به النّسك، لم يتمّ بالقصد وحده دون خصال أخرى «1» تنضمّ إلى القصد، وكما أن الاعتكاف لبث وإقامة، والشرعي ينضم إليه معنى آخر، وكذلك الصوم، وحسّن ذلك جمعها حيث جمعت لأنه صار بالتسمية بها وكثرة الاستعمال لها كالخارجة عن حكم المصادر، وإذا جمعت المصادر إذا اختلفت في «2» قوله: إن أنكر الأصوات [لقمان/ 19] فأن تجمع ما صار بالتسمية كالخارج عن حكم المصادر أجدر، ألا ترى أنّ سيبويه جعل درّا من قولهم: لله درّك، بمنزلة: لله بلادك، وجعله خارجا من «3» حكم المصادر، فلم يعمله إعمالها، مع أنه لم يختص بالتسمية به شيء. وجعله بكثرة الاستعمال خارجا عن حكم المصادر، ولم يجز أن نضيف «4» درّا إلى اليوم في قوله «5»:

_ (1) في (ط): أخر. (2) في (ط): نحو قوله. (3) في (ط): عن. (4) في (ط): فلم يجز أن يضيف. (5) عجز بيت لعمرو بن قميئة وصدره: لما رأت ساتيدما استعبرت يصف فيه امرأة نظرت إلى جبل «ساتيدما» وهو بعيد عن بلادها فاستعبرت شوقا إليها. والشاهد فيه عند سيبويه: إضافة الدر إلى من، مع جواز الفصل بالظرف (اليوم) ضرورة.

لله درّ اليوم من لامها على حدّ قوله: بل مكر الليل والنهار [سبأ/ 33] فهذا يقوّي قول من جمع في نحو حافظوا على الصلوات [البقرة/ 238]. فإن قلت: هلّا جعل بمنزلة درّ، فلم يجز فيه إلا الإفراد، إلا أن تختلف ضروبه، كما لم يجز في درّ الإعمال؟ قيل له «1»: ليس كلّ شيء كثر استعماله يغيّر عن أحوال نظائره، فلم تغيّر الصلاة عما كان عليه في الأصل من كونه مصدرا، وإن كان قد سمّي به لأنّه وإن كان قد انضمّ إلى كونه دعاء غيره، فلم يخرج عن أن يكون الدعاء مرادا بها «2». ومثل ذلك في كلامهم قولهم: أرأيت زيدا ما فعل، لم يخرجه عمّا كان عليه دخول معنى آخر فيه، فالتسمية به مما يقوي الجمع فيه إذا عنى به الرّكعات، لأنها جارية مجرى الأسماء والإفراد له في نحو: وما كان صلاتهم عند البيت- يجوّزه أنه في الأصل مصدر، فلم يجعل التسمية مزيلة له «1» عما كان عليه في الأصل.

_ انظر سيبويه 1/ 91 - 99، المفصل 2/ 46، 3/ 19 - 20 - 77، 8/ 66 الخزانة 2/ 24 معجم البلدان (ساتيدما) المقتضب 4/ 377 الإنصاف 2/ 432. (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): به.

و «1» من أفرد فيما يراد به الرّكعات كان جوازه على ضربين: أحدهما: على أنه في الأصل مصدر، وجنس، والمصادر لأنها أجناس مما تفرد «2» في موضع الجميع، إلّا أن تختلف فتجمع من أجل اختلافها. والآخر: أن الواحد قد يقع في موضع الجمع، كقوله سبحانه «3»: يخرجكم طفلا [غافر/ 67] وقول جرير «4»: الواردون وتيم في ذرى سبأ ... قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس وقال بعضهم: إن التي في التوبة «5»، والتي في هود، وفي المؤمنين، مكتوبات في المصحف بالواو، والتي في سأل سائل، مكتوبة بغير واو وإذا «6» اتّجه الإفراد والجمع في العربية ورجّح أحد الوجهين الموافقة لخطّ المصحف؛ كان ذلك ترجيحا يجعله أولى بالأخذ به. فأما من زعم أن الصلاة أولى لأن الصلاة للكثرة، وصلوات للقلة «7»، فلم يكن قوله متّجها، لأن الجمع بالتاء قد

_ (1) في (ط): فمن. (2) في (ط): يفرد. (3) سقطت من (ط). (4) سبق في ص 81 من هذا الجزء. (5) في (ط): براءة. (6) في (ط): فإذا. (7) في (ط): للقليل.

التوبة: 109

يقع على الكثير كما يقع على القليل، كقوله سبحانه «1»: وهم في الغرفات آمنون [سبأ/ 37] وقوله: إن المسلمين والمسلمات [الأحزاب/ 35] وإن المصدقين والمصدقات [الحديد/ 18] فقد وقع هذا الجمع على الكثير كما وقع على القليل، وإذا كان للشيء في العربية «2» وجهان، فأخذ أحد بأحد الوجهين وآخر بالوجه الآخر كان سائغا، وكذلك: إن أخذ بأحد الوجهين في موضع، وفي موضع آخر بالوجه الآخر وقال: إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون [المعارج/ 23] وقد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون [المؤمنون/ 2] وقال: حافظوا على الصلوات [البقرة/ 238] فأفرد في موضع وجمع في آخر. [التوبة: 109] اختلفوا في ضمّ الألف وفتحها من قوله [جلّ وعزّ] «3»: أفمن أسس بنيانه [التوبة/ 109]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: بفتح الألف في الحرفين جميعا، وفتح النون فيهما. وقرأ نافع وابن عامر أسس* «4» بضم الألف بنيانه* برفع النون «5».

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): في الشيء من العربية. (3) سقطت من (ط). (4) زادت (ط) هنا أسس بنيانه. (5) السبعة: 318. وقد أخر أبو علي الكلام عن اختلافهم في إدخال الواو وإخراجها من قوله سبحانه: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) [التوبة/ 107] إلى ما قبل نهاية السورة.

[قال أبو علي] «1»: البنيان: مصدر، وهو جمع على حد شعيرة وشعير لأنّهم قد قالوا: بنيانه في الواحد، قال أوس «2»: كبنيانة القرييّ موضع رحلها ... وآثار نسعيها من الدّفّ أبلق «3» وجاء بناء المصادر على هذا المثال في غير هذا الحرف، وذلك نحو: الغفران، وليس بنيان جمع بناء، لأن فعلانا إذا كان جمعا نحو كثبان، وقضبان، لم تلحقه تاء التأنيث، وقد يكون ذلك في المصادر نحو ضرب ضربة وأكل أكلة، ونحو ذلك مما يكثر. قال أبو زيد: يقال: بنيت أبني بنيا، وبناء وبنية، وجماعها: البنى، وأنشد «4»: بنى السماء فسوّاها ببنيتها ... ولم تمدّ بأطناب ولا عمد فالبناء والبنية مصدران، ومن ثمّ قوبل به الفراش في

_ (1) سقطت من (ط). (2) لم يرد في ديوانه (ط. صادر). وهو لكعب بن زهير في ديوان زهير بن أبي سلمى من قصيدة مشتركة بينهما، وليس في ديوان كعب انظر ديوان زهير بشرح ثعلب (ص 257 ط. دار الكتب- وص 185 ط. دار الآفاق) وإيضاح الشعر للمصنف 343. (3) القرييّ: في الأصل القرّي، وهو تحريف: وفي ديوانه ط. دار الكتب: القرئي، والقريي: إضافة إلى القرية. شبه هذه الناقة ببنيان القرى، والدف: الجنب والنسع: سير تشد به الرحال، والأبلق: الأبيض في سواد. (4) لم نعثر على قائله.

قوله: هو الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء [البقرة/ 22]. فالبناء لمّا كان رفعا للمبني قوبل به الفراش الذي هو خلاف البناء. ومن ثمّ وقع على ما كان فيه ارتفاع في نصبته، وإن لم يكن مصدرا كقول الشاعر «1»: لو «2» وصل الغيث أبنين امرأ ... كانت له قبّة سحق بجاد أي: جعلت بناءه بعد القبّة خلق كساء، كأنه كان يستبدل بالقباب خباء من سحق كساء لإغارة هذه «3» الخيل عليهن. فأما قراءة من قرأ: أفمن أسس بنيانه فبنى الفعل للفاعل، فلأنه الباني والمؤسس فأسند الفعل إليه، وبناه «4» له، كما أضاف البنيان إليه في قوله: بنيانه فكما أن المصدر مضاف إلى الفاعل كذلك يكون الفعل مبنيا له. ويدلّ على

_ (1) ينسب هذا البيت إلى أبي مارد الشيباني، كما في الخصائص 1/ 38 والبجاد: الكساء المخطط. والسحق: البالي. قال ابن جني: والمعنى: لو اتصل الغيث لأكلأت الأرض وأعشبت، فركب الناس خيلهم للغارات، فأبدلت الخيل الغني الذي كانت له قبة من قبته سحق بجاد، فبناه بيتا له بعد ما كان يبني لنفسه قبة فنسب ذلك البناء إلى الخيل، لما كانت هي الحاملة للغزاة الذين أغاروا على الملوك، فأبدلوهم من قبابهم أكسية أخلاقا، فضربوها لهم أخبية تظللهم. انظر تنبيه البكري على أوهام القالي/ 19 والسمط 1/ 23 واللسان (بني). (2) في (ط): ولو. (3) في (ط): هذا. (4) في (ط): وبناؤه.

التوبة: 109

ترجيح هذا الوجه اتفاقهم على قوله: أمن أسس بنيانه على. ومن بنى الفعل للمفعول به لم يبعد أن يكون في المعنى كالأول، لأنه إذا أسس بنيانه فتولى ذلك غيره بأمره كان كبنيانه هو له، وكان القول الأول أرجح لما قلنا. [التوبة: 109] اختلفوا في التثقيل والتخفيف من قوله [جل وعز] «1»: جرف هار [التوبة/ 109]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: شفا جرف مثقل. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة جرف مثقل. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة جرف ساكنة الراء. وروى حفص عن عاصم جرف مثقّل مثل أبي عمرو «2». قال أبو عبيدة: الشّفاء هو: الشّفير. والجرف: ما تجرّف من السيول من الأودية «3». قال أبو علي: الجرف: بضم العين الأصل، والإسكان تخفيف، ومثله: الشغل والشغل وقال: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل [يس/ 55] وقال البعيث «4»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) السبعة: 318. (3) مجاز القرآن 1/ 268 وفيه بعض الاختلاف، وكذا ما نقله عنه بعد. (4) البعيث، هو خداش بن بشر، والبيت من قصيدة في النقائض يهجو فيها جريرا ويجيب الفرزدق.

غداة لقينا من لؤيّ بن غالب ... هجان الثنايا واللقاء على شغل ومثله: الطنب والطنب، والعنق والعنق، وكلا الوجهين حسن. وقال أبو عبيدة: على شفا جرف هار مثقّل، قال: لأن ما يبنى على التقوى فهو أثبت أساسا من بناء يبنى على شفاء جرف. والقول في ذلك أنه يجوز أن تكون المعادلة وقعت بين البناءين «1»، ويجوز أن يكون بين البانيين «2»، فإذا عادلت بين البانيين، كان المعنى: المؤسس بنيانه متّقيا خير أم المؤسّس بنيانه غير متّق؟ لأن قوله: على شفا جرف يدلّ على أن بانيه غير متّق لله ولا خاش له، ويجوز أن يقدّر حذف المضاف كأنّه أبناء من أسّس بنيانه متّقيا خير أم بناء من أسّس بنيانه على شفا جرف؟ والبنيان: مصدر وقع «3» على المبني مثل الخلق إذا عنيت به المخلوق، وضرب الأمير: إذا أردت به المضروب، وكذلك نسج اليمن. يدلّك على ذلك أنه لا يخلو من أن يراد

_ والهجان: البيض. وقوله: واللقاء على شغل، أي: كان لقاؤنا إياهن ونحن محرمون مشاغيل عنهن. انظر نقائض جرير والفرزدق 1/ 136. وفيه: هجان الغواني. (1) في (ط): البانيين. (2) في (ط): الباءين. (3) في (ط): أوقع.

به اسم الحدث، أو اسم العين «1»، فلا يجوز أن يكون الحدث، لأنه إنّما يؤسس المبني الذي هو عين. ويبين ذلك أيضا قوله على شفا «2» جرف والحدث لا يعلو شفا جرف «3». والجار في «4» قوله: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله في موضع نصب على الحال تقديره: أفمن أسّس بنيانه متّقيا خير، أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار؟. والمعنى: أمّن أسّس بنيانه غير متق، أو: من أسس بنيانه معاقبا على بنائه؟ وفاعل انهار: البنيان، أي: انهار البنيان بالباني في نار جهنم، لأنه معصية، وفعل لما كرهه الله سبحانه «5» من الضرار، والكفر، والتفريق بين المؤمنين، وعلى شفا جرف: حال كما كان قوله جلّ وعز: على تقوى من الله حالا. اختلفوا في الإمالة والفتح من قوله جل وعز: هار فانهار [التوبة/ 109]. فقرأ ابن كثير، وعاصم في رواية هبيرة عن حفص وحمزة: هار بفتح الهاء.

_ (1) في (ط): أخي العين. (2) سقطت من (م). (3) في (ط): لا يعلّق بشفا جرف. (4) في (ط): من. (5) سقطت من (ط).

الأعشى عن أبي بكر (هار) «1» مفخّمة. وأمال الهاء نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى عن أبي بكر، والكسائي، بالإمالة «2» وليس عندي عن ابن عامر في هذا شيء. وقال غير أحمد بن موسى: قراءة ابن عامر مفخّمة «3». قال أبو علي: أما حجّة من لم يمل؛ فإنّ كثيرا من العرب لا يميلون هذه الألفات، وترك الإمالة هو الأصل. والإمالة في هار حسنة لما في الراء من التكرير، فكأنك قد لفظت براءين مكسورتين، وبحسب كثرة الكسرات تحسن الإمالة، وكذلك «4» لو أملتها في الوقف كان أحسن من إمالتك نحو: هذا ماش وداع، لأنّك لم تلفظ «5» هنا بكسرة، وفي الراء كأنك قد لفظت بها لما فيها من التكرير بحرف مكسور إذا وقفت عليها. وقد يجوز أن تميل نحو: هذا ماش في الوقف، وإن «6» زالت الكسرة التي لها كنت تميل الألف كما جاز أن تميل الفتحة من «7» نحو القتلى الحر [البقرة/ 178] مع ذهاب ما

_ (1) سقطت من (م). (2) سقطت من (م). (3) في (ط): مفخما. السبعة 318 - 319 والنقل عن غير أحمد جاء في الحاشية من نسخة ح. (4) في (ط): فكذلك. (5) جاء عن حاشية (ط): عبارة بلغت. (6) في (ط): فإن. (7) في (ط): في نحو.

أملت الفتحة من أجله وهو الألف من «1» القتلى. ومثل هذا قولهم: صعقيّ، تركت «2» الفاء التي كان كسرها لكسرة العين مع زوال كسرتها. وأما الهمزة من هار فمنقلبة عن الواو لأنّهم قد قالوا تهور البناء: إذا تساقط وتداعى، وفي الحديث: «حتى تهوّر الليل» «3» فهذا في الليل كالمثل والتشبيه بالبناء. ويجوز في العين إذا قلبت همزة في هذا النحو ضربان: أحدهما: أن تعلّ بالحذف كما أعلّت بالقلب، فيقال: هار وشاك السلاح. ويجوز في قولهم: يوم راح، أن يكون فاعلا على الحذف وفعلا على غير الحذف. والآخر: أن يعلّ بقلبها إلى موضع اللام فيصير في التقدير: فالع. ويجوز في قولهم: ضربت على شزن فهنّ شواعي «4»

_ (1) في (ط): في القتلى. (2) في (ط): ترك. (3) تهور الليل: ذهب أكثره. وأول الحديث: أخر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العشاء حتى تهور الليل والحديث أخرجه مسلم رقم 311 باب المساجد. وأخرجه أحمد في مسنده 2/ 537. (4) عجز بيت صدره: وكأن أولاها كعاب مقامر وهو في المقتضب 1/ 140 والمنصف 2/ 57 غير منسوب، ونسبه في اللسان والتاج (شاع- شزن) إلى الأجدع بن مالك بن مسروق بن

أن تكون فوالع من الشيء الشائع، ويكون المعنى: إنها متفرقة، ويكون فواعل من قولهم: غارة شعواء، وكذلك يجوز في قوله «1»: خفضوا أسنّتهم فكل ناعي «2» ضربان: أحدهما: أن يكون مقلوبا من النائع الذي يراد به العطشان في «3» قوله: .. والأسل النيّاعا «4» أي: العطاش إلى دماء من يغزون.

_ الأجدع. وعندهما: «صرعاها» بدل «أولاها» و «قداح» بدل «كعاب». وكعاب المقامر: فصوص النرد. اللسان (لعب). والشزن: الكعب الذي يلعب به (اللسان «شزن» وجاء بالبيت شاهدا لذلك المعنى) واللاعب يضرب الكعاب بعضها ببعض قبل أن يلقيها في الأرض متفرقة. شبه أولى الخيل المغيرة أو صرعاها بذلك، وجاءت الخيل شوائع وشواعي على القلب أي: متفرقة. (1) عجز بيت وصدره: خيلان من قومي ومن أعدائهم وقد نسبه في اللسان (مادة نعا) إلى الأجدع الهمداني. (2) في (م): ناع. (3) في (ط): من قوله. (4) جزء من بيت أنشده في اللسان (نوع) للقطامي. ونسبه ابن بري لدريد بن الصمة. وتمامه: لعمر بني شهاب ما أقاموا ... صدور الخيل والأسل النياعا الأسل: أطراف الأسنة. انظر المنصف 2/ 326.

ويجوز أن يكون ناع من قولك: نعى ينعي، أي «1» يقول: يا لثارات فلان. ويجوز في هار التي في الآية أن يكون على قول من حذف. ويجوز أن تكون في «2» قول من قلب. فأما جوازه على الحذف؛ فلأن هذه الهمزة قد حذفت من «3» نحو هذه الكلم. وجوازه على القلب أن يكون مثل: قاض، وداع، وقد سقطت اللام لالتقاء الساكنين. وقال أبو الحسن: يقال: هرت تهار، مثل: خفت تخاف، قال: وجعله بعضهم من الياء، وبعضهم من الواو، فقال: يتهير، فإنه كان التجويز في عين يتهور أنه ياء من أجل قولهم: يتهير، فإنه يمكن أن يكون: يتهيّر، مثل: يتحيّر، فلا دلالة حينئذ في ذلك «4» على كونها من الياء، ولعله سمع شيئا غير هذا يعلم به أنه من الياء، فإن لم يسمع شيئا غير هذا، فإنه يجوز أن يقول: إنّ يتهيّر: يتفعّل مثل «5» يتبيع، لأن باب التفعّل أكثر من باب التفعيل، فيحمل على الأكثر فيجوز على هذا فيما أنشده أبو زيد من قول الشاعر «6»:

_ (1) في (ط): أن. (2) في (ط): على. (3) في (ط): في. (4) سقطت من (م). (5) سقطت من (م). (6) البيت في شرح أشعار الهذليين ورد في قصيدة ضمن شعر لصخر الغي 1/ 246 قال السكري: وقد رويت لأبي ذؤيب، ويقال: إنها لأخي صخر الغي

خليليّ لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطّخاف العصائب يجوز «1» أن يكون تيهورة: تفعولة، مثل: تعضوضة، إلا أنه قلبه ولو كان من الواو لكان توهورة .. ويجوز أن يكون تيهورة في الأصل فيعولا «2»، مثل: سيهوب، وعيثوم «3»، إلا أنه قلبت الواو التي هي عين إلى موضع «4» الفاء، ثم أبدل منها «5» التاء، كما أبدل في قولهم: تقوى وتقيّة، ونحو ذلك، فيكون على هذا: عيفولة. ويدلك على أن الكلمة من هذا الباب قول العجاج «6»:

_ يرثي بها أخاه صخرا. وهي في ديوان الهذليين لصخر الغي 2/ 52 كذلك. وروايته عندهما: «أعيني» و «فعيني» بدل «خليلي» قال السكري: الفادر: الوعل المسن، والتّيهورة: ما اطمأن من الرمل .. أو: الهويّ في الجبل والرمل. والطخاف: ما رق من الغيم. العصائب من السحاب: الشقائق. يقول: كأن الغيم بتكاثره على الجبل مثل العصائب، وهي الشقائق من السحاب (ديوان الهذليين). وانظر اللسان (طخف- عصب) وقد نسب البيت مرة لصخر الغي، ومرة لأبي ذؤيب. (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): فيعول. (3) العيثوم: الضخم الشديد من كل شيء (اللسان عثم). (4) سقطت من (م). (5) في (ط): منه. (6) ديوانه 1/ 356 وبعده: من الحقاف همر يهمور أراط: جمع أرطى، وهو شجر، وتيهور: متساقط. وفي اللسان (تهر): إلى أراطى. والنقا: الكثيب من الرمل.

إلى أراط ونقا تيهور فإنّما وصفه بالانهيار، كما وصفه الآخر به في قوله «1»: كمثل هيل النّقا طاف الوليد به ... ينهار حينا وينهاه الثّرى حينا والانهيار، والانهيال، يتقاربان في المعنى كما يتقاربان «2» في اللفظ، ومثل ذلك في المعنى قول العجاج في صفة رمل: شدّد منه وهو معطي الإسهال ... ضرب السّواري متنه بالتّهتال «3»

_ (1) البيت من قصيدة لتميم بن مقبل، وروايته في ديوانه 326: يمشين هيل النقا مالت جوانبه ... ينهال حينا وينهاه الثرى حينا والهيل من الرمل: الذي لا يثبت مكانه حتى ينهال فيسقط. وروايته في (ط): «كمثل هيل نقا طاف المشاة به» وانظر الحماسة البصرية 2/ 90 وفيها: «الندى» بدل «الثرى» والشعر والشعراء 458. قال ابن قتيبة: ومما يستحسن له قوله في النساء: يمشين .. البيت. مع آخرين. (2) في (ط): تقاربا. (3) سمط اللآلي 679 وعنه في (ملحقات ديوان العجاج) 318 وفيه: «عزّز» بدل «شدد» وهما بمعنى. وانظر اللسان (ضنك). والخصائص 2/ 83. قوله: عزز المطر الأرض: لبّدها وشددها. ضرب السواري: أمطار الليل، شبه خلقها بالكثيب وقد أصابه المطر، وهو معطي الإسهال، أي: يعطيك من السهولة

التوبة: 110

[التوبة: 110] اختلفوا في فتح «1» التاء وضمّها من قوله جلّ وعزّ إلا أن تقطع قلوبهم [التوبة/ 110] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي تقطع* بضم التاء. وقرأ ابن عامر وحمزة: إلا أن تقطع بفتح التاء. واختلف عن عاصم، فروى أبو بكر عنه مثل أبي عمرو، وروى حفص عنه «1» مثل حمزة تقطع* بفتح التاء «3». قال أبو علي: قوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا [التوبة/ 110] البنيان: مصدر واقع على المبني، وإذا كان كذلك كان المضاف محذوفا تقديره: لا يزال بناء المبني الذي بنوا ريبة، أي: شكا في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم، وثباتا على النفاق إلا أن تقطع قلوبهم بالموت والبلاء، لا يخلص لهم إيمان ولا ينزعون عن النفاق. فأما قراءة «4» من قرأ: إلا أن تقطع فلأنه يريد: حتى تبلى وتقطّع بالبلى «5»، أي: لا تثلج قلوبهم بالإيمان أبدا، ولا يندمون على الخطيئة التي كانت منهم في بناء المسجد.

_ ما شئت. (اللسان: ضنك) التهتال: من هتلت السماء هتلا وهتلانا: هطلت. (1) سقطت من (ط). (3) السبعة: 319. (4) في (ط): قول. (5) في (ط): «بالبلاء» ممدودا، وهما بمعنى. يقال: بلي الثوب يبلى بلى وبلاء، وأبلاه هو (اللسان بلي) وقد رسمت في (م) بالألف الممدودة.

التوبة: 111

فأما قراءة «1» من قرأ: تقطع* فهو في المعنى مثل الأول؛ إلّا أن الفعل أضيف إلى المقطّع المبلي للقلوب بالموت في المعنى. وفي الوجه الأول أسند إلى القلوب لمّا كانت هي البالية، وهذا مثل: مات زيد ومرض عمرو، وسقط الحائط، ونحو ذلك مما يسند فيه الفعل إلى من حدث فيه، وإن لم يكن له، وتقطع* نسب الفعل فيه إلى المقطّع المبلي، وإن لم يذكر في اللفظ؛ فأسند الفعل الذي هو لغير القلوب في الحقيقة إلى القلوب. وزعموا أنّ في حرف أبيّ: حتى الممات وهذا يدلّ أنهم يموتون على نفاقهم، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوا من الإيمان وأخذوا من الكفر. [التوبة: 111] اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ] «2»: فيقتلون ويقتلون [التوبة/ 111]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: فيقتلون ويقتلون فاعل ومفعول. وقرأ حمزة والكسائي فيقتلون ويقتلون مفعول وفاعل «3». قال أبو علي: من قال: فيقتلون ويقتلون فقدّم الفعل المسند إلى الفاعل على الفعل المسند إلى المفعول، فلأنهم يقتلون أولا في سبيل الله، ويقتلون، ولا يقتلون إذا قتلوا. ومن قدّم الفعل المسند إلى المفعول به [على المسند

_ (1) في (ط): وأما قول. (2) سقطت من (ط). (3) السبعة: 319.

التوبة: 126

إلى الفاعل] «1»، جاز أن يكون في المعنى مثل الذي تقدم لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم؛ فإن لم يقدّر به «2» التقديم كان المعنى في قوله: فيقتلون بعد قوله: فيقتلون: يقتل من بقي منهم بعد قتل من قتل، كما أنّ قوله سبحانه «3»: فما ومهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146]: ما وهن من بقي منهم «4» لقتل من قتل من الرّبّيّين. [التوبة: 126] قال أحمد: قرأ حمزة وحده: أولا ترون [التوبة/ 126] بالتاء، وقرأ الباقون يرون بالياء «5». قال أبو علي: أولا ترون: تنبيه، قال سيبويه عن الخليل: في قوله تعالى «6»: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة [الحج/ 63] المعنى: انتبه أنزل الله من السماء ماء، فكان كذا وكذا، وليس قوله: فتصبح جوابا بالفاء «7». ووجه قراءة حمزة: أن المؤمنين نبّهوا على إعراض المنافقين عن النظر، والتدبّر لما ينبغي أن ينظروا فيه ويتدبروه، وذلك أنهم يمتحنون بالأمراض، والأسباب التي لا يؤمن معها

_ (1) زيادة من (ط). (2) في (ط): فيه. (3) سقطت من (ط). (4) زيادة من (ط). (5) السبعة: 320. وقد قدم المصنف الكلام هنا في هذا الحرف على غيره. (6) سقطت من (ط). (7) انظر الكتاب 1/ 424.

الموت، فلا يرتدعون عن كفرهم، ولا ينزجرون عما هم عليه من النفاق، ولا يقدمون عملا صالحا يقدمون عليه إذا ماتوا؛ فنبّه المسلمون على قلّة اعتبارهم واتعاظهم. ومن قال: أولا يرون كان هذا التقريع بالإعراض عما يجب ألا يعرضوا عنه من التوبة والإقلاع عمّا هم عليه من النفاق لاحقا لهم من غير أن يصرف التنبيه إلى المسلمين في الخطاب، لأنّ المسلمين قد عرفوا ذلك من أمرهم، وكان الأولى أن يلحق التنبيه فعل من يراد تنبيهه وتقريعه بتركه ما ينبغي أن يأخذ به. ومن قال: يرون وترون* جميعا «1» احتمل أن يكون من رؤية العين، وأن تكون المتعدّية إلى مفعولين، فإذا جعلتها المتعدية إلى مفعولين سدّ أنّ «2»، مسدّهما، وأن يكون من رؤية العين أولى، لأنهم يستبطئون في مشاهدة ذلك، والإعراض عنه على ترك الاعتبار به وهذا أبلغ في هذا الباب من المتعدية إلى مفعولين، ألا ترى أن تارك الاستدلال أعذر من المضرب عما يشاهد ويحس «3». ولو قرأ قارئ: أولا يرون فبنى الفعل للمفعول به، كان أن* في موضع نصب بأنه مفعول الفعل الذي يتعدى إلى مفعول، وذلك أنك تقول: رأى عمرو كذا، وتقول: أريت

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): سدت أنّ. (3) سقطت من (ط).

التوبة: 117

عمرا كذا، فتعدّيه «1» إلى مفعولين بالنقل، فإذا بنيت الفعل للمفعول به تعدى إلى مفعول واحد، كالدرهم في قولك: أعطي زيد درهما. ولا يكون يرون* هنا التي «2» في قولك: أرى زيدا «3» منطلقا، لأن المعنى ليس على: يظنون أنهم يفتنون في كل عام، إنّما المعنى على أنهم يشاهدون ذلك فيعلمونه علم مشاهدة، وليس المعنى أنهم يظنّون الفتنة في كل عام، لأن ظنّ الفتنة ليس بموضع اعتبار، وإنما قرّعوا على ترك الاعتبار بالمشاهد «4»، وأنهم مع ذلك لا يتوبون ولا هم يتذكرون، فيعتبروا به، وينتهوا عما يلزمهم الانتهاء عنه والإقلاع «5» فبهذا كان يكون وجه من ضمّ الياء في «6» ترونه، ولا أدري أقرأ به أم لم يقرأ. [التوبة: 117] اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جل وعز] «7»: كاد تزيغ [التوبة/ 117]. فقرأ حمزة وحفص عن عاصم: كاد يزيغ بالياء. وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: بالتاء «8» «9».

_ (1) في (ط): فيعدى. (2) في (ط): الذي. (3) في (ط): «زيد» بالضم. (4) في (ط): بالمشاهدة. (5) قراءة (ط): الانتهاء والإقلاع عنه. مع تأخير كلمة (عنه). (6) في (ط): من. (7) سقطت من (ط). (8) في (ط): وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم- تزيغ- بالتاء. (9) السبعة: 319.

قال أبو علي: يجوز أن يكون فاعل كاد أحد ثلاثة أشياء: أحدها: أن يضمر فيه القصة أو الحديث، وتكون تزيغ الخبر. فإن قلت: إن أصل إضمار القصة أو الحديث إنما هو في الابتداء، نحو هو الله أحد ونحو قوله [سبحانه] «1» فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]، ثم تدخل على الاسم المبتدأ الذي هو ضمير الحديث أو القصة العوامل التي تدخل على المبتدأ، وليس كاد من العوامل التي تدخل على المبتدأ «2». قيل: جاز ذلك فيها للزوم الخبر لها، فأشبهت العوامل الداخلة على المبتدأ «3» للزوم الخبر لها. فإن قلت: فهل يجوز أن يضمر في عسى ضمير القصة أو الحديث، لأن عسى أيضا يلزمها الخبر كما يلزم كاد. قيل: لا يجوز ذلك لأن عسى يكون فاعله المفرد في كثير من الأمر فلا «4» يلزمه الخبر كقوله «5»: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [البقرة/ 216] فإذا كان فاعله المفرد في كثير من الأمر لم يحتمل الضمير الذي احتمله كاد، كما لم يحتمله سائر الأفعال التي

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): الابتداء. (3) في (ط): الابتداء. وكتب فوقها على الهامش: المبتدأ. (4) في (ط): ولا. (5) في (ط): نحو قوله.

تسند إلى فاعليها مما لا يدخل على المبتدأ. فأما ما يجيء في الشعر من كاد أن يفعل وعسى يفعل، فليس به اعتداد لأن هذه الأشياء التي تجيء في الضرورة غير مأخوذ بها في حال السعة، ألا ترى أنهم قالوا: إوزّ، ومودّ، فجعلوا الأصل الإدغام ولم يقدّروا نقل الحركة فيها إلى ما قبلها، وإنما وقعت في أول أحوالها مدغمة، فدلّك هذا أنّ الإظهار في هذا النحو في الشعر لا اعتداد به، وكلّ ما أشبهه فهو على هذا الحكم، وإضمار القصة أو الحديث فيها قول سيبويه. والوجه الثاني في «1» فاعل كاد أن يضمّنه ذكرا مما تقدّم لمّا كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «2» والمهاجرون والأنصار قبيلا واحدا وفريقا جاز أن يضمر في كاد ما دل عليه مما تقدم «3» ذكره من القبيل، والحزب، والفريق، ونحو ذلك من الأسماء المفردة الدالة على الجمع، وقال: منهم، فحمله على المعنى كقوله [سبحانه] «4»: من آمن بالله واليوم الآخر ثم قال: فلا خوف عليهم [المائدة/ 69] فكذلك فاعل كاد على هذا الوجه. والثالث في «5» فاعل كاد: أن يكون فاعلها القلوب، كأنه: من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ، ولكنه قدم تزيغ

_ (1) في (ط): من. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): ما تقدم. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): من.

كما يقدم خبر كان في قوله «1» تعالى: وكان حقا علينا نصر المؤمنين [الروم/ 147]، وجاز تقديمه، وإن كان فيه ذكر من القلوب، ولم يمتنع من حيث يمتنع الإضمار قبل الذكر، لما كان النية به التأخير، كما لم يمتنع: ضرب غلامه زيد، لمّا كان التقدير به التأخير، ألا ترى أن حكم الخبر أن يكون بعد الاسم، كما أن حكم المفعول به أن يكون بعد الفاعل؟ فأما من قرأ يزيغ بالياء فيجوز أن يكون ذهب إلى أنّ في كاد ضمير الحديث، فإذا اشتغل كاد بهذا الضمير ارتفع القلوب بيزيغ؛ فذكر، وإن كان فاعله مؤنثا لتقدم الفعل. ومن قرأ بالتاء تزيغ جاز أن يكون ذهب إلى أنّ القلوب مرتفعة بكاد، فلا يكون تزيغ فعلا مقدما كما كان عند الآخرين كذلك، فإذا لم يكن مقدّما قبح التذكير لتقدّم ذكر الفاعل كما قبح:

_ (1) جاء في حاشية (ط): تعليقة نصها: «هذا الوجه منقول عن أبي الحسن الأخفش. ومثله قول العجاج: إذا سمعت صوتها الخرّارا ... يهوي أصمّ وقعها الصّرارا المعنى: أصمّ وقعها يهوي، بمعنى هاويا، فقدم الضمير، وهو حجة لأبي الحسن. اه. قلت: والبيت في ديوان العجاج 2/ 121 من قصيدة طويلة ورواية الثاني: «صقعها» بدل «وقعها». والصقع: شدة وقع الشيء على شيء صلب. قال ابن قتيبة: «يقول: إذا سمعت صوت الحجر يهوي بين السماء والأرض، أصمّ وقعها الصرار، وهو طائر يقال له الجدجد أيضا» المعاني الكبير 2/ 1103.

ولا أرض أبقل إبقالها «1» ولم يقبح: أبقل أرض، ويجوز أن يكون الفعل المسند إلى القصة والحديث «2» يؤنث، إذا كان في الجملة التي يفسرها مؤنث، كقوله [جلّ وعز] «3»: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97] وقوله: فإنها لا تعمى الأبصار [الحج/ 46] ألا ترى أن هي من «4» قوله: فإذا هي شاخصة ضمير القصة، كما أن قوله [سبحانه] «5»: هو الله في قوله: هو الله أحد [الإخلاص/ 6] مذكر وجاز تأنيث هي* التي هي ضمير القصة لذكر الأبصار المؤنثة في الجملة التي هي التفسير، وكذلك أنّثت في قوله: فإنها لا تعمى الأبصار وكذلك يؤنّث الضمير الذي في كاد لذكر المؤنث في الجملة المفسّرة فتقول: كادت وتدغم التاء التي هي علامة التأنيث في: تاء تزيغ وتزيغ على هذا للقلوب، وهي مرتفعة به. ويجوز إلحاق التاء في كاد من وجه آخر، وهو أن ترفع

_ (1) عجز بيت لعامر بن جوين الطائى وصدره: فلا مزنة ودقت ودقها وهو من شواهد سيبويه 1/ 240 والخصائص 2/ 411 والمحتسب 2/ 112 وأمالي ابن الشجري 1/ 158، 161 وابن يعيش 5/ 4 والخزانة 1/ 21 و 3/ 330 وشرح أبيات المغني 8/ 17 واللسان والتاج (بقل). الشاهد فيه حذف التاء من أبقلت لضرورة الشعر. (2) في (ط): القصة أو الحديث. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): في. (5) سقطت من (ط).

التوبة: 107

قلوب فريق بكاد، فيلحقه علامة التأنيث من حيث كان مسندا إلى مؤنث كقوله سبحانه «1»: قالت الأعراب [الحجرات/ 14] وتكون على هذا في تزيغ ضمير القلوب لأن النية بتزيغ التأخير. [التوبة: 107] اختلفوا في إدخال الواو وإخراجها من قوله [جلّ وعزّ] «2»: والذين اتخذوا مسجدا ضرارا [التوبة/ 107]. فقرأ نافع وابن عامر: الذين اتخذوا مسجدا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون: والذين اتخذوا «3» وكذلك هي في مصاحفهم «4». قال أبو علي: وجه قول من ألحق الواو: أنه معطوف على ما قبله من نحو «5» قوله: ومنهم من عاهد الله [التوبة/ 75] ومنهم من يلمزك في الصدقات [التوبة/ 58] ومنهم الذين يؤذون النبي [التوبة/ 61] وآخرون مرجون «6»

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) قراءة (ط): وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي (والذين) بواو ... وكذلك هي في السبعة. (4) السبعة: 318. (5) في (ط): في نحو. (6) في (ط): مرجؤون. وكلتاهما قراءتان: الأولى قراءة جعفر ونافع وحفص عن عاصم، وحمزة والكسائي وخلف. والهمز قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، وأبي بكر عن عاصم ويعقوب. (انظر المبسوط في القراءات العشر لابن مهران 229).

لأمر الله [التوبة/ 106] أي: منهم آخرون، ومنهم الّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا وكفرا. ومن لم يلحق الواو لم يجز أن يكون الذين بدلا من قوله: وآخرون مرجون كما تبدل المعرفة من النّكرة، لأنّ المرجئين لأمر الله هم غير الذين اتخذوا المسجد ضرارا وكفرا «1»، ألا ترى أن متخذي المسجد قد أخبر عنهم أنّهم لا يؤمنون، ولا تثلج قلوبهم بالإيمان في قوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم [التوبة/ 110] وإذا وقع الخبر بتاتا على أنهم لا يؤمنون حتى «2» الممات، والمرجون لأمر الله، قد جوّز عليهم الإيمان، علمت أنهم ليسوا إياهم، فإذا لم يكونوا هم، لم يجز أن يبدلوا منهم. ولكن من لم يلحق الواو جاز قوله على «3» أمرين: على أن يضمر: ومنهم الذين اتخذوا، كما أضمرت المبتدأ مع الحرف الداخل عليه في قولهم: لاها الله ذا «4»، والمعنى: للأمر ذا، وكما أضمرت الحرف مع الفعل في قوله سبحانه «5»:

_ (1) سقطت من (م). (2) في (ط): إلى. (3) سقطت من (ط). (4) قوله: ها الله، معناه: والله، وجعل ها عوضا من الواو ولا يجوز أن يقال: ها والله ذا، وفي إعراب «ذا» أربعة مذاهب أحدها ما ذكره المصنف. انظر طرة المسائل العسكرية بتحقيق الدكتور محمد الشاطر أحمد ص 130 - 131 وسيبويه 2/ 145 والمخصص 13/ 113 وشرح الكافية للرضي 2/ 335، 336. (5) سقطت من (ط).

التوبة: 123

فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم [آل عمران/ 106] أي «1»: فيقال لهم: أكفرتم، وكذلك حذف الخبر مع الحرف «2» اللاحق له في قول من قرأ: الذين اتخذوا بغير واو، ويجوز أن يكون أضمر الخبر بعد، كما أضمر بعد في قوله: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام [الحج/ 25] إلى قوله: والبادي [الحج/ 45] والمعنى فيه: ينتقم منهم، أو: يعذّبون، ونحو ذلك مما يليق بهذا المبتدأ، وحسن الحذف في الموضعين جميعا لطول الكلام بالمبتدإ وصلته. [التوبة: 123] قال أحمد: حدثني أحمد بن علي الخزّاز قال: حدثني محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدثنا سعيد ابن أوس عن المفضل عن عاصم: أنه قرأ: غلظة [التوبة/ 123] بفتح الغين. وقرأ الباقون: غلظة بكسر الغين «3». قال أبو علي قوله «4»: وليجدوا فيكم غلظة في المعنى مثل قوله سبحانه «5»: جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [التوبة/ 73] [وقوله: والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم] «6» [الفتح/ 29] وقوله: أذلة على المؤمنين أعزة على

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (م): الخبر اللاحق ... (3) السبعة: 320. (4) زيادة من (ط). (5) سقطت من (ط). (6) سقط ما بين معقوفين من (م).

الكافرين [المائدة/ 54] أي: لا ينقادون لهم ولا يخفضون لهم جناحا وأذلة على المؤمنين، أي: يذلون لهم ذل الخضوع، فيتركون «1» الترفع عليهم؛ فهذا «2» قريب من قوله: رحماء بينهم، ولم يرد بقوله: أذلة على المؤمنين ذلّ الهوان، ولكن الذلّ الذي يقتضيه الدين من إلانة الجانب له، وتسوّيه به. قال أبو الحسن: غلظة: قراءة الناس بالكسر، وهي العربية، وبها نقرأ «3». قال: ولا أعلم غلظة إلا لغة، وقال غيره: هي لغة.

_ (1) في (ط): ويتركون. (2) في (ط): وهذا. (3) انظر معاني القرآن 1/ 339.

سورة يونس

بسم الله «1» الرّحمن الرّحيم [ذكر اختلافهم في] «2» سورة يونس [يونس: 1] اختلفوا في إمالة الراء وتفخيمها. فقرأ ابن كثير: الر [1] مفتوحة الراء. وقال حفص عن عاصم: الراء خفيفة تام «3» لا تمدّ الراء في كلّ القرآن غير مكسورة. وقال هبيرة عن حفص عن عاصم: الراء مكسورة. وقال «4» نافع في رواية المسيبي: الراء مفتوحة وليست بممدودة. وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون: لا تفخّم الراء. وقال ابن جمّاز عن نافع: بكسر الراء. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر: الر «5» الراء على الهجاء مكسورة

_ (1) في (م) بسم الله. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): وقرأ. (5) سقطت من (ط).

أبو بكر عن عاصم في رواية خلف عن يحيى بن آدم: الراء مكسورة مثل أبي عمرو «1». قال أبو علي: من قال: [الر فلم يمل فتحة الرّاء، فلأن الكثير «2» من العرب لا يميل ما يجوز فيه الإمالة عند غيرهم. وحسّن ترك الإمالة هنا، أنّ معه حرفا يمنع الإمالة كما يمنعها المستعلي. فأما من أمال فقال: رايا. فلأنها أسماء لما يلفظ به من الأصوات المتقطعة في مخارج الحروف، كما أن غاق اسم للصوت الذي يصوّته الغراب، وكما أن طيخ اسم للصوت الذي يفعله الضاحك، فجازت الإمالة فيها من حيث كانت أسماء، ولم تكن كالحروف التي تمتنع فيها الإمالة نحو: ما، ولا، وما أشبههما من الحروف. فإن قلت: فهلّا امتنعت الإمالة في را، لشبه الراء بالمستعلي في منعها الإمالة؟ فالقول: إنه لم تمتنع الإمالة فيها لما أريد من تبيين أنه اسم، كما أنه «3» لم تمتنع الإمالة من «4» خاف وطاب وصار مع المستعلي، لما أريد من طلب الكسرة في خفت وطبت وصرت، وكذلك جازت الإمالة في را* لما قصد بها من إعلام أنه اسم ليس بحرف. فإن قلت: فإن الأسماء لا تكون على حرفين أحدهما حرف لين، وإنما تكون على هذه الصفة الحروف نحو: ما ولا.

_ (1) السبعة: 322. (2) في (ط): كثيرا. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): في.

فالقول: إن هذه الأسماء لم يمتنع أن تكون على حرفين أحدهما حرف لين، لأن التنوين لا يلحقها، فيؤمن لامتناع التنوين من اللحاق لها، أن تبقى على حرف واحد، وإذا أمن ذلك، لم يمتنع أن يكون الاسم على حرفين، أحدهما حرف لين، ألا ترى أنهم قالوا: هذه شاة، فجاء على حرفين، أحدهما حرف لين، لمّا أمن لحاق التنوين له، لاتصال علامة التأنيث به، وكذلك قولك: رأيت رجلا ذا مال، لاتصال المضاف إليه به، وكذلك قولهم: كسرت فازيد، ومثل شاة في كونها على حرفين: أحدهما حرف لين، لما دخلت عليه علامة التأنيث «1» قولهم في الباءة: باه كأنه أراد الباءة، فأبدل من الهمزة الألف، كما أبدل «2» في قوله «3»: لا هناك المرتع فاجمعت ألفان، فحذف إحداهما «4» لالتقاء الساكنين، فبقي الاسم على حرفين: أحدهما حرف لين، أنشدنا محمد بن السريّ عن أبي محمد اليزيدي: فيا شرّ ملك ملك قيس بن عاصم* على أنّ قيسا لم يطأ باه محرم ومثل باه في القياس ما رواه محمد بن السري عن أحمد ابن يحيى عن سلمة قال: سمعت الفرّاء يحكي عن الكسائي أنه

_ (1) في (م) في قولهم. (2) في (ط): أبدلها. (3) سبق انظر 1/ 398 و 2/ 218. (4) في (ط): أحدهما.

سمع [من يقول] «1»: اسقني شربة ما يا هذا، يريد: شربة ماء، فقصر، وأخرجه على لفظ من التي للاستفهام، هذا إذا مضى، فإذا «2» وقف قال: شربة ما. والقول «3» فيه: كالقول في باه إلا أن باها «4» أحسن من ما، لتكثّرها «5» بعلامة التأنيث، وليس هذا كذلك، ووجهه أنه جعل الهمزة التي قلبت على غير القياس في حكم المخففة على القياس، وحذف إحدى الألفين لالتقاء الساكنين، فلحق التنوين الباقية، وحذفت كما حذفت من نحو: رحا وعصا. وقد قيل في قولهم: م الله، إنه «6» محذوف من: أيمن الله «7»، وليس هذا بالكثير، ولا مما ينبغي أن يقاس عليه. ومن ذلك: اللا في معنى: اللائي، هو على حرفين: أحدهما حرف لين، لأن التنوين لا يلحقه، من «8» حيث لم يلحق ذا، لا من حيث كانت فيه الألف واللام، وينشد البغداديون في ذلك «9»:

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): وإذا. (3) في (ط): القول. (4) رسمت في (م): باة، وفي (ط): باه. (5) في (ط): لتكثيرها. (6) سقطت من (م). (7) سقطت من (ط). (8) في (م): فمن. (9) ذكره ابن الشجري في أماليه 2/ 309، ولم ينسبه. والمصنف في إيضاح الشعر 463 وقوله: البغداديون، يريد به الكوفيين.

فدومي على العهد الّذي كان بيننا ... أم أنت من اللّا ما لهنّ عهود ومن ذلك قولهم: أيش تقول؟ حكاه أبو الحسن والفرّاء. والقول فيه: أنّه كان أي «1» شيء؟، فخففت الهمزة، وألقيت كسرتها على الياء، وكثر الكلام بها، فكرهت حركة الياء بالكسرة، كما كرهت في قاضين، وغازين ونحوه، فأسكنت والتقت مع التنوين، وكل واحد منهما ساكن، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، فإذا وقفت عليها قلت: أيش فأسكنت. ومن قال: برجلي، فأبدل من التنوين الياء، قال: أيشي. فهذه الأسماء ما لم يلحق بها التنوين، لم يمتنع أن تكون على حرفين، أحدهما حرف لين، وإنّما لم يلحقها التنوين، ولم تعرب كما لم تعرب، ولم ينوّن ما كان منها زائدا على حرفين نحو: لام الف عين جيم، فكما أنّ هذه الحروف على الوقف، ولا تنوّن، كذلك ما كان منها نحو: را، يا، تا، ثا. كما أن أسماء العدد كذلك، فإن أخبر عن شيء منها «2» فتمكّن لذلك، وأعرب «3»، ولحقه التنوين؛ زيد على ما كان على حرفين أحدهما حرف لين، حرف مثل ما هو فيه، حتى يصير بالمزيد على ثلاثة أحرف، ومدّ إن كان الآخر الياء «4»، فقيل:

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): منه. (3) في (ط): فأعرب. (4) في (ط): ألفا.

باء، وياء «1»، وراء، كما تقول: ثلاثة أكثر من اثنين، فعلى هذا مجرى هذه الحروف. فإن قلت: فهل يستدلّ «2» بجواز الإمالة في را، ويا، ونحوهما على أن الألف منقلبة عن الياء، كما تقول في ذا: إن الألف فيه منقلبة عن الياء. فالقول: إن الاستدلال بجواز الإمالة في را ونحوها، أن الألف فيه منقلبة عن الياء: لا يصح «3»، لأنّه إنما أميل عندهم لما قدمنا من ذكره «4»، فليس بمنزلة قولهم: ذا، لأنّ را ونحوها أسماء للأصوات، والأصوات لا تشتق كما لا تشتق الحروف، فأما قولهم: ذا، فليس من الأصوات ولكنه من الأسماء المظهرة، ألا ترى أنه قد وصف، ووصف به، وحقّر في نحو: مررت بذا الرجل، وبزيد ذا. وحقّروه فقالوا: ذيّا، من حيث كان اسما على الوصف الذي ذكرنا «5»، فصار بمنزلة سائر المظهرة، وساغ الاستدلال على حروفها، كما ساغ في غيره من الأسماء، فلذلك قال أبو الحسن: إن قولهم ذا من مضاعف الياء، وذلك أن سيبويه حكى فيه الإمالة، فإذا جازت فيه الإمالة «6» حمل على انقلاب الألف فيه عن الياء في الأمر

_ (1) في (ط): وتاء. (2) في (م) تستدل. (3) في (م): لا تصح. (4) قراءة (ط): لما قدم ذكره. (5) في (ط): ذكر. (6) سقطت من (ط).

الأكثر، فإذا ثبت أن ألفه ياء، لم يجز أن تكون اللام واوا، لأنه ليس مثل حيوت «1»، وإذا لم يجز أن يكون واوا؛ ثبت «2» أنه ياء، وأنه من باب حييت، وعييت. فإن قلت: إنه قال فيه: إذا سمّى به رجلا: ذاء «3»، كما تقول في لا: لاء، وفي لو: لوّ، ولو كان كما ذكرت «4»، لوجب أن يكون: ذيا، كما قالوا: حيا وحييان، أو ذيّ، قيل: الذي قاله عن الخليل ويونس إذا سمّي به رجل «5»: ذاء، قياس، وذلك أن هذا الاسم قد ضارع با ويا وتا، ألا ترى أنه غير معرب، كما أن هذه الأسماء التي أريدت بها الأصوات غير معربة، فلمّا ساوتها في البناء جعلها «6» بمنزلتها إذا أعربها. وممّا يدلّك على مشابهتها لها أن الألف ليست في موضع حركة، فيلزمها الانقلاب، كما أنها في را* ونحوها ليست في موضع حركة، فإذا كان كذلك كانت الألف في ذا بمنزلتها في هذه الأسماء التي هي نحو را، با، تا، والأول الذي قدمناه، وقلنا: إنه من باب حييت وعييت، قد قاله أبو الحسن. ومن حيث قال الخليل في ذا: إنك إذا سميت به قلت: ذاء، قال في ذو، من قولهم: هذا رجل ذو مال، إذا سميت به

_ (1) في (ط): عيوت. (2) في (م): «وثبت» وليس ذلك بمستقيم. (3) في (م): «ذا» وليس بالوجه. (4) في (ط): على ما ذكرت. (5) قراءة (م): إذا سمي به رجلا. (6) في (ط): جعلتها.

رجلا، قلت: ذو، وقياس قول يونس عندي في ذو إذا سمّي «1» به رجل أن يكون بمنزلة قول الخليل، إلّا أنه حكى ذو عن الخليل، ولم يحكه عن يونس. ولم نعلمهم نوّنوا من هذه الكلم شيئا، كما نوّنوا غاق، وكما نوّنوا صه، لأنهم ليس ينوّنون جميع هذه الأصوات، وإن كانوا قد نوّنوا بعضها، ألا ترى أنّا لا نعلمهم نوّنوا «طخ» الذي يحكى به الضحك، ولا «قبّ» الذي يحكي به وقع السيف، وإن كانوا قد نوّنوا «غاق» وغيره من الأصوات، وكذلك هذه الحروف التي هي: را، يا، تا. ولا يقاس هذا، وإنّما يحكى منه ما سمع، فلا ينوّن ما لم ينوّن، كما لا يترك تنوين ما نوّن، وإنّما كان كذلك، لأن ما لم ينوّن جعل بمنزلة العلم معرفة، وليس يضعون هذه الأسماء التي للأعلام، وجارية مجراها على كل شيء، ألا ترى أنهم قالوا للبحر: خضارة «2»؟ ولم نعلمهم خصّوا البرّ باسم على هذا النحو، وقالوا: غدوة، فجعلوه بمنزلة طلحة، ولم يفعلوا ذلك في الطّهر، وقالوا: لقيته فينة، فجعلوه كالعلم، ولم يفعلوا ذلك ببرهة، وقالوا للغراب: ابن دأية، ولم يفعلوا ذلك بالرخم. وقالوا في ضرب من الحيات: ابن قترة، ولم يفعلوا ذلك في كل «3» الأحناش، وكذلك هذا الباب.

_ (1) في (ط): سمى به رجلا. (2) في التاج (خضر): لخضرة مائه. (3) في (ط): بكل.

يونس: 2

ومن ثمّ عاب الأصمعيّ على ذي الرمّة قوله «1»: وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم وزعم «2» أن المسموع فيه التنوين، وكأنّ ذا الرّمّة أجرى ذلك مجرى غاق وغاق وصه وصه، فأجراه مجرى بعض ما يشبهه من غير أن يكون سمع فيه ما قاله. [يونس: 2] اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله جلّ وعزّ: لسحر مبين [يونس/ 2]. فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: لساحر مبين بألف، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر لسحر* بغير ألف «3». قال أبو علي: يدلّ على قول من قال: سحر* قوله: فلما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون [الزخرف/ 30]. ويدلّ على ساحر قوله تعالى «4»: وقال الكافرون هذا ساحر كذاب [ص/ 4]. والقول في الوجهين

_ (1) صدر بيت عجزه: وما بال تكليم الدّيار البلاقع يريد وقفنا على هذا الطلل فقلنا: إيه، أي: حدثنا عن أم سالم، وما كلامنا إياها وليس بها أحد يجيبنا! انظر ديوانه 2/ 778 والخزانة 3/ 19 - 31، شرح المفصل 4/ 31 - 71، 9/ 30 - 156. (2) في (ط): ومن زعم. (3) السبعة 322. (4) سقطت من (ط).

يونس: 5

جميعا «1» قد تقدم «2» ومن قال: ساحر أراد الرجل «3»، ومن قال: سحر* أراد: الذي أوحي سحر، أي: الذي تقولون أنتم فيه: إنه أوحي: سحر، وليس كما تقولون: إنه وحي. [يونس: 5] اختلفوا في الياء والنون من قوله جلّ وعزّ «4»: يفصل الآيات [يونس/ 5]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: يفصل الآيات بالياء. وروى محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير بالنون. حدّثني مضر بن محمد عن البزّيّ بإسناده عن ابن كثير بالنون. وحدّثني الحسن بن مخلد عن البزّيّ بالياء. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي: نفصل* بالنون «5». قال أبو علي: من قال: يفصل فلأنّه قد تقدم ذكر الله تعالى «6»، فأضمر الاسم في الفعل. ومن قال: نفصل بالنون؛ فهذا المعنى يريد، ويقوّيه: تلك آيات الله نتلوها [البقرة/ 252، آل عمران/ 108، الجاثية/ 6] وقد تقدم

_ (1) في (ط): أنه قد. (2) زادت (ط): بعد قوله تقدم: «قوله (أن أوحينا إلى رجل منهم)». ولا وجه لهذه الزيادة. (3) في (ط): أراد به الرجل. (4) سقطت من (ط). (5) السبعة 323. (6) سقطت من (م).

يونس: 11

أوحينا فيكون نفصل* محمولا على أوحينا «1» إلا أن الياء أولى، لأنّ الاسم الذي يعود إليه أقرب إليه من أوحينا «2». [يونس: 11] اختلفوا في فتح القاف وضمّها من قوله جل وعزّ «3»: لقضي إليهم أجلهم [يونس/ 11]. فقرأ ابن عامر وحده: لقضى إليهم بفتح القاف، أجلهم* نصبا. وقرأ الباقون: لقضي إليهم بضمّ القاف، أجلهم رفعا «4» «5». قال أبو علي: اللام في قوله سبحانه: لقضي جواب لو* من «6» قوله: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي [يونس/ 11]، فالمعنى والله أعلم: ولو يعجّل الله للناس دعاء الشرّ، أي ما يدعون به من الشرّ على أنفسهم في حال ضجر وبطر استعجالهم إياه «7» بدعاء الخير، فأضيف المصدر إلى المفعول «8»، وحذف الفاعل [كقوله

_ (1) في (ط): محمولا عليه، إلا ... (2) أخر الفارسي الكلام عن قوله (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) [يونس/ 5] إلى ما بعد الكلام في اختلافهم على (لقضي إليهم أجلهم). (3) جل وعز سقطت من (ط). (4) في (ط): بضم اللام. (5) السبعة 324. (6) في (ط): في. (7) في (ط): استعجاله إياهم. (8) في (ط): المفعول به.

من دعاء الخير [فصلت/ 49] في حذف ضمير الفاعل] «1» والتقدير: ولو يعجّل الله للناس الشرّ استعجالا مثل استعجالهم بالخير، لقضي إليهم أجلهم. قال أبو عبيدة: لقضي إليهم أجلهم: لفرغ من أجلهم، وأنشد لأبي ذؤيب «2»: وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السّوابغ تبّع «3» ومثل ما أنشده «4» أبو عبيدة من قوله: قضاهما داود، قول الآخر «5»: قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتّق

_ (1) ما بين معقوفين سقط من (م). (2) في الديوان: وعليهما ماذيّتان- والمسرودتان: درعان تعاورهما بالطعن، والسرد: الخرز في الأديم- وقضاهما: فرغ من عملهما، والصّنع: الحاذق بالعمل ويريد به هنا (تبّع)، انظر شرح السكري 1/ 39. (3) مجاز القرآن 1/ 275. (4) في (ط): أنشد. (5) البيت للشمّاخ من قصيدة يرثي بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ورد في ديوانه: 449 «بوائج» بدل بوائق. قال الأصمعي (الصحاح): انباجت عليهم بوائج منكرة: إذا انفتقت عليهم دواه. وانظر الأغاني 8/ 98. ونسبه في البيان والتبيين إلى مزرد أخي الشماخ 3/ 364 وكذا في الإصابة 6/ 85 وذكر الأبيات المرزوقي في شرح الحماسة 3/ 1090 والتبريزي في شرح الحماسة 3/ 65 وورد هذا البيت في الاشتقاق 1/ 199 مفردا. وفي اللسان مادة/ كمم/.

فالتقدير «1» في قوله: لقضي إليهم أجلهم أي: لفرغ من أجلهم ومدّتهم المضروبة للحياة، وإذا انتهت مدّتهم المضروبة للحياة، هلكوا. وهذا قريب من قوله تعالى «2»: ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير، وكان الإنسان عجولا [الإسراء/ 11]. وقالوا للميّت: مقضّ، كأنّه قضى «3» إذا مات، وقضّى: فعّل، التقدير فيه: استوفى أجله، وفرغ منه؛ قال ذو الرّمّة «4»: إذا الشخص فيها هزّه الآل أغمضت ... عليه كإغماض المقضّي هجولها المعنى «5»: أغمضت هجول هذه البلاد على الشخص الذي فيها، فلم ير لغرقه في الآل، كإغماض المقضّي، وهو الميّت، لعينه «6»، وهذا في المعنى كقوله «7»: ترى قورها يغرقن في الآل مرّة ... وآونة يخرجن من غامر ضحل

_ (1) في (ط): فالمعنى. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): تقضّى. (4) ديوانه 2/ 926. والهجول: ما اطمأن من الأرض. (5) في (ط): أي. (6) في (ط): بعينه. (7) البيت الذي الرّمة أيضا، والقور: الجبال الصغار، والواحدة: قارة- وآونة: الواحدة: اوان، أي: ومرّات يخرجن من غامر ضحل، يريد: السراب يغمر وهو صحل قليل ليس بشيء. انظر ديوانه 1/ 148. ضحل

فأما قوله سبحانه «1»: لقضي إليهم أجلهم [يونس/ 11] وما يتعلّق به هذا الجارّ، فإنه لمّا كان معنى قضى: فرغ، وكان قولهم: فرغ، قد يتعدّى بهذا الحرف في قوله «2»: ألان فقد فرغت إلى نمير ... فهذا حين صرت لهم عذابا وفي التنزيل: سنفرغ لكم أيها الثقلان [الرحمن/ 31] أمكن «3» أن يكون الفعل يتعدى «4» باللام كما تعدى بإلى، كما أن أوحى في قوله: وأوحينا إليه [يوسف/ 15] قد تعدى بإلى «5»، واللام في قوله: بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 5]، فلمّا كان معنى قضي فرغ، وفرغ تعلّق بها إلى، كذلك تعلّق بقضى «6». ووجه قراءة ابن عامر: لقضى إليهم أجلهم على إسناد الفعل إلى الفاعل؛ فلأن الذكر قد تقدم في قوله ولو يعجل

_ (1) سقطت من (ط). (2) نسبه اللسان إلى جرير مادة/ أين/ وفيه: «وقد نزعت» بدل «فرغت» ولم نعثر عليه في ديوانه بطبعتيه وقوله: ألان، أصلها الآن، سهلت همزتها للوزن الشعري. (3) في (ط): فإنه يمكن. (4) في (ط): تعدى. (5) في (م): بالياء وهو سهو قلم من الناسخ. (6) عبارة (م): «فلما كان معنى قضى فرغ تعلق بها كذلك تعلق بقضى» وما في (ط) أسد.

الله للناس الشر [يونس/ 10]. فقال: لقضى* على هذا، ومن حجّته في ذلك قوله سبحانه «1»: ثم قضى أجلا، وأجل مسمى عنده [الأنعام/ 2]، فهذا الأجل الذي في هذه الآية هو الأجل المضروب للمحيا، كما أن الأجل في قوله: لقضى إليهم أجلهم كذلك «2». فكما أسند الفعل بالأجل «3» المضروب للحياة إلى الفاعل في قوله: ثم قضى أجلا عند الجميع؛ كذلك أسنده ابن عامر في قوله: لقضى إليهم أجلهم إلى الفاعل، ولم يسنده إلى الفعل المبنيّ للمفعول، ويدلّ على أنّ الأجل في قوله ثم قضى أجلا أجل المحيا، وأن قوله «4»: وأجل مسمى عنده أجل البعث، يبين ذلك قوله: ثم أنتم تمترون [الأنعام/ 2]، أي: أنتم أيها المشركون تشكّون في البعث، فلا تصدّقون به، وقوله: ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده [الأنعام/ 2] في المعنى كقوله: فأحياكم ثم يميتكم [الحج/ 66]. ومن قرأ لقضي فبنى الفعل للمفعول به «5»، فلأنّه في المعنى كقول «6» من بنى الفعل للفاعل.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): لذلك. (3) في (ط): في الأجل. (4) في (ط): أن قوله. (5) سقطت من (م): «به». (6) في (ط): مثل قول.

يونس: 5

[يونس: 5] قال: وقرأ ابن كثير وحده «1»: ضئاء والقمر نورا [يونس/ 5] بهمزتين في كلّ القرآن، الهمزة الأولى قبل الألف، والثانية بعدها، كذلك قرأت على قنبل، وهو غلط. وقرأ الباقون بهمزة واحدة في كلّ القرآن. وكان أصحاب البزّي، وابن فليح ينكرون هذا، ويقرءون مثل قراءة الناس ضياء. وأخبرني الخزاعيّ عن عبد الوهاب بن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: ضياء بهمزة بعد الألف في كلّ القرآن، ولا يعرفون الأخرى «2». قال أبو علي: الضياء لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون جمع ضوء، كسوط، وسياط وحوض، وحياض، أو مصدر ضاء يضوء ضياء، كقولك: عاذ عياذا، وقام قياما وعاد عيادة «3» وعلى أيّ الوجهين حملته، فالمضاف محذوف. المعنى: جعل الشمس ذات ضياء، والقمر ذا نور. أو يكون: جعلا «4» النور والضياء لكثرة ذلك منهما. فأمّا الهمزة في موضع العين من ضياء، فيكون على القلب، كأنه قدّم اللام التي هي همزة إلى موضع العين،

_ (1) سقطت من (م): «وحده». (2) السبعة ص 323. (3) في (ط): عاذ عياذة، بالذال المعجمة وهو تصحيف. (4) أي جعل الشمس والقمر. فالنور: المفعول الثاني.

يونس: 16

وأخّرت «1» العين التي هي واو إلى موضع اللام، فلما وقعت طرفا بعد ألف زائدة، انقلبت همزة، كما انقلبت في: شقاء وغلاء. وهذا إذا قدّرته جمعا كان أسوغ، ألا ترى أنهم قالوا: قوس وقسيّ، فصحّحوا الواحد، وقلبوا في الجميع. وإذا قدّرته مصدرا كان أبعد، لأن المصدر يجري على فعله في الصحّة والاعتلال، والقلب ضرب من الاعتلال، فإذا لم يكن في الفعل لم ينبغ أن يكون في المصدر أيضا، ألا ترى أنّهم قالوا «2»: لاوذ لواذا، وبايع بياعا، فصحّحوهما في المصدر لصحتهما في الفعل، وقالوا: قام قياما؛ فأعلّوه ونحوه لاعتلاله في الفعل. [يونس: 16] اختلفوا في فتح الراء وكسرها من قوله جل وعز «3»: ولا أدراكم به [يونس/ 16]. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص ونافع ولا أدراكم به بفتح الراء، والألف. وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر «4» وحمزة والكسائي: ولا أدريكم به بكسر الراء وبألف «5». قال أبو علي قوله «6»: ولا أدراكم به حكى سيبويه:

_ (1) في (ط): وأخر. (2) في (ط): قد قالوا. (3) في (ط): تعالى. (4) زيادة من (ط). (5) في (ط): وبالألف. وفي السبعة ص 324 بكسر الراء فقط. (6) سقطت من (م).

دريته، ودريت به، قال: والأكثر في الاستعمال بالباء، ويبيّن ما قاله من ذلك قوله سبحانه «1»: ولا أدراكم به، ولو جاء «2» على اللغة الأخرى لكان: ولا أدراكموه، وقالوا: الدّرية، فجاء على فعلة، كما قالوا: الشّعرة، والدّرية، والفطنة، وهي مصادر يراد بها ضروب من العلم. وجاء هذا البناء في غير هذا النحو كقولهم: الردّة قال: قليل ردّتي إلا أمامي «3» فأمّا الدراية فكالهداية والدّلالة، وكأن الدراية التأنّي والتعمّل لعلم الشيء، وعلى هذا المعنى ما تصرّف «4»، ومن هذه الكلمة أنشد أبو زيد: فإنّ غزالك الذي كنت تدّري ... إذا شئت ليث خادر بين أشبل «5» قال أبو زيد: تدّري: تختل «6»، ومنه الدّريّة في قول أكثر الناس في الحجل الذي يستتر به الصائد من الوحش، كأنه يختل به، فيأتي الوحش من حيث لا تعلم. وقالوا: داريت الرجل: إذا لا ينته وختلته.

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): ولو كان. (3) في (ط): إني قليل ردتي، ولم نعثر على قائل البيت ولا تتمته. (4) في (م): «تصرف» بإسقاط ما. (5) البيت لمطير بن الأشيم الأسدي- جاهلي. (6) النوادر 182 (ط. الفاتح).

وإذا كان هذا الحرف على هذا، فالداري في وصف القديم لا يسوغ، فأما قول الراجز «1»: لا همّ لا أدري وأنت الداري فلا يكون حجة في جواز ذلك لأمرين: أحدهما: أنه لما تقدم لا أدري، استجاز أن يذكر الداري بعد ما «2» تقدم لا أدري، كما جاء: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه [البقرة/ 194] ونحو ذلك، ولو لم يتقدم ذكر الاعتداء، لم يحسن في الابتداء الأمر بالاعتداء، وكذلك إن تسخروا منا، فإنا نسخر منكم [هود/ 38]، وقوله سبحانه «3»: إنما نحن مستهزئون، الله يستهزىء بهم [البقرة/ 14]. والأمر الآخر: أن العرب «4» ربّما ذكروا أشياء لا مساغ لجوازها كقوله «5»: لا همّ إن كنت الذي بعهدي ... ولم تغيّرك الأمور بعدي وقول الآخر «6»: لو خافك الله عليه حرّمه

_ (1) وهو العجاج، وقد سبق انظر 1/ 260. (2) في (ط): بعده لتقدم. (3) سقطت من (ط). (4) في (ط): الأعراب. (5) سبق انظر 1/ 261. (6) لسالم بن دارة، سبق 1/ 261.

فأمّا الهمز «1» في أدراكم على ما يروى عن الحسن، فلا وجه له لأن الدّرء الدفع، على ما جاء في قوله سبحانه «2»: فادرؤوا عن أنفسكم الموت [آل عمران/ 168]، وقوله: فادارأتم فيها [البقرة/ 72]، وما روي من قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ادرءوا الحدود بالشّبهات «3»». وقولهم لما طعن «4» من الجبل فاندفع عن سائر الصفيحة: درء ودروء «5»، وقال: وترمي دروء دونه بالأجادل «6» فأما ما حكي من الهمز في الدّريئة للجمل الذي يختل به الوحش، فمن همز جعله من صفة يليق وصفه بها، وقال «7»: إنه يدفع به نحو الوحش، ولا يستقيم هذا المعنى في الآية.

_ (1) في (م): الهمزة. (2) سقطت من (ط). (3) قال العجلوني في الكشف 1/ 71: رواه الحارثي في مسند أبي حنيفة عن ابن عباس مرفوعا، قال شيخنا- يعني الحافظ ابن حجر-: وفي سنده من لا يعرف. وقال أيضا في تخريج أحاديث مسند الفردوس: اشتهر على الألسنة والمعروف في كتب الحديث أنه من قول عمر بن الخطاب بغير لفظه. انتهى. وأخرجه الترمذي في الحدود رقم 1424 عن عائشة بلفظ: ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ... إلى آخر الحديث. وفي سنده يزيد بن زياد الدمشقي ضعيف. (4) في (ط): ظعن. وفي اللسان (طعن) عن الأزهري: طعن غصن من أغصان هذه الشجرة في دار فلان: إذا مال فيها شاخصا .. (5) في اللسان (درء): الدرء: نادر يندر من الجبل وجمعه دروء. (6) لم نعثر على قائله. والأجادل: الصقور مفرده أجدل. (7) في (ط): وذاك.

يونس: 18

فأمّا إمالة الفتحة من الراء في أدراكم به وإمالة الألف عنها، فلأن الألف تنقلب إلى الياء في أدريته، وهما مدريان، وأمّا من لم يمل؛ فلأنّ هذه الألفات كثير من العرب لا يميلونها، وهو الأصل، وعليه ناس كثير من العرب الفصحاء. [يونس: 18] اختلفوا في الياء والتاء من قوله سبحانه «1»: عما يشركون [يونس/ 18] في خمسة مواضع: فقرأ ابن كثير ونافع هاهنا بالياء، وحرفين في النحل [الآية/ 1 - 3] وحرفا في سورة «2» الروم، [الآية/ 40]، وحرفا في النمل بالتاء، خير أما تشركون [59]. وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر خمسة «3» الأحرف بالياء، كذا في كتابي عن أحمد بن يوسف التغلبيّ عن ابن ذكوان عن ابن عامر: خمسة «3» الأحرف بالياء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان بإسناده في سورة النمل بالتاء، وكذلك حدثني أحمد بن محمد بن بكر عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر: خمسة «3» الأحرف بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي: خمسة الأحرف بالتاء. ولم يختلفوا في غير هذه الخمسة «6». قال أبو علي: من قرأ في يونس: وتعالى عما تشركون

_ (1) سقطت من (ط). (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): الخمسة الأحرف، وكذلك هي في السبعة. وكلاهما صواب. (6) السبعة ص 324. وفيه اختلاف يسير عما هنا، ونقص قوله: وقرأ حمزة والكسائي خمسة الأحرف بالتاء.

يونس: 22

بالتاء، فلقوله: قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما تشركون. ومن قرأ بالياء احتمل وجهين: أحدهما على: قل، كأنه قيل له «1»: قل أنت: سبحانه وتعالى عما يشركون. والوجه الآخر: على أنه «2» يكون هو سبحانه نزّه نفسه عما افتروه فقال: سبحانه وتعالى عما يشركون. ومن قرأ في النّحل: سبحانه وتعالى عما تشركون [الآية/ 1]، فعلى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمر بأن يخاطبهم بذلك كأنّه: قل لهم: تعالى عمّا تشركون. ومن قرأ هذا بالياء، فعلى أنه نزّه نفسه فقال: سبحانه وتعالى عما يشركون، وفي النمل: من قرأ آلله خير أم ما تشركون [59] فهو على «3»: قل لهم: آلله خير أم ما تشركون؟ فهذا بالتاء لأنهم مخاطبون. ومن قرأ بالياء لم يصرف الخطاب إليهم، فقيل: آلله خير أم ما يشركون على وجه التبكيت والتقريع لهم، كما قالوا. السعادة أحبّ إليك أم الشقاء!؟ وعلى هذا النحو يحمل هذا الضرب. [يونس: 22] اختلفوا في قوله [عزّ وجلّ] «4»: هو الذي يسيركم في

_ (1) سقطت من (ط): «له». (2) في (ط): أن (3) في (ط): فعلى. (4) سقطت من (ط).

البر والبحر [يونس/ 22]، فقرأ ابن عامر وحده: هو الذي ينشركم بالنون والشين، من النّشر. وقرأ الباقون: يسيركم بضم الياء وفتح السين من السّير «1». قال أبو علي: قالوا: سار الدابّة، وسرته. قال «2»: فلا تجزعن من سنّة أنت سرتها وقالوا أيضا: سيّرته .. قال لبيد «3» لسيّان «4» حرب أو تبوءوا «5» بخزية ... وقد يقبل الضّيم الذّليل المسيّر فهذا يدل على قراءة من قرأ: يسيركم. ويقوي هذا الوجه قوله سبحانه وتعالى: فامشوا في مناكبها [الملك/ 15]، وانتشروا في الأرض [الجمعة/ 10] قل سيروا في الأرض [الأنعام/ 11 النمل/ 69 العنكبوت/ 20 الروم/ 42].

_ (1) السبعة 325. (2) صدر بيت لخالد بن زهير الهذلي يرد على أبي ذؤيب، وعجزه: فأوّل راضي سنّة من يسيرها انظر شرح أبيات المغني 7/ 134 والخصائص 2/ 212 وشرح ديوان الهذليين للسكري 1/ 213 والبحر المحيط 5/ 138. (3) شرح ديوانه (ط. الكويت) ص 226. (4) في الديوان: لشتّان. (5) في (ط): تبوء.

يونس: 23

وحجة ابن عامر: أنّ ينشركم في المعنى مثل قوله: وبث منهما رجالا كثيرا ونساء [النساء/ 1]، ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة [الشورى/ 29]، فالبثّ تفريق ونشر في المعنى. [يونس: 23] قال: كلّهم قرأ: إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا [يونس/ 23] رفعا إلّا ما رواه حفص «1» عن عاصم فإنّه روى عنه متاع الحياة الدنيا نصبا، حدّثني عبيد الله بن علي عن [نصر بن علي] «2» عن أبيه عن هارون عن ابن كثير متاع نصبا «3». قال أبو علي: قوله على أنفسكم يحتمل تأويلين: أحدهما: أن يكون متعلّقا بالمصدر لأن فعله متعدّ «4» بهذا الحرف، يدلّك على ذلك قوله سبحانه «5»: بغى بعضنا على بعض [ص/ 22] وثم بغي عليه لينصرنه الله [الحج/ 60]، فإذا جعلت الجارّ من صلة المصدر كان الخبر: متاع الحياة الدنيا*، والمعنى: بغي بعضكم على بعض متاع الحياة «6» الدنيا، وليس مما يقرّب إلى الله، وإنما تأتونه لحبّكم العاجلة، وإيثارها على ما يقرّب إلى الله من الطاعات.

_ (1) في حاشية (ط): عبارة: بلغت المقابلة. (2) سقطت من (م). (3) السبعة 335. (4) في (م): يتعدى بإلى بهذا. وما في (ط): أسدّ. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): متاع في الدنيا.

ويجوز أن تجعل على* متعلقا بمحذوف، ولا تجعله من صلة المصدر؛ فإذا جعلته كذلك كان خبرا للمصدر، وفيه ذكر يعود إلى المصدر، كما أنك إذا قلت: الصلاة في المسجد، كان كذلك، والمعنى: أن المصدر مضاف إلى الفاعل، ومفعول المصدر محذوف، المعنى: إنّما بغي بعضكم على بعض عائد على أنفسكم، ف «على» هذا متعلّق بمحذوف دون المصدر المبتدأ، وهذا في المعنى كقوله: ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله [فاطر/ 43]، من نكث فإنما ينكث على نفسه [الفتح/ 10]، وفي قوله سبحانه «1» ثم بغي عليه لينصرنه الله [الحج/ 60] إبانة عن هذا المعنى، ألا ترى أن المبغيّ عليه إذا نصره الله لم ينفذ فيه بغي الباغي عليه ولا كيده، فإذا لم ينفذ ذلك فيه صار كالعائد على الباغي. فإذا «2» رفعت متاع الحياة الدنيا* على هذا التأويل، كان خبر مبتدأ محذوف، كأنك قلت: ذلك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا. ومن نصب متاع الحياة الدنيا احتمل النصب فيه وجهين: أحدهما: أن تجعل على* من صلة المصدر، فيكون الناصب للمتاع هو المصدر الذي هو البغي، ويكون خبر المبتدأ محذوفا، وحسن حذفه لطول الكلام، ولأن بغيكم* يدلّ على تبغون، فيحسن الحذف لذلك، وهذا الخبر المقدّر، لو أظهرته

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): وإذا

يونس: 27

لكان يكون مذموم أو مكروه أو منهيّ عنه، أو نحو «1» ذلك. والآخر: أن تجعل على* من قوله: على أنفسكم خبر المبتدأ، فإذا جعلته على هذا احتمل نصب متاع وجهين: أحدهما: تمتّعون متاعا، فيدلّ انتصاب المصدر عليه. والآخر: أن تضمر تبغون، وما يجري «2» مجرى ذكره قد تقدم، كأنه لو أظهره، لكان: تبغون متاع الحياة الدنيا، فيكون مفعولا له. ومثل هذا قوله تعالى «3»: إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون [الشعراء/ 72] تقديره: مقتكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، ألا ترى أن قوله: إذ تدعون لا يجوز أن يتعلّق بالمصدر للفصل بين الصلة والموصول، فكذلك لا يجوز أن أن يتعلّق المنصوب بالمصدر في قوله: إنما بغيكم على أنفسكم متاع وقد جعلت على* خبرا لقوله: إنما بغيكم على أنفسكم لفصلك بين الصّلة والموصول. [يونس: 27] اختلفوا في فتح الطاء وإسكانها من قوله [جل وعز] «4»: قطعا من الليل [يونس/ 27]. فقرأ ابن كثير والكسائيّ: قطعا ساكنة الطاء، وقرأ الباقون: قطعا مفتوحة الطاء «5».

_ (1) في (ط): ونحو. (2) في (ط): لأن ما يجري. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) السبعة 325.

قال «1» أبو عبيدة: قطعا من الليل مظلما جماعة قطعة «2» من الليل، وهو بعض الليل، وأتيته بقطع: أي بساعة من الليل، وقطع وأقطاع «3». قال أبو علي: القطع: الجزء من الليل الذي فيه ظلمة يدلّ على ذلك قوله تعالى «4»: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل [الصافات/ 138]، فقوله: وبالليل خلاف الإصباح الذي هو الوضح، فقوله «5»: وبالليل يراد به الظلمة، والمعنيان في اللفظتين يتقاربان، وإن اختلفا، وذلك أن المراد وصف وجوههم بالسواد، كقوله سبحانه «6»: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة [الزمر/ 60]. وقيل في قوله: يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام [الرحمن/ 41]: إنه سواد الوجوه، وزرقة الأعين في قوله: ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [طه/ 102]، فإذا أغشيت وجوههم قطعا من اللّيل اسودّت وجوههم منه، كما أنها إذا أغشيت قطعا- التي هي جمع قطعة- اسودّت منها. فأما قوله سبحانه «7»: مظلما إذا أجريته على قطع

_ (1) سقطت من (م): «قال». (2) في (م): قطع. (3) مجاز القرآن 1/ 278. (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): ويقال. (6) في (ط): كقوله تعالى. (7) سقطت من (ط).

فيحتمل نصبه وجهين: أحدهما: أن يكون صفة للقطع، وهو أحسن، لأنه على قياس قوله: وهذا كتاب أنزلناه مبارك [الأنعام/ 92 - 155] وصف الكتاب بالمفرد بعد ما وصف بالجملة «1»، وأجري على النّكرة. ويجوز أن تجعله حالا من الذّكر الذي في الظّرف في قوله: من الليل، ولكن يكون مظلما صفة للقطع، ولا يكون حالا من الذكر الذي في الظرف. ومن قرأ: قطعا لم يكن مظلما صفة للقطع، ولا حالا من الذكر الذي في قوله: من الليل، ولكن يكون حالا من الليل، والعامل في الحال ما يتعلق به من الليل وهو الفعل المختزل. ومثل ذلك في إرادة الوصف بالسواد قوله «2»: ألا طرقت ليلى بنيّان بعد ما ... طلى الليل بيدا، فاستوت، وإكاما أي: اسودّت لظلمة الليل، وقال الآخر «3»:

_ (1) قراءة (ط): وصفت الكتاب بالمفرد بعد ما وصفته بالجملة وأجريته. (2) أنشده أبو علي في إيضاح الشعر ص 413 وقال: أي: غشيته الظلمة، فصار البيد والإكام سواء في مرآة العين، وورد عنده برواية «طوى» بدل «طلى». وورد في معجم البلدان (نيان) برواية: «كسا» قال: ونيان: جبل في بلاد قيس. (3) البيت لذي الرمّة في ديوانه 2/ 685، والدويّة: المستوي من الأرض، منسوبة إلى الدوّ، والدوّ: الفلاة الواسعة اعتسفتها: قطعتها على غير

يونس: 30

ودوّيّة مثل السّماء اعتسفتها ... وقد صبغ الليل الحصى بسواد أي: سوّدتها الظلمة. [يونس: 30] اختلفوا في التاء والباء من قوله [جلّ وعزّ] «1»: هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت [يونس/ 30]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: تبلو بالباء. وقرأ حمزة والكسائي: تتلو بالتاء «2». قال أبو علي: أمّا من قال: تبلو فمعناه: تختبر من قوله سبحانه «3»: وبلوناهم بالحسنات والسيئات [الأعراف/ 168] أي: اختبرناهم، ومنه قولهم: البلاء ثم الثناء. أي: الاختبار للمثني عليه، ينبغي أن يكون قبل الثناء، ليكون الثناء عن علم بما يوجبه. ومعنى اختبارها ما أسلفت: أنّه إن قدّم خيرا أو شرا جوزي عليه، كما قال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة/ 7 - 8]، وقوله «4»: من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها [فصلت/ 46] ونحوها من الآية التي تدلّ على هذا المعنى. ومن قال: تتلو فإنّه يكون من التلاوة التي هي القراءة،

_ طريق. وانظر الإيضاح الشعري 414 وشذور الذهب 123. (1) سقطت من (ط). (2) السبعة 325. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط).

يونس: 33

ودليله قوله: أولئك يقرؤون كتابهم [الإسراء/ 71]، وقوله: إقرأ كتابك [الإسراء/ 14]، وقوله: ورسلنا لديهم يكتبون [الزخرف/ 80]، وقوله: ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [الكهف/ 49]، فإنّما يتلون ذكر ما كانوا قدّموه من صالح أعمالهم وسيّئها مما أحصاه الله ونسوه، فيكون: تتلو: تتبع. من قولهم: تلا بعد الفريضة: إذا أتبعها النفل. قال «1»: على ظهر عاديّ كأنّ أرومه ... رجال يتلوّن الصّلاة قيام فيكون المعنى في «2»: تتلو كل نفس: تتبع كلّ نفس ما أسلفت من حسنة وسيّئة، فمن أحسن جوزي بالحسنات، ومن أساء جوزي به، فيكون على هذا في المعنى كمن قرأ: تبلو بالباء. [يونس: 33] اختلفوا في قوله سبحانه «3»: [حقت كلمة ربك [يونس/ 33] في الجمع والتوحيد. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ:

_ (1) البيت للبعيث. الأروم بفتح الهمزة: أصل الشجرة والقرن. وبضمها جمع إرم، وهي حجارة تنصب علما في المفازة. وتلّى فلان صلاته المكتوبة بالتطوع، أي: أتبعها. انظر تهذيب اللغة للأزهري 14/ 252، 318 واللسان (تلا). (2) سقطت من (م). (3) سقطت من (ط).

حقت كلمة ربك واحدة وفي آخر السورة [96] كذلك. وقرأ نافع وابن عامر: الحرفين كلمات* جماعة «1». قال أبو علي: من قرأ: كلمة ربك على الإفراد احتمل وجهين: يجوز أن يكون جعل ما أوعد به الفاسقون كلمة، وإن كانت في الحقيقة كلما، لأنّهم قد يسمّون القصيدة والخطبة كلمة، وكذلك سمّي ما توعّد به الفاسقون من نحو قوله سبحانه «2»: وأما الذين فسقوا فمأواهم النار، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم [الحج/ 22] كلمة، كما أنّ قوله: وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف/ 137] يعني به «3»: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض إلى قوله: يحذرون [القصص/ 5] كلمة. ويجوز أن يكون كلمة ربك التي يراد به «4» الجنس، وقد أوقعت على بعض الجنس، كما أوقع الجنس على بعضه في قوله سبحانه «5»: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل [الصافات/ 138]، وقول «6» بعض الهذليين «7»:

_ (1) السبعة 326. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): «يعنى به» بالبناء للمفعول. (4) في (ط): بها. (5) سقطت من (ط). (6) في (ط): وقال. (7) عجز بيت لجنوب أخت عمرو ذي الكلب من قصيدة ترثي بها أخاها عمرا وقبله:

يونس: 35

ببطن شريان يعوي عنده الذيب فأما من جمع فقال: كلمات ربك على الذين فسقوا فإنه جعل الكلم التي توعّدوا بها كلّ كلمة منها «1» كلمة، ثم جمع فقال: كلمات، وكلاهما وجه. فأما قوله سبحانه «2» وكلمة الله هي العليا [التوبة/ 40]، فيجوز أن يعنى بها نحو قوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة/ 21]، كما فسّر قوله: وألزمهم كلمة التقوى [الفتح/ 26] أنه: لا إله إلا الله، أخبرنا يوسف بن يعقوب بإسناد ذكره عن مجاهد [بهذا التأويل] «3». [يونس: 35] اختلفوا في قوله سبحانه «4»: أم من لا يهدي [يونس/ 35]. فقرأ ابن كثير وابن عامر: يهدي* مفتوحة الياء والهاء، مشدّدة الدال. وقرأ نافع وأبو عمرو: يهدي* بإسكان الهاء وتشديد الدال، غير أن أبا عمرو كان يشمّ الهاء شيئا من الفتح،

_ أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلّغها ... عنّي حديثا وبعض القول تكذيب بأنّ ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب انظر شرح أشعار الهذليين 2/ 580 والعيني 1/ 395 الهمع 1/ 71 الدرر 1/ 146 شرح الأشموني للألفية 1/ 129. (1) في (ط): كل واحدة منهما. (2) سقطت من (ط). (3) سقط من (م): ما بين المعقوفين. (4) سقطت من (ط).

وروى ورش عن نافع: يهدي* بفتح الهاء مثل ابن كثير. وقرأ حمزة والكسائي: يهدي* ساكنة الهاء خفيفة الدال. وقرأ عاصم في رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم: يهدي* مكسورة الياء والهاء، مشدّدة الدال. وروى حفص عن عاصم والكسائي عن أبي بكر عنه، وحسين عن أبي بكر عنه «1»: يهدي* بفتح الياء وكسر الهاء «2». قال أبو علي: من قرأ: لا يهدي* فقد نسبهم إلى غاية الذهاب عن الحقّ والزّيغ عنه في معادلتهم الآلهة بالقديم سبحانه، ألا ترى أن المعنى: أفمن يهدي غيره إلى طريق التوحيد والحقّ أحقّ أن يتّبع، أم من لا يهتدي هو، إلّا أن يهدى؟ والمعنى: أفمن يهدي غيره، فحذف المفعول الثابت في نحو قوله: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه [البقرة/ 213]. فإن قلت: إن هذه التي اتخذوها لا تهتدي، وإن هديت، لأنّها موات من حجارة وأوثان ونحو ذلك. قيل: إنّه كذلك، ولكنّ الكلام نزّل على أنّها إن هديت اهتدت، وإن لم تكن في الحقيقة كذلك، لأنهم لما اتخذوها آلهة عبّر عنها كما يعبّر عن الذي تجب له العبادة، ألا ترى أنه من قال: ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ولا

_ (1) زيادة من (ط). (2) السبعة 326.

يستطيعون [النحل/ 73]، وكما قال: إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم [الأعراف/ 194]. وإنّما هي موات، ألا ترى أنّه قال: فادعوهم فليستجيبوا لكم ألهم أرجل يمشون بها .. [الأعراف/ 194 - 195]. وكذلك قوله: إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم [فاطر/ 14] فأجري عليها «1» اللفظ بحسب «2» ما أجري على من يعلم فإلا ... على هذا بمنزلة حتى، كأنه قال «3»: أم من لا يهتدي حتّى يهدى، أي «4»: أم من لا يعلم حتى يعلّم، ومن لا يستدلّ على شيء حتى يدلّ عليه، وإن كان لو دلّ أو أعلم لم يعلم ولم يستدلّ. وقراءة حمزة والكسائي: أم من لا يهدي فإن المعنى فيه: أم من لا يهدي غيره، لكن «5» يهدى، أي: لا يعلم شيئا ولا يعرفه، لكن «5» يهدى، أي: لا هداية له، ولو هدي أيضا لم يهتد، إلا أن اللفظ جرى عليه، كما ذكرناه فيما تقدم. فأمّا يهدّي ويهدّي ويهدي وتهدي، فمعانيها كلها: يفتعل، وإن اختلفت ألفاظها، فالجميع أدغموا التاء في الدال لمقاربتها لها. ألا ترى أن التاء والدال والطاء من حيّز واحد. واختلفوا

_ (1) في (ط): عليه. (2) في (ط): على حسب. (3) زيادة من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) في (ط): ولكن.

في تحريك الهاء، فمن قال: يهدي* ألقى حركة الحرف المدغم وهي الفتحة على الهاء، كما ألقاها على ما قبل المدغم في: معدّ وممدّ، وفي عدّ وفرّ وعضّ، ألا ترى أن الفاءات متحركة بحركة العينات، وكذلك يهدي*، لأنها في كلمة كما أن ممدّ ونحوه في كلمة، فمن «1» قال: يهدي فحرّك الهاء بالكسر، فلأن الكلمة عنده أشبهت «2» المنفصلة، نحو: ضربّ بكر، فإذا أشبهت «3» المنفصلة، بدلالة الإظهار في نحو: اقتتلوا، لم تلق الحركة على ما قبل المدغم، كما أن المنفصل من نحو: قرم مالك «4»، واسم موسى، لا يلقى على الساكن منه حركة المدغم، فلمّا لم يجز إلقاء الحركة على الساكن ترك الهاء «5» على سكونها، فالتقت مع الحرف المدغم وهما ساكنان فحرّك الأول من الساكنين بالكسر لالتقاء الساكنين. فإن قلت: فقد قالوا: عبشمس، فألقوا حركة المدغم في المنفصل على الأول منهما، وأجري المنفصل مجرى المتصل. فذلك إنّما جاء في هذا الحرف وحده، ولم يعلم «6» غيره، وشذّ ذلك، لأن الأعلام قد جاء فيها، وجاز ما لم يجز

_ (1) في (ط): ومن. (2) في (ط): تشبه عنده. (3) في (ط): وإذا أشبه. (4) في (م): قرم موسى. (5) في (ط): تركت الهاء. (6) في (ط): نعلم غيره. وجاء عن هامش (ط): بلغت.

في غيرها، ولم يجيء، ألا ترى أن فيها «1» مثل: موهب، ومورق وتهلل وحيوة، فكذلك «2» جاء هذا في عبشمس. ويدلّك على أن إلقاء الحركة ليس بأصل في هذا الباب تحريكهم الساكن فيه بالضم، وإتباعهم الحرف الساكن «3» ما قبله من الحركة، وذلك ما حكاه عن الخليل وهارون أنّ ناسا من العرب يقولون: مردفين «4» [الأنعام/ 9]، ولست تجد هذا في ممدّ ونحوه. فأمّا من قال: يهدي* بسكون الهاء، فقد قلنا في الجواز في جمع الساكنين في هذا النحو فيما تقدم «5»، ويقوّيه ما أنشده من قوله «6»: ومسحيّ مرّ عقاب كاسر وأمّا من أشمّ في هذا ولم يسكن، فالإشمام في حكم التحريك.

_ (1) في (ط): فيه. (2) في (ط): وكذلك. (3) زادت (م): «حركة» بعد الساكن. (4) نقله سيبويه وقال: فمن قال هذا فإنه يريد: مرتدفين، وإنما أتبعوا الضمّة الضمّة حيث حركوا، وهي قراءة لأهل مكة، كما قالوا: ردّ يا فتى، فضمّوا لضمّة الراء ... (الكتاب: 2/ 410) وانظر فهرس شواهد سيبويه 24 للأستاذ النفاخ. (5) انظر الجزء الثاني ص 396. (6) سبق 2/ 397 و 3/ 193.

وأمّا من قال: يهدي بكسر الياء، فإنه يفتعل وأتبع الياء ما بعدها من الكسر. فإن قلت: إنّ الياء التي للمضارعة لا تكسر، ألا ترى أن من قال: تعلم، لم يقل: يعلم. قيل: لم تكسر الياء في يهدّي من حيث كسرت النون من نعلم والتاء في تعلم «1»، ولا كما كسرت حروف المضارعة فيما لحقت أوله همزة الوصل، ولا ما كان ينبغي أن تلحقه همزة الوصل نحو: تتغافل، ولكن لمعنى آخر، كما لم تكسر الياء في ييجل من حيث كسرت التاء في تعلم، ولو كسرت في ييجل من حيث كسرت النون في نعلم، لم تكسر في ييجل لأن من يقول نعلم: لا يقول: يعلم، ولكن كسرت الياء من «2» ييجل، لتنقلب الواو ياء، فكذلك كسرت في قوله: يهدي للإتباع، لا من حيث كسر: أنت تهتدي، وأنت تعلم، كما كسرت في ييجل لتنقلب الواو إلى الياء. وقد كسروا الياء في ييبا، فقالوا: أنت تيبا وهو ييبا، فحرّكوا «3» بالكسر، والحركة في أنت تيبا، والكسرة فيه من حيث كسر أنت تعلم، وذلك أنّ المضارع لمّا كان على وزن يفعل نزّل الماضي كأنّه على فعل، فقالوا: أنت تيبا، كما قالوا:

_ (1) في (ط): من حيث كسرت النون والتاء في نعلم وتعلم. (2) في (ط): في. (3) في (ط): فحركوا الياء.

يونس: 51

أنت تعلم وكما «1» قالوا: هما يشأيان بالياء، وهو من الشأو «2»، لمّا كان المضارع على يفعل، نزّل الماضي كأنّه على فعل، وإذا كان على فعل لزم انقلاب الواو التي هي لام إلى الياء، فجاء المضارع بالياء في يشأيان على هذا التنزيل، كما جاء تيبا، على أن الماضي منه على فعل، وكسرت الياء في ييبا كما كسرت الحروف الأخر التي للمضارعة على وجه الشذوذ، وإن «3» لم يكسروا الياء في غير هذا الحرف، ففي هذا بعض الإيناس بقول من قال: يهدي فكسر الياء، وإن كانت جهتا إيجاب الكسر فيهما مختلفتين. [يونس: 51] قال: كلّهم قرأ: فليفرحوا، هو خير مما يجمعون [يونس/ 58] بالياء، غير ابن عامر فإنّه قرأ: خير مما تجمعون بالتاء. ولم يذكر عنه في: فليفرحوا شيء، هذه رواية ابن ذكوان وهشام جميعا «4». وقال غير أحمد بن موسى: قراءة ابن عامر: فبذلك فليفرحوا بالياء «5» هو خير مما تجمعون بالتاء. قال أبو علي: قوله سبحانه «6»: قل بفضل الله وبرحمته

_ (1) في (م): كما. (2) الشأو: السبق، شأوت القوم شأوا: سبقتهم (اللسان). (3) سقطت من (ط). (4) السبعة 327، 328 وسقط ما بعده منه. (5) في (م): «فلتفرحوا، بالتاء». (6) سقطت من (ط).

[يونس/ 58] الجار فيه متعلق بمضمر «1» استغني عن ذكره، لدلالة ما تقدّم من قوله سبحانه «2»: قد جاءتكم موعظة عليه «3» كما أنّ قوله: آلآن وقد عصيت [يونس/ 91] يتعلّق الظرف فيه بمضمر، يدلّ عليه ما تقدّم ذكره من الفعل، وكذلك قوله: .. آلآن وقد كنتم به تستعجلون [يونس/ 51]، فأمّا قوله فبذلك فليفرحوا فإن الجارّ في قوله: فبذلك يتعلق بقوله: فليفرحوا «4» لأنّ هذا الفعل يصل به، قال: وفرحوا بها [آل عمران/ 120] وقال: فرحت بما قد كان من سيّديكما «5» فأما الفاء في قوله: فليفرحوا فزيادة يدل على ذلك أن المعنى: ما فرحوا بذلك، ومثل الآية في زيادة الفاء قول الشاعر «6»: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي فالفاء في فاجزعي، زيادة، كما كانت التي في قوله: فليفرحوا كذلك، ولا تكون إلا وبها الزيادة، لأنّ الظرف إنما

_ (1) في (ط): يتعلق بضمير. (2) سقطت من (ط). (3) سقطت من (م): «عليه». (4) في (م): «يتعلّق ب (فليفرحوا)». (5) لم نعثر على قائله أو تتمته. (6) عجز بيت للنمر بن تولب في الجزء الأول، انظر ص 44.

يتعلّق باجزعي، والجار في فليفرحوا فيما قبل الفاء [فكذلك يتعلّق بما قبل الفاء] «1». وقرءوا: فليفرحوا لأنّهم جعلوه أمرا للغائب، واللام إنّما تدخل على فعل الغائب، لأنّ المواجه «2» استغني فيه عن اللام بقولهم: افعل، فصار شبيها بالماضي من «3» يدع الذي استغني عنه بترك. ولو قلت، فلتفرحوا «4» فألحقت التاء لكنت مستعملا لما هو كالمرفوض، وإن كان الأصل، فلا ترجّح القراءة بالتاء، فإنّ «5» ذلك هو الأصل، لما قد ترى كثيرا من الأصول المرفوضة. فأما قراءة «6» من قرأ من سواهم «7»: فلتفرحوا فلأنه اعتبر الخطاب الذي قبل، وهو قوله سبحانه «8»: قد جاءتكم موعظة ... فلتفرحوا [يونس/ 57 - 58]، وزعموا أنها في حرف أبيّ: فافرحوا.

_ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط). (2) في (ط): المواجهة. (3) في (ط): في. (4) في (م): فليفرحوا. (5) في (م): فلا ترجّح القراءة بالتاء إن. (6) سقطت من (ط). (7) زيادة من (ط): «من سواهم». (8) سقطت من (ط).

قال أبو الحسن: وزعموا أنها لغة، قال: وهي «1» قليلة، يعني نحو: لتضرب، وأنت تخاطب. فأما «2» قراءة ابن عامر: هو خير مما تجمعون بالتاء، فعلى أنّه عنى المخاطبين، والغيب جميعا، إلا أنّك غلّبت المخاطب على الغيبة، كما غلّبت التذكير على التأنيث، فكأنه أراد به المؤمنين وغيرهم. ومن قرأ بالياء كان المعنى: فافرحوا بذلك أيّها المؤمنون، أي: افرحوا بفضل الله ورحمته، فإن ما آتاكموه من الموعظة، وشفاء ما في الصدور، وثلج اليقين بالإيمان وسكون النفس إليه، خير مما يجمعه غيركم من أعراض الدنيا، ممّن فقد هذه الخلال التي حزتموها. فإن قلت: فكيف جاء الأمر للمؤمنين بالفرح وقد ذمّ ذلك في غير موضع من التنزيل؟ من ذلك قوله سبحانه «3»: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين [القصص/ 76] وقال: إنه لفرح فخور [هود/ 10]، قيل: إن عامّة ما جاء مقترنا بالذمّ من هذه اللفظة إذا جاءت مطلقة، فإذا قيّدت لم يكن ذمّا، كقوله سبحانه «4»: ... يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله [آل عمران/ 170]، وقد قيّدت في الآية بقوله فبذلك.

_ (1) في (م): أنها لغة قليلة. (2) في (ط): وأما. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط).

يونس: 61

فإن قلت: فقد جاء قوله تعالى «1»: فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله [التوبة/ 81] وهو مقيّد، وهو مع التقييد موضع ذمّ. فإن التقييد لا يمتنع أن يجيء في الذمّ، لأنّه يبيّنه كما يبيّن ما كان غير ذمّ، فأما الذي «2» يختصّ بالذمّ فهو أن يجيء على الإطلاق. فأما قوله سبحانه «3»: فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم [غافر/ 83]، وقوله سبحانه «4»: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله [الروم/ 4]، فالفرح بنصر الله المؤمنين محمود كما كان القعود عن رسول الله [صلّى الله عليه وآله وسلّم مذموم] «5»، فالتقييد في الموضعين «6» تبيين وتخصيص. [يونس: 61] اختلفوا في فتح الراء وضمّها من قوله جلّ وعزّ «7»: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر [يونس/ 61]. فقرأ حمزة وحده: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر* بضمّ الراء فيهما، وقرأ الباقون «8»: ولا أصغر، ولا أكبر بفتح الراء فيهما «9».

_ (1) سقطت من (ط). (2) في (ط): المعنى، وهو سهو من الناسخ. (3) سقطت من (ط). (4) سقطت من (ط). (5) ما بين المعقوفين سقط من (ط). (6) سقطت «في الموضعين» من (م). (7) سقطت من (ط). (8) فصّل في السبعة «الباقون» فقال: فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر والكسائي. (9) السبعة 328.

قال أبو علي: من فتح الراء في: ولا أصغر، ولا أكبر [من أكبر وأصغر] «1» فلأنّ أفعل في الموضعين، في موضع جرّ لأنّه صفة للمجرور الذي هو قوله: من مثقال ذرة [يونس/ 61]، وإنّما فتح لأنّ أفعل إذا اتصل به منك كان صفة، وإذا كان صفة لم ينصرف في النكرة. ومن رفع فقال: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر* حمله على موضع الموصوف، وذلك «2» أن الموصوف الذي هو من مثقال ذرة الجار والمجرور فيه في موضع رفع، كما كانا في موضعه في قوله: كفى بالله شهيدا [الفتح/ 28] وقوله «3»: ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت «4» ... فحمل الصفة على الموضع، وممّا يجوز أن يكون محمولا على الموضع قوله: ما لكم من إله غيره [الأعراف/ 59]. يجوز أن يكون صفة بمنزلة مثل، ويجوز أن يكون استثناء كما تقول: ما لكم من إله إلا الله. وممّا جاء من الحمل على الموضع قوله سبحانه «5»:

_ (1) من هامش (م): وليست في (ط). (2) في (ط): وذاك. (3) في (ط): وفي قوله. (4) البيت لقيس بن زهير وتمامه: بما لاقت لبون بني زياد وقد سبق في 1/ 93، 325 و 2/ 99 وانظر إيضاح الشعر ص 233، للمصنف. (5) سقطت من (ط).

يونس: 71

فأصدق وأكن من الصالحين [المنافقون/ 10]، وقوله: ويذرهم في طغيانهم يعمهون [الأعراف/ 186]. وقال «1»: فلسنا بالجبال ولا الحديدا وقد يجوز أن يعطف قوله: ولا أصغر من ذلك* على ذرة* فيكون التقدير: ما «2» يعزب عن ربّك مثقال ذرة ولا مثقال أصغر، فإذا حمل على هذا لم يجز فيه إلا الجرّ، لأنه لا موضع للذّرّة غير لفظها، كما كان لقوله: من مثقال ذرة موضع غير لفظه، ولا يجوز على قراءة حمزة أن يكون معطوفا على ذرة*، كما جاز في قول الباقين، لأنّه إذا عطف على ذرة* وجب أن يكون أصغر* مجرورا، وإنما فتح لأنّه لا ينصرف، وكذلك يكون على قول من عطفه على الجار الذي هو من*. [يونس: 71] قال: وروى نصر بن علي عن الأصمعيّ قال: سمعت نافعا يقرأ: فاجمعوا أمركم [71]، مفتوحة الميم من

_ (1) عجز بيت لعقيبة الأسدي أو لعبد الله بن الزبير وصدره: معاوي إننا بشر فأسجح انظر سيبويه 1/ 34 - 352 - 375 - 448 - الخزانة 1/ 343، 2/ 143 شرح المفصل 2/ 109، 4/ 9، السمط 148 - 149 شرح أبيات المغني 7/ 53. (2) في (ط): وما يعزب، بزيادة الواو.

جمع «1». وروى غير الأصمعي عن نافع مثل سائر «2» القرّاء. وكلّهم قرأ: فأجمعوا أمركم بالهمز وكسر الميم من: أجمعت «3». قال أبو علي: ما رواه الأصمعي عن نافع من قراءته: فاجمعوا أمركم من جمعت، فالأكثر «4» في الأمر أن يقال: أجمعت، كما قال: وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم [يوسف/ 102]. وقال «5»: هل أغدون يوما وأمري مجمع «6» وقال «7»: أجمعوا أمرهم بليل فلمّا ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء فيمكن أن يكون أراد: فاجمعوا ذوي الأمر منكم. أي: رؤساءكم ووجوهكم، كما قال سبحانه «8»: وإلى أولي الأمر منهم [النساء/ 83]، فحذف المضاف، وجرى على المضاف

_ (1) في السبعة: أجمع. وهو سهو. (2) سقطت من (م). (3) السبعة 328. (4) في (ط): والأكثر. (5) في (ط): وكما قال: (6) سبق انظر 3/ 320. (7) البيت للحارث بن حلّزة من معلقته وقد ورد فيها برواية: عشاء، بدل بليل- انظر شرح المعلقات السبع للزوزني/ 158 والمنصف 3/ 27. (8) سقطت من (ط).

إليه، ما كان يجري على «1» المضاف، لو ثبت، ويجوز أن يكون جعل الأمر ما كانوا يجمعونه من كيدهم الذي كانوا «2» يكيدونه به، فيكون بمنزلة قوله: فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا [طه/ 64]، على أنّ أبا الحسن زعم أنّ وصل الألف في فاجمعوا أمركم وشركاءكم، أكثر في كلام العرب، قال: وإنما يقطعونها إذا قالوا: أجمعوا على كذا وكذا، قال: والقراءة بالقطع عربيّة. ومن قرأ «3»: اجمعوا، من: جمعت، حمل الشركاء على هذا الفعل الظاهر، لأنّك جمعت الشركاء، وجمعت القوم، وعلى هذا جاء: ذلك يوم مجموع له الناس [هود/ 103]. ومن قال: فأجمعوا أمركم على أفعل، أضمر للشركاء فعلا آخر كأنّه: فأجمعوا أمركم، واجمعوا شركاءكم، فدلّ المنصوب على الناصب، كقول الشاعر «4»: علفتها تبنا وماء باردا ... حتّى شتت همّالة عيناها وكقول الآخر «5»: شرّاب ألبان وتمر وأقط

_ (1) سقطت من (ط): على. (2) سقطت من (ط). (3) في (ط): قال. (4) سبق انظر 1/ 312. (5) في (ط): وقال الآخر. وقد سبق انظر 1/ 312.

يونس: 81

وكقوله «1»: متقلّدا سيفا ورمحا لمّا لم يجز أن يحمل الرمح على التقليد، أضمر له فعلا كما أضمر لنصب الشركاء لمّا لم يجز الحمل على: أجمعوا. وزعموا أنّ في حرف أبيّ: وادعوا شركاءكم فحمل الكلام على الذي يراد به الانتصار، كقوله: وادعوا من استطعتم من دون الله [هود/ 13] وادعوا شهداءكم من دون الله [البقرة/ 23]. ويجوز أن يكون انتصاب الشركاء على أنه مفعول معه، أي: أجمعوا أمركم مع شركائكم، كقولهم: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطّيالسة. ويدلّك على جوازه أن الشركاء فاعله في المعنى، كما أن الطيالسة كذلك، ومن ثمّ قرأ الحسن فيما زعموا فاجمعوا أمركم وشركاؤكم. وزعم أبو الحسن أن قوما يقيسون هذا الباب، ويجعلونه مستمرّا، وأن قوما يقصرونه على ما سمع، والقول الأوّل عندي أقيس. [يونس: 81] اختلفوا في مدّ الألف وترك المدّ من قوله سبحانه «2»: السحر [81].

_ (1) في (ط): وقوله، وقد سبق أنظر 1/ 311. (2) في (ط): عز وجل.

فقرأ أبو عمرو وحده: آلسحر ممدودة الألف. وكلّهم قرأها بغير مدّ، على لفظ الخبر «1». قال أبو علي: قول أبي عمرو: ما جئتم به آلسحر، ما*: ترتفع فيه بالابتداء، وجئتم به في موضع الخبر، والكلام استفهام يدلك على ذلك استقلال الكلام بقوله: جئتم به، ولو كانت موصولة احتاجت إلى جزء آخر. فأمّا وجه «2» الاستفهام مع علم موسى أنه سحر، فإنه على وجه التقرير، كما قال: أأنت قلت للناس [المائدة/ 11] وهذا كثير، ولا يلتبس بالشرط وإن كان الشرط لا صلة له، لأنه لا جزاء هاهنا «3»، والشرط يلزمه الجزاء، ومن قال: زيدا مررت به، كان ما* في «4» قوله: ما جئتم به في موضع نصب بمضمر يفسّره جئتم به «5»، وعلى هذا قوله: ورهبانية ابتدعوها [الحديد/ 27] فمن «6» قال: آلسحر؟، فألحق حرف الاستفهام، كان السحر بدلا من ما* المبتدأ، ولزم إن يلحق السحر الاستفهام ليساوي المبدل منه، في أنّه استفهام، ألا ترى أنه ليس في قولك: السحر استفهام،

_ (1) السبعة 328. (2) سقطت من (م): «وجه». (3) في (ط): هنا. (4) سقطت من (م): «ما في». (5) في (م): «ما جئتم به». ومن قوله يفسره اختلف الناسخ في المخطوطة (م): إلى نهاية الجزء الرابع. (6) في (ط): ومن قال.

وعلى هذا قالوا: كم مالك: أعشرون أم ثلاثون؟ فجعلت العشرون بدلا من كم، وألحقت أم، لأنك في قولك: كم درهما مالك؟ مدّع أنّ له مالا كما أنك في قولك: أعشرون أم ثلاثون، مالك؟ مدع أنه أحد الشيئين، ولا يلزم أن تضمر للسّحر خبرا على هذا لأنك إذا أبدلت من المبتدأ، صار في موضعه، وصار ما كان خبرا لما أبدلت منه في موضع خبر المبتدأ «1»، فأما قول الشاعر «2»: وكأنه لهق السّراة كأنّه* ما حاجبيه معيّن بسواد «3» فإنه أبدل الحاجبين من الضمير «4» على حدّ قولك: ضربت زيدا رأسه، فإن قلت: أبدل من الأول، وقدّر الخبر عن الأول، لأن المبدل منه قد لا يكون في نيّة الإسقاط «5» بدلالة إجازتهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله، ولو كان البدل في تقدير الإسقاط، وما لا يعتد به، لم يجز هذا الكلام فهو قول،

_ (1) في (ط): البدل. (2) في (ط): قوله. (3) نسبه سيبويه (ط: بولاق) ص 80 للأعشى، وليس في ديوانه. ونص البغدادي في الخزانة 2/ 372 أنه من الأبيات الخمسين التي لا يعرف لها قائل. وانظر إيضاح الشعر ص 90 و 558 واللسان (عين) وشرح المفصل 3/ 67 والهمع 5/ 348. يصف ثورا وحشيا شبه به بعيره. لهق: أبيض، والسراة: أعلى الظهر، معين بسواد: مشتق من العينة، مصدر عين. إذا عظم سواد عينه في سعة. (4) وهو الهاء في كأنه، وما: زائدة. (5) في (م): إسقاط.

يونس: 89

وإن قلت: حمل الكلام على المعنى، فلما كان حاجباه بعضه حمل الكلام عليه كأنه قال: كأنّه بعضه معيّن بسواد، فأفرد لذلك؛ فهو قول. وزعموا أن إلحاق الهمز «1» في السحر قراءة مجاهد وأصحابه. ومن قال: ما جئتم به السحر كان ما* في قوله: ما جئتم «2» موصولا، وجئتم به الصلة والهاء المجرورة عائدة على الموصول، وخبر المبتدأ الذي هو الموصول السحر، ومما يقوي هذا الوجه ما زعموا أنه في حرف عبد الله: ما جئتم به سحر «3». [يونس: 89] قال: وقرأ ابن عامر وحده: ولا تتبعان [يونس/ 89] ساكنة التاء مخفّفة، مشدّدة النّون، وفي رواية الحلواني عن هشام بن عمّار: بالنون والتشديد، قال: وأحسب ابن ذكوان عنى بروايته خفيفة يعني التاء من تبع، قال: وإن كان كذلك فقد اتّفق هو وهشام في النون، وخالفه هشام في التاء «4»،

_ (1) في (ط): الهمزة. (2) زيادة من (م). (3) الكلام متصل في (ط): بينما ينتهي هنا الجزء الرابع في (م): بقوله: تم يتلوه إن شاء الله، تعالى وبه العون، في الجزء الخامس: قال: قرأ ابن عامر وحده: (ولا تتبعانّ) [يونس/ 89] مخففة التاء ساكنة مشددة النون، [والحمد لله رب العالمين كثيرا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلّم تسليما، وعلى أصحابه وأتباعه ومحبيه، وعلي بهم وجميع المسلمين وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم]. (4) السعة 329 وأكمل بقوله: وقرأ الباقون: (ولا تتبعان) بكسر الباء وتشديد التاء والنون.

وقال غير أحمد بن موسى: رواية الأخفش الدمشقي عن أصحابه عن ابن عامر: تتبعان خفيفة التاء والنون. قال أبو علي: من قرأ: ولا تتبعان فالنون فيها النون الشديدة، وهي إذا دخلت على يفعل فتح لدخولها، وبني الفعل معها على الفتح نحو: لتفعلنّ، ويحذف التي تثبت في نحو: يفعلان، في الرفع مع النون الشديدة، كحذف الضمة في ليفعلن وإنما كسرت الشديدة بعد ألف التثنية في نحو: ولا تتبعان لوقوعها بعد ألف التثنية، فأشبهت التي تلحق الألف في رجلان، ويفعلان لمّا كانت زائدة مثلها، وداخلة لمعنى كدخولها، فإن قلت: إن قبلها نونا، وليست التي للتثنية، كذلك فإن النون لما كانت ساكنة وجمعت إلى السكون الخفاء، لم يعتدّ بها فصارت المكسورة كأنها وليت الألف، ومثله في أنّه لم يعتدّ فيه بالحاجز لسكونه قولهم: هو ابن عمّي دنيا «1»، وهو من الدّنوّ، وفتية، وهي من الواو فيما زعم سيبويه، ومنه قولهم في جمع عليّ، وصبيّ: علية وصبية وقالوا: عليان، وقد لا يعتدّون بالحاجز لخفائه، وإن كان متحرّكا، كما أجمعوا فيما زعم سيبويه على ردّها لخفاء الهاء وكما كرهوا- كثير منهم-: وضع عصاهو قبل، وخذوهو يا قوم، لأن الحرف لمّا كان خفيّا كان كأنّه التقى ساكنان، فإذا جاء ذلك في المتحرك فالساكن أولى. فأمّا من قرأ: ولا تتبعان بتخفيف النون، فإنّه يمكن أن يكون خفّف الثقيلة للتضعيف، كما حذفوا: ربّ، وإنّ ونحوهما

_ (1) جاء في اللسان (دنا): وقالوا: هو ابن عمي دنية، ودنيا، منوّن، ودنيا، غير منوّن، ودنيا، مقصور: إذا كان ابن عمه لحّا.

من المضاعف، إلا أنه حذف الأول من المثلين، كما أبدلوا الأول من المثلين في نحو قيراط ودينار «1»، ولزم ذلك في هذا الموضع، لأن الحذف لو لحق الثانية للزم التقاء ساكنين على غير ما يستعمل في الأمر العام الشائع. ألا ترى أن اجتماع الساكنين على هذا الحد غير مأخوذ به عند العامّة، وإن شئت كان على لفظ الخبر، والمعنى: الأمر، كقوله: يتربصن بأنفسهن [البقرة/ 228]، ولا تضار والدة بولدها [البقرة/ 233]، أي لا ينبغي ذلك، وإن شئت جعلته حالا من: استقيما، وتقديره: استقيما غير متبعين، ويدلّ على ذلك قول الشاعر «2»: ولا أسقي ولا يسقي شريبي ... ويرويه إذا أوردت مائي وقول الآخر «3»:

_ (1) إذ أن أصل قيراط: قرّاط، ودينار: دنّار بالتشديد، لأن جمعهما: قراريط ودنانير، فأبدل من أحد حرفي تضعيفه وهو الأول ياء. والقيراط من الوزن معروف، وهو جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشرة في أكثر البلاد. وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين (اللسان: قرط). (2) أنشده القالي في أماليه 2/ 263 عن الفراء دون أن ينسبه وبرواية: فلا أسقى ولا يسقى، وانظر السمط 2/ 901 وبعده في المعاني الكبير 2/ 1265: يعلّ وبعض ما أسقي نهال ... وأشربه على إبلي الظماء وشريبه: الذي يشرب معه، والمعنى: لا أسقي حتى يسقي شريبي، كما تقول: لا آكل ولا يأكل أخي، أي: لا آكل حتى يأكل أخي. (3) لم نعثر على قائله.

يونس: 90

أصاح الذي لو أنّ ما بي من الهوى ... به لم أرعه لا يعزّي وينظره وكقول الفرزدق «1»: بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثر القتلى بها حين سلّت [يونس: 90] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله: آمنت أنه [يونس/ 90]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: أنه بفتح الألف. وقرأ حمزة والكسائيّ: آمنت إنه بكسر الألف «2». قال أبو علي: من قال: آمنت أنّه فلأنّ هذا الفعل يصل بحرف الجر، في نحو يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3]، ويؤمنون بالجبت [النساء/ 51]، فلما حذف الحرف وصل الفعل إلى أنّ، فصار في موضع نصب أو خفض على الخلاف في ذلك. ومن قال: آمنت إنه حمله على القول المضمر، كأنه. آمنت فقلت: إنه. وإضمار القول في هذا النحو كثير، ولإضمار القول من المزية هنا، أن قلت: إنه لا إله إلا الله في المعنى

_ (1) انظر ديوانه 1/ 139، وهو في المعاني الكبير 2/ 1265، وشرح أبيات المغني الشاهد رقم 669 - 761 والإنصاف/ 667 وابن يعيش في المفصل 2/ 67. ولم يشيموا: لم يغمدوا سيوفهم حتى كثرت القتلى بها. (2) السبعة 330.

يونس: 91

إيمان، فإذا قال: آمنت فكأنه قد ذكر ذلك. [يونس: 91] اختلفوا في قوله: آلآن وقد عصيت قبل [يونس/ 91]، فروى المسيبيّ وقالون عن نافع أنه قرأ: الآن* مستفهمة: جدّا «1»، وكذلك قال ابن أويس عن نافع بهمزة واحدة، وقال ورش أيضا: إنه كان يقرأ بفتح اللام، ومدّ الهمزة الأولى، ولا يهمز بعد اللام، والباقون يهمزون بعد اللام واللام ساكنة [الآن]. وقال أحمد بن صالح عن قالون بهمزة واحدة بعدها مدّة. وقال أبو خليد عن نافع: آلآن ليس بعد اللام همزة. وأصل قول ورش عن نافع، أنه إذا كانت الهمزة قبلها ساكن، ألقى حركة الهمزة على الساكن، وترك الهمز مثل: الارض، بفتح اللام، والاسماء، بفتح اللام بحركة الهمزة، وآلآن: لا يهمز بعد اللام، ويفتح اللام بحركة الهمزة. وقال ابن جبير: عن الكسائيّ عن إسماعيل عن نافع، وعن حجاج بن منهال الأعور، عن ابن أبي الزناد عن نافع: آلان لا يهمز بعد اللام «2». قال أبو علي «3»: إن لام المعرفة إذا دخلت على كلمة أوّلها

_ (1) كذا الأصل: جدّا. وفي السبعة: بهمزة واحدة. (2) السبعة 327. وقد أورد الآية رقم 51 لها أيضا وهي من السورة نفسها، وهي قوله سبحانه: (آلآن وقد كنتم به تستعجلون). هذا وقد رسمت (آلآن) في الأصل هكذا: (أالان). (3) وانظر ما سبق في الجزء الأول ص 392 وما بعدها.

الهمزة، فخفّفت الهمزة فإن في تخفيفها وجهين: أحدهما: أن تحذف وتلقى حركتها على اللام وتقرّ همزة الوصل فيقال: الحمر: وقد حكى ذلك سيبويه «1». وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن أن ناسا يقولون: لحمر. فيحذفون الهمزة التي للوصل، فالذين أثبتوا الوصل أثبتوها لأن التقدير باللام السكون، وإن كانت في اللفظ متحركة، كما كان التقدير فيها السكون في قولهم في التذكّر، إلى إذا تذكر نحو القليل والقوم «2» فكما لم تحذف الهمزة هنا، كذلك لم تحذف في نحو الحمر، ومثل ذلك في أنّ التقدير لما كان بالحركة السكون، قد جرى مجرى الساكن وإن كان متحرّكا في اللفظ قولهم: أردد الرجل، وآلى التحريك في المثلين لمّا كان الثاني فيهما في تقدير السكون، وإنّما تحرّك بحركة لا تلزم، فكذلك الحمر، وأما اللغة الأخرى فمن الدليل عليها ما أنشدنيه أحمد بن موسى عن الكسائيّ «3»: فقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذي أنت بائح

_ (1) انظر الكتاب 1/ 163 في باب الهمز. (2) كذا الأصل وفي الفقرة اضطراب ونسخة (م) مفقودة في هذا الجزء (وهو الخامس). (3) البيت من قصيدة منحولة لعنترة بن شداد وردت في ديوانه ص 297 وروايته فيه: تعزّيت عن ذكرى سميّة حقبة ... فبح عنك منها بالذي أنت بائح وذكره ابن جني في الخصائص 3/ 90 وابن الشجري 1/ 7 كما هنا ولم ينسباه والعيني 1/ 479.

فأسكن الحاء لما كانت اللام متحركة، ولو لم يعتدّ بالحركة، كما لم يعتدّ بها في الوجه الأول، فحرّك الحاء بالكسر، كما تحرّك به إذا قال: بح اليوم، لكن لما أسكن كان بمنزلة: بح بسرّك، وبح بأمرك، فنقول على قياس اللغة الأولى: قال لان [البقرة/ 71] «1» فتحذف واو الضمير، لأن اللام في تقدير السكون، كما تحذفه في بح «2» اليوم، وعلى قياس اللغة الأخرى: قالوا لان فتثبت واو الضمير، لأن اللام لم تنزّل تنزيل السكون، ألا ترى أنه حذف الهمزة التي تجلب لسكون الحرف الذي تدخل عليه، وتقول على قياس اللغة الأولى: ملآن، إذا أردت: من الآن، فحذفت النون لالتقاء الساكنين، كما حذفته من قول الشاعر «3»: أبلغ أبا دختنوس مألكة ... غير الذي قد يقال ملكذب وتقول على قياس اللغة الأخرى: من لان، فلا تحذف النون، لأنه لم يلتق ساكنان، كما لم تحرّك الحاء من قوله: «فبح لان» فعلى هذا مجرى هذا الباب.

_ (1) (قال لان) بتخفيف الهمز مع حذف الواو لالتقاء الساكنين، هي قراءة أهل المدينة. انظر تفسير القرطبي 1/ 455 والخصائص 3/ 91. (2) في الأصل: نحو اليوم والصواب بح اليوم كما أثبتنا. (3) البيت في أمالي ابن الشجري 1/ 97 والخصائص 1/ 311 واللسان (ألك) قال ابن الشجري: أبو دختنوس: لقيط بن زرارة التميمي ودختنوس: اسم بنته، وكان مجوسيا، قال في اللسان: سماها باسم بنت كسرى. والمألكة: الرسالة. ووردت روايته فيه «عن» بدل «غير».

أما ما ذكره من رواية المسيّبي وقالون عن نافع أنه قرأ: الآن* مستفهمة جدّا، وكذلك قال ابن أبي أويس، عن نافع: بهمزة واحدة، فقوله: مستفهمة جدّا لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يريد أنه كان يمدّ، فإن أراد ذلك كان على لغة من قال: الحمر، فلمّا ألحق همزة الاستفهام مدّ، ويريد أنه كان يقطع الهمزة، فلا يصلها كما يصل، ولا يقطع إذا لم تكن للاستفهام، فإذا كان كذلك فهو على قول من قال: لحمر، ولا همزة فيه، فتنقلب ألفا مع همزة الاستفهام، ويمدّ، فهو كقوله: ألكم الذكر وله الأنثى [النجم/ 20] في أنّه لا يجوز أن يمدّ. ويقوي هذا الوجه ما قاله أحمد، وكذلك قال ابن أبي أويس عن نافع بهمزة واحدة. قال: وقال أحمد بن صالح عن قالون همزة واحدة بعدها مدّة، فهذا قد فسّر، ولا يكون هذا إلا على قول من قال: الحمر ءالان. فأما ما روى ورش عن نافع من قوله: آلآن، إنه كان يقرأ بفتح اللام ومدّ الهمزة الأولى ولا يهمز بعد اللام، فإنّ ذلك على قول من قال: الحمر، كأنه قال: آلآن، فأثبت همزة الوصل مع تحرك اللام، كما أثبتها في قولهم: الحمر، فإذا دخلت همزة الاستفهام قلبت همزة الوصل ألفا، فقلت: أالان، كما تقول: آلرجل قال ذاك؟ ومن فصل بين الهمزتين إذا التقتا بالألف فقال: أأنت أأنذرتهم لم يفصل هنا بها، لأنّه لا تثبت هنا همزتان، ألا ترى أن الثانية التي للوصل تقلب ألفا؟ فلا يحتاج إذن إلى الألف التي تفصل بين الهمزتين، كما تفصل بينه النونين إذا قلت: اضربنان زيدا، فعلى هذا وجه

قراءة نافع هذه التي حكاها ورش، وعلى هذا أيضا ما حكاه أحمد بن صالح عن قالون بهمزة واحدة بعدها مدة. قال: وكلّهم قرأ: ويوم نحشرهم، بالنون غير عاصم، فإن حفصا روى عنه: ويوم يحشرهم* بالياء «1». عند الخمس والأربعين «2» منها. قال أبو علي: يحتمل قوله: كأن لم يلبثوا ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون صفة لليوم، والآخر: أن يكون صفة للمصدر المحذوف، والثالث: أن يكون حالا من الضمير في نحشرهم. فإذا جعلته صفة لليوم، احتمل ضربين من التأويل: أحدهما: أن يكون التقدير: كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة، فحذفت الكلمة بدلالة المعنى عليها، ومثل ذلك في حذف هذا النحو منه قوله: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف [الطلاق/ 2] أي: أمسكوهنّ قبله. وكذلك: فإن فاؤوا فإن الله [البقرة/ 226] أي قبل انقضاء الأربعة الأشهر، وكذلك قوله: يتربصن بأنفسهن [البقرة/ 228]، قال أبو الحسن: يتربّصن بعدّتهم.

_ (1) السبعة 327. (2) إذ ورد في الآية 28 قوله سبحانه أيضا: (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ... الآية) وليست مقصودة في القراءة. وتتمة الآية 45 من سورة يونس: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلّا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين).

ويجوز أن يكون المعنى: كأن لم يلبثوا قبله، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم حذفت الهاء من الصفة، كقولك: الناس رجلان: رجل أكرمت، ورجل أهنت. ومثل هذا في حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قوله: ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا، وهو واقع بهم [الشورى/ 22]، التقدير: وجزاؤه واقع بهم، فحذف المضاف. وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفنا، وتمثيله: كأن لم يلبثوا قبله، فحذف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم حذف العائد من الصفة، كما تحذفه من الصلة في نحو: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41]، وإن جعلته حالا من الضمير المنصوب، لم تحتج إلى حذف شيء في اللفظ لأنّ الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال، والمعنى: نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلّا ساعة. فأمّا يوم نحشرهم فإنه يصلح أن يكون معمولا لأحد شيئين، أحدهما: أن يكون معمول: يتعارفون، والآخر: أن يكون معمولا لما دلّ عليه قوله: كأن لم يلبثوا، فإذا جعلته معمولا لقوله: يتعارفون انتصب يوم* على وجهين: أحدهما: أن يكون ظرفا معناه: يتعارفون في هذا اليوم، والآخر: أن يكون مفعولا على السعة على: يا سارق الليلة أهل الدار «1»

_ (1) سبق 1/ 20 و 2/ 279.

ومعنى يتعارفون يحتمل أمرين. أحدهما: أن يكون المعنى: يتعارفون مدّة إماتتهم التي وقع حشرهم بعدها وحذف المفعول للدّلالة عليه، كما حذف في مواضع كثيرة، وعدّي تفاعل، كما عدّي في قول ذي الرّمة «1»: .... تحاسنت ... به الوشي قرّات الرّياح وخورها وأنشد أبو عبيدة «2». تخاطأت النّبل أحشاءه أو يكون أعمل الفعل الذي دلّ عليه يتعارفون، ألا ترى أنّه قد دلّ على يستعملون ويتعرفون، ومن حذف المفعول قوله: وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا

_ (1) جزء من بيت لذي الرمة وتمامه: ومن جردة غفل بساط تحاسنت* بها الوشي قرات الرياح وخورها وقرات الرياح: بواردها. والجردة من الرمل بمعنى الجرداء، وهي التي ليس فيها شجر، وغفل: ليس بها علم، والخور: أراد بها خور الرياح، وهو ما لان منها- انظر ديوانه 1/ 232 والمعاني الكبير 586، 1192. (2) صدر بيت لأوفى بن مطر المازني وعجزه: وأخر يومي فلم يعجل مجاز القرآن 2/ 5 وهو في السمط ص 465 مع آخر قبله وهو: ألا أبلغا خلتي جابرا* بأن خليلك لم يقتل. وانظر شرح أبيات المغني 7/ 41 واللسان (خطأ).

فأغشيناهم [يس/ 9]، التقدير: فأغشيناهم السدّ، أو مثل السدّ فهم لا يبصرون لما أغشيناهموه من ذلك. وتعرّفوا مدّة اللبث هاهنا، كما تعرّفوها في قوله: قال قائل منهم كم لبثتم، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، قالوا ربكم أعلم بما لبثتم [الكهف/ 19]، وكقوله: قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم [المؤمنون/ 112]، فتعارفهم مدّة لبثهم كما ذكرت لك في هذه الآي. والآخر في التعارف ما جاء من قوله: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قال قائل إني كان لي قرين، [الصافات/ 50 - 51] وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين [الطور/ 25 - 26] وتعرّفهم يكون على أحد هذين الوجهين. فعلى هذا يكون قوله: ويوم نحشرهم معمول يتعارفون، والآخر: أن يكون يوم نحشرهم معمول ما دلّ عليه قوله: كأن لم يلبثوا، ألا ترى أن المعنى: تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث، فيعمل في الظرف هذا المعنى، ولا يمنع المعنى من أن يعمل في الظرف، وإن تقدم الظرف عليه، كقولهم: أكلّ يوم لك ثوب، ومثل ذلك في الحمل على المعنى قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22] وقول أبي دواد «1»: قرّبنه ولا تقيلنّ واعلم ... أنّه اليوم إنّما هو ناد

_ (1) ليس في شعره المجموع ضمن «دراسات في الأدب العربي» لغرانباوم.

فإذا حملته على هذا، لم يجز أن يكون صفة للمصدر، لأن الموصوف الذي هو المصدر موضعه بعد الفعل، تقديره: يوم نحشرهم حشرا كأن لم يلبثوا، أو لم يلبثوا قبله، والصفة لا يتقدّم عليها ما تعمل فيه، ولا يجوز أيضا أن تجعله صفة لليوم على هذا، لأنّ الصفة لا تعمل في الموصوف، ألا ترى الصفة إيضاح للموصوف وتبيين له، كما أنّ الصلة كذلك، وإذا كان على هذا لم يسغ عمل واحد منهما فيما يوضحه ويبينه، لتنزّله منزلة بعضه، فإن قلت: فإذا قدّرت كأن لم يلبثوا تقدير الحال من الضمير هل يجوز أن يكون يوم ... معمولا له؟ فإنّ ذلك لا يجوز لأنّ العامل في الحال نحشر، ونحشر قد أضيف اليوم إليه، فلا يجوز أن يعمل في المضاف المضاف إليه، ولا ما يتعلق بالمضاف إليه، لأنّ ذلك يوجب تقديمه على المضاف ألا ترى أنّه لم يجز: القتال زيدا حين تأتي. وإذا جعلت يتعارفون العامل في يوم نحشرهم لم يجز أن يكون صفة لليوم على أنّك كأنّك وصفت اليوم بقوله: كأن لم يلبثوا، ويتعارفون، فوصفت يوم نحشرهم بجملتين، لم يجز أن يكون معمولا لقوله: يتعارفون لأنّ الصفة لا تعمل في الموصوف، وجاز وصف اليوم بالجمل، وإن أضيف لأنّ الإضافة ليست بمحضة فلم تعرّفه. ويدلّ على النون في يوم نحشرهم قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] وقوله: فجمعناهم جمعا [الكهف/ 99]، وقال: ونحشره يوم القيامة أعمى [طه/ 124].

يونس: 103

ويدلّ على الياء قوله: ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه [النساء/ 87] ويدلّ على مقاربة الياء والنون في ذا النحو قوله: وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه [طه/ 127]، فنعلم من هذا أنّ كلّ واحد منهما يجري مجرى الآخر. [يونس: 103] قال: كلّهم قرأ: ننجي رسلنا «1» [103] مشدّدة الجيم غير الكسائي وحفص عن عاصم فإنّهما قرءا: ننجي رسلنا «1» خفيفة، وقرأ الكسائي وحده في سورة مريم: ثم ننجي الذين اتقوا [72] ساكنة النون. وقرأ الباقون: ننجي بفتح النون الثانية وتشديد الجيم «3». قال أبو علي: قالوا نجا زيد، قال «4»: نجا سالم والرّوح منه بشدقه ... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا فإذا عدّيته، فإن شئت قلت: أنجيته، وإن شئت قلت: نجيّته، كما تقول فرح، وأفرحته وفرّحته. ومن حجة من قال: ننجي*: فأنجاه الله من النار

_ (1) في الأصل: (ننجي المؤمنين) وهي من سورة الأنبياء، وسيأتي الكلام عنها في موضعه. وكذلك ورد اللفظ عند ابن مجاهد، والظاهر أنه سهو تبعه عليه الفارسي. (3) السبعة 330. (4) لحذيفة بن أنس. في شرح أشعار الهذليين 2/ 558 واللسان (جفن) وقد سبق انظر 4/ 322.

يونس: 100

[العنكبوت/ 24]، وحجّة من قال: ننجي ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18]، وكلاهما حسن، قال الشاعر «1»: ونجّى ابن هند سابح ذو علالة ... أجشّ هزيم والرماح دواني أبو بكر عن عاصم ونجعل الرجس [يونس/ 100] بالنون، وروى حفص عن عاصم بالياء، وكذلك الباقون «2». [يونس: 100] حجة من قال: يجعل بالياء قوله: كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون [الأنعام/ 125]، وقد تقدم ذكر اسم الله في قوله: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله [يونس/ 100]، والنون في هذا النحو مثل الياء، وقد تقدم ذكر ذلك. فأما قوله: الرجس فقال أبو عبيدة: الرّجز: العذاب «3». قال: والرجز والرجس واحد، والدّلالة على أن الرّجز العذاب. قوله: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134] وقوله: فلما كشفنا عنهم الرجز [الأعراف/ 135]، ومنه: فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء [البقرة/ 59]، وقال: والرجز فاهجر [المدثر/ 5]، وكأن المعنى- والله

_ (1) البيت للنجاشي الحارثي قيس بن عمرو من قصيدة له في الوحشيات ص 113 - 114. برواية: «ابن حرب» بدل «ابن هند» وانظر اللسان (جشش). والفرس الأجش: الغليظ الصهيل. (2) السبعة ص 330. (3) مجاز القرآن 1/ 41.

أعلم- وذا الرجز، أي: الذي يؤدّي عبادته إلى العذاب. قال أبو الحسن «1»: وقال بعضهم: والرجز فاهجر «2» قال: وذكروا أنه صنم كانوا يعبدونه، قال: وأما الرّجز فهو الرّجس، قال، وقال: إنما المشركون نجس [التوبة/ 28]، قال: والنّجس: القذر. وقال الكسائيّ فيما أخبرنا أبو بكر: الرّجس: النتن: قال أبو علي: فكأنّ الرّجس على ضربين: أحدهما: أن يكون في معنى الرجس، وهو العذاب، والآخر: أن يعنى به النجس والقذر، ومن ذلك قوله: أو لحم خنزير فإنه رجس [الأنعام/ 145] فقوله: ويجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون [الأنعام/ 125] يجوز أن يراد به أنهم يعذّبون، كما قال: ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات [الفتح/ 6]، ويجوز أن يكون المعنى فيه أنه يحكم بأنّهم رجس، كما قال: إنما المشركون نجس [التوبة/ 28]، أي: ليسوا من أهل الطهارة، فذمّوا على خروجهم، وإن لم تكن عليهم نجاسة من نحو البول والدم والخمر، والمعنى: أن الطّهارة الثابتة للمسلمين هم خارجون عنها، ومباينون لها، وهذه الطّهارة هي ما ثبت لهم من قوله: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [التوبة/ 103].

_ (1) أبو الحسن هو الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة، وكلامه في معاني القرآن 1/ 98 عند تفسيره آية البقرة/ 59. (2) قوله: (الرّجز) بضم الراء هي قراءة حفص والمفضل عن عاصم، وقراءة الباقين وأبي بكر بكسر الراء. وستأتي في موضعها.

يونس: 87

فقوله: تطهرهم، لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يكون المعنى: تطهّرهم أنت أيّها الآخذ بأخذها منهم، أو: الصدقة تطهّرهم، فقوله: تزكيهم بها يقوّي الوجه الأوّل، لأن «تزكّي» للآخذ، فكذلك يكون تطهرهم له، ويجوز أن يكون منقطعا، أي: وأنت تزكّيهم بها، فهذه طهارة من جهة الحكم، وإن لم تزل شيئا نجسا عن أبدانهم. وقد ثبت للمسلمين أيضا الطّهارة بقوله: يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين [التوبة/ 108] فأمّا قوله: طهر بيتي للطائفين [الحج/ 26] فيجوز أن يراد به: أخرج عنه ما يعبد من وثن من دون الله، حتى يطهر، لأنّ الأوثان قد أطلق عليها الرجس في قوله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان [الحج/ 30] وقوله: والرجز فاهجر [المدثر/ 5]. [يونس: 87] حفص عن عاصم يقف تبويا [يونس/ 87] بياء من غير همز، ذكر لي ذلك عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي مسلم عن أبيه عن حفص عن عاصم. قال: وكان حمزة يقف تبوا* «1» غير أنه يليّن الهمزة، يشير إليها بصدره. والباقون يقفون بهمزة بعدها ألف في وزن تبوّعا «2». قال أبو علي: حدثنا محمد بن السري «3» أن أبا زيد

_ (1) رسمت في السبعة: (تبوّءا). (2) السبعة 329. (3) جاء على حاشية (ط): بلغت.

قال: بوّأت فلانا منزلا تبويئا، والاسم البيئة: فقوله تبوءا في قوله: أن تبوءا «1» فعل يتعدى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، فأمّا اللام من قوله: لقومكما فكالّتي في قوله: ردف لكم [النمل/ 72]، والمفعول الأوّل لعلامة الضمير في قوله: لنبوئنهم، ألا ترى أن المطاوع من الأفعال على ضربين: أحدهما: أن لا يتعدّى نحو: انشوى وانثأى «2»، في مطاوع شويته وثأيته. والآخر: أن يتعدّى كما تعدّى ما هو مطاوع له، وذلك نحو: تعلّقته، وتقطّعته، فتعلّقته يتعدّى كما تعدّى علقته، وليس فيه أن ينقص مفعول المطاوع عمّا كان يتعدّى إليه ما هو مطاوع له. فإذا كان كذلك، كان اللّام على الحدّ الذي ذكرنا، ويقوّي ذلك قوله: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [الحج/ 26]، فدخلت اللام على غير المطاوع كما دخل على المطاوع في قوله: أن تبوءا لقومكما. فأمّا قوله: مكان البيت فيحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون ظرفا، والآخر: أن يكون مفعولا ثانيا، فأما الظرف فيدلّ عليه قوله «3»:

_ (1) تمام الآية: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشّر المؤمنين). (2) من الثأي وهو خرم خرز الأديم، وثأيت الخرز إذا خرمته (اللسان ثأي). (3) وهو ابن هرمة، والأرجح أنه من قصيدته التي مطلعها: إنّ سليمى والله يكلؤها ... ضنّت بشيء ما كان يرزؤها انظر معجم مقاييس اللغة 1/ 312 وشرح أبيات المغني

وبوّئت في صميم معشرها ... فصحّ في قومها مبوّئها فكما أن قوله: «في صميم معشرها» ظرف كذلك يكون مكان البيت. والمفعول الثاني الذي ذكر في قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، ولم يذكر في هذه لأنّ الفعل من باب أعطيت، فيجوز أن لا يذكر، ويقتصر على الأول، ويجوز أن يكون مكان البيت مفعولا ثانيا «1»، وكذلك قوله: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، ويجوز أن يكون مكانا مثل مكان البيت، والمفعول الثاني فيه محذوف، وهو القرية* التي ذكرت في قوله: وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها [الأعراف/ 161]، ويجوز أن يكون مصدرا، أي تبوّؤ «2» صدق، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا من وجهين: أحدهما: أن تجعله اسما غير ظرف كما قال «3»:

_ 6/ 202. وورد في اللسان (بوأ) بغير نسبة برواية «وتم في قومها» قال في شرحه: «إنها نزلت من الكرم في صميم النسب». (1) على هامش (ط): بلغت. (2) رسمت في الأصل هكذا: «تبوّأ» وآثرنا الرسم الإملائي المناسب للحركة. (3) استشهد به سيبويه 1/ 207 ولم ينسبه- بينما نسبه الأعلم إلى الأخطل وليس في ديوانه للسكري وقد ورد في ديوان جرير (ط. الصاوي) ص 486 ونسبه البغدادي إلى عتبة بن الوغل في الخزانة 1/ 458 نقلا عن الآمدي في المؤتلف ص 115 وانظر المقتضب 4/ 350 - الاشتقاق 336 - الشعراء/ 631. قال الأعلم: الشاهد فيه رفع المكان الآخر لأنه خبر عن الأول، ولا

وأنت مكانك من وائل ... مكان القراد من است الجمل والآخر: أن تجعله بعد أن تستعمله ظرفا اسما، كما قال «1»: وسطها قد تفلّقا وفي التنزيل: هم درجات عند الله [آل عمران/ 163]. ويجوز فيه وجه ثالث: وهو أن يتّسع فيقدّر نصبه، وإن كان مصدرا، تقدير انتصاب المفعول به، فأما قوله «2»: لها حكمها حتّى إذا ما تبوّأت ... بأخفافها مأوى تبوّأ مضجعا فعلى حذف أحد المفعولين، أي: تبوّأت مرعاها مأوى، وتبوّأ الراعي بقعة مضجعا، وكذلك قوله: وبوأكم في الأرض [الأعراف/ 74] بوّأكم في الأرض منازل أو بلادا. وأما قوله: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، فالمبوّأ يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن

_ يكون ظرفا، لأنه أراد تشبيه مكانه من وائل بمكان القراد من است الجمل في الدناءة والخسة. (1) جزء بيت للفرزدق سبق بتمامه في 1/ 39 - 252. (2) البيت لعبيد بن الحصين الراعي النميري، وقد سمّي الراعي لأنه قال هذا البيت يصف فيه الإبل. انظر الخصائص 2/ 178 وفيه: «لها ما لها» بدل «لها حكمها» و «مرعى» بدل «مأوى». الاشتقاق 295، الجمهرة 2/ 347 وفيها: «لها أمرها».

بكون مكانا، والمفعول الثاني على هذا محذوف كما حذف من قوله: وبوأكم في الأرض، ويجوز أن ينصب المبوّأ على الاتساع، وإن كان مصدرا نصب المفعول به، ألا ترى أنه أجاز ذلك في قوله: أما الضّرب فأنت ضارب، وأما البيوت من قوله: بمصر بيوتا فمفعول به، وليست البيوت بظرف لاختصاصها «1» فالبيوت كالغرف من قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]. فأما قوله: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74]، فيجوز في قياس قول أبي الحسن أن يكون قوله: من الجنة كقولك: نتبوّأ الجنّة. فأمّا قوله: حيث نشاء فيحتمل أن يكون ظرفا، فإذا جعلته ظرفا كان المفعول الثاني محذوفا، كأنه: نتبوّأ الجنّة منازلها حيث نشاء، ويجوز أن يكون: حيث نشاء في موضع نصب، بأنه المفعول الثاني، يدلّ على ذلك قول الشمّاخ: وحلّأها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواحز «2»

_ (1) في الأصل لاختصاها وهو سهو من الناسخ. (2) حلّأها: منعها من الماء أي: الحمر- عامر أخو الخضر: قانص مشهور كان من أرمى الناس- ذو الأراكة: نخل بموضع من اليمامة لبني عجل، والنواحز: التي بها نحاز، وهو داء يأخذ الإبل والدواب في رئاتها فتسعل سعالا شديدا، قال ابن قتيبة في شرح البيت (المعاني الكبير 2/ 783). والنواحز: التي بها نحاز فتكوى في جنوبها وأصول أعناقها. وانظر ديوانه/ 182. وفي الأصل: «تكون» بدل «تكوى» وهو سهو من الناسخ. وقد ورد في طرة النسخة (ط): هنا كلمة: بلغت.

فأمّا قولك: بوّأت فلانا منزلا، وتعدّيه إلى مفعولين، فكأنه مفعول من قولك: باء فلان منزله، أي: لزمه، وإن كنّا لا نروي ذلك. ولكن يدلّ على ذلك قولهم: المباءة، وقالوا: الإبل في المباءة، وهي المراح الذي تبيت فيه، فالمباءة اسم المكان، وإذا كان اسم المكان مفعلا، أو مفعلة، فالفعل منه قد يكون: فعل يفعل، فكأنّه: باء المنزل، وبوّأته أنا المنزل. فأمّا وقف عاصم في قوله: تبويا، وقلبه الهمزة ياء في الوقف، وإن كان من بوّأت؛ فلأنّ الهمزة قد تبدل منها في الوقف حروف اللين، ألا ترى أنهم قالوا: هو الكلو «1»، في الوقف، وقالوا: من الكلي، وإنما فعل ذلك بالهمزة عند الوقف لأنّها تخفى فيه كما تخفى الألف، فأبدل منها حرف اللين، كما أبدل من الألف في قولهم: أفعو وأفعي، لأن هذين الحرفين أظهر من الألف والهمزة وأبين للسمع. فإن قلت: فإنّما يفعل ذلك بالهمزة إذا كان آخر الكلمة، وليست الهمزة آخرا في تبويا قيل: يجوز أن يكون لم يعتدّ بالألف لما كانت للتثنية، والتثنية غير لازمة للكلمة، فلمّا لم تلزم لم يعتدّ بها، فصار الوقف كأنّه على الهمزة، لأن كثيرا من الحروف التي لا تلزم لا يعتدّ بها، ومن ثم لم تقع حرف رويّ، كما لم تقع ألف النّصب رويّا لاجتماعها معها في أنها لا تلزم، لأن من العرب من يقول: رأيت زيد، فلا يبدل ويحذف، وعلى هذا قوله «2»:

_ (1) أي: هو الكلأ. (2) عجز بيت للأعشى وقد سبق في 1/ 141 وانظر الخصائص 2/ 97 والخزانة 2/ 264 وشرح المفصل 9/ 70.

وآخذ من كلّ حيّ عصم ولا تثبت أيضا في موضع الرفع والجر، فصار الوقف لذلك كأنه على نفس الهمزة. فأمّا وقف حمزة تبوا* فهذا على أنه خفّف الهمزة، وتخفيف هذه الهمزة أن تجعل بين بين، ولا تلحقه ألف التثنية. على هذا يتأوله ناس من القراء وهو الصحيح. فأمّا قول أحمد: يشير إليها بصدره، فهو من ترجمة القراء، وصحّته على ما ذكرت لك، وهذا في قول حمزة على وزن: تبوّعا، إلا أن الهمزة إذا خفّفت نقص الصوت بحركتها، فأشبهت الساكن، وهي متحركة في الحقيقة. فأمّا قوله: والذين تبوؤوا الدار والإيمان [الحشر/ 9]، فيكون على: تبوّءوا الدار، أي: تبوّءوا دار الهجرة واعتقدوا الإيمان، لأن الإيمان ليس بمكان فيتبوّأ، فيكون كقوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس/ 71]، ويجوز على: تبوّءوا الدار ومواضع الإيمان، ويجوز أن يكون: تبوّءوا الإيمان، على طريق المثل كما تقول: تبوّءوا من بني فلان الصّميم، وعلى ذلك قول الشاعر «1»: وبوّئت في صميم معشرها ... فصحّ في قومها مبوّئها كلّ هذه الوجوه ممكن.

_ (1) تقدم ذكره قريبا ص 308.

سورة هود

سورة هود [هود: 25] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله: إني لكم نذير مبين [25]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ: أني لكم* بفتح الألف. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة: إني بكسر الألف «1». وجه قول من فتح: أنّهم يحملونها على أرسلنا، أي: أرسلنا بأني لكم نذير، فإن قيل: لو كان محمولا على الأول لكان أنّه، لأنّ نوحا اسم للغيبة فالراجع إليه ينبغي أن يكون على لفظ الغيبة دون لفظ الخطاب؛ قيل: هذا لا يمنع من حمله على أرسلنا وذلك أن الخطاب بعد الغيبة في نحو هذا سائغ، ألا ترى أن قوله: وكتبنا له في الألواح من كل شيء [الأعراف/ 145] ثم قال: فخذها بقوة، فكذلك الآية التي اختلف في قراءتها.

_ (1) السبعة 332.

هود: 27

قال أبو علي: ووجه قول من كسر إني أنه حمله على القول المضمر، لأنه مما قد أضمر كثيرا في القرآن، وسائر الكلام كقوله: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23] أي: يقولون، وقوله: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله [الزمر/ 3]، فهو على: قالوا ما نعبدهم. فكذلك قوله: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال لهم إني لكم نذير مبين. فالكلام في هذا على وجهه، ولم يرجع إلى الخطاب بعد الغيبة، كما كان ذلك في قول من فتح أن*. فإن قلت: فهلّا رجّحت قراءة من فتح أنّ على قراءة من كسرها، لأنّ قوله: أن لا تعبدوا [هود/ 26] محمول على الإرسال، فإذا فتحت أنّ كان أشكل بما بعدها لحملها جميعا على الإرسال؟ قيل: لا يرجّح ما ذكرت الفتح وذلك أن قوله: إني* من قوله: إني لكم في قول من كسر، يجوز أن يكون محمولا وما بعده على الاعتراض بين المفعول، وما يتصل به ممّا بعده، كما كان قوله: قل إن الهدى هدى الله اعتراضا بينهما في قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73]، فكذلك قوله: إني لكم نذير مبين. [هود: 27] اختلفوا في الهمز وتركه من قوله عزّ وجلّ: بادي الراي [هود/ 27]. فقرأ أبو عمرو وحده: بادئ الراي. فهمز بعد الدال الراي لا يهمزه، وكلّهم قرأ: الرأي مهموزة غيره.

وقرأ الباقون: بادي بغير همز، وروى علي بن نصر عن أبي عمرو أنّه لا يهمز الرأي. اليزيدي عن أبي عمرو لا يهمز الراي إذا أدرج القراءة، أو قرأ في الصلاة ويهمز إذا حقّق «1». قال أبو علي: حدثنا محمد بن السري أن اللحياني قال «2»: يقال: أنت بادي الرأي تريد ظلمنا، لا يهمز، وبادئ الرأي مهموز، فمن لم يهمز أراد: أنت فيما أنت فيما بدا في الرأي وظهر، أي: ظاهر الرأي، ومن همز أراد: أنت أول الرأي ومبتدأه، وهما في القرآن: أراذلنا بادئ الرأي وبادي الرأي بهمز وبغير همز. قال أبو علي: المعنى فيمن قال: بادي الرأي فجعله من بدا الشيء إذا ظهر، وما اتبعك إلا الأراذل فيما ظهر لهم من الرأي، أي لم يتعقّبوه بنظر فيه ولا تبيّن له. ومن همز أراد: اتبعوك في أول الأمر من غير أن يتبعوا الرأي بفكر ورويّة فيه، وهاتان الكلمتان تتقاربان في المعنى، لأن الهمز في اللام فيها ابتداء للشيء وأوّله، واللام إذا كانت واوا كان المعنى الظّهور قال «3»:

_ (1) السبعة 332 وزاد فيه: روي عنه الهمز وتركه، وهذه علته. (2) انظر اللسان (بدأ). (3) البيت لأبي خراش الهذلي في شرح أشعار الهذليين 3/ 1194، وقوله: النهض: النجيح أي: المجدّ (اللسان نجح) ومثول: ذهاب، من: مثل يمثل: زال عن موضعه (اللسان مثل) وأنشد البيت. وروايته فيه «لما يرى» بدل «لصيده».

يقرّبه النّهض النّجيح لصيده ... فمنه بدوّ مرّة ومثول أي: يظهر مرة ويخفى أخرى، وابتداء الشيء يكون ظهورا، وإن كان الظهور قد يكون ابتداء وغير ابتداء، فلذلك تستعمل «1» كل واحد من الكلمتين في موضع الأخرى كقولهم: أما بادي بد فإني أحمد الله، وأما بادئ بدء فإني أحمد الله «2»، وقيل في واحد الأبداء التي هي المفاصل من الإنسان وغيره: بدء وبدا مقصور غير مهموز. وجاز في اسم الفاعل أن يكون ظرفا كما جاز في فعيل، نحو: قريب، ومليّ، لأن فاعلا وفعيلا يتعاقبان على المعنى، نحو: عالم وعليم، وشاهد وشهيد، ووال ووليّ، وحسّن ذلك أيضا إضافته إلى الرأي. وقد أجروا المصدر أيضا في إضافته إليه في قولهم: إما جهد رأي فإنك منطلق، فهذا لا يكون إلا ظرفا وفعل إذا كان مصدرا، وفاعل قد يتفقان في أشياء، وقد يجوز في قول من همز فقال: بادئ الرأي إذا خفف الهمز أن يقول: بادي فيقلب الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، فيكون كقولهم: مير في جمع مئرة، وذيب في جمع ذئبة، والعامل في هذا الظرف هو قوله: اتبعك من قوله: ما نراك اتبعك [هود/ 27]، التقدير: ما اتّبعك في أول رأيهم، أو فيما ظهر من رأيهم، إلّا

_ (1) في الأصل: ما تستعمل. (2) في اللسان (بدا): وقال اللحياني: أما بادئ بدء فإني أحمد الله، وبادي بدأة، وبادئ بداء، وبدا بدء، وبدأة بدأة، وبادي بدو، وبادي بداء. أي أما بدء الرأي فإني أحمد الله.

أراذلنا، فأخّر الظرف وأوقع بعد إلّا، ولو كان بدل الظرف غيره لم يجز، ألا ترى أنك لو قلت: ما أعطيت أحدا إلا زيدا درهما، فأوقعت بعد إلا اسمين لم يجز، لأن الفعل أو معنى الفعل في الاستثناء يصل إلى ما انتصب به بتوسط الحرف، ولا يصل الفعل بتوسط الحرف إلى أكثر من مفعول، ألا ترى أنك لو قلت: استوى الماء والخشبة، فنصبت الخشبة؛ لم يجز أن تتبعه اسما آخر فتنصبه: فكذلك المستثنى إذا ألحقته إلّا، وأوقعت بعدها اسما مفردا، لم يجز أن تتبعه آخر، وقد جاز ذلك في الظرف، لأن الظرف قد اتّسع فيه في مواضع، ألا ترى أنهم قد قالوا: كم في الدار رجلا، ففصلوا بينهما في الكلام، وقالوا: إن بالزعفران ثوبك مصبوغ، ولو قلت: إن زيدا عمرا ضارب، تريد: إن عمرا ضارب زيدا، لم يجز، وقال الشاعر «1»: فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله «2» وقياس الحال في هذا قياس الظرف في الجواز، وإن لم يجز غيرهما في ذلك. فإن قلت: فهلّا يجوز أن يكون قوله: ما نراك من قوله: وما نراك اتبعك اعتراضا، بمنزلتها في قول الأعشى «3»:

_ (1) سبق في 3/ 411. (2) جاءت في الأصل: بلا به. وهو سبق قلم. (3) المذاكي من الخيل: التي قد بلغت أسنانها- المسنفات: المتقدمات القلائص: الإبل، وكانوا في غاراتهم يركبون الإبل ويسوقون أمامها الخيل

وما خلت أبقى بيننا من مودّة ... عراض المذاكي المسنفات القلائصا والمعنى: وما أبقى بيننا من مودّة، ألا ترى أن قوله: أبقى، لا يجوز أن يكون مفعول خلت، وإنما المعنى: وما أبقى بيننا من مودة، فكذلك يكون قوله: وما نراك اتبعك كأنه: وما اتبعك ويكون: نراك اعتراضا؛ فالقول: إن الآية لا تكون كالبيت، لأنّ الفعل قد تعدّى إلى المفعول، ولم يتعدّ في البيت إلى المفعول، فحسن الاعتراض به لمّا لم يتعدّ، كما جاز إلغاؤه في قولهم: زيد ظننت منطلق، ولو ألغيته وقد عدّيته إلى مفعول، لم يجز، وكذلك إذا اعترضت به، فلا يكون قوله اتبعك بمنزلة خلت في بيت الأعشى. فإن قلت: فقد قال آخر «1»: وما أراها تزال ظالمة ... تحدث لي قرحة وتنكؤها فعدّى أرى إلى الضمير، وجعل أراها اعتراضا، قيل: لا يكون قوله: نراك بمنزلة قوله: وما أراها، وذلك أن الضمير في أراها يكون كناية عن المصدر فلا يقتضي مفعولا ثانيا، وفي قوله: وما نراك المفعول فيه للخطاب، والخطاب لا يكون كناية عن المصدر فلا تكون الآية في قياس البيت، فلو قلت:

_ فلا يركبونها إلا إذا قاربوا موضع الغارة حتى لا يتعبوها ويجهدوها لينزلوا بها إلى القتال موفورة القوة والنشاط. انظر ديوان الأعشى/ 151. (1) البيت لابن هرمة. وهو من شواهد المغني، انظر شرح أبياته للبغدادي 6/ 221.

هود: 28

ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا، لم يجز، وتصحيحها: ما ضرب القوم أحدا إلا بعضهم بعضا، تبدل الاسمين بعد إلا من الاسمين قبلها، فإن قلت: فكيف تقدير قول الأعشى: وليس مجيرا إن أتى الحيّ خائفا ... ولا قائلا إلا هو المتعيّبا «1» فإن المتعيّب يكون على مضمر تقديره: يقول المتعيّبا، تحمل: «إلا هو» على المعنى لأن المعنى: ولا يقول أحد إلا هو، فحملته في هذا على المعنى، كما حملته عليه في قولهم: ما قام إلا هند. فإن قلت: أحمل المتعيّب على المعنى، لأن المعنى يقول: هو المتعيّبا، فهو قول. فأما تحقيق الهمزة وتخفيفها في الرأي، فأهل تحقيق الهمز يحققونها، وأهل التخفيف يبدلون منها الألف، وكذلك ما أشبه هذا من نحو: الباس والراس والفاس. [هود: 28] اختلفوا في فتح العين وتخفيف الميم، وضمّ العين وتشديد الميم من قوله عز وجلّ: فعميت عليكم [هود/ 28]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر فعميت* بتخفيف الميم وفتح العين.

_ (1) ليس مجيرا: أي أنه لا يملك أن يؤمن رجلا فيجعله في جواره لأن الناس لا يحترمون هذا الجوار، وإنما يحترمون جوار القوي، فلا يجرءون على أن ينالوا جاره بالأذى، والمتعيّب: اسم مفعول من تعيب، أي: عاب وتنقص، ديوانه/ 113.

وقرأ حمزة والكسائيّ فعميت بضم العين وتشديد الميم، وكذلك حفص عن عاصم فعميت مثل حمزة «1». قال أبو علي: يدل على قوله: فعميت* اجتماعهم في قوله: فعميت عليهم الأنباء يومئذ [القصص/ 66]، وهذه مثلها، ويجوز في قوله: فعميت عليكم أمران: أحدهما أن يكون عموا هم عنها، ألا ترى أن الرحمة لا تعمى وإنّما يعمى عنها، فيكون هذا كقولهم: أدخلت القلنسوة في رأسي، ونحو ذلك مما يقلب إذا لم يكن فيه إشكال، وفي التنزيل: ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله [إبراهيم/ 46] وقال الشاعر «2»: ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه ... وسائره باد إلى الشّمس أجمع والآخر: أن يكون معنى عميت: خفيت. كقوله «3»:

_ (1) السبعة 332. (2) من شواهد سيبويه التي لم ينسبها. أراد: مدخل رأسه الظل. الكتاب 1/ 92 - أمالي المرتضى 1/ 55 - تأويل مشكل القرآن/ 194. (3) البيتان لذي الرمة و «صرى»: طال حبه- وعافي الثنايا: دارس الطرق والآجن: المتغيّر، والمخاض: الحوامل، والضوارب: تضرب من دنا منها لأنها لواقح وقوله: شرك بالجر، ردّها على «ماء» في البيت السابق، ورواها في اللسان (عمي) بالنصب، وقال: وعم شرك، كما يقال: عم طريقا. وعم مسلكا، يريد: الطريق ليس بيّن الأثر، وشرك الطريق: جوادّه، الواحدة شركة. ورواية الديوان «شرك» بالرفع، وأشار في الشرح إلى رواية النصب ووجهها. وعجز البيت الثاني: مراريّ مخشيّ به الموت ناضب قوله: بيني وبينه مراري، أي: بيني وبين الماء مراريّ، الواحدة

وماء صرى عافي الثّنايا كأنّه ... من الأجن أبوال المخاض الضّوارب عم شرك الأقطار بيني وبينه ... أي: خفي. وقال آخر «1»: ومهمه أطرافه في مهمه ... أعمى الهدى في الحائرين العمّه أي خفيّ الهدى، ألا ترى أنّ الهدى ليس بذي جارحة تلحقها هذه الآفة. ومن هذا قيل للسحاب: العماء، لإخفائه ما يخفيه، كما قيل له الغمام، ومن هذا قول زهير «2»: ولكنّني عن علم ما في غد عم وقولهم: أتانا صكّة عميّ «3»: إذا أتى في الهاجرة وشدّة الحرّ؛ يحتمل عندنا تأويلين: أحدهما أن يكون المصدر أضيف

_ مروراة، وهي الأرض البعيدة المستوية. وقوله: مخشيّ، رده على عم. انظر ديوانه 1/ 198 - 200 واللسان مادة/ صري وعمي/. (1) البيت لرؤبة من أرجوزة يصف بها نفسه .. برواية «الجاهلين» بدلا من «الحائرين» في ديوانه. والرجل العمه: المتردد في رأيه أو أعمى القلب. انظر ديوانه/ 166 واللسان مادة/ عمه/- وشرح شواهد الشافية/ 202 وشرح شواهد العيني 3/ 345. (2) عجز بيت لزهير وصدره: وأعلم ما في اليوم والأمس قبله وهو من معلقته، انظر شرح المعلقات للزوزني/ 86. (3) في اللسان (صكك): الصكة: شدة الهاجرة، يقال: لقيته صكة عمي وصكة أعمى، وهو أشد الهاجرة حرا. قال بعضهم: عمي: اسم رجل من العماليق أغار

هود: 40

إلى العمى «1» كما قالوا: ضرب التّلف، أي: الضّرب الذي يحدث عنه التلف، ويقوّي ذلك أنّه قد جاء في الشعر: ويهجمها بارح ذو عمى «2» أي: بارح يكون عنه العمى لشدّة حره. ويمكن أن يكون العميّ تصغير أعمى على وجه الترخيم، وأضيف المصدر إلى المفعول به كقوله: من دعاء الخير [فصلت/ 49]، ولم يذكر الفاعل الذي هو الحر والتقدير: صكّ الحرّ الأعمى، والمعنى: أنّ الحرّ من شدته، كأنّه يعمي من أصابه، والمصدر في الوجهين ظرف، نحو مقدم الحاج، وخفوق النجم. ومن قال: عميت اعتبر قراءة أبيّ والأعمش: فعماها عليكم، وإسناد الفعل إلى المفعول به في عميت من عماها في المعنى. [هود: 40] قال: وكلّهم قرأ من كل زوجين اثنين [هود/ 40] مضافا، غير حفص، فإنه روى عن عاصم: من كل زوجين اثنين* منوّنا، وكذلك في المؤمنين [27]. أبو بكر عن عاصم: من كل زوجين مضاف «3». قال أبو الحسن: تقول للاثنين: هما زوجان، وقال: ومن كل شيء خلقنا زوجين [الذاريات/ 49]، وتقول للمرأة:

_ على قوم وقت الظهيرة فاجتاحهم فجرى به المثل. ويقال: هو تصغير أعمى. (1) جاء رسمها في الأصل بالألف الممدودة «العماء». (2) لم نعثر على قائله. والبارح: الريح الحارّة في الصيف. (3) السبعة 333.

هي زوج، وهو زوجها، وقال: وخلق منها زوجها [النساء/ 6]، يعني المرأة. وقال: أمسك عليك زوجك [الأحزاب/ 37]، قال: وقال بعضهم: الزوجة، قال الأخطل «1»: زوجة أشمط مرهوب بوادره ... قد صار في رأسه التّخويص والنّزع قال أبو الحسن: وقد يقال للاثنين هما زوج، قال لبيد «2»: من كلّ محفوف يظلّ عصيّه ... زوج عليه كلّة وقرامها انتهى كلام أبي الحسن «3». قال أبو علي: ويدلّ على أن الزوج يقع على الواحد قوله: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ... ومن

_ (1) ديوانه 1/ 360. خوصه الشيب: إذا أخذ رأسه كله، والبوادر: ج بادرة وهي ما يبدر أي يسبق من الحدة والغضب- والنزع: انحسار الشعر من جانبي الجبهة. (2) المحفوف: الهودج الذي ستر بالثياب- عصيه: عصي الهودج- والزوج: النمط الواحد من الثياب كذا فسره شراح المعلقات، وهو خلاف ما فسره أبو الحسن من أنه قد يقال للاثنين هما زوج قال في اللسان: وقال بعضهم: الزوج هنا النمط يطرح على الهودج ويشبه أن يكون سمي بذلك لاشتماله على ما تحته اشتمال الرجل على المرأة. وهذا ليس بقوي. كلة: ستر رقيق. القرام: الغطاء، وهو الستر المرسل على جانب الهودج. انظر شرح المعلقات السبع 531 وديوانه/ 166 واللسان/ زوج/. (3) معاني القرآن 1/ 142 مع اختلاف يسير وتقديم وتأخير.

الإبل اثنين «1» ومن البقر اثنين [الأنعام/ 142 - 143]، قال: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6]. قال الكسائيّ: فيما حدّثنا محمد بن السري أن أكثر كلام العرب بالهاء يعني في قولهم: هي زوجته، قال الكسائيّ: وزعم القاسم معن أنه سمعها من الأزد أزد شنوءة. قال أبو علي: فأما ما كان من هذا في التنزيل، فليس فيه هاء، قال: اسكن أنت وزوجك الجنة [البقرة/ 35]، ومما يدلّ على أنه بغير هاء قول الشاعر «2»: وأراكم لدى المحاماة عندي ... مثل صون الرجال للأزواج فالأزواج: جمع زوج بلا هاء، ولو كان في الواحد الهاء لكان كروضة ورياض، فلما قال: أزواج، علمت أنه جعله مثل ثوب وأثواب، وحوض وأحواض. ويمكن أن يقول الكسائيّ: إن هذا جمع على تقدير حذف التاء كما قيل: نعمة وأنعم، فجمع على حذف التاء مثل: قطع وأقطع وجرو وأجر، ويمكن أن يقول: إنه على قول من قال: زوج فلم يلحقه الهاء، ويقال: لكل زوجين قرينان، وقيل في قوله: وزوجناهم بحور عين [الدخان/ 54] أي: قرنّاهم بهنّ، وليس من عقد التزويج على ما رويناه عن ابن سلام عن يونس «3»، وذاك أنه

_ (1) في الأصل: الاثنين وهو غلط. (2) لم نقف على قائله. (3) جاء على حاشية (ط): بلغت.

حكى عن يونس أن العرب لا تقول: تزوجت بها، إنما يقولون: تزوجتها، وحمل يونس، قوله: وزوجناهم بحور عين على: قرناهم، والتنزيل يدل على ما قال يونس وذلك قوله: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [الأحزاب/ 37] ولو كان على تزوّجت بها لكان زوّجناك بها، وقال ابن سلّام، وقال أبو البيداء: تميم تقول: تزوجت امرأة، وتزوجت بامرأة، ولا يبعد أن يكون قوله: زوجناكها على أنه حذف الحرف فوصل الفعل، فأما قوله: أو يزوجهم ذكرانا وإناثا [الشورى/ 50] فعلى معنى يقرنهم في هبته ذكرانا وإناثا، وكذلك قوله: وكنتم أزواجا ثلاثة [الواقعة/ 7]، فأصحاب الميمنة زوج، وأصحاب المشأمة زوج، والسابقون كذلك. وأما قوله: وآخر من شكله أزواج [ص/ 58] فإنّه يذكر في مكانه من هذا الكتاب إن شاء الله. من قال: من كل زوجين اثنين كان قوله: اثنين مفعول الحمل، والمعنى: احمل من الأزواج إذا كانت اثنين اثنين زوجين، فالزوجان في قوله: من كل زوجين يراد بهما الشّياع، وليس يراد بذلك الناقص عن الثلاثة، ومثل ذلك قوله: ... فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان «1»

_ (1) قطعة بيت تمامه: فاعمد لما يعلو فمالك بالذي وهو في شرح الأبيات المشكلة الإعراب- إيضاح الشعر- للمصنف ص 151 استشهد به هناك لما استشهد به هنا، وقال: أنشد الأصمعي لعلي بن الغدير الغنوي، وكذا نسبه العسكري في شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص 408 ونسبه في اللسان (يدي) (علا) إلى كعب بن سعد الغنوي.

إنّما يريد تشديد انتفاء قوته عنه، وتكثيره، ويبين هذا المعنى قول الفرزدق «1»: وكلّ رفيقي كلّ رحل وإن هما ... تعاطى القنا قوماهما أخوان فرفيقان اثنان لا يكونان رفيقي كلّ رحل، وإنما يريد الرفقاء إذا كانوا رفيقين رفيقين. ومن نوّن فقال: من كل زوجين اثنين فحذف المضاف من كلّ، ونوّن، فالمعنى: من كلّ شيء ومن كلّ زوج زوجين اثنين، فيكون انتصاب اثنين على أنه صفة لزوجين. فإن قلت: فالزوجان قد فهم أنّهما اثنان، فكيف جاز وصفهما بقوله: اثنين، فإنّ ذلك إنّما جاء للتأكيد والتشديد كما قال: لا تتخذوا إلهين اثنين [النحل/ 51]، وقد جاء في غير هذا من الصفات ما مصرفه إلى التأكيد، كمن قرأ: نعجة أنثى، وكقولهم: أمس الدابر، وأمس المدبر، وقوله: نفخة واحدة [الحاقة/ 13]، وقد علم من النفخة أنها واحدة. وقال: ومناة الثالثة الأخرى [النجم/ 20]. ومثل هذا في أنّه حمل مرة على الإضافة، وأخرى على التنوين قوله: وآتاكم من كل ما سألتموه [إبراهيم/ 34] ومن كل ما سألتموه. فمن أضاف كان المفعول محذوفا تقديره: من كلّ مسئول شيئا، أو مسئولا ونحو ذلك، ومثل ذلك: يخرج لنا مما تنبت الأرض [البقرة/ 61] أي: شيئا، فحذف المفعول،

_ (1) ديوانه/ 870 وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 4/ 208.

هود: 41

ويجوز في قياس قول أبي الحسن أن يكون الجار والمجرور في موضع نصب، وتكون من زائدة في الإيجاب كما تكون زائدة في غير الإيجاب. [هود: 41] اختلفوا في ضمّ الميم وفتحها من قوله عز وجل: مجراها [هود 41]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: مجراها بضم الميم. وقرأ حمزة والكسائيّ: مجراها بفتح الميم وكسر الراء، وكذلك حفص عن عاصم: مجراها بفتح الميم، وكسر الراء من غير إضافة. قال: وليس يكسر في القرآن غير هذا الحرف، يعني الراء في: مجراها. [هود: 41] وكلّهم قرأ: ومرساها [41] بضم الميم. وكان ابن كثير وابن عامر يفتحان الراء والسين «1». وكان نافع وعاصم في رواية أبي بكر يقرءانها بين الكسر والتفخيم. وكان أبو عمرو وحمزة والكسائيّ يميلون الراء من مجراها ويفتح أبو عمرو وحفص عن عاصم السين من مرساها، وأمالها حمزة والكسائي. وليس فيهم أحد جعلها نعتا «2».

_ (1) في السبعة: يفتحان الراء من (مجرها) والسين من (مرساها). (2) السبعة 333.

قال أبو علي: يجوز في قوله: بسم الله مجراها ومرساها أن يكون حالا من شيئين: من الضمير الذي في قوله: اركبوا ومن الضمير الذي في فيها، فإن جعلت قوله: بسم الله مجراها خبر مبتدأ مقدّم في قول من لم يرفع بالظرف، أو جعلته مرتفعا بالظرف، لم يكن قوله: بسم الله مجراها إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في فيها، ولا يجوز أن يكون من الضمير في قوله: اركبوا لأنه لا ذكر فيها يرجع إلى الضمير، ألا ترى أن الظرف في قول من رفع بالظرف قد ارتفع به الظاهر، وفي قول من رفع في هذا النحو بالابتداء، قد حمل في الظرف ضمير المبتدأ! فإذا كان كذلك، خلت الجملة من ذكر يعود من الحال إلى ذي الحال، وإذا خلا من ذلك، لم يكن إلّا حالا من الضمير الذي في فيها ويجوز أن يكون قوله: بسم الله حالا من الضمير الذي في اركبوا، على أن لا يكون الظرف خبرا عن الاسم الذي هو مجراها على ما كان في الوجه الأول، ولا يكون حالا عن الضمير على حدّ قولك: خرج بثيابه، وركب في سلاحه، والمعنى: ركب مستعدّا بسلاحه، أو متلبّسا بثيابه، وفي التنزيل: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به [المائدة/ 61]، فكأنّ المعنى: اركبوا متبرّكين باسم الله، ومتمسّكين بذكر اسم الله. فيكون في بسم الله ذكر يعود إلى المأمورين، فإن قلت: فكيف اتصال المصدر الذي هو: مجراها بالكلام على هذا، فإنه يكون متعلّقا بما في بسم الله من معنى الفعل، وجاز تعلّقه به لأنه يكون ظرفا على

نحو: من مقدم الحاج، وخفوق النجم، كأنه: متبرّكين، أو متمسّكين في وقت الجري، أو الإجراء، أو الرسوّ، أو الإرساء، على حسب الخلاف بين القراء ولا يكون الظرف متعلقا ب اركبوا لأن المعنى ليس عليه، ألا ترى أنه لا يراد: اركبوا فيها في وقت الجري والثبات، إنما المعنى: اركبوا الآن متبرّكين باسم الله في الوقتين اللذين لا ينفكّ الراكبون فيها منهما من الإرساء والإجراء، ليس يراد: اركبوا وقت الجري والرسوّ، فموضع مجراها نصب على هذا الوجه بأنه ظرف عمل فيه المعنى، وفي الوجه الأول رفع بالابتداء أو بالظرف، يدلّ على أنه في الوجه الأول رفع، وأن ذلك الفعل الذي كان يتعلق به، لا معتبر الآن قول الشاعر «1»: وا بأبي «2» أنت وفوك الأشنب ... كأنّما ذرّ عليه زرنب وأما قوله: مجراها فحجة من فتح قوله: وهي تجري بهم في موج كالجبال [هود/ 42]، ولو كان مجراها لكان: وهي تجريهم. وحجّة من ضمّ: أن جرت بهم، وأجرتهم يتقاربان في المعنى، فإذا قال: تجري بهم فكأنّه قال: تجريهم، ويقال:

_ (1) رجز لبعض بني تميم وهو الشاهد رقم 684 من شواهد المغني والزرنب: النبات الطيب الرائحة وقد ورد في المغني: «الزرنب». انظر شرح العيني 4/ 310 التصريح 2/ 197 والهمع 2/ 106 والدرر 2/ 139 واللسان مادة/ زرنب/. (2) في الأصل (ط): وا بأنت.

جرى الشيء وجريت به، وأجريته، مثل: ذهب وذهبت به، وأذهبته. فمن قرأ: مجراها فهو مصدر من: جرى الشيء يجري، ويدلّ على مجراها قوله: وهي تجري بهم، ويقال: رسا الشيء يرسو، قال «1»: فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع وقال: والجبال أرساها [النازعات/ 32]، وألقى في الأرض رواسي [النحل/ 15] فهذا يدلّ على رسا. وقوله: أيان مرساها [الأعراف/ 187] يدلّ على أرسى. وأمّا إمالة الألف من مرساها وتفخيمها فكلاهما حسن. وقول أحمد بن موسى: وليس منهم أحد جعلها اسما. يريد: ليس منهم أحد جعله اسم الفاعل وأجراها على اسم الله، فيقول: مجريها ومرسيها. وهي قراءة قد قرأ بها غيرهم، وليس ذلك بالوجه، لأنها لم تجر بعد، ولو جرت لكان فعل حال، فلا يكون صفة للمعرفة، فإذا لم يحسن على هذا الوجه حمل على البدل، بدل النكرة من المعرفة، كقوله: بالناصية ناصية كاذبة [العلق/ 15 - 16].

_ (1) البيت لعنترة العبسي من قصيدة قالها حين أغارت طيء على عبس- ومعناه أني حبست نفسا عارفة للشدائد. انظر ديوانه/ 264 والأمالي الشجرية 1/ 145 واللسان مادة/ عرف/.

هود: 42

[هود: 42] اختلفوا في كسر الياء وفتحها من قوله: يا بني اركب معنا [هود/ 42]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: يا بني اركب معنا مضافة بكسر الياء. وكذلك كلّ ما أضافه المتكلم إلى نفسه، فالياء فيه مكسورة، إذا كان الابن واحدا إلّا أنّ ابن كثير روي عنه في سورة لقمان أنه قرأ الأحرف الثلاثة [13، 16، 17] مختلفة الألفاظ فكان يقرأ «1»: يا بني لا تشرك [13] بحذف ياء الإضافة، ولا يشدّد ويسكن الياء، وقرأ الثانية: يا بني إنها [16] مشدّدة الياء مكسورة. وقرأ الثالثة: يا بني أقم [17] مثل الأولى ساكنة الياء، هكذا قرأت على قنبل عن القوّاس وتابع البزيّ القواس في الأوليين، وخالفه في الثالثة [فقرأ]: يا بني أقم بفتح الياء. وروى أبو بكر عن عاصم يا بني اركب معنا مفتوحة الياء في هذا الموضع، وسائر القرآن مكسورة الياء مثل حمزة وروى حفص عنه بالفتح في كلّ القرآن يا بني إذا كان واحدا «2». قال أبو علي: الكسر في الياء الوجه في قوله يا بني وذلك أن اللام في ابن ياء أو واو حذفت من ابن، كما حذفت من اسم واثنين، وإذا حقّرت ألحقت ياء التحقير، فلزم أن تردّ

_ (1) تكررت في (ط). (2) السبعة 333 - 334 وما بين معقوفين منه.

اللام التي حذفت، لأنّك لو لم تردّها لوجب أن تحرّك ياء التحقير بحركات الإعراب، وتعاقبها عليها، وهي لا تحرّك أبدا بحركة الإعراب ولا غيرها، ألا ترى أنّ من خفّف الهمزة الساكن ما قبلها نحو: الخبء [النحل/ 27] لم يفعل ذلك في الهمزة في نحو: أفياء، إنّما تبدل من الهمزة ياء، ويدغم فيها ياء التحقير كما يفعل ذلك مع ياء خطيئة، وواو مقروءة، ونحو ذلك من حروف المدّ التي لا تحرك. فإذا قلت: إن ياء التصغير أجريت هذا المجرى، علمت أنها لا تحرّك، كما لا تتحرك حروف المدّ التي أجريت ياء التحقير مجراها. ومما يدلّ على امتناع إلقاء حركة الإعراب على ياء التحقير أن حروف اللين إذا كانت حرف الإعراب، انقلبت ألفا نحو: عصا وقفا، فإن قلت: كيف انقلبت وحركة الإعراب غير لازمة؟ هلّا لم تنقلب كما لم تنقلب الواو المضمومة همزة في نحو: لا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237] حيث كانت غير لازمة. قيل: إن الحركة من حركات الإعراب، وإن كانت لا تلزم بعينها الحرف، فلا بدّ من لزوم حركة لغير عينها، فصارت حرف الإعراب لذلك، كأنه قد لزمته حركة واحدة، وهذا المعنى يوجب القلب، ألا ترى أنّ مثال الماضي من نحو: دعا، ورمى، قد لزم حرف الإعراب فيه الانقلاب، وكذلك لزم انقلاب لام نحو: عصا، ورحا، لأنّه لا يخلو من أن تلزمه حركة ما. فصار لذلك بمنزلة دعا، وقضى، ولم يكن بمنزلة قولهم: هذا فخذ، إذا وقعت ضمّة الإعراب فيها بعد كسرة العين من فخذ، لأنها لا تلزم، فالحركة التي ليست بعينها في إيجاب القلب، ليست كالحركة المعيّنة، فلو لم تردّ

اللام مع ياء التحقير وجعلتها محذوفة في التحقير، كما حذفتها في التكسير، للزم الياء التي للتحقير الانقلاب، كما لزم سائر حروف الإعراب، فتبطل دلالتها على التحقير، كما أن الألف في التكسير لو حرّكتها لبطلت دلالتها على التكسير، فلذلك رددت اللام، فإذا رددتها، وأضفت إلى نفسك، اجتمعت ثلاث ياءات. الأولى منها التي للتحقير، والثانية لام الفعل والثالثة التي للإضافة، تقول: هذا بنيّي، فإذا ناديت جاز فيه وجهان: إثبات الياء وحذفها، فمن قال: يا عبادي فأثبت، فقياس قوله أن يقول: يا بنيّي. ومن قال: يا عباد* قال: يا بني، فحذف التي للإضافة وأبقى الكسرة دلالة عليها. وهذا الوجه هو الجيّد عندهم، وذاك أن الياء ينبغي أن تحذف في هذا الموضع لمشابهتها التنوين، وذاك من أجل ما بينهما من المقاربة، ومن ثمّ أدغم في الياء والواو وهي على حرف كما أن التنوين كذلك، ولا تنفصل من المضاف كما لا ينفصل التنوين لمّا شابهها من هذه الوجوه، ومن غيرها أجريت الياء مجرى التنوين في حذفها من المنادى، كحذف التنوين منه، فقالوا: يا بنيّ، كما تقول: يا غلام، فتحذف الياء، وتبقي الكسرة دلالة عليها، فتقول على هذا: يا بنيّ أقبل. فإن قلت: فهلّا أثبت أبو عمرو الياء هنا، فقال: يا بنيي كما حكاه سيبويه عنه أنه قرأ: يا عبادي فاتقون «1» [الزمر/ 39] بإثبات

_ (1) الكتاب 1/ 316، قال الأستاذ النفاخ في فهرس شواهده: وغير معروف ذلك عن أبي عمرو عند القراء، وأخشى أن يكون قد التبس هذا الحرف على سيبويه بقوله تعالى: (يا عباد لا خوف عليكم) [الزخرف/ 68] فإن

الياء في يا عبادي فإنه يجوز أن يحذفها هنا، وإن أثبتها في قوله: يا عبادي لاجتماع الأمثال، ويجوز أن يكون أخذ بالوجهين جميعا، لأن إثبات الياء في المفرد وجه، فجعله بمنزلة الهاء في غلامه، وبمنزلة الندبة في: وا غلامك. قال أحمد: إلا أن ابن كثير روي عنه في سورة لقمان أنه قرأ الثلاثة الأحرف مختلفة الألفاظ، فكان يقرأ يا بني* بحذف ياء الإضافة، ولا يشدّد، ويسكن الياء. قال أبو علي: إذا قرئت على هذا، فقد حذفت ياء الإضافة، وحذفت الياء التي هي لام الفعل وبقيت الياء التي للتصغير. ووجه ذلك أنه على قوله على: «يا بنيّ أقبل» في الوصل، فإذا وقف قال: يا بنيّ، بياءين، مدغمة الأولى منهما في الأخرى، وخفّف في الوقف، كما يخفف في ضر وسر، فالراء من ضر مشددة، وكما خفّف في قول عمران «1»: قد كنت جارك حولا ما تروّعني ... فيه روائع من إنس ولا جان فخفف النون للوقف، وأطلقها كما شدّد للوقف، وأطلقها

_ أبا عمرو قرأه بإثبات الياء ساكنة في الوصل والوقف، مع أنه في مصاحف أهل البصرة بغير ياء، واحتج لذلك بأنه رأى الياء ثابتة في مصاحف أهل المدينة والحجاز ... (الفهرس 42). (1) هو عمران بن حطان الحروري، وهو في المحتسب 2/ 76 واللسان (جنى) وروايته فيه: قد كنت عندك.

في نحو «سبسبّا» «1» و «عيهلّي» «2». فلمّا حذفت الياء المدغم فيها بقيت الياء ساكنة، والموقوف عليها ياء التصغير، وكان ينبغي أن يكون ذلك في الوقف، فإن وصلها ساكنة فهو قياس «من إنس ولا جان» «3» في أنه خفّف، وأدرجه بحرف الإطلاق، وكذلك وصله بقوله: إنها* [لقمان/ 16]. وغير هذا الوجه في القراءة أولى، وقياس هذا على ما ذكرت لك، ولو كان هذا في فاصلة كان أحسن، لأن الفاصلة في حكم القافية. فإن قلت: فهلّا امتنع ذلك في الوقف على ياء التصغير، وياء التصغير لا يوقف عليها، ولا يلحق آخر الكلمة؛ قيل: إنها ليست في حكم الآخرة، وإن كان اللفظ على ذلك من حيث كان الحرف المحذوف للتخفيف في الوقف في حكم المثبت، لأن الحذف ليس بلازم له، يدلّك على ذلك قول الشاعر «4»: إن عديا ركبت إلى عدي ... وجعلت أموالها في الحطمي

_ (1) يشير في ذلك إلى بيت رؤبة: وهبت الريح بمور هبا ... تترك ما أبقى الدبى سبسبّا وقد سبق انظر 1/ 65 و 410. (2) يشير في ذلك إلى بيت منظور بن مرثد الأسدي وهو: نسلّ وجد الهائم المغتلّ ... ببازل وجناء أو عيهل وقد سبق انظر 1/ 151، 410 و 2/ 362. (3) سبق قريبا. (4) سبق انظر 2/ 301.

ارهن بنيك عنهم أرهن بني فالياء من بني مخففة للوقف، والتقدير: ارهن بنيّ يا هذا، فلمّا وقف عليه أسكن وخفّف، والياء المحذوفة في نية الثبات وحكمه، يدلّك على ذلك أنه لو كان على خلاف هذا لردّ النون في بنين، فلما لم يردّ النون، ولم يجز أن يردّها للخروج عن القافية، علمت أنها في حكم الثبات. ومثل هذا ممّا هو في حكم الثبات في اللفظ، وإن كان محذوفا منه قوله «1»: وكحّل العينين بالعواور

_ (1) من رجز لجندل بن المثنى الطهوي وهو: غرّك أن تقاربت أباعري ... وأن رأيت الدهر ذا الدوائر حنى عظامي وأراه ثاغرى ... وكحّل العينين بالعواور وهو من شواهد سيبويه 2/ 374 والخصائص 1/ 195 و 3/ 164 و 326 والمحتسب 1/ 107 - 290. المنصف 2/ 49 و 3/ 50 شواهد الشافية 374 واللسان مادة/ عور/. قال الأعلم: الشاهد فيه: تصحيح واو العواور الثانية، لأنه ينوي الياء المحذوفة من العواوير، والواو إذا وقعت في مثل هذا الموضع لم تهمز لبعدها من الطرف الذي هو أحق بالتغيير والاعتلال، ولو لم تكن فيه ياء منويّة للزم همزها. والعواوير: جمع عوّار، وهو وجع العين، وهو أيضا ما يسقط في العين فيؤلمها، وجعل ذلك كحلا للعين على الاستعارة. (طرة الكتاب 2/ 374).

فلولا أن الحرف في حكم الثبات، لهمزت كما همزت أوائل ونحوه. ومثل هذا الحرف المحذوف للتخفيف، الحذف في قولهم: ضوء، وشيء، ومثله الحركة المحذوفة في قولهم: لقضو الرجل، وقولهم: رضي. كلّ هذا وإن كان محذوفا في اللفظ فهو في حكم الثبات فيه، كما كان المحذوف فيه بعد ياء التحقير من: يا بني، في حكم الثبات. وأمّا مخالفة البزيّ القواس في الثالثة، وقراءته لها: يا بني أقم بفتح الياء، ورواية أبي بكر عن عاصم في هذا الموضع كذلك؛ فالقول فيه أنه أراد به الإضافة، كما أرادها في قوله: يا بني* إذا كسر الياء التي هي لام الفعل، كأنه قال: يا بني* ثم أبدل من الكسرة الفتحة، ومن الياء الألف، فصار: يا بنيّا، كما قال «1»: يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي ثمّ حذف الألف، كما كان يحذف الياء في: يا بني إنها وقد حذفت الياء التي للإضافة، إذا أبدلت الألف منها، أنشد أبو الحسن «2»: فلست بمدرك ما فات مني ... بلهف ولا بليت ولا لوانّي

_ (1) سبق ذكره في ص 91. (2) سبق ذكره ص 92.

قال: كذا سمعناه من العرب، فقوله: بلهف، إنّما هو بلهفى، فحذف الألف، وقد أجريت الألف مجرى الياء في الحذف في هذا النحو في الشعر وغيره، وإن لم يكثر فقالوا: أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، فحذفت الألف من ترى «1». كما حذفت الياء من يوم يأت لا تكلم نفس [هود/ 105] ونحوه، وحذف في الشعر من القافية، كما حذفت الياء قال «2»: ورهط ابن المعل وكذلك حذف الألف في بنيّ، كما حذف في النداء نحو: يا بنيّ، ولا يجوز أن يكون الحذف فيه على إرادة الندبة، قال أبو عثمان: ومن قال ذلك فقد أخطأ، قال: وذلك أن من كان من العرب لا يلحق في الندبة الألف فإنه يجعله نداء، فلو حذفها صار نداء على غير جهة الندبة، قال أبو عثمان: ووضع الألف مكان الياء في الإضافة مطّرد، وأجاز: يا زيد أقبل «3». إذا أردت الإضافة، قال: وعلى هذا قراءة من

_ (1) انظر 1/ 141. (2) قطعة من بيت سبق في 1/ 79، 141 و 4/ 92 في هذا الجزء. (3) في الكشف عن وجوه القراءات لمكي 1/ 530: وقد أجاز المازني: «يا زيدا تعال» يريد: يا زيدي، ثم أبدل من كسرة الدال فتحة، ومن الياء ألفا. قال المازني: وضع الألف مكان الياء مطرد، وعلى هذا قرأ ابن عامر: «يا أبت» بفتح التاء، أراد: يا أبتي.

هود: 46

قرأ، يا أبت لم تعبد [مريم/ 42] ويا قوم لا أسألكم [هود/ 29]، وأنشد أبو عثمان «1»: وقد زعموا أنّي جزعت عليهما ... وهل جزع إن قلت وا بأباهما فهذا الوجه أوجه من الإسكان، وقد أجازه أبو عثمان ورآه مطّردا، فعلى رأي أبي عثمان يكون ما رواه حفص عن عاصم أنه قرأ في كلّ القرآن: يا بني إذا كان واحدا. [هود: 46] اختلفوا في قوله تعالى: إنه عمل غير صالح [46] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة: إنه عمل رفع منون. غير صالح برفع الراء. وقرأ الكسائيّ وحده: إنه عمل غير صالح بفتح العين وكسر الميم، وفتح اللام، غير صالح بنصب الراء «2». قال أبو علي: قول من قال: عمل فنوّن عملا، أن الضمير في إنه* قد قيل فيه أن المراد به أنّ سؤالك ما ليس لك به علم غير صالح، ويحتمل أن يكون الضمير لما دلّ عليه: اركب معنا ولا تكن مع الكافرين [هود/ 42]، فيكون التقدير: إنّ كونك مع الكافرين وانحيازك إليهم، وتركك

_ (1) البيت مع آخر بعده في النوادر ص 365 (ط. الفاتح) ونسبهما لامرأة من بني سعد جاهلية، وفي ابن يعيش 2/ 12. وفي اللسان (أبي) ونسبهما إلى درنى بنت سيار بن ضبرة ترثي أخويها ويقال لعمرة الخثيميّة. وقولها: وا بأباهما تريد: وا بأبي هما. (2) السبعة 334.

الركوب معنا والدخول في جملتنا عمل غير صالح، ويجوز أن يكون الضمير لابن نوح كأنه جعل عملا غير صالح كما يجعل الشيء الشيء لكثرة ذلك منه كقولهم: الشعر زهير، أو يكون المراد أنه ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف. فأما قول نوح: إن ابني من أهلي [هود/ 45]، وقوله تعالى: إنه ليس من أهلك [هود/ 46]، فيجوز أن يكون نوح قال ذلك على ظاهر ما شاهد من ابنه من متابعته له، وتصديقه إياه. فقال له: ليس من أهلك أي: من أهل دينك، فحذف المضاف، ويجوز أن يكون المعنى: ليس من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم من الغرق، لمخالفته لك من الدين، فبعّد المخالفة في الدين قرب النسب الذي بينكما للمباينة في الإيمان، كما تقرّب الموالاة فيه مع البعد في النسب، قال: إنما المؤمنون إخوة [الحجرات/ 10]. ويجوز أن يكون الله تبارك وتعالى أطلع نوحا على باطن أمره، كما أطلع محمدا رسوله عليه السلام على ما استبطنه المنافقون. ومن قرأ: إنه عمل غير صالح فقد زعموا أن ذلك روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم «1»، فيكون هذا في المعنى كقراءة من قرأ: إنه عمل غير صالح وهو يجعل الضمير لابن نوح، فتكون

_ (1) أخرجه الترمذي في أبواب ثواب القرآن رقم 2932 عن شهر بن حوشب عن أم سلمة وأبو داود في كتاب الحروف والقراءات رقم 3983. وانظر معاني القرآن 2/ 17.

القراءتان متفقتين في المعنى، وإن اختلفتا في اللفظ. فأمّا قوله: ما ليس لك به علم فيحتمل قوله: به* في الآية وجهين: أحدهما أن يكون كقوله «1»: كان جزائي بالعصا أن أجلدا إذا قدّمت بالعصا للتبيين، وكقوله: وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف/ 20]، وإني لكما لمن الناصحين [الأعراف/ 21]، وأنا على ذلكم من الشاهدين [الأنبياء/ 56] وزعم أبو الحسن أن ذلك إنما يجوز في حروف الجر، والتقدير فيه «2» التعليق بمضمر يفسّره هذا الذي ظهر بعد، وان كان يجوز تسلّطه عليه، ومثل ذلك قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]، وقوله: ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق أئنكم لفي خلق جديد [سبأ/ 7]، فانتصب يوم يرون بما دلّ عليه لا بشرى يومئذ ولا يجوز لما بعد لا* هذه أن تتسلّط على يوم يرون وكذلك قوله: أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون [المؤمنون/ 82]، فإذا* يتعلق بما دلّ عليه إنا لمبعوثون ولا يجوز أن يتسلط

_ (1) من أرجوزة للعجاج وقبله: ربيته حتى إذا تمعددا ... وآض نهدا كالحصان أجردا انظر ملحقات ديوانه 2/ 281. المحتسب 2/ 310 المنصف 1/ 29 - 130 3/ 20 المفصل 9/ 151 الخزانة 3/ 562. (2) جاء عن الهامش: بلغت.

هود: 46

عليه، وكذلك إني لكما لمن الناصحين يتعلق بما يدل عليه النصح المظهر، وإن لم يتسلط عليه، والتقدير: إني ناصح لكما من الناصحين. وكذلك: ما ليس لك به علم [هود/ 46] يتعلّق بما يدلّ عليه قوله: علم الظاهر وإن لم يجز أن يعمل فيه، ويجوز في قوله: ما ليس لك به علم وجه آخر وهو أن يكون متعلّقا بالمستتر، وهو العامل فيه كتعلق الظرف بالمعاني كما نقول: ليس لك فيه رضا، فيكون به* في الآية بمنزلة: فيه، والعلم يراد به العلم المتيقن الذي يعلم به الشيء على حقيقته، ليس العلم الذي يعلم به الشيء على ظاهره، كالذي في قوله: فإن علمتموهن مؤمنات [الممتحنة/ 10] ونحو ما يعلمه الحاكم من شهادة الشاهدين، وإقرار المقرّ بما يدّعى عليه، ونحو ذلك مما يعلم به العلم الظاهر الذي يسع الحاكم الحكم بالشيء معه. [هود: 46] اختلفوا في قوله: فلا تسألن ما ليس لك به علم [هود/ 46]. فقرأ ابن كثير وابن عامر: فلا تسألن مفتوحة اللام مشدّدة النون غير واقعة. هكذا روى أبو عبيد عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر. وروى ابن ذكوان فلا تسألن مفتوحة اللام مشدّدة النون مكسورة النون، فهذا يدلّ على أنها واقعة خلاف ما روى أبو عبيد.

وقرأ نافع: فلا تسألن كما قرأ ابن كثير وابن عامر، غير أنه كسر النون. واختلف عنه في إثبات الياء في الوصل وحذفها، فروى ابن جمّاز وورش والكسائيّ عن إسماعيل بن جعفر، وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع: مشدّدة بالياء في الوصل. وقال المسيّبي وقالون في رواية القاضي عنه، وأبو عبيد القاسم بن سلّام، وسليمان بن داود الهاشمي، عن إسماعيل بن جعفر وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع فلا تسألن مكسورة من غير ياء في الوصل. وقال أحمد بن صالح عن ورش: فلا تسألن السين ساكنة والهمزة قبل اللام واللام ساكنة، والياء مثبتة في الوصل. وقال أحمد بن صالح عن قالون: اللام ساكنة والسين ساكنة، والنون مكسورة بغير ياء في وصل ولا وقف. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ: فلا تسألن ما ليس لك خفيفة النون ساكنة اللام. وكان أبو عمرو يثبت الياء في الوصل مثل نافع في رواية من روى عنه ذلك. وكان عاصم وحمزة والكسائي لا يثبتون الياء في الوصل والوقف «1». قال أبو علي: سألت: فعل يتعدّى إلى مفعولين، وليس مما يدخل على المبتدأ وخبره، فيمتنع أن يتعدى إلى مفعول واحد، فمن قرأ: تسألن بفتح اللام، ولم يكسر النون، عدّى

_ (1) السبعة 335 - 336.

هود: 66

السؤال إلى مفعول واحد في اللفظ، والمعنى على التعدي إلى ثان. قال: وروى ابن ذكوان مفتوحة اللام مشدّدة النون مكسورة، فهذا يدلّ على أنها واقعة، يريد أن كسر نون فلا تسألن يدلّ على أنه قد عدّى السؤال إلى مفعولين أحدهما اسم المتكلم، والآخر الاسم الموصول، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلّم لاجتماع النونات، كما حذفت النون من قولهم: «إني» لذلك، وكما حذف من قوله «1»: يسوء الفاليات إذا فليني فأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل، وحذفها أخفّ والكسرة تدلّ عليها ويعلم أن المفعول مراد في المعنى [هود: 66] اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله: يومئذ في ثلاثة مواضع: في هود [66] والنمل [89]، وسأل سائل [11]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ وهم من فزع يومئذ [النمل/ 89] مضافا ثلاثهن بكسر الميم. وقرأ عاصم وحمزة: ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ مثل أبي عمرو وأصحابه، وخالفوهم في قوله: من فزع يومئذ، فنوّن عاصم وحمزة، وفتحا الميم في يومئذ. وقرأ الكسائيّ: ومن خزي يومئذ ومن عذاب يومئذ

_ (1) عجز بيت لعمرو بن معديكرب. سبق ذكره في 3/ 334.

بفتح الميم فيهما مع الإضافة، وقرأ: وهم من فزع منونا، يومئذ نصبا. واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز وأبو بكر بن أبي أويس، والمسيّبي وقالون، وورش، ويعقوب بن جعفر، كلّ هؤلاء عن نافع بالإضافة في الأحرف «1» الثلاثة وفتح الميم، وقال إسماعيل بن جعفر عنه: بالإضافة في الثلاثة، وكسر الميم، ولا يجوز كسر الميم إذا نوّنت من فزع، ويجوز فتحها وكسرها إذا لم تنوّن «2». قال أبو علي: قوله: من خزي يومئذ يوم: من قوله: يومئذ* ظرف كسرت أو فتحت في المعنى إلا أنّه اتّسع فيه، فجعل اسما، كما اتّسع في قوله: بل مكر الليل والنهار [سبأ/ 33]، فأضيف المكر إليهما، وإنما هو فيهما، وكذلك العذاب والخزي والفزع، أضفن إلى اليوم، والمعنى على أن ذلك كلّه في اليوم، كما أن المكر في الليل والنهار، يدلّك على ذلك قوله: ولعذاب الآخرة أشق [الرعد/ 34]، ولعذاب الآخرة أخزى [فصلت/ 16]، وقوله: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] وقوله: ففزع من في السموات ومن في الأرض [النمل/ 87]، وقوله: ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته [آل عمران/ 192]. فأمّا العذاب عذاب الدنيا فعلى ضروب، قال: وما كنا

_ (1) في الأصل: الأحزاب، وهو تحريف وما أثبتناه من السبعة. (2) السبعة 336.

معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء/ 15]، والمعنى، والله أعلم: ما كنّا معذّبين عذاب الاستئصال، ومثلها: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا [القصص/ 59] كأن حجة العقل لا يستأصل بها إذا انفردت، ولم يؤخذ بها حتى يقع التنبيه عليها بالرسل، فإذا جاءت الرسل، فاقترحت عليهم الآيات، فلم يقع الإيمان عند مجيئها؛ عذّب حينئذ عذاب الاستئصال، قال: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [الإسراء/ 59]، فأخذوا بالاستئصال، فلو أتيناكم أنتم بالآيات التي اقترحتموها من نحو أن ننزّل عليكم كتابا من السّماء، أو نفجّر من الأرض ينبوعا، ونحو ذلك مما اقترحوا، فلم يؤمنوا؛ لمضى فيكم سنّة الأولين في امتناعهم من الإيمان، عند مجيء تلك الآيات، ومن ذلك قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم [الأنفال/ 33]، أي: ليعذبهم عذاب الاستئصال، لأنّ أمم الأنبياء إذا أهلكوا، لم يكن أنبياؤهم فيهم، وعلى هذا قال: وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون [الدخان 21]، وقال: فأسر بأهلك بقطع من الليل [هود/ 81]، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [الأنفال/ 33] أي: ومؤمنوهم يستغفرون ويصلّون، وما لهم ألا يعذبهم الله [الأنفال/ 34] أي: بالسيف في صدّهم عن المسجد الحرام المسلمين من غير أن تكون لهم عليهم ولاية، وذلك لما منعوا عنه، فقال: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام [الفتح/ 25]. فأمّا قراءة من قرأ: من عذاب يومئذ فكسر الميم فلأن يوما اسم معرب، أضيف إليه ما أضيف من العذاب، والخزي

والفزع، فانجرّ بالإضافة، ولم يفتح اليوم فيبنيه لإضافته إلى المبني، لأن المضاف منفصل من المضاف إليه، ولا تلزمه الإضافة، فلمّا لم تلزم الإضافة المضاف لم يلزم فيه البناء، يدلّ على ذلك أنك تقول: ثوب خزّ، ودار زيد، فلا يجوز فيه إلا إعرابه، وإن كان الاسمان قد عملا بمعنى الحرف، ولا يلزمهما البناء، كما يلزم ما لا ينفك منه معنى الحرف في نحو أين، وكيف، ومتى، فكما لم يبن المضاف، وإن كان قد عمل عمل الحرف من حيث كان غير لازم، كذلك لم يبن يوم للإضافة إلى «إذ» لأن إضافته لا تلزم كما لم يبن المضاف، وإن كان قد عمل في المضاف إليه بمعنى اللام ومعنى «من» لمّا لم تلزم الإضافة. ومن فتح فقال: من عذاب يومئذ ففتح، مع أنه في موضع جر، فلأن المضاف يكتسي من المصاف إليه التعريف والتنكير، ومعنى الاستفهام والجزاء في نحو: غلام من تضرب؟ وغلام من تضرب أضربه «1». والنفي في نحو قولهم: ما أخذت باب دار أحد، فلما كان يكتسي من المضاف إليه هذه الأشياء اكتسى منه الإعراب والبناء أيضا، إذا كان المضاف من الأسماء الشائعة نحو: يوم، وحين، ومثل، وشبيه بهذا الشّياع الأسماء الشائعة المبنية نحو: أين وكيف، ولو كان المضاف مخصوصا نحو: رجل وغلام، لم يكتس منه البناء كما اكتسى من الأسماء الشائعة، فمما جاء من ذلك:

_ (1) قوله: غلام من تضرب؟ اكتسى المضاف من المضاف إليه الاستفهام. وغلام من تضرب أضربه: اكتسى الجزاء. لم يمثل للتعريف، وهو مثل

على حين عاتبت المشيب على الصّبا «1» وقوله: لم يمنع الشّرب منها غير أن هتفت «2» ومن ذلك قوله: إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون

_ قولك: هذا غلام زيد. (1) صدر بيت للنابغة في ديوانه ص 44، وعجزه: وقلت ألمّا أصح والشيب وازع وهو من شواهد سيبويه 1/ 369 والكامل 1/ 158 والمنصف 1/ 58 وابن الشجري 1/ 46 و 2/ 264 - والمفصل 3/ 16، 81 و 4/ 91 و 8/ 146 والخزانة 3/ 151 وشرح أبيات المغني 7/ 123 (2) صدر بيت لأبي قيس بن الأسلت وعجزه: حمامة في غصون ذات أو قال أنشده سيبويه 1/ 369 في «باب ما تكون فيه أنّ وأن مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء» وقال: وذلك قولك: «ما أتاني إلا أنهم قالوا كذا وكذا» فأن في موضع اسم مرفوع كأنه قال: ما أتاني إلا قولهم كذا وكذا. والحجة على أن هذا في موضع رفع أن أبا الخطاب حدثنا أنه سمع من العرب الموثوق بهم من ينشد هذا البيت رفعا: لم يمنع الشرب منها غير ... البيت وزعموا أن ناسا من العرب ينصبون هذا الذي في موضع الرفع، فقال الخليل: هذا كنصب بعضهم «يومئذ» في كل موضع ... الخ. والبيت من شواهد ابن الشجري 1/ 46 و 2/ 265 وفيه بسط للمسألة. والخزانة 2/ 45 و/ 144، 152 وشرح أبيات المغني 3/ 395 واللسان (وقل). وأوقال: جمع وقل، وهو ثمرة لشجرة المقل.

[الذاريات/ 23]. ومثل* في موضع رفع في قول سيبويه «1»، وقد جرى وصفا على النكرة إلا أنه فتح للإضافة إلى أنّ ومن ذلك «2»: وتداعى منخراه بدم ... مثل ما أثمر حمّاض الجبل لما أضاف مثلا إلى المبنيّ وكان اسما شائعا بناه ولم يعربه، وأبو عثمان يذهب إلى أنه جعل مثلا مع ما بمنزلة اسم واحد، فبنى مثلا على الفتح، ولا دلالة قاطعة على هذا القول من هذا البيت، وإن كان ما ذهب إليه مستقيما لما نذكره في هذه المسألة إن شاء الله، فأمّا الكسر في إذ* فلالتقاء الساكنين، وذلك أن إذ من حكمها أن تضاف إلى الجملة من الابتداء والخبر، فلما اقتطعت عنها الإضافة نونت ليدل التنوين على أن المضاف إليه قد حذف فصار التنوين هنا ليدل على قطع الإضافة من المضاف كما صار يدلّ على انقضاء البيت في قول من نوّن في الإنشاد أواخر الأبيات. فقال «3»:

_ (1) انظر الكتاب 1/ 470 وقد أوردها بقراءة الرفع (مثل ما) وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وستأتي في موضعها من الذاريات. وانظر أمالي ابن الشجري 2/ 264، 265. (2) البيت عند ابن يعيش في شرح المفصل 8/ 135 ابن الشجري في أماليه 2/ 266 واللسان في مادة/ حمض/- والحمّاض: بقلة برّية تنبت أيام الربيع في مسايل الماء ولها ثمرة حمراء- (3) مطلع أرجوزة للعجاج وبعده: من طلل أمسى تخال المصحفا

يا صاح ما هاج الدموع الذّرّفن ... و: أقلّي اللوم عاذل والعتابا «1» و: يا أبتا علّك أو عساكن «2» فكما دلّ التنوين في هذه الأواخر على انقطاع الإضافة عن المضاف إليه، كذلك يدلّ في يومئذ وحينئذ على ذلك، فكسرت الذال لسكونها وسكون التنوين. والتنوين يجيء على غير ضرب في كلامهم، منه هذا الذي ذكرناه، ومنه ما يدخل على كلم مبنية؛ فيفصل بين المعرفة منها والنكرة مثل، غاق وغاق، ولا يجوز أن يكون هذا التنوين الذي في نحو رجل وفرس، لأن هذا التنوين لا يدخل إلا الأسماء المتمكّنة، وقد يمتنع من الدخول على بعض المتمكّن نحو ما لا ينصرف، فتعلم بهذا أن الذي في «إيه» ليس الذي يدخل المتمكن ومن ذلك التنوين الذي يدخل في مسلمات ونحوه في جمع المؤنث، ليس ذلك على الحدّ الذي في رجل، ونحوه لو كان كذلك لسقط من قوله: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله

_ وهو من شواهد سيبويه 2/ 299 والعينى 1/ 26 واراجيز البكري/ 48 - وديوان العجاج 2/ 219. (1) صدر بيت لجرير سبق ذكره في 1/ 73 و 2/ 361 و 376. (2) عجز بيت لرؤبة في ديوانه ص 181 وصدره: تقول بنتي قد أنى أناكا وهو من شواهد سيبويه 1/ 388 2 99 والخصائص 2/ 96 والمقتضب 3/ 71 والمحتسب 2/ 213 وابن الشجري 2/ 76 - 104 - والإنصاف/ 222 والمفصل 2/ 12، 3/ 120 - و 7/ 132 - والخزانة

هود: 68

[البقرة/ 128]، فأما قول من أضاف من عذاب يومئذ وفزع يومئذ ومن خزي يومئذ فلأنها معارف تعرفت بالإضافة إلى اليوم، يدلّك على ذلك قوله: ولعذاب الآخرة أشق [الرعد/ 34]، وقوله: ففزع من في السموات [النمل/ 87]، وقوله: فقد أخزيته [آل عمران/ 192]، فهذه أمور قد تعرّفت بالإضافة إلى اليوم، فالوجه فيها الإضافة إليه. فأمّا تنوين الكسائي وهم من فزع يومئذ، وتنكيره الفزع، فهو في التخصيص مثل العذاب والخزي، فحقّه الإضافة، كالأخريين، وكأنّه فصل فنوّن، ولم يضف، لأنه لما جاء الفزع الأكبر دلّ ذلك على ضروب منه. فإذا نوّن فقد وقع الأمن من جميع ذلك، أكبره وأوسطه وأدونه، والفتحة في قوله: من فزع يومئذ ينبغي أن تكون فتحة لا نصبة، لأنه قد فتح من عذاب يومئذ ومن خزي يومئذ، فبنى يوما لمّا أضافه إلى غير متمكن، فكذلك يبنيه إذا نوّن المصدر. ويجوز في قوله: يومئذ على هذه القراءة أن يكون معمول المصدر، ويجوز أيضا أن يكون معمول اسم الفاعل. [هود: 68] اختلفوا في صرف ثمود وترك إجرائه في خمسة مواضع، في هود: ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود [68]، وفي الفرقان: وعادا وثمودا وأصحاب الرس [38]، وفي العنكبوت: وعادا وثمودا وقد تبين لكم [38]، وفي النّجم: وثمود فما أبقى [51].

_ 2/ 441 - وهو الشاهد 269 - 275 - 1196 من شواهد المغني.

فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع: في هود: ألا إن ثمودا وفي الفرقان: وعادا وثمودا وأصحاب الرسّ وفي العنكبوت: وعادا وثمودا وقد تبين لكم وفي النجم: وثمودا فما أبقى، ولم يصرفوا: ألا بعدا لثمود [68]. وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف. وقرأ الكسائي بصرفهنّ جمع. واختلف عن عاصم في التي في سورة النجم فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم أنه أجرى ثمودا في ثلاثة مواضع: في هود والفرقان، والعنكبوت ولم يجره في النجم. وروى الكسائيّ عن أبي بكر وحسين الجعفي أيضا عن أبي بكر عن عاصم أنه أجرى الأربعة الأحرف، وروى حفص عن عاصم أنه لم يجر ثمود في شيء من القرآن مثل حمزة «1». قال أبو علي: هذه الأسماء التي تجري على القبائل والأحياء على أضرب: أحدها: أن يكون اسما للحيّ أو للأب، والآخر: أن يكون اسما للقبيلة. والثالث: أن يكون الغالب عليه الأب، أو الحيّ، أو القبيلة. والرابع: أن يستوي ذلك في الاسم، فيجيء على الوجهين، ولا يكون لأحد الوجهين مزيّة على الآخر في الكثرة.

_ (1) السبعة 337.

فممّا جاء على أنه اسم الحيّ قولهم: ثقيف وقريش، وكلّ ما لا يقال فيه بنو فلان، وأمّا ما جاء اسما للقبيلة، فنحو: تميم، قالوا: تميم بن قرّ، قال سيبويه: وسمعناهم يقولون: قيس ابنة عيلان، وتميم صاحبة ذلك «1». وقالوا: تغلب ابنة وائل، قال «2»: لولا فوارس تغلب ابنة وائل ... نزل العدوّ عليك كلّ مكان وأما ما غلب اسما للحي أو القبيلة فقد قالوا: باهلة بن أعصر، وقالوا: يعصر، وباهلة اسم امرأة، قال سيبويه: ولكنه جعل اسم الحيّ ومجوس لم تجعل إلا اسم القبيلة، وسدوس أكثرهم يجعله اسم القبيلة وتميم أكثرهم يجعله اسم القبيلة، ومنهم من يجعله اسم الأب. وأما ما استوى فيه أن يكون اسما للقبيلة، وأن يكون اسما للحيّ فقال سيبويه: ثمود وسبأ هما مرّة للقبيلتين، ومرّة للحيّين، وكثرتهما سواء، قال: وعادا وثمودا [الفرقان/ 38] وقال: ألا إن ثمودا كفروا ربهم [هود/ 68]، وقال: وآتينا ثمود الناقة [الإسراء/ 59]، فإذا استوى في ثمود أن يكون مرة للقبيلة، ومرة للحيّ، ولم يكن يحمله على أحد الوجهين مزيّة

_ (1) سيبويه 2/ 26 وفيه بنت بدل: ابنة. وانظر باب أسماء القبائل والأحياء وما يضاف إلى الأم والأب. 2/ 25 وباب: ما لم يقع إلا اسما للقبيلة 2/ 28. (2) البيت للفرزدق من قصيدة يمدح فيها بني تغلب ويهجو جريرا انظر ديوانه/ 883، والمقتضب 3/ 360.

في الكثرة، فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا، ومن لم يصرف في جميع المواضع فكذلك. وكذلك إن صرف في موضع ولم يصرف في موضع آخر، إلا أنّه لا ينبغي أن يخرج عما قرأت به القرّاء، لأنّ القراءة سنّة، فلا ينبغي أن تحمل على ما تجوّزه العربيّة حتى ينضم إلى ذلك الأثر من قراءة القرّاء. ومثل ثمود في أنّه يكون مرّة مذكّرا اسما للأب أو الحيّ، فيصرف، ومرّة يؤنّث فيكون اسما للقبيلة فلا يصرف قوله تعالى: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها [النمل/ 91]، وفي الأخرى: وهذا البلد الأمين [التين/ 3]، فعبّر عن مكان بعينه مرّة بلفظ التذكير، وأخرى بلفظ التأنيث، والبلدة المحرّمة يعني بها مكة وكذلك وهذا البلد الأمين فوصف بالأمن مثل قوله: ومن دخله كان آمنا [آل عمران/ 97]، فجرى الوصف على البلد في اللفظ، والمعنى على من فيه من طارئ وقاطن، وهذا آمن في حكم الشرع لا يهاج فيه، ولا يفعل به ما يكون يفعله به غير آمن، ومن ذلك قول الشاعر «1»: كسا الله حيّي تغلب ابنة وائل ... من اللّؤم أظفارا بطيئا نصولها

_ (1) البيت لعميرة بن جعيل التغلبي وهو من المفضلية/ 63 وهو في الشعر والشعراء 2/ 650 والمعاني الكبير 1/ 503 والخزانة 1/ 458. قال ابن قتيبة: يقول: لم يؤتوا في لؤمهم من قبل أمهاتهم، ولكن ألزقها بالعفر- وهو التراب- الآباء.

أضاف إلى نفسه فقال: حيي، ثم قال: تغلب ابنة وائل، فجمع بين الحي والقبيلة، وجعلهما بمنزلة، ومن هذا الباب ما أنشده سيبويه «1»: سادوا البلاد وأصبحوا في آدم ... بلغوا بها بيض الوجوه فحولا القول في آدم أنّه لا يخلو أن يكون الاسم المخصوص، أو يراد به الحيّ أو القبيلة كتميم وتغلب وقريش، فلا يجوز أن يكون الاسم العلم لقوله: وأصبحوا في آدم، لو قلت: أصبحوا في زيد، وأنت تريد الاسم العلم، لم يجز كما يجوز ذلك إذا أردت به الاسم العام، كقوله «2»: أو تصبحي في الظّاعن المولّي فإذا لم يجز أن يكون العلم، ثبت أنه لا يخلو من أن يراد به الحيّ أو القبيلة أو يجوز الأمران فيه، ولا دلالة على إرادته واحدا منهما، ألا ترى أنه لو لم يصرف آدم لم تكن فيه دلالة على أحد هذه الأمور من اللفظ، لأنك إن أردت الحيّ لم تصرف كما تصرف أفكل اسم رجل، وإن أردت القبيلة، لم يجز أن ينصرف. كما أنك إذا سميت امرأة أفكل لم ينصرف، وكذلك لو استعمل فيه الأمران، فكذلك إذا صرفته في الشعر للضرورة، لم يكن فيه دليل على أحد الأمرين دون الآخر.

_ (1) سيبويه 2/ 28 ولم ينسبه. الهمع 1/ 35 الدرر 1/ 10. وفي الأصل: «ساروا» بدل «سادوا» والتصويب من سيبويه. (2) سبق ذكره في 1/ 151 و 2/ 133.

فإذا لم ينفصل ذلك ولم يتميز في اللفظ، علمت أنه لا يخلو من واحد من ذلك، ولا سبيل إلى أن يقطع على شيء مما يحتمله من جهة اللفظ، فأما قوله «1»: أولئك أولى من يهود بمدحة ... إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب فقد قامت الدّلالة على أن يهود استعملت على أنها للقبيلة ليس للحيّ من قوله: «أولئك أولى من يهود» لأنّ يهود لو كان الحيّ لم ينصرف، ولم يذكره سيبويه ليستشهد به على أن الاسم وضع للقبيلة، إنما أخبر أنّه في البيت للقبيلة، ويعلم ذلك في استعمالهم، ونحو ما أنشدناه أبو الحسن علي بن سليمان «2». فرّت يهود وأسلمت جيرانها ... صمّي لما فعلت يهود صمام وكذلك في الحديث: «تقسم يهود» «3»، فبهذا النحو علم أن هذا الاسم أريد به القبيلة. ومثل يهود في هذا مجوس ويدلّ على ذلك ما أنشده من قوله «4»: كنار مجوس تستعر استعارا

_ (1) من شواهد سيبويه 2/ 29 ونسبه لرجل من الأنصار. (2) سبق ذكره في 3/ 342 وقائله الأسود بن يعفر. (3) الحديث في مسند أحمد بن حنبل 4/ 2 بلفظ: ليقسم منكم خمسون أن يهود قتلته. (4) نسبه سيبويه 2/ 28 لامرئ القيس وصدره: أحار ترى بريقا هبّ وهنا

هود: 69

ألا ترى أنه لو كان للحي دون القبيلة، لانصرف، ولم يكن فيه مانع من الصرف. [هود: 69] اختلفوا في قوله: قالوا سلاما قال سلام [هود/ 69، الذاريات/ 25]، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: قالوا سلاما قال سلام بألف في السورتين جميعا. وقرأ حمزة والكسائي: قالوا سلاما قال سلم بكسر السين وتسكين اللام في السورتين جميعا، هاهنا وفي سورة الذاريات [25] «1». قال أبو علي: أخبرنا أبو إسحاق: قال سمعت محمد بن يزيد يقول: السلام في اللغة أربعة أشياء: فمنها مصدر سلّمت، ومنها: السلام جمع سلامة، ومنها السلام: اسم من أسماء الله تعالى، ومنها السلام: شجرة، ومنه قول الأخطل «2»: إلّا سلام وحرمل قال أبو علي: فقوله: دار السلام، يجوز أن يكون أضيفت إلى الله سبحانه تعظيما لها. ويجوز أن يكون: دار السلامة من العذاب، فمن جعل فيها كان على خلاف من وصف بقوله: ويأتيه الموت من كل مكان [إبراهيم/ 17].

_ وهو في ديوانه مما أجازه التوأم اليشكري لامرئ القيس عند ما تحداه بذلك. فقال امرؤ القيس الصدر وقال التوأم العجز. انظر ديوان امرئ القيس/ 147. (1) السبعة 337 - 338. (2) تمام البيت:

فأما انتصاب قوله سلاما فلأنّه لم يحك شيء تكلّموا به، فيحكى كما تحكى الجمل، ولكن هو معنى ما تكلّمت به الرسل، كما أنّ القائل إذا قال: لا إله إلا «1» الله، فقلت: حقا، أو قلت: إخلاصا، اختلف القول في المصدرين لأنّك ذكرت معنى ما قال، ولم تحك نفس الكلام الذي هو جملة تحكى، فكذلك نصب سلاما في قوله: قالوا سلاما لمّا كان معنى ما قيل، ولم يكن نفس المقول بعينه. وأما قوله: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [الفرقان/ 63]، فقال سيبويه: زعم أبو الخطّاب أن مثله يريد: مثل قولك: سبحان الله، تفسيره: براءة الله من السوء- قولك للرجل: سلاما تريد: تسلّما منك، لا التبس بشيء من أمرك «2». فعلى هذا المعنى وجه ما في الآية، قال «3»: وزعم أن قول أميّة «4»: سلامك ربّنا في كلّ فجر ... بريئا ما تغنّثك الذموم

_ فرابية السّكران قفر فما بها ... لهم شبح إلّا سلام وحرمل والسكران: اسم موضع- والسلام: شجر صغار والواحدة: سلمة- والحرمل: ضرب من النبات- انظر ديوانه 1/ 14. (1) سقطت من الأصل. (2) الكتاب 1/ 163. (3) يريد أبا الخطاب، والنقل من سيبويه 1/ 164. (4) سبق ذكره في 2/ 151 - 298.

على قوله: براءتك ربّنا من كلّ سوء. فزعم سيبويه أن من العرب من يرفع سلاما إذا أراد معنى المبارأة، كما رفعوا حنان. قال: سمعنا بعض العرب يقول لرجل: لا تكوننّ منّي في شيء إلا سلام بسلام، أي: أمري وأمرك المبارأة والمتاركة، يريد أن حنانا في أكثر الأمر منصوب كما أن سلاما كذلك، فمن ذلك قوله «1»: حنانك ربّنا وله عنونا وقد رفع في قوله «2»: فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا فإذا نصب سلاما بعد إلا، فانتصابه على ما كان ينتصب عليه قبل، وقوله: بسلام، صفة لسلام المنصوب، فإذا رفع كانت الجملة بعد إلا كقوله: ما أفعل كذا إلا حلّ ذاك أن أفعل، وتركوا إظهار الرافع. كما ترك إظهاره في قوله: حنان والمعنى: أمرنا حنان وشأننا سلام. وأما قوله: قال سلام فما لبث [هود/ 69] فقوله: سلام مرفوع لأنه من جملة الجملة المحكيّة، والتقدير فيه: سلام عليكم، فحذف الخبر كما حذف من قوله: فصبر جميل [يوسف/ 18] أي: صبر جميل أمثل، أو يكون المعنى: أمري سلام، وشأني سلام كما أن قوله: فصبر

_ (1) لم نعثر على قائله؟ (2) قد سبق ذكره عند كلامه على الأعراف/ 164 في هذا الجزء. ص 98.

جميل يصلح أن يكون المحذوف منه المبتدأ، ومثل ذلك قوله: فاصفح عنهم، وقل سلام [الزخرف/ 89] على حذف الخبر أو المبتدأ الذي سلام خبره. وأكثر ما يستعمل سلام بغير ألف ولام، وذاك أنّه في معنى الدعاء، فهو مثل قولهم: «خير بين يديك، وأمت في حجر لا فيك» «1» لما كان في معنى المنصوب استجيز فيه الابتداء بالنكرة، فمن ذلك قوله: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي [مريم/ 47]، وقال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23]. وقال: سلام على نوح في العالمين [الصافات/ 79]، سلام على إبراهيم [الصافات/ 109] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59]، ومما جاء في الشعر من ذلك «2»: .. لا سلام على عمرو

_ (1) الكتاب 1/ 166. وعنه في اللسان (أمت): قال سيبويه: وقالوا أمت في حجر لا فيك، أي: ليكن الأمت في الحجارة لا فيك، ومعناه أبقاك الله بعد فناء الحجارة، وهي مما يوصف بالخلود والبقاء. الأمت: العوج. (2) من بيت لجرير في ديوانه ص 279 وتمامه: ونبّئت جوّابا وسكنا يسبّني ... وعمرو بن عفرا لا سلام على عمرو وجوّاب وسكن وعمرو كلهم من بني ضبّة. والبيت من شواهد سيبويه 1/ 357 والمقتضب 4/ 381 واللسان مادة/ سكن/.

وقد جاء بالألف واللام، قال: والسلام على من اتبع الهدى [طه/ 47]، والسلام علي يوم ولدت [مريم/ 33]. وزعم أبو الحسن أن من العرب من يقول: سلام عليكم، ومنهم من يقول: السلام عليكم، فالذين ألحقوا الألف واللام حملوه على المعهود، والذين لم يلحقوه حملوه على غير المعهود، وزعم أن منهم من يقول: سلام عليكم، فلا ينوّن، وحمل ذلك على وجهين: أحدهما: أنه حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الأصل من نحو: لم يك، ولا أدر، ويوم يأت لا تكلم [هود/ 105]، والآخر: أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة وفيها الألف واللام، حذفا منه لكثرة الاستعمال كما حذف من: اللهم، فقالوا: لا همّ إنّ عامر الفجور ... قد حبس الخيل على معمور «1» وأمّا من قرأ: قالوا سلاما قال سلم [هود/ 69] فإن سلما، يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون بمعنى سلام، فيكون المعنى: أمرنا سلم، أو سلم عليكم، ويكون سلم* في أنه بمعنى سلام، لقولهم: حلّ وحلال وحرم وحرام، فيكون على هذا قراءة من قرأ: قال سلم وسلام بمعنى واحد وإن اختلف اللفظان. والآخر: أن يكون سلم خلاف العدوّ والحرب، كأنّهم لمّا كفّوا عن تناول ما قدّمه إليهم، فنكرهم وأوجس منهم خيفة

_ (1) لم نعثر على قائله.

هود: 71

[هود/ 70] قال: أنا سلم ولست بحرب ولا عدوّ، فلا تمتنعوا من تناول طعامي، كما يمتنع من تناول طعام العدو. وقرأ حمزة والكسائيّ في الذاريات أيضا سلم* والقول فيه كما ذكرناه في هذا الموضع سواء. ألا ترى أن ثمّ إيجاس خيفة وامتناعا من تناول ما قدّم إليهم مثل ما هاهنا. [هود: 71] اختلفوا في فتح الباء وضمّها من قوله: يعقوب* [71]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: ومن وراء إسحاق يعقوب رفعا. وقرأ ابن عامر وحمزة: يعقوب نصبا. واختلف عن عاصم، فروى عنه أبو بكر بالرفع، وروى حفص عنه بالنصب «1». قال أبو علي: من رفع فقال: ومن وراء إسحاق يعقوب كان رفعه بالابتداء أو بالظرف في قول من رفع به، وكان بيّن الوجه. ومن فتح فقال يعقوب: احتمل ثلاثة أضرب. أحدها: أن يكون يعقوب في موضع جرّ، المعنى: فبشّرناها بإسحاق ويعقوب، قال أبو الحسن: وهو أقوى في المعنى، لأنها قد بشّرت به، قال: وفي إعمالها ضعف، لأنّك فصلت بين الجار والمجرور بالظرف. والآخر: أن تحمله على موضع الجار والمجرور كقوله «2»:

_ (1) السبعة 338. (2) عجز بيت لكعب بن جعيل سبق في 1/ 28.

إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا وبقراءة من قرأ: وحورا عينا [الواقعة/ 22] بعد: يطاف عليهم بكذا، ومثله «1»: فلسنا بالجبال ولا الحديدا والثالث: أن تحمله على فعل مضمر، كأنه: فبشّرناها بإسحاق، ووهبنا له يعقوب، فأمّا الأوّل فقد نصّ سيبويه على قبح مثله نحو: مررت بزيد أول من أمس، وأمس عمرو، وكذلك قال أبو الحسن: قال: لو قلت: مررت بزيد اليوم، وأمس عمرو؛ لم يحسن، فأما الحمل على الموضع على حدّ: مررت بزيد وعمرا، فالفصل فيه أيضا قبيح، كما قبح الحمل على الجر، وغير الجر في هذا في القياس مثل الجر في القبح، وذلك أن الفعل يصل بحرف العطف، وحرف العطف هو الذي يشرك في الفعل، وبه يصل الفعل إلى المفعول به، كما يصل بحرف الجر، ولو قال: مررت بزيد قائما، فجعل الحال من المجرور، لم يجز التقديم عند سيبويه، لأن الجارّ هو الموصل للفعل، فكما قبح التقديم عنده لضعف الجارّ والعامل، كذلك الحرف العاطف مثل الجار في أنه يشرك في الفعل، كما يوصل الجارّ الفعل، وليس نفس الفعل العامل في الموضعين جميعا، وإذا كان كذلك قبح الفصل بالظرف في العطف على الموضع، وقبح أيضا الفصل في حروف الرفع

_ (1) عجز بيت لعقيبة الأسدي سبق انظر 284 وسيأتي في ص 450.

والنصب، كما قبح [] «1» إن العاطف فيهما مثله في الجار، وليس العامل نفس الرافع والناصب، كما أن العامل فيما بعد حرف العطف ليس الجارّ، إنّما يشركه فيه العاطف، وقد جاء ذلك في الشعر. قال ابن أحمر «2»: أبو حنش يؤرّقنا وطلق ... وعبّاد وآونة أثالا ففصل بالظرف في العطف على الرافع، وقال الأعشى «3»:

_ (1) في الأصل كلمة غير واضحة بسبب كشط الكتابة بالتصاق الحبر بسبب الرطوبة ولعلها: «أن يكون». (2) سبق في 1/ 233 وهو من قصيدة يذكر فيها جماعة من قومه لحقوا بالشام فصار يراهم في النوم إذا أتى الليل- وهو بالإضافة إلى ما ذكر في أمالي ابن الشجري 1/ 126 - 128 - 2/ 92 - 93 والخصائص 2/ 378 والإنصاف/ 354. وقوله: أثالا، ترخيم: أثالة فحذف تاء التأنيث، وهي مرفوعة معطوفة على أبو حنش، وأبقى فتحة اللام وجاء بعدها بألف الإطلاق. (3) البيت في الديوان برواية (أردية الخمس) والعصب: ضرب من البرود، ونغل الأديم: فسد في الدباغ- ونغل وجه الأرض إذا تهشم من الجدوبة- وهذا البيت من قصيدة يمدح فيها سلامة ذا فائش انظر ديوانه/ 233 وشرح أبيات المغني 2/ 163 - 164 والخصائص 2/ 395 والمقرب 1/ 235 واللسان (نغل). قال ابن جني: أراد: تراها يوما كمثل أردية العصب، وأديمها يوما آخر نغلا، ففصل بالظرف بين حرف العطف والمعطوف به على المنصوب من قبله وهو (ها) من: تراها، وهذا أسهل من قراءة من قرأ: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) إذا جعلت (يعقوب) في موضع جر، وعليه تلقاه القوم من أنه مجرور الموضع. وإنما كانت الآية أصعب مأخذا

هود: 81

يوما تراها كشبه أردية ال ... عصب ويوما أديمها نغلا ففصل بالظرف بين المشترك في النصب، وما أشركه فيه، فإذا قبح الفصل في الحمل على الموضع كما قبح الفصل في الحمل على الجار؛ فينبغي أن تحمل قراءة من قرأ: يعقوب بالنصب على فعل آخر مضمر، يدلّ عليه بشرنا كما تقدم، ولا يحمل على الوجهين الآخرين لاستوائهما في القبح. [هود: 81] اختلفوا في همز الألف وإسقاطها في الوصل في قوله: فأسر بأهلك [هود/ 81]. فقرأ ابن كثير ونافع: فاسر بأهلك* من سريت بغير همز. وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: فأسر من: أسريت «1». قال أبو علي: حجّة [من] «2» قرأ بوصل الهمزة قوله «3»:

_ من قبل أن حرف العطف منها الذي هو الواو ناب عن الجار الذي هو الباء في قوله (بإسحاق) ... الخ كلامه في 2/ 395 وهو يتفق مع أستاذه أبي علي. (1) السبعة 338. (2) زيادة ضرورية ليست في الأصل (ط). (3) صدر بيت للنابغة الذبياني وعجزه: تزجي الشمال عليه جامد البرد وسرت: إذا أمطرت ليلا- وقوله: «من الجوزاء سارية» كقولك:

سرت عليه من الجوزاء سارية فسارية تدلّ على سرت، وقول الآخر «1»: أقلّ به ركب أتوه تئيّة ... وأخوف إلّا ما وقى الله ساريا وقول الآخر «2»: سرى بعد ما غار الثريا وبعد ما ... كأنّ الثّريّا حلّة الغور منخل وحجّة من قطع: ما في التنزيل من قوله: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا «3» [الإسراء/ 1].

_ سقينا بنوء كذا وكذا، أي أصابه المطر ليلا- وتزجي: تسوق وتدفع على الثور جامد البرد، أي: ما صلب من الثلج. انظر ديوانه/ 8 واللسان مادة: (سرا). (1) البيت لسحيم بن وثيل، وقد سبقه: مررت على وادي السباع ولا أرى ... كوادي السباع حين يظلم واديا يقول: وافيت هذا الوادي ليلا- وهو واد بعينه- فأوحشني لكثرة سباعه، فرحلت عنه ولم أمكث فيه لوحشته- والتئيّة: التلبث والمكث. انظر سيبويه 1/ 233 - الخزانة 3/ 521. (2) من شواهد سيبويه التي لم تنسب والشاهد فيه عنده نصب حلّة الغور على الظرف ومعناها: قصد الغور ومحله. وصف طارقا سرى في الليل، بعد أن غارت الثريا أول الليل، وذلك في استقبال زمن القيظ- وشبه الثريا في اجتماعها واستدارة نجومها بالمنخل. انظر الأعلم على طرة سيبويه 1/ 201. (3) وانظر للاستزادة شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي 2/ 293 - 294 عند كلامه على الإنشاد الثاني والأربعين بعد المائة.

هود: 81

[هود: 81] اختلفوا في نصب التاء «1» ورفعها من قوله: إلا امرأتك [هود/ 81]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إلا امرأتك* برفع التاء. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: إلا امرأتك نصبا «2». قال أبو علي: الوجه في قولهم: ما أتاني أحد إلا زيد، الرفع على البدل من أحد، وهو الأشيع في استعمالهم، والأقيس، وقوته من جهة القياس أن معنى: ما أتاني أحد إلا زيد ومعنى: ما أتاني إلا زيد، واحد. فكما اتفقوا في: ما أتاني إلا زيد، على الرفع، وكان: ما أتاني أحد إلا زيد، بمنزلته وبمعناه؛ اختاروا الرفع مع ذكر أحد، وأجروا ذلك مجرى: يذر، ويدع، في أنّ يذر لما كان في معنى يدع، فتح كما فتح يدع، وإن كان لم يكن في يذر حرف من حروف الحلق، وممّا يقوّي ذلك، أنّهم في الكلام وأكثر الاستعمال يقولون: ما جاءني إلا امرأة، فيذكّرون حملا على المعنى، ولا يكادون يؤنثون ذلك فيما زعم أبو الحسن إلا في الشعر كقوله «3»:

_ (1) في الأصل الألف والصواب ما أثبتناه. (2) السبعة 338. (3) البيت لذي الرمة ورواية الديوان: طوى النّحز والأجراز ما في غروضها ... فما بقيت إلا الصدور الجراشع

برى النّحز والأجرال ما في غروضها ... فما بقيت إلّا الضلوع الجراشع وقال «1»: ... وما بقيت ... إلا النّحيزة والألواح والعصب فكما أجروه على المعنى في هذا الموضع، فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، فرفعوا الاسم الواقع بعد الاستثناء. وأما من نصب فقال: ما جاءني أحد إلا زيدا، فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، وذلك أن قوله: ما جاءني أحد، كلام

_ والنحز: ضرب الأعقاب والاستحثاث في السير، وهو أن يحرك عقبيه ويضرب بهما موضع عقبى الراكب- والأجراز: الأمحال والواحد: جرز ومحل، والجرل: المكان الصلب وجمعه أجرال، والغروض: الواحد غرض وهو حزام الرحل- والجرشع: واحد الجراشع وهو: المنتفخ الجنبين- يقول: تملأ الغروض. انظر ديوانه 2/ 1296 والمحتسب 2/ 207 المفصل 2/ 87. (1) جزء من بيت لذي الرمة وتمامه: كأنها جمل وهم وما بقيت ... إلا النّحيزة والألواح والعصب وجمل وهم: ضخم- والنحيزة: الطبيعة- وألواحها: عظامها. يقول: هذه الناقة مذكرة، خلقتها خلقة جمل، وما بقيت منها بقية، أي: فنيت من السير والتعب. انظر ديوانه 1/ 44.

مستقلّ، كما أنّ: جاءني القوم، كذلك، فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب من حيث اجتمعا في أن كل واحد منهما كلام مستقل، فأما قوله: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإذا جعلت قوله إلا امرأتك مستثنى من لا يلتفت كان الوجهان: الرفع، والنصب، والوجه الرفع، وإن جعلت الاستثناء في هذه من قوله: فاسر بأهلك* لم يكن إلا النصب. وزعموا أن في حرف عبد الله أو أبيّ: فاسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وليس فيه: ولا يلتفت منكم أحد فهذا تقوية لقول من نصب، لأنه في هذه القراءة استثناء من قوله: فأسر بأهلك فكما أن الاستثناء من قوله: فاسر بأهلك دون أحد، كذلك إذا ذكرت أحدا يكون منه، ولا يكون على البدل من أحد. قال سيبويه: ومن قال: أقول «1»: ما أتاني القوم إلا أباك، لأنه بمنزلة قول «2»: أتاني القوم إلا أباك، فإنه ينبغي له أن يقول: ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء/ 66]. وحدثني يونس أن أبا عمرو كان يقول: الوجه: ما أتاني القوم إلا عبد الله، ولو كان هذا بمنزلة قوله: أتاني القوم، لما جاز أن تقول: ما أتاني أحد، كما لا يجوز: أتاني أحد، ولكنّ المستثنى بدل «3» من الاسم الأول «4». فهذا الكلام يعلم منه قدحه على قول من سوّى بين الإيجاب والنفي، واعتذر استقلال الكلام في

_ (1) ساقطة من سيبويه. (2) في سيبويه: قوله. (3) في سيبويه: ولكن المستثنى في ذا الموضع مبدل. (4) انتهى نقله عن سيبويه. انظر الكتاب 1/ 360.

الموضعين، وقد تقدم ذكر الحجة على ذلك. فقول من رفع في الآية إلا امرأتك* أنه جعله بدلا من أحد* الثابت في قراءة العامة، وإذا ثبت أحد* لم يمتنع البدل منه، ولم يكن في ذلك كقراءة من لم يثبت في قراءته: ولا يلتفت منكم أحد، ومما يقوّي الرفع في قوله: ما جاءني أحد إلا زيد، أنه يحمل على المعنى، والمعنى: ما جاءني إلا زيد، كما حمل سيبويه قولهم: ما جاءني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا، وعلى المعنى فلم يجز فيه إلا النصب في زيد، لمّا كان المعنى على: قال ذاك كلّ من جاءني إلا زيدا، فكما تحمل هذه المسألة على المعنى، ولم يجز فيه إلا النصب، كذلك قوله: ما جاءني أحد إلا زيد، ينبغي أن يحمل على المعنى، فيضعف النصب فيه، كما لم يجز إلا النصب في: ما جاءني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا، لأن الاستثناء فيه من القائلين لا من أحد عنده. قال أبو عمرو: وقد أجاز غير سيبويه فيها الرفع، قال: وهو يجوز ضعيفا أو على بعد، ألا ترى أنك تقول: ما رأيت أحدا ضرب أحدا، يريد أن الرفع يجوز، لأن الكلام في تقدير النفي، بدلالة جواز وقوع أحد فيه، وأحد إنما يقع في النفي، فكما جاز وقوع أحد فيه بعد الصفة، كذلك يجوز فيه الرفع، وكان ذلك أيضا للحمل على المعنى، لأن الصفة هي الموصوف، فإذا نفي الموصوف، فكأنّ الصفة أيضا قد نفيت من حيث كان هو هو، ومن ثمّ جاز البدل من الضمير الذي في الصفة، لما كان الموصوف في المعنى في نحو قول عديّ «1»:

_ (1) البيت من شواهد سيبويه على رفع الكواكب على البدل من الضمير

هود: 105

في ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكي علينا إلا كواكبها فأبدل من الضمير الذي في صفة المنفي وإن كان الكلام الذي فيه هذا الضمير موجبا في المعنى. [هود: 105] اختلفوا في إثبات الياء وإسقاطها في الوصل والوقف من قوله عز وجل: يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه [هود/ 105]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: يوم يأتي بياء في الوصل، ويحذفونها في الوقف. غير ابن كثير فإنه كان يقف بالياء ويصل بالياء فيما أحسب. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة بغير ياء في وصل ولا وقف «1». قال أبو علي: اعلم أن فاعل يأتي في قوله: يوم يأتي لا تكلم نفس لا يخلو من أن يكون اليوم الذي أضيف إلى يأتي، أو اليوم المتقدم ذكره «2»، فلا يجوز أن يكون فاعله ضمير اليوم

_ الفاعل في يحكي لأنه في المعنى منفي ولو نصب على البدل من أحد لكان أحسن لأن أحدا منفي في اللفظ والمعنى. والبدل منه أفضل. انظر الأعلم 1/ 361 على طرة الكتاب. وشرح أبيات المغني 3/ 233 رقم الإنشاد 223، وقد نسب البيت إلى عدي بن زيد سيبويه وأبو علي، وصوب البغدادي نسبته إلى أحيحة بن الجلاح الأنصاري. (1) السبعة 338 - 339. (2) وسيأتي بيانه.

الذي أضيف إلى يأتي، وذلك أنك لو قلت: أزيدا يوم يوافقك توافقه؛ لم يجز، لأنه لا يجوز أن تضيف يوم إلى يوافقك، لأن اليوم هو الفاعل، فلا يجوز أن يضاف إلى فعل نفسه، ألا ترى أنك لا تقول: جئتك يوم يسرّك، وذلك أنك إذا قلت: جئتك يوم يخرج زيد، فإنّما المعنى: يوم خروج زيد، فإنما تضيف المصدر إلى الفاعل فإذا قال: يوم يسرّك، فمعناه يوم سروره إياك، فإنّما حدّ هذا أن يكون اليوم معرّفا بفعل مسند إلى فاعل معرّف بذلك الفاعل، فإذا كان الفعل مضافا إلى اليوم فكأنك إنما عرّفت اليوم بنفسه، لأن الفعل يعرفه الفاعل، واليوم مضاف إلى الفعل المعرف باليوم، فصار هذا نظير قولك: هذا يوم «1» حرّه ويوم برده، والهاء لليوم، وليس هذا مثل: سيّد قومه، وهذا مولى أخيه، فتضيفه إلى ما هو مضاف إليه، لأن أخاه وقومه وما أشبه ذلك شيء معروف، يقصد إليه، وقولك: يوم سروره زيدا، ويوم يسرّك، إنما هو مضاف إلى فعل، وإنما يقوم الفعل بفاعله، ليس أن الفعل شيء منفصل يقصد إليه في نفسه، وواحد أمّه، وعبد بطنه مضافان إلى الأم والبطن، وكلّ واحد منهما ظاهر يقوم بنفسه، وكذلك لا يجوز أن تضيف الظرف إلى جملة معرفة بضميره، وإن كانت ابتداء وخبرا، لا يجوز أن تقول: آتيك يوم ضحوته باردة، ولا: ليلة أولها مطير. فإن نوّنت في هذا وفي الأول حتى يخرج من حدّ الإضافة جاز فقلت: أتيتك يوما بكرته حارّة، وأتيتك يوما يسرّك ويوما يوافقك. وهذا

_ (1) في الأصل: «يو» بإسقاط الميم.

قول أبي عثمان، فإذا لم يجز أن يكون قوله: يوم* في قوله: يوم يأتي لا تكلم مضافا إلى يأتي* وفيه ضميره، ثبت أن في يأتي* ضمير اليوم المتقدم ذكره في قوله: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود* وما نؤخره أي: ما نؤخّر أحداثه إلا لأجل معدود* يوم يأتي هذا اليوم الذي تقدّم ذكره لا تكلم نفس، فاليوم في قوله: يوم يأتي* يراد به الحين والبرهة، وليس على وضح النهار. فأما قوله: لا تكلم نفس إلا بإذنه فإنه يحتمل ضربين، يجوز أن يكون حالا من الذكر الذي في يأتي*، ويحتمل أن يكون صفة لليوم المضاف إلى يأتي* لأن اليوم في يوم يأتي مضاف إلى الفعل، والفعل نكرة، فإذا كان كذلك لم يمتنع أن يوصف به اليوم كما توصف النكرات بالجمل من الفعل والفاعل، والمعنى: لا تكلّم فيه نفس، فحذف فيه، أو حذف الحرف، وأوصل الفعل إلى المفعول به، ثم حذف الضمير من الفعل الذي هو صفة كما يحذف من الصّلة، ومثل ذلك قولهم: الناس رجلان: رجل أكرمت، ورجل أهنت. فإذا جعلته حالا من الضمير الذي في يأت، وجب أن تقدّر فيه أيضا ضميرا يرجع إلى ذي الحال، وتقديره: يوم يأتي لا تكلّم نفس، أي: غير متكلّم فيه نفس، فيكون الضمير المقدّر المحذوف يرجع إلى الضمير الذي في يأتي* لأنّ الحال لا بدّ فيه من ذكر يعود إلى ذي الحال متى كانت جملة، كما لا بد من ذلك في الصفة، ومن قدّره حالا كان أجدر بأن تحذف الياء من يأتي لأنه كلام مستقلّ، فيشبه من أجل ذلك الفواصل، وإن لم يكن

فاصلة، كما أنّ حذف الياء من قوله: ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، لما كان كلاما تامّا فأشبه الفاصلة، فحسن الحذف له، كما يحسن الحذف من الفواصل، وإن جعلته صفة لم يمتنع ذلك معها أيضا، لأن الصفة قد يستغني عنها الموصوف، كما أن الحال كذلك، إلا أنّ من الصفات ما لا يحسن أن يحذف منه، فذلك أشبه بغير الكلام التام. فأما إثبات الياء وإسقاطها في الوصل والوقف، فمن أثبتها في الوصل فهو القياس البيّن، لأنّه لا شيء هاهنا يوجب حذف الياء إذا وصل، فأمّا حذفها في الوقف إذا قال: يوم يأت فلأنها، وإن لم تكن في فاصلة، أمكن أن تشبّهها بالفاصلة، ومن الحجة في حذفها في الوقف أن هذه الياء تشبه الحركات المحذوفة في الوصل، بدلالة أنهم قد حذفوها كما حذفوا الحركة، فكما أن الحركة تحذف في الوقف، فكذلك ما أشبهها من هذه الحروف، فكان في حكمها. فإن قلت: فقد حذفوا الألف في نحو: لم يخش، كما حذفوا الياء من: لم يرم، فهلّا حذفت الألف، قيل: إنّ الألف قد حذفت كما حذفت الياء، وإن كان حذفهم لها أقلّ منه في الياء لاستخفافهم لها، وذلك في قولهم: أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، وقولهم: حاش لله «1» [يوسف/ 31 - 51] وقوله «2»:

_ (1) انظر ما سبق في 1/ 141 (2) جزء من بيت للبيد سبق الحديث عنه في أكثر من موضع انظر 1/ 79 و 141.

ورهط ابن المعلّ فحذفها في الوقف للقافية كما حذفت الياء. وأمّا وقف ابن كثير بالياء فهو حسن، لأنها أكثر من الحركة في الصوت، فلا ينبغي إذا حذفت الحركة للوقف أن تحذف الياء له، كما لا تحذف سائر الحروف. ويقوّي ترك الحذف للياء في الوقف أن الكلام لم يتمّ في قوله: يوم يأت، ويدلّ على أنها تنزّل عندهم منزلة سائر الحروف تقديرهم إياه في نحو «1»: ألم يأتيك، والأنباء تنمي وفي نحو قوله «2»: هجوت زبّان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع وتحريكهم لها في الشعر نحو «3»:

_ (1) سبق انظر 1/ 93 و 325، 2/ 99. (2) سبق انظر 1/ 325. (3) جزء من بيت لابن قيس الرقيات وتمامه: لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطّلب ديوانه ص 7 وهو من شواهد سيبويه 2/ 59 والمقتضب 1/ 142 - 3/ 354 - والخصائص 1/ 262 و 2/ 67 و 81 وهو الشاهد رقم 398 من شواهد المغني 4/ 386.

هود: 108

لا بارك الله في الغواني هل .. وقال «1»: فيوما يوافيني الهوى غير ماضي وأمّا حذف عاصم لها في الوصل والوقف فلأنه جعلها في الوصل والوقف بمنزلة ما استعمل محذوفا مما لم يكن ينبغي في القياس أن يحذف نحو: لم يك، ولا أدر، فلما حذفوا هذا ونحوه في الوصل والوقف، فكذلك حذفوا الياء من يأت فيهما. [هود: 108] اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله: سعدوا [هود/ 108]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: سعدوا بفتح السين. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: سعدوا بضم السين «2». قال أبو علي: حكى سيبويه: سعد يسعد سعادة فهو سعيد، وينبغي أن يكون غير متعدّ، كما أنّ خلافه الذي هو شقي كذلك، وإذا لم يكن متعدّيا لم يجز أن يبنى للمفعول به، لأنك إنما تبني الفعل للمفعول به إذا تعلّق به مفعول به، فأما إذا لم يكن له مفعول فلا يجوز أن تبنيه له، وإذا كان كذلك

_ (1) سبق في 1/ 325 و 2/ 99. (2) السبعة 339.

كان ضمّ السين من سعدوا مستثقلا إلّا أن يكون سمع فيه لغة خارجة عن القياس، أو يكون من باب فعل وفعلته، نحو: غاض الماء وغضته، وحزن وحزنته، ولعلهم استشهدوا فيه بقولهم: مسعود، وأن مسعودا على سعدوا، ولا دلالة قاطعة على هذا، لأنه يجوز أن يكون مثل: أجنّه الله فهو مجنون، فالمفعول حاء في هذا على أنه حذفت الزيادة منه كما حذف من اسم الفاعل من نحو قوله «1»: يكشف عن جمّاته دلو الدّال إنّما هو: دلو المدلي. وكذلك «2»: ومهمه هالك من تعرّجا في أحد القولين، والقول الآخر: أنهم زعموا أنهم يقولون: هلكني زيد، وأنه من لغة تميم. ومن الحذف قوله: يخرجن من أجواز ليل غاض «3»

_ (1) للعجاج سبق انظر 2/ 254. (2) للعجاج، وقبله: عصرا وخضنا عيشه المعذلجا والمعنى: من أقام بهذا المهمه فقد هلك. انظر ديوانه 2/ 43 والخصائص 2/ 210 والمحتسب 1/ 92 والمخصص 6/ 127 والمقتضب 4/ 180. (3) من أرجوزة لرؤبة يمدح فيها بلال بن أبي بردة وبعده: نضو قداح النابل النواضي ديوانه/ 82 المقتضب 4/ 179 - المحتسب 2/ 242 اللسان (غضا).

هود: 111

يريد: مغض، وكذلك: وأرسلنا الرياح لواقح [الحجر/ 22]، وهي تلقح الشجر، فإذا ألقحتها وجب أن يكون في الجمع: ملاقح، فجاء على حذف الزيادة، فأما قول الطرمّاح «1»: قلق لأفنان الرّيا ... ح للاقح منها وحائل فإن قوله للاقح ليس على: ألقحتها الريح، فحذفت منها الزيادة كما حذف من قوله: يخرجن من أجواز ليل غاض ولكنه على معنى النسب تقديره: ذات لقاح منها، وكذلك: حائل ذات حيال، ولذلك حذفت منه التاء لأنها لم تجر على الفعل. ولو كانت الجارية على الفعل لثبتت العلاقة، كما ثبتت في قوله: ولسليمان الريح عاصفة [الأنبياء/ 81] والنسب كقوله: جاءتها ريح عاصف [يونس/ 22] والريح الجنوب تثير السحاب فينبسط ثم ينحلّ، والشمال بعكس هذا، وكذلك مسعود يجوز أن يكون على حذف الزيادة. [هود: 111] اختلفوا في تشديد الميم والنون من قوله: وإن كلا لما [هود/ 111]. فقرأ ابن كثير ونافع: وإن* خفيفة، كلا لما* مخفّفتان. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: وإن كلا خفيفة، لما مشدّدة.

_ (1) تقدم ذكره في 2/ 252.

وقرأ حمزة والكسائيّ: وإن مشدّدة النون، واختلفا في الميم من لما، فشدّدها حمزة، وخفّفها الكسائيّ. وقرأ أبو عمرو مثل قراءة الكسائيّ، حفص عن عاصم وإن مشدّدة النون. لما مشدّدة أيضا. وقرأ ابن عامر مثل قراءة حمزة «1». قال أبو علي: قال سيبويه: هذه كلمة تكلّم بها العرب في حال اليمين، وليس كلّ العرب يتكلّم بها، تقول: لهنّك لرجل صدق، يريدون: إنّ، ولكنّهم أبدلوا الهاء مكان الألف لقولهم: هرقت، ولحقت هذه اللام إنّ كما لحقت ما حين قلت: إن زيدا لما لينطلقنّ «2». قال أبو علي «3»: اعلم أن أبا زيد قوله في ذلك خلاف ما ذهب إليه سيبويه، وذلك أنه قال: قال أبو أدهم الكلابي: «له ربّي لا أقول» فتح اللام وكسر الهاء في الإدراج، قال أبو زيد: ومعناه: والله ربي لا أقول. وأنشد أبو زيد: لهنّي لأشقى الناس إن كنت غارما ... لدومة بكرا ضيّعته الأراقم

_ (1) السبعة 339. (2) سيبويه 1/ 474 وانظر المسائل العسكرية 255 والخزانة 3/ 333 واللسان (أنن). (3) نقل البغدادي كلام أبي علي في الخزانة 4/ 334 عن كتابه نقض الهاذور. انظره مفصلا فيهما.

وأنشد أبو زيد أيضا: أبائنة حبّي نعم وتماضر ... لهنّا لمقضيّ علينا التهاجر «1» قال: يقول لله أنا، وأنشد «2»: وأمّا لهنّك من تذكّر عهدها* لعلى شفا يأس وإن لم تيأس انتهى كلام أبي زيد. فاللام في له على قول أبي زيد، هي اللام التي هي عين الفعل، من إله. وكان الأصل لله فحذفت الجارة التي للتعريف فبقيت: له يا هذا. فأما ألف فعال، فحذفت كما حذفت في الممدود إذا قصر، وقد قالوا: الحصد والحصاد وقد حذفت من هذا الاسم في غير هذا الموضع، قال «3»: ألا لا بارك الله في سهيل* إذا ما الله بارك في الرجال

_ (1) وهو الشاهد الحادي والستون بعد الثمانمائة من شواهد الخزانة. وقد استشهد بعجزه. (2) نسبه في النوادر 201 للمرار الفقعسي، وروايته ثمة: «من تذكر أهلها». (3) البيت غير منسوب في الخصائص 3/ 134، المحتسب 1/ 181، 299 و 2/ 82 اللسان (أله) والخزانة 4/ 341 الشاهد فيه حذف الألف من لفظ الجلالة الأول قبل الهاء، وهذا الحذف لضرورة الشعر، ذكره ابن عصفور في كتاب الضرائر ص 131، وانظر الضرائر للآلوسي ص 73، هذا والبيت من الوافر.

وقد وافق سيبويه أبا زيد في حذف هاتين اللامين، فذهب في قولهم: «لاه أبوك» إلى أن الألف واللام التي للتعريف حذفتا «1»، وممّا يرجّح قول أبي زيد في المسألة أنه لو كانت الهاء في لهنّك بدلا من همزة إنّ لكان اللفظ: لإنك، فجمع بين إنّ واللام، ولم يجمع بينهما، ألا ترى أنهما إذا اجتمعتا فصل بينهما بأن تؤخر اللام في الخبر في نحو: إن الإنسان ليطغى [العلق/ 6]، أو إلى الاسم في نحو: إن في ذلك لآية [الحجر/ 77 والنحل/ 11 - 13 - 65 - 67 - 69] فإن قلت: يكون قلبها هاء بمنزلة الفصل بينهما فيما ذكرت، فإذا قلبت لم يمتنع الجمع بينهما، كما أنه إذا فصل لم يمتنع؛ قيل: هذا لا يسوغ تقديره، ألا ترى أن سيبويه جعل الهاء إذا كانت بدلا من الهمزة في حكم الهمزة، فذهب إلى أنك لو سمّيت رجلا بهرق، كان بمنزلة أن تسمّيه: بأرق، فجعل الهاء إذا أبدلت من الهمزة في حكم الهمزة، فكذلك يكون في لهنّك لو كانت بدلا من الهمزة، لم يجز دخول اللام عليها، كما لم يجز دخول اللام قبل أن تبدل، وكذلك فعلت العرب في هذا النحو فلم يصرفوا صحراء وطرفاء لما أبدلوا الهمزة من ألف التأنيث، كما لم يصرفوا نحو: رضوى وتترى «2»، وكذلك قال أبو الحسن: لو أبدلت اللام من النون في أصيلان، فقلت: أصيلال ثم سمّيت به لم تصرف كما لم تصرف أصيلان في التسمية، فكذلك

_ (1) انظر الكتاب 1/ 273 و 2/ 144. (2) قال السيرافي: بعضهم يجعل الألف في تترى للتأنيث، وبعضهم يجعلها زائدة للإلحاق بجعفر ونحوه وفيه قول ثالث: وهو أن تكون الألف عوضا

تمتنع اللام من أن تدخل على الراء إذا أبدلت همزتها هاء، كما تمتنع من الدخول قبل أن تبدل، وشيء آخر يرجح له قول أبي زيد: وهو أن اللام في لهنك إذا حمل على أنه لإنك، كما قال سيبويه، لم يخل من أن تكون متلقّية قسما أو غير متلقّية له، فلا يجوز أن تكون متلقّية لقسم، وإنّ تغني عنها، كما تغني هي عن إنّ فلا يجوز إذا أن تكون لتلقّي قسم، ولا يجوز أن تكون غير متلقّية له لأنها حينئذ تكون زائدة ولم تجىء اللام زائدة في هذا الموضع، وإنما جاءت زائدة في غير هذا، وهو فيما أنشده أحمد بن يحيى: مرّوا سراعا فقالوا كيف صاحبكم* قال الذي سألوا أمسى لمجهودا «1» وهي قليلة وليس يدخل هذا على قول أبي زيد، فأما قول سيبويه: ولحقت هذه اللام إنّ كما لحقت ما حين قلت: إنّ زيدا لما لينطلقنّ؛ فالقول فيه أن اللام التي في: لما لينطلقن، ليست كاللام في: لهنّك، على قول سيبويه، ألا ترى أن اللام التي في: لما لينطلقنّ، هي اللام التي تقتضيه إنّ، واللام الأخرى هي التي لتلقي القسم، ودخلت ما لتفصل بين

_ من التنوين، والقياس لا يأباه. وخط المصحف يدل على أحد القولين: إما التأنيث وإما زيادة الألف للإلحاق، لأنها مكتوبة بالياء في المصحف: تترى وأصل تترى: وترى. التاء الأولى بدل من الواو: لأنها من المواترة. (حاشية الكتاب بتحقيق هارون: 3/ 211). (1) البيت غير منسوب وقد ذكره ابن جني في الخصائص 1/ 316 2/ 283 وانظر الخزانة 4/ 330.

اللامين، لأنه إذا كره أن تجتمع اللام وإنّ، مع اختلاف لفظيهما لاتفاقهما في بعض المعنى، ففصل بينهما، فأن يفصل بين اللامين مع اتفاق اللفظين وبعض المعنيين أجدر، فليس اللام في لما لينطلقنّ وفق اللام في لهنّك، لأنها في: لما لينطلقنّ لام إنّ والثانية لام القسم، ولا تكون في قوله: لهنّك، لام يمين لأن إنّ يستغنى بها عن اللام، كما يستغنى باللام عن إنّ فتحصل اللام زائدة، والحكم بزيادتها ليس بالمتّجه، وليست كذلك التي في: لما لينطلقنّ، والتي في قوله: وإن كلا لما ليوفينهم. ومن قرأ: وإن كلا لما بتشديد إن، وتخفيف لما*، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي، فوجهه بيّن، وهو أنّه نصب كلّا بإنّ، وإنّ تقتضي أن يدخل على خبرها أو اسمها لام كما مثلتها قبلها في ذلك هذه اللام وهي لام الابتداء على الخبر في قوله: وإن كلا لما وقد دخلت في الخبر لام أخرى وهي التي يتلقّى بها القسم، وتختصّ بالدخول على الفعل، ويلزمها في أكثر الأمر إحدى النونين، فلما اجتمعت اللامان، واتفقا في تلقّي القسم، واتفقا في اللفظ، فصل بينهما بما، كما فصل بين إنّ واللام، فدخلت ما لهذا المعنى، وإن كانت زائدة لتفصل، وكما جلبت النون، وإن كانت زائدة في نحو: فإما ترين من البشر [مريم/ 26]، وكما صارت عوضا من الفعل في قولهم: إمّا لي، وفي قوله «1»:

_ (1) صدر بيت للعباس بن مرداس وعجزه: فإنّ قومي لم تأكلهم الضبّع

أبا خراشة إمّا أنت ذا نفر فهذا بيّن. ويلي هذا الوجه في البيان قول من خفف إن ونصب كلا وخفّف لما*، وهي قراءة ابن كثير ونافع، قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق، قال: وأهل المدينة يقرءون: وإن كلا لما ليوفينهم ربك يخففون وينصبون، كما قالوا: كأن ثدييه حقان «1» ووجه النصب بها مع التخفيف من القياس أنّ إنّ مشبهة في نصبها بالفعل، والفعل يعمل محذوفا، كما يعمل غير محذوف، وذلك في نحو: لم يك زيد منطلقا و: فلا تك في مرية [هود/ 109] وكذلك: لا أدر. فأما من خفف إن* ونصب كلا* وثقّل لما* فقراءته

_ وهو من شواهد سيبويه 1481 والخصائص 3812 والمنصف 1163 وابن الشجري 34 - 53 - 2/ 350 والإنصاف 71 - والمفصل 2/ 99 و 8/ 132 وهو الشاهد رقم 43 ج 1/ 173 من شواهد المغني والخزانة 2/ 80، 4/ 421. وقد جاء في الأصل «إما» بكسر الهمزة. وفي جميع المصادر بفتحها «أمّا». (1) عجز بيت صدره: ووجه مشرق النّحر وهو من شواهد سيبويه التي لم تنسب. والنقل مع الشاهد في الكتاب 1/ 283 وانظر الخزانة 4/ 358. وابن الشجري 2/ 237.

مشكلة، وذلك أنّ إن* إذا نصب بها وإن كانت مخفّفة، كانت بمنزلتها مثقّلة، ولما* إذا شدّدت كانت بمنزلة إلّا. وكذلك قراءة من شدّد لما وثقّل إن مشكلة، وهي قراءة حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم، وذلك أنّ إن إذا ثقّلت وإذا خففت ونصبت، فهي في معنى الثقيلة، فكما لا يحسن: إنّ زيدا إلا منطلق، فكذلك لا يحسن تثقيل إن وتثقيل لما، فأمّا مجيء لما في قولهم: نشدتك الله لما فعلت، وإلّا فعلت، فقال الخليل: الوجه: لتفعلنّ، كما تقول: أقسمت عليك، لتفعلنّ، وأما دخول إلا، ولما، فلأن المعنى الطلب، فكأنه أراد: ما أسألك إلا فعل كذا، فلم يذكر حرف النفي في اللفظ، وإن كان مرادا، كما كان مرادا في: قولهم: «أهرّ ذا ناب «1»» أي ما أهرّه إلا شرّ، وليس في الآية معنى نفي ولا طلب. فإن قال قائل: يكون المعنى: لمن ما، فأدغم النون في الميم بعد ما قلبها ميما؛ فإن ذلك لا يسوغ، ألا ترى أن الحرف المدغم إذا كان قبله ساكن نحو: قرم مالك، لم يقو الإدغام فيه على أن يحرّك الساكن الذي قبل الحرف المدغم، فإذا لم يجز ذلك فيه، وكان تغييرا أسهل الحذف؛ فأن لا يجوز الحذف الذي هو أذهب في باب التغيير من تحريك الساكن أجدر. على أنّ في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام،

_ (1) مثل عربي- تمامه: «شر أهرّ ذا ناب» انظر الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني 2/ 48 والمستقصى في أمثال العرب للزمخشري 2/ 130.

هود: 123

أكثر ممّا كان يجتمع في: لمن ما، ولم يحذف منها شيء، وذلك قوله: على أمم ممن معك [هود/ 48]، فإذا لم يحذف شيء من هذا، فأن لا يحذف ثمّ أجدر. وقد روي أنّه قد قرئ: وإن كلا لما منوّنا، كما قال: وتأكلون التراث أكلا لما [الفجر/ 19]، فوصف بالمصدر، فإن قال: إنّ لما فيمن ثقّل إنّما هي لمّا هذه وقف عليها بالألف ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، فذلك ممّا يجوز في الشعر، ووجه الإشكال فيه أبين من هذا الوجه. وحكي عن الكسائيّ. أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في لمّا. ولم يبعد في ما قال، ولو خفّف مخفّف إن* ورفع كلّا بعدها، لجاز تثقيل لما* مع ذلك، على أن يكون المعنى: ما كلّ: إلّا ليوفّينّهم، فيكون ذلك كقوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا [الزخرف/ 35]، لكان ذلك أبين من النصب في كلّ والتثقيل للمّا، وينبغي أن يقدّر المضاف إليه كلّ نكرة، ليحسن وصفه بالنكرة، ولا يقدّر إضافته إلى معرفة فيمتنع أن يكون لمّا وصفا له، ولا يجوز أن يكون حالا لأنه لا شيء في الكلام عاملا في الحال. [هود: 123] قرأ نافع وعاصم في رواية حفص: وإليه يرجع الأمر كله [هود/ 123] بضم الياء. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: يرجع* بفتح الياء «1».

_ (1) السبعة 340.

هود: 123

قال أبو علي: حجة من ضم قوله: ثم ردوا إلى الله [الأنعام/ 62] لأن المعنى ثم ردّ أمرهم إلى الله. وهذا يدلّ على الاستسلام منهم كقوله: بل هم اليوم مستسلمون [الصافات/ 26]، ويقوّي ذلك قوله: ألا له الحكم [الأنعام/ 62] أي: له الحكم في أمرهم، ويقوّي ذلك قوله: إليه يرد علم الساعة وما يخرج من ثمرة من أكمامها [فصلت/ 47]، فهذه من الأمور المردودة إليه تعالى. ومن قرأ: وإليه يرجع الأمر بفتح الياء، فلقوله: والأمر يومئذ لله [الانفطار/ 19] فكونه له رجوع إليه وانفراد به من غير أن يشركه أحد. كما تحكم في هذه الدار الفقهاء والسلطان، ويقوي ذلك وله الملك يوم ينفخ في الصور [الأنعام/ 73]. [هود: 123] قال: قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: بغافل عما تعملون [هود/ 123] بالتاء. وقرأ الباقون: بغافل عما يعملون* بالياء، [وكذلك أبو بكر عن عاصم] «1». قال أبو علي: حجّة التاء أن الخطاب يكون للنبي، عليه السلام، ولجميع الناس، والمعنى أنه يجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، والخطاب يتوجه إلى جميع الناس، مؤمنهم وكافرهم، وهذا أعمّ من الياء. وحجة الياء على: قل لهم: وما ربك بغافل عما يعملون.

_ (1) السبعة 340 وما بين معقوفين منه.

سورة يوسف عليه السلام

سورة يوسف عليه السلام [يوسف: 4] اختلفوا في كسر التاء وفتحها من قوله: يا أبت [يوسف/ 4]. فقرأ ابن عامر وحده: يا أبت* بفتح التاء في جميع القرآن. وقرأ الباقون: بكسر التاء. وابن كثير يقف على الهاء ب يا أبه وكذلك ابن عامر فيما أرى. والباقون يقفون بالتاء وهم يكسرون «1». قال أبو علي: من فتح يا أبت* فله وجهان: أحدهما: أن يكون مثل: يا طلحة أقبل. ووجه قول من قال: يا طلحة، أن هذا النحو من الأسماء التي فيها تاء التأنيث أكثر ما يدعى مرخّما، فلمّا كان كذلك ردّ التاء المحذوفة في الترخيم إليه، وترك الآخر يجري على ما كان عليه في الترخيم من الفتح، فلم يعتدّ بالهاء، وأقحمها، كما أن أكثر ما تقول: اجتمعت اليمامة، وهو يريد أهل اليمامة، فردّ الأهل ولم يعتدّ به، فقال:

_ (1) السبعة 344.

اجتمعت أهل اليمامة، فجعله على ما كان يكون عليه من الكثرة. والوجه الآخر: أن يكون أراد: يا أبتا فحذف الألف كما يحذف التاء، فتبقى الفتحة دالّة على الألف، كما أن الكسرة تبقى دالة على الياء، والدليل على قوة هذا الوجه كثرة ما جاء من هذه الكلمة على هذا الوجه كقول الشاعر «1»: وقد زعموا أني جزعت عليهما* وهل جزع أن قلت وا بأباهما وكقول رؤبة «2»: وهي ترثي يا أبا وابنيما وقال الأعشى «3»: ويا أبتا لا تزل عندنا* فإنّا نخاف بأن تخترم وقال رؤبة «4»: يا أبتا علّك أو عساكا وقال آخر «5»:

_ (1) سبق ذكره في هذا الجزء/ 339. (2) روايته في الديوان- «فهي ترثي بأب .. » وبعده: إنّ تميما خلقت ملموما ديوانه/ 185 - المفصّل 2/ 12. (3) ديوانه/ 41. تخترم: يقال: اخترمه الموت: أخذه. (4) تقدم في هذا الجزء/ 350. (5) انظر المفصل 2/ 12.

يا أبتا ويا أبه* حسنت إلا الرّقبه فلما كثرت هذه الكلمة في كلامهم هذه الكثرة ألزموها القلب والحذف على أن أبا عثمان قد رأى أن ذلك مطّردا في جميع هذا الباب. وأما وقف ابن كثير على الهاء وقوله: يا أبه، فإنما وقف بالهاء لأن التاء التي للتأنيث يبدل منها الهاء في الوقف، فيتغيّر الحرف في الوقف ولذلك كما غيّر التنوين فانفتح ما قبله بأن أبدل منه الألف، وكما غيّرت الألف بأن أبدل منها قوم الهمزة في الوقف، وتغييرات الوقف كثيرة، فإن قلت: هلّا أبدلت التاء ياء في الوقف، ولم تبدل منها الهاء، لأنه مّمن يكسر، فيقرأ: يا أبت* وإذا كان كذلك، فالإضافة في الاسم مرادة، كما أنه لو أضاف صحّح التاء ولم يبدل منها الهاء، كذلك إذا وقف، وهو يريدها؛ قيل له: لا يلزم اعتبار الإضافة، لأنه إذا وقف عليها سكنت للوقف، وإذا سكنت كانت بمنزلة ما لا يراد فيه الإضافة، فتبدل منها الهاء، كما أنه إذا قال: يا طلحة أقبل، ففتح التاء ووقف عليها، أبدل التاء، فقد ساوى ما يراد به الإضافة ما لا يراد به الإضافة في الوقف، ويدلّ على صحة هذا أن سيبويه قال: لو رخّمت اسم رجل يسمى خمسة عشر، فحذفت الاسم الآخر للترخيم لقلت: يا خمسه، فأبدلت من التاء الهاء، ولم تصحّح التاء «1»، وإن كان الاسم الآخر

_ (1) انظر سيبويه 1/ 342.

المضموم إلى الصدر مرادا فيه، بدلالة ترك الآخر من الاسم الأوّل على الحركة التي كانت تكون عليها قبل أن تحذف الاسم الآخر للترخيم، فكذلك تبدل من التاء في يا أبت الهاء في الوقف، كما تبدل من سائر تاءات التأنيث الهاء في أكثر الاستعمال. وأما ابن عامر، فإنه إن أراد بقوله: يا أبت* غير الإضافة وقف بالهاء، كما أنه لو نادى مثل طلحة وحمزة فوقف، وقف بالهاء، وإن أراد به الإضافة قال: يا أبت* فحذف الألف، كما حذف الباقون الياء في: يا عباد فاتقون [الزمر/ 16]، فوقف بالهاء كان كوقف ابن كثير بالهاء، وإن كان يريد الإضافة لكسر التاء في يا أبت. قال أحمد: والباقون يقفون بالتاء، وهم يكسرون، ووقف الباقون بالتاء في: يا أبت وفصلوا بين هذا وبين رجل يسمّى: خمسة عشر، ثم يرخّم، وبين: يا طلحة زيد، لأن المضاف إليه على حرف واحد، فهو لذلك بمنزلة الحركة، من حيث كان حرفا واحدا، والحرف قد يكون بمنزلة الحركة، من حيث كان حرفا واحدا، والحرف قد يكون بمنزلة الحركة، والدالّ على الاسم المضمر هنا حركة، والحركة لا تكون في تقدير الانفصال من الكلمة، كما أن الحرف الواحد كذلك، كما يكون الاسم الثاني في نحو: خمسة عشر، والمضاف إلى المظهر نحو: طلحة زيد، لأن المضاف إليه هنا في الأصل على حرف واحد قد حذف، وتركت الحركة تدل عليه، والحركة لا تكون في تقدير الانفصال من الكلمة، كما يكون الاسم الثاني في نحو خمسة عشر، وطلحة زيد في تقدير

الانفصال، ألا ترى أن المضاف إلى الظاهر يفصل بينهما في نحو «1»: لله درّ اليوم من لامها ولا يجوز ذلك في الضمير إذا كان على حرف واحد، ولا في الحركة. فجعلوا الياء المحذوفة في تقدير الثبات كما جعلوا الحركة كذلك، ويدل على أن الحركة في تقدير الثبات تحريكهم الساكن الذي قبل الحرف الموقوف عليه بالحركة التي تجب للحرف الموقوف عليه في الإدراج نحو «2»: إذ جدّ النّقر فكذلك تكون الحركة فيمن قرأ: يا أبت، إذا وقف، وقف بالتاء، كما أن الحركة إذا كانت ثابتة كالحرف، وقد جرت الحركة المحذوفة في غير هذا الموضع مجرى المثبتة، ألا ترى أنهم قالوا: لقضو الرجل، فكانت الحركة المحذوفة بمنزلة المثبتة وكذلك الحركة، في قولهم: رضي وغزي وشقي، وقد حكي أن قوما يقفون على التاء في الوقف ولا يبدلون منها الهاء. وأنشد أبو الحسن «3»:

_ (1) عجز بيت لعمرو بن قميئة تقدم ذكره في ص 214 من هذا الجزء. (2) جزء من بيت تقدم ذكره في 1/ 98، 140، 349 و 2/ 301 و 4/ 208. (3) الأبيات منسوبة إلى سؤر الذّئب كما في اللسان. والحجفة: الترس من جلد الإبل. وقوله: بل جوز تيهاء، يريد: رب جوز تيهاء. انظر الخصائص 1/ 304 و 2/ 98 - المحتسب 2/ 92 - المخصص 9/ 7 - 16/ 84 - 96 اللسان مادة (حجف) و (بلل).

ما بال عين عن كراها قد جفت مسبلة تستنّ لما عرفت بل جوز تيهاء كظهر الحجفت أما ما أنشده أبو زيد وأبو الحسن من قول الشاعر «1»: تقول ابنتي لمّا رأتني شاحبا ... كأنّك فينا يا أبات غريب فالقول فيه: أنه ردّ المحذوف من الأب، وزاد عليها التاء كما تزاد إذا كان اللام ساقطا، كما ردّ اللام الأخرى في إنشاد من أنشد «2»: ... تحيّزت ... ثباتا عليها ذلّها واكتئابها

_ (1) البيت لأبي الحدرجان كما جاء في النوادر 575 وهو من الشعراء المجهولين وانظر الخصائص 1/ 339 واللسان (أبي). (2) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي وتمامه: فلما اجتلاها بالإيام تحيّزت ... ثبات عليها ذلّها واكتئابها يصف النحل والرجل المشتار لعسلها- والإيام: الدخان، تحيزت: اجتمعت، ثبات: جماعات، الواحدة ثبة. ولم ترد لها رواية بالفتح كما استشهد بها أبو علي. يقول: إن النحل لجأت إلى خلاياها فدخّن عليها فخرجت وبرزت- وهنا تحيزت وتضامّت جماعات يبدو عليها الذلّ والاكتئاب- فقد تمكن منها المشتار. ديوان الهذليين 1/ 79 وشرحه للسكري 1/ 53 والخصائص 3/ 304.

يوسف: 7

لا يكون إلا كذلك، لأن أحدا لا يقول: رأيت مسلماتا، قال سيبويه «1»: من حذف التنوين من نحو: تخيّرها أخو عانات شهرا «2». لم يقل: حللت عانات فيفتح إنما يكسر التاء، وقد ردّوا هذا المحذوف مع التاء، كما ردّوه مع غير التاء في قولهم: غد وغدو، وقالوا سما، في قولهم اسم، فردّ اللام. حكاه أحمد بن يحيى. [يوسف: 7] اختلفوا في التوحيد والجمع من قوله عزّ وجلّ: آيات للسائلين [يوسف/ 7]. فقرأ ابن كثير: آية للسائلين واحدة. وقرأ الباقون: آيات للسائلين جماعة «3». وجه الإفراد أنه جعل شأنه كله آية، ويقوي ذلك قوله: وجعلنا ابن مريم وأمه آية [المؤمنون/ 50]، فأفرد وكلّ واحد منهم على انفراده يجوز أن يقال فيه. آية* فأفرد مع ذلك. ومن جمع جعل كلّ حال من أحواله آية، وجمع على

_ (1) لم يرد هذا النقل في سيبويه فليتأمل. (2) صدر بيت للأعشى وعجزه: ورجّى أولها عاما فعاما انظر ديوانه/ 197 واللسان/ عون/ وفيه: «خيرها» بدل «أولها». (3) السبعة 344.

يوسف: 9، 8

ذلك، على أن المفرد المذكور في الإيجاب يقع على الكثرة، كما يكون ذلك في غير الإيجاب. قال «1»: فقتلا بتقتيل وضربا بضربكم ... جزاء العطاس لا ينام من اتّأر [يوسف: 9، 8] قال. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي: مبين اقتلوا [يوسف/ 98] بضم التنوين. وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة بكسر التنوين «2». وجه قول من ضمّ التنوين: أن تحريكه يلزم لالتقاء الساكنين وهما التنوين والقاف في اقتلوا فلما التقيا لزم تحريك الأول منهما، وحركه بالضم ليتبع الضمّة الضمّة، كما قالوا: مدّ، وكما قالوا: «ظلمات» فأتبعوا الضمة الضمة، وكذلك: أن اقتلوا [النساء/ 66]. فإذا كانوا قد أبدلوا من غير الضمة لتتبع. ضمّة الإعراب في نحو: أجوؤك وأنبؤك، وهو منحدر من الجبل، مع أن ضمة الإعراب، ليست لازمة، ولم يعتدّ بها في نحو: هذه كتف، ثابتة، فأن يتبعوا الضمّة الثانية في عين: اقتلوا اللازمة أولى. ومن قال: مبين اقتلوا، لم يتبع الضمّ. كما أن من قال: مدّ وظلمات، لم يتبع، وكسر الساكن على ما يجري عليه

_ (1) سبق انظر 2/ 291 و 4/ 203. (2) السبعة 345.

يوسف: 5

أمر تحريك الأول من الساكنين المنفصلين في الأمر الشائع. [يوسف: 5] قال أحمد: كان الكسائيّ يميل قوله: رؤياي [100] ورؤياك [5] والرؤيا* [43] في كلّ القرآن. وروى أبو الحارث الليث بن خالد عن الكسائي أنه لم يمل هذا الحرف، لا تقصص رؤياك وحده، وأمال سائر القرآن. أبو عمر الدوري عن الكسائي الإمالة في ذلك كله، ولا يستثني. وكان حمزة يفتح رؤياك والرؤيا*، في كل القرآن، وكذلك الباقون «1». قال أبو علي: الرؤيا مصدر كالبشرى والسقيا، والبقيا، والشورى، إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيّل في المنام جرى مجرى الأسماء، كما أن درّا لما كثر في كلامهم في قولهم: لله درّك، جرى مجرى الأسماء، وخرج من حكم الإعمال، فلا يعمل واحد منهما إعمال المصادر. وممّا يقوّي خروجه عن أحكام المصادر تكسيرهم رؤى. فصار بمنزلة ظلم، والمصادر في أكثر الأمر لا تكسّر، والرؤيا على تحقيق الهمز، فإن خفّفت الرؤيا فقلبتها في اللفظ، ولم «2» تدغم الواو في الياء وإن كانت قد تقدمتها ساكنة، كما تقلب نحو طيّ وليّ، لأن الواو في تقدير الهمزة، فهي لذلك غير لازمة، فإذا لم تلزم لم يقع الاعتداد فلم تدغم، كما لم تقلب

_ (1) السبعة 344 وقد جاء هذا الحرف عنده حسب ترتيبه في المصحف سابقا لقوله سبحانه: (مبين اقتلوا). (2) كذا الأصل، والوجه: «لم» بحذف الواو.

يوسف: 10

الأولى من ووري عنهما [الأعراف/ 20] لما كانت الثانية غير لازمة، ومن ثمّ جاز: ضو وشي في تخفيف ضوء وشيء، فبقي الاسم على حرفين أحدهما حرف لين، وجاز تحرّك حرف اللين، وتصحيحه مع انفتاح ما قبله، لأن الهمزة في تقدير الثبات، وقد كسر أولها قوم فقالوا: «ريّا» فهؤلاء قلبوا الواو قلبا على غير وجه التخفيف، ومن ثم كسروا الفاء، كما كسروه من قولهم: قرن ألوى، وقرون ليّ. [يوسف: 10] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله عز وجل في غيابة الجب [يوسف/ 10]. فقرأ نافع وحده: غيابات جماعة. وقرأ الباقون: غيابة واحدة «1». قال أبو عبيدة: كلّ شيء غيّب عنك فهو غيابة. قال منخّل بن سبيع [وفي أخرى سميع] «2»: فإن أنا يوما غيّبتني غيابتي ... فسيروا بسيري في العشيرة والأهل «3» وقال ابن أحمر «4»:

_ (1) السبعة 345. (2) ما بين معقوفين ورد على هامش النسخة (ط). (3) مجاز القرآن 1/ 302. والمنخل: هو المنخل بن سبيع بن زيد بن معاوية بن العنبر، له ترجمة في المؤتلف 178. ومعجم المرزباني 388، والبيت في معجم المرزباني والقرطبي 9/ 132، وصدره في التاج (غيب). (4) شعره ص 171 من قصيدة في هجاء يزيد بن معاوية، وانظر المحتسب

يوسف: 11

ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذاكما ما غيّبتني غيابيا جمع غيابة. قال: والجبّ: الركيّة التي لم تطو. وجه قول من أفرد: أن الجبّ لا يخلو من أن يكون له غيابة واحدة، أو غيابات، فغيابة المفرد يجوز أن يعنى به الجمع، كما يعنى به الواحد، ووجه قول من جمع: أنه يجوز أن تكون له غيابة واحدة فجعل كلّ جزء منه غيابة، فجمع على ذلك، كقولهم: شابت مفارقه، وبعير ذو عثانين، ويجوز أن يكون للجب عدّة غيابات، فجمع لذلك، والدليل على جواز الجمع فيه قوله: إلى ذاكما ما غيّبتني غيابيا فجعل له غيابات مع أن ذا الغيابة واحد، كذلك الجبّ المذكور في التنزيل، يجوز أن يكون له غيابات. [يوسف: 11] قال: وكلّهم قرأ: لا تأمنا [يوسف/ 11]، بفتح الميم وإدغام النون الأولى في الثانية والإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضمّ اتفاقا «1». وجهه: أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعها السكون، فمن حيث أشمّوا الحرف الموقوف

_ 2/ 227 - 228. والخصائص 2/ 460 وابن الشجري 2/ 317 والإنصاف/ 483. وشواهد الشعر في كتاب سيبويه 129. (1) السبعة 345.

عليه إذا كان مرفوعا في الإدراج أشمّوا النون المدغمة في تأمنا وليس ذلك بصوت خارج إلى اللفظ، إنّما تهيئة العضو لإخراج ذلك الصوت به، ليعلم بالتهيئة أنه يريد ذلك المتهيّئ له، ويدلّك على أنه يجري مجرى الوقف أن الهمزة إذا كان قبلها ساكن حذفت حذفا، ولم تخفف بأن تجعل بين بين كما أنّها إذا ابتدئت لا تخفف، لأن التخفيف تقريب من الساكن، فكما لا يبتدأ بالساكن، كذلك لا يبتدأ بالمقرّب منه، ولو رام الحركة فيها لم يجز مع الإدغام، كما جاز الإشمام مع الإدغام لأن روم الحركة حركة، وإن كان الصوت قد أضعف بها، ألا ترى أنهم قالوا: إن روم الحركة يفصل به بين المذكر والمؤنث، نحو: رأيتك، ورأيتك، وإذا كان كذلك، فالحركة تفصل بين المدغم والمدغم فيه، فلا يجوز الإدغام مع الحركة، وإن كانت قد أضعفت، لأن اللسان لا يرتفع عن الحرفين ارتفاعة واحدة، كما لا يرتفع إذا فصل بينهما حرف لانفكاك الإدغام بالحركة إذا دخلت بين المثلين أو المتقاربين، كانفكاكه بالحرف إذا دخل بينهما، وتضعيف الصوت بالحركة لا يمنع أن تكون الحركة مع تضعيفها في الفصل، كما أنّ الفصل بالحرف الضعيف القليل الجرس يجري مجرى الفصل بالحرف الزائد الصوت، ألا ترى أن الفصل بالنون التي هي من الخياشيم كالفصل بالصاد في منع المثلين من الإدغام، فكذلك الحركة التي قد أضعفت الصوت بها تفصل كما تفصل الحركة أشبعت ومططت، فهذا وجه الإدغام، والإشارة بالضم إلى الحرف المدغم. وقد يجوز في ذلك وجه آخر في العربية؛ وهو أن تبيّن

يوسف: 12

ولا تدغم، ولكنك تخفي الحركة، وإخفاؤها هو أن لا تشبعها بالتمطيط، ولكنك تختلسها اختلاسا، وجاز الإدغام والبيان جميعا، لأن الحرفين ليسا يلزمان، فلمّا لم يلزما صار بمنزلة: اقتتلوا* في جواز البيان فيه والإدغام جميعا، ومثل ذلك: نعما يعظكم به [النساء/ 58]، فيمن أسكن العين، فالذي أسكن العين لم يدغم، كما يجوز أن يدغم من كسر العين، والذي كسر العين لم يحرك الساكن من أجل الإدغام، لأن تحريك ما قبل الحرف المدغم لا يجوز في الإدغام، إذا كان المدغم منفصلا من المدغم فيه، ولكن: نعم* على لغة من حرك العين قبل الإدغام، ولو حرّكه وألقى حركة المدغم عليه لوجب أن يكون مفتوحا أو يجوز فيه التحريك بالفتح، لأن حركة المدغم الفتحة من حيث كان آخر المثال الماضي. [يوسف: 12] اختلفوا في قوله تعالى: نرتع ونلعب [يوسف/ 12]. فقرأ ابن كثير: نرتع ونلعب بفتح النون فيهما وكسر العين في نرتع من ارتعيت. وحدثني عبيد الله «1» بن علي قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا أبو بكر البكراوي عن إسماعيل المكي قال: سمعت ابن كثير يقرأ: نرتع ويلعب نرتع بالنون وكسر العين، ويلعب بالياء وجزم الباء. وقرأ أبو عمرو وابن عامر: نرتع ونلعب بالنون فيهما وتسكين الباء والعين.

_ (1) جاء في هامش (ط): في أخرى: أبو بحر.

وقرأ نافع: يرتع ويلعب مثل ابن كثير في كسر العين وهي بياء، ويلعب بالياء وجزم الباء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: يرتع ويلعب بالياء فيهما وجزم العين والباء «1». قراءة ابن كثير: نرتع ويلعب بالياء «2» أحسن، لأنه جعل الارتعاء والقيام على المال لمن بلغ وجاوز الصّغر، وأسند اللعب إلى يوسف لصغره، ولا لوم على الصغير في اللعب ولا ذمّ، والدليل على صغر يوسف، قول إخوته: وإنا له لحافظون [يوسف/ 12]، ولو كان كبيرا لم يحتج إلى حفظهم، ويدلّ على ذلك أيضا قول يعقوب: وأخاف أن يأكله الذئب [يوسف/ 13]، ولو لم يكن صغيرا قاوم الذئب، وإنما يخاف الذئب على من لا دفاع فيه ولا ممانعة عنده من شيخ فان وصبيّ صغير، وعلى هذا قال «3»: أصبحت لا أحمل السّلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا

_ (1) السبعة 345 - 346. (2) في قوله: (يلعب). (3) البيتان للربيع بن ضبع الفزاري، وهما من شواهد سيبويه. وقد وصف الشاعر في البيتين انتهاء شبيبته وذهاب قوته، فلا يطيق حمل السلاح لحرب، ولا يملك رأس البعير إن نفر من شيء، وإذا خلا بالذئب خشيه على نفسه، وأنه لا يحتمل برد الرياح وأذى المطر لهزمه وضعفه. انظر سيبويه 1/ 46 - النوادر 446 (ط: الفاتح) مع جملة أبيات الجمهرة/ 52. التصريح 2/ 36 المفصل 7/ 105 ابن الشجري 4/ 118.

والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرّياح والمطرا وفي المثل: «بما لا أخشى الذئب» «1». وأما اللعب فمما لا ينبغي أن ينسب إلى أهل النسك والصلاح، ألا ترى قوله: أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين [الأنبياء/ 55] فقوبل اللعب بالحق، فدلّ أنه خلافه، وقال: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب [التوبة/ 65]، وقال: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا [الأعراف/ 51]. فأما الارتعاء: فهو افتعال من رعيت مثل: شويت واشتويت، وكل واحد منهما متعدّ إلى مفعول به، قال الأعشى «2»: ترتعي السّفح فالكثيب فذاقا ... ر فروض القطا فذات الرّئال وقال الآخر «3»: رعى بارض البهمى جميما وبسرة ... وصمعاء حتّى آنفته نصالها

_ (1) المثل: «لقد كنت وما أخشى بالذئب» قال ذلك الأصمعي، وأصله أن الرجل كان يطول عمره حتى يخرف، فيصير إلى أن يخوّف بمجيء الذئب، كتاب الأمثال لأبي عبيد 118. (2) ديوانه/ 3. (3) البيت لذي الرمة من قصيدة يهجو بها بني امرئ القيس. وروايته في الديوان 1/ 519: «رعت بارض ... وآنفتها».

وقد يستقيم أن يقال: نرتع وترتع إبلهم فيما قال أبو عبيدة، ووجه ذلك أنه كان الأصل: ترتع إبلنا، ثم حذف المضاف، وأسند الفعل إلى المتكلمين فصار نرتع، وكذلك نرتعي على: ترتعي إبلنا، ثم يحذف المضاف فيكون: نرتعي. وقال أبو عبيدة «1»: نرتع: نلهو، وقد تكون هذه الكلمة على غير معنى اللهو، ولكن على معنى النّيل من الشيء، كقولهم: «القيد والرّتعة» «2»، وكان هذا على النيل والتناول مما يحتاج إليه الحيوان، وقد قال الأعشى «3»: صدر النهار تراعي ثيرة رتعا

_ والبارض: ما بدأ أن يخرج، والجميم من كل نبت: ما ارتفع منه- وبسرة: غضة، والصمعاء ما اجتماع فامتلأ كمامه من الثمرة فكاد يتفقأ، والنصال: ج نصل وهي شوكة تصيب أنوفها. انظر معجم تهذيب اللغة 2/ 60 - 6/ 339 و 12/ 412 - واللسان مادة/ صمع/. (1) في مجاز القرآن 1/ 303. (2) وهو من أمثال العرب نسبه في الأمثال لأبي عبيد ص 56 للغضبان بن القبعثرى، قاله للعجاج عند ما حبسه. وتمامه: «القيد والرّتعة، والخفض والدّعة، وقلّة التّعتعة، ومن يك ضيف الأمير يسمن». وفي الفاخر ص 208 أن أول من قاله: عمرو بن الصعق بن خويلد بن نفيل، وكانت شاكر من همدان أسروه فأحسنوا إليه وروّحوا عنه. (3) عجز بيت للأعشى وصدره في ديوانه ص 105: فظلّ يأكل منها وهي راتعة ... حدّ ... البيت ثيرة جمع ثور. وانظر الخصائص 1/ 113، المنصف 1/ 349.

وعلى هذا قالوا: رأيت مرتع إبلك، لمرادها الذي ترعى فيه، فهذا لا يكون على اللهو، لأنه جمع ثور راتع أو رتوع. وأما قراءة أبي عمرو وابن عامر: نرتع ونلعب فيكون: نرتع على: ترتع إبلنا، أو على أنّنا ننال مما نحتاج إليه وتنال معنا. فأمّا نلعب فحكي أنّ أبا عمرو قيل له: كيف يقولون: نلعب وهم أنبياء؟! فقال: لم يكونوا يومئذ أنبياء، فلو صحّت هذه الحكاية عن أبي عمرو، وصحّ عنده هذا التاريخ فذاك وإلا ... فقد قال الشاعر «1»: جدّت جذاذ بلاعب وتقشّعت ... غمرات قالب لبسة حيران فكأنّ اللاعب هنا الذي يشمّر في أمره فدخله بعض الهوينى، فهذا أسهل من الوجه الذي قوبل به الحق، وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال لجابر: «فهلّا بكرا تلاعبها وتلاعبك» «2» فهذا كأنه يتشاغل بمباح وتنفيس وجمام من الجدّ وتعمّل لما يتقوّى به عمل النظر في العلم والعبادة، وقد روي عن بعض السلف أنه كان إذا أكثر النظر في مسائل الفقه قال: «أحمضوا»، وروي: «إنّ هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن

_ (1) البيت غير منسوب في المعاني الكبير 2/ 964 وفسره بقوله: لبس ثوبه مقلوبا من الدهش. وأنشده في إيضاح الشعر ص 270. برواية «جداد». (2) أخرجه مسلم 2/ 1087 برقم/ 56/. ولا يقصد المصنف المدلول الاصطلاحي لكلمة «روي» والتي تدل على التمريض عند علماء مصطلح الحديث.

يوسف: 14

المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» «1» وليس هذا اللعب كاللعب في قوله: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب [التوبة/ 65]. فأما قراءة عاصم وحمزة والكسائيّ يرتع ويلعب جميعا بالياء، فإن كان يرتع من اللهو، كما فسّره أبو عبيدة، فلا يمتنع أن يخبر به عن يوسف لصغره، كما لا يمتنع أن ينسب إليه اللعب لذلك، فإن كان يرتع من النيل من الشيء، فذلك لا يمتنع عليه أيضا فوجهه بيّن، وهذا أبين من قول من قال: ونلعب بالنون، لأنهم إنما سألوا إرساله ليتنفس بلعبه، ولم يسألوا إرساله ليلعبوا هم. [يوسف: 14] اختلفوا في همز الذئب وتركه. [13 - 14]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة: بالهمز. وقرأ الكسائيّ وحده بغير همز. حدثني عبيد الله عن نصر عن أبيه قال: سمعت أبا عمرو يقرأ: فأكله الذيب لا يهمز. قال: وأهل الحجاز يهمزون. وروى عباس بن الفضل عن أبي عمرو أنه لا يهمز. وروى ورش عن نافع أنه لم يهمز، وقال ابن جمّاز:

_ (1) أخرجه أحمد في مسنده 3/ 199.

أبو جعفر، وشيبة ونافع: لا يهمزون الذيب. قال أبو بكر: وهذا وهم، إنما هو أبو جعفر وشيبة لا يهمزانه، ونافع يهمز. كذا قال إسماعيل بن جعفر عنهم، وروى المسيّبي وأبو بكر بن أبي أويس وقالون، وإسماعيل ويعقوب ابنا جعفر «1» بن أبي كثير عن نافع أنه همز. وأخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد الحارثي البصري كريزان «2» عن الأصمعي قال: سألت نافعا عن الذئب والبئر، فقال: إن كانت العرب تهمزها فاهمزها «3». قال أبو علي: الذئب مهموز في الأصل، وقالوا: تذاءبت الرّيح إذا جاءت من كلّ جهة، كأن المعنى أنها أتت كما يأتي الذئب. قال «4»: غدا كأنّ به جنّا تذاء به ... من كلّ أقطاره يخشى ويرتقب أي: يأتيه من جميع جهاته فإذا خفّفت الهمزة منه قلبت ياء، وكذلك البير، ولو وقعت في ردف لقلبتها قلبا إلى الياء، كما تقلب ألف رال في قوله «5»:

_ (1) انظر ترجمته في طبقات القراء 2/ 389. (2) انظر ترجمته في طبقات القراء 1/ 379. (3) السبعة 346. (4) البيت لذي الرمة في ديوانه 1/ 95. قوله: غدا: يريد غدا الثور كأن به جنونا. (5) عجز بيت لامرئ القيس وصدره: وصمّ صلاب ما يقين من الوجى

يوسف: 31

كأنّ مكان الرّدف منه على رال وقد جمعوا فقالوا في العدد القليل: أذؤب، وقالوا: ذئب وذؤبان، كما قالوا زقّ وزقّان. قال «1»: وأزور يمطو في بلاد بعيدة ... تعاوى به ذؤبانه «2» وثعالبه وقالوا: ذئاب، قال «3»: ولكنّما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد فإن خفّفت الهمزة أبدلت منها الياء فقلت: دياب. [يوسف: 31] قال: وروى عبد الله عن أبيه عن عامر عن خارجة عن نافع: وقالت اخرج بكسر التاء [يوسف/ 31]، ولم يروه غيره.

_ أراد بالصم: حوافره، ما يقين من الوجى: لا يهبن المشي من حفا لصلابتهن، والرأل: فرخ النعامة- فشبه موضع الرديف منها خلف الفارس بمؤخر الرأل. ديوانه/ 36. (1) البيت لذي الرمة وروايته في الديوان 2/ 848: وأزور يمطو في بلاد عريضة ... تعاوى به ذؤبانه وثعالبه وأزور: يعني الطريق فيه عوج، ويمطو: يمدّ. (2) في الأصل (ط): رسمت: «ذيبانه» والوجه ما أثبتناه. (3) لساعدة بن جؤية، سبق انظر 2/ 171.

يوسف: 19

الباقون عن نافع: وقالت اخرج بضم التاء «1». وقد ذكرته «2» [يوسف: 19] اختلفوا في فتح الياء وإثبات الألف وإسكانها، وإسقاط الألف من قوله عزّ وجلّ: يا بشراي هذا غلام [يوسف/ 19]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: يا بشراي بفتح الياء وإثبات الألف «3». وروى ورش عن نافع: يا بشراي [يوسف/ 19] ومثواي [يوسف/ 23] ومحياي [الأنعام/ 162] وعصاي [طه/ 18] بسكون الياء. الباقون عن نافع: بتحريك الياء إلا محياي. ورأيت أصحاب ورش لا يعرفون هذا، ويروون عنه بفتح الياء في ذلك كلّه. وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: يا بشرى بألف بغير ياء. وعاصم بفتح الراء وحمزة والكسائيّ يميلانها «4». من قال: يا بشراي هذا فأضاف إلى الياء التي للمتكلم كان للألف التي هي حرف الإعراب عنده موضعان من وجهين: أحدهما: أن الألف في موضع نصب من حيث كان نداء

_ (1) السبعة 348 وليس مكان هذا الحرف هنا من حيث ترتيب الآيات. (2) ذكر نظائره في سورة يوسف/ 98. (3) زادت (ط): هنا: «وروى ورش عن نافع: (يا بشراي) بفتح الياء وإثبات الألف» ووضعت هذه الزيادة بين قوسين. ولم ترد في السبعة. (4) السبعة ص 347. وجاء على هامش (ط): عبارة: بلغت.

مضاف، والآخر: أن تكون في موضع كسر من حيث كانت بمنزلة حرف الإعراب في: غلامي. والدليل على استحقاقها لهذا الموضع قولهم: كسرت فيّ، فلولا أنّ حرف الإعراب الذي ولي ياء الإضافة في موضع كسر ما كسرت الفاء من فيّ، فلما كسرت كما كسرت في قولهم: بفيك، وكما فتحت من قولهم: رأيت فاك، لما كانت في موضع الفتحة في قولك: رأيت غلامك، وانضمت في قولك: هذا فوك، لاتباعه الضمّة المقدرة فيها، كالتي في قولك: هذا غلامك، كذلك كسرت في قولهم: كسرت فيّ، وهذا يدل على أنه ليس يعرب من مكانين: ألا ترى أنها تبعت حركة غير الإعراب في قولك: كسرت فيّ يا هذا، كما تبعت الإعراب في: رأيت فاك. ومن قال: يا بشرى هذا غلام احتمل وجهين: أحدهما: أن يكون في موضع ضمّ مثل: يا رجل لاختصاصه بالنداء، كاختصاص الرجل ونحوه من الأسماء الشائعة به. والآخر: أن يكون في موضع نصب، وذلك لأنك أشعت النداء ولم تخصصه، كما فعلت في الوجه الأول، فصار كقوله: يا حسرة على العباد [يس/ 30]، فالوجه الأول على أنه بشرى مختصة بالنداء، والآخر: أن تنزّله من جملة كلّها مثلها في الشّياع، إلا أن التنوين لم يلحق بشرى لأنها لا تنصرف. فأما قوله: لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]، فإن حرف الإعراب فيه يحتمل أيضا وجهين: أحدهما: أن

يكون في موضع فتحة لبناء الذي في: لا ريب، و: لا رجل، والآخر: أن يكون في موضع نصب. فأما الوجه الذي يكون فيه في موضع فتحه للبناء، فأن تجعل قوله للمجرمين الخبر وتجعل يومئذ متعلقا باللام، وإن كان قوله: يومئذ متقدّما عليها. والوجه الذي يكون فيه في موضع نصب مثل: لا خيرا من زيد عندك هو أن تجعل يومئذ من صلة بشرى، فيصير لذلك اسما طويلا ينتصب لطوله في النفي، كما ينتصب المضاف، وكذلك في النداء، ولم يدخله التنوين، لأنه لم ينصرف، وامتناع دخول التنوين عليه لذلك ليس مما يمتنع أن تكون الألف في موضع فتح، وهو نصب، فأما من زعم أنّ بشرى اسم لرجل منادى فيحتاج إلى ثبات ذلك بخبر يسكن إليه، كما أنّ من قال في ولد يعقوب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنهم لم يكونوا أنبياء، حين أخبر عنهم باللعب، يحتاج إلى ذلك. ووجه نداء البشرى على الوجهين اللذين قدّمنا، والمعنى فيه: أن هذا الوقت من أوانك، ولو كنت ممّن تخاطب نحو: طبت الآن، ومثل ذلك: يا حسرة على العباد [يس/ 30]. وأما فتح عاصم الراء في بشرى فحسن لمكان الراء، وهي تجري مجرى المستعلية، إذا كانت مفتوحة في منع الإمالة، وإمالة حمزة والكسائيّ إياها حسنة أيضا، لأن الراء في هذا النحو لا تمنع الإمالة، كما لا يمنع في طغى وصغى، وكما لم تمنع في قولهم: صار مكان كذا. فأما قول نافع محياي ومماتي [الأنعام/ 162]،

وجمعه بين الساكنين على غير حدّ دابّة وشابّة، فوجه ذلك أنّه يجوز أن يختص به الألف لزيادة المدّ الذي فيها على زيادة المدّ الذي في أختها، واختصت بهذا كما اختصت القوافي بالتأسيس، وكما اختصت في تخفيف الهمزة بعدها، نحو: هباءة، وليس شيء من ذلك الياء والواو، وكذلك يجوز أن تختص لوقوع الساكن بعدها فيما قرأه نافع. ويقوّي ذلك ما ذهب إليه يونس، في قولهم في الخفيفة: اضربان، واضربنان، فجمع بين الساكنين على الحدّ الذي قرأ به نافع. وحكى هشام: «التقت حلقتا البطان» «1». فهذه الأشياء مثل ما قرأ به نافع من قوله: محياي، والتحريك للياء بعد الألف أكثر، وعليه العامة من القراء والعرب والنحويين. والدليل على ضعف ذلك من طريق القياس مع قلته في السماع أنهم قالوا: جأنّ، ودأبّة، وأنشد «2»: خاطمها زأمّها كي يركبا فكرهوا التقاء الساكنين، مع أنّ الثاني منهما مدغم يرتفع اللسان عنه، وعن المدغم فيه ارتفاعة واحدة فإذا كره كارهون هذا الكثير في الاستعمال، فحكم ما قلّ في الاستعمال، ولم يكن على حدّ دابّة الرفض والاطّراح.

_ (1) انظر الأمثال لابن سلام/ 343. (2) الرجز في اللسان (زمم) بغير نسبة، وروايته: «أن تذهبا» بدل «كي يركبا» وبعده:

وقد قرأ ناس من غير القرّاء السبعة هذا النحو بقلب الألف ياء، وإدغامها في ياء الإضافة، فقالوا: هدي وبشري*، والقول في ذلك أن ما يضاف إلى الياء يحرّك بالكسر إذا كان الحرف صحيحا نحو: غلامي وداري. فلمّا لم تحتمل الألف الكسرة؛ قرّبت الألف من الياء بقلبها إليها، كما كان الحرف يكون مكسورا والألف قريبة من الياء، فكذلك أبدل كلّ واحد منهما من الآخر في حاري وضاري. وقوله «1»: لنضربن بسيفنا قفيكا فإن قلت: أتقول إن في قولك: هديّ حركة مقدّرة في الياء المنقلبة عن الألف، كما كانت في غلامي؟ فالقول: إن الياء لا ينبغي أن تقدر فيها الحركة التي قدّرت في غلامي، لأن انقلابها إلى الياء فيه دلالة على الكسرة، فلم يلزم أن تقدّر فيه الحركة، كما لم تقدّر الحركة له في الألف والياء في رجلان، ورجلين، ألا ترى أنّه قال في حرف التثنية غير محرّك ولا منوّن، فإنّما يريد غير مقدّرة فيه الحركة التي تقدّر في نحو: قال وباع، ولو قدّرت فيها الحركة للزم أن تقلب الياء من رجلين، ولا تثبت ياء. فإن قلت: هلّا قلت: إن الحركة في بشري مقدّرة، وإن كانت الياء قد أبدلت من الألف فيها، لأن القلب ليس يختص بهذا الموضع، ألا ترى أنهم يقولون أيضا في الوقف: أفعي وأعشي، وإذا لم يختص بهذا الموضع، لم يكن مثل

_ فقلت أردفني فقال: مرحبا (1) من أرجوزة لرجل من حمير، سبق انظر: 1/ 84 - 416.

التثنية! قيل: هذا يختصّ به الوقف، فلا يثبت في الوصل ويسقط، وإذا لم تثبت لم يقع الاعتداد بها، وكان في تقدير الألف. فإن قلت: إنه قد حكي أن منهم من يقول في الوصل والوقف: أفعي، وأعشي؛ فالقول في ذلك: أنه يجوز أن يكون جعل الحرف في الوصل مثله في الوقف، كما يجري الوصل مجرى الوقف في أشياء. وكأنّهم أرادوا بذلك أن يكون الحرف أبين، على أنّي رأيت أبا إسحاق لا يرتضي هذه اللغة، ويقدح فيها من طريق القياس. قال أبو الحسن: قرأ بعض أهل المدينة بالكسر للياء في الإضافة، قال: وذا رديء!. قال أبو علي: لا وجه لذلك إلا أن يكون جاء به على قول من قال «1»: هل لك يا تافيّ فحذف الياء التي تتبع الياء وهذا قليل في الاستعمال، ورديء في القياس، ألا ترى أن الياء للمتكلم، بمنزلة الكاف للمخاطب، فكما لا تلحق الكاف زيادة في الأمر الشائع،

_ (1) جزء من بيت للأغلب العجلي شاعر مخضرم، وهو من أرجوزة، وتمامه مع ما بعده: قال لها هل لك يا تافيّ ... قالت له ما أنت بالمرضي معاني القرآن 2/ 76، المحتسب 2/ 49، والخزانة 2/ 257.

يوسف: 23

كذلك لا تلحق الياء زيادة الياء، ومن ألحق الكاف الزيادة فقال: أعطيتكاه؛ جعل الكاف بمنزلة الهاء التي للغائب في لحاق الزيادة له، وعلى هذا ألحق التاء التي للخطاب حرف المد وذلك في قوله «1»: رميتيه فأصممت ... فما أخطأت الرّمية عباس عن أبي عمرو أبي إبراهيم: لا يحرك الياء، الباقون بتحريك الياء، وروى اليزيدي عن أبي عمرو فتحها، لا فصل بين الإسكان والتحريك، بل يجريان مجرى واحدا، قال أبو الحسن: الياء تخفى بعد الهمزة، فكأنهم أرادوا إيضاحها فذا حجّتها. [يوسف: 23] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «2»: هيت لك [يوسف/ 23]. فقرأ ابن كثير: هيت لك بفتح الهاء، وتسكين الياء، وضم التاء. وقرأ نافع وابن عامر: هيت* بكسر الهاء، وسكون الياء، ونصب التاء. وروى هشام بن عامر بإسناده عن ابن عامر: هئت لك من تهيّأت لك بكسر الهاء وهمز الياء وضمّ التاء. وكذلك حدّثني ابن بكر مولى بني سليم عن هشام. وقال

_ (1) انظر 1/ 73. (2) في الأصل (ط): جلّ وعزّ وجلّ.

الحلواني عن هشام: هئت لك مهموز بكسر الهاء وفتح التاء، وهو خطأ، ولم يذكره ابن ذكوان «1». أبو عبيدة: هيت لك أي: هلمّ لك، قال رجل لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه «2»: أبلغ أمير المؤمنين ... أخا العراق إذا أتيتا أنّ العراق وأهله ... عنق إليك فهيت هيتا «3» أي: هلمّ إلينا. وقال أبو الحسن: وقد كسر بعضهم التاء، وهي لغة في ذا المعنى، ورفعت في ذا المعنى. قال: وقراءة أهل المدينة: هيت لك في ذا المعنى، الهاء مكسورة، والتاء مفتوحة، قال: وقال بعضهم: هئت لك مهموز، جعلها من تهيّأت لك، وهي حسنة، إلا أن المعنى الآخر أثبت، لأنها دعته، والمفتوحة في ذا المعنى أكثر اللغات.

_ (1) السبعة 347 وزاد بعده: وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (هيت لك) بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء. (2) في مجاز القرآن: أنشدني أبو عمرو. والبيتان في المحتسب 1/ 337 والخصائص 1/ 279 والمفصل 4/ 32 واللسان مادة (هيت) غير منسوبين، وانظر حجة القراءات لابن زنجلة/ 357. (3) مجاز القرآن 1/ 305. قوله: عنق، أي: مائلون.

فأما قولهم: هيّت فلان بفلان: إذا دعاه، فينبغي أن يكون مأخوذا من قوله: هيت لك. كما أن قولهم: أفف «1» مأخوذ من أفّ، وجعلوها بمنزلة الأصوات، لموافقتها لها في البناء، واشتقوا منها كما اشتقوا من الأصوات نحو: دعدع إذا قالوا: داع داع، ويجري هذا المجرى: سبّح ولبّى إذا قال: سبحان الله، ولبّيك. وأنشد بعض البغداديين «2»: قد رابني أنّ الكريّ أسكتا ... لو كان معنيا بنا لهيّتا أسكت: صار ذا سكوت، مثل: أجرب وأقطف «3». قد تقدم من قول أبي الحسن الأخفش ما يعلم منه: أن في هيت، الذي يراد به اسم الفعل، ثلاث لغات: هيت لك، وهيت لك، وهيت لك إلا أن الهاء مكسورة وذلك قراءة نافع وابن عامر، ونسبه أبو الحسن إلى أهل المدينة ومثل هذه الكلمة في أن الآخر منها قد جازت فيه الحركات الثلاث لالتقاء

_ (1) الأفف في اللسان: الضجر. (2) ذكره اللسان ولم ينسبه في مادة/ هيت/. (3) أقحم الناسخ هنا ما سبق أن ذكره من الكلام على سورة يوسف/ 31 وهو قوله: «روى عبد الله عن أبيه عن ابن عباس، عن خارجة عن نافع (قالت اخرج) كسر التاء، ولم يروه غيره، الباقون عن نافع (قالت اخرج) بضم التاء». وقد رأينا أن حذفه من المتن أولى.

الساكنين قولهم: كان من الأمر ذيت وذيت وذيت، ولو قرأ قارئ: هيت لك كان اسما للفعل، وفتح كما فتح الآخر من رويد، ألا ترى أنه اسم فعل، كما أن رويد اسم فعل، ولك على هذا للتبيين، بمنزلة لك في قولهم: هلمّ لك، ومثل تبيينهم إياه ب: لك، تبيينهم رويد بالكاف في رويدك، وتبيينهم ها، وهاء بقولهم: هاك، وهاءك، ولك في: هلمّ لك، يتعلق بهذا الاسم الذي سمّي الفعل به، ولا يجوز أن يتعلق بمضمر، لأنك لو علقته بمضمر لصار وصفا، وهذه الأسماء التي سمّيت بها الأفعال لا توصف، لأنها بمنزلة مثال الأمر، فكما لا يوصف مثال الأمر، كذلك لا توصف هذه الأسماء، وقول ابن كثير: هيت لك بضم التاء لغة في ذا المعنى وحرّك الآخر بالضم، كما حرّك آخر ما ذكرته من ذيت، وحيث في أنه حرّك مرّة بالضم وأخرى بالفتح لالتقاء الساكنين. ومعنى هيت: هلمّ، وقد تقدم تفسيره بقول أبي عبيدة. وقراءة ابن عامر فيما روى هشام عنه: هئت لك بكسر الهاء والهمزة وضم التاء، وجهها أنه فعلت من الهيئة، والتاء في هئت ضمير الفاعل المسند إليه الفعل. قال أبو زيد: هئت للأمر أهيء هيئة، وهيّأت، فهئت: فعلت، وقال غير أبي زيد: رجل هيّئ صيّر شيّر، إذا كان حسن الهيئة والصورة، والشارة، ونظير ما حكاه أبو زيد من هئت وتهيأت قولهم: فئت وتفيّأت، وفي التنزيل يتفيأ ظلاله [النحل/ 48]، وحتى تفيء إلى أمر الله [الحجرات/ 9]، فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم [البقرة/ 226].

يوسف: 24

ويجوز في قراءة من حذف الهمزة أن يقول: هيت لك بغير همز، والتاء ضمير الفاعل، أن يكون خفّف الهمزة كما تخفّف من: جئت، وشئت، وفئت، ومن الأسماء نحو: ذيب، وبير. فإن قلت: فلم لا يكون: هئت* في الآية من: هؤت بالرجل خيرا أهوء به هوءا؛ إذا أزننته به، حكاه أبو زيد، ويكون الفعل مبنيا للمفعول دون الفاعل مثل: سؤت زيدا، وسيء زيد، وسيئت، قيل: لا يشبه ذلك، لأن سياق الآية يدلّ على التهيؤ الذي هو استعداد، وليس المعنى على التّهمة والإزنان، ألا ترى أن المراودة وتغليق الأبواب إنما هو تهيّؤ وتعمّل لطلب الخلوة وما تلتمسه المرأة فيها! وأما ما رواه الحلواني عن هشام: هئت* مهموزا بفتح التاء وكسر الهاء، فهو أن يشبه أن يكون وهما من الراوي، لأن الخطاب يكون من المرأة ليوسف، وهو لم يتهيأ لها، يبيّن ذلك أن في السورة مواضع تدلّ على خلاف ذلك من قوله: وراودته التي هو في بيتها عن نفسه [يوسف/ 23]، وقوله: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه [يوسف/ 30] وقوله: أنا راودته عن نفسه [يوسف/ 32] وقوله: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب [يوسف/ 32]، ولو كان على هذه الرواية لقالت له: هيت لي، فالوهم في هذه الرواية ظاهر. [يوسف: 24] اختلفوا في كسر اللام وفتحها من قوله جلّ وعزّ: المخلصين*، [24]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: المخلصين ومخلصا* [مريم/ 51] بكسر اللام، وتابعهم نافع في قوله:

إنه كان مخلصا في مريم بكسر اللام، وقرأ سائر القرآن المخلصين بفتح اللام، فأما ما فيه الدين [الأعراف/ 29، والزمر/ 11] أو ديني [الزمر/ 14]، فلم: يختلف فيه أنه بكسر اللام. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: المخلصين، ومخلصا في سائر القرآن بفتح اللام «1». حجّة من كسر اللام من المخلصين* ومخلصا* قوله: وأخلصوا دينهم لله [النساء/ 146]. فأما قراءة نافع في مريم: مخلصا بكسر اللام فعلى معنى أنه كان مخلصا دينه، أو مخلصا عبادته. فأما ما فيه الدين كقوله: مخلصين له الدين [غافر/ 14] قل الله أعبد مخلصا له ديني [الزمر/ 14] فلأن الدين وديني مفعول به، وفي اسم الفاعل ذكر مرتفع بأنه فاعل. ومعنى: مخلصا له ديني: أي: أتوجه في عبادتي إليه، من غير مراءاة في ذلك، وكذلك مخلصين له الدين أي: لا يشركون في عبادته أحدا، كما قال: ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف/ 110]، ولم يكونوا كمن قال: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر/ 3]. وأقول في ذلك: أخلصت ديني لله، ولا يكون أخلصت ديني لله، كما لا يكون: أخلصوا دينهم لله، ويجوز في التي في الزّمر: وهو مخلصا له ديني أي: أخلصه أنا، ومخلصا له ديني أي: يخلص ديني له، يكون هو المخلص في المعنى، إلّا أنه بني الفعل للمفعول به، وهذا يجوز في العربية.

_ (1) السبعة 348.

يوسف: 31

وحجة من كسر اللام قوله: وأخلصوا دينهم لله، فإذا أخلصوا فهم مخلصون، كما أنهم إذا أخلصوا لهم كانوا مخلصين. [يوسف: 31] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: حاشا لله [31]. فقرأ أبو عمرو وحده: حاشا لله بألف. وقرأ الباقون: حاش لله بغير ألف. حدّثني عبيد الله بن علي قال: حدّثنا نصر بن علي قال: أخبرنا الأصمعيّ قال: سمعت نافعا يقرأ: حاشا لله فيها بألف ساكنة، كذا في الحديث «1». أبو عبيدة: حاش لله وحاشا لله يطلقونها، وهي تبرئة واستثناء. وأنشد «2»: حاشا أبي ثوبان إنّ به ... ضنّا على الملحاة والشّتم «3» قال أبو علي: لا يخلو قولهم: حاش لله من أن يكون الحرف الجارّ، في الاستثناء، أو يكون فاعل من قولهم: حاشا يحاشي، فلا يجوز أن يكون الحرف الجارّ، لأن الحرف الجارّ

_ (1) انظر مسند أحمد 2/ 296. السبعة 348. (2) البيت للجميح الأسدي وهو من قصيدة مفضلية في المفضليات رقم 109 ص 367 والأصمعيات ص 254 والمحتسب 1/ 341 - الإنصاف 280 - المفصل 2/ 84 و 8/ 47 وهو الشاهد رقم 184 من شرح أبيات المغني ج 3/ 88 والخزانة 2/ 150. (3) مجاز القرآن 1/ 310.

لا يدخل على مثله، ولأنّ الحروف لا تحذف إذا لم يكن فيها تضعيف، فإذا لم يكن الجارّ ثبت أنه الذي على فاعل، وهو مأخوذ من الحشا الذي يعنى به: الناحية. قال الهذليّ «1»: يقول الذي يمشي إلى الحرز أهله ... بأيّ الحشا صار الخليط المباين فحاشا: فاعل من هذا، والمعنى أنه صار في حشا، أي: في ناحية مما قرف فيه، أي: لم يقترفه، ولم يلابسه، وصار في عزلة عنه وناحية، وإذا كان فعلا من هذا الذي ذكرنا، فلا بدّ له من فاعل، وفاعله يوسف، كأنّ المعنى: بعد من هذا الذي رمي به لله، أي: لخوفه ومراقبة أمره. فأما حذف الألف فيه، فلأن الأفعال قد حذف منها نحو: لم يك، ولا أدر، ولم أبل. وقد حذفوا الألف من الفعل في قولهم: أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، فإنما هو: ترى؛ فحذفت الألف المنقلبة عن اللام، كما حذفت من حاشا من قوله: حاش لله. ومن حجة الحذف: أنهم زعموا أنه في الخطّ محذوف، وقد قال رؤبة «2»:

_ (1) لمالك بن خالد الخناعي ويقال: إنها للمعطل- والحشا: أجواف الأودية- والخليط الذين يخالطون في الدار- والمباين: المفارق المزايل. شرح أشعار الهذليين للسكري 1/ 446. (2) من أرجوزة له في ديوانه 187 وقبله: مسرول في آلة مربّن ... يمشي العرضنى في الحديد المتقن

يوسف: 47

وصّاني العجّاج فيما وصّني ومن ذلك قول الشاعر «1»: ولا يتحشّى الفحل إن أعرضت به ... ولا يمنع المرباع منها فصيلها فحاشا وحشّى بمنزلة: ضاعف وضعّف، وتحشّى مطاوع حشّ، وإن لم أسمع فيه حشّى، فهذا لم يستعمل ما هو مطاوع له، كما أنّ قولهم: انطلق كذلك، والمعنى: لا يصير الفحل من عقره في ناحية، أي: لا يمنعه ذلك من عقره للنحر وإطعام الضيف، وكذلك: لا يمنع المرباع فصيلها، أي: لا يمنع المرباع من عقره لها فصيلها إشفاقا عليه، ولكن يعقرها، كما يعقر الفحل. وأما قول أبي عمرو: حاشا فإنه جاء به على التمام، والأصل، قال أبو الحسن: ولم أسمعها إلا أنها قد كثرت في القراءة، فكأنه تمّم لأنه رأى الحذف في هذا النحو قليلا، ويدلّ على جودة التمام: أنّ «ترى» وإن كانت قد حذفت في بعض المواضع، فإتمامها جيّد، فكذلك حاشا. [يوسف: 47] اختلفوا في إسكان الهمزة وتحريكها وإسقاطها من قوله تعالى: دأبا [يوسف/ 47]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، وحمزة،

_ (1) سبق انظر 1/ 38.

يوسف: 49

والكسائي: دأبا ساكنة الهمزة؛ إلا أنّ أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة لم يهمزها. وروى حفص عن عاصم: دأبا بفتح الهمزة. وروى أبو بكر [عنه] ساكنة الهمزة، وكذلك روى موسى الزابي عن عاصم بالفتح «1». الأكثر في دأب* الإسكان، ولعلّ الفتح لغة فيكون كشمع وشمع، ونهر ونهر. وقصّ وقصص، وانتصاب دأبا لمّا قال: تزرعون [يوسف/ 47] دلّ على تدأبون فانتصب دأبا بما دلّ عليه تزرعون وغير سيبويه يجيز أن يكون انتصابه ب تزرعون كأنه إذا قال: تزرعون وفيه علاج ودءوب؛ فقد قال: تدأبون، فانتصب دأبا به لا بالمضمر. [يوسف: 49] اختلفوا في الياء والتاء من قوله: وفيه يعصرون [يوسف/ 49]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: يعصرون بالياء. وقرأ حمزة والكسائي: تعصرون بالتاء «2». قوله: يعصرون يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون العصر الذي يراد به الضغط الذي يلحق ما فيه دهن أو ماء، نحو: الزيتون، والسّمسم والعنب والتمر ليخرج ذلك منه! وهذا

_ (1) السبعة 349 وما بين معقوفين منه. (2) السبعة 349.

يمكن أن يكون تأويل الآية عليه «1»، لأن من المتأولين من يحكي أنهم لم يعصروا أربع عشرة سنة زيتا ولا عنبا، فيكون المعنى: تعصرون للخصب الذي أتاكم، كما كنتم تعصرون أيام الخصب وقبل الجدب الذي دفعتم إليه، ويكون: يعصرون من العصر الذي هو الالتجاء إلى ما تقدّر النجاة به، قال ابن مقبل «2»: وصاحبي وهوه مستوهل زعل ... يحول بين حمار الوحش «2» والعصر أي: يحول بينه وبين الملجأ الذي يقدّر به النجاة. وقال آخر «4»: في ضريح عليه عبء ثقيل ... ولقد كان عصرة المنجود

_ (1) انظر الطبري في تفسيره 12/ 232. (2) من قصيدة بلغت 78 بيتا في ديوانه ص 96 قال عنها ابن قتيبة في الشعراء 426: وهي أجود شعره. وهو في المعاني 26 والجمهرة 2/ 354 واللسان (زعل). قوله: صاحبي، يريد فرسه، والوهوه من الخيل: النشيط سريع الجري- والمستوهل: الفزع النشيط والزعل: النشيط الأشر- والعصر: الملجأ. (4) عجز هذا البيت هو عجز بيت لأبي زبيد الطائي وهو بتمامه: صاديا يستغيث غير مغاث ... ولقد كان عصرة المنجود وهو في الطبري 12/ والاقتضاب 390 والمحتسب 1/ 345 والبحر 5/ 315 واللسان (عصر) و (نجد) - والمنجود: المكروب.

وقال أبو عبيدة: تعصرون: تنجون. وأنشد للبيد «1»: فبات وأسرى القوم آخر ليلهم ... وما كان وقّافا بغير معصّر قال: والعصر: المنجاة «2»، قال عدي «3»: لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري فأما من قال: يعصرون بالياء «4»، فإنه جعل الفاعلين الناس، لأن ذكرهم قد تقدّم هذا الفعل. ومن قال: تعصرون، وجّه الخطاب إلى المستفتين الذين قالوا: أفتنا في كذا، وعلى هذا قالوا: إلا قليلا مما تحصنون [يوسف/ 48]، إلا أن الناس أقرب إلى الفعل منهم ويجوز: أن يكون أريد المستفتون وغيرهم، إلا أنه حمل الكلام

_ (1) في الديوان برواية (بدار معصّر) والمعصر: الملجأ والحرز (ديوانه/ 68). (2) مجاز القرآن 1/ 313. وقد خطأ أبا عبيدة في تفسيره هذا الطبري، فقال في جامع البيان 12/ 233: وكان بعض من لا علم له بأقوال السلف من أهل التأويل ممن يفسر القرآن برأيه على مذهب كلام العرب يوجه معنى قوله: (وفيه يعصرون) إلى: وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث، ويزعم أنه من العصر، والعصر التي بمعنى المنجاة من قول أبي زبيد البيت ... الخ. (3) هو من شواهد سيبويه 1/ 462 والاشتقاق 269، والخزانة 3/ 594 والبحر المحيط 5/ 316. واللسان مادة/ عصر/. (4) في الأصل (تعصرون) بالتاء. والوجه ما أثبتناه.

يوسف: 56

على المخاطبين. لأن الخطاب والغيبة، إذا اجتمعا غلّب الخطاب على الغيبة، كما يغلب التذكير على التأنيث. [يوسف: 56] وقرأ ابن كثير وحده: يتبوأ منها حيث نشاء [يوسف/ 56] بالنون. وقرأ الباقون بالياء «1». قال أبو علي: يتبوأ منها حيث يشاء من قال: حيث يشاء، فيشاء مسند إلى فعل الغائب، كما كان يتبوأ كذلك. ويقوي ذلك: وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74]. وكما أن قوله: حيث نشاء وفق فعل المتبوءين فكذلك قوله: حيث يشاء وفق لقوله: يتبوأ في إسناده إلى الغيبة. وأما قراءة ابن كثير حيث نشاء فإنه على أحد وجهين: إما يكون أسند المشيئة إليه، وهي ليوسف في المعنى، لأن مشيئته لما كانت بقوّته وإقداره عليها جاز أن ينسب إلى الله سبحانه، وإن كان في المعنى ليوسف، كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17]، فأضيف الرمي إلى الله سبحانه لما كان بقوته، وإن كان الرمي للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. والآخر: أن يكون الموضع المتبوّأ مواضع نسك وقرب، أو مواضع يقام فيها الحقّ من أمر بمعروف أو نهي عن منكر،

_ (1) السبعة 349 وقد جاء الكلام عن هذا الحرف متأخرا في الأصل عن: (وقال لفتيانه) الآية 62. ورتبناه حسب تسلسل الآيات.

يوسف: 62

فالتبوّؤ في نحو هذه الأماكن والمكث فيها قرب إلى الله سبحانه، فهو يشاؤه ويريده. ويقوي النون أن الفعل المعطوف عليه كذلك، وهو: نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين [يوسف/ 56]، فأما اللام في قوله: مكنا ليوسف [يوسف/ 21]، وفي قوله: إنا مكنا له في الأرض [الكهف/ 84] فيجوز أن يكون على حدّ التي في قوله: ردف لكم [النمل/ 72] وللرؤيا تعبرون [يوسف/ 43]، يدلّ على ذلك قوله: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه [الأحقاف/ 26]، وقوله: مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم [الأنعام/ 6]. وتكون اللام في قوله: ما لم نمكن لكم على هذا أيضا. وقوله: يتبوأ في موضع نصب على الحال تقديره مكّنّاه متبوّئا حيث يشاء، فأما قوله: حيث يشاء فيحتمل موضعه أمرين، أحدهما: أن يكون في موضع نصب بأنه ظرف، والآخر: أن يكون في موضع بأنه مفعول به، ويدل على جواز هذا الوجه قول الشمّاخ «1»: وحلّأها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواحز [يوسف: 62] اختلفوا في النون والتاء من قوله عزّ وجلّ: وقال لفتيانه [يوسف/ 62].

_ (1) سبق ذكره في هذا الجزء ص 310

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: لفتيته بالتاء. واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه مثل أبي عمرو، وروى حفص عنه لفتيانه مثل حمزة بالنون. وقرأ حمزة والكسائي: لفتيانه بالنون. الفتية جمع فتى في العدد القليل، والفتيان في الكثير، فمثل فتى وفتية، أخ وإخوة، وولد وولدة، ونار ونيرة، وقاع وقيعة، ومثل الفتيان: برق وبرقان، وخرب وخربان وجار وجيران وتاج وتيجان. وقد جاء فعله في العدد القليل، فيما زادت عدّته على ثلاثة أحرف: نحو: صبيّ وصبية، وغلام وغلمة، وعلي وعلية. فوجه البناء الذي للعدد القليل: أن الذين يحيطون بما يجعلون بضاعتهم فيه من رحالهم يكفون من الكثير. ووجه الجمع الكثير: أنه يجوز أن يقال ذلك للكثير، ويتولى الفعل منهم القليل. ويقوّي البناء الكثير قوله: اجعلوا بضاعتهم في رحالهم [يوسف/ 62]، فكما أن الرحال للعدد الكثير، لأن جمع القليل: أرحل: فكذلك المتولّون ذلك يكونون كثرة. وقال أبو الحسن: كلام العرب: قل لفتيانك، وما فعل فتيانك؟ وإن كانوا في أدنى العدد، إلا أن يقولوا: ثلاثة

وأربعة، فإن قلت: هلّا كان فتية، أولى لقوله: إذ أوى الفتية إلى الكهف [الكهف/ 10]، ولقوله: فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه [يوسف/ 76]، والأوعية للعدد القليل؟ قيل: لا دلالة على ما ذكرت من واحد من الأمرين، فأما قوله: الفتية في أصحاب الكهف، فزعموا أنهم كانوا أقل من عشرة، وأما قوله: فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، فإنه وإن كان أفعلة لأدنى العدد، فإنه في هذا الباب يجوز أن يعنى به العدد الكثير، ألا ترى أنه لا يستعمل في هذا الباب البناء الذي لأكثر العدد، وهو فعل، فإذا رفضوا ذلك فيه، ولم يستعملوه، جاز أن يعنى به العدد الكثير، ألا ترى أن قولهم: رداء وكساء، ورشاء، وعباء، لا يقال في تكسيره إلّا: أعبية وأردية، وأرشية، وأكسية، ولم يجيء شيء منه على فعل، لأنه لو جاء على ذلك لم يخل من أن تخفف العين كما خفّف في رسل، ورسل، أو تثقّل كما ثقلت العين في رسل، فإن خففت العين في ذلك، لم يجز، لأن العين إذا خفّفت في هذا النحو كان في حكم التثقيل بدلالة قولهم: لقضو الرجل، ورضي، وغزي، فكما أن التخفيف في حكم التثقيل لتقريرهم حروف اللين على ما هي عليه، والحركة ثابتة غير محذوفة، كذلك في فعل، لو خفّف فقيل: رشي، كان في حكم التثقيل، ولم يثقل لما كان يلزم من القلب والإعلال، وقد يقوم البناء الذي للقليل مقام البناء الذي للكثير، وكذلك الكثير يقوم مقام القليل حيث لا قلب ولا إعلال، وذلك نحو: أرجل، وأقدام وأرسان، وفي الكثير قولهم: ثلاثة شسوع؛ فإذا فعل ذلك فيما لا إعلال فيه،

يوسف: 63

فأن يرفض فيما يؤدي إلى ما ذكرنا من الإعلال والقلب أولى. فأما قولهم: ثن في جمع ثنيّ، فمن الشاذّ الذي لم يعدّ إلى غيره، ورفض فيما عداه. [يوسف: 63] اختلفوا في الياء والنون من قوله عزّ وجلّ: نكتل [يوسف/ 63]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر. نكتل بالنون. وقرأ حمزة والكسائي: يكتل بالياء «1». يدلّ على النون قوله: ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير [يوسف/ 65]، ألا ترى أنهم إنما يميرون أهلهم مما يكتالونه، فيكون نكتل مثل نمير، وأيضا فإذا قالوا: نكتل، جاز أن يكون أخوهم داخلا معهم، وإذا قالوا: يكتل بالياء لم يدخلوا هم في هذه الجملة، وزعموا أن في قراءة عبد الله: نكتل بالنون، وكان بالنون لقولهم: منع منّا الكيل لغيبة أخينا، فأرسله نكتل ما منعناه، لغيبته. ووجه الياء كأنه يكتل هو حمله، كما نكتال نحن أحمالنا. [يوسف: 80] قال أحمد: روى خلف والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: فلما استأيسوا منه [يوسف/ 80] بغير همز.

_ (1) السبعة 349، 350

ومحمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير مثله. وقرأ الباقون: استيأسوا منه الهمزة بين السين والياء، وكذلك قرأت على قنبل عن ابن كثير: استيأسوا مثل حمزة ولا تيأسوا [يوسف/ 87]. وكلّهم قرأ في آخرها: استيأس الرسل [110] إلا ما ذكرت عن ابن كثير «1». قولهم: يئس واستيأس مثل: عجب واستعجب، وسخر واستسخر، وفي التنزيل: وإذا رأوا آية يستسخرون [الصافات/ 14]، وقال أوس «2»: ومستعجب ممّا يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم ومن قال: استأيس الرسل قلب العين إلى موضع الفاء فصارت استعفل «3»، ولفظه استأيس، ثم خفّف الهمزة وأبدلها ألفا لسكونها، وانفتاح ما قبلها فصار مثل راس وفاس، فإن قلت: فلم لا يكون استيأس فأبدل من الياء الألف وإن كانت ساكنة كما قلب قوم نحو: يا تعد، ويا تزر، وياتيس؟ قيل: لو كان كذلك لكان: فلمّا استاأسوا، فكانت الهمزة التي هي عين مخففة، فإن خفّفها كانت بين بين كالتي في هاأة. والرواية عن ابن كثير: استأيسوا بالياء والهمزة لا تقلب ياء في هذا النحو

_ (1) السبعة: 350. (2) سبق في 1/ 352 وانظر المحتسب 2/ 108. (3) في الأصل «استفعل» والوجه ما أثبتناه.

في التخفيف القياسيّ. وقد قلب هذا الحرف في غير هذا الموضع قالوا: أيس يأيس، وهذا مقلوب من يئس ييأس، وهو الأصل. يدلّك على ذلك، أن المصدر لا نعلمه جاء إلّا على تقديم الياء نحو قوله «1»: من يأسة اليائس أو حدادا ونحو ما أنشده أبو زيد «2»: بلا عزف تسلو ولكن يآسة ... وأشفى لمطلول العلاقة لو يسلو فأما قولهم: الإياس وتسميتهم الرجل إياسا فليس مصدر أيس، ولو كان كذلك لكان من باب جبذ وجذب في أنّ كلّ واحد منهما أصل على حدة، وليس أحدهما مقلوبا عن صاحبه، ولكن إياسا مصدر أسته أؤوسه أوسا: إذا أعطيته، والإياس مثل القياس والقياد، وإنّما سمّي الرجل بإياس «3» وأوس كما سمّي بعطاء وعطيّة، ومن ذلك قول النابغة الجعدي «4»: وكان الإله هو المستآسا

_ (1) لم نعثر على قائله. (2) النوادر 562 مع بيت سابق له دون عزو. (3) جاء في الأصل (ط): «بإياس كما» وهي زيادة لا معنى لها. (4) عجز بيت وصدره: ثلاثة أهلين أفنيتهم والمستآس: المستعاض. انظر شعره 78 واللسان مادة/ أوس/.

إنما هو مستفعل من العطاء، أي: يسأل أن يعطي، ومن فسره من أهل اللغة على غير هذا، فإنما هو تفسير على المعنى دون ما عليه اللفظ، فأمّا الأسو فهو من قولك: أسوت الجرح أأسوه أسوا، والفاعل آس كما ترى، والمفعول: مأسوّ وأسيّ. وقول الحطيئة «1»: ... الأطبّة والإساء الإساء: فعال، مثل صاحب وصحاب، وآم وإمام، ومنه: واجعلنا للمتقين إماما [الفرقان/ 74] في قول أبي الحسن، وقالوا: أسيّ فعيل مثل أسير، ومن ثم جمع على أساوى مثل أسارى. قال «2»:

_ (1) جزء من بيت للحطيئة وتمامه: هم الآسون أمّ الرأس لمّا ... تواكلها الأطبّة والإساء والآسون: المداوون، والآسي: الطبيب، فمعناه: أنهم يصلحون الفاسد وأم الرأس: الجلدة الرقيقة التي ألبست الدماغ. وتواكلها ذا إلى ذا: من تفاقمها. والإساء: جمع آسي، كما يقال: راعي ورعاء. والدواء بعينه انظر ديوانه/ 102، ومعجم تهذيب اللغة 13/ 140 واللسان (أسي). (2) من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي يرثي نشيبة بن محرث- وتمام البيت كما جاء في شرح أشعار الهذليين: ترى شربها حمر الحداق كأنّهم ... أساوى إذا ما مار فيهم سوارها والأساوى: الذين برءوسهم جراح، فأسيت، أي:

كأنّهم أساوى إذا ما سار فيهم سوارها وقال «1»: أسيّ على أمّ الدّماغ حجيج فانقلبت الواو كما انقلبت في غزيّ، وأما أسيت آسى أسى في الحزن: وهو مثل: فرقت أفرق فرقا، فقالوا: أسيان، وأحسبني قد سمعت: أسوان، فإن لم يك كذلك، فأسيت مثل رضيت، أو يكون في الكلمة لغتان: الياء والواو، وقال: فلا تأس على القوم [المائدة/ 26]: فكيف آسى على قوم، [الأعراف/ 93]، ولكي لا تأسوا على ما فاتكم [الحديد/ 23]، وأما السّأو للهمّة فمصدر، وقوله «2»:

_ أصلحت- وسوارها: سورتها- والسّوار: دبيب الخمرة في الجسد- شرح أشعار الهذليين للسكري 1/ 75. (1) أبو ذؤيب أيضا، وصدر البيت: وصبّ عليها الطيب حتى كأنها والأسي: المشجوج المداوى والآسي: الطبيب المداوي- وأم الدماغ: الجليدة الرقيقة التي تجمع الدماغ. حاشية السكري 1/ 134 اللسان مادة/ حجج/. (2) جزء من بيت لذي الرمة وتمامه: كأنني من هوى خرقاء مطّرف ... دامي الأظلّ بعيد الشأو مهيوم ديوانه 1/ 382 وجاءت روايته فيه «الشأو» بالشين بدل «السأو». وفي تهذيب اللغة والصحاح واللسان والتاج روي بالسين المهملة. قال في اللسان: «السأو»: الوطن، ثم أنشد البيت. والسأو: الهمة، يقال: فلان بعيد السأو، أي: بعيد الهمة. وأنشد أيضا بيت ذي الرمة، قال: وفسره فقال:

بعيد السّأو مهيوم التقدير: بعيد المكان الذي يحنّ إليه ويهيم بلحاقه به، فوضع المصدر موضع الصفة، فهو من باب: ضرب الأمير، ونسج اليمن. وقال أبو عبيدة في قوله: أفلم ييأس الذين آمنوا [الرعد/ 31]، ألم يتبيّن ويعلم، وأنشد لسحيم بن وثيل «1». أقول لأهل الشّعب إذ ييسرونني ... ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم «2» يروى: ييسرونني: أي يقتسمونني «3»، وبعضهم يقول: يأسرونني من الأسر، وقال بعض البصريّين: أفلم ييأس الذين آمنوا أي: ألم يعلموا، قال: وهي لغة وهبيل من النّخع «4»،

_ يعني همه الذي تنازعه نفسه إليه، ويروى هذا البيت بالشين المعجمة من الشأو، وهو الغاية. (اللسان سأو) ومطّرف: البعير الذي يؤتى به من وطنه إلى وطن غيره، فهو يحنّ إلى ألّافه ويشتاق. والأظل: باطن المنسم من الخفّ. (شرح ديوانه). (1) نسب لولده جابر بن زهدم- في المسائل البصريات 587 برواية «يأسرونني» والمحتسب 1/ 357 والأساس (يئس) واللسان (يسر) والبحر المحيط 5/ 392 وزهدم: اسم فرس لسحيم. (2) مجاز القرآن 1/ 332. (3) قال في المسائل البصريات: وقد روي ييسرونني، أي: يقتسمونني، من يسرت الجزور. (4) هي لغة حي من النخع وهو رهط شريك. انظر اللسان (يأس).

يوسف: 64

هكذا رواه أبو عبد الله اليزيدي، وأنشد بيتا آخر «1»: ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا وينبغي أن تكون أن بعدها وهو قوله: أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا [الرعد/ 31] مخفّفة من الثقيلة، وفيه ضمير القصة والحديث، كما أنه في قوله: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا [طه/ 89]، على ذلك، وحسن وقوع الفعل بعدها لفصل الحرف، كما فصل في هذه المواضع الأخر. ولا يجوز في: ييأس، هذا الذي بمعنى العلم الشذوذ الذي جاء في: حسب يحسب، ويئس ييأس، لأن ذلك إنما جاء في يئس الذي هو خلاف يرجو، والشذوذ حكمه أن يقصر على ما جاء فيه، ولا يتعدى إلى غيره، ويقوّي ذلك أنه يئس ييأس، إذا أريد به خلاف الرجاء مثل: علم يعلم، ويؤكد ذلك أيضا أن خلافه على هذا المثال وهو: جهل يجهل جهلا، ومصدره ينبغي أن يكون يأسا مثل: جهلا. [يوسف: 64] اختلفوا في إسقاط الألف وإثباتها، وفتح الحاء وكسرها من قوله: خير حفظا [يوسف/ 64]. فقرأ ابن كثير، ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: خير حفظا بغير ألف.

_ (1) البيت لرياح بن عدي. انظر المحتسب 1/ 357 والبحر المحيط 5/ 392.

وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم حافظا بألف «1». وجه من قال: خير حفظا أنه قد ثبت قوله: ونحفظ أخانا [يوسف/ 65] وقوله: وإنا له لحافظون [يوسف/ 12]، أنهم قد أضافوا إلى أنفسهم حفظا، فالمعنى على الحفظ الذي نسبوه إلى أنفسهم، وإن كان منهم تفريط في حفظهم ليوسف، كما أن قوله: أين شركائي [النحل/ 27 - القصص/ 62] لم يثبت لله تعالى شريكا، ولكن المعنى على الشركاء الذين نسبتموهم إليّ؛ فكذلك المعنى على الحفظ الذي نسبوه إلى أنفسهم، وإن كان منهم تفريط فإذا كان كذلك، كان معنى: الله خير حفظا من حفظكم الذي نسبتموه إلى أنفسكم لقولكم: ونحفظ أخانا وإنا له لحافظون وإن كان منكم فيه تفريط، وإضافة خير إلى حفظ محال، ولكن تقول: حفظ الله خير من حفظكم، لأن الله حافظ «2»، بدلالة قوله: حافظات للغيب بما حفظ الله [النساء/ 34]. وأما من قال: خير حافظا فينبغي أن يكون: حافظا منتصبا على التمييز دون الحال كما كان حفظا* كذلك، ولا تستحيل الإضافة في قوله: خير حافظا وخير الحافظين كما تستحيل في: خير حفظا فإن قلت: فهل كان ثمّ حافظ كما ثبت أنه قد كان حفظ بما قدّمه، فالقول فيه: إنه قد ثبت أنه كان ثمّ حافظ لقوله: وإنا له لحافظون، ولقوله: يحفظونه من

_ (1) السبعة 350. (2) في الأصل: «حفظا».

أمر الله [الرعد/ 11] فتقول: حافظ الله خير من حافظكم، كما قلت: حفظ الله خير من حفظكم، لأن لله سبحانه حفظة، كما أن له حفظا، فحافظه خير من حافظكم، كما كان حفظه خيرا من حفظكم، وتقول: هو أحفظ حافظ، كما تقول: هو أرحم راحم، لأنه سبحانه من الحافظين، كما كان من الراحمين، ولا يكون حافظا في الآية منتصبا على الحال. قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: يوحي إليهم [109] بفتح الحاء، وفي رواية حفص: نوحي إليهم بالنون وكسر الحاء في جميع القرآن إلا في قوله في عسق: كذلك يوحي إليك [الشورى/ 3] فإنه قرأ: يوحي بالياء مكسورة الحاء «1». وجه: نوحي بالنون قوله: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده [النساء/ 163]. ووجه: يوحى* قوله: وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك [هود/ 36]، وقوله: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا [الجن/ 1]، وأما قراءة عاصم في عسق: كذلك يوحي إليك فلأن الفعل مسند إلى اسم الله تعالى، فارتفاع الاسم كأنه فاعل يوحي، ولو قرأ: يوحى إليك وإلى الذين من قبلك؛ جاز، وأسند الفعل إلى الجار والمجرور وإن لم يكن في حسن ما قرأ به، وكان يكون اسم الله في قوله: الله العزيز الحكيم [الشورى/ 3]: مبتدأ، والعزيز الحكيم، خبره إلّا أنّ

_ (1) السبعة 351.

يوسف: 110

العزيز الحكيم أن تجيء به صفة جارية على اسم الله جلّ وعز، أحسن من أن تجعله خبرا عنه، وكذلك إذا أسندت الفعل إلى الاسم المفرد كان أولى من أن يسند الفعل إلى الجار والمجرور، ألا ترى أن الفعل في قوله: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن [الجن/ 1] ومن قوله: وأوحي إلى نوح [هود/ 36] أنه لم يسند في واحد من الموضعين إلى الجار والمجرور، وإنما أسند إلى أن في الموضعين جميعا، فلعل عاصما اعتبر ذلك في الموضعين، فأسند الفعل إلى الفاعل الذي هو اسم الله دون الجار والمجرور. [يوسف: 110] اختلفوا في تشديد الذّال وتخفيفها من قوله تعالى: وظنوا أنهم قد كذبوا [110]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: كذبوا مشددة الذال. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي كذبوا خفيف. وكلهم ضم الكاف «1». الضمير في ظنوا في قول من شدّد للرّسل تقديره: ظن الرّسل، أي: تيقّنوا، وظنّوا الظن الذي هو حسبان، ومعنى: كذبوا* تلقّوا بالتكذيب، كقولهم: حيّيته، وخطّأته وفسّقته، وجدّعته، وعقّرته، وزنّيته. أي استقبلته بحيّاك الله، وجدعك الله وسقاك الله «2»، فتكذيبهم إياهم يكون بأن تلقوا بذلك كقوله: وإن نظنك لمن الكاذبين [الشعراء/ 186]، أو بما

_ (1) السبعة 351. (2) ولم يورد لها مثلا فيما أورده من أفعال.

يدل عليه، وإن خالفه في اللفظ، ومن حجة التثقيل قوله: فقد كذبت رسل [فاطر/ 4]، وقوله: فكذبوا رسلي [سبأ/ 45]، وقوله: إن كل «1» إلا كذب الرسل [ص/ 14]. وأما من خفّف فقال: كذبوا فهو من كذبتك الحديث، أي: لم أصدقك. وفي التنزيل وقعد الذين كذبوا الله ورسوله [التوبة/ 90]، وقياسه إذا اعتبر بالخلاف أن يتعدى إلى مفعولين، كما تعدّى صدق في قوله: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق [الفتح/ 27]، وقال الأعشى «2»: فصدقته وكذبته ... والمرء ينفعه كذابه قال سيبويه: كذب يكذب كذبا، وقالوا: كذّابا، فجاءوا به على فعّال، وقد خففه الأعشى، وقال ذو الرمة «3»: وقد حلفت بالله ميّة ما الّذي ... أقول لها إلا الذي أنا كاذبه والضمير في قوله: وظنوا أنهم قد كذبوا للمرسل إليهم، التقدير: ظنّ المرسل إليهم أن الرّسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا نزل بهم العذاب، وإنما ظنّوا

_ (1) في الأصل المخطوط: إن كل نفس إلا كذب. (2) سبق انظر 1/ 329. (3) هذا البيت رواه ثعلب وليس في مخطوطات الديوان وهو من ثلاثة أبيات أضيفت إلى قصيدته انظر ديوان ذي الرمة 2/ 833.

ذلك لما شاهدوه من إمهال الله إياهم، وإملائه لهم، فإن قلت: كيف يجوز أن يحمل الضمير في ظنّوا على أنه للمرسل إليهم الرسل، والذي تقدم ذكرهم الرسل دون المرسل إليهم؟ قيل: إن ذلك لا يمتنع، لأن ذكر الرسل، يدلّ على المرسل إليهم لمقارنة أحد الاسمين للآخر، ولما في لفظ الرسل من الدلالة على المرسل إليهم، وقد قال الشاعر «1»: أمنك البرق أرقبه فهاجا ... فبتّ إخاله دهما خلاجا أي بتّ أخال الرعد صوت دهم، فأضمر الرعد ولم يجر له ذكر لدلالة البرق عليه لمقارنة لفظ كلّ واحد منهما الآخر، وفي التنزيل: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81] واستغني عن ذكر البرد، لدلالة الحرّ عليه، وإن شئت قلت: إنّ ذكرهم قد جرى في قوله: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم [يوسف/ 109]، فيكون الضمير للذين من قبلهم من مكذبي الرسل وإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى: ظنّ الرسل أن الذي وعد الله أممهم على لسانهم قد كذبوا أو كذبوا فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء، ولا إلى صالحي عباد الله، وكذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا، لأن الله لا يخلف الميعاد، ولا مبدّل لكلماته.

_ (1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ورواية الديوان له «أو أومض ثم هاجا» والخلاج من الإبل: التي اختلجت أولادها عنها واحدها «خلوج» تخلج عنها إما بموت وإما بذبح، «دهما»: سودا. انظر شرح السكري 1/ 177.

حدثنا أحمد بن محمد قال: حدّثنا المؤمّل بن إسماعيل ابن عليّة عن أبي المعلى عن سعيد بن جبير في قوله: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال: فقال ابن جبير: إن الرسل يئسوا من قومهم أن يؤمنوا، وإن قومهم ظنّوا أن الرسل قد كذبوا فيما قالوا لهم، فأتاهم نصر الله «1» على ذلك. اختلفوا في قوله تعالى: فننجي من نشاء [110] فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وحمزة والكسائي: فننجي من نشاء بنونين: الأولى مضمومة، والثانية ساكنة. وروى نصر بن علي عن أبيه عن أبي عمرو فنجي من نشاء يدغم. قال أحمد: هذا غلط في قوله: يدغم، ليس هذا موضعا يدغم فيه، إنما أراد أنّها محذوفة النون الثانية في الكتاب وفي اللفظ بنونين، الأولى متحركة، والثانية ساكنة، [ولا يجوز إدغام المتحرك في الساكن، لأن النون الثانية ساكنة، والساكن لا يدغم فيه متحرك] و [كذلك] النون لا تدغم في الجيم، [فمن قال: يدغم فهو غلط، ولكنها حذفت من الكتاب، أعني النون الثانية لأنها ساكنة تخرج من الأنف، فحذفت من الكتاب، وهي في اللفظ مثبتة]. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحفص وابن عامر: فنجي من نشاء مشدّدة الجيم مفتوحة الياء بنون واحدة. وروى ابن اليتيم عن أبي حفص عمرو بن الصباح عن أبي عمر عن عاصم: فنجي بنون واحدة.

_ (1) في الأصل: فأتاهم الله نصر الله.

وروى هبيرة عن حفص عن عاصم بنونين، وفتح الياء، وهذا غلط من قول هبيرة «1». من قال: فننجي من نشاء كان ننجي* حكاية حال. ألا ترى أن القصّة فيما مضى، وإنما حكى فعل الحال على ما كانت عليه، كما أنّ قوله: إن ربك ليحكم بينهم [النحل/ 124] حكاية للحال الكائنة، وكما أنّ قوله: ربما يود الذين كفروا [الحجر/ 2]، جاء «2» هذا النحو على الحكاية، كما أنّ قوله: هذا من شيعته، وهذا من عدوه [القصص/ 15]، إشارة إلى الحاضر، والقصة ماضية لأنه حكى الحال. ومن حكاية الحال قوله: وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد [الكهف/ 18]، فلولا حكاية الحال لم يعمل اسم الفاعل، لأنه إذا مضى اختصّ، وصار معهودا، فخرج بذلك من شبه الفعل، ألا ترى أن الفعل لا يكون معهودا، فكما أن اسم الفاعل إذا وصف أو حقّر لم يعمل عمل الفعل لزوال شبه الفعل عنه باختصاصه الذي يحدثه فيه التحقير والوصف كذلك إذا كان ماضيا. فأما النون الثانية من ننجي* فهي مخفاة مع الجيم، كذلك النون مع سائر حروف الفم، لا تكون إلّا مخفاة، قال أبو عثمان: وتثبيتها معها لحن. والنون مع الحروف ثلاث أحوال: الإدغام، والإخفاء،

_ (1) السبعة 352 وما بين معقوفين زيادة منه. (2) جاء على هامش (ط) قوله: (كذا عنده).

والبيان، فإنما تدغم إذا كانت مع مقاربها، كما يدغم سائر المقاربة فيما قاربة، والإخفاء فيها مع حروف الفم التي لا تقاربها، والبيان فيها مع حروف الحلق، فأما حذف النون الثانية من الخط فيشبه أن يكون لكراهة اجتماع المثلين فيه، ألا ترى أنهم كتبوا مثل: العليا، والدنيا، ويحيا، ونحو ذلك بالألف، ولولا اجتماعها مع الياء لكتبت بالياء، كما كتبت: حبلى ويخشى، وما لم يكن فيه ياء، من هذا النحو بالياء فكأنهم لما كرهوا اجتماع المثلين في الخط، حذفوا النون، وقوّى ذلك أنه لا يجوز فيها إلا الإخفاء، ولا يجوز فيها البيان، فأشبه بذلك الإدغام، لأن الإخفاء لا يتبيّن فيه الحرف المخفى، كما أن الإدغام لا يبيّن فيه الحرف المدغم بيانه في غير الإدغام، فلما وافق النون المدغم في هذا الوجه استجيز حذفه في الخط، ومن ذهب إلى أن النون الثانية مدغمة في الجيم، فقد غلط لأنها ليست بمثل للجيم، ولا مقارب له، فإذا خلا الحرف من هذين الوجهين لم يدغم فيما اجتمع فيه. ووجه قراءة عاصم: فنجي من نشاء أنه أتى به على لفظ الماضي لأن القصة ماضية. ويقوّي قوله: أنه قد عطف عليه فعل مسند إلى المفعول وهو قوله: ولا يرد بأسنا [يوسف/ 110] ولو كان ننجي* مسندا إلى الفاعل كقول من خالفه، لكان لا نردّ أشبه ليكون مثل المعطوف عليه. وما رواه هبيرة عن حفص عن عاصم بنونين، وفتح الياء فهو غلط- كما قال أحمد بن موسى- من الراوي لأنه لا شيء هاهنا ينتصب به الياء من قوله: فننجي والنون الأولى

يوسف: 90

للمضارعة، فلا يجوز أن تنتصب من غير ناصب له. [يوسف: 90] قال أحمد: وكلهم قرأ: أإنك لأنت يوسف [90] بالاستفهام غير ابن كثير فإنّه قرأ: إنك لأنت يوسف على الخبر «1». يدلّ على الاستفهام، قوله: أنا يوسف [90]، فإنّما أجابهم عمّا استفهموا عنه، وزعموا أن في حرف أبيّ: أو أنت يوسف؟ فهذا يقوّي الاستفهام. قال أبو الحسن في قوله: وتلك نعمة تمنها علي [الشعراء/ 22] أنه على الاستفهام، كأنه: أو تلك نعمة؟ فيجوز أن يكون قول ابن كثير على هذا، فتكون القراءتان على هذا متفقتين، وقلّما يحذف حرف الاستفهام. قال: واختلفوا في الهمزة، فكان حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر: يهمزون همزتين. الباقون «2»: همزة واحدة «1». هذا على أصولهم في الجمع بين همزتين وقد تقدم القول في ذلك. [يوسف: 90] قال قرأ ابن كثير وحده: إنه من يتقي ويصبر [90] بياء في الوصل والوقف، فيما قرأت على قنبل.

_ (1) السبعة 351. (2) جاء على هامش الأصل (ط): بلغت.

الباقون بغير ياء في وصل ولا وقف «1». وقراءة ابن كثير إنه من يتقي ويصبر فإن الله يحتمل ثلاثة أضرب: أحدهما: أن يقدّر في الياء الحركة، فيحذفها منها، فتبقى الياء ساكنة للجزم كما قدّر ذلك في «2»: ألم يأتيك والأنباء تنمي وهذا لا تحمله عليه، لأنه مما يجيء في الشعر دون الكلام. والآخر: أن يجعل من يتقي بمنزلة: الذي يتقي، ويحمل المعطوف على المعنى، لأن من يتقي إذا كان من بمنزلة الذي، كان بمنزلة الجزاء الجازم بدلالة أن كلّ واحد منهما يصلح دخول الفاء في جوابه، فإذا اجتمعا في ذلك لما يتضمنانه من معنى الجزاء، جاز أيضا أن يعطف عليه كما يعطف على الشرط المجزوم، لكونه بمنزلته فيما ذكرنا، ومثل ذلك: فأصدق وأكن [المنافقين/ 10] حملت وأكن على موضع الفاء، ومثله أيضا قول من قال: ويذرهم في طغيانهم [الأعراف/ 186] جزما. ومثله قول الشاعر «3»: فأبلوني بليّتكم لعلي ... أصالحكم وأستدرج نويّا

_ (1) السبعة 351. (2) سبق انظر 1/ 93 - 325 و 2/ 99. (3) البيت لأبي دؤاد، سبق انظر ص 110 من هذا الجزء.

فحمل على موضع الفاء المحذوفة، وما بعدها فكذلك يحمل ويصبر ومما يقارب ذلك قوله «1»: فلسنا بالجبال ولا الحديدا ونحو ذلك ممّا يحمل على المعنى، ويجوز أن يقدّر الضمة في قوله: ويصبر ويحذفها للاستخفاف، كما يحذف نحو: عضد وسبع، وجاز هذا في حركة الإعراب، كجوازه في حركة البناء، وزعم أبو الحسن أنه سمع: رسلنا لديهم [الزخرف/ 80] بإسكان اللام من رسلنا، فكذلك يكون في قوله: ويصبر فإن الله. ومما يقوّي ذلك ويسوّغ حمله عليه أنه قرأ: ويتقه [النور/ 52] ألا ترى أنه جعل تقه، بمنزلة: كتف وعلم، فأسكن؛ فكذلك يسكن على هذا: ويصبر فإن الله لا يضيع.

_ (1) عجز بيت لعقيبة الأسدي، سبق في 284 و 363.

سورة الرعد

سورة الرعد [الرعد: 3] اختلفوا في تخفيف الشين وتشديدها من قوله عزّ وجلّ: يغشي الليل النهار [3]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص يغشي خفيفة. وقرأ عاصم، في رواية أبي بكر، وحمزة والكسائي: (يغشي) بفتح الغين وتشديد الشين «1». وجه من قرأ: يغشي قوله: فأغشيناهم [يس/ 9]. ووجه من قرأ: (يغشي) قوله: فغشاها ما غشى [النجم/ 54]، وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل. [الرعد: 4] اختلفوا في الخفض والرّفع من قوله: (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) [4]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان رفعا.

_ (1) السبعة ص 356.

وقرأ نافع وابن عامر وعاصم، في رواية أبي بكر، وحمزة والكسائي: (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) خفضا. وكلّهم كسر الصّاد من: (صنوان) إلّا أنّ الحسن حدّثني عن أحمد بن يزيد الحلوانيّ، عن القوّاس عن حفص عن عاصم: صنوان بضمّ الصاد والتنوين، ولم يقله غيره عن حفص «1». من رفع (زرعا) من قوله: وجنات من أعناب وزرع جعله محمولا على قوله: وفي الأرض تقديره: وفي الأرض قطع متجاورات، وجنات من أعناب، وفي الأرض زرع ونخيل صنوان، فجعله محمولا على قوله: وفي الأرض ولم يجعله محمولا على ما الجنّات منه من الأعناب. والجنّة على هذا يقع على الأرض التي فيها الأعناب دون غيرها، كما تقع على الأرض التي فيها النخيل دون غيرها ويقوّي ذلك قول زهير «2»: كأنّ عينيّ في غربي مقتلة ... من النّواضح تسقي جنّة سحقا

_ (1) السبعة ص 356. (2) قال شارح ديوانه ص 38: الغربان: الدلوان الضخمان، والمقتلة: المذللة يعني: الناقة. يقول: كأن عيني من كثرة دموعهما في غربي ناقة ينضح عليها، قد قتلت بالعمل حتى ذلّت، والنواضح: جمح ناضح: كل بعير يستقى عليه.

والمعنى: تسقي نخيل جنّة، يدلّك على ذلك أنّ السّحق لا يخلو من أن يكون صفة للنّخيل المرادة، أو للجنّة. فلا يجوز أن تكون من صفة الجنّة، لأنّ السّحق جمع سحوق، وإنّما يوصف بها النخيل إذا بسقت، فكأنه سمّى الأرض ذات النخيل جنّة، ولم يذكر أنّ فيها غيرها، فكما أنّ الجنّة تكون من النخيل من غير أن يكون فيها شيء آخر غيرها، كذلك تكون الكروم وإن لم يكن فيها غيرها، فهذا وجه قول من قطع قوله: وزرع من إعراب ما قبله. فأمّا من قرأ: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان) فإنه حمل الزرع والنخيل على الأعناب، كأنه: جنات من أعناب، ومن زرع ومن نخيل. والدّليل على أنّ الأرض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع، سمّيت جنّة، قوله: جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا [الكهف/ 32]، فكما سميت الأرض ذات العنب والنخل والزرع جنّة، كذلك يكون في قول من قرأ: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل) أن يكون الزرع والنخيل محمولين على الأعناب، فتكون الجنّة من هذه الأشياء، كما كانت منها في الآية الأخرى، ويقوّي ذلك أيضا قوله «1»: أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنّة المغلّة

_ (1) أمالي ابن الشجري 2/ 16 معاني القرآن للفراء 3/ 176، الخزانة 4/ 341 واللسان (حرد- أله). وقوله: يحرد: يقصد.

فقوله: المغلة في وصف الجنّة يدلّ على أن الجنة يكون فيها الزرع، لأن الغلّة إنّما هي ممّا يكال بالقفيز في أكثر الأمر، وممّا يقوّي ذلك قول زهير «1»: فتغلل لكم ما لا تغلّ لأهلها ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم فبين الغلة بالقفيز والدرهم، ومن ذهب من الفقهاء إذا قال: أوصيت له بغلّة هذه القرية، أنّه يكون على ما فيه في الحال، والثاني، والثمرة على ما كان وقت الكلام للوصيّة دون ما يحدث من بعد يشهد له بيت زهير. فإذا اجتمع النخل والكرم في أرض سمّيت جنّة بدلالة قوله: وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب [يس/ 34] وقوله: أو تكون لك جنة من نخيل وعنب [الإسراء/ 91]، وهذا يقوّي قول من جرّ النخيل في قوله: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل)، لأنّه قد ثبت أنّ الجنّة تكون من الكرم والنخيل في الآيتين اللتين تلوناهما. والصّنوان فيما يذهب إليه أبو عبيدة، صفة للنخيل قال: والمعنى أن يكون الأصل واحدا، ثم يتشعب من الرءوس فيصير نخلا ويحملن. قال: وقال: (وتسقى بماء واحد)، إنما تشرب من أصل واحد، ونفضل بعضها على بعض في الأكل وهو الثمر «2».

_ (1) شرح ديوان زهير ص 21. قال في معناه: إن هذه الحرب تغل لكم من هذه الدماء ما لا تغل قرى بالعراق: وهي تغل القفيز والدرهم- وهذا تهكم منه واستهزاء. (2) انظر مجاز القرآن 1/ 322.

الرعد: 4

وأجاز غيره أن يكون الصنوان من صفة الجنّات، قال أبو علي: فكأنّه يكون يراد به في المعنى ما في الجنات، وإن جرى على لفظ الجنّات، وعلى هذا يجوز أن يرفع، وإن جرّت النخل، لأنّ الجنات مرفوعة، وهذا لم يحكه في قراءة السبعة. وأما الكسرة التي في «صنوان» فليست التي كانت في صنو، كما أن الكسرة التي في «قنو» ليست التي كانت في قنوان لأنّ تلك قد حذفت في التكسير، وعاقبتها الكسرة التي يجلبها التكسير، وكذلك الكسرة التي في هجان، وأنت تريد الجمع، ليست الكسرة التي كانت في الواحد، ولكنّه مثل الكسرة في ظراف إذا جمعت عليه ظريفا، وكذلك الضمّة التي في الفلك، إذا أردت التكسير، لا تكون الضمّة التي كانت في الواحد، ولكن على حدّ أسد، وأسد، ووثن ووثن، وكذلك الضمّة التي في آخر منصور على قول من قال: يا جار، ليست التي كانت في قول من قال: يا جار. وأمّا من ضمّ الصاد من صنوان، فإنه جعله مثل: ذئب وذؤبان، وربما تعاقب فعلان وفعلان، على البناء الواحد نحو حشّ «1» وحشّان وحشّان، فكذلك: صنوان، وأظنّ سيبويه قد حكى الضم فيه «2». والكسر فيه أكثر في الاستعمال. [الرعد: 4] اختلفوا في التاء والياء من قوله عزّ وجلّ: (تسقى بماء

_ (1) الحش: جماعة النخل. والبستان (اللسان). (2) الكتاب 2/ 180 وفيه: قالوا: صنو وصنوان، وقنو وقنوان، وقال بعضهم: صنوان وقنوان، كقوله: ذؤبان.

الرعد: 5

واحد) [4] وفي الياء والنّون من قوله: ونفضل بعضها على بعض [الرعد/ 4]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تسقى) بالتاء ونفضل بالنون. وحمزة والكسائي (تسقى) أيضا، ممالة القاف، وقرأ (ويفضل) بالياء مكسورة الضاد. وقرأ عاصم وابن عامر: يسقى بالياء ونفضل بالنون «1». من قال: (تسقى بماء واحد) أراد: تسقى هذه الأشياء بماء واحد، ولا يكون التذكير لأنّك إن حملته على الزرع وحده، تركت غيره، وإن حملته على الجنّات مع حمله على الزرع فقد ذكّر المؤنّث. ويقوّي التأنيث قوله: ونفضل بعضها على بعض، فكما حمل هذا على التأنيث كذلك يحمل (تسقى). ومن قال: يسقى كان التقدير: يسقى ما قصصناه وما ذكرناه. [الرعد: 5] اختلفوا في الاستفهام وتركه من قوله: أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد [الرعد/ 5]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (أيذا كنا ترابا أينا لفي خلق جديد) جميعا بالاستفهام، غير أنّ أبا عمرو يمدّ الهمزة، ثم

_ (1) السبعة ص 356 - 357.

يأتي بالياء ساكنة، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مدّ. وقرأ نافع: (أيذا كنا) مثل أبي عمرو، واختلف عنه في المدّ، وقرأ: إنا لفي خلق جديد مكسورة على الخبر ووافقه الكسائيّ في اكتفائه بالاستفهام الأول من الثاني، غير أنّه كان يهمز همزتين. وقرأ عاصم وحمزة: أإذا كنا .. أئنا بهمزتين فيهما. وقرأ ابن عامر: (إذا كنا) مكسورة الألف من غير استفهام (آئنا) يهمز ثم يمدّ، ثم يهمز في وزن: عاعنا، هكذا قال لي أحمد بن محمد بن بكر عن هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر، يدخل بينهما ألفا، فذكر بعض من روى عن ابن ذكوان عن يحيى بن الحارث أإذا بهمزتين لا ألف بينهما، مثل قراءة حمزة، والمعروف عن ابن عامر أإذا «1» بهمزتين من غير ألف «2». من قرأ: أإذا «1» كنا ترابا، أئنا جميعا بالاستفهام فموضع أإذا نصب بفعل مضمر يدلّ عليه قوله: أإنا لفي خلق جديد لأن هذا الكلام يدلّ على: نبعث ونحشر، فكأنّه قال: أنبعث إذا كنّا ترابا؟ ومن لم يدخل الاستفهام في الجملة الثانية كان موضع (إذا) أيضا نصبا بما دلّ عليه قوله: (إنا لفي خلق جديد) كأنه قال: أنبعث إذا كنا ترابا؟

_ (1) في الأصل (ط): «أإ» بإسقاط (ذا). (2) السبعة ص 357 - 358.

وما بعد إنّ، في أنّه لا يجوز أن يعمل فيما قبله، بمنزلة الاستفهام، فكما قدّرت هذا الناصب لإذا مع الاستفهام، لأنّ الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله؛ كذلك تقدّره في إنّ لأنّ ما بعدها أيضا لا يعمل فيما قبلها. وقول ابن عامر: (إذا كنا ترابا) من غير استفهام، أئنا ينبغي أن يكون على مضمر، كما حمل ما تقدّم على ذلك، لأنّ ما بعد الاستفهام منقطع ممّا قبله. فأمّا قول أحمد: إنّ أبا عمرو يمدّ الهمزة، ثمّ يأتي بالياء ساكنة؛ فعبارة فيها تجوّز، وحقيقتها: إن أبا عمرو يأتي بهمزة الاستفهام. ويدخل بينها وبين همزة (إذا) مدّة، كما يفعل ذلك بقوله: أأنذرتهم [البقرة/ 6] ونحو ذلك مما يفصل فيه بالألف بين الهمزتين، كما يفصل بها بين النونات في: اخشينان، ويأتي بالهمزة بعد الألف بين بين، كما يأتي به بعد الألف في أئذا، إنّما هي همزة بين بين، بين الكسرة والياء، وليست ياء محضة، كما أنّ الهمزة في «المسائل» ليست ياء محضة إنّما هي همزة بين بين، فهذا تحقيق ما يريد، إن شاء الله. وقول أحمد بن موسى: وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مدّ، فهذا ليس على التخفيف القياسي، ولو كان عليه، لوجب أن تكون الهمزة بين بين، بين الياء وبين الهمزة، كما أنّ قولهم: سئم في المتصل، وإذ قال إبراهيم «1» في المنفصل

_ (1) من الآية 126، 260 من البقرة، و 74 من الأنعام، و 35 من إبراهيم، و 26 من الزخرف.

الرعد: 9، 10

كذلك، ولكنّه يبدل الياء من الهمزة إبدالا محضا، وهذا كما حكاه سيبويه من أنه سمع بعض العرب يقول: بيس «1»، وقد جاء في الشعر في يومئذ، يومئذ، والأوّل «2» يدلّان على قول ابن كثير. [الرعد: 9، 10] قال أحمد: قرأ ابن كثير (الكبير المتعالي. سواء منكم) (الرعد/ 9، 10]، بياء في الوصل والوقف، وكذلك قال الحلواني عن أبي معمر «3» عن عبد الوارث عن أبي عمرو، وكذلك أخبرني أبو حاتم الرازي في كتابه إلي عن أبي زيد عن أبي عمرو. الباقون لا يثبتون الياء في وصل ولا وقف «4». أما إثبات ابن كثير وأبي عمرو الياء في: (الكبير المتعالي) فهو في القياس، وليس ما فيه الألف واللام من هذا، كما لا ألف ولام فيه من هذا النحو، نحو: قاض وغاز. قال سيبويه: إذا لم يكن في موضع تنوين- يعني اسم الفاعل- فإنّ البيان أجود في الوقف، وذلك قولك: هذا القاضي، وهذا العمي، لأنّها ثابتة في الوصل «5» يريد أن الياء مع الألف واللام تثبت ولا تحذف، كما تحذف من اسم الفاعل إذا لم يكن فيه الألف واللام، نحو هذا قاض؛ فاعلم.

_ (1). 2/ 255 وقد ضبط بيس عنده بكسر الباء وتسكين الياء، ضبط قلم. (2) كذا الأصل. (3) زاد في السبعة: المنقري. (4) السبعة ص 358. (5) الكتاب 2/ 288 باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف، وهي الياءات.

الرعد: 11

فالياء مع غير الألف واللام تحذف في الوصل، فإذا حذفت في الوصل كان القياس أن تحذف في الوقف، وهي اللغة التي هي أشيع وأفشى، فإذا دخلت الألف واللام فلا تحذف اللام «1» في اللغة التي هي أكثر عند سيبويه. وأمّا قول من حذف في الوصل والوقف في المتعال فإنّ الحجّة في حذفها في الوقف أن سيبويه زعم: «أن من العرب من يحذف هذا في الوقف، شبّهوه بما ليس فيه ألف ولام، إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن ألف ولام» «2». وأمّا حذفهم لها في الوصل، فلم يكن القياس، لأنّه لم يضطرّ إلى حذفه شيء، كما اضطرّ إلى حذف ما لا ألف ولام فيه التقاء الساكنين، وكره التحريك فيه لتحرّك الياء بالكسر وهي لا تحرّك بضمّة ولا كسرة، ولكن حذف ذلك من حذف لأنّها في الفواصل، وما أشبه الفواصل من الكلام التامّ، تحذف تشبيها بالقوافي، والقوافي قد كثر حذف ذلك منها. والفواصل وما أشبهها في حكمها فحذفت منها كما حذفت في القوافي. [الرعد: 11] قال أحمد: وروى عباس عن خارجة إمالة الواو من أول وال [11]، قال: وكلّهم يفتحها «3».

_ (1) كذا الأصل، والظاهر أن تكون الياء بدل اللام، إلا أن يقصد بها لام الكلمة. (2) الكتاب الباب السابق 2/ 288. (3) لم ترد في مكانها في السبعة.

الرعد: 16

الإمالة في وال حسنة في قياس العربية، كما أنّها في عامر وواقد حسنة، لا مانع يمنع منها، ووال: فاعل، من ولي يلي. ووال ووليّ، كعالم وعليم، وقادر وقدير، وراحم ورحيم، والوالي والوليّ: من يلي أمرك خلاف العدو، والله وليّ المؤمنين. [الرعد: 16] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: (أم هل تستوي الظلمات والنور) [16]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (تستوي) بالتاء. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي بالياء. حفص عن عاصم بالتاء «1». التأنيث حسن، لأنّه فعل مؤنّث لم يفصل بينه وبين فاعله شيء، وعلى هذا جاء: قالت الأعراب [الحجرات/ 14]، وقالت اليهود [البقرة/ 113] وقالت النصارى [التوبة/ 30]، وإذ قالت أمة منهم [الأعراف/ 164]، وقد جاء: وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30] وقد جاء التأنيث في هذا النحو: وإذ قالت أمة منهم وهو اسم جماعة مؤنّثة، كما أنّ نسوة كذلك. والتذكير سائغ، لأنّه تأنيث غير حقيقيّ، والفعل مقدّم.

_ (1) السبعة ص 358.

الرعد: 17

[الرعد: 17] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: (ومما توقدون عليه في النار) [17]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (توقدون) بالتاء. وقرأ حمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم بالياء. علي بن نصر عن أبي عمرو (توقدون) ويقرأ أيضا: يوقدون والغالب عليه (توقدون) بالتاء «1». من قرأ بالتاء فلما قبله من الخطاب، وهو قوله: قل أفاتخذتم [16]، ويجوز أن يكون خطابا عامّا، يراد به الكافّة. كأنّ المعنى: ممّا توقدون عليه أيّها الموقدون زبد مثل زبد الماء الذي يحمله السيل، فأمّا الزّبد فيذهب جفاء لا ينتفع به كما لا ينتفع الكافر بما يتخذه من الآلهة، مثل الزبد الذي لا ينتفع به كما ينتفع بما يخلص منه الزبد من الماء والذهب والصّفر والفضّة. ومن قرأ بالياء، فلأنّ ذكر الغيبة قد تقدّم في قوله: أم جعلوا لله شركاء [16]، ويجوز أن يراد به جميع الناس، ويقوّي ذلك قوله: وأما ما ينفع الناس [17]، فكما أن الناس يعمّ المؤمن والكافر، كذلك الضمير في يوقدون وقال: ومما يوقدون عليه في النار، فجعل الظرف متعلّقا بيوقدون، لأنّه قد يوقد على ما ليس في النار كقوله: فأوقد لي يا هامان على

_ (1) السبعة ص 358، 359.

الرعد: 33

الطين [القصص 38] فهذا إيقاد على ما ليس في النار، وإن كان يلحقه وهجها ولهبها. وأمّا قوله: بورك من في النار ومن [النمل/ 8]، فالمعنى: من في قرب النار، وليس يراد به متوغّلها، ومن حولها ممّن لم يقرب منها قرب الآخرين، ألا ترى أنّ قوله: وممن حولكم من الأعراب منافقون [التوبة/ 99]، لم يقرب المنافقون الذين حولهم فيه قرب المخالطين لهم، حيث يحضرونه ويشهدونه في مشاهدهم. حدّثنا أحمد بن محمد البصري قال: حدّثنا المؤمّل قال: حدّثنا إسماعيل بن عليّة عن أبي رجاء قال: سمعت الحسن يقول: الله أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها إلى قوله: ابتغاء حلية: الذهب والفضة، والمتاع: الصفر والحديد، كذلك يضرب الله الحقّ والباطل، كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد، فخلص خالصه كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، قال: وكذلك الحقّ بقي لأهله فانتفعوا به «1». [الرعد: 33] اختلفوا في «2»: فتح الصاد وضمّها من قوله جلّ وعزّ: (وصدوا عن السبيل) [33]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (وصدوا) بفتح الصاد، وفي حم المؤمن [37] مثله.

_ (1) انظر الطبري في تفسيره 13/ 135. (2) جاء في (ط): ي قوله ... والوجه ما في السبعة.

وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: وصدوا عن السبيل بالضمّ فيهما «1». وقال أبو عمر عن أبي الحسن: صدّ وصددته مثل: رجع ورجعته، ومن ذلك قول الشاعر «2»: صدّت كما صدّ عما لا يحلّ له ... ساقي نصارى قبيل الفصح صوّام فهذا صدّت في نفسها. وقال آخر: صددت الكأس عنّا أمّ عمرو «3» فأما قوله: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله [الحج/ 25]، فالمعنى: يصدّون المسلمين عن المسجد الحرام، فكأنّ المفعول محذوف، وقوله: رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [النساء/ 61]، يكون على: يصدّون عنك، أي: لا يبايعونك كما يبايعك المسلمون، ويجوز أن يكونوا يصدّون غيرهم عن الإيمان، كما صدّوا هم، ويثبّطونهم عنه.

_ (1) السبعة ص 359. (2) للنّمر بن تولب، وهو من شواهد سيبويه 2/ 29 قال الأعلم: وصف ناقة عرض عليها الماء فعافته فصدّت عنه كما صد ساقي النصارى عما لا يحل له من الطعام والشراب في مدة صيامهم، وقبل يوم فصحهم. (3) هو عمرو بن كلثوم، وعجزه: وكان الكأس مجراها اليمينا وهو من معلقته، انظر شرحها للتبريزي ص 323

الرعد: 39

وحجّة من قال: (وصدوا عن السبيل) فأسند الفعل إلى الفاعل: قوله: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [محمد/ 1] وقوله: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله، وقال: هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام [الفتح/ 25]. فكما أسند الفعل إلى الفاعل في جميع هذه الآي، كذلك يكون مسندا إليهم في قوله: (وصدوا عن السبيل). وقد زعموا أن قوله: (وصدوا عن السبيل) نزلت في قوم جلسوا على الطريق، فصدّوا الناس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ومن بنى الفعل للمفعول به فقال: وصدوا عن السبيل، فإنّ فاعل الصدّ غواتهم والعتاة منهم في كفرهم. وقد يكون صدّ على نحو ما يقولون: حدّ فلان عن الخير، وصدّ عنه، يريد أنه لم يفعل خيرا، ولا يريد أن مانعا منعه منه. فأمّا قوله: (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) [غافر/ 37] فالفتح الوجه، لأنّه لم يصدّه عن الإيمان أحد، ولم يمنعه منه. والذي زيّن له ذلك الشيطان، كما جاء في الأخرى: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم [الأنفال/ 48]، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل [النمل/ 24]. [الرعد: 39] اختلفوا في تشديد الباء وتخفيفها من قوله جلّ وعزّ: ويثبت [39]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: ويثبت ساكنة الثاء. خفيفة الباء.

وقرأ ابن عامر ونافع وحمزة والكسائيّ: (ويثبت) مشدّدة الباء مفتوحة الثاء «1». المعنى: يمحو الله ما يشاء ويثبته، فاستغني بتعدية الأوّل من الفعلين عن تعدية الثاني، والمعنى يثبته، ومثل ذلك قوله: والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات [الأحزاب/ 35]. وزعم سيبويه أن من العرب من يعمل الأوّل من الفعلين، ولا يعمل الثاني في شيء كقولهم: متى رأيت، أو قلت: زيدا منطلقا «2». وقال الشاعر «3»: بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب ولم يعمل الثاني.

_ (1) السبعة ص 359. (2) أورد سيبويه في «باب الفاعلين والمفعولين اللذين كلّ منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به وما كان نحوه» الآية التي في الأحزاب/ 35 السابقة مستدلا بها على استغناء الفعل الثاني عن عمله بعمل الأول؟ ثم قال: ومثل ذلك: «ونخلع ونترك من يفجرك». وهذا شاهد على استغناء عمل الأول بعمل الثاني وهو عكس ما سبق. ثم قال بعد صفحات في آخر الباب: «وقد يجوز ضربت وضربني زيدا. لأن بعضهم قد يقول: متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا؟ والوجه: متى رأيت أو قلت زيد منطلق». انظر الكتاب 1/ 37 و 41. (3) وهو الكميت يمدح آل البيت. المحتسب 1/ 183 - الخزانة 4/ 5 العيني 2/ 413 الهمع 1/ 152 الدرر 1/ 134.

الرعد: 42

وهذا والله أعلم فيما يحتمل النّسخ والتبديل من الشرائع الموقوفة على المصالح على حسب الأوقات. فأمّا ما كان من غير ذلك فلا يمحى ولا يبدّل، وأمّ الكتاب: هو الذكر المذكور في قوله: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر [الأنبياء/ 105] «1». وحجة من قال: (يثبت) قوله: وأشد تثبيتا [النساء/ 66] وقوله: (فتثبتوا) [النساء/ 94] لأن تثبّت مطاوع ثبّت. وحجّة من قال يثبت ما روي عن عائشة: «كان إذا صلّى صلاة أثبتها» «2» وقولهم: ثابت، من قوله: بالقول الثابت [إبراهيم/ 27] لأنّ ثبت مطاوع أثبت، كما أن تثبّت مطاوع ثبّت. [الرعد: 42] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى: وسيعلم الكافر [42]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (وسيعلم الكافر) واحدا. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: الكفار على الجمع «3». العلم في قوله: (سيعلم الكافر) هو المتعدّي إلى

_ (1) وانظر تفسير الطبري 13/ 169 - 171. (2) قطعة من حديث رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها رقم 298 والنسائي في المواقيت ص 281 وأحمد 6/ 40، 61، 241. (3) السبعة 359.

مفعولين، بدلالة تعليقه ووقوع الاستفهام بعده، تقول: علمت لمن الغلام، فتعلّقه مع الجار كما تعلّقه مع غير الجار في نحو: فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار [الأنعام/ 135] وموضع الجار مع المجرور نصب من حيث سدّ الكلام الذي هو فيه مسدّ المفعولين، لا من حيث حكمت في نحو: مررت بزيد بأنّ موضعه نصب، ولكنّ اللام الجارة كانت متعلقة في الأصل بفعل فصار مثل: علمت بمن تمرّ، في أنّ الجار يتعلّق بالمرور، والجملة التي هي منها في موضع نصب، وقد علّق الفعل عنها. فأمّا من قرأ: (الكافر) فإنّه جعل الكافر اسما شائعا كالإنسان في قوله: إن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2] وزعموا أنه لا ألف فيه، وهذا الحذف إنّما يقع في فاعل نحو: خالد وصالح، ولا يكاد يحذف في فعّال «1»؛ فذا حجّة لمن قال: الكافر. وزعموا أن في بعض الحروف «2»: وسيعلم الذين كفروا فهو يقوّي الجمع. وقد جاء فاعل يراد به اسم الجنس، أنشد أبو زيد «3»: إن تبخلي يا جمل أو تعتلّي ... أو تصبحي في الظّاعن المولي

_ (1) قال مكي في الكشف 2/ 24: لئلا يتغير بناء الجمع، ويشبه صورة المصدر. (2) ذكر مكي في الكشف 2/ 23 أنها في حرف أبي. (3) سبق في 1/ 151 و 2/ 133 و 4/ 357.

فهذا إنّما يكون على الكثرة، وليس المعنى على كافر واحد؛ والجمع الذي هو الكفار، المراد في الآية لا إشكال فيه. قال: ابن كثير وحده: يقف على (هادي) [7، 33] و (واقى) [34، 37]، وكذلك من (والي) [11] بالياء «1». حجّة قول من لم يقف بالياء، وهو الوجه، أنك تقول في الوصل: هذا قاض وهاد وواق، فتحذف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين، فإذا وقفت فالتنوين يحذف في الوقف في الجر والرفع، لا يبدل منه شيء، والياء قد كانت انحذفت في الوصل، فيصادف الوقف الحركة التي هي كسرة في عين فاعل، فتحذفها كما تحذف حركة سائر المتحرّكات التي نقف عليها، فإذا حذفتها سكن الحرف في الوقف، كما تسكن سائر الحروف المتحركات فيه، فيصير (داع) و (واق) و (هاد)، هذا الكثير في الاستعمال، الشائع فيه. ووجه قول ابن كثير أن سيبويه قال: حدثنا أبو الخطاب ويونس: أن بعض من يوثق به من العرب يقول: هذا داعي وعمي، فيقفون بالياء «2» ووجه ذلك أنّهم قد كانوا حذفوا الياء في الوصل لالتقائها مع التنوين ساكنة، وقد أمن في الوقف أن يلحق التنوين، فإذا أمن التنوين الذي كانت الياء حذفت في الوصل من أجل التقائها معها في الوصل، ردّت الياء فصار:

_ (1) السبعة 360 وفيه: وقرأ الباقون بغير ياء. (2) الكتاب 2/ 288.

هذا قاضي وهادي والأول أكثر في استعمالهم، ومن ثم قال الخليل في نداء قاض ونحوه: يا قاضي، بإثبات الياء، لأنّ النداء موضع لا يلحق فيه التنوين وإذا لم يلحق لم يلتق ساكن مع التنوين، فيلزم حذفها، فثبتت الياء في النداء لمّا أمن لحاق التنوين، كما ثبتت مع الألف واللام لما أمن التنوين معهما في نحو: (المتعالي) [الرعد/ 9]، و (دعوة الداعي) [البقرة/ 186]. كذلك تثبت في النداء لذلك.

سورة إبراهيم

اختلافهم في سورة إبراهيم [إبراهيم: 1، 2] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: الحميد* الله [1، 2] على البدل. وقرأ نافع وابن عامر: (الحميد* الله) رفعا. حدثني عبيد الله بن عليّ قال: حدّثنا نصر بن علي عن الأصمعيّ عن نافع: الله. حفص مثل أبي عمرو، ولم يرو عن نافع ذلك غيره «1». قال أبو علي: من جرّ جعله بدلا من الحميد «2»، ولم يكن صفة، لأنّ الاسم، وإن كان في الأصل مصدرا، صفة، والمصادر يوصف بها كما يوصف بأسماء الفاعلين وكذلك كان هذا الاسم في الأصل (الإله) ومعناه: ذو العبادة، أي: العبادة تجب له. قال أبو زيد: تألّه الرجل: إذا نسك، وأنشد لرؤبة «3»:

_ (1) السبعة ص 362. (2) وجعله مكي بدلا من العزيز، الذي قبله في الآية. الكشف 2/ 25. (3) قبله: «لله درّ الغانيات المدّة» والمدّة: من مدهه يمدهه مدها مثل مدحه. ديوانه: 165، والمحتسب 1/ 256، والمخصص 13/ 97، 17/ 136 ابن الشجري 2/ 15 المفصل 1/ 3 اللسان (أله) و (مده).

سبّحن واسترجعن من تألّهي فهذا في أنه في الأصل مصدر قد وصف به مثل السلام والعدل، إلّا أنّ هذا الاسم غلب حتّى صار في الغلبة لكثرة استعمال هذا الاسم كالعلم. وقد يغلب ما أصله الصفة، فيصير بمنزلة العلم، قال «1»: ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته عليه صفيح ... والأصل: النابغة، فلمّا غلب نزع منه الألف واللام، كما نزع من الأعلام نحو: زيد وجعفر، وربما استعمل في هذا النحو الوجهان، قال «2»: تقعدهم أعراق حذلم بعد ما رجا الهتم إدراك العلى والمكارم وقال «3»: وجلّت عن وجوه الأهاتم وأما قوله «4»:

_ (1) وهو لمسكين الدارمي وقد سبق في 3/ 343 وانظر المقتضب 3/ 373 4/ 375. (2) للفرزدق وليس في ديوانه، وهو أشبه بقصيدته التي يهجو فيها بني الأهتم في 2/ 785. وقد سبق انظر 3/ 339. (3) للفرزدق أيضا سبق انظر 3/ 339. (4) لجرير سبق انظر 3/ 341.

والتّيم ألأم من يمشي وألأمهم ... ذهل بن تيم بنو السّوء المدانيس فيجوز أن يكون جعل التيم، لمّا كان في الأصل مصدرا بمنزلة الصفة، ويجوز أن يكون جعل التيم جمع تيمي، كيهودي ويهود، وعلى هذا ما في التنزيل من قوله: وقالت اليهود [البقرة/ 113 المائدة/ 18، 64 التوبة/ 30]، ألا ترى أن يهود قد جرى في كلامهم اسما للقبيلة، كما أن مجوس كذلك فلولا أن المراد بها الجمع، لم يدخلهما الألف واللام، كما لا تدخل المعارف نحو: زيد وجعفر، إلّا أنه جمع، فحذف الياءين اللتين للنسب، كما جمع: شعيرة وشعير فحذف الهاء، ومثل ذلك: روميّ وروم، وزنجيّ وزنج. ومن رفع قطع من الأول، وجعل (الذي) الخبر، أو جعله صفة، وأضمر خبرا، ومثل ذلك في القطع قوله: (قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب) [سبأ/ 3] فمن قطع ورفع جعل قوله: لا يعزب عنه [سبأ/ 3] خبرا لقوله: (عالم الغيب)، ومن جرّ أجرى (عالم الغيب) صفة على الأول، وعلى هذا يجوز: من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن [يس/ 52] إن شئت جعلت هذا صفة لقوله: من مرقدنا وأضمرت خبرا لقوله: ما وعد الرحمن وإن شئت جعلت قوله: هذا ابتداء، وجعلت قوله: ما وعد الرحمن خبرا، وكذلك: عطاء حسابا* رب السموات والأرض وما بنيهما الرحمن [النبأ/ 36 - 37]، إن شئت جعلته صفة، وإن شئت جعلته ابتداء ولا يملكون خبره، ومثل ذلك: إن الله اشترى من

إبراهيم: 19

المؤمنين أنفسهم [التوبة/ 111]، ثم انقطع قوله: التائبون [التوبة/ 112] عنهم، واستؤنف به، وزعموا أن في بعض الحروف: التائبين على إتباع المؤمنين، فكذلك قراءة من قرأ: (الله) فقطعه مما قبله، واستأنف به. [إبراهيم: 19] اختلفوا في قوله جل وعز: ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق [19]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: خلق على فعل. وقرأ حمزة والكسائي: (خالق) على فاعل «1». وجه قول من قرأ: (خلق) أن ذلك أمر ماض فأخبروا عنه بلفظ المضيّ على فعل. ووجه من قال: (خالق) أنّه جعله مثل: فاطر السموات والأرض [إبراهيم/ 10 يوسف/ 101 فاطر/ 1] ألا ترى أنّ فاطرا بمعنى خالق، وكذلك قوله: (فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا) [الأنعام/ 96] هو على فاعل دون فعل، وهما مما قد فعل فيما مضى. [إبراهيم: 22] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: (وما أنتم بمصرخي* إني) [22]، فحرّك حمزة ياؤها الثانية، إلى الكسر، وحرّكها الباقون إلى الفتح. وروى إسحاق الأزرق عن حمزة بمصرخي بفتح الياء الثانية «2»

_ (1) السبعة ص 362 وزاد: وكذلك في النور. (2) السبعة ص 362.

قال أبو علي: قال الفرّاء في كتابه في التصريف: هو قراءة الأعمش، ويحيى بن وثّاب قال: وزعم القاسم بن معن أنّه صواب، قال: وكان ثقة بصيرا، وزعم قطرب أنّه لغة في بني يربوع، يزيدون على ياء الإضافة ياء، وأنشد «1»: ماض إذا ما همّ بالمضيّ ... قال لها هل لك يا تافيّ وقد أنشد الفراء ذلك أيضا «2». ووجه ذلك من القياس: أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع نصب، أو جر، فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما، وكالكاف في: في أكبر منك، وهذا لك، فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة في: هذا لهو، وضربهو. ولحق الكاف أيضا الزيادة في قول من قال: أعطيتكاه وأعطيتكيه، فيما حكاه سيبويه «3»، وهما أختا الياء كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المدّ، فقالوا: فيّي ثم حذفت الياء الزائدة على الياء، كما حذفت الزيادة من الهاء في قول من قال «4»: له أرقان وزعم أبو الحسن أنها لغة، وكما حذفت الزيادة من الكاف، فقالوا: أعطيتكه وأعطيتُكِهِ، كذلك حذفت الياء اللاحقة

_ (1) للأغلب العجلي سبق انظر الجزء 4/ 415. وبعده: قالت له ما أنت بالمرضيّ. (2) انظر معاني القرآن 2/ 76. (3) الكتاب 2/ 296. ومثّل للزيادة بقوله: أعطيكيها وأعطيكيه للمؤنث، وأعطيكاه وأعطيكاها للتذكير. (4) سبق في 1/ 203، 205.

إبراهيم: 42

للياء كما حذف من أختيها، وأقرّت الكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة، فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسرة، وكما لحقت الكاف والتاء والهاء الزيادة، كذلك لحقت الياء الزيادة، فلحاق التاء الزيادة نحو ما أنشد من قول الشاعر «1»: رميتيه فأصميت ... فما أخطأت الرّمية فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة، وإن كان غيرها أفشى منها، وعضده من القياس ما ذكرنا؛ لم يجز لقائل أن يقول: إن القراءة بذلك لحن لاستفاضة ذلك في السماع والقياس، وما كان كذلك لا يكون لحنا. [إبراهيم: 42] قال: روى عبّاس عن أبي عمرو: (إنما نؤخرهم ليوم) [إبراهيم/ 42] بالنون ولم يروها غيره. وقرأ الباقون بالياء «2». اليزيديّ وغيره عن أبي عمرو يؤخرهم على ياء. وجه الياء أنّ لفظ الغيبة المفرد قد تقدّم، فيكون بالياء: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون «3» إنما يؤخرهم [42].

_ (1) سبق انظر 1/ 73 في الحاشية و 4/ 416. (2) السبعة ص 363 ولم يرد ما رواه اليزيدي بعد فيه. (3) في الأصل: «فلا تحسبن الله مخلف وعده» وهي الآية 47 من سورة إبراهيم وليس فيها موطن الاستشهاد، وقد جعلنا مكانها ما أثبتناه مما يتفق ومقتضى الكلام.

إبراهيم: 46

ووجه النون أنّه قرأ في المعنى. مثل الياء، وقد تقدّم مثله. [إبراهيم: 46] اختلفوا في كسر اللام الأولى وفتح الثانية من قوله: لتزول منه الجبال [46]. فقرأ الكسائي وحده: (لتزول منه الجبال) بفتح اللام الأولى من (تزول) وضمّ الثانية. وقرأ الباقون: (لتزول) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية «1». من قرأ: وإن كان مكرهم لتزول منه فإن (إن) على قوله: بمعنى «ما» التقدير: ما كان مكرهم لتزول، وإن مثل التي في قوله: إن الكافرون إلا في غرور [الملك/ 20] وهذا مثل قوله: ما كان الله ليذر المؤمنين ... وما كان الله ليطلعكم على الغيب [آل عمران/ 179]. والمعنى: وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم أي: جزاء مكرهم، فحذف المضاف كما حذف من قوله: ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم [الشورى/ 22]، أي: جزاؤه، أي: قد عرف الله مكرهم فهو يجازيهم عليه، وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، والجبال كأنه أمر النبيّ، وأعلامه ودلالته، أي: ما كان مكرهم لتزول منه ما هو مثل الجبال في امتناعه ممّن أراد إزالته. ومن قرأ: (وإن كان مكرهم لتزول منه) كانت (إن)

_ (1) السبعة ص 363.

المخفّفة من الثقيلة على تعظيم أمر مكرهم، على خلاف القراءة الأخرى، وهو في تعظيم مكرهم، كقوله: ومكروا مكرا كبارا [نوح/ 22] أي: قد كان مكرهم من كبره وعظمه يكاد يزيل ما هو مثل الجبال في الامتناع على من أراد إزالته وثباتها، ومثل هذا في تعظيم الأمر قول الشاعر «1»: ألم تر صدعا في السماء مبيّنا ... على ابن لبينى الحارث بن هشام وقال «2»: بكى حارث الجولان من موت ربّه ... وحوران منه خاشع متضائل وقال أوس «3»: ألم تكسف الشمس شمس النّهار ... مع النّجم والقمر الواجب

_ (1) البحر المحيط 6/ 218 ولم ينسبه لقائل. (2) البيت للذبياني من قصيدة يرثي فيها النعمان ورواية الديوان: بكى حارث الجولان من فقد ربّه ... وحوران منه موحّش متضائل وحارث الجولان: جبل في الشام. انظر ديوانه/ 121. (3) رواية الديوان لهذا البيت: ألم تكسف الشمس والبدر وال ... كواكب للجبل الواجب والواجب: الساقط الذاهب. ديوانه/ 10.

إبراهيم: 40

فهذا كلّه على تعظيم الأمر وتفخيمه. ويدلّ على أن الجبال يعنى به أمر النبي، صلّى الله عليه وسلم، قوله بعد: (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) [إبراهيم/ 47] أي: فقد وعدك الظهور عليهم والغلبة لهم في قوله: ليظهره على الدين كله [التوبة/ 33 الفتح/ 28 الصف/ 9]، وقوله: قل للذين كفروا ستغلبون [آل عمران/ 12]، وقد استعمل لفظ الجبال في غير هذا في تعظيم الشيء وتفخيمه، قال ابن مقبل «1»: إذا متّ عن ذكر القوافي فلن ترى ... لها شاعرا مثلي أطبّ وأشعرا وأكثر بيتا شاعرا ضربت به ... بطون جبال الشعر حتى تيسّرا [إبراهيم: 40] اختلفوا في قوله: (وتقبل دعائي ربنا) [40] في إثبات الياء في الوصل والوقف. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وهبيرة عن حفص عن عاصم: (وتقبل دعائي ربنا) بياء في الوصل وقال البزي عن ابن كثير: يصل ويقف بياء، وقال قنبل عن ابن كثير: يشمّ الياء في الوصل ولا يثبتها، ويقف عليها بالألف. والباقون: (دعاء) بغير ياء.

_ (1) ديوانه 136 ورواية البيت الأول « ... لها تاليا مثلي ... ». والثاني: « ... شاعرا ضربت له ... حزون جبال الشعر ... ». أمالي ابن الشجري 1/ 72 وفيه: «حبال» بالحاء المهملة وفسرها بالأسباب. وعليها فلا شاهد فيه. الشعراء/ 427 دلائل الإعجاز/ 391 - 392.

وروى نصر بن علي عن الأصمعي قال: سمعت نافعا يقرأ: (وتقبل دعائي ربنا) بياء في الوصل وروى غير هذين عن نافع: بغير ياء في وصل ولا وقف. وروى أبو عمارة عن أبي حفص عن أبي عمر عن عاصم: بغير ياء في وصل ولا وقف. الكسائيّ وابن عامر: بغير ياء في وصل ولا وقف «1». أما وقف ابن كثير ووصله بياء فهو القياس، وأما وصل عاصم: (وتقبّل دعائي) بياء فقياس. وأما ما رواه قنبل عن ابن كثير أنه يشمّ الياء في الوصل ولا يثبتها، فالقياس كما قدمنا، وهذا الوجه أيضا جائز لدلالة الكسرة على الياء، ولأنّ الفواصل وما أشبه الفواصل من الكلام التام يحسن الحذف فيه، كما يحسن في القوافي، وذلك كثير قال الأعشى «2»: فهل يمنعنّي ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين ومن شانئ كاسف وجهه ... إذا ما انتسبت له أنكرن وحذفها في الوقف أحسن من حذفها في الوصل، لأن الوقف موضع تغيير، يغيّر فيه الحرف الموقوف عليه كثيرا.

_ (1) لم ترد في السبعة بهذا التفصيل انظر ص 363. (2) سبق انظر 4/ 115.

سورة الحجر

ذكر اختلافهم في سورة الحجر [الحجر: 2] اختلفوا في تشديد الياء وتخفيفها من قوله: ربما [2]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: (ربّما) مشدّدة. عليّ بن نصر قال: سمعت أبا عمرو يقرؤها على الوجهين جميعا، خفيفا وثقيلا. وقرأ نافع وعاصم: ربما خفيفة «1». قال أبو علي: أنشد أبو زيد «2»: ماويّ بل ربّتما غارة ... شعواء كالّلذعة بالميسم

_ (1) السبعة 366. (2) أنشده في نوادره ص 253 (ط. الفاتح) مع ثلاثة أبيات بعده نسبها لضمرة، وهو ضمرة بن ضمرة النهشلي، شاعر جاهلي. قال ابن قتيبة في المعاني الكبير 2/ 1005 بعد إيراده البيت: يريد: كأنها في سرعتها لذعة بميسم في وبر. والبيت في ابن الشجري 2/ 153 وابن يعيش 8/ 31 والخزانة 4/ 104 عن النوادر، واللسان (ربب).

وأنشد أيضا «1»: يا صاحبا ربّت إنسان حسن يسأل عنك اليوم أو يسألُ عن وقال السكري: ربّما، وربّتما، وربما، وربتما، وربّ: حرف جر عند سيبويه، وتلحقها (ما) على وجهين: أحدهما أن تكون نكرة بمعنى شيء وذلك كقوله «2»: ربّما تكره النفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال ف «ما» في هذا البيت اسم لما يقدّر من عود الذكر إليه من الصفة، والمعنى: ربّ شيء تكرهه النّفوس، وإذا عاد إليه الهاء كان اسما، ولم يجز أن يكون حرفا، كما أنّ قوله: (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) [المؤمنون/ 55]، لمّا عاد الذكر إليه علمت بذلك أنّه اسم. فأمّا قوله: «له فرجة كحلّ العقال»، فإنّ فرجة يرتفع

_ (1) البيت من رجز في النوادر ص 343 ونقله عنه في الخزانة 3/ 323 و 4/ 105 وفي ابن يعيش 8/ 32. (2) لأمية بن أبي الصلت في ديوانه 444 وهو من شواهد سيبويه 1/ 270 - 362 والمقتضب 1/ 42 وابن الشجري 2/ 238 والمفصل 4/ 2 و 8/ 30 والخزانة 2/ 541 و 4/ 194 - وشرح أبيات المغني 5/ 212 والدرر 1/ 4 والهمع 1/ 8 - 92 وفي اللسان مادة/ فرج/. وفي نسبة هذا البيت نزاع ذكره البغدادي في الخزانة فهو ينسب لأبي قيس اليهودي ولابن صرمة الأنصاري ولحنيف بن عمير ولنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب، غير أن المشهور أنه لأمية (انظر الخزانة 2/ 542 - 543).

بالظرف في قول الناس جميعا، ولا يرتفع بالابتداء. وأما قوله: «كحلّ العقال» فإن موضع الكاف يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون في موضع نصب على الحال من له، والآخر: أن يكون في موضع رفع على أنه صفة لفرجة. ويدلّك على أنّ ما تكون اسما إذا وقعت بعد ربّ، وقوع من بعدها في نحو قوله «1»: ألا ربّ من يهوى وفاتي ولو دنت ... وفاتي لذلّت للعدوّ مراتبه وقال: يا ربّ من يبغض أذوادنا ... رحن على بغضائه واغتدين «2» وقال «3»: ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح ومؤتمن بالغيب غير أمين

_ (1) البيت لذي الرمة، ديوانه 2/ 858. (2) البيت من شواهد سيبويه 1/ 270 ونسبه لعمرو بن قميئة وتابعه ابن الشجري في أماليه 2/ 311، ونسبه في الوحشيات إلى عمرو بن لأي التيمي- شاعر جاهلي- وصوب هذه النسبة الأستاذ شاكر. وهو كذلك في معجم الشعراء للمرزباني ص 24. وانظر الحيوان 3/ 306 والمقتضب 1/ 41 وابن يعيش 4/ 11. قال الأعلم في طرة سيبويه 1/ 270: يقول: نحن محسّدون لشرفنا وكثرة مالنا، والحاسد لا ينال منا أكثر من إظهار البغضاء لنا لعزّنا وامتناعنا. (3) سيبويه 1/ 271 ولم ينسبه، الهمع 1/ 92، 2/ 28، 39، الدرر 1/ 69، 2/ 21، 43 اللسان (غشش- نصح).

فكما دخلت على من، وكانت نكرة، كذلك تدخل على ما على الحدّ الذي دخل في من، فهذا ضرب. والضرب الآخر: أن تدخل كافّة نحو الآية، ونحو قول الشاعر «1»: ربّما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات والنحويّون يسمّون ما هذه الكافّة، يريدون أنّها بدخولها كفّت الحرف عن العمل الذي كان له، وهيّأته لدخوله على ما لم يكن يدخل عليه. ألا ترى أنّ رب إنما تدخل على الاسم المفرد، ربّ رجل يقول ذاك، وربّه رجلا يقول ذاك، ولا تدخل على الفعل، فلمّا دخلت ما عليها هيّأتها للدّخول على الفعل، فمن ذلك قوله: ربما يود الذين كفروا [الحجر/ 2]، فوقع الفعل بعدها في الآية، وهو على لفظ المضارع، ووقع في قوله: ربّما أوفيت في علم على لفظ المضيّ، وهكذا ينبغي في القياس، لأنّها تدلّ

_ (1) البيت لجذيمة الأبرش في سيبويه 1/ 154 النوادر/ 536 (ط. الفاتح) والمقتضب 3/ 15 وابن الشجري 2/ 243 والمفصل 9/ 40 والهمع 2/ 38 والدرر 2/ 41 - 99 والعيني 3/ 344. والخزانة 4/ 567 - 568. وشرح أبيات المغني 3/ 163 و 5/ 257. وأوفيت على الشيء: أشرفت عليه، والعلم: الجبل، والشمال: الريح التي تهب من ناحية القطب.

على ما قد مضى وإنّما وقع في الآية على لفظ المضارع لأنّه حكاية لحال آتية، كما أن قوله: وإن ربك ليحكم بينهم [النحل/ 124] حكاية لحال آتية أيضا. ومن حكاية الحال قول القائل «1»: جارية في رمضان الماضي ... تقطّع الحديث بالإيماض ومن زعم أن الآية على إضمار كان، وتقدير: ربّما كان يودّ الذين كفروا، فقد خرج بذلك عن قول سيبويه، ألا ترى أنّ كان لا تضمر عنده، ولم يجز: عبد الله المقتول، وأنت تريد: كن عبد الله المقتول. فأمّا إضمارها بعد إن في قوله: إن خيرا فخير «2»، فإنّما جاز ذلك لاقتضاء الحرف له، فصار اقتضاء الحرف له كذكره. فأمّا ما أنشده ابن حبيب لنبهان بن مشرق: لقد رزئت كعب بن عوف وربّما ... فتى لم يكن يرضى بشيء يضيمها فإن قوله: فتى، في «ربّما فتى» يحتمل ضروبا، أحدها: أن يكون لمّا جرى ذكر رزئت، استغنى بجري ذكره عن أن يعيده،

_ (1) من رجز منسوب لرؤبة وهو في ملحقات ديوانه/ 176 وانظر الخزانة 3/ 482 وشرح أبيات المغني للبغدادي 8/ 94 وقوله: من حكاية الحال، يريد بها الحال الماضية كما هو ظاهر. واستشهاد النحاة بهذا البيت هو من أجل قوله: رمضان، حيث جاء بدون شهر، وإن كان إثباته أفصح كما نطق به القرآن. (2) انظر سيبويه 1/ 130.

فكأنّه قال: ربّما رزئت فتى، فيكون انتصاب فتى برزئت هذه المضمرة، كقوله: آلآن وقد عصيت قبل [يونس/ 91]، فاستغنى بذكر (آمنت) المتقدّم عن إظهاره بعد، ويجوز أن ينتصب فتى برزئت هذه المذكورة، كأنّه قال: لقد رزئت كعب ابن عوف فتى، وربّما لم يكن يرضى، أي: رزئت فتى لم يكن يضام، ويكون هذا الفصل في أنه أجنبيّ بمنزلة قوله «1»: أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه ويجوز أن يكون مرتفعا بفعل مضمر، كأنّه قال: ربّما لم يرض فتى، وكقوله «2»: ... وقلّما وصال على طول الصّدود يدوم

_ (1) عجز بيت للفرزدق وصدره: وما مثله في النّاس إلا مملّكا وهو من شواهد سيبويه 1/ 14 (في الحاشية، وهو من إنشاد الأخفش عند الشنتمري). ولم يرد في أصول الديوان ومعناه: وما مثل إبراهيم في الناس من يشبهه في الفضل إلا هشاما الذي أبو أمه أبو إبراهيم. وقد كان خال هشام وإبراهيم هو: إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك. انظر ديوانه 1/ 108. (2) عجز بيت للمرار الفقعسي، وتمام صدره: «صددت فأطولت الصدود وقلما» وقد نسبه بعضهم إلى عمر بن أبي ربيعة. انظر سيبويه 1/ 12 - 459 - المنصف 1/ 191 - 2/ 69 والمحتسب 1/ 96 أمالي ابن الشجري 2/ 139 - 144 - وابن يعيش 4/ 43 و 7/ 116 و 8/ 132 و 10/ 76 وشرح أبيات المغني 5/ 247 و 7/ 222، 241.

ويجوز أن تكون «ما» نكرة بمنزلة شيء، ويكون فتى وصفا لها، لأنّها لما كانت كالأسماء المبهمة في إبهامها، وصفت بأسماء الأجناس، كأنه: ربّ شيء فتى لم يكن، فكان كذا وكذا، هذه الأوجه فيها ممكنة. ويجوز في الآية أن تكون ما بمنزلة شيء، و (يودّ) صفة له وذلك أن ما لعمومها تقع على كلّ شيء، فيجوز أن يعنى بها الودّ، كأنه قال: ربّ ودّ يودّه الذين كفروا، ويكون يودّ في هذا الوجه أيضا حكاية حال، ألا ترى أنه لم يكن بعد، وهذه الآية في المعنى كقوله: فارجعنا نعمل صالحا [السجدة/ 12]، وكقوله: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون [المؤمنون/ 99] وكتمنيّهم الردّ في قوله: يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا [الأنعام/ 27]. وأمّا قول من قال: (ربما) بالتخفيف، فلأنه حرف مضاعف، والحروف المضاعفة قد تحذف وإن لم يحذف غير المضاعف. فمن المضاعف الذي حذف قولهم: إنّ، وأنّ، ولكنّ، قد حذف كلّ واحد من هذه الحروف، وليس كلّ المضاعف يحذف، لم أعلم الحذف في ثمّ. وأمّا دخول التاء في «ربّتما» فإنّ من الحروف ما يدخل عليه حرف التأنيث نحو: ثمّ وثمّت، ولا ولات، قال «1»:

_ (1) البيت للأعشى ورواية الديوان ص 117: هنالك لا تجزونني .. ولا شاهد فيها. وهو من شواهد سيبويه 1/ 423.

الحجر: 8

ثمّت لا تجزونني عند ذاكم ولكن سيجزيني الإله فيعقبا فكذلك ألحقت التاء في ربّ في قوله: ربّتما. [الحجر: 8] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: (ما تنزل الملائكة إلا بالحق) [8]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (ما تنزل الملائكة إلا بالحق) مفتوحة التاء والنون، والزاي مشدّدة، (الملائكة) رفع، فاعله. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (ما تنزل الملائكة) مضمومة [التاء] مفتوحة النون، (الملائكة) رفع لم يسمّ فاعله. وقرأ حمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم: ما ننزل الملائكة بالنون مشدّدة الزاي، (الملائكة) نصبا، مفعول به، والأولى لم يختلفوا فيها «1». حجّة من قرأ: (ما تنزّل) قوله: (تنزل الملائكة والروح فيها) [القدر/ 4]، وحجة من قال: (ما تنزل الملائكة) قوله: (ونزل الملائكة تنزيلا) [الفرقان/ 25]. وحجة من قال: (ننزل) قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى [الأنعام/ 111].

_ (1) السبعة ص 366. وما بين معقوفين زيادة منه.

الحجر: 15

[الحجر: 15] اختلفوا في تشديد الكاف وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ: سكرت [15]. فقرأ ابن كثير: (سكرت) خفيفة. وقرأ الباقون: سكرت مشدّدة «1». أبو عبيدة: (سكرت): غشّيت «2»، وكأن معنى سكرت: لا ينفذ نورها، ولا تدرك الأشياء على حقيقتها، وكأنّ معنى الكلمة انقطاع الشيء عن سببه الجاري، فمن ذلك: سكر الماء، هو ردّه عن سيبه في الجرية، وقالوا: التسكير في الرأي قبل أن يعزم على شيء، فإذا عزم على أمر ذهب التسكير، ومنه السكر في الشراب، إنّما هو أن ينقطع عن ما هو عليه من المضاء في حال الصحو، فلا ينفذ رأيه ونظره على حدّ نفاذه في صحوه، وقالوا: سكران لا يبت، فعبروا عن هذا المعنى فيه. ووجه التثقيل أنّ الفعل مسند إلى جماعة فهو مثل: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] ووجه التخفيف أنّ هذا النحو من الفعل المسند إلى الجماعة قد يخفّف. قال «3»: ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها وإنّما حملت التثقيل في سكرت على التكثير، على تنزيل أن (سكرت) بالتخفيف قد ثبت تعدّيه في قراءة ابن كثير،

_ (1) السبعة 366. (2) انظر مجاز القرآن 1/ 347. (3) صدر بيت للراعي سبق ذكره في 3/ 441.

والذي عليه الظاهر في سكر أنه يتعدى، وإذا بني الفعل للمفعول فلا بدّ من تنزيله معدّى، فيكون تعدّيه على قول ابن كثير مثل: شترت عينه، وشترتها، وعارت وعرتها. ويجوز أن يكون أراد التثقيل، فحذفه لما كان زائدا، وهو يريده، كما جاز ذلك في المصادر وأسماء الفاعلين نحو قولهم: عمرك الله، وقعدك الله «1»، و: دلو الدالي «2» والرياح لواقح «3» [الحجر/ 22]، ويجوز أن يكون فعلا قد سمع معدى في البصر. والتثقيل الذي هو قول الأكثر أعجب إلينا، ويكون التضعيف للتعدية.

_ (1) قال سيبويه 1/ 162 في «باب من المصادر ينتصب بإضمار الفعل المتروك إظهاره»: كأنه حيث قال: عمرك الله وقعدك الله. قال: عمّرتك الله، بمنزلة: نشدتك الله؛ فصارت: عمرك الله، منصوبة بعمرتك الله، كأنّك قلت: عمّرتك عمرا، ونشدتك نشدا، ولكنّهم خزلوا الفعل لأنهم جعلوه بدلا من اللفظ به ... فقعدك الله يجري هذا المجرى وإن لم يكن له فعل. ا. هـ. وقوله عمرتك الله: أي سألت تعميرك وطول بقائك. وقيل: معناه ذكرتك به. (2) قطعة من بيت من الرجز تمامه: يكشف عن جمّاته دلو الدال وهو للعجاج، وقد سبق في 2/ 254 وهو في المقتضب 4/ 179 والمخصص 9/ 167 وايضاح الشعر للمؤلف 580، 590. (3) قال المبرد المقتضب 4/ 179 بعد ذكره للآية: ولو كان على لفظه لكان ملاقح، لأنه يقال: ألقحت فهي ملقحة، ولكنه على حذف الزوائد. وقد أشار الفارسي إلى ذلك في 2/ 253 عند استشهاده بالآية والرجز.

الحجر: 45

[الحجر: 45] اختلفوا في فتح النون وكسرها من قوله جلّ وعزّ: فبم تبشرون [54]. فقرأ ابن كثير ونافع، كسرا، غير أن ابن كثير شدد النون، وخففها نافع. وقرأ أبو عمرو وعاصم، وابن عامر وحمزة والكسائيّ: فبم تبشرون بفتح النون «1». تشديد ابن كثير النون أنّه أدغم النون الأولى التي لعلامة الرفع في الثانية المتّصلة بالياء التي هي المضمر المنصوب المتكلّم. وفتحها «2» لأنّه لم يعدّ الفعل إلى المفعول به، كما عدّاه غيره، وحذف المفعول كثير. ولو لم يدغم وبيّن لكان حسنا في القياس، مثل: اقتتلوا، في جواز البيان فيه والإدغام. وأمّا قراءة نافع فبم تبشرون فإنّه أراد: «تبشرونني» وتعدية الفعل إلى المضمر المنصوب، لأنّ المعنى عليه، فأثبت ما أخذ به غيره من الكسرة التي تدلّ على الياء المفعولة، وحذف النون الثانية، لأنّ التكرير بها وقع، ولم يحذف الأولى

_ (1) السبعة ص 367. (2) كذا الأصل وقد انتقل إلى توجيه قراءة من فتح النون، والتي سيذكرها في آخر كلامه على الحرف أيضا.

التي هي علامة الرفع، وقد حذفوا هذه النون في كلامهم لأنّها زائدة، ولأنّ علامة الضمير الياء دونها، ونظير حذفهم لها من المنصوب حذفهم لها من المجرور في قولهم: قدني، وقدي، قال «1»: قدني من نصر الخبيبين قدي فحذف وأثبت في بيت. وقال الأعشى في حذف هذه النون اللاحقة مع الياء «2»: فهل يمنعني ارتياد البلا ... د من حذر الموت أن يأتين وإنّما هو: يمنعنّني. وقال آخر «3»: أبا لموت الذي لا بدّ أنّي ... ملاق لا أباك تخوّفيني فهذا مثل الآية. وقال «4»: تراه كالثّغام يعلم مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني فحذف الثانية، فكذلك قراءة نافع.

_ (1) لحميد الأرقط، وقد سبق 3/ 334. (2) البيت للأعشى وقد سبق 4/ 115 وص 34 من هذا الجزء. (3) سبق في 3/ 334. (4) سبق 3/ 334، 4/ 346.

الحجر: 56

ومن قرأ: تبشرون ففتح النون، فالنون علامة الرفع، ولم يعدّ الفعل فتجتمع نونان. [الحجر: 56] اختلفوا في فتح النون وكسرها من قوله: عزّ وجلّ: (ومن يقنط) [56]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة: (من يقنط) بفتح النون في كلّ القرآن. وقرأ أبو عمرو والكسائي: (ومن يقنط) بكسر النون. وكلّهم قرأ: من بعد ما قنطوا بفتح النون «1». قنط يقنط، وقنط يقنط، لغتان، ومثله: نقم ينقم، ونقم ينقم: لغتان، وكأن يقنط «2» أعلى، ويدلّ على ذلك اجتماعهم في قوله: من بعد ما قنطوا. وحكي أنّ يقنط لغة، فهذا يدلّ على أن يقنط أكثر، لأن مضارع فعل يجيء على يفعل ويفعل، مثل: يفسق، ويفسق، ولا يجيء مضارع فعل على: يفعل «3». [الحجر: 59] اختلفوا في تخفيف الجيم وتشديدها من قوله عزّ وجلّ: إنا لمنجوهم [59]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر لمنجوهم مشدّدة الجيم.

_ (1) السبعة 367. (2) ضبطت في الأصل بكسر النون وهو خلاف المراد. (3) إنما يأتي على: يفعل. ويفعل.

الحجر: 60

وقرأ حمزة والكسائي: (لمنجوهم) خفيفا «1». حجّة التثقيل قوله: ونجينا الذين آمنوا [فصلت/ 18]. وحجّة التخفيف: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24]. [الحجر: 60] قال: وكلّهم قرأ: إلا امرأته قدرنا [60] مشدّدة الدال، وقدرناها مثله في سورة النمل [الآية/ 57] مشدّدا في كلّ القرآن إلّا عاصما، فإنّه خفّفها، في رواية أبي بكر، في كلّ القرآن، وشدّدها في رواية حفص في كلّ القرآن. وقرأ ابن كثير وحده: (نحن قدرنا بينكم الموت) [الواقعة/ 60] خفيفا والباقون يشدّدون. وقرأ نافع والكسائيّ (فقدرنا فنعم القادرون) [المرسلات/ 23] مشدّدة، وقرأ الباقون: فقدرنا مخففة. وقرأ الكسائيّ وحده: (قدر فهدى) [الأعلى/ 3]، خفيفا، وقرأ الباقون: قدر مشدّدة «2». قال أبو علي: يقال: قدرت الشيء في معنى: قدّرته، يدلّك على ذلك قول الهذليّ «3»:

_ (1) السبعة 367. (2) السبعة ص 367، 368. (3) هو أبو ذؤيب الهذلي، وفى ديوانه 1/ 93 بشرح السكري: «لرجلها» بدل «لساقها». والمفرهة: الناقة التي تجيء بأولاد فواره، والعنس: الصلبة الشديدة- قدرت: هيأت، القفل: ما جف من ورق الشجر. والبيت في المنصف 3/ 70.

ومفرهة عنس قدرت لساقها ... فخرّت كما تتابع الريح بالقفل المعنى: قدّرت ضربتي لساقها فضربتها، فحذف ضربتها لدلالة الكلام عليه، كقوله: فمن كان منكم مريضا ففدية [البقرة/ 196] أي: فحلق. وهذا في المعنى كقول الآخر «1»: وإن تعتذر بالمحل من ذى ضروعها ... على الضيف يجرح «2» في عراقيبها نصلي وقال أيضا: يقدر في معنى يقدّر، قال الراجز «3»: يا ربّ قد أولع بي وقد عبث ... فاقدر له أصيلة مثل الحفث المعنى: قدّر له ووفّقه، ويقال: قدر الشيء يقدره: إذا ضيّقه، قال: ومن قدر عليه رزقه، فلينفق مما أتاه الله [الطلاق/ 7]، وقال: الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له [العنكبوت/ 62]، فقوله: يقدر مقابل لقوله: يبسط، فقوله: يقدر خلاف: يبسط، وكذلك قوله: فظن

_ (1) البيت لذي الرمة في ديوانه 1/ 156. قوله: «من ذي ضروعها»: يريد: اللبن، والعراقيب: ج عرقوب، وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها. والمعنى: إن اعتذرت بقلة اللبن بسبب القحط إلى الضيف أعقرها لتكون هي عوض اللبن. والبيت في المفصل 2/ 39 - والخزانة 1/ 284 و 4/ 290، شرح أبيات المغني 6/ 132. (2) في الأصل: يخرج. (3) الحفث: حية عظيمة كالحراب، والأصيلة: تصغير أصلة، وهي حية ضخمة عظيمة قصيرة الجسم. والأصلة: للأفعى. وقائل الرجز مجهول.

أن لن نقدر عليه [الأنبياء/ 87] أي: ظنّ أن لن نضيّق عليه، وكونه: في بطن الحوت تضييق عليه، وخلاف الاتساع. وقراءة ابن كثير: (قدرنا بينكم الموت) مخفّفا في معنى قدرنا. وقراءة نافع والكسائي: فقدرنا فنعم القادرون بمعنى: (قدرنا) الخفيفة، وعليه جاء: القادرون ومن قرأ: (قدرنا) مخفّفا، كان في معنى التشديد. وقوله: القادرون بعد قدرنا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون قدرنا في معنى (قدرنا). فجاء القادرون على اللغة الخفيفة، كأنهما جميعا بين اللغتين. ويجوز أن يكون: فنعم المقدّرون. فحذف تضعيف العين، كما حذفت الهمزة «1» من نحو: دلو الدّالي «2». و: يخرجن من أجواز ليل غاض «3». ونحو ذلك، وكذلك قراءة الكسائيّ: (قدر) فهذا خفيفا، ومعناه: قدّر، وكأن المشدّدة في هذا المعنى أكثر في الاستعمال، وفي التنزيل، كقوله: (قدر فيها أقواتها) [فصلت/

_ (1) كذا الأصل، والظاهر أن تكون «الزيادة» بدل «الهمزة» وانظر ما سبق عند إيراد الشاهدين. 4/ 380. (2) أي: المدلي، وقد سبق قريبا/ 44. (3) أي: مغضي، وسبق في 4/ 380. وانظر مجاز القرآن 1/ 349.

الحجر: 78

10]، وخلق كل شيء فقدره تقديرا [الفرقان/ 2]. أصحاب الأيكة [الحجر/ 78]: لم يختلفوا في هذه السورة، ولا في سورة قاف «1» [14]. [الحجر: 78] واختلفوا فى سورة الشعراء، وفي سورة ص [13]، فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر في سورة الشعراء: (أصحاب ليكة) «2» [176] غير أن ورشا روى عن نافع (الايكة) متروكة الهمزة «3»، مفتوحة اللام بحركة الهمزة، والهمزة ساقطة. لأنه ألقى عليها «4» حركة الهمزة في الحجر، وفي قاف. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي (الأيكة) في كلّ القرآن «5». قال أبو علي: تقول: هي أيكة، فإذا ألحقت لام المعرفة كانت الأيكة، قال الهذلي «6»:

_ (1) يريد أنهم أجمعوا على الخفض، وإدخال الألف واللام. (2) بلام مفتوحة وبالنصب، على وزن فعلة. (3) أيّ: مسهلة. (4) أي على اللام. (5) السبعة 368. (6) أبو ذؤيب من قصيدة يرثي بها نشيبة بن محرّث في شرح أشعار الهذليين 1/ 77. الطرتان: طريقتان في جنبيها، وهو حيث ينقطع اختلاف لون الظهر من لون البطن- والجنى: الثمر- يضفو: يكثر ويسبغ عليها أي: يطول عليها قصارها، فقال: إذا سبغ عليها القصار من أغصان الشجرة، فالطوال أحرى أن تكون أسبغ.

موشّحة بالطّرتين دنا لها ... جنى أيكة يضفو عليها قصارها وأنشد الأصمعي «1»: وما خليج من المرّوت ذو حدب ... يرمي الضرير بخشب الأيك والضّال فأيك وأيكة، مثل: تمر وتمرة، فقد ثبت أن الأيك تعريف أيك، فإذا خفّفت الهمزة في أيكة، وقد ألحقتها الألف واللام، حذفتها، وألقيت حركتها على اللام التي هي فاء من أيكة، فيجوز فيها إذا استأنفت لغتان: من قال: الأحمر «2»، قال: «أليكة» ومن قال: لحمر، قال: «ليكة»، وإذا كان كذلك فقول من قال: ليكة، ففتح التاء، مشكل «3»، لأنّه فتح مع لحاق اللام الكلمة، وهذا في الامتناع كقول من قال: بلحمر، فيفتح الآخر مع لحاق لام المعرفة، وإنّما يخرج قول من قال: (أصحاب ليكة) على أن هذا المعنى قد يسمى بكلمة تكون اللام فيها فاء، ويكون مقلوب: كيل، فإن لم يثبت هذا مشكلا «4»، ولم أسمع بها. ويبعد أن يفتح نافع ذلك مع ما قال ورش عنه.

_ (1) البيت لأوس وقد سبق في 4/ 136. (2) ولفظها: (الحمر)، كما سبق أن رسمها في غير هذا الموضع. (3) - نشأ الإشكال من توجيهه الذي وجه به الكلمة، أما إذا نظر إليها على أنها على وزن: فعلة؛ اسم للقرية التي كانوا فيها، كما حكاه أبو عبيد، فلا إشكال. انظر الكشف عن وجوه القراءات 2/ 32. (4) كذا الأصل، وفي العبارة اضطراب.

سورة النحل

ذكر اختلافهم في سورة النحل [النحل: 2] اختلفوا في قوله تعالى: ينزل الملائكة [2] في التخفيف، والتشديد، والتاء، والياء. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ينزل الملائكة بالياء، غير أنّ ابن كثير وأبا عمرو أسكنا النون، وخفّفا الزاي وشدّدها الباقون. وروى الكسائيّ عن أبي بكر عن عاصم: (تنزل الملائكة) بالتاء مضمومة، وفتح الزاي. (الملائكة) رفع «1». فاعل ينزل الضمير العائد إلى اسم الله تعالى، في أتى أمر الله [1]. فأمّا إسكان النون في (ينزل) وتخفيفها وتشديدها، فكل واحد من القراءتين سائغ؛ قال: إنا نحن نزلنا الذكر [الحجر/ 9] وقال: وأنزلنا إليك الذكر [النحل/ 44]. فأما ما روي عن عاصم من قوله: (تنزل الملائكة) فإنّه

_ (1) السبعة ص 270 مع اختلاف يسير، وبإسقاط الكسائي من قراءة: (ينزّل) بالياء.

النحل: 11

أنّث الفعل لإسناده إلى الملائكة، كما قال: إذ قالت الملائكة [آل عمران/ 45]، وبنى الفعل للمفعول، وأسند إليهم، والأوّل أبين. [النحل: 11] قال: كلّهم قرأ: ينبت [11] بالياء إلا عاصما، في رواية أبي بكر، فإنّه قرأ: (ننبت) بالنون، وروى حفص عنه بالياء «1». ينبت بالياء، لتقدم قوله: هو الذي أنزل من السماء ماء [10]، ينبت وينبت، أشكل لما تقدّم من الإفراد، والنون لا تمتنع أيضا «2»، ويقال: نبت البقل، وأنبته الله وقد روي: أنبت البقل، والأصمعي: يأبى إلا نبت، ويزعم أن قصيدة زهير التي فيها: ... حتى إذا أنبت البقل «3» متّهمة. فأما قوله: تنبت بالدهن [المؤمنون/ 20] فيجوز أن

_ (1) السبعة ص 370. (2) قال مكي في الحجة لهذه القراءة: إنه أجراه على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، لتقدم لفظ الإخبار قبله في قوله: (لا إله إلا أنا) [2]. الكشف 2/ 34. (3) جزء من بين لزهير من قصيدته اللامية التي يمدح فيها هرم بن سنان والحارث بن عوف، وتمام البيت: رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل انظر ديوانه/ 111 واللسان (نبت).

يكون الباء زائدة كقوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة/ 195]، وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [النحل/ 15]، فعدّى (ألقى) مرّة بالياء، ومرّة بغيرها. وإذا ثبت: أنبت، في معنى: نبت، جاز أن تكون الباء للتعدي، كما أنّها لو كانت مع نبت كان كذلك، ويجوز أن تكون الهمزة في أنبت، للتعدي، والمفعول محذوف، والباء للحال كأنه تنبت ثمرة الدّهن، فحذف المفعول، وبالدهن في موضع حال كأنه: تنبت بالدهن، أي: تنبت الثمر، وفيه دهن، ويجوز في تنبت بالدهن، أي: بذي الدّهن، أي تنبت ما فيه دهن. قال: وقرأ ابن عامر: (والشمس والقمر والنجوم مسخرات) [54] رفع كلّه، وقرأ الباقون: بنصب ذلك كلّه، وأبو بكر عن عاصم. وروى حفص عن عاصم مثل قراءة ابن عامر في مسخرات «1» وحدها، ونصب الباقي «2». النصب في قوله: والشمس والقمر أحسن، ليكون معطوفا على ما قبله وداخلا في إعرابه، لاستقامته في المعنى، ألا ترى أن ما في التنزيل من نحو قوله: وكلا ضربنا له الأمثال [الفرقان/ 39]، وقوله: والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31] يختار فيه النصب، ليكون مثل ما يعطف عليه،

_ (1) ضبطها في الأصل بالكسر حسب سياقها الإعرابي، وآثرنا ما في السبعة. (2) السبعة ص 370.

ومشاكلا له، فكذلك إذا حمل ذلك على التسخير، كان أشبه، فإن قلت: فكيف جاء (مسخرات) بعد هذه الأشياء المنصوبة المحمولة على (سخر)؟ فإن ذلك لا يمتنع، لأنّ الحال تكون مؤكّدة ومجيء الحال مؤكّدة في التنزيل وفي غيره كثير، كقوله: وهو الحق مصدقا [البقرة/ 91]، و: أنا ابن دارة معروفا «1» و: كفى بالنأي من أسماء كافي «2»

_ (1) جزء من بيت لسالم بن دارة وتمامه: أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ... وهل بدارة يا للنّاس من عار وقد جاء قوله: «معروفا» حالا مؤكدة لمضمون الجملة قبلها «أنا ابن دارة». وهو من شواهد سيبويه 1/ 257 والخصائص 2/ 268 - 317 - 340، و 3/ 60 ابن الشجري 2/ 285 الخزانة 1/ 553. (2) صدر بيت لبشر بن أبي خازم الأسدي وهو مطلع قصيدة في ديوانه ص 142 يمدح بها أوس بن حارثة لما خلي سبيله من الأسر والقتل- وعجز البيت برواية الديوان: وليس لحبها إذ طال شافي وفي البيت شاهدان: الأول على تسكين المنقوص في حالة النصب على أنه لغة، أو للضرورة، والأصل: كافيا. والثاني وهو الذي أراده المصنف، وهو مجيء «كاف» هذه حالا مؤكدة عنده. انظر الكامل 2/ 729 والمقتضب 4/ 22، والخصائص 2/ 268

النحل: 12

ويقوي النصب قوله: وسخر لكم الشمس والقمر دائبين [إبراهيم/ 33]، فكما حملا هنا على التسخير كذلك في الأخرى، وكذلك النجوم قد حملت «1» على التسخير كذلك في وهو الذي جعل «2» لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر [الأنعام/ 97]. وكأنّ ابن عامر قطعه عن سخّر، لئلّا يجعل الحال مؤكّدة، فابتدأ الشمس والقمر والنجوم، وجعل مسخّرات خبرا عنها. ويدل على جواز ذلك أنه إذا جاء: سخر لكم الشمس والقمر علم من هذا أنهما مسخران، فجاز الإخبار بالتسخير عنها لذلك. [النحل: 12] ووجه ما روي عن عاصم من الرفع في مسخّرات وحدها، أنّه لم يجعلها حالا مؤكّدة، وجعلها خبر ابتداء محذوف، كأنّه لما قال: وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم [النحل/ 12] قال بعد: هي مسخرات، فحذف المبتدأ، وأضمره لدلالة الخبر عليه، وهو إذا جعله خبر ابتداء محذوف فقد علم ذلك بما تقدّم، كما أنّه إذا جعل مسخرات حالا مؤكدة فقد علم ذلك بما تقدم، وهذا المعنى

_ المنصف 2/ 115 ابن الشجري 1/ 183 - 283 - 296 - 298. وابن يعيش 6/ 51 و 10/ 103 والخزانة 2/ 261 وشرح الحماسة للمرزوقي ص 294، 790، 1032. (1) في الأصل (ط): «قد حملت قد على التسخير» بإقحام قد الثانية. (2) في الأصل: «سخر» بدل «جعل» وليس في القرآن آية أو قراءة بهذا اللفظ، وعليه فلا حجة فيها نصا.

النحل: 21، 20، 19

في الحال أسوغ منه في الخبر، لأنّ الخبر ينبغي أن يكون مفيدا، لم يجيء إلّا كذلك، ألا ترى أنّه حمل قوله على الحال، ولم يحمله على الخبر، والحال قد جاءت مؤكّدة. [النحل: 21، 20، 19] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: والله يعلم ما تسرون وما تعلنون «1» والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا [النخل/ 20 - 21]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون والذين تدعون) كلّهن بالتاء. وقرأ عاصم: والله يعلم ما تسرون وما تعلنون بالتاء، والذين يدعون بالياء. أخبرنا الخزاز عن هبيرة، عن حفص عن عاصم: أنّه قرأهن ثلاثتهن بالياء. وقال ابن اليتيم عن أبي حفص عمرو بن الصباح عن حفص عن عاصم مثل أبي بكر عن عاصم. وروى الكسائيّ عن أبي بكر عن عاصم: ذلك كلّه بالياء «2» في الثلاثة «3». هذا يكون كلّه على الخطاب، لأنّ ما بعده خطاب كقوله بعد: أفلا تذكرون. وقوله: وألقى في الأرض رواسي أن

_ (1) لم ترد هذه الآية في الأصل. (2) في السبعة: «بالتاء» بدل «بالياء». (3) السبعة 371.

النحل: 27

تميد بكم [النحل/ 15] وإلهكم إله واحد [النحل/ 22]، فكلّ هذا خطاب، فإن قلت: إنّ فيه (والذين تدعون من دون الله) وهذا لا يكون خطابا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا للمسلمين، فإنّه يكون على إرادة: قل، كأنّه: قل لهم: (والذين تدعون من دون الله) فلا يمتنع الخطاب إذا كان على هذا الوجه، ولهذا قرأ عاصم: والذين يدعون بالياء، لما كان ذلك عنده إخبارا عن المشركين، ولم يجز أن يكون في الظاهر خطابا للمسلمين. فأما ما روي عن عاصم من أنه قرأ كلّه بالياء، فهذا على توجيه الخطاب إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، كأنه: قل لهم: والله يعلم ما يسرّون وما يعلنون، والذين يدعون. [النحل: 27] اختلفوا في فتح النون وكسرها من قوله عزّ وجلّ: تشاقون فيهم [27]. فقرأ نافع وحده: (تشاقون فيهم) بكسر النون وتخفيفها. وقرأ الباقون: تشاقون فيهم بفتح النون «1». قد ذكرنا وجه قول نافع فيما تقدم «2»، ومعنى (تشاقون): تكونون في جانب والمسلمون في جانب، ولا تكونون معهم يدا واحدة. ومن هذا قيل لمن خرج عن طاعة الإمام وعن جملة جماعة المسلمين: شقّ العصا، أي: صار في جانب عنهم، فلم يكن ملائما لهم، ولا مجتمعا معهم في كلمتهم «3».

_ (1) السبعة ص 373. (2) يريد في قوله عز وجل: فبم تبشرون الحجر/ 54. انظر ص 45. (3) على هامش النسخة كلمة «بلغت».

النحل: 27

[النحل: 27] اختلفوا في الهمز من قوله عزّ وجلّ: أين شركائي الذين [27]، فقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر- إن شاء الله- وحمزة والكسائي: أين شركائي الذين بهمزة وفتح الياء. وقال البزيّ عن ابن كثير: (شركاي الذين) بغير همز وفتح الياء، مثل: هداي [البقرة/ 38]. وروى القوّاس عن ابن كثير: شركائي الذين مهموزة «1». الوجه فيه الهمز: لأن شريكا وشركاء كخليط وخلطاء، وفي التنزيل: وإن كثيرا من الخلطاء [ص/ 24]، ولا نعلم أحدا جمعه على غير فعلاء. ووجه القصر: أن هذا الضرب من الممدود قد قصر في الآحاد مرّة، ومدّ أخرى، قال «2»: وأربد فارس الهيجا إذا ما ... تقعرت المشاجر بالفئام

_ (1) السبعة 371. (2) البيت للبيد يرثي أخاه، ديوانه ص 200 وفيه وفي مختار الشعر الجاهلي، 2/ 471: «بالخيام» بدل: «بالفئام» وتقعرت: تفوّضت- والمشاجر: مراكب للنساء أكبر من الهوادج. وفي اللسان مادة (شجر) وفيه: «وأرثد» و «بالقيام» وفي مادة «فأم» كما هي عندنا. والفئام: عكم كالجوالق صغير الفم يغطى به مركب المرأة، يجعل واحد من هذا الجانب وآخر من هذا الجانب (اللسان).

وقال آخر «1»: إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد فكذلك الجموع، وقد حذفت الهمزة إذا كانت لاما، قالوا في: سوائية: سواية «2»، وإنّما السوائية مثل الكراهية. وذهب أبو الحسن في قولهم: أشياء، إلى أنه أفعلاء: أشيئاء، فحذفت والوجه المدّ في (شركاي). وأمّا قوله: أين شركائي فإنّ القديم سبحانه لم يثبت بهذا الكلام له شريكا، وإنما أضيف على حسب ما كانوا يقولونه وينسبونه، وكما أضيفت هذه الإضافة، فكذلك أضيف إليهم، فقال: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون [الأنعام/ 22]، وفي أخرى: وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون [يونس/ 28]، فإنّما أضيفوا هذه الإضافة على حسب ما كانوا يسمّونهم ويعتقدونه فيهم، ومثل ذلك قوله: ذق إنك أنت العزيز الكريم [الدخان/ 49]، ومثله: يا أيها الساحر ادع لنا ربك [الزخرف/ 49]، فهذا على حسب ما كانوا يقولون فيه، ويسمّونه به، وقد تقع الإضافة لبعض الملابسة دون التحقيق، كقول الشاعر «3»:

_ (1) لم يعرف قائله وهو في شرح أبيات المغني 7/ 191. وانشقت العصا: تفرقت الجماعة. (2) عند سيبويه 2/ 378: سؤته سوائية: هي: فعالية، بمنزلة علانية، والذين قالوا: سواية، حذفوا الهمزة، كما حذفوا همزة هار ولاث. (3) وهو حريث بن عناب- سبق انظر 2/ 50.

النحل: 28، 32

إذا قلت قدني قال بالله حلفة ... لتغني عني ذا إنائك أجمعا فأضاف الإناء إليه لشربه منه، والإناء في الحقيقة لمن يسقي به، دون من يشرب منه، ومثل ذلك قول الهذليّ، أنشدناه علي بن سليمان: وكنت كعظم العاجمات اكتنفنه ... بأطرافها حتى استدقّ نُحولُها «1» فهذا كما تقول لمن يحمل خشبة ونحوها: خذ طرفك، وآخذ طرفي، فتنسب إليه الطرف الذي يليه، كما تنسب إلى نفسك الطرف الذي يليك، فعلى هذا تجري الإضافة في قوله: أين شركائي. [النحل: 28، 32] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: تتوفاهم الملائكة [28 - 32]. فقرأ حمزة وحده: (يتوفاهم الملائكة) بالياء والتاء وبالإمالة. وقرأ الباقون بتاءين في الموضعين. أبو عمارة عن حفص عن عاصم مثل حمزة، وروى

_ (1) لأبي ذؤيب، وعظم العاجمات: الإبل التي تمضغ العظم. والنحول: رمّ العظم، والواحد: نحل، واستدق نحولها: دقت دقّتها- يريد: كنت للمصيبة كالعظم ترتمه الإبل. شرح أشعار الهذليين 1/ 175.

النحل: 33

هبيرة عن حفص عن عاصم، وابن اليتيم عن ابن عمر عن عاصم «1» مثل أبي بكر «2». قول حمزة: (يتوفّاهم) بالياء، لأنّ الفعل متقدّم، والإمالة حسنة في هذا النحو من الفعل، وعلى هذا قرأ الأخرى بالياء أيضا. وأما تتوفاهم فلأنّ الفعل مسند إلى جماعة، والجماعة مؤنث، كما جاء: وإذ قالت الملائكة [آل عمران/ 42، 45] في غير موضع في التنزيل، وقرأ كثير من القراء: كالذي استهوته الشياطين [الأنعام/ 71] ولو كان استهواه كان حسنا أيضا. [النحل: 33] اختلفوا في الياء والتاء من قوله: إلا أن تأتيهم الملائكة [33]. فقرأ حمزة والكسائي: (إلا أن يأتيهم الملائكة) بالياء. وقرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر: تأتيهم بالتاء «3». قد تقدم القول في هذا ونحوه. [النحل: 37] اختلفوا في فتح الياء وضمّها من قوله: فإن الله لا يهدي من يضل [37].

_ (1) في السبعة: وابن اليتيم عن عمرو بن الصباح عن حفص عن عاصم: بالتاء. (2) السبعة ص 372. (3) السبعة ص 372.

فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر: (لا يهدى) برفع الياء وفتح الدال. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: يهدي بفتح الياء وكسر الدال. ولم يختلفوا في يضل أنها مضمومة الياء مكسورة الضاد «1». الراجع إلى اسم (إنّ) هو الذّكر الذي في قوله: يضل في قراءة من قرأ: (يهدى)، ومن قرأ: يهدي: فمن جعل يهدي من: هديته: جاز أن يعود الذكر الفاعل الذي فيه إلى اسم إنّ، ومن جعل يهدي في معنى: يهتدي، وجعل: من يضل مرتفعا به، فالراجع إلى اسم إنّ الذكر الذي في يضل كما كان كذلك في قول من قال: (يهدى) فالراجع إلى الموصول الذي هو (من) الهاء المحذوفة من الصّلة تقديره: «يضلّه» والمعنى: إن من حكم بإضلاله له وتكذيبه، فلا يهدى. ومثل هذا في المعنى قوله: فمن يهديه من بعد الله، [الجاثية/ 23]، تقديره: من بعد إضلال الله إيّاه والمفعول محذوف، أي: بعد حكمه بإضلاله. وقراءة عاصم وحمزة والكسائي: لا يهدي من يضل في المعنى كقوله: من يضلل الله فلا هادي له [الأعراف/ 186]، وهذا كقوله: والله لا يهدي القوم الظالمين [البقرة/ 258]، وقوله: وما يضل به إلا الفاسقين [البقرة/ 26] فموضع (من) نصب ب (يهدي) وقد قيل: إن

_ (1) السبعة 372.

النحل: 40

(يهدي) في معنى يهتدي، بدلالة قوله: لا يهدي إلا أن يهدى [يونس/ 35] فموضع (من) على هذا رفع، كما أنه لو قال: يهتدي كان كذلك. قال: ولم يختلفوا في يضل أنّه مضموم الياء، فهذا من قولك: ضلّ الرجل، وأضلّه الله. أي: حكم بإضلاله، كقولك: كفر زيد وأكفره الناس، أي: نسبوه إلى الكفر، وقالوا: إنه كافر، كما أن أسقيته قلت له: سقاك الله. قال «1»: وأسقيه حتى كاد ممّا أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه [النحل: 40] اختلفوا في فتح النون وضمّها من قوله تعالى: (كن فيكون) [40]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة: كن فيكون رفعا، وكذلك في كل القرآن. وقرأ ابن عامر والكسائي: (فيكون) نصبا، وفي سورة يس [82] مثله فتح «2». أمّا نصب الكسائي: (فيكون) هاهنا، وفي سورة يس فإنّه يحمله على أن، كأنّه: أن يقول .. فيكون، قال: وسمعت ذلك بالنصب مرارا ذكرها. فأمّا ابن عامر فإنّه قد نصب (فيكون) وإن لم يكن قبله

_ (1) الذي الرمة سبق ذكره في الجزء 3/ 302 من كتابنا. (2) السبعة: 373.

النحل: 48

أن نحو: إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [البقرة/ 617 آل عمران/ 47] فإن نصب هنا على هذا الحدّ، فقد مضى القول عليه قبل «1»، وإن نصبه من حيث نصبه الكسائي، فمستقيم. [النحل: 48] اختلفوا في التاء والياء من قوله عزّ وجلّ: أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء [النحل/ 48]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء [وكذلك] أو لم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده، في العنكبوت [19]، بالياء جميعا. واختلف عن عاصم، فروى يحيى بن آدم عن أبي بكر، وابن المنذر عن عاصم أيضا عن أبي بكر وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم في العنكبوت بالتاء. وروى حسين الجعفيّ والكسائيّ والأعشى وعبد الجبار بن محمد، عن أبي بكر عن عاصم، وحفص عن عاصم في العنكبوت بالياء، ولم يختلف عن عاصم في النحل أنّها بالياء. وقرأ حمزة والكسائي: (أو لم تروا إلى ما لم خلق الله من شيء) بالتاء، أولم تروا كيف يبدئ الله بالتاء جميعا. [النحل: 48] وكلّهم قرأ: يتفيأ ظلاله [48] بالياء، غير أبي عمرو، فإنه قرأ: (تتفيأ) بالتاء «2».

_ (1) انظر كلامه عن سورة البقرة/ 117 في 1/ 203. (2) السبعة 374 ولم يرد ما بعد فيه.

النحل: 48

[النحل: 48] وقرأ حمزة وابن عامر: (ألم تروا إلى الطير) [79] بالتاء، وقرأ الباقون: بالياء. قوله: أولم يروا. حجة الياء: أن ما قبله غيبة، وهو قوله: أن يخسف الله بهم أو يأتيهم العذاب ... أو يأخذهم [45، 46] أولم يروا [48]، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه قد رأوا ذلك وتيقّنوه. ومن قرأ بالتاء: أراد جميع الناس، فوقع التّنبيه على الجمع بقوله: (أولم تروا). قال: كلّهم قرأ: يتفيأ بالياء، غير أبي عمرو، فإنّه قرأ بالتاء: التذكير والتأنيث- في فعل هذا الضرب من الجميع، إذا تقدّم- جميعا حسنان، وقد تقدّم في غير موضع. فأمّا يتفيّأ، فيتفعل من الفيء، يقال: فاء الظلّ يفيء فيئا، إذا رجع وعاد بعد ما كان ضياء الشمس نسخه، ومنه فيء المسلمين: لما يعود عليهم وقتا بعد وقت من خراج الأرضين المفتتحة والغنائم، فإذا عدّي قولهم: فاء، عدّي بزيادة الهمزة، أو تضعيف العين، فممّا عدّي بنقل الهمزة: ما أفاء الله على رسوله [الحشر/ 7] وبالتضعيف: فاء الظلّ وفيّأه الله، فتفيّأ: مطاوع فيّأه، فالفيء: ما نسخه ضوء الشمس، والظلّ: ما كان قائما لم تنسخه الشمس، مما يدل على ذلك قوله: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا [الفرقان/ 45]، فالشمس ينسخ ضياؤها هذا الظل، فإذا زال ضياء الشمس الناسخ للظلّ، فاء الظلّ، أي: رجع كما كان أوّلا، قال أبو زيد: ظهّر تظهيرا، وذلك قبل

نصف النهار إلى أن تزيغ الشمس وزيغها: إذا فاء الفيء، انتهى كلام أبي زيد. قال أبو على: والضمير في قوله: ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا [الفرقان/ 46]. يجوز أن يكون للظلّ، ويجوز أن يكون لضياء الشمس، لأنّ كل واحد منهما يقبض قبضا يسيرا على التدريج. وقال: أكلها دائم وظلها [الرعد/ 35]، وقال: وظل ممدود [الواقعة/ 30]، هما في الجنّة، فيكون ظلّا، ولا يكون فيئا، لأنّ ضياء الشمس لا ينسخه، على أن أبا زيد أنشد للنابغة الجعدي «1»: فسلام الإله يغدو عليهم ... وفيوء الفردوس ذات الظّلال وهذا الشعر قد أوقع فيه الفيء على ما لم تنسخه الشمس، وجمعه على فيوء، مثل بيت وبيوت، ويدلّ على أن الظل ما لم تنسخه الشمس قول النابغة: ذات الظلال، فسمّى ما في الجنة ظلّا، ويدل عليه قول الآخر «2»: فلا الظلّ من برد الضّحى تستطيعه ... ولا الفيء من برد العشيّ تذوق فجعل الظلّ وقت الضحى، لأنّ الشمس لم تنسخه في

_ (1) شعره ص 231. والنوادر: 220 (ط: الفاتح) واللسان (ظلل). (2) لحميد بن ثور ورواية الديوان ص 40: «منها بالضحى» وفي الأصل: «من بعد برد الضحى» بإقحام كلمة «بعد» وينكسر البيت بها. وانظر اللسان (فيأ).

ذلك الوقت، بدلالة ما تقدم حكايته، عن أبي زيد، وقال أبو عمر: أكثر ما تقول العرب: أفياء، وأنشد لعلقمة «1»: تتّبع أفياء الظّلال عشيّة ... على طرق كأنّهن سبوب قال أبو علي: فقول علقمة: أفياء الظلال، يجوز أن يكون جمع فيئا على أفياء، وأضافه إلى الظلال، على معنى أن الفيء يعود به الظل الذي كان نسخه ضوء الشمس، وأضافها إلى الظلّ كما يضاف المصدر إلى الفاعل، وأفياء يكون للعدد القليل مثل: أبيات وأعيان، وفيوء للكثير، كالبيوت والعيون، وقال: أرى المال أفياء الظّلال فتارة يئوب وأخرى يخبل المال خابله «2» ومن هذا الباب قوله حتى تفيء إلى أمر الله [الحجرات/ 9] أي: ترجع عن بغيها إلى جملة أهل العدل، والفيء في الإيلاء مثل الرجعة في الطلاق، وهذه الآية في المعنى مثل قوله: ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاو كرها وظلالهم بالغدو والآصال [الرعد/ 15]

_ (1) علقمة الفحل- والسبوب شقاق الكتان- الواحد (سب). يقول: إنها تسير في الهاجرة حتى تعيا، فإذا رأت فيئا مالت في سيرها إليه، تبتغيه لتستريح بذلك. ديوانه/ 40/. (2) الخبل: القرض والاستعارة، والإخبال: أن يعطى الرجل البعير أو الناقة ليركبها ويجتز وبرها، وينتفع بها ثم يردها. والمال: الإبل. (اللسان) ولم نقف للبيت على قائل.

، وزعموا أن الحسن كان يقول: يا ابن آدم أما ظلك فيسجد لله، وأما أنت فتكفر بالله. وقال: (ظلاله) فأضاف الظلال إلى مفرد، ومعناه الإضافة إلى ذوي الظلال، لأن الذي يعود إليه الضمير واحد، يدلّ على الكثرة، وهو قوله: ما خلق الله [البقرة/ 228] وهذا مثل قوله: لتستووا على ظهوره [الزخرف/ 13]، فأضاف الظهور وهو جمع إلى ضمير مفرد، لأنه يعود إلى واحد يراد به الكثرة، وهو قوله: ما تركبون [الزخرف/ 12]، ومثل ذلك إضافة بين إلى ضمير المفرد في قوله: يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما [النور/ 43]، ولو أنّث لجاز من وجهين: أحدهما: على قياس نخل خاوية [الحاقة/ 7] على قوله: وينشىء السحاب الثقال [الرعد/ 12]. وممّا ينسب إلى ثعلب أنه قال: أخبرت عن أبي عبيدة أن رؤية قال: كلّ ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظلّ، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظلّ. وقال بعض أهل التأويل: الظلّ هو الشخص نفسه، ويدلّ عندي على ما قال: قول علقمة «1»:

_ (1) هذا البيت ليس في ديوان علقمة، وإنما ينسب لعبدة بن الطبيب وهو من قصيدة له في المفضليات. وقد أنشده ابن عبد ربه في العقد الفريد 1/ 192 - والأخبية ج: خباء، والمراجيل: ج: مرجل- وهو القدر الذي يطبخ فيها الطعام- يقول: إنهم حين حطوا رحالهم أسرعوا فنحروا الذبائح وأوقدوا عليها ففارت قدورهم باللحم.

إذا نزلنا نصبنا ظلّ أخبية ... وفار للقوم باللحم المراجيل ألا ترى أنّهم ينصبون الظلّ الذي هو فيء، وإنما ينصبون الأخبية فيصير لها فيء ويمكن أيضا أن يستدلّ بقوله: ... أفياء الظلال عشيّة أي: أفياء الشخوص، فيحمل على هذا دون ما تأوّلناه، وقال: ظلّ أخبية، ولم يقل: ظلال أخبية، كما تقول: شخوص أخبية، ولكنّه أفرد كما قال «1»: جلد الجواميس يريد: جلودها، فوضع الواحد موضع الجميع، ولا يكون ذلك على حذف المضاف، كأنه: ذا ظلّ أخبية، لأنّك حينئذ تضيف الشيء إلى نفسه، ألا ترى أن ذا ظل في قولك: ذا ظل، هو الظل، ويقوّي ذلك قول عمارة «2»:

_ انظر شرح المفضليات: 1/ 284 - والإنصاف 1/ 29. وجاء في المفضليات برواية: لما وردنا رفعنا ظل أردية ... وفار باللحم للقوم المراجيل (1) يشير في ذلك إلى قول جرير: تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ ... قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس وقد سبق انظر 4/ 81. (2) الرجز في نوادر أبي زيد: ص 197 (ط: الفاتح) وهو في وصف

كأنّهنّ الفتيات اللّعس ... كأنّ في أظلالهنّ الشّمس أي: في أشخاصهن، لأنّ شبه الشمس إنّما هو في أشخاصها، دون ما يفيء من أفيائها، ويزعم هذا المتأوّل أن المعنى: أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء له ظلّ من جبل وشجر وبناء يتفيّأ ظلاله، أي: يكون للأشخاص فيء عن اليمين والشمائل، إذا كانت الشمس عن يمين الشخص، كان الفيء عن شماله، وإذا كانت على شماله، كان الفيء عن يمينه! وقيل: أول النهار عن يمين القبلة، وآخره عن شمال القبلة. وقول الشاعر: أفياء الظلال عشيّة وقولهم: أظلّ القوم عليهم، فيهما دلالة أيضا على أن الظلّ نفس الشخص. وكلّهم قرأ: (إلا رجالا يوحى إليهم) [43] بالياء، إلا عاصما في رواية حفص، فإنه قرأ: نوحي إليهم بالنون، وكسر الحاء «1». وجه الفعل المبني للمفعول قوله: وأوحي إلى نوح [هود/ 36]، وو ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه [الأنبياء/ 25].

_ النخل، واللعس: اللواتي في شفاههن سواد وهن بيضاوات واسم كأن ضمير الشأن المحذوف. (1) السبعة 373.

النحل: 62

ووجه قراءة عاصم: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده [النساء/ 163]. وأوحينا إلى أم موسى [يونس/ 87]. [النحل: 62] قال: قرأ نافع وحده: (وأنهم مفرطون) [62] بكسر الراء خفيفة من أفرطت. وقرأ الباقون: مفرطون بفتح الراء، من أفرطوا فهم مفرطون «1». أبو عبيدة: مفرطون: معجلون، قال: وقالوا: متروكون منسيّون «2»، وقال أبو زيد: فرط الرجل أصحابه، يفرطهم أحسن الفراطة، وهو رجل فارط. قال: والفارط: الذي يتقدم الواردة، فيصلح الدّلاء والأرسان، وقوله: مفرطون، يمكن أن يكون من هذا كأنه فرط هو، وأفرطه القوم، فكذلك: (مفرطون)، كأنهم أعجلوا إلى النار فهم فيها فرط للذي يدخلون بعدهم، ومن هذا قولهم في الدعاء للطفل، ومن جرى مجراه: «اجعله لنا فرطا» «3» ومنه ما في الحديث من قوله: «أنا فرطكم على الحوض» «4».

_ (1) السبعة 373. (2) انظر مجاز القرآن 1/ 361. (3) رواه البخاري في الجنائز رقم 1335. (4) رواه البخاري في الرقاق باب في الحوض رقم 6575، 6576، 7049. ومسلم في الطهارة رقم (249) وابن ماجة في الفتن رقم 3944 وأحمد 1/ 257 و 2/ 408 و 3/ 18.

النحل: 66

فأما قول نافع فكأنه: من أفرط أي: صار ذا فرط: فهو مفرط مثل: أقطف وأجرب أي: هو ذو فرط إلى النار، وسبق إليها، فالقراءتان على هذا متقاربتا المعنى. قال أبو الحسن: قال أهل المدينة: مفرطون، أي أفرطوا في أعمالهم. [النحل: 66] اختلفوا في فتح النون وضمّها من قوله تعالى: لعبرة نسقيكم [66] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي نسقيكم بضم النون، وفي المؤمنين [21] مثله. وقرأ ابن عامر ونافع وعاصم في رواية أبي بكر: (نسقيكم) بفتح النون فيهما. حفص عن عاصم (نسقيكم) بضم النون، وفي المؤمنين مثلها «1». قال أبو علي: تقول: سقيته حتى روي، أسقيه، وعلى هذا قوله وسقاهم ربهم شرابا طهورا [الإنسان/ 21]، وقال: والذي هو يطعمني ويسقن [الشعراء/ 79] وقال: وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم [محمد/ 15]، وقال: شاربون شرب الهيم [الواقعة/ 55] وقال «2»: انحنا فسمناها النّطاف فشارب ... قليلا وآب صدّ عن كلّ مشرب

_ (1) السبعة 374. (2) البيت للطفيل الغنوي- وأنخنا: حططنا- سمناها: عرضناها على الماء. النطاف: الماء، والواحدة: نطفة. ديوانه/ 28.

وقوله: ويسقى من ماء صديد [إبراهيم/ 16] مثل يضرب، وليس مثل يكرم، يدل على ذلك قوله: وسقوا ماء حميما، وتقدير من ماء صديد من ماء ذي صديد فهذا خلاف قوله: وسقاهم ربهم شرابا طهورا [الإنسان/ 21]. فأما قوله: وأسقيناكم ماء فراتا [المرسلات/ 27]، وقوله: فأسقيناكموه [الحجر/ 22] فمعنى ذلك جعلناه سقيا لكم، كما تقول: أسقيته نهرا، أي جعلته شربا له، وقالوا: سقيته في معنى: أسقيته يدل على ذلك قوله «1»: سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال فسقى قومي: ليس يريد به ما يروي عطاشهم، ولكن يريد: رزقهم سقيا لبلادهم، يخصبون منها- وبعيد أن يسأل لقومه ما يروي العطاش، ولغيرهم ما يخصبون منه، ويبيّن ذلك قول الشاعر «2»: أخطا الربيع بلادهم فسقوا ... ومن أجلهم أحببت كلّ يمان فقوله: سقوا، دعا لهم بالسّقيا التي أخطأت بلادهم. وهذا- وإن كان الأكثر فيما يرفع العطش- سقى، وفي السقيا:

_ (1) البيت للبيد من قصيدة له يعاتب فيها قومه- ومجد: ابنة تيم بن غالب- ديوانه/ 110 والنوادر/ 213. (2) لم نعثر على قائله.

النحل: 68

أسقى، فإن من قرأ: نسقيكم يريد: إنّا جعلناه في كثرته، وإدامته كالسقيا، فهو كقولك: أسقيته نهرا. وأما من فتح النون، فإنه لما كان للشفة فتح النون، فجعله بمنزلة قوله: وسقاهم ربهم شرابا طهورا والذين ضمّوا النون جعلوا ذلك لدوامه «1» عليهم كالسقيا لهم. قال: كلهم قرأ: أفبنعمة الله يجحدون [71] بالياء، غير عاصم فإنه قرأ في رواية أبي بكر: (تجحدون) بالتاء. وروى حفص عن عاصم بالياء «2». ومن قال: يجحدون بالياء، فلأنه يراد به غير المسلمين والمسلمون لا يخاطبون بجحدهم نعمة الله. ووجه التاء: قل لهم: أفبنعمة الله بهذه الأشياء التي تقدم اقتصاصها تجحدون، ويقوّي الياء قوله: وبنعمة الله هم يكفرون [النحل/ 72]. [النحل: 68] قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر (يعرشون) [68] بضم الراء. وقرأ الباقون بكسر الراء، وروى حفص عن عاصم: يعرشون بكسر الراء «3». هما لغتان: (يعرش ويعرش) ومثله: يحشر ويحشر، ويعكف

_ (1) في الأصل: لدوامه. (2) السبعة 374. (3) السبعة 374.

النحل: 80

ويعكف، ويفسق ويفسق، قال أبو عبيدة «1»: كلّ شيء مما عرش فهو عريش، وحكى الضم والكسر في يعرش. [النحل: 80] اختلفوا في فتح العين وإسكانها من قوله عز وجلّ: يوم ظعنكم [80]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (ظعنكم) بفتح العين. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ظعنكم، ساكنة العين «2». هما لغتان. ومثل ذلك: الشّمع والشّمع، والنّهر والنّهر، قال الأعشى: فقد أشرب الراح قد تعلمي ... ن يوم المقام ويوم الظّعن «3» ولا يجوز أن يكون الظّعن مخففا عن الظّعن، كما أن عضدا وكتفا ونحو ذلك، مخفّف عن الكسر والضم، ألا ترى أن من قال: في عضد، وعضد لم يخفّف نحو: جمل ورسن كما أن الذي يقول: والليل إذا يسر [الفجر/ 4] وذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64] لا يقول إلا: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى [الليل/ 1، 2] وحرف الحلق وغيره في ذلك سواء. [النحل: 96] اختلفوا في قوله تعالى: (وليجزين الذين صبروا) [96] في الياء والنون.

_ (1) انظر مجاز القرآن 1/ 364. (2) السبعة 375. (3) انظر ديوانه/ 17.

النحل: 103

فقرأ ابن كثير وعاصم: ولنجزين الذين صبروا بالنون. وقرأ نافع، وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: (وليجزينّ) بالياء. عليّ بن نصر عن أبي عمرو ولنجزين بالنون مثل عاصم ولم يختلفوا في قوله: ولنجزينهم أجرهم [النحل/ 97] أنها بالنون «1». حجّة الياء: وما عند الله باق [النحل/ 96] والنون في المعنى مثل الياء. [النحل: 103] اختلفوا في فتح الياء والحاء وضمها من قوله: يلحدون [103] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: يلحدون بضم الياء وكسر الحاء وقرأ حمزة والكسائي (يلحدون) بفتح الياء والحاء «1». حجة يلحدون بالضم قوله: ومن يرد فيه بإلحاد [الحج/ 25] ويلحدون لغة. وينبغي أن يكون الضم أرجح من حيث كان لغة التنزيل. [النحل: 102] قال: قرأ ابن كثير: (روح القدس) [102] خفيفة ساكنة الدال. الباقون القدس متحركة الدال «3».

_ (1) السبعة 375. (3) السبعة 375.

النحل: 110

قال: التحريك أكثر. والإسكان تخفيف من التحريك، وقد تقدم ذكر هذا الحرف. [النحل: 110] اختلفوا في فتح الفاء وضمها من قوله جل وعز: فتنوا [110] فقرأ ابن عامر وحده: (فتنوا) بفتح الفاء والتاء. وقرأ الباقون: فتنوا بضم الفاء وكسر التاء. حجة من قال: فتنوا: أن الآية في المستضعفين المقيمين كانوا بمكة، وهم: صهيب وعمّار وبلال. فتنوا وحملوا على الارتداد عن دينهم فمنهم من أعطى للتقيّة. وروي أن عمّارا كان ممّن أظهر ذلك ثم هاجروا إلى المدينة، فالآية فيهم، والمعنى على فتنوا. فأمّا قول ابن عامر: (فتنوا): فيكون على أنه: فتن نفسه وكأنّ المعنى: من بعد ما فتن بعضهم نفسه بإظهار ما أظهر للتقية، وكأنه يحكي الحال التي كانوا عليها من إظهار ما أخذوا به من التقية، لأن الرحمة فيه لم تكن نزلت بعد، وهي قوله: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى قوله: إلا المستضعفين [النساء/ 97، 98] وقوله: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [106]. [النحل: 127] اختلفوا في فتح الضاد وكسرها من قوله عز وجل: في ضيق [127]. فقرأ ابن كثير: (في ضيق) كسرا، وكذلك روى أبو عبيد عن إسماعيل بن جعفر عن نافع، وخلف عن المسيبي عن نافع وهو غلط في روايتهما جميعا.

النحل: 112

وقرأ الباقون: في ضيق وكذلك في النمل [70] من كسر هذه كسر تلك، ومن فتح هذه فتح تلك «1». وقال أبو عبيدة: في ضيق: تخفيف ضيّق، يقال: أمر ضيّق وضيق «2». قال أبو الحسن: الضّيق والضّيق: لغتان في المصدر، وأما المثقلة فيكون فيها التخفيف، فيكون ضيق مثل ميت، وينبغي أن يحمل على أن ضيقا مصدر، لأنك إن حملته على أنه مخفف من ضيق، فقد أقمت الصفة مقام الموصوف من غير ضرورة، والمعنى: لا تك في ضيق. أي: لا يضق صدرك من مكرهم، كما قال: وضائق به صدرك [هود/ 12] وليس المراد: لا تكن في أمر ضيّق، فمن فتح ضيقا، كان في معنى من كسر، وهما لغتان كما قال أبو الحسن. [النحل: 112] وكلّهم قرأ: لباس الجوع والخوف [112] بخفضهما إلا ما روى علي بن نصر وعباس بن الفضل وداود الأزديّ وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو: (لباس الجوع والخوف) بفتح الفاء. وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو لباس الجوع والخوف بكسر الفاء «1». قوله: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف المعنى فيه: مقاربة الجوع لهم ومسّه إياهم، كمخالطة الذائق ما يذوقه، أو اللابس لما يلبسه، واتصاله به فأوقع عليه الذوق كما قال:

_ (1) السبعة 376. (2) مجاز القرآن 1/ 369.

دونك ما جنيته فاحس وذق «1» وكذلك لباس الجوع هو مسّه لهم كمسّ الثوب للابسه قال الشاعر «2»: وقد لبست بعد الزبير مجاشع ... ثياب التي حاضت ولم تغسل الدما يريد أن العار والسّبّة لحقهم، واتصل بهم لغدرهم، فجعل ذلك لباسا لهم، وقال أوس بن حجر: وإن هزّ أقوام إلي وحدّدوا ... كسوتهم من برد برد متحم «3» وقال آخر: إذا ما الضجيع ثنى عطفها ... تثنّت فصارت عليه لباسا «4» فإنّما المعنى أن اتصالها به ومسها له، كمسّ الملبوس للابسه، ومن ثمّ جاء في التنزيل: هن لباس لكم وأنتم لباس

_ (1) هذا شطر بيت. في البحر المحيط 5/ 543 ولم ينسبه لقائل. (2) هذا البيت لجرير، وقد سبق في 2/ 327. (3) متحم: من البز الأتحمي وهو ضرب من برود اليمن، يقول: أكسوهم من أحسن ذلك البز، وإنما هذا مثل: أي أهجوهم هجاء يرى عليهم ويشتهرون به كما يشتهر به صاحب هذا اللباس. انظر ديوان أوس/ 123 وفيه: «خبر بز» بدل «برد برد». (4) البيت للنابغة الجعدي وهو في شعره ص 81 من قصيدة. والبحر المحيط 5/ 543 ونسبه للأعشى وانظر مجاز القرآن 1/ 67.

لهن [البقرة/ 187] ولذلك سمى المرأة إزارا في قوله: ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري «1» فسمّى المرأة إزارا، كما جاء هن لباس لكم وأنتم لباس لهن فالجر على لباس الجوع ولباس الخوف، جعل مسّ كلّ واحد منهما لأصحابهما كمس الآخر لهم، وجعل للجوع لباسا كما جعله للخوف. ويقوّي الجر في الخوف أنّ في حرف أبيّ لباس الخوف والجوع فقد جعل للخوف لباسا، كما جعله للجوع. وأما ما روي من نصب الخوف عن أبي عمرو فإنه حمله على الإذاقة، والخوف لا يذاق في الحقيقة، فإذا لم يذق على الحقيقة كان حمله على اللباس أولى، لأن اللباس أقرب إليه من الإذاقة، فحمله على الأقرب أولى، وليكونا محمولين على عامل واحد، كما كان في قوله: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع [البقرة/ 155] الحمل على عامل واحد.

_ (1) البيت لجعدة بن عبد الله السلمي من قصيدة أرسلها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشير فيها إلى حال وال كان على مدينتهم. فدى لك: أي أهلي ونفسي انظر اللسان (أزر).

بني إسرائيل

ذكر اختلافهم في بني إسرائيل [الاسراء: 2] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عز وجل: ألا تتخذوا من دوني وكيلا. فقرأ أبو عمرو وحده: (ألّا يتّخذوا) بالياء. وقرأ الباقون: ألا تتخذوا بالتاء «1». قال أبو علي: وجه قول من قرأ بالياء، أن المتقدم ذكرهم على لغة الغيبة فالمعنى: هديناهم أن لا يتخذوا من دوني وكيلا. ومن قرأ بالتاء فهو على الانصراف إلى الخطاب بعد الغيبة مثل قوله: الحمد لله ثم قال: إياك نعبد [الفاتحة/ 5]، والضمير في تتخذوا وإن كان على لغة الخطاب فإنّما يعني به الغيب في المعنى، ومن زعم أنّ (أن لا يتّخذوا من دوني) على إضمار القول، كأنّه يراد به: قال: أن لا تتخذوا، لم يكن قوله هذا متّجها، وذلك أن القول لا يخلو من أن يقع بعد جملة تحكى، أو معنى جملة يعمل في لفظه القول، فالأول كقوله: قال زيد: عمرو منطلق، فموضع الجملة نصب

_ (1) السبعة 378.

بالقول، والآخر: يجوز أن يقول القائل: لا إله إلا الله، فتقول: قلت حقّا، أو يقول: الثلج حار، فتقول: قلت باطلا، فهذا معنى ما قاله، وليس نفس المقول، وقوله: (أن لا تتخذوا) خارج من هذين الوجهين، ألا ترى أن ألا تتخذوا ليس هو بمعنى القول، كما أن قولك حقّا، إذا سمعت كلمة الإخلاص: معنى القول، وليس قوله: (أن لا تتّخذوا) بجملة، فيكون كقولك: قال زيد: عمرو منطلق. ويجوز أن تكون (أن) بمعنى: أي التي بمعنى التفسير، وانصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب كما انصرف منها إلى الخطاب في قوله: وانطلق الملأ منهم أن امشوا [ص/ 6] والأمر، وكذلك انصرف من الغيبة إلى النهي في قوله: (أن لا تتخذوا)، وكذلك قوله: أن اعبدوا الله ربي [المائدة/ 117] في وقوع الأمر بعد الخطاب، ويجوز أن يضمر القول ويحمل تتخذوا على القول المضمر إذا جعلت (أن) زائدة، فيكون التقدير: وجعلناه هدى لبني إسرائيل، فقلنا: لا تتخذوا من دوني وكيلا. فيجوز إذن في قوله: (أن لا تتخذوا) ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون أن الناصبة للفعل، فيكون المعنى: وجعلناه هدى كراهة أن تتخذوا من دوني وكيلا، أو لأن لا يتخذوا من دوني وكيلا. والآخر: أن تكون بمعنى (أي)، لأنه بعد كلام ناه، فيكون التقدير: أي لا تتخذوا. والثالث: أن تكون (أن) زائدة وتضمر القول. فأمّا قوله: ذرية من حملنا، [الإسراء/ 3] فيجوز أن يكون

الاسراء: 7

مفعول الاتخاذ، لأنه فعل يتعدى إلى مفعولين، كقوله: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء/ 125]. وقوله: اتخذوا أيمانهم جنة [المجادلة/ 16] فأفرد الوكيل وهو في معنى الجمع، لأن فعيلا يكون مفرد اللفظ والمعنى على الجمع، نحو قوله: وحسن أولئك رفيقا [النساء/ 69]. فإذا حمل على هذا كان مفعولا ثانيا في قول من قرأ بالتاء، والياء. ويجوز أن يكون نداء وذلك على قول من قرأ بالتاء: ألا تتخذوا يا ذرية، ولا يسهل أن يكون نداء على قول من قرأ بالياء، لأن الياء للغيبة والنداء للخطاب، ولو رفع الذرية على البدل من الضمير في قوله: أن لا تتخذوا كان جائزا، وقد ذكر أنها قراءة. ولو رفع على البدل من الضمير المرفوع كان جائزا، ويكون التقدير: أن لا تتّخذ ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلا، ولو جعله بدلا من قوله بنى إسرائيل جاز، وكان التقدير: وجعلناه هدى لذرية من حملنا مع نوح. [الاسراء: 7] اختلفوا في قوله: ليسوءوا وجوهكم [7]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: ليسوءوا بالياء جماع، همزة بين واوين. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة: (ليسوء) على واحد بالياء. وقرأ الكسائي: (لنسوء) بالنون «1». قال أبو علي: قوله: لتفسدن في الأرض مرتين [الإسراء/ 4] المعنى: فإذا جاء وعد الآخرة، أي: المرّة الآخرة من قوله: لتفسدن

_ (1) السبعة 378.

في الأرض مرتين بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، فحذف بعثناهم، لأن ذكره قد تقدم، ولأنه جواب إذا وشرطها تقتضيه، فحذف للدّلالة عليه. فأما ليسوءوا فقال أبو زيد: سؤته مساءة، ومسائية، وسواية. وقال: وجوهكم على أنّ الوجوه مفعول به لسؤت، وعدي إلى الوجوه لأن الوجوه قد يراد بها ذوو الوجوه، كقوله: كل شيء هالك إلا وجهه [القصص/ 88] وقال: وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة [عبس/ 38، 39] وقال: وجوه يومئذ ناضرة [القيامة/ 22] ووجوه يومئذ باسرة [القيامة/ 24]. وقال النابغة: أقارع عوف لا أحاول غيرها ... وجوه قرود تبتغي من تجادع «1». وكأنّ الوجوه إنما خصّت بذلك لأنها تدلّ على ما كان في ذوي الوجوه من الناس من حزن، ومسرّة، وبشارة، وكآبة. فأما ليسوءوا فالحجة له أنه أشبه بما قبله وما بعده، ألا ترى أن الذي يراد قبله: بعثناهم، وبعده: ليدخلوا المسجد، وهو بيت المقدس، والمبعوثون في الحقيقة هم الذين يسوءونهم بقتلهم إياهم وأسرهم لهم، فهو وفق المعنى. فأما وجه قول من قرأ: (ليسوء وجوهكم): بالياء، ففاعل ليسوء يجوز أن يكون أحد شيئين: أحدهما: أن يكون اسم الله عز وجل لأن الذي تقدّم: بعثنا، ورددنا لكم وأمددناكم بأموال.

_ (1) انظر ديوانه ص 50 والكتاب 1/ 252 وابن الشجري 1/ 344، والخزانة 1/ 426.

الاسراء: 13

والآخر: أن يكون البعث دل عليه: بعثنا المتقدم كقوله: لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180]، أي: البخل. ومن قرأ (لنسوء) بالنون كان في المعنى كقول من قدر أن الفاعل ما تقدم من اسم الله، وجاز أن تنسب المساءة إلى الله سبحانه وتعالى، وإن كانت من الذين جاسوا خلال الديار في الحقيقة لأنهم فعلوا المساءة بقوة الله عز وجل وتمكينه لهم، فجاز أن ينسب إليه كما: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17]. [الاسراء: 13] اختلفوا في قوله عز وجل: كتابا يلقاه منشورا [13]. فقرأ ابن عامر وحده: (كتابا يلقاه) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف. وقرأ الباقون: يلقاه بفتح الياء وتسكين اللام وتخفيف القاف. حمزة والكسائي: يميلان القاف «1». من قرأ (يخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) فالمعنى: يخرج طائره له كتابا يلقاه منشورا، وهي قراءة الحسن ومجاهد فيما زعموا. فأما طائره فقيل فيه: حظّه، وقيل: عمله. وما قدّم من خير أو شرّ، فيكون المعنى على هذا، ويخرج عمله كتابا أي ذا كتاب ومعنى ذا كتاب: أنه مثبت في الكتاب الذي قيل فيه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [الكهف/ 49] وقوله: أحصاه الله ونسوه [المجادلة/ 6] وقال: هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت [يونس/ 30] وقوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19].

_ (1) السبعة 378

وإنما قيل لعمله طائر، وطير في بعض القراءة على حسب تعارف العرب لذلك في نحو قولهم: جرى طائره بكذا. ومثل هذا في ياسين: قالوا طائركم معكم [19] وفي الأعراف: إنما طائرهم عند الله [131]. وروينا عن أحمد بن يحيى عن أبي المنهال المهلبي قال: حدثنا أبو زيد الأنصاري: أن ما مرّ من طائر أو ظبى أو غيره فكلّ ذلك عندهم طائر، وأنشد أبو زيد لكثير في تصييرهم كل ما زجر طائرا، وإن كان ظبيا أو غيره من البهائم. فقال: فلست بناسيها ولست بتارك إذا عرض الأدم الجواري سؤالها قال: ثم أخبر في البيت الثاني أن الذي زجره طائر فقال: أأدرك من أم الحكيم غبطة ... بها خبّرتني الطّير أم قد أتى لها «1» وأنشد لزهير في ذلك: فلمّا أن تفرق آل ليلى ... جرت بيني وبينهم ظباء جرت سنحا فقلت لها مروعا ... نوى مشمولة فمتى اللقاء «1» قال أبو زيد: فقولهم: سألت الطير، وقلت للطير: إنما هو:

_ (1) انظر ديوان زهير/ 59. وفيه «تحمل أهل» بدل «تفرق آل» و «الظباء» بدل «ظباء» و «أجيزي» بدل «مروعا».

زجرتها، وقولهم: خبرتني الظباء والطير بكذا: إنما هو وقع زجري عليها على كذا وكذا من خير وشرّ، ويقوّى ما ذكره أبو زيد قول الكميت: ولا أنا ممّن يزجر الطير همّه ... أصاح غراب أم تعرّض ثعلب «1» وأنشد لحسان بن ثابت: ذريني وعلمي بالأمور وسيرتي ... فما طائري فيها عليك بأخيلا «2» أي: رأيي ليس بمشئوم، وأنشد لكثير: أقول إذا ما الطير مرّت مخيلة ... لعلّك يوما فانتظر أن تنالها مخيلة: مكروهة. وهو من الأخيل. فأمّا قوله في عنقه [الإسراء/ 13] فمعناه والله أعلم: لزوم ذلك له وتعلّقه به، وهذا مثل قولهم: طوقتك كذا، وقلّدتك كذا، أي صرفته نحوك، وألزمته إياك. ومنه: قلده السلطان كذا، أي: صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة، ومكان الطوق، قال الأعشى: قلّدتك الشّعر يا سلامة ذا ال ... إفضال والشّعر حيث ما جعلا «3»

_ (1) البيت من قصيدة للكميت من هاشمياته. انظر شرح أبيات المغني للبغدادي 1/ 32، والخزانة 2/ 207. (2) انظر ديوانه 1/ 44، وفيه: «وشيمتي» بدل «وسيرتي» واللسان (خيل). (3) ديوانه/ 235 وفيه: «التفاضل» بدل «الإفضال» و «والشيء» بدل «والشعر».

وقال أوس بن حجر: تجول وفي الأعناق منها خزاية ... أوابدها تهوي إلى كلّ موسم «1» وقال الهذليّ: فليست كعهد الدار يا أمّ خالد ... ولكن أحاطت بالرّقاب السلاسل «2» وأنشد الأصمعيّ: إنّ لي حاجة إليك فقالت ... بين أذني وعاتقي ما تريد ومن قرأ: ونخرج له يوم القيامة كتابا، وهو قراءة الجمهور، فالكتاب ينتصب بأنه مفعول به كقوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19] وقوله: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [الإسراء/ 14]، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [الجاثية/ 29]. فأما قوله: يلقاه منشورا فيدلّ عليه قوله: وإذا الصحف نشرت [التكوير/ 10]. فأما من قرأ: (يلقاه) فهو من قولك: لقيت الكتاب، فإذا ضعفت قلت: لقانيه زيد، فيتعدى الفعل بتضعيف العين إلى مفعولين بعد ما كان يتعدّى بغير التضعيف إلى مفعول واحد. فإذا

_ (1) ديوانه/ 123، وفيه: «يخيل في» بدل «تجول»، و «منا» بدل «منها». ويقصد: القصائد السائرة التي تنشد في المواسم وتكون خزاية في أعناق المهجوين. (2) شرح أشعار الهذليين 3/ 1223 ورواية صدره: «فليس كعهد الدار يا أمّ مالك» وأراد: الإسلام أحاط برقابنا فلا نستطيع أن نعمل شيئا.

الاسراء: 16

بني الفعل للمفعول به نقص مفعول من المفعولين، لأن أحدهما يقوم مقام الفاعل في إسناده فيبقى متعديا إلى مفعول واحد، وعلى هذا قوله: ويلقون فيها تحية وسلاما [الفرقان/ 75] وفي البناء للفاعل: ولقاهم نضرة وسرورا [الإنسان/ 11]. وإمالة حمزة والكسائي القاف حسنة وتركها حسن. [الاسراء: 16] قال: ولم يختلفوا في قوله: أمرنا مترفيها [16] أنها خفيفة الميم، إلا ما روى خارجة عن نافع: (آمرنا) ممدودة مثل: آمنا، حدّثني موسى بن إسحاق القاضي قال: حدثنا هارون بن حاتم، قال: حدّثنا أبو العباس ختن ليث قال: سمعت أبا عمرو يقرأ: (أمرنا مترفيها)، مشدّدة الميم. وروى نصر بن عليّ عن أبيه عن حماد بن سلمة، قال سمعت ابن كثير يقرأ: (آمرنا) ممدودا «1». قال أبو عبيدة: (أمّرنا) «2» أي: أكثرنا، يقال: أمر بنو فلان، إذا كثروا، وأنشد للبيد: إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوما يصيروا للقلّ والنّفد «3» قال: وقال بعضهم أمرنا [مثل أخذنا وهي] في معنى: أكثرنا،

_ (1) السبعة 379. (2) في «مجاز القرآن»: (آمرنا) وهما سواء كما سيذكر المصنّف. (3) ديوانه 160 (ط الكويت) من قصيدة وفيه: «للهلك» بدل «للقل». وهي كذلك في مجاز القرآن. و «النكد» بدل «النفد». قال شارحه: إن غبطوا يوما فإنهم يموتون، ويهبطوا هاهنا: يموتون.

قال: وزعم يونس أن أبا عمرو قال: لا يكون في هذا المعنى أمرنا، قال أبو عبيدة: وقد وجدنا تثبيتا لهذه اللغة: «سكّة مأبورة، ومهرة مأمورة» «1». أي: كثيرة الولد. قال: وقال قوم: أمرنا: من الأمر والنهي «2». قال أبو علي: لا يخلو قوله: أمرنا فيمن خفّف العين، من أن يكون فعلنا من الأمر، أو من: أمر القوم، وأمرتهم، مثل شترت عينه، وشترتها، ورجع ورجعته، وسار وسرته. فمن لم ير أن يكون أمرنا من أمر القوم، إذا كثروا، كأبي عمرو، فإنّ يونس حكى ذلك عنه، فإنّه ينبغي أن يجعل أمرنا من الأمر الذي هو خلاف النهي، ويكون المعنى أمرناهم بالطاعة فعصوا، وفسقوا. ومن قال: (آمرنا مترفيها) فإنه يكون: أفعلنا، من أمر القوم، إذا كثروا، وآمرهم الله، أي: أكثرهم. وذلك إن ضاعف فقال: أمّرنا، ونظير ذلك قولهم: سارت الدابة وسيّرتها، وسرتها، وفي التنزيل: هو الذي يسيركم في البر والبحر [يونس/ 22]. وقال لبيد: لسيّان حرب أو تبوءوا بخزية ... وقد يقبل الضّيم الذليل المسيّر «3» وكما عدّي بتضعيف العين، كذلك يعدّى بالنقل بالهمز، فيكون آمرنا. وزعم الجرميّ أن آمرنا أكثر في اللغة، ومثل أمر وأمرته، سلك وسلكته، وفي التنزيل: كذلك سلكناه في قلوب المجرمين

_ (1) وهو من حديث سويد بن هبيرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم رواه أحمد في مسنده 3/ 468. (2) مجاز القرآن 1/ 373 وما بين معقوفين منه. (3) ديوانه 226 (ط الكويت) وفيه: «لشتّان» بدل «لسيّان».

[الحجر/ 12] وما سلككم في سقر [المدثر/ 42] وقال: حتّى إذا سلكوهم في قتائدة «1» ... ويقوّي حمل أمرنا على النقل من أمر، وإن لا يجعل من الأمر الذي هو خلاف النهي، لأن الأمر بالطاعة على هذا يكون مقصورا على المترفين، وقد أمر الله بطاعته جميع خلقه، من مترف وغيره، ويحمل أمرنا على أنه مثل: آمرنا. ونظير هذا كثر وأكثره الله وكثره، ولا يحمل أمرنا على المعنى: جعلناهم أمراء، لأنه لا يكاد يكون في قرية واحدة عدّة أمراء، فإن قلت: يكون منهم الواحد بعد الواحد، فإنهم إذا كانوا كذلك لا يكثرون في حال، وإنما يهلك الله لكثرة المعاصي في الأرض، وعلى هذا جاء الأمر في التنزيل في قوله: يا عباد الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياى فاعبدون [العنكبوت/ 56] فأمرهم بالهجرة من الأرض التي تكثر فيها المعاصي إلى ما كان بخلاف هذه الصفة. ومما جاء فيه أمر بمعنى الكثرة قول زهير: والإثم من شرّ ما يصال به ... والبرّ كالغيث نبته أمر «2» فقوله: أمر: اسم الفاعل من أمر يأمر، وزعموا أن في حرف أبيّ (بعثنا فيها أكابر مجرميها) «3» فهذا يقوي معنى الكثرة.

_ (1) هذا صدر بيت لعبد مناف بن ربع الهذلي عجزة: شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا انظر شرح أشعار الهذليين 2/ 675 واللسان (قتد) و (سلك). وجاءت روايته فيها: «أسلكوهم» بدل «سلكوهم». وقتائدة: مكان. والشل: الطرد، والجمالة: أصحاب الجمال. (2) البيت في ديوان/ 315، ما يصال به: ما يفتخر به. (3) نص الآية في غير ما زعموه في الأنعام/ 123: وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها.

الاسراء: 23

[الاسراء: 23] اختلفوا في فتح الفاء وكسرها من قوله: فلا تقل لهما أف والتنوين [23]. فقرأ ابن كثير، وابن عامر (أفّ ولا) بفتح الفاء. وقرأ نافع: أف ولا بالتنوين، وكذلك في الأنبياء [67] والأحقاف [17] حفص عن عاصم مثله. وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (أفّ) خفضا بغير تنوين «1». قول ابن كثير: (أفّ ولا) الفاء فيه مبني على الفتح، لأنه وإن كان في الأصل مصدرا في قولهم: أفة وتفة، يراد بها: نتنا وذفرا، قد سمّي الفعل به فبني، وهذا في البناء على الفتح كقولهم: «سرعان ذي إهالة» «2» كما صار اسما لسرع، وكذلك أفّ، لما كان اسما لأتكره وأتفجّر ونحو ذلك، ومثل سرعان قولهم: وشكان ذلك، وأنشد أبو زيد: لو شكان لو غنيتم وشمتم ... بإخوانكم والعزّ لم يتجمّع «3» ومثل ذلك قولهم: رويد، في أنه سمّي به الفعل فبني ولم يلحق

_ (1) السبعة 379. (2) هذا مثل وأصله أن رجلا كان يحمق، اشترى شاة عجفاء يسيل رغامها هزالا وسوء حال، فظن أنه ودك، فقال: سرعان ذا إهالة. انظر اللسان (سرع) والأمثال لابن سلام 305. (3) هذا البيت للحناك (أو الحبال) وهو أخو بني أبي بكر الكلابي جاهلي. كما في النوادر (ط. الفاتح) ص 284 وفيه: «والغرّ لم يتجمعوا» وهو عند الآمدي في المؤتلف والمختلف 118، واللسان (وشك) مع اختلاف في الرواية. وفي النوادر عن أبي الحسن: الثبت عندي أن العرب تقول: لو شكان ولو شكان بالضم والفتح ...

التنوين، إلا أن هذا في الأمر والنهي، وأفّ في الخبر. وقال: رويد عليّا جدّ ما ثدي أمّهم ... إلينا ولكن بغضهم متماين «1» وقول نافع: أف ولا فإنه في البناء على الكسر مع التنوين مثل (أفّ) في البناء على الفتح، إلا أنه بدخول التنوين دل على التنكير مثل إيه، وصه، ومثله قولهم: فداء لك، فبنوه على الكسر وإن كان في الأصل مصدرا، كما كان أفة في الأصل كذلك، ومن قال: أفّ، ولم ينون جعله معرفة فلم ينوّن، كما أن من قال: صه وغاق «2» فلم ينوّن أراد به المعرفة، فإن قلت: ما موضع أفّ في هذه اللغات بعد القول، هل يكون موضعه نصبا كما ينتصب المفرد بعده، أو كما تكون الجمل؛ فالقول إن موضعه موضع الجمل، كما أنك لو قلت: رويد، لكان موضعه موضع الجمل، وكذلك لو قلت: فدا. قال أبو الحسن: وقول الذين قالوا: أفّ أكثر وأجود، ولو جاء أفّ لك، وأفّا لك، لاحتمل أمرين: أحدهما أن يكون الذي صار اسما للفعل، لحقه التنوين لعلامة التنكير. والآخر: أن يكون نصبا معربا، وكذلك الضم، فإن لم يكن معه لك كان ضعيفا، ألا ترى أنك لا تقول: ويل حتى توصل به: لك، فيكون في موضع الخبر.

_ (1) البيت للمعطل الهذلي انظر شرح أشعار الهذليين 1/ 447 والمقتضب 3/ 208، 278 وفيه: ودّهم بدل بغضهم، وسيبويه 1/ 124 واللسان (جدد) (بين) والأشموني 3/ 202. والمين: الكذب. والمعنى: أمهلهم حتى يئوبوا إلينا ويرجعوا عماهم عليه من قطيعتهم وبغضهم، فقطيعتهم لنا على غير أصل وبغضهم إيانا لا حقيقة له. انظر شرح الأعلم 1/ 124. (2) غاق: حكاية صوت الغراب فإن نكرته نونته، ثم سمي الغراب غاقا، فيقال: سمعت صوت الغاق. انظر اللسان (غوق).

الاسراء: 23

[الاسراء: 23] اختلفوا في التوحيد والتثنية من قوله عز وجل: إما يبلغن عندك [الإسراء/ 23]. فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر: (إمّا يبلغن عندك) على واحد. وقرأ حمزة والكسائي: (يبلغان) «1». قال أبو علي: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما) مرتفع بالفعل وقوله: أو كلاهما معطوف عليه. والذكر الذي عاد من قوله (أحدهما) يغني عن إثبات علامة الضمير في (يبلغان) فلا وجه لمن قال: إن الوجه ثبات الألف لتقديم ذكر الوالدين. ووجه ذلك أنه على الشيء الذي يذكر على وجه التوكيد، ولو لم يذكر لم يقع بترك ذكره إخلال نحو قوله: أموات غير أحياء [النحل/ 21] وقوله: غير أحياء توكيد، لأن قوله أموات قد دلّ عليه. [الاسراء: 31] اختلفوا في قوله جل وعز: خطئا كبيرا [31]. فقرأ ابن كثير: (خطاءا كبيرا)، مكسورة الخاء، ممدودة مهموزة وقرأ ابن عامر: (خطأ) بنصب الخاء. والطاء وبالهمز من غير مدّ. وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: خطأ مكسورة الخاء ساكنة الطاء مهموز مقصور. وروى عبيد عن شبل عن ابن كثير خطأ مثل أبي عمرو «2». قول ابن كثير: (خطاءا كبيرا)، يجوز أن يكون مصدر خاطأ،

_ (1) السبعة 379. (2) السبعة 379، 380.

وإن لم يسمع خاطأ، ولكن قد جاء ما يدل عليه. وذلك أن أبا عبيدة أنشد: تخاطأت النّبل أحشاءه «1» وأنشد محمد بن السّري في وصف كمأة: وأشعث قد ناولته أحرش القرى أربّت عليه المدجنات الهواضب «2» تخاطأه القعّاص حتى وجدته وخرطومه «3» في منقع الماء راسب فتخاطأت يدلّ على خاطأ لأن تفاعل مطاوع فاعل كما أن تفعل مطاوع فعل. وقول ابن عامر: (خطأ) فإن الخطأ ما لم يتعمّد، وما كان المأثم فيه موضوعا عن فاعله، وقد قالوا: أخطأ في معنى خطئ، كما أن خطئ في معنى أخطأ، وقال: عبادك يخطئون وأنت ربّ ... كريم لا تليق بك الذموم «4» ففحوى الكلام أنهم خاطئون، وفي التنزيل: لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] فالمؤاخذة عن المخطئ موضوع، فهذا

_ (1) سبق في ص 300. (2) أحرش القرى: في ظهره أثر. والقعاص: من القعص وهو القتل المعجل. الهواضب: الممطرة. (3) في الأصل: خرطوموه. (4) ورد في التهذيب (خطئ) 7/ 498 واللسان (خطأ) بدون عز وجل وفيهما «يخطئون» بدل «يخطئون».

الاسراء: 33

يدلّ على أن أخطأنا في معنى خطئنا، وكما جاء أخطأ في معنى خطئ، كذلك جاء خطئ في معنى أخطأ في قوله: يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا «1» وفي قول الآخر: والناس يحلون الأمير إذا هم ... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد «2» أي: أخطئوه. فكذلك قول ابن عامر: خطأ في معنى خطئا جاء الخطأ في معنى الخطء، كما جاء خطئ في معنى الخطأ. ووجه قول من قرأ: خطأ بيّن، يقال: خطئ يخطأ خطئا: إذا تعمد الشيء، حكاه الأصمعى، والفاعل منه خاطئ، وقد جاء الوعيد فيه في قوله عز وجل: لا يأكله إلا الخاطئون [الحاقة/ 37] ويجوز في قول ابن عامر أن يكون الخطأ لغة في الخطء. مثل: المثل والمثل، والشّبه والشّبه، والبدل والبدل. وقال أبو الحسن: هذا خطاء من رأيك. فيمكن أن يكون خطاء لغة فيه أيضا. [الاسراء: 33] اختلفوا في الياء والتاء من قوله: (فلا تسرف في القتل) [33]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: فلا يسرف بالياء جزما.

_ (1) سبق انظر 2/ 115. (2) سبق انظر 2/ 116 وانظر معاني القرآن للأخفش 2/ 389.

وقرأ حمزة وابن عامر والكسائي بالتاء جزما «1». قوله: فلا يسرف في القتل: فاعل يسرف يجوز أن يكون أحد شيئين: أحدهما: أن يكون القاتل الأول فيكون التقدير: فلا يسرف القاتل في القتل، وجاز أن يضمر، وإن لم يجر له ذكر، لأن الحال يدل عليه. فإن قلت: أمر بأن لا يسرف في القتل، والإسراف: مجاوزة الاقتصاد، بدلالة قوله: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما [الفرقان/ 67] أي: كان قصدا بين السرف وأن يقتر، ولا يكون في القتل قصد بين شيئين كما كان ذلك في الإنفاق، قيل: لا يمتنع أن يكون فيه الإسراف كما جاء في أموال اليتامى: ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا [النساء/ 6] ولم يجز أن يأكل منه على الاقتصاد ولا على غيره. لقوله إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا [النساء/ 10] وقال: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [الإسراء/ 34] فحظر كل مال اليتيم حظرا عاما على جميع الوجوه، فكذلك لا يمتنع أن يقال للقاتل الأول: لا تسرف في القتل، لأنه يكون لقتله مسرفا، ويدلّ على جواز وقوع الإسراف عليه قوله: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [الزمر/ 53] والقاتل يدخل في هذا في قوله: إنه كان منصورا، لقوله: ومن قتل مظلوما تقديره: فلا يسرف القاتل المبتدئ في القتل، لأنّ من قتل مظلوما كان منصورا كأن يقتصّ له وليّه أو السلطان إن لم يكن له وليّ

_ (1) السبعة 380.

غيره، ليكون هذا ردعا للقاتل عن القتل. كما أن قوله: ولكم في القصاص حياة [البقرة/ 179] كذلك، فالوليّ إذا اقتصّ فإنما يقتصّ للمقتول، ومنه انتقل إلى الوليّ بدلالة أن المقتول لو أنّه أبرأ من السبب المؤدّى إلى القتل لم يكن للولي أن يقتص، ولو صالح الوليّ من العمد على مال، كان للمقتول أن يؤدّي منه ديته «1»، ولا يمتنع أن يقال في المقتول: منصور، لأنّه قد جاء: ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا [الأنبياء/ 77]. والآخر: أن يكون في (يسرف) ضمير الولي فلا يسرف الولي في القتل، وإسرافه فيه: أن يقتل غير من قتل، أو يقتل أكثر من قاتل وليه، وكان مشركوا العرب يفعلون ذلك، والتقدير: فلا يسرف الوليّ في القتل، إن الولي كان منصورا بقتل قاتل وليّه، والاقتصاص من القاتل. ومن قرأ: (فلا تسرف) بالتاء، احتمل أيضا وجهين: أحدهما: أن يكون المبتدئ القاتل ظلما، فقيل له: لا تسرف أيها الإنسان فتقتل ظلما من ليس لك قتله، إن من قتل ظلما كان منصورا بأخذ القصاص له. والآخر: أن يكون الخطاب للوليّ فيكون التقدير: لا تسرف في القتل أيها الوليّ، فتعدّى قاتل وليّك إلى من لم يقتله، إن المقتول ظلما كان منصورا، وكلّ واحد من المقتول ظلما. ومن وليّ المقتول قد تقدّم ذكره في قوله: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [الإسراء/ 33].

_ (1) في الأصل: دينه.

الاسراء: 35

[الاسراء: 35] اختلفوا في ضم القاف وكسرها من قوله عز وجل: بالقسطاس [الإسراء/ 35]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (بالقسطاس) بضم القاف. وفي الشعراء [182] مثله. حفص عن عاصم بالقسطاس كسرا. وقرأ حمزة والكسائي بكسر القاف فيهما جميعا «1». قال: القسطاس والقسطاس لغتان، ومثله القرطاس والقرطاس. قال أبو الحسن: الضمّ في القسطاس أكثر. وهذا كقوله: وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان [الرحمن/ 9]، وكقوله: الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون [المطففين/ 2، 3] وكقوله: ولا تنقصوا المكيال والميزان [هود/ 84] والوعيد في البخس في المكيال والميزان إنما يلحق من نقص أو بخس ما يتقارب بين الكيلين والوزنين، فأمّا ما لا يتقارب من الزيادة والنقصان بينهما فهو إن شاء الله موضوع، لأن ذلك لا يخلو الناس منه، فليس عليهم إلا الاجتهاد في الإيفاء. وكذلك جاء في الأنعام لما ذكرهما لا نكلف نفسا إلا وسعها [الأنعام/ 152] إنما عليه الاجتهاد في تحرّيه الإيفاء وقصده له، وأما ما لا يضبط فموضوع عنه، لأنه لم يكلّف في ذلك إلا الوسع. [الاسراء: 31] اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله: كان سيئه عند ربك [الإسراء/ 38].

_ (1) السبعة 380.

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (سيّئة) غير مضاف مؤنثا. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: سيئه مضافا مذكّرا «1». زعموا أن الحسن قرأ: كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها [الإسراء/ 38] وقال: قد ذكر أمورا قبل منها حسن ومنها سيّئ، فقال: كل ذلك كان سيئه لأن فيما ذكر الحسن والسّيّئ من المذكور المكروه، ويقوّي ذلك قوله: مكروها التذكير فيه، ولو كان (سيّئه) غير مضاف لزم أن يكون مكروهة، فإن قيل: إن التأنيث غير حقيقي، ولا يمتنع أن يذكّر، قيل: تذكير هذا لا يحسن، وإن لم يكن حقيقيا لأن المؤنث قد تقدّم ذكره، ألا ترى أن قوله: ولا أرض أبقل إبقالها «2» مستقيم عندهم ولو قال: أبقل أرض، لم يستقبح، فليس ما تقدّم ذكره مما أريت بمنزلة ما لم يتقدّم ذكره، لأن المتقدم الذكر ينبغي أن يكون الراجع وفقه، كما يكون وفقه في التثنية والجمع، فإذا لم يتقدّم له ذكر لم يلزم أن يراعى هذا الذي روعي في المتقدم ذكره. وجه من قال: (كل ذلك كان سيئه) أنه يشبه أن يكون لما رأى الكلام انقطع عند قوله ذلك خير وأحسن تأويلا [الإسراء/ 35] وكان الذي بعد من قوله: ولا تقف ما ليس لك به علم [36] أمرا حسنا فيه. كما كان بعد قوله: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [23] إلى

_ (1) السبعة 380. (2) سبق في 4/ 238. وانظر الأشموني 2/ 53.

قوله: ولن تبلغ الجبال طولا [37] منه حسن ومنه سيّئ، قال: (كل ذلك كان سيئة)، فأفرد ولم يضف. فإن قلت: فكيف ذكر المؤنث في قوله: مكروها فإنه يجوز أن لا يجعله صفة لسيئة، فيلزم أن يكون له فيه ذكر، ولكن يجعله بدلا، ولا يلزم أن يكون في البدل ذكر المبدل منه كما وجب ذلك في الصفة ويجوز أن يكون قوله: مكروها حالا من الذكر الذي في قوله: عند ربك على أن يجعل عند ربك مكروها صفة للنكرة سيئة. والسيئة والحسنة قد جاءتا في التنزيل على ضربين: أحدهما مأخوذ بها، وحسنة مثاب عليها، كقوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها [الأنعام/ 160] وتكون الحسنة والسيئة لما يستثقل في الطباع أو يستخفّ نحو قوله: فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [الأعراف/ 131] وكقوله: ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا [الأعراف/ 95] فهذا على الخصب والجدب، وكذلك الفساد قد يكون فسادا معاقبا عليه كقوله: ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين [القصص/ 77] ويكون على ذلك: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس [الروم/ 41] فهذا على الجدب، والبحر: الريف «1» قال: حسبت فيه تاجرا بصريّا ... نشر من ملائه البحريّا «2»

_ (1) انظر تفسير الطبري 21/ 49 وتفصيل ذلك فيه. (2) رجز في إيضاح الشعر 496 للمصنّف. وهو مما أنشده الأصمعي، قال فيه: أراد بالبحري: الريفيّ. وفي تهذيب اللغة (بحر) 5/ 41: البيت الأول، برواية: «كأن» بدل «حسبت».

الاسراء: 41

وكذلك السوء كقوله: إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين [النحل/ 27] وقوله: تخرج بيضاء من غير سوء [طه/ 22] ومن الجدب والخصب قوله: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك فقوله: فمن نفسك اي: عقوبة معجلة، كما أنّ قوله: بما كسبت أيدي الناس كذلك. [الاسراء: 41] اختلفوا في تشديد الذال وتخفيفها من قوله جل وعز: ليذكروا [الإسراء/ 41]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر ليذكروا مشدّدا، وكذلك في الفرقان [50]. وقرأ حمزة والكسائي (ليذكروا) وكذلك في الفرقان بالتخفيف «1». ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا أي: صرّفنا القول فيه كما قال: ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون [القصص/ 51] فهذا حجة من قال: ليذكروا، فالتّذكر هنا أشبه من الذكر، لأنه كأنه يراد به التدبّر، وليس التذكّر الذي بعد نسيان، ولكن كما قال: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ص/ 29]، فإنّما المعنى: ليتدبروه بعقولهم، وليس المراد ليتذكروه بعد نسيانهم. ووجه التخفيف أن التخفيف قد جاء في هذا المعنى، قال: خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه [البقرة/ 63] فهذا ليس على: لا تنسوا، ولكن تدبروه يقوي ذلك: خذوا ما آتيناكم بقوة [البقرة/ 93]

_ (1) السبعة 380.

الاسراء: 42، 43، 44

ففي هذا بعث على البصر فيه والتدبر له، والأوّل لهذا المعنى ألزم به وأخصّ. فأمّا قوله: واذكروه كما هداكم [البقرة/ 198] فيراد به الذكر باللسان، لأن ضروب الذكر من التلبية وغيرها مندوب إليها، وكذلك قوله: فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا [البقرة/ 200] وكذلك ما في القرآن من قوله: ولقد صرفناه بينهم ليذكروا [الفرقان/ 50] أي: ليدبروا نعمة الله عليهم في سقياهم ويشكروه عليها، فأبى أكثر الناس إلا كفورا [الفرقان/ 50]. فقوله: فأبى أكثر الناس إلا كفورا قريب من قوله: وما يزيدهم إلا نفورا [الإسراء/ 41] أي: ما يزيدهم تصريفنا الآيات لهم وتكريرها إلا نفورا منهم عنها. فهذا على أنهم ازدادوا كفورا عند تفصيل الآي لهم، لا لأن تصريف الآي نفّرهم، ومثل هذا قوله: وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم [التوبة/ 125] وكقوله في الأصنام: رب إنهن أضللن كثيرا من الناس [إبراهيم/ 36] وإنما ضلّوا هم بعبادتها لا أنها هي فعلت بهم شيئا من ذلك، ويدلّ على أنّ التذكر قد لا يكون عن النسيان قوله: تذكّر من أنّى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل «1» [الاسراء: 42، 43، 44] اختلفوا في الياء والتاء من قوله: آلهة كما يقولون ... عما يقولون ... يسبح [الإسراء/ 42، 43، 44].

_ (1) سبق في 1/ 317.

فقرأ ابن كثير: آلهة كما يقولون بالياء: عما يقولون (يسبح له)، ثلاثتهنّ بالياء. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (كما تقولون) بالتاء هذه وحدها، عما يقولون (يسبح) بالياء في هذين الموضعين. وقرأ أبو عمرو: (آلهة كما تقولون) بالتاء عما يقولون بالياء، تسبح بالتاء. وروى حفص عن عاصم آلهة كما يقولون بالياء، سبحانه وتعالى عما يقولون كلاهما بالياء، تسبح بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي: (آلهة كما تقولون) تسبح كلّهن بالتاء «1». من قرأ بالياء عما يقولون فالمعنى: عما يقول المشركون من إثبات آلهة من دونه فهو مثل قوله: (قل للذين كفروا سيغلبون) [آل عمران/ 12] لأنهم غيب. فأما من قرأ: سبحانه وتعالى عما يقولون، فإنه يحتمل وجهين: أحدهما: أن يعطف على يقولون كما عطف قوله: (يحشرون إلى جهنّم) على (سيغلبون). والآخر: أن يكون نزّه نفسه سبحانه عن دعواهم، فقال: سبحانه وتعالى عما يقولون وقراءة نافع وعاصم وابن عامر: (كما تقولون) على ما تقدم. وقوله: عما يقولون على أنه نزّه نفسه عن قولهم، ويجوز أن تحمله على القول، كأنه: قل أنت: سبحانه وتعالى عما يقولون. فأما قوله: كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا وذلك

_ (1) السبعة 381

الاسراء: 49

أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة، فقيل لهم: إن الذين عبدتموهم وجعلتموهم آلهة معه يبتغون أن يتخذوا إلى ذي العرش سبيلا بعبادتهم له وتقرّبهم إليه لها، ومثل ذلك قوله: إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [الدهر/ 29] فهذا قول، وقال قوم من أهل التأويل: إنّ قوله: إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا اتخذت سبيلا إلى مضادّته وممانعته، وزعموا أن ذلك بمنزلة قوله: وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله [المؤمنون/ 91] وتعالى عما يقولون مما يدعونه ويفترونه من اتخاذ الولد، ومن أن يكون معه آلهة. فأما قوله: تسبح له السموات السبع [الإسراء/ 44] فكل واحد من الياء والتاء حسن وقد تقدم ذكر ذلك في مواضع، وزعموا أن في حرف عبد الله: (سبحت له السموات) فهذا يقوّي التأنيث هنا. [الاسراء: 49] اختلفوا في قوله عز وجل: أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون [الإسراء/ 49]. فقرأ ابن كثير (أيذا) يهمز، ثم يأتي بياء ساكنة من غير مدّ: أيذا، (أينّا) مثله، وكذلك في كلّ القرآن. وكذلك روى أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع، غير أن نافعا كان لا يستفهم في أئنا، كان يجعل الثاني خبرا في كلّ القرآن. وكذلك مذهب الكسائي غير أنه يهمز الأولى همزتين، وقد بيّنت قراءتهما، وما كانا يقولان في سورة النمل [67] والعنكبوت [28] في قوله: أئنا لمخرجون. وفي قوله: (أئنّكم لتأتون الفاحشة)، وشرحته في سورة الرّعد [5].

الاسراء: 55

وقرأ عاصم وحمزة بهمزتين في الحرفين جميعا. وكان ابن عامر يقرأ: (إذا كنّا) بغير استفهام بهمزة واحدة. (أئنّا) بهمزتين، كان يمد بين الهمزتين مدّة، أخبرني بذلك أحمد بن محمد بن بكر عن هشام بن عمار. وقرأ أبو عمرو: (آئذا) (آئنا) ممدودتين مهموزتين «1». قول ابن كثير (أيذا) هو في الأصل أإذا وخفف الهمزة الثانية، وقياسها إذا خفّفت أن تجعل بين بين، بين الياء والهمزة، فقلبها ياء قلبا وأسكنها ولم يخفّفها تخفيفا قياسيا، ولكن على ما حكاه سيبويه من أن بعضهم قال: بئس وبيس، وشبه ابن كثير المنفصل بالمتصل، وعلى هذا ما جاء في الشعر في قولهم: يومئذ ويومئذ «2» ومن ألحق همزة الاستفهام (إنا) ومن لم يلحق، فموضع إذا عنده تصير بما دلّ عليه قوله: (إنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون) [الواقعة/ 47، 48] لمبعوثون، لا يكون إلا كذلك، وقد تقدم تفسير هذا فيما تقدم. [الاسراء: 55] قال: قرأ حمزة وحده: داود زبورا [الإسراء/ 55] مضمومة الزاي. وقرأ الباقون زبورا بفتح الزاي «3». يحتمل ضم الزاي أمرين: إما أن يكون جمع الزبور، فحذف الزيادة ثم جمع، ونظير ذلك قولهم في جمع ظريف ظروف. وإمّا أن يكون سمّى ما أتى به داود، عليه السلام، زبرا كما

_ (1) السبعة 382. (2) لم أقف بعد على شاهد لما ذكره. (3) السبعة: 382.

الاسراء: 62

سمّى القرآن كتابا، فسمّي الكتابان باسم المصدر، لأن زبرت بمنزلة كتبت، ثم جمع كأنه جعل أنحاء، ثم جعل كلّ نحو زبرا، ثم جمعه زبورا كما جمع الكتاب على كتب حيث صارت التسمية مثل عماد وعمد. [الاسراء: 62] قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (لئن أخرتني لأحتنكن) [الإسراء/ 62] بياء في الوصل، ابن كثير يقف بياء. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف «1». إثبات الياء حسن لأنه بفاصلة، فيحسن الحذف كما يحسن من القافية، نحو قوله: فهل يمنعني ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين «2» وأما وقف ابن كثير بالياء فلأنه ليس بفاصلة، وأما من قرأ بغير ياء في وصل ولا وقف فلأنه أشبه ياء قاض من حيث كانت ياء قبلها كسرة، ويوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه [هود/ 105]، فحذفوها كما حذفت في هذا النحو من الأسماء والأفعال. [الاسراء: 64] قال: قرأ عاصم في رواية حفص: بخيلك ورجلك [64] مكسورة الجيم. أبو بكر عن عاصم ساكنة الجيم، وكذلك قرأ الباقون (ورجلك) ساكنة الجيم «3».

_ (1) السبعة 382. (2) البيت للأعشى سبق انظر 3/ 219. (3) السبعة 382.

قال أبو علي: من أسكن فقال: (ورجلك) جعله جمع راجل، وقالوا: راجل ورجل، كما قالوا: تاجر وتجر، وراكب وركب، وصاحب وصحب، وقالوا: راجل ورجال، كما قالوا: صاحب وصاحب، وراع ورعاء، وفي التنزيل: فرجالا أو ركبانا [البقرة/ 239] وقال: يأتوك رجالا وعلى كل ضامر [الحج/ 27] وقالوا: رجلى ورجال. فأما ما روى عن عاصم في قوله: ورجلك، فقال أبو زيد: يقال: رجل رجل للراجل، ويقال: جاءنا حافيا رجلا، وأنشد أبو زيد «1»: أما أقاتل عن ديني على فرس ... ولا كذا رجلا إلّا بأصحاب كأنه قال: أما أقاتل فارسا وراجلا، ورجل على ما حكاه أبو زيد صفة ومثله: ندس «2»، وحذر وأخر ونحوها، قد قالوا فيها: فعل وفعل، وكذلك جاء رجل كما جاء ندس. ويجوز أن يكون فيمن أسكن الجيم أن يكون قوله: (ورجلك)، فعل الذي هو مخفّف من فعل أو فعل، مثل عضد وكتف، ويكون المضاف واحدا يعنى به الكثرة.

_ (1) في النوادر ص 148 (ط. الفاتح) والبيت نسبه لحبيّ بن وائل، وأدرك قطري بن الفجاءة أحد بني مازن. وأنشد معه بيتا آخر. وعنده بأصحاب بفتح الهمزة: وفي شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1/ 464: «بأصحابي». (2) النّدس: هو الذي يبحث عن الأخبار ويكون بصيرا بها. انظر سيبويه 3/ 630 (ط. هارون) واللسان (ندس).

الاسراء: 68، 69

ومن أهل التأويل من يقول: إن قوله: (بخيلك ورجلك) يجوز أن يكون مثلا، كما تقول للرجل المجد في الأمر: جئت بخيلك ورجلك، وقد قيل: إن كل راكب في معصية الله فهو من خيل إبليس، وكلّ راجل في معصية الله فهو من رجالة إبليس، وفي التنزيل: وجنود إبليس أجمعون [الشعراء/ 95] والجند يعم الفارس والراجل، فيجوز أن يكون الخيل والرّجل مثل من ذكر من جنوده. [الاسراء: 68، 69] اختلفوا في الياء والنون من قوله عز وجل: (أن نخسف بكم، أو نرسل عليكم ... أن نعيدكم ... فنرسل عليكم ... فنغرقكم) [الإسراء/ 68، 69]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون ذلك كلّه. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ذلك كلّه بالياء «1». من قرأ بالياء: فلأنه قد تقدم: ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم [67] أفأمنتم أن يخسف بكم. وأما من قرأ بالنون، فلأن هذا النحو قد يقطع بعضه من بعض وهو سهل، لأن المعنى واحد، ألا ترى أنه قد جاء: وجعلناه هدى لبني إسرائيل، ألا تتخذوا من دوني وكيلا [الإسراء/ 2، 3] فكما انتقل من الجميع إلى الإفراد لا تفاق المعنى، كذلك يجوز أن ينتقل من الغيبة إلى الخطاب، والمعنى واحد، وكلّ حسن، والخسف بهم نحو الخسف بمن كان قبلهم من الكفار، نحو قوم لوط وقوم فرعون.

_ (1) السبعة 383.

الاسراء: 72

[الاسراء: 72] اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله جل وعز: أعمى، و (أعمى) [الإسراء/ 72]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر، أعمى فهو في الآخرة أعمى مفتوحتي الميم. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (أعمى فهو في الآخرة أعمى) بكسر الميم فيهما جميعا. حفص عن عاصم: لا يكسرهما. وقرأ أبو عمرو (في هذه أعمى) بكسر الميم فهو في الآخرة أعمى بفتحها. «1» قال أبو علي: من قرأ أعمى بالفتحة غير ممالة كان قوله حسنا، لأن كثيرا من العرب لا يميلون هذه الفتحة. ومن أمال الجميع فحسن، لأنه ينحو بالألف نحو الياء ليعلم أنها تنقلب إلى الياء، وإن كانت فاصلة أو مشبهة للفاصلة. والإمالة فيها حسنة لأن الفاصلة موضع وقف، والألف تخفى في الوقف، فإذا أمالها نحا بها نحو الياء ليكون أظهر لها وأبين. ومما يقوّي ذلك أنّ من العرب من يقلب هذه الألفات في الوقف ياءات ليكون أبين لها، فيقول: أفعي، وحبلى، ومنهم من يقول: أفعو، وهم كأنّهم أحرص على البيان من الأولين من حيث كانت الواو أظهر من الياء، والياء أخفى منها من حيث كانت أقرب إلى الألف من الواو إليها. وأما قراءة أبي عمرو: (أعمى فهو في الآخرة أعمى) فأمال الألف من الكلمة الأولى، ولم يملها في الثانية، فلأنه يجوز أن لا يجعل أعمى في الكلمة الثانية عبارة عن العوارف الجارحة، ولكن

_ (1) السبعة 383.

الاسراء: 76

جعله أفعل من كذا، مثل: أبلد من فلان، فجاز أن يقول فيه: أفعل من كذا وإن لم يجز أن يقال ذلك في المصاب ببصره، وإذا جعله كذلك لم تقع الألف في آخر الكلمة لأن آخرها إنما هو من كذا، وإنما تحسن الإمالة في الأواخر لما تقدم. وقد حذف من أفعل الذي هو للتفضيل الجارّ والمجرور وهما مرادان في المعنى مع الحذف، وذلك نحو قوله: فإنه يعلم السر وأخفى [طه/ 7] المعنى: أخفى من السر، وكذلك قولهم: عام أول، أي: أول من عامك، وكذلك قوله: فهو في الآخرة أعمى أي: أعمى منه في الدنيا، ومعنى العمى في الآخرة: أنه لا يهتدي إلى طرق الثواب ويؤكّد ذلك ظاهر ما عطف عليه من قوله: وأضل سبيلا، وكما أن هذا لا يكون إلّا على أفعل، كذلك المعطوف عليه، ومعنى أضلّ سبيلا في الآخرة: أن ضلاله في الدنيا قد كان ممكنا من الخروج منه، وضلاله في الآخرة لا سبيل له إلى الخروج منه، ويجوز أن يكون قوله: أعمى، فيمن تأوله أفعل من كذا على هذا التأويل أيضا. [الاسراء: 76] اختلفوا في كسر الخاء وإثبات الألف في قوله عز وجل: (خلفك) [الإسراء/ 76]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: (لا يلبثون خلفك). حفص عن عاصم: خلافك. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي خلافك «1». زعم أبو الحسن أنّ خلافك في معنى خلفك، وأنّ يونس روى

_ (1) السبعة 383، 384.

ذلك عن عيسى وأن معناه: بعدك. فمن قرأ (خلفك) وخلافك فهو في تقدير القراءتين جميعا على حذف المضاف، كأنّه: لا يلبثون بعد خروجك. وكان حذف المضاف في الآية وفي قول ذي الرّمة: له واحف والصّلب حتى تقطّعت ... خلاف الثّريّا من أريك مآربه «1» المعنى: خلاف طلوع الثريا، وحسن حذف المضاف لأنه إحدى الجهات التي تضاف إلى الأسماء التي هي أعيان وليست أحداثا. وقد أضافوا هذه الظروف كما يضاف إلى أسماء الأعيان، وكأنّهم لم يستحبّوا إضافتها إلى خلاف ما جرى عليه كلامهم في إضافتها، كما أنّها لما جرت منصوبة في كلامهم تركوها على نصبها إذا وقعت في غير موضع النصب كقوله: وإنا منا الصالحون ومنادون ذلك [الجن/ 11] وقوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3] فكما تركوها على النصب هنا، كذلك أضافوها إلى الأسماء الأعيان، وكان كذلك من جعل قوله: خلاف رسول الله [التوبة/ 81] اسما للجهة على حذف المضاف، كأنه: خلاف خروج رسول الله، ومن جعله مصدرا جعله مضافا إلى المفعول به، وعلى أيّ الأمرين حمل في سورة التوبة كان قوله: بمقعدهم. المقعد فيه مصدر في معنى القعود، ولا يكون اسما للمكان، لأن أسماء الأماكن لا يتعلّق بها شيء. ومعنى قوله: وإن كادوا ليستفزونك من الأرض قال أبو

_ (1) انظر ديوانه 2/ 842. واحف والصلب: موضعان: خلاف الثريا: يريد بعد طلوع الثريا، وأريك: اسم جبل بالبادية يقول: تقطعت حوائج هذا الحمار من هذا الموضع لأنه يبس مرعاه فتحول عنه إلى غيره.

الاسراء: 83

عبيدة: ليخرجوك منها. [الإسراء/ 76] فأمّا الأرض فهو بلده، وحيث يستوطنه، وكذلك قوله: أو ينفوا من الأرض [المائدة/ 33]، إنما هو من حيث كانوا يتصرّفون فيه لمعاشهم ومصالحهم، ولا يجوز أن يعنى به جميع الأرض، لأنه لا سبيل إلى إخراجه من جميعها، وكذلك قوله: فلن أبرح الأرض [يوسف/ 80] إنما يريد به الأرض التي كان قصدها للامتياز منها، فربّما أطلقت اللفظة، والمراد بها المكان المخصوص، وربما خصّص في اللفظ: يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره [الشعراء/ 35] إنما يعني به بلادهم ومواطنهم. ولو أخرجوك من أرضك، لم يلبثوا بعدك إلا قليلا حتى يستأصلوا، وهذه الآية كقوله: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك، أو يقتلوك، أو يخرجوك [الأنفال/ 30] فلو أخرجوك لاستأصلناهم كسنّتنا في إخراج الرسل قبلك إذا أخرجوا من ديارهم، ومن ظهرانيهم. وقد أخرج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من مكة قال: وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم [محمد/ 13] فحكم فيهم بالقتل، ولم يؤخذوا بالاستئصال لما سبق من القول بأنه لا تهلك هذه الأمة بالاستئصال. وكذلك جاء وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [الإسراء/ 59]. [الاسراء: 83] اختلفوا في قوله عز وجل (ونأى بجانبه) [الإسراء/ 83]. فقرأ ابن كثير ونافع: (ونأى بجانبه) في وزن نعى حيث وقع بفتح النون والهمزة. وقرأ ابن عامر وحده: (وناء بجانبه) مثل باع «1». وقرأ حمزة

_ (1) في الأصل (ط): ناعء، وما أثبتناه من السبعة.

والكسائي: (وناي) في رواية خلف عن سليم بإمالة النون وكسر «1» الهمزة، كذلك حدثني أبو الزعراء «2» عن أبي عمر عن سليم عن حمزة. واختلف عن عاصم فروى أبو بكر أنه كسر هذه التي في سورة بني إسرائيل «3» وفتح الهمزة في السجدة «4» [51]. وروى حفص عن عاصم أنه فتحهما جميعا. وأما أبو عمرو فروى عنه اليزيدي: (ونأى) مفتوحة الهمزة هاهنا وفي السجدة. وقال عبد الوارث مثله هاهنا. وقال في السجدة: بهمزة بعدها ياء، ونأى في وزن نعى «5». وقال عباس: ونأي مكسورة مهموزة في وزن نعى: أعرض، أي: ولى عرضه، أي: ناحيته، كأنه لم يقبل على الدعاء والابتهال على حسب ما يقبل في حال البلوى والمحنة، ونأى بجانبه قال أبو عبيدة: تباعد. ابن كثير ونافع: (ونأى) لم يميلا واحدة من الفتحتين، وترك

_ (1) في الأصل (ط): وكسرها. وما أثبتناه من السبعة. (2) أبو الزعراء: عبد الرحمن بن عبدوس أبو الزعراء البغدادي ثقة ضابط محرر، أخذ القراءة عرضا عن أبي عمر الدوري بعدة روايات وأكثر عنه، روى عنه القراءات عرضا أبو بكر بن مجاهد وعليه اعتماده في العرض، قال ابن مجاهد: قرأت عليه لنافع نحوا من عشرين ختمة، وقرأت عليه للكسائي ولأبي عمرو وحمزة. مات سنة بضع وثمانين ومائتين. (انظر طبقات القراء 1/ 374). (3) هي سورة الإسراء نفسها. (4) هي سورة فصلت السجدة، من الحواميم. (5) السبعة 384. مجاز القرآن 1/ 389.

الإمالة كثير سائغ، وهو قول أهل الحجاز. ابن عامر: ناء مثل ناع، وهذا على القلب، وتقديره فلع، ومثل هذا في القلب قولهم راء، ورأى قال: وكلّ خليل راءني فهو قائل ... من أجلك هذا هامة اليوم أو غد «1» حمزة والكسائي: نأي بإمالة الفتحتين، ووجه ذلك أنه أمال فتحة الهمزة لأن الألف منقلبة من الياء التي في النأي، فأراد أن ينحو نحوها، وأمال فتحة النون لإمالة الفتحة فتحة الهمزة، وقد قالوا: رأيت عمادا، فأمالوا الألف لإمالة الألف، وكذلك أمالا الفتحة لإمالة الفتحة، لأنهم قد يجرون الحركة مجرى الحرف في أشياء. ووجه رواية خلّاد عن سليم (ونأي) بفتح النون وكسر الهمزة أنه لم يمل الفتحة الأولى لإمالة الفتحة الثانية، كما لم يميلوا الألف لإمالة الألف في رأيت عمادا. قال: واختلف عن عاصم، فروى أبو بكر أنه كسر هذه التي في بني إسرائيل، وفتح الهمزة في السجدة، إن كان يريد بهذه التي في بني إسرائيل كسر النون من غير أن يميل الفتحة التي في الهمزة فوجهها أن مضارع نأى ينأى على يفعل، فإذا كان المضارع على يفعل أشبه الماضي ما كان على فعل والعين همزة فكسرها كما كسر شهد، كما أن من قال: أبي يأبى كان على هذا، وهذا كقول من قال: رأى «2» القمر

_ (1) البيت لكثير عزّة، انظر الكتاب 2/ 130، وابن الشجري 2/ 19 واللسان (رأي). (2) رسمتا في الأصل (ط): (رأ). بدون ألف. و (رأى) بكسر الراء وفتح الهمزة هي قراءة عاصم، وقد سبقت في 3/ 329.

الاسراء: 90

[الأنعام/ 77] وإن كان يريد بقوله كسر هذه أنه أمال الفتحة، فهو مثل قول حمزة. قال: وروى حفص عن عاصم أنه فتحهما جميعا، فهذا مثل قول ابن كثير ونافع قال: وأما أبو عمرو فروى عنه اليزيدي (نأى) مفتوحة الهمزة هاهنا وفي السجدة. قال: وقال عبد الوارث مثله هاهنا. قال: وقال في السجدة بهمزة بعدها ياء، (ونأى) في وزن نعا، وقال عباس مثل ذلك. قال أبو علي: قد مضى القول في ذلك كله. [الاسراء: 90] اختلفوا في ضم التاء والتشديد وفتحها والتخفيف من قوله: حتى تفجر لنا [الإسراء/ 90]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (حتى تفجّر لنا) بضم التاء وفتح الفاء وتشديد الجيم مع الكسرة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي حتى تفجر بفتح التاء وتسكين الفاء وضم الجيم مع التخفيف «1». وجه قول من ثقل: أنهم أرادوا كثرة الانفجار من الينبوع، وهو وإن كان واحدا فلتكرر الانفجار فيه يحسن أن يثقل كما تقول: ضرب زيد إذا أكثر الضرب، فيكثر الفعل، وإن كان فاعله واحدا. ووجه قول الكوفيين: تفجر، فلأن الينبوع واحد فلا يكون كقوله: (فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) [الإسراء/ 91] لأن فجّرت الأنهار، مثل: غلّقت الأبواب، فلذلك اتفق الجميع على التثقيل في (تفجر). وتفجر يصلح للقليل والكثير، وتضعيف العين إنما يكون

_ (1) السبعة 384، 385.

الاسراء: 92

للتكثير، وممّا يقوّي تفجر قوله: فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا [البقرة/ 60] وانفجر مطاوع فجرته. [الاسراء: 92] اختلفوا في فتح السين وإسكانها من قوله: كسفا [الإسراء/ 92]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (كسفا) [ساكنة] في كلّ القرآن إلا في الروم [48] فإنهم قرءوا كسفا متحركة. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: علينا كسفا متحركة هاهنا وفي الروم كسفا متحركة السين أيضا وسائر القرآن (كسفا) في الشعراء [187] وفي سبأ [9] والطور [44]. وروى حفص عن عاصم أنه يقرأ كسفا في كل القرآن إلّا في والطور، فإنه قرأ وإن يروا كسفا. السين ساكنة هذه وحدها خفيفة. وقرأ ابن عامر غير ذلك كلّه: قرأ في بني إسرائيل بفتح السين، وفي سائر القرآن (كسفا) ساكنة السين «1». قال أبو زيد: قالوا كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قطعا، والكسف: القطع، الواحدة قطعة، وكسفه، وقال أبو عبيدة: كسفا: قطعا. ومن جعله جمع كسفة قال: كسفا، مثل قطعة وقطع «2». قال أبو علي: إذا كان المصدر: الكسف، فالكسف الشيء المقطوع، كالطّحن، والطّحن، والسّقي والسّقي ونحوه. ويجوز أن يكون الكسف جمع كسفة، مثل سدرة وسدر، فإذا كان كذلك جاز أن يكون قول ابن كثير ومن اتبعه: (أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفا)

_ (1) السبعة 385. (2) انظر مجاز القرآن وطرته 1/ 390.

أي: ذات قطع، وذلك أنّه أسقط فعل لا يتعدى إلّا إلى مفعول واحد، فإذا كان كذلك وجب أن ينتصب كسفا على الحال، والحال ذو الحال في المعنى، فإذا كان كذلك وجب أن يكون الكسف هو السماء، فيصير المعنى: أو تسقط السماء علينا مقطعة أو قطعا، وإنما قرءوا في الروم في قوله: الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا متحركة السين، لأن السحاب يكون قطعا، وإنّما يتضامّ عن تفرّق، فأمّا قوله: من خلاله [النور/ 43] فالذّكر يرجع إلى السحاب، وأما قراءة نافع وعاصم في رواية أبي بكر: (علينا كسفا) هاهنا، وفي الروم فقد مضى ما جاء من ذلك في الروم، وفي بني إسرائيل كذلك، لأن المعنى: تسقط السماء علينا كسفا، أي: قطعا، وكسف في جمع كسفة مثل: سدرة وسدر، وكسف على هذا يجوز أن يكون مثل: سدرة وسدر، ودرّة ودرر. وإذا لم يكن المعنى في بني إسرائيل: تسقط السماء علينا قطعة، وإنما المعنى تسقطها قطعا، كان التقدير ذات كسف. فأما ما في الشعراء من قوله: فأسقط علينا كسفا فتقديره: قطعا، وهذا يقوي قراءة نافع وعاصم في إحدى الروايتين كسفا في بني إسرائيل. وفي الشعراء يتبين في اللفظ أيضا على أنه يراد به القطع وهو قوله: من السماء فكأنه دلّ على بعض السماء، وعلى قطع منها. وأما ما في سبأ من قوله: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء فكما أن المعنى في قوله: إن نشأ نخسف بهم الأرض التي يتقلبون فيها ويتصرّفون في بلادهم ومساكنهم، وكذلك نسقط عليهم من السماء ما أظلّهم منها دون سائر السماء فهو واحد. وأمّا ما في

الاسراء: 93

الطور من قوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا فقد أبان قوله: (ساقطا) والتذكير فيه أنه مفرد ليس بجمع، وإن كان جمعا فهو على حدّ شعيرة وشعير. وما رواه حفص عن عاصم أنه قرأ كسفا في كلّ القرآن إلا في الطور، فقد ذكرنا وجه الجميع فيه، فيما مرّ وخصّ هذا الذي في الطور لوصفه بالواحد المذكر. وأما قراءة ابن عامر ما في بني إسرائيل كسفا بفتح السين فإن المعنى: أو تسقط السماء قطعا، وقرأ ما عدا التي في بني إسرائيل كسفا، فوجه ذلك: أن الذي في الطور قد مضى وجهه، وفي الشعراء كأنه قال: أسقط علينا قطعة من السماء، فاقترحوا إسقاط قطعة منها، ولم يقترحوا إسقاط جميعها، وكذلك في سبأ: أو تسقط عليهم كسفا من السماء أي: قطعة منها مظلّة لأرضهم دون سائرها، وأما قوله: الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا [الروم/ 48] أي: يجعل ما يلتئم ويجتمع من السحاب قطعة قطعة، فتمطر، فكأنه اعتبر ما يؤول إليه حال السحاب من الالتئام والاجتماع، كما اعتبر من قرأه كسفا حاله قبل، وكلتا القراءتين مذهب. [الاسراء: 93] اختلفوا في قوله جل وعز: قل سبحان ربي [الإسراء/ 93] في ضم القاف وإسقاط الألف. فقرأ ابن كثير وابن عامر: (قال سبحان ربي)، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والشام. وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو، وحمزة والكسائي: قل سبحان ربي بغير ألف «1».

_ (1) السبعة: 385.

الاسراء: 122

وجه من قرأ: (قال سبحان ربي) أنّ الرسول، عليه السلام، قال عند اقتراحهم هذه الأشياء التي ليس في طاقة البشر أن يفعله، ويأتي به سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا، كقوله: إنما أنا بشر مثلكم [الكهف/ 110] وهذه الأشياء ليس في قوى البشر أن يأتوا بها، وإنما يظهرها الله، جلّ وعز، في أزمان الأنبياء علما لتصديقهم وليفصلهم بها من المتنبّئين. (وقل) على الأمر له بأن يقول ذلك. ويقوّي ذلك قوله: قل إنما أنا بشر مثلكم ونحو ذلك مما يجيء على لفظ الأمر دون الخبر. [الاسراء: 122] اختلفوا في ضم التاء وفتحها من قوله عز وجل: (لقد علمت ما). فقرأ الكسائي وحده: (لقد علمت) بضم التاء. وقرأ الباقون: لقد علمت «1» [الإسراء/ 102]. حجة من فتح قال: لقد علمت أن فرعون ومن كان تبعه قد علموا صحة أمر موسى بدلالة قوله: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134] وقوله: فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين. وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [النمل/ 13، 14] وقوله: وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون [الزخرف/ 49]. ومن قال: (لقد علمت) فضمّ التاء ... «2»؟ فإن قلت: كيف

_ (1) في الأصل هنا بياض، بمقدار ربع سطر وسياق الكلام يدل على سقط فيه ولعل تقديره: فالضمير يرجع إلى موسى. (2) السبعة 386.

يصح الاحتجاج عليه بعلمه، وعلمه لا يكون حجّة على فرعون، إنّما يكون علم فرعون ما علمه من صحة أمر موسى حجة عليه، فالقول أنه لما قيل له: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون، [الشعراء/ 27]، كان ذلك قدحا في علمه. لأن المجنون لا يعلم، فكأنه نفى ذلك، فقال: لقد علمت صحّة ما أتيت به علما صحيحا كعلم العقلاء، فصار الحجّة عليه من هذا الوجه، وزعموا أنّ هذه القراءة رويت عن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه.

سورة الكهف

ذكر اختلافهم في سورة الكهف [الكهف: 2] قرأ عاصم في رواية أبي بكر (من لدنه) [الكهف/ 2] بفتح اللام وإشمام الدّال الضّمّة «1»، وكسر النون والهاء، ولم يقرأ بذلك غيره، ووصل الهاء بياء في الوصل. وقرأ الباقون من لدنه بفتح اللام وضمّ الدال وتسكين النون وضمّ الهاء من غير بلوغ واو، حفص عن عاصم مثلهم «2». في لدن ثلاث لغات «3»: لدن مثل سبع، وتخفّف الدال، فإذا خفّفت كان على ضربين: أحدهما أن تحذف الضمّة من الدال، وتنقل إلى اللام فيقال: لدن، مثل: عضد، وفي كلا الوجهين يجتمع في الكلمة ساكنان: الدال المنقول عنها الحركة والمحذوفة منها.

_ (1) في الإتحاف ص 288: إسكان الدال مع إشمامها الضم. (2) السبعة 388. (3) نقل في اللسان (لدن) ابن بري عن أبي علي في لدن أربع لغات: لدن، ولدن بإسكان الدال، حذف الضمة منها كحذفها في عضد، ولدن بإلقاء ضمّة الدال على اللام، ولدن بحذف الضمة من الدال، فلما التقى ساكنان فتحت الدال لالتقاء الساكنين ... اللسان 13/ 385.

ويلحق الكلمة حذف النون، فإن حذفت أمكن أن يقدّر حذف النون منها، وقد أسكنت، وأن يقدّر الحذف منها غير مسكّن الأوسط، فإذا قدّر حذفها وقد أسكنت وردّ فيها النون بعد الحذف، جاز أن تحرّك بالفتح فيقال: لدن. قال سيبويه: شبّهوه بالخفيفة مع الفعل ففتحوها كفتحهم لام الفعل مع الخفيفة. وقال أبو زيد «1»: جئت فلانا لدن غدوة، ففتحوا الدال، ويجوز أن تحرّك بالكسر في نحو (من لدنك)، و (لدنه) لأن من الساكنين ما إذا التقيا ما يحرّك أحدهما بالكسر كما يحرّك بالفتح، وربما تعاقب الأمران على الكلمة الواحدة، فأما حذف النون في قوله: من لدشولا «2» ... فينبغي أن يكون أجري في الحذف، ولم يلتق مع ساكن آخر مجراه في حذفهم لها لالتقاء الساكنين، وذلك أنه في قولهم: من لد الصلاة، حذفت لالتقاء الساكنين من حيث كثر، كما حذفت من الأسماء الأعلام نحو: زيد بن فلان. واستجازوا حذفها كما استجازوه في نحو: ولك اسقني «3» ...

_ (1) النوادر 472. (2) هذه قطعة من رجز، وهو من الشواهد الخمسين التي لم يعرف لها قائل وتمامة: من لدشولا فإلى أتلائها. انظر الكتاب 1/ 134، وابن الشجري 1/ 222 وابن يعيش 4/ 101 و 8/ 35، والعين 2/ 51، والخزانة 2/ 84، وانظر شرح شواهد المغني للبغدادي 6/ 287 وتخريجه فيه. واللسان (لدن). (3) هذه قطعة من بيت للنجاشي الحارثي وتمامه:

وكما حذفوها من عمرو العلى ونحو ذلك، والدليل على أنه حذف كما كان حذف لالتقاء الساكنين أنه لا يخلو من أن يكون الحذف على ما كان عليه لالتقاء الساكنين، أو على حدّ الحذف في دد، وددن، فلا يجوز أن يكون على حدّ دد، وددن لأنه لو كان كذلك لوجب أن يسكن للبناء كما أنك لما حذفت النون من المعرب الذي هو لام في ددن أجريت على العين ما كان يجري على اللام من الإعراب، وكذلك لد لو كان الحذف فيه على حدّ الحذف في ددن لوجب أن تسكن الدّال من لد بعد حذف النون، ألا ترى أنهم قالوا: لهي أبوك «1»، فبنوا الاسم لما تضمّن معنى لام المعرفة، وحرك بالفتح لالتقاء الساكنين، ثم لمّا حذفوا الياء التي في موضع اللام قالوا: له أبوك، فبنوه على السكون، فكذلك الحذف في لدن لو كان على حدّ الحذف في لهي، والنون في ددن لوجب أن تسكن الدال في لد ولا تحرك، فبقاؤها على الحركة دلالة على أن حذفها ليس على حدّ الحذف في ددن، ولهي أبوك، ولكن حذفت كما كانت حذفت لالتقاء الساكنين لأن الحذف لالتقاء الساكنين كأنه في تقديره الثبات، كما أن

_ فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل انظر الكتاب 1/ 9، الخصائص 1/ 310، والمصنف 2/ 229 وابن الشجري 1/ 385 والإنصاف 2/ 684، وابن يعيش 9/ 142 والأشموني 1/ 271 والخزانة 4/ 367 وانظر شرح شواهد المغني للبغدادي 5/ 194 وتخريجه فيه. (1) أصلها: لله أبوك، ثم حذفوا منها اللامين فصارت لاه أبوك، قال سيبويه: وقال بعضهم: لهي أبوك، فقلب العين وجعل اللام ساكنة، إذ صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة، وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر أين مفتوحا. وإنما فعلوا ذلك به حيث غيّروه لكثرته في كلامهم فغيّروا إعرابه كما غيروه. (انظر الكتاب 2/ 144).

التحريك لهما في تقدير السكون، فالذي قال: «من لد شولا ... » «1» إنما استعمل المحذوف لالتقاء الساكنين بالدلالة التي ذكرنا، وأنشد أبو زيد: لد غدوة حتّى أغاث شريدهم ... جوّ العشارة فالعيون فزنقب «2» فالدّال متحرّكة بالضم فمن قال: لدن غدوة، على ما حكاه أبو زيد وسيبويه شبّهها بالخفيفة مع الفعل كما شبّهها مع التنوين في قوله: لدن غدوة، وإنّما شبّهوه بالزيادة في الموضعين جميعا أعني: لدن، لدن، لأنه لم يكن حقّها أن تحذف النون منها لمشابهتها الحروف وهذا الحذف إنما يكون في الأسماء المتمكنة فلما أشبهت الحروف لم يلزم الحذف فيها فاستنكروه وجعلوا النون بمنزلة الزائد في لدن، وفي لدن غدوة، وكذلك قد يستقيم أن تقول في الذي قال «لد شولا» أنه تركها على الضمة لأنه قدر أن تلك زائدة، وأنشد عن خالد «3» بن كلثوم: من عن لدن قرّعت نفس الصّلاة إلى ... أن ولّت الشمس في علّي وفي نهل وقد أضيفت فيه إلى الفعل، ويمكن أن تكون إضافتها إلى الفعل

_ (1) سبق قريبا. (2) البيت لزيد الفوارس الضبى وهو من جملة أبيات ذكرت في النوادر لأبي زيد/ 359 والخزانة 1/ 516 وزنقب: بضم أوله وسكون ثانيه وقاف وآخره باء موحدة: علم مرتجل لا أصل له في النكرات: وهو ماء لبني عبس (معجم البلدان 3/ 154). (3) في الأصل خلد ولعل الصواب ما أثبت انظر شرح أبيات المغني 2/ 407

كإضافة حيث إليه لأنها في الإيهام مثلها في الإبهام، وكإضافة ذي إلى تسلم. وريث إلى الفعل في مواضع، ويمكن أن يكون المعنى: لدن أن قرّعت، فحذف أن، ويقوي ذلك ثباتها في قول الأعشى: أراني لدن أن غاب أهلي كأنما ... يراني فيكم طالب الضيم أرنبا «1» وقد جاءت أيضا مضافة إلى الفعل في قول بعض عبد القيس: وإنّ لكيزا لم تكن ربّ عكّة ... لدن صرّحت حجّاجهم فتفرّقوا «2» وجاء مضافا إلى الفعل في غير هذه المواضع. فأما ما روي عن عاصم من قراءته: (من لدنه) [الكهف/ 2] فالكسرة ليست فيه بجرّ إنما هي كسرة لالتقاء الساكنين وذاك أن الدال أسكنت كما أسكنت في سبع، والنون ساكنة، فلما التقيا كسرت الثاني منهما. فإن قلت: فكيف حركت الأول من الساكنين فيمن قال: لدن، وحرك في قراءة عاصم الثاني منهما، قيل: حرّك الأولان لدن لأنه نزّل أن النون ليست من نفس الكلمة، كما نزّل في لدن غدوة كذلك، وليس يخرج الكلمة هذا التنزيل فيها من أن تكون النون من أصلها، بدلالة ردّها في المضمر نحو: من لدنك، ومن لدنه ومن لدنّي، ولدني، حكاه أبو زيد، والساكنان، إذا التقيا في كلمة حرّك الثاني منهما، فكذلك حرك الثاني في لدنه، وليس يخرج ما عرّض من

_ (1) انظر ديوانه/ 115 وروايته فيه: أراني لدن أن غاب قومي كأنما ... يراني فيهم طالب الحقّ أرنبا (2) سبق انظر 4/ 156 وقد ورد هناك علة بدل عكة.

شبه النّون بالزيادة عن أن يكون من نفس الكلمة، وأن يراعي فيها الأصل، ألا ترى أن نحو الترامي والتعادي روعي فيه التفاعل فصرف كما صرف، ولم يجعل بمنزلة جواري وحضاجر «1»، وكذلك قولهم: المريض عدته، روعي فيه التعدي الذي في الفعل في الأصل، وكذلك هذه النون جعلت في التحريك لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله: انطلق، و: لم يلده «2» ... لمّا أسكن اللامان من الكلمتين حرّك الآخر منهما لالتقاء الساكنين، فكذلك في قوله: من لدنه، حرك الثاني من الساكنين لما أسكن الحرف الذي قبل النون. وأما إشمام الضم الدال في قراءة عاصم في قوله: (من لدنه) فليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمّة، ومثل ذلك قولهم: أنت تغزين، وقولهم: قيل، أشمّت الكسرة فيها الضمّة، لتدلّ أن الأصل فيها التحريك بالضم وإن كان إشمام عاصم ليس في حركة خرجت إلى اللفظ، وإنّما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة، ولو كانت مثل الحركة في تغزين لم يلتق ساكنان ولم تكسر النون لاجتماعهما، ولكن يجتمعان في أن أصل الحرف التحريك بالضم وإن اختلفا في أنّ الحركة في تغزين قد خرجت إلى اللفظ، ولم تخرج في قوله: (من

_ (1) الحضجر: العظيم البطن الواسعة، وحضاجر اسم للذكر والأنثى من الضياع سميت بذلك لسعة بطنها وعظمه، انظر اللسان (حضجر). (2) يشير إلى بيت لرجل من أزد السراة وهو: الا ربّ مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان سبق انظر 1/ 49.

الكهف: 16

لدنه) وأمّا وصله الهاء بياء في الوصل فحسن، ألا ترى أنك لو قلت: بابه وبعبده، فلم توصل الهاء بياء لم يحسن، ولكان ذلك مما يجوز في الشعر كقوله: له زجل كأنّه صوت حاد «1» وأما قراءة الباقين من لدنه فعلى أصل الكلمة، والنون في موضع جرّ وضم الهاء من غير بلوغ ياء حسن، لسكون ما قبل الهاء، فلو بلغوا به الياء لم يجز لأن هذا ليس من المواضع التي تلحق هاء الضمير فيه الياء لأنه لا ياء قبلها، ولا كسرة ولكن لو بلغوا بها الواو فقال: (من لدنهو)، لم يكن يحسن الضم بلا واو، لأن الهاء خفية فإذا سكن ما قبلها وما بعدها أشبه التقاء الساكنين، ولو كان ما قبل الهاء حرف لين كان أقبح، وأما الجار في قوله: من لدنه فيحتمل ضربين، أحدهما: أن يكون متعلقا بشديد، والآخر: أن يكون صفة للنكرة وفيها ذكر الموصوف. [الكهف: 16] اختلفوا في [فتح الميم و] كسر الفاء وكسر الميم وفتح الفاء من قوله: (مرفقا) [الكهف/ 16]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: مرفقا بكسر الميم وفتح الفاء. وقرأ نافع وابن عامر: (مرفقا) بفتح الميم وكسر الفاء. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (مرفقا) بفتح الميم [وكسر الفاء مثلهما] «2».

_ (1) سبق انظر 1/ 205 وانظر الأعراف/ 111. (2) السبعة 388 وما بين معقوفين منه.

الكهف: 17

أبو عبيدة: المرفق: ما ارتفقت به، وبعضهم يقول: المرفق. فأما فى اليدين فهو مرفق «1». وقال أبو زيد: رفق الله عليك أهون المرفق والرّفق. قال أبو علي: المرفق فيما حكاه أبو زيد مصدر، ألا ترى أنه جعله كالرفق، وكان القياس الفتح لأنه ليس من يرفق، ولكنه كقوله: إلي مرجعكم [آل عمران/ 55]. ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]. وقال أبو الحسن: مرفقا، أي: شيئا يرتفقون به مثل المقطع، ومرفقا: جعله اسما مثل المسجد، أو تكون لغة «2». وقوله: جعله اسما، أي: جعل المرفق اسما، ولم يجعله اسم المكان ولا المصدر من رفق يرفق، كما أن المسجد ليس باسم الموضع من سجد يسجد. وقوله: أو يكون لغة، أي: لغة في اسم المصدر، كما جاء المطلع ونحوه، ولو كان على القياس لفتحت اللام. قال أبو الحسن أيضا: مرفقا ومرفقا: لغتان لا فرق بينهما أيضا، هما اسمان مثل المسجد والمطبخ. [الكهف: 17] اختلفوا في قوله تعالى: تزاور عن كهفهم [الكهف/ 17]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تزاور) بتشديد الزّاي. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (تزاور) خفيفة.

_ (1) مجاز القرآن 1/ 395. (2) معاني القرآن 2/ 394.

وقرأ ابن عامر: (تزور) مثل تحمرّ «1». قال أبو عبيدة «2»: (تزاور عن كهفهم) تميل عنه، وهو من الزّور والأزور منه، وأنشد ابن مقبل: فينا كراكر أجواز مضبّرة ... فيها دروء إذا شئنا من الزّور «3» قال أبو علي: تزاور، تزّاور، من قال: تزاور حذف التاء الثانية، وخفف الكلمة بالحذف، كما تخفف بالإدغام، وقول ابن عامر: تزور. قال أبو الحسن: لا يوضع في هذا المعنى إنما يقال: هو مزورّ عني، أي: منقبض. قال أبو علي: ويدلّ على أن ازورّ في المعنى انقبض كما قاله أبو الحسن، قوله: وازورّ من وقع القنا بلبانه «4» والذي حسّن القراءة به قول جرير:

_ (1) السبعة 388. (2) انظر نقله في مجاز القرآن 1/ 395. (3) انظر ديوانه/ 85 وفيه: «إذا خفنا» بدل «شئنا». كراكر: يقال للقوم إذا كانوا كثيرا كركرة والجمع كراكر: الأجواز: ج جوز وهو وسط الشيء وأكرمه وأشرفه. ومضبرة: أي مجتمعة قوية شديدة. شبهها بالناقة المضبرة وهي المكتنزة الموثقة الخلق، والدروء: ج درء وهو الأنف البارز من الجبل. والزور: عوج في الزّور، يريد به الاعتراض. يقول: إذا خفنا من أحد اعتراضا فنحن نعترض كاعتراض أنوف الجبل. (4) هذا صدر بيت لعنترة عجزه: وشكا إلى بعبرة وتحمحم انظر ديوانه/ 217 وانظر تفسير القرطبي 10/ 368.

عسفن على الأواعس من قفيل وفي الأظعان عن طلح ازورار «1» فظاهر استعمال هذا في الأظعان مثل استعماله في الشمس، فإن قلت: كيف جاز أن يقال: تزاور، ولا يكاد يستعمل هذا البناء في هذا النحو، فإن هذا حسن لمّا كان معناه الميل عن الموضع، وقد استعملوا تمايل، فأجروا تزاور مجرى تمايل، قال: كلون الحصان الأنبط البطن قائما ... تمايل عنه الجلّ واللون أشقر «2» وقال: تجانف عن خلّ اليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا «3»

_ (1) انظر ديوانه 1/ 134 وفيه: «من حبيّ» بدل «من قفيل». العسف: الأخذ على غير الطريق، والأواعس من الرمل: الموطوء الليّن. وحبيّ وطلح: موضعان، والازورار: النكوب عن الشيء. (2) البيت الذي الرمة من قصيدة طويلة في الديوان 2/ 626 بلغت 79 بيتا يفتخر فيها وقبله: وقد لاح للساري الذي كمّل السّرى ... على أخريات الليل فتق مشهّر والفتق: يعني به الصبح. وأنبط: إذا كان أبيض البطن والصدر. شبه بياض الصبح طالعا في احمرار الأفق بفرس أشقر قد مال عنه جلّه فبان بياض إبطه [والأظهر: بطنه] (اللسان: نبط). (3) البيت للأعشى في ديوانه/ 89 وقد سبق 1/ 250 وانظر الكتاب 1/ 13. وخل: رويت في الديوان جل، بالجيم، وجل الشيء: معظمه، وبلاد اليمامة: بين نجد واليمن، وهي تتصل بالبحرين شرقا وبنجد غربا. والخل بالخاء المعجمة: ماء ونخل لبني العنبر باليمامة، وموضع باليمن في وادي رمع (معجم البلدان 1/ 385) والتجانف الانحراف، وصف أنه معوّل في قصده على هذا الممدوح دون خاصة أهله، وجعل الفعل للناقة مجازا.

الكهف: 18

والزور في بيت ابن مقبل هو الميل والعدول للكبر والصّعر، فمعنى العدول فيه حاصل للكبر كان أو لغيره، وكما أنّ تقرضهم تجاوزهم وتتركهم عن شمالها، كذلك تزاور عنهم: تميل عنهم ذات اليمين، فإذا مالت عنهم إذا طلعت، وتجاوزتهم إذا غربت، وكانوا في فجوة من الكهف، دلّ أن الشمس لا تصيبهم البتّة، أو في أكثر الأمر، فتكون صورهم محفوظة. [الكهف: 18] اختلفوا في تشديد اللام وتخفيفها من قوله تعالى: ولملئت [الكهف/ 18]. فقرأ ابن كثير ونافع: (ولملّئت): مشدّدة مهموزة. وقرأ ابن عامر وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ولملئت خفيفة مهموزة، وروى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثير: ولملئت خفيفة «1». قال أبو الحسن: الخفيفة أجود في كلامهم، تقول: ملأتني رعبا، ولا يكادون يعرفون: ملأتني. قال أبو علي: مما يدلّ على ما قاله أبو الحسن من أن التخفيف أكثر في كلامهم قوله: فيملأ بيتنا أقطا وسمنا «2» وقول الأعشى: وقد ملأت بكر ومن لفّ لفّها «3»

_ (1) السبعة 389. (2) لم نعثر على قائله. (3) صدر بيت للأعشى وعجزه: نباكا فأحواض الرجا فالنوا عصا انظر ديوان/ 149.

الكهف: 19

وقول الآخر: ومن مالئ عينيه من شيء غيره «1» وقول الآخر: لا تملأ الدّلو وعرّق فيها «2» وقولهم: امتلأت، يدلّ على ملأ، لأنّ مطاوع فعلت افتعلت، قال: امتلأ الحوض، وقال قطني «3» وقد جاء التثقيل أيضا، أنشدوا للمخبّل السعدي: وإذ فتك النعمان بالناس محرما فملّئ من كعب بن عوف سلاسله «4» [الكهف: 19] اختلفوا في كسر الراء، وإسكانها من قوله عز وجل: بورقكم [الكهف/ 19]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بورقكم مكسورة الراء. وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم (بورقكم) ساكنة

_ (1) لم نعثر عليه. (2) هذا شطر بيت من الرجز وبعده: ألا ترى حبار من يسقيها؟ حبار اسم ناقته، عرّق الدلو: جعل فيها ماء قليلا. اللسان (عرق) ولم ينسبه. (3) انظر ما سبق 2/ 218 واللسان (قطط). (4) انظر اللسان (فتك) وتهذيب اللغة (10/ 149، وفيهما: عوف بن كعب بدل كعب بن عوف وتفسير القرطبي 10/ 374

الكهف: 25

الراء خفيفة. وروى روح عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: (بورقكم) مدغمة، قال: وكان يشمها شيئا من التثقيل «1». ورق وورق: كنبد ونبد «2» وكتف وكتف، والتخفيف في هذا النحو سائغ مطرد. وأما إدغام القاف في الكاف فحسن، وذلك نحو قولك: الحق كلدة «3»، فلمّا كان إدغام الكاف في القاف في قولك: انهك قطنا كذلك، ولإدغام القاف في الكاف من المزيّة في الحُسن أن القاف أدخل في الحلق، وهي أول مخارج الفم، والكاف أخرج إلى الفم، والإدغام فيما كان أقرب إلى الفم أحسن، ألا ترى أن الإدغام إنّما هو في حروف الفم، وأن حروف الطرفين ليس بأصول في الإدغام. [الكهف: 25] اختلفوا في التنوين من قوله تعالى: ثلاث مائة سنين [الكهف/ 25]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم ثلاث مائة سنين منون. وقرأ حمزة والكسائي (ثلاث مائة سنين) مضاف غير منون «4». قال أبو الحسن: تكون السنون لثلاث مائة، قال: ولا يحسن إضافة المائة إلى السنين، لا تكاد العرب تقول: مائة سنين، وقال: هو جائز في هذا المعنى، وقد يقوله بعض العرب، قال: وقد قرأها الأعمش، وفي حرف عبد الله: (ثلاثمائة سنة).

_ (1) السبعة 389. (2) نبد: أي سكن وركد، انظر اللسان (نبد). (3) كلدة: الأرض الصلبة، اللسان (كلدة). وانظر سيبويه 4/ 452 (ت. هارون) في باب الإدغام. (4) السبعة 389.

قال أبو علي: ممّا يدلّ على صحة قول من قال: ثلاثمائة سنين أن هذا الضرب من العدد الذي يضاف في اللغة المشهورة إلى الآحاد نحو: ثلاثمائة رجل وأربع مائة ثوب قد جاء مضافا إلى الجميع في قول الشاعر: ما زوّدوني غير سحق عمامة ... وخمس مئ فيها قسيّ وزائف «1» وذاك أن مئ «2» لا تخلو من أن تكون في الأصل مئي، كأنه فعلة، فجمع على فعل، مثل: سدرة وسدر، أو تكون: فعلة، جمع على فُعُول، مثل: بدرة وبدور، ومأنة ومئون، قال: عظيمات الكلاكل والمئون «3» فإن قلت: ما ننكر أن يكون مئ أصله: مئي، وإنّما حركت العين كما حرّكت نحو: ركك «4»، ومما أتبعت حركة عينه ما بعده. فالذي يضعّف ذلك أنك لا تجد فيما كان على حرفين نحو: شعيرة وشعير،

_ (1) البيت لمزرّد بن ضرار في تهذيب اللغة 15/ 618 وفيه: «وما» بغير خرم، و «منها» بدل «فيها». وانظر اللسان (قسا) و (مأي) وفيه عباءة بدل عمامة. (2) رسمت في الأصل: «ماءي». (3) في التهذيب 15/ 510: المأنة ما بين السّرة والعانة، ويجمع مأنات ومئون، وأنشد: يشبهن السفين وهنّ بخت ... عراضات الأباهر والمئون (4) كلمة من آخر بيت لزهير وتمامه: ثم استمروا وقالوا إن موعدكم ... ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك انظر معجم البلدان (ركك) 3/ 64.

وسدرة، وسدر، فإذا لم تجد لذلك نظيرا عدلت عنه، وحملته على أنه فُعُول وأنه خفف كما يخفف في القوافي كقوله: كنهور كان من أعقاب السّمي «1» وإذا كان كذلك فقد جاء إضافة نحو: ثلاثمائة إلى الجمع، وكسرت الفاء من مئي كما كسرت من حليّ ونحوه، فأما قوله: فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا «2» .... فلا يدلّ على جواز ثلاث مئين، وإضافتها إلى الجمع، لأن أبا عمر الجرمي حكى عن أبي عبيدة أن الحلوب لا يكون إلا جمعا، والحلوية تكون واحدا وتكون جمعا، فإذا كان كذلك أمكن أن يكون الشاعر جعل الحلوبة جمعا وجعل السود وصفا لها، فإذا أمكن هذا لم تكن فيه دلالة على جواز إضافة ثلاث مائة ونحوها إلى الجمع، فإن قلت يكون حلوبة في البيت واحدا ولا يكون جمعا، لأنه تفسير العدد وهذا الضرب من العدد يفسر كالآحاد دون الجموع، قيل: هذا لا يمتنع إذا كان المراد به الجمع، أن يكون تفسيرا لهذا الضرب من العدد من حيث كان على لفظ الآحاد، فكذلك الحلوبة يراد به الجمع ولا يمتنع أن تكون تفسيرا، كما لا يمتنع عشرون نفرا، وثلاثون قتيلا. ونحو ذلك من الأسماء التي يراد بها الجمع، وهي على لفظ الآحاد. وممّا يدلّ على أنه فُعُول قوله:

_ (1) سبق في 2/ 373. (2) البيت لعنترة وتتمته: كخافية الغراب الأسحم انظر ديوانه/ 193.

وحاتم الطائيّ وهّاب المئي «1» فهذا يدلّ على التخفيف، وهو فُعُول في الأصل، وإنّما خفف للقافية، كما خفّف البيت الذي قبله وهو: حيدة خالي ولقيط وعلي فحذف كما حذف نحو: متى أنام لا يؤرّقني الكري ... ليلا ولا أسمع أجراس المطي «2» فإن قيل: لم لا يكون المئي فُعُلا، ويكون جمع فعلة على فُعُل، نحو: خشبة وخشب، وبدنة وبدن؟ فإنّ ذلك لا يكون، ألا ترى أن فعلا لا يكسر فاؤها كما يكسر فاء فُعول، ولأن فعلا قد رفض في المعتلّ فلم يستعمل إلا في هذه الكلمة التي هي ثن في جمع ثنيّ فقط، فلا يحمل عليها غيرها.

_ (1) البيت من مشطور الرجز قالته امرأة من بني عقيل تفخر بأخوالها من اليمن، وبعده: ولم يكن كخالك العبد الدّعي انظر النوادر 321 (ط. الفاتح) وابن الشجري 1/ 383 والمصنف 2/ 68 والخزانة 3/ 304 وعنده جاء شاهدا على أن أصله عند الأخفش: المئين، فحذفت النون لضرورة الشعر ... قال البغدادي: وقال أبو علي- فيما كتبه عليه (لعله على النوادر): خففت ياءات النسب كلها للقافية: فأما المئي والسني، فإنهما جمعا على فعول، ثم قلبت الواوات ياءات، فصار: مئي وسنيّ، ثم خفف بأن حذف إحدى الياءين، كما فعل في: علي والدعي، فبقي المئي والسني. (2) البيت سبق في 1/ 188 وانظر إضافة لما سبق الخصائص 1/ 73 والإنصاف 2/ 191. يقول: متى أنام نوما صحيحا لا يؤرقني الكرى، لأنه جعل نومه مع تأريق الكرى له غير نوم. والأجراس جمع جرس، وهو الصوت، وهو كذلك جمع جرس بالتحريك- وهو الجلجل الذي يعلق في عنق الدابة. (وانظر اللسان: مطا).

الكهف: 28

وأما قول من قال ثلاثمائة سنين فإن سنين فيه بدل من قوله: ثلاثمائة وموضعه نصب، كما أن موضع البدل منه كذلك، وقد قدمنا ذكر ذلك عن أبي الحسن. [الكهف: 28] قال: وقرأ ابن عامر وحده: (بالغدوة والعشي) [الكهف/ 28]. وقرأ الباقون: بالغداة والعشي بألف «1». أما غدوة فهو اسم موضوع للتعريف، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يدخل عليه الألف واللام، كما لا تدخل على سائر الأعلام، وإن كانت قد كتبت في المصحف بالواو، ولم يدل على ذلك، ألا ترى أنهم قد كتبوا فيه الصلاة بالواو وهي ألف، فكذلك الغداة إن كتبت في هذا بالواو، ولا دلالة فيه على أنها واو، كما لم يكن ذلك في الصلاة ونحوها مما كتبت بالواو وهو ألف. ووجه دخول لام المعرفة عليها أنه قد يجوز وإن كان معرفة أن يتنكّر، كما حكاه أبو زيد من أنهم يقولون: لقيته فينة، والفينة بعد الفينة، ففينة مثل الغدوة في التعريف بدلالة امتناع الانصراف، وقد دخلت عليه لام التعريف، وذلك أنه يقدّر من أمّة كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك، ويقوّي هذا تثنية الأعلام وجمعها، وقولهم: لا هيثم الليلة للمطيّ «2»

_ (1) السبعة 390. (2) البيت في سيبويه 1/ 354 والمقتضب 4/ 362 وابن الشجري 1/ 239 وشرح المفصل 2/ 102، 103 و 4/ 123 والخزانة 4/ 57. والمسائل الحلبيات 204، 311. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب هيثم، وهو اسم علم معرفة بلا، وهي لا تعمل إلا في النكرة، وجاز ذلك، لأنه أراد: لا أمثال هيثم ممن يقوم مقامه في حداء المطي،

الكهف: 24

وقولهم: أما البصرة فلا بصرة لك، فأجري هذا مجرى ما يكون شائعا في الجنس، وكذلك الغدوة. وقول من قال: بالغداة أبين. [الكهف: 24] قال: وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (يهديني ربي) [الكهف/ 24] بياء في الوصل. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بغير ياء «1». إثبات الياء حسن لأنها ليست بفواصل فتكون كالقوافي. ومن حذف فلأن الحذف في هذا النحو وإن لم يكن قافية فقد جاء وكثر. [الكهف: 26] قال: وكلهم قرأ: ولا يشرك في حكمه أحدا [الكهف/ 26] بالياء والرفع، غير ابن عامر فإنه قرأ: (ولا تشرك) جزما بالتاء «2». يشرك بالياء لتقدّم أسماء الغيبة، وهو قوله: ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك، والهاء للغيبة، فكذلك قوله: ولا يشرك أي: لا يشرك الله في حكمه أحدا. وقراءة ابن عامر: (ولا تشرك) أنت أيها الإنسان في حكمه على النهي عن الإشراك في حكمه، المعنى: أي لا تكن كمن قيل فيه: أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون [الأعراف/ 191]، وقوله:

_ فصار هذا شائعا ... الخ. وهيثم: اسم رجل كان حسن الحداء للإبل، وقيل: المراد هيثم بن الأشتر. وقال سيبويه: وأما قول الشاعر: لا هيثم ... فإنه جعله نكرة كأنه قال: لا هيثم من الهيثمين ومثل ذلك: لا بصرة لكم ... الخ. (1) السبعة 389. (2) السبعة 390.

الكهف: 34

سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا [الأنعام/ 148]، والقراءة الأولى أشيع، والرجوع من الغيبة إلى الخطاب كقولك: إياك نعبد بعد الحمد لله. [الكهف: 34] وقرأ أبو عمرو: (ثمر) [الكهف/ 34] و (بثمره) [42] بضم الثاء وسكون الميم. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: (ثمر) و (بثمره) مضمومة الثاء والميم. علي بن نصر، وحسين الجعفي، عن أبي عمرو: (ثمر) مثل نافع. وقرأ عاصم: ثمر وبثمره، بفتح الثاء والميم فيهما «1». الثمرة: ما يجتنى من ذي الثمرة، وجمعه: ثمرات، ومثله: رحبة، ورحبات ورقبة ورقبات، قال: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا [النحل/ 67]. وقال: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا [البقرة/ 25]. ويجوز في جمع ثمرة ضربان: أحدهما: أن يجمع على ثمر، كبقرة وبقر. والآخر: على التكسير: ثمار، كرقبة ورقاب، وهذا على تشبيه المخلوقات بالمصنوعات، وقد يشبّه كل واحد منهما بالآخر. ويجوز في القياس أن يكسّر ثمار، الذي هو جمع ثمرة، على ثمر، فيكون ككتاب وكتب، ويكون تكسيره على فُعُل، كتكسيره على فعائل في نحو قوله:

_ (1) السبعة 390. وقد سبق أن تكلم المصنف عن هذا الحرف في 3/ 369 وأردفه بنظيره من سورة الأنعام/ 99 و 141.

وقرّ بن بالزّرق الجمائل بعد ما ... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر «1» فقراءة ابن عامر: (وكان له ثمر) إذا خفّف يجوز أن يكون جمع: ثمار، ككتاب وكتب، ويخفّف كما يخفّف كتب، ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة، كبدنة وبدن، وخشبة وخشب، ويجوز أن يكون ثمر واحدا كعنق وطنب، فعلى أيّ هذه الوجوه كان جاز إسكان العين منه وساغ، وكذلك قوله: (وأحيط بثمره) [الكهف/ 42]. وقال بعض أهل اللغة: الثّمر: المال، والثّمر: المأكول. وجاء في التفسير قريب من هذا، قالوا: الثمر: النخل والشجر، ولم يرد به الثمرة. والثمر على ما روي عن عدة من السلف: الأصول التي تحمل الثمرة، لا نفس الثمر، بدلالة قوله: فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها، أي: في الجنة، والنفقة: إنما تكون على ذوات الثمر في أغلب العرف. وكأن الآفة التي أرسلت عليها، اصطلمت الأصول واجتاحتها، كما جاء في صفة الجنة الأخرى: فأصبحت كالصريم [ن- 20] أي: كالليل في سواده لاحتراقها، أو كالنهار في بياضها، وما بطل من خضرتها بالآفة النازلة بها. وحكي عن أبي عمرو: (الثمر)، والثمر: أنواع المال، وإذا أحيط بالثمر فاجتيح، دخلت فيه الثمرة ولا يكون أن يصاب الأصل ولا تصاب الثمرة، وإذا كان كذلك، فمن قرأ: (بثمره) و (بثمره) كان قوله أبين ممّن قرأ بالفتح. وقد تجوز القراءة بالفتح، فأخبر عن بعض ما أصيب، وأمسك عن بعض، وهو قراءة عاصم. وفي الثمرة لغة أخرى ولم يحك عمن ذكر من القراء في هذا

_ (1) البيت لذي الرُّمة وقد سبق في 2/ 449 و 3/ 368.

الكهف: 36

الكتاب، قال سيبويه «1»: تقول: ثمرة وثمرات، وسمرة وسمرات، قال أبو علي: يجوز في جمع ثمرة ثمر كما جاز السّمر، وقالوا: ثمرة وثمر، وثمار، فثمار جمع ثمرة كما أن إضاء جمع أضا «2»، وكسّروه على فعال كما كسّروه على فعول في قولهم: صفا وصفيّ. [الكهف: 36] وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (خيرا منهما منقلبا) [الكهف/ 36] بزيادة ميم بعد الهاء على التثنية، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والمدينة والشام. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: خيرا منها منقلبا وكذلك هي في مصاحف أهل البصرة والكوفة «3». قال: الإفراد أولى من حيث كان أقرب إلى الجنة المنفردة من قوله: ودخل جنته وهو ظالم لنفسه [الكهف/ 35]. والتثنية لا تمتنع لتقدم ذكر الجنتين. [الكهف: 38] اختلفوا في إسقاط الألف من قوله: لكنا هو الله ربي [الكهف/ 38] وإثباتها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: (لكن هو الله ربي) بإسقاط الألف في الوصل، وإثباتها في الوقف. وقرأ نافع في رواية المسيّبي: لكنا هو الله ربي يثبت الألف في

_ (1) في باب ما كان واحدا يقع للجميع ويكون واحده على بنائه من لفظه إلا أنه مؤنث تلحقه هاء التأنيث. 2/ 183. (2) الأضاة: الغدير. انظر اللسان (أضا). (3) السبعة 390.

الوصل والوقف، وقال ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر وورش عن قالون عن نافع: بغير ألف في الوصل، ويقف بالألف. وقرأ ابن عامر: لكنا هو الله ربي، يثبت الألف في الوصل والوقف. قال أبو بكر أحمد: ولم يختلف في الوقف أنه بألف، وإنما اختلف في الوصل «1». قال: القول فيمن قرأ: (لكن هو الله ربّي) فلم يثبت الألف في الوصل أنه كان: لكن أنا، فخفّف الهمزة وألقى حركتها على النون، فصار لكننا، فاجتمع مثلان، فأدغم المثل الأول في الثاني بعد أن أسكنها، فصار في الدّرج: (لكن هو الله ربي)، فلم يثبت الألف في الوصل كما لم تثبت الهاء في الوصل في نحو: ارمه واغزه، لأنها إنما تلحق في الوقف لتبين الحرف الموقوف عليه، فإذا وقف قال: لكنا، فأثبت الألف في الوقف كما كان يثبت الهاء فيه. ومثل ذلك في الإدغام ما حكاه أبو زيد من قول من سمعه يقرأ: (أن تقع علرض) [الحج/ 65] خفّف الهمزة، وألقى حركتها على لام المعرفة فصار على الرض. وخفّفها على قول من قال: الحمر، فأثبت همزة الوصل لأن اللام في تقدير السكون، فلمّا كان في تقدير السكون حذف الألف من على، كما يحذفها إذا كانت اللام ساكنة، فاجتمع لامان مثلان فأدغم الأولى في الثانية، ولو خفّفها على قول من قال: لحمر، لم يجز الإدغام لأن الألف في على تثبت ولا تحذف كما حذفت في القول الأول، لما كانت اللام في تقدير سكون، فلم يجز الإدغام لفصل

_ (1) السبعة 391.

الألف بين المثلين، فإذا وقف من أدغم لكنا أثبت الألف، وإذا لم يقف حذفها. ومثل هذه الألف في أنها تثبت في الوقف وتسقط في الإدراج، الألف في حيهلا، تقول: حيّ هل بعمر، فتحذفها، فإن وقفت قلت: حيّهلا، وقد تجيء هذه الألف مثبتة في الشعر في الإدراج، كقول الأعشى: فكيف أنا وانتحالي القوافي «1» وقول الآخر: أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذرّيت السّناما «2» ولا يكون هذا مختارا في القراءة، وقد جاء في غير هذا إجراء الوصل مجرى الوقف. نحو قوله: ببازل وجناء أو عيهلي «3» فأما من قرأ لكنا هو الله ربي في الوصل فإنه يحتمل أمرين: أحدهما: أن يجعل الضمير المتصل مثل المنفصل الذي هو: نحن، فيدغم النون من لكن لسكونها في النون من علامة الضمير، فيكون على هذا في الوصل والوقف، لكنا بإثبات الألف لا غير، ألا ترى أن أحدا لا يحذف الألف في نحو: فعلنا. وقوله: هو من: هو الله ربي علامة الحديث والقصة، كما أنه من قوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]

_ (1) صدر بيت للأعشى سبق في 2/ 365. (2) سبق في 2/ 365. (3) سبق في 1/ 152 (حاشية) و 2/ 362.

وقوله: قل هو الله أحد [الإخلاص/ 1] كذلك والتقدير: الأمر الله أحد، لأن هذا الضمير يدخل على المبتدأ والخبر، فيصير المبتدأ والخبر في موضع خبر، كما أنّه في: إنّ، وكأن، وظننت، وما يدخل على المبتدأ والخبر كذلك، وعاد الضمير على الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى، ولو عاد على اللفظ لكان: لكنا هو الله ربنا، ودخلت لكن على الضمير مخففة كما دخلت في قوله: إنا معكم [البقرة/ 14] وهذا وجه. ويجوز فيه وجه آخر: وهو أن سيبويه حكى أنه سمع من العرب من يقول: أعطني أبيضه «1»، فشدّد وألحق الهاء. والتشديد للوقف، وإلحاقه إياها، كإلحاقه الألف في: سبسبّا «2». والياء في: عيهلي «3». فأجرى الهاء مجراهما في الإطلاق كما كانت مثلهما في قوله: صفية قومي ولا تجزعي ... وبكي النساء على حمزة «4» فهذا الذي حكاه سيبويه في الكلام، وليس في شعر، وكذلك الآية تكون الألف فيها كالهاء، ولا تكون الهاء للوقف، ألا ترى أنّ هاء الوقف لا يبين بها المعرب، ولا ما ضارع المعرب، فعلى أحد هذين الوجهين يكون قول من أثبت الألف في الوصل أو عليهما جميعا. ولو كانت فاصلة لكان مثل فأضلونا السبيلا [الأحزاب/ 76].

_ (1) يريد: أبيض. الكتاب 2/ 283، باب: الوقف في أواخر الكلم المتحركة في الوصل. (2) يشير إلى بيت من الرجز لرؤبة وهو: وهبت الريح بمور هبّا ... تترك ما أبقى الدبا سبسبا قد سبق انظر 1/ 65، 410. (3) سبق قريبا. (4) لكعب بن مالك وقد سبق انظر 1/ 73، 212.

الكهف: 39

[الكهف: 39] وقرأ ابن كثير: (إن ترني أنا) [الكهف/ 39] و (يؤتيني خيرا) [40] و (نبغي فارتدا) [64]، و (إن تعلمني مما) [66] و (يهديني ربّي) [24] يثبت الياء في الوصل والوقف. وقرأ نافع وأبو عمرو بياء في الوصل في هذه الحروف، وزاد (فهو المهتدي) [17] بياء في الوصل، ويحذفها في الوقف. الكسائي يحذفها ويثبت الياء في (نبغي) وحدها في الوصل. ابن عامر وعاصم وحمزة يحذفون الياء في الوصل والوقف في كلّ ذلك «1». إثبات ابن كثير الياء فيما أثبت من هذه الحروف في الوصل والوقف هو الأصل والقياس، وإثبات نافع وأبي عمرو الياء في هذه الحروف التي حكيت عنهما في الوصل هو القياس والأصل، وحذفهما لها في الوقف أنه فواصل، أو قد أشبهت الفواصل، فحذفاها كما تحذف في القوافي لأنه موضع وقف، والوقف مما يعبّر فيه الكلم عن حالها في الوصل. وأما حذف ابن عامر وعاصم وحمزة الياء في هذه الحروف في الوصل والوقف فإن حذفهم لها في الوقف كحذف من تقدم ذكره، لأنها كالفواصل، وأما حذفها في الوصل «2»، فلأنهم قد يحذفون مما ليس بفاصلة في الوصل نحو: يوم يأت لا تكلم [هود/ 105]. [الكهف: 43] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عز وجل: ولم تكن له فئة [الكهف/ 43].

_ (1) السبعة 391، 392. (2) كذا الأصل ولعل الصواب «الوصل» بإسقاط الألف: أو: «الفواصل» بزيادة الفاء.

الكهف: 44

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر- فيما أرى-: ولم تكن بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي (ولم يكن) بالياء «1». الياء والتاء كلاهما حسن وقد مضى ذلك في غير موضع. [الكهف: 44] اختلفوا في قوله عز وجل: هنالك الولاية لله الحق [الكهف/ 44]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في الروايتين «2»: الولاية بفتح الواو لله الحق خفضا. وقرأ حمزة: (هنا لك الولاية لله الحقّ) بكسر الواو والقاف. وقرأ أبو عمرو: (هنا لك الولاية لله الحقّ) بفتح الواو وضم القاف. وقرأ الكسائي: (هنا لك الولاية) كسرا (لله الحقّ) بضم القاف «3». قال أبو علي: قال أبو عبيدة: الولاية: أي التوالي، قال: وهو مصدر الوليّ «4»، وحكي عن أبي عمرو والأصمعي أنّ الولاية هنا لحن، والكسر يجيء في فعالة فيما كان صنعة ومعنى، متقلّدا كالكتابة والإمارة والخلافة وما أشبه ذلك، وليس هنا معنى تولّي أمر إنّما هو الولاية من الدين وكذلك التي في الأنفال: ما لكم من ولايتهم من

_ (1) السبعة 392. (2) أي: رواية أبي بكر ورواية حفص. (3) السبعة 392. (4) مجاز القرآن 1/ 405 (الحاشية).

الكهف: 44

شيء [72]، وقد كسر قوم من القراء ذلك أيضا، وحكى ابن سلام عن يونس في قوله: (هنا لك الولاية لله الحق) قال يونس: ما كان لله عزّ وجل فهو ولاية مفتوح من الولاية في الدين، وما كان من ولاية الأمور فبالكسر: ولاية. وقال بعض أهل اللغة: الولاية: النصر. يقال: هم أهل ولاية عليك، أي: متناصرون عليك، والولاية: ولاية السلطان، قال: وقد يجوز الفتح في هذه والكسر في تيك، كما قالوا: الوكالة والوكالة، والوصاية والوصاية بمعنى واحد، فعلى ما ذكر هذا الذاكر يجوز الكسر في الولاية في هذا الموضع. وأما من قال: هنالك الولاية لله الحق فكسر القاف فإنه جعله من وصف الله سبحانه، ووصفه بالحق وهو مصدر كما وصفه بالعدل وبالسلام، والمعنى: أنه ذو الحق وذو السلام، وكذلك الإله معناه: ذو العبادة، يدلّ على ذلك قوله: ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور/ 25] وقوله: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [الأنعام/ 62]. ومن رفع (الحقّ) جعله صفة للولاية، ومعنى وصف الولاية بالحق أنه لا يشوبها غيره، ولا يخاف فيها ما يخاف في سائر الولايات من غير الحق. [الكهف: 44] اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله جل وعز: عقبا [الكهف/ 44]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: (عقبا) مضمومة القاف. وقرأ عاصم وحمزة: عقبا ساكنة القاف «1».

_ (1) السبعة 392.

الكهف: 47

أبو عبيدة: خير عقبا، وعاقبة، وعقبى، وعقبة، والمعنى واحد وهي الآخرة «1». قال أبو علي: ما كان على فعل جاز تخفيفه نحو العنق، والطنب وقد تقدم ذكر ذلك. [الكهف: 47] اختلفوا في قوله عز وجل: ويوم نسير الجبال [الكهف/ 47]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ويوم تسيّر) بالتاء. (الجبال) رفعا. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: نسير بالنون الجبال نصبا «2». حجة من بنى الفعل للمفعول به فقال: (تسير) قوله: وسيرت الجبال، وقوله: وإذا الجبال سيرت [التكوير/ 3]. ومن قال: نسير فلأنه أشبه بما بعده من قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] فإن قلت: وقد جاء وتسير الجبال سيرا [الطور/ 10] ولم يجب على هذا أن يقال: (تسيّر الجبال)، قيل: إنما قرئ على: (تسيّر الجبال) و (نسيّر الجبال) ولم يقرأ على غير هذين الوجهين، فكما أسند الفعل إلى المفعول به في قوله: (وسيّرت الجبال) كذلك أسند إليها في قوله: (تسيّر الجبال). [الكهف: 52] اختلفوا في قوله تعالى: ويوم يقول نادوا [الكهف/ 52] في النون والياء. فقرأ حمزة وحده: (نقول) بالنون وقرأ الباقون بالياء «3».

_ (1) مجاز القرآن 1/ 405. (2) السبعة 393. (3) السبعة 393.

الكهف: 55

قال أبو علي: قول حمزة (نقول) إن قبلها: وما كنت متخذ المضلين عضدا [الكهف/ 51] (ويوم نقول): محمول على ما تقدم في المعنى، فكما أن كنت للمتكلم كذلك (نقول) والجمع والإفراد في ذلك بمعنى. وحجة الياء أن الكلام الأول قد انقضى. وهذا استئناف، فالمعنى: ويوم يقول: أي يوم يقول الله سبحانه: أين شركائي الذين زعمتم وهذا يقوّي القراءة بالياء دون النون، ولو كان بالنون لكان أشبه بما بعده أن يكون جمعا مثله، فيقول: شركاءنا، فأما قوله: الذين زعمتم، فالراجع إلى الموصول محذوف، وخبر الزعم محذوف، والمعنى: الذين زعمتموهم إياهم، أي: زعمتموهم شركاء، فحذف الراجع من الصلة، ولا بد من تقديره، كقوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] ومثل هذا في حذف المفعولين جميعا، قول الشاعر، وهو الكميت: بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب «1» فالآية أقوى من هذا، لأن الراجع إلى الموصول مقتضى، وإذا ثبت الراجع ثبت حصول المفعول الثاني، لأن الاقتصار على الأول من المفعولين لا يجوز. [الكهف: 55] اختلفوا في قوله عز وجل: (العذاب قبلا) [الكهف/ 55] في كسر القاف وفتح الباء، وضم القاف والباء. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (قبلا) بكسر القاف.

_ (1) انظر المحتسب 1/ 183، الخزانة 4/ 5، والعيني 2/ 413، الدرر 1/ 134.

وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: قبلا رفعا «1». أبو عبيدة: قبلا مقابلة «2»، وقال أبو زيد: لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقُبُلا وقبليّا وقبيلا كلّه واحد [وهو المواجهة] «3». قال أبو علي: فقوله: قبلا، أي: مقابلة. وقالوا إذا سقى إبله ولم يكن أعدّ لها الماء قبل ورودها: سقاها قبلا، والقابل: الذي يسقيها وهي تقابل سقيه «4»، قال الراجز: لن يغلب اليوم جباكم قبلي «5» فهذا أيضا من المقابلة فمعنى: (أو يأتيهم العذاب قُبلا) أي: مقابلة من حيث يرونه وهذا كقوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24]. وأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي قبلا فيحتمل تأويلين: يجوز أن يكون قُبُلا بمعنى قبلا، كما حكاه أبو زيد، فيكون معنى القراءتين على ما فسره واحدا اختلف اللفظ، واتفق المعنى، ويجوز أن يكون قُبُلا جمع قبيل، كأنّه: يأتيهم العذاب قبيلا قبيلا، أي: صنفا صنفا، فجمع قبيلا الذي هو فعيلا على فُعُل، وصنوف العذاب التي يقابلونها كما أخذ أصحاب فرعون، فيكون ضروبا مختلفة كلّ قبيل منه

_ (1) السبعة 393. (2) مجاز القرآن 1/ 407 (حاشية). (3) النوادر (ط. الفاتح) ص 570 وما بين معقوفين منه. (4) السقب والصقب: عمود الخباء، والسقب بالسين لا غير: ولد الناقة، وقيل: الذكر من ولد الناقة (اللسان). (5) الجبا: أن يتقدم الساقي للإبل قبل ورودها بيوم، فيجبي لها الماء في الحوض ثم يوردها من الغد.

الكهف: 63

غير صاحبه، ويكون ضربا واحدا ويجيئهم منه شيء بعد شيء. [الكهف: 63] وقرأ الكسائي وحده: وما أنسانيه [الكهف/ 63] بإمالة السين. وكلهم فتحها غيره «1». قال أبو علي: الإمالة في السين من أنسانيه سائغة، لأنك تقول: أنسيته، وسواء كان من نسيت، الذي هو خلاف ذكرت، أو من نسيت الذي هو تركت، لأن كلّ واحد منهما يتعدّى إلى مفعول واحد، وإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالإمالة في السين شائعة من حيث قلت في كلّ واحد منهما أنسيته، وفي التنزيل: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم [الحشر/ 59]. حفص عن عاصم أنسانيه إلا بضم الهاء، وفي الفتح: بما عاهد عليه الله [الفتح/ 10] بضم الهاء. أبو بكر عن عاصم: أنسانية بكسر الهاء و (بما عاهد عليه الله) بكسر الهاء. الباقون بكسر الهاء من غير بلوغ ياء، إلا ابن كثير فإنه يثبت الياء في الوصل بعد الهاء (أنسانيهي إلا) «1». قال: وقد تقدم ذكر القول في وجوه ذلك كلها. [الكهف: 66] اختلفوا في قوله تعالى: مما علمت رشدا [الكهف/ 66] في التثقيل والتخفيف. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي: مما علمت رشدا مضمومة الراء خفيفة الشين. وقرأ ابن عامر: (مما علّمت رشدا)، مضمومة الراء والشين،

_ (1) السبعة 393.

هكذا في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان: رشدا: خفيفة، وقال هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا خفيفة. وقرأ أبو عمرو (رشدا)، مفتوحة الراء والشين «1». قال: رشدا ورشدا لغتان، وكلّ واحد منهما بمعنى الآخر، وقد أجرت العرب كلّ واحد منهما مجرى الآخر، فقالوا: وثن ووثن، وأسد وأسد وخشبة وخشب، وبدنة وبدن، فجمعوا فعلا على فعل، ولما كان فُعل يجري عندهم مجرى فعل جمعوا أيضا فُعلا على فُعل، كما جمعوا فعلا عليه. وذلك قوله: والفلك التي تجري في البحر [البقرة/ 164]، وفي أخرى: في الفلك المشحون [الشعراء/ 119] [يس/ 41]، فهذا يدلّك على أنهما عندهم يجريان جميعا مجرى واحدا، وعلى هذا أيضا جمعوا فُعلا وفَعَلا، على فعلانٍ، فقالوا: قاعٌ وقيعان. وتاج وتيجان، وقالوا: حوت وحيتان، ونون ونينان، وقد قيل: إن القراءة ب رشدا أرجح، لأنهم اتفقوا في قوله: فأولئك تحروا رشدا [الجن/ 14] على الفتح، والتي في الكهف رأس آية مثل ما وقع الاتفاق على فتحه، وتحريك عينه، فوجب أن يكون هذا أيضا مثله، من حيث اجتمعا في أن كل واحد في رأس آية. فأما انتصاب رشدا، فيجوز أن ينتصب على أنه مفعول له، ويكون متعلقا بأتّبع، وكأنّه: هل أتّبعك للرشد، أو لطلب الرّشد على أن تعلمني، فيكون على حالا من قوله: أتبعك، ويجوز أن يكون للرشد مفعولا به تقديره: هل أتبعك على أن تعلّمني رشدا مما علمته، ويكون العلم

_ (1) السبعة 394.

الكهف: 59

الذي يتعدّى إلى مفعول واحد يتعدّى بتضعيف العين إلى مفعولين، كقوله: وعلم آدم الأسماء كلها [البقرة/ 31] تقديره: هل أتّبعك على أن تعلّمني رشدا مما علمته. فحذفت الراجع من الصلة إلى الموصول، ويكون على هذا كلّ واحد من الفعلين قد استوفى مفعوليه اللذين يقتضيهما الفعلان، ومعنى: علّمني رشدا: علّمني أمرا ذا رشد، أو علما ذا رشد. [الكهف: 59] قال: قرأ عاصم وحده، في رواية أبي بكر: (لمهلكهم) [الكهف/ 59] بفتح الميم واللام الثانية. وفي النمل: (ما شهدنا مهلك أهله) [49] مثلها. وروى عنه حفص: لمهلكهم ومهلك أهله بكسر اللام فيهما. وقرأ الباقون: (لمهلكهم) و (مهلك أهله)، بضم الميم وفتح اللام «1». قالوا: هلك زيد وأهلكته، وفي التنزيل: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها [القصص/ 58] وفيه: أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا [الملك/ 28] وحكوا أن تميما تقول: هلكني زيد، كأنهم جعلوه من باب رجع، ورجعته، وغاض الماء وغضته، وعلى هذا حمل بعضهم: ومهمه هالك من تعرّجا «2» فقالوا: هو بمنزلة: مهلك من تعرّجا. ومن لم يجعل هلك

_ (1) السبعة 393. (2) شطر بيت من الرجز للعجاج في ديوانه 2/ 43. والمهمه: الأرض القفر المستوية وانظر ما سبق 4/ 379

الكهف: 70

متعدّيا ففي هالك ضمير عائد إلى النكرة، واسم الفاعل مضاف إلى المفعول به، كما أنّه لو كان مكان الهالك المهلك كان كذلك، ومن لم يجعل هالك بمعنى مهلك كان تقديره: هالك من تعرّجه، ومن تعرجه فاعل المهلك في المعنى وموضعه نصب مثل: حسن الوجه، فلمّا حذف التنوين أضافه إليه مثل حسن الوجه، فموضع «من تعرّجا»: جرّ على هذا الحدّ. فقول عاصم: (لمهلكهم): مصدر يكون على قول من عدّى هلكت مضافا إلى المفعول به، نحو من دعاء الخير [فصلت/ 49] وفي قول من لم يعدّ هلكت مضافا إلى الفاعل، كقولك: وجعلنا لهلاكهم. والمصدر من فعل في الأمر الشائع يبنى على مفعل. ومن قال: (وجعلنا لمهلكهم موعدا) كان المصدر مضافا إلى المفعول بهم، كأنّه: لإهلاكهم موعدا. ورواية حفص عن عاصم: لمهلكهم ومهلك الرواية الأولى، وفتح اللام التي هي عينٌ من مهلك أقيس وأشيع، وقد جاء المصدر من باب فعل يفعل بكسر العين قال: إلي مرجعكم [آل عمران/ 55] وقال: يسألونك عن المحيض [البقرة/ 222] وقالوا: ما في برّك مكيل، يريدون: الكيل، والأول أكثر وأوسع. [الكهف: 70] اختلفوا في قوله: (فلا تسألن عن شيء) [الكهف/ 70]. فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فلا تسألني ساكنة اللام. وقرأ نافع: (تسألني) مفتوحة اللام مشدّدة النون. وقرأ ابن عامر: (فلا تسألنّ عن شيء) اللام متحركة بغير ياء

الكهف: 71

مكسورة النون. وقال هشام عنه: (تسألني) بتاء مشدّدة النون «1». قول ابن كثير ومن تبعه عدّوا فيه السؤال إلى المفعول الذي هو المتكلم مثل: لا تضربنّي، ولا تظلمنّي، ونحو ذلك. وقول نافع: (تسألنّي) مفتوحة اللام، ففتحة اللام لأنه لما ألحق الفعل الثقيلة بنى الفعل معها على الفتح. فإن أثبت الياء، كما أثبت من تقدّم ذكره، فقد عدّاه إلى المفعول به كما عدّاه من تقدّم. فإن فتح النون عدّى الفعل في المعنى، وليس في اللفظ بمتعد. وقول ابن عامر: (فلا تسألنّ) ألحق الثقيلة، وعدّى الفعل إلى المفعول به في اللفظ، والكسرة في النون تدلّ على إرادة المفعول به، وحذف الياء من اللفظ. ورواية هشام (تسألنّي) بياء، مشدّدة النون، تعدّى الفعل فيه إلى المفعول به، وبيّن إثبات علامته غير محذوف منها الياء. [الكهف: 71] اختلفوا في الياء والتاء من قوله: لتغرق أهلها [الكهف/ 71] ورفع الأهل ونصبهم. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لتغرق بالتاء أهلها نصبا. وقرأ حمزة والكسائي: (ليغرق أهلها) بفتح الياء والراء (أهلها) رفع «2». وكلهم يخفّف الراء. قال أبو علي: لتغرق أولى ليكون الفعل مسندا إلى المخاطب

_ (1) السبعة 394. (2) السبعة 395، وسقط قوله بعد: «وكلهم يخفف الراء» منه.

الكهف: 74

كما كان المعطوف عليه كذلك، ألا ترى أن المعطوف عليه: أخرقتها وكذلك المعطوف، وهذا يجيء على معنى الياء، لأنه إذا أغرقهم غرقوا، وما بعده أيضا كذلك وهو قوله: لقد جئت فهو أيضا خطاب. قال: وكلهم خفف الراء، يعني أنهم قرءوا: لتغرق، ولم يقل أحد منهم لتغرّق، وذلك لقوله: فأغرقناهم أجمعين [الأنبياء/ 77]، ولقوله: وأغرقنا آل فرعون [البقرة/ 50]، وقد يدخل فَعَّلَ في هذا النحو نحو: غرّمته وأغرمته، إلا أن الذي جاء به التنزيل أولى. [الكهف: 74] اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عز وجل: نكرا [الكهف/ 74]. فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو الكسائي: نكرا خفيفة في كلّ القرآن إلا قوله: (إلى شيء نكر) [القمر/ 6]، وخفف ابن كثير أيضا (إلى شيء نكر). وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر في كلّ القرآن: (نكرا) و (نكر) مثقّل. حفص عن عاصم نكرا خفيفة. واختلف عن نافع فروى إسماعيل بن جعفر نكرا خفيفا في كل القرآن، إلا قوله: (إلى شيء نكر) فإنه مثقّل. وروى ابن جمّاز وقالون والمسيبي وأبو بكر بن أبي أويس وورش عن نافع (نكرا) مثقّل في كلّ القرآن، نصر عن الأصمعي عن نافع (نكرا) مثقل «1». قال أبو علي: نكر: فُعُل، وهو من أمثلة الصفات، قالوا: ناقة

_ (1) السبعة 395.

الكهف: 76

أجد، ورجل شلل، ومشية سجح وأنشد سيبويه: وامشوا مشية سجحا «1» فمن خفّف ذلك، فكما يخفّف العنق والعنق، والطنب والطنب، والشغل والشغل، والتخفيف في ذلك مستمر، وإذا كان الأمر كذلك فمن أخذ بالتثقيل وبالتخفيف كان مصيبا، وكذلك إن أخذ آخذ باللغتين وقرأ في موضع بالتخفيف وفي موضع بالتثقيل فجائز. [الكهف: 76] اختلفوا في قوله: من لدني [الكهف/ 76]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: من لدني مثقل. وقرأ نافع: (من لدني) بضم الدال مع تخفيف النون. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لدني) يشمّ الدال شيئا من الضم في رواية خلف عن أبي بكر عن عاصم. وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (من لدني) يسكن الدال مع فتح اللام. وروى أبو عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) بضم اللام وتسكين الدال وهو غلط. وفي كتاب المعاني الذي عمله إلى طه عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) مفتوحة اللام ساكنة الدال، وقال حفص عن عاصم: لدني مثل أبي عمرو وحمزة «2». قال أبو علي: من قال: من لدني، زاد النون التي تزاد مع

_ (1) هذه قطعة من بيت لحسان بن ثابت تمامه: دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحا ... إن الرجال ذوو عصب وتذكير انظر ديوانه 1/ 219 والكتاب 2/ 315 واللسان (سجح). (2) السبعة 396.

علامة المضمر المجرور والمنصوب في نحو: منّي وعنّي، وقطني، وضربني، فأدغم الأولى الساكنة في التي تزاد مع الضمير، فصار لدني، وهذا هو القياس، والذي عليه الاستعمال. وقرأ نافع (من لدني)، بضم الدال مع تخفيف النون. وجه ذلك: أنه على ما قدّم ذكره إلا في حذفه النون التي تلحق علامة الضمير، وإنما حذفها كما حذفت من قدني وقدي، قال: قدني من نصر الخبيبين قدي «1». ولا تكون النون المحذوفة الثالثة من لدن لأنها تردّ مع إضافتها إلى الضمير في نحو: من لدنه ويبشر [الكهف/ 2]، ومن لدنّا ولدنّي، فكما لا تحذف من علامة الضمير، وإن حذفت من: «لد شول» «2» و «لد غدوة» «3» فإنها تردّ مع الضمير إلى الأصل، كما ردّوا: فلا بك ما أسال ولا أغاما «4» ونحو ذلك. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لدني) يشمّ الدال شيئا من الضم في رواية خلف، قال أبو علي: وجه ذلك أن لدن مثل سبع، وعضد، فكما تحذف الضمة من نحو سبع، كذلك حذفت من لدن، فصار لدن، فأما إشمامها الضم فليعلم أن الدال كانت تتحرك بالضم، كما أن من قال: تغزين، وقيل، فأشمّ الحرفين الضمة، أراد أن يعلم أنها في الأصل مضمومة.

_ (1) سبق انظر 3/ 334. (2) سبق في ص 125. (3) سبق في ص 127. (4) سبق انظر 1/ 106.

قال أحمد: وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: يسكن الدال مع فتح اللام. قال أبو علي: هذا هو الوجه الذي تقدّم، إلا أنه لم يشمّ الدال الضمة، وإنما لم يشمّها، كما أن كثيرا منهم لا يشمّون الضمة نحو: قيل. قال: وروى أبو عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) بضم اللام، ويسكن الدال، قال أحمد: وهو غلط. قال أبو علي: يشبه أن يكون التغليط من أبي بكر أحمد في وجه الرواية، فأما من جهة اللغة ومقاييسها فهو صحيح، ألا ترى أنّ مثل سبع وعضد إذا خفف فتخفيفه على ضربين، أحدهما: أن تحذف الضمة وتبقى فتحة الفاء على حالها، فيقال: عضد. والآخر: أن تلقى الحركة التي هي الضمّة على الفاء، وتحذف الفتحة فيقال: عضد، فكذلك لدن، ومثل ذلك: كبد وكبد وكبد، فهذه أوجه هذه الرواية في القياس. والنون التي تتبع علامة الضمير تحذف إذا سكنت الدال، لأن الدال قد سكنت بإلقاء الحركة منها، والنون من لدن ساكنة، فتحذف النون، لأن إدغام الأولى فيها لا يصلح لسكون ما قبلها من الدال فيصير لدني أو لدني «1»، فيحذف لالتقاء الساكنين، أحدهما الدال المسكنة، والآخر نون لدن، فإن أدغمت ولم تحذف لزمك أن تحرّك الدال لئلا يلتقي ساكنان، فيصير في الامتناع للإدغام بمنزلة امتناعه في: قرم مالك، في تحريك الساكن في المنفصل، وهذا ممتنع، فلما لم يسغ ذلك حذف لالتقاء الساكنين إذ قد حذفت لالتقائهما في نحو: لد الصلاة ولد الحائط.

_ (1) كتب في الهامش (ط) من هنا إلى آخر الفصل سقط من كتاب الشيخ.

الكهف: 77

[الكهف: 77] اختلفوا في قوله: (لتخذت) [الكهف/ 77]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لتخذت) بكسر الخاء، وكان أبو عمرو يدغم الدال، وابن كثير يظهرها. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (لاتخذت). وكلّهم أدغم إلا ما روى حفص عن عاصم فإنه لم يدغم مثل ابن كثير «1». قال أبو زيد: اتّخذنا مالا فنحن نتّخذه اتّخاذا، وتخذت أتخذ تخذا. وحكى سيبويه: استخذ فلان أرضا «2»، يتأوّله على أمرين: أحدهما: أنه أراد اتّخذ فأبدل «3» السين من التاء الأولى، والآخر: أنه استفعل، فحذف التاء التي هي فاء، من تخذت. قال أبو علي: قوله: (لتخذت) بكسر الخاء: فعلت، وأنشدوا: وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ... نسيفا كأُفحوص القطاة المطرّق «4» وقال: وكان أبو عمرو يدغم الدال، ووجه الإدغام أن هذه الحروف متقاربة، فيدغم بعضها في بعض كما يدغم سائر المتقاربة، والطاء والدال، والتاء والذال والثاء والظاء، أدغم بعضها في بعض للمقاربة، فأما الصاد والسين والزاي فتدغم بعضها في بعض، وتدغم فيها الحروف الستة ولا يدغمن في الستة لما يختل في إدغامها في

_ (1) السبعة 396. (2) سيبويه 2/ 429. (3) في الأصل: فأن بدل. (4) سبق في 2/ 68.

الكهف: 81

مقاربها من الصّفير، فالذال أدغمها أبو عمرو في التاء، وإن كانت مجهورة والتاء مهموسة لأن ما بينهما من الجهر والهمس لا يمنع من الإدغام لقلة ذلك. فأما تبيين ابن كثير: (لتخذت) وتركه الإدغام، فلأن لكل حرف من الذال والتاء حيزا غير حيّز الآخر، فالذال من حيّز الظاء والثاء، فلم يدغم لاختلاف الحيّزين واختلاف الحرفين في الجهر والهمس. وحكى سيبويه أنهم قالوا: أخذت، فبيّنوا. [الكهف: 81] اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله جل وعزّ: أن يبدلهما [الكهف/ 81]. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: أن يبدلهما [الكهف/ 81] (وليبدلنهم) [النور/ 55] وأن يبدله أزواجا خيرا منكن [التحريم/ 5] وأن يبدلنا خيرا منها [ن/ 32] خفافا جمع. وقرأ نافع وأبو عمرو في الكهف والتحريم ونون والنور مشدّدا كلّه. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي في الكهف والتحريم ونون مخففا، وفي النور: وليبدلنهم مشدّدة. وروى حفص عن عاصم أنّه خفف في الكهف والتحريم ونون، وشدّد في النور «1». قال: بدّل وأبدل يتقاربان في المعنى، كما أن نزّل وأنزل كذلك، إلا أن بدّل ينبغي أن يكون أرجح لما جاء في التنزيل من قوله: لا تبديل لكلمات الله [يونس/ 64] ولم يجيء منه الإبدال كما جاء

_ (1) السبعة 397.

الكهف: 81

التبديل في مواضع من القرآن، وقد جاء: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج [النساء/ 20] فهذا يكون بمعنى الإبدال كما أن قوله: فلم يستجبه عند ذاك مجيب «1» بمعنى: فلم يجبه، فكما جاءت يستجبه بمنزلة يجبه، كذلك الاستبدال يمكن أن يكون بمعنى الإبدال، فأما من قال: إن بدّل غير أبدل، لأن قولك: تبدل، هو أن تذهب بالشيء وتجيء بغيره، كقوله: عزل الأمير للأمير المبدل «2» وقد يقال: يبدّل في الشيء، وقد يكون قائما وغير قائم، كقوله: وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا [النور/ 55] فالخوف ليس بقائم في حال الأمن، ومن قال: وإذا بدلنا آية مكان آية [النحل/ 101] فقد تكون الآية المبدلة قائمة التلاوة كقوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر [البقرة/ 234] والذين يتوفون منهم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج [البقرة/ 240]. وربما رفع المبدل من التلاوة. وقال: وبدلناهم بجنتيهم جنتين [سبأ/ 16] فالجنتان قائمتان، وقال: فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم [البقرة/ 59] فالقولان جميعا قائمان، فليس ينفصل بدّل من أبدل في هذا النحو بشيء. [الكهف: 81] اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عز وجل: رحما [81]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي: (رحما) ساكنة الحاء.

_ (1) هذا عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي سبق في 1/ 352. (2) هذا رجز لأبي النجم، انظر تهذيب اللغة 14/ 132، واللسان (بدل).

الكهف: 92، 89، 85

وقرأ ابن عامر: رحما مثقلة الحاء، وروي عن أبي عمرو: (رُحما ورُحُما). عباس عن أبي عمرو أنه قال: أيتهما شئت فاقرأ. قال: وأنا أقرأ بالضم (رحما). علي بن نصر، عن أبي عمرو: وأقرب رحما و (رحما) بتسكين الحاء وتحريكها «1». أبو عبيدة «2»: الرّحم والرّحم، وهو الرحمة، وأنشد العجاج: ولم تعوّج رحم من تعوّجا «3» وأنشد غيره لرؤبة: يا منزل الرّحم على إدريس ... ومنزل اللعن على إبليس «4» قال أبو عبيدة: وأقرب رحما: عطفا. [الكهف: 92، 89، 85] اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة

_ (1) السبعة 397. (2) مجاز القرآن 1/ 413. (3) ديوان العجاج 2/ 66، وفيه: ولم تعرّج رحم من تعرّجا (4) ديوان رؤبة/ 175 وانظر اللسان (رحم).

التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة «1». أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك. قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل. فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو

_ (1) السبعة 398.

حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه. وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي

الكهف: 86

ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا «1». [الكهف: 86] اختلفوا في قوله تعالى: في عين حمئة [الكهف/ 86]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: حمئة [الكهف/ 86] وكذلك عاصم في رواية حفص: حمئة «2». وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي (حامية) «3». أبو عبيدة: في عين حميئة: ذات حمأة «4». قال الحسن: رحمه الله من قرأ: حمئة فهي فعلة، ومن قرأ: (حامية) فهي فاعلة من حميت تحمى فهي حامية. حدّثنا الكندي قال: حدثنا المؤمّل قال: حدثنا إسماعيل عن ابن أبي رجاء عن الحسن في قوله: (في عين حامية) قال: حارّة، ويجوز فيمن قرأ: (حامية) أن يكون فاعلة من الحمأة، فخفّف الهمزة على قياس قول أبي الحسن، فقلبها ياء محضة، وإن خفّف الهمزة من فاعل على قول الخليل كانت بين بين. قال سيبويه: وهو قول العرب والخليل. وروي عن ابن عباس قال: كنت عند معاوية فقرأ: (في عين حامية) فقلت: ما نقرؤها إلا حمئة فقال: لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين، قال ابن عباس: فقلت: في بيتي نزل القرآن، فأرسل معاوية إلى كعب: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: أما

_ (1) مجاز القرآن 1/ 413. (2) زاد في السبعة موضحا: «مهموزة بغير ألف». (3) السبعة 398 وزاد: بألف غير مهموزة. (4) مجاز القرآن 1/ 413.

الكهف: 88

العربية، فأنتم أعلم بها، وأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين، وكان جمهور الناس على (حامية) «1». [الكهف: 88] اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله عز وجل: جزاء الحسنى [الكهف/ 88]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر (جزاء الحسنى) «2» رفع مضافة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جزاء الحسنى منون منصوب «3». قال أبو علي: من قرأ: (جزاء الحسنى)، كان المعنى: له جزاء الخلال الحسنى، لأن الإيمان والعمل الصالح خلال، فالتقدير: المؤمن له جزاء الخلال الحسنة التي أتاها وعملها. ومن قال: فله جزاء الحسنى فالمعنى: له الحسنى جزاء، أي: له الخلال الحسنى جزاء، فالجزاء مصدر واقع موقع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيّة، قال أبو الحسن: وهذا لا تكاد العرب تكلم به مقدّما إلا في الشعر. [الكهف: 94، 93] اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله جل وعزّ: (بين السدين) [الكهف/ 93]. فقرأ ابن كثير: بين السدين بفتح السين، وبينهم «4» سدا

_ (1) انظر تفسير البحر المحيط 6/ 159 والقرطبي 11/ 49. (2) سقطت من الأصل. (3) السبعة 398. (4) في الأصل (بينهما) وهو خطأ.

[الكهف/ 94] بفتح السين أيضا، وقرأ في يس: (سدّا) و (سدّا) [9] «1»، وأبو عمرو مثله. حفص عن عاصم بفتح ذلك كلّه. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر بضم السين في ذلك كلّه، وكذلك ابن عامر. وقرأ حمزة والكسائي بضم (بين السّدين) وحدها، ويفتحان: وبينهم سدا ومن بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا «2». أبو عبيدة: كلّ شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سدّ، وما بناه الآدميون فهو سدّ «3»، وقال غيره: هما لغتان بمعنى واحد، كالضّعف والضّعف، والفَقر والفُقر. قال أبو علي: ويجوز أن يكون السّد المصدر من سددته سدا، والسّد: المسدود في الأشياء التي يفصل فيها بين المصادر والأسماء نحو السِّقي والسُّقي، والطِّحن والطُّحن والشِّرب والشُّرب والقبض والقبض، فإذا كان ذلك كذلك، فالأشبه (بين السّدين) لأنه المسدود. ويجوز فيمن فتح السّدين أن يجعله اسما للمسدود، نحو: نسج اليمن، وضرب الأمير تريد بهما: منسوجه ومضروبه، فأما ما في يس من قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا) [يس/ 9]، فمن ضم كان المعنى جعلنا بينهم مثل السّد والحاجز المانع من الرؤية، ومن فتح جعل السّد المسدود، قال أبو الحسن المفتوحة أكثر اللغتين.

_ (1) الآية بتمامها: وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون. (2) السبعة 399. وزاد في الأصل: (وبينهم سدّا) ولا ضرورة لإثباتها فقد سبق ذكرها. (3) مجاز القرآن 1/ 414.

الكهف: 93

[الكهف: 93] اختلفوا في فتح الياء وضمها من قوله تعالى: يفقهون قولا [الكهف/ 93]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: (يفقهون قولا) بفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي: يفقهون قولا بضم الياء، وكسر القاف «1». لا يكادون يفقهون قولا أي: يعلمونه ولا يستنبطون من فحواه شيئا. ومن قال: (لا يكادون يفقهون) فإنّ فقهت فعل يتعدّى إلى مفعول واحد، تقول: فقهت السّنّة، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالمعنى فيمن ضم: لا يكادون يفقهون أحدا قولا، فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله: لينذر بأسا شديدا [الكهف/ 2] وكما حذف من قوله: فأتبعوهم مشرقين «2» [الشعراء/ 60]. وهذا النحو غير ضيّق. [الكهف: 94] اختلفوا في همز يأجوج ومأجوج [الكهف/ 94]. فقرأ عاصم وحده: يأجوج ومأجوج مهموز هاهنا، وفي سورة الأنبياء «3» [96] أيضا. وقرأ الباقون بغير همز «4». اعلم أنك إن جعلت (يأجوج) عربيّا فيمن همز فهو يفعول مثل يربوع، وهو من أجّ من قولك: هبّ له بأجّة «5»، وليس من يأجج الذي

_ (1) السبعة 399. (2) أي: فأتبعوهم جندهم مشرقين. (3) وهي قوله سبحانه: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون). (4) السبعة 399. (5) وهي شدة الحر.

الكهف: 93

حكاه سيبويه «1»، لأن الياء في يأجج فاء فالكلمة من ياء وهمزة وجيم وأظهر الجيم في يأجج لأنها للإلحاق كما أظهرت الدال في مهدد لذلك، ولو كان في العربية فعلول لأمكن أن يكون يأجوج فيمن همز فعلول من يأجوج، ومن لم يهمز فقال: يأجوج، أمكن أن يكون خفف الهمزة، فقلبها ألفا مثل رأس، فهو على قوله أيضا يفعول، فإن كانت الألف في يأجوج فيمن لم يهمز ليس على التخفيف، فإنه فاعول من ي ج ج، فإن جعلت الكلمة من هذا الأصل كانت الهمزة فيها كمن قال: سأق، ونحو ذلك مما جاء مهموزا ولم ينبغ أن يهمز، ويكون الامتناع من صرفه على هذا للتأنيث والتعريف، كأنه اسم للقبيلة كمجوس. وأما (مأجوج) فيمن همز فمفعول من أجّ كما أن يأجوج يفعول منه، فالكلمتان على هذا من أصل واحد في الاشتقاق. ومن لم يهمز ماجوج كان ماجوج عنده فاعول من مجّ، كما كان يأجوج من يجّ، فالكلمتان على هذا من أصلين وليسا من أصل واحد، كما كانتا كذلك فيمن همزهما، ويكون ترك الصرف فيه أيضا للتأنيث والتعريف، وإن جعلتهما من العجمي فهذه التمثيلات لا تصح فيهما، وامتنعا من الصرف للعجمة والتعريف، وإنما تمثل هذه التمثيلات في العجمية ليعلم أنها لو كانت عربيّة لكانت على ما يذكرا. [الكهف: 93] اختلفوا في قوله جل وعز «2»: خرجا [الكهف/ 94] فخراج ربك [المؤمنون/ 72].

_ (1) حكاه في باب علل ما تجعله زائدا من حروف الزوائد، وما تجعله عن نفس الحرف. انظر الكتاب 2/ 346. (2) جاء عن هامش الأصل: بلغ.

الكهف: 95، 96

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: خرجا، وفي المؤمنين: خرجا بغير ألف. فخراج الأخير بألف. وقرأ ابن عامر: خرجا بغير ألف، وفي المؤمنين خرجا بغير ألف، (فخرج ربّك) بغير ألف في الثلاثة. وقرأ حمزة والكسائي ثلاثتهن بألف «1». قال أبو علي: هل نجعل لك خرجا: أي: هل نجعل لك عطيّة نخرجها إليك من أموالنا، وكذلك قوله: أم تسألهم خرجا، أي: مالا يخرجونه إليك، فأما المضروب على الأرض فالخراج، وقد يجوز في غير ضرائب الأرض الخراج بدلالة قول العجاج: يوم خراج يخرج الشمرّجا «2». فهذا ليس على الضرائب التي ألزمت الأرضين المفتتحة كأرض السواد، لأن ذلك لا يكاد يضاف إلى وقت من يوم وغيره، وإنما هو شيء مؤبد لا يتغير عما عليه من اللزوم للأرضين، ويدلّ على أن الخراج العطيّة منهم له، قوله في جوابه لهم: ما مكني فيه ربي خير [الكهف/ 95] كأن المعنى: ما مكنني فيه من الاتساع في الدنيا خيرٌ من خرجكم الذي بذلتموه لي، فأعينوني بقوّة دون الخراج الذي بذلتموه. [الكهف: 95، 96] قال: كلّهم قرأ: ردما، آتوني [الكهف/ 95، 96] ممدودا غير عاصم فيما حدّثني به إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي عن أبيه عن

_ (1) السبعة 400. (2) انظر ديوانه 2/ 25، وفيه السّمرجا، وانظر اللسان (شمرج).

يحيى عن أبي بكر عن عاصم: (ردما ائتوني) بكسر النوين «1». وحدّثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (ردما. ءاتوني) بكسر النوين على معنى جيئوني. وحدّثني. موسى بن إسحاق عن هارون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم: (ردما ءاتوني) مثله، على جيئوني. وروى حفص عن عاصم: ردما آتوني مثل أبي عمرو «2». حجة من قرأ ردما ءاتوني أن (ائتوني) أشبه بقوله: فأعينوني بقوة [الكهف/ 95] لأنه كلّفهم المعونة على عمل السد، ولم يقبل الخراج الذي بذلوه. فقوله: (ءاتوني) الذي معناه: جيئوني، إنما هو معونة على ما كلّفهم من قوله: فأعينوني بقوة. وأما آتوني فمعناه: أعطوني، وأعطوني يجوز أن يكون على المشاركة، ويجوز أن يكون على الاتهاب. أخبرنا أبو الحسن عبد الله بن الحسين، أن ابن سماعة روى عنه محمد في رجل كان عنده ثوب لرجل، فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك، قال: هو صدقة، فإن لم يكن الثوب عنده ولكن عند ربّ الثوب فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك قال: هو عارية. وقولهم: آتوني مثل أعطوني في المعنى، وقد احتمل أعطوني الوجهين، وكذلك يحتملها آتوني. وائتوني لا يحتمل إلا جيئوني،

_ (1) زاد في السبعة: ووصل الألف. (2) السبعة 400.

فائتوني المقصورة هاهنا أحسن لاختصاصه بالمعونة فقط دون أن يكون سؤال عين، والعطيّة قد تكون هبة، قال: ومنّا الذي أعطى الرسول عطيّة ... أسارى تميم والعيون دوامع «1» فالعطية تجري مجرى الهبة لهم والإنعام عليهم في فك الأسير، وقد يكون بمعنى المناولة. ووجه قول من قرأ: آتونى أنه لم يرد بآتوني: العطيّة والهبة، ولكن تكليف المناولة بالأنفس، كما كان قراءة من قرأ: (ائتونى) لا يصرف إلى استدعاء تمليك عين بهبة ولا بغيرها، وأمّا انتصاب (زبر الحديد) فإنك تقول: أتيتك بدرهم، وقال: أتيت بعبد الله في القد موثقا ... فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر «2» فيصل الفعل إلى المفعول الثاني بحرف الجر، ثم يجوز أن يحذف الحرف اتساعا، فيصل الفعل إلى المفعول الثاني على حدّ: أمرتك الخير «3» .. ونحوه. قال: قرأ ابن كثير وحد: (ما مكنني) [الكهف/ 95] بنونين، وكذلك هي في مصاحف أهل مكّة.

_ (1) البيت للفرزدق من قصيدة هجا بها جريرا وهي من النقائض ص 696. انظر ديوانه 2/ 516 وشرح أبيات مغني اللبيب 3/ 122. (2) البيت لم يعرف قائله، انظر ابن الشجري 1/ 353، والأشموني 4/ 51 والعيني 4/ 475. والقدّ: سير يقدّ من جلد غير مدبوغ. (3) يشير إلى بيت عمرو بن معد يكرب، وقد سبق انظر 2/ 331.

الكهف: 96

وقرأ الباقون ما مكني مدغم «1». قال أبو زيد: رجل مكين عند السلطان من قوم مكناء، وقد مكن مكانة. قال أبو علي: مكن فعل غير متعد كشرف وعظم، فإذا ضعّفت العين عديته بذلك كقولك: شرّفته وعظمته، فقول ابن كثير: مكنني يكون منقولا من مكن، وكذلك قول الباقين، فأما إظهار المثلين في مكّنني فلأن الثاني منهما غير لازم، لأنك قد تقول: مكّنك ومكّنه فلا تلزم النون، فلما لم تلزم لم يعتد بها، كما أن التاء في اقتتلوا كذلك، ومن أدغم لم ينزله منزلة ما لا يلزم، فأدغم، كما أن من قرأ: قتّلوا في: اقتتلوا كذلك. [الكهف: 96] اختلفوا في قوله: بين الصدفين [الكهف/ 96]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (الصدفين) بضم الصاد والدال. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الصدفين بفتح الصاد والدال. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (الصدفين) بضم الصاد وتسكين الدال. وروى حفص عن عاصم: الصدفين بفتحتين «2». هذه لغات في الكلمة فاشية زعموا. وقال أبو عبيدة: الصدفان: جانبا الجبل «3». [الكهف: 96] اختلفوا في قوله تعالى: آتوني أفرغ عليه [الكهف/ 96] فقرأ

_ (1) السبعة 400. (2) السبعة 401. (3) انظر مجاز القرآن 1/ 414.

الكهف: 96

ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي قال آتوني أفرغ ممدودا، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة (قال ائتوني) قصرا. وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه قال: آتوني ممدودة. حفص عن عاصم قال: آتوني ممدودة «1». قال أبو على: أما قراءة من قرأ (ائتوني أفرغ عليه قطرا) فمعناه: جيئوني به، واللفظ على إيصال الفعل إلى المفعول الثاني بالحرف، كما كان قوله: (ائتوني زبر الحديد) كذلك، إلا أنه أعمل الفعل الثاني، ولو أعمل الأول لكان: (ائتوني أفرغه عليه قطرا)، إلا أن تقدير الفعل أن يصل إلى المفعول الثاني، بلا حرف كما كان كذلك في قوله: (ائتوني زبر الحديد)، وجميع ما مرّ بنا في التنزيل من هذا النحو إنما هو على إعمال الثاني كما يختاره سيبويه، فمنه قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء/ 176] ومنه قوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19]. ووجه من قال: آتوني أفرغ عليه قطرا أن المعنى: ناولوني قطرا أفرغه عليه، إلا أنه أعمل الثاني من الفعلين كما أعمل الثاني في قصر ائتوني. [الكهف: 96] قال: كلّهم قرأ فما اسطاعوا [الكهف/ 96] بتخفيف الطاء غير حمزة فإنه قرأ (فما استطاعوا) يريد: فما استطاعوا، ثم يدغم التاء في الطاء، قال: وهذا غير جائز لأنه قد جمع بين السين وهي ساكنة والتاء المدغمة وهي ساكنة «2».

_ (1) السبعة 401. (2) السبعة 401.

قالوا: طاع يطوع، فلم يتعدّ الفعل منه، فإذا أريد تعديته ألحقت الهمزة فقالوا: أطعت زيدا، قال: وأطيعوا الله ورسوله [الأنفال/ 1] وقالوا أيضا: اسطاع يسطيع في معنى أطاع يطيع، وقولهم: أسطاع أفعل، وإنما ألحقت السين البناء لنقل الحركة إلى الفاء وتهيئة الكلمة بنقل الحركة فيها للحذف، ألا ترى أنها هيأت الكلمة للحذف منها في نحو لم يسطع، ومثل السين في ذلك الهاء في قول من قال: أهراق يهريق. فالهاء في أنها عوض مثل السين في اسطاع، وليس هذا العوض بلازم، ألا ترى أنّ ما كان نحوه لم يلزم هذا العوض. وقالوا أيضا: استطاع يستطيع، وفي التنزيل: هل يستطيع ربك [المائدة/ 112] فهذا استفعل، وكأن استفعل في ذلك جاء في معنى أفعل، كما أنّ استجاب في معنى أجاب في نحو: فلم يستجبه عند ذاك مجيب «1» وحذفوا من الكلمة التاء المزيدة مع السين فقالوا: اسطاع يسطيع، وفي التنزيل: فما استطاعوا أن يظهروه وهو قراءة الجمهور، لما اجتمعت المتقاربة أحبّوا التخفيف بالإدغام كما أحبّوا ذلك في الأمثال، فلمّا لم يسغ التخفيف بالإدغام لتحريك ما لم يتحرك في موضع عدل عنه إلى الحذف، كما أنه لما اجتمع المثلان في قولهم: علماء بنو فلان، يريدون: على الماء، ولم يسغ إدغام الأولى في الثانية وإن كانت تتحرك بحركة الهمزة في نحو قولهم: الحمر، حذفوا الأول من المثلين لما كان الإدغام يؤدي إلى تحريك ما تكره الحركة فيه فأما تحريكه بحركة الهمزة فهي في هذا التحريك في نية السكون

_ (1) هذا عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي سبق في 1/ 352.

يدلّك على ذلك تقدير همزة الوصل مع تحرّك اللام، فقالوا: علماء بنو فلان، فحذفوا الأول من المثلين حيث لم يتجه الإدغام، وهذا أولى من قولهم، اسطاع، لأن هذه السين لم تتحرك في موضع من الحركات كما تحركت اللام، فهذا استفعل بمنزلة أفعل وأجروا المتقاربين في هذا مجرى المثلين، فقالوا: بلعنبر، لما كانت النون مقاربة اللام، وكانت تدغم فيها في نحو: من لك، أريد إدغامها في هذا الموضع أيضا، فلما لم يسغ ذلك عندهم خففوا بالحذف كما خففوا به في المثلين، ولغة أخرى خامسة في الكلمة، وهي أن بعضهم قال في: يسطيع: يستيع، فهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنه أبدل من الطاء التي هي فاءٌ التاء ليقربها من الحرف الذي قبلها، فأبدل التاء لتوافق السين في الهمس، كما أبدل الدال من التاء في نحو: ازدان ليوافق ما قبله في الجهر، والآخر: أن يكون حذف الطاء لما لم يستقم إدغام ما قبلها في المتقارب منها، كما حذف المثل والمتقارب من: علماء بنو فلان، وبلعنبر، ويكون هذا في أنه حذف من الكلمة الأصل للتخفيف، بمنزلة قولهم: تقيت، ألا ترى أنه في الأصل: اتّقى، فحذف الفاء التي هي في الأصل واو، فلما حذفها سقطت همزة الوصل المجتلبة لسكون الفاء فبقي تقيت على فعلت، فإن قلت: فلم لا يكون على أنه أبدل من الفاء التي هي واو التاء، كما أبدل من تيقور وتولج «1» ونحو ذلك، ولا يكون على ما ذكرت من حذفه الفاء من افتعلت، فالدليل

_ (1) تيقور: من الوقار، وهو فيعول، أبدلت التاء من الواو، وأصله: ويقور، وتولج: وهو الكناس الذي يستظل به الوحش في شدة الحر، ووزنه: فوعل على رأي الخليل أيضا، فأبدلوا التاء مكان الواو وجعل فوعلا أولى بهما من تفعل، لأنك لا تكاد تجد في الكلام تفعلا اسما، وفوعل كثير. انظر الكتاب 2/ 356 والمنصف 3/ 38، 39.

على أن الحذف من افتعلت وليس على حد ما ذكرت قولهم في المضارع: يتقي ولو كان على الحد الآخر لسكن ما بعد حرف المضارعة وأنشدنا: يتقي به نفيان كلّ عشيّة «1» ومثل تقديره الفاء التي هي طاء من يستيع، تقدير حذف التاء من قولهم: استخد فلان ما لا، يجوز أن يكون: استتخد، فحذف الفاء لاجتماع حروف متماثلة، فحذفت التاء التي هي فاء، كما حذفت الفاء في يستيع، وإنما هو يستطيع، ويجوز أن يكون: استخذ اتخذ، فأبدل السين من التاء لاجتماعهما في الهمس ومقاربة المخرج، وأبدلت السين من التاء، كما أبدلت التاء من السين في قولهم: طست. قال العجاج: أأن رأيت هامتي كالطّست «2» والأصل السين، يدل على ذلك أن أبا عثمان أنشد: لو عرضت لأيبليّ قسّ أشعث في هيكله مندسّ ... حنّ إليها كحنين الطسّ «2» فأمّا قول حمزة: فما اسطاعوا أن يظهروه فإنما هو على إدغام التاء في الطاء ولم يلق حركتها على السين فيحرك ما لا يتحرك، ولكن

_ (1) صدر بيت لساعدة وعجزه: فالماء فوق متونه يتصبّب انظر شرح ديوان الهذليين 3/ 1100 واللسان (نفي) وفيه: يقرو، مكان يتقي. (2) سبق في 3/ 120.

الكهف: 98

أدغم مع أنّ الساكن الذي قبل المدغم ليس حرف مدّ، وقد قرأت القراء غير حرف من هذا النحو، وقد قدّمنا ذكر وجه هذا النحو، ومما يؤكّد ذلك أن سيبويه أنشد: كأنّه بعد كلال الزاجر ... ومسحي مرّ عقاب كاسر «1» والحذف في: ما استطاعوا، والإثبات في ما استطاعوا، كلّ واحد منهما أحسن من الإدغام على هذا الوجه. [الكهف: 98] اختلفوا في قوله عز وجل: (دكا) [الكهف/ 98]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (دكّا) منون غير مهموز ولا ممدود. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: دكاء ممدود مهموز بلا تنوين. وهبيرة عن حفص (دكّا) منون غير ممدود، وقال غير هبيرة عن حفص عن عاصم: ممدود «2». قال أبو علي: من قال: (جعله دكّا) احتمل أمرين: أحدهما: أنه لمّا قال: جعله وكان بمنزلة خلق وعمل، فكأنه قد قال: دكّه دكّا، فحمله على الفعل الذي دلّ عليه قوله: جعله، والوجه الآخر: أن يكون جعله ذا دك، فحذف المضاف، ويمكن أن يكون حالا في هذا الوجه. ومن قال: جعله دكاء فعلى حذف المضاف، كأنه جعله مثل دكّاء، قالوا: ناقة دكّاء، أي: لا سنام لها، ولا بدّ من تقدير الحذف،

_ (1) سبق انظر 2/ 397، وانظر الكتاب 2/ 413. (2) السبعة 402.

الكهف: 109

لأن الجبل مذكّر فلا يوصف بدكاء، لأنه من المؤنث وجعل مثل خلق، ويمكن أن يكون حالا. [الكهف: 109] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أن تنفد كلمات ربي [الكهف/ 109]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم «1»: قبل أن تنفد كلمات بالتاء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (ينفد) بالياء «2». قال أبو علي: التأنيث أحسن، لأن المسند إليه الفعل مؤنث، والتذكير حسن أيضا لأن التأنيث ليس بحقيقي وقد تقدم ذكر ذلك في غير موضع.

_ (1) زاد في السبعة «ابن عامر» فيمن قرأ هذه القراءة، وأنقصه في قراءة الياء. (2) السبعة 402.

سورة مريم

ذكر اختلافهم في سورة مريم [مريم: 1، 2] اختلفوا في كهيعص. ذكر [1، 2]. فقرأ ابن كثير كهيعص بفتح الهاء والياء، وتبيين الدال التي في هجاء صاد. وقرأ أبو عمرو كهيعص. ذكر بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال. نافع يلفظ بالهاء والياء بين الكسر والفتح، ولا يدغم الدال التي في هجاء صاد في الذال من ذكر هذا قول محمد بن إسحاق عن أبيه. وقال ابن سعدان عن إسحاق المدني عن نافع بفتح الهاء والياء ويدغم، وقال إسماعيل بين الكسر والفتح. وقال أحمد بن صالح عن ورش، وقالون عن نافع: الهاء بين الكسر والفتح، ونون العين غير مبيّنة، ودال صاد «1» غير مبيّنة وهو معها «2» ذال. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والكسائي بكسر «3» الهاء والياء والكسائي لا يبين الدال وعاصم يبيّنها.

_ (1) في الأصل: ودال وصاد، وفي السبعة: ودال الصاد. (2) في السبعة: «وموضعها» بدل: «وهو معها». (3) في السبعة: يكسران.

وقرأ حمزة وابن عامر كهيعص. ذكر بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان، وكلّهم يخفي نون (عين). وروى ابن اليتيم عن أبي حفص عن عاصم أنه كان يبين الهاء ولا يرفعها ولا يكسر الياء. أبو عمارة عن حفص عن عاصم يفخم «1». القول في إمالة هذه الحروف أن إمالتها لا تمتنع، لأنها ليست بحروف معنى وإنما هي أسماء لهذه الأصوات، قال سيبويه: قالوا: با، تا، لأنها أسماء ما يتهجى به «2»، فلما كانت أسماء غير حروف جازت فيها الإمالة كما جازت في الأسماء. ويدلّك على أنها أسماء أنها إذا أخبرت عنها أعربتها، وإن كنت لا تعربها قبل ذلك، كما أن أسماء العدد إذا أخبرت عنها أعربتها، فكما أن أسماء العدد قبل أن تعربها أسماء، فكذلك هذه الحروف، وإذا كانت أسماء ساغت الإمالة فيها، فأما من لم يمل فعلى قول أهل الحجاز. قال: كلّهم يخفي نون عين. حفص عن عاصم يبيّن النون، قال أبو عثمان: بيان النون مع حروف الفم لحن، إلا أن هذه الحروف تجري على الوقف عليها والقطع لها مما بعدها، فحكمها البيان وأن لا تخفى، وقول عاصم هو القياس فيها وما لا مذهب عنه، وكذلك أسماء العدد حكمها على الوقف على أنها منفصلة مما بعدها. ومما يبيّن أنها على الوقف أنهم قالوا: ثلاثة اربعة، فألقوا حركة الهمزة على الهاء لسكونها ولم يقلبوها تاء، وإن كانت موصولة لما كانت النية بها الوقف، فكذلك النون ينبغي أن تبيّن لأنها في نيّة الوقف والانفصال

_ (1) السبعة 406، 407. (2) الكتاب 2/ 267. وعنده: «لأنها أسماء ما يلفظ به» بدل: «يتهجّى به».

مريم: 5

ممّا بعدها. ولمن لم يبيّن أن يستدلّ بتركهم قطع الهمزة من قوله: (الميم الله) [آل عمران/ 1 - 2] ألا ترى أن الهمزة لم تقطع، وإن كان ما هي منه في تقدير الانفصال ممّا قبله، فكما لم تقطع الهمزة في الم الله وفي قولهم: واحد اثنان، كذلك لم تبيّن النون لأنها جعلت في حكم الاتصال، كما كانت الهمزة فيما ذكرنا كذلك. قال أبو الحسن: التبيين: يعني تبيين النون، أجود في العربية لأن حروف الهجاء والعدد منفصل بعضها من بعض، قال: وعامة القراء على خلاف التبيين. [مريم: 5] اختلفوا في قوله: من ورائي [مريم/ 5]. فقرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل- من ورائي مهموزة ممدودة مفتوحة الياء. وحدثوني عن خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: (من وراي) مثل: عصاي [طه/ 18] وهداي [طه/ 123] بغير همز ونصب الياء. وكلّهم همز ومدّ وأسكن الياء، غير ابن كثير «1». قال أبو عبيدة «2» وغيره: من ورائي: من قدامي، وكذلك قال: في قوله: وكان وراءهم ملك [الكهف/ 79] أي: بين أيديهم وأنشد لسوار بن المضرّب: أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا «3»

_ (1) السبعة 407. (2) مجاز القرآن 2/ 1. (3) البيت في الكامل 2/ 445. من قصيدة قالها لما هرب من الحجاج وانظر مجاز القرآن 1/ 337 و 412 و 2/ 1 والجمهرة 1/ 177 واللسان والتاج (ورى) والطبري 16/ 2 والقرطبي 11/ 35.

أي: أمامي، وهكذا حكى عنه التوزي، قال: وقال: وراء الرجل: خلفه ووراؤه: قدّامه: قال: وكان وراءهم ملك أي: أمامهم. وكذلك قوله عز وجل: ومن ورائه عذاب غليظ [إبراهيم/ 17]، أي: أمامه، قال التوزي: وأنشدنا أبو عبيدة: أتوعدني وراء بني رياح ... كذبت لتقصرنّ يداك دوني «1» وراء بني رياح، أي: قدام بني رياح. وأنشد: أليس ورائي أن أدبّ على العصا ... فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي «2» وقال غيره أيضا: وراء: يكون بمعنى خلف، وبمعنى قدّام، قال: وفي القرآن في معنى خلف وبعد قوله: ومن وراء إسحاق يعقوب [هود/ 71]. وروي عن ابن عباس: وكان وراءهم ملك أي: أمامهم «3»، ونحو ذلك قال يعقوب مثل غيره. وقد حكى متقدّمو أهل اللغة وقوع الاسم على الشيء وعلى ضدّه، وصنّفوا فيه الكتب كقطرب، والتوّزيّ ويعقوب وغيرهم، وربما أنكر ذلك منكرون بتعسف وتأويلات غير سهلة، وليس ينكر أحد أن

_ (1) مجاز القرآن 1/ 326، 337 وانظر ما سبق 2/ 58. (2) البيت لعروة بن الورد، مطلع قصيدة في ديوانه بشرح ابن السكيت 114 وفي الأغاني 3/ 79 (الثقافة) والأضداد للسجستاني ص 83 وفيها «فيشمت» بدل: «فيأمن». قال ابن السكيت: قوله: أليس ورائي ... الخ أي: إن سلمت أن أهون وأدب على العصا. (3) في الأضداد لأبي حاتم السجستاني فيما رواه عن أبي عامر العقدي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن ابن عباس قرأ: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا) (الأضداد/ 83).

اللفظة الواحدة تقع على الشيء وعلى خلافه، وكذلك لا ينبغي أن ينكر وقوعه على الشيء وعلى ضدّه، لأن الضدّ ضرب من الخلاف، فإن زعموا أن ذلك يلبس فهو في الخلاف أيضا يلبس. والقصر الذي روي عن ابن كثير لم أعلم أحدا من أهل اللغة حكاه ولعلّه لغة، وقد جاء في الشعر من قصر الممدود شيء كثير وقياسه قياس ردّ الشيء إلى أصله، واللام من هذه الكلمة همزة وليس من باب الوراء، ولا من قول الشاعر: كظهر اللأى لو يبتغي ريّة بها «1» لأنهم قالوا في تحقيرها: وريئة، مثل: وديعة، حكى ذلك أبو عثمان وغيره، ولو كان من باب الوري والتواري لكان تحقيره وريّة، ومن نادر ما جاء في هذه الكلمة دخول الهاء في تحقيرها مع أنها على أربعة أحرف، وكذلك دخلت في: قديديمة، وتحقير قدّام، قال: قديديمة التجريب والحلم إنّني ... أرى غفلات العيش قبل التجارب «2» وقال: يوم قديديمة الجوزاء مسموم «3»

_ (1) هذا صدر بيت للطرماح وعجزه: نهارا لعيّت في بطون الشّواجن اللأى: البقرة الوحشية، والريّة: ما يورى به النار، وأصله: ورية، مثل وعدة، ثم قدموا الراء على الواو فصار ريّة. الشواجن: جمع شاجنة: ضرب من الأودية ينبت نباتا حسنا. انظر اللسان (روي، شجن، لأي). (2) البيت من قصيدة للقطامي، انظر المقتضب 2/ 273. 4/ 41 وابن الشجري 2/ 155، واللسان (قدم) وشرح أبيات المغني 3/ 392. (3) هذا عجز بيت لعلقمة بن عبدة وصدره:

والقول في ذلك أنّ ما كان على أربعة أحرف لا تدخله تاء التأنيث في التحقير كما يدخل عامة ما كان على ثلاثة أحرف، وكأنّ الحرف الأصل قام مقام الزائد، كما قام مقامه في قولهم لم يغز، ولم يخش ولم يرم، ألا ترى أن هذه اللامات حذفت كما تحذف الحركات للجزم، وأما دخولها على قديديمة، ووريّئة، فمن الأشياء التي تشذّ فتردّ إلى الأصل المرفوض نحو: استحوذ والقصوى والقود ورجل لدوغ، وطعام قضض، حكاه أبو زيد. فأما قوله: وإني خفت الموالي من ورائي فإن الخوف لا يكون من الأعيان في الحقيقة، إنما يكون من معان فيها، فإذا قال القائل: خفت الله، وخفت الوالي، وخفت الناس، فالمعنى: خفت عقاب الله ومؤاخذته، وخفت عقوبة الوالي وملامة الناس، وكذلك وإني خفت الموالي من ورائي أي: خفت تضييع بني عمي، فحذف المضاف، والمعنى على تضييعهم الدين ونبذهم إياه واطّراحهم له، فسأل ربّه وليّا يرث نبوّته وعلمه لئلا يضيع الدين. ويقوّي ذلك ما روي عن الحسن أنه قال: يرثني [مريم/ 6]: يرث نبوّتي، وهذا بيّن لأنه لا يخلو من أن يكون أراد: يرث مالي أو علمي ونبوّتي. وفيما أثر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنه قال: «نحن- معاشر الأنبياء- لا نورث ما تركناه صدقة» «1». دلالة على أن الذي سأل أن يرثه وليّه ليس المال، فإذا بطل هذا ثبت الوجه الآخر.

_ وقد علوت قتود الرّحل يسفعني انظر المقتضب 2/ 273، 4/ 41، واللسان (سمم). (1) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد ج- 3/ 1378، 1379، 1380، 1381، 1383، وأحمد في مسنده 1/ 4، 6 وغيرها.

وقريب من هذا الوجه: رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين [الأنبياء/ 89] على أنه لا يجوز على نبيّ الله أن يقول: أخاف أن يرثني بنو عمي وعصبتي على ما فرضته لهم، وكأن الذي حمله على مسألة ذلك ربّه ما شاهدهم عليه من تبديلهم الدين واطّراحهم له وتوثّبهم على الأنبياء وقتلهم إيّاهم. وروي عن عثمان بن عفان، رضي الله عنه: وإني خفت الموالي من ورائي وكأن المعنى: أنهم قلّوا وقلّ من كان منهم يقوم بالدين، فسأل وليّا يقوم به، وقد قال الشاعر: إذا أنا لم أومن عليك فلم يكن ... كلامك إلّا من وراء وراء «1» فيجوّز فيه أهل النظر في العربية غير وجه، منها: إلا من وراء وراء، بضمها كما ضممت قبل، وبعد، وتحت، ودون، وتجعل الثاني بدلا من الأول، قال أبو الحسن: أنشدناه يونس وبيتا آخر قبله، قال: وزعم أنه شعر مرفوع: وإلا من وراء وراء، يريد به: ورائي، فحذف ياء الإضافة، وتدلّ الكسرة عليها. فيكون: من وراء وراء، وتكون الثانية بدلا من الأولى، أو تكريرا، ويكون: من وراء وراء، على أن تجعل وراء معرفة فلا تصرفها للتأنيث والتعريف، وتكون الثانية تكريرا، وروى ابن حبيب عن أبي توبة: إلا من وراء وراء، أضاف وراء إلى وراء فجره للإضافة، وبنى وراء المضاف إليها على الضمّ مثل: تحت ودون، ويجوز: إلا من وراء وراء، تضيف وراء الأول إلى الثاني، وقد جعلته لا ينصرف للتأنيث والتعريف وراء الأول التقدير فيه الإفراد كما يقدر في سائر ما يضاف ذلك.

_ (1) انظر ابن يعيش 4/ 87 وفيه: «لقاؤك» بدل «كلامك» والدرر 1/ 177، وانظر اللسان (وري) وأورد البيت في جملة أبيات نسبها لعتيّ بن مالك العقيلي.

مريم: 6

[مريم: 6] اختلفوا في الرفع والجزم من قوله عز وجل: يرثني ويرث [مريم/ 6]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة: يرثني ويرث برفعهما. وقرأ أبو عمرو والكسائي: (يرثني ويرث) بالجزم فيهما «1». وجه الرفع: أنه سأل وليّا وارثا علمه ونبوّته، وليس المعنى على الجزاء. أي: إن وهبته ورث، وذلك أنه ليس كلّ ولي يرث، فإذا لم يكن كذلك لم يسهل الجزاء من حيث لم يصحّ أن تقول: إن وهبته ورث، لأنه قد يهب وليّا لا يرث، وكون وليّا فاصلة لا يدلّ على أن يرثني ليس بصفة، ألا ترى أن الفاصلة قد يكون ما بعدها متصلا بها، فلا توجب الفاصلة قطع ما بعدها عنها. ووجه الجزم: أنه أوقع الوليّ الذي هو اسم عام موضع الخاصّ فأراد بالوليّ وليّا وارثا، كما وضع العام موضع الخاص في غير هذا كقوله: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم [آل عمران/ 173] وإنما يراد بكلّ واحد من قوله الناس رجل مفرد، وقد يقول الرجل: جاءني أهل الدنيا، وإنما أتاه بعضهم إذا قصد التكثير. وتقول: سير عليه الدهر والأبد، فوضع العامّ في كلّ ذا موضع الخاصّ، فكذلك قوله: وليا لفظة عامّة تقع على الوارث وغير الوارث، فأوقعه على الوارث دون غيره، فعلى هذا يصحّ معنى الجزاء. [مريم: 8] اختلفوا في قوله جل وعز: عتيا [مريم/ 8] و (جثيا) [68] وبكيا [58] و (صليا) [70] في كسر أوائلها وضمها.

_ (1) السبعة 407.

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: بضم أوائل هذه الحروف. وقرأ حمزة والكسائي بكسر أوائل هذه الحروف كلّها. حفص عن عاصم بكسر أوائل هذه الحروف كلّها إلا بكيا فإنه يضمّ أوله «1». أبو عبيدة: كلّ مبالغ في شرّ أو كفر فقد عتا عتيّا «2»، ومثلها عسى. اعلم أن ما كان على فُعُول كان على ضربين، أحدهما: أن يكون جمعا، والآخر: أن يكون مصدرا، وقد جاءت أحرف في غير المصادر وهي قليلة. فالجمع إذا كان على فُعُول من المعتل اللام جاء على ضربين، أحدهما: أن تكون اللام واوا، والآخر: أن تكون ياء، فما كان اللام منه واوا من هذه الجموع قلب إلى الياء، وذلك نحو: حقو وحقيّ، ودلو ودليّ وعصا وعصيّ وصفا وصفيّ، فاللام إذا كانت واوا لزمها القلب على الاطراد إلى الياء، ثم قلبت واو فعول إلى الياء لإدغامها في الياء، وكسرت عين الفعل كما كسرت في مرميّ ونحوه، وقد جاءت حروف من ذلك قليلة على الأصل، فمن ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم: إنكم لتنظرون في نحوّ كثيرة «3».

_ (1) السبعة 407. (2) مجاز القرآن 2/ 2. (3) عجز بيت لعبد الله بن العجلان، كما في الشعر والشعراء 716 وصدره فيه: ألا إن هندا أصبحت منك محرما

وحكى غيره في جمع نحو الذي يعنى به السحاب: نحوّ، وفي حَمَا: حُمُوُّ، وأنشد: وأصبحت من أدنى حُمُوّتها حما «1» فما كان كذلك فإنّ كسر الفاء فيه مطّرد، وذلك نحو دليّ وحقيّ وعصبيّ. وجاز ذلك فيها لأنها غيّرت تغييرين، وهما: أن الواو التي هي لام قلبت، والواو التي كانت قبلها قلبت أيضا، فلما غيّرت تغييرين قويا على هذا التغيير من كسر الفاء، كما أن باب: حنيفة، وجديلة، في الإضافة لما غير تغييرين قوي على حذف الياء في قولهم: جدليّ، وحنفيّ، وفرضيّ وقد تركوا أحرفا من ذلك على الأصل فلم تغير فقالوا في السليقة، سليقي، وفي عميرة كلب: عميري. وفي الخريبة خريبيّ، والمستمر هو الأول، فأما ما كان لامه ياء من هذا النحو نحو ثديّ وحليّ ولحيّ فقد كسروا الفاء منه أيضا فقالوا: ثديّ وحليّ وإن لم يغيروا التغييرين اللذين ذكرنا في باب حقيّ وعصيّ وذلك لأنهم أجروا الياء هاهنا مجرى الواو، كما أجروها مجراها في اتّسر واتّبس، إذا أردت: افتعل من اليُسر واليُبس، فاستمر الكسر في فاء ما كان من الياء كما استمر في باب الواو الذي غير تغييرين لإجرائهم الياء مجرى الواو، لأنهم قد غيّروا أيضا في باب النصب لتغيير واحد، فقالوا: قرشي وهذلي، فحذفوا الياء لمّا ألحقوا ياءي الإضافة. وأما ما كان من ذلك مصدرا فما كان من الواو فالقياس فيه أن

_ وجاء في التهذيب 5/ 272 واللسان (حمى) برواية: لقد أصبحت أسماء حجرا محرّما والمعنى: أصبحت أخا زوجها بعد ما كنت زوجها. (1) سيبويه 2/ 381.

مريم: 9

يصحح نحو: العتو والقلو، لأن واوه لم يلزمها الانقلاب كما لزمها الانقلاب في الجمع، ولكن لما كانوا قد قلبوا الواو من هذا النحو وإن كان مفردا نحو: معديّ ومرميّ، وقلب ما كان قبل الآخر بحرف كما قلب الآخر نحو صيّم، وما كان على وزنه، وغيّر تغييرين كما غيروا في الجمع، قلبوا ذلك أيضا في نحو عتيّ، وزعموا أن في حرف عبد الله: (ظلما وعليا) [النمل/ 14] في علوّ ولم يكن شبه هذا الضرب للجمع حيث وافقه في البناء، وغير تغييرين بدون شبه أحمد بأشرب، فأجري المصدر مجرى الجمع في كسر الفاء منه. فأما ما كان من هذه المصادر من الياء، فليس يستمر الكسر في فائه، كما استمر في الجمع، وفي المصادر التي من الواو، ألا ترى أن المضيّ في نحو: فما استطاعوا مضيا [يس/ 67] ليس أحد يروي فيه الكسر فيما علمناه، وحكى أبو عمر عن أبي زيد: أوى إليه إويا، ومما يؤكّد الكسر في هذا النحو أنهم قالوا: قسيّ وألزموها كسر الفاء، ولم نعلم أحدا يسكن إلى روايته حكى فيه غير الكسر، وذلك أنه قلبت الواو إلى موضع اللام، فلما وقعت موقعها قلبت كما تقلب الواو إذا كانت لاما، وكسرت الفاء وألزمت الكسر فأن لم نسمع فيها غيره دلالة على تمكّن الكسر في هذا الباب. قال أبو الحسن: أكثر القراء يضمون أوّل هذا، يعني: (عتيّا). قال: وكذلك: الجثّي، والبكي، والصليّ، قال: وزعم يونس أنها لغة تميم، وغيرهم يكسر. قال أبو الحسن: وسمعناه من العرب مكسورا سوى بني تميم في المصدر والجمع. [مريم: 9] اختلفوا في قوله جل وعز: خلقتك و (خلقناك) [مريم/ 9].

مريم: 19

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: خلقتك بالتاء من غير ألف. وقرأ حمزة والكسائي: (خلقناك) بالنون والألف «1». حجة من قال: وقد خلقتك من قبل أن قبله: قال ربك هو علي هين وقد خلقتك. وحجة من قال: (وقد خلقناك) أنه قد جاء لفظ الجمع بعد لفظ الإفراد، قال: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] وجاء بعد: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2] وقال: ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون [الحجر/ 26] ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه [ق/ 16] ولقد خلقناكم ثم صورناكم [الأعراف/ 11]، ونحو ذلك. [مريم: 19] اختلفوا في قوله عز وجل: (ليهب) [مريم/ 19]. فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: لأهب بالهمز. وقرأ أبو عمرو ونافع في رواية ورش والحلواني عن قالون: (ليهب لك) بغير همز. وفي رواية غير ورش عن نافع: لأهب لك بالهمز «2». حجة من قال: لأهب لك، فأسند الفعل إلى المتكلم، والهبة لله سبحانه، ومنه أن الرسول والوكيل قد يسندون هذا النحو إلى أنفسهم، فإن كان الفعل للموكل والمرسل للعلم بأنه في المعنى للمرسل، وأن الرسول والوكيل مترجم عنه، ومن قال: (ليهب لك) فهو على تصحيح اللغة على المعنى، ففي قوله: (ليهب لك) ضمير من

_ (1) السبعة 408. (2) السبعة 408.

مريم: 23

قوله ربك، وهو سبحانه الواهب. وزعموا أن في حرف أبي وابن مسعود: (وليهب لك)، ولو خفّفت الهمزة من لأهب لكان في قول أبي الحسن: (ليهب) فتقلبها ياء محضة، وفي قول الخليل لأهب تجعلها بين الياء والهمزة. [مريم: 23] اختلفوا في كسر النون وفتحها من قوله عز وجل: نسيا منسيا [مريم/ 23] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر والكسائي: (نسيا) بكسر النون. وقرأ حمزة بفتح النون. واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه: (نسيا) كسرا، وروى حفص عن عاصم نسيا فتحا مثل حمزة «1». وقال أبو الحسن: النسي: هو الشيء الحقير ينسى نحو النعل والسوط، وقال غيره: النّسي ما أغفل من شيء حقير، وقال بعضهم: ما إذا ذكر لم يطلب، وقالوا: الكسر أعلى اللغتين. وقال الشنفرى: كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... على أُمّها وإن تحدّثك تبلت «2» [مريم: 24] اختلفوا في فتح الميم والتاء وكسرها من قوله جل وعز: من تحتها [مريم/ 24]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (من تحتها) بفتح الميم والتاء.

_ (1) السبعة 408. (2) سبق انظر 1/ 36.

مريم: 25

وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم من تحتها بكسر الميم والتاء «1». قال أبو علي: من تحتها لأنه إنما هو جبريل عليه السلام، أو عيسى، وقال بعض أهل التأويل: لا يكون إلا عيسى، ولا يكون جبريل لأنه لو كان جبريل لناداها من فوقها. وقد يجوز أن يكون جبريل، وليس قوله من تحتها يراد به الجهة المحاذية للتمكن من تحته، ولكن المعنى: فناداها من دونها، ويدلّ على ذلك قوله: قد جعل ربك تحتك سريا [مريم/ 24] فلم يكن الجدول محاذيا لهذه الجهة، ولكن المعنى جعله دونك، وقد يقال: فلان تحتنا، أي: دوننا في الموضع، قال ذلك أبو الحسن، فمن تحتها، أبين لأن المنادي أحد هذين، وأن يكون المنادي عيسى أشبه وأشدّ إزالة لما خامرها من الوحشة والاغتمام، لما يوجد به طعن عليها، لأن ذلك يثقل على طباع البشر، ألا ترى قوله للنبي صلّى الله عليه وسلّم: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون [الأنعام/ 33] وقوله: ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون [الحجر/ 97] وإذا قال: من تحتها، كان عاما، فلم يبلغ في إزالة وحشتها وهمّها ما يبلغه نداء عيسى عليه السلام. ووجه من قرأ: (من تحتها): أنه وضع اللفظة العامة موضع اللفظ الخاص، فقال: (من تحتها) وهو يريد عيسى صلى الله عليه كما تقول: رأيت من عندك، وأنت تعني واحدا بعينه. [مريم: 25] اختلفوا في قوله تعالى: تساقط عليك [مريم/ 25].

_ (1) السبعة 408 - 409.

فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: (تساقط) بالتاء «1» مشددة السين. وقرأ حمزة: (تساقط) بالتاء «1» مخففة السين. واختلف عن عاصم فروى عنه أبو بكر: (تسّاقط) مثل أبي عمرو وروى عنه حفص تساقط بضم التاء، وكسر القاف مخفّفة السين «3». قال أبو علي: هذه الوجوه كلّها متفقة في المعنى إلا ما رواه حفص عن عاصم، ألا ترى أن قول حمزة: (تسّاقط) إنما هو تتساقط، فحذف التاء التي أدغمها غيره، وكلّهم جعل فاعل الفعل الذي هو (تسّاقط) أو تساقط في رواية حفص: النخلة، ويجوز بأن يكون فاعل تساقط أو تساقط هو: جذع النخلة، إلا أنه لما حذف المضاف أسند الفعل إلى النخلة في اللفظ، ويجوز في قراءة عاصم: تساقط هزُّهُ النخلة فيحذف، أو: تساقط النخلة، فأمّا تعديتهم تساقط وهو تفاعل، فإن يتفاعل مطاوع فاعل، كما أن تفعل مطاوع فَعَّل، فكما عدّى تفعل في نحو: تجرعته وتمليته، وتمزّزته، كذلك عدي تفاعل، فمما جاء من ذلك في الشعر قول ذي الرمة: ومن جودة غفل بساط تحاسنت ... بها الوشي قرّات الرياح وخورها «4» ومن ذلك قول الآخر:

_ (1) في السبعة: بفتح التاء. (3) السبعة 409. (4) سبق انظر 4/ 302.

تطالعنا خيالات لسلمى ... كما يتطالع الدين الغريم «1» وأنشد أبو عبيدة لأوفى بن مطر: تخاطأت النبل أحشاءه ... وأخّر يومي فلم يعجل «2» قال هو في موضع أخطأت، وأنشد للأعشى: ربّي كريم لا يكدّر نعمة ... وإذا تنوشد بالمهارق أنشدا «3» قال: هو في موضع نشد، أي: يسأل بالكتب، وهي المهارق، وأنشد لامرئ القيس: ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تناساني إذا قمت سربالي «4» قال: يريد تنسيني. وقد قرأ غيرهم: (يتساقط). فمن قرأ كذلك أمكن أن يكون فاعله الهزّ، لأن قوله: هزي قد دل على الهزّ، فإذا كان كذلك جاز أن يضمره كما أضمر الكذب في قوله: من كذب كان شرا له، ويمكن أن يكون الجذع، أي: يساقط عليك الجذع، ويجوز في الفعل إذا أسند إلى الجذع وجهان: أحدهما أن الفعل أضيف إلى الجذع كما أضيف إلى النخلة برمتها، لأن الجذع معظمها. والآخر:

_ (1) البيت لسلمة بن الخرشب انظر المفضليات/ 40 والمحتسب 2/ 358 ونصبه فيهما: تأويله خيال من سليمى ... كما يعتاد ذا الدين الغريم (2) سبق انظر 4/ 302. (3) انظر ديوانه/ 229 وفيه: «يناشد» بدل: «تنوشد». واللسان (نشد) وفي البيت إشارة إلى أن الممدوح متدين بأحد الأديان السماوية. المهارق: الصحف (أعجمية معربة). (4) انظر ديوانه: 30 وفيه: «تنسّيني» بدل «تناساني».

أن يكون الجذع منفردا عن النخلة يسقط عليها، ويكون سقوط الرطب من الجذع آية لعيسى عليه السلام، ويصير سقوط الرطب من الجذع أسكن لنفسها وأشد إزالة لاهتمامها، وسقوط الرطب من الجذع منفردا عن النخل مثل رزقها الذي كان يأتيها في المحراب في قوله: كلما دخل عليها زكرياء المحراب وجد عندها رزقا [آل عمران/ 37] إلى قوله: قالت هو من عند الله [آل عمران/ 37]. وقوله: رطبا في هذه الوجوه منصوب على أنه مفعول به، ويجوز في قوله: (تساقط عليك): أي تساقط عليك ثمرة النخلة رطبا، فحذف المضاف الذي هو الثمرة، ويكون انتصاب رطب على الحال، وجاز أن تُضمر الثمرة وإن لم يجر لها ذكر، لأن ذكر النخلة يدلّ عليها كما دلّ البرق على الرعد فيما ذكرناه فيما مر. فأما الباء في قوله: هزي إليك بجذع النخلة، فتحتمل أمرين: أحدهما: أن تكون زائدة، كقولك: ألقى بيده، أي: ألقى يده، وقوله: بواد يمان ينبت الشّثّ حوله ... وأسفله بالمرخ والشّبهان «1» ونحو ذلك، ويجوز أن يكون المعنى: وهزي إليك بجذع النخلة أي: بهز جذع النخلة رطبا كما قال:

_ (1) البيت في مجاز القرآن 2/ 48 والاقتضاب 457 والجمهرة 1/ 45 والتهذيب 6/ 93 واللسان (شث، شبه). قال في (شبه): قال رجل من عبد القيس، قال ابن بري قال أبو عبيدة: للأحول اليشكري، واسمه يعلى ... والشث: الكثير من كل شيء، والشث: ضرب من الشجر طيب الريح مر الطعم يدبغ به. والمرخ: من شجر النار معروف، شجر كثير الوري سريعه. والشبهان: ضرب من العضاه.

مريم: 31، 30

وصوّح البقل نئّاج تجيء به ... هيف يمانية في مرّها نكب «1» أي: تجيء بمجيئه هيف، أي: إذا جاء النئّاج جاء الهيف، وكذلك إذا هززت الجذع هززت بهزّه رطبا، أي: فإذا هززت الرطب سقط. [مريم: 31، 30] قال: قرأ الكسائي وحده وأوصاني [مريم/ 31] ممالة. وآتاني [مريم/ 30] ممالة، الباقون لا يميلون «2». الإمالة في آتاني أحسن منها في أوصاني لأن في أوصاني مستعليا، وهو مع ذلك يجوز كما جازت إمالة صاد، وطغا وصغا ونحو ذلك. [مريم: 34] اختلفوا في قوله تعالى: قول الحق [مريم/ 34]. فقرأ عاصم: قول الحق نصبا، وكذلك ابن عامر. ابن كثير وأبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي: (قول الحق) رفعا «3». الرفع: على أن قوله: ذلك عيسى ابن مريم: كلام، فالمبتدأ المضمر ما دلّ عليه هذا الكلام، أي: هذا الكلام قول الحق، ويجوز

_ (1) البيت لذي الرمة في ديوانه 1/ 54. والمعنى: صوح البقل نئّاج: أي شققه ويبسه، والنئّاج: وقت تنأج فيه الريح، أي: تشتد وتسرع، المرّ والهيف: الريح الحارة، نكب: اعتراض وتحرّف. يقول هذه الريح تجيء بدفعة من ريح أخرى أشدّ منها، واليمانية: الجنوب. وانظر اللسان (هيف). (2) السبعة 409. (3) السبعة 409.

مريم: 51

أن تضمر هو وتجعله كناية عن عيسى، فيكون الرافع قول الحق، أي: هو قول الحق، لأنه قد قيل فيه: روح الله وكلمته، والكلمة قول. وأما النصب فعلى أن قوله: ذلك عيسى ابن مريم يدلّ على: أحقّ قول الحقّ. وتقول: هذا زيد الحقّ لا الباطل، لأن قولك هذا زيد عندك، بمنزلة أحقّ، فكأنك قلت: أحقّ الحقّ، وأحقّ قول الحقّ. [مريم: 51] اختلفوا في كسر اللام وفتحها من قوله عز وجل: كان مخلصا [مريم/ 51]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية الكسائي عن أبي بكر والمفضل عن عاصم: (مخلصا) بكسر اللام. وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وحفص عنه: مخلصا بفتح اللام. وقرأ حمزة والكسائي بفتح اللام أيضا «1». من كسر اللام فحجّته قوله: وأخلصوا دينهم لله [النساء/ 146] ومن فتحها فحجته قوله: إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار [ص/ 46]. [مريم: 36] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله: وإن الله ربي وربكم [مريم/ 36]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (وأنّ الله ربي) بنصب الألف. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي: وإن الله خفضا «2».

_ (1) السبعة 410. (2) السبعة 410.

مريم: 56

حجة من كسر: أنّه حمله على قوله: إن الله ربي وربكم فجعله مستأنفا، كما أن المعطوف عليه مستأنف. وحجة من فتح أنه حمله على قوله: وأوصاني بالصلاة والزكاة وبأن الله ربي وربكم. [مريم: 56] عليّ بن نصر عن أبي عمرو: هل تعلم له [مريم/ 65] يدغم اللام ويقول: إن شئت أدغمته، وما كان مثله، وإن شئت بيّنته. وقال هارون عن أبي عمرو إنه كان يدغم هل تعلم ثم رجع إلى البيان «1». قال أبو علي: يرى سيبويه: أن إدغام اللام في الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائز، وجواز إدغامها فيهن على أن آخر مخرج اللام قريب من مخارجهنّ، وهن حروف طرف اللسان، وليس إدغام اللام في الطاء والدال والتاء. في الحسن كإدغامها في الحروف الستة، لأن هذه أخرج من الفم من تلك. وقد جاز إدغامها أيضا في الطاء وأختها. قال: وقرأ أبو عمرو هل ثوب الكفار [المطففين/ 36] فإذا أدغمها في التاء مع أنها أخرج من الفم، فإدغامها في التاء التي هي أدخل فيه أجدر. ومما أدغم فيه اللام في التاء: بل تؤثرون «2» الحياة الدنيا [الأعلى/ 16] وأنشد لمزاحم العقيلي: فذر ذا «3» ولكن هتّعين متيّما ... على ضوء برق آخر الليل ناصب «4» [مريم: 67] اختلفوا في قوله: (أولا يذكر الإنسان) [مريم/ 67].

_ (1) السبعة 410. (2) كتبت كلفظها مع الإدغام في الكتاب كذا: «بتؤثرون». (3) انظر الكتاب لسيبويه 2/ 417 وفيه فدع ذا، مكان: فذروا. (4) جاء عن هامش الأصل: بلغت.

مريم: 73

فقرأ عاصم ونافع وابن عامر: أولا يذكر الإنسان ساكنة الذال خفيفة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بفتح الذال مشدّدة الكاف (يذّكّر) «1». قال أبو علي: التذكّر يراد به التدبّر والتفكر، وليس تذكرا عن نسيان. والثقيلة كأنه في هذا المعنى أكثر، فمن ذلك قوله: أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر [فاطر/ 37] وقال: إنما يتذكر أولو الألباب [الرعد/ 19] [الزمر/ 9] فإضافته إلى (أولي) يدلّ على أن المراد به النظر والتفكّر. والخفيفة في هذا المعنى دون ذلك في الكثرة، وقد قال: إن هذه تذكرة [الإنسان/ 29] فمن شاء ذكره [عبس/ 11]. وزعموا أن في حرف أبي: (أولا يتذكّر الإنسان). فأما قوله: ولم يك شيئا [مريم/ 67] فمعناه: لم يك شيئا موجودا، وليس يراد أنّه قبل الخلق لم يقع عليه اسم شيء، وهذا كما قال: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا [الإنسان/ 1] وقد قال: إن زلزلة الساعة شيء عظيم [الحج/ 1] والمعنى: أولا يذكر الإنسان الجاحد للبعث أول خلقه، فيستدلّ بالابتداء على أن الإعادة مثل الابتداء، كما قال: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة [يس/ 79] وقال: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم/ 27] وقال: وضرب لنا مثلا ونسي خلقه [يس/ 78]. [مريم: 73] اختلفوا في قوله عز وجل: خير مقاما [مريم/ 73] في ضم الميم وفتحها في مريم والدخان والأحزاب.

_ (1) السبعة 410.

فقرأ ابن كثير: (خير مقاما) بضم الميم وفي مقام أمين [الدخان/ 51] بفتح الميم، و (لا مقام لكم) [الأحزاب/ 13] بفتح الميم أيضا. وقرأ نافع وابن عامر: (في مقام أمين) بضم الميم، وخير مقاما بفتح الميم و (لا مقام لكم) بفتح أيضا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وأبو عمرو: خير مقاما بفتح الميم، وفي مقام أمين بالفتح، و (لا مقام لكم) بالفتح فيهن. وروى حفص عن عاصم في الأحزاب: لا مقام لكم بالضم و (خير مقاما) وفي مقام أمين بفتح الميم فيهما «1». وروى غيره: (لا مقام لكم) بفتح الميم. اعلم أنهم قد قالوا: قام يقوم، وأقام يقيم، والمصدر واسم الموضع جميعا من فعل يفعل على: مفعل، وذلك نحو: قتل يقتل مقتلا، وهذا مقتلنا، وكذلك: المقام، يستقيم أن يكون اسما للمصدر ويستقيم أن يكون اسم الموضع. وأما أقام يقيم فالمصدر والموضع يجيئان منه على مقام، وكذلك ما زاد من الأفعال على ثلاثة أحرف بحرف زائد أو حرف أصل، فالمقام يصلح أن يكون الإقامة فتقول: أقمت إقامة، ومكان الإقامة مقام أيضا وعلى هذا قوله: (بسم الله مجراها ومرساها) [هود/ 41] تقديره: إجراؤها وإرساؤها، وقد يكون المقام: المكان الذي تقيم فيه، فهذا هو الأصل المقام والمقام، وقال: فيه آيات بينات مقام إبراهيم [آل عمران/ 97] فهذا على موضع قيامه،

_ (1) السبعة 411. وسقط ما بعده.

وليس المصدر. وزعم أبو الحسن أنهم يقولون للمقعد: المقام، وللمشهد: المقام. وتأوّل قوله: قبل أن تقوم من مقامك [النمل/ 39] أي: من مشهدك، وهذا مما لا يسوغ فيه أن يكون اسما للموضع، ألا ترى أن المصدر لا يكون هاهنا، وأمّا قوله: إن المتقين في مقام أمين [الدخان/ 51] فالمعنى على الموضع، ألا ترى أن الموضع يوصف بالأمن، كما يوصف بخلافه الذي هو الخوف، كما قال: يا ربّ ماء صرىّ وردته ... سبيله خائف جديب «1» فأمّا من قرأه: (في مقام أمين) [الدخان/ 51] فإن المقام اسم لما يقيم فيه، ويثوي. يدلّك على ذلك ما قدّمناه من وصفه بالأمن، ويدلّ عليه أيضا قول حسّان: ما هاج حسّان رسوم المقام «2» فالرسم إنما يضاف إلى الأمكنة، ولا يضاف إلى الأحداث، وعلى هذا قال الشاعر: رسم دار وقفت في طلله «3»

_ (1) الصّرى: الماء الذي طال مكثه وتغيير، وقد صري الماء بالكسر (اللسان صري) ولم نقف على قائل البيت. (2) هذا صدر بيت لحسان عجزه: ومظعن الحيّ ومبنى الخيام انظر ديوانه 1/ 106. (3) هذا صدر بيت لجميل عجزه: كدت أقضي الغداة من جلله انظر آمالي القالي 1/ 246. والخصائص 1/ 285 والخزانة 4/ 199 وفيه: الحياة بدلا من الغداة. العيني 3/ 339، والأشموني 2/ 233.

وأمّا قول الشاعر: وفيهم مقامات حسان وجوهها ... وأندية ينتابها القول والفعل «1» فإنّما هذا على حذف المضاف، أي: أهل مقامات ومشاهد. وروى السكري عن الأصمعي أنه قال: المجلس: القوم، وأنشد: واستبّ بعدك يا كليب المجلس «2» قال أبو علي: والمجلس: موضع الجلوس، والمعنى: على أهل المجلس، كما أن المعنى على أهل المقامات. قال السكري: المقامة المجلس والمقام: المنزل. فأما قوله: الذي أحلنا دار المقامة من فضله [فاطر/ 35] فهو من الإقامة. وسمّي دار المقامة كما سمّي دار الخلد، وجنات عدن، وكلّ ذلك من اللّبث والمكث، وأنشد أبو زيد: إنّ التي وضعت دارا مهاجرة ... بكوفة الخلد قد غالت بها غول «3» قالوا: زعم الأصمعي أن هذا تصحيف، وإنّما هو بكوفة الجند، قال الجرمي: ليس بتصحيف، وإنما هو بكوفة الخلد، وإنما المعنى

_ (1) البيت لزهير انظر ديوانه/ 113. المقامات: المجالس، انظر اللسان (قوم). (2) هذا عجز بيت لمهلهل صدره: نبّئت أن النار بعدك أوقدت. انظر النوادر/ 204 (ط. الفاتح) وابن الشجري 1/ 52، 184، 324. (3) البيت لعبدة بن الطبيب. انظر النوادر ص 156 (ط. الفاتح) وفيه: «بيتا» مكان «دارا».

أن أهلها قاطنون فيها، لا ينتقلون للنجع، وطلب المراعي، وأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: وذاك فراق «1» لا فراق ظعائن ... لهنّ بذي القرحى مقام ومحتمل «2» فإن المقام مصدر كما أن خلافه الذي هو محتمل كذلك فأما قوله (لا مقام لكم فارجعوا) [الأحزاب/ 13] فالمعنى: لا مشهد لكم، لأن المقام قد أريد به المشهد، ومن قرأ لا مقام: أراد الإقامة، وكلا الأمرين سائغ، وقد يكون المقام حيث يقوم الإنسان، مما يدلّ على ذلك قول الراجز: هذا مقام قدمي رباح ... للشمس حتى دلكت براح «3» المعنى: هذا موضع قيامه، وأما قوله: (أي الفريقين خير مقاما) [مريم/ 73] فمن ضم الميم كان اسما للمثوى ومن فتح، كان كذلك أيضا، ألا ترى أن النديّ والنادي هما المجلس، من ذلك قوله: (وتأتون في ناديكم المنكر) [العنكبوت/ 29] ومن ذلك قول كثير: أناديك ما حجّت حجيج وكبّرت ... بفيفا غزال رفقة وأهلّت «4»

_ (1) في هامش الأصل رواية أخرى الفراق وهي التي في النوادر. (2) البيت للبعيث. النوادر 204 (ط. الفاتح). (3) النوادر 315 (ط. الفاتح) وفيه «غدوة» بدل «للشمس». اللسان (برح، دلك) وفيه: «ذبب» بدل «للشمس». ومعنى البيت: أن الشمس قد غربت وزالت فهم يضعون راحاتهم على عيونهم ينظرون هل غربت أو زالت. وهذا على رواية «براح» بكسر الباء، على أنها حرف جر والراح راحة اليد، وهي رواية الفراء. أما على ما رواه أبو زيد في النوادر فالباء مفتوحة، ومعناها الشمس. (4) المنصف 2/ 180. والفيفاء: الأرض القفر.

مريم: 74

فأما المقام فيمن ضمّ، وفيمن فتح على اسم المكان، وليس اسم الحدث، ويدلّ على ذلك: وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا [مريم/ 74] فلا يراد بهذا الحدث، إنما يراد به حسن الشارة والمنظر، وهذا إنما يكون في الأماكن فعلى هذه المسالك تسلك وجوه هذه القراءات. [مريم: 74] اختلفوا في همز ورئيا وتركه (مريم/ 74). فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: ورئيا مهموزة بين الراء والياء في وزن رعيا. وقرأ ابن عامر ونافع: (وريّا) بغير همز، وروى ابن جمّاز وورش وأبو بكر بن أبي أويس: ورئيا بالهمز بين الراء والياء. أخبرني محمد بن عبد الله، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت أشهب «1» يقول: سمعت نافعا يقرأ: ورئيا مهموزا. وروى إسماعيل بن جعفر وقالون والمسيّبي والأصمعي عن نافع: (وريّا) غير مهموز. وأخبرنا محمد بن يحيى الكسائي عن أبي الحارث عن أبي عمارة عن يوسف عن ابن جماز عن أهل المدينة: (وريّا) غير مهموز «2». وذكر غير أحمد بن موسى أن الأعشى روى عن أبي بكر عن عاصم: (وريئا) مثل: وريعا. أبو عبيدة: رئيا ما ظهر مما رأيت «3». قال

_ (1) هو مسكين بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم أبو عمرو المصري المعروف بأشهب صاحب الإمام مالك، روى القراءة سماعا عن نافع بن أبى نعيم. طبقات القراء 2/ 296). (2) السبعة 411. 412. (3) مجاز القرآن 2/ 10.

مريم: 77

أبو علي: رئي فعل من رأيت، وكأنه اسم لما ظهر وليس المصدر، إنما المصدر الرأي والرؤية، يدلّك على ذلك قوله: يرونهم مثليهم رأي العين [آل عمران/ 13] والرأي الفعل، والرئي: المرئي، كالطّحن والطّحن والسّقي والسّقي، والرّعي والرّعي. فأما ما روي عن عاصم من قوله: (وريئا)، فإنه قلب الهمزة التي هي عين إلى موضع اللام فصار تقديره، فلعا. فأما قولهم: له رواء، فيمكن أن يكون فعالا من الرؤية، فإن كان كذلك جاز أن تحقق الهمزة، فيقال: رآء، فإن خففت الهمزة أبدلت منها الواو، كما أبدلتها من جون وتودة، فقلت: رواء، ويجوز في الرواء أن يكون فعالا من الريّ فلا يجوز همزة، كما جاز في قول من أخذه من باب رأيت، فيكون في المعنى أنه له طراءة وعليه نضارة، لأن الريّ يتبعه ذلك، كما أن العطش يتبعه ذلك الذبول والجهد. ومن خفّف الهمزة من رئيا لزم أن يبدل منها الياء لانكسار ما قبلها كما تبدل من ذيب وبير، فإذا أبدل منها الياء وقعت ساكنة قبل حرف مثله فلا بد من الإدغام، وليس يجوز الإظهار في هذا كما جاز الإظهار للواو في نحو رؤيا وروية، ونوي، إذا خففت الهمزة فيها، لأن الياء في ريّا قبل مثل، ووقعت في رؤيا قبل ما يجري مجرى المقارب، فإن خفّفت الهمزة على ما روى عن عاصم من قوله: (ريئا) حذفتها وألقيت حركتها على الياء التي قبلها فقلت: ريّا ومن قال: سوء وسيّ قلب على قياس قوله: ريّا. [مريم: 77] اختلفوا في ضم الواو وفتحها من قوله عز وجل: وولدا [مريم/ 77] في ستة مواضع في مريم أربعة مواضع [77، 88، 91، 92]، وفي الزخرف [81] ونوح [21].

فقرأهنّ ابن كثير وأبو عمرو: وولدا بالفتح إلا في سورة نوح: (ماله وولده) فإنهما قرءاه بضم الواو في هذه وحدها. وقرأهن نافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو في كلّ القرآن. وقرأهن حمزة والكسائي بضم الواو في كلّ القرآن «1». قال أبو الحسن: الولد: الابن والابنة، قال: والولد: هم الأهل والولد. وقال بعضهم: بطنه الذي هو منه. قال أبو علي: الولد: هو ما ذكر في التنزيل في غير موضع مع المال، قال: المال والبنون زينة الحياة الدنيا [الكهف/ 46] وقال: إنما أموالكم وأولادكم فتنة [التغابن/ 15] وقال: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم [التغابن/ 14]. وروى محمد بن السّريّ، عن أحمد بن يحيى عن الفراء قال: من أمثال بني أسد: ولدك من دمّى عقبك «2». قال الفراء: وكان معاذ يعني: الهراء «3» يقول: لا يكون الولد إلا جماعا، وهذا واحد، يعني: الذي في المثل، أي: لا تقل لكل إنسان: ابني ابني وأنشد: فليت فلانا كان في بطن أمّه ... وليت فلانا كان ولد حمار «4»

_ (1) السبعة 412. (2) انظر الأمثال للسدوسي/ 51 وفيه عقبيك بدل عقبك. وانظر المستقصى في أمثال العرب 1/ 30 وفيه: ابنك بدل ولدك. وانظر الأمثال لابن سلام/ 147 والمعنى: ابنك الذي نفست به حتى أدمى النفاس عقبيك. (3) هو معاذ بن مسلم الهرّاء أبو مسلم من قدماء النحويين. انظر بغية الوعاة 2/ 290. (4) انظر المحتسب 1/ 365. وفيه: «زيادا» بدل «فلانا» في الشطرين. وانظر اللسان (ولد).

قال أبو علي: الذي قال معاذ وجه، ويجوز أن يكون جمعا كأسد وأسد، ونمر ونمر، وثمر وثمر، والفلك، ويجوز أن يكون واحدا، فيكون ولد وولد، كبخل وبخل، وحزن وحزن، وعرب وعرب، فيكون لفظ الواحد موافقا للفظ الجمع، كما كان الفلك كذلك، فلا يكون القول فيه كما قال معاذ، لأنه لا يكون إلا جمعا، ولكن على ما ذكرناه. وأما قوله: واتبعوا من لم يزده ماله وولده [نوح/ 21] فينبغي أن يكون جمعا، وإنما أضيف إلى ضمير المفرد لأن الضمير يعود إلى (من) وهو كثرة في المعنى، وإن كان اللفظ مفردا، وإنما المعنى: إنهم عصوني واتبعوا الكفار الذين لم تزدهم أموالهم وأولادهم إلا خسارا، فأضيف إلى لفظ المفرد وهو جمع، وقد حكى الكسائي أو غيره من البغداديين: ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه، فولد، في أنه جمع، مثل الأنفس. وما أنشده الفراء من قوله: وليت فلانا كان ولد حمار «1». يدلّ على أنه واحد ليس بجمع، وأنه مثل ما ذكرناه من قولهم: الفلك، الذي يكون مرّة جمعا ومرّة واحدا. ولهذا يشبه أن يكون ابن كثير وأبو عمرو قرءاه بالضم. (ماله وولده) وفتحا ما سوى ذلك. وأما قراءة نافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو في كلّ القرآن، فإن فتحهم الواو في قوله: ماله وولده على أنه واحد يراد به الجمع، ويجوز ذلك من وجهين: أحدهما: أنه إذا أضافه إلى اسم، هو جمع في المعنى، علم أن المفرد في موضع جمع، كقوله: قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس «2»

_ (1) انظر الصفحة السابقة. (2) سبق انظر 4/ 81.

مريم: 90

وكقوله: كلوا في بعض بطنكم تعفّوا «1» ويجوز أن يكون كقوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18]. وأما قراءة حمزة والكسائي: (ولدا) في جميع القرآن فإن ما كان منه مفردا قصدا به المفرد، وما كان جمعا قصدا به الجمع. [مريم: 90] اختلفوا في قوله: تكاد السموات يتفطرن منه [مريم/ 90] في الياء والتاء، وفي (عسق) [الشورى/ 5] مثله. فقرأهنّ ابن كثير في السورتين: تكاد السموات بالتاء يتفطرن بالياء والتاء مشدّدة الطاء «2». وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو: تكاد بالتاء، (ينفطرن) بالياء والنون في السورتين جميعا. ابن اليتيم عن أبي حفص عن عاصم: تكاد بالتاء، يتفطرن مشدّدة «3». وفي (عسق) مثله.

_ (1) هذا صدر بيت عجزه: فإنّ زمانكم زمن خميص ولم يعرف قائله. انظر الكتاب 1/ 108، المقتضب 2/ 172 وفيه: «في نصف» بدلا من: «في بعض»، وابن الشجري 1/ 311. 2/ 25، 38، 343، والمحتسب 2/ 87، والخزانة 3/ 379، وابن يعيش 5/ 8، 6/ 21،، 22، الدرر 1/ 25 والمخصص 1/ 31، 4/ 41. وقد سبق في 4/ 81. (2) في السبعة: (تتفطرن) بالتاء مشدّدة الطاء. ولعلها تصحيف. (3) في السبعة: بالياء مشدّدة. وهو أبين.

هبيرة عن حفص مثل أبي بكر في السورتين جميعا. أبو عمارة عن حفص عن عاصم مثل ابن اليتيم. وقرأ نافع والكسائي: (يكاد) بالياء، يتفطرن بالياء والتاء، مشدّدة الطاء في الموضعين: وقرأ حمزة وابن عامر في مريم مثل أبي عمرو، وفي عسق مثل ابن كثير «1». أما اختلافهم في: (تكاد) و (يكاد) وإلحاق علامة التأنيث، وترك الإلحاق فكلاهما حسن. وقد تقدّم ذلك، وإلحاق العلامة أحسن، لأن الجمع بالألف والتاء في الأصل للجمع القليل، والجمع القليل يشبه الآحاد، فكما أن الأحسن في الآحاد إلحاق العلامة في هذا النحو، فكذلك مع الألف والتاء. وروينا عن مجاهد في هذه السورة: الانفطار: الانشقاق، وقال أبو عبيدة: يتفطرن يتشققن «2». وفي التنزيل: بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن [الأنبياء/ 56] وفيه فاطر السموات والأرض [فاطر/ 1] فمطاوع فطر: انفطر، كما أنّ مطاوع فطّر: تفطّر وفطّر للتكثير، فمطاوعه في الدلالة على الكثرة مثل ما هو مطاوع له، فكأنه أليق بهذا الموضع لما فيه من معنى المبالغة، وتكثير الفعل ولا يدلّ ما جاء في قوله: إذا السماء انفطرت [الانفطار/ 1] وقوله: السماء منفطر به [المزمل/ 18] على ترجيح قراءة من قرأ: (ينفطرن) وذاك أن قوله: إذا السماء انفطرت كقوله: إذا السماء انشقت [الانشقاق/ 1] وذلك في القيامة لما يريد الله

_ (1) السبعة 412، 413. (2) مجاز القرآن 2/ 12.

سبحانه من إبادتها وإفنائها وجاء ذلك على تفعّل أيضا في قوله: ويوم تشقق السماء بالغمام [الفرقان/ 25] وما في سورة مريم، إنما هو لعظم فريتهم وعتوّهم في كفرهم، فالمعنيان مختلفان. وذهب أبو الحسن في معنى قوله: تكاد السموات إلى أن تكاد معناها: تريد، وكذلك قال: في قوله: كذلك كدنا ليوسف [يوسف/ 76] أي: أردنا له، وأنشد: كادت وكدت، وتلك خير إرادة ... لو عاد من لهو الصّبابة ما مضى «1» وكذلك قال في قوله: أكاد أخفيها [طه/ 15] أي: أريد أخفيها، وعلى هذا فسّر غير أبي الحسن قول الأفوه: بلغوا الأمر الذي كادوا «2» أي: أرادوا. قال أبو الحسن: المعنى: يدنون، لأنهن لا يكون أن ينفطرن ولا يدنون من ذلك، ولكن هي هممن به إعظاما لقول المشركين «3». ولا يكون على من همّ بالشيء أن يدنو منه، ألا ترى أن رجلا لو أراد أن ينال السماء لم يدن من ذلك وقد كانت منه إرادة. وقال بعض المتأوّلين في قوله: (تكاد السموات ينفطرن منه): هذا مثل، كانت العرب إذا سمعت كذبا ومنكرا تعاظمته، عظّمته

_ (1) البيت في اللسان (كيد) ولم ينسبه وفيه: (كان) مكن (عاد) وانظر المحتسب 2/ 31. (2) هذه قطعة للأفوه الأودي، وتمامه: فإن تجمّع أوتاد وأعمدة ... وساكن بلغوا ... انظر ديوانه في الطرائف الأدبية/ 10، واللسان (كيد). (3) كذا الأصل وفي العبارة اضطراب.

بالمثل الذي كان عندها عظيما، تقول: كادت الأرض تنشقّ، وأظلم ما بين السماء والأرض، فلمّا افتروا على الله الكذب ضرب مثل كذبهم بأهول الأشياء وأعظمها، قال أبو علي: ومما يقرّب من هذا قول الشاعر: ألم تر صدعا في السماء مبيّنا ... على ابن لبينى الحارث بن هشام «1» وقريب من هذا قول الآخر: وأصبح بطن مكة مقشعرّا ... كأنّ الأرض ليس بها هشام «2» والآخر: بكى حارث الجولان من موت ربّه ... وحوران منه خاشع متضائل «3» وقال: لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع «4»

_ (1) سبق انظر ص 32. (2) البيت للحارث بن خالد بن العاص، انظر الاشتقاق/ 101، والكامل 2/ 487، والدرر 1/ 111، والتصريح 1/ 212 واللسان (قثم). (3) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يرثي بها النعمان بن الحارث، انظر ديوانه ص 120 وفيه: «من هلك» مكان «من موت» واللسان (حرث) ومعنى: من موت ربه، يعني النعمان. (4) البيت لجرير، انظر ديوانه 2/ 913، واللسان (حرث).

سورة طه

ذكر اختلافهم في سورة طه [طه: 1] اختلفوا في كسر الطاء والهاء من طه [طه/ 1] فقرأ ابن كثير وابن عامر (طه) بفتح الطاء والهاء. وقرأ نافع: (طه) بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب، كذلك قال خلف عن المسيّبيّ وقال ابن سعدان كان المسيبي إذا لفظ ب (ها)، فكأنه يشمّها الكسر، فقلت له: إنك قد كسرت، فيأبى إلا الفتح. وقال محمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع: (طه) بفتح الطاء والهاء، وكذلك قال القاضي عن قالون: مفتوحتان. وقال أحمد بن صالح عن قالون: الطاء والهاء وسط، وقال يعقوب بن جعفر عن نافع (طه) بكسر الطاء والهاء. وقال الأصمعي: (طه) كأنك تقطعها. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (طه) بكسر الطاء والهاء. وقرأ أبو عمرو في غير رواية عباس (طه) بفتح الطاء وكسر الهاء. وروى عباس عن أبي عمرو: (طه) بكسر الطاء والهاء مثل حمزة. وقرأ عاصم في رواية حفص بالتفخيم «1».

_ (1) السبعة 416.

طه: 11، 12

قال أبو علي: قد قلنا في الإمالة في نحو (طه)، والتفخيم فيما تقدم، والتفخيم لغة أهل الحجاز، ولغة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. [طه: 11، 12] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله عز وجل: يا موسى إني أنا ربك [طه/ 11، 12]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (أنّي) بفتح الألف والياء. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: إني بكسر الألف، وفتح نافع الياء «1». من كسر فلأن الكلام حكاية، كأنه نودي فقيل: يا موسى إنّي أنا ربك، والكسر أشبه بما بعد مما هو حكاية، وذلك قوله: إنني أنا الله لا إله إلا أنا، وقوله: وأنا اخترتك [طه/ 13]، فهذه كلّها حكاية، فالأشبه أن يكون قوله: إني أنا ربك كذلك أيضا. ومن فتح كان المعنى: نودي بكذا، ونادى قد يوصل بحرف الجر، قال: ناديت باسم ربيعة بن مكدم ... أنّ المنوه باسمه الموثوق «2» وقال: ونادى بها ماء إذا ثار ثورة «3» المعنى: ونادى بندائها ماء، فقوله: ماء قد وقع النداء عليه، ومن الناس من يعمل هذه الأشياء التي هي في المعنى قول، كما يعمل

_ (1) السبعة 417 وزاد بعدها من نسخة: وأسكنها الباقون. (2) البيت في الخزانة 2/ 521 عرضا ولم ينسبه وانظر البحر المحيط 6/ 230. (3) لم نعثر عليه.

طه: 13، 12

القول ولا يضمر القول معها، وينبغي أن يكون في نودي ضمير يقوم مقام الفاعل، لأنه لا يجوز أن يقوم واحد من قولك: يا موسى ولا إني أنا ربك مقام الفاعل لأنها جمل، والجمل لا تقوم مقام الفاعل، فإن جعلت الاسم الذي يقوم مقام الفاعل موسى، لأن ذكره قد جرى كان مستقيما. [طه: 13، 12] اختلفوا في إجراء طوى [طه/ 12] وضمّ طائها. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (طوى وأنا) غير مجراة والطاء مضمومة وفي النّازعات [16، 17] مثله. وروى أبو زيد عن أبي عمرو: (طوى) وقال: هي أرض. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: طوى مجراة مضمومة الطاء «1». حدّثنا الكندي، قال: حدثنا مؤمّل قال: حدّثنا إسماعيل عن ابن أبي نجيح قلت له: فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس، قال: يقول: امض بقدميك إلى بركة الوادي، أظنه- يعني مجاهدا- طوى، مصروف وغير مصروف، فمن صرف فمن وجهين أحدهما: أن يجعله اسم الوادي فيصرف لأنه سمّى مذكرا بمذكر. والوجه الآخر: أن يجعله صفة، وذلك في قول من قال: إنه قدّس مرّتين، فيكون طوى كقولك: ثنا، ويكون صفة كقولهم: مكانا سوى، وقوم عدى. وجاء في طوى الضم والكسر، كما جاء في قوله: (مكانا سوى) [طه/ 58] الكسر والضم، قال الشاعر «2»:

_ (1) السبعة 417. (2) البيت في اللسان (ثني) ونسبه لكعب بن زهير ولم أجده في ديوانه. والثّنى، بالكسر والقصر: الأمر يعاد مرتين وأن يفعل الشيء مرتين. وانظر تهذيب اللغة 15/ 137.

طه: 10

أفي جنب بكر قطّعتني ملامة ... لعمري لقد كانت ملامتها ثنا أي: ليس هذا بأوّل ملامتها، وكذلك طوى وطوى. وقد أنشدوا: ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم ... وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا «1» ثنانا مكسورة الثاء، أنشدناه محمد بن السري، وزعم أبو الحسن أن الضم في هذا لغة، وبالضم أنشد قول الشاعر: ترى ثنانا ... وقال: الثنى: هو الثاني. قال أبو علي: ومعنى ثنى وثنى: الذين يثنى بهم بعد السادة، لأنهم قالوا للسيد: البدء، من حيث بدئ بهم فيما يهمّ من الأمور. ومن لم يصرف احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون اسما لبقعة أو أرض، وهو مذكّر، فهو بمنزلة امرأة سمّيتها بحجر، ويجوز أن يكون معدولا كعمر. فإن قلت: إن عمر معدول عن عامر، وهذا الاسم لا يعرف عمّ عدل، بأنه لا يمتنع أن يقدر العدل عما لم يخرجوه إلى الاستعمال، ألا ترى أنّ جمع وكتع معدولتان عمّا لم يستعمل، وكذلك يكون طوى. [طه: 10] ابن سعدان عن إسحاق عن نافع وحمزة: (لأهله امكثوا) [طه/ 10] وكذلك في القصص [29]، بضم الهاء.

_ (1) البيت لأوس بن مغراء، انظر اللسان (ثني) وتهذيب اللغة 15/ 136. يقول: الثاني منا في الرئاسة يكون في غيرنا سابقا في السؤدد، والكامل في السؤدد من غيرنا ثني في السؤدد عندنا، لفضلنا على غيرنا (التهذيب).

طه: 13

والباقون يكسرون الهاء فيهما «1». وقد تقدم القول في ذلك. [طه: 13] اختلفوا في التاء والنون من قوله عز وجل: وأنا اخترتك [طه/ 13]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر والكسائي: وأنا خفيف اخترتك بالتاء بغير ألف. وقرأ حمزة (وأنّا) النون مشددة (اخترناك) بألف ونون «2» قال أبو علي: الإفراد زعموا أكثر في القراءة، وهو أشبه بما قبله من قوله: إني أنا ربك ووجه الجمع: أن نحو ذلك قد جاء نحو قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثم قال: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2]. وزعموا أنّه قراءة الأعمش، وزعموا أنه في حرف أبيّ: (وأنّي اخترتك) فهذا يقوي الوجه الأول. [طه: 30، 31] وقرأ ابن عامر وحده: (هارون أخي أشدد به) [طه/ 30، 31] مقطوعة مفتوحة، والياء ساكنة (وأشركه) الألف مضمومة على الجواب والمجازاة. وقرأ الباقون: أخي اشدد به أزري. وأشركه في أمري مفتوحة على الدعاء، إلا أبا عمرو وابن كثير فإنهما فتحا الياء من أخي. وقرأ نافع في رواية المسيبي وابن كثير: (وأشركهو في أمري) بزيادة واو في اللفظ.

_ (1) السبعة 417. (2) السبعة 417.

وقرأ الباقون: وأشركه مضمومة الهاء من غير واو «1». قال أبو علي: الوجه: الدعاء دون الإخبار، لأن ذلك معطوف على ما تقدّمه من قول: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري [طه/ 25، 26] فكما أن ذلك كلّه دعاء، فكذلك ما عطف عليه. وأما الإشراك فيبعد فيه الحمل على غير الدعاء، لأن الإشراك في النبوّة لا يكون إلا من الله سبحانه، اللهم إلا أن يجعل أمره شأنه الذي هو غير النبوة، وإنما ينبغي أن يكون النبوة، ألا ترى أنه قد جاء: اذهب إلى فرعون [النازعات/ 17] فقال: فأرسله معى ردءا يصدقني [القصص/ 34] فأما (أشدد به أزري) فحمله على الإخبار، وغير الدعاء أسهل، لأن الشدّ يكون من هارون لموسى. وقال أبو عبيدة: اشدد به أزري أي: ظهري «2» قال: يقولون آزرني أي: صار لي ظهرا، ويشبه أن يكون آزر لغة في وازر، كأكدت ووكدت، وآصدت وأوصدت وأرّخت وورّخت، ونحو ذلك، ولا يسوغ أن يحمل أشركه في أمري على غير السورة، لأنه قد جاء ما يعلم منه مسألة موسى لذلك، وذلك قوله: وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني، قال سنشد عضدك بأخيك [القصص/ 33، 34]. وقال: بمحنية قد آزر الضّال نبتها ... مضمّ جيوش غانمين وخيّب «3»

_ (1) السبعة 418. (2) مجاز القرآن 2/ 18. (3) البيت لامرئ القيس، انظر ديوانه/ 45، وفيه: «مجرّ جيوش» مكان «مضمّ

طه: 58

كأن المعنى أن كلأها قد طال حتى صار في قوام الضال، ويدل على أن قول الجماعة غير ابن عامر أرجح أن قوله: كي نسبحك كثيرا [طه/ 33] كالجواب بعد هذه الأشياء التي سألها موسى ربّه، فينبغي أن يكون ذلك كلّه في جملة ما دعا به. اختلفوا [في] «1» قوله: (مهادا) [طه/ 53] في زيادة الألف ونقصانها هاهنا وفي الزخرف [10] ولم يختلفوا في غيرها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر: (مهادا) بالألف في كل القرآن. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: مهدا بغير ألف فيهما «2». قال أبو علي: المهد: مصدر كالفرش، والمهاد مثل الفراش في قوله: الذي جعل لكم الأرض فراشا [البقرة/ 22] والله جعل لكم الأرض بساطا [نوح/ 19] فالمهاد مثل الفراش والبساط، وهما اسم ما يفرش ويبسط، ويجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء، فجمع كما يجمع فعل على فعال، والأوّل أبين، ويجوز في قول من قرأ: مهدا أن يكون المعنى: ذا مهد، فيكون المعنى كقول من قال مهادا. [طه: 58] اختلفوا في قوله: (مكانا سوى) [طه/ 58] في ضم السين وكسرها. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (مكانا سوى) كسرا.

_ جيوش». والمعنى: هذه المحنية في موضع تمر الجيوش به من غانم أو خائب. فلا ينزلها أحد ليرعاها خوفا من الجيوش، فذلك أوفر لخصبها وأتمّ لكلئها. وانظر اللسان (خيب). (1) سقطت من الأصل. (2) السبعة 418.

وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: سوى بضم السين «1». أبو عبيدة: مكانا سوى وسوى يضم أولها ويكسر مثل طوى وطوى. قال: وهو المكان النّصف فيما بين الفريقين «2»، وأنشد لموسى بن جابر الحنفي «3»: فإن أبانا كان حلّ ببلدة ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر «4» قال أبو علي: قوله: سوى، هو فعل من التسوية، فكأن المعنى مكانا تستوي فيه مسافته على الفريقين فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر، وهذا بناء يقل في الصفات، ومثله: قوم عدى، وأما فعل فهو في الصفات أكثر من فعل، نحو: رجل سلع، ودليل خنع، ومال لبد، ورجل حطم. فأما انتصاب قوله: (مكانا سوى)، فلا يخلو من أن يكون مفعولا للموعد في قوله: فاجعل بيننا وبينك موعدا [طه/ 58] أو يكون ظرفا واقعا موقع المفعول الثاني، أو يكون منتصبا بأنه المفعول الثاني، فلا يجوز أن يكون متعلّقا بالموعد لا على أنه مفعول به، ولا على أنه ظرف له، وذلك أن الموعد قد وصف بالجملة التي هي: لا نخلفه نحن [طه/ 58] وإذا وصف لم يجز أن يعمل عمل الفعل لاختصاصه بالصفة، ولأنه إذا وصف لم يجز أن يتعلق به بعد الوصف شيء منه، كما أنه إذا عطف عليه لم يجز أن يتعلق به بعد العطف شيء منه،

_ (1) السبعة 418. (2) في مجاز القرآن: القريتين. (3) سبق انظر 1/ 248. (4) مجاز القرآن 2/ 20.

وكذلك إذا أخبر عنه لم يجز أن يقع بعد الخبر عنه شيء يتعلق بالمخبر عنه، ولم يجز سيبويه: هذا ضارب ظريف زيدا، ولا: هذا ضويرب زيدا، إذا حقر اسم الفاعل، لأن التحقير في تخصيصه الاسم بمنزلة إجراء الوصف عليه، وقد جاء من ذلك في الشعر شيء، سمعت أبا إسحاق ينشد: وراكضة ما تستجنّ بجنّة ... بعير حلال غادرته مجعفل «1» وقرأت على محمد بن السري من خط السكري لبشر بن أبي خازم: إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت ... ذكرت سليمى في الخليط المباين «2» وقال ذو الرّمة: وقائلة تخشى عليّ أظنه ... سيودي به ترحاله ومذاهبه «3» وهذا الذي جاء منه في الشعر يحمل النحويون مثله على إضمار فعل آخر: كما ذهبوا إليه في نحو قول الشاعر: إن العرارة والنّبوح لدارم ... والمستخفّ أخوهم الأثقالا «4»

_ (1) البيت لطفيل الغنوي انظر ديوانه/ 68 وفيه: «راجعته» مكان «غادرته» والمعنى: وراكضة: تركض بعيرا تعدّيه، ما تستجنّ: ما تستتر. الحلال: مركب من مراكب النساء المجعفل: المقلوب، جعفل المتاع: إذا قلبه ورمى بعضه على بعض. انظر اللسان (جعفل). (2) انظر المقرب لابن عصفور/ 124، واللسان (فقد) وليس في ديوانه. (3) انظر ديوانه 2/ 858. (4) البيت للأخطل، انظر ديوانه 1/ 116 وابن الشجري 1/ 189 واللسان (نبح). والعرارة هنا: الكثرة والعزّ. والنبوح: ضجة الناس وجلبتهم، والمستخف: رويت بالنصب والرفع.

وكذلك قوله: لسنا كمن حلت إياد دارها ... تكريت ترقب حبّه أن يحصدا «1» فإن قلت: فقد جاء إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون [غافر/ 10] والظرف في المعنى يتعلق بالمقت الأول لأن المعنى: لمقت الله إياكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، أكبر من مقتكم أنفسكم الآية. وقوله: إذ تدعون متعلّق بالمقت الأول، وقد وقع بعد خبره، قيل: إن الظروف يتجوّز فيها ما لا يتجوّز في غيرها، ألا ترى أنها تقع مواقع لا يقعها غيرها، وهو أيضا مع ذلك ينبغي أن يحمل على فعل آخر دلّ المقت عليه كأنه: مقتكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون. فعلى هذا الضرب من الأفعال يحمل هذا النحو إذا جاء، ولم نعلم في التنزيل مجيء شيء منه إلا في الظروف، فقد علمت أن مكانا في قوله: مكانا سوى ليس يتعلق بالموعد لما ذكرنا، وليس بالسهل أن تجعل انتصاب مكانا في قوله: (مكانا سوى) على أن يكون ظرفا، وقع موقع المفعول الثاني، كقولك: ظننت خروجك اليوم، وعلمت ركوبك غدا، لأنك إن حملته على ذلك جعلت المبتدأ الذي يلحقه، جعلت، وظننت ونحوه، موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا قصدا، فتنصب المكان كما تنصب اليوم، في قولك: القتال اليوم. ولم يجروا قولهم: الموعد مجرى سائر هذه الأحداث، ألا ترى

_ (1) البيت للأعشى، انظر ديوانه/ 231 وفيه: «جعلت» مكان «حلت» و «تنظر» مكان «ترقب». وانظر الخصائص 2/ 402، 403، 3/ 256.

أنه قد جاء في التنزيل: إن موعدهم الصبح [هود/ 81] برفع الصبح، وجاء: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى [طه/ 59] فالقراءة بالرفع على أن الثاني هو الأول، وهذا حذف واتساع، ولا تقول على قياس موعدك الصبح: مرجعك الصبح، ولا مجيئك باب الأمير، ولا مقعدك السوق. وقد رأيت أنهم قد أخرجوا الموعد من أحكام نحوه، فلا يحسن فيه ما حسن في نحو ما يشبهه، ومما يدلّك على أنهم أخرجوا ما بعد الموعد من أن يكون ظرفا قوله: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى [طه/ 59] ألا ترى أن قوله: وأن يحشر الناس ليس من الظروف في شيء فلولا أن اليوم في قوله: موعدكم يوم الزينة، قد خرج من أن يكون ظرفا لم يعطف عليه ما لا يكون ظرفا. ولو نصب ناصب (اليوم) من قوله: موعدكم يوم الزينة فجعل (اليوم) خبرا عن الحدث مثل: القتال اليوم، مع عطف قوله: وأن يحشر الناس ضحى عليه جاز على أن يتعلق يوم الزينة بالمحذوف، ويضمر لقوله: وأن يحشر الناس ضحى ما يكون مبنيا عليه، كأنه: موعدكم يوم الزينة، وموعدكم أن يحشر الناس ضحى، وهذا هو الأصل، وإذا صار الاستعمال فيه على ما وصفناه مما جاء التنزيل به كان غير ذلك كالأصول المرفوضة، ولو قال قائل: إن الموعد في الآي اسم الزمان، فيكون مجيء الموعد اسما للزمان كقولهم: كان هذا مبعث الجيوش، ومضرب الشّول «1»، ومحبل فلانة، أي وقت بعضهم، ومضرب الشّول: أي وقت ضربها، ومحبل فلانة، أي: زمان حبلها. فإذا جاز أن يكون اسما للزمان ارتفع الصبح، ويوم

_ (1) الشّول: جمع شائلة وهي من الإبل التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فخف لبنها. انظر اللسان (شول).

طه: 61

الزينة من حيث كان الثاني لأنه هو الأول، وأنشد أبو الحسن: كلما قلت غد موعدنا ... غضبت هند وقالت بعد غد «1» فهذا يتجه أيضا على الوجهين اللذين قدمنا: أن يكون جعل الموعد الحدث، وجعله غدا، قبل على الاتساع، أو يكون جعل الموعد اسم زمان مثل المحبل، وعلى هذا الاتساع فيه، ويجوز أن يكون الموعد اسم المكان فمما جاء فيه اسم مكان: وإن جهنم لموعدهم أجمعين [الحجر/ 43] فالموعد ينبغي هاهنا أن يكون مكانا، لأن جهنم مكان، والثاني فيه هو الأول، وهذا أبين من أن تحمله على أن جهنم مكان موعدهم لأن الكلام على الظاهر ولا حذف فيه، فإذا جعلت قوله: مكانا مفعولا ثانيا لجعلت كان بمنزلة قوله: جعلوا القرآن عضين [الحجر/ 91] وقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف/ 19] في أنه انتصب على أنه مفعول ثان لجعلت. [طه: 61] اختلفوا في ضم الياء وفتحها من قوله عز وجل فيسحتكم [طه/ 61]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر: (فيسحتكم) بفتح الياء من يسحت. وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: فيسحتكم بضم الياء من أسحت، وكسر الحاء.

_ (1) البيت لعمر بن أبي ربيعة انظر ديوانه/ 323 وروايته فيه: كلما قلت متى ميعادنا ... ضحكت هند وقالت بعد غد السبعة 419.

طه: 63

أبو عبيدة: يسحتكم: يهلككم قال: وبنو تميم يقولون: يسحتكم، وأنشد: وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلّف «1» وفسر لم يدع: لم يبق، وقال أبو الحسن نحو ذلك، أبو عثمان: سحت وأسحت نحو قول أبي عبيدة. [طه: 63] اختلفوا في قوله تعالى: إن هذين [طه/ 63] في تشديد النون وتخفيفها. فقرأ ابن عامر ونافع وحمزة والكسائي: (إنّ) مشدّدة النون. هذان بألف خفيفة النون من هذان. وقرأ ابن كثير (إن هذانّ) بتشديد نون (هذانّ) وتخفيف نون (إنّ). واختلف عن عاصم فروى أبو بكر (إنّ هذان) نون إنّ مشدّدة، وروى حفص عن عاصم إن ساكنة النون وهي مثل قراءة ابن كثير، وهذان خفيفة. وقرأ أبو عمرو وحده (إنّ) مشدّدة النون (هذين) بالياء.

_ (1) البيت للفرزدق وقد نسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 21 إليه. وانظر ديوانه 2/ 556. وفيه «مجرّف» بدل «مجلّف» وأنشده اللسان وقال: ويروى: «إلا مسحت أو مجلّف». وهي كذلك في مجاز القرآن ورفع قوله: «أو مجلف» بإضمار كأنه، قال: أو هو مجلف، وهذا هو قول الكسائي. والمسحت: المستأصل. اللسان (سحت)، والمجلف: الذي أتى عليه الدهر فأذهب ماله. وجلّف النبات أكل عن آخره. اللسان (جلف).

قال قائلون: (إنّ) في قوله: (إنّ هذان لساحران) بمعنى: أجل، وأن تكون (إنّ) للتأكيد والناصبة للاسم أشبه بما قبل الكلام وما بعده، فأما قبل فقوله: فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى [طه/ 62] فالتنازع إنما هو في أمر موسى وهارون، هل هما ساحران على ما ظنوه من أمرهما، وقد تقدم من قولهم ما نسبوهما فيه إلى السحر، وهو قولهم: أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فهذا وإن لم يتقدمه سؤال عن سحرهم كما تقدم السّؤال مثل قوله: قالوا نعم وهو قوله: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم [الأعراف/ 44] فقد تقدم أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله [طه/ 57، 58] فيكون نعم منصرفا إلى تصديق أنفسهم فيما ادّعوه من السحر و (إن) بمنزلة نعم. وقال: قد قال سيبويه: نعم عدة وتصديق، وأن تصرف إلى الناصبة للاسم أولى. قال الجرميّ: هو قراءة أبي عمرو وعيسى وعمرو بن عبيد وقوله: يريدان أن يخرجاكم إلى آخر الكلام، أن يكون تأكيدا لأنهما ساحران أشبه بالكلام فإن حمله على التصديق ضرب من التأكيد فإن حملت (إنّ) على أنّه بمعنى نعم بقي الكلام: هذان لساحران، فتحصل لام الابتداء داخلة على خبر المبتدأ، وهذا قد قال النحويون فيه: إنّه يجوز في الشعر على الضرورة، فإن قلت: أقدر الابتداء محذوفا، فإن هذا لا يتجه «1» لأمرين: أحدهما: أن الذي حمله النحويون على الضرورة لا يمتنع من أن يستمر هذا التأويل فيه، ولم يحملوه مع ذلك عليه. والآخر: أن التأكيد باللام لا يليق به الحذف، ألا ترى أن الأوجه في الرتبة أن يتم الكلام ولا يحذف، ثم يؤكّد فأما أن

_ (1) جاء على حاشية الأصل عبارة بلغت.

يحذف ثم يؤكّد، فليس باللائق في التقدير، ووجه قول من قال: إن ذان، وإن هذان مخفف (إن): أنّ إنّ إذا خفّفت لم يكن النصب بها كثيرا، وكان الأوجه أن يرفع الاسم بعدها، والدليل على ذلك كثرة وقوع الفعل بعدها في نحو: إن كاد ليضلنا [الفرقان/ 42] وإن كانوا ليقولون [الصافات/ 167] وإن كنا عن دراستهم لغافلين [الأنعام/ 156]، وإذا كان الأوجه الرفع بعدها رفع هذان بعدها، وأدى مع ذلك خطّ المصحف، ومن زعم أنّ هذان في الآية الألف التي فيه الألف التي كانت في هذا، ليس إلا ألف التي جلبته التثنية، فإن الأمر لو كان على ما زعم لم تنقلب هذه الألف في تثنيته، كما أن الألف التي في هذا لا تنقلب على حال، وفي كون هذه الألف مرّة ياء، ومرة ألفا دلالة على أنه كسائر التثنية، ولا فصل بين هذا وبين غيره من الأسماء المعربة، وذلك أن هذه الأسماء في الانفراد إنما بنيت لمشابهتها الحروف، فإذا ثنيت زال بالثنية مشابهتها للحروف، من حيث لم تثنّ الحروف فتصير كسائر الأسماء المعربة، ويدلّ على أن هذه الألف للتثنية أن التي كانت في الواحد قد حذفت، كما حذفت الياء من التي والذي إذا قلت: اللتان واللذان، فالياء التي كانت في الاسم قد حذفت وجيء بالتي للتثنية. ومثل حذف هذه الألف حذف الألف من أولات ومن ذوات ومن هيهات، هذه كلّها حذفت فيها الألف والياء لقلة تمكّنها، فكذلك تحذف من قولهم: هذا، ألفه، وتلحق التي تكون علما للتثنية، ومن ثم انقلبت مرّة ياء ومرة ألفا، والتي تثبت في الواحد لا يتعاورها القلب، ولا تزول عن أن تكون ألفا، وقال أبو الحسن: إن هذان لساحران بتخفيف إن لأن الكتاب: هذان فيحملها على لغة من يخفّف إنّ فيرفع بها، وإن ثقلت فهي لغة لبني الحارث بن كعب

طه: 64

يرفعون الاثنين في كل موضع قال: فأيّ التفسيرين فسرت فهو جيد. [طه: 64] اختلفوا في همز الألف من قوله تعالى: فأجمعوا كيدكم [طه/ 64] في كسر الميم وإسقاط الألف وفتح الميم. فقرأ أبو عمرو وحده (فاجمعوا) مفتوحة الميم من جمعت. القطعيّ عن عبيد وهارون عن أبي عمرو: فأجمعوا ألف مقطوعة مثل حمزة. وقرأ الباقون: فأجمعوا بقطع الألف وكسر الميم من أجمعت «1». احتج أبو عمرو، زعموا، للقراءة بالوصل بقوله: فجمع كيده [طه/ 60] والفعل في الموضعين جميعا معدّى إلى الكيد. قال أبو الحسن، وإنما يقولون بالقطع إذا قالوا: أجمعنا على كذا وكذا، فأما إذا قالوا: أجمعوا أمركم، وأجمعوا كيدكم، فلا يقولون إلا بالوصل، قال: والقطع أكثر القراءة، قال: فأما أن يكون لغة في ذا المعنى لأن باب فعلت وأفعلت كثير، أو يكون أجمعوا أي: أجمعوا على كذا وكذا، ثم قال: كيدكم على أمر مستأنف، فإن قيل: فقد تقدّم ذكر قوله: فجمع كيده فإذا قالوا: فأجمعوا كيدكم، كان تكريرا، قيل: لا يكون كذلك، لأن ذاك في قصة وذا في أخرى، ذاك إخبار عن فرعون في جمعه كيده وسحره، وهذا فيما يتواصى به السحرة في جمع كيدهم، وما يستظهرون في المبالغة في سحرهم، ويشبه أن يكون ذلك على لغتين كما ظنه أبو الحسن كقول الشاعر:

_ (1) السبعة: 419، 420.

وأنتم معشر زيد على مائة ... فأجمعوا أمركم طرّا فكيدوني «1» فقوله: فأجمعوا أمركم بمنزلة: فأجمعوا كيدكم لأن كيدكم من أمركم. قال: وروى القطعي عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ثم ائتوا صفا [طه/ 64] بفتح الميم «2»، ثم يأتي بياء بعدها ساكنة. وروى خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: (ثمّ ايتوا) بكسر الميم بغير همز، ثم يأتي بالياء التي بعدها تاء، وهذا غلط، لا تكسر الميم من ثمّ، وحظها الفتح، ولا وجه لكسرها، وإنما أراد ابن كثير أن يتّبع الكتاب فلفظ بالياء التي خلفت الهمزة بعد فتحة الميم. وروى الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد عن شبل عن ابن كثير: ثم ايتوا صفا مفتوحة الميم وبعدها ياء. وكذلك روى محبوب عن إسماعيل المكي عن ابن كثير وهذا هو الصواب. وروى النّبال وغيره عن ابن كثير: ثم ائتوا صفا مثل حمزة، وكذلك قرأ الباقون «3» قول ابن كثير: (ثمّ ايتوا صفّا) بفتح الميم ثم يأتي بياء بعدها ساكنة، وجهه فيه أنه مثل قوله: (أيذا) كأنّه قلب الهمزة ياء بعد ما خفّفها بأن جعلها بين بين إلا أنه في هذا قلبها ياء، وإن لم يكن خففها، وهذا مثل ما حكاه سيبويه في المتصل بيس، وقد كان أبين من هذا أن يقلبها ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها، مثل: راس وفاس في

_ (1) البيت لذي الإصبع العدواني، انظر اللسان (عشر) ابن يعيش 1/ 30. (2) في السبعة: بفتح الميم من ثم. (3) السبعة 420.

المتصل، فأمّا قوله: (ثمّ ايتوا صفا) فخطأ بيّن وأصل هذا أنك تقول: أتى يأتي، فإذا أمرت منه قلت: ايت، تجتلب همزة الوصل لسكون الهمزة التي هي فاء فلزم أن تقلب الفاء ياء لاجتماع الهمزتين، فقلت: ايت، وإن وصلته بشيء سقطت همزة الوصل، فلا يخلو ما يتصل به من أن يكون ساكنا أو متحركا، فإن كان متحركا لم يخل من أن يكون ضمّة أو فتحة أو كسرة، فإن كانت ضمّة وخففت الهمزة قلبتها واوا، فقلت: يا زيد وت، وعلى هذا: (يا صالح وتنا) [الأعراف/ 77] وعلى هذا (ومنهم من يقول اوذن لي ولا) [التوبة/ 49] وإن كانت كسرة فخفّفت الهمزة قلت: يا غلام يت بكذا، فقلبتها ياء، وإن شئت حقّقت «1» الهمزة فقلت: يا غلام ئت بكذا، كما حققت بعد الضمة من قولك يا زيد ؤت، وإن كانت فتحة قلبتها ألفا إذا خففت الهمزة فقلت: يا غلام ات، وإن شئت حقّقت الهمزة. وعلى قياس قراءة ابن كثير: يا غلام يت، فتقلبها ياء ولا تقلبها ألفا، والوجه ما عليه الجمهور والكثرة، وقد قال قوم فيما روى بعض البغداذيين في أتى يأتي: ت بكذا وكذا، وأنشد: ت لي آل زيد «2» وهذا على قياس من حذف الهمزة حذفا من حيث كان حرف علّة، كما حذف من: خذ، ومر، وكل، وليس ذلك بالكثير ولا المعروف، والوجه في الآية قراءة النّبال وغيره عن ابن كثير.

_ (1) في الأصل «خففت» وهو تصحيف. (2) هذه قطعة من بيت لم يعرف قائله وتمامه: ت لى آل زيد واندهم لي جماعة ... وسل آل زيد أي شيء يضيرها انظر اللسان (أتى) وابن الشجري 2/ 17 وفيه (له) بدل (ت) والدرر 2/ 239.

طه: 69

[طه: 69] اختلفوا في تشديد القاف وتخفيفها من قوله: (تلقف) [طه/ 69]. فقرأ ابن عامر وحده: (ما في يمينك تلقّف ما) برفع الفاء وتشديد القاف. وروى حفص عن عاصم: تلقف خفيفة. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (تلقّف ما) مجزومة الفاء. وروى النّبال عن ابن كثير: ما في يمينك تلقف خفيفة التاء كذلك قرأت على قنبل. وكان [ابن كثير] يشدّد التاء [والقاف] في رواية البزي وابن فليح «1»: (ما في يمينك تلقّف). وجه قول ابن عامر: (تلقّف) يرتفع على أنه في موضع حال، والحال يجوز أن يكون من الفاعل الملقي ومن المفعول الملقى، فإن جعلته من الفاعل الملقي جعلته المتلقف، وإن كان التّلقّف فى الحقيقة للعصا، ووجه جعل المتلقف للفاعل على أن التلقف بإلقائه كان، فجاز أن ينسب إليه، كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17] فأضاف الرمي إلى الله سبحانه، وإن كان للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لما كان بقوّة الله وإقداره، ويجوز أن تكون الحال من المفعول، وقال فيه: (تلقّف) على حدّ قولك: هند تذهب، لأنه حمل الكلام على المعنى، والذي في يمينه عصا فأنثه، كما قال: (ومن تقنت منكن لله ورسوله) [الأحزاب/ 31] وكما قال: (فله عشر أمثالها) [الأنعام/ 160] فأنث الأمثال لما كانت في المعنى حسنات، ومثل هذا

_ (1) السبعة 420، 421 وما بين معقوفين منه.

في أنّ لفظ يفعل يكون فيه مرّة للمخاطب ومرّة للمؤنث الغائب قوله: يومئذ تحدث أخبارها [الزلزلة/ 4] فهذا على أن تكون: تحدث أنت أيها الإنسان، وعلى أن الأرض تحدث، فأما قوله: ... فإن تكن ... ... هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها «1» فإن تهوى للغائبة لا غير، وجعلت (تلقف) حالا، وإن لم تتلقف بعد، كما جاء في التنزيل: هديا بالغ الكعبة [المائدة/ 95] وكما أجاز النحويون: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، وهذا النحو من الحال كثير في التنزيل وغيره. وأما (تلقف) فعلى أن يكون جوابا كأنه: إن تلقه تلقف، وكذلك تلقف، ويجوز في (تلقّف) وتلقف أن يكون لك أيها المخاطب، ويجوز أن يكون للغيبة وعلى الحمل على المعنى، ومن خفّف التاء من تلقف ومن شدّد فقال: ما في يمينك تلقف، فإنما أراد: تتلقّف وهذا يكون على تتلقف أنت أيها المخاطب، وعلى تتلقّف في الآية أنه أدغم التاء في التاء، والإدغام في هذا ينبغي أن لا يجوز، لأن المدغم يسكن وإذا سكن لزم أن تجلب له همزة الوصل كما جلبت في أمثلة الماضي، نحو: ادّرأ وازّينت واطّيّروا، وهمزة الوصل لا تدخل على المضارع، ألا ترى أن من قال في تتّرس: اتّرس، لا يقول في المضارع: اتّرسون، ولا: اتّفكّرون، يريد: تتفكرون. وهذا يلزم أن يقوله من قال:

_ (1) البيت لأبي ذؤيب وتمامه: زجرت لها طير الشمال فإن تكن ... هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها يريد إن صدق هذا الطير السنيح سيصيبك اجتنابها، أي تجنبها وتباعدها. انظر شرح السكري 1/ 42.

طه: 69

ما في يمينك تلقف وإنما لم تدخل همزة الوصل على المضارع، كما لم تدخل على اسم الفاعل، لأن كلّ واحد منهما مثل الآخر، وليس حكم الوصل أن يدخل على الأسماء المعربة إلا أن تكون المصادر الجارية على أفعالها، وإنما دخلت على هذه الأسماء القليلة التي دخلت عليها لما كانت محذوفة الأواخر، لأنه بذلك أشبه الأفعال المحذوفة منها، فأشبهت الأفعال التي للأمر عند النحويين. وسألت أحمد بن موسى: كيف يبتدئ من أدغم؟ فقال كلاما معناه أنه يصير بالابتداء إلى قول من خفف ويدع الإدغام. [طه: 69] اختلفوا في فتح السين وكسرها، وإخراج الألف وإدخالها، وتسكين الحاء وكسرها من: كيد ساحر [طه/ 69]. فقرأ حمزة والكسائي: (كيد سحر) بغير ألف. وقرأ الباقون: كيد ساحر بألف «1». حجة: كيد ساحر أن الكيد للساحر في الحقيقة، وليس للسحر إلا أن تريد: كيد ذي سحر، فيكون في المعنى حينئذ مثل: كيد ساحر، ويقوّي ذلك: (تلقّف ما صنعوا إنّما صنعوا كيد ساحر)، والسحر لا يمتنع أن يضاف إليه الكيد على التوسع، وزعموا أنه قراءة الأعمش. [طه: 71] قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، وورش عن نافع: آمنتم [طه/ 71] على لفظ الخبر. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: آمنتم «2» بهمزة ممدودة.

_ (1) السبعة 421. (2) رسمت في السبعة هكذا: إامنتم.

وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: (أآمنتم) بهمزتين، الثانية ممدودة «1». يعني أحمد: أن الهمزة الأولى للاستفهام، والثانية همزة القطع، وبعدها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء الفعل، وقوله عن أبي عمرو وابن عامر بهمزة ممدودة يعني: أنهما يستفهمان فيأتيان بهمزة الاستفهام، وبعدها مدّة، وتكون الأولى همزة القطع، والثانية الأصل. قال أبو علي: الخبر هاهنا وجهه حسن، كأن يقرّعهم على تقدمهم بين يديه، وعلى استبدادهم على ما كان منهم من الإيمان عن غير أمره وإذنه، والاستفهام إلى هذا المعنى يؤول، لأنه تقريع وتوبيخ منه لهم بأيمانهم، وأمّا اللفظ، وقوله: قرأ نافع وابن عامر: آمنتم بهمزة ممدودة، يعني به: أنهم يستفهمون، فيأتون بهمزة الاستفهام بعد مدّة: الأولى: همزة الاستفهام، والثانية: همزة أفعل في أامن، وأبو عمرو إذا اجتمع هذا النحو من الهمزتين أدخل بينهما ألفا، وكأنه ترك هنا هذا الأصل لما كان يلزم من اجتماع همزتين وألفين، الهمزة الأولى همزة الاستفهام والألف الأولى التي بعد الهمزة الأولى هي التي يفصل بها بين الهمزتين في نحو: آأنت أم أمّ سالم «2». والهمزة الثانية وهي الثالثة من أول الكلمة همزة أفعل في:

_ (1) السبعة 421. (2) من بيت لذي الرمة تمامه: فيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم سبق انظر 4/ 286.

طه: 77

أامن، والألف التي بعدها هي الألف المنقلبة عن فاء الفعل من الأمن والأمان، وأبدلت ألفا لاجتماعهما مع همزة أفعل، فكان يلزم اجتماع همزتين وألفين متواليات: أاأامنتم، فترك ذلك في هذا الموضع لكراهة اجتماع الأمثال. وقرأ حمزة والكسائي على أصلهما في هذا النحو وقد مرّ ذلك في مواضع. [طه: 77] اختلفوا في قوله: لا تخاف دركا [طه/ 77]. وقرأ حمزة وحده: (لا تخف دركا) جزما بغير ألف. وقرأ الباقون: لا تخاف رفعا بألف. ولم يختلفوا في فتح الراء من دركا «1». وجه قول من رفع أنه حال من الفاعل: اضرب لهم طريقا غير خائف ولا خاش، ويجوز أن تقطعه من الأول: أنت لا تخاف، ومن قال: (لا تخف) جعله جواب الشرط، إن تضرب لا تخف دركا ممن خلفك، ولا تخشى غرقا بين يديك، فأما من قال: (لا تخف دركا)، ثم قال: لا تخشى، فيجوز أن يقطعه من الأول، أي: إن تضرب لا تخف، وأنت لا تخشى، ولا تحمله على قول الشاعر: كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا «2» ولا على نحو: لا ترضّاها ولا تملّق «3»

_ (1) السبعة 421. (2) هذا عجز بيت لعبد يغوث بن وقاص سبق في 1/ 93، 325. (3) عجز بيت لرؤية سبق في 1/ 93.

طه: 78

لأن ذلك إنما يجيء في ضرورة الشعر كما أن نحو قوله: ألم يأتيك والأنباء تنمى «1» ونحو قوله: لم تهجو ولم تدع «2» كذلك، ولكنّك تقدّر أنّك حذفت الألف المنقلبة عن اللام ثم أشبعت الفتحة لأنها فاصلة، فأثبتّ الألف الثانية عن إشباع الفتحة، ومثل هذا مما ثبت في الفاصلة قوله: فأضلونا السبيلا [الأحزاب/ 67] وقد جاء إشباع هذه الفتحة في كلامهم قال: فأنت من الغوائل حين تلقى ... ومن ذمّ الرّجال بمنتزاح «3» [طه: 78] قال: روى عبيد «4» (فاتبعهم) [طه/ 78] وحدها موصول في هذا، وكلّ شيء في القرآن فأتبعهم. وقرأ: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مقطوع الألف. وعبيد عن هارون عن أبي عمرو (فاتّبعهم فرعون) موصولة، وكلّ شيء في القرآن فأتبعوهم مقطوع «5». قال أبو علي: الباء الجارة على هذا معدية الفعل إلى المفعول لأنك تقول: تبعته واتبعته كما تقول: شويته واشتويته، وحفرته

_ (1) صدر بيت لقيس بن زهير سبق في 1/ 93، 325 و 2/ 69. (2) قطعة من بيت سبق في 1/ 325. (3) سبق انظر 1/ 81. (4) جاء على هامش الأصل: عنده محمد. (5) السبعة 422 مع اختلاف في التفصيل.

طه: 80، 81

واحتفرته، وفديته وافتديته «1»، فإذا استوفيت المفعول الذي يتعدّى إليه الفعل. فعدّيته إلى آخر عدّيته بالجار. ومن قطع الهمزة هنا، فقال: فأتبعهم فرعون بجنوده فالباء زائدة في قوله، لأنّ أتبعهم منقول من تبعهم، وتبع يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى آخر كقوله: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 99] فإذا كان كذلك جعلت الباء زائدة كما تزاد في كثير من المفعولات، نحو: لا يقرأن بالسور «2» وقد يجوز أن تكون هذه الباء في موضع حال من الفاعل، كأنه اقتصر بالفاعل على فعله ولم يعدّه إلى مفعوليه اللذين يتعدى فعله إليهما فصار مثل: تبعه زيد بسلاحه، وقد تقدم ذكر هذه الكلمة. [طه: 80، 81] اختلفوا في قوله عز وجل: قد أنجيناكم ... وواعدناكم ... ما رزقناكم ... [طه/ 80، 81]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم الثلاثة الأحرف بالنون. وقرأ أبو عمرو وحده: (ووعدناكم) بغير ألف في كلّ القرآن. وقرأهنّ حمزة والكسائى بالتاء «3». حجة: (وعدناكم) أنّ ذلك يكون من الله سبحانه. وقال أبو

_ (1) في الأصل: وافديته. (2) هذه قطعة من بيت للراعي وتمامه: تلك الحرائر لا ربات أحمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسور انظر المخصص 14/ 70 وشرح أبيات المغني للبغدادي 1/ 128. (3) السبعة 422 وزاد بعده: بغير ألف.

طه: 81

الحسن: زعموا أن واعدناكم لغة في معنى وعدناكم، وإذا كان كذلك فاللفظ لا يدلّ على أن الفعل من الاثنين، كما أن استسحر واستقرّ، ونحو ذلك من بناء استفعل، لا يدلّ على استدعاء، والقراءة بوعد أحسن، لأن واعد بمعنى وعد، ويعلم من وعد أنه فعل واحد لا محالة، وليس واعد كذلك، والأخذ بالأبين أولى. وحجة من قرأ: (أنجيناكم ... ووعدناكم) قوله: ونزلنا عليكم المن [طه/ 80] واتفاقهم في ذلك على إسناد الفعل إلى اللفظ الدالّ على الكثرة، وفي أخرى: وإذ أنجيناكم من آل فرعون [الأعراف/ 141]. [طه: 81] اختلفوا في قوله: فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي [طه/ 81]. فقرأ الكسائي وحده: (فيحلّ عليكم) بضم الحاء، (ومن يحلل) بضم اللام. وقرأ الباقون: فيحل، ومن يحلل عليه. ولم يختلفوا في قوله: أن يحل عليكم غضب من ربكم [طه/ 86] أنها بكسر الحاء «1». أبو زيد تقول: قد حلّ عليه أمر الله يحلّ حلولا، وحلّ الدار يحلّها حلولا: إذا نزلها، وحلّ العقدة يحلّها حلا. وحلّ له الصوم يحلّ له حلّا، وأحلّه له إحلالا، وحل حقي عليه يحل محلا وأحل من إحرامه إحلالا، وحل يحل حلا. وجه قراءة من قرأ: (يحلّ) بكسر الحاء أنه روى في زمزم:

_ (1) السبعة 422.

«أنه لشارب حلّ وبلّ» «1» أي: مباح له غير محظور عليه، ولا ممنوع منه، والحلّ والحلال في المعنى مثل المباح، فهو خلاف الحظر والحجر والحرام، والحرم، فهذه الألفاظ معناها المنع، وهي خلاف الحلّ والحلال الذي هو الإباحة والتوسعة، والإباحة: من باح بالسر والأمر يبوح به، إذا لم يجعل دونه حظرا، والمحلّ خلاف المحرم، فمعنى يحلّ عليكم: ينزل بكم وينالكم بعد ما كان ذا حظر وحجر ومنع عنكم. ويبين ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: حلّ عليه أمر الله يحلّ، والأمر قد جاء في التنزيل يراد به العذاب، قال: أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النمل/ 1] فهذا يعنى به العذاب لقوله: يستعجلونك بالعذاب [العنكبوت/ 54] وقال: أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا [يونس/ 24] ويقوّي ذلك قوله: ويحل عليه عذاب مقيم [هود/ 39] أي: ينزل به بعد أن لم يكن كذلك، ولم يختلفوا في هذا الحرف فيما زعموا، وهذا بمنزلة قوله: أن يحل عليكم غضب من ربكم [طه/ 86] في أنه يحلّ بالكسر. ووجه من قال: (يحلّ عليكم غضبي) أنّ الغضب لما كان يتبعه العقوبة والعذاب جعله بمنزلة العذاب فقال: يحلّ أي: ينزل، فجعله بمنزلة قولهم: حلّ بالمكان يحلّ، وعلى هذا جاء: تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم [الرعد/ 31] فكما أن هذا عذاب، فأخبر عنه بأنّه يحلّ، كذلك أخبر عن الغضب بمثله، فجعله بمنزلته لأنه يتبعه ويتصل به.

_ (1) انظر النهاية لابن الأثير 1/ 154 ونصه: «هي لشارب حل وبل» البل: المباح. وقيل الشفاء. من قولهم: بلّ من مرضه وأبل. وبعضهم يجعله اتباعا لحلّ، ويمنع من جواز الإتباع الواو.

طه: 87

[طه: 87] اختلفوا في قوله تعالى: موعدك بملكنا [طه/ 87] في ضم الميم وكسرها وفتحها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (بملكنا) بكسر الميم. وقرأ نافع وعاصم بملكنا بفتح الميم. وقرأ حمزة والكسائي: (بملكنا) بضم الميم. القطعي عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو بملكنا «1». قال أبو علي: هذه لغات، وزعموا أن الكسر أكثر في القراءة، والفتح لغة فيه، المعنى: ما أخلفنا موعدك بملكنا الصواب، ولكن لخطئنا، فأضاف المصدر إلى الفاعل وحذف المفعول، كما أنه قد يضاف إلى المفعول ويحذف الفاعل في نحو: من دعاء الخير [فصلت/ 49] و (سؤال نعجتك) [ص/ 24]. وأما من قال: ما أخلفنا موعدك بملكنا فإنه لا يخلو من أن يريد به مصدر الملك: أو يكون لغة في مصدر المالك، فإن أريد بالملك مصدر الملك فالمعنى لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك لمكان ملكنا، وهذا على هذا التقدير كقوله: لا يسألون الناس إلحافا [البقرة/ 273] أي: ليس منهم مسألة فيكون منهم إلحاف فيها، ليس على أنه أثبت ملكا، كما أنه لم يثبت في قوله: لا يسألون الناس إلحافا مسألة منهم، ومثله قول ابن أحمر: لا يفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الضّبّ بها ينجحر «2»

_ (1) السبعة 422، 423. (2) سبق انظر 2/ 47.

طه: 87

أي: ليس لها أرنب فيفزع لهولها، ومثله: وبلدة لا يستطيع سيدها ... حسرى الأراكيب ولا يهيدها «1» ومثله قول ذي الرمة: لا تشتكى سقطة منها وقد رقصت ... بها المفاوز حتّى ظهرها حدب «2» أي: ليس منها سقطة فتشتكى، ولا يجوز أن يراد به تثبيت الملك الذي هو مصدر الملك، لأنهم لم يكن لهم ملك بل كانوا مستضعفين قال: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض [القصص/ 5] قال: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها [الأعراف/ 137]. وأظنّ أنّ أبا الحسن حكى أنّ الملك مصدر في المالك، وحكى غير أبي الحسن: أن بعضهم قال: ما لي ملك، يريد: شيئا أملكه، وقد يكون الملك: الشيء المملوك، والملك: المصدر، مثل الطّحن والطحن، والسّقي والسّقي. وقد يجوز في قراءة من قرأ (بملكنا) أن تقدّر حذف المفعول وتعمله إعمال المصدر، كما قال: وبعد عطائك المائة الرّتاعا «3» [طه: 87] اختلفوا في قوله تعالى: ولكنا حملنا [طه/ 87] في ضم الحاء وتشديد الميم، وفتحها وتخفيف الميم.

_ (1) لم نعثر عليه، ولا يهيدها: أي لا يزعجها ولا يكترث لها. (2) انظر ديوانه 1/ 44 والمعنى: لا يقال فيها ما يكره، والسقطة: العثرة، رقصت بها المفاوز: ليست على طمأنينة. وقد حدب ظهرها من الهزال. (3) سبق انظر 1/ 182، 2/ 130، 333، 351.

فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم: حملنا بضم الحاء مشدّدة الميم. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (حملنا) خفيف. وقال أبو زيد عن أبي عمرو: (حملنا) وحملنا «1». قال أبو علي: حمل الإنسان الشيء وحمّلته إياه، يتعدّى الفعل إلى مفعول واحد، فإذا ضاعفت العين عدّيته إلى المفعولين، قال: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها [الجمعة/ 5] والحمل: المصدر، والحمل: المحمول، وفي التنزيل فأبين أن يحملنها ... وحملها الإنسان [الأحزاب/ 72] كأنّه: أبين أن لا يؤدّين الأمانة فيما استؤمنّ فيه، وحملها الإنسان أي: لم يؤدّها، لأن حمل الحامل الشيء إمساك وخلاف لأدائه، فكأنه لم يؤدّ الأمانة، وكأن المعنى: على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال وأشفقن منها أي: من حمل الأمانة، فحذف المضاف. وما روى في الحديث: (أنه إذا كان الماء قلّتين أو خمس قلال لم يحمل خبثا) «2». معناه أنه لقلّته يضعف عن أن يحتمل النجس، فينجس لأنّه لا يحتمله كما يحتمله الكثير الذي بخلافه، وقالوا: احتمل الشيء وحمله: إذا اضطلع به وقوى عليه، أنشد الأصمعي: واحتمل اليتم فريخ التمره ... ونشر اليسروع بردي حبره «3»

_ (1) السبعة 423. (2) رواه أحمد في مسنده 2/ 23، 27، 107 وانظر اللسان (قلل). (3) لم نعثر عليه واليسروع نوع من الدود يعيش على الأعشاب والأشواك جمعه أساريع. (اللسان/ سرع) والتمرة كقبّرة: طائر أصغر من العصفور (القاموس).

طه: 93

المعنى: أنه استقلّ بنفسه، واحتمل طلب قوته وفارق ما كان عليه من التيم في حاجته إلى الكاسب له، فمن قرأ حملنا كان المعنى عنده: جعلونا نحمل أوزار القوم و (حملنا) على ذلك وأردنا له. ومن قال: (حملنا) أراد أنّهم فعلوا ذلك، وقد يجوز إذا قرأ (حملنا) أن يكونوا حملوا على ذلك وكلّفوه لأنهم إذا حمّلوه حملوه. [طه: 93] اختلفوا في إثبات الياء من قوله تعالى: (أن لا تتبعني) [طه/ 93] وحذفها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ألّا تتّبعني) بياء في الوصل ساكنة. ويقف ابن كثير بالياء، وأبو عمرو يقف بغير ياء. واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر: (ألا تتّبعني أفعصيت) بياء منصوبة، وليس في الكتاب، وفي رواية قالون والمسيبي وورش وأحمد بن صالح عن أبي بكر وإسماعيل بن أبي أويس: (تتّبعني) بياء في الوصل ساكنة، ويقف بغير ياء. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف «1». قد ذكر هذا النحو في غير موضع. [طه: 94] اختلفوا في فتح الميم وكسرها من قوله عز وجل: يابن أم [طه/ 94]. فقرأ يابن أم بنصب الميم ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم.

_ (1) السبعة 423.

طه: 96

وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وابن عامر (يا ابن أمّ) بكسر الميم. قال أبو علي: من قال: يا ابن أم احتمل قوله أمرين: أحدهما: أن يكون أراد: يا ابن أمّا، فحذف الألف كما يحذف من غلامي في النداء إذا قال: يا غلام، وحذف الياء من المضاف إليه، وإن كانت لا تحذف في المضاف إليه إذا قال: يا غلام غلامي، كما تحذف من المضاف إذا قال: يا غلام، لأن هذا الاسم قد كثر استعماله، فتغيّر عن أحوال النظائر، والفتحة في ابن على هذا نصبة، كما أنها في قولك يا غلام أمي كذلك، ويجوز أن يكون جعل ابن وأمّ جميعا بمنزلة اسم واحد فبنى الآخر على الفتح وكذلك الاسم الذي هو المصدر، فالفتحة في الأول ليس بنصبة كما كانت في الوجه الأول، ولكنها بمنزلة الفتحة في خمسة من خمسة عشر، والاسم في موضع ضمّ من حيث كانا بمنزلة خمسة عشر، كما أن خمسة عشر كذلك. ومن قال: (يا ابن أمّ) احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون أضاف ابنا إلى أمّ، وحذف الياء من الثاني، وكان الوجه إثباتها مثل يا غلام غلامي، والآخر: أن يكون جعل الاسم الأوّل مع الثاني اسما واحدا. وأضافه إلى نفسه، كما تقول: يا خمسة عشر أقبلوا، فحذف الياء كما تحذف من أواخر المفردة نحو: يا غلام. [طه: 96] اختلفوا في قوله عز وجل: بما لم يبصروا به [طه/ 96] في الياء والتاء.

طه: 97

فقرأ حمزة والكسائي: (تبصروا) بالتاء. وقرأ الباقون: يبصروا بالياء «1». من قال: يبصروا وهو قراءة الأكثر فيما زعم بعضهم، أي: لم يبصر به بنو إسرائيل. ومن قال: (تبصروا به) صرف الخطاب إلى الجمع. [طه: 97] واختلفوا في قوله: لن تخلفه [طه/ 97] في فتح اللام وكسرها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لن تخلفه) بكسر اللام. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: لن تخلفه بفتح اللام «2». اختلفت يتعدّى إلى مفعولين، ولن تخلفه مثل لن تعطاه، لما أسندت الفعل إلى أحد المفعولين، فأقمته مقام الفاعل بقي الفعل متعدّيا إلى مفعول واحد، وفاعل الفعل الذي هو تخلف: الله سبحانه، أو موسى، ومعناه: سنأتيك به ولن يتأخر عنك. و (لن تخلفه) أي: ستأتيه ولا مذهب لك عنه، وهو وعيد، وهذا المعنى في القراءة الأولى أبين. [طه: 125، 124] أبو بكر عن عاصم (أعمى) و (أعمى) [طه/ 124، 125] مكسورتان مثل حمزة والكسائي. حفص عن عاصم بفتحهما.

_ (1) السبعة 424. (2) السبعة 424.

طه: 102

نافع بين الكسر والفتح. أبو عمرو بفتحهما، وكذلك ابن كثير وابن عامر «1». الإمالة وتركها جميعا حسنان في هذا، وقد ذكر فيما مرّ قبل. وقال بعض المفسرين: لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا: أعمى عن الحجّة، وقد كنت بصيرا بها، ويجوز أن يكون أعمى عن طرق الثواب. [طه: 102] اختلفوا في قوله عز وجل: ينفخ في الصور [طه/ 102] في الياء والنون. فقرأ أبو عمرو وحده: (يوم ننفخ) بالنون. وقرأ الباقون: ينفخ بالياء على ما لم يسمّ فاعله «2». قال أبو علي وجه من قال: ينفخ: ونفخ في الصور فصعق [الزمر/ 68] ويوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [النبأ/ 18]. ووجه النون: فنفخنا فيه من روحنا [التحريم/ 12] ونفخ الروح في التنزيل يجيء حيث يراد الإحياء، قال: يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة [الأنعام/ 73] ويقوّي ذلك أيضا ما عطف عليه من قوله: ونحشر [طه/ 102]، والصّور: جمع صورة في قول الحسن، مثل: صوف وصوفة، وثوم وثومة، وفي قول مجاهد: آلة ينفخ فيها، قال: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض [الزمر/ 68] كأنّهم أصابهم الصعق لما

_ (1) السبعة 425. (2) السبعة 424.

طه: 119

عاينوا من أهوال القيامة، وقال: ثم نفخ فيه أخرى [الزمر/ 68] لأنهم دفعوا إلى حال كالموت في الشدّة وقال: وخر موسى صعقا فلما أفاق [الأعراف/ 143] فقوله: ثم نفخ فيه أخرى [الزمر/ 68] في المعنى كقوله: فلما أفاق. [طه: 119] اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله: (وإنك لا تظمأ فيها) [طه/ 119]. فقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: (وإنك) بكسر الألف. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: وأنك مفتوحة الألف. [طه: 112] وكلهم قرأ: فلا يخاف ظلما [طه/ 112] بالألف على الخبر غير ابن كثير فإنه قرأ: (لا يخف) على النهي «1». من قال: وأنك ففتح الألف حملها على أنّ إن لك أن لا تجوع وإنّ لك أنّك لا تظمأ فيها، فإن قلت: إن (إنّ) لا يجوز أن تحمل عليها (أنّ)، ألا ترى أنك لا تقول: إنّ أنّك منطلق، فهلّا لم يجز في ذلك العطف أيضا، قيل له: إنما لم يجز: إنّ أنّ، لكراهة اجتماع حرفين متقاربي المعاني، فإذا فصل بينهما لم يكره ذلك، ومثل ذلك إنّ مع اللام لا تقول: إنّ لزيدا منطلق، ولا: لأنّ زيدا منطلق، ولو فصلت بينهما لجاز نحو: إن في ذلك لآيات وإن كنا [المؤمنون/ 30] وإن في ذلك لآية وما كان أكثرهم [الشعراء/ 67] فلذلك لم يجز: أنّ إنك، فإذا فصلت بينهما حسن، وجاز.

_ (1) السبعة 424.

طه: 130

ومن كسر فقال: (وإنّك) قطع الكلام من الأول واستأنف، وعلى هذين الوجهين حمل سيبويه الآية «1». قال: وكلّهم قرأ: فلا يخاف ظلما بألف على الخبر، غير ابن كثير فإنه قرأ: (فلا يخف) على النهي. المعنى: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن [طه/ 112] الجملة في موضع نصب على الحال، والعامل فيها يعمل وذو الحال: الذكر، الذي في يعمل من (من)، وموضع الفاء وما بعدها من قوله: يخاف أو (يخف) جزم، لكونه في موضع جواب الشرط، والمبتدأ محذوف مراد بعد الفاء، والمعنى: فهو لا يخاف، وكذلك الفاء في قوله: ومن عاد فينتقم الله منه [المائدة/ 95] ومن كفر فأمتعه قليلا [البقرة/ 126] ومن يؤمن بربه فلا يخاف [الجن/ 13] أي: لا يخاف أن يؤخذ بذنب غيره، والأمر في (لا يخف) جنس لأن المعنى: من يعمل من الصالحات، أي: شيئا من الصالحات، أي: من يعمل من الصالحات فليأمن، لأنه لم يفرط فيما وجب عليه، وكذلك: (فلا يخف)، واللفظ على النهي والمراد الخبر بأن المؤمن الصالح لا خوف عليه. [طه: 130] اختلفوا في ضمّ التاء وفتحها من قوله تعالى: لعلك ترضى [طه/ 130]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر والكسائي: (لعلّك ترضى) مضمومة التاء. وقرأ الباقون، وهبيرة عن حفص عن عاصم وعمرو بن الصباح عن حفص عن عاصم: ترضى بفتح التاء.

_ (1) انظر الكتاب: 1/ 463.

طه: 133

أبو عمارة عن حفص عن عاصم: (ترضى) مضمومة التاء، والمعروف عن حفص عن عاصم بالفتح «1». حجّة من فتح التاء قوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى [الضحى/ 5]. وحجّة من قال: (ترضى) أنه قد جاء في صفة بعض الأنبياء: وكان عند ربه مرضيا [مريم/ 55]. وكأن معنى ترضى لفعلك ما أمرت به من الأفعال التي يرضاها الله، أو ترضى بما تعطاه من الدرجة الرفيعة، وترضى: ترضى بما يعطيكه الله من الدرجة العالية والدرجة المرضية. [طه: 133] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أولم تأتهم بينه [طه/ 133]. فقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم: أولم تأتهم بالتاء. وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر بالياء «2». من قرأ: بالتاء فلتأنيث لفظة البيّنة، ومن قرأ بالياء فلأن البيّنة والبيان معناهما واحد، كما أن الوعظ والموعظة، والصوت والصيحة كذلك.

_ (1) السبعة 425. (2) السبعة: 425.

سورة الأنبياء

اختلافهم في سورة الأنبياء [الانبياء: 4] اختلفوا في قوله تعالى: (قل ربي يعلم القول) [الأنبياء/ 4]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (قل ربّي يعلم). وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: قال ربي بألف، وكذلك هي في مصاحف أهل الكوفة «1». وجه من قال: (قل) أنه لما قال: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه إلى قوله: تبصرون، قيل: (قل ربي يعلم القول)، أي: قل: إنّ الله عز وجل عالم بما أسررتموه فيما بينكم وغيره مما لا يعلمه إلا الله عز وجل. وقال على إضافة القول إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والخبر عنه. [الانبياء: 25] وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: من رسول إلا نوحي إليه [7] بالنون [وكسر الحاء]

_ (1) السبعة 428.

الانبياء: 45

وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم [يوحي] بالياء «1». حجّة النون أنه قد تقدّمه: وما أرسلنا والنون أشبه بما قبله، والياء في المعنى كالنون، وكما جاء: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثم قال: وآتينا موسى [الإسراء/ 2] كذلك يجوز أن يتقدّم لفظ الجميع ويتبع لفظ الإفراد لأن المعنى واحد. [الانبياء: 45] قال: قرأ ابن عامر وحده: (ولا تسمع) [الأنبياء/ 45] بالتاء مضمومة الصم نصبا. وقرأ الباقون: (ولا يسمع) بالياء الصم رفعا «2». قول ابن عامر أنه حمله على ما قبله، والفعل مسند إلى المخاطب، وكذلك قوله: (ولا تسمع الصمّ) مسند إليه، والمعنى: أنهم معاندون، فإذا أسمعتهم لم يعملوا بما يسمعونه، ولم ينقادوا له كما لا يسمع الأصمّ. ووجه قول الباقين: أنه على وجه الذمّ لهم والتقريع بتركهم سمع ما يجب عليهم استماعه والانتهاء إليه، وقد تقول لمن تقرّعه بتركه ما تدعوه إليه: ناديتك فلم تسمع، وأفهمتك فلم تفهم، ولو كان (ولا تسمع الصمّ) كما قال ابن عامر، لكان: إذا تنذرهم، فأما إذا ما ينذرون فحسن أن يتبع ولا يسمع الصمّ إذا ما أنذروا. [الانبياء: 30] قال: قرأ ابن كثير وحده: (ألم ير الذين كفروا) [الأنبياء/ 30] بغير واو بين الألف واللام، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة.

_ (1) في الأصل وقع تكرار في عزو القراءة حذفناه وأثبتنا من الكلام ما يتساوق مع السبعة مما لا تكرار فيه، وما بين معقوفين من السبعة. انظر ص 428. (2) السبعة 429.

الانبياء: 47

وفي سائر المصاحف: أولم ير كذلك قرأ الباقون: أولم ير الذين كفروا «1» وقد مضى ذكر هذا النحو فيما تقدّم. [الانبياء: 47] وقرأ نافع وحده (وإن كان مثقال حبة) [الأنبياء/ 47]. رفعا. وقرأ الباقون مثقال نصبا. وجه الرفع أنه أسند الفعل إلى المثقال، كما أسند في قوله: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة [البقرة/ 280]. أي: ذا عسرة، وكذلك قوله: إذا كان يوم ذو كواكب أشهبا «2». ووجه النصب: وإن كان الظلامة مثقال حبّة، وهذا حسن لتقدم قوله: لا تظلم نفس شيئا [الأنبياء/ 47] فإذا ذكر تظلم فكأنّه ذكر الظلامة، كقولهم: من كذب كان شرا له. [الانبياء: 48] وقرأ ابن كثير وحده: (وضئاء) [الأنبياء/ 48] بهمزتين، الأولى قبل الألف، والثانية بعد الألف، كذلك قرأت على قنبل عن القواس، وأبى ذلك ابن فليح وغيره، وهو غلط، والذي روى ابن فليح وغيره هو الصواب. وقرأ الباقون: ضياء بهمزة واحدة بعد الألف «3».

_ (1) السبعة 429. (2) عجز بيت لمقاس العائذي، وصدره: فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي انظر الكتاب لسيبويه 1/ 21، واللسان (شهب) وفيهما: إذا كان يوم ذو، ويوم أشهب: ذو ريح باردة وأزيز. وانظر ما سبق 1/ 148. (3) السبعة 429.

الانبياء: 35

وقد تقدّم القول في ذلك. [الانبياء: 35] قرأ ابن عامر وحده: (وإلينا ترجعون) [الأنبياء/ 35] بالتاء مفتوحة. وقرأ الباقون: ترجعون مضمومة التاء. عباس عن أبي عمر (والخير فتنة وإلينا يرجعون) بالياء مضمومة «1». ووجه (ترجعون): إنا لله وإنا إليه راجعون [البقرة/ 156] ووجه ترجعون: ولئن رددت إلى ربي [الكهف/ 36] وقوله: ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة [التوبة/ 94]. وقول أبي عمرو (وإلينا يرجعون)، يكون على الانصراف من الخطاب إلى الغيبة، كقوله: وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] ويجوز أن يكون على قوله: (كل نفس ذائقة الموت وإلينا يرجعون) [الأنبياء/ 35]. [الانبياء: 58] اختلفوا في ضم الجيم وكسرها من قوله تعالى: فجعلهم جذاذا [الأنبياء/ 58]. فقرأ الكسائي وحده (جذاذا) بكسر الجيم. وقرأ الباقون جذاذا بضم الجيم «1». قال: جذاذا: فعال من: جذذت الشيء إذا قطعته، قال: تجذّ السّلوقي المضاعف نسجه «3»

_ (1) السبعة 429. (3) هذا صدر بيت للنابغة وعجزة: وتوقد بالصفاح نار الحباب

الانبياء: 67

ومثل الجذاذ الحطام والرفات، والضم في هذا النحو أكثر، والكسر فيما زعموا لغة وهي قراءة الأعمش. [الانبياء: 67] اختلفوا في قوله: أف لكم [الأنبياء/ 67]. فقرأ ابن كثير وابن عامر: (أفّ لكم) بفتح الفاء. وقرأ نافع وحفص عن عاصم أف خفض منوّن. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي (أفّ لكم) بكسر الفاء غير منون «1». وقد تقدّم القول في ذلك. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (ليحصنكم) بالياء. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: لتحصنكم بالتاء. وروى أبو بكر عن عاصم: (لنحصنكم) بالنون «2». وجه الياء في قوله (ليحصنكم) يجوز أن يكون الفاعل اسم الله لتقدّم علمناه، ويجوز أن يكون اللباس، لأن اللبوس بمعنى اللباس من حيث كان ضربا منه، ويجوز أن يكون داود، ويجوز أن يكون التعليم يدل عليه علمناه. ومن قرأ لتحصنكم حمله على المعنى لأنها الدرع. ومن قرأ (لنحصنكم) فلتقدم قوله: وعلمناه أي علمناه لنحصنكم.

_ - انظر ديوانه/ 46 واللسان (سلق) وفيهما: «تقدّ» مكان «تجذّ»، وشرح أبيات المغني للبغدادي 2/ 282 وفيه: «ويوقدن» بدل «وتوقد». (1) السبعة 429، 430. (2) السبعة 430.

الانبياء: 88

[الانبياء: 88] قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (وكذلك نجي المؤمنين) [الأنبياء/ 88] بنون واحدة مشدّدة الجيم على ما لم يسمّ فاعله والياء ساكنة. وروى حفص عن عاصم: ننجي المؤمنين بنونين خفيفة، الثانية منهما ساكنة، مثل حمزة، وكذلك قرأ الباقون عبيد عن أبى عمرو وعبيد عن هارون عن أبي عمرو: (نجّي) مدغمة كذلك قالا، وهو وهم لا يجوز فيه الإدغام، لأن الأولى متحرّكة، والثانية ساكنة، والنون لا تدغم في الجيم، وإنما خفيت لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم، فحذفت من الكتاب وهي في اللفظ ثابتة، ومن قال: مدغم فهو غلط «1». قال: قوله في ذلك أن عاصما ينبغي أن يكون قرأ ننجي بنونين وأخفى الثانية، لأن هذه النون تخفى مع حروف الفم وتبيينها لحن، فلما أخفى عاصم، ظنّ السامع أنه مدغم لأن النون تخفي مع حروف الفم، ولا تبين، فالتبس على السامع الإخفاء بالإدغام من حيث كان كلّ واحد من الإخفاء والإدغام غير مبيّن، ويبين ذلك إسكانه الياء من (نجّي) لأن الفعل إذا كان مبنيّا للمفعول به وكان ماضيا لم يسكن آخره، وإسكان آخر الماضي إنما كان يكون في قول من قال في رض: رضا، وليس هذا منه، فإسكان الياء يدلّ على أنه قرأ ننجي كما روى حفص عنه. ومما يمنع أن يظنّ ذلك له نصب قوله المؤمنين من ننجي المؤمنين ولو كان على ما لم يسمّ فاعله لوجب أن يرتفع، فأما قول من قال: إنه يسند الفعل إلى المصدر ويضمره لأن

_ (1) السبعة 430 مع اختلاف يسير في العبارة.

الفعل دلّ عليه، فذلك مما يجوز في ضرورة الشعر، والبيت الذي أنشد: ولو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسبّ بذلك الجرو الكلابا «1». لا يكون حجّة في هذه القراءة، وإنما وجهها ما ذكرنا، لأن الراوي حسب الإخفاء إدغاما، ألا ترى أن الفعل مبني للمفعول فينبغي أن يسند إليه كما يسند المبنيّ للفاعل، وإنما يسند إلى هذه الأشياء من الظروف والجار والمجرور إذا لم يذكر المفعول به، فأمّا إذا ذكر المفعول به لم يسند إلى غيره، لأن الفعل له فهو أولى به. وكذلك من حكى عن أبي عمرو أنه أدغم النون الثانية من نجّي في الجيم فهو أيضا وهم، ولعلّه التبس عليه الإخفاء بالإدغام أيضا، وإنما حذفت النون من الخط كراهة لاجتماع صورتين متفقتين، وقد كرهوا ذلك في الخط في غير هذا الموضع، وذلك أنهم كتبوا نحو: الدنيا والعليا والحديا بألف، ولولا الياء التي قبل الألف لكتبوها بالياء، كما كتبوا نحو: بهمى وحبلى وأخرى ونحو ذلك بالياء، كما كرهوا الجمع بين صورتين متفقتين في هذا النحو، كذلك كرهوه في ننجي فحذفوا النون الساكنة، والوجه فيه: كما رواه حفص عن عاصم، وقد قال بعض من يضبط القراءة: أن الصحيح أن الجماعة وحفصا عن عاصم قرءوا: ننجي المؤمنين بنونين الثانية منهما ساكنة والجيم خفيفة. وروى أبو بكر عن عاصم (نجّي المؤمنين) بنون واحدة وتشديد الجيم وسكون الياء وقد تقدم القول فيه.

_ (1) البيت لجرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق، قفيرة أم الفرزدق.

الانبياء: 95

[الانبياء: 95] اختلفوا في قوله عز وجل: وحرام على قرية أهلكناها [الأنبياء/ 95]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (وحرم) بكسر الحاء بغير ألف. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: وحرام على قرية بألف «1». وحرم وحرام: لغتان، وكذلك: حلّ وحلال. فكلّ واحد من حرم إن شئت رفعته بالابتداء لاختصاصه بما طال بعده من الكلام، وإن شئت جعلته خبر مبتدأ، وكان المعنى: وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون، وجعلت (لا) زائدة، والمعنى: وحرام على قرية أهلكناها رجوعهم، كما قال: فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50] وإن شئت جعلت حراما وحرما خبر مبتدأ، وأضمرت مبتدأ، ويكون المعنى: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون، وجعلت (لا) غير زائدة، أي رجوعهم، المعنى: وحرام على قرية أهلكناها بالاستئصال رجوعهم، ومعنى حرام عليهم: أنهم ممنوعون من ذلك، كما يمنعون من الأشياء المحرمة في الشرع والعقل. وقيل في تفسير قوله: ويقولون حجرا محجورا [الفرقان/ 22] إن المعنى: حراما محرما، فهذا من معنى الامتناع، وما حتم به عليهم، كما أن حرام على قرية أهلكناها كذلك ليس كحظر الشريعة الذي إن شاء المحظور عليه ركبه. وإن شاء توقاه وتركه، وكان

_ ولم أجده في ديوانه. انظر الخزانة 1/ 163، والخصائص 1/ 397، وابن الشجري 2/ 215، ابن يعيش 7/ 57، الدرر 1/ 144. (1) السبعة 431.

الانبياء: 96

الأمر فيه موقوفا على اختياره وأما: أولم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون [يس/ 31] فيحتمل ضربين: أحدهما: كم أهلكنا بأنهم إليهم لا يرجعون، أي: بالاستئصال، والآخر: أنّ قوله: كم أهلكنا، يدلّ على إهلاكنا، فيكون قوله: أنهم إليهم لا يرجعون فيكون هذا هو الإهلاك، ولا تكون بدلا من (كم) لأن كم يراد به أهل القرون الذين أهلكوا، وليس الإهلاك فيبدل منهم. كلّهم قرأ: فتحت خفيفا غير ابن عامر فإنه قرأ (فتّحت) مشددا «1». من خفف فلأن الفعل في الظاهر مسند إلى هذين الاسمين، فلم يحمل ذلك على الكثرة فيجعله بمنزلة: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ومن شدّد ذهب إلى المعنى، وإلى أنّ ثمّ سدما وردما يفتح، وذلك كثير في المعنى، فجعله مثل: مفتحة لهم الأبواب. ويجوز أن يكون المعنى: حتى إذا فتح سدّ يأجوج ومأجوج، فأريد السدّ وأضيف الفعل إليهما، والسدّ في اللفظ واحد فلم يحمل على الكثرة لانفراده في اللفظ. [الانبياء: 96] وكلهم قرأ (ياجوج وماجوج) [الأنبياء/ 96] غير مهموز إلا عاصما فإنه قرأ: يأجوج ومأجوج بالهمز «1». وقد تقدّم القول في ذلك. [الانبياء: 104] اختلفوا في قوله: (للكتاب) وللكتب [الأنبياء/ 104] في

_ (1) السبعة 431.

الجمع والتوحيد. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: للكتب جماعا. وقرأ الباقون (للكتاب) واحدا «1». قيل: إن أبا الجوزاء روى عن ابن عباس: أن السّجلّ: الرجل، أراد كطيّ الرجل الصحيفة، وروى عن السدّي أن السّجلّ ملك يطوي الصحف، قال قتادة: يوم نطوي السماء كطي السجل كطيّ الصحيفة فيها الكتب. يوم نطوي السماء يكون في انتصابه وجهان: أحدهما: أن يكون بدلا من الهاء المحذوفة من الصلة، ألا ترى أن المعنى: هذا يومكم الذي كنتم توعدونه، والآخر: أن يكون منتصبا بنعيده، المعنى: نعيد الخلق إعادة كابتدائه، أي: كابتداء الخلق، ومثل ذلك في المعنى قوله: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29] ولا يكون الكلام على الظاهر لأن الظاهر تعودون كالبدء، وليس المعنى على تشبيههم بالبدء، إنما المعنى على إعادة الخلق كما ابتدأ، فتقدير: كما بدأكم تعودون: كما بدأ خلقكم يعود خلقكم، أي: يعود خلقكم عودا كبدئه، فكما أنه لم يعن بالبدء ظاهره من غير حذف المضاف إليه منه، كذلك لا يعنى بالعود من غير حذف المضاف إليه منه، فحذف المضاف الذي هو الخلق، فلما حذف قام المضاف إليه مقام الفاعل، وصار الفاعلون مخاطبين، كما أنه لما حذف المضاف من قوله كما بدأ خلقكم، صار المخاطبون مفعولين في اللفظ، ومثل ذلك في المعنى: كما بدأنا أول خلق نعيده والخلق هنا اسم الحدث لا الذي يراد به المخلوق، فأمّا قوله: كظل السجل، والمصدر فيه

_ (1) السبعة 431.

الانبياء: 105

مضاف إلى المفعول، والفاعل محذوف من اللفظ كقوله: بسؤال نعجتك إلى نعاجه [ص/ 24] والتقدير: كطيّ الطاوي الكتب، كما أن المعنى بسؤالك نعجتك، وكأن معنى قوله: كطي السجل: كطيّ الصحيفة مدرجا فيها الكتب، أي: كطيّ الصحيفة لدرج الكتب فيها، على تأويل قتادة، و: كطيّ الصحيفة لدرج الكتب، فحذف المضاف والمصدر مضاف إلى الفاعل على قول السدّي، والمعنى كطيّ زيد الكتب، فتكون اللام على هذا زائدة كالتي في ردف لكم [النمل/ 72] ألا ترى أنه لو قال: كطيّ زيد الكتب، لكان مستقيما. فأمّا قول من أفرد الكتاب، ولم يجمع، فإنه واحد يراد به الكثرة، كما أن قول من قال: (كل آمن بالله وملائكته وكتابه) [البقرة/ 285] كذلك، ومن قرأ: للكتب جمع اللفظ كما أن المراد به في المعنى الجمع. [الانبياء: 105] وقرأ حمزة وحده: (الزبور) [الأنبياء/ 105] بضم الزاي، وقرأ الباقون: الزبور بفتح الزاي «1». وقد مضى القول في ذلك «2». [الانبياء: 112] ابن اليتيم وغيره عن حفص عن عاصم: قال رب احكم [الأنبياء/ 112] بألف. وقرأ الباقون: (قل ربّ) بغير ألف «1». من قال: قال رب احكم بالحق أراد: قال الرسول: رب احكم، وحجة ذلك أن الرسل قبله- عليهم السلام- قد دعوا بمثل هذا

_ (1) السبعة: 431. (2) انظر سورة الإسراء/ 55 ص 108.

الانبياء: 112

في قولهم: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق [الأعراف/ 89]. و (قل) على: قل أنت يا محمد. [الانبياء: 112] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: على ما تصفون [الأنبياء/ 112]. فقرأ ابن عامر وحده: (على ما يصفون) بالياء في رواية ابن ذكوان، وفي رواية هشام بن عمار بالتاء. وقرأ الباقون بالتاء «1». والتاء على ما تكذّبون به من ردّكم إعادة الأموات، والياء على ما يصفون، يصف هؤلاء الكفار من كذبهم فيما يكذّبون به من إحياء الأموات والبعث والنشور والجنة والنار «2».

_ (1) السبعة 432. (2) هنا ينتهي في النسخة (ط) الجزء الثالث من الكتاب، وقد جاء ما نصه: آخر الجزء الثالث والحمد لله كثيرا، كتبه طاهر بن غلبون بمصر، وفرغ منه في ذي الحجة ثاني يوم النحر من سنة سبع وعشرين وأربع مائة قوبل به فصح إن شاء الله سيكون في الرابع سورة الحج. ثم تأتي صفحة السماعات وهي بخط أبي اليمن الكندي.

سورة الحج

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد ذكر اختلافهم في سورة الحج [الحج: 2] اختلفوا في قوله تعالى: سكارى [الحج/ 2] في ضم السين وإثبات الألف وفتح السين وإسقاط الألف. فقرأ حمزة والكسائي: (وترى النّاس سكرى وما هم بسكرى) بغير ألف فيهما والسين مفتوحة. وقرأ الباقون: سكارى وما هم بسكارى بضم السين فيها [و] بالألف «1». حجة من قال: (سكرى) أن سيبويه قال: قد قالوا: رجل سكران، وقوم سكرى، قال: وذلك أنهم جعلوه كالمرضى، قال: وقالوا: رجال روبى، جعلوه بمنزلة سكرى، والرّوبى: الذين قد استثقلوا نوما فشبّهوه بالسكران. انتهى كلام سيبويه «2». ويجوز أن يجمع سكران على سكرى من وجه آخر. وهو أن

_ (1) السبعة 434. (2) انظر الكتاب 2/ 314. وفي اللسان (روب): قال سيبويه: الروبى: هم الذين أثخنهم السفر والوجع فاستثقلوا نوما. واحد هم روبان.

الحج: 23

سيبويه حكى رجل سكر، وقد جمعوا هذا البناء على فعلى، فقالوا: هرم وهرمى وزمن وزمنى وضمن وضمنى، لأنه من باب الأدواء والأمراض التي يصاب بها، ففعلى من هذا الجمع وإن كان كعطشى فليس يراد بها المفرد، إنما يراد بها تأنيث الجمع كما أن الباضعة، والطائعة، وإن كان على لفظ الضاربة والقائمة، فإنما هو لتأنيث الجمع دون تأنيث الواحد من المؤنث. وحجة من قال: (سكارى) أنه لفظ يختص به الجمع وليس بمشترك للجمع والواحد كقولهم: سكرى. ونظيره قولهم: أسارى وكسالى، فجاء الأول منه مضموما وإن كان الأكثر من هذا الجمع مفتوح الأول نحو: حذارى وحباطى وجباجى، كما جاء نحو: تؤام وظؤار وثناء ورحال مضمومة الأوائل، وإن كان الأكثر من ذلك مكسورا نحو: سقام ومراض وظراف. [الحج: 23] اختلفوا في قوله عز وجل: (ولؤلؤ) [الحج/ 23]. فقرأ ابن كثير (ولؤلؤ) وفي الملائكة [فاطر/ 33] كذلك، وهي قراءة أبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر هاهنا وفي الملائكة ولؤلؤا بالنصب. عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر بهمزة واحدة وهي الثانية. المعلّى بن منصور عن أبي بكر عن عاصم (ولؤلؤ) يهمز الأولى ولا يهمز الثانية، ضد قول يحيى عن أبي بكر وهذا غلط. حفص عن عاصم يهمزهما وينصب «1».

_ (1) السبعة 435.

وجه الجر في قوله: (ولؤلؤ) أنهم: يحلّون أساور من ذهب ومن لؤلؤ، أي: منهما، وهذا هو الوجه، لأنه إذا نصب فقال: يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ حمله على: ويحلّون لؤلؤا. وللؤلؤ إذا انفرد من الذهب والفضة لا يكون حلية. فإن قلت: فقد قال: وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [النحل/ 14]. فهذا على أن يكون حلية إذا رصّع في الذهب أو الفضّة صار حلية، كما قال في العصر: إني أراني أعصر خمرا [يوسف/ 36] لأنه قد يستحيل إليها بالشدّة، كما يكون ذلك حلية على الوجه الذي يحلّى به، وكذلك القول في التي في الملائكة. ويحتمل قوله: ولؤلؤا فيمن نصب وجها آخر، وهو أن تحمله على موضع الجار والمجرور لأن موضعهما نصب، ألا ترى أن معنى: يحلون فيها من أساور يحلّون فيها أساور، فتحمله على الموضع. فأما ما رواه معلّى عن أبي بكر عن عاصم (ولؤلؤ) يهمز الأولى ولا يهمز الثانية، ضدّ قول يحيى، قال أحمد: هذا غلط، فالأشبه أن يريد أنه غلط من طريق الرواية، ولا يمتنع في قياس العربية أن يهمز الأولى دون الثانية، والثانية دون الأولى وأن يهمزهما جميعا، فإن همز الأولى دون الثانية حقّق الهمزة الأولى فقال: (لؤلؤا) وإن خفّف الهمزة أبدل منها الواو فقال: (لؤلؤا) مثل: بوس وجونة، وإن خفّف الثانية، وقد نصب الاسم قال: (ولؤلؤا) فأبدل من الهمزة الواو لانفتاح الهمزة وانضمام ما قبلها فيكون كقولهم: جون في جمع جؤنة، والتودة في التؤدة، وإن خفّفهما جميعا قال: لولوا. وأمّا من جرّ فقال: (ولؤلؤ) فتخفيف الثانية عنده أن يقلبها واوا كما تقول: مررت بأكموك، فيقول: (ولؤلؤ) وقد تقدم ذلك في سورة البقرة.

الحج: 29، 15

[الحج: 29، 15] اختلفوا في كسر لام الأمر وإسكانها من قوله: ثم ليقطع [الحج/ 15] ثم ليقضوا [الحج/ 29]. فقرأ ابن كثير: (ثم ليقضوا) مكسورة اللام، ولم يكسر غيرها، هذه رواية القواس عنه. وقال البزي: اللام مدرجة. قال: يعني بمدرجة: ساكنة. وقرأ أبو عمرو وابن عامر: (ثمّ ليقطع)، (ثم ليقضوا) مكسورة اللام، زاد ابن عامر: (وليوفوا) [الحج/ 29]، (وليطوفوا) [الحج/ 29] بكسر لام الأمر فيهما. واختلف عن نافع، فقال إسماعيل بن جعفر وأحمد والقاضي عن قالون وإسحاق وإسماعيل بن أبي أويس: ثم ليقطع ثم ليقضوا ساكنتي اللام، وقال ورش وأبو بكر بن أبي أويس: (ثم ليقطع)، (ثم ليقضوا) مكسورتي اللام مثل أبي عمرو. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ثم ليقضوا وليفوا، ثم ليقطع، وليطوفوا اللام للأمر ساكنة في كلّ القرآن، إذا كان ما قبلها واو أو فاء أو ثم «1». قال أبو علي: أصل هذه اللام الكسر، يدلّ على ذلك أنك إذا ابتدأت بها فقلت: ليقم زيد، كسرتها لا غير، فإذا ألحقت الكلام الذي فيه اللام الواو أو الفاء أو ثمّ، فمن أسكن مع الفاء والواو فلأن الفاء والواو يصيران كشيء من نفس الكلمة، نحو: كتف، لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه، فصار بمنزلة كتف وفخذ، فقلت:

_ (1) السبعة 434، 435.

الحج: 25

وليقضوا. فإذا كان موضع الفاء والواو (ثمّ) لم يسكنه أبو عمرو، لأن ثمّ ينفصل بنفسه ويسكت عليه دون ما بعده، فليست في هذا كالفاء والواو، ومن قال: ثم ليقضوا شبّه الميم من ثم، بالفاء والواو، فيجعل فليقضوا، من (ثم ليقضوا) بمنزلة الفاء والواو، وجعله كقولهم: «أراك منتفخا» فجعل «تفخا» من منتفخا مثل كتف، فأسكن اللام وعلى هذا قول العجاج «1»: فبات منتصبا وما تكردسا ومثل ذلك قولهم: (وهي) [هود/ 42] فهي كالحجارة [البقرة/ 74]. وأما اختلاف الرواية عن نافع فإحداهما على قول من قال: (فهي) (وهي) والأخرى على قول من قال: (فهو) [الإسراء/ 97] (وهو) [البقرة/ 85] ويجوز أن يكون أخذ بالوجهين جميعا لاجتماعهما في الجواز. [الحج: 25] قال: وكلهم قرأ: (سواء العاكف فيه) [الحج/ 25] رفعا غير عاصم فإنه قرأ في رواية حفص: سواء نصبا «2». أبو عبيدة: العاكف: المقيم، والبادي غير العاكف وهو الذي لا يقيم «3». وجه الرفع في (سواء) أنه خبر ابتداء مقدّم، والمعنى: العاكف

_ (1) سبق انظر 1/ 408 و 2/ 79 و 277. (2) السبعة 435. (3) مجاز القرآن 2/ 48.

والبادي فيه سواء، أي: ليس أحدهما بأحقّ به من صاحبه، واستواء العاكف والبادي فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيها أولى بها من البادي بحقّ ملكه، ولكن سبيلها سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليها، فسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به. ومن نصب فقال: (سواء العاكف) أعمل المصدر عمل اسم الفاعل، فرفع العاكف فيه كما يرفع بمستو، ولو قال: مستويا فيه العاكف والبادي فرفع العاكف فيه بمستو، فكذلك يرفعه بسواء، والأكثر الرفع في نحو هذا، وأن لا تجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة اسم الفاعل في الإعمال. ووجه إعماله أن المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة نحو: رجل عدل فيصير عدل كعادل، وقد كسر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله «1»: فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره فلولا أن النون كاسم الفاعل لم يكسره تكسيره، وكذلك قول الأعشى «2»:

_ (1) عجز بيت للحطيئة من قصيدة يهجو بها الزبرقان وصدره في ديوانه 180: بمستأسد القريان حوّ تلاعه ويروى حوّ نباته، أي: عاف نباته. يقال: استأسد النبت، إذا طال وأتم، والقريان: مجاري الماء إلى الرياض، والحو: التي اشتدت خضرتها حتى ضربت إلى السواد ومعناه: كل نور إذا طلعت عليه الشمس استقبلها ثم دار معها حيث تدور. وانظر اللسان (ميل). (2) عجز بيت للأعشى وصدره: وليتك حال البحر دونك كلّه والسوائل: جمع سائل وهو السيل. انظر ديوانه/ 183.

وكنت لقا تجري عليك السوائل ومن أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال: مررت برجل سواء در همه، وقال: مررت برجل سواء هو والعدم، كما تقول: مستو هو والعدم، فقال: (سواء العاكف فيه والباد) كما تقول: مستويا العاكف فيه والباد. ويجوز في نصب قوله: سواء العاكف فيه وجه آخر، وهو أن تنصبه على الحال، فإذا نصبته عليها وجعلت قوله: للناس مستقرا، جاز أن يكون حالا يعمل فيها معنى الفعل، وذو الحال الذكر الذي في المستقر، ويجوز أيضا في الحال أن يكون من الفعل الذي هو جعلناه. فإن جعلتها حالا من الضمير المتصل بالفعل كان ذا الحال الضمير، والعامل فيها الفعل، وجواز للناس مستقرا، على أن يكون المعنى أنه جعل للناس ونصب لهم منسكا ومتعبّدا، كما قال: وضع للناس [آل عمران/ 96]. ويدلّ على جواز كون قوله: للناس مستقرا، أنه قد حكي أن بعض القرّاء قرأ: (الذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد) فهذا يدلّ على أنه أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم، فصار المعنى الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. فقوله: للناس يكون على هذا مستقرّا في موضع المفعول الثاني لجعلناه، فكما كان في هذا مستقرا، كذلك يكون مستقرا في الوجه الذي تقدمه، ومعنى: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء: أنهما يستويان فيه في الاختصاص بالمعنى، فأما قوله: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم [الجاثية/ 21] فقال سيبويه فيه: اعلم أنّ ما كان من النكرة رفعا غير صفة، فإنه في المعرفة رفع، فذلك قوله: أم حسب الذين اجترحوا ... فتلا

الآية «1»، وهذا إنما يراد به، أنه إذا لم يرتفع الاسم مع النكرة في نحو: مررت برجل سواء أبوه وأمه، لم يرتفع به مع المعرفة في نحو: ظننت زيدا سواء أبوه وأمه، ولكن تقول: سواء أبوه وأمه، قد رفع سواء إذا جرى على معرفة بأنه خبر مبتدأ، والجملة التي سواء منها في موضع نصب بأنه مفعول ثان أو حال. والمعنى في الآية أن مجترحي السيّئات لا يستوون مع الذين آمنوا كما قال: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [السجدة/ 18]. وكما قال: هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور [الرعد/ 16] فالمراد في الآية هذا المعنى. والضمير في قوله: محياهم ومماتهم لا يخلو من أن يكون للذين آمنوا دون الذين اجترحوا السيئات، أو كاللذين اجترحوا من دون المؤمنين، أو لهما، فيجوز أن يكون الضمير في محياهم ومماتهم للذين آمنوا دون غيرهم، ويكون المعنى: كالذين آمنوا، مستويا محياهم ومماتهم، فتكون الجملة في موضع حال من الذين آمنوا، كما تكون الحال من المجرور في نحو: مررت بزيد، ويجوز أن تكون الجملة في موضع المفعول الثاني من نجعل أي: نجعلهم مستويا محياهم ومماتهم كالذين آمنوا، لا ينبغي ذلك لهم، فيكون الضمير في محياهم ومماتهم للذين اجترحوا السيئات، في المعنى، ألا ترى أن الضمير في نجعلهم للذين اجترحوا السيئات، ومحياهم ومماتهم من قوله: سواء محياهم ومماتهم يعود الضمير منه إلى الضمير الذي في نجعلهم، ويدلّ على ذلك أنه قد قرئ فيما زعموا (سواء محياهم ومماتهم) فنصب الممات، وقد حكى عن الأعمش، فهذا يدلّ على أنه أبدل المحيا والممات من الضمير المتصل بنجعلهم فيكون في البدل

_ (1) انظر الكتاب 1/ 233.

الحج: 69

كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] فيكون الذكر في محياهم ومماتهم على هذا في المعنى للذين اجترحوا السيّئات. ويجوز أن تجعل قوله: كالذين آمنوا [الجاثية/ 21] في موضع المفعول الثاني ل (نجعل) فيكون الضمير في محياهم ومماتهم للقبيلين، ويكون العامل في الحال أن نجعلهم الذي هو مفعول الحسبان، ويكون المعنى: أن نجعلهم والمؤمنين متساوين في المحيا والممات. وقد روى عن مجاهد أنه قال في تفسير هذه الآية أنه قال: يموت المؤمن على إيمانه ويبعث عليه، ويموت الكافر على كفره ويبعث عليه «1»، فهذا يكون على هذا الوجه الثالث، يجوز أن يكون حالا من نجعلهم والضمير للقبيلين، فإن قلت: إن من الكفّار من يلحقه مكانة في الدنيا، ويكون له نعم ومزيّة، فالذي يلحقه ذلك ليس يخلو من أن يكون من أهل الذمة أو من أهل الحرب، فإن كان من أهل الذمّة، فليس يخلو من أن يكون قد أدركه ما ضرب عليهم من الذلّة في الحكم، نحو أن يحشروا إلى مؤدّى الجزية، والصّغار الذي يلحقه في الحكم. وإن كان من أهل الحرب، فليس يخلو من إباحة نفسه وماله بكونه حربا، أو من أن يكون ذلك جاريا عليه في الفعل من المسلمين ذلك بهم أو الحكم، والمؤمن مكرّم في الدنيا لغلبته بالحجّة، وفي الآخرة في درجاته الرفيعة، ومنازله الكريمة. [الحج: 69] وقرأ ابن كثير: (هذان خصمان) [الحج/ 69] مشدّدة النون، وقرأ الباقون: هذان خفيفة النون «2».

_ (1) انظر تفسير مجاهد 2/ 591 وتفسير القرطبي 16/ 166. (2) السبعة 435.

الحج: 29

قد تقدّم القول في تثقيل هذه النون. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (البادي) [الحج/ 25] بالياء في الوصل، ووقفا بغير ياء. واختلف عن نافع، فقال ابن جماز وإسماعيل بن جعفر وورش ويعقوب عن نافع: (والبادي) بالياء في الوصل. وقال المسيبي وأبو بكر وإسماعيل ابنا أبي أويس بغير ياء في وصل ولا وقف. وقال الأصمعي: سمعت نافعا يقرأ: (والبادي) فقلت: أهكذا كتابها؟ فقال: لا. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف «1». قد تقدم القول في ذلك ونحوه. [الحج: 29] عاصم في رواية أبي بكر (وليوفوا نذورهم) [الحج/ 29] مشدّدة الفاء ساكنة اللام. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: وليوفوا خفيفة ساكنة اللام غير ابن عامر فإنه كسر اللام «2». قال أبو علي: (وليوفّوا) حجّته: وإبراهيم الذي وفي [النّجم/ 37] وسكون اللام قد تقدم القول فيه. وحجة وليوفوا قوله: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم [النحل/ 91]. وأوفوا بالعقود [المائدة/ 1] والأكثر في التنزيل

_ (1) السبعة 436. (2) السبعة 436.

الحج: 31

وأوفوا، ووفّي وأوفي ووفي لغات مستعملة، قال الشاعر «1»: أما ابن طوق فقد أوفي بذمّته ... كما وفي بقلاص النجم حاديها [الحج: 31] وقرأ نافع وحده: (فتخطفه) [الحج/ 31] مشدّدة الطاء. وقرأ الباقون: فتخطفه خفيفة «2». قالوا: خطف يخطف، وخطف يخطف، وهذه أعلى، فأما قول نافع: (فتخطّفه الطّير) فإنما هو: تتخطّف تتفعّل، من الخطف، فحذف تاء التفعل فصار: فتخطّفه، وتخطّف في كلتا القراءتين حكاية حال تكون، والمعنى في قوله: (فتخطّفه الطير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق) أنه قوبل به قوله: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها [البقرة/ 256] فكما كان المؤمن في إيمانه متمسّكا بالعروة الوثقى، كان المشرك بعكس ذلك الوصف، فلم يتمسّك لكفره وشركه بشيء يتعلّق به، ولم يتمسّك بماله فيه أمان من الخرور ونجاة من الهوى واختطاف الطير له، كالمؤمن المتمسّك بإيمانه، فصار كمن خرّ من السماء، فهوت به الريح، فلم يكن له في شيء من ذلك متعلّق ولا معتصم فيكون له ثبات، ومثل هذا قول الشاعر «3»:

_ (1) هو الطفيل الغنوي ديوانه/ 113 واللسان مادة/ وفي/ والخصائص 1/ 370 و 3/ 316. (2) السبعة 436. (3) البيت للشماخ وهو من قصيدة في ديوانه ص 132 وفي اللسان (هوا) وتهذيب اللغة 6/ 493 ورواية عجزه فيها:* تسليت حاجات الفؤاد بشمرا

الحج: 67، 34

ولمّا رأيت الأمر عرش هويّة ... تسليت حاجات النفوس بصيعرا فالعرش مكان المستقي والماتح، وليس بموضع طمأنينة ولا استقرار إلّا على الخطر وخلاف الثقة بالموقف، يقول: لما رأيت الأمر لاثبات بعدت منه، وقريب منه قول الآخر «1»: فلا يرمى بي الرّجوان إنّي ... أقلّ القوم من يغني غنائي أي: لا أدفع إلى شيء لا يكون لي معه ثبات ولا قرار، كما أن من رمي به الرّجوان لم يقدر على استقرار ولا اطمئنان. [الحج: 67، 34] اختلفوا في فتح السين وكسرها من قوله عز وجل: (منسكا) [الحج/ 34 - 67]. فقرأ حمزة والكسائي، (منسكا) بكسر السين في الحرفين جميعا.

_ وانظر الأمالي 1/ 161 والهوية، بفتح الهاء وكسر الواو: البئر البعيدة المهواة. (1) البيت لعبد الرحمن بن الحكم من شعر يقوله في أخيه مروان الاقتضاب/ 366 وشرح المفصل لابن يعيش 4/ 147 واللسان (رجا). وجاء فيها برواية «مكاني» بدل «غنائي». قال ابن السيد: قوله: فلا يرمى بي الرجوان: مثل يضرب لمن يتهاون به، ولمن يعرض للمهالك، والرجوان: ناحيتا البئر. وأصل هذا أن البئر إذا كانت مطوية بالحجارة احتاج المستقي منها أن يتحفظ بالدلو لئلا يصيب أحد جانبي البئر فتخرق أو تنقطع، فيقال له عند ذلك: أبن ابن، أي: أبعد دلوك عن جانبي البئر، وإذا كان المستقي بمن يتهاون بالدلو ويريد الإضرار بصاحبها، صدم له بها أحد جانبي البئر فانخرقت وانقطعت، فضرب ذلك مثلا لمن يخاطر به ويعرض للهلاك.

الحج: 38

وقرأ الباقون: منسكا بفتح السين في الحرفين جميعا «1». قال أبو علي: الفتح أولى لأنه لا يخلو من أن يكون مصدرا أو مكانا، وكلاهما مفتوح العين، إذا كان الفعل على: فعل يفعل، نحو: قتل يقتل مقتلا، وهذا مقتلنا. ووجه الكسر: أنه قد يجيء اسم المكان على المفعل من هذا النحو، نحو: المطلع، وإنما هو من طلع يطلع، والمسجد وهو من يسجد، فيمكن أن يكون هذا مما شذّ أيضا عن قياس الجمهور، فجاء اسم المكان على غير القياس، ولا يقدم على هذا إلا بالسمع، ولعلّ الكسائي سمع ذلك. [الحج: 38] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (إن الله يدفع عن الذين آمنوا) [الحج/ 38] ولو لادفع الله الناس [الحج/ 40] بغير ألف. وقرأ نافع: إن الله يدافع عن الذين آمنوا، (ولولا دفاع الله) بألف. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: إن الله يدافع بألف، ولولا دفع الله بغير ألف «2». قراءة ابن كثير وأبي عمرو: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله جعلوا الدفع مصدر دفع، وقراءة نافع: إن الله يدافع (ولولا دفاع الله)، فدفاع يكون مصدر دافع، كما أن القتال مصدر قاتل. فأما من فصل بين الفعل والمصدر وقرأ: إن الله يدافع ولولا دفع الله فيجوز

_ (1) السبعة 436. (2) السبعة 437.

الحج: 40

أن يكون وافق قراءة من قرأ: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله وذلك أن فاعل في معنى فعل مثل: طارقت النّعل، ولا يصح أن يكون مثل قاتل وضارب، فهو مثل واعد التي يراد به فعل، فجاء يدفع على أن معنى الفعل فعل، وإن كان لفظه على فاعل، مثل: طارقت النّعل، وعاقبت اللص، وعافاه الله. ولو قرأ قارئ: (ولولا دفاع الله الناس) وقرأ: (إن الله يدفع) لجاز أن يكون الدفاع من دفع، كالكتاب من كتب، لا يريد به مصدر فاعل، ولكن مصدر الثلاثة مثل: الكتاب والقيام والعتاب، وقال أبو الحسن: أكثر الكلام: (إن الله يدفع) بغير ألف. قال: وتقولون: دفع الله عنك، قال: ودافع عربية إلا أن الأول أكثر. [الحج: 40] اختلفوا في تشديد الدال وتخفيفها من قوله: لهدمت صوامع [الحج/ 40]. فقرأ ابن كثير ونافع: (لهدمت صوامع) خفيفة الدال وقرأ الباقون: لهدمت مشدّدة الدال «1». هدمت يكون للقليل والكثير، يدلّك على ذلك أنك تقول: ضربت زيدا ضربة، وضربته ألف ضربة، فاللفظ في القلة والكثرة على حالة واحدة، وهدّمت يختص به الكثير، كما أن الرّكبة والجلسة تختص بالحال التي هو عليها، وفي التنزيل: وغلقت الأبواب [يوسف/ 23]، وقال الشاعر «2»:

_ (1) السبعة 438. (2) البيت للفرزدق يمدح أبا عمرو به العلاء. وفي ديوانه (لقيت) بدل (أتيت) انظر ديوانه 1/ 382 وسيبويه، 2/ 148.

الحج: 39

ما زلت أفتح أبوابا «1» وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمّار فهذا وجه من قال: (لهدمت صوامع) بالتخفيف. [الحج: 39] اختلفوا في فتح الألف وضمّها من قوله تعالى: أذن للذين يقاتلون [الحج/ 39]. فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: (أذن للذين) مفتوحة الألف مكسورة التاء. وقرأ نافع وأبو عمارة وابن اليتيم وهبيرة عن حفص عن عاصم: أذن برفع الألف يقاتلون مفتوحة التاء. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو أذن للذين يقاتلون مضمومة الألف مكسورة التاء. وقرأ ابن عامر (أذن للذين يقاتلون) مفتوحة الألف والتاء «2». قال أبو علي: المأذون لهم في القتال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما ظلموا به: أنّ المشركين أخرجوهم من ديارهم وشرّدوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوّءوا المدينة بعد، فمن قرأ: (أذن) فبنى الفعل للفاعل فلما تقدّم من ذكر الله تعالى وقوله: الذين يقاتلون في موضع نصب. ومن قرأ: أذن فبنى الفعل للمفعول به، فالمعنى على أن الله

_ (1) في الأصل «بابا» وهو خطأ، والصواب في الديوان. (2) السبعة 437.

الحج: 45

سبحانه أذن لهم في القتال، والجار والمجرور في موضع رفع لإسناد الفعل المبني للمفعول إليهما. ومن قرأ: (يقاتلون) فالمعنى أنهم يقاتلون عدوهم، والظالمين لهم بإخراجهم عن ديارهم. ومن قرأ: أذن للذين يقاتلون فالمعنى فيه: أذن الله للذين يقاتلون بالقتال، ومعاني هذه القراءات متقاربة. وزعموا أن في بعض القراءات: في سبيل الله وهذا يصلح أن يكون في قراءة من قرأ: (يقاتلون) ويقاتلون لأن من يقاتل المشركين ومن يقاتل من المسلمين، فقتاله في سبيل الله، وحذف مثل هذا في الكلام للدّلالة عليه حسن كثير، والذي أظهره أخرج ما حذفه الجمهور من اللفظ إلى اللفظ. وممّا يقوي قول من قال: يقاتلون بأنهم ظلموا بأن الفعل الذي بعده مسند إلى المفعول به. [الحج: 45] قرأ أبو عمرو وحده: (أهلكتها) [الحج/ 45] بالتاء. وقرأ الباقون: أهلكناها بالنون، وروى عبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم: (أهلكتها) بالتاء «1». وجه قراءة: (أهلكتها) أن قبله: وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير [الحج/ 44] وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها [الحج/ 48] فهو أشبه بما قبله وما بعده مع أن الأصل في هذا النحو الأفراد. ومن قرأ: أهلكناها فيشبه أن يكون لما رأى من كثرة ذلك في

_ (1) السبعة 438.

الحج: 45

التنزيل بلفظ الجمع نحو: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا [الأعراف/ 4] ولقد أهلكنا القرون من قبلكم [يونس/ 13] وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها [القصص/ 58]. [الحج: 45] اختلفوا في همز البئر وترك همزها [من قوله تعالى: وبئر معطلة] [الحج/ 45]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: وبئر مهموزة. وقرأ نافع في رواية ورش، وابن جماز ويعقوب وخارجة: (وبير) بغير همز. وقال الأصمعي: سألت نافعا عن البير والذيب فقال: إن كانت العرب تهمزها فأهمز. واختلف عن المسيّبي، فروى ابن المسيّبي عن أبيه عن نافع أنه لم يهمز، وروى أبو عمارة عن المسيبي عن نافع أنه همز. حدثني عبد الله بن الصقر عن محمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع [أنه] لم يهمز (وبير). وروى عبيد عن هارون عن أبي عمرو: وبئر مهموز «1». قال أبو علي: تحقيق الهمز حسن وتخفيفه حسن، وتخفيفه أن تقلب ياء بحسب الحركة التي قبلها، وكذلك الذئب وما أشبه ذلك من همزة ساكنة قبلها كسرة. [الحج: 47] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: ومما تعدون [الحج/ 47]. فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: (ممّا يعدّون) بالياء هاهنا،

_ (1) السبعة 438، وما بين معقوفين منه.

الحج: 51

وقرءوا في السجدة: مما تعدون [47] بالتاء. وقرأ الباقون: بالتاء جميعا «1». حجة من قرأ بالياء أن قبله: ويستعجلونك بالعذاب [الحج/ 47] فيكون الكلام من وجه واحد، وزعموا أن الحسن قرأ: (ممّا يعدّون) وقال: مما يعدّون يا محمد. وحجّة التاء أنهم زعموا أنه أكثر في القراءة وهو مع ذلك أعمّ، ألا ترى أنه يجوز أن يعنى به من ذكر في قوله: (يعدّون) وغيرهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين وغيرهم، وقد جاء في كلامهم وصف اليوم ذي الشدائد والجهد بالطول، وجاء وصف خلافه بالقصر، أنشد عن أبي زيد: تطاولت أيّام معن بنا ... فيوم كشهرين إذ يستهل «2» وقال الآخر: يطول اليوم لا ألقاك فيه ... ويوم نلتقي فيه قصير «3» وقال آخر: ويوم كإبهام الحبارى لهوته «4» [الحج: 51] اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله عز وجلّ (معجزين)

_ (1) السبعة 439. (2) لم نعثر عليه. والبيت من البحر المتقارب. وكلمة أيام همزتها همزة وصل لضرورة الوزن. (3) لم نعثر عليه. (4) لم نعثر عليه.

الحج: 58

[الحج/ 51] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو كلّ ما فيه: (آياتنا معجزين) بغير ألف [مشدّدا] وقرأ الباقون: معاجزين بألف «1». قال أبو علي: معاجزين: ظانّين ومقدّرين أنهم يعجزوننا، لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثواب وعقاب، وهذا في المعنى كقوله: أم حسب الذين يعلمون السيئات أن يسبقونا [العنكبوت/ 4] و (معجزين) ينسبون من تبع النبى صلّى الله عليه وسلّم إلى العجز، وهذا كقولهم: جهّلته: نسبته إلى الجهل، وفسّقته: نسبته إلى الفسق، وزعموا أن مجاهدا فسّر معجزين: مثّبطين أي: يثبّطون الناس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. [الحج: 58] وكلّهم قرأ: ثم قتلوا أو ماتوا [الحج/ 58] خفيفة غير ابن عامر فإنه قرأ: (قتلوا) مشدّدة التاء، والقاف في قولهم جميعا مرفوعة «2». قتلوا: يكون للقليل والكثير، وقتلوا: في هذا الموضع حسن، لأنهم قد أكثر فيهم القتل في وجوه توجهوا إليها. [الحج: 59] وقرأ نافع وحده: (مدخلا) [الحج/ 59] بفتح الميم، وقرأ الباقون: مدخلا مرفوعة الميم، وروى الكسائي عن ابي بكر عن عاصم: (مدخلا) بفتح الميم «3». قال: المدخل يجوز أن يراد به الإدخال، ويمكن أن يراد به مكانه، وإذا عنيت بالمدخل الإدخال، كان المعنى أنهم إذا أدخلوا

_ (1) السبعة 439 وما بين معقوفين منه. (2) السبعة 439. (3) السبعة 439، 440.

الحج: 62

أكرموا، فلم يكونوا كمن ذكر في قوله: الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم [الفرقان/ 34]، ويجوز أن يعنى به الموضع، ويرضونه لأن لهم فيه ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، فهو خلاف المدخل الذي قيل فيه: إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون [غافر/ 71]. وحجّة من قال: (مدخلا) أن المدخل يجوز أن يكون الدخول، ويجوز أن يكون موضعه كالمدخل، ودلّ: ليدخلنهم [الحج/ 59] على الدخول لأنهم إذا أدخلوا دخولا فكأنه قال: ليدخلنّهم فيدخلون مدخلا، ودلّ على هذا الفعل ما في قوله: ليدخلنهم من الدلالة عليه. [الحج: 62] اختلفوا في قوله عز وجلّ: (وأنّ ما تدعون من دونه هو الباطل) [الحج/ 62] في الياء والتاء هاهنا وفي العنكبوت [42] ولقمان [30] والمؤمن [20]. فقرأ ابن كثير في الحج والعنكبوت ولقمان بالتاء، وفي المؤمن: يدعون من دونه بالياء. وقرأهنّ نافع بالتاء، وكذلك ابن عامر. وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم كلّه بالياء، وقرأ حمزة والكسائي في العنكبوت (إنّ الله يعلم ما تدعون) بالتاء، والباقي بالياء. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر حرفين بالياء وحرفين بالتاء، في الحج ولقمان بالتاء، وفي العنكبوت والمؤمن بالياء «1». حجّة من قرأ يدعون بالياء قوله: يكادون يسطون [الحج/ 72].

_ (1) السبعة 440.

الحج: 71

وحجّة التاء قوله: يا أيها الناس ضرب مثل [الحج/ 73] وهذا إليه أقرب من قوله: يكادون يسطون والأقرب أولى، والتاء على تقدير: وأن ما تدعون أيها المشركون، والياء على تقدير: قل لهم إن ما يدعون. على هذا يحمل ذلك وما أشبهه. [الحج: 71] عبيد عن هارون عن أبي عمرو: (ما لم ينزل) [الحج/ 71] وقال: إذا لم يكن قبلها أنزل فهو (ينزل) خفيفة. وكذلك يقول: إذا كان قبلها (أنزل)، لا تبالي أيّهما قرأت: (ينزل)، أو ينزل «1». قد مضى القول في هذا النحو في غير موضع.

_ (1) السبعة 440

سورة المؤمنون

ذكر اختلافهم في سورة المؤمنون «1» [المؤمنون: 8] قرأ ابن كثير وحده: (لأمانتهم) [8] واحدة، وقرأ الباقون: لأماناتهم جماع. [المؤمنون: 9] وقرأ حمزة والكسائى: (على صلاتهم) [المؤمنون/ 9] واحدة، والباقون: على صلواتهم جماعة «2». وجه الإفراد: أنه مصدر واسم جنس، فيقع على الكثرة، وإن كان مفردا في اللفظ، ومن هذا قوله: كذلك زينا لكل أمة عملهم [الأنعام/ 108] فأفرد وجمع في قوله: ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون [المؤمنون/ 63] وكذلك يريهم الله أعمالهم حسرات [البقرة/ 167]، فإن قلت: إن الأعمال تختلف، قيل: والأمانة تختلف ولها ضروب نحو: الأمانة التي بين الله وعبده كالصيام والصلاة والاغتسال، والأمانة التي بين العبيد في حقوقهم كالودائع والبضائع ونحو ذلك مما تكون اليد فيه أمانة. وقال: أعمالهم كسراب بقيعة [النور/ 39].

_ (1) في الأصل: المؤمنين. (2) السبعة 444.

المؤمنون: 14

ووجه الجمع: قوله: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [النساء/ 58]. ومما أفرد فيه الأمانة والمراد بها الكثرة ما روي عن أبي: «من الأمانة أن اؤتمنت المرأة على فرجها». يريد به تفسير قوله: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [البقرة/ 228]. وقرأ حمزة والكسائي: (على صلاتهم) والباقون: صلواتهم. وجه الإفراد: أن الصلاة في الأصل مصدر كالعمل والأمانة. ووجه الجمع: أنه قد صار بمنزلة الاسم لاختلاف أنواعها، فلذلك جمع في نحو قوله: حافظوا على الصلوات [البقرة/ 238] وكان الجمع فيه أقوى لأنه قد صار اسما شرعيّا لانضمام ما لم يكن في أصل اللغة أن ينضمّ إليها. [المؤمنون: 14] اختلفوا في قوله عز وجل: عظاما فكسونا العظام [المؤمنون/ 14] في الجمع والتوحيد. فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر وابن عامر: (عظما فكسونا العظم لحما) واحدا ليس قبل الميم ألف. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم وبكار عن أبان عن عاصم: عظاما فكسونا العظام لحما جماعا بألف «1». والجمع أشبه بما جاء في التنزيل في غير هذا الموضع كقوله: أإذا كنا عظاما ورفاتا [الإسراء/ 49 - 98] أئذا كنا عظاما نخرة [النازعات/ 11] من يحيى العظام وهي رميم [يس/ 78].

_ (1) السبعة 444.

المؤمنون: 20

والإفراد أنه اسم جنس، وأفرد كما تفرد المصادر وغيرها من الأجناس نحو: الإنسان والدرهم والشاء والبعير، وليس ذلك على حدّ قوله: كلوا في بعض بطنكم تعفّوا «1». ولكنه على ما أنشد أبو زيد: لقد تعلّلت على أيانق ... صهب قليلات القراد اللّازق «2» فالقراد يراد به الكثرة لا محالة. [المؤمنون: 20] اختلفوا في كسر السين وفتحها من قوله تعالى: من طور سيناء [المؤمنون/ 20]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (سيناء) بكسر السين ممدود، وقرأ الباقون: سيناء مفتوحة السين ممدودة أيضا «3». قال أبو علي: من قال: سيناء لم ينصرف الاسم عنده في المعرفة ولا في النكرة، لأن الهمزة في هذا البناء لا تكون إلا للتأنيث ولا تكون للإلحاق، ألا ترى فعلا لا يكون إلا في المضاعف نحو: الزّلزال والقلقال، إذا اختص البناء هذا الضرب لم يجز أن يلحق به

_ (1) هذا صدر بيت عجزه: فإنّ زمانكم زمن خميص انظر الكتاب لسيبويه 1/ 108 والخزانة 3/ 379 وذكر أنه من أبيات سيبويه التي لا يعرف قائلها. (2) هذا من رجز أورده في النوادر/ 392 (ط الفاتح) ولم ينسبه لقائل وانظر الخصائص/ 232، والمخصص 1/ 31 واللسان (قرد) (زهق). (3) السبعة 444، 445.

شيء لأنك حينئذ تعدّي بالبناء إلى غير مضاعف الأربعة، فهذا إذن كموضع أو بقعة سمّي بطرفاء وصحراء. فأما من قرأ (سيناء) بالكسر فالهمزة فيه منقلبة عن الياء كعلباء، وحرباء، وسيناء، وهي الياء التي ظهرت في نحو: درحاية لمّا بنيت على التأنيث، فإنّما لم ينصرف على هذا القول وإن كان غير مؤنّث لأنه جعل اسم بقعة أو أرض، فصار بمنزلة امرأة سميت بجعفر، ومن هذا البناء قوله: وطور سينين [التين/ 2] فسينين: فعليل، كرّرت اللام التي هي نون فيه كما كرّرت في: زحليل وكرديد وخنذيذ «1»، ومثله في أن العين ياء وكررت اللام فيه للإلحاق قول الشاعر: تسمع للجنّ فيه زيزيزما «2». الياء الأولى: عين، والثانية لفعليل، فإن قلت: فلم لا يكون سينين كغسلين ولا يكون كخنذيذ؟. فالذي يمنع من ذلك أن أبا الحسن حكى أن واحد سنين: سينينة، وما كان من نحو غسلين لم نعلم علامة التأنيث لحقه، وبهذه الدلالة يعلم أن سينين ليس كسنين ولا أرضين، لأن هذا الضرب من الجمع لا يلحقه التاء للتأنيث، وإنما لم ينصرف سينين كما لم ينصرف (سيناء) لأنه جعل اسما لبقعة أو لأرض، كما

_ (1) الزحليل: السريع، قال في اللسان (زحل): مثل به سيبويه وفسّره السيرافي، قال ابن جني: قال أبو علي: زحليل من الزحل، كسحتيت من السحت. والكرديد: ما يبقى في أسفل الجلة من جانبيها من التمر. والخنذيذ: الشاعر المجيد (اللسان). (2) الرجز في اللسان (زيز) ... وجاءت روايته فيه: تسمع للجن به زي زي زيا وهي أقوم وزنا. وزي زي: حكاية صوت الجن.

المؤمنون: 20

جعل سيناء كذلك، ولو جعل اسما للمكان أو المنزل أو نحو ذلك من الأسماء المذكّرة لانصرف، لأنك كنت سمّيت مذكرا بمذكر. [المؤمنون: 20] اختلفوا في (تنبت) [المؤمنون/ 20] في فتح التاء وضمّها. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (تنبت) بضم التاء وكسر الباء، وقرأ الباقون: تنبت بفتح التاء وضمّ الباء «1». من قرأ (تنبت بالدّهن) احتمل وجهين: أحدهما: أن يجعل الجار زائدا، يريد تنبت، ولحقت الباء كما لحقت في قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة/ 195] أي: لا تلقوا أيديكم، يدلّك على ذلك قوله: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [النحل/ 15] وقد زيدت هذه الباء مع الفاعل كما زيدت مع المفعول وزيادتها مع المفعول به أكثر، وذلك نحو قوله: ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت «2» ... وقد زيدت مع هذه الكلمة بعينها قال: بواد يمان ينبت الشّثّ حوله ... وأسفله بالمرخ والشّبهان «3» حمله على: وينبت أسفله المرخ.

_ (1) السبعة 445. (2) البيت لقيس بن زهير وتمامه: بما لاقت لبون بني زياد سبق انظر 1/ 325. (3) سبق في ص 200، والشّبهان والشّبهان: بضم الشين والباء وبفتحهما، كذا نصّ ابن سيده على ضبطه (اللسان شبه). وينبت الشّثّ: جاءت فيما سبق بفتح الياء وضم الباء، والشث: فاعله. وهنا بضم الياء وكسر الباء، والشث: مفعوله.

المؤمنون: 21

ويجوز أن يكون الباء متعلّقا بغير هذا الفعل الظاهر، ويقدّر مفعولا محذوفا تقديره: تنبت جناها أو ثمرتها وفيها دهن وصبغ، كما تقول: خرج بثيابه وركب بسلاحه. ومن قرأ: تنبت بالدهن جاز أن يكون الجار فيه للتعدّي: أنبته ونبت به، ويجوز أن يكون الباء في موضع حال كما كان في الوجه الأول، ولا يكون للتعدي ولكن: تنبت وفيها دهن، وقد قالوا: أنبت في معنى نبت، فكأن الهمزة في أنبت مرة للتعدّي ومرّة لغيره، يكون من باب: أحال وأجرب وأقطف، أي: صار ذا حيال وجرب، والأصمعي ينكر أنبت، ويزعم أن قصيدة زهير التي فيها: ... حتى إذا أنبت البقل «1» متّهمة. وإذا جاء الشيء مجيئا كان للقياس فيه مسلك، فروته الرواة لم يكن بعد ذلك موضع مطعن. [المؤمنون: 21] اختلفوا في قوله: نسقيكم [المؤمنون 21]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: نسقيكم برفع النون. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (نسقيكم) بفتح النون «2».

_ (1) من بيت لزهير تمامه: رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل انظر ديوانه/ 111 (2) السبعة 445.

المؤمنون: 29

قال أبو علي: أما من قال: نسقيكم فعلى أن يكون المعنى: جعلنا ما في ضروعها من ألبانها سقيا لكم. وقد قالوا: أسقيتهم نهرا إذا جعلته سقيا لهم، هذا كأنه أعم لأن ما هو سقيا لهم لا يمتنع أن يكون للشفة، وما للشفة فقد يمتنع أن يكون سقيا، وما أسقيناه من ألبان الأنعام أكثر مما يكون للشفة نسقيكم بالضم فيه أشبه. ومن قال: (نسقيكم) جعل ذلك مختصا به الشفاء دون المزارع والمراعي فلم يكن مثل الماء في قوله: وأسقيناكم ماء فراتا [المرسلات/ 27]. لأن ذا يصلح لأمرين فمن ثمّ جاء: وسقاهم ربهم شرابا طهورا [الانسان/ 21]. وقد قيل: إن سقى وأسقى لغتان. قال الشاعر: سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال «1» ألا ترى أن أسقى لا يخلو من أن يكون لغة في سقى، أو يكون على حدّ: وأسقيناكم ماء فراتا [المرسلات/ 27] وهذا الوجه فيه بعض البعد، لأنه قد دعا لقومه وخاصّته بدون ما دعا للأجنبي الغريب منه. [المؤمنون: 29] اختلفوا في ضم الميم وفتحها من قوله عز وجل منزلا [المؤمنون/ 29] فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (منزلا) بفتح الميم وكسر الزاي. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: منزلا بضم الميم وفتح الزاي «2». المنزل فيمن ضم الميم منه يجوز أن يكون مصدرا أو يكون

_ (1) البيت للبيد، انظر ديوانه/ 110 واللسان (سقي) (2) السبعة 445.

المؤمنون: 27

موضعا للإنزال، فإذا أراد المكان فكأنه قال: أنزلني دارا، وإذا أراد المصدر كان بمنزلة: أنزلني إنزالا مباركا، فعلى هذا الوجه يجوز أن يعدّى الفعل إلى مفعول آخر، وعلى الوجه الأول قد استوفى مفعوليه. ومن قال: (منزلا) أمكن أن يكون مصدرا وأن يكون موضع نزول، ودلّ: (أنزلني) على نزلت، وانتصب (منزلا) على أنه محل، وعلى أنه مصدر، فإذا عنيت به المصدر جاز أن تعدّي الفعل إلى المكان. [المؤمنون: 27] حفص عن عاصم: من كل زوجين اثنين [المؤمنون/ 27] منون. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بلا تنوين «1». حجة قول عاصم: (من كل شيء) [الحجر/ 19] فحذف كما حذف في قوله: وكل آتوه داخرين [النمل/ 87] فزوجين على هذا مفعول به واثنين وصف له. وأما من قال: (من كلّ زوجين) فإنه أضاف كلّا إلى زوجين واثنين انتصب على أنه مفعول به، والمعنى في قراءة عاصم: من كلّ يؤول إلى كلّ زوجين، لأن شيئا المقدّر حذفه في كلّ إنما هو ما يحمل من الأزواج التي للنسل وغيره دون الأشياء التي لا تكون أزواجا. فقراءة الجمهور في هذا أبين، والرواية الأخرى عن عاصم أولى من هذه، كأنه وضع العام موضع الخاص. أراد من كلّ زوج الأشبه أن يريد هذا. [المؤمنون: 44] اختلفوا في التنوين من قوله: تترى [المؤمنون/ 44]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو (تترى كلّما) منونة، والوقف بالألف، وقرأ

_ (1) السبعة 445

الباقون: تترى بلا تنوين، والوقف في قراءة نافع وعاصم وابن عامر بألف، هبيرة عن حفص عن عاصم يقف بالياء «1». قوله: يقف بالياء، يعني بألف ممالة. ومن نون وقف بالألف، ومن لم ينون وقف بالألف والياء. قال أبو علي: (تترى): فعلى من المواترة، والمواترة أن تتبع الخبر الخبر، والكتاب الكتاب، ولا يكون بين ذلك فصل كبير، قال الشاعر: قرينة سبع إن تواترن مرّة ... ضربن وصفّت أرؤس وجنوب «2» يصف قطا انفرد بعضها عن بعض في طيرانها يقول: إن انقطعن فلم يكنّ صفّا ضربن أرؤسا وجنوبا لتصطف في طيرانها، فأعمل الفعل الثاني وحذف المفعول من الأول ليتبين الفاعل له، وقال آخر: تواترن حتّى لم تكن لي ريبة ... ولم يك عمّا خبّروا متعقّب «3» وقال أبو عبيدة: تترى: بعضها في إثر بعض، يقال: جاءت كتبه تترى «4». قال: وينوّنها بعض الناس، ومن قال في تترى إنها تفعل لم يكن غلطه غلط أهل الصناعة، والأقيس أن لا يصرف لأن المصادر تلحق أواخرها ألف التأنيث كالدعوى والعدوى والذكرى والشورى،

_ (1) السبعة 446 مع اختلاف يسير. (2) البيت لحميد بن ثور من قصيدة ديوانه ص 53. والسمط 535 وانظر تهذيب اللغة للأزهري 14/ 312، واللسان (وتر). (3) البيت للطفيل الغنوي انظر ديوانه/ 37 وفيه: «تظاهره» بدل «تواتره». واللسان (عقب) وفيه: «تتابعه» بدل «تواتره». وليس فيهما شاهد. (4) مجاز القرآن 2/ 59.

المؤمنون: 50

ولا نعلم شيئا من المصادر لحق آخره ألف الإلحاق، فمن قال: تترى، أمكن أن يريد فعلى من المواترة، فتكون الألف بدلا من التنوين. وإن كان في الخط بالياء كان للإلحاق، والإلحاق في غير المصادر ليس بالقليل نحو: أرطى ومعزى، فإن كان في الخط ياء لزم أن يحمل على فعلى دون فعلا، ومن قال: تترى، فأراد به فعلا فحكمه أن يقف بالألف مفخّمة، ولا يميلها إلا في قول من قال: رأيت عنتا، وهذا ليس بالكثير، فلا تحمل عليه القراءة. ومن جعل الألف للإلحاق أو للتأنيث أمال الألف إذا وقف عليها، وكثيرا ما تتعاقب الألف التي للإلحاق وألف التأنيث في أواخر الكلم التي لا تكون مصادر. [المؤمنون: 50] قرأ عاصم وابن عامر: إلى ربوة [المؤمنون/ 50] بفتح الراء. وقرأ الباقون: (إلى ربوة) بضم الراء «1». التّوزي: الرّبوة والرّباوة بمعنى. وقال أبو عبيدة: فلان في ربوة قومه، أي: في عزّهم وعددهم «2»، وقال الحسن: الربوة: دمشق. [المؤمنون: 52] اختلفوا في قوله: وإن هذه أمتكم [المؤمنون/ 52] في فتح الألف وكسرها. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (وأنّ هذه) بفتح الألف وتشديد النون. وقرأ ابن عامر: (وأن) بفتح الألف أيضا وتخفيف النون.

_ (1) السبعة 446. (2) مجاز القرآن 2/ 59.

وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: وإن هذه بكسر الألف وتشديد النون «2». من قرأ: (وأنّ هذه) كان المعنى في قول الخليل وسيبويه أنه محمول على الجار، التقدير: ولأن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاتّقون، أي اعبدوني لهذا. ومثل ذلك عندهم قوله عزّ وجلّ: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [الجن/ 18] المعنى: ولأن المساجد لله. وكذلك عندهم قوله: لإيلاف قريش [قريش/ 1] كأنه: فليعبدوا ربّ هذا البيت لإيلاف قريش، أي: ليقابلوا هذه النعمة بالشكر والعبادة للمنعم عليهم بها، وعلى هذا التقدير يحمل قراءة ابن عامر، ألا ترى أن (أنّ) إذا خفّفت اقتضت ما يتعلّق به اقتضاءها وهي غير مخفّفة، والتخفيف حسن في هذا لأنه لا فعل بعدها ولا شيء ممّا لا يلي أن، فإذا كان كذلك كان تخفيفها حسنا، ولو كان بعدها فعل لم يحسن حتى تعوّض السين أو سوف أولا إذا كان في نفي، فإذا لم يكن بعدها فعل ساغ التخفيف، ومثل ذلك قوله تعالى: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]. ومن كسر فقال: (وإنّ هذه أمّتكم) لم يحملها على الفعل كما يحملها من فتح، ولكن جعلها كلاما مستأنفا، ويجوز أن يكون فيه تنبيه على الاعتداد بالنعمة كقول من فتح أنّ، فكان معنى: وأن هذه أمتكم أمة واحدة أي: أنتم أهل دعوة واحدة ونصرة، ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا، وقال: ولا تفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه [الشورى/ 13] من الاتفاق على التوحيد وخلع ما تدعون إليه من دونه.

_ (2) السبعة 446.

المؤمنون: 67

[المؤمنون: 67] وقرأ نافع وحده: (تهجرون) [المؤمنون/ 67] بضم التاء وكسر الجيم. وقرأ الباقون: تهجرون بفتح التاء وضمّ الجيم. من قرأ: تهجرون فالمعنى: أنكم كنتم تهجرون آياتي وما يتلى عليكم من كتابي فلا تنقادون له وتكذبون به، كقوله: قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين [المؤمنون/ 66 - 67] بالبيت والحرم لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم، وقال: أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم [العنكبوت/ 67] و (تهجرون) تأتون بالهجر، وهو الهذيان وما لا خير فيه من الكلام، وفي الحديث في زيارة القبور: «زورها ولا تقولوا هجرا» «1». [المؤمنون: 72] قرأ ابن عامر (خرجا فخرج ربك) [المؤمنون/ 72] بغير ألف في الحرفين. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: خرجا بغير ألف فخراج ربك بألف. وقرأ حمزة والكسائي (خراجا، فخراج ربّك) في الحرفين جميعا بألف «1». أبو عبيدة: العبد يؤدّي إليك خرجه، أي: غلّته، والرعيّة تؤدّي إلى الأمير الخرج، قال: والخرج أيضا من السحاب، ومنه نرى اشتقّ

_ (1) من حديث نصه «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا». أخرجه أحمد في مسنده 5/ 361.

هذا أجمع، قال أبو ذؤيب «1»: إذا همّ بالإقلاع هبّت له الصّبا ... وأعقب نوء بعدها وخروج قال: وزعم أبو عمرو الهذلي أنه سمّي خرجا وخروجا للماء الذي يخرج منه «2». وفيما حكاه أبو عبيدة من قوله: الرعية تؤدّي إلى الأمراء الخرج، دلالة على من قرأ: (خرجا فخرج ربّك) فكأن الخرج يقع على الضريبة التي على الأرضين وعلى الجزية. وحكى غير أبي عبيدة: أدّ خرج رأسك، والخرج: ما يخرج إلى من يخرج ذلك إليه وإن لم يكن ذلك ضريبة، ويدلّ على ذلك قراءة من قرأ: فهل نجعل لك خرجا [الكهف/ 94]، وقد يقع على هذا الخراج بدلالة قول العجاج «3»: يوم خراج يخرج السّمرّجا فهذا ليس على الضريبة، والاسم الأخص بالضريبة المضروبة

_ (1) شرح أشعار الهذليين للسكرى 1/ 129 ورواية عجزه فيه: فأعقب نشء بعدها وخروج وفي معجم تهذيب اللغة: 7/ 48 و 11/ 419: فأعقب غيم بعده وخروج (2) مجاز القرآن 2/ 61. (3) للعجاج وبعده: في ليلة تغشي الصّوار المحرجا والسمرج: هو الخراج، يقال له بالفارسية: سمرّة، أي: ثلاث مرات يؤدّى وهو حساب يؤخذ في ثلاثة أثلاث فكان يقال له: سمرّة، فأعرب فقيل: السّمرّج، انظر ديوانه 2/ 33.

المؤمنون:/ 89، 87، 85

على الأرضين الخراج، قال: طرمحوا الدّور بالخراج فأضحت مثل ما امتدّ من عماية نيق «1» فمعنى هذا: بأموال الخراج، وإذا كان كذلك فقول ابن كثير ومن تبعه: خرجا فخراج ربك خير معناه: أنك لا تسألهم شيئا يخرجون إليك، كما قال: قل ما أسألكم عليه من أجر [الفرقان/ 57] وما نسألهم عليه من أجر [يوسف/ 104] فخراج ربك كأنه إضافة إلى الله تعالى، لأنه أوجبه وألزمه هذه الأشياء من الحقوق في الأرضين وجزى الرءوس، فلهذا قال: فخراج ربك خير. وقول حمزة والكسائي: (خراجا فخراج ربك) فقولهما: فخراج ربك بيّن على ما تقدم، و (خراج) الذي قرأه غيرهما: خرجا قد جاء فيه الخراج أيضا، بدلالة قول العجاج، وزعموا أن أكثر القراءة: خرجا، فخراج ربك قال أبو الحسن: لا أدري أيهما أكثر في كلام العرب. [المؤمنون:/ 89، 87، 85] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: سيقولون لله [المؤمنون/ 85، 87، 89] في الآيتين. ولم يختلفوا في الأول «2»، فقرأ أبو عمرو وحده: (سيقولون الله) بألف في الحرفين. وقرأ الباقون: (لله ... لله ... لله) هذه الثلاثة المواضع «3». أوّلها: قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله

_ (1) طرمح البناء: علاه ورفعه (اللسان طرح) والنيق: أرفع موضع في الجبل. عماية: السحابة الكثيفة المطبقة- وجبل من جبال هذيل (اللسان عمى) وانظر معجم البلدان (عماية) 4/ 152. والبيت لم نقف على قائله. (2) في السبعة: في الاثنتين الأخيرتين، ولم يختلفوا في الأولى. (3) السبعة 447 مع اختلاف في العرض، سوى ما أشرت إليه.

المؤمنون: 301

[المؤمنون/ 84 - 85] لا اختلاف فيها. الثاني: قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله [المؤمنون/ 86 - 87] و (سيقولون الله). والثالث: قل من بيده ملكوت كل شيء [المؤمنون/ 88] إلى آخرها سيقولون لله و (سيقولون الله) [المؤمنون/ 89]. أبو عمرو وحده يقول فيهما: (الله) والباقون: (لله) ولم يختلفوا في الأول، أما الآية الأولى فجوابها على القياس، كما يقال: لمن الدار؟ فنقول: لزيد، كأنك تقول: لزيد الدار، فاستغنيت عن ذكرها لتقدمها. قرأ أبو عمرو وحده: (سيقولون الله) في الحرفين. وقرأ الباقون: (لله ... لله)، وأمّا قوله: قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم فجواب هذا: الله، على ما يوجبه اللفظ، وأما من قال: لله فعلى المعنى، وذلك أنه إذا قال: من مالك هذه الدار؟ فقال في جوابه: لزيد، فقد أجابه على المعنى دون ما يقتضيه اللفظ، والذي يقتضيه: من مالك هذه الدار؟ أن يقال في جوابه: زيد، ونحوه، فإذا قال: لزيد، فقد حمله على المعنى، وإنما استقام هذا لأن معنى من مالك هذه الدار؟ ولمن هذه الدار؟ واحد، فلذلك حملت تارة على اللفظ وتارة على المعنى، والجواب على اللفظ هو الوجه. [المؤمنون: 301] اختلفوا في قوله تعالى: عالم الغيب والشهادة [المؤمنون/ 92] في الخفض والرفع. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وابن عامر: عالم الغيب خفضا.

المؤمنون: 106

وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وحمزة والكسائي: (عالم الغيب) رفعا «1». قال أبو الحسن: الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحد، وأما الرفع فعلى أن يكون خبر ابتداء محذوف. قال: ويقوّي ذلك أن الكلام الأول قد انقطع. [المؤمنون: 106] اختلفوا في قوله تعالى: شقوتنا [المؤمنون/ 106] في كسر الشين وفتحها والألف. فقرأ حمزة والكسائي: (شقاوتنا) بفتح الشين وبالألف. وقرأ الباقون: شقوتنا بكسر الشين بغير ألف. حدثني أبو علي محمد بن عيسى العباسي وأحمد بن علي الخزّاز قالا: حدثنا بشر بن هلال قال: حدّثنا بكار عن أبان قال: سألت عاصما فقال: إن شئت فاقرأ: شقوتنا وإن شئت فاقرأ (شقاوتنا) «2». الشقوة: مصدر كالردّة، والفطنة، والشقاوة: كالسعادة وإذا كان كذلك فالقراءة بهما جميعا سائغ كما روى عن عاصم. [المؤمنون: 110] اختلفوا في قوله تعالى: سخريا في كسر السين في المؤمنين [110] وفي صاد [63]، ولم يختلفوا في الزخرف [32]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر سخريا بكسر السين، وكذلك في صاد. هبيرة عن حفص عن عاصم (سخريا) رفعا، وهو غلط، والمعروف عن حفص سخريا بكسر السين.

_ (1) السبعة 447. (2) السبعة 448.

وقرأ نافع وحمزة والكسائي (سخريا) رفعا في السورتين «1». قال أبو زيد: اتخذت فلانا سخريا وسخرة: إذا هزئت منه، وقد سخرت به وبه أسخر سخريا وسخرا، أبو عبيدة: اتخذتموهم سخريا: تسخرون منهم، وسخريا: تسخّرونهم «2». وقال ابن سلام: قال يونس: ليتخذ بعضهم بعضا سخريا [الزخرف/ 32] قال: من السّخرة، والسّخريّ من الهزء قال: وقد يقال: سخريّ، فأما تلك الأخرى، يعني: السّخري، فواحدة مضمومة لا غير، ويقال من الهزء: سخري وسخري ومن السخرة مضمومة. أبو عبد الرحمن بن اليزيدي: سخريا من السّخرية، و (سخريّا) بالضم من السّخرة. وحكى غيره أن الحسن وقتادة قالا: ما كان من العبودية فهو سخريّ بالضم، وما كان من الهزء فبالكسر. قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامر: فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [المؤمنون/ 110] بكسر السين أرجح من قراءة من ضم فقال: (سخريا) لأنه من الهزء، والأكثر من الهزء، كسر السين فيما حكوه، وترى أنه إنما كان الأكثر لأن السّخر مصدر سخرت بدلالة حكاية أبي زيد لذلك، ولقول الشاعر: من علو لا كذب فيه ولا سخر «3»

_ (1) السبعة 448 مع اختلاف يسير في العبارة. (2) انظر مجاز القرآن 2/ 62 و 187. (3) عجز بيت لأعشى باهلة، عامر بن الحارث وصدره: إني أتاني شيء لا أسرّ به وجاء في النوادر/ 288 (ط- الفاتح). برواية: «من عل لا عجب». وفي الأصمعيات/ 88 برواية:

وقولهم في مصدر سخرت: سخريا وسخرا، إنما جاء ذلك لأن فعل وفعل قد يكونان بمعنى، نحو: المثل والمثل، والشّبه والشبه وحروف أخر على هذا، فكذلك السّخر والسّخر، إلا أن المكسورة ألزمت ياء النسب دون المفتوحة، كما اتفقوا في القسم على الفتح في: لعمر الله، ولم يخرج مع إلحاق ياء النسب عن حكم المصدر، ولم يخرج إلى الصفة بلحاق الياءين له، كما يخرج سائر ما لحقته الياء، يدلّك على ذلك قولهم: فاتخذتموهم سخريا فأفرد، وقد جرى على الجمع كما تفرد المصادر، فكأن ياء النسب لم يقع به اعتداد في المعنى كما لم يعتدّ به، ولم يكن للنسب في نحو أحمر وأحمري ودوّار ودوّارى، ومثل ذلك في أن ياء النسب لما كان كالتي في قمري ونحوه لم يعتد به قول الشماخ: خضرانيات «1». ألا ترى أنه لو أعتدّ به وأريد به معنى النسب لردّ إلى الواحد، كما يردّ سائر ما لحقه ياء النسب وأريد به النسب إلى الواحد، إذا لم يكن المنسوب مسمّى بالجمع، وأن لم يرد: خضرانيات إلى الواحد دلالة على أنه لم يعتدّ بها وكان في حكم الزيادة. ك (لا) في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29]. وأمّا قراءة من ضم في قوله: (فاتخذتموهم سخريّا) وفي صاد في قوله: (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا) ص/ 62 - 63]

_ قد جاء من عل أنباء أنبؤها ... إلى لا عجب منها ولا سخر وانظر البحر المحيط 6/ 423. والخزانة 3/ 135. (1) لم نعثر عليه في ديوانه.

فالكسر في معنى السخرية أفشى وأكثر إذا كان السخريّ في معنى الهزء، وهذان الموضعان يراد بهما، الهزء يقوّي ذلك قوله في المؤمنين: وكنتم منهم تضحكون [المؤمنون/ 110] والضحك بالسّخر والهزء أشبه، وجه ذلك في صاد: (اتخذناهم سخريا). ووجه الضم أن يونس قال فيما حكى عنه ابن سلّام: أن السّخري قد يقال بالضم بمعنى الهزء، وقوله: فأما الأخرى فواحدة، يعني التي يراد بها السّخرة. وقال أبو الحسن: سخري إذا أردت من سخرت به ففيه لغتان يعني الضم والكسر، ومن ثمّ اتفق هؤلاء القرّاء على الضم في التي في الزخرف في قوله: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا فهذا من السّخرة وانقياد بعضهم لبعض في الأمور التي [إنّ] «1» لم ينقد بعضهم لبعض فيها، لم يلتئم قوام أمر العالم. فأما سخري فإفراده يجوز أن يكون لإفراد بعضهم في اللفظ وإن كان المعنى على الكثرة، ويجوز أن يكون كسخري- بكسر السين- لم يخرج بلحاق الياء له من أن يكون مصدرا، ووجه الضم في سخري إذا كان من الهزء أن السّخر على فعل، وفعل وفعل يتعاقبان على الكلمة كالحزن والحزن، والبخل والبخل، كما كان فعل وفعل كذلك، إلا أن المضموم خصّ بالنسب كما خصّ المكسور به، وبقي على حكم المصدر كما بقي عليه المكسور، فأمّا ما حكاه أبو زيد من قوله: اتخذت فلانا سخريا وسخرة، فإن قوله: سخري وصف بالمصدر، وقولهم: سخرة ليس بمصدر من الهزء، فيكون النسب إليه، ولكن سخرة كقولهم: ضحكة، وهزأة- بتسكين العين- إذا كان يضحك منه. والفاعل في هذا بفتح

_ (1) زيادة يتطلبها المعنى.

المؤمنون: 111

العين نحو: هزأة ونكحة، وجمل خجأة. [المؤمنون: 111] اختلفوا في قوله تعالى: (إنهم هم الفائزون) [المؤمنون/ 111] في كسر الألف وفتحها. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: أنهم فتحا. وقرأ حمزة والكسائي: (إنّهم) كسرا. خارجة عن نافع: (صبروا ... إنّهم) كسرا، مثل حمزة «1». من فتح كان على قوله: جزيتهم لأنهم هم الفائزون، ويجوز أن يكون أنهم في موضع المفعول الثاني لأن جزيت يتعدّى إلى مفعولين، قال: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا [الإنسان/ 12] تقديره: جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز، وفاز الرجل إذا نال ما أراد، وقالوا: فوّز الرجل إذا مات. ويشبه أن يكون ذلك على التفاؤل له، أى: صار إلى ما أحب، والمفازة للمهلكة على وجه التفاؤل أيضا، وقيل: إنه مفعلة من فوّز إذا هلك، فكان فوز في الأصل على التفاؤل أيضا، ومن كسر استأنف وقطعه مما قبله، ومثل ذلك في الكسر والاستئناف والإتباع لما قبله: لبّيك إن الحمد والنعمة لك، وأنّ الحمد ... [المؤمنون: 114، 112] اختلفوا في قوله تعالى: قال كم لبثتم ... قال إن لبثتم [المؤمنون/ 112، 114]. فقرأ ابن كثير: (قل كم لبثتم) على الأمر قال إن على الخبر

_ (1) السبعة 448.

المؤمنون: 115

ولا يدغم لبثتم هذه رواية البزّي عن ابن كثير، وروى قنبل عن النبال عن أصحابه عن ابن كثير: (قل كم لبثتم ... قل إن لبثتم) جميعا في الموضعين بغير ألف. وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: قال كم لبثتم وقال إن لبثتم بالألف فيهما على الخبر. وقرأ حمزة والكسائي: (قل كم لبثتم) و (قل إن لبثتم) على الأمر جميعا. وأبو عمرو وحمزة والكسائي يدغمون التاء، الباقون لا يدغمون «1». من قرأ: (قل كم لبثتم) كان على: قل أيها السائل عن لبثتم. وقال على الإخبار عنه. وزعموا أن في مصحف أهل الكوفة (قل) في الموضعين، فكأن حمزة والكسائي قرآ على مصاحف أهل الكوفة. وأما وجه إدغام الثاء في التاء في لبثتم فلتقارب مخرجي الثاء والتاء واجتماعهما في الهمس، فحسن الإدغام لذلك، ووجه ترك ابن كثير للإدغام تباين الحرفين في المخرجين، ألا ترى أن التاء من حيّز الطاء والدال، والثاء من حيّز الظاء والذال، فلما تباين المخرجان وكانا بمنزلة المنفصل والمنفصل لا يلزم، فآثر البيان، ألا ترى أنهم بينوا المثلين في اقتتلوا لما لم يكن الحرف من اللازم. [المؤمنون: 115] اختلفوا في قوله عز وجل: لا ترجعون [المؤمنون/ 115 والقصص/ 39] في الياء والتاء.

_ (1) السبعة 449.

فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم هاهنا بالتاء مضمومة ترجعون وفي القصص: (لا يرجعون) بالياء مضمومة. وقرأ نافع في المؤمنين ترجعون بضم التاء وفي القصص (يرجعون) بفتح الياء وكسر الجيم. وقرأ حمزة والكسائي جميعا (ترجعون) و (يرجعون) بفتح الياء والتاء وكسر الجيم «1». حجة من قال: ترجعون: وإنا إليه راجعون [البقرة/ 156] وإنا إلى ربنا لمنقلبون [الزخرف/ 14] وقوله: كل إلينا راجعون [الأنبياء/ 93] وقوله: إلي مرجعكم [العنكبوت/ 8] ألا ترى أن المصدر مضاف إلى الفاعل. فأما ما كان من الرجوع في الدنيا فإن الفعل فيه مسند إلى الفاعل نحو: فإن رجعك الله إلى طائفة منهم [التوبة/ 83] ولئن رجعنا إلى المدينة [المنافقون/ 8] ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50] ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون [يس/ 31] وكذلك بما كان من أمور الآخرة التي لا يراد بها البعث كقوله: وإليه يرجع الأمر كله [هود/ 123] ألا إلى الله تصير الأمور [الشورى/ 53] وقد تقدم ذكر هذا النحو.

_ (1) السبعة 450، 454.

سورة النور

ذكر اختلافهم في سورة النور [النور: 1] اختلفوا في التّشديد والتّخفيف من قوله عزّ وجلّ: وفرضناها [1]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (وفرّضناها) مشدّدا. وقرأها الباقون مخففة «1». قال أبو علي: معنى فرضناها، فرضنا فرائضها فحذف المضاف وحسن إضافة الفرائض إلى السورة، وهي لله- سبحانه- لأنّها مذكورة فيها، ومفهومة عنها والتثقيل في (فرّضناها) لكثرة ما فيها من الفرض. والتخفيف يصلح للقليل والكثير. ومن حجّة التخفيف قوله: إن الذي فرض عليك القرآن [القصص/ 85] والمعنى: أحكام القرآن، وفرائض القرآن، كما أنّ التي في سورة النور كذلك. [النور: 2] وقرأ ابن كثير رأفة [2] هاهنا وفي سورة الحديد (رأفة) [27] ساكنة الهمزة، كذا قرأت على قنبل، وقال لي قنبل: كان ابن

_ (1) السبعة 452.

النور: 6

أبي بزّة قد أوهم «1» وقرأهما جميعا بالتحريك، فلما أخبرته أنّما هي هذه وحدها رجع. وقرأ الباقون ساكنة الهمزة فيهما، ولم يختلفوا في الهمز غير أن أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة وقرأ في الصلاة غيّر همزتها إلى الألف «2». قال أبو زيد: رأفت بالرجل أرؤف به رأفة ورآفة، ورأفت به أرأف به وكلّ من كلام العرب «3». ولعل رأفة التي قرأها ابن كثير لغة. ومعنى (لا تأخذكم بهما رأفة): كأنّه نهي عن رحمتهما، لأنّ رحمتهما قد تؤدّي إلى تضييع الحدود، وترك إقامته عليها. [النور: 6] اختلفوا في قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله [النّور/ 6] في ضمّ العين وفتحها. فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم أربع شهادات بالله بالضمّ. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (أربع شهادات بالله) فتحا «4». قال أبو علي: من نصب قوله: (أربع شهادات بالله) نصبه

_ (1) أوهم، أي: أسقط أو ترك قراءة الهمزة ساكنة. انظر اللسان/ وهم/ وفي السبعة: وهم، وكلاهما بمعنى. (2) السبعة ص 452. (3) كلام أبي زيد هذا في اللسان/ رأف/ (4) السبعة 452 - 453 وهنا لك تقديم وتأخير والمؤدى واحد.

النور: 7

بالشهادة، وينبغي أن يكون قوله: فشهادة أحدهم مبنيا على ما يكون مبتدأ، تقديره: ما الحكم؟ أو: ما الغرض؟ أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فعليهم أن يشهدوا، وإن شئت حملته على المعنى، لأنّ المعنى: يشهد أحدهم، فقوله: بالله يجوز أن يكون من صلة الشهادة، ومن صلة شهادات إذا نصبت الأربع، وقياس من أعمل الثاني أن يكون قوله: بالله من صلة شهادات، وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما تقول: ضربت وضربني زيد. ومن رفع فقال: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فإنّ الجارّ والمجرور من صلة شهادات، ولا يجوز أن يكون من صلة شهادة، لأنّك إن وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول، ألا ترى أن الخبر الذي هو أربع شهادات يفصل. وقوله: إنه لمن الكاذبين [النور/ 8] في قول من نصب أربع شهادات بالله يجوز أن يكون من صلة شهادة أحدهم، وتكون الجملة التي هي إنه لمن الكاذبين في موضع نصب، لأنّ الشهادة كالعلم فيتعلق بها (إن) كما يتعلق بالعلم، والجملة في موضع نصب بأنّه مفعول به، وأربع شهادات ينتصب انتصاب المصادر. ومن رفع أربع شهادات لم يكن قوله: إنه لمن الكاذبين إلّا من صلة شهادات دون شهادة، كما كان قوله: بالله من صلة شهادات دون صلة شهادة، لأنّك إن جعلته من صلة شهادة فصلت بين الصلة والموصول. [النور: 7] وكلهم قرأ: والخامسة [النور/ 7] رفعا غير حفص عن عاصم فإنه قرأ (والخامسة) نصبا «1».

_ (1) السبعة ص 453.

القول في ذلك أنّ من نصب (أربع شهادات بالله) وأضمر لقوله: فشهادة أحدهم أو حمله على المعنى، نصب (الخامسة) لأنّ الخامسة من الشهادات، فيكون المعنى: شهد أربع شهادات بالله، والخامسة، فيكون محمولا على ما حمل عليه الأربع في الإعراب، لأنّه بمعناه. ومن رفع أربع شهادات على أنّه خبر فشهادة أحدهم لزمه أن يرفع الخامسة أيضا. فيكون المعنى: أربع شهادات، والشهادة الخامسة، وما بعده من (أنّ) في موضع نصب. والخامسة بأن غضب الله هذا هو القياس، ويجعل الخامسة يتعلق بها الباء التي تقدر في بأنّ لأنّه بمعنى الشهادة فيتعلق به الجار كما يتعلق بالشهادة كما يتعلق إلى بالرفث في قوله: الرفث إلى نسائكم [البقرة/ 187] لمّا كان الرّفث بمعنى الإفضاء. ولا يجوز أن يكون تعلقه بالشهادة الموصوفة بالخامسة، لأنّ الموصول إذا وصفته لم يتصل به شيء بعد الوصف، فرواية غير حفص عن عاصم والخامسة يحملها على ما روي عنه من قوله: أربع شهادات المعنى: أربع شهادات والخامسة. ومن نصب الخامسة مع رفعه أربع شهادات بالله حمله على فعل دلّ عليه ما تقدم لازما. تقدم من قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات يدلّ على يشهد أحدهم ويشهد الخامسة بكذا. ومن نصب (أربع شهادات بالله) جاز في قوله: والخامسة أن يكون معطوفا على ما في صلة المصدر، وجاز أن يكون في صلة شهادات، لأنّه لم يفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي، كما يفصل إذا رفع أربع شهادات، فإن رفع أربع شهادات لم يكن إلّا معطوفا على صلة شهادات، ولا يجوز أن يعطف على صلة المصدر الأوّل، لأنّك تفصل حينئذ بين الصلة والموصول بخبر الموصول، ويجوز أن لا تقدّر به العطف على الصلة، ولكن تضمر

فعلا يحمل عليه، وتنصبه به. وإذا رفع الخامسة، وقد رفع الأربع، حمل الخامسة على الأربع، لأنّها شهادة، كما أنّ «الأربع» شهادات، ومجموع ذلك خبر المبتدأ الذي هو فشهادة أحدهم. ومن نصب الخامسة وقد رفع أربع شهادات قطعه منه ولم يجعل الخبر المجموع، ولكن حمله على ما الكلام من معنى الفعل كأنّه ويشهد الخامسة، يضمر هذا الفعل، لأنّ في الكلام دلالة عليه. قال: ولم يختلفوا في الأولى أنّها مرفوعة «1». يعني بالأولى قوله: والخامسة بعد قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة ووجه ذلك أنّه لا يخلو أن يكون ما قبله من قوله: (أربع شهادات) مرفوعا أو منصوبا، فإن كان مرفوعا أتبع الرّفع، التّقدير: شهادة أحدهم أربع والخامسة، فيكون محمولا على ما قبلها من الرّفع، وإن كان ما قبله من قوله (أربع) منصوبا قطعه عنه، ولم يحمله على النصب. وحمل الكلام على المعنى، لأنّ معنى قوله: فشهادة أحدهم أربع شهادات: عليهم أربع شهادات، وحكمهم أربع شهادات والخامسة، فيحمله على هذا، كما أنّ قوله: إلّا رواكد جمرهنّ هباء «2»

_ (1) السبعة ص 453 (2) هذا عجز بيت لذي الرمة وقيل: للشماخ، صدره: بادت وغيّر أيهنّ مع البلى وقد جاء معه آخر وهو التالي مباشرة انظر ملحقات ديوان ذي الرمة 3/ 1840 وديوان الشماخ 428 (ملحقاته) وما ذكره المحقق في بيان نسبة البيتين. والكتاب لسيبويه 1/ 88

النور: 9، 7

معناه ثم رواكد فحمل قوله: ومشجّج أمّا سواء قذاله «1» عليه. ويجوز في القياس النصب في الخامسة الأولى، رفع أربع شهادات أو نصب، وإذا نصب فعلى قوله فشهادة أحدهم أربع شهادات والخامسة فيعطفه على الأربع المنصوبة. وإن رفع أربع شهادات، جاز النصب في الخامسة، لأن المعنى: يشهد أحدهم أربع شهادات، ويشهد الخامسة فينصبه لما في الكلام من الدّلالة على هذا الفعل، وأحسب أنّ غيرهم قد قرأ بذلك. [النور: 9، 7] اختلفوا في قوله: والخامسة أن لعنة الله عليه وأن غضب الله عليها [النور/ 7 - 9] فقرأ نافع وحده: (أن لعنة الله) و (أن غضب الله) بكسر الضاد رفع «2» وقرأ الباقون: أن لعنة الله وأن غضب الله مشدّدة النون فيهما «3». قال أبو الحسن: لا أعلم الثقيلة إلّا أجود في العربية، لأنّك إذا خفّفت فالأصل عندي التثقيل فتخفّف وتضمر، فأن تجيء بما عليه المعنى، ولا تكون أضمرت، ولا حذفت شيئا أجود، وكذلك: (إن الحمد لله) «4» [يونس/ 10] وجميع ما في القرآن مما يشبه هذا. فأمّا قراءة نافع: (والخامسة أن لعنة الله عليه)

_ (1) هذا صدر بيت جاء معه قرين هو المذكور آنفا عجزه: فبدا وغيّر ساره المعزاء (2) أي رفع لفظ الجلالة (الله) كما في السبعة (3) السبعة ص 453 (4) قراءة التشديد (إنّ الحمد لله) هي قراءة عكرمة ومجاهد وقتادة وابن يعمر، وبلال بن أبي بردة وأبو مجلز وأبو حيوة وابن محيصن ويعقوب. وبالتخفيف قراءة الجمهور على أنّها المخففة من الثقيلة. انظر البحر المحيط 5/ 127

قال سيبويه: من قال: (والخامسة أن غضب الله) فمعناه عنده: أنّه غضب الله عليها، ولا تخفّف في الكلام أبدا وبعدها الأسماء إلّا وأنت تريد الثقيلة على إضمار القصّة فيها «1»، وكذلك قوله: أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10] فيمن خفّف وعلى هذا قول الأعشى: .. قد علموا أن هالك كلّ من يحفى وينتعل «2» وإنّما خفّفت الثقيلة المفتوحة على إضمار القصّة والحديث، ولم تكن كالمكسورة في ذلك، لأنّ الثقيلة المفتوحة موصولة، والموصول يتشبّث بصلته أكثر من تشبّث غير الموصول بما يتصل، فلم يخفّف إلّا على هذا الحدّ، ليدلّ على اتصالها بصلتها أشدّ. وأمّا قراءة نافع (أن غضب الله) فإنّ (أن) فيه المخفّفة من الثقيلة، وأهل العربية يستقبحون «3» أن تلي الفعل حتى يفصل بينها وبين الفعل بشيء، ويقولون: استقبحوا أن تحذف ويحذف ما تعمل فيه، وأن تلي ما لم تكن تليه من الفعل بلا حاجز بينهما، فتجتمع هذه الاتساعات فيها، فإن فصل بينها وبين الفعل بشيء لم يستقبحوا ذلك كقوله: علم أن سيكون منكم مرضى [المزمل/ 20] و: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] و: علمت أن قد قام. وإذا فصل بشيء من هذا النحو بينه وبين الفعل زال بذلك أن تلي ما لم يكن حكمها أن تليه. فإن قيل: فقد جاء: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم/ 39] وجاء: نودي أن بورك من في النار ومن حولها

_ (1) سيبويه 1/ 480 مع اختلاف طفيف في العبارة. (2) انظر البحر المحيط 5/ 128 وانظر الحجة 3/ 437 (3) في الأصل فيستقبحون، وكأنه على توهم: أما أهل العربية.

النور: 15

[النمل/ 8] فإنّ (ليس) تجري مجرى ما ونحوها ممّا ليس بفعل. فأمّا نودي أن بورك فإن قوله بورك على معنى الدعاء، فلم يجز دخول لا، ولا قد، ولا السين، ولا شيء ممّا يصحّ دخوله في الكلام، فيصحّ به الفصل وهذا مثل ما حكاه من قولهم «1»: أما أن جزاك الله خيرا. فلم يدخل شيء من هذه الفواصل من حيث لم يكن موضعا لها، وغير الدّعاء في هذا ليس كالدّعاء، ووجه قراءة نافع: أن ذلك، قد جاء في الدّعاء ولفظه لفظ الخبر. وقد يجيء في الشّعر، وإن لم يكن شيء يفصل بين أن وبين ما تدخل عليه من الفعل، فإن قلت: فلم لا تكون أن. في قوله: (أن غضب الله) أن الناصبة للفعل وصل بالماضي؟ فيكون كقول من قرأ: (وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها للنبي) [الأحزاب/ 50] فإن ذلك لا يسهل. ألا ترى أنّها متعلقة بالشهادة، والشهادة بمنزلة العلم لا تقع بعدها الناصبة. [النور: 15] قال أحمد: وروى عبيد عن أبي عمرو أنّه قرأ: إذ تلقونه [النور/ 15] مشدّدة التاء، مدغمة الذال، مثل ابن كثير. القطعيّ عن عبيد، وعبيد عن هارون عن أبي عمرو مثله، [قال أبو بكر] «2»، وهو رديء إلّا أن تظهر الذّال من إذ. قال بعض أصحاب أحمد بن موسى مثل قول ابن كثير غلط، إنّما ابن كثير يظهر الذال، ويشدّد التاء، يريد: تتلقّونه، وأبو عمرو لا يفعل ذلك، وإنّما أراد عبيد عن أبي عمرو بقوله: مشدّدة التاء، مدغمة الذّال أنّه يدغم الذّال في التّاء فيشدّدها، لذلك رجع إلى كلام أحمد.

_ (1) هو سيبويه انظر الكتاب 3/ 167 وما قبلها. (ط: هارون) (2) زيادة من السبعة.

النور: 24

أبو عمرو وحمزة والكسائي. (إذ تلقونه) مدغمة الذال في التاء، والباقون يظهرون الذال عند التاء، وكلّهم يخفّفها «1». قال أبو علي: ابن كثير قد يدغم أحد المثلين في الآخر في الابتداء كما قال: فإذا هي تلقف [الأعراف/ 117] يريد تتلقف ولا يجوز أن يدغم هاهنا: إذ تتلقونه كما أدغم في قوله: (تلقف) لأنّ الذّال من (إذ) ساكنة فإذا أدغمها التقى ساكنان على وجه لا يستحسن، ألا ترى أنّ الذال من (إذ) ليس بحرف لين كالألف في (لا تناجوا) [المجادلة/ 9] فيدغم التاء من قوله: (تلقون) كما يدغم من (لا تناجوا) فإذا كان كذلك لم يجز إدغام الذال من (إذ) في التاء، وأمّا إذا حذفت التاء الثانية من (تلقونه) وأنت تريد تتلقونه فبقيت تاء واحدة لم يمتنع أن يدغم الذال من إذ في التاء من تلقونه فتصير تاء مشدّدة. [النور: 24] اختلفوا في قوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم [النور/ 24]. فقرأ حمزة والكسائي: (يوم يشهد عليهم) بالياء. وقرأ الباقون: تشهد عليهم بالتاء. الياء والتاء في هذا النحو كلاهما حسن وقد مرّ نحوه. [النور: 31] [روى] عبّاس عن أبي عمرو: وليضربن [النور/ 31] على معنى: كي إن كان صحيحا. وقرأ الباقون: ساكنة اللّام على الأمر «2». قال أبو علي: تقدير اللام الجارّة في هذا الموضع فيه بعد، لأنّه ليس

_ (1) السبعة ص 454. (2) السبعة ص 454 وما بين معقوفين زيادة منه وزاد: أنّه عباس بن الفضل

النور: 31

المراد من أجل الضرب، فإذا لم يسغ هذا وجب أن تكون اللّام للأمر، كما أنّ ما بعده وما قبله كذلك، وذلك: قل للمؤمنين يغضوا ... وقل للمؤمنات يغضضن ... وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن [النور/ 30/ 31]. فهذا كلّه على الأمر والنهي. والمراد: مرهم بهذه الأشياء، فإن كسر أبو عمرو اللّام في (وليضربن) فإنّما كسرها لأنّ أصل هذه اللام الكسر في نحو: ليذهب زيد. كما أنّ أصل الهاء من: هي وهو: الكسر والضمّ، وإنّما تسكن مع لام الأمر وحروف العطف على التشبيه بعضد وكتف، ونحو ذلك. [النور: 31] اختلفوا في خفض الراء ونصبها من قوله عزّ وجلّ: غير أولى الإربة [النور/ 31]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر (غير أولي الإربة) نصبا. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: غير أولي خفضا «1». قال أبو علي: (غير) فيمن جر صفة للتابعين، المعنى: لا يبدين زينتهن إلا للتابعين الذين لا إربة لهم في النساء، والإربة: الحاجة، لأنّهم في أنّهم لا إربة لهم كالأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، أي: لم يقووا عليها. ومنه قوله: فأصبحوا ظاهرين [الصف/ 14] وجاز وصف التابعين بغير لأنّهم غير مقصودين بأعيانهم، فأجرى لذلك مجرى النكرة، كما أنّ قولك: مررت برجل أبي عشرة أبوه، جاز أن تعمله عمل الفعل لمّا لم تكن العشرة عشرة بأعيانهم. وقد قيل: إنّ التابعين جاز أن يوصفوا بغير في نحو هذا لقصر الوصف

_ (1) السبعة ص 455

النور: 31

على شيء بعينه، فإذا قصر على شيء بعينه زال الشياع عنه واختصّ. والتابعون ضربان: ذو إربة وغير ذي إربة، وليس ثالث، وإذا كان كذلك جاز لاختصاصه أن يجري وصفا على المعرفة، وعلى هذا: أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وكذلك: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر [النساء/ 95] لأنّ المسلمين وغيرهم لا يخلون من أن يكونوا أصحّاء أو زمنى، فإذا وصفوا بأحد القسمين زال الشياع فساغ الوصف به لذلك. ومن نصب (غير) احتمل ضربين: أحدهما: أن تكون استثناء التقدير: لا يبدين زينتهنّ للتابعين إلّا ذا الإربة منهم، فإنّهنّ لا يبدين زينتهنّ لمن كان منهم ذا إربة. والآخر: أن يكون حالا، المعنى: الذين يتبعونهنّ عاجزين عنهنّ وذو الحال: ما في التابعين من الذكر. [النور: 31] كلّهم قرأ: أيها المؤمنون [النور/ 31] ويا أيها الساحر [الزخرف/ 49] وأيها الثقلان [الرحمن/ 31] بفتح الهاء غير ابن عامر، فإنّه قرأ: (أيّة) بضم الهاء في الثلاثة الأحرف. وكلّهم يقف (أيّة) بالهاء في الثلاثة، إلا أبا عمرو والكسائي فإنّهما وقفا: (أيّها) بالألف على الثلاثة الأحرف. قال أحمد: ولا ينبغي أن يتعمّد الوقف عليها لأنّ الألف سقطت في الوصل لسكونها وسكون اللام. أخبرني محمد بن يحيى الوراق قال: حدثني محمد بن سعدان عن الكسائي أنه كان يقف: (أيّها) بالألف «1».

_ (1) السبعة ص 454 وهنالك اختلاف يسير

قال أبو علي: الوقف على (أيّها) من قوله: يا أيها الساحر ونحوه بالألف، لأنّها إنّما كانت سقطت لسكونها وسكون لام المعرفة، كما قال أحمد، فإذا وقفت عليه زال التقاء الساكنين، فظهرت الألف، كما أنّك لو وقفت على: محلي من قوله: غير محلي الصيد [المائدة/ 1] لرجعت الياء المحذوفة لسكونها، وسكون اللام، وإذا كان حذف الألف من ها التي للتنبيه من يا أيها تحذف لهذا، فلا وجه لحذفها للوقف. ألا ترى أنّ من حذف الياء من الفواصل، والقوافي نحو: والليل إذا يسر [الفجر/ 4] وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفر «1» لم يحذف الألف من قوله: والليل إذا يغشى [الليل/ 1] ولا من نحو قوله: داينت أروى والديون تقتضى «2» وقد حذف الألف من بعض القوافي للضرورة والحاجة إلى إقامة القافية، فإن جعلت الحذف من (ها) من يأيّها على هذا الوجه لم يسغ، لأنّه لا حاجة هنا ولا ضرورة، ومما يضعّف ذلك أنّ الألف في حرف، والحروف لا يحذف منها إلّا أن تكون مضاعفة، فأمّا ضمّ ابن عامر الهاء من (يا أيّه الساحر) فلا يتّجه، لأنّ آخر الاسم هو الياء الثانية من أي، فينبغي أن يكون المضموم آخر

_ (1) البيت لزهير وقد سبق في 1/ 405، 2/ 83. (2) شطر بيت لرؤبة بعده: فما طلت بعضا وأدت بعضا انظر اللسان/ دين/ وانظر الديوان/ 79 وفيه مطلت بدل فما طلت.

الاسم، ولو جاز أن يضمّ هذا من حيث كان مقترنا بالكلمة لجاز أن يضم الميم من (اللهمّ)، لأنّه آخر الكلمة. ووجه الإشكال في ذلك، والشبهة، أنّه وجد هذا الحرف قد صار في بعض المواضع التي يدخل فيها بمنزلة، ما هو من نفس الكلمة، نحو: مررت بهذا الرجل، وغلام هذه المرأة، وليست يا وغيرها من الحروف التي ينبّه بها كذلك، فلمّا وجدها في أوائل المبهمة كذلك وفي الفعل في قول أهل الحجاز: هلمّ، جعله في الآخر أيضا بمنزلة شيء من نفس الكلمة، كما كان في الأوّل كذلك، واستجاز حذف الألف اللاحق للحرف لمّا رآه قد حذف في قولهم هلمّ، فأجرى عليه الإعراب لمّا كان كالشيء الذي من نفس الكلمة. فإن قلت: فإنّه قد حرك الياء التي قبلها بالضمّ في: يا أيّه الرجل، فإنّه يجوز أن يقول: إنّ ذلك في هذا الموضع كحركات الإتباع نحو امرؤ وامرئ، ونحو ذلك، فهذا لعله وجه شبهته، وينبغي أن لا يقرأ بذلك ولا يؤخذ به. وممّا يقوّي الشّبهة أنّ (ها) هذه قد لحقت في الآخر كما لحق في الأوّل، ألا ترى أنّهم قد قالوا فيما أنشده أبو زيد: «1»: تبك الحوض علّاها ونهلى ... ودون ذيادها عطن منيم إن ها للتنبيه، لأنّ على ونهلى: حالان، فلمّا كانت إذا لحقت أولا بمنزلة شيء من نفس الكلمة، كذلك قدّرها إذا لحقت آخرا.

_ (1) البيت لفامان بن كعب بن عمرو بن سعد، وهو جاهلي، ثالث أبيات أربعة، ويقال له/ عامان/ بالعين المهملة (النوادر/ 175) [ط: الفاتح]

النور: 35

[النور: 35] قال أحمد وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي (كمشكاة) [النور/ 35] بكسر الكاف الثانية، لم يروها غيره «1». الإمالة في قوله: (كمشكاة) غير ممتنعة، لأنّ الألف فيها لا تخلو من أن تكون منقلبة عن الياء، أو عن الواو، وعن أيّهما كان الانقلاب لم تمتنع إمالة الألف، لأنّها إذا ثنّيت انقلبت ياء، قال: «2». كأنّما حوأبها لمن رقب ... بمذعيين نقبة من الجرب فمذعا مثل مشكا وقوله: فيها مصباح [النور/ 35] صفة للمشكاة، لأنّها جملة فيها ذكر يعود إلى الموصوف، والمصباح يرتفع بالظرف، وكذلك قالوا في قوله: في بيوت أذن الله أن ترفع [النور/ 36] إنّ قوله: في بيوت تقديره: كمشكاة فيها مصباح في بيوت أذن الله، ففي قوله: في بيوت ضمير مرفوع يعود إلى الموصوف، لأنّ الظرف في الصفة مثله في الصّلة، وقوله: أذن الله أن ترفع صفة للبيوت، والعائد منه إلى البيوت الذكر الذي في قوله: ترفع ومعنى ترفع: تبنى كقوله: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت [البقرة/ 127]. ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم دري [النور/ 35] بضم الدال وكسر الراء مشددة الياء من غير همز، أبو

_ (1) السبعة ص 455. (2) أنشده المازني وذكره معجم التهذيب 3/ 150 برواية (أوسطها) بدل (حوأبها) والمذعيان: اسم مكان. والباء في موضع «مع». رقب: نظر، والرقيب الناظر. يقول: هذه الأرض قد أخذ حطبها وأكل فتقوّبت، وما حولها عاف لم يؤكل، فكأنها نقبة جرب في جلد صحيح.

عمرو والكسائي: (درّيء) مهموز بكسر الدال- أبو بكر عن عاصم: (درّيء) مهموز بضم الدال وكذلك حمزة «1». قال أبو علي: من قرأ (درّيء) احتمل قوله أمرين أحدهما: أن يكون نسبه إلى الدّرّ، وذلك لفرط ضيائه ونوره، كما أنّ الدّرّ كذلك، ويجوز أن يكون فعيلا من الدّرء، فخفّف الهمزة، فانقلبت ياء كما تنقلب من النسيء والنبيء، ونحوه إذا خفّفت ياء. ومن قرأ: (درّيء) كان فعيلا من الدّرء مثل السكير والفسّيق والمعنى: أنّ الخفاء يدفع عنه لتلألئه في ظهوره، فلم يخف كما خفي نحو السّها، وما لم يضيء من الكواكب. قال أبو عثمان عن الأصمعى عن أبي عمرو قال: مذ خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيا يقول إلّا (كأنّه كوكب دريء) بكسر الدال، قال الأصمعي: فقلت: أفيهمزون؟ قال: إذا كسروا فحسبك، قال: أخذوه من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت، وهذا فعيل منه، ومن قرأ: (درّيء) كان فعيّلا من الدّرء الذي هو الدفع، وإن خففت الهمزة من هذا قلت: دري وقد حكى سيبويه عن أبي الخطاب: كوكب دريّ في الصفات، ومن الأسماء المرّيق: العصفر ومما يمكن أن يكون من هذا البناء قولهم: العلية، ألا تراه من علا، فهو فعيل منه، ومنه السرّيّة الأولى أن تكون فعيلة، وذلك أنّها لا تخلو من أن تكون من السرّ أو السّراة أو السرو أو السرور، فالأشبه أن تكون فعيلة من السرّ، ولأنّ صاحبها إذا أراد استيلادها لم يمتهنها، ولم يبتذلها لما يبتذل له من لا

_ (1) في السبعة ص 455 - 456 اختلاف في الترتيب ولكن المؤدى واحد، أجمل العبارة وفي السبعة فصلها

النور: 35

يراد للاستيلاد، ولا يكون فعيلة من السّراة، لأنّ السراة: الظّهر، وهي لا تؤتي من ذلك المأتى، ومن رأى ذلك جاز عنده أن تكون عنده فعيلة من السّراة، ولا تكون فعيلة من السّرّ، لأنّ السّرّ لا يتّجه فيها، إلّا أن يريد: أنّ المولى قد يسرّها عمن حدّثه، ويجوز إن أخذتها من السرور، لأنّ صاحبها يسرّ بها من حيث كانت نفسا عن الحرّة أمران: أحدهما أن تكون فعيلة من السّرور، والآخر أن تكون فعيلة من السّرّ، فأبدل من لام فعيلة للتضعيف حرف اللّين، وأدغم ياء فعيلة فيها فصار سرّيّة. [النور: 35] ابن كثير وأبو عمرو بالتاء مفتوحة ونصب الدال من (توقد) [النور/ 35]، نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: يوقد مضمومة الياء مفتوحة القاف مضمومة الدال، حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم (توقد) بضم التاء والدال. وروى أبان عن عاصم يوقد مثل نافع. القطعي عند عبيد عن هارون عن أبي عمرو عن عاصم بن بهدلة، وأهل الكوفة (توقّد) برفع الدال، مشدّدة، مفتوحة الواو «1». قال أبو علي: ومعنى توقد من شجرة، أي: من زيت شجرة، فحذف المضاف، يدلّك على ذلك: يكاد زيتها يضيء [النور/ 35] قول ابن كثير وأبي عمرو (توقّد) على أن فاعل توقد: المصباح، وهو البيّن، لأنّ المصباح هو الذي يتوقد قال: «2». سموت إليها والنّجوم كأنّها ... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال

_ (1) انظر السبعة ص 455 - 456 فإنّه جمع في كلامه عن الحرفين (كوكب دري) و (يوقد) معا. (2) البيت لامرئ القيس. والمعنى نظرت الى هذه النار تشب لقفال ليلا والنجوم كأنها مصابيح رهبان. ورواية الديوان نظرت إليها، انظر ديوانه/ 31

النور: 36

ومن قال: (يوقد) كان كمن قرأ: (توقّد) في أنّه جعل فاعل الفعل المصباح، كما جعل فاعله المصباح في (توقّد). ومن قرأ (توقد) كان فاعله الزجاجة، والمعنى على مصباح الزجاجة، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فقال: (توقد) فحمل الكلام على لفظ الزجاجة، أو يريد بالزجاجة القنديل، فيقول: (توقد) على لفظ الزجاجة، وإن كان يريد القنديل، ومن قال: (توقّد) برفع الدّال وتشديد القاف وفتحها، فإنّه يحمل الكلام على الزجاجة، والمعنى: تتوقد وحذف التاء الثانية. حدثنا الكندي قال: حدّثنا المؤمل قال: حدثنا إسماعيل عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن قوله: الله نور السموات والأرض [النور/ 35] إلى قوله: نور على نور [النور/ 35] قال: مثل هذا القرآن في القلب كمشكاة: ككوّة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري. [النور: 36] اختلفوا في فتح الباء وكسرها من قوله تعالى: يسبح له فيها [النور/ 36] فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (يسبّح) بفتح الباء، وقرأ الباقون: يسبح بكسر الباء، وكذلك حفص عن عاصم أيضا «1». حدثني أحمد بن أبي خيثمة وإدريس بن عبد الكريم جميعا عن خلف عن الضحاك بن ميمون عن عاصم يسبح بكسر الباء، وروى بكار عن أبان عن عاصم يسبح بكسر الباء أيضا «2».

_ (1) انظر السبعة ص 456. (2) السبعة ص 456.

النور: 45

قال أبو علي: من قال: (يسبّح له فيها) ففتح الباء فعلى أنّه أقام الجارّ والمجرور مقام الفاعل، ثم فسّر: من يسبح؟ فقال: (رجال) أي يسبّح له فيها رجال، فرفع رجالا بهذا المضمر الذي دلّ عليه قوله: يسبح، لأنّه إذا قال (يسبّح) دلّ على فاعل التسبيح، ومثل هذا قول الشاعر «1»: لبيك يزيد ضارع لخصومة لمّا قال: لبيك يزيد، دلّ على فاعل البكاء، فكأنّه قيل: من يبكيه؟ فقيل: ضارع لخصومة، والوجه يسبّح، كما قرأه الجمهور، فيكون فاعل يسبّح رجال الموصوفون بقوله: لا تلهيهم تجارة [النور/ 37]. [النور: 45] حمزة والكسائي: (والله خالق كل دابة) [النور/ 45] بألف، وقرأ الباقون: خلق كل دابة بغير ألف «2». حجّة من قال: (خالق) قوله: الله خالق كل شيء [الزمر/ 62] وقوله: لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه [الأنعام/ 102]، ومن قال: خلق فلأنّه فعل ذلك فيما مضى، وحجّته قوله: ألم تر أن الله خلق السموات والأرض [إبراهيم/ 19] وقوله: خلق كل شيء فقدره تقديرا [الفرقان/ 2].

_ (1) صدر بيت للحارث بن نهيك وعجزه: ومختبط ممّا تطيح الطوائح انظر الكتاب لسيبويه 1/ 145 والخصائص 2/ 353 والبيت من شواهد المغني انظر شرح أبياته للبغدادي 7/ 295 وقد جاء تخريجه هناك مستوفى. (2) السبعة ص 457

النور: 52

قال: (وليبدلنهم) [النور/ 55] كتب في سورة الكهف. حفص عن عاصم (ولنبدّلنهم) مشددة وكذلك في سأل سائل مشددة وتخفّف في التحريم ونون والكهف. وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: وليبدلنهم مشددة، وخفّفوا التي في الكهف والتحريم، ونون، وقد ذكر في سورة الكهف. ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر في النور مخفّفة، وليبدلنهم وكذا كلّ شيء في القرآن خفيف «1». [قال أبو علي] «2» قد مرّ القول فيه فيما تقدّم في سورة الكهف. [النور: 52] ابن كثير وحمزة والكسائي ونافع في رواية ورش وابن سعدان عن إسحاق [المسيبي] عن نافع: (ويخشى الله ويتقهي) [النور/ 52] موصولة بياء. وقال قالون عن نافع: ويتقه فأولئك بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء. وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (ويتّقه) جزما. حفص عن عاصم: ويتقه فأولئك ساكنة القاف مكسورة الهاء بغير ياء مختلسة الكسرة. [وروى] أبو عمارة عن حفص عن عاصم: (ويتّقه فأولئك) مكسورة القاف ساكنة الهاء، وكذلك روى أبو عمارة عن حمزة «3». قال أبو علي: قول من قال: (ويتّقهي) موصولة بياء، هو الوجه، لأنّ الهاء ما قبلها، [متحرك وحكمها إذا تحرك ما قبلها أن تتبعها الياء في الوصل] «4». وما رواه قالون عن نافع: (ويتّقه فأولئك) لا يبلغ

_ (1) السبعة ص 458 وهنا لك اختلاف يسير لا يتناول جوهر الكلام. (2) سقطت من ط (3) السبعة ص 458 وما بين معقوفين زيادة منه. (4) كذا في ط وسقطت من م.

فيها الياء، وجهه: أن الحركة ليست تلزم ما قبل الهاء، ألا ترى أن الفعل إذا رفع دخلته الياء، وإذا دخلت الياء اختير حذف الياء بعد الهاء في الوصل مثل: (عليه) فلمّا كان الحرف المحذوف لا يلزم حذفه صار كأنّه في اللّفظ، كما أنّ الحرف لمّا لم يلزم حذفه في قوله «1»: وكحل العينين بالعواور صار كأنّه في اللّفظ، فلم يهمز الواو، فكذلك لم يثبت في الآية الياء بعد الهاء. وقول أبي عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (ويتّقه) جزما، فإن قول من تقدم أبين من هذا. ووجهه أنّ ما يتبع هذه الهاء من الواو والياء زائدة «2» فردّ إلى الأصل، وحذف ما يلحقه من الزيادة، ويقوّي ذلك أن سيبويه يحكي أنّه سمع من يقول: هذه أمة الله، في الوصل والوقف، وهذه الهاء التي في هذه قد أجروها مجرى هاء الضمير، فكما استجازوا الحذف في هذه فكذلك يجوز الحذف في «3» هذه الهاء التي للضمير. وزعم أبو الحسن: أن «4»: له أرقان ونحوه لغة يجرونها في الوصل مجراها في الوقف، فيحذفون منها كما حذفوا في الوقف، وحملها سيبويه على الضرورة، وعلى أنّه

_ (1) من أرجوزة لجندل بن المثنى الطهوي سبق ذكره في 4/ 338 (2) في ط: زيادة بدل من زائدة. (3) في ط: من. (4) نهاية بيت ليعلى الأحول تمامه: فظلت لدى البيت العتيق أخيله ... ومطواي مشتاقان له أرقان سبق انظر 1/ 134 - 203 و 205 و 2/ 278 - 334.

النور: 40

أجرى الوصل مجرى الوقف. وأمّا ما رواه حفص عن عاصم: (ويتّقه) فإنّ وجهه أن (تقه) من (يتّقه) مثل: كتف، فكما يسكّن نحو: كتف، كذلك سكن القاف من (تقه) وعلى هذا قول الشاعر «1»: لم يلده أبوان ومثله «2»: فبات منتصبا وما تكردسا فلمّا أسكن ما قبل الهاء لهذا التشبيه، حرّك الهاء بالكسر، كما حرّك الدّال بالفتح في: «لم يلده». [النور: 40] قال: قرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل: سحاب [النور/ 40] منونة (ظلمات) مكسورة التاء ينونهما جميعا. وقال ابن أبي بزّة: (سحاب ظلمات) مضافا. وقرأ الباقون: سحاب ظلمات رفع جميعا منون «3». قوله: أو كظلمات في بحر لجي [النور/ 40] معناه أو كذي ظلمات، ويدلّ على حذف المضاف قوله: إذا أخرج يده لم يكد

_ (1) لرجل من السراة وتمامه: ألا رب مولود وليس له أب* وذي ولد يلده أبوان سبق البيت في 1/ 66 والبيت من شواهد المغني، وانظر شرحه في 3/ 173 للبغدادي (2) للعجاج- سبق انظر 1/ 408 و 2/ 79 و 277 و 409 (3) السبعة ص 457

النور: 43

يراها [النور/ 40]، فالضمير الذي أضيف إليه (يده) يعود إلى المضاف المحذوف، ومعنى ذي ظلمات، أنّه في ظلمات. ومثل حذف المضاف هنا حذفه في قوله: أو كصيب من السماء [البقرة/ 19] فتقديره «1» أو كذوي صيّب من السماء، أو أصحاب صيّب، فحذف المضاف، كما حذف من «2» قوله: أو كظلمات، ومعنى: ظلمات بعضها فوق بعض: ظلمة البحر وظلمة الموج، وظلمة الموج الذي فوق الموج، وقوله تعالى «3»: فنادى في الظلمات [الأنبياء/ 87] ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، ويجوز أن يكون الالتقام كان في ليل فهذه ظلمات. وقوله: خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث [الزمر/ 6]، فإنّه يجوز أن يكون ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة. فمن قرأ: سحاب ظلمات بعضها فوق بعض [النور/ 40] فرفع الظلمات، كان خبرا لمبتدإ محذوف تقديره: هذه ظلمات بعضها فوق بعض، ومن قال: (سحاب ظلمات) «4» جاز أن يجعله تكريرا وبدلا من الظلمات الأولى، ومن قال: (سحاب ظلمات) بإضافة السحاب إلى الظلمات، فالظلمات: هي الظلمات التي تقدّم ذكرها، وأضاف السحاب إلى الظلمات، لاستقلال السحاب وارتفاعه في وقت كون هذه الظلمات، كما تقول: سحاب رحمة، وسحاب مطر، إذا ارتفع في الوقت الذي تكون فيه الرّحمة والمطر. [النور: 43] قال: ورش عن نافع: لا يهمز يولف [النور/ 43]. [و] قالون

_ (1) كذا في ط وفي م: تقديره. (2) في ط: في. (3) سقطت من ط. (4) في ط: سحاب ظلمات بعضها فوق بعض.

النور: 31

يهمز، وكذلك الباقون «1». إذا كان من: ألّفت بين الشيئين، إذا جمعت، فالأصل في الكلمة الهمز، فتقول: يؤلف، إذا حقّقت، وإذا «2» خفّفت، أبدلت منها الواو كما أبدلتها في «3» قولهم: التّؤدة حين قلت: التّودة. وفي «3»: جؤن حيث «5» قلت: جون. فالتّحقيق والتّخفيف حسنان، ولا يختلف النحويون في قلب هذه الهمزة واوا إذا خففت. [النور: 31] اختلفوا في فتح اللام وكسرها من قوله تعالى «6»: كما استخلف الذين [النور/ 55]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (كما استخلف) بضم التاء وكسر اللام، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: استخلف بفتح التاء واللام «7». [قال أبو علي] «8»: الوجه كما استخلف، ألا ترى أنّ اسم الله تعالى قد تقدّم ذكره، وأنّ الضمير في ليستخلفنهم في الأرض [النور/ 55] يعود إلى الاسم؟ فكذلك «9» في قوله تعالى «10»: كما استخلف، ألا ترى أنّ المعنى: ليستخلفنّهم استخلافا كاستخلافه الذين من قبله؟

_ (1) السبعة ص 457. (2) في ط: فإذا. (3) في ط: من. (5) في ط: حين. (6) سقطت من ط. (7) السبعة ص 458. (8) سقطت من ط. (9) في ط: وكذلك. (10) سقطت من ط.

النور: 32

ووجه (استخلف) أنّه يراد به ما أريد باستخلف. قال: وقرأ حمزة وحفص وابن عامر «1»: (لا يحسبن) [النور/ 57] بالياء وفتح السين. وقرأ «2» الباقون لا تحسبن بالتاء، وفتح عاصم وابن عامر وحمزة السين وكسرها الباقون «3». قال أبو علي «4»: من قال: (يحسبنّ) بالياء جاز أن يكون فاعل الحسبان أحد شيئين: إمّا أن يكون قد تضمّن ضميرا للنّبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم، كأنّه «5»: لا يحسبنّ النبي [صلّى الله عليه وسلّم] «6» الذين كفروا معجزين، فالذين في موضع نصب بأنّه المفعول الثاني، ويجوز أن يكون فاعل الحسبان: الذين كفروا، ويكون المفعول الأوّل محذوفا تقديره: لا يحسبنّ الذين كفروا أنفسهم سبقوا، ومن قرأ: لا تحسبن ففاعل الفعل المخاطب ومفعولاه ما بعد يحسبن، وحسب يحسب وحسب يحسب لغتان. [النور: 32] اختلفوا في ضمّ التاء وفتحها من قوله تعالى «7»: ثلاث عورات [النّور/ 58]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: ثلاث عورات نصبا. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: ثلاث عورات رفعا «8».

_ (1) في ط: وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص وابن عامر. (2) في ط: وقال. (3) سقط هذا الحرف من السبعة وتناول الآية (58) مباشرة. (4) سقطت من ط. (5) في ط: كأنه قال. (6) سقطت من ط. (7) سقطت من ط. (8) السبعة ص 459

[قال أبو علي] «1»: من رفع فقال: ثلاث عورات كان خبر ابتداء محذوف لما قال: الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات [النور/ 58] وفصل الثلاث بقوله: من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء [النور/ 58]، فصار كأنّه قال: هذه ثلاث عورات، فأجمل بعد التفصيل. ومن قال: (ثلاث عورات) جعله بدلا من قوله (ثلاث مرات). فإن قلت: إنّ قوله: (ثلاث مرّات) زمان بدلالة أنّه فسر بزمان وقوله: من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ... ومن بعد صلاة العشاء وليس العورات بزمان فكيف يصح البدل منه، وليس هي هي. قيل: يكون ذلك على أن يضمر الأوقات، كأنّه قال «2»: أوقات ثلاث عورات، فلمّا حذف المضاف إليه بإعراب المضاف فعلى هذا يوجّه. قال: ولم يختلف في إسكان الواو من عورات «3». [قال أبو علي] «4» واحد العورات: عورة، وحكم ما كان على فعلة من الأسماء أن تحرّك العين منه في فعلات نحو: صحيفة وصحفات، وجفنة، وجفنات، إلّا أنّ التحريك فيما كان العين منه ياء، أو واوا كرهه عامة العرب، لأنّ العين بالتحريك، تصير على صورة ما يلزمه الانقلاب من كونه متحركا بين متحركين، فكرهوا ذلك وعدلوا عنه إلى الإسكان، فقالوا «5»: عورات، وجوزات وبيضات، ومثل هذا في اطراد التحريك

_ (1) سقطت من ط. (2) كذا في ط وسقطت من م. (3) السبعة ص 459. (4) سقطت من ط. (5) في ط: وقالوا.

في الصحيح وكراهيته في المعتل قولهم في حنيفة: حنفي، وفي جديلة وربيعة: جدلي وربعي، فإذا أضافوا إلى مثل طويلة وحويزة، قالوا: طويلي، وحويزي، كراهة طولي وحوزي لأنّه يصير على ما يجب فيه القلب، وكذلك قالوا في شديدة شديدي، ورفضوا شددي الذي آثروا نحوه في ربعي كراهة التقاء التضعيف.

سورة الفرقان

بسم الله «1» ذكر اختلافهم في سورة الفرقان [الفرقان: 8] اختلفوا في الياء والنون من قوله تعالى: جنة يأكل منها [الفرقان/ 8]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: يأكل منها بالياء. وقرأ حمزة والكسائي: (نأكل منها) بالنون «2». قال أبو علي: له جنة يأكل منها يعني «3» النبيّ صلّى الله عليه وسلم «4»، كأنّهم أنكروا أن يكون رسول الله لما رأوه بشرا مثلهم يأكل كما يأكلون فقالوا: لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا [الفرقان/ 7]، فيبين منّا باقتران الملك به، وكونه معه نذيرا من جملتنا، فكذلك اقترحوا عليه إلقاء كنز إليه، أو كون جنّة يختصّ بما يأكل منها، حتى يتبين في مأكله أيضا منهم كما يبين باقتران الملك به وإلقاء الكنز إليه، وعلى هذا قالوا: ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون [المؤمنون/ 34]،

_ (1) سقطت من ط. (2) السبعة ص 462. (3) في ط: يعني به. (4) سقطت من ط.

الفرقان: 10

فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه [القمر/ 24]، وقد قال في ذلك سواهم من الكفار فقالوا فيما حكى الله تعالى «1» عنهم: أبشر يهدوننا [التغابن/ 6] فأنكروا أن يكون لمن ساواهم في البشرية حال ليست لهم، وقد احتجّ الله سبحانه «2» عليهم في ذلك، بقوله تعالى: ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون [الأنعام/ 9]، وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [الأنبياء/ 7]. ومن قال: نأكل فكأنّه أراد أنّه يكون له بذلك مزيّة علينا في الفضل بأكلنا من جنّته. [الفرقان: 10] اختلفوا في رفع اللام وجزمها من قوله تعالى «3»: ويجعل لك قصورا [الفرقان/ 10]. فقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية يحيى عن أبي بكر: ويجعل لك برفع اللّام. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: (ويجعل لك قصورا) بجزم اللّام «4». قال أبو علي: من جزم (ويجعل) عطفه على موضع جعل [لأنّ موضع جعل] «5» جزم بأنّه جزاء الشرط، فإذا جزم (يجعل) حمله على ذلك، وإذا كانوا قد جزموا ما لم يله فعل لأنّه في موضع جزم، كقراءة من قرأ: (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم) [الأعراف/ 186]، وكقول

_ (1) في ط عز وجل. (2) سقطت من ط. (3) في ط: جلّ وعزّ. (4) السبعة ص 462 (5) كذا في ط وسقطت من م.

الفرقان: 17

الشاعر «1»: أنّى سلكت فإنّنى لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد وكلّ ذلك ليس بأفعال، وإنما هو في موضع الأفعال، فالفعل أولى أن يحمل عليه من حيث كان الفعل بالفعل أشبه منه بغير الفعل، وحكم المعطوف أن يكون مناسبا للمعطوف عليه «2»، ومشابها له. ومن رفع فقال: ويجعل لك قطعه ممّا قبله واستأنف، والجزاء في هذا النحو موضع استئناف، ألا ترى أنّ الجمل التي من الابتداء والخبر تقع فيه. كقوله تعالى: من يضلل الله فلا هادى له [الأعراف/ 76]. وقوله تعالى: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم [البقرة/ 271]. [الفرقان: 17] وي قوله تعالى: ويوم يحشرهم وما يعبدون فيقول [الفرقان/ 17]، فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص: ويوم يحشرهم وما يعبدون فيقول بالياء جميعا. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: (ويوم نحشرهم) بالنون، فيقول بالياء. قال أبو بكر: ليس عندي عن أبي بكر عن عاصم في قوله «3» فيقول شيء، وقال بعض أصحابه: روى الأعشى عن أبي بكر: فيقول بالياء وروى عباس، وعبيد بن عقيل عن هارون عن أبي عمرو [وعبيد عن أبى عمرو] «4». وأبو زيد والخفاف عن أبي

_ (1) سبق البيت في 2/ 401 (2) سقطت من ط (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) سقطت من ط.

الفرقان: 13

عمرو ويوم يحشرهم فيقول مثل ابن كثير بالياء، وقرأ ابن عامر: (ويوم نحشرهم) فيقول بالنون جميعا «1». قال أبو علي: حجّة من قرأ بالياء: قوله تعالى: كان على ربك وعدا [الفرقان/ 16] ويوم يحشرهم ... فيقول [الفرقان/ 17]، ويقوي ذلك قوله: عبادي «2». ومن قرأ: (ويوم نحشرهم) فيقول فإنّه على أنّه أفرد بعد أن جمع، كما أفرد بعد الجمع في قوله تعالى «3»: وآتينا موسى الكتاب ... أن لا تتخذوا من دوني [الإسراء/ 2] وقراءة ابن عامر: (ويوم نحشرهم فنقول) حسن لإجرائه المعطوف مجرى المعطوف عليه في لفظ الجمع، وقد قال: (ويوم نحشرهم جميعا، ثم نقول للملائكة) [سبأ/ 40]، ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا [الأنعام/ 22]، وحشرناهم فلم نغادر [الكهف/ 47]. [الفرقان: 13] عبيد عن أبي عمرو: (مكانا ضيقا) [الفرقان/ 13] خفيف مثل ابن كثير، والباقون يشددون الياء من ضيقا غير ابن كثير «4». [قال أبو علي] «5»: ضيقا تقديره فيعل، وليس بمصدر، لأنّه قد جرى وصفا على المكان، ومن خفّف فكتخفيف اللّين والهين، والتخفيف في هذا النحو كثير، وما «6» كان من هذا النحو من الواو نحو: سيّد وميّت

_ (1) السبعة ص 463 وليس فيه روى الأعشى ... (2) من الآية نفسها رقم (17) (3) سقطت من ط. (4) السبعة ص 462 (5) سقطت من ط. (6) في (ط): ومن.

الفرقان: 19

فالحذف فيه في القياس أشيع «1»، لأنّ العين تعلّ فيه بالحذف، كما أعلّ بالقلب إلى الياء، والحذف في الياء أيضا كثير، لأنّ الياء قد «2» تجري مجرى الواو في نحو: اتّسر، جعلوه بمنزلة اتّعد. [الفرقان: 19] قال: قرأ عاصم في رواية حفص: فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون [الفرقان/ 19] بالتاء جميعا. [ابن سعدان عن محمد بن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (يقولون) بالياء] «3». الباقون وأبو بكر عن عاصم: فقد كذبوكم بما تقولون بالتاء، (فما يستطيعون) بالياء. وقال لي قنبل عن ابن أبي بزة عن ابن كثير بالياء جميعا، (يقولون، فما يستطيعون) «4». [قال أبو علي] «5»: فقد كذبوكم بما تقولون [الفرقان/ 19] أي: كذبوكم بقولهم، وقولهم هو نحو ما قالوه من قولهم: وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون [يونس/ 28]، وقوله: فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون [النحل/ 86]، وكذلك الملائكة كذبوهم في قولهم في ما ادّعوا من عبادتهم لهم في قوله: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن [سبأ/ 40/ 41]. ففي قولهم: أنت ولينا من دونهم دلالة على

_ (1) في ط: أسوغ. (2) سقطت من ط. (3) ما بين معقوفين ليس في السبعة. (4) انظر السبعة ص 463. (5) سقطت من ط.

الفرقان: 25

أنّهم لم يعبدوهم، لأنّهم لو عبدوهم ورضوا بذلك لم يكن الله وليّا لهم. وقوله: فاليوم لا يملك بعضهم لبعض نفعا ولا ضرا [سبأ/ 42] مثل قوله: (فما يستطيعون صرفا ولا نصرا) [الفرقان/ 19] أي: لا يملكون أن يدفعوا العذاب عنهم وينصروهم من بأس الله. فالمعنى في من قرأ بالتاء: فقد كذّبوكم بما كنتم تعبدون بقولهم: فما تستطيعون أنتم أيها المتّخذون الشّركاء من دونه صرفا ولا نصرا، أي: لا تستطيعون صرفا لعذاب الله «1» ولا نصرا منه لأنفسكم، ومن قرأ: (يستطيعون) كان على الشّركاء، أي: فما يستطيع الشّركاء صرفا ولا نصرا لكم، وليس بالحسن أن تجعل (يستطيعون) للمتّخذين الشركاء على الانصراف من الخطاب إلى الغيبة، لأنّ قبله خطابا، وبعده خطابا، وذلك قوله تعالى «2»: ومن يظلم منكم نذقه [الفرقان/ 19]. ومن قرأ بالتاء تقولون: فالمعنى: كذّبوكم في قولكم: إنّهم شركاء وإنّهم آلهة وذلك في قولهم «3»، تبرأنا إليك، ما كانوا إيانا يعبدون [القصص/ 63]. [الفرقان: 25] وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (ويوم تشقق) [الفرقان/ 25] مشددة الشين، وقرأ الباقون خفيفة الشين «4».

_ (1) كذا في ط وسقطت من م. (2) سقطت من ط. (3) في ط: قوله. (4) السبعة ص 464

الفرقان: 25

قال أبو على: المعنى: تشقق السماء وعليها غمام، وقال: إذا السماء انشقت [الانشقاق/ 1]، فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان [الرحمن/ 37]، وجاء في التفسير فيما زعموا أنه تتشقق سماء سماء، ومعنى: ونزّل الملائكة إلى الأرض كما قال: وجاء ربك والملك صفا صفا [الفجر/ 22]. ويجوز في تشقق أمران: أحدهما أن يراد به الآتى، والآخر أن يكون حكاية حال تكون، كما أنّ قوله: ربما يود الذين كفروا [الحجر/ 2] كذلك، وكما أن قوله: وكلبهم باسط ذراعيه [الكهف/ 18]، في أنّه حكاية حال قد مضت، فكذلك قوله تعالى «1»: هذا من شيعته وهذا من عدوه [القصص/ 15]، وتقدير تشّقّق: تتشقق، فأدغم التاء في الشين، لأنّ الصوت بالشين يلحق بمخارج هذه الحروف التي من طرف اللسان وأصول الثنايا، فأدغمن فيها كما أدغمن في الضاد لما كانت كذلك، وكما يدغم بعضهن في بعض. ومن قال: تشقق بتخفيف الشين حذف التاء التي أدغمها من قال: تشّقّق. قال أبو الحسن: الخفيفة أكثر في الكلام نحو: تذكّر أمة الله، لأنّهم أرادوا الخفّة، فكان الحذف أخفّ عليهم من الإدغام. [الفرقان: 25] قال: قرأ ابن كثير وحده: (وننزل الملائكة) [الفرقان/ 25] نصبا تنزيلا منونا منصوبا وقرأ الباقون: ونزل الملائكة بنون لم يسمّ فاعله الملائكة رفعا «2». قال أبو علي: التنزيل: مصدر نزّل، فكما أنّ في بعض الحروف: (ونزل الملائكة تنزيلا)، لأنّ أنزل مثل نزّل، كذلك قال

_ (1) سقطت من ط. (2) السبعة ص 464

الفرقان: 27

ابن كثير: (وننزل الملائكة تنزيلا) وفي التنزيل: وتبتل إليه تبتيلا [المزمل/ 8]، فجاء المصدر على فعّل، ولو كان على تبتّل لكان تبتّلا، وقال «1»: وقد تطوّيت انطواء الحضب حيث كان تطوّيت وانطويت يتقاربان حمل مصدر ذا على مصدر ذا. فأما: (ننزل الملائكة) نصبا، فالمعنى في (ننزل الملائكة) ونزل الملائكة واحدة. ومن قال: نزل الملائكة فبنى الفعل للمفعول، فمن الدّلالة عليه قوله: تنزل الملائكة والروح فيها [القدر/ 4] ف (تنزّل) مطاوع (نزّل) تقول: نزّلته فتنزّل. [الفرقان: 27] قال: كلّهم قرأ: يا ليتني اتخذت [الفرقان/ 27] ساكنة الياء غير أبي عمرو، فإنّه قرأ: (يا ليتني اتّخذت) بفتح الياء، وكذلك قال أبو خليد عن نافع. [قال أبو علي] «2»: إسكان الياء وتحريكها جميعا حسنان، فالأصل التحريك، لأنّها بإزاء الكاف التي للمخاطب، إلّا أنّ حرف اللّين تكره فيه الحركة، فلذلك أسكن من أسكن.

_ (1) من أرجوزة لرؤبة وقبله: عن متنه مرادة كلّ صعب وقد نسبه ابن الشجري إلى العجاج 2/ 141 وهو من شواهد سيبويه 2/ 244 كما ذكره المخصص 8/ 110 و 10/ 182 و 14/ 187 - وذكر في اللسان/ حضب/: والحضب والحضب جميعا: صوت القوس. والحضب والحضب: الحيّات. ولهذا المعنى استشهد به في اللسان. وانظر ديوان رؤبة/ 16 من مجموع أشعار العرب (2) سقطت من ط.

الفرقان: 28

[الفرقان: 28] قال: روى عبيد عن أبي عمرو: يا ويلتنا [الفرقان/ 28] بفتح التاء، وكذلك روى البزّيّ عن ابن كثير مثله، وأمال حمزة والكسائي الألف التي بعد التاء من (يا ويلتي)، فمالت التاء بميل الألف. والباقون لا يميلون «1». وقال بعض أصحاب أبي بكر: روى أبو عبد الرحمن بن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو: يا ويلتا ويا أسفا [يوسف/ 84] ممالتين قال: وأبو عبد الرحمن ثبت فيما يرويه عن أبيه [قال أبو علي] «2»: الإمالة وتركها حسنان، ولو قيل: إنّ ترك الإمالة أحسن لكان قولا، وذلك أن أصل هذه الألف الياء، وكان حكمها (يا ويلتي ويا حسرتي) فأبدل من الكسرة فتحة، ومن الياء الألف، فإنّما أبدل الألف كراهة الياء، وفرارا منها، فإذا أمال كان عائدا إلى ما كان تركه وآخذا بما رفضه، ألا ترى أن الإمالة إنما هي تقريب الألف من الياء وانتحاء بها نحوها، والإمالة إنّما تكون في الألف بأن تنحو بالفتحة التي قبل الألف نحو الكسر، فتميل الألف لذلك نحو الياء، وذلك نحو عابد وعماد، فإذا كان قبل الألف هاء مفتوحة فمن العرب من يميل الحرف الذي قبل الهاء، وذلك لأنّ الهاء لمّا كانت خفية لم يعتد بها، كما لم يعتدّ بها في نحو: ردّها، ففتحها الجميع فيما يرويه من يسكن إليه، لأنّه لخفاء الهاء كأنّه قال ردّا، وذلك قولهم: «يريد أن ينزعها»، «ويريد أن يضربها» فيميل قبل الألف فتحتى الحرفين لخفاء الهاء. [المؤمنون: 30] قال: وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: إن قومي اتخذوا [الفرقان/ 30] محركة الياء، ابن أبي بزة عن ابن كثير: قومي

_ (1) السبعة ص 464. (2) سقطت من ط.

الفرقان: 48

اتخذوا بفتح الياء، وقرأت على قنبل عن القوّاس عن أصحابه عن ابن كثير: (قومي اتّخذوا) بسكون الياء، وقال لي قنبل: كان البزّي ينصب الياء، فقال لي القوّاس: انظر في مصحف أبي الإخريط «1» كيف هي في نقطها؟ فنظرت فإذا هو قد كان نقطها بالفتح ومحاه. وقال عبيد عن شبل عن ابن كثير وأهل مكة: (إنّ قومي اتّخذوا) بسكون الياء. وقال محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير بالإسكان أيضا في قوله: (إن قومي اتخذوا). وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (إن قومي اتخذوا) بإسكان الياء «2». قال أبو علي: الإسكان والتحريك في قياس العربية والاستعمال حسنان. [الفرقان: 48] عبيد عن هارون عن أبي عمرو: (نشرا) و (نشرا) [الفرقان/ 48] بالتثقيل والتخفيف عاصم: بشرا بالباء ساكنة الشين والباء مضمومة «3». وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير (نشرا) بضم النون والشين- وقرأ حمزة والكسائي: (نشرا) بفتح النون وسكون الشين «4».

_ (1) هو وهب به واضح أبو الإخريط، ويقال: أبو القاسم المكي، مقرئ أهل مكة، روى القراءة عنه عرضا أحمد بن محمد القوّاس، وأحمد البزي. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: انتهت اليه رئاسة الإقراء بمكة، وقال ابن مجاهد قال لي قنبل: كان البزي ينصب الياء ... الخ الخبر. وقال القصاع: مات سنة تسعين ومائة قرأت ذلك بخطه. انظر غاية النهاية في طبقات القراء 2/ 361. (2) السبعة ص 465. (3) في م: والنون مضمومة، وهو سهو لأن الحديث عن قراءة «بشرا» بالباء لا بالنون (4) السبعة ص 465

الفرقان: 50

(وهو الذي يرسل الرياح نشرا)، [الفرقان/ 48] فنشرا جمع ريح نشور، فالتخفيف في «1» نشر، على قول من قال في كتب: كتب، والتثقيل على قول من جاء به على الأصل، ولم يخفّف، ومعنى النشور: التي تحيا، من نشر الميّت. كأنّها تثير الغيم فيمطر فتجيء به البلاد الميتة، ويدلّ على وصفها بالحياة قول المرّار: وهبت له ريح الجنوب وأحييت ... له ريدة يحيي المياه نسيمها «2» وقول عاصم: بشرا بالباء كأنّها «3» جمع ريح (بشور) أي تبشّر بالغياث في قوله: الرياح مبشرات أي: مبشرات بالغيث المحيي البلاد، وبشرا قد مرّ. وقول حمزة والكسائي: (نشرا) نشرا: مصدر واقع موقع الحال، تقديره: يرسل الرّياح حياة، أي: تحيا «4» بها البلاد الميتة. [الفرقان: 50] وقرأ حمزة والكسائي (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا) [الفرقان/ 50] خفيفة ساكنة الذّال، وقرأ الباقون: ليذكروا مشدّدة الذال «5». قال أبو علي: (ليذكروا) أي: ليتفكّروا في قدرة الله تعالى، وموضع نعمته عليهم: بما أحيا به بلادهم من الغيث. وقول حمزة:

_ (1) البيت للمرار الفقعسي سبق في 2/ 380 (2) في م: عن بدل في (3) في ط: كأن. (4) في ط: يحيى. (5) السبعة ص 465.

الفرقان: 60

يذكر في معنى يتذكر وقد جاء إنها تذكرة، فمن شاء ذكره، [عبس/ 11/ 12] وهما بمعنى، إلّا أنّ التفعل في التذكر والنظر أكثر، ويدلّك على أنّهما بمعنى قوله تعالى «1»: خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه [البقرة/ 63] وزعموا أن في حرف عبد الله: (وتذكّروا ما فيه). [الفرقان: 60] واختلفوا «2» في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: لما تأمرنا [الفرقان/ 60]. فقرأ حمزة والكسائي: (لما يأمرنا) بالياء وقرأ الباقون: تأمرنا بالتاء «4». قال أبو علي: قوله تعالى «5»: أنسجد لما تأمرنا [الفرقان/ 60] كأنّهم تلقّوا أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالرّدّ، وزادهم أمره عليه السلام إياهم بالسجود نفورا عمّا أمروا به في ذلك. ومن قرأ بالياء فالمعنى: أنسجد لما يأمرنا محمد [صلّى الله عليه وآله وسلّم] «6» بالسجود له على وجه الإنكار منهم لذلك، ولا يكون على: أنسجد لما يأمرنا الرحمن بالسجود له، لأنّهم أنكروا الرحمن تعالى «7» بقولهم: وما الرّحمن؟ فإنّما المعنى: أنسجد لما يأمرنا محمد [صلّى الله عليه وآله وسلّم] «8» بالسجود له. [الفرقان: 61] اختلفوا في كسر السين وإثبات الألف وضمها وإسقاط الألف

_ (1) السبعة ص 465 - 466. (2) في ط: اختلفوا. (3) في ط: عز وجل. (4) السبعة ص 466 (5) سقطت من ط. (6) سقطت من ط. (7) سقطت من ط. (8) سقطت من ط.

من قوله تعالى «1»: سراجا [الفرقان/ 61] فقرأ حمزة والكسائي: (سرجا) بضم السين وضم الراء وإسقاط الألف. وقرأ الباقون: سراجا بكسر السين وإثبات الألف «2». قال أبو علي: حجّة قوله: سراجا والإفراد قوله تعالى «3»: وجعل فيها سراجا وقمرا [الفرقان/ 61] وحجّة حمزة والكسائي: (سرجا)، قوله تعالى «4»: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح [الملك/ 5] فشبّهت الكواكب بالمصابيح، كما شبّهت المصابيح بالكواكب في قوله تعالى «5»: الزجاجة كأنها كوكب دري [النور/ 35] وإنّما المعنى: مصباح الزجاجة كأنّه كوكب درّيّ، وكذلك قول الشاعر: سموت إليها والنجوم كأنّها ... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال «6» فإن قلت: كيف يجوز أن تكون المصابيح زينة مع قوله تعالى «7»: وجعلناها رجوما للشياطين [الملك/ 5] فالقول: إنّها إذا جعلت رجوما لهم لم تزل فتزول زينتها بزوالها، ولكن يجوز أن ينفصل منها نور يكون رجما للشياطين كما ينفصل من السّرج، وسائر ذوات الأنوار ما لا يزول بانفصاله منها صورتها كما لا تزول صورة ما ذكرنا.

_ (1) سقطت من ط. (2) السبعة ص 466 (3) سقطت من ط. (4) سقطت من ط. (5) سقطت من ط. (6) سبق في ص 324. انظر ديوان امرئ القيس/ 31. (7) سقطت من ط.

الفرقان: 67

وقرأ حمزة وحده: (لمن أراد أن يذكر) [الفرقان/ 62] خفيفة الذال مضمومة الكاف، وقرأ الباقون: يذكر مشددة الذال «1». [قال أبو علي] «2»: المعنى في قراءة حمزة: أن (يذكر): يتذكر، وقد تقدّم ذكر ذلك. [الفرقان: 67] اختلفوا في ضم الياء وكسر التاء وفتح الياء وضم التاء من قوله تعالى: «3» ولم يقتروا [الفرقان/ 67]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ولم يقتروا) مفتوحة الياء مكسورة التاء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: يقتروا بفتح الياء وضم التاء، وقرأ نافع وابن عامر: (يقتروا): بضم الياء وكسر التاء، روى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم بضم الياء وكسر التاء مثله «4». قال أبو علي: يقال «5»: أقتر يقتر، خلاف أيسر، وفي التنزيل على الموسع قدره وعلى المقتر قدره [البقرة/ 236] وقال الشاعر «6»: لكم مسجدا الله المزوران والحصا ... لكم قبصه من بين أثرى وأقترا

_ (1) السبعة ص 466. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) سقطت من ط. (5) السبعة ص 466 (6) البيت للكميت بن زيد. انظر الإنصاف 2/ 721، والعيني 4/ 84، والأشموني 3/ 70 واللسان (قبص) والقبص والقبص: العدد الكثير. والبيت من شواهد تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص 22 وقد خرج هناك بأوسع مما هنا فلينظر.

تقديره: من بين رجل أثرى ورجل أقتر، فأقام الصفة مقام الموصوف. وفي التنزيل: ومن أهل المدينة مردوا على النفاق [التوبة/ 101] فيجوز أن يكون على قبيل مردوا على النفاق مثل قوله تعالى: ومن آياته يريكم البرق [الروم/ 24] فأما قتر يقتر ويقتر فمثل: فسق يفسق ويفسق، وعكف يعكف ويعكف، وحشر يحشر ويحشر، فمعنى لم يسرقوا: لم يخرجوا من إنفاقهم من السّطة والاقتصاد، [ومنه: وقد وسطت مالكا «1». من التوسط بين الشيئين] «2» ولم يقتروا: لم يمسكوا ولم ينقصوا عن الاقتصاد كما قال: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا [الإسراء/ 29]. فأمّا من ضمّ فقال: (لم يقتروا) فكأنّه أراد: لم يفتقروا في إنفاقهم، لأنّ المسرف مشف على الافتقار لسرفه في إنفاقه. فأمّا من قال: (لم يقتروا) أو لم يقتروا فمعناه: لم يضيّقوا في الإنفاق فيقصّروا عن التوسط، فمن كان في هذا الظرف «3» فهو مذموم، كما أنّ من جاوز الاقتصاد كان كذلك، ويبين هذا قوله: وكان بين ذلك قواما [الفرقان/ 67] أي كان إنفاقهم بين ذلك لا إسرافا يدخل به في حدّ التبذير، ولا تضييقا يصير به في حدّ المانع لما يجب.

_ (1) قطعة من بيت من الرجز لغيلان بن حريث تمامه: وقد وسطت مالكا وحنظلا وبعده: صيّابها والعدد المجلجلا. انظر اللسان (وسط). (2) ما بين المعقوفين سقطت من م. (3) في ط: الطرف

الفرقان: 69، 68

[الفرقان: 69، 68] اختلفوا في قوله تعالى: يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد [الفرقان/ 69] فقرأ ابن كثير: (يضعّف- ويخلد فيه) جزما و (يضعّف) مشددة العين بغير ألف. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بالرفع فيهما: يضاعف له العذاب. ويخلد غير أن ابن عامر قرأ بغير ألف وشدّد العين [وقرأ] «1» حفص عن عاصم: ويخلد جزما مثل أبي عمرو. وقرأ حفص عن عاصم: (فيهي مهانا) يصل الهاء بياء وكذلك ابن كثير. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: يضاعف له ويخلد [الفرقان/ 69] جزما، والياء من يخلد مفتوحة. وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو (ويخلد) بضم الياء وفتح اللام وهو غلط «2». [قال أبو علي] «3»: من قال: يضاعف له ويخلد جعل قوله: يضاعف، بدلا من الفعل الذي هو جزاء الشرط، وهو قوله: يلق أثاما [الفرقان/ 69] وذلك أن تضعيف العذاب لقي جزاء الآثام في المعنى، فلمّا كان إيّاه أبدله منه، كما أنّ البيعة لما كان ضربا من الأخذ أبدل الأخذ منها في قوله: إنّ عليّ الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا «4».

_ (1) زيادة من السبعة. (2) السبعة ص 467 (3) سقطت من ط. (4) البيت في الكتاب 1/ 78 وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها. وانظر المقتضب 2/ 63، والخزانة 2/ 373، والعيني 4/ 199، الأشموني 3/ 131.

ومثل ذلك في البدل من جزاء الشرط قوله: إن يجبنوا أو يغدروا ... أو يبخلوا لا يحفلوا «1» يغدوا عليك مرجّلي ... ن كأنّهم لم يفعلوا فغدوهم مرجّلين في المعنى، ترك للاحتفال، فهذا مثل إبدال يضاعف من يلق أثاما. وقد أبدل من الشرط كما أبدل من جزائه وذلك قوله: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا «2» فأبدل تلمم من تأتنا، لأنّ الإلمام إتيان في المعنى. ومثل حذف جزاء الذي هو مضاف في المعنى في قوله: يلق أثاما أي جزاء أثام قوله تعالى: ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم [الشورى/ 22] المعنى: على جزاء ما كسبوا. وقال أبو عبيدة: يلق أثاما، أي: عقوبة، وأنشد لمسافع العبسي «3»:

_ (1) البيتان في الكتاب 1/ 446، وهما لبعض بني أسد وانظر المحتسب 2/ 75 وعزاهما لشاعر جاهلي قديم وبعدهما: كأبي براقش كلّ لو ... ن لونه يتحوّل وذكر هذا البيت الأخير الأعلم في شرح شواهد سيبويه المسمى: «تحصيل عين الذهب، من معدن جوهر الأدب، في علم مجازات العرب» برواية يتخيّل بدل: يتحول. (2) البيت في الكتاب 1/ 446 ولم ينسبه والإنصاف 2/ 583 والخزانة 3/ 660 وعزاه إلى عبد الله بن الحر. وانظر الأشموني 3/ 131 (3) في ط: لمسافع الليثي. وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة نسبه لبلعاء بن قيس الكناني انظر 2/ 81

الفرقان: 74

جزى الله ابن عروة حيث أمسى ... عقوقا والعقوق له أثام «1» قال: وابن عروة: رجل من بني ليث كان دلّ عليهم ملكا من غسّان فأغار عليهم. قال أبو علي: ويمكن أن يكون من هذا قول بشر: فكان مقامنا ندعو عليهم ... بأبطح ذي المجاز له أثام «2» وحكى عن أبي عمرو الشيباني: لقي أثام ذلك، أي: جزاءه. ومن رفع فقال: (يضاعف ويخلد) لم يبدل ولكنّه قطعه ممّا قبله واستأنف. وأمّا يضاعف و (يضعّف) فهما في المعنى سواء كما قال سيبويه، ويقال: خلد في المكان يخلد إذا عطن «3» به أقام. وحكى أبو زيد: أخلد به، وما حكاه عن حسين الجعفي عن أبي عمرو: (ويخلد) بضم الياء وفتح اللّام وأنّه غلط، فإنّه يشبه أن يكون غلطه «4» من طريق الرواية، وأمّا من جهة المعنى فلا يمتنع، فيكون المعنى خلد هو، وأخلده الله، ويكون يخلد مثل يكرم ويعطى في أنّه مبني من أفعل، ويكون قد عطف فعلا مبنيا للمفعول على مثله إلّا أنّ الرّواية إذا لم تكن صحيحة لم يجز أن تنسب إلى الذي تروى عنه. [الفرقان: 74] وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص وابن عامر: من أزواجنا وذرياتنا [الفرقان/ 74] جماعا وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي (وذرّيتنا) واحدة «5».

_ (1) البيت في اللسان (أثم) وعزاه لشافع الليثى. (2) البيت في اللسان (أثم) (3) في ط: قطن. (4) كذا في ط. وفي م: غلطا. (5) كذا في ط وسقطت من م

قال أبو علي: الذرية تكون واحدة وتكون جمعا فالدّليل على كونها للواحد قوله تعالى: قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة [آل عمران/ 38] فهذا كقوله: فهب لي من لدنك وليا يرثني [مريم/ 5] فأمّا جواز كونها للجمع فقوله: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا [النساء/ 9] فمن أفرد فقال: (من أزواجنا وذريتنا) [الفرقان/ 74] فإنّه أراد به «1» الجمع فاستغنى عن جمعه لمّا كان جمعا، ومن جمع فكما تجمع هذه الأسماء التي تدلّ على الجمع نحو: قوم وأقوام، ونفر وأنفار، ورهط وأراهط. وقد جمعوا بالألف والتاء والواو والنون الجموع المكسرة كقولهم الجزرات والطّرقات والكلابات، وجاء في الحديث: صواحبات يوسف «2» وقال العجاج: جذب الصّراريّين بالكرور «3» وإنّما الصراري جمع صرّاء. وهو مفرد نحو: حسّان، فكسّره ككلّاب وكلاليب، لأنّ الصفة تشبّه في التكسير بالأسماء. ويدلّ على أنّ الصرّاء واحد قول الفرزدق: أشارب قهوة وخدين زير ... وصرّاء لفسوته بخار «4»

_ (1) السبعة ص 467. (2) الحديث في صحيح البخاري انظر فتح الباري 6/ 417، 418 وانظر مسند أحمد 6/ 96 (3) انظر ديوانه 2/ 350 واللسان (صرر) والصراري: الملاح (4) انظر اللسان (صرر) وقال في اللسان: ولا حجة لأبي علي في هذا البيت لأن الصراري الذي هو عنده جمع. وانظر ديوانه 1/ 388 وفيه عصار بدل بخار. وقاله الفرزدق في الحكم ابن الجارود. كذا في الديوان.

الفرقان: 75

[الفرقان: 75] اختلفوا في قوله سبحانه: ويلقون فيها [الفرقان/ 75] في ضمّ الياء وفتح اللّام وتشديد القاف، وسكون اللّام، وتخفيف القاف. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ويلقون مضمومة الياء مفتوحة اللام مشددة القاف. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (ويلقون) مفتوحة الياء ساكنة اللّام خفيفة القاف. وروى أبو بكر عن عاصم: (ويلقون) مثل حمزة. وقال حفص عنه: يلقون مشددة مثل أبي عمرو «1». [قال أبو علي] «2»: حجّة من قال: ويلقون، قوله تعالى «3» ولقاهم نضرة وسرورا [الإنسان/ 11] فعلى «لقّاهم» «يلقّون». وحجّة من خفّف قوله سبحانه «4»: فسوف يلقون غيا [مريم/ 59] ولقي: فعل متعدّ إلى مفعول واحد، فإذا نقل بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين فقوله: (تحيّة) المفعول الثاني من قولك لقّيت زيدا تحيّة، فلمّا بنيت الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل، فبقي الفعل متعديا إلى مفعول واحد.

_ (1) السبعة ص 468 (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) سقطت من ط.

سورة الشعراء

[بسم الله] «1» ذكر اختلافهم في سورة الشعراء [الشعراء: 1] اختلفوا في إدغام النون من سين عند الميم وبيانها وكسر الطاء وفتحها. فقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر: طسم بفتح الطاء وإدغام النون، وروى خارجة عن نافع: (طسم) بكسر الطاء، وإدغام النون. وقال خلف عن إسحاق [المسيبي] عن نافع: الطاء غير مكسورة ولا مفتوحة هو إلى الفتح أقرب. وقال الكسائي عن إسماعيل بن جعفر عن نافع يبين النون في (طسم) مثل حمزة. وقال محمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع: الطاء مفتوحة وقال ورش وقالون عن نافع: الطاء مفتوحة وسطا من ذلك، وقال: يعقوب عن نافع وأبو جعفر (طس م) يقطّعان كل حرف على حده، ويأتي اختلافهم في يس ونون في موضعه إن شاء الله. قال أحمد: والذي قاله الكسائي عن إسماعيل عن نافع: يوجب «2» رواية يعقوب بن جعفر عن أبي جعفر ونافع بيان النون من (طسم). وروى حفص عن عاصم: (طسم) فتحا «3» ولم يظهر النون في (طسم) غير

_ (1) سقطت من ط. (2) في ط: ويوجبه. (3) في ط: فتح.

الشعراء: 18

حمزة وما روى الكسائي عن إسماعيل. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (طسم) بالكسر «1». قال أبو علي: تبيين النون من (طسم) على قراءة «2» حمزة، ورواية «3» الكسائي عن نافع هو الوجه، لأنّ حروف التهجي «4» في تقدير الانفصال والانقطاع ممّا بعدها، فإذا كان كذلك وجب تبيين النون، لأنّها إنّما تخفى إذا اتصلت «5» بحروف من حروف الفم، فإذا لم يتّصل بها لم يكن شيء يوجب إخفاءها. ووجه إخفائها مع هذه الحروف أنّ همزة الوصل قد وصلت، ولم تقطع، وهمزة الوصل إنّما تذهب في الدّرج، فكما سقطت همزة الوصل، وهي لا تسقط إلّا في الدرج مع هذه الحروف في (ألف لام ميم الله) كذلك لا تبيّن النون ويقدّر فيها الاتّصال مما «6» قبلها ولا يقدر فيها الانفصال. [الشعراء: 18] وكلهم قرأ: من عمرك [الشعراء/ 18] مثقّلة، وروى عبيد عن هارون والخفاف عن أبي عمرو، وعبيد عن أبي عمرو: (عمرك) خفيفة، قال هارون: وكان أبو عمرو لا يرى بالأخرى بأسا، يعني التثقيل. [وروى عبيد بن عقيل عنه مثقّلا] «7».

_ (1) السبعة ص 470 - 471، وفي الكلام تقديم وتأخير عمّا هنا ولكن المؤدى واحد. (2) في ط: على ما قرأه. (3) في ط: ورواه. (4) في ط: الهجاء. (5) في ط: اتصل (6) في ط: بما. (7) السبعة ص 471 وما بين معقوفين زيادة منه

الشعراء: 45

قال ابن مقبل «1»: يا حرّ أمسيت شخصا قد وهى بصري ... والتاث ما دون يوم البعث من عمري وأنشد أبو زيد: إن يمض عنّا فقد ثوى عمرا «2» [الشعراء: 45] اختلفوا في (تلقف) [الشعراء/ 45] في تشديد التاء وتخفيفها. فقرأ عاصم في رواية حفص: تلقف بتاء خفيفة. وروى البزي وابن فليح عن ابن كثير (فإذا هي تلقف) بتشديد التاء، وروى قنبل عن النبال: (فإذا هي تلقّف) خفيفة التاء وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (تلقّف) خفيفة التاء مشددة القاف «3». قال أبو علي: قد ذكرنا هذا النحو فيما تقدّم، ورواية قنبل عن ابن كثير (فإذا هي تلقّف) هو الوجه. ومن شدد التاء من قوله «4» (تلقّف) وهو يريد تتلقّف لزمه إذا ابتدأ على هذه القراءة أن يجتلب همزة الوصل، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة كما لا تدخل على أسماء الفاعلين.

_ (1) ديوانه ص 72، وبرواية: يوم الرعد .. وفي م: قصري بدل بصري (2) لم نعثر عليه في نوادره (3) السبعة ص 471 وفي النص تقديم وتأخير. (4) كذا في ط وسقطت من م.

الشعراء: 62

قال أحمد: قد ذكرنا اختلافهم في قوله: (أامنتم) [الشعراء/ 49] في سورة الأعراف [123]. [الشعراء: 62] قال: وروى حفص عن عاصم إن معي ربي [الشعراء/ 62] بنصب الياء من معي وكل ما في القرآن من قوله: معي فإنّ عاصما في رواية حفص يحرك الياء فيه. «1» وروى حفص عن عاصم وورش عن نافع ومن معي من المؤمنين [الشعراء/ 118] بتحريك الياء ولم يحركها غيرهما «2». [قال أبو علي] «3» [كلّ واحد من التحريك والإسكان حسن] «4». [الشعراء: 56] اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله [جل وعز] «5»: (حذرون) [الشعراء/ 56] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (حذرون) بغير ألف. وقرأ الباقون: حاذرون بألف «6». قال أبو عبيدة: رجل حذر وحاذر، قال ابن أحمر: إني حواليّ وأنّي ... حذر هل ينسأن يومي إلى غيره «7»

_ (1) انظر السبعة ص 290 والحجة 4/ 69. (2) السبعة ص 472 (3) سقطت من ط. (4) وردت هذه الجملة في ط قبل سطرين. وقيل رواية حفص عن عاصم في الشعراء/ 118. (5) في ط: تعالى (6) السبعة ص 471 (7) البيت في اللسان (حول) وفيه: أو تنسأن بدل: هل ينسأن. وإني بدل: أني. وعزاه إلى ابن أحمر أو المرّار بن منقذ العدوي. وليس في شعر ابن أحمر المطبوع.

الشعراء: 52

قال: حواليّ ذو حيلة وأنشد العباس بن مرادس «1» وإني حاذر أنمي سلاحي ... إلى أوصال ذيّال صنيع قال أبو علي: يقال: حذر يحذر حذرا واسم الفاعل حذر. فأمّا حاذر فإنه يراد به أنّه يفعل الحذر فيما يستقبل كقولك: بعيرك صائد غدا، وكذلك قوله «2»: وإني حاذر أنمي سلاحي كأنّه يريد متحذّر عند اللّقاء. [الشعراء: 52] قال: قرأ ابن كثير ونافع (أن اسر) [الشعراء/ 52] من سريت، وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: أن أسر من أسريت «3». قال أبو علي «4»: حجّة القطع قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] وحجّة الوصل قوله: سرى بعد ما غار الثريّا وبعد ما ... كأنّ الثّريّا حلّة الغور منخل «5»

_ (1) البيت في اللسان (ذيل) وفيه: منيع بدل: صنيع. كما في المجاز. (2) انظر مجاز القرآن 2/ 86 (3) السبعة ص 471 (4) سقطت من ط (5) انظر ما سبق في 4/ 368. وانظر الكتاب 1/ 201 وفي (م): حلت بدل: حلة الغور. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب حلة الغور على الظرف ومعناها قصد الغور ومحله. والمعنى: وصف طارقا سرى في الليل بعد أن غارت الثريا أول الليل وذلك في استقبال زمن القيظ، وشبه الثريا في اجتماعها واستدارة نجومها بالمنخل

الشعراء: 61

وهو كثير في الشعر. [الشعراء: 61] قال: قرأ حمزة: (فلما تراءى الجمعان) [الشعراء/ 61] بكسر الراء ويمدّ ثم يهمز، وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم. وروى أبو بكر. عن عاصم مفتوحا ممدودا. أبو عمارة عن حفص عن عاصم (تراءى) مفتوحا مثل أبي بكر. وكان حمزة يقف (تراءى) يمدّ مدّة بعد الراء ويكسر الراء، وروى نصير عن الكسائي، (تراءى) مثل «1» تراعى إذا أراد أن يقف. الباقون «2»: (تراءى) يفتحون الراء وبعدها ألف وهمزة الألف مفتوحة «3» في وزن تراعى «4». وقال بعض أصحاب أحمد بن موسى قوله: وهمزة الألف، يعني الهمزة التي بعدها الألف من تفاعل. وهو عين الفعل. قال أبو علي: وجه إمالة الفتحة التي على الراء أن «5» قياسه: أن يكون في الوقف تراءى مثل تراعى فأمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة التي أميلت فتحتها، لتميل الألف نحو الياء كما قالوا: راء فأمالوا فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة. ومن قال: راء فلم يمل الفتحة كما لم يمل لإمالة الألف في رأيت عمادا لم يمل هذه الفتحة لإمالة فتحة الهمزة فيقول: (تراءى) قال «6»: ومن لم يمل البتة قال: (تراءى). قال أحمد: وكان حمزة يقف ترآء يمد مدّة بعد الراء، ويكسر الراء فقوله: يمدّ مدّة

_ (1) في ط: في وزن (2) في ط، الباقون يقفون. (3) وردت في ط زيادة وهي: والألف بعد الهمزة بوزن تراعى .. (4) السبعة ص 472 (5) سقطت من م (6) كذا في ط وسقطت من م.

بعد الراء يدلّ على أنّه يقول: تراءى فيثبت «1» بعد الراء مدة، وهذه المدة ينبغي أن تكون ألف تفاعل، والهمزة هي عين الفعل «2»، والألف المنقلبة عن اللّام على هذا محذوفة وحذفها لا يستقيم، وليس هذا في قول الباقين إنّما قولهم على الإمالة: (تراءى)، والإمالة من أجل الإمالة: (تراءى)، أو بغير إمالة البتة: (تراءى) «3»، ومن زعم أنّ إمالة فتحة الراء التي هي فاء تفاعل من رأيت لا يجوز، فقد غلط، لأنّ إمالته جائزة من الوجه الذي تقدّم ذكره. فإن قلت: فإذا وصل فقال: (تراءى الجمعان) هلّا لم تجز إمالة الفتحة التي على الرّاء لأنّه إذا كان إمالته لإمالة فتحة الهمزة [وما يوجب إمالة الهمزة] «4» فقد سقط وهو الألف المنقلبة عن «5» الياء التي سقطت لالتقاء الساكنين، فإذا سقطت لم يجز إمالة فتحة الهمزة، وإذا لم يجز إمالة فتحة الهمزة وجب أن لا يجوز إمالة فتحة الراء. قيل: إن إمالة فتحة الراء من «6» (تراءى) جائزة في الوصل مع سقوط الألف من تفاعل لالتقاء الساكنين، وهو عندهم في حكم الثبات، يدلك على ذلك قولهم «7»:

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) في (م) تكررت عبارة: «وبغير إمالة البتة تراءا» (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) في ط: من. (6) في ط: في. (7) عجز بيت لأبي الأسود وصدره: فألفيته غير مستعتب والبيت من شواهد المغني في شرح أبياته 7/ 182، وسبق في 2/ 454 وقد استوفينا تخريجه هناك.

ولا ذاكر الله قليلا فنصب مع سقوط التنوين لالتقاء الساكنين [كما ينصب إذا ثبت وكذلك يميل فتحة الراء مع سقوط الألف لالتقاء الساكنين] «1»، كما كان يميلها إذا ثبتت، ولم تسقط، وقد حكى أبو الحسن ذلك، فزعم أنّه قد قرئ في القتلى، الحر [البقرة/ 178] فأمال فتحة اللام مع سقوط الألف كما يميلها مع ثباتها، فكذلك يميل فتحة «2» الهمزة من تراءا إذا أدرج فقال: (تراءى الجمعان) [الشعراء/ 61]. ونظير ذلك أيضا في كلامهم «3» قولهم: شهد. ألا ترى أنّهم إنّما كسروا الفاء لكسرة العين التي هي الهاء. ثم حذفت الكسرة التي على العين، ولم تذهب كسرة الفاء من شهد «4». ونظيره أيضا قولهم: صعقي. فهذا أشدّ لأنّه أقرّ الكسرة في الفاء مع فتحة العين، والأوّل كانت الكسرة المحذوفة منه في اللّفظ في تقدير الإثبات، كما كانت في تقديره «5» في: رضي، وعزي، ولقضو الرّجل. وزعم بعض البغداذيّين في احتجاج الحذف لهذه الألف في (تراء)، في وقف حمزة، أنّه يجوز على لغة حكاها الكسائي والفرّاء، وهو «6» أنّهم حكوا: أنّ بعضهم قال: اسقني ما يا هذا. [قال أبو الحسن] «7»: ولا يجوز تراء من حيث جاز: اسقني ما يا

_ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من م. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) في ط: في شهد (5) في ط: وهي. (6) في ط: كما كان تقديره (7) في ط: قال أبو علي.

هذا، وذلك أنّ الذي يقول هذا إنّما أبدل من الهمزة الألف للضرورة، كما أبدلها منها في قوله «1»: لا هناك المرتع وكما أبدل الآخر منها ألفا في الباه فيما حدثنا محمّد بن السري عن بعض اليزيديين وأنشدنا عنه «2»: على أنّ قيسا لم يطأ باه محرم فحذف الهمزة لما أسكنها، فانقلبت ألفا لالتقائها مع الألف الساكنة، وكذلك حذف الهمزة من ماء، لمّا قلبها ألفا لالتقاء الساكنين، فإذا وقف على ماء في قوله: اسقني شربة ما يا هذا، لزمه أن يقول: ما، فيبدل من التنوين الألف فيصير (ما) وكذلك لو حذف الهمزة من تراءا كما حذفها من شربة ما يا هذا، للزمه أن يقول: (تراء) ولا يمدّ كما لا يمد (ما) إذا وقف عليه على هذه اللغة، وليس الرّواية عن حمزة (ترا) إنّما الرّواية عنه أنّه يمدّ مدة بعد الراء [من تراءا] «3»، فينبغي أن تكون المدة ألفا وهمزة، أمّا الألف فألف تفاعل، وأمّا ما «4» بعد الألف فهو الهمزة التي هي عين الفعل، إمّا بين بين، وإمّا مخفّفة، وعلى أيّ الأمرين كان وجب أن يسكن في الوقف، كما تسكن سائر الحروف الموقوف عليها، وعلى هذا جاء في

_ (1) من بيت للفرزدق تمامه: راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعي فزارة لا هناك المرتع وسبق البيت في 1/ 398 و 2/ 218 (2) سبق في 4/ 245 ولم نعثر على قائله. وقد ذكر في اللسان (بوه) أن الباه لغة في الباءة، وهو الجماع. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) سقطت من م.

الشعر «1»: يستمسكون من حذار الإلقاء ... بتلعات كرءوس الصيصاء فهذا على أنّ الضّرب مفعولان، ومنه «2» قول الآخر: ردي ردي ورد قطاة صماء ... كدريّة أعجبها برد الماء وأمّا ما رواه نصير عن الكسائي في الوقف تراءى مثل تراعي، فحسن، وذلك أنّ الوقف موضع [تبين فيه الحروف الموقوف عليها] «3». وفي الألف خفاء شديد من حيث لم تعتمد في إخراجها على موضع، فصارت لذلك بمنزلة النفس من أنّه لا يعتمد له على موضع، فبيّنها بأن نحا بها نحو الياء وقرّبها منها. ويدلّك على حسن هذا أن

_ (1) هذه الأبيات منسوبة الى غيلان الربعي من أرجوزة طويلة عدد أبياتها واحد وخمسون بيتا من مشطور الرجز، ذكرها ابن جني في الخصائص 2/ 252 وذكر الشاهد في 1/ 280 قال في اللسان/ تلع/ في شرح البيتين الأولين: يعني بالتلعات هنا: سكّانات السّفن، وقوله: من حذار الإلقاء، أراد من خشية أن يقعوا في البحر فيهلكوا، وقوله: كجذوع الصيصاء أي: أن قلوع هذه السفينة طويلة حتى كأنّها جذوع الصيصاء، وهو ضرب من التمر نخله طوال. وذكر البيت في المنصف 1/ 181 برواية: كجذوع الصيصاء. ثم قال: وأنشدناه أبو علي! ... كرءوس الصيصاء. وفي اللسان/ صيص/ الصيصاء الحشف من التمر، وهو الذي تسميه العامة: الشّيص (2) في ط: ومثله. (3) في ط: يبين فيه الحرف الموقوف عليه

الشعراء: 137

قوما يبدلون منها الياء المحضة في الوقف، فيقولون أفعي، وحبلي، وآخرون يبدلون منها الهمزة، فيقولون: هذه حبلأ، ورأيت رجلأ فكذلك نحا بالألف بإمالتها نحو الياء ليكون أبين لها، ولم يمل الرّاء من تراءا لأنّ الإمالة إنّما هي عنده من أجل الوقف، والوقف غير لازم، فلمّا لم يلزم لم ير أن يعتدّ به «1». [الشعراء: 137] اختلفوا في فتح الخاء وضمّها من قوله [جلّ وعزّ] «2»: (إلا خلق الأولين) [الشعراء/ 137] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: (خلق الأولين)، بفتح الخاء وتسكين اللام، وقرأ الباقون: بضم الخاء واللام «3». [قال أبو علي] «4»: خلق الأولين: أي: عادتهم، وخلق الأولين يجوز أن يكون المراد اختلافهم وكذبهم، وفي التنزيل: (إن هذا إلا اختلاق) [ص/ 7]، وفيه وتخلقون إفكا [العنكبوت/ 17] أي تختلفونه، وقيل: إنّه يجوز أن يكون خلقنا كخلقكم «5»، نموت كما ماتوا، ولا نبعث، فخلق على هذا: مصدر، إن شئت قدّرته تقدير الفعل المبني للمفعول، أي: خلقنا كما خلقوا. ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى المفعول به، ولا يقدّر تقدير الفعل المبني للمفعول.

_ (1) في ط: بها (2) في ط: تعالى. (3) السبعة ص 472 (4) سقطت من ط. (5) في ط: كخلقهم

الشعراء: 149

[الشعراء: 149] اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله [جلّ وعزّ] «1»: فارهين [الشعراء/ 149]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فرهين) بغير ألف، وقرأ الباقون: فارهين بألف «2». أبو عبيدة (فرهين) أي: مرحين، قال: ويقال في هذا المعنى: (فارهين) وأنشد «3»، لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ... ولن تراني لخير فاره اللّبب قال: وقوم يقولون: فارهين أي: حاذقين «4». قال أبو عليّ: [ليس] «5» فارهين كحاذرين، في أن فارهين «6» يكون لما يأتي في الأمر العام، وليس للحال، لأنّهم قد قالوا: فاره وفرهة، فدلّ جمعهم له مثل صاحب وصحبة أنّ فاعل يستعمل للحال، والآتي، والماضي، وليس الحاذر كذلك، لأنّ الحاذر لما يأتي

_ (1) في ط: تعالى. (2) السبعة ص 472 (3) نسبه في اللسان إلى ابن وادع العوفي برواية (الطلب) بدلا من (اللبب) وفي (م): «اللبث» وانظر اللسان مادة: فره ونسب أبو عبيدة البيت إلى عديّ بن وداع العقوي من العقاة بن عمرو بن مالك بن فهم من الأزد، وقال السجستاني في المعمّرين ص 48: وعاش عدي بن وداع بن العقى بن الحارث بن مالك بن قاسم بن غنم بن دوس بن عبد الله من الأزد، ثلاثمائة سنة فأدرك الإسلام وأسلم وغزا .. (4) مجاز القرآن 2/ 88 (5) سقطت من م. (6) في م حاذريه والصواب من ط.

الشعراء: 176

بدلالة «1» أنّ الفعل حذر يحذر، وقد «2» قال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره [النور/ 63]، فإذا كان الفعل على هذا فاسم الفاعل حاذر «3»، وفاعل للمستقبل «4» كقولك: بعيرك صائد غدا. [الشعراء: 176] اختلفوا في قوله جلّ وعز «5»: أصحاب الأيكة [الشعراء/ 176] فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (ليكة) هاهنا، وفي «صاد» [13]: بغير همز، والهاء مفتوحة بلا ألف. وقرأ الباقون: أصحاب الأيكة بالهمز فيهما والألف «6». قال أبو علي: قد قلنا في هذا الحرف فيما تقدّم من هذا الكتاب «7». ومن زعم أنّه يختار قراءة أهل المدينة، وأنّه اختار ذلك لموافقته الكتاب، وهي- زعموا- في هذه السورة، وسورة صاد بغير ألف فإنّ ما في المصحف من إسقاط ألف الوصل التي مع اللّام لا يدلّ على صحّة ما اختار من قولهم: (ليكة)، وذلك لأنّه يجوز أن يكون كتب في المصحف على تخفيف الهمزة، وقول من قال: لحمر، كما كتبوا الخبء على ذلك، فإذا جاز أن يكون إسقاط ألف الوصل لهذا، ثبت أن ما اختاره من (ليكة) لا يدلّ عليه خطّ المصحف، ولا يصحّ ذلك لأمر آخر، وهو أنّه يجوز أن تكون الكتابة في هذين الموضعين وقعت

_ (1) في م: دلالة (2) كذا في ط وسقطت من م (3) في ط: على حذر (4) في م: المستقبل. (5) في ط: تعالى (6) السبعة ص 473 وزاد: «وكسر الهاء». (7) انظر ص 51 في سورة الحجر/ 78.

الشعراء: 193

على الوصل، فكما أنّه لا ألف ثابتة في اللّفظ في قوله سبحانه «1»: أصحاب الأيكة [فكذلك لم تكتب في خط] «2». ومثله في أنّه كتب مرة على اللّفظ، وأخرى على غيره كتابتهم: سندع الزبانية [العلق/ 18] بغير واو، لما لم تثبت في الخط «3»، وكتب في يدعو الإنسان بالشر [الإسراء/ 11] بالواو فإذا جاز هذا فيه، علمت أنّ الاختيار [مدخول ويدلّ على ضعف الاختيار] «4» أن سائر القرآن غير هذين الموضعين عليه. ويدلّ على فساد ذلك أيضا همز من همز فقال: الأيكة، فإذا بينت «5» هذا، علمت أن (ليكة) على تخفيف الهمزة «6»، وأن فتح (ليكة) لا يصحّ في العربية، لأنّه فتح حرف الإعراب في موضع الجر مع لام المعرفة، فهو على قياس من قال: مررت بالحمر، فاعلم. [الشعراء: 193] اختلفوا في قوله تعالى: نزل به الروح الأمين [الشعراء/ 193]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: نزل به خفيف، الروح الأمين رفع. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (نزّل به) مشدّدة الزّاي، (الرّوح الأمين) نصبا «7».

_ (1) سقطت من ط (2) في م: [كذلك تثبت في الخط]! وهذا خلاف المراد (3) في ط: في اللفظ. (4) ما بين المعقوفتين ساقط من م. (5) في ط: ثبت. (6) في ط: الهمز. (7) السبعة ص 473

الشعراء: 197

قال أبو علي: حجّة من قال: (نزّل به الرّوح الأمين) قوله: فإنه نزله على قلبك بإذن الله [البقرة/ 97]، وقوله: (تنزل الملائكة بالروح) [النحل/ 2]، فتنزّل مطاوع نزّل، [فهو مثل مطاوع: نزّل الملائكة بالرّوح] «1» فدخلت التاء «2» للمطاوعة «3». فصار: (تنزّل الملائكة بالرّوح) والرّوح في التنزيل قد جاء يراد به القرآن، قال تعالى «4»: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا [الشورى/ 52] إلى قوله «5»: من عبادنا وقوله: قل نزله روح القدس من ربك ليثبت الذين آمنوا [النحل/ 102]. ومن أسند الفعل إلى الرّوح فقال: نزل به الروح فلأنّه ينزل بأمر الله جلّ وعزّ فمعناه معنى الثقيلة. [الشعراء: 197] وكلّهم قرأ: أولم يكن لهم آية [الشعراء/ 197] نصبا، غير ابن عامر فإنه قرأ: (تكن) بالتاء (آية) بالرفع «6». قال أبو علي: وجه قول ابن عامر: (تكن لهم آية) أنّ (تكن) ليس للآية، ولكن تضمر في (تكن) القصّة أو الحديث، لأنّ ما يقع تفسيرا للقصّة والحديث من الجمل، إذا كان فيها اسم مؤنث، جاز تأنيث الضمير «7» على شريطة التفسير، كقوله سبحانه: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]، وقوله: فإنها لا تعمى

_ (1) ما بين المعقوفتين في (م): «وهو الملائكة بالروح» وما في (ط) أوجه. (2) في ط: الياء. وهو تحريف. (3) زادت (م) هنا بعد قوله للمطاوعة: «قبل المطاوع ونزل الملائكة». (4) سقطت من ط. (5) في ط: قوله تعالى. (6) في ط: رفعا. كما في السبعة ص 473 (7) في ط: المضمر.

الشعراء: 217

الأبصار [الحج/ 46] فكذلك أن يعلمه علماء بني إسرائيل [الشعراء/ 197] لما كان فيه مؤنث، جاز أن يؤنّث (تكن) فآية مرتفعة بأنّها خبر الابتداء الذي هو (أن يعلمه) علماء بني إسرائيل لما كان فيه مؤنث جاز أن تؤنث (تكن) ولا يمتنع أن لا يضمر القصة ولكن يرتفع (أن يعلم) بقوله: (تكن) وإن كان في تكن «1» علامة تأنيث، لأنّ أن يعلمه في المعنى هو الآية، فيحمل الكلام على المعنى، كما حمل على المعنى في قوله سبحانه «2»: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160]، فأنّث لمّا كان المراد بالأمثال: الحسنات، وكذلك قراءة من قرأ: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا [الأنعام/ 23]. [الشعراء: 217] قرأ نافع وابن عامر: فتوكل على العزيز الرحيم [الشعراء/ 217] بالفاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون بالواو، وكذلك هي في سائر مصاحفهم «3». قال أبو علي: الوجهان حسنان. [الشعراء: 224] وقرأ نافع وحده: والشعراء يتبعهم [الشعراء/ 224] ساكنة التاء، وقرأ الباقون: (يتّبعهم) مشدّدة التاء، مفتوحة مكسورة الباء «4». [قال أبو علي] «5»: الوجهان حسنان تبعت القوم أتبعهم

_ (1) في ط: في معنى. (2) سقطت من ط. (3) السبعة ص 473. (4) السبعة ص 474 (5) سقطت من ط.

[واتّبعتهم اتّبعهم] «1»، وهو مثل: حفرته واحتفرته وشويته واشتويته، وقد تقدّم ذكر ذلك.

_ (1) كذا في ط وسقطت من م.

سورة سليمان [صلى الله عليه]

[بسم الله] «1» ذكر اختلافهم في سورة سليمان [صلى الله عليه] «2» [النمل: 2] اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله [جلّ وعزّ] «3»: بشهاب قبس [النمل/ 7]. فقرأ عاصم وحمزة والكسائي (بشهاب قبس) منونا غير مضاف. وقرأ الباقون: (بشهاب قبس) مضاف «4» غير منون. «5». أبو عبيدة: (بشهاب قبس): الشهاب: النار، والقبس ما اقتبست، وأنشد لأبي زبيد «6»: في كفّه صعدة مثقّفة ... فيها سنان كشعلة القبس «7»

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) السبعة 478. (6) من قصيدة له يرثي بها ولده، ويذكر تعرضه للحرب وفي الأغاني 12/ 128 ورد كما يلي تخال في كفه مثقفة ... تلمع فيها كشعلة القبس (7) مجاز القرآن 2/ 92

غيره: كل أبيض ذي نور فهو شهاب، ولا أدري أقاله رواية أم «1» استدلالا ويجوز أن يكون القبس صفة، ويجوز أن يكون اسما غير صفة، فأمّا جواز كونه وصفا فلأنّهم يقولون: قبسته أقبسه قبسا، والقبس: الشيء المقبوس، وقالوا «2»: حلب يحلب حلبا، فيجوز في قولهم: حلبا، أن يكون مصدرا كقولهم: بدا له يبدو بدأ، «3» ويجوز أن يكون الحلب المحلوب، وفي التنزيل: شهاب ثاقب [الصافات/ 10]، فيجوز أن يكون الشهاب النار، لأنّ النار قد وصفت بالثقوب قال «4»: أذاع به في النّاس حتى كأنّه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب فتقدير قوله: أوقدت بثقوب، أوقدت مثقبة، والجارّ والمجرور في موضع حال. فأمّا قول الشاعر يروى للأفوه «5»: كشهاب القذف يرميكم به ... فارس في كفّه للحرب نار فإنّه يجوز أن يكون جعل المزراق الذي يرميه الفارس لتلألئه،

_ (1) في ط: أو. (2) في ط: وقال. (3) في ط يبدوا له (4) غير منسوب ذكره الأزهري في معجم تهذيب اللغة 3/ 148 واللسان مادة/ ذيع/ ومعنى أذاع به: أظهره ونادى به في الناس (5) ديوان الأفوه الأودي/ 11 - الحماسة البصرية 1/ 49

وضيائه وبريقه نارا قال أوس «1»: فانقضّ كالدّريء يتبعه ... لهب يثور تخاله طنبا فاللهب هنا «2» كالشهاب في البيت الآخر، فإذا كان قوله: قبس صفة، فالأحسن أن يجري على الشّهاب كما جرى على الموصوف في قوله «3»: كأنّه ضرم بالكفّ مقبوس فكان مقبوس صفة للضّرم، فكذلك يكون القبس في قوله: (بشهاب قبس)، [وإن كان مصدرا غير صفة حسنت فيه الإضافة بشهاب قبس] «4» ولا يحسن ذلك في الصفة، ألا ترى أن الموصوف لا يضاف إلى صفته قال الشاعر: في حيث خالطت الخزامى عرفجا ... يأتيك قابس أهله لم يقبس «5»

_ (1) في ديوانه (نقع) بدلا من (لهب) والدريء: الكوكب المنقض يدرأ على الشيطان. تخاله طنبا: تخاله فسطاطا مضروبا. اللسان مادة/ درأ/ وديوانه/ 3. (2) في ط: هاهنا. (3) عجز بيت للمتلمس وصدره: وقد ألاح سهيل بعد ما هجعوا والضرم: النار- والضرم أيضا: شدة العدو. اللسان مادة/ ضرم/ (4) ما بين المعقوفتين مثبت في ط، ساقط من م. (5) العرفج: نبت واحدته عرفجة (اللسان عرفج) ولم نعثر للبيت على قائل

وقريب من هذا المعنى قول الطرمّاح «1»: كظهر اللّأى لو تبتغي رية بها ... لعيّت نهارا في بطون الشّواجن وقال «2»: خلقت شكسا للأعادي مشكسا ... من شاء من شرّ الجحيم استقبسا وقال أبو عثمان عن أبي زيد يقال: أقبسته العلم وقبسته النار، وقول الشاعر: يأتيك قابس أهله يدلّ على ما حكاه أبو زيد من قبسته النار، واسم الفاعل للحال، [ولكنه نوى به] «3» الانفصال، وأحد المفعولين محذوف كأنّه أهل هذا المكان النار «4» فأمّا قوله «5»:

_ (1) الرّية: بتخفيف الياء ما تثقب به بالنار، ورواية البيت عند الأزهري (وشقت) بدل (نهارا) ومعنى البيت: هذه الصحراء كظهر بقرة وحشية ليس فيها أكمة ولا وهدة. التهذيب للأزهري 15/ 306 واللسان (لأي وري). وفي (م): «تبتغى رية» بالبناء للمفعول. (2) ذكره اللسان في مادة/ شكس/ ولم ينسبه والمشكس: سيّئ الخلق (3) في ط: والتقدير. (4) في هامش (ط): في الأصل: كأنه أصل هذا المكان النار. (5) صدر بيت للنابغة وعجزه: أتاني ودوني راكس فالضواجع وراكس: واد، الضواجع: ج ضاجعة وهي منحنى الوادي ومنعطفه، يقول: أتاني وعيده على غير ذنب أذنبته، فبت كالملدوغ خوفا منه، على أني ناء عنه، وبيني وبينهم راكس والضواجع. ديوانه/ 45.

وعيد أبي قابوس في غير كنهه وقوله «1»: فملك أبي قابوس أضحى وقد نجز فليس قابوس فاعولا من القبس، كما أن جالوت وطالوت ليسا بفعلوت من الطّول والجول، ولو كان كذلك لانصرف، ألا ترى أنّ حاطوما «2» وجاروفا، ونحو ذلك ينصرف في المعرفة في امتناع ما ذكرنا من الصرف ما يعلم به أنّه أعجمي، فلمّا انضمّت العجمة إلى التعريف، لم ينصرف، وكذلك إبليس، ليس من أبلس، وإنّما هذه الأشياء اتفاق ألفاظ بين «3» اللغتين. وأما قوله «4»: فإن يقدر عليك أبو قبيس فإنّما انصرف من حيث [حقّر تحقير الترخيم] «5» ولم ينصرف في

_ (1) عجز بيت للنابغة وصدره: وكنت ربيعا لليتامى وعصمة ديوانه/ 217 (2) في م «جالوتا» بدل «حاطوما»، وهذا لا ينسجم مع ما أراد من التمثيل على عدم الصرف (3) في ط: في. (4) صدر بيت للنابغة من قصيدة يهجو بها يزيد بن عمرو بن خويلد، وعجزه: تحطّ بك المنيّة في رهان ويروى: المعيشة- وأبو قبيس: النعمان اشتقه من أبي قابوس اللسان مادة/ قبس/ ديوانه/ 149 (ت: شكري فيصل) (5) في ط: رخم.

النمل: 10، 2

الشعر للضرورة من حيث انصرف نوح ولوط مكبّرين ومصغّرين «1»، يعني أنّه تحقير قبس، وقبس شيء ينصرف. وقال أبو الحسن: (بشهاب قبس) الإضافة أكثر وأجوز في القراءة، كما تقول: دار آجرّ، وسوار ذهب، قال: ولو قلت: سوار ذهب، ودار آجر، كان عربيّا قال: إلّا أنّ الأكثر في كلام العرب الإضافة. قال أبو علي: فأبو الحسن جعل القبس فيه غير وصف، ألا ترى أنّه جعله بمنزلة الآجرّ والذهب، وليس واحد منهما صفة. [النمل: 10، 2] هبيرة عن حفص عن عاصم هدى وبشرى [النمل/ 2] بكسر الراء، والمعروف عن حفص عن عاصم الفتح، وكسر أبو بكر راء رآها تهتز [النمل/ 10] والهمزة وفتحهما حفص عن عاصم، وفتح أبو عمرو الراء وكسر الهمزة في كل القرآن، والكسائي مثل عاصم في رواية أبي بكر يكسرها «2» وحمزة مثله، ابن عامر يفتح، وكذلك ابن كثير ونافع «3». قال أبو علي: قد تقدم ذكر «4» وجه إمالة الفتحتين منهما «5» في غير موضع. [النمل: 20] اختلفوا في فتح الياء من قوله سبحانه «6»: (ما لي لا أرى الهدهد) [النمل/ 20] وما لي لا أعبد [يس/ 22]، وسكونهما.

_ (1) في ط: أو مصغرين. (2) سقطت من م وهي في ط وفي السبعة: يكسرهما. (3) السبعة ص 478 (4) في ط: ذكر رأي. (5) في ط: فيهما. (6) في ط: تعالى.

النمل: 18

فقرأ ابن كثير وعاصم والكسائي: ما لي لا أرى الهدهد وما لى لا أعبد الذي فطرني بفتح الياء فيهما، وقرأ نافع وأبو عمرو (ما لي لا أرى الهدهد) ساكنة الياء هاهنا، وقرأ وما لي لا أعبد بفتح الياء في يس «1»، وقرأ ابن عامر وحمزة الحرفين جميعا ساكنة ياؤهما «2». قال أبو علي: كلا الوجهين من الإسكان والفتح حسن. [النمل: 18] عباس عن أبي عمرو على واد النمل [النمل/ 18] يميل الواو، والباقون: واد النمل مفخما «3». قال أبو علي: الإمالة في (واد) حسنة من أجل الكسرة، والألف اللّازمة بعدها فهما يجلبان الإمالة، إذا كان كلّ واحد منهما منفردا، فإذا اجتمعا كان أجدر لهما. ومن لم يمل، فلأنّ ترك الإمالة شائع «4»، ولغة كثير من العرب. والوادي من ودى، إذا سال، واللام منه ياء، ولا يجوز أن يكون واوا، إلّا أنّه «5» اسم كالكاهل والغارب، وليس بوصف، وقالوا: أمنى يمني، وفي التنزيل: أفرأيتم ما تمنون [الواقعة/ 58]، وأمذى، وقالوا: كلّ فحل يمذي. وقالوا: ودى «6» الرجل، من الودي، ولم أعلم أودى في هذا المعنى، وأنشدنا محمد بن

_ (1) كذا في ط وسقطت من م (2) السبعة ص 479 (3) السبعة ص 478 (4) في ط: سائغ. (5) في ط: لأنه. (6) في (م): أودى. وليس بالوجه.

السري «1»: كأنّ عرق أيره إذا ودى ... حبل عجوز ضفرت خمس قوى وقالوا: في جمع واد أودية، وفي التنزيل: فسألت أودية بقدرها [الرعد/ 17] أي بقدر مياهها، فحذف المضاف، وقالوا: سال الوادي، وجرى النهر، إذا سال مياههما، ولم أعلم فاعلا جمع على أفعلة كهذا الحرف، ويشبه أن يكون لاشتراك فعيل وفاعل في كثير من المواضع، نحو عليم وعالم، وولي ووال، فكما جمع فعيل على أفعلة، شبه هذا الحرف بفاعل. وممّا يقرّب ذلك قولهم: شريف وأشراف، ويتيم وأيتام، وأبيل «2» وآبال، كما قالوا: صاحب وأصحاب، وطائر وأطيار، فكأنّه لما اتفقا في البناء، ووقع كلّ واحد منهما موقع الآخر، اتفقا في الجمع، كما اتّفق فاعل وفعل الذي هو المصدر في الجمع. قال «3»: فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره

_ (1) البيت للأغلب العجلي وقد سبق في 2/ 341 (2) الأبيل: رئيس النصارى وقيل: هو الراهب- والأبيل أيضا: العصا (3) عجز بيت للحطيئة من قصيدة يهجو بها الزبرقان وصدره: بمستأسد القريان حوّ تلاعه ويروى: حوّ نباته: أي: عاف نباته- يقال: استأسد النبت: إذا طال وأتمّ، والقريان: مجاري الماء الى الرياض، والحو: التي اشتدت خضرتها حتى طلعت، إلى السواد. ومعناه: كلّ نور إذا طلعت عليه الشمس استقبلها ثم دار معها حيث تدور اللسان مادة/ ميل/ ديوانه/ 181

النمل: 21

فالنّوار: جمع نور، وليس كحسّان وصرّاء، ألا ترى أنّه وصفه بالجمع في قوله: فنوّاره ميل، لمّا اتّفق فاعل وفعل في الصّفة نحو قوله تعالى «1»: أصبح ماؤكم غورا [الملك/ 30]، اتفقا في التكسير فجمع على فعّال، كما جمع فاعل عليه. [النمل: 21] قال: وقرأ ابن كثير وحده: (أو ليأتينني) [النمل/ 21] بنونين، وكذلك هي «2» في مصاحفهم، وقرأ الباقون على الإدغام، وكذلك في مصاحفهم «3». قال بعض أصحاب أحمد بن موسى في «2» قوله: وقرأ الباقون على الإدغام، غلط في الترجمة، إنّما يريد أنّهم قرءوا «5» بنون واحدة مشدّدة، وحذفوا الثانية «6» التي قبل ياء المتكلم لاجتماع النونات وهو «7»: (ليأتينّني). [النمل: 18] قال عبيد عن أبي عمرو: (لا يحطمنكم) [النمل/ 18] ساكنة النون وهو غلط. قال: وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو لا يحطمنكم مشدّدة النون، وكذلك قرأ الباقون: لا يحطمنكم «3». [قال أبو علي: قوله: وهو غلط] «9»، يريد أنه غلط من طريق

_ (1) سقطت من ط. (2) كذا في ط وسقطت من م (3) السبعة ص 479 (5) في ط: قرءوه. (6) في ط: الثالثة. (7) سقطت من ط. (9) ما بين المعقوفين ساقط من ط

النمل: 22

الرواية، إلّا أنّه لا يتّجه في العربية، [ووجه النون الخفيفة والشّديدة هاهنا حسنان] «1»، ووجه الشديدة في لا يحطمنكم أن الفاعلين كثرة، فثقّلت العين للدّلالة على الكثرة. [النمل: 22] قال: قرأ عاصم وحده فمكث بفتح الكاف، وقرأ الباقون: (فمكث) [النمل/ 22] بضم الكاف «2». قال أبو علي «3»: وجه مكث أنّهم قالوا: مكث يمكث، كما قالوا: قعد يقعد، ومكث كظرف. [قال أبو علي] «4» وأظن سيبويه قد حكاهما، ومما يقوي: مكث بالفتح قوله: قال إنكم ماكثون [الزخرف/ 77]، وفيه: ماكثين فيه أبدا [الكهف/ 3]، فماكثين: يدلّ على مكث، ألا ترى أنّك لا تكاد تجد فاعلا من فعل، إنّما يكون مكان الفاعل فيه: فعيل نحو: ظريف وشريف وكريم. فإن قلت: إنّ فاعلا من مكث في الآيتين، يراد بهما الآتي، فهو مثل: بعيرك صائد غدا، فهو قول. فإن قلت: إنّه حكاية الحال التي يصيرون إليها، فهو قول: ويؤكد ذلك قوله: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون [يس/ 55]. ألا ترى أنّه جاء على أصله لمّا أريد حكاية الحال، ولم يجيء على حدّ: بعيرك صائد غدا. قال أبو حسن: مكث أكثرهما.

_ (1) ما بين المعقوفين ساقط من ط. (2) السبعة ص 480 (3) سقطت من ط. (4) كذا في ط وسقطت من م

النمل: 22

[النمل: 22] اختلفوا في إجراء سبأ [النمل/ 22]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو (من سبأ) غير مجراة، هذه رواية البزي، وقرأت على قنبل عن النّبّال (من سبأ بنبإ يقين) ساكنة الهمزة، وكذلك [في قوله «1»]: (لسبأ في مساكنهم) [سبأ/ 15] وكذلك روى الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد عن شبل عن ابن كثير، وقال: هو وهم وأخبرني قنبل عن ابن أبي بزّة: (من سبأ) مفتوحة الهمزة مثل أبي عمرو، وهذا هو الصواب. وكذلك (لسبأ) وقرأ الباقون: من سبأ مجراه «2». قال أبو علي: قال سيبويه: ثمود وسبأ، مرة للقبيلتين، ومرة للحيين، فكثرتهن سواء، يريد أن هذه الأسماء منها ما جاء على أنّه اسم للحيّ نحو: معدّ وقريش وثقيف، ومنه ما يغلب عليه أن يكون اسم قبيلة كقولهم: تغلب بنت وائل، وتميم بنت مرّ. ومنه ما يستوي فيه الأمران جميعا، كثمود وسبأ، قال أبو الحسن في سبأ: إن شئت صرفته، فجعلته اسم أبيهم أو اسم الحي، وإن شئت لم تصرف، وجعلته اسم القبيلة، قال: والصرف أعجب إليّ، لأنّه قد عرفت أنّه اسم أبيهم، وإن كان اسم الأب يصير كالقبيلة إلّا أني أحمله على الأصل. انتهى كلام أبي الحسن. وقال غيره: هو اسم رجل، واليمانية «3» كلّها تنسب إليه، يقولون: سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وقال أبو إسحاق: من قال: إن سبأ اسم رجل فقد غلط «4»

_ (1) زيادة من ط (2) السبعة ص 480، وقوله: مجراة وغير مجراة يعني: مصروفة وغير مصروفة والصرف هنا التنوين. (3) في (م): واليمامة بدل اليمانية. والمثبت من ط (4) في ط: فغلط.

النمل: 25

لأنّ سبأ مدينة بقرب مأرب من اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام كذلك قيل، انتهى كلامه. [النمل: 25] قال: كلّهم شدّد اللّام من قوله سبحانه: ألا يسجدوا [النمل/ 25] غير الكسائي فإنّه خفّفها، ولم يجعل فيها (أن) ووقف (ألايا) ثم ابتدأ (اسجدوا) «1». قال أبو علي: من شدّد ألا يسجدوا فتقديرها: فصدّهم عن السّبيل لئلّا يسجدوا، ويجوز أن يعلق (أن) بزيّن، كأنّه زيّن لهم الشيطان أعمالهم «2»، لئلّا يسجدوا، واللّام في الوجهين داخلة على مفعول له، وهذا هو الوجه لتحري القصة على سننها، ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها، وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع، لأنّه يجري مجرى الاعتراض، وما يسدّد القصّة، وكأنّه لما قيل: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون [النمل/ 24]، فدلّ «3» هذا الكلام على أنّهم لا يسجدون لله تعالى، ولا يتدينون بدين، قال: «4» ألا يا قوم أو يا مسلمون اسجدوا لله الّذي [يخرج الخبء في] «5» السموات والأرض، خلافا عليهم، وحمدا لله، ومكان «6» ما هداهم لتوحيده، فلم يكونوا مثلهم في الطغيان والكفر. ووجه دخول حرف التنبيه على الأمر، أنّه موضع يحتاج فيه

_ (1) السبعة ص 480 (2) سقطت من م. (3) في (ط): «قد دل». (4) في (م): لا يسجدون لله، ولا يدينون بدين كأنه قال ... (5) في ط: الذي خلق. (6) في ط «مكان» بدون واو العطف

إلى استعطاف المأمور لتأكيد ما يؤمر به عليه، كما أنّ النداء موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المنادى له من إخبار أو أمر أو نهي، ونحو ذلك مما يخاطب به، وإذا كان كذلك فقد يجوز أن لا يريد منادى في نحو قوله: ألا يسجدوا [النمل/ 25] كما يريد المنادى في قوله «1». يا لعنة الله والأقوام كلّهم ... والصّالحين على سمعان من جار وكذلك ما حكي عن أبي عمرو من قوله: يا ويل له، ويؤكد ذلك قولهم: هلمّ، وبناؤهم ها التي للتنبيه مع لم، وجعلها مع الفعل كشيء واحد، وإجماع الناس على فتح آخر الكلمة في اللغتين، فكما لا يجوز أن يراد هاهنا مأمور لبناء الكلمة «2» على الفتح، وإن فكّ إحداهما من الأخرى، بل لا يسوغ إرادة «3» المنادى، لمكان بنائهما معا، وجعلهما بمنزلة شيء واحد، كذلك يجوز لك «4» أن لا تريد مأمورا في قوله: (ألا يا سجدوا). ويجوز أن يراد بعد يا مأمورون، فحذفوا، كما حذفوا من قوله «1»: يا لعنة الله والأقوام كلّهم فكما أن (يا) هنا لا تكون إلّا لغير اللّعنة، كذلك يجوز أن يكون

_ (1) من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها 1/ 320 وابن الشجري 1/ 325 و 2/ 154 والإنصاف/ 118 والمفصل 2/ 24 - 40 والمغني/ 373 والهمع 1/ 74، 2/ 70 والدرر 1/ 150، 2/ 86 وانظر شرح أبيات المغني 6/ 171 (2) في (م): الكلمتين. (3) في (م): من الأخرى، لا يسوغ بإرادة المنادى. (4) سقطت من ط

النمل: 25

المأمورون مرادين فحذفوا من اللّفظ، وقد جاء هذا في مواضع من الشعر، فمن ذلك ما أنشده أبو زيد «1»: وقالت ألا يا اسمع نعظك بخطّة ... فقلت سمعنا فانطقي وأصيبي وممّا يؤكّد قول من قال: ألّا مثقلة، أنّها لو كانت مخفّفة ما كانت في يسجدوا ياء لأنّها اسجدوا، ففي ثبات الياء في يسجدوا في المصحف دلالة على التّشديد، وأنّ المعنى: أن لا يسجدوا، فانتصب الفعل بأن وثبتت ياء المضارعة في الفعل. [النمل: 25] اختلفوا في قوله جلّ وعز «2» ويعلم ما تخفون وما تعلنون في الياء والتاء [النمل/ 25]. فقرأ عاصم في رواية حفص والكسائي بالتاء فيهما «3». وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بالياء فيهما «4». قال أبو علي: من قرأ بالياء، فلأنّ الكلام على الغيبة: فزيّن لهم الشّيطان ألا يسجدوا، وهو يعلم الغيب وما يخفون وما يعلنون. وقرأ الكسائي فيهما «5» بالتاء لأنّ الكلام قد دخله خطاب على قراءته: اسجدوا لله الذي يعلم ما تسرّون وما تعلنون. ومن قرأ: (أن لا يسجدوا)، فالكلام على الغيبة، ويجوز أن

_ (1) نسبه في النوادر الى النمر بن تولب/ 22 وذكره الإنصاف/ 102 ولم ينسبه (2) سقطت من ط. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) السبعة ص 481 (5) كذا في ط وسقطت من م.

النمل: 28

يكون على الخطاب للمؤمنين والكافرين الذين جرى ذكرهم، على لفظ الغيبة، فأخبر الجميع بأنّه سبحانه يعلم ما يخفون وما يعلنون، ورواية أبي بكر عن عاصم [بالياء فيهما] «1» أشبه بقراءة ألا يسجدوا [بالياء فيهما] «2»، لأنّه غيبة مع غيبة. [النمل: 28] اختلفوا في وصل الهاء بياء في قوله جل وعز «3»: (فألقه إليهم) [النمل/ 28] وإسكانها. فقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (فألقهى إليهم) موصولة بياء في رواية الحلواني عن هشام بن عمار عن ابن عامر، وقال: ابن ذكوان بكسر الهاء، واختلف عن نافع فقال ابن جمّاز والمسيّبي والقاضي عن قالون: (فألقه إليهم) مكسورة الهاء من غير ياء. وقال ورش: في الوصل ياء بعد الهاء، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر وكذل قال «4» الحلواني عن قالون. واختلف عن أبي عمرو، فروى عنه اليزيدي: فألقه ساكنة، وروى عنه عبد الوارث وشجاع، (فألقهي) موصولة بياء في الوصل. وقال عباس: سألته فقرأ: فألقه جزما وقال: إن شئت: (فألقهي) [وكان اختياره فألقهي مشددة] «5»، وقرأ عاصم في الروايتين جميعا جزما وحمزة مثله «6».

_ (1) كذا في ط وسقطت من م (2) سقطت من ط. (3) في ط: تعالى. (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) كذا في ط وسقطت من م. وفي السبعة: مشبعة، بدل مشددة (6) السبعة ص 481

النمل: 36

قال أبو علي: وصل الهاء بياء في (ألقه) ونحوه أقيس وأشبه، وترك وصله بالياء إنّما يجري في الشعر، كقوله «1»: ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا وكذلك رواية من روى عن أبي عمرو: (فألقهي إليهم) موصولة بياء، أقيس من رواية من روى: فألقه بسكون الهاء. وزعم أبو الحسن أن نحو: (ألقه) ونحو قوله «2»: مشتاقان له أرقان لغة، ولم يحك ذلك سيبويه، وحمل قوله: «له أرقان» على الضرورة ولم يحك اللّغة التي حكاها أبو الحسن في موضع علمت. [النمل: 36] اختلفوا في قوله جلّ وعز «3»: (أتمدونني بمال) [النمل/ 36]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (أتمدّونني) بنونين وياء في الوصل. حدثنا ابن واصل قال: حدثنا ابن سعدان عن المسيبى عن

_ (1) عجز بيت صدره: أو معبر الظّهر ينبى عن وليّته وهو من شواهد سيبويه، وقد نسبه إلى رجل من باهلة، ولم يزد الأعلم في نسبته على ذلك- والشاعر يصف بعيرا لم يستعمله صاحبه في سفر لحجّ أو عمرة- ومعبر الظهر: ممتلئة باللحم مع كثرة وبره والوليّة: البرذعة، ومعنى: يبني عن وليّته: يجعلها تنبو عنه لسمنه. انظر سيبويه 1/ 12 والإنصاف/ 516 والمقتضب 1/ 38 (2) سبق البيت في 1/ 124، 203، 205 و 5/ 328. (3) في ط: تعالى.

نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون وهي بنون واحدة وياء في الوصل والوقف «1». وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي: أتمدونن بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة: (أتمدّونّي بمال) بنون واحدة مشددة ووقف على الياء «2». قال أبو علي [في: أتمدونني بمال] «3»: أبو زيد: أمددت الرجل بالمال والرجال «4» إمدادا. قال [أبو علي] «5»: وفي التنزيل «6»: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55]، وفي غير المال والبنين، مدّ على فعل، قال: ويمدهم في طغيانهم يعمهون [البقرة/ 15] ويمدونهم في الغي [الأعراف/ 202]، وقال: ونمد له من العذاب مدا [مريم/ 79] فأمّا قوله: (أتمدّونّي) هو: (أتمدّونني). فأدغم الأولى في الثانية، ومن لم يحذف الياء في الوصل، فلأنّه ليس بفاصلة ولا يشبه الفاصلة، لأنّه ليس بكلام تام، فالنون الأولى علامة الرفع، والثانية التي تصحب ضمير المتكلم المنصوب.

_ (1) في السبعة ويحذف الياء في الوقف، وبعدها زيادة ما يأتي: وعن ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: (أتمدّونني) بياء في الوصل والوقف. (2) انظر السبعة ص 481 - 482. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) في ط: وبالرجال. (5) سقطت من ط. (6) في ط: موضع.

النمل: 36

وقرأ «1» نافع: (أتمدّوني) خفيفة النون. [قال أبو علي]: «2»: التشديد حسن «3»، ووجه التخفيف أنّه يحذف الثانية، ولا يحذف الأولى لأنّ حذف الأولى لحن، والثانية قد حذفت في مواضع من الكلام والشعر، نحو: قدي «4» وإني «5»، ومن بيّن فقال: (أيمدّونني) فجمع بين المثلين ولم يدغم، فلأنّ الثانية ليست بلازمة، ألا ترى أنّها «6» تجري في الكلام ولا يلزق بها الثانية «7» نحو: أتمدّون زيدا، وفي التنزيل: ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253]. [النمل: 36] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «8»: فما آتاني الله [النمل/ 36] في فتح الياء، وإثباتها وجزمها. فقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي: (فما أتان الله) بكسر النون من غير ياء. وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية حفص: فما آتاني الله

_ (1) في ط: وقول. (2) سقطت من ط. (3) في ط: أحسن منه. (4) يشير إلى رجز سبق في 3/ 334 وانظر زيادة على ما سبق في تخريجه «الإيضاح الشعري» للمصنف ص 177 وحاشيته التي استوفي فيها المحقق التعليق على البيت. (5) انظر الكلام على الآية 80 من سورة الأنعام في 3/ 334. (6) في ط: أنه. (7) في ط: الثاني. (8) في ط: تعالى.

النمل: 39

بفتح الياء. وكلّهم فتح التاء غير الكسائي، فإنّه أمالها من: (آتاني). [النمل: 39] وأمال حمزة أنا آتيك به [النمل/ 39، 40]. أشمّ الهمزة شيئا من الكسر، ولم يملها غيره «1». قال أبو علي: من قرأ: فما آتاني الله بسكون الياء لزمه إذا أدرج أن يحذفها لالتقاء الساكنين: الياء ولام المعرفة «2»، ومن فتحها على أصل ما يجب لهذه الياء من الفتحة [ثبتت له] «3» ولم يحذف، لأنّه لم يلتق ساكن مع ساكن فيلزم حذفها. فأمّا إمالة الكسائي الألف من آتاني فحسن، لأنّ هذه الياء ثابتة في تصرف هذا الفعل، فبحسب لزومها تحسن الإمالة. وأمّا إمالة حمزة أنا آتيك فإنّما هي من أجل لزوم الكسرة في: (آتي) «4»، فإذا لزمت الكسرة جازت الإمالة، فأمال الفتحة التي على همزة المضارعة، لتميل الألف التي في آتى نحو الياء، وإمالة الكسائي فتحة التاء من (آتاني) «5» أحسن من إمالة حمزة، لأنّ (آتى) مثال ماض، والهمزة في (آتيك) همزة المضارعة، فإمالتها لا تحسن، ألا ترى أنّه لو كانت الياء التي للمضارعة في الفعل، لم تجز الإمالة، وإذا لم تجز الإمالة في حرف من حروف المضارعة، كان ما بقي من الحروف على «6» حكمه، ألا ترى أنّهم قالوا: يعد، فأتبعوا سائر

_ (1) السبعة ص 482. (2) في ط: التعريف. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) في (ط): آتاني. (5) في ط: في آتي. (6) في ط: في.

النمل: 44

الحروف الياء، وكذلك أكرم ولم يميلوا الفتحة في (أيحسب) «1» كما أمالوها في قولهم في عمر «2»، ولأنّ الياء لو كانت من مكان التاء، لم تحسن إمالتها، فكذلك لا تحسن إمالة الهمزة من قوله: أنا آتيك به [النمل/ 39/ 40]. [النمل: 44] قال: همز ابن كثير وحده: (وكشفت عن سأقيها) [النمل/ 44] في رواية أبي الإخريط، ولم يهمز غيره «3» (على سؤقه) [الفتح/ 29] و (بالسؤق) [ص/ 33]. قال أبو بكر: ولم يهمز يوم يكشف عن ساق [القلم/ 42] ولا وجه له «4». وقرأت على قنبل عن النبال بغير همز: حدثنا مضر بن محمد قال: حدثنا ابن أبي بزّه قال: كان وهب بن واضح «5» يهمز (عن سأقيها)، و (على سؤقه) و (بالسّوق) «6»، قال ابن أبي بزّة، أنا لا أهمز من هذا شيئا، وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا. [وقرأ الباقون: ساقيها غير مهموز، ولم يهمز أحد: يوم يكشف عن ساق] «7». قال أبو علي: أما الهمز في ساقيها «8»، (وساق)، فلا وجه

_ (1) في (ط): يحسب. (2) في (ط): في قولك في عمرو (3) سقط من السبعة قوله: لم يهمز غيره واتصلت العبارة عنده. (4) في (م) همز ساق لا وجه له، وما في (ط) موافق لما في السبعة. (5) هو وهب بن واضح أبو الإخريط قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي انتهت إليه رئاسة الإقراء بمكة. انظر طبقات القراء 2/ 361 وسبقت ترجمته. (6) في (م): وبالسئوق. (7) السبعة ص 483 وما بين معقوفين زيادة منه. (8) سقطت من ط.

له، وأما (على سؤقه) و (بالسّوق) «1» فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة، قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفاشي. فأمّا رواية ذلك، فإنّ أبا عثمان زعم أنّ أبا الحسن خبّره «2» قال: كان أبو حيّة النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة، وينشد «3»: لحب المؤقدين إليّ مؤسى ووجهه من القياس أنّه يقدّر الضّمّة، كأنّها على الواو، إذ لا حائل بينها وبين الواو، ونظير ذلك قولهم: امرأة مقلات، فيميلون الألف، كأنّه قدّر الكسرة، لمّا لم يكن بينها وبين القاف حاجز على القاف، فكما أنّه لو قال: قلات وقباب وضعاف، ونحو ذلك، لجازت الإمالة فيه، كذلك استجازوها في مقلات لما أعلمتك، وأن لا يؤخذ بذلك «4» في التلاوة أحسن. وأمّا ما يروى عن ابن كثير من همز (سأقيها)، فوجه الشبه «5» فيه أن من قال: سؤق، في جمع ساق، فكان مثل: لابة ولوب، ودار ودور. وكان (سئوق) كحول وحؤول، وجاز الهمز في الجمع على القولين. فأما سؤق فعلى:

_ (1) في م: بالسئوق. (2) في ط: أخبره. (3) صدر بيت لجرير عجزه: وجعدة إذ أضاءهما الوقود وقد سبق في 1/ 239. (4) في (م) ذلك. (5) في ط: الشبهة.

النمل: 49

لحبّ المؤقدين إليّ مؤسى و (سئوق) لتحركها بالضّمّ، وهذه الهمزة جرت مجرى ثائر، لأنّ بعضهم قال: أدؤر، ثم قلب، فقال: آدر، ولم يردّ الواو التي هي عين، ولكن جعلها كآخر وآدم، فلمّا استمر في الجمع «1» الهمز في هذين الوجهين، فقالوا: (أسؤق) أيضا «2»، فجاز همزها قال «3»: لكلّ دهر قد لبست أثؤبا «4» استجاز ذلك أيضا في سأق، كما أنّ ادّكر ومدّكر لما استمر فيه بدل الذال، قالوا: الدّكر، وكذلك قولهم: اتقى وتقيّة، وكأنّه لما رأى الهمز في الجمع [في هذه المواضع] «5»، أجرى الواحد على قياس الجمع، وأكّد ذلك أن الهمزة في هذه المواضع من الجمع، جرت مجرى الهمزة من نفس الكلمة فيما ذكرت لك. [النمل: 49] اختلفوا في التاء والنون من قوله جلّ وعزّ «6»: لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه [النمل/ 49].

_ (1) في ط: الجميع. (2) سقطت «أيضا» من (م). (3) في ط: كما جاء. (4) من رجز لمعروف بن عبد الرحمن وبعده: حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا أملح لا لذا ولا محبّبا وهو من شواهد سيبويه 2/ 185 والمنصف 1/ 384 و 3/ 47 واللسان مادة (ثوب). (5) سقطت من ط. (6) في ط: تعالى.

فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم بالنون جميعا، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء جميعا «1». قال أبو علي: قوله: تقاسموا فعل لا يخلو من أن يراد به مثال الماضي، أو مثال الآتي الذي يراد به الأمر، ألا ترى أنّك تقول: تقاسموا أمس، إذا أردت الماضي، وتقاسموا غدا، إذا أردت به الأمر، فمن قال: تقاسموا بالله لنبيتنه فأراد الأمر وجعل لنبيتنه جوابا لتقاسموا، لأنّ هذه الألفاظ التي تكون من ألفاظ القسم تتلقى بما تتلقّى به «2» الأيمان كقوله سبحانه: «3» وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن [فاطر/ 42] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى «4» [النحل/ 38]، فكذلك: تقاسموا بالله، فمن قال: لنبيتنه تلقاه باللّام والنون الثقيلة، وأدخل المتكلمون أنفسهم مع المقسمين «5»، كما دخلوا في قوله تعالى: فقل تعالوا ندع أبناءنا [آل عمران/ 61]. ومن قال: (لتبيّتنّه) أراد ليقسم بعضكم لبعض «6» لتبيّتنّه، فتقاسموا على هذا: أمر، كما كان فيمن قال: لتبيّتنّه، أمرا. ومن قال: (ليبيّتنّه) بالياء، فتقاسموا على هذا مثال ماض، ولا يجوز مع هذا إلّا بالياء، لأنّ مثال الماضي للغيبة، كما أن «7» (ليبيّتنّه) بالياء كذلك، ولا يجوز التاء ولا النون في قوله «8» لنبيتنه و (لتبيّتنّه) مع

_ (1) السبعة 483. (2) كذا في ط وسقطت من م. (3) سقطت من ط. (4) سقطت من م. (5) في (ط): المسلمين. (6) في ط: كما كان. (7) في م: أقسم بعضهم ببعض. (8) كذا في ط وسقطت من م.

النمل: 49

مثال الماضي. لأنّ الماضي للغيبة، و (لتبيّتنّه) للخطاب. [النمل: 49] قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك أهله) [النمل/ 49] بفتح الميم واللام، وروى عنه حفص بفتح الميم وكسر اللام، وقرأ الباقون: (مهلك) بضمّ الميم وفتح اللام «1». قال أبو علي: يقال: هلك يهلك، والمصدر منه مهلك، كما أنّ المصدر من ضرب يضرب مضربا، بفتح الراء، واسم المكان: المهلك، بكسر اللّام، فقول عاصم في رواية أبي بكر: (مهلك) أي هلاك أهله، وقد حكي أنّه يقال: هلكني، بمعنى: أهلكني. وذلك لغة تميم، فيما زعموا، فيجوز «2» في المهلك على هذا أن يكون مصدرا مضافا إلى المفعول به، ويكون على قول من لم يجعل هلكه بمعنى «3» أهلكه، مصدرا «4» مضافا إلى الفاعل، كما تقول: هلاك أهله. وأمّا رواية حفص عنه، فيحتمل ضربين: يجوز أن يكون: مهلك اسم المكان، فيكون المعنى: ما شهدنا موضع هلاكهم ومكانه، فيكون المهلك: كالمجلس، في أنّه يراد به موضع الجلوس، ويجوز أن يريد بالمهلك، المصدر، لأنّه قد جاء المصدر من فعل يفعل، على مفعل، قال: إلي مرجعكم [العنكبوت/ 8]، وقال: ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]، والأوّل أكثر.

_ (1) السبعة ص 483. (2) في (م): فيكون. (3) في ط: بمنزلة. (4) كذا في ط وسقطت من م.

النمل: 51

فأمّا من قرأ: (مهلك) فيحتمل ضربين، يجوز أن يكون: إهلاك أهله: أي: لم يشهد إهلاك أهله، ويجوز أن يكون الموضع أي: لم يشهد موضع الإهلاك. [النمل: 51] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعزّ «1»: (إنا دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51]. فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (أنّا) بفتح الألف، وقرأ الباقون: إنا بكسر الألف «2». قال أبو علي: قال سبحانه «3»: فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم [النمل/ 51]. من كسر (إنّا) جاز أن تكون (كان) المفتقرة إلى الخبر، وجاز (أن) تكون «4» التي بمعنى وقع، فإذا جعلته على وقع كان قوله «5»: (كيف) في موضع حال تقديره: على أي حال وقع عاقبة مكرهم. أي أحسنا وقع عاقبة مكرهم، أم سيّئا؟ ويكون في: كيف ضمير من ذي الحال، كما أنّك إذا قلت في الدار حدث الأمر، فجعلته في موضع الحال كان كذلك، وحكم «كيف» «6» أن يكون متعلقا بمحذوف، كما أنّك إذا قلت في الدار وقع زيد، تقديره: وقع زيد مستقرا في هذه الحال، فإن جعلته ظرفا للفعل تعلق بكان الذي بمعنى الحدوث.

_ (1) في ط: تعالى. (2) السبعة ص 483 - 484. (3) سقطت من ط. (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) كذا في م وسقطت من ط. (6) في ط: على أن.

وقوله: (إنا دمرناهم) [النمل/ 51] فيمن كسر استئناف، وهو تفسير للعاقبة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد، فكذلك قوله: (إنّا دمّرناهم) تفسير. ومن قرأ: أنا دمرناهم جاز أن يكون (كان) على ضربيها، فإذا حملتها على وقع كان (كيف) في موضع حال، وجاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أمران، أحدهما: أن يكون بدلا من قوله: عاقبة مكرهم، وجاز أن يكون محمولا على مبتدأ مضمر، كأنّه: هو أنا دمرناهم أو ذاك أنّا دمّرناهم، فإذا حملتها على المقتضية للخبر جاز في قوله: (إنّا دمّرناهم) أيضا أمران: أن «1» يكون بدلا من اسم (كان) الذي هو (العاقبة)، فإذا حملته على ذلك كان (كيف) في موضع خبر كان. والآخر: أن يكون خبر (كان)، ويكون موضعه نصبا، بأنّه خبر كأنّه: كان عاقبة مكرهم تدميرهم، ويكون كيف في موضع حال، ويجوز أن يكون العامل في كيف أحد شيئين: أحدهما: أن يكون (كان) لأنّه فعل كما كان العامل في الظرف في قوله سبحانه «2»: أكان للناس عجبا أن أوحينا [يونس/ 2] كان. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يتصل قوله للناس بواحد من المصدرين، إلّا أن تجعله صفة لعجب، فتقدمه، فيصير في موضع حال، والعامل فيه على هذا أيضا كان. ويجوز أن يكون العامل فيه ما في الكلام من الدلالة على الفعل، لأنّ قوله: (إنّا دمّرناهم) بمنزلة تدميرنا، وتدميرنا يدلّ على دمرناهم فيصير العامل فيه هذا المعنى الذي دلّ عليه ما في

_ (1) سقطت من م. (2) سقطت من ط.

النمل: 55

الكلام من معنى الفعل. وزعموا أن في حرف أبيّ: (أن دمرناهم وقومهم) [النمل/ 51] فهذا يقوي الفتح في أنا. [النمل: 55] ابن كثير: (أينكم لتأتون) [النمل/ 55] بهمزة واحدة غير ممدودة، وبعدها ياء ساكنة، وكذلك روى ورش عن نافع، وقد ذكرته في الأعراف وغيرها. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئنكم بهمزتين. وقرأ نافع وأبو عمرو [في غير قراءة ورش] (آينكم) بهمزة واحدة ممدودة «1». قال أبو علي: أبو عمرو «2» يريد أإنكم ثم يلين الهمزة الأخيرة فتصير [بين بين] «3»، وقد ذكرنا ذلك «4» فيما تقدم. [النمل: 57] قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (قدرناها) [النمل/ 57] خفيفة. وقرأ الباقون: قدرناها مشددة وكذلك روى حفص عن عاصم بالتشديد «5». وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّ قدرنا في معنى قدّرنا «6». ويدلّ على ذلك قوله «7»:

_ (1) السبعة ص 484. (2) كذا في ط وسقطت من م. (3) في ط: بين الياء والهمزة. (4) في ط: ما في هذا. (5) السبعة ص 484. (6) بل فيما سيأتي في سورة الواقعة/ 60. (7) صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي، عجزه: فخرت كما تتايع الرّيح بالقفل وهو من قصيدة في «شرح أشعار الهذليين» 1/ 93. قوله: المفرهة: التامّة التي تجيء بأولاد فواره. والعنس: الصلبة الشديدة، تتايع: تمضي وتتابع.

النمل: 62

ومفرهة عنس قدرت لساقها [ومثله للأعشى: يهماء طامسة رفعت لعرضها ... طرفي لأقدر بينها أميالها «1» قالوا: معناه لأقدّر] «2». [النمل: 62] اختلفوا في الياء والتاء، من قوله جلّ وعزّ: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62]. فقرأ أبو عمرو وحده: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62] بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء. وروى هشام بن عمار عن ابن عامر بالياء مثل أبي عمرو، وروى ابن ذكوان عن ابن عامر بالتاء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان [عن ابن عامر] بالياء «3». [قال أبو علي] «4»: (قليلا ما يذكرون) [النمل/ 62]، أي ما يذّكر هؤلاء المشركون الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، أو إلها آخر، ووجه الخطاب والتاء، أنّ الخطاب مصروف إليهم دون المسلمين، كأنّه: قل لهم يا محمد: قليلا ما تذكرون [النمل/ 62]. [النمل: 66] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: بل أدارك علمهم [النمل/ 66]،

_ قدرت: هيّأت، لرجلها، أي: ضربت رجلها بسيفي فخرّت لما عرقبتها، كما تطير الريح باليبيس من الشجر. والقفل: ما جف من ورق الشجر. (1) انظر ديوانه/ 27 واليهماء: الصحراء ليس فيها علم يهتدي به السالك. (2) ما بين المعقوفتين ورد في ط وسقط من م. (3) السبعة ص 484 وما بين معقوفين زيادة منه. (4) سقطت من ط.

فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (بل أدرك) [خفيفة بغير ألف]، وقرأ الباقون: بل أدارك [بالألف ممدودة. روى] المفضل عن عاصم: (بل أدرك) مثل أبي عمرو غير أحمد، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم بل ادرك على افتعل «1». قال أبو علي: يعلم قد «2» يصل بالجار كقوله: ألم يعلم بأن الله يرى [العلق/ 14] وقولهم: علمي بزيد يوم الجمعة، ويمكن أن يكون منه قول ابن مقبل «3»: وعلمي بأسدام المياه ... ومعنى أدرك: بلغ ولحق، تقول: فلان أدرك الجيش إذا لحق بهم «4» وقد تقول: هذا ما أدركه علمي أي: بلغه، فالمعنى: أنّهم لم يدركوا علم الآخرة، أي لم يعلموا حدوثها وكونها، ودلّ على ذلك قوله تعالى: بل هم في شك منها، بل هم منها عمون [النمل/ 66] أي: بل هم من علمها، وإذا كان كذلك، كان معنى قوله سبحانه «5» في الآخرة معنى الباء، أي: لم يدركوا علمها، ولم ينظروا في حقيقتها، فيدركوها ولهذا قرأ من قرأ: (بل أدرك) كأنّه أراد لم يدركوه، كما تقول: أجئتني أمس أي: لم تجىء. والمعنى: لم يدرك علمهم

_ (1) السبعة ص 485 وما بين معقوفين زيادة منه. (2) في ط: فعل بدل قد. (3) قطعة من بيت سبق بتمامه مع قرين له في 3/ 313. والأسدام: المياه المتغيرة لقلّة الوارد، واحدها: سدم، يريد: مياه الفلوات (طرة سيبويه 1/ 467). (4) في ط: فلان أدرك الحسن إذا لحق أيّامه. (5) سقطت من ط.

بحدوث الآخرة، بل هم في شكّ من حدوثها، بل هم عن علمها عمون. والعمي عن علم الشيء أبعد منه من الشاكّ فيه، لأنّ الشّكّ قد يعرض عن ضرب من النظر، والعمي عن الشيء الذي لم يدرك منه شيئا. أمّا من قال: ادارك فإنّه أراد: تدارك، فأدغم التاء في الدال لمقاربتها لها، وكونها من حيّزها، فلمّا سكنت التاء للإدغام اجتلبت لها همزة الوصل كما اجتلبت في نحو ادّان «1» وفي التنزيل: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38]، كأن معناه «2»: تلاحقوا قال «3»: تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها وما رواه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: بل ادرك فمعناه افتعل من أدركت، وافتعل، وتفاعل: قد يجيئان بمعنى، يعنى بأحدهما ما يعنى بالآخر، ومن ثمّ صحّ قولهم: ازدوجوا، وإن كان حرف العلة على صورة يجب فيها الانقلاب، ولكنّه صحّ لما كان بمعنى تفاعلوا، وتفاعلوا يلزم تصحيح حرف العلة فيه لسكون الحرف الذي قبل حرف العلة، فصار تصحيح هذا كتصحيح: عور، وحول، لمّا كان في معنى تفاعل، وتفاعل قبل حرف العلة منه ساكن، وإذا كان كذلك

_ (1) في ط: ادّارأ. (2) في ط: معناها. (3) صدر بيت لزهير وعجزه: وذبيان قد زلّت بأقدامها النّعل ديوانه/ 109 وفي (ط): «تداركتم» بدل «تداركتما».

النمل: 67

فادّرك وادّارك بمعنى، كما أن عور واعوار بمعنى، ولو قرئ: حتى إذا ادّاركوا فيها، وادّركوا لكان مثل ما في هذه الآية، وقول الشاعر: ولولا دراك الشّدّ قاظت حليلتي «1» أي: لولا متابعتي للعدو والنجاء، لأسروني. فدراك مصدر لدارك، كما أنّ القتال مصدر لقاتل. [النمل: 67] قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (أيذا كنا ترابا وآباؤنا أينا) [النمل/ 67] بهمزة، غير أن ابن كثير لا يمدّ، وأبو عمرو يمدّ، وكان أبو عمرو يأتي بألف بعد الهمزة، ثمّ ياء، وكان ابن كثير لا يأتي بألف بعدها ياء، تقول: (أيذا، أينا، وقرأ عاصم وحمزة: أإذا بهمزتين، أإنا بهمزتين، وقرأ نافع: (إذا كنّا ترابا) مكسورة الألف، (آينا) ممدودة، وقرأ ابن عامر والكسائي: أإذا كنا ترابا بهمزتين، (إنّنا لمخرجون) بنونين وكسر الألف من غير استفهام. [قال أبو علي] «2»: قد ذكرنا ألفاظ ذلك ومعانيه فيما تقدّم. [النمل: 70] قال: وقرأ ابن كثير: في (ضيق) بكسر الضاد. [النمل/ 70]. خلف عن المسيبي عن نافع مثله، وكذلك روى أبو عبيدة «3» عن إسماعيل عنه وهو غلط، وقرأ الباقون ضيق بفتح الضاد «4».

_ (1) في (ط): «ادارك». والصواب ما أثبتناه من (م) وقاظت: أقامت زمن القيظ. هذا ولم نعثر لصدر البيت على تتمة، ولم نقف له على قائل. وهو من الطويل. (2) سقطت من ط. (3) في السبعة: أبو عبيد. (4) السبعة ص 485.

النمل: 80

قال أبو علي: لا يكون الضيق مثل هين ولين، لأنّك إن حملته على ذلك، أقمت الصفة مقام الموصوف، فلا ينبغي أن تحمل على ذلك، ما أصبت عنه مندوحة، فيحمل ضيق وضيق على أنهما لغتان. [النمل: 80] قال: قرأ ابن كثير: (ولا يسمع الصم) [النمل/ 80] رفعا، وفي الروم [الآية/ 52] مثله، وقرأ الباقون: تسمع بالتاء، الصم نصبا في الموضعين. عباس عن أبي عمرو: (ولا يسمع الصّمّ) مثل ابن كثير «1». حجّة من قرأ: تسمع أنّه أشبه بما قبله، ألا ترى قوله سبحانه «2»: إنك لا تسمع الموتى [النمل/ 80] فأسند الفعل إلى المخاطبين، فكذلك يسند إليهم في قوله: ولا تسمع الصم ويؤكد ذلك قوله «3»: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا [الأنفال/ 23]، فيكون المعنى: إنّك لا تسمعهم كما لم يسمعهم الله. والمعنى: أنّهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه من التوحيد والدين، كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه وإعلامه شيئا، وكالصّمّ الذين لا يسمعون ولا يسمعون. ومن قرأ: (لا يسمع الصّمّ) فالمعنى أنّهم لا ينقادون للحقّ لعنادهم، وفرط ذهابهم عنه، كما لا يسمع الأصم ما يقال له. ومن قرأ «4»: لا تسمع فالمعنى: إنك إذا أسمعتهم لم يسمعوا، فالمعنى فيه يؤول إلى أن الصمّ لا تسمع.

_ (1) السبعة ص 486. (2) سقطت من ط. (3) في ط: قوله تعالى. (4) في ط: قال.

النمل: 81

[النمل: 81] قال: قرأ حمزة وحده: (تهدي) [النمل/ 81] بالتاء (العمي) نصبا، وفي الروم [53] مثله، وقرأ الباقون: بهادي العمي مضافا في السورتين. قال أبو بكر: وكتب: (تهدي العمي) «1» في هذه السورة بياء على الوقف، وكتب التي في الروم بغير ياء على الوصل، وقال خلف: كان الكسائي يقف عليهما جميعا بالياء. حدثنا بذلك محمد بن يحيى الكسائي عن خلف، قال خلف: سمعت الكسائي يقول: من قرأ: (تهدي العمي) بالتاء، وقف عليهما جميعا بالياء «2». قال بعض أصحاب أحمد، يعني الكسائي: إن حمزة يقف: (تهدي)، كما يصل بالياء. [قال أبو علي] «3»: حجة حمزة قوله: أفأنت تهدي العمي [يونس/ 43] والمعنى على تقدير: إنّك لا تهديهم لشدة عنادهم، وفرط إعراضهم، وإذا كان كذلك كان المعنى: إنّك لا تهدي العمي. فأمّا أنت من «4» قوله: (وما أنت تهدي العمي) فعلى قول أهل الحجاز، وهي لغة التنزيل يرتفع بما، وتهدي في موضع نصب بأنّه الخبر، وعلى قول بني «5» تميم: يرتفع بمضمر يفسره الظاهر الذي

_ (1) في ط: بهادي العمي وكذلك هي في السبعة. (2) السبعة ص 486. (3) سقطت من ط. (4) في ط: في. (5) سقطت من ط.

هو: (تهدي) تقديره إذا أظهرت ذلك المضمر ما تهدي تهدي، لأنّك إذا أظهرت الفعل المضمر اتصل به الضمير، ولم ينفصل كما ينفصل إذا لم تظهر «1». وكذلك لو أظهرت ما ارتفع عليه أنت: فانظر، اتصل الضمير فصار: انظر انظر. ومن قرأ: بهادي العمي مضافا في السورتين، فاسم الفاعل للحال، أو للآتي وإذا كان كذلك. كانت الإضافة في نيّة الانفصال، فأمّا كتابة: بهادي العمي في هذه السورة بالياء، فإن في الوقف على هاد وواد، وواق، ونحوه لغتين: إحداهما وهي الأكثر: أن يقف بغير ياء، فيقول: (بهاد) بالسكون «2»، وذلك أنّه كان في الوصل متحركا بالكسر، فإذا وقفت حذفت الحركة، كما تحذفها من سائر المتحركات في الوقف. وقوم يقفون بالياء فيقولون: بهادي وواقي، وذلك أنّه كان حذف الياء من هادي لالتقائهما مع التنوين، وهما ساكنان، فلمّا وقف حذف التنوين في الوقف، فلمّا حذف التنوين عادت الياء التي كانت حذفت [لالتقائها ساكنة مع التنوين فيقول: هادي وواقي. ونحوه حكى سيبويه] «3» اللغتين، فعلى هذا حذف الياء في موضع وإثباتها في آخر، على أن تكون كتبت على اللغتين، أو يكون أريد (بهادي) الإضافة، فلم ينوّن، فإذا لم ينوّن لم يلزم أن يحذف الياء، كما يحذف

_ (1) في (ط): لم يظهر، بالبناء للفاعل، والغائب. (2) في ط: بسكون الدال. (3) ما بين المعقوفين سقط من م.

النمل: 82

إذا نوّن لسكونها، وسكون الياء «1»، أو يكون: أريد به تهدي تفعل، ولم يرد به اسم الفاعل، وإذا أريد: تفعل ثبتت الياء في الوصل والوقف، ولعل حمزة في قراءته (تهدي). اعتبر ذلك إن كان مكتوبا في الخط بغير ألف، وزعموا أن: (تهدي) قراءة الأعمش. [النمل: 82] اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله جل وعز: تكلمهم أن الناس [النمل/ 82] فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أن الناس فتحا وقرأ الباقون: (إنّ النّاس) كسرا «2». قال [أبو علي] «3»: وجه الفتح: تكلّمهم بأنّ النّاس. وفي قراءة أبيّ زعموا: (تنبّئهم) وروي عن قتادة: أنّه في بعض الحروف: (تحدّثهم)، وهذا يدلّ على أنّ تكلمهم من الكلام الّذي هو نطق، وليس من الكلم الّذي هو الجراح «4». ومن كسر فقال: (إنّ النّاس)، فالمعنى: تكلّمهم تقول لهم: إنّ الناس، وإضمار القول في الكلام كثير، وحسن هذا لأنّ الكلام قول، فكأنّ القول قد ظهر «5». [النمل: 87] قال: قرأ حمزة وحفص عن عاصم: وكل أتوه [النمل/ 87] مفتوحة التاء، وقرأ الباقون: (وكلّ آتوه) ممدودة مضمومة التاء، [أبو بكر عن عاصم مثله] «6».

_ (1) في ط: التنوين. (2) السبعة ص 486 - 487. (3) سقطت من ط. (4) في ط: الجراحة. (5) في ط: أظهر. (6) في ط: وكذلك أبو بكر عن عاصم مثل ما قرأ الباقون. وفي السبعة ص

النمل: 88

[قال أبو علي] «1»: من قرأ: أتوه كان: فعلوا من الإتيان، وحجّته قوله «2» حتى إذا جاءنا قال يا ليت [الزخرف/ 38]، فكذلك: (أتوه) «3» فعلوا من الإتيان، وحمل على معنى كلّ، دون لفظه، ولو حمل على لفظ كل «4» لكان حسنا، كما قال سبحانه «5»: إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا [مريم/ 93]. ومن قرأ: (وكلّ آتوه) فحجّته قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فكما أنّ (آتيه) فاعله «6» حمل على لفظ (كلّ) كذلك آتوه: فاعلوه، فآتوه: محمول على معنى كلّ، وقوله: (آتيه): (وإن كلّ إلّا آت الرحمن عبدا) محمول ذلك كلّه على لفظ كلّ دون معناه. [النمل: 88] اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعز: إنه خبير بما تفعلون [النمل/ 88]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (إنّه خبير بما يفعلون) بالياء. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: بالتاء. وروى أبو عبيد عن أهل المدينة بالياء وهو غلط.

_ 487: ممدودة التاء على معنى جاءوه، وفي رواية أبي بكر عن عاصم كذلك مثل الباقين. (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) في (م): (آتوه)، والوجه ما في (ط) والآية التي قبلها: (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) [الزخرف/ 37]. (4) في ط: على اللفظ لفظ كل. (5) سقطت من ط. (6) في م: فاعليه.

النمل: 89

وحدثني عبيد الله بن علي [الهاشمي] «1» عن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم بالياء «2». قال أبو علي «3»: حجة «4» من قال: (يفعلون) بالياء: أنّ ذكر الغيبة قد تقدّم في قوله: (وكل آتوه داخرين) [النمل/ 87]. وحجّة التاء أنّه خطاب للكافّة «5»، وقد يدخل الغيب في الخطاب، ولا يدخل الخطاب في الغيبة. [النمل: 89] قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (وهم من فزع يومئذ) [النمل/ 89] مضافا، واختلف عن نافع في الميم، فروى ابن جمّاز وقالون وأبو بكر بن أبي أويس، والمسيبي، وورش عنه: (من فزع يومئذ) غير منون بفتح «6» الميم. وروى عنه إسماعيل بن جعفر: (من فزع يومئذ) بكسر الميم. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: من فزع يومئذ بفتح الميم والتنوين، لا يجوز مع التنوين إلا فتح الميم، فإذا لم تنوّن فزعا جاز فيه الفتح والكسر «7».

_ (1) زيادة من السبعة. (2) السبعة ص 487. (3) سقطت من ط (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) في (م): للكافر، وهو تحريف. (6) في ط: ويفتح. (7) السبعة ص 487

[قال أبو علي] «1»: يجوز فيمن نوّن قوله سبحانه «2»: من فزع في انتصاب يوم ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون منتصبا بالمصدر، كأنّه: وهم من «3» أن يفزعوا يومئذ. والآخر: أن يكون صفة لفزع «4» لأن أسماء الأحداث توصف بأسماء الزمان، كما يخبر عنها بها، وفيه ذكر للموصوف وتقديره في هذا الوجه أن يتعلق بمحذوف: كأنّه من فزع يحدث يومئذ. والثالث: أن يتعلق باسم الفاعل كأنّه: آمنون يومئذ من فزع. ويجوز إذا نون فزعا أن يعني به: فزعا واحدا، ويجوز أن يعني به كثرة، لأنّه مصدر، والمصادر تدلّ على الكثرة، وإن كانت مفردة الألفاظ كقوله سبحانه «5»: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان/ 19]، وكذلك إذا أضيف، فقيل «6»: (من فزع يومئذ)، أو يومئذ أن «7» يعنى به مفرد، ويجوز أن «8» يعنى به كثرة.

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) زيادة من ط. (4) في م: ليوم، بدل: لفزع، والمعنى المشروح ينطبق على الفزع لأنّه هو المعبّر عنه بالحدث لا اليوم. (5) سقطت من ط. (6) في ط: أضاف فقال. (7) في ط: يجوز أن. (8) في ط: أن يكون.

النمل: 93

فأمّا القول في إعراب يوم، وبنائه إذا أضيف إلى (إذ) فقد ذكر فيما تقدّم. [النمل: 93] قال: قرأ نافع وعاصم في رواية حفص وابن عامر: وما ربك بغافل عما تعملون بالتاء [النمل/ 93]. وفي كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان: (وما ربّك بغافل عمّا يعملون) بالياء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان، عن ابن عامر تعملون بالتاء. وقرأ الباقون بالياء «1». [قال أبو علي] «2» حجّة الياء أنّه وعيد للمشركين، وحجّة التاء أنّه على: قل لهم: وما ربك بغافل عما تعملون.

_ (1) السبعة ص 488 وهناك اختلاف يسير في ترتيب الرواة لا يغير في المؤدى (2) سقطت من ط.

سورة القصص

[بسم الله] «1»: ذكر اختلافهم في سورة القصص قال سبحانه «2»: طسم وقد ذكرت «3». [القصص: 6] اختلفوا في النون والياء من قوله جلّ وعز «4»: ونري فرعون وهامان وجنودهما [القصص/ 6] ورفع الأسماء ونصبها. فقرأ حمزة والكسائي: (ويرى فرعون) بالياء ورفع الأسماء بعده. وقرأ الباقون بالنون: ونري ونصب الأسماء بعده «5». [قال أبو علي] «6»: حجّة نري أنّ ما قبله للمتكلم، فينبغي أن يكون ما بعده أيضا كذلك، ليكون الكلام على «7» وجه واحد، لأنّ فرعون يرى ذلك.

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) السبعة ص 492 وانظر أول سورة الشعراء. (4) في ط: تعالى. (5) السبعة ص 492. (6) سقطت من ط. (7) في ط: من.

القصص: 8

وحجّة (يرى) أنّ فرعون وحزبه يرون ذلك، ويعلم أنّهم يرونه إذا أروه. وهي فيما زعموا قراءة الأعمش. [القصص: 8] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: وحزنا [القصص/ 8] في فتح الحاء وضمها. فقرأ حمزة والكسائي: (وحزنا) بضم الحاء، وقرأ الباقون وحزنا بفتحتين «1». [قال أبو علي] «2»: الحزن والحزن: لغتان مثل: العجم والعجم، والعرب والعرب، وهما مطّردان «3» في هذا النحو. [القصص: 23] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «4»: (حتى يصدر الرعاء) [القصص/ 23] في فتح الياء وضمّها. فقرأ أبو عمرو وابن عامر: (حتّى يصدر) بنصب الياء ورفع الدال من صدرت. وقرأ الباقون: حتى يصدر برفع الياء وكسر الدال من أصدرت «5». [قال أبو علي] «6»: (حتّى يصدر الرّعاء): حتّى يرجعوا من سقيهم، وفي التنزيل: يومئذ يصدر الناس أشتاتا [الزلزلة/ 6]، فمن قرأ «7»: (حتّى يصدر الرّعاء) أراد: حتّى يصدروا مواشيهم من

_ (1) السبعة ص 492. (2) سقطت من ط. (3) في ط: يطردان. (4) في ط: تعالى. (5) السبعة ص 492. (6) سقطت من ط. (7) في ط: قال.

القصص: 29

وردهم، فحذف المفعول، وحذف المفعول كثير في التنزيل وفي سائر الكلام، قال سبحانه «1»: لينذر بأسا شديدا [الكهف/ 2]، فحذف أحد المفعولين اللّذين ثبتا في قوله سبحانه «2»، فقل أنذرتكم صاعقة [فصلت/ 13] والمفعول المحذوف إنّما هو لتنذر الناس، أو المبعوث إليهم، وقال الشاعر: لا يعدلنّ أتاويّون تضربهم ... نكباء صرّ «3» بأصحاب المحلّات [أي أحدا] «4». [القصص: 29] اختلفوا في ضمّ الجيم وكسرها وفتحها «5» من قوله تعالى: (جذوة) [القصص/ 29]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: (أو جذوة) بكسر الجيم. وقرأ عاصم وحده: جذوة بفتح الجيم، وقرأ حمزة بضمّ الجيم «6». [قال أبو علي] «7»: هذه لغات في الكلمة، قال أبو عبيدة:

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) سبق في 1/ 37، ويرفع: صرّ، وجاء في م: صرّ بتنوين الجرّ، وهو سهو، فصرّ صفة للنكباء، وحقها الرفع. (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) سقطت كلمة: «فتحها» من (م) وهي في (ط) والسبعة. (6) السبعة ص 493. (7) سقطت من (ط).

القصص: 32

الجذوة مثل الجذمة وهي: القطعة الغليظة من الخشب ليس فيها لهب، قال ابن مقبل: باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوّار ولا دعر «1» وذكر أبو عبيدة المكسورة منها. [القصص: 32] اختلفوا في فتح الرّاء وضمّها من قوله عزّ وجلّ: الرهب [القصص/ 32]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (من الرّهب) بفتح الراء والهاء. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وابن عامر: (الرّهب) مضمومة الراء ساكنة الهاء، وروى هبيرة عن حفص عن عاصم: (الرّهب) بفتح الراء والهاء، وهو غلط، وروى عمرو بن الصباح عن حفص عن عاصم: من الرهب مفتوحة الراء ساكنة الهاء وهو الصواب «2». أبو عبيدة، جناحا الرجل يداه، والرّهب: الرّهبة، وهو الخوف «3».

_ (1) الحواطب: النساء اللواتي يجمعن الحطب- والجزل: الحطب الغليظ القوي- والجذا: أصول الشجر العظام التي بلي أعلاها وبقي أسفلها واحدتها جذاة- والخوار: الحطب الضعيف السريع الاستيقاد- والدعر: الحطب البالي النخر- الكامل 2/ 153 المخصص 11/ 23 اللسان/ دعر- جذا/ ديوانه/ 91. ومجاز القرآن 2/ 102 - 103. (2) السبعة ص 493. (3) انظر مجاز القرآن 2/ 104.

قال: (واضمم إليك جناحك من الرهب) [القصص/ 32] لمّا جاء فخرج منها خائفا يترقب [القصص/ 21]، ولا تخف نجوت من القوم الظالمين [القصص/ 25] وقال: إني أخاف أن يكذبون [الشعراء/ 12]، وقال: لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى [طه/ 46]. وقال: إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى طه/ 45]، وقال: فأوجس في نفسه خيفة موسى [طه/ 67] وقال: لا تخاف دركا ولا تخشى [طه/ 77]، فأضاف عليه السلام الخوف في هذه المواضع إلى نفسه، أو نزل منزلة من أضافه إلى نفسه، قيل له: اضمم إليك جناحك من الرهب [القصص/ 32] فأمر بالعزم على ما أريد له ممّا أمر به وحضّ على الجدّ فيه، لئلّا يمنعه من ذلك الخوف والرهبة الذي قد تغشّاه «1» في بعض الأحوال، وأن لا يستشعر ذلك، فيكون مانعا له مما أمر بالمضاء فيه، وقال تعالى «2»: سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا [القصص/ 35]، فكما أنّ الشد هاهنا ليس بخلاف الحلّ، كذلك الضم في قوله: واضمم إليك جناحك ليس يراد به الضّمّ المزيل للفرجة، والخصاصة «3» بين الشيئين، وكذلك قول الشاعر «4»:

_ (1) في (ط): يغشاه. (2) سقطت من ط. (3) في (م) الحصامة وهي تحريف، وما أثبتناه من (ط) وهو الصواب، والخصاصة كما في اللسان/ خصص/: وخصاص المنخل والباب والبرقع وغيره: خلله، واحدته خصاصة. (4) ينسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. والحيزوم: الصدر- وقيل: وسطه، انظر اللسان مادة/ حزم/ والبيت مع آخر في الكامل للمبرد ص 1121

أشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك ليس يريد به الشدّ الذي هو الرّبط والضّمّ، وإنّما يريد: تأهّب له، واستعدد «1» للّقاء به، حتّى لا تهاب لقاءه، ولا تجزع من وقوعه. فتكون بحسن «2» الاستعداد له، كمن قيل «3» فيه: حبيب جاء على فاقة، كما يروى أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال للحسن: إنّ أباك لا يبالي أوقع على الموت، أو وقع الموت عليه وقالوا: في رأى فلان فسخ وفكّة «4»، فهذا خلاف الشّدّ والضّمّ. ووصفوا الرأي والهمّة بالاجتماع، وألّا يكون منتشرا في نحو قوله «5»:

_ لسيدنا علي رضي الله عنه، قال المبرد: والشعر إنّما يصح بأن تحذف «اشدد» ... ولكن الفصحاء من العرب يزيدون ما عليه المعنى، ولا يعتدون به في الوزن. اه- منه. (1) في (ط) واستعدّ، وكلاهما صحيح. (2) في (م): فيكون بحسب. (3) في ط: قال وقوله: حبيب جاء على فاقة: مثل يضرب للأمر يغشاك، وبك إليه حاجة. انظر جمهرة الأمثال 1/ 365. (4) في (م): فله، والصواب ما أثبتناه من (ط). والفسخ: ضعف العقل والبدن. (اللسان فسخ) وفي الأساس (فكك): رجل فكاك بالكلام لا يلائم بين كلماته ومعانيه لحمقه، وفيه فكّة. وفي اللسان (فكك): في فلان فكّة، أي: استرخاء في رأيه. (5) البيت لذي الرمة- ورواية الديوان ... تخطيت دونها بأصمع ... وفي الديوان: وقوله حمى: يعني الحاجات لا تقرب، هي حمى- ويقال: همّ أصمع، وعزيمة صمعاء: أي: منجردة لا رجوع عنها. والمتالف: المهالك. ديوانه 3/ 1632.

حمى ذات أهوال تخطّيت حوله ... بأصمع «1» من همّي حياض المتالف وقد جاء ذكر اليدين في مواضع يراد بها: جملة ذي اليد. من ذلك قولهم: لبّيك وخير بين يديك، ومن ذلك قوله سبحانه «2»: ذلك بما قدمت يداك [الحج/ 10]، وقالوا: يداك أوكتا وفوك نفخ «3». فهذا يقال عند تفريع الجملة، قال «4»: فزاريا أحذّ يد القميص فنسب الخيانة إلى اليد، وهي للجملة، وعلى هذا نسب الآخر الإغلال إلى الإصبع فجعلها بمنزلة اليد فقال: ... ولم يكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع «5»

_ (1) في (م) بأجمع والرواية ما أثبته من (ط) والديوان. (2) سقطت من (ط). (3) من أمثال العرب يضرب لمن يجني على نفسه الحين. انظر مجمع الأمثال 2/ 414 للميداني. (4) عجز بيت للفرزدق وصدره: أأطعمت العراق ورافديه أراد: أنه قصير اليدين عن نيل المعالي، كالبعير الأحذّ، وهو الذي لا شعر لذنبه. قال المبرد: العراقان: البصرة والكوفة، والرافدان: دجلة والفرات. انظر: الحيوان 5/ 197، 6/ 150 الكامل 3/ 83. وديوان الفرزدق 2/ 487. (5) تمام البيت: حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع وهو رابع أبيات في الكامل 1/ 463 (ط. مؤسسة الرسالة). وفي الجمهرة 1/ 286 أنه لسلمى الجهنية- وفي الكامل ورغبة الآمل 4/ 36

وقال أبو عبيدة: جناحا الرجل: يداه «1»، وقد ذكر أن غيره قال في قوله: واضمم إليك جناحك [القصص/ 32]: إنّه العضد. وقول أبي عبيدة: أبين عندنا، ويدلّ على قول من قال: إنّه العضد، [أن العضد] «2» قد قام مقام الجملة في قوله تعالى «3»: سنشد عضدك بأخيك [القصص/ 35]، واليد في هذا المعنى أكثر وأوسع، وقد جاء الاسم المفرد يراد به التثنية، وأنشد أبو الحسن «4»: يداك يد إحداهما الجود كلّه ... وراحتك الأخرى طعان تغايره «5» المعنى: يداك يدان، بدلالة قوله: إحداهما، ولأنّك إن جعلت يدا مفردا [بقيت لا يتعلق بها شيء] «6». ومن وقوع التثنية بلفظ الإفراد ما أنشده أبو الحسن «7»:

_ أن قائله رجل كلابي يخاطب رجلا من اليمامة يقال له قرين كان قتل أخاه وكان الكلابي نزل في جوار أخي قرين وقبله: أقرين إنّك لو رأيت فوارسي ... بعمايتين إلى جوانب ضلفع وفلان مغلّ الإصبع: إذا كان خائنا. وإصبع: اسم جبل. انظر تهذيب اللغة للأزهري 2/ 52. (1) مجاز القرآن 2/ 104. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) البيت للفرزدق ورواية الديوان له: يداك يد إحداهما النّيل والنّدى ... وراحتها الأخرى طعان تعاوره انظر ديوانه 1/ 342. (5) في ط: تقامره. (6) في ط: بقي لا يتعلق به شيء. (7) البيت لامرئ القيس:

القصص: 32

وعين لها حدرة بدرة ... شقّت مآقيهما من أخر فيجوز على على هذا القياس في قوله: واضمم إليك جناحك أن يراد بالإفراد التثنية، كما أريد بالتثنية الإفراد في قوله «1»: فإن تزجراني يا بن عفّان أنزجر ... ومن الناس من يحمل قوله [جلّ وعزّ]: «2» ألقيا في جهنم كل كفار عنيد [ق/ 24] عليه. [القصص: 32] اختلفوا في تشديد النون وتخفيفها من قوله جلّ وعزّ: فذانك [القصص/ 32]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو (فذانّك) مشدّدة النون. عليّ بن نصر عن أبي عمرو: يخفف ويثقّل، وروى نصر بن علي عن أبيه عن شبل عن ابن كثير: (فذانيك) خفيفة النون بياء. وقرأ الباقون: فذانك خفيفة «3».

_ و «حدرة بدرة» يعني: مكتنزة صلبة ضخمة، بدرة: أي: تبدر بالنظر، وشقّت مآقيهما: أي تفتحت فكأنها انشقت، وقوله: من أخر: أي: من مآخير العين ديوانه/ 166 وانظر المنصف 1/ 68، وابن الشجري 1/ 122، و 123 و 251. (1) صدر بيت لسويد بن كراع عجزه: وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا وهو من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغنى 6/ 163، وفي شرح القصائد السبع ص 16 مع بيت آخر، وانظر السمط 943، وشرح شواهد الشافية ص 483، والشطر الشاهد في المخصص ج 1 الشطر الثاني ص 5. (2) سقطت من ط. (3) ف ط: خفيفا. وفي السبعة ص 493 كما هو مثبت.

القصص: 34

[قال أبو علي] «1»: وجه ما روى من قوله تعالى «2»: (فذانيك) أنّه أبدل من النون الثانية الياء كراهية التضعيف، وحكى أحمد بن يحيى: لا وربيك ما أفعل، يريد: لا وربّك، وأنشد أبو زيد «3»: فآليت لا أشريه حتى يملّني ... بشيء ولا أملاه حتّى يفارقا يريد: لا أملّه، فأبدل من التضعيف الألف، كما أبدل منه الأوّل الياء، وقيل في قوله تعالى «4»: ثم ذهب إلى أهله يتمطى [القيامة/ 33]، أي يتمطط من المطيطياء ويجوز أن يكون: يتمطّى يتكفّى في مشيته، فيجري «5» فيها مطاه، وهو الظهر، فيكون يتفعّل: من المطا ولا يكون على القلب، ووجه التثقيل، قد مرّ فيما تقدّم. [القصص: 34] قرأ نافع وحده: (ردا) [القصص/ 34] غير مهموز منون، وهمزه كلّهم غير نافع فإنّه لم يهمزه، وفتح الدال وأسكنها الباقون «6». أبو عبيدة: الردء: المعين، يقال: أردأته بشيء على عدوّه، وعلى ضيعته أي: أعنته «7». [قال أبو علي] «8»: أمّا قول نافع: فإنّه خفّف الهمزة، وكذلك

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) سبق انظر 1/ 208. (4) سقطت من ط. (5) في ط: فيحرك. (6) السبعة ص 494 وهناك اختلاف يسير. (7) مجاز القرآن 2/ 104. (8) سقطت من ط.

القصص: 34

حكم الهمزة إذا خفّفت وكان قبلها ساكن أن تحذف، وتلقى حركتها على الساكن الذي قبلها، وهكذا قرأ أهل التخفيف «1»: (الذي يخرج الخب في السموات والأرض) [النمل/ 25]، فمن آثر منهم التخفيف قال كما قال نافع، وقد جاء في بعض القوافي في الردء: الرّدّ، ذلك على أنّه خفّف الهمزة، وألقى حركتها على ساكن «2» قبلها، ثم وقف بعد التخفيف على الحرف فثقّل كما يثقّل هذا فرجّ، وهذا خالد، فيضعف الحرف للوقف، ثم يطلق كما أطلق نحو «3»: سبسبّا «4» ... والقصبّا «5». وحكى أبو الحسن: (ردّا) وحمله على أنّه فعل من (رددت) أي يردّ عنّي. [القصص: 34] اختلفوا في ضمّ القاف وإسكانها من قوله جلّ وعزّ: يصدقني [القصص/ 34] فقرأ عاصم وحمزة يصدقني بضم القاف. وقرأ الباقون (يصدّقني)، ساكنة القاف «6». قال أبو علي: وجه الرفع في يصدقني أنّه صفة للنّكرة، وتقديره: ردءا مصدقا، وسأل ربّه إرساله بهذا الوصف، ومن جزم كان على معنى الجزاء، إن أرسلته صدّقني، وهو جيّد في المعنى، لأنّه إذا أرسله معه صدّقه.

_ (1) انظر فهارس سيبويه للأستاذ النفاخ ص 36. (2) في ط: الساكن. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) من قول رؤبة سبق في 1/ 65 و 410. (5) من قول رؤبة سبق في 2/ 363. (6) السبعة ص 494.

القصص: 37

[القصص: 37] قال: قرأ ابن كثير وحده: (قال موسى) [القصص/ 37] بغير واو، وكذلك في مصاحف أهل مكة. وقرأ الباقون: وقال موسى بالواو، وكذلك في مصاحفهم «1». [قال أبو علي] «2»: قد مضى القول في نحو هذا قبل. [القصص: 37] اختلفوا في الياء والتاء، من قوله جلّ وعزّ «3»: ومن تكون له عاقبة الدار [القصص/ 37]. فقرأ حمزة والكسائي: (ومن يكون) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء «4». الياء والتاء في هذا النحو حسنان [وقد مضى ذلك] «5». [القصص: 39] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: أنهم إلينا لا يرجعون [القصص/ 39] برفع الياء، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: (لا يرجعون) بفتح الياء «6». [قال أبو علي] «7»: حجّة الفتح قوله: وإنا إليه راجعون [البقرة/ 156]، وحجّة الضّمّ: ولئن رددت إلى ربي [الكهف/ 36] وقوله: ثم ردوا إلى الله [الأنعام/ 62] [وقوله: فارجعنا نعمل صالحا [السجدة/ 12] «8».

_ (1) السبعة 494. (2) سقطت من ط. (3) في ط: تعالى. (4) السبعة ص 494. (5) كذا في ط وسقطت من م. (6) السبعة ص 494. (7) سقطت من ط. (8) ما بين المعقوفين سقط من م.

القصص: 48

[القصص: 48] اختلفوا في قوله تعالى: (قالوا ساحران تظاهرا) [القصص/ 48] في الألف وإسقاطها، فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: قالوا سحران ليس قبل الحاء ألف، وقرأ الباقون: (ساحران) بألف قبل الحاء «1». [قال أبو علي] «2»: حجّة من قال: (ساحران) أنّه قال: تظاهرا، والمظاهرة: المعاونة، وفي التنزيل: وإن تظاهرا عليه [التحريم/ 4]، والمعاونة إنّما تكون في الحقيقة للساحرين لا للساحرين. ووجه من قال: سحران أنّه نسب المعاوية إلى السحرين على الاتساع، كأنّ المعنى: كلّ سحر منهما يقوّي الآخر. [لأنّهما تشابها واتفقا ونحو ذلك] «3». وممّا يقوّي ذلك قوله سبحانه «4»: قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما [القصص/ 49] على الكتابين اللّذين قالوا فيهما سحران. ومن قال: (ساحران) قال: المعنى هو أهدى من كتابيهما، فحذف المضاف، وزعموا أن سحران قراءة الأعمش. [القصص: 57] اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ «5»: (تجبى إليه ثمرات) [القصص/ 57].

_ (1) السبعة ص 495. (2) سقطت من ط. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) سقطت من ط. (5) في ط: تعالى.

القصص: 60

فقرأ نافع وحده: (تجبى إليه) بالتاء، [وقرأ الباقون بالياء] «1». قال أبو علي: تأنيث ثمرات تأنيث جمع، وليس بتأنيث حقيقي، فإذا كان كذلك كان بمنزلة الوعظ، والموعظة والصوت، والصيحة إذا ذكّرت كان حسنا، وكذلك إذا أنّثت. [القصص: 60] قرأ أبو عمرو وحده: (أفلا يعقلون) وتعقلون بالتاء والياء [القصص/ 60] وقرأ الباقون «2»: بالتاء. [قال أبو علي] «3»: حجّة التاء قوله: وما أوتيتم من شيء أفلا تعقلون [القصص/ 60] ليكون الكلام وجها واحدا. والياء: أفلا يعقلون يا محمّد. [القصص: 82] قال: وقرأ عاصم في رواية حفص: (لخسف بنا) نصبا [القصص/ 82] وكذلك روى علي بن نصر عن أبان عن عاصم مثله «4»، وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم (لخسف بنا) بضم الخاء «5». قال أبو علي [من قال] «6»: لخسف بفتح الخاء فلتقدم [ذكر الله تعالى] «7»: لولا أن من الله علينا لخسف بنا [القصص/ 82]،

_ (1) سقطت من ط. وهي في السبعة ص 495. (2) في (م) الباقون. وسقطت العبارة من السبعة انظر ص 495. (3) سقطت من ط. (4) في ط: مثله نصبا. (5) السبعة ص 495. (6) كذا في ط وسقطت من م. (7) في ط: ذكر اسم الله عز وجل.

القصص: 71

ومن قال: (لخسف بنا) فبنى الفعل للمفعول، فإنّه يول إلى الخسف في المعنى. [القصص: 71] قال: قرأ ابن كثير: (بضئاء) «1» [القصص/ 71] بهمزتين، كذا «2» قرأت على قنبل، وهو غلط «3». وروى ابن فليح والبزيّ عن ابن كثير بغير همز، وهو الصواب. وقد ذكرنا القول [فيما تقدّم فيه] «4».

_ (1) في الأصل (ضئاء) وهي من سورة يونس/ 10 المتقدمة، والتي أشار إليها المصنف، وقد أثبتنا ما في سورة القصص، وهو الوجه. (2) في ط: هكذا. (3) أي: في الرواية. (4) في ط: في هذا فيما تقدم. وانظر السبعة ص 495.

سورة العنكبوت

[بسم الله] «1» ذكر اختلافهم في سورة العنكبوت [العنكبوت: 19] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده [19]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالياء، وقرأ حمزة والكسائي (تروا) بالتاء، واختلف عن عاصم، فروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم بالتاء، ورويا في النحل [48] بالياء. وروى الكسائي والأعشى عن أبي بكر وحفص عن عاصم بالياء- حدثني موسى بن إسحاق عن هارون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم مثله بالياء «2». قال أبو علي: حجّة الياء أن الذي قبلها غيبة، وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم ... أولم يروا [العنكبوت/ 18، 19]، وحجّة التاء: قل لهم: (أو لم تروا كيف).

_ (1) سقطت من ط. (2) انظر السبعة ص 498

العنكبوت: 20

ولا ينبه المسلمون على علم الابتداء والبعث والإعادة بعد الموت، لأنّهم قد علموا ذلك وتيقّنوه، ولا يدلّ قوله سبحانه: قل سيروا في الأرض [العنكبوت/ 20] على اختيار التاء، لأنّ ذكر الأمم التي كذبت وكفرت قد تقدّم، فحمل الكلام عليه، والخطاب جاء بعد ذلك. [العنكبوت: 20] اختلفوا في المدّ والقصر من قوله سبحانه: ثم الله ينشئ النشأة الآخرة [العنكبوت/ 20]، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (النّشاءة) ممدودة في كلّ القرآن، وقرأ الباقون بالقصر «1». قال أبو زيد: نشأت أنشأ نشأ، ونشأت السّحابة [نشاء، ولم يذكر النشأة] «2» وهو في القياس كالرأفة والرآفة، والكأبة، والكآبة، وحكى أبو عبيدة النشأة ولم يذكر الممدود «3»، ونشأ هو الفعل الذي لا يتعدّى، وإذا عدّيته نقلته بالهمزة، كقوله تعالى «4»: كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين [الأنعام/ 133] وأنشأنا بعدها قوما آخرين «5» [الأنبياء/ 11] والقياس: أن يجوز النقل بتضعيف العين. [العنكبوت: 25] اختلفوا في الإضافة التنوين من قوله جلّ وعزّ «6»: (مودة بينكم) [العنكبوت/ 25] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (مودّة بينكم) [بالرفع والإضافة، وروى أبو زيد عن أبي عمرو: (مودّة

_ (1) السبعة ص 498. (2) في ط: نشأة ولم يذكر النشاءة. (3) في ط: الممدودة وانظر مجاز القرآن 2/ 115. (4) سقطت من ط. (5) سقطت من ط. (6) في ط: تعالى.

بينكم)] «1» و (مودة بينكم) «2» جميعا، وروى علي بن نصر عن أبي عمرو (مودّة) مضافا، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (مودّة بينكم)، المفضل عن عاصم: (مودّة بينكم) مثل أبي عمرو. الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: (مودّة) رفع «3» منون (بينكم) نصبا. وقرأ حمزة والكسائي «4» وعاصم في رواية حفص: مودة بينكم بنصب «5» مودة مع الإضافة «6». قال أبو علي: يجوز فيمن قال: (مودّة بينكم) أن يجعل (ما) اسم (إن)، ويضمر له ذكرا يعود إلى (ما) كما جاء قوله: واتخذتموه وراءكم ظهريا [هود/ 92]. فيكون التقدير: إنّ الذين اتخذتموهم من دون الله أوثانا، مودة بينكم، فيصير (مودة بينكم) خبر إن وتجعل المودة: ما اتخذوا على الاتساع، أو تحذف المضاف تقديره: إنّ الّذين اتّخذتموهم أوثانا ذوو مودة بينكم، فيكون دخول (أنّ) على (ما) لأنّه بمنزلة الذي، كقوله سبحانه «7»: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين [المؤمنون/ 55] لعود الذكر، ويجوز أن يضمر هو،

_ (1) ما بين المعقوفين سقط من ط. (2) في (م): (مودّة بينكم). (3) سقطت من ط. (4) سقطت م ط. (5) في ط: نصب. (6) السبعة ص 498 - 499 مع اختلاف يسير. (7) سقطت من ط.

ويجعل (مودة بينكم) خبرا عنه، والجملة في موضع خبر إنّ. ومن قرأ: (مودّة بينكم) ومودة بينكم «1» بالنصب، جعل (ما) مع (إنّ) كافّة، ولم يعد إليها ذكرا كما أعاد في الوجه الأول، ولكن جعل الأوثان منتصبة باتّخذتم، وعدّاه أبو عمرو إلى مفعول واحد، كقوله سبحانه: قل اتخذتم عند الله عهدا [البقرة/ 80]، والمعني: إنّما اتّخذتم من دون الله أوثانا آلهة، فحذف، كما أنّ قوله: إن الذين اتخذوا العجل سينالهم [الأعراف/ 152]، معناه: اتخذوا العجل إلها، فحذف. وانتصب (مودة بينكم) على أنه مفعول له، أي اتخذتم الأوثان للمودة و (بينكم) نصب على الظرف، والعامل فيه المودة. ومن قال: (مودّة بينكم) أضاف المودة إلى البين، واتّسع في أن جعل الظرف اسما لمّا أضاف إليه، ومثل ذلك قراءة من قرأ: لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94] ومثله في الشعر «2»: أتته بمجلوم كأنّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلقا ومن قال: (مودّة بينكم) جاز في قوله: (بينكم) إذا نوّنت (مودّة) ضربان: أحدهما: أن يجعله ظرفا متعلقا بالمصدر، والآخر أن يجعله صفة له، فإذا جعلته ظرفا متعلقا بالمصدر، والآخر أن يجعله صفة له، فإذا جعلته ظرفا للمصدر لم يمتنع أن يكون قوله: في الحياة الدنيا أيضا متعلقا بالمصدر، لأنّ الظرفين أحدهما من المكان، والآخر من الزمان، وإنّما الذي يمتنع أن تعلق به ظرفين من المكان أو ظرفين من

_ (1) سقطت (مودة بينكم) من (م). (2) للفرزدق سبق في 1/ 39، 250، 252.

الزمان، فأمّا إذا اختلفا، فسائغ، [فقوله سبحانه] «1» في الحياة الدنيا [العنكبوت/ 25] ظرف زمان، لأنّ المعنى: في وقت الحياة الدنيا، ولا ذكر في واحد من الظرفين، كما أنّك إذا قلت: لقيت زيدا اليوم في السوق، كان كذلك، وإذا جعلت الظرف الأوّل صفة للنكرة كان متعلقا بمحذوف، وصار فيه ذكر يعود إلى الموصوف. وإذا جعلته وصفا للمصدر جاز أن يكون قوله: في الحياة الدنيا في موضع حال، والعامل فيه الظرف الذي هو صفة للنكرة، وفيه ذكر يعود إلى ذي الحال، وذو الحال: هو الضمير الذي في الظرف يعود إلى الموصوف الذي هو (مودّة)، وهو هي في المعنى. فإن قلت: هل يجوز أن يتعلق الظرف الذي قد جاز أن يكون حالا «2» في المودّة مع أنّه قد وصف بقوله بينكم. قيل: لا يمتنع ذلك، لأنّك إذا وصفته فمعنى الفعل قائم فيه، والظّرف متعلق بمعنى الفعل، وإنّما الذي يمتنع أن يعمل فيه إذا وصف المفعول به، فأمّا الحال والظرف، فلا يمتنع أن يتعلق كل واحد منهما به، وإن كان قد وصف. وقد جاء في الشعر ما لا يعمل عمل الفعل إذا وصف عاملا في المفعول به، فإذا جاز عمله في المفعول به فلا نظر في جواز عمله فيما ذكرنا من الظرف والحال، فمن ذلك قوله «3»:

_ (1) في ط: فقولك. (2) في الأصل م «ظرفا» بعد قوله: حالا وليس في «ط». (3) ذكره اللسان في مادة/ فقد/ ولم ينسبه.

العنكبوت: 29، 28

إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت ... ذكرت سليمى في الخليط المباين والتّحقير في ذلك بمنزلة الوصف، لو قلت: هذا ضويرب زيدا، لقبح كما يقبح ذلك في الصّفة، ولم يجيء ذلك في حال السّعة والاختيار. [العنكبوت: 29، 28] وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم: ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة [العنكبوت/ 28]، (أينكم) [العنكبوت/ 29]. وكان ابن كثير يستفهم بغير مدّ، يلفظ بياء بعد الألف، [وروي عن نافع المدّ، وروي] «1» عنه مثل قراءة ابن كثير. وكان ابن عامر يهمز همزتين في «2» أإنكم، وقال ابن ذكوان عنه بهمزتين والاستفهام، فكأنّ «3» قراءته: (أإنّكم) يمدّ «4» بين الهمزتين، وإنّما قلت ذلك، لأنّ أبا العباس أحمد بن محمد بن بكر أخبرني عن هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر: (أإذا) في وزن: عاعذا. حفص عن عاصم في الأوّل «5» مثل نافع الثاني بهمزتين. وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي

_ وجاءت نسبته في المقرب لابن عصفور 1/ 124 إلى بشر بن أبي خازم وليس في ديوانه (ت: الدكتور عزّة حسن). والفاقد من النساء: التي يموت زوجها أو ولدها. (1) في ط: وكان نافع يروى عنه المدّ ويروى. (2) كذا في ط بزيادة (في) وسقطت من م، وهي في السبعة. (3) في م: واستفهام وكأن. والمثبت من ط والسبعة. (4) في م: بمدّة والمثبت من ط والسبعة. (5) في ط: الأولى.

العنكبوت: 33، 32

بالاستفهام فيهما غير أنّ أبا عمرو لا يهمز همزتين، وهؤلاء يهمزون همزتين «1». [قد تقدم ذكر القول في ذلك] «2». [العنكبوت: 33، 32] وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: لننجينه [العنكبوت/ 32] مشددة، و (إنا منجوك) [العنكبوت/ 33] ساكنة النون خفيفة. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم بتشديد الحرفين، وقرأ حمزة والكسائي بتخفيف الحرفين. أبو زيد عن أبي عمرو: (لننجينّه) ساكنة النون الثانية «3». [قال أبو علي] «4»: حجّة من قال: (إنّا منجوك) بالتخفيف: قوله سبحانه «5»: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24]. وحجّة من ثقّل قوله «6»: ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18]، يقال: نجا زيد، قال: نجا سالم والروح منه بشدقه «7»

_ (1) السبعة ص 499 - 500. (2) ما بين معقوفين ساقط من (م) (3) السبعة ص 500. (4) سقطت من ط. (5) سقطت من ط. (6) في ط: قوله تعالى. (7) هذا صدر بيت لحذيفة بن أنس الهذلي عجزه: ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا وقد سبق في 3/ 322 وروايته ثم، وهنا في ط: والنفس منه.

العنكبوت: 34

ونجّيته، وأنجيته مثل: فرّحته وأفرحته، ويقوّي التشديد قوله تعالى «1»: إلا آل لوط نجيناهم بسحر [القمر/ 34]، وفي قصة لوط في موضع آخر فنجيناه. [العنكبوت: 34] وقرأ ابن عامر وحده «2»: (إنا منزلون) [العنكبوت/ 34] بالتشديد «3»، وقرأ الباقون: إنا منزلون بإسكان النون. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم (إنا منزّلون) مشددا، وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر «4». قال [أبو علي: قال سبحانه] «5»: نزل به الروح الأمين [الشعراء/ 193] فإذا عدّيته نقلته بالهمزة أو بتضعيف العين، كما أنّ نجا زيد، كذلك، تقول: نجّيته، وأنجيته، قال: وأنزل لكم من الأنعام [الزمر/ 6] فأنزلنا على الذين ظلموا [البقرة/ 59]، وأكثر ما في القرآن من التنزيل دلالة على تقدم تضعيف العين. [العنكبوت: 42] وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: (إن الله يعلم ما تدعون) [العنكبوت/ 42] بالتاء. وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية «6» يحيى عن أبي بكر يدعون بالياء. الأعشى عن أبي بكر والكسائي وحسين الجعفي عن أبي بكر

_ (1) سقطت من ط. (2) كذا في ط وسقطت من م. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) السبعة 500. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من ط. (6) (يحيى عن) زيادة من ط موجودة في السبعة.

عن عاصم: (ما تدعون) بالتاء، حفص عن عاصم: ما يدعون بالياء «1». [قال أبو علي] «2» حجّة الياء: أن الذي تقدمه غيبة مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ... لو كانوا يعلمون [العنكبوت/ 41]، إن الله يعلم ما يدعون [العنكبوت/ 42] والتاء على: قل لهم: (إنّ الله يعلم ما تدعون)، لا يكون إلّا على هذا، لأنّ المسلمين لا يخاطبون بذلك، و (ما) استفهام موضعه نصب بتدعون، ولا يجوز أن تكون نصبا بيعلم، ولكن صار الجملة التي هي منها في موضع نصب بيعلم، والتقدير: إنّ الله يعلم: أوثنا تدعون من دونه أو غيره؟ أي: لا يخفى ذلك عليه، فيؤاخذكم على كفركم، ويعاقبكم عليه. ولا يكون: يعلم بمعنى يعرف، كقوله تعالى «3»: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65]، لأنّ ذلك لا يلغى، وما لا يلغى، لا يعلّق، ويبعد ذلك دخول من في الكلام، وهي إنّما تدخل في نحو قولك: هل من طعام؟ وهل من رجل؟ ولا تدخل في الإيجاب، وهذا قول الخليل، وكذلك قال «4»: فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار [الأنعام/ 135]، المعنى: فسوف يعلمون: المسلم تكون له عاقبة الدار أم الكافر؟ وكلّ ما كان من هذا، فهكذا «5» القول فيه، وهو قياس قول الخليل.

_ (1) السبعة ص 501 مع اختلاف يسير في العبارة. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) في ط: قوله. (5) في م: فهذا.

العنكبوت: 50

[العنكبوت: 50] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه) [العنكبوت/ 50]. فقرأ [نافع و] أبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم آيات من ربه جماعة. علي بن نصر عن أبي عمرو: (آية) «1» واحدة. وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (آية) على التوحيد «2». [قال أبو علي] «3»: حجّة الإفراد قوله: فليأتنا بآية كما أرسل الأولون [الأنبياء/ 5]، وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه، قل إن الله قادر على أن ينزل آية [الأنعام/ 37] وحجّة الجمع أن في حرف أبي زعموا: (لولا يأتينا بآيات من ربه) [طه/ 133] قل إنما الآيات [الأنعام/ 109]، وقد تقع (آية) على لفظ الواحد ويراد بها كثرة، كما جاء: وجعلنا ابن مريم وأمه آية [المؤمنون/ 50]، وليس في قوله: قل إنما الآيات عند الله [الأنعام/ 109] دلالة على ترجيح من قرأ: آيات من ربه [العنكبوت/ 50]، لأنّهم لمّا اقترحوا (آية) قيل لهم «4»: الآيات عند الله، والمعنى: الآية التي اقترحوها، وآيات أخر لم يقترحوها، فقد ثبت مما تلوناه «5» أنّهم اقترحوا آية.

_ (1) ما بين معقوفين سقط من م وهو في ط والسبعة وفي النص تقديم وتأخير بين م وط والمؤدّى واحد. (2) سقطت من ط. (3) السبعة ص 501. (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) في ط: تلونا.

العنكبوت: 55

[العنكبوت: 55] اختلفوا في الياء والنون من قوله تعالى: ويقول ذوقوا [العنكبوت/ 55]. فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر (ونقول) بالنون، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: ويقول بالياء «1». [قال أبو علي] «2»: يقول ذوقوا أي «3»: يقول المؤكّل بعذابهم: ذوقوا، كقوله: والملائكة باسطوا أيديهم. أخرجوا أنفسكم [الأنعام/ 93]، أي: يقولون لهم: [أخرجوا أنفسكم] «4»، ومن قال: (ونقول)، فلأنّ ذلك لمّا كان بأمره سبحانه، جاز أن ينسب إليه، وجوازه على هذا المعنى، لأنّ الله سبحانه: لا يكلمهم ومعنى: ذوقوا ما كنتم تعملون أي: جزاءه، وقيل: ذوقوا لوصول ذلك إلى المعذّب كوصول «5» الذوق إلى الذائق. قال: دونك ما جنيته فاحس وذق «6» ويجوز في «7» ويقول ذوقوا، أن يكون القول للموكّلين بالعذاب دون المعذبين كقوله جلّ وعزّ «8»: ونقول ذوقوا عذاب الحريق [آل عمران/ 181] ونحو ذلك من الآي.

_ (1) السبعة ص 501. (2) سقط من ط. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) في ط: ذوقوا. (5) في م: لوصول. (6) لم نعثر عليه وفي م: جنيت بدل جنيته. (7) سقطت من م. (8) سقطت من ط.

العنكبوت: 57

[العنكبوت: 57] اختلفوا في سكون «1» الياء وتحريكها من قوله سبحانه «2»: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة [العنكبوت/ 56]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر: يا عبادي الذين، وفي الزّمر: يا عبادي الذين أسرفوا [53] بنصب الياء فيهما، وفي الزخرف: (يا عبادي لا خوف عليكم) [68]، ويأتي في موضعه إن شاء الله، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: (يا عبادي) بوقف الياء في الحرفين. ابن عامر وحده: (أرضي واسعة) بفتح الياء وأسكنها الباقون «3». [قال أبو علي] «4»: التحريك والإسكان [في هذه الياءات] «5» حسنان. قرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم: (ثم إلينا يرجعون) [العنكبوت/ 57] بالياء، وقرأ «6» الباقون وحفص عن عاصم بالتاء «7». قال أبو علي: أمّا (يرجعون)، فلأنّ الذي قبله على لفظ الغيبة،

_ (1) في ط: جزم. (2) في ط: تعالى. (3) السبعة ص 501 - 502. (4) سقطت في ط. (5) ما بين المعقوفتين ساقط من م. (6) سقطت من م. (7) السبعة ص 502.

العنكبوت: 58

وهو قوله: (كل نفس ذائقة الموت، ثم إلينا يرجعون) [العنكبوت/ 57]، وجاء على لفظ الجمع لأنّ كلّا جمع في المعنى، وإن كان مفردا في اللّفظ. وترجعون بالتاء على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب كقوله: إياك نعبد [الفاتحة/ 4] بعد قوله: الحمد لله [الفاتحة/ 1]. [العنكبوت: 58] اختلفوا في قوله سبحانه: لنبوئنهم [العنكبوت/ 58] في الباء والثاء، فقرأ حمزة والكسائي: (لنثوينّهم) بالثاء، وقرأ الباقون: لنبوئنهم بالباء «1». قال أبو زيد: بوّأنا فلانا منزلا تبويئا، فما حكى أبو زيد. حجّة لمن قرأ لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، وقال: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، وقال: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [الحج/ 26] فيجوز أن تكون اللّام زائدة كزيادتها في ردف لكم [النمل/ 72] ويجوز أن يكون (بوّأنا) لدعاء إبراهيم وهو قوله: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ... فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم [إبراهيم/ 37]، ويكون المفعول محذوفا على هذا، كأنّه: وإذ بوّأ بالدّعاء إبراهيم ناسا مكان البيت، كقوله تعالى «2»: بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، وقال: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74] فعلى هذا قوله سبحانه «3»: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، فأما من قرأ: (لنثوينّهم) فقد قال: وما كنت ثاويا في أهل مدين [القصص/ 45]

_ (1) السبعة ص 504. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط.

ففسره أبو عبيدة: وما كنت مقيما نازلا فيهم، قال: والثويّ: الضيف، وأنشد للعجاج «1»: فبات حيث يدخل الثويّ وقال الأعشى «2»: أثوى وقصّر ليلة ليزوّدا «3» وقال حسّان «4»: ثوى في قريش بضع عشرة حجة فكان «5» هذا كقوله: أقام فيهم ونزل فيهم، فإذا تعدّى بحرف جرّ، أو زيدت «6» عليه الهمزة وجب أن يتعدّى إلى المفعول الثاني، وليس في الآية حرف جرّ.

_ (1) من أرجوزة للعجّاج وقبله: وبيعة لسورها عليّ والبيعة: موضع تعبّد للنصارى، ديوانه 1/ 511. (2) صدر بيت وعجزه: فمضت وأخلف من قتيلة موعدا أثوى: بمعنى: أقام. ديوانه/ 227. (3) انتهى نقله عن مجاز القرآن 2/ 107 لأبي عبيدة. (4) في ديوانه: 1/ 94. ثوى بمكة بضع عشرة حجّة يذكّر لو يلقى خليلا مؤاتيا من قصيدة يمدح بها الرسول عليه الصلاة والسلام. وما في الحجة أصح وزنا. (5) في (م) وكأن. (6) في ط: فزيدت.

العنكبوت: 66

قال أبو الحسن: قرأ الأعمش: (لنثوينّهم من الجنّة غرفا) قال: ولا يعجبني، لأنك لا تقول: أثويته الدّار. قال أبو علي: هذا الذي رآه أبو الحسن يدلّ على أن ثوى ليس بمتعدّ، وكذلك تفسير أبي عبيدة: أنّه النازل فيهم، ووجهه أنّه كان في الأصل: لنثوينّهم من الجنّة في غرف، كما تقول: لننزلنّهم من الجنّة في غرف، وحذف الجار كما حذف من قوله «1»: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ويقول ذلك أن الغرف وإن كانت أماكن مختصة، فقد أجريت المختصّة من هذه الظروف مجرى غير المختصّة نحو قوله «2»: كما عسل الطريق الثعلب ونحو: ذهبت الشام، عند سيبويه، ويقوّي الوجه الأوّل، قوله سبحانه «3»: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74]. [العنكبوت: 66] اختلفوا في كسر اللام وإسكانها من قوله تعالى: وليتمتعوا [العنكبوت/ 66]، فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: (ليتمتّعوا) بجزم

_ (1) صدر بيت لعمرو بن معد يكرب وعجزه: فقد تركتك ذا مال وذا نشب وهو الشاهد 523 من شرح أبيات المغني 5/ 299 وقد استوفي تخريجه هناك، والنشب: المال الثابت، وأراد به الإبل خاصة. (2) عجز بيت لساعدة بن جؤية وصدره: لدن بهزّ الكف يعسل متنه وفي رواية «لذّ» أي تلذ الكف بهزه- ويعسل: يضطرب- كما عسل الطريق. أي: في الطريق. وقد استوفي تخريجه في شرح أبيات المغني انظر 1/ 9 إلى 12. (3) سقطت من ط.

اللام، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر بكسر اللام، وليتمتعوا أبو زيد عن أبي عمرو (وليتمتّعوا) ساكنة اللام. واختلف عن نافع، فروى المسيبي، وقالون وإسماعيل بن أبي أويس، (وليتمتعوا) على الوعيد، وكذلك أبو بكر بن أبي أويس ساكنة اللام. وقال ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر وورش عن نافع وليتمتعوا على معنى كي «1». [قال أبو علي] «2»: من كسر اللّام وجعلها الجارّة، كانت متعلقة بالإشراك، كأنّ المعنى: يشركون ليكفروا، أي لا عائدة «3» لهم في الإشراك إلّا الكفر «4»، فليس يردّ عليهم الشرك نفعا، إلّا التمتّع «5» بما يستمتعون به في العاجلة من غير نصيب في الآخرة. ومن قرأ: (وليتمتّعوا) أراد الأمر على معنى التهديد والوعيد، كقوله: واستفزز من استطعت [الإسراء/ 64]، واعملوا ما شئتم [فصّلت/ 40] ونحو ذلك من الأوامر التي في معناها «6»، ويدلّ على جواز الأمر هاهنا، قوله في الأخرى: ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون [النحل/ 55، الروم/ 34]. والإسكان في لام الأمر سائغ نحو: ثم ليقضوا تفثهم [الحج/ 29].

_ (1) السبعة ص 503. (2) سقطت من ط. (3) في ط: لا فائدة. (4) في ط: الكفر. (5) في ط: إلّا الكفر والتمتع. (6) كذا في ط وفي م معناه.

سورة الروم

[بسم الله] «1» ذكر اختلافهم في سورة الرّوم [الروم: 10] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ «2»: (ثم كان عاقبة الذين) [الروم/ 10] في الرفع والنصب. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (ثمّ كان عاقبة الّذين) رفعا، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ثم كان عاقبة الذين نصبا، وروى الكسائي وحسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم (عاقبة) رفعا «3». قال أبو علي: قوله سبحانه «4»: (ثم كان عاقبة الذين أسائوا السوأى أن كذبوا) [الروم/ 10] من نصب عاقبة جعله خبر كان ونصبه متقدما، كما قال: وكان حقا علينا نصر المؤمنين [الروم/ 47]، فأمّا اسمها على هذه القراءة، فيجوز أن يكون أحد شيئين: أحدهما:

_ (1) سقطت من ط. (2) في ط: تعالى. (3) السبعة ص 506. (4) سقطت من ط.

السوأى التقدير: ثم كان السّوأى عاقبة الذين أسائوا، ويكون في «1» قوله: أن كذبوا مفعولا له، تقديره: ثمّ كان السّوأى عاقبة الذين أسائوا لأن كذّبوا، ولا يجوز أن تكون أن كذبوا متعلقا بقوله: أساؤوا على هذا، لأنك تفصل بين الصلة والموصول، ألا ترى أنّ: أساؤوا في صلة الذين، والسوأى الخبر، فلو جعلت أن كذبوا في صلة أساؤوا لفصلت بين الصلة والموصول بخبر كان. والشيء الآخر الذي يجوز أن يكون اسم كان إذا نصبت العاقبة أن كذّبوا، المعنى: ثم كان التكذيب عاقبة الذين أسائوا، ويكون السوأى على هذا مصدرا لأساءوا، لأنّ فعلى من أبنية المصادر، كالرّجعى، والشورى، والبشرى، وكذلك تكون السوأى مصدرا. وممّا يدلّ أنّ السوء والسوأى بمعنى ما أنشده أبو عمر «2»: أنّى جزوا عامرا سوءا بفعلهم ... أم كيف يجزونني السّوأى من الحسن ومن رفع العاقبة فقال: (ثم كان عاقبة الذين أسائوا) جاز أن يكون الخبر شيئين: السوأى وأن كذبوا، كما جاز فيمن نصب العاقبة أن يكون كلّ واحد منهما الاسم، ومعنى الذين أسائوا: الذين أشركوا. التقدير: ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات الله، أي لم يظفر من «3» شركه وكفره بشيء إلّا بالتّكذيب، بآيات الله، فإذا جعلت «أن كذّبوا» نفس الخبر، جعلت السوأى في موضع نصب، بأنّه

_ (1) سقطت من م. (2) من قصيدة لأفنون التغلبي. وهو الشاهد 56 من شواهد شرح أبيات المغني 1/ 240 وما بعدها. وقد استوفينا تخريجه هناك. (3) في ط: في.

الروم: 11

مصدر، وقد يجوز أن تكون السوأى صفة لموصوف محذوف كأنّه: الخلّة السوأى، أو الخلال السّوأى. حفص عن عاصم: لآيات للعالمين [الروم/ 22] مكسورة اللام جمع عالم، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بفتح «1» اللام. [قال أبو علي] «2»: خصّ العالمين على رواية حفص، وإن كانت الآية لكافّة الناس عالمهم وجاهلهم، لأنّ العالم لمّا تدبّر، فاستدلّ بما شاهد على ما لم يستدل عليه غيره، صار كأنّه ليس بآية لغير العالم، لذهابه عنها وتركه الاعتبار بها. ومن قال: (للعالمين) فلأنّ ذلك في الحقيقة دلالة وموضع اعتبار، وإن ترك تاركون [لغفلتهم ولجهلهم] «3» التدبّر لها والاستدلال منها. [الروم: 11] اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: ثم إليه ترجعون فقرأ أبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر: (ثم إليه يرجعون) بالياء [الروم/ 11] وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي، وحفص عن عاصم ترجعون بالتاء. عباس «4» عن أبي عمرو: ترجعون بالتاء «5». [قال أبو علي] «6»: حجّة الياء أن المتقدّم ذكره غيبة يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه يرجعون [الروم/ 11]

_ (1) في ط: بنصب وهي كذلك في السبعة. (2) سقطت من ط. (3) في ط: لموضع غفلتهم أو لجعلهم. (4) في السبعة عياش. (5) السبعة ص 506. (6) سقطت من ط.

الروم: 19

والخلق هم المخلوقون في المعنى، وجاء قوله يعيده على لفظ الخلق، وقوله: (يرجعون) على المعنى، ولم يرجع على لفظ الواحد كما كان يعيده كذلك. ووجه التاء أنّه صار الكلام من الغيبة إلى الخطاب، ونظيره: الحمد لله [الفاتحة/ 1]، إياك نعبد [الفاتحة/ 4]. [الروم: 19] وقرأ حمزة والكسائي: (وكذلك تخرجون) [الروم/ 19] بفتح التاء وقرأ الباقون «1»: وكذلك تخرجون بضم التاء «2». [قال أبو علي] «3» حجّة تخرجون: يخرجون من الأجداث [القمر/ 7، المعارج/ 43]. وقوله تعالى: إلى ربهم ينسلون [يس/ 51]. وحجّة تخرجون: من بعثنا من مرقدنا هذا [يس/ 51] وقوله: كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57] وقوله: وإليه تقلبون [العنكبوت/ 21]. [الروم: 28] عباس عن أبي عمرو (كذلك يفصل الآيات) [الروم/ 28] بالياء، وقرأ الباقون بالنون «4». [قال أبو علي] «5»: وجه الياء ما تقدّم من لفظ الغيبة من قوله: ضرب لكم مثلا من أنفسكم [الروم/ 28]، ووجه النون ما تقدّم من

_ (1) في ط: وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، كما في السبعة. (2) السبعة ص 506. (3) سقطت من ط. (4) السبعة ص 507. (5) سقطت من ط.

الروم: 39

قوله سبحانه «1»: فيما رزقناكم [الروم/ 38] كذلك نفصل الآيات. وذكر بعض أصحاب أحمد أنّ المشهور من قراءة أبي عمرو كذلك نفصل وهو الوجه لأنّ قوله فيما رزقناكم متأخر عن قوله: ضرب لكم مثلا من أنفسكم [الروم/ 28]. [الروم: 39] قال: كلّهم قرأ: وما آتيتم من ربا [الروم/ 39] ممدودا غير ابن كثير فإنه قرأ: (أتيتم) قصرا. ولم يختلفوا في مدّ وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] «2». قال أبو عليّ: معنى وما آتيتم من ربا: ما آتيتم من هدية أهديتموها لتعوّضوا ما هو أكثر منها وتكافئوا أزيد منها فلا يربو عند الله، لأنكم قصدتم إلى زيادة العوض، ولم تبتغوا في ذلك وجه الله. ومثل هذا في المعنى قوله سبحانه «3»: ولا تمنن تستكثر [المدّثر/ 6] فمن مدّ آتيتم، فلأن المعنى: أعطيتم من قوله: فآتاهم الله ثواب الدنيا [آل عمران/ 148] أي: أعطاهم. وأمّا قصر ابن كثير فإنّه يؤول في المعنى إلى قول من مدّ، إلّا أنّ (آتيتم) على لفظ: جئتم، كما تقول: جئت زيدا، فكأنّه ما جئتم من ربا، ومجيئهم لذلك إنّما هو على وجه الإعطاء له، كما تقول: أتيت الخطأ، وأتيت الصواب، وأتيت قبيحا، وقال الشاعر: أتيت الّذي يأتي السّفيه لغرّتي ... إلى أن علا وخط من الشّيب مفرقي «4»

_ (1) سقطت من ط. (2) السبعة ص 507. (3) سقطت من ط. (4) البيت في اللسان (وخط) وقد وخطه الشيب وخطأ ووخضه بمعنى واحد أي:

الروم: 39

فإتيانه الّذي يأتي السفيه إنّما هو فعل منه له، قال: ولم يختلفوا في مدّ وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] فهذا كقوله: وإيتاء الزكاة [الأنبياء/ 73]، وإن كان لو قال: أتيت الزكاة لجاز أن يعني به فعلتها، ولكنّ الذي جاء منه في التنزيل. وسائر الكلام: الإيتاء. [الروم: 39] قال: وكلّهم قرأ: ليربوا في أموال الناس [الروم/ 39] غير نافع، فإنّه قرأ (لتربو) بالتاء، ساكنة الواو «1». قال [أبو علي] «2»: فاعل ليربو، الربا المذكور في قوله: وما آتيتم من ربا وقدّر المضاف وحذف كأنّه اجتلاب «3» أموال الناس، واجتذابها ونحو ذلك، وكأنّه سمّي هذا المدفوع على وجه اجتلاب الزيادة ربا لما كان الغرض فيه الاستزادة على ما أعطى، فسمّي باسم الزيادة، والربا: هو الزيادة، وبذلك سمّي المحرّم المتوعّد عليه «4» فاعله ربا لزيادة ما يأخذ على ما أعطى، والمدفوع ليس في الحقيقة ربا، إنّما المحرّم الزيادة التي يأخذها زائدا على ما أعطى فسمّي الجميع ربا، وكذلك ما أعطاه الواهب والمهدي لاستجلاب الزيادة سمي ربا، لمكان الزيادة المقصودة في المكافأة، فوجه ليربو في أموال الناس ليربو ما آتيتم فلا يربو عند الله، لأنّه لم يقصد به وجه البرّ والقربة، إنّما قصد به اجتلاب الزيادة، ولو قصد به وجه الله لكان كقوله: وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون

_ خالطه. ورواية (م): «إلى أن بدا» بدل «علا». (1) السبعة ص 507. (2) سقطت من ط. (3) في ط: في اجتلاب. (4) كذا في ط: وسقطت من م.

الروم: 48

[الروم/ 39] أي صرتم ذوي أضعاف من الثواب على ما أتوا من الزكاة تعطون بالحسنة عشرة كما قال تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] وقول نافع (لتربو) أي لتصيروا ذوي زيادة فيما أتيتم من أموال الناس، أي: تستدعونها وتجتلبونها، وكأنّه من أربى أي: صار ذا زيادة، مثل: أقطف، وأجرب. [الروم: 48] قال: كلّهم قرأ «1»: ويجعله كسفا [الروم/ 48] مفتوحة السين غير ابن عامر فإنه قرأ: (كسفا) ساكنة السين «2». [قال أبو علي] «3»: الكسف القطع، الواحدة كسفة، مثل: سدرة وسدر، ومن قرأ (كسفا) أمكن أن يجعله مثل سدرة وسدر، فيكون معنى القراءتين واحدا وقوله بعد: فترى الودق يخرج من خلاله [الروم/ 43] يجوز أن يعود الضمير إلى الكسف فذكّر، كما جاء من الشجر الأخضر [يس/ 80] ويجوز أن يعود إلى السحاب. ومن قال: كسفا رجع الضمير إلى السحاب على قوله لا غير. [الروم: 50] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى «4»: (فانظر إلى أثر رحمة الله) [الروم/ 50] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: (إلى أثر) على واحدة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: إلى آثار رحمة الله جماعة «5». قال أبو علي: الإفراد في (أثر) لأنّه مضاف إلى مفرد، وجاز

_ (1) في ط: يقرأ. (2) السبعة ص 508. (3) سقطت من ط. (4) في ط: عزّ وجلّ. (5) السبعة ص 508.

الروم: 52

الجمع لأنّ رحمة الله، يجوز أن يراد به الكثرة كما قال سبحانه «1»: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] فأمّا قوله: كيف يحيي الأرض [الروم/ 50] فيجوز أن يكون فاعله الأثر، ويجوز أن يكون فاعله: الضمير الذي يعود إلى اسم الله «2»، وأن يكون الفاعل: الذكر العائد إلى اسم الله تعالى «3» أولى، لقوله: أن الله يحيي الأرض بعد موتها [الحديد/ 17] ولنحيي به بلدة ميتا [الفرقان/ 49] ونحو هذا من الآي. ومن ردّ الذكر الذي في يحيي إلى الأثر لزمه إذا قال: إلى آثار رحمة الله أن يقول: (تحيي) بالتاء، إذا جعل الفعل للآثار. [الروم: 52] قال: كلّهم قرأ: ولا تسمع الصم [الروم/ 52]، نصبا «4» غير ابن كثير فإنّه قرأ: (ولا يسمع الصمّ) رفعا، عباس عن أبي عمرو مثل ابن كثير «5». قال أبو علي: هذا مثل ضربه الله للكافر، والمعنى: كما أنّك لا تسمع الميت لبعد «6» استماعه وامتناع ذلك منه، كذلك لا تسمع الكفّار، والمعنى: أنّه لا ينتفع بما يسمعه لأنّه لا يعيد، ولا يعمل به، ويبعد عنه، فإذا كان كذلك فمعنى: ولا تسمع ولا يسمع يتقاربان، لأنّ المعنى: إنّك لا تسمع الكافر ما تأتيه من حكمة وموعظة كما لا تسمع الأصمّ المدبر عنك، إلّا أنّ لا تسمع أحسن ليكون مشاكلا لما قبله في

_ (1) سقطت من ط. (2) في ط: اسم الله عزّ وجلّ. (3) سقطت من ط. (4) سقطت من ط. (5) السبعة ص 508. (6) في ط: لتعذر.

الروم: 54

إسناد الفعل إليك أيها المخاطب، وحكم المعطوف أن يكون مشاكلا [لما عطف عليه] «1». [الروم: 54] اختلفوا في ضمّ الضّاد وفتحها من قوله جلّ وعزّ «2»: (الله الذي خلقكم من ضعف) [الروم/ 54] فقرأ عاصم وحمزة من ضعف بفتح الضاد فيهنّ كلّهنّ. وقرأ الباقون: (من ضعف) في كلهنّ بضم الضاد، وقرأ حفص عن نفسه (ضعف) بضم الضاد «3». قال [أبو علي] «4»: هما لغتان ومثله: الفقر والفقر، وروي عن ابن عمر أنّه قال: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم «5»: من ضعف، فقال: (من ضعف). والمعنى: خلقكم من ضعف أي من ماء ذي ضعف كما قال: ألم نخلقكم من ماء مهين [المرسلات/ 20]. [الروم: 57] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: فيومئذ لا ينفع [الروم/ 57]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لا تنفع) بالتاء هاهنا، وفي المؤمن [52] أيضا. وقرأ نافع وابن عامر: هاهنا بالتاء وفي المؤمن بالياء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء فيهما. [قال أبو علي] «6»: التأنيث حسن لأنّ المعذرة اسم مؤنث. فأمّا التذكير فلأنّ التأنيث ليس بحقيقي، وقد وقع الفصل بين الفاعل

_ (1) في ط: للمعطوف عليه. (2) سقطت من ط. (3) السبعة ص 508. (4) سقطت من ط. (5) سقطت «وسلم» من ط. (6) سقطت من ط.

الروم: 41

وفعله، والفصل يحسّن التذكير، وقد قال «1» فيما لم يقع فيه الفصل فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة/ 275] فإذا انضمّ الفصل إلى أنّ التأنيث ليس بحقيقي قوي التذكير. [الروم: 41] قرأ «2» ابن كثير وحده: (لنذيقهم بعض الذي عملوا) [الروم/ 41] بالنون، وكذلك قرأت على قنبل ولم يتابعه أحد في هذه الرواية. عبيد بن عقيل ومحمد بن صالح والبزّي عن شبل عن ابن كثير: ليذيقهم بالياء. وكذلك قال الخزاعي عن ابن فليح ورأيته لا يعرف النون. وقرأ الباقون: ليذيقهم بالياء «3». قال أبو علي: الجار يتعلق بقوله: ظهر الفساد في البر والبحر [الروم/ 41] المعنى ظهر الجذب في البرّ والبحر، والبحر: الريف. وقال بعض المفسّرين: هذا قبل أن يبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. امتلأت الأرض ظلما وضلالة، فلمّا بعث الله النبيّ «4» صلّى الله عليه وآله وسلّم رجع راجعون «5»، والقحط يدلّ عليه قوله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات [البقرة/ 155] وقوله: ليذيقهم، فيه ضمير اسم الله «6»، وهو في المعنى مثل (لنذيقهم).

_ (1) في ط: جاء. (2) سقطت من ط. (3) السبعة 507. (4) في ط: نبيّه. (5) أي: رجع راجعون من الناس. انظر الطبري 21/ 49. (6) في ط: الله عزّ وجلّ.

سورة لقمان

[بسم الله] «1» ذكر اختلافهم في سورة لقمان [لقمان: 3] اختلفوا في النّصب والرفع من قوله تعالى «2»: هدى ورحمة للمحسنين [3]. [فقرأ حمزة وحده] «3»: (هدى ورحمة) رفعا، وقرأ الباقون: هدى ورحمة نصبا «4». [قال أبو علي] «5»: وجه النصب، أنّه انتصب عن الاسم المبهم، وهو من كلام واحد، والرّفع على إضمار المبتدأ وهو: هو هدى ورحمة. [لقمان: 6] اختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى «6»: (ويتخذها هزوا)

_ (1) سقطت من ط. (2) في ط: عزّ وجلّ. (3) في م حمزة والكسائي، والصواب من ط والسبعة. (4) السبعة ص 512. (5) سقطت من ط. (6) في ط: عزّ وجلّ.

لقمان: 13

[لقمان/ 6] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويتخذها هزوا نصبا، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (ويتّخذها) رفعا «1». [قال أبو علي] «2»: من رفع (يتخذها) جعله عطفا على الفعل الأوّل من: يشتري، ويتّخذ، ومن نصب عطفه على ليضل ويتخذها، فأمّا الضمير في قوله: ويتخذها فقيل: إنّه يجوز أن يكون للحديث، لأنّه بمعنى الأحاديث، وقيل: إنّه يجوز أن يكون للسّبيل، والسبيل يؤنث، قال [الله تعالى] «3»: قل هذه سبيلي [يوسف/ 108]، وقيل. إنّه يجوز أن يكون الضمير في قوله: (ويتّخذها) يعود إلى آيات الله. وقد جرى ذكرها في قوله تعالى «4»: تلك آيات الله [البقرة/ 252] والفعلان المرفوع والمنصوب جميعا في الصّلة. حدّثنا أحمد بن محمد البصري، قال: حدّثنا المؤمّل قال: حدّثنا إسماعيل عن ليث عن مجاهد ومن الناس من يشتري لهو الحديث [لقمان/ 6] قال: سماع الغناء. [لقمان: 13] وقرأ ابن كثير (يا بني لا تشرك بالله) [لقمان/ 13] بوقف الياء، و (يا بنيّ إنّها) مكسورة الياء، ويا بني أقم الصلاة [لقمان/ 17] بنصب «5» الياء هذه رواية ابن أبي بزّة. وأمّا قنبل فأقرأني الأولى والثالثة بوقف الياء وكسر الياء في الوسطى. وروى حفص عن عاصم الثلاثة بفتح الياء فيهنّ. أبو بكر عن عاصم

_ (1) السبعة ص 512. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) سقطت من ط. (5) في ط: نصب.

بكسر الياء في الثالثة، وكذلك قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. المفضّل عن عاصم: يا بني نصب في الثلاثة المواضع «1». [قال أبو علي] «2»: من قال «3» (يا بنيّ) فأسكن في الوصل فإنّه يجوز أن يكون على قول من قال: يا غلام أقبل فلمّا وقف قال يا غلام، فأسكن الحرف للوقف، ويكون قد «4» أجرى الوصل مجرى الوقف، وهذا يجيء في الشعر كقول عمران: قد كنت عندك حولا لا يروّعني ... فيه روائع من إنس ولا جان «5» فإنّما خفّف جان للقافية ثم وصل بحرف الإطلاق، وأجرى الوصل مجرى الوقف وهذا لا نعلمه «6» جاء في الكلام، ومن قال: (يا بني إنها) [لقمان/ 16] فهو على قولك: يا غلام أقبل، وهذا حسن لأنّ المستحسن في هذه الياء أن تحذف من «7» المنادى لوقوعها موقع التنوين، وكونها بمنزلته، والتنوين يحذف في النداء فكذلك هذه الياء تحذف فيه. ومن قال: يا بني ففتح الياء، فإنّه على قولك يا بنيّا فأبدل من ياء الإضافة ألفا، ومن الكسرة فتحة وعلى هذا حمل أبو عثمان قول من

_ (1) السبعة ص 512 - 513. (2) سقطت من ط. (3) في ط: قرأ. (4) سقطت من م. (5) سبق في هود/ 42 ج 4/ 336. (6) في ط: لا نعلم. (7) في ط: في.

لقمان: 18

قال: (يا أبت لم تعبد) [مريم/ 42] ويرى إبدال الألف من الياء مطّردا [في هذه الياءات] «1» وقد تقدم ذكر ذلك فيما سلف من هذا الكتاب. [لقمان: 18] اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: ولا تصعر خدك للناس [لقمان/ 18] فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر: ولا تصعر بغير ألف. وقرأ الباقون: (تصاعر) بألف «2». [قال أبو علي] «3»: يشبه أن يكون: (ولا تصعر)، (ولا تصاعر) بمعنى كما قال سيبويه في: ضعّف وضاعف. وقال أبو الحسن: لا تصاعر: لغة أهل الحجاز، ولا تصعّر: لغة بني تميم. والمعنى فيه: لا تتكبر على الناس ولا تعرض عنهم تكبرا عليهم. قال أبو عبيدة: وأصل هذا من الصّعر الذي يأخذ الإبل في رءوسها وأعناقها. قال أبو علي: فكأنّه يقول لا تعرض عنهم، ولا تزور كازورار الذي به هذا الدّاء الذي [يكون منه في عنقه] «4»، ويعرض بوجهه، ومثل ذلك قوله «5»: يهدي إليّ حياة ثاني الجيد [لقمان: 16] وقرأ نافع وحده: (إنها إن تك مثقال حبة) [لقمان/ 16] رفعا، ونصب الباقون اللام «6».

_ (1) في ط: في هذا الباب. (2) السبعة ص 513. (3) سقطت من ط. (4) في ط: يلوي منه عنقه. (5) لم نظفر له على تتمة أو قائل. (6) السبعة 513.

[قال أبو علي] «1»: من نصب فقال: إن تك مثقال حبة فاسم كان ينبغي أن تكون: المظلمة، المعنى: إن تك المظلمة أو السيئة مثقال حبة من خردل أتى الله بها، وأثاب عليها، أو عاقب، إن لم يكن قد كفر، أو أحبط. ومن قال: إنّها إن تك مثقال حبة، فألحق علامة التأنيث الفعل، والفاعل مثقال المذكّر، فلأنّ المثقال هو السيئة أو الحسنة «2» فأنّث على المعنى كما قال: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] فأنث وإن كان الأمثال مذكّرا، لأنّه يراد به الحسنات، فحمل على المعنى، فكذلك المثقال. فإن قلت: فما وجه قوله سبحانه «3»: فتكن في صخرة [لقمان/ 16]؟ وإذا كانت في صخرة فلا يخلو من أن تكون في الأرض، وإذا حصل بكونه «4» في صخرة كائنة في الأرض أغنى: «أو في الأرض» عن قوله: «فتكن في صخرة». قيل: إنّ هذا النحو من التأكيد والتكرير لا ينكر، وعلى هذا قوله تعالى «5»: اقرأ باسم ربك الذي خلق [العلق/ 1] ثم قال: خلق الإنسان [العلق/ 2] فكذلك وصفت المظلمة بكونها في صخرة أخفى لها، وأغمض لمكانها ففيه تأكيد وتثبيت أن هذه المظالم لا تخفى عليه سبحانه، ولن يدع أن يثيب أو يعاقب عليها.

_ (1) سقطت من ط. (2) كذا في ط وفي م: والحسنة. (3) سقطت في ط. (4) في ط: حصلت بكونها. (5) سقطت في ط.

لقمان: 20

[لقمان: 20] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى «1»: وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة [لقمان/ 20]. فقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم نعمه جماعة، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: (نعمة) واحدة. علي بن نصر وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو: (نعمة) واحدة، [ونعمه جماعة] «2». [قال أبو علي] «3»: النعم: جمع نعمة، مثل سدرة وسدر. فالنعم الكثير، ونعم الله تعالى «4» كثيرة، والمفرد أيضا يدلّ على الكثرة قال [الله تعالى] «5»: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [النحل/ 18] فهذا يدلّ على أنّه يراد به الكثرة. فأمّا قوله: ظاهرة وباطنة، فلا ترجيح فيه لإحدى القراءتين على الأخرى، ألا ترى أن النعم توصف بالظاهرة والباطنة، كما توصف النعمة بذلك، وقد جاء في التنزيل: (الكتاب، والكتب) يراد بالواحد الكثرة، كما يراد بالجمع. [لقمان: 27] اختلفوا في رفع الراء ونصبها من قوله جلّ وعزّ: والبحر يمده [لقمان/ 27]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: والبحر رفعا. وقرأ أبو عمرو وحده (والبحر) نصبا «6».

_ (1) في ط: عزّ وجلّ. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من ط. وهي في م والسبعة انظر السبعة ص 513. (3) سقطت من ط. (4) في ط: عزّ وجلّ. (5) ما بين المعقوفتين سقط من ط. (6) السبعة ص 513.

قال أبو زيد أمددت القوم بمال ورجال إمدادا، وأمددت القائد بجند، ونهر كذا يمدّ نهر كذا. قال تعالى «1»: والبحر يمده من بعده سبعة أبحر [لقمان/ 27]. وقلّ ماء ركيّتنا فمدّتها ركيّة أخرى تمدّها «2». وقال أبو عبيدة: هذا مختصر سبيله كسبيل لو كتب كتاب الله بهذه الأقلام والبحر ما نفد كلام الله «3». قال أبو عليّ: المراد بذلك والله أعلم: ما في المقدّر «4» دون ما خرج منه إلى الوجود، وقال قتادة: يقول: لو كان شجر الأرض أقلاما، ومع البحر سبعة أبحر، إذا لانكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر قبل أن تنفد عجائب الله وحكمته وخلقه وعلمه. فأمّا انتصاب البحر من قوله سبحانه «5»: (والبحر يمده من بعده) فلأنّه معطوف على اسم إنّ وهو ما في الأرض ف (ما) اسم إن وأقلام خبرها التقدير: لو أن شجر الأرض أقلام، والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر، إذا عطفت البحر على اسم إنّ فنصبته كان خبره يمدّه، والراجع إلى البحر الضمير المنصوب [المتصل بيمدّه] «6». ومن رفع فقال: والبحر يمده استأنف كأنّه قال: والبحر هذه حاله فيما قال سيبويه «7»، وإذا نصبت البحر أو رفعته فالمعنى: فكتب ما في تقدير «8» الله لنفد ذلك قبل نفاد

_ (1) سقطت من ط. (2) مدّ بمعنى زاد، انظر اللسان/ مدد/. (3) انظر مجاز القرآن 2/ 128. (4) في ط: ما في المعدود. (5) سقطت من ط. (6) ما بين المعقوفتين في م: المنفصل من يمدّه. (7) انظر الكتاب 1/ 285. (8) في ط: مقدور.

لقمان: 29

المقدور، ونحو هذا من الجمل قد تحذف لدلالة الكلام عليها، كقوله تعالى «1»: وأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء/ 63] والمعنى: فضرب فانفلق، ومثله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية [البقرة/ 196]، والمعنى: فحلق فعليه فدية، ومثله: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم [النمل/ 28]. قالت يا أيها الملأ [النمل/ 29] والمعنى: فذهب فألقى الكتاب فقرأته المرأة أو قرئ عليها فقالت: يا أيّها الملأ، ومثل ذلك فيما «2» يحذف لدلالة الفحوى عليه في غير موضع. وقال بعض أهل النظر: ليس هذا على الكلام ولكنّ المراد أنّ وجه الحكمة وتأمّل عجيب الصّنعة وإتقانها لا ينفد، وليس المراد الكلام. [لقمان: 29] عبّاس عن أبي عمرو (كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما يعملون خبير) [لقمان/ 29] بالياء «3» لم يأت بها غيره «4». [قال أبو علي] «5»: الأبين في هذا: التاء وأن الله بما تعملون خبير، فيجازي محسنكم بإحسانه، ومسيئكم بإساءاته.

_ (1) سقطت من ط. (2) في ط: مما. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) السبعة ص 514. (5) سقطت من ط.

سورة السجدة

[بسم الله] «1» ذكر اختلافهم في سورة السجدة [السجدة: 7] اختلفوا في تحريك اللّام وسكونها من قوله تعالى «2»: كل شيء خلقه [7] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (خلقه) ساكنة اللّام. وقرأ الباقون: (خلقه) بتحريك اللّام «3». [قال أبو علي] «4»: (خلقه) «5» منتصب على أنّه مصدر دلّ عليه ما تقدّم من قوله سبحانه «5»: (أحسن كل شيء) [السجدة/ 7] فأمّا الضّمير الذي أضيف خلق إليه فلا يخلو من أن يكون ضمير اسم الله تعالى، أو يكون كناية عن المفعول، فالذي يدلّ عليه نظائره أنّ الضّمير

_ (1) سقطت من ط. (2) في ط: عزّ وجلّ. (3) السبعة ص 516. (4) سقطت من ط. (5) ضبطت في الأصلين (خلقه) بفتح اللام هنا، وفي أكثر من موضع سترد فيه، وهو ضبط بخلاف المراد. وقد ضبطناها بما يتوافق مع المقصود من تسكين أو فتح.

لاسم الله «1»، لأنّه مصدر لم يسند الفعل المنتصب عنه إلى فاعل ظاهر. وما كان من هذا النحو أضيف المصدر فيه إلى الفاعل نحو صنع الله [النحل/ 88] ووعد الله [النساء/ 122] وكتاب الله عليكم [النساء/ 24] فكما أضيفت هذه المصادر إلى الفاعل، فكذلك يكون (خلقه) «2» مضافا إلى ضمير الفاعل لأنّ قوله: (أحسن كلّ شيء)، يدلّ على خلق كلّ شيء. فإن قلت: كيف يدلّ قوله: أحسن كلّ شيء على: خلق كلّ شيء، وقد تجعل «3» أشياء حسنة ممّا لم يخلقها؟ قيل: هذا كما قال: خالق كل شيء [الأنعام/ 102] فأطلق اللّفظ عامّا، فكما جاء هذا على لفظ العموم، كذلك يدلّ قوله: أحسن كل شيء على: خلق كلّ شيء، وانتصب «4» (خلقه) عمّا في هذا اللّفظ من الدّلالة على خلق. وروي أن عكرمة سئل عن قوله تعالى «5»: (الذي أحسن كل شيء خلقه) [السجدة/ 7] فقال: أما إنّ است الفرد ليست بحسنة، ولكنّه أبرم خلقها، أي: أتقن «6». وما تقدم ذكره من انتصاب (خلقه) على المصدر الذي دلّ فعل متقدّم مذهب سيبويه «7». ويجوز في قوله: (أحسن كل شيء خلقه) [السجدة/ 7] أن

_ (1) في ط: الله عزّ وجلّ. (2) في م: خلقا. (3) في ط: تجد أشياء. (4) في م: فانتصب. (5) سقطت من ط. (6) انظر القرطبي 14/ 90. والطبري 21/ 94. (7) انظر الكتاب 1/ 191.

السجدة: 10

يجعل (خلقه) بدلا من كلّ، فيصير التقدير: الذي أحسن خلق كلّ شيء. ومن قال: (كلّ شيء خلقه) كان خلقه «1» وصفّا للنكرة المتقدمة، وموضع الجملة يحتمل وجهين: إن جعلت الجملة صفة لكلّ شيء كانت في موضع نصب، وإن جعلتها وصفا «2» لشيء كانت في موضع جرّ، ومثل وصف النكرة بالجملة هنا قوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) [الأنعام/ 92] فقوله: (أنزلناه) وصف لكتاب وموضع الجملة رفع، والدليل على ذلك رفع (مبارك) بعده فيعلم بارتفاع المفرد أن الجملة قبله في موضع رفع. قال: قرأ ابن عامر (إذا ضللنا في الأرض) مكسورة الهمزة (أإنا) بهمزتين والاستفهام، وقد بيّن [قبل هذا] «3». [السجدة: 10] قال أبو علي: موضع «4» إذا نصب بما دلّ عليه قوله: (إنا لفي خلق جديد) [السجدة/ 10] وكأنّ «5» هذا الكلام يدلّ على: تعاد والتقدير: تعاد إذا ضللنا في الأرض، وقد تقدّم ذكر ذلك. أبو عبيدة: ضللنا في الأرض: همدنا في الأرض «6»، وقال غيره: صرنا ترابا، فلم يتبين شيء من خلقنا.

_ (1) خلقه: فعل ماض على هذه القراءة، وموضع الجملة هنا صفة لشيء فهي في محل جر، أو صفة لكل فهي في موضع نصب. (2) في ط: صفة. (3) في ط: هذا قبل. والمثبت موافق للسبعة أيضا. وانظر ما سبق 4/ 43، 45 وص 399 من هذا الجزء. (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) في ط: وذاك أن. (6) في مجاز القرآن 2/ 131: مجازه: همدنا فلم يوجد لنا لحم ولا عظم.

السجدة: 17

[السجدة: 17] قرأ حمزة وحده: (ما أخفي لهم) [السجدة/ 17] ساكنة الياء، وقرأ الباقون: (أخفي لهم) نصبا «1». قال أبو علي: الذي يقوّي بناء الفعل للمفعول به قوله تعالى «2»: (فلهم جنات المأوى) [السجدة/ 19] فأبهم ذلك كما أبهم قوله: (أخفي لهم) [السجدة/ 17]، ولم يسند إلى الفعل «3» بعينه، ولو كان (أخفي) كما قرأ حمزة وهي قراءة الأعمش لكان: أعطيهم جنات المأوى، فيوافق «4» أعطي أخفي في ذكر فاعل الفعل، ويقوّي ذلك أيضا، قوله تعالى: (كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم) [السجدة/ 20] فكما أنّ الفعل في ذلك مبني للمفعول، ولم يسند إلى فاعل بعينه، فكذلك ينبغي أن يكون ما يعطف عليه من «5» قوله تعالى «6»: أخفي لهم. ويقوّي قراءة حمزة أخفي «7» أن أخفي إنّما هو مثل قوله: لآتينا كل نفس [السجدة/ 13] وقوله: حق القول مني [السجدة/ 13] ويتّصل بالحرف قوله: ومما رزقناهم ينفقون [السجدة/ 16] فهذا كلّه يقوّي أخفي لأنّ قوله: آتينا ورزقنا في المعنى مثل لفظ المفرد، فأمّا ما في قوله: ما أخفي لهم فالأبين فيه أن يكون استفهاما، وهو عندي قياس قول الخليل، فمن

_ (1) السبعة ص 516. (2) سقطت من ط. (3) في ط: فاعل. (4) في ط: ليوافق. (5) في ط: في. (6) سقطت من ط. (7) كذا في ط وسقطت من م.

السجدة: 24

قال: أخفي لهم كان ما عنده مرتفعا بالابتداء، والذكر الذي في أخفي يعود عليه، والجملة التي هي ما أخفي لهم في موضع نصب. وتعلم هو الذي يتعدى إلى مفعولين، كما أن قوله: إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء [العنكبوت/ 42] كذلك. ومن قال: أخفي لهم، فإن (ما) في موضع نصب، بأخفي. والجملة في موضع نصب بتعلم، كما كان في القول الآخر كذلك، ومثل ذلك قوله: (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) [الأنعام/ 135] وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه [هود/ 93] وما أشبه ذلك. يحمل فيه العلم على التعدى إلى مفعولين و (ما) «1» للاستفهام. [السجدة: 24] اختلفوا في فتح اللام وكسرها من قوله تعالى «2»: (لما صبروا) [السجدة/ 24] فقرأ حمزة والكسائى: (لما صبروا) مكسورة اللام خفيفة. وقرأ الباقون (لما) بفتح اللام وتشديد الميم «3». قال أبو علي: أما من قرأ لما فإنه جعله كالمجازاة إلا أن الفعل المتقدم أغنى عن الجواب، كما أنك إذا قلت: أجيئك إن جئت، تقديره: إن جئت أجئك، فاستغنيت عن الجواب بالفعل المتقدم على الجزاء «4» فكذلك المعنى هاهنا: لما صبروا جعلناهم أئمة ومن قال: لما صبروا، علق الجار بجعلنا، التقدير: جعلنا منهم أئمة لصبرهم.

_ (1) في ط: وما ومن بعده. (2) في ط: عز وجل. (3) السبعة ص 516. (4) في ط: الشرط.

سورة الأحزاب

[بسم الله] «1» ذكر اختلافهم في سورة الأحزاب [الاحزاب: 2] اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «2»: (إن الله كان بما يعملون خبيرا) [2] فقرأ أبو عمرو وحده: (بما يعملون خبيرا) بالياء، وقرأ الباقون: (بما تعملون خبيرا) بالتاء «3». (بما يعملون) على: (لا تطع الكافرين) [الأحزاب/ 1] إنّه بما يعملون. والتاء على الخطاب «4»، ويدخل فيه الغيب. [الاحزاب: 4] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: (اللائي تظاهرون) [الأحزاب/ 4] فقرأ ابن كثير ونافع: (اللاء) ليس بعد الهمزة ياء كذلك، وقرأت على قنبل. وأخبرني إسحاق الخزاعي عن ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: (اللاء) يكسر ولا يثبت ياء «5» مخففة بغير همز، ولا مدّ في كلّ القرآن، وكذلك أبو عمرو، وحدّثني محمد «6» بن مضر عن ابن أبي

_ (1) سقطت من ط. (2) في ط: عزّ وجلّ. (3) السبعة ص 518. (4) في ط: المخاطبة. (5) في ط: الياء. (6) في السبعة: مضر بن محمد.

بزّة عن أصحابه عن ابن كثير مثل أبي عمرو. قال ابن مخلد: عن ابن أبي بزّة [اللائي] «1» مشددة مكسورة وهو غلط. وقال في الطلاق: (واللائي يئسن) [4] مثقلة، (واللائي لم يحضن) [الطلاق/ 4] مثلها. وروى «2» ورش عن نافع مثل قراءة أبي عمرو. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: اللائي بياء بعد الهمزة، وكذلك اختلافهم في [اللائي] «3» قد سمع الله [المجادلة/ 2]، وفي الطلاق «4». قال أبو علي: اللائي: وزنه فاعل مثل شائي فالقياس أن تثبت الياء فيه كما تثبت في الشائي، والنائي ونحوه. وقد حذفوا الياء من فاعل في حروف من ذلك قولهم: ما باليت به بالة «5»، ومنه حانة، فكذلك إذا حذفت من اللائي يصير (اللاء) فإن خفّفت الهمزة فالقياس أن تجعل بين بين. وقد حكى سيبويه: حذف الياء من اللائى، فقال: من قال في «6» (اللاء) قال «7» (لاء) لأنّه يصير بمنزلة باب، صار حرف الإعراب العين، يريد: عين الفعل التي هي همزة من اللائي. فأمّا قبل الحذف من اللائي فإنّ اللّائي واللّاتي قال فيهما: إنهما «7» بمنزلة شاري وضاري «9»، ومن ردّ الفاء في «يضع» اسم رجل إذا صغّر،

_ (1) زيادة من السبعة. (2) سقطت من ط. (3) كذا في ط وسقطت من م. وهي في السبعة أيضا. (4) السبعة ص 518 - 519. (5) في اللسان (بلا): أصل بالة: بالية. مثل عافاه عافية، فحذفوا الياء تخفيفا. انظر سيبويه 4/ 406. (6) سقطت من ط. (7) في (ط): قال إذا سمى. (9) في ط: شائي وصاري.

الاحزاب: 4

فقال: «يويضع» ردّ اللّام هنا أيضا، فقال: لويىء، ومن لم يرد قال: لويىء مثل: لويع، فإن خفّفت الهمزة قلت: لويّ، وزنه من الفعل: فويع. ومن أمثلة التحقير: فعيل. وقال بعض أصحاب أحمد: يعني أنّ ابن كثير وأبا عمرو يقرءان: اللّاي يريد اللاء بهمزة ليس بعدها ياء «1» ثم يخفّف الهمزة فتصير ياء ساكنة، وزعم أنّه كذلك ضبط، قال: وهو تخفيف إبدال على غير قياس، قال أبو علي: ومثل هذا البدل من الهمز لا يقدم عليه إلا بسمع. [الاحزاب: 4] اختلفوا في قوله تعالى: (تظاهرون) [الأحزاب/ 4] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (تظّهّرون) بفتح التاء والتثقيل. وفي المجادلة [2] مثله غير أن تلك بالياء «2». وقرأ عاصم: (تظاهرون) بألف، مضمومة التاء خفيفة، وقرأ حمزة والكسائي: هاهنا (تظاهرون) خفيفة الظاء بفتح التاء وألف بعد الظاء، وفي المجادلة بياء مشددة [الظاء] «3» (يظاهرون)، وقرأهما ابن عامر بتشديد «4» الظاء مع الألف. [قال أبو علي] «5»: (يظّهّرون) معناه: يتظهرون، فأدغم التاء في الظاء، وتقديره: يتفعّلون من الظهر «6»، وفي المجادلة مثله، غير أنّ تلك بالياء، والذين يظّهّرون تقديره: يتظهّرون، فأدغم التاء في الظّاء. وقول عاصم: (تظاهرون) بألف مضمومة التاء. خفيفة فهذا من ظاهر من امرأته. ويقوي ذلك قولهم في مصدر ظاهر: اظّهار، ولا يمتنع أن

_ (1) في (م): «اللائي بهمزة بعدها ياء» وما في (ط) هو الوجه. (2) في م: بالتاء. المثبت من ط والسبعة. (3) زيادة من السبعة. (4) في ط: مشددة. (5) سقطت من ط. (6) في ط: الظهيرة.

الاحزاب: 10

يقال: ظاهر لقولهم: الظّهار في مصدره وإن كان الظّهار قد جاء في نحو قوله: وأنزل الذين ظاهروهم [الأحزاب/ 26] وفي قوله: تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان [البقرة/ 85]، أي: تتعاونون، فلا يمتنع أن يستعمل في قولهم ظاهر من امرأته كالأشياء التي تتفق ألفاظها وتختلف معانيها، وكلّ ذلك من الظّهار «1». وقول حمزة والكسائي (تظاهرون) خفيفة الظّاء، معناها: تتظاهرون، فحذفا تاء تتفاعلون التي أدغمها غيرهما. وقولهما في المجادلة: (تظاهرون) أدغما في المجادلة التاء الّتي حذفاها من تظاهرون، والمعنى واحد. وقول ابن عامر بتشديد الظّاء مع الألف (تظّاهرون)، مثل قول «2» حمزة والكسائي في المجادلة، إنّما هو يتظاهرون. [الاحزاب: 10] اختلفوا في قوله تعالى «3»: (الظنونا) [الأحزاب/ 10]، و (الرسولا) [الأحزاب/ 66]، و (السبيلا) [الأحزاب/ 67]. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص والكسائي بألف إذا وقفوا عليهنّ وبطرحها في الوصل. وقال هبيرة: عن حفص عن عاصم وصل أو وقف بألف. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر بألف «4» فيهنّ في الوصل والوقف. وقرأ أبو عمرو بغير ألف في الوصل والوقف هذه رواية

_ (1) في ط: الظهرة. (2) كذا في ط وسقطت من م. (3) سقطت من ط. (4) في ط: بالألف.

اليزيدي وعبد الوارث وروى عبّاس عن أبي عمرو بألف فيهنّ في الوصل والوقف. وروى علي بن نصر عن أبي عمرو: السبيلا يقف «1» عندها بألف. أبو زيد عن أبي عمرو: الظنونا، والرسولا. والسبيلا، يقف ولا يصل ووقفه بألف. عبيد عن هارون عن أبي عمرو يقف عندها الرسولا «2». وحدّثني الجمال «3» عن الحلواني عن روح عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو بألف فيهنّ وصل أو قطع «4». قال أبو علي: وجه قول من أثبت في الوصل الألف «5» أنّها في المصحف كذلك، وهي رأس آية. ورءوس الآي تشبّه بالفواصل «6» من حيث كانت مقاطع، كما كانت القوافي مقاطع، فكما شبّه أكرمن [الفجر/ 15] وأهانن [الفجر/ 16] بالقوافي. في حذف الياء منهنّ نحو «7»: من حذر الموت أن يأتين و: إذا ما انتسبت له أنكرن كذلك يشبّه هذا في إثبات الألف بالقوافي. فأمّا في الوصل، فلا

_ (1) في م: لا يقف. والمثبت من ط والسبعة. (2) في ط: السبيلا. (3) هو الحسين بن حماد، وقيل: أبو علي الجمال الأزرق الرازي ثم القزويني المقرئ ثبت محقّق. قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني. انظر طبقات القرّاء 1/ 244. (4) السبعة ص 520. (5) سقطت من ط. (6) في ط: بالقوافي. (7) هذان عجزا بيتين للأعشى سبقا في 3/ 219.

الاحزاب: 9

ينون، ويحمل «1» على لغة من لم «2» ينوّن ذلك إذا وصل في الشعر لأنّ من لم «3» ينوّن أكثر. وقال أبو الحسن: وهي لغة أهل الحجاز، فكذلك، فأضلونا السبيلا [الأحزاب/ 67]، وأطعنا الرسولا [الأحزاب/ 66]. فأمّا من طرح الألف في الوصل كابن كثير والكسائي، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ ذلك في القوافي، وليس رءوس الآي بقواف، فتحذف في الوقف كما، تحذف في «4» غيرها، ممّا يثبت في الوقف نحو التشديد الذي يلحق الحرف الموقوف عليه، وهذا إذا ثبت في الخطّ فينبغي أن لا يحذف، كما لا تحذف هاء الوقف من حسابيه [الحاقة/ 20] وكتابيه [الحاقة/ 19] وأن يجري مجرى الموقوف عليه، ولا يوصل، وكذلك الهاء التي تلحق في الوقف، فهو وجه، فإذا ثبت ذلك في القوافي في الوصل فيما حكاه أبو الحسن، لأنّه «5» زعم أن هذه اللّغة أكثر، فثبات ذلك في الفواصل، كما يثبت «6» في القوافي حسن. [الاحزاب: 9] قال: قرأ أبو عمرو وحده (وكان الله بما يعملون بصيرا) [الأحزاب/ 9] بالياء. وقرأ الباقون بالتاء، أبو زيد عن أبي عمرو بالياء والتاء، وعبيد «7» عن أبي عمرو مثله «8».

_ (1) كذا في ط، وفي من ولا يحمل. (2) في ط: لا. (3) في ط: لا. (4) سقطت من ط. (5) سقطت من ط. (6) في ط: ثبت. (7) في ط: وعتبة، وفي السبعة: وروى أبو زيد وهارون وعبيد. (8) السبعة ص 519.

الاحزاب: 13

[قال أبو علي] «1»: حجّة التاء: فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها [الأحزاب/ 9] فالوجه فيما عطف عليه الخطاب، كما أنّ الذي عطف عليه كذلك، والياء على معنى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا، وكان الله بما يعملون، أي يعمل الجنود، أو يعمل الأحزاب من تألبهم عليكم أيّها المسلمون. [الاحزاب: 13] حفص عن عاصم: لا مقام لكم [الأحزاب/ 13] مضمومة الميم. الباقون: (لا مقام لكم) مفتوحة الميم «2». [قال أبو علي] «3»: المقام: يحتمل أمرين، يجوز: لا موضع إقامة لكم، وهذا أشبه، لأنّه في معنى من فتح فقال: (لا مقام لكم) أي: ليس لكم موضع تقومون فيه، ومن ذلك قول الشاعر: فأيّي ما وأيّك كان شرّا ... فقيد إلى المقامة لا يراها «4» ودخلتها التاء كما دخلت على المنزلة. والمقامة موضع ثواء ولبث. ويحتمل قول عاصم: لا مقام لكم لا إقامة لكم فأمّا المقام: فاسم الموضع، قال: مقام إبراهيم [البقرة/ 125]: مصلّاه، وقيل للمجلس والمشهد: مقام ومقامة. [الاحزاب: 14] اختلفوا في قوله سبحانه «5»: ثم سئلوا الفتنة لأتوها

_ (1) سقطت من ط. (2) السبعة ص 520 وفيه: وكذلك أبو بكر عن عاصم. (3) سقطت من ط. (4) البيت للعباس بن مرداس، في الكتاب 1/ 399. وانظره في اللسان (أيا) وسقطت (ما) من نسخة (م) سهوا من الناسخ. (5) في ط: عزّ وجلّ.

الاحزاب: 21

[الأحزاب/ 14] في المدّ والقصر، فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر لأتوها قصيرة، وروى ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: (لآتوها) ممدودة، وكذلك قرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (لآتوها) ممدودة «1». [قال أبو علي] «2»: أمّا من قصر فلأنّك تقول: أتيت الشيء: إذا فعلته. تقول: أتيت الخير، وتركت الشر، أي: فعلت الخير، ومعنى: ثم سئلوا الفتنة: سئلوا فعل الفتنة [لأتوها، أي: لفعلوها. ومن قرأ: (لآتوها) بالمدّ فالمعنى: ثم سئلوا فعل الفتنة] «3» لأعطوها، أي: لم يمتنعوا منها، ومما يحسّن المدّ قوله سبحانه «4»: ثم سئلوا الفتنة، فالإعطاء مع السؤال حسن، والمعنى: لو قيل لهم: كونوا على المسلمين مع المشركين لفعلوا ذلك. [الاحزاب: 21] اختلفوا في ضمّ الألف وكسرها من قوله تعالى «5»: أسوة حسنة [الأحزاب/ 21] فقرأ عاصم: أسوة بضمّ الألف حيث وقعت، وقرأ الباقون: (إسوة) بكسر الألف حيث وقعت «6». [قال أبو علي] «7»: أسوة وإسوة لغتان، ومعناهما قدوة. [الاحزاب: 30] اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: يضاعف لها العذاب ضعفين

_ (1) السبعة ص 520 مع اختلاف يسير. (2) سقطت من ط. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من م. (4) سقطت من ط. (5) في ط: عزّ وجلّ. (6) السبعة ص 520. (7) سقطت من ط.

[الأحزاب/ 30] فقرأ ابن كثير وابن عامر: (نضعّف) بالنّون (العذاب) نصبا. وقرأ أبو عمرو: (يضعّف) بالياء (العذاب) رفعا. وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: يضاعف بألف لها العذاب رفعا، على ما لم يسمّ فاعله «1». [قال أبو علي] «2»: ضاعف وضعّف، بمعنى فيما حكاه سيبويه «3». وقال أبو الحسن: الخفيفة لغة أهل الحجاز، والثقيلة «4» لغة بني تميم، ومن قال: (نضعّف) «5» فالفعل مسند إلى ضمير اسم الله تعالى، ومن قال: يضاعف فلم يسمّ الفاعل أسند الفعل إلى العذاب، ومعنى يضاعف لها العذاب ضعفين أنّها لما تشاهد من الزّواجر، وما يردع عن مواقعة الذنوب ينبغي أن تمتنع أكثر مما يمتنع من لا يشاهد ذلك ولا يحضره، وقال: يضاعف لها العذاب فعاد الضمير على معنى (من) دون لفظ (من)، ولو عاد على لفظ (من) لذكر. ومثل يضاعف لها العذاب ضعفين، فزيد في العذاب ضعف كما زيد في الثواب ضعف في «6» قوله تعالى «7»: نؤتها أجرها مرتين [الأحزاب/ 31] فكما ضوعف الأجر كذلك [ضوعف العذاب] «8».

_ (1) السبعة ص 521. (2) سقطت من ط. (3) انظر الكتاب 4/ 68 (ت. هارون). (4) في ط: والمثقلة. (5) في ط: نضاعف. (6) سقطت من م. (7) سقطت من ط. (8) في ط: ضوعفت العقوبة والعذاب.

الاحزاب: 31

[الاحزاب: 31] اختلفوا في قوله تعالى: ومن يقنت ... وتعمل صالحا نؤتها أجرها [الأحزاب/ 31]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر (يقنت) بالياء، وتعمل بالتاء، نؤتها بالنون. وقرأ حمزة والكسائي كل ذلك بالياء، ولم يختلف الناس في: يقنت أنه بالياء وكذلك من يأت بالياء «1». [قال أبو علي] «2»: أمّا من قرأ: (يقنت) بالياء، فلأنّ الفعل مسند إلى ضمير (من) ولم يبيّن فاعل الفعل بعد، فلمّا ذكر ما دلّ على «3» أنّ الفعل لمؤنث حمل على المعنى فأنّث، وذلك كقوله: من آمن بالله [المائدة/ 69] ثمّ قال: فلا خوف عليهم [المائدة/ 69]، وقال: ومنهم من يستمع إليك [الأنعام/ 25]، وفي أخرى: يستمعون إليك [يونس/ 42]، وأمّا من قرأ كلّ ذلك بالياء، فإنّه حمل على اللفظ دون المعنى، واللّفظ (من) وهو مذكر، وممّا يقوّي قول من حمل على المعنى فأنّث، اتفاق حمزة والكسائي معهم في قولهم: (نؤتها) فحملا على المعنى، فكذلك قوله: (وتعمل) كان ينبغي على هذا القياس أن يحملا على المعنى، وإنّما لم يختلف الناس في (يقنت) و (يأت)، لأنّه إنّما جرى ذكر (من)، ولم يجر ذكر ما يدلّ على التأنيث فيحمل الكلام على المعنى. [الاحزاب: 33] اختلفوا في فتح القاف وكسرها من قوله سبحانه «4»: وقرن في

_ (1) السبعة ص 521. (2) سقطت من ط. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) سقطت من ط.

بيوتكن [الأحزاب/ 33] فقرأ عاصم ونافع: وقرن في بيوتكن بالفتح، وقرأ الباقون: وقرن بالكسر «1». قال أبو علي: من قال «2»: قرن بكسر القاف احتمل أمرين: أحدهما أن يكون من التوقّر في بيوتكن «3»، وأن لا يخرجن منها. وقرن مثل عدن، وزن، ونحو ذلك، ممّا تحذف منه الفاء، وهي واو، فيبقى من الكلمة علن. ويحتمل أن يكون من قرّ في مكانه يقرّ، فإذا أمر من هذا قال: اقرر فيبدل من العين الياء كراهية «4» التضعيف كما أبدل من قيراط ودينار، فيصير لها حركة الحرف المبدل منه، ثم لا تلقى الحركة على الفاء، فتسقط همزة الوصل لتحرّك ما بعدها فتقول: (قرن) لأنّ حركة الراء كانت كسرة في يقرّ، ألا ترى أنّ القاف متحركة بها؟ فأمّا من فتح قرن فإنّ من لم يجز قررت في المكان أقرّ، وإنّما يقول في المكان قررت أقرّ وقررت به عينا أقرّ، ولا يجوز قررت في المكان، أقرّ، فإنّ فتح الفاء عنده لا يجوز، وذلك لأنّه حرّك القاف بالفتحة من غير أن يلقي عليها الفتحة، ألا ترى أنّ الفتحة إذا لم تجز في قولهم: أنا أقرّ في المكان، لم يثبت في الكلمة، وإذا لم يثبت فيها لم يجز أن يلقى على ما قبلها، ومن جاز عنده قررت في المكان جاز على قوله: قرن كما جاز قرن، حيث لم يختلف في قررت في المكان أقرّ. وأبو عثمان يزعم أن قررت في المكان لا يجوز، وقد حكى ذلك بعض البغداذيين، فيجوز الفتح في القاف على هذه اللّغة إذا ثبتت، والوجه

_ (1) السبعة ص 522. (2) في ط: قرأ. (3) في ط: بيوتهنّ. (4) في ط: كراهة.

الاحزاب: 36

في القراءة الكسر (وقرن)، لأنّه يجوز من وجهين لا إشكال في جوازه منهما «1»، وهما من القرار، والوقار، وفتح القاف على ما ذكرت لك من الخلاف. قال أبو عثمان يقال: قررت به عينا [وأنا أقرّ به عينا] «2» قال: ولا يقال: قررت في هذا المعنى قال: ويقال: قررت في المكان فأنا أقرّ فيه، ويأمره فيقول: قرّ في مكانك. انتهت الحكاية عن أبي عثمان. [الاحزاب: 36] اختلفوا في التاء والياء من قوله تعالى «3»: (أن تكون لهم الخيرة) [الأحزاب/ 36] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (أن تكون) بالتاء. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي أن يكون بالياء «4». [قال أبو علي] «5»: التأنيث والتذكير: حسنان، وقد مضى نحو ذلك وهذه الآية تدلّ على أنّ ما في قوله: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة [القصص/ 68] يقوّي قول من قال: أن يكون لهم بالياء. ألا ترى أنّه لم تثبت علامة التأنيث في كان؟ [الاحزاب: 40] اختلفوا في فتح التاء وكسرها من قوله جلّ وعزّ «6»: وخاتم النبيين الأحزاب/ 40] فقرأ عاصم وحده: وخاتم بفتح التاء، وقرأ الباقون بالكسر «7».

_ (1) كذا في ط وسقطت من م. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من م. (3) في ط: عزّ وجلّ. (4) السبعة ص 522. (5) سقطت من ط. (6) في ط: تعالى. (7) السبعة ص 522.

الاحزاب: 49

[قال أبو علي] «1»: من كسر قال: لأنّه ختمهم، فهو خاتمهم. وزعموا أنّ الحسن قال: خاتم: هو الذي ختم به. [الاحزاب: 49] قال: قرأ حمزة والكسائي: (تماسوهن) [الأحزاب/ 49] بألف، وقرأ الباقون تمسوهن بغير ألف والتاء مفتوحة «2». [قال أبو علي] «3»: وجه من قال: تمسوهن [بغير ألف] «4» ولم يمسسني بشر [مريم/ 20] وقال: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [الرحمن/ 74] (وما كان) «5» من هذا النحو جاء على فعل دون فاعل، وقد حكى أبو عبيدة أن اللّماس: الجماع، فيمكن أن يكون ذلك «6» مصدر فاعل وإذا جاء ذلك في اللّمس أمكن أن يكون المسّ مثله، وقد تقدّم القول في ذلك فيما سلف من الكتاب. [الاحزاب: 49] قال: وقرأ ابن أبي بزّة عن ابن كثير (تعتدونها) خفيفة الدال وروى القواس عنه تعتدونها مشددة. وقال لي قنبل: كان ابن أبي بزّة قد أوهم في (تعتدونها) فكان يخفّفها فقال لي القواس: صر إلى أبي الحسن فقل له ما هذه القراءة التي قرأتها لا نعرفها فصرت إليه فقال: قد رجعت عنها. قال قد كان غلط أيضا «7» في ثلاثة مواضع هذا

_ (1) سقطت من ط. (2) السبعة ص 522. (3) سقطت من ط. (4) كذا في ط وسقطت من م. (5) كذا في ط وسقطت من م. (6) سقطت من ط. (7) سقطت من م.

الاحزاب: 51

أحدها، وهو «1» قوله: (وما هو بميت) [إبراهيم/ 17] خفيفة (وإذا العشار عطلت) «2» [التكوير/ 4]. تعتدّونها: تفتعلون من العدّة ولا وجه للتخفيف في نحو تشتدّونها ترتدّونها من الشّدّ والرّدّ، وليس كلّ المضاعف يبدل من حروف التضعيف فيه، وإنّما يبدل فيما سمع، وإن شئت قلت: قد جاء في التنزيل في هذا النحو الأمران قال سبحانه «3»: فليملل وليه [البقرة/ 282] وقال: فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5]. وأنشد أبو زيد: ولا أملاه حتّى يفارقا «4» وإن شئت جعلته افتعل من عدوت الشيء إذا جاوزته، أي: ما لكم عليهنّ من وقت عدّة تلزمكم أن تجاوزوا عدده، فلا تنكحوا أختها ولا أربعا سواها حتى تنقضي العدّة. [الاحزاب: 51] وقال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وفي رواية أبي بكر (ترجئ) [الأحزاب/ 51] مهموزا، وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع وحمزة والكسائي بغير همز «5». [قال أبو علي] «6»: قد جاء في هذا الحرف الهمز وغيره،

_ (1) سقطت من م. (2) السبعة ص 523. (3) سقطت من ط. (4) هذا جزء من بيت نسبه أبو زيد في نوادره ص 232 للأسود بن يعفر النهشلي سبق في 1/ 208، وهو ثاني أبيات ثلاثة في النوادر. (ط- الفاتح). (5) السبعة ص 523. (6) سقطت من ط.

الاحزاب: 52

وكذلك (أرجئه) [الأعراف/ 11، الشعراء/ 36] وأرجه (وآخرون مرجئون) [التوبة/ 106] ومرجون. فإذا جاء فيه الهمز وغير الهمز كانت القراءة بكلّ واحد من الأمرين حسنة. [الاحزاب: 52] قال: وكلّهم قرأ: لا يحل لك النساء [الأحزاب/ 52] بالياء، غير أبي عمرو فإنّه قرأ: (تحلّ) بالتاء. وروى القطعيّ عن محبوب عن أبي عمرو: لا يحل بالياء «1». [قال أبو علي] «2»: التاء والياء جميعا حسنان، لأنّ النساء تأنيثه ليس بحقيقي، إنّما هو تأنيث الجمع، نحو الجمال والجذوع فالتذكير حسن، والتأنيث حسن «3». [الاحزاب: 53] قال: وكلّهم فتح النون من قوله سبحانه «4»: إناه [الأحزاب/ 53] غير حمزة والكسائي فإنّهما أمالا النون فيها «5». [قال أبو علي] «6»: من لم يمل فلأنّ الكثير من الناس لا يميلون هذه الألفات، ومن أمال فلأنّ الألف منقلبة عن الياء. يدلّ على ذلك أنّهم قالوا في المصدر: إني، وإنا، مثل: حي وحسا، وإذا صحّ انقلاب الألف عن الياء، لم يكن في إمالته إشكال عند من أمال.

_ (1) السبعة ص 523. (2) سقطت من ط. (3) في ط: كذلك. (4) سقطت من ط. (5) السبعة ص 523. (6) سقطت من ط.

الاحزاب: 67

والأنى «1»: هو إدراك الشيء وبلوغه ما يراد أن يبلغه، ومنه: ألم يأن للذين آمنوا [الحديد/ 16] وقالوا للمتثبت في الأمور: متأنّ، ومن ذلك قولهم لما يرتفق به: إناء، وفي جمعه: آنية، مثل إزار وآزرة. [الاحزاب: 67] قال: كلّهم قرأ سادتنا [الأحزاب/ 67] على التوحيد غير ابن عامر فإنّه قرأ (ساداتنا) جماعة «2» [سادة. قال أبو علي] «3»: سادة جمع سيّد وهو فعلة مثل كتبة وفجرة، أنشدنا عليّ بن سليمان «4»: سليل قروم سادة ثم قادة ... يبذّون أهل الجمع يوم المحصّب ووجه الجمع بالألف والتاء أنّهم قد قالوا الجرزات «5» والطّرقات والمعنات في معن جمع معين، فكذلك يجوز في هذا الجمع سادات وقال الأعشى: جندك التالد الطّريف من ال ... سّادات أهل القباب والآكال «6»

_ (1) أنى الشيء يأني أنيا وإنى وهو أنّي: حان وأدرك. انظر اللسان (أني). (2) السبعة ص 523. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من ط. (4) في معجم الشعراء ص 147: ابن الطريف السلمي اليمامي اسمه علي بن سليمان أحد شعراء العسكر. ا. هـ. ويوم المحصب: يوم منى والمحصب موضع رمي الجمار. انظر اللسان/ حصب/. (5) في ط: الجزرات. (6) انظر ديوانه/ 11 وفيه العتيق بدل الطريف.

الاحزاب: 68

قال أبو الحسن: لا يكادون يقولون: سادات. قال «1» وهي عربية، وزعموا أنّ الحسن قرأ (أطعنا ساداتنا). [الاحزاب: 68] اختلفوا في الباء والثاء من قوله جلّ وعزّ «2»: لعنا كبيرا [الأحزاب/ 68] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: (لعنا كثيرا) بالثاء، وقرأ عاصم وابن عامر: كبيرا بالباء كذا في كتابي عن أحمد بن يوسف التغلبي عن ابن ذكوان [عن ابن عامر] «3»، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان عن ابن عامر بالثاء، وقال هشام بن عمّار عن ابن عامر بالثاء «4». قال أبو علي: الكبر مثل العظم، والكبر وصف للّعن بالكبر، كالعظم، والكثرة أشبه بالمعنى، لأنّهم يلعنون مرّة، وقد جاء: يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون [البقرة/ 159] فالكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر.

_ (1) سقطت من م. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط ومن السبعة. (4) السبعة ص 524.

سورة سبأ

[بسم الله] ذكر اختلافهم في سورة سبأ [سباء: 3] قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: عالم الغيب [3] كسرا، وقرأ نافع وابن عامر: عالم الغيب رفعا. وقال ابن ذكوان: قال بعض أصحابنا عن يحيى بن الحارث عن ابن عامر عالم الغيب كسرا. وقرأ حمزة والكسائي: علّام الغيب بالكسر وبلام قبل الألف «1». قال أبو علي: الجرّ في عالم على اتباعه المجرور الحمد لله [1] عالم الغيب. وأمّا الرفع، فيجوز أن يكون عالم خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو عالم الغيب ويجوز في من «2» رفع أن يكون ابتداء وخبره لا يعزب عنه، وعلّام الغيب في اتباعه ما قبله. مثل: عالم الغيب، وعلّام أبلغ وقد قال «3»: يقذف بالحق علام الغيوب [سبأ/ 48]، وقال إنك أنت علام الغيوب [المائدة/ 109 - 116].

_ (1) السبعة ص 526. (2) في ط: في عالم فيمن. (3) في م: يقال.

سباء: 3

وحجّة عالم الغيب قوله «1»: عالم الغيب والشهادة [التغابن/ 18] وعالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا [الجن/ 26]. [سباء: 3] قال: قرأ الكسائي وحده لا يعزب عنه [سبأ/ 3] بكسر الزاي. وقرأ الباقون: يعزب بضم الزاي «2». قال أبو علي: يعزب ويعزب لغتان، ومثله يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف، ويفسق ويفسق. وهو كثير. [سباء: 5] قال قرأ عاصم في رواية حفص من رجز أليم [سبأ/ 5] رفعا، وفي الجاثية [11] مثله. وكذلك قرأ ابن كثير فيهما، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: رجز أليم كسرا فيهما «3». قال أبو علي «4»: الرجز: العذاب، بدلالة قوله سبحانه «5»: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134] وقال: فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء [البقرة/ 59] وإذا كان الرجز العذاب، جاز أن يوصف بأليم، كما أنّ نفس العذاب قد جاز أن يوصف به في نحو قوله: ولهم عذاب أليم [آل عمران/ 177]، ومثل هذا في أنّ الصّفة تجري على المضاف مرّة، وعلى المضاف إليه

_ (1) سقطت من ط. (2) السبعة ص 526. (3) سقطت من م ومن السبعة انظر ص 526. (4) سقطت من ط. (5) سقطت من ط.

سباء: 9

أخرى، وقوله تعالى «1»: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ومحفوظ [البروج/ 21 - 22] فالجرّ على حمله على اللّوح، والرفع على حمله على القرآن، وإذا كان القرآن في لوح، وكان اللّوح محفوظا، فالقرآن محفوظ أيضا، وكذلك ثياب سندس خضر، وخضر [الإنسان/ 21]. فالرّفع على أن يتبع الثياب، والجرّ على أن يتبع السندس، وإذا كان الثياب سندسا والسندس خضر فالثياب كذلك، ولفظ سندس وإن كان مفردا فهو في المعنى جنس وكثرة، فلذلك جاز أن يوصف بخضر. فكذلك قوله سبحانه «2»: من رجز أليم [سبأ/ 5] والجرّ في أليم أبين، لأنّه إذا كان عذاب من عذاب أليم، كان العذاب الأوّل أليما، وإذا أجريت الأليم على العذاب كان المعنى عذاب أليم من عذاب فالأوّل أكثر فائدة. [سباء: 9] اختلفوا في الياء والنون من قوله سبحانه «3»: إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم [سبأ/ 9]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبو عمرو: نخسف، أو نسقط بالنون، وقرأ حمزة والكسائي: يخسف أو يسقط بالياء، وأدغم الكسائي وحده الفاء في الياء «4». [قال أبو علي] «5»: حجّة النون قوله ولقد آتينا داود [سبأ/ 10] فالنون أشبه بآتينا، وحجّة الياء قوله: أفترى على الله [سبأ/ 8]

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) في ط: تعالى. (4) السبعة ص 527 وفيه: «يشأ يخسف ... أو يسقط» بالياء ثلاثتهنّ ... (5) سقطت من ط.

فالياء، على الحمل على اسم الله. فأمّا إدغام الكسائي «1» الفاء في الباء في نخسف بهم فإنّ إدغام الفاء في الباء لا يجوز، وإن جاز إدغام التاء في الفاء، وذلك أنّ الفاء من باطن الشفة السّفلى وأطراف الثّنايا العليا، وانحدر الصوت بها إلى الفحم حتّى اتّصلت بمخرج التاء، حتّى جاء مثل: الحدث، والحذف، والمغافير، والمغاثير فتعاقبا على الحرف للمقاربة الّتي بينهما، فلمّا اتّصلت بمخرج الثاء صارت بمنزلة حرف من تلك الحروف، فلم يجز إدغامها في الباء، لأنّه لما اتّصل بما ذكرنا صار بمنزلة حرف من ذلك الموضع، فكما أنّ ذلك الحرف الذي اتّصل الفاء به لا يدغم في الباء، كذلك الفاء لا تدغم في الباء. ومما يبيّن ذلك أنّ الضاد لمّا استطال مخرجها، فتجاوز صوتها مخرج اللّام، وانحدرت من «2» مخرج اللّام حتّى اتّصل الصوت بها بمخرج الطّاء والدّال والتّاء أدغم هذه الحروف في الضاد، وجعلت الضاد لمّا استطالت واتّصل صوتها بمواضع ما ذكرنا أدغم ما ذكرنا من الحروف فيها، فصارت لذلك بمنزلة ما هو من الموضع الّذي اتّصل صوتها به، فأدغمت هذه الحروف في الضّاد، كما يدغم فيما هو من مخرجها، فكذلك الفاء، لمّا «3» اتّصل صوتها بمخرج الثاء، جرت مجرى ما هو من ذلك الموضع، فكما كانت الضّاد كذلك فأدغمت فيها الطّاء والدّال والتاء، وذلك نحو: اضبط ضرمة [وانعت ضّرمة] «4»، وانقد ضّرمة، ولم يجز أن تدغم الضاد في هذه الحروف «5» لما فيها من زيادة

_ (1) سقطت في م. (2) في ط: عن. (3) في ط: إذا. (4) سقطت من م سهوا من الناسخ. (5) سقطت من ط. كلمة الحروف.

سباء: 12

الصوت، فكذلك لا يجوز أن تدغم الفاء في الباء لزيادة صوتها المتصل بحرف من حروف الفهم ومثل إدغامهم الطّاء والدّال والتّاء في الضّاد، إدغامهم الظاء والذال والتاء فيها أيضا، وهي أخرج من الفم، والحروف الأخر أدخل فيه، ومثل الضّاد في إدغامهم هذه الحروف فيها: الشين: أدغمت هذه الحروف الستة فيها، كما أدغمت في الضاد، فهذه الحروف أدغمت في الضّاد والشين، ولم تدغم الضّاد والشّين فيها، فكذلك الفاء لا تدغم في الباء، وإن كانت الباء قد أدغمت فيها في نحو: اذهب في ذلك. وكذلك أدغمت الطّاء والدّال والتّاء والظّاء والذّال والثّاء في الصّاد والسّين والزّاي، ولم يدغم شيء منهنّ في الحروف الستة، لما فيهنّ من «1» زيادة الصفير الذي ليس في الحروف الستة، وكذلك لا تدغم الفاء في الباء لزيادة صوتها على صوت الباء. وكذلك الباء أدغمت في الميم نحو اصحب مطرا، ولم تدغم هي في الباء نحو: اضمم بكرا، لما فيها من زيادة الغنّة التي ليست في الباء. وكذلك الرّاء لم تدغم في اللام نحو: اختر ليلة، وإن كانت اللّام أدغمت في الراء نحو: اشغل رجبة، فما كان من الحروف يذهب الإدغام منه زيادة صوت فيه من نحو ما ذكرنا، لم يجز إدغامه في مقاربه العاري من تلك الزيادة، وكذلك الفاء مع الباء. [سباء: 12] وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، والمفضل عن عاصم ولسليمان الرّيح [سبأ/ 12] رفعا، وفي رواية حفص الريح نصبا، وكذلك قرأ الباقون: الريح نصبا «2».

_ (1) سقطت من ط. (2) السبعة ص 527.

سباء: 13

[قال أبو علي] «1»: وجه النصب أنّ الرّيح حملت على التّسخير في قوله تعالى «2»: فسخرنا له الريح تجري بأمره [ص/ 36] فكما حملت في هذا على التّسخير، كذلك ينبغي أن تحمل هنا عليه. وممّا يقوّي النّصب قوله: ولسليمان الريح عاصفة [سبأ/ 12] والنصب يحمل على سخّرنا، ووجه الرّفع: أنّ الرّيح إذا سخّرت لسليمان، جاز أن يقال: له الرّيح، على معنى: تسخير الريح، فالرفع على هذا يؤول إلى معنى النصب، لأنّ المصدر المقدّر في تقدير الإضافة إلى المفعول به. [سباء: 13] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كالجوابي «3» [سبأ/ 13] بياء في الوصل ووقف ابن كثير بياء، أبو عمرو: بغير ياء. وقرأ الباقون: بغير ياء في وصل ولا وقف «4». [قال أبو علي] «5»: الجوابي: جمع جابية، وهو الحوض. والقياس أن تثبت الياء مع الألف واللّام، ووقف ابن كثير بالياء حسن من حيث كان الأصل، والقياس وقف أبي عمرو بغير ياء لأنّها فاصلة أو مشبّهة بالفاصلة «6» من حيث تمّ الكلام، ومن حذف الياء في الوصل

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) في ط: وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي: (كالجواب). وكذلك هي في السبعة. (4) السبعة ص 527. (5) سقطت من ط. (6) في ط: لها.

سباء: 14

والوقف، فلأنّ هذا النحو قد يحذف كثيرا «1»، ويقال: جبا الماء إذا اجتمع «2» وقال الشاعر: نفى الذّمّ عن آل المحلّق جفنة كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق «3» [سباء: 14] اختلفوا في همز منسأته [سبأ/ 14] وترك الهمز «4». فقرأ نافع وأبو عمرو: منساته غير مهموز، وقرأ الباقون منسأته مهموزا «5» مفتوح الهمزة «6». أبو عبيدة: هي العصا التي ينسأ بها الغنم، وأصلها من نسأت تنسأ بها «7» الغنم أي: تسوقها، وأنشد لطرفة: وعنس كألواح الإران نسأتها على لاحب كأنّه ظهر برجد «8»

_ (1) في م (كثير) والصواب من ط. (2) في ط: إذا جمعه في الحوض. (3) البيت للأعشى في ديوانه/ 255، وفي شرح أبيات المغني 2/ 278 ضمن قصيدة يمدح بها الأعشى المحلّق، واسمه عبد العزّى من بني عامر بن صعصعة، وقد استوفي تخريجه هناك، كما استوفى البغدادي شرح القصيدة رحمه الله. وأصل الفهق: الامتلاء. (4) في ط: همزها. (5) سقطت من ط. (6) السبعة ص 527. (7) سقطت من ط. (8) البيت في ديوانه/ 12. ومعنى برجد: كساء من صوف أحمر، وقيل: كساء غليظ انظر اللسان (برجد). ومعنى الإران: الجنازة، وجمعه أرن. وقيل:

سباء: 15

أي: سقتها، والقياس في همز منسأة إذا خفّفت [الهمزة منها] «1» أن تجعل بين بين، إلّا أنّهم خفّفوا همزتها على غير القياس، وكثر التخفيف فيها. وقال سيبويه: تقول: منيسئة في تحقير منسأة، لأنّها من نسأت، فلم يجعل البدل فيها لازما كياء عيد، حيث قالوا في تكسيره أعياد، ويدلّ على أنّه ليس ببدل لازم قولهم في تكسيرها: مناسئ، «2» فيما حكاه سيبويه «3». [سباء: 15] اختلفوا في قوله سبحانه: «4» مساكنهم [سبأ/ 15]. فقرأ الكسائي وحده: مسكنهم بغير ألف مكسورة الكاف. وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة: مسكنهم مفتوحة الكاف. وقرأ الباقون «5»: مساكنهم بألف «6». قال أبو عليّ: من قال مساكنهم أتى باللّفظ وفقا للمعنى، لأنّ لكلّ ساكن مسكنا فجمع، والمساكن: جمع مسكن، الذي هو اسم للموضع من سكن يسكن. ومن قال: مسكنهم فيشبه أن يكون جعل المسكن مصدرا، وحذف المضاف، والتقدير: في مواضع سكناهم،

_ - تابوت الموتى وانظر اللّسان (أرن) و (نسأ) وفيه: أمون بدل: وعنس. وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 145. (1) سقطت من م. (2) كذا في ط، وفي م: مياسئ. وهو تصحيف. (3) انظر الكتاب 3/ 459 (ت. هارون). (4) سقطت من ط. (5) في ط: ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وكذلك في السبعة، والمؤدّى واحد. (6) السبعة ص 528.

فلمّا جعل المسكن كالسّكنى والسكون أفرد، كما تفرد المصادر، وهذا أشبه من أن تحمله على نحو: كلوا في بعض بطنكم «1» و: ..... جلد الجواميس «2» وعلى هذا قوله سبحانه «3»: في مقعد صدق [القمر/ 55] أي: مواضع قعود، ألا ترى أنّ لكلّ واحد من المتّقين موضع قعود، فهذا التأويل أشبه من أن تحمله على الوجه الآخر الذي لا يكاد يجيء إلّا في شعر. فأمّا قول الكسائي: في مسكنهم فالأشبه فيه الفتح، لأنّ اسم المكان من فعل يفعل على المفعل «4»، فإن لم ترد المكان. ولكن المصدر، فالمصدر أيضا في هذا الحد «5» على المفعل مثل المحشر ونحوه، وقد يشذّ عن القياس المطّرد نحو هذا، كما جاء المسجد وسيبويه يحمله على أنّه اسم البيت، وليس المكان من فعل يفعل، فإن

_ (1) هذه قطعة من بيت لم يعرف قائله ونصه: كلوا في بعض بطنكم تعفو فإنّ زمانكم زمن خميص انظر الكتاب لسيبويه 1/ 108، والخزانة 3/ 379 وفي (م) بطونكم وهو خطأ لانكسار الوزن، فالبيت من الوافر. سبق في 4/ 81 و 5/ 213 (2) قطعة من بيت لجرير وتمامه: تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس سبق في 4/ 81 (3) سقط من ط. (4) في (م): المفعول. (5) في ط: يجيء

سباء: 16

أراد ذاك فتح، وكذلك المطلع من طلع يطلع، والمطلع على القياس، إلّا أنّ أبا الحسن يقول: إنّ المسكن إذا كسرته لغة كثيرة، قال: وهي لغة النّاس اليوم. قال: وأمّا المسكن مفتوحة فهي لغة أهل الحجاز. قال «1» وهي اليوم قليلة. [سباء: 16] اختلفوا في إضافة أكل خمط [سبأ/ 16] والتنوين. فقرأ أبو عمرو وحده: ذواتي أكل خمط مضافا. وثقّل الأكل ونون الباقون. عباس عن أبي عمرو ذواتي أكل خمط مضافا «2» خفيفا، وخفّف الكاف ابن كثير ونافع. وثقّل الباقون إلا ما روى عباس عن أبي عمرو «3». أبو عبيدة: الخمط: كل شجرة مرّة ذات شوك، والأكل: الجنا، كل ما اجتني «4» قال أبو علي: ما ذهب إليه أبو عمرو في قراءته بالإضافة على تفسير أبي عبيدة حسن، وذاك أن «5» الأكل: إذا كان الجنا فإنّ جنا كل شجرة منه، والدليل على أنّ الأكل: الجنا، كما قال أبو عبيدة، قوله سبحانه «6»: تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها [إبراهيم/ 25] وقد جاء الجنا مضافا إلى الشجرة في قوله:

_ (1) سقطت من م. (2) كذا في ط وسقطت من م. (3) السبعة ص 528. (4) إعجاز القرآن ص 147 والجملة الأخيرة ساقطة منه. (5) في ط: لأن. (6) سقطت من ط.

موشحة بالطرّتين دنا لها جنا أيكة يضفو عليها قصارها «1» فكما أضاف الجنا إلى الشجرة التي هي الأيكة كذلك أضاف أبو عمرو الأكل الذي هو الجنا إلى الخمط، وغير الإضافة على هذا ليس في حسن الإضافة، وذلك لأنّ الخمط إنما هو اسم شجرة، وليس بوصف، وإذا لم يكن وصفا. لم يجر على ما قبله، كما يجري الوصف على الموصوف. والبدل ليس بالسّهل أيضا، لأنّه ليس هو هو، ولا بعضه لأن الجنا من الشجرة، وليس الشجرة من الجنا، فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان، كأنّه بين أنّ الجنا لهذا الشجر، ومنه، وكأنّ الذي حسّن ذلك أنّهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة. قال الشاعر: عقار كماء النّيء ليست بخمطة ولا خلّة يكوي الشّروب شهابها «2» قال أبو الحسن: الأحسن «3» في كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل: دار آجرّ، وثوب خز. قال: وأكل خمط قراءة كثيرة وليست بالجيدة في العربية.

_ (1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي انظر ديوان الهذليين 1/ 71 وانظر أساس البلاغة (وشح) وسبق البيت في ص 5/ 316، والمعنى: الطرتان: طريقتان في جنبيها. الأيكة: الشجر الملتف. يضفو: يكثر ويسبغ عليها، أي يطول عليها قصارها، فقال: إذا سبغ عليها القصار من أغصان الشجرة فالطوال أحرى أن تكون أسبغ. (2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، انظر ديوان الهذليين/ 45. (3) في ط: أحسن.

ابن عامر: حتى إذا فزّع عن قلوبهم [سبأ/ 23] مفتوحة الفاء والزاي، الباقون: فزع مضمومة [الفاء مكسورة الزاي] «1». أبو عبيدة: فزّع عن قلوبهم: نفّس عنها «2». وقال أبو الحسن: المعنى فيما ذكروا: جليّ «3». وقال غيره: الذين فزّع عن قلوبهم هنا: الملائكة. قال أبو علي: فزّع وفزّع: معناه أزيل الفزع عنها، وقد جاء مثل هذا في أفعل أيضا قالوا: أشكاه إذا أزال عنه ما يشكوه منه، وأنشد أبو زيد: تمدّ بالأعناق أو تلويها وتشتكي لو أنّنا تشكيها غمر حوايا قلّ ما نجفيها «4» فكما أن أشكيت: أزلت الشكوى. كذلك فزّع وفزّع: أزال الفزع. وما روي من قراءة الحسن: فزع عن قلوبهم كالراجع إلى هذا المعنى، لأنّ التقدير كأنّه: فزّعت من الفزع، قال قتادة: فزّع عن قلوبهم: أي جلّي عن قلوبهم، قال: يوحي الله إلى جبريل فيعرّف الملائكة، ويفزع من أن يكون شيء من أمر الساعة، فإذا جلا عن قلوبهم وعملوا أنّ ذلك ليس من أمر الساعة قالوا: ماذا قال ربكم؟

_ (1) السبعة ص 530 وما بين المعقوفتين ساقط من ط. (2) مجاز القرآن 1/ 147. (3) في ط: خلي عنها. (4) هذا الرجز في اللسان (جفا) ولم ينسبه، وفيه الشطرة الأخيرة بهذا النصر مس حوايانا فلم نجفيها

سباء: 17

قالوا: الحق [سبأ/ 23] [قال أبو علي: التقدير: قالوا: قال الحقّ] «1» فمن قرأ فزّع فالمعنى: أن الفعل المبني للفاعل فاعله ضمير عائد إلى اسم الله سبحانه «2»، ومن قرأ: فزع فبنى الفعل للمفعول به كان الجارّ والمجرور في موضع رفع، والفعل في المعنى لله تعالى «3». [سباء: 17] اختلفوا في قوله تعالى «4»: وهل نجازي إلا الكفور [سبأ/ 17] في الياء والنون، فقرأ حمزة والكسائي: وهل نجازي بالنون الكفور بالنصب. حفص عن عاصم مثل قراءة حمزة وأدغم الكسائي اللّام من هل في النون وحده «5» وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: يجازي بالياء الكفور رفع «6». قال أبو علي: حجّة نجازي قوله سبحانه «7»: جزيناهم وهي قراءة الأعمش فيما زعموا، ومن قال: يجازى، فالمجازي: الله عزّ وجلّ «8» وإن بني الفعل للمفعول به وهذا مثل قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم وفزّع عن قلوبهم. وأما قوله «9»: وهل يجازى إلا الكفور، والكفور وغيره [يجري على هذا فعله] «10»

_ (1) ما بين المعقوفتين ساقط من م. (2) سقطت من ط. (3) في ط: سبحانه. (4) في ط: عزّ وجلّ. (5) في ط: وغيره لم يدغم. وفي السبعة: ولم يدغمها غيره. (6) السبعة ص 529. (7) سقطت من ط. (8) سقطت من م. (9) في ط: (نجازي إلّا الكفور) أو ... (10) في ط: يجزى على فعله.

سباء: 19

وإنّما خصّ الكفور بهذا، لأنّ المؤمن قد يكفّر عنه ذنوبه بطاعاته، فلا يجازى على ذنوبه التي تكفّر، والكافر عمله يحبط فلا يكفّر عن سيئاته، كما يكفّر عن سيئات المؤمن. قال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم [النساء/ 31] وقال: وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيآتهم وأصلح بالهم [محمد/ 2] وقال: إن الحسنات يذهبن السيآت [هود/ 114] وقال: ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون [الأحقاف/ 16] وقال في الكفّار: أضل أعمالهم [محمد/ 1] وقال: أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف [إبراهيم/ 18] والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة [النور/ 39] فالكافر يجازى بكلّ سوء يعمله، وليس كالمؤمن الذي يكفّر عن بعض سيئاته بأعماله الصالحة. وأمّا إدغام الكسائي اللّام في النون، فجائز. حكاه سيبويه وذلك «1»: هنّرى من هل نرى «2» فيدغم اللّام في النون، قال سيبويه: والبيان أحسن، قال: لأنّه قد امتنع أن يدغم في النّون ما أدغمت فيه سوى اللّام. قال: فكأنّهم يستوحشون من الإدغام «3». [سباء: 19] اختلفوا في قوله سبحانه «4»: ربنا بعد [سبأ/ 19] فقرأ ابن

_ (1) كذا في ط وسقطت من م. (2) في الأصل: «هترى من هل ترى» والكلام يجري على النون. كما هو النص وسيبويه. (3) الكتاب 2/ 416. (4) في ط: عزّ وجلّ.

سباء: 20

كثير وأبو عمرو: بعد* مشددة العين، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي: باعد، [واختلف عن ابن عامر] «1» حدّثني أحمد بن محمد بن بكر قال: حدّثنا هشام بن عمّار قال: حدّثنا أيوب بن تميم وسويد بن عبد العزيز بإسناده عن ابن عامر بعد*. ابن ذكوان عنه باعد «2». [قال أبو علي] «3»: ذكر سيبويه: فاعل وفعّل قد يجيئان لمعنى كقولهم: ضاعف وضعّف، فيجوز أن يكون باعد وبعّد من ذلك. وكذلك خلافه قارب وقرّب، واللفظان جميعا على معنى الطّلب والدّعاء. والمعنى في الوجهين على أنّهم كرهوا ما كانوا فيه من السعة والخصب وكفاية الكدح في المعيشة، وهؤلاء ممّن دخل في جملة قوله سبحانه «4»: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها [القصص/ 58] والبطر فيما قال بعض الناس: كراهة الشيء من غير أن يستحق أن يكره. وسؤالهم ما سألوا قريب من سؤال قوم موسى: ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض [البقرة/ 61]. [سباء: 20] اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله سبحانه «5»: ولقد صدق عليهم [سبأ/ 20] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر:

_ (1) ما بين المعقوفين ساقط من ط. (2) السبعة ص 529 وليس فيه (اختلف عن ابن عامر) بل ذكره مع سند القراءة فقال: وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (باعد) ... (3) سقطت من ط. (4) في ط: عزّ وجلّ. (5) ي (ط) عز وجل.

صدق* خفيفة «1»، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: صدق، مشددة «2». [قال أبو علي] «3»: معنى التخفيف: أنّه صدق ظنّه الذي ظنّه بهم من متابعتهم إيّاه إذا أغواهم، وذلك نحو قوله سبحانه «4»: قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم [الأعراف/ 16] ولأغوينهم أجمعين [الحجر/ 39] فهذا ظنّه الذي صدّقوه «5»، لأنّه لم يقل ذلك عن «6» تيقّن، فظنّه على هذا ينتصب انتصاب المفعول به، ويجوز أن ينتصب انتصاب الظرف، صدق عليهم إبليس في ظنه، ولا يكون متعديا بصدق إلى المفعول به، وقد يقال: أصاب الظنّ، وأخطأ الظنّ، ويدلّ على ذلك: الألمعيّ الذي يظنّ لك الظّن من كأن قد رأى وقد سمعا «7» فهذا يدلّ على إضافة الظّنّ، وقال الشاعر في تعديته إيّاه إلى المفعول به: إن كان ظنّي صادقي «8»

_ (1) في ط: خفيف. (2) السبعة ص 527. (3) سقطت من ط. (4) سقطت من ط. (5) في ط: صدقه. (6) في ط: على. (7) البيت لأوس بن حجر، انظر ديوانه/ 53، وانظر اللسان (لمع). (8) ورد الشاهد في م برواية: صادق. وهو صدر بيت من الطويل وقع فيه الخرم. وجاء بتمامه في تفسير مجمع البيان 8/ 388 برواية: إن يك ظني صادقا وهو صادقي بشملة يحبسهم بها محبسا وعرا ونسبه محققه إلى مكبرة بنت بردأم شملة، تقول: إن يك ظني بشملة صادقا يحبسهم، أي: القوم الذين قتلوا أباه بتلك المعركة محبسا صعبا يدركه فيه ثأر أبيه.

سباء: 23

ووجه من قال: صدق بالتّشديد أنّه نصب على أنّه مفعول به، وعدّى صدق إليه قال «1»: فإن لم أصدّق ظنّكم بتيقّن فلا سقت الأوصال منّي الرّواعد [سباء: 23] اختلفوا في ضمّ الألف وفتحها من قوله سبحانه «2»: إلا لمن أذن له [سبأ/ 23] فقرأ ابن كثير ونافع [وابن عامر] «3»: أذن له [بفتح الألف] «4»، وقرأ عاصم في رواية الكسائي عن أبي بكر عنه، وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أذن له*، بضم «5» الألف. وروى يحيى وحسين وابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم بالفتح وكذلك روى حفص عن عاصم بالفتح «6». [قال أبو علي] «7»: حجّة من قال أذن فبنى الفعل للفاعل أنّه أسنده إلى ضمير اسم الله تعالى «8»، وقال: إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبأ/ 38] وقال: إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى [النجم/ 26]. ومن قال أذن* يبني «9» الفعل للمفعول به، فهو يريد: ذا المعنى، كما أنّ قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم،

_ (1) لم نعثر على قائله. الرواعد: السحب فيها رعد. (2) في ط: عزّ وجلّ. (3) سقطت من م. وهي في ط والسبعة. (4) سقطت من م. (5) في ط: برفع. (6) السبعة ص 529 - 530. (7) سقطت من ط. (8) في ط: عزّ وجلّ. (9) في ط: فبنى.

سباء: 37

وفزع*، وهل يجازى إلا الكفور [سبأ/ 17] واحد في المعنى، وإن اختلفت الألفاظ. [سباء: 37] قال: قرأ حمزة وحده وهم في الغرفة [سبأ/ 37] واحدة، وقرأ الباقون: الغرفات جماعة «1». [قال أبو علي] «2»: حجّة حمزة في إفراده الغرفة قوله سبحانه «3»: أولئك يجزون الغرفة بما صبروا [الفرقان/ 75] فكما أنّ الغرفة يراد بها الجمع والكثرة كذلك قوله: وهم في الغرفة آمنون [سبأ/ 37] يراد بها الكثرة واسم الجنس. وحجّة الجمع قوله: لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية [الزمر/ 20] وقوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58] فكما أنّ غرفا جمع، كذلك الغرفات ينبغي أن يكون جمعا «4». فإن قلت: إن الغرفات قد تكون للقليل واسم الجنس للكثير واستغراق الجميع «5» فإن الجمع بالألف والتاء كقوله سبحانه: إن المسلمين والمسلمات [الأحزاب/ 35] وقول حسّان: لنا الجفنات الغرّ «6»

_ (1) في ط: جماعا وكذلك في السبعة ص 530. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) في ط: تجمع، بدل: يكون جمعا. (5) في ط: الجمع. (6) هذه قطعة من بيت تمامه: لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما انظر ديوانه 1/ 35.

سباء: 52

فهذا لا يريد إلّا الكثرة، لأنّ ما عداها لا يكون موضع افتخار. [سباء: 52] اختلفوا في همز التناوش [سبأ/ 52] وترك همزه. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص: التناوش غير مهموز، وكذلك روى حسين الجعفيّ والأعشى والكسائي عن أبي بكر عن عاصم بغير همز. المفضل عن عاصم: مهموز، وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالهمز «1». قال أبو علي: قوله تعالى «2»: وأنى لهم التناؤش من مكان بعيد كأنّهم آمنوا حين لم ينتفعوا بالإيمان، كما قال: لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام/ 158] فكأنّ المعنى: كيف يتناولونه من بعد وهم لم يتناولوه من قرب في حين الاختيار، والانتفاع بالإيمان؟ والتناوش: التناول من نشت تنوش، قال: وهي تنوش الحوض نوشا من علا «3» وقال: تنوش البرير حيث نال اهتصارها «4»

_ (1) السبعة ص 530. (2) سقطت من ط. (3) هذا بيت من الرجز لغيلان بن حريث وبعده: نوشا به تقطع أجواز الفلا كما في اللسان (نوش) والبيت من شواهد سيبويه 2/ 123 ولم ينسبه وانظر المنصف 1/ 124 وابن يعيش 4/ 73 - 89، والخزانة 4/ 125، 261، ومجاز القرآن 2/ 150. (4) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانهم ص 22 وانظر شرح السكّري 1/ 71 وصدره:

سباء: 40

فمن لم يهمز جعله فاعلا من النوش الذي هو التناول، ومن همز احتمل أمرين: أحدهما أن يكون من تنوش، إلّا أنّه أبدل من الواو الهمزة لانضمامهما مثل أقتت، وأدؤر، ونحو ذلك، والآخر: أن يكون من النّأش وهو الطلب، والهمزة منه عين قال رؤبة: أقحمني جار أبي الخاموش «1» إليك نأش القدر النّئوش فسّره أبو عبيدة بطلب القدر «2»، وحكى أبو الحسن أيضا عن يونس قال أبو الحسن: ولم أر العرب تعرفه. [سباء: 40] وقرأ حفص عن عاصم: ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول [سبأ/ 40] بالياء فيهما. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بالنون فيهما «2». [قال أبو علي] «4»: حجّة الياء أنّ قبله: قل إن ربي يبسط [سبأ/ 39] ويوم يحشرهم [سبأ/ 40]. ووجه النون أنّه انتقال من لفظ الإفراد إلى الجمع، كما أنّ قوله سبحانه «5»: أن لا تتخذوا من

_ فما أم خشف بالعلاية شادن والبيت من قصيدة طويلة عدتها/ 41/ بيتا يقع الشاهد السادس منها. انظر اللسان (نوش) وفيه: طاب بدل: نال. (1) ديوانه/ 77، 78. ووقعت في (م) الجاموس بدل الخاموش وهو سهو من الناسخ. والبيتان في مجاز القرآن 2/ 151، ورواية البيت الثاني: ناشى بدل نأش. وهو تحريف. (2) ونص أبي عبيدة: وهو من بعد المطلب. (4) السبعة ص 530. (5) سقطت من ط.

سباء: 22

دوني وكيلا [الإسراء/ 2] انتقال من الجمع إلى الإفراد، والجمع ما تقدّم من قوله سبحانه «1» وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى [الإسراء/ 2]. [سباء: 22] عباس عن أبي عمرو: قل ادعوا [سبأ/ 22] بكسر اللام «2». [قال أبو علي] «3»: قد مضى القول في ذلك فيما تقدّم. «4»

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) السبعة ص 529. (4) سقطت من ط.

سورة الملائكة

[بسم الله] «1» ذكر اختلافهم في سورة الملائكة «2» [فاطر: 3] قال: قرأ حمزة والكسائي: هل من خالق غير الله خفضا [3]. وقرأ الباقون: هل من خالق غير الله رفعا «3». [قال أبو علي] «4»: من قال غير* جعله صفة على اللّفظ، وذلك حسن لاتباعه الجرّ الجرّ، فأمّا الخبر على قولهما فيجوز أن يكون: يرزقكم من السماء والأرض [فاطر/ 3] ويرزقكم في موضع رفع «5» على أنّه الخبر. ومن قال: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] احتمل الرفع غير وجه، يجوز أن يكون خبر المبتدأ، وارتفاع غير بأنه خبر المبتدأ،

_ (1) سقطت من ط. (2) هي سورة فاطر. (3) السبعة ص 534. (4) سقطت من ط. (5) سقطت من م.

فاطر: 36

ويجوز أن يكون صفة على الموضع، والخبر مضمر تقديره: هل من خالق غير الله في الوجود أو العالم؟ ويجوز أن يكون غير استثناء، والخبر مضمر كأنّه: هل من خالق إلّا الله. والخبر مضمر قبل، كقولك: ما خالق إلّا الله، وموضع الجارّ والمجرور رفع بالابتداء، وزيادة هذا الحرف في غير الإيجاب كثير نحو: هل من رجل؟ وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62] فقوله: وما من إله إلا الله يدلّ على جواز الاستثناء في «غير» من قوله: سبحانه: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] والخبر مضمر كما كان مضمرا في قوله: وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62]. [فاطر: 36] اختلفوا في الياء والنون من قوله جلّ وعزّ: كذلك يجزى كل كفور [فاطر/ 36]، فقرأ أبو عمرو، وكذلك يجزى* بالياء كل كفور رفع. وقرأ الباقون: نجزى بالنون كل كفور نصبا «1». [قال أبو علي] «2»: وجه النون قوله سبحانه «3»: أولم نعمركم [فاطر/ 37] ويجزى* في المعنى مثل نجزي، ومثله: فزع عن قلوبهم وفزع*، وهل يجازى ونجازي، ومن حجة يجزى قوله: ولا يخفف عنهم من عذابها [فاطر/ 36]. [فاطر: 33] وقرأ أبو عمرو وحده جنات عدن يدخلونها* [فاطر/ 33] برفع الياء، وقرأ الباقون: يدخلونها بفتح الياء، وروى عباس عن مطرّف

_ (1) السبعة ص 535. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط.

الشّقريّ عن معروف بن مشكان «1» عن ابن كثير: يدخلونها* [فاطر/ 33] مثل أبي عمرو. وقرأت على قنبل: يدخلونها بفتح الياء «2». [قال أبو علي] «3»: جنات عدن نكرة يدخلونها ويدخلونها* صفة لها، لأنّها جملة، والنكرات توصف بالجمل، فمن قال: زيدا ضربته، لم يفعل ذلك في الصّفة كما يفعله في الصلة. وأجاز أبو عثمان: أزيدا أنت رجل تضربه؟ ولم يجز ذلك على أنّ تضربه صفة لرجل ولو كان صفة لم يجز فيه النصب، ولكن على أن تجعل كلّ واحد من رجل وتضرب خبرا، مثل: حلو حامض، فإذا كان كذلك لم يكن صفة، وإذا لم يكن صفة لم يمتنع ذلك فيه كما يمتنع من «4» الصّفة، فأمّا ارتفاع جنات* فيجوز أن يكون تفسيرا للفضل «5»، كأنّه قيل: ما ذلك الفضل «6»؟ فقيل «7»: جنات، أي: جزاء جنات [أو دخول جنات] «8»، ويجوز أن تجعل الجنّات بدلا من الفضل «9» كأنّه: ذلك هو جنات عدن، أي: دخول جنات عدن.

_ (1) في م ابن مشكان. بدون معروف، وهي في السبعة أيضا. (2) السبعة ص 534. (3) سقطت من ط. (4) في ط: في. (5) في ط: للفوز، والذي في الآية التي قبلها: الفضل ... وقعت الجنّات تفسيرا له. (6) في ط: الفوز. (7) في ط: فقال هي. (8) كذا في ط وسقطت من م. (9) في ط: الفوز.

فاطر: 33

[فاطر: 33] قرأ عاصم في رواية أبي بكر ونافع: ولؤلؤا [فاطر/ 33] نصبا، وكان عاصم في رواية أبي بكر يهمز الواو الثانية، ولا يهمز الأولى. المعلى عن أبي بكر عن عاصم: يهمز الأولى ولا يهمز الثانية ضدّ رواية يحيى عن أبي بكر، حفص عن عاصم يهمزهما. المفضل عن عاصم: ولؤلؤ خفض، ويهمزهما. [وكلهم قرأ: ولؤلؤ بالجر] «1» غير نافع وعاصم في رواية أبي بكر «2». قال أبو علي: من ذهب ولؤلؤا [فاطر/ 33] [نصب لؤلؤا] «3» على الموضع، لأنّه إذا قال: يحلون فيها من أساور [فاطر/ 33] كان بمنزلة يحلّون فيها أساور، وقيل: إنّ أكثر التفسير على الجرّ: أساور من ذهب ولؤلؤ، وقد قدمنا ذكر ذلك، وتخفيف الهمز وتحقيقه. [فاطر: 40] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله سبحانه «4»: فهم على بينة منه [فاطر/ 40] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة على بينة واحدة، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم والكسائي: بينات* جماعة، حفص عن عاصم بينة واحدة، المفضل عن عاصم على بينات جماعة «5».

_ (1) ما بين المعقوفتين ورد في ط هكذا: وكلهم يخفض ويهمزهما. (2) السبعة ص 534 - 535. (3) كذا في ط وسقطت من م. (4) في ط: عزّ وجلّ. (5) في ط: جماعا. وكذلك في السبعة انظر ص 535 ففي النص اختلاف يسير والمؤدى واحد.

فاطر: 43

[قال أبو علي] «1» وجه الإفراد: أن يجعل ما في الكتاب، أو ما يأتي به النّبي [صلى اللَّه عليه وآله وسلم] «2» بيّنة على لفظ الإفراد، وإن كانت عدة اشياء، كما قال: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي [هود/ 28 - 88] وقد جاءتكم بينة من ربكم [الأعراف/ 73 - 85]. فأمّا قوله سبحانه «3»: جاؤوا بالبينات والزبر فإنّما هو على قوله: فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر [آل عمران/ 184] فلأنّ مع كل [واحد من الأنبياء] «4» بيّنة، فإذا جمعوا جمعت البيّنة لجمعهم. وقال سبحانه «5»: حتى تأتيهم البينة رسول من الله [البينة/ 1 - 2] وزعموا أنّ في مصحف عبد اللَّه بالهاء، فهذا دليل على الإفراد، والجمع في البيّنات على أنّ في الكتاب ضروبا من البيّنة، فجمع كذلك «6». [فاطر: 43] قرأ حمزة وحده: ومكر السيئ ولا .. [فاطر/ 43] ساكنة «7» الهمزة، ولا يحيق المكر السييء إلا [فاطر/ 43] مرفوعة الهمزة. وقرأ الباقون بالكسر في الهمزة الأولى وبالضم في الثانية «8». قال أبو علي: التقدير في قوله عزّ وجلّ «9»: استكبارا في

_ (1) سقطت من ط. (2) سقطت من ط. (3) سقطت من ط. (4) كذا في ط وفي م: شيء. (5) سقطت من ط. (6) في ط: لذلك. (7) في ط: وإسكانه. (8) السبعة ص 535 - 536. (9) سقطت من ط.

الأرض [فاطر/ 43] استكبروا استكبارا في الأرض ومكر السّيّئ. أي: مكروا المكر السّيّئ، فأضيف المصدر إلى صفة المصدر، المعنى: ومكروا المكر السّيّئ، ألا ترى أنّه قد جاء بعد ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله [فاطر/ 43] فكما أنّ السّيّئ صفة للمصدر، كذلك الّذي قبل. تقديره: ومكروا المكر السّيّئ. وكذلك قوله: أفأمن الذين مكروا السيآت [النحل/ 45] تقديره: الّذين مكروا المكرات السيئات. إلّا أنّك إذا أضفت إلى السّيّئ قدّرت الصفة وصفا لشيء غير المكر، كما أنّ من قال: دار الآخرة، وجانب الغربي، قدّره كذلك، فحذف المصدر من قوله: المكرات السيئات، وأقام صفته مقامه، فوقعت الإضافة إليه، كما كانت تقع على موصوفه [الذي هو المصدر] «1». فأمّا قراءة حمزة: ومكر السيئ وإسكانه الهمزة في الإدراج، فإنّ ذلك يكون على إجرائها في الوصل مجراها في الوقف، فهو مثل: سبسبا «2»، وعيهل «3»، والقصبا «4»، وجدببا «5». وهو في الشعر كثير. وممّا يقوّي ذلك: أنّ قوما قالوا في الوقف: أفعي وأفعو، فأبدلوا من الألف الواو والياء ثم أجروها في الوصل مجراها في الوقف، فقالوا: هذا أفعو يا هذا، فكذلك عمل حمزة بالهمزة في هذا الموضع لأنها كالألف في أنها حرف علة، كما أن الألف كذلك. ويقوّي مقاربتها الألف أن قوما يبدلون منها الهمزة في

_ (1) كذا في ط وسقطت من م. (2) سبق في 1/ 65. (3) سبق في 1/ 151 و 2/ 362. (4) سبق في 2/ 363. (5) سبق في 1/ 65، (حاشية) وروايته ثم: جدبّا.

الوقف فيقولون: رأيت رجلا ورأيت حبلا. ويحتمل وجها آخر: وهو أن تجعل يىء ولا من قوله: ومكر السيئ ولا بمنزلة إبل، ثم أسكن الحرف الثاني كما أسكن «1» من إبل لتوالي الكسرتين إحداهما ياء قبلها ياء فخفّف بالإسكان لاجتماع الياءات والكسرات كما خفّفت العرب نحو ذلك بالحذف من «2» نحو: أسيديّ وبالقلب في نحو «3» رحويّ، ونزّل حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب، كما فعلوا في قولهم: فاليوم أشرب غير مستحقب «4» وقد بدا هنك من المئزر «5» ..... ولا تعرفكم العرب «6» وكما أن حركة غير الإعراب نزلت منزلة حركة الإعراب في نحو: ردّ وفرّ، وعضّ. فأدغم كما أدغم يعضّ، ويفرّ لمّا تعاقب حركات غير الإعراب على لامها، وهي حركة التقاء الساكنين، وحركة الهمزة المخفّفة، وحركة النونين فنزلت هذه الحركات منزلة حركة الإعراب حتّى أدغم فيما يتعاقب عليه فيها، كما أدغم المعرب، وكذلك نزلت حركة الإعراب منزلة غير حركة الإعراب، في أن استجيز

_ (1) في ط: يسكن. (2) في ط: في. (3) سقطت من م. (4) صدر بيت لامرئ القيس، سبق في 1/ 117، 410، 2/ 80، 3/ 233. (5) عجز بيت للأقيشر الأسدي- وهو المغيرة بن عبد اللَّه- سبق في 2/ 80، وانظر المحتسب 1/ 110. (6) قطعة من بيت لجرير في هجاء بني العم، سبق في 2/ 80. وانظر المحتسب 1/ 110.

فيها من التخفيف ما استجيز في غيرها، وليس يختلّ بذلك دلالة الإعراب، لأنّ الحكم بمواضعها معلوم، كما كان معلوما في المعتل، والإسكان للوقف. فإذا ساغ ما ذكرنا في هذه القراءة من التأويل لم يسغ لقائل أن يقول: إنّه لحن، ألا ترى أنّ العرب قد استعملت «1» ما في قياس ذلك؟ فلو جاز لقائل أن يقول: إنّه لحن للزمه «2» أن يقول: إنّ قول من قال: إفعوا في الوصل لحن، فإذا كان ما قرأ به على قياس ما استعملوه في كلامهم المنثور، لم يكن لحنا، [وإذا لم يكن لحنا] «3» لم يكن لقادح بذلك قدح، وهذه القراءة وإن كان لها مخلص «4» من الطعن، فالوجه قراءة الحرف على ما عليه الجمهور في الدرج ويقال: سيّئ مثل سيّد، ويخفّف كما يخفّف. قال أبو زيد: سؤته أسوؤه مساءة، وقال أبو عبيدة: يحيق المكر السيئ لا إلا بأهله «5».

_ (1) في ط: استعملوا. (2) في م: لزمه. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من ط. (4) في ط: المخلص. (5) مجاز القرآن ص 156.

سورة يس

[بسم اللَّه] «1» ذكر اختلافهم في سورة يس [يس: 2، 1] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم: يس [1] ونون* [القلم/ 1] نونهما ظاهرة. الحلواني عن هشام بن عمّار عن ابن عامر: لا يبيّن النون. الأعشى عن أبي بكر [عن عاصم]: يبيّن النون. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: لا يبيّن النون فيهما، وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم: يبيّن النون، والكسائي لا يبين النون. وكان حمزة والكسائي: يميلان الياء في يس غير مفرطين. وحمزة إلى الفتح أقرب من الكسائي في يس وقياس قول أبي بكر عن عاصم يس بالإمالة. وكان ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص وأبو عمرو وابن عامر يقرءون يس مفتوحة الياء، نافع قراءته وسط من ذلك. وقال ورش، وقالون: الياء مفتوحة شيئا. وقال محمد بن إسحاق وابن

_ (1) سقطت من ط.

جمّاز: الياء مفتوحة والنون مبيّنة في السّورتين جميعا. وقال يعقوب بن جعفر [عن نافع]: النون فيهما غير مبيّنة «1». قال أبو علي: من بين النون في «2» يس فإنّما جاز ذلك، وإن كانت النون الساكنة تخفى مع حروف الفم ولا تبيّن، فإنّما بيّنه لأنّ هذه الحروف مبينة على الوقف، وممّا يدلّك على ذلك استجازتهم فيها الجمع بين ساكنين، كما يجتمعان في الكلم التي يوقف عليها، ولولا ذلك لم يجز فيها التبيين «3»، فكما جاز فيها الجمع بين الساكنين من حيث كان التقدير فيهما «4» الوقف، كذلك استجيز معها تبيين النون في الدّرج، لأنّ التقدير فيهما الوقف. فكما جاز التبيين في الوقف، كذلك جاز التبيين في هذه «5» الحروف من حيث كان في تقدير الوقف. وأمّا قول من لم يبين فلأنّه، وإن كان في تقدير الوقف، لم يقطع فيه همزة الوصل، وذلك قولهم: الم الله [آل عمران/ 1]. ألا ترى أنّهم حذفوا همزة الوصل، ولم يثبتوها كما لم يثبتوها مع غيرها من الكلم التي توصل؟ فلا يكون التقدير فيها الوقف عليها. وكذلك قالوا «6» واحد اثنان، فحذفوا همزة الوصل، فكذلك لم يبين النون من لم يبين، لأنّها قد صارت في تقدير الوصل من حيث حذفت معها همزة الوصل، فإذا صار في تقدير الوصل، وجب أن لا تبين معها النون، كما

_ (1) السبعة ص 538، وما بين المعقوفين زيادة منه. (2) في ط: من. (3) في ط: الجمع بينهما. (4) في ط: فيها. (5) سقطت من ط. (6) كذا في ط وسقطت من م.

يس: 5

لم تبين مع سائر الكلم التي ليست بحروف هجاء، وأمّا القول في انتحاء فتحة الياء من يس نحو الكسرة فقد مضى القول فيه. وممّا يحسن إمالة الفتحة فيها نحو الكسرة أنّهم قالوا: يا زيد. في النداء، فأمالوا الفتحة نحو الكسرة، والألف نحو الياء، وإن كان قولهم يا* حرف على حرفين، والحروف التي على حرفين لا يمال منها شيء نحو لا، وما. فإذا كانوا قد أمالوا ما لا يمال من الحروف من أجل الياء، فأن يميلوا الاسم الذي هويا* من يس أجدر. ألا ترى أنّ هذه الحروف أسماء لما يلفظ به «1»؟. ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميلون. [يس: 5] اختلفوا في الرّفع والنصب من قوله تعالى «2»: تنزيل العزيز الرحيم [يس/ 5] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى [بن آدم] عن أبي بكر: تنزيل العزيز رفعا، حفص عن عاصم والكسائي عن أبي بكر عن عاصم وحمزة وابن عامر والكسائي: تنزيل العزيز نصبا «3» [قال أبو علي] «4»: من رفع فعلى: هو تنزيل العزيز، أو على: تنزيل العزيز الرحيم هذا، والنصب على نزّل تنزيل العزيز. [يس: 9] اختلفوا في ضمّ السّين وفتحها من قوله تعالى «5»: سدا

_ (1) في ط: بها. (2) في ط: عزّ وجلّ. (3) السبعة 539 وما بين معقوفين منه. وفي النص اختلاف يسير. (4) سقطت من ط. (5) في ط: عزّ وجلّ.

[يس/ 9] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: سدا ومن خلفهم سدا مفتوحة «1» السين. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: سدا* وسدا* مضمومتي السين «2». [قال أبو علي] «3»: قال أبو الحسن الضّمّ «4» أكثر القراءتين واللّغتين، وحكي عن بعض المفسّرين ما كان من الخلق، فهو سد بالضّمّ، وما كان من البناء مفتوح، وقال غيره: السّدّ بالضّمّ في كل ما صنع الله والعباد، وهما سواء، وقال العجّاج: سيل الجراد السدّ يرتاد الخضر «5» يريد: زعموا قطعة من الجراد سدّ بطيرانه الأفق. قال أبو علي: فقوله: السّدّ، يجوز أن يجعله صفة كالحلو والمرّ، ويجوز أن يكون يريد: ذي السّدّ، أي: يسدّ الأفق كما يسدّ السّدّ، فحذف المضاف. وإن كان السّدّ مصدرا جاز أن تصفه به. والمصدر فيما زعم بعض أهل اللّغة السّدّ سددته سدّا، وقال بعضهم: السّدّ: فعل الإنسان وخلقه المسدود: السّدّ، وقيل في تفسيره قولان: أحدهما: أنّ جماعة أرادوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم سوءا، فحال اللَّه بينهم وبينه،

_ (1) في السبعة مفتوحتي السين. (2) السبعة 539. (3) سقطت من ط. (4) سقطت من ط. (5) وبعده: آواه ليل غرضا ثمّ ابتكر انظر ديوانه 1/ 81.

يس: 14

فجعلوا بمنزلة من هذه حاله، والآخر: أنّ اللَّه سبحانه «1» وصف ضلالتهم، فقال: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا [يس/ 8] فأمسكوا أيديهم عن الإنفاق، كما قيل «2» في اليهود: غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا [المائدة/ 64] ويقوّي هذا الوجه [قوله سبحانه] «3»: وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم [يس/ 10]. [يس: 14] اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله جلّ وعزّ: فعززنا بثالث [يس/ 14]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر والمفضل [عن عاصم]: فعززنا خفيفة. وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم: فعززنا مشدّدة الزاي. [قال أبو علي] «4» قال بعضهم: عزّزنا: قوّينا وكثّرنا. وأمّا عززنا: فغلبنا من قوله: وعزني في الخطاب [ص/ 23] وقال جرير: أعزّك بالحجاز وإن تسهّل بغور الأرض تنتهب انتهابا «5» [يس: 19] المفضل عن عاصم: أين ذكرتم [يس/ 19] بهمزة بعدها ياء والكاف مشددة، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر أئن

_ (1) في ط: عزّ وجلّ. (2) في ط: قال. (3) سقطت من ط. (4) سقطت من ط. (5) ديوانه 2/ 825.

يس: 39

بهمزتين وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بهمزة بعدها ياء، وكان أبو عمرو يمدّ، وابن كثير لا يمدّ. واختلف عن نافع وقد بيّن «1». قال أبو الحسن: معناه حيث ذكّرتم، قال: وفي بعض الحروف: ولا يفلح الساحر أين أتى [طه/ 69]. ومن قال: أإن ذكرتم فإنّما هي إن التي «2» للجزاء دخلت عليها ألف الاستفهام، والمعنى «3»: أإن تشاءمتم، لأن تطيرنا بكم معناه: تشاءمنا بكم، فكأنّهم قالوا: أئن ذكّرتم تشاءمتم! فحذف الجواب لتقدم ما يدلّ عليه، وأصل تطيّرنا: تفعلنا، من الطائر عند العرب الذي به يتشاءمون، ويتيمّنون، وقد تقدّم ذكر ذلك. وقد قرأ من غير السبعة أأن ذكرتم بفتح أن، والمعنى: ألأن ذكّرتم تشاءمتم، وأمّا الهمزة وتخفيفها وتحقيقها فقد مرّ ذكرها في مواضع. [يس: 39] اختلفوا في نصب الرّاء ورفعها من قوله سبحانه «4»: والقمر قدرناه [يس/ 39] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: والقمر* رفعا. وقرأ الباقون: والقمر نصبا «5». قال أبو علي: الرّفع على قوله وآية لهم القمر قدّرناه منازل، مثل قوله: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار [يس/ 37] وكأن التقدير: وآية لهم اللّيل نسلخ منه النهار، وآية لهم القمر قدّرناه منازل، فهو

_ (1) السبعة ص 540. (2) كذا في ط وسقطت من م. (3) سقطت من ط. (4) في ط: عزّ وجلّ. (5) السبعة ص 540.

يس: 35

على هذا أشبه بالجمل التي قبلها. والقول في آية* أنّها ترتفع بالابتداء، ولهم صفة للنكرة، والخبر مضمر تقديره: وآية لهم في المشاهد أو في الوجود، وقوله: الليل نسلخ منه النهار، والقمر قدرناه منازل: تفسير للآية، كما أنّ قوله: لهم مغفرة [المائدة/ 9] تفسير للوعد وللذكر مثل حظ الانثيين [النساء/ 11] تفسير للوصية، ومن نصب فقد حمله سيبويه على: زيدا ضربته، قال: وهو عربي، ويجوز في نصبه وجه آخر، وهو أن تحمله على نسلخ الذي هو خبر المبتدأ على ما أجازه سيبويه من قولهم: زيد ضربته وعمرو أكرمته [وعمرا أكرمته] «1» على أن تحمله مرة على الابتداء، ومرة على الخبر الذي هو جملة من فعل وفاعل، وهي «2» تجري من قوله سبحانه «3»: والشمس تجري لمستقر لها [يس/ 38] والقمر قدرناه «4» [يس/ 39]. [يس: 35] اختلفوا في إثبات الهاء وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: وما عملته أيديهم [يس/ 35]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وما عملت بغير هاء، وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم: عملته بالهاء «5».

_ (1) سقطت من م. (2) في ط: هو. (3) في ط: تعالى. (4) جاء في نسخة (م) قوله: «واللَّه سبحانه وتعالى أعلم، نجز الجزء السادس من كتاب الحجة للقرّاء، واللَّه الموفق». والكلام في ط متصل ليس فيه هذا الفصل. وبعد هذا توقفت المقابلة بين النسختين (ط) و (م) لعدم وجود (م) بين أيدينا، وأصبحت نسخة طاهر بن غلبون هي المعتمدة وحدها. (5) السبعة ص 540.

يس: 49

القول أن أكثر ما جاء في التنزيل من هذا على حذف الهاء، كقوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] وسلام على عباده الذين اصطفى [النحل/ 59] وأين شركائي الذين كنتم تزعمون [الأنعام/ 22] ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم [هود/ 43] فكلّ على إرادة الهاء وحذفها. وقد جاء الإثبات في قوله: إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان [البقرة/ 275] وكذلك قوله: وما عملته أيديهم [يس/ 35] وموضع ما* على هذا جرّ تقديره: ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم. ويجوز أن تقدّر ما* نافية فيكون المعنى: ليأكلوا من ثمره، ولم تفعله أيديهم، ويقوّي ذلك: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون [الواقعة/ 63 - 64] ومن قدّر هذا التقدير لم يكن صلة، وإذا لم يكن صلة لم يقتض الهاء الراجعة إلى الموصول. [يس: 49] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: يخصمون [يس/ 49]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يخصمون بفتح الياء والخاء غير أنّ أبا عمرو كان يختلس حركة الخاء قريبا من قول نافع. وقرأ عاصم والكسائي وابن عامر: يخصمون بفتح الياء وكسر الخاء، وهذه رواية خلف وغيره عن يحيى «1» عن أبي بكر، وقرأ نافع: يخصمون ساكنة الخاء مشددة الصاد، وورش يخصمون: بفتح الياء والخاء مشددة الصاد، وقرأ حمزة: يخصمون ساكنة الخاء خفيفة الصاد. حدّثني أحمد بن محمد بن صدقة، قال: حدّثنا أحمد بن جبير، قال

_ (1) هو ابن آدم كما في السبعة.

حدّثني أبو بكر عن عاصم أنه قرأ: يخصمون بكسر الياء والخاء ويهدي* [يونس/ 35] بكسر الياء والهاء «1». من قرأ يخصمون حذف الحركة من الحرف المدغم، وألقاها على الساكن الذي قبلها، وهذا أحسن الوجوه بدلالة قولهم: ردّ، وفرّ، وعضّ، فألقوا حركة العين على الساكن. ومن قال يخصمون حذف الحركة إلّا أنّه لم يلقها على الساكن كما ألقاها الأوّل، وجعله بمنزلة قولهم: لمسنا «2» السماء فوجدناها [الجن/ 8] حذف الكسرة من العين، ولم يلقها على الحرف الذي قبلها، فلمّا لم يلقها على ما قبلها التقى ساكنان، فحرّك الحرف الّذي قبل المدغم. ومن قال: يخصمون جمع بين الساكنين الخاء والحرف المدغم. ومن زعم أنّ ذلك ليس في طاقة اللّسان ادّعى ما يعلم فساده بغير استدلال، فأمّا من قرأ يخصمون فتقديره: يخصم بعضهم بعضا، فحذف المضاف، وحذف المفعول به كثير في التنزيل وغيره. ويجوز أن يكون المعنى: يخصمون مجادلهم عند أنفسهم، فحذف المفعول به، ومعنى يخصمون: يغلبون في الخصام خصومهم. فأمّا يخصمون فعلى قول من قال: أنت تخصم تريد: تختصم، فحذف الحركة وحرّك الخاء لالتقاء الساكنين، لأنّه لم يلق الحركة المفتوحة

_ (1) السبعة ص 541 وفي النص اختلاف يسير، وأضاف: وكلّهم فتح الياء. إلّا ما ذكرت لك عن ابن جبير. (2) في الأصل: مسنا.

يس: 56

على الفاء، وكسر الياء الّتي للمضارعة ليتبعها كسرة الخاء، كما قالوا: أجوءك، وأنبؤك «1»، وهو منحدر من الجبل. وقالوا في هذا الباب: مردفين [الأنفال/ 9]، فأتبعوا حركة الراء حركة الميم فضمّوها، وهذا ينبغي أن يكون على من قال: ردّ فحذف الحركة ولم يلقها على ما قبلها، وهذه اللّغة رواها سيبويه عن الخليل وهارون، فإن قلت: إنّ الهاء لا تكسر كما تكسر الحروف الأخر التي للمضارعة، ألا ترى أن من قال نعلم لم يقل يعلم، قيل: إن هذه الياء قد كسرت في مواضع: فمن ذلك أن سيبويه حكى هو يئبى فكسر الياء، وقالوا: هو ييجل. فصيروها من قولهم يوجل للياء فكذلك قولهم يخصمون وعلى هذا قوله: تكتّبان في الطّريق لام الف «2» فهذا من الحركات التي للإتباع. [يس: 56] قال: قرأ حمزة والكسائي في ظلل [يس/ 56] وقرأ الباقون في ظلال بكسر الظاء «3». أمّا الظّلل فجمع ظلّة، كغرفة وغرف، وقربه وقرب، وجورة وجور، وفي التنزيل: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام [البقرة/ 210].

_ (1) انظر سيبويه 2/ 255 وقد سبق نحو هذا في 1/ 65. (2) البيت من الرجز من شواهد سيبويه 2/ 34. وهو في الخزانة 1/ 48 وشرح شواهد الشافية ص 156 ونسبه لأبي النجم العجلي. وقد ضبطت عندنا تكتبان بكسر التاء، وفي المراجح بضمها، ورد الشاهد عندهم على نقل فتحة همزة ألف إلى ميم لام. (3) السبعة ص 542.

يس: 61

وأمّا ظلال فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون جمع ظلة، كعلبة وعلاب، وجفرة وجفار، وبرمة وبرام، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، ويجوز أن يكون ظلال جمع ظلل، وفي التنزيل: يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل [النحل/ 48] وقال: تتبّع أفياء الظّلال عشيّة على طرق كأنّهنّ سبوب «1» [يس: 61] عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي «2»: وأن اعبدوني [يس/ 61] بكسر النون، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي: وأن اعبدوني بضم النون. وكلهم قرأ بالياء وكذلك هي في كلّ المصاحف «3». قال أبو علي: الضّم والكسر حسنان، وقد مضى القول في ذلك، وأمّا إثبات الياء، فإنّ الإثبات والحذف مذهبان، فإذا ثبت الياء في الخط أخذ به دون الآخر. [يس: 62] اختلفوا في التّخفيف والتّثقيل من قوله عزّ وجلّ: جبلا كثيرا [يس/ 62] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: جبلا مضمومة الجيم، والباء، مخففة اللام، وقرأ أبو عمرو وابن عامر: جبلا بضم الجيم وتسكين الباء، وقرأ نافع وعاصم جبلا بكسر الجيم، والباء، مشدّدة اللّام «4».

_ (1) البيت لعلقمة الفحل، سبق في 4/ 69. وهو البيت الرابع عشر من المفضلية رقم/ 119/ والسبوب: جمع السّب، والسّب: شقّة كتّان رقيقة. انظر اللسان/ سبب/. (2) كلمة والكسائي ليست في السبعة. (3) السبعة ص 542. (4) السبعة ص 542.

يس: 68

قال أبو عبيدة: أضل منكم جبلا كثيرا مثقل وبعضهم لا يثقل، ويضمّ الحرف الأول، ويسكن الثاني، ومنهم من يضمّ الأول والثاني. ولا يثقل، قال: ومعناهنّ: الخلق والجماعة «1». وقال التّوّزي: يقال جبلا وجبلا وجبلا وجبلا وجبلا. وحكى غير التوزي: جبلا، وقال هو جمع جبلّة. [يس: 68] اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عزّ وجلّ: ننكسه في الخلق [يس/ 68] فقرأ حمزة: ننكسه مشدّدا، واختلف عن عاصم، فروى أبو بكر عنه مشدّدا، وكذلك روى عنه حفص أيضا وكذلك قال أبو الربيع الزهراني عن حفص، وأبو حفص عمرو «2» بن الصباح عن حفص عن عاصم: مشدّدا. وروى هبيرة عن حفص عن عاصم مخفّفة. علي بن نصر عن أبان عن عاصم: ننكسه خفيف. قال قتادة: ننكسه في الخلق لكي لا يعلم بعد علم شيئا، يعني الهرم. غيره، معناه: من أطلنا عمره نكّسنا خلقه، فصار بدل القوة ضعفا، وبدل الشباب هرما، قال أبو الحسن: ننكسه، وهو كلام العرب، قال: وقال الأعمش: ننكّسه في الخلق، قال أبو الحسن: ولا يكادون يقولون نكّسته إلّا لما يقلب فيجعل رأسه أسفل. قال غير أبي الحسن أنكر أبو عمرو ننكسه.

_ (1) مجاز القرآن 2/ 164 وساقط منه قوله: «ومنهم من يضمّ الأوّل والثاني ولا يثقل». (2) في الأصل: عمر، والتصويب من غاية النهاية 1/ 601 والسبعة، وعمرو هذا: ابن الصباح بن صبيح أبو حفص البغدادي الضرير مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. كما في غاية النهاية.

يس: 68

[يس: 68] قرأ نافع وأبو عمرو في رواية عباس بن الفضل عنه: أفلا تعقلون [يس/ 68] بالتاء وقرأ الباقون: بالياء أفلا يعقلون «1». وجه الياء على: قل لهم: أفلا يعقلون. والتاء لقوله: ألم أعهد إليكم [يس/ 60] أفلا تعقلون. [يس: 41] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله: أنا حملنا ذريتهم في الفلك [يس/ 41] فقرأ نافع وابن عامر: ذرياتهم* جماعا، وقرأ الباقون: ذريتهم واحدة «2». الذّرّيّة: تكون جمعا وتكون واحدا، فالواحد قوله: هب لي من لدنك ذرية [آل عمران/ 38] فهذا بمنزلة هب لي من لدنك وليا يرثني [مريم/ 5 - 6]. والجماعة يدلّ عليها قوله: ذرية ضعافا [النساء/ 9] فمن جمع فكما جمع أسماء الجمع، ومن لم يجمع ما كان جمعا في المعنى فكما تفرد أسماء الجمع ولا تجمع. [يس: 67] وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: لمسخناهم على مكاناتهم [يس/ 67] جمعا جماعة، وحدّثني موسى بن إسحاق قال حدّثنا هارون بن حاتم قال: حدّثنا عبيد اللَّه بن موسى عن شيبان عن عاصم مكانتهم واحدة، المفضل مثله. حفص عن عاصم واحدة أيضا، وكذلك قرأ الباقون على التوحيد أيضا مكانتهم «3». من أفرد فلأنّه مصدر، والمصادر تفرد في موضع الجمع لأنّه يراد

_ (1) السبعة ص 543. (2) السبعة ص 540. (3) السبعة ص 542 - 543.

يس: 70

به الكثرة، كما يراد ذلك في سائر أسماء الأجناس، ومن جمع فلأنّهم قد جمعوا من المصادر شيئا نحو: الحلوم، والألباب. [يس: 70] قرأ نافع: لتنذر من كان حيا [يس/ 70] بالتاء وقرأ الباقون: لينذر بالياء «1». وجه التاء أنّه خطاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، ومن قال: ينذر*، أراد القرآن، ومعنى من كان حيّا: من المؤمنين، لأنّ الكفّار أموات، كما قال: أموات غير أحياء [النحل/ 26]، وقال: أومن كان ميتا فأحييناه [الأنعام/ 122]. [يس: 82] قرأ ابن عامر والكسائي: كن فيكون* [يس/ 82] نصبا، وقرأ الباقون: فيكون «2» رفعا. أمّا الكسائي فإنّه يحمل نصب فيكون* على ما قبله من «أن» ولا ينصب «فيكون» إذا لم يكن قبله «أن» فيحمل عليها. وأمّا ابن عامر، فإنّه ينصب «فيكون» كان قبلها «أن» أولم يكن وقد ذكرنا قوله فيما تقدّم.

_ (1) السبعة ص 544. (2) السبعة ص 544.

سورة الصافات

ذكر اختلافهم في سورة الصّافّات [الصافات: 3، 2، 1] قرأ أبو عمرو إذا أدغم، وحمزة على كلّ حال: والصافات صفا، فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا [1 - 2 - 3] والذاريات ذروا [الذاريات/ 1]، وقرأ أبو عمرو وحده: والعاديات ضبحا [العاديات/ 1] مدغما، والمغيرات صبحا [العاديات/ 2]، فالتاليات ذكرا [الصّافّات/ 3]، والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا [النازعات/ 3 - 4]، مدغما. عبّاس «1» عن أبي عمرو لا يدغم شيئا من ذلك، وفالملقيات ذكرا [الذاريات/ 5] والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا [النازعات/ 3 - 4]. وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر والكسائي بإظهار التاء في ذلك كله «2».

_ (1) سبقت ترجمته في 1/ 376 و 2/ 75. (2) السبعة ص 546.

قتادة: الصّافّات صفّا: الملائكة صفوف في السماء، والزاجرات زجرا: ما زجر اللَّه عنه في آي القرآن، والتاليات ذكرا: ما يتلى من آي القرآن. أبو عبيدة: كلّ شيء في السماء والأرض ممّا لم يضمّ قتريه فهو صافّ، والتالي: القارئ «1». قال أبو علي: إدغام التاء في الصّاد حسن لمقاربة الحرفين، ألا ترى أنّهما من طرف اللسان، وأصول الثنايا، ويجتمعان في الهمس؟ والمدغم فيه يزيد على المدغم بخلّتين هما: الإطباق، والصّفير، وحسن أن يدغم الأنقص في الأزيد، ولا يجوز أن يدغم الأزيد صوتا في الأنقص، ألا ترى أن الطّاء والدّال، والتاء والظاء، والذال والثاء يدغمن في الصّاد والسّين والزّاي، ولا تدغم الصّاد وأختاها فيهنّ لزيادة الصّاد وأختيها عليهنّ في الصّفير؟ وكذلك يدغم اللّام في الرّاء، ولا تدغم الرّاء في اللّام لزيادة التكرير في الرّاء، فقد علمت- فيما ذكر- حسن إدغام التّاء في الصّاد، وإدغام التاء في الزّاي في قوله: فالزاجرات زجرا حسن. لأنّ التاء مهموسة، والزّاي مجهورة، وفيها زيادة صفير، كما كان في الصّاد، وكذلك حسن إدغام التاء في الذال في قوله: والتاليات ذكرا، والذاريات ذروا، لاتفاقهما في أنّهما من طرف اللسان، وأصول الثنايا، فأمّا إدغام التاء في الضاد من قوله: والعاديات ضبحا، فإنّ التاء أقرب إلى الذّال والزّاي منها إلى الضاد. لأنّ الذّال والزّاي والصّاد من حروف طرف اللّسان، وأصول الثنايا، والضّاد أبعد منهنّ لأنها من وسط اللّسان.

_ (1) مجاز القرآن 2/ 166 والقتر: الناحية والجانب، لغة في القطر وهي الأقتار والأقطار، اللسان/ قتر/.

الصافات: 6

ولكن حمل حسن الإدغام التاء فيها، لأنّ الصّاد تفشّى الصوت بها، واتّسع واستطال حتّى اتّصل صوتها بأصول الثنايا وطرف اللسان، فأدغم التاء فيها وسائر حروف طرف اللّسان، وأصول الثنايا إلّا حروف الصّفير، فإنّها لم تدغم في الصاد، ولم تدغم الصّاد في شيء من هذه الحروف لما فيها من زيادة الصوت فكره إدغامها فيما أدغم فيها من هذه الحروف، لما فيها من التّفشّي والاستطالة، حتى اتّصلت بأصول الثنايا مع أنّها من وسط اللّسان. قال: وسمعناهم ينشدون: ثار فضجّت ضجّة ركائبه «1» فأمّا الإدغام في السّابحات سبحا، والسّابقات سبقا، فحسن لمقاربة الحروف، وأمّا من قرأ بالإظهار في هذه، وترك إدغامها، فذلك لاختلاف المخارج، وإنّ المدغم فيه ليس بلازم، فلم يدغموا لتباين المخارج، وانتفاء الرفع، ألا ترى أنّهم بيّنوا نحو أفعل؟ وإن كان من كلمة واحدة، لما لم تلزم التاء- هذه- البناء، فما كان من كلمتين منفصلتين أجدر بالبيان. [الصافات: 6] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: بزينة الكواكب [الصافات/ 6] فقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص: بزينة، خفض منوّنة الكواكب بكسر الباء. وقرأ عاصم في رواية في أبي بكر بزينة خفض الكواكب* بفتح الباء.

_ (1) قال سيبويه في الكتاب 2/ 420: «وسمعنا من يوثق بعربيته قال» وذكره. قال الأعلم: وصف رجلا ثار بسيفه في ركائبه ليعرقبها ثم ينحرها للأضياف فجعلت تضج.

وقرأ الباقون: بزينة الكواكب مضافا «1». قال أبو علي: من قال: بزينة الكواكب جعل الكواكب بدلا من الزينة، لأنّها هي، كما تقول: مررت بأبي عبد اللَّه زيد. ومن قال: بزينة الكواكب، أعمل الزينة في الكواكب، والمعنى: بأن زينا الكواكب فيها، ومثل ذلك قوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [البلد/ 14، 15] ومثله: ولا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا [النحل/ 73] تقديره: ما لا يملك أن يرزق شيئا. فأمّا قوله: قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا [الطلاق/ 10، 11] فيجوز أن يكون الرّسول بدلا من الذكر، كما كان الكواكب بدلا من الزينة، والمعنى ذا ذكر رسولا، ويجوز أن يكون كقوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما [البلد/ 14، 15] فأمّا قوله: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا [المرسلات/ 25، 26] فإن كان الكفات مصدرا لكفت، كما أنّ الكتاب مصدر لكتب، فقد انتصب «أحياء» به، والمعنى: نكفت أحياء، كما أنّ قوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما تقديره: أو أن تطعم مسكينا، وقد قيل: إنّ الكفات جمع الكافتة، فأحياء على هذا منتصب بالجمع كقوله: ... أنّهم في قومهم غفر ذنبهم «2» ...

_ (1) السبعة ص 546. (2) من بيت لطرفة وتمامه: ثم زادوا أنّهم في قومهم غفر ذنبهم غير فخر انظر ديوانه/ 64. والشاهد فيه نصب ذنبهم بغفر لأنه جمع غفور وغفور تكثير غافر وعامل عمله فجرى جمعه على العمل مجراه .. ومعناه:

الصافات: 8

ومن قال: بزينة الكواكب أضاف المصدر إلى المفعول به كقوله: من دعاء الخير [فصلت/ 49] وسؤال نعجتك [ص/ 24] ولو جاء إطعام يتيم في يوم ذي مسغبة جاز في القياس، والمعنى: بأن زينّا الكواكب فيها. [الصافات: 8] اختلفوا في التّشديد والتّخفيف من قوله عزّ وجلّ: لا يسمعون* [الصافات/ 8]. فقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: لا يسمعون مشدّدة. وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: لا يسمعون* خفيفة «1». قال أبو علي: يسمعون إنّما هو: لا يتسمعون، فأدغم التاء في السّين، وقد تقدّم حسن إدغام التاء في السّين، وقد يتسمع، ولا يسمع، فإذا نفى التسمع عنهم فقد نفى سمعه من جهة التسمّع، ومن جهة غيره، فهو أبلغ. ويقال: سمعت الشيء واستمعته كما تقول: حفرته واحتفرته، وشويته واشتويته. وقد قال: وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا [الأعراف/ 204] وقال: ومنهم من يسستمع إليك [الأنعام/ 25] فتعدّى الفعل مرّة بإلى، ومرّة باللّام، كقوله: وهديناهم إلى صراط مستقيم [الأنعام/ 87] والحمد لله الذي هدانا لهذا [الأعراف/ 43] وقال: وأوحى ربك إلى النحل

_ مدح قومه فيقول لهم فضل على الناس وزيادة عليهم بأنهم يغفرون ذنب المذنب إليهم ولا يفخرون بذلك سترا لمعروفهم. ويروى غير فجر. انظر الكتاب لسيبويه 1/ 58. (1) السبعة ص 546.

الصافات: 12

[النحل/ 68] وقال: بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 5] فتعدّى الفعل مرّة بإلى، ومرّة باللّام، ولا فصل بين فعلت وافتعلت في ذلك لاتفاقهما في التّعدّي. ومن حجّة من قرأ يسمعون* قوله: إنهم عن السمع لمعزولون [الشعراء/ 212] والسّمع: مصدر يسمع. [الصافات: 12] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: بل عجبت [الصافّات/ 12]، في ضمّ التاء وفتحها. فقرأ حمزة والكسائي بل عجبت، بضم التاء. وقرأ الباقون بل عجبت بنصب التاء «1». قال أبو علي: من فتح فالمعنى: بل عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون، أو عجبت من نزول الوحي عليك وهم يسخرون. والضّمّ فيما زعموا قراءة عليّ، وعبد الله، وابن عباس، وروي عن شريح إنكاره له، وأنّه قال: إنّ الله لا يعجب، وقد احتجّ بعضهم للضّمّ بقوله: وإن تعجب فعجب قولهم [الرعد/ 5]، وليس في هذا دلالة على أنّ الله سبحانه أضاف العجب إلى نفسه، ولكن المعنى: وإن تعجب فعجب قولهم عندكم. والمعنى في الضّمّ أنّ إنكار البعث والنّشر مع ثبات القدرة على الابتداء والإنشاء، ويبيّن ذلك عند من استدل: عجب عندكم، ومما يقولون فيه هذا النحو من الكلام إذا ورد عليكم مثله «2».

_ (1) السبعة ص 547. (2) ورد على هامش الأصل: «كذا عنده». إشارة إلى أن اضطراب العبارة في الأصل.

الصافات: 47

كما أنّ قوله: أسمع بهم وأبصر [مريم/ 38] معناه: أنّ هؤلاء ممّن تقولون أنتم فيه هذا النحو، وكذلك قوله: فما أصبرهم على النار [البقرة/ 175] عند من لم يجعل اللّفظ على الاستفهام، وعلى هذا النحو قوله: ويل للمطففين [المطففين/ 1] وويل يومئذ للمكذبين [المرسلات/ 15] وقوله: لعله يتذكر أو يخشى [طه/ 44] ولا يجوز أن يكون الوصف بالعجب في وصف القديم سبحانه، كما يكون في وصف الإنسان، لأنّ العجب فينا إنّما يكون إذا شاهدنا ما لم نشاهد مثله، ولم نعرف سببه، وهذا منتف عن القديم سبحانه. [الصافات: 47] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: ولا هم عنها ينزفون [الصافّات/ 47]. في فتح الزّاي وكسرها، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ينزفون هاهنا بفتح الزاي، وفي الواقعة [19]. وقرأ عاصم هاهنا ينزفون بنصب الزاي، وفي الواقعة: ينزفون* بكسر الزاي. وقرأ حمزة والكسائي: ينزفون* بكسر الزاي في الموضعين «1». يقال: أنزف الرجل على معنيين: أحدهما: أنّه يراد به: سكر. وأنشد أبو عبيدة وغيره: لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس النّدامى كنتم آل أبجرا «2»

_ (1) السبعة ص 547. (2) البيت للأبيرد الرياحي اليربوعي، وأبجر: هو أبجر بن جابر العجلي. مجاز القرآن 2/ 169، وانظر المحتسب 2/ 308، واللسان (نزف).

الصافات: 55، 54

فمقابلته له بصحوتم يدلّك على إرادة سكرتم. والآخر: أنزف: إذا نفد شرابه، ومعنى أنزف صادر ذا إنفاد لشرابه، كما أنّ الأول معناه النفاد من عقله، فقول حمزة والكسائي ينزفون*، يجوز أن يراد به: ولا يسكرون عن شربها، ويجوز أن يراد: لا ينفد ذلك عندهم كما ينفد شراب أهل الدنيا، فإذا كان معنى لا فيها غول [الصافّات/ 47] لا تغتال عقولهم، حمل قول حمزة والكسائي: لا ينزفون في الصافّات على: لا ينفد شرابهم، لأنّك إن حملته على أنّهم لا يسكرون صرت كأنّك كررت يسكرون مرتين، وإن حملت لا فيها غول على لا تغتال صحتهم ولا يصيبهم عنها العلل التي تحدث عن شربها كما ترى أنّ عاصما ذهب إليه، حملت ينزفون في والصافات على أنّهم لا يكسرون، ويقال للسكران منزوف. وفي الواقعة قال: ينزفون* أي: لا ينفد شرابهم، لأنّه قد تقدّم أنّهم لا يصيبهم فيها الصداع، فقوله: لا يصدعون عنها [الواقعة/ 19] كتأويل قوله في الصّافات: لا تغتال من صحّتهم، فيصرف لا ينزفون في الصافّات إلى أنّه لا ينفد شرابهم. وأمّا من قرأ: ولا ينزفون في الموضعين، فإنّه أراد: لا يسكرون، وهو مثل لا يضربون وليس يفعلون من أفعل، ألا ترى أنّ أنزف الذي معناه سكر وأنزف الذي يراد به نفد شرابه لا يتعدى واحد منهما إلى المفعول به، وإذا لم يتعدّ إلى المفعول به لم يجز أن يبنى له، فإذا لم يجز ذلك علمت أن ينزفون من نزف وهو منزوف إذا سكر. [الصافات: 55، 54] قال: وكلّهم قرأ: مطلعون. فاطلع [الصافّات/ 54، 55] إلّا أنّ ابن حيّان أخبرنا عن أبي هشام عن حسين [الجعفي] «1» عن أبي

_ (1) زيادة من السبعة.

الصافات: 94

عمرو أنّه قرأ هل أنتم مطلعون. فأطلع الألف مضمومة، والطاء ساكنة، واللّام مكسورة، والعين مفتوحة «1». قال أبو علي: من قال: هل أنتم مطّلعون، فالمعنى: هل أنتم مشرفون لتنظروا، فاطّلع فرأى قرينة في سواء الجحيم. قال أبو الحسن: مطّلعون مثقلة أكثر في كلام العرب، وقال: واطّلعت- افتعلت- أكثر من أطلعت، قال: وهما عربيّتان. قال أبو علي: المعنى في هل أنتم مطلعون: هل أنتم مطلعيّ فأطلع. تقديره: أفعل، تقول: طلع زيد، وأطلعه غيره. [الصافات: 94] اختلفوا في قوله: يزفون [الصافّات/ 94] فقرأ حمزة وحده يزفون، برفع الياء وكسر الزاي، المفضل عن عاصم مثله. وقرأها الباقون: يزفون بفتح الياء «2». قال أبو علي: يقال: زفّت الإبل تزفّ: إذا أسرعت، وقال الهذلي: وزفّت الشّول من برد العشيّ كما زفت النّعام إلى حفّانة الرّوح «3»

_ (1) السبعة ص 548. (2) السبعة ص 548. (3) المعنى: الشول: ج شامله وهي التي قد خفّ لبنها وأتى على نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، وخصّها دون غيرها، لأنّه أراد أنّها خفيفة البطن، فلا تقوى على البرد، فتسرع هذه النياق إلى مكان تستدفئ فيه، كما يسرع النعام إلى فراخه. والبيت لأبي ذؤيب الهذلي، انظر ديوان الهذليين 1/ 107، وانظر المحتسب 2/ 221، والبيت من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني 2/ 35 مع أبيات من القصيدة.

الصافات: 102

الحفان: صغار النعام. والرّوح: جمع روحاء، وهي التي بين رجليها فرجة. وقول حمزة: يزفون يحملون غيرهم على الزفيف، قال الأصمعي: أزففت الإبل: إذا حملتها على أن تزفّ، وهو سرعة الخطو، ومقاربة المشي، والمفعول محذوف على قراءته، كأنّهم حملوا ظهورهم على الإسراع والجدّ في المشي. [الصافات: 102] اختلفوا في ضمّ التاء وفتحها من قوله عزّ وجلّ: ماذا ترى [الصافّات/ 102]. فقرأ حمزة والكسائي: ماذا تري بضمّ التاء وكسر الراء. وقرأ الباقون ماذا ترى بفتح التاء «1». قال أبو علي: من فتح التاء فقال: ماذا ترى كان مفعول ترى أحد شيئين: أحدهما أن يكون ما* مع ذا* بمنزلة اسم واحد فيكونان في موضع نصب بأنّه مفعول ترى. والآخر: ذا* بمنزلة الذي* فيكون مفعول ترى، والهاء محذوفة من الصلة، وتكون ترى على هذا التي معناها: الرّأي، وليس إدراك الحاجة كما تقول: فلان يرى رأي أبي حنيفة، ومن هذا قوله عزّ وجلّ: لتحكم بين الناس بما أراك الله [النساء/ 106] فلا يخلوا أراك من أن يكون نقلها بالهمزة من التي هي رأيت، تريد رؤية البصر، أو رأيت التي تتعدّى إلى مفعولين، أو رأيت التي بمعنى: الرأي الذي هو

_ (1) السبعة ص 548.

الاعتقاد والمذهب. فلا يجوز أن يكون من الرؤية التي معناه: أبصرت يعني لأنّ الحكم في الحوادث بين الناس ليس مما يدور بالبصر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم، ولا يجوز أن يكون من رأيت التي تتعدّى إلى مفعولين، لأنّه كان يلزم بالنقل بالهمزة أن يتعدّى إلى ثلاثة مفعولين، وفي تعدية إلى مفعولين، أحدهما الكاف التي للخطاب، والآخر المفعول المقدّر حذفه من الصلة تقديره: بما أراكه الله، ولا مفعول ثالثا في الكلام، دلالة على أنّه من رأيت الّتي معناها الاعتقاد والرأي، وهي تتعدّى إلى مفعول واحد، فإذا نقل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين كما جاء في قوله: بما أراك الله [النساء/ 106] فإذا جعلت قوله: ذا* من قوله ماذا ترى بمنزلة الذي، صار تقديره: ما الذي تراه، فيصير ما* في موضع ابتداء، ابتداء، والذي* في موضع خبره، ويكون المعنى: ما الذي تذهب إليه فيما ألقيت إليك؟ هل تستسلم له وتتلقاه بالقبول، أو تأتي غير ذلك؟ فهذا وجه قول من قال: ماذا ترى بفتح التاء، وقوله يا أبت افعل ما تؤمر [الصافّات/ 102] دلالة على الاستسلام والانقياد لأمر الله عزّ وجلّ. فأمّا قول حمزة والكسائي: ماذا ترى، فإنّه يجوز أن يكون ما* مع ذا* بمنزلة اسم واحد، فيكونان في موضع نصب، والمعنى: أجلدا تري على ما تحمل عليه أم خورا؟ ويجوز أن تجعل ما* مبتدأ وذا* بمنزلة الذي ويعود إليه الذكر المحذوف من الصلة، والفعل منقول من رأى زيد الشيء وأريته الشيء إلّا أنّه من باب أعطيت فيجوز أن يقتصر على أحد المفعولين دون الآخر، كما أن أعطيت كذلك، ولو ذكرت المفعول كان أريت زيدا جلدا، ولو قرأ قارئ: ماذا ترى لم يجز لأن ترى* يتعدّى إلى مفعولين، وليس هنا إلّا مفعول واحد،

الصافات: 123

والمفعول الواحد إمّا أن يكون ماذا بمجموعه، وإمّا أن يكون الهاء التي تقدرها محذوفة من الصلة إذا قدرت ذا* بمنزلة الذي*، فإذا قدرتها محذوفة كانت العائدة إلى الموصول، فإذا عاد إلى الموصول اقتضى المفعول الثاني فيكون ذلك كقوله: أين شركائي الذين كنتم تزعمون [القصص/ 62] ألا ترى أن التقدير: أين شركائي الذين كنتم تزعمونهم إيّاهم، أي: تزعمونهم شركائي، فحذف المفعول الثاني لاقتضاء المفعول الأوّل الذي في تقدير الإثبات في الصلة إيّاه فهو قول، ويكون مثل هذه الآية، وكذلك إن قدّرت ما* وذا* بمنزلة اسم واحد صار ماذا في موضع نصب بكونه مفعولا لترى، ويكون المفعول الثاني محذوفا، كأنّه: ماذا تري كائنا منك، أو واقعا منك، ونحو ذلك، وأري بمنزلة زعمت وظننت ونحوه، ألا ترى أنّه ذكره في هذا الباب؟ وذلك أنّه منقول من أريت زيدا عمرا خير الناس، فإذا بنيته للمفعول أقمت المفعول الأوّل مقام الفاعل، فبقي المفعولان اللّذان كانا مفعولي ظننت، وخلت ونحوهما. [الصافات: 123] قال: قرأ ابن عامر وحده: وإن الياس [الصافّات/ 123] بغير همزة. وقرأ الباقون: بالهمز. [الصافات: 130] وقرأ نافع وابن عامر: سلام على آل ياسين [الصافات/ 130]. وقرأ الباقون: سلام على إلياسين مكسورة الألف ساكنة اللام «1».

_ (1) السبعة ص 548 - 549.

قول ابن عامر يحتمل وجهين: احدهما: أن يكون حذف الهمزة من الياس* حذفا كما حذفها ابن كثير من قوله: إنها لحدى الكبر [المدّثر/ 35]. ألا ترى أن ياء ليا* بمنزلة لإحدى والمنفصل قد ينزّل منزلة المتّصل في كثير من الأمر. والآخر: أن تكون الهمزة التي تصحب اللّام للتعريف كقوله: واليسع [الأنعام/ 86، ص/ 48]. وأمّا قول من أثبت الهمزة مكسورة فيقويه قول من قال: سلام على آل ياسين، فهذا يدلّ على أن الهمزة ثابتة في إلياس ثبوتها في قوله: وإن إدريس لمن المرسلين «1» [الصافّات/ 123] وفي بعض الحروف: سلام على إدراسين «2» [الصافّات/ 130] ويقوّي ثبات الهمزة في إلياس أنّ هذا ليس بموضع تحذف فيه الهمزة، إنّما هو موضع تجعل فيه بين بين في التخفيف، كما يخفّف: سئم، وبئس، وإذ قال إبراهيم [البقرة/ 260]. وأمّا قراءة نافع وابن عامر: سلام على آل ياسين فحجّتهما أنّهم زعموا أنّها في المصحف مفصولة من ياسين، ولو كانت الألف واللّام التي للتعريف لوصلت في الخط ولم تفصل، ففي فصل ذلك في الكتاب دلالة على آل* الذي تصغيره أهيل، وليس بلام التعريف التي تصحبها الهمزة الموصولة.

_ (1) هذه قراءة ابن مسعود ويحيى والأعمش والمنهال بن عمرو والحكم بن عتيبة (وان ادريس). انظر البحر المحيط 7/ 372، وانظر المحتسب 2/ 224. (2) قراءة أخرى في الآية (130) من سورة الصافّات، انظر المحتسب 2/ 224 - 225، والبحر المحيط 7/ 372.

وأمّا من قرأ سلام على إلياسين فهو جمع، معنى واحدة الإضافة بالياء. مثل: تميمي وبكري، والقول فيه أنّه لا يخلو من أن يراد بهذا الجمع الذي على حدّ: مسلم ومسلمون، وزيد وزيدون، أو الذي واحدة يراد به النسب، فمن البيّن أنّه لا يجوز أن يكون على حدّ: مسلم ومسلمون لأنّه ليس كلّ واحد منهم اسمه إلياس، وإنّما إلياس اسم نبيّهم، وإذا لم يكن على هذا علم أنّه على معنى إرادة النسب بالياء، إلّا أنّ الياءين حذفتا في جمع الاسم على التصحيح، كما حذف ياءً النسب والتكسير، وذلك نحو: المسامعة، والمهالبة، والمناذرة، فإنّما هذا على أن كلّ واحد منهم مسمعيّ ومهلّبي فحذف في التكسير الياءات كما حذف في التصحيح. ومما يدلّ على ذلك قولهم: فارسي وفرس، وليس الفرس جمع فارس، إنّما هو جمع فارسيّ، حذفت منه ياء النّسب ثم جمع الاسم بعد على حدّ: باذل، ولذلك جمع على حدّ الصّفة، وليس اسم الآحاد المجموعة فارس، ولكنّه فارسي، قال: طافت به الفرس حتى بذّ ناهضها «1» ومما يدلّ على أنّ جمع التصحيح على تقدير إرادة النصب به في المعنى وإن حذف الحرف في اللفظ قولهم: الأعجمون. ألا ترى أنّه ليس يخلو من أن يكون المجموع: أعجم أو أعجمي؟ فلا يجوز أن يكون المجموع بالياء والنون الأعجم، لأنّ هذا الضرب من الآحاد التي هي صفات لا تجمع بالواو والنون، كما أنّ مؤنثه لا يجمع بالألف

_ (1) هذا صدر بيت لابن مقبل عجزه: عمّ لقحن لقاحا غير مبتسر

والتاء، لا يقال في الأحمر الأحمرون، فإذا لم يجز ذلك علم أنّه إنّما جمع على الأعجمي، وإذا قامت الدلالة من هذا على أنّ المجموع لا يكون الأعجم علمت أنّه الأعجمي، وعلى هذا قالوا: النميرون والهبيرات، إنّما هو الهبريّات، ويدلّ أيضا على أنّ المراد بجمع التصحيح هو ما فيه ياء الإضافة، فحذفتا منه قولهم: مقتوون. ألا ترى أنّه لولا إرادة الياء التي للنسب لم يجمع هذا الجمع؟ ولاعتلّت الواو التي هي لام من: القتوة، وانقلبت كما انقلبت في نحو هذا ممّا جاء على مفعل فثبات الواو في هذا دلالة على أنّ إرادة الياء التي للإضافة كما كان الجمع في الأعجمين دلالة على إرادة النسب، فمن ثمّ جاز: الأعجمون، وجاز: مقتوون، والتكسير في هذا النحو كالتصحيح، وكذلك قوله: سلام على إلياسين [الصافّات/ 130] تقديره إرادة ياءي النسب، كما أنّ الأعجمون كذلك، والتقدير: إلياسيّين، فحذف كما حذف من سائر هذه الكلم التي يراد بها الصّفة، ومما يثبت ذلك قوله: وإن إدريس لمن المرسلين [الصافّات/ 123] سلام على إدراسين [الصافّات/ 130]، فكما جاء إدراسين، والمراد به إدراسين «1» كذلك المراد بإلياسين، فإن قلت: فكيف قال: إدراسين، وإنّما الواحد إدريس، والمجموع إدريسين في المعنى ليس بإدراس ولا إدراسيّ؟ فإن ذلك يجوز أن يكون كإبراهيم، وإبراهام، اختلاف لغة في الاسم، ومثل ذلك قوله: قدني من نصر الخبيبين قدي «2» وأراد عبد الله ومن كان على رأيه، وكذلك إدراسين من كان من

_ (1) كذا الأصل والأظهر أن تكون: (إدراسيين). (2) البيت لحميد الأرقط، سبق في 3/ 334، وانظر المحتسب 2/ 223.

الصافات: 126

شيعته وأهل دينه، والمعنى يدلّك على إرادة ياء النسب، وقال بعضهم: يجوز أن يكون إلياس وإلياسين كقوله: ميكال وميكائيل، وليس كذلك لأنّ ميكال وميكائيل لغتان في اسم واحد، وليس أحدهما مفردا والآخر جمعا كإدريس، وإدراسين وإلياسين، وزعموا أن إلياسين قراءة أهل البصرة والكوفة. [الصافات: 126] اختلفوا في النصب والرفع من قوله عزّ وجلّ: الله ربكم ورب آبائكم الأولين [الصافّات/ 126]. فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم الله ربكم ورب آبائكم نصبا. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: الله ربكم ورب آباؤكم رفعا «1». حجّة من قرأ: الله بالنصب أن يكون الكلام فيه من وجه واحد وهو يدلّ على معنى الرفع، والمعنى: لم تعبدون ما لا ينفع ولا يضر، وتذرون عبادة أحسن الخالقين. ومن رفع استأنف، وحسن الاستئناف لتمام الكلام الأوّل، والمعنى: الله ربكم وربّ آبائكم الأولين، أي: خالقكم ورازقكم فهو الذي تحقّ له العبادة دون من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عن أحد شيئا. [الصافات: 153، 152] قال: كلّهم قرأ: لكاذبون. أصطفى [الصافّات/ 152، 153] مهموزا. واختلف عن نافع فروى المسيبي وقالون وأبو بكر بن أبي

_ (1) السبعة ص 549.

أويس: لكاذبون أصطفى مهموز، وروى ابن جماز وإسماعيل عن نافع وأبي جعفر وشيبة لكاذبون اصطفى غير مهموز ولا ممدود ورأيت من أصحاب ورش من يرويه: لكاذبون اصطفى غير مهموز ممدود مثل رواية إسماعيل. أخبرني بذلك محمد بن عبد الرحيم الأصفهاني عن أصحابه عن ورش فإذا ابتدأت في قراءة نافع في رواية إسماعيل وابن جماز فبالكسر «1». الوجه الهمز على وجه التقريع لهم بذلك والتوبيخ، ويقوّي ذلك قوله: أم اتخذ مما يخلق بنات [الزخرف/ 16] وقوله: أم له البنات ولكم البنون [الطور/ 39] ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا [النجم/ 21، 22] فكما أنّ هذه المواضع كلّها استفهام كذلك قوله: أصطفى البنات وغير الاستفهام ليس باتجاه الاستفهام. ووجه ما روي عن نافع أنّه على وجه الخبر، كأنّه: اصطفى البنات فيما يقولون، كقوله: ذق إنك أنت العزيز الكريم [الدخان/ 49] أي عند نفسك وفيما كنت تقوله، وتذهب إليه ومثله قوله: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر [الحجر/ 6] أي فيما يقول هو ومن يتّبعه، ويجوز أن يكون المعنى: وإنّهم لكاذبون، قالوا اصطفى البنات، فحذف: قالوا، وقوله بعد: ما لكم كيف تحكمون [الصافّات/ 154] توبيخ لهم على قولهم الكذب. ويجوز أن يكون قوله: اصطفى البنات بدلا من قوله: ولد الله [الصافّات/ 152]، لأنّ ولادة البنات واتخاذهنّ اصطفاء لهنّ، فيصير اصطفى بدلا من المثال الماضي، كما أنّ قوله: يضاعف له العذاب [الفرقان/ 69]

_ (1) السبعة ص 549.

بدل من قوله: يلق أثاما [الفرقان/ 68]، ويجوز أن يكون اصطفى* في رواية من كسر الهمزة عن نافع: تفسيرا لكذبهم الذي نسب إليهم في قولهم، ولد الله وإنهم لكاذبون [الصافّات/ 152]، كما أن لهم مغفرة [المائدة/ 9] تفسير للوعد ويجوز أن يكون قوله: اصطفى متعلقا بالقول على أنه أريد حرف العطف فلم يذكر، واستغنى بما في الجملة الثانية من الاتصال بالأولى عن حرف العطف، كقوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] ونحو ذلك مما حذف حرف العطف فيه لالتباس الثانية بالأولى.

سورة صاد

بسم الله الرحمن الرحيم ذكر اختلافهم في سورة صاد [ص: 15] اختلفوا في ضمّ الفاء وفتحها من قوله عزّ وجلّ: من فواق [15]. فقرأ حمزة والكسائي من فواق بضم الفاء. وقرأ الباقون من فواق بفتح الفاء «1». أبو عبيدة: ما لها من فواق بفتح الفاء: ما لها من راحة ومن قال: فواق جعله فواق الناقة: ما بين الحلبتين، قال: وقال قوم: هما واحد وهو بمنزلة: جمام المكوك «2» وجمامه، وقصاص الشعر وقصاصه «3».

_ (1) السبعة ص 552. (2) كذا الأصل: المكوك بالكاف، وفي مجاز القرآن: المكّول باللام. والمكّوك كما في اللسان مكك: طاس يشرب فيه، أعلاه ضيق ووسطه واسع. وفي مادة/ مكل/: مكلت البئر: إذا اجتمع الماء في وسطها وكثر، وبئر مكول وجمّة مكول ... ومما تقدّم نعلم أن رواية المكول باللام هي الوجه. (3) مجاز القرآن 2/ 179.

ص: 29

وذكر محمد بن السّري أن أحمد بن يحيى قال: الفواق: الرجوع. قال: يقال: استفق ناقتك، قال: ويقال: فوق فصيله إذا سقاه ساعة بعد ساعة، قال: ويقال: ظلّ يتفوّق المحض، وقال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا صيحة واحدة ما لها من فواق قال: من رجوع، وأفاقت الناقة: إذا رجع اللّبن في ضرعها، وأفاق الرجل من المرض، منه. انتهت الحكاية عن ثعلب. قال أبو علي: ومن هذا الباب قول الأعشى: حتّى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت «1» فالفيقة من الواو، وإنّما انقلبت ياء للكسر، وكالكينة، والحينة: وهما من الكون والحون. [ص: 29] قرأ عاصم في رواية الكسائي وحسين عن أبي بكر لتدبروا [ص/ 29] بالتاء الخفيفة الدال، وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم: ليدبروا بالياء مشدّدة، وكذلك قال حفص عن عاصم بالياء، وقال أبو هشام: وكذلك سمعت أبا يوسف الأعشى يقرأ على أبي بكر لتدبروا بالتاء وقرأ الباقون بالياء «2». قال أبو علي: ما روي عن عاصم من قراءته لتدبروا أصله

_ (1) صدر بيت للأعشى عجزه: جاءت لترضع شقّ النّفس لو رضعا وهو يصف بقرة وحشية، انظر ديوانه/ 105، واللسان (فوق). (2) السبعة ص 553.

ص: 23

تتدبروا تتفعلوا من التدبّر، والنظر، فحذف التاء الثانية التي هي تاء التفعّل والباقية تاء المضارعة، والمعنى: لتتدبر أنت أيّها النّبيّ والمسلمون، ومن قال: ليدبروا آياته، أراد: ليتدبّر المسلمون، فيتقرّر عندهم صحّتها، وتسكن نفوسهم إلى العلم بها. [ص: 23] حفص عن عاصم: ولي نعجة [ص/ 23] مفتوحة الياء، الباقون وأبو بكر عن عاصم: ولي نعجة الياء ساكنة «1». قال أبو علي: إسكان الياء وتحريكها حسنان جميعا. [ص: 33] قال: قرأ ابن كثير وحده: بالسؤق والاعناق [ص/ 33]، بهمز الواو. وقال «2» البزّي بغير همز، قال البزي: وسمعت أبا الإخريط هنا يهمزها [ويهمز] سأقيها قال: وأنا لا أهمز شيئا من هذا، وقال علي بن نصر عن أبي عمرو: سمعت ابن كثير يقرأ: بالسئوق بواو بعد الهمزة، كذا قال لي عبيد الله بإسناده عن أبي عمرو، وكذا في أصله. قال: ورواية أبي عمرو عن ابن كثير هذه هي الصواب من قبل أن الواو انضمت فهمزت لانضمامها والأولى لا وجه لها «3». قال أبو علي: ساق وسوق مثل لابة ولوب وقارة وقور، وبدنة وبدن وخشبة وخشب، وأما الهمز في السوق فغيره أحسن وأكثر، وللهمز فيه وجه في القياس والسماع، فأمّا السّماع فإنّ أبا عثمان زعم أنّ أبا الحسن كان يقول: إنّ أبا حيّة النميري يهمز الواو التي قبلها

_ (1) السبعة ص 553. (2) السبعة: وقرأ. (3) السبعة ص 554. وما بين معقوفين منه.

ضمة وينشد: لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى «1» وعلى هذا يجوز همز: سؤق. فأمّا وجه القياس، فإنّ هذه الهمزة لمّا لم يكن بينها وبين الضمّة حاجز صارت كأنّها عليها، فهمزها كما يهمزها إذا تحركت بالضمّ، ومثل هذا قولهم: ... مقلات «2» ... لمّا لم يكن بين الكسرة والقاف حاجز صارت الكسرة كأنّها على القاف فجازت إمالة الألف من مقلات، كما جازت إمالتها في صفاف وقصاف وغلاب، وخباث، وكذلك مقلات صارت القاف كأنّها متحركة بالكسر، فبذلك جازت الإمالة فيها، كما صارت الضمّة في السوق، كأنّها على العين، فلذلك جاز إبدالها همزة، فأمّا ساق فلا وجه لهمزها، ويشبه أن يكون وجه الإشكال فيه أنّ لها جمعين قد جاز في كل واحد منهما الهمز جوازا حسنا، وهو أسؤق وسئوق، وجاز في السؤق أيضا، فظنّ أنّ الهمز لما جاز في كل واحد من جمع الكلمة ظنّ أنّها من أصلها. وأمّا ما رواه أبو عمرو عن ابن كثير: بالسئوق فجائز كثير، وذلك أنّ الواو إذا كانت عينا مضمومة جاز فيها الهمز، كما جاز في الفاء

_ (1) البيت لجرير، سبق في 1/ 239. (2) كلمة من بيت للعباس بن مرداس، وتمامه كما في الحماسة، شرح المرزوقي ص 1154: بغاث الطير أكثرها فراخا وأمّ الصّقر مقلات نزور

ص: 24

نحو: أجوه، وأقّتت ومن تمكّن الهمز في ذلك أنّهم همزوا: أدؤر، ثم قلبوا فقالوا: أادر، فلم يعيدوا الواو التي هي عين، وجعلوه بمنزلة: قائل، وقويئل. قال: وقرأ أبو عمرو في رواية عليّ بن نصر والخفّاف عنه: أنما فتناه [ص/ 24] يعني الملكين، يريد: صمدا له «1». وقرأ الباقون وجميع الرواة عن أبي عمرو: أنما فتناه مشدّدة النون «2». [ص: 24] روي عن أبي عمرو: وظن داود أنما فتناه يعني: الملكين، أي: علم داود أنّهما امتحناه، وفسّر أبو عبيدة وغيره الظن هنا بالعلم «3». [ص: 41] أبو عمارة عن حفص عن عاصم: بنصب [ص/ 41] بضم النون والصاد. هبيرة عن حفص بنصب مفتوحة. عاصم بضم النون، والمعروف عن حفص عن عاصم: بنصب مضمومة النون ساكنة الصاد. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بنصب بضم النون وتسكين الصاد «4».

_ (1) صمدا له: أي: قصداه بالخطاب. وهذا ليس من كلام ابن مجاهد. (2) السبعة ص 553. (3) في مجاز القرآن 2/ 181: «وظنّ داود» أي: أيقن. (4) السبعة ص 554.

ص: 46

أبو عبيدة: بنصب: أي بلاء وشر، وأنشد لبشر بن أبي خازم: تعنّاك نصب من أميمة منصب «1» وقال النابغة: كليني لهمّ يا أميمة ناصب «2» قال: وتقول العرب: أنصبني: أي عذبني، وبرح بي، وبعضهم يقول: نصبني، قال: والنّصب: إذا فتح أولها وأسكن ثانيها واحد أنصاب الحرم، وكلّ شيء نصبته وجعلته علما، ولأنصبنّك نصب العود، ويقال: نصب بعيره ليلته نصبا، قال أبو الحسن: النّصب الإعياء، لا يمسّنا فيها نصب، ولا أذى «3»، قال: وأرى: نصب، ونصب لغتين، مثل: البخل والبخل، في معنى الوجع. غيره: نصب ونصب واحد، وهو ما أصابه من مرض وإعياء، مثل: الحزن والحزن. [ص: 46] وقرأ نافع وحده: بخالصة ذكرى الدار [ص/ 46] مضافا.

_ (1) هذا صدر بيت لبشر بن أبي خازم عجزه: كذي الشوق لما يسله وسيذهب تعنّى: أتعب. النصب: الداء والبلاء. انظر ديوانه/ 7. (2) صدر بيت للنابغة عجزه: وليل أقاسيه بطيء الكواكب انظر ديوانه/ 54، والبيت من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني 1/ 268 و 3/ 19. (3) مأخوذة من قوله تعالى: لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب [فاطر/ 35].

وقرأ الباقون بخالصة منونة «1». قال أبو علي: من قال: بخالصة ذكرى الدار احتمل أمرين أحدهما: أن يكون بدلا من الخالصة تقديره: إنّا أخلصناهم بذكرى الدار، ويجوز أن يقدّر في قوله ذكرى* التنوين، فيكون الدار* في موضع نصب تقديره: بأن يذكروا الدار، أي يذكرون بالتأهب للآخرة، ويزهدون في الدنيا «2». ويجوز أن لا يقدر البدل، ولكن يكون: الخالصة مصدرا، فيكون مثل من دعاء الخير [فصّلت/ 49] فيكون المعنى: بخالصة تذكير الدار. ويقوّي هذا الوجه ما روي من قراءة الأعمش: بخالصتهم ذكرى الدار، فهذا يقوّي النّصب، ويقوّي ذلك أنّ من نصب خالصة أعملها في الدار، كأنّه: بأن أخلصوا تذكير الدار، فإذا نوّنت خالصة احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون المعنى: بأن خلصت لهم ذكرى الدار، فيكون ذكرى الدار في موضع رفع بأنّه فاعل. والآخر: أن يقدّر المصدر الذي هو خالصة: من الإخلاص، فحذفت الزيادة، كما حذفت من نحو: دلو الدالي «3» ونحوه، فيكون المعنى: بإخلاص ذكرى فيكون ذكرى* في موضع نصب كانتصاب الاسم في عمرك الله، والدار يجوز أن يعنى بها الدنيا، ويجوز أن يعنى بها الآخرة، فالذي يدلّ على أنّه يجوز أن

_ (1) السبعة ص 554. (2) في الأصل كلمة مطموسة وما أثبته ينسجم مع السياق ويؤيده كتب التفسير. (3) من رجز للعجّاج سبق في 2/ 254 و 3/ 150.

يراد بها الدنيا قوله عزّ وجل في الحكاية عن إبراهيم: واجعل لي لسان صدق في الآخرين [الشعراء/ 84] وقوله: وجعلنا لهم لسان صدق عليا [مريم/ 50] فاللّسان هو القول الحسن والثناء عليه، وليس اللّسان هنا الجارحة، يدلّ على ذلك ما أنشده أبو زيد: ندمت على لسان كان مني فليت بأنه في جوف عكم «1» فالكلام لا يكون على العضو، إنّما يكون على كلام يقوله مرّة، ويمسك عنه أخرى، وكذلك قول الآخر: إني أتاني لسان لا أسرّ به من علو لا كذب ولا سخر «2» وقوله: وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم [الصافّات/ 108، 109] وسلام على نوح في العالمين [الصافّات/ 79] وسلام على إلياسين [الصافّات/ 130] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] فالمعنى: أبقينا عليهم الثناء الجميل في الدنيا، فالدار في هذا التقدير ظرف، والقياس أن يتعدى الفعل والمصدر إليه بالحرف، ولكنّه على: ذهبت الشام عند سيبويه، و: كما عسل الطريق الثعلب «3» فأمّا جواز كون الدّار الآخرة في قوله: أخلصناهم بخالصة

_ (1) البيت للحطيئة، سبق في 2/ 175. (2) البيت لأعشى باهلة، انظر اللسان (لسن) وفيه أتتني بدل أتاني، وبها بدل به، ولا عجب بدل لا كذب. (3) بعض بيت لساعدة بن جؤية، سبق في 5/ 440.

ص: 48

ذكرى الدار مفعولا بها فيكون ذلك بإخلاصهم ذكر الدار، ويكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها، من حسابها كما قال: وهم من الساعة مشفقون [الأنبياء/ 49] وإنما أنت منذر من يخشاها [النازعات/ 45] وقال: يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه [الزمر/ 9] فالدّار على هذا مفعول بها، وليست كالوجه الآخر المتقدّم. فأما من أضاف فقال: بخالصة ذكر الدار فإنّ الخالصة تكون على ضروب: تكون للذكر، وغير الذكر، فإذا أضيف إلى ذكرى، اختصّت الخالصة بهذه الإضافة، فتكون الإضافة إلى المفعول به، كأنّه بإخلاصهم ذكرى الدار، أي: أخلصوا ذكرها، والخوف منها لله، ويكون على إضافة المصدر الذي هو الخالصة إلى الفاعل، تقديره: بأن أخلصت لهم ذكرى الدار، والدار على هذا يحتمل الوجهين اللذين تقدّما من كونها الآخرة والدنيا، فأمّا قوله: وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا [الأنعام/ 139] فيجوز في خالصة وجهان: أحدهما: أن يكون مصدرا كالعافية والعاقبة، والآخر: أن يكون وصفا، وكلا الوجهين يحتمل الآية، ويجوز أن يكون ما في بطون هذه الأنعام ذات خلوص، ويجوز أن يكون الصفة، وأنث على المعنى، لأنّه كثرة. والمراد به: الأجنّة، والمضامين، فيكون التأنيث على هذا. [ص: 48] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: واليسع [الصافّات/ 48] فقرأ حمزة والكسائي: والليسع بلامين، وقرأ الباقون: واليسع بلام واحدة «1».

_ (1) السبعة ص 554 - 555.

قال أبو علي: نرى أن الكسائي إنّما قال الليسع ليجعله اسما على صورة الصفات، فيحسن لذلك دخول لام المعرفة عليه. فيكون كالحارث والعباس والقاسم ونحو ذلك، ألا ترى أن فيعلا مثل ضيغم، وحيدر كثير في الصفات، وليس في الأسماء المنقولة التي في أوائلها زيادة المضارعة ما يدخل فيها الألف واللام مثل: يشكر، وتغلب، ويزيد، وتدمر، فكذلك ما أعرب من الأعجمي، لأنّه لا يدخله لام المعرفة، وليس يخرج بذلك على أن يكون حمل ما لا نظير له، ألا ترى أنّه ليس في الأسماء الأعجمية الأعلام مثل: الحارث والعباس؟ ووجه قراءة من قرأ: اليسع أن الألف واللام قد تدخلان الكلمة على وجه الزيادة، كما حكى أبو الحسن: الخمسة العشر درهما، وقد قال بعضهم: في إلياس* أنّه اسم علم. وقرأ ابن عامر: وإن إلياس لمن المرسلين [الصافّات/ 123]، فعلى هذا أيضا يكون اليسع، وقد أنشد أبو عثمان عن الأصمعي: ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر «1» وأنشدوا أيضا: يا ليت أمّ العمر كانت صاحبي مكان من أنشا على الركائب «2» وأنشد أبو عثمان:

_ (1) البيت غير منسوب لقائل، سبق في 3/ 348. (2) البيت غير منسوب لقائل، سبق في 3/ 348.

باعد أمّ العمر من أسيرها «1» وبنات أوبر: ضرب من الكمأة معرفة ينتصب الخبر عنه، كما أنّ ابن قترة، وابن بريح «2» كذلك، فأدخل في الاسم المعرفة الألف واللام، وهذا إنّما ينصرف إلى الزيادة، وعليها يتجه فكذلك تكون التي في اليسع، ولو قال قائل: إنّ هذا أوجه مما ترى أن الكسائي قصده من جعله إيّاه كالضيغم والحيدر، وليس هو كذلك، إنّما هو اسم علم أعجمي، كإدريس وإسماعيل ونحوهما، من الأعلام، ويشبه أن يكون الألف واللّام إنّما هو لخفّة في التعريب، ألا ترى أنّه ليس في هذه الأسماء العجميّة التي هي أعلام ما فيه الألف واللّام التي تكون للتعريف في الأسماء العربية، وقد قدّمنا القول في ذلك. وقرأ ابن كثير وحده: واذكر عبدنا إبراهيم [ص/ 45]، واحدا. وقرأ الباقون: عبادنا جماعة «3». وجه إفراده قوله: عبدنا* أنّه اختصّه بالإضافة على وجه التكرمة له، والاختصاص بالمنزلة الرفيعة، كما قيل في مكّة بيت الله، وكما اختصّ بالخلّة في قوله: واتخذ الله إبراهيم خليلا [النساء/ 125]. ومن قرأ: عبادنا فلأنّ غير إبراهيم من الأنبياء قد أجري عليه

_ (1) صدر بيت لأبي النجم العجلي وعجزه: حراس أبواب على قصورها سبق في 3/ 347. (2) ابن قترة: ضرب من الحيّات خبيث. انظر اللسان (قتر) وابن بريح وأم بريح: اسم للغراب معرفة. سمّي بذلك لصوته. انظر اللسان (برح). (3) السبعة 554.

ص: 53

هذا الوصف فجاء في عيسى إن هو إلا عبد أنعمنا عليه [الزخرف/ 59] وفي أيوب: نعم العبد [ص/ 44]، وفي نوح: إنه كان عبدا شكورا [الإسراء/ 3]. ومن قال: عبادنا، جعل ما بعده بدلا من العباد، ومن قال: عبدنا، جعل إبراهيم بدلا، وما بعده معطوفا على المفعول المذكور. [ص: 53] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: ما توعدون [ص/ 53] في الياء والتاء. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: هذا ما يوعدون بالياء هاهنا، وافترقا في سورة قاف [32]. فقرأ ابن كثير: بالياء، وقرأ أبو عمرو: بالتاء. وقرأ الباقون بالتاء في السورتين «1». التاء على: قل للمتّقين هذا ما توعدون، والياء وإن للمتقين لحسن مآب [ص/ 49]، هذا ما يوعدون [ص/ 53]، والتاء أعمّ لأنّه يصلح أن يدخل فيه الغيب من الأنبياء إذا اختلط الخطاب. فأمّا ما في سورة قاف، فنحو هذا: وأزلفت الجنة للمتقين [ق/ 31] هذا ما توعدون [ق/ 32] أيّها المتّقون على الرّجوع من الغيبة إلى الخطاب أو على: قل لهم هذا ما توعدون، والياء على إخبار النبيّ بما وعدوا، كأنّه هذا ما يوعدون أيّها النبيء. [ص: 57] اختلفوا في قوله: وغساق [ص/ 57] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: وغساق مشددا.

_ (1) السبعة ص 555.

ص: 58

وفي عمّ يتساءلون مثله «1». وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: وغساق بالتخفيف في الموضعين «2». أمّا الغسّاق: فلا يخلو من أن يكون اسما، أو وصفا، فيبعد أن يكون اسما، لأنّ الأسماء لم تجىء على هذا الوزن إلّا قليلا، وذلك الكلاء، والقذّاف، والجبّان. وقد ذكر في الكلّاء التأنيث، ولم نعلمهم حكوا ذلك فيما جاء من هذا الوزن من الأسماء، فإذا لم يكن اسما كان صفة، وإذا كان صفة فقد أقيم مقام الموصوف، وأن لا تقام الصفة مقام الموصوف أحسن. إلّا أن يكون صفة قد غلب نحو: العبد، والأبطح، والأبرق. والقراءة بالتخفيف أحسن من حيث كان فيه الخروج من الأمرين اللّذين وصفناهما في غسّاق بالتثقيل، وهما قلّة البناء، وإقامة الصفة مقام الموصوف. [ص: 58] قال: قرأ أبو عمرو وحده: وأخر من شكله أزواج [ص/ 58] جماعة. وقرأ الباقون وآخر واحدا، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا مؤمّل قال: حدّثنا حمّال بن سلمة، قال: سمعت ابن كثير يقرأ وأخر* مضمومة الألف. وحدّثنا ابن حيّان عن أبي هاشم عن سويد بن عمرو عن حماد بن سلمة عن ابن كثير: وأخر بالضمّ «3».

_ (1) أي قوله تعالى: إلا حميما وغساقا [النبأ/ 25]. (2) السبعة ص 555. (3) السبعة ص 555.

قال أبو علي: قوله: وآخر من شكله أزواج، روي عن ابن مسعود وقتادة أنّهما قالا: الزمهرير، فتفسيرهما يقوّي قراءة من قرأ: وآخر بالتوحيد، كأنّه: ويعذب به آخر، لأنّ الزّمهرير واحد، ويجوز على تفسيرهما الجمع، وأخر على أن يجعل أجناسا يزيد برد بعضه على بعض على حسب استحقاق المعذبين، ورتبهم في العذاب، فيكون ذلك كقولهم: جمالان، وتمران، ونحو ذلك من الجموع التي تجمع وتثنّى إذا اختلفت، وإن لم تختلف عندي. ويجوز الجمع على وجه آخر، وهو أن يجعل كلّ جزء منه وإن اختلف زمهريرا، فيجمع كما جمعوا في قولهم: شابت مفارقه، وبعير ذو عثانين «1»، ومغيربانات «2». ونحو ذلك، ويجوز أن يجعل أخر على الجمع لما تقدّم من قوله: حميم، وغساق، وزمهريرا الذي هو نهاية البرد بإزاء الجميع، فيجوز الجمع لما في الكلام من الدّلالة على جواز الجمع، فمن قرأ: وأخر* على الجمع كان أخر* مبتدأ وقوله: من شكله في موضع وصفه، ومعنى من شكله: قال أبو عبيدة: من ضربه، قال: ويقال: ما أنت من شكلي أي من ضربي «3». وأزواج خبر المبتدأ، لأنه جمع كالمبتدإ، وقد وصفت النكرة فحسن الابتداء بها. فإن قلت: فهلّا كان من شكلها لترجع إلى الآخر، وهلّا دلّ ذلك على أنّ آخر أجود من أخر قيل: يجوز أن يكون الضمير

_ (1) العثنون: شعيرات طوال تحت حنك البعير، يقال: بعير ذو عثانين، انظر اللسان (عثن). (2) المغيربانات: وقت غروب الشمس يقال: لقيته مغرب الشمس ومغيرباناتها، انظر اللسان (غرب). (3) مجاز القرآن 2/ 185.

المفرد تجعله راجعا إلى ما ذكر من المفرد صفة فتفرد، فيكون المعنى من شكل ما ذكرنا، ويجوز أن يعود إلى قوله: حميم فأفرد بذلك، والذكر الراجع إلى المبتدأ من وصفه الذكر المرفوع الذي في الظرف، ومن أفرد فقال: وآخر من شكله أزواج، فآخر يرتفع بالابتداء في قول سيبويه، وفيه ذكر مرفوع عنده، وبالظرف في قول أبي الحسن، ولا ذكر في الظرف لارتفاع الظاهر به، وإن لم تجعل آخر مبتدأ في هذا الوجه خاصة، وقلت لأنّه يكون ابتداء بالنكرة فلا أحمل على ذلك، ولكن لمّا قال: هذا فليذوقوه حميم وغساق [ص/ 57] دلّ هذا الكلام على أنّ لهم حميما وغسّاقا، فحمل المعطوف على المعنى، فجعل لهم المدلول عليه خبرا آخر، فهو قول، وكأنّ التقدير: لهم عذاب آخر من شكله أزواج، فيكون من شكله في موضع الصفة، ويكون ارتفاع أزواج به، وقول سيبويه وأبي الحسن: ولا يجوز أن يجعل قوله: من شكله أزواج في قول من قرأ وأخر على الجمع وصفا، وتضمر الخبر كما فعلت ذلك في قول من وحّد، لأنّ الصفة لا يرجع منها ذكر إلى الموصوف، ألا ترى أنّ أزواج إذا ارتفع بالظرف لم يجز أن يكون فيه ذكر مرفوع، والهاء التي للإفراد لا ترجع إلى الجمع في الوجه البين فتجعل الصفة بلا ذكر يعود منها إلى الموصوف، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون صفة. ومعنى أزواج: أشياء مقترنات، يبين ذلك قوله: يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم [الشورى/ 49، 50] أي يهب الإناث مفردة من الذكور، والذكور مفردة من الإناث، أو يقرن بين الإناث والذكور، للموهوبة له الأولاد، فيجمع له الذكر والأنثى في الهبة، وكذلك قوله: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا

يعبدون من دون الله [الصافّات/ 22] وقال: وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا [الفرقان/ 3]. وقيل: في قول من قرأ حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [الزخرف/ 38] إنّه الكافر، وقرينه، ومنه: وإذا النفوس زوجت [التكوير/ 7] أي جمع بينها وبين أشكالها، وقربت في الجنّة أو النار، فكذلك: وآخر من شكله أزواج أي قرن للمعذبين، وجمع لهم بين الحميم والغسّاق والزمهرير، وقرن بعض ذلك إلى بعض، وأمّا امتناع أخر من الصّرف في النكرة فللعدل والوصف، فمعنى ذلك العدل فيه، أن هذا النحو لا يوصف به إلّا بالألف واللّام نحو: الأصغر والأكبر، والصغرى والصّغر، والأصاغر، لا يستعمل شيء من ذلك إلّا بالألف واللّام، واستعملت آخر* بلا ألف ولام، فصار بذلك معدولة عن الألف واللازم، فإن قلت: فإذا كانت معدولة عن الألف واللام، فهلّا لم يجز أن يوصف بها النكرة؟ لأنّ المعدول عن الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللّام! ألا ترى أن سحر «1» لمّا كان معدولا عن الألف واللام كان بمنزلة ما ثبت فيه، وكذلك أمس*- في قول من لم يصرف، ولم يبن الاسم- معدول عن الألف واللام فصار بذلك بمنزلة ما ثبت فيه الألف واللّام، فالقول أن ما ذكرته في العدل في سحر وأمس كما ذكرت، وهكذا كان القياس في أخر أن لا يوصف بها النكرة، ولكنّ ذلك إنّما جاز لأنّك قد تجد العدل عمّا هو مقدّر في التقرير، وإن لم يخرج إلى اللّفظ، ألا ترى أنّهم

_ (1) هذا من قولهم «أتيتك سحر» تمنعه من الصرف لأنه بمنزلة المحلّى بالألف واللام، كأنك قلت: أتيتك في السحر.

ص: 63، 62

عدلوا جمع وكتع عن جمع غير مستعمل في اللّفظ، ولم يمنعهم أن لم يستعمل ذلك في اللّفظ من أن يوقعوا العدل عنه، فكذلك أخر* يقدّر فيه أنّه قد عدل عن الألف واللّام في المعنى والتقدير حملا على أخواتها، وإن لم يكن في اللّفظ ألف ولام عدل ذلك عنه، كما كان ذلك في جمع، فلمّا لم يكن ذلك خارجا إلى اللّفظ لم يمتنع أن يوصف به النكرة في نحو: فعدة من أيام أخر [البقرة/ 184، 185] ولم يجب، وإن لم يعتدّ بذلك في التعريف، ووصف النكرة بها أن لا يعتدّ به في العدل، لأنّ العدل قد صحّ عمّا لم يخرج إلى اللّفظ، فأمّا الاعتداد به في التعريف، فلم يجز من حيث جاز الاعتداد به في العدل، لأنك لا تجد الألف واللّام تعرّف في موضع مقدرة غير خارجة إلى اللّفظ، بل ذلك لا يعرّف، ألا تراهم قالوا في نحو قولهم: قد أمرّ بالرجل مثلك، أنّه في تقدير الألف واللّام وكذلك: في خير منك، ونحوه، ولم يتعرّف مع ذلك عند العرب كما وجدت العدل معتدّا به فيما لم يخرج إلى اللفظ، فصارت الألف واللام في أخر* في أنّه معتد به من وجه، وغير معتدّ به من آخر أعني أنّه معتدّ به في العدل ولم يعتدّ به في التعريف بمنزلة اللّام في: لا أبا لك، فإنّها معتد بها من وجه وغير معتد بها من وجه آخر. [ص: 63، 62] وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: من الأشرار اتخذناهم [ص/ 62، 63] موصولة. وقرأ الباقون: من الأشرار أتخذناهم بقطع الألف «1». قال أبو علي في إلحاق همزة الاستفهام: قوله: أتخذناهم

_ (1) السبعة ص 556.

سخريا [ص/ 63] بعض البعد، لأنّهم قد علموا أنّهم اتخذوهم سخريا، فكيف يستقيم أن يستفهم عن اتخاذهم سخريا وهم قد علموا ذلك؟ يدلّ على علمهم به أنّه أخبر عنهم بذلك. في قوله: فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [المؤمنون/ 110] فالجملة التي هي اتخذناهم صفة للنكرة. فأمّا قوله: حتى أنسوكم ذكري. فليس في أن هؤلاء الصالحين من عباد الله أنسوهم في الحقيقة ذكر الله سبحانه، ولكنّهم لمّا اتخذوهم سخريا فاشتغلوا بذلك عن الصّلاح والإخبات أسند الإنساء إلى صالحي عباد الله المظلومين، كما أسند الإضلال إلى الأصنام لمّا اشتغلوا بعبادتهنّ عن عبادة الله. فأمّا وجه قول من فتح الهمزة فقال: أتخذناهم سخريا فإنّه يكون على التقرير وعودلت بأم لأنّها على لفظ الاستفهام، كما عودلت الهمزة بأم في نحو قوله: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم [المنافقون/ 6]، وإن لم يكن استفهاما في المعنى، وكذلك قولهم: ما أبالي أزيد قام أم عمرو، فلمّا جرى على حرف الاستفهام جعل بمنزلته، كما جعل بمنزلته في قولهم: ما أبالي أزيدا ضربت أم عمرا، فإن قلت: فما الجملة المعادلة لقوله: أم زاغت عنهم الأبصار في قول من كسر الهمزة في قوله من اتخذناهم سخريا، فالقول فيه أنّ الجملة المعادلة لأم محذوفة، المعنى: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، وكذلك قوله: أم كان من الغائبين [النمل/ 20] لأنّ معنى: ما لي لا أرى الهدهد [النمل/ 20] أخبروني عن الهدهد، أحاضر هو أم كان من الغائبين، وهذا قول أبي الحسن، ويجوز عندي في قوله: قل تمتع بكفرك قليلا أنك من أصحاب النار أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما [الزمر/ 8، 9] أن تكون المعادلة لأم قد حذفت

تقديرها: أفأصحاب النار خير أم من هو قانت؟ ومن كان على هذه الصفة والصفات الأخر التي تتبع هذه، فهو من أصحاب الجنّة، فصار المعنى: أصحاب النار خير أم أصحاب الجنّة؟ وعلى هذا التبكيت، ومثل هذا في المعنى قوله: أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة [فصلت/ 40] ومن قرأ: أمن هو قانت [الزمر/ 9] بالتخفيف فيشبه أن يكون فعل ذلك لمّا لم يجد ما يعادل أم، ولم يحمل على الحذف كالآي الأول التي حملت على حذف الجملة المعادلة، والتقدير: أمن هو قانت، وكان بصفة كيت وكيت، كمن لا يفعل ذلك؟ ومثل ذلك في الحذف قوله: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون [آل عمران/ 113] والمعنى: وأمة على خلاف ذلك، ودلّ على المحذوف قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] فكما حذفت الجملة الأولى التي دخلت عليها الهمزة في الآي التي تقدّم ذكرها، كذلك حذفت الجملة الأولى التي دخلت عليها أم* وذلك قوله: أم من خلق السموات والأرض [النمل/ 60] خير أم ما تشركون [النمل/ 59]. قال: وأمال الراء أبو عمرو وابن عامر والكسائي من الأشرار، وقرأ نافع بإشمام الراء الأولى: الإضجاع، وكذلك حمزة يشمّ، وفتحها ابن كثير وعاصم «1». قال أبو علي: إمالة الراء التي قبل الألف من الأشرار حسنة في نحو من قرار [إبراهيم/ 26] ومن الأشرار [ص/ 62] ودار القرار [غافر/ 39] وذلك أنّ الرّاء المكسورة لما غلبت المستعلي في نحو

_ (1) السبعة ص 556.

ص: 63

طارد وغارم وصادر فجازت الإمالة مع المستعلي كان أن تكون في الراء أجدر، لأنّ الراء لا استعلاء فيها، وإنّما هي بمنزلة الياء واللّام، ومن ثمّ كان الألثغ بالرّاء ربّما جعلها ياء، وممّا غلبت فيه الرّاء المكسورة المستعلي قوله: عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرّباب سكوب «1» وأمّا من فتح فلم يمل فلأنّ الكثير لا يميل الألف مع الراء المكسورة، ولا مع غيرها. [ص: 63] قال: قرأ ابن عامر وأبو عمرو وابن كثير وعاصم: سخريا [ص/ 63] كسرا. المفضل عن عاصم: سخريا* بالضم. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: سخريا* ضم. حكي عن أبي عمرو قال: ما كان من قبل العبوديّة فسخريّ مضموم، وما كان من قبل السّخر فسخري مكسور السين، وقد تقدّم ذكر هذا الحرف قبل. [ص: 75] قال: حدّثني الصوفي عن روح عن محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكّة: بيدي استكبرت [ص/ 75] موصولة على الواجب «2»، حدّثني الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن شبل عن ابن كثير وأهل مكّة بيدي استكبرت، كأنّها موصولة، وهي على الاستفهام [يعني بقوله: وهي على الاستفهام أن] الهمزة مخفّفة بين

_ (1) البيت لهدبة بن خشرم، سبق في 1/ 404. (2) أي: على الخبر لا على الاستفهام.

بين، قال غير أحمد: المعروف عن ابن كثير أستكبرت بقطع الألف على التقرير «1». وجه قول من وصل الهمزة، وقال: بيدي استكبرت، أنّه لم يجعل أم المعادلة للهمزة، ولكن جاء باستكبرت على وجه الإخبار عنه بالاستكبار، وجاء بأم منقطعة كقوله: أم يقولون افتراه [الأحقاف/ 8] على وجه التقرير لذلك منهم، والتوبيخ لهم. ومن حجّة من وصل أنّه لو عادل أم بالهمزة لكان المعنى كأنّه يكون استكبرت: أم استكبرت، ألا ترى أنّ قوله: أم كنت من العالين [ص/ 75] استكبارا يدلّك على ذلك قوله: إن فرعون علا في الأرض [القصص/ 4] وفي موضع آخر: واستكبر هو وجنوده في الأرض [القصص/ 39]. ووجه قول من قطع الهمزة أن الاستكبار كأنّه أذهب في باب الطغيان من قوله: علا* فجاز معادلة أم، بالهمزة. وقال الشاعر: أنصب للمنيّة تعتريهم رجالي أم هم درج السّيول «2» فمن كان درجا للسيول كان نصبا للمنيّة، وقد عادلها بقوله: نصب للمنيّة.

_ (1) السبعة ص 556 - 557، وما بين معقوفين تفسير من كلام أبي على. (2) البيت لإبراهيم بن هرمة، والمعنى: يقول باكيا على قومه لكثرة من فقد منهم: أهم نصب للمنيّة تدور عليهم لا تتخطاهم أم هم درج السيول تذهب بهم وتجرفهم السيول، والنصب: ما نصب للعبادة ونحوها ممّا يلتزم ويدار حوله. ومعنى تعتريهم تتردّد عليهم وتغشاهم. انظر الكتاب 1/ 206 - 207، والخزانة 1/ 203، واللسان (درج).

ص: 84

[ص: 84] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: فالحق والحق أقول [ص/ 84]. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع وابن عامر والكسائي: فالحق والحق أقول بالفتح فيهما. وقرأ عاصم وحمزة: فالحق والحق بالفتح. المفضل عن عاصم: فالحق والحق، مثل أبي عمرو «1». قال أبو علي: من نصب الحق الأوّل كان منصوبا بفعل مضمر يدلّ انتصاب الحقّ عليه، وذلك الفعل هو ما ظهر في قوله: ويحق الله الحق بكلماته [يونس/ 82] وقوله: ليحق الحق ويبطل الباطل [الأنفال/ 8] وهذا هو الوجه. ويجوز أن ينصب على التشبيه بالقسم فيكون الناصب للحقّ ما ينصب القسم من نحو قوله: آلله لأفعلنّ، فيكون التقدير: آلحق لأملأن، فإن قلت: فقد اعترض بين القسم وجوابه قوله: والحق، أقول فإنّ اعتراض هذه الجملة التي هي: والحق أقول لا يمتنع أن يفصل بها بين القسم والمقسم عليه، لأنّ ذلك ممّا يؤكّد القصّة ويشدّدها، قال الشاعر: أراني ولا كفران لله أيّة لنفسي لقد طالبت غير منيل «2»

_ (1) السبعة ص 557. (2) انظر الدرر 1/ 127، والخصائص 1/ 337، وشرح المفضليات/ 806، وشرح أبيات المغني 6/ 225 واللسان (أوى) ولم ينسب لقائل. وفي البيت اعتراضان: أحدهما: «ولا كفران لله» والآخر «أيّة» أي أويت لنفسي أيّة، معناه رحمتها ورققت لها (انظر الخصائص 1/ 337)، وقال في الخصائص أيضا في الهامش: ذكر ابن هشام في المغني في مبحث

ص: 8

فاعترض بما ترى بين المفعول الأول والثاني. وقد يجوز أن يكون الحقّ الثاني الأول وكرّر على وجه التوكيد، فإذا حملته على هذا كان: لأملأن على إرادة القسم. قال سيبويه: سألته يعني الخليل عن: لأفعلنّ، إذا جاءت مبتدأة؟ فقال: هو على إرادة قسم، أو نيّة قسم. ومن رفع فقال: الحق والحق أقول كان الحقّ محتملا لوجهين: أحدهما: أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: أنا الحقّ، ويدلّ على ذلك قوله: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [الأنعام/ 62] فكما جاز وصفه سبحانه بالحقّ كذلك يجوز أن يكون خبرا في قوله: أنا الحقّ. والوجه الآخر: أن يكون الحقّ مبتدأ وخبره محذوف، وتقدير الخبر: منّي، فكأنّه قال: الحقّ منّي، كما قال: الحق من ربك فلا تكونن من الممترين [البقرة/ 147]. [ص: 8] قال: وقرأ ابن كثير: أءنزل عليه [ص/ 8] بلا مد «1». قوله بلا مدّ: يعني أنّه لا يدخل بين الهمزتين ألفا، ولكن يحقّق الأولى ويجعل الثانية بين بين، مثل: لؤم. وكذلك أبو عمرو في رواية أصحاب اليزيدي عنه غير مهموز «2»: أو نزل أو لقي، وقال ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي

_ الجملة الاعتراضية أن أبا علي لا يجيز الاعتراض بأكثر من جملة وأوّل هذا البيت، وابن جنّي على خلافه (الخصائص 1/ 337). وانظر مغني اللبيب ص 515 (ط. دار الفكر). (1) السبعة ص 552. (2) في السبعة: غير ممدود.

ص: 69

عمرو: او نزل آولقي، بهمزة مطوّلة. قوله: بهمزة مطوّلة يعني: أنّه يدخل بين همزة الاستفهام وبين الهمزة الأخرى المضمومة ألفا ثم يلين همزة آونزل ليمدّ الألف التي بينهما. وروى أبو قرّة عن نافع وخلف وابن سعدان عن المسيبي عن نافع آأنزل ممدود الألف وآألقي [القمر/ 25] «1» قال أبو علي: هذه الأقوال قد مضى ذكرها فيما تقدّم. [ص: 69] حفص عن عاصم: ما كان لي من علم [ص/ 69] منصوبة الياء «2».

_ (1) السبعة ص 552، وفي بعض النص اختلاف عمّا هنا وزيادة قوله: وروى عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: (آونزل) بهمزة مطوّلة. وذلك بعد قول اليزيدي. وزاد بعد قوله المسيبي عن نافع: وقال محمد بن إسحاق عن أبيه، والقاضي عن قالون عن نافع: استفهام بنبرة واحدة. وقرأ الباقون: (أو نزل) و (أؤلقي) بهمزتين. (2) السبعة ص 556.

سورة الزمر

ذكر اختلافهم في سورة الزمر [الزمر: 7] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: يرضهو لكم [7] موصولة بواو. وقرأ ابن عامر: يرضه لكم، من غير إشباع. وقرأ نافع مثله في رواية ورش ومحمد بن إسحاق عن أبيه عن نافع وقالون في رواية أحمد بن صالح وابن أبي مهران أخبرني عن الحلواني عن قالون. وكذلك قال يعقوب بن جعفر عن نافع. وقرأ نافع في رواية الكسائي عن إسماعيل وابن جمّاز روى أيضا عن نافع: يرضهو لكم، وكذلك قال خلف عن المسيبي، وقال ابن سعدان عن إسحاق عن نافع مشبع أيضا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: يرضه لكم بإسكان الهاء. وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: يرضه لكم يشمّ الضّمّ، وكذلك روى ابن اليتيم عن حفص عن عاصم يشمّ الضّمّ. وقال أبو عمارة عن حفص عن عاصم: يرضه لكم يشمّها الرفع مثل حمزة.

وقال حمزة عن الأعمش: يرضه لكم ساكنة الهاء وفي رواية سليم عنه مثل نافع: يضمّ من غير إشباع أيضا. وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الرحمن بن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو يشبع يرضهو لكم. وفي رواية أبي شعيب السّوسي وأبي عمر الدوري عن اليزيدي: يرضه لكم جزم الهاء مثل: يؤده* [آل عمران/ 75]، ونصله [النساء/ 115]. وقال أبو عبيدة «1» عن شجاع عن أبي عمرو يرضه لكم يشمّها الضّمّ، ولا يشبع، وكذلك قرأ أصحاب شجاع «2». قد ذكرنا وجه هذه الحروف فيما تقدّم «3». ووجه قول من قال: يرضهو لكم، فألحق الواو أنّ ما قبل الهاء متحرك، فصار للحركة بمنزلة ضربه، وهذا له، فكما أنّ هذا مشبع عند الجميع، كذلك يكون قوله: يرضهو لكم. ووجه قول من قال: يرضه فحرك الهاء ولم يلحق الواو أنّ الألف المحذوفة للجزم ليس يلزم حذفها، فإذا لم يلزم حذفها لأنّ الكلمة إذا نصبت أو رفعت عادت الألف فصارت الألف في حكم الثبات، وإذا ثبت الألف كان الأحسن أن لا تلحق الواو، كقوله: فألقى موسى عصاه [الشعراء/ 45] خذوه فغلوه [الحاقة/ 30] وذلك أنّ الهاء خفية، فلو ألحقتها الواو وقبلها ألف أشبه الجمع بين الساكنين. وأمّا من أسكن وقال: يرضه لكم فإنّ أبا الحسن يزعم أن

_ (1) في السبعة: أبو عبيد. (2) السبعة ص 560 - 561. (3) انظر مثلا 5/ 386، 387 والإحالات فيها.

الزمر: 9

ذلك لغة، وعلى هذا قوله: ومطواي مشتاقان له أرقان «1» فعلى هذه اللغة يحمل، ولا يحملها على إجراء الوصل مجرى الوقف. [الزمر: 9] قال: قرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي أمن هو قانت [الزمر/ 9] مشددة الميم. وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة أمن هو قانت خفيفة الميم. من قال: أم من هو قانت احتمل قراءته ضربين: أحدهما أن تكون الجملة التي عادلت أم قد حذفت، المعنى: أالجاحد الكافر بربه خير أم من هو قانت، ومن* موصولة، وليست باستفهام، المعنى: أالجاحد الكافر خير أم الذي هو قانت، ودلّ على الجملة المحذوفة المعادلة لأم ما جاء بعده من قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] ودلّ عليها أيضا ما قبل من قوله: قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار [الزمر/ 8] ومثل حذف هذه الجملة المعادلة لأم للدلالة عليها من الفحوى قوله: وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار؟ [ص/ 62، 63] فالمعنى: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، ومثله قوله: فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين [النحل/ 20] وقد تقدّم ذكر ذلك، فأمّا من خفّف وقال: أمن هو

_ (1) هذا عجز بيت ليعلى الأحول صدره: فظلت لدى البيت العتيق أخيله سبق في 1/ 134 و 203 و 205 و 2/ 278، 334، و 5/ 29.

الزمر: 18، 17

قانت فالمعنى: أمن هو قانت كمن هو بخلاف هذا الوصف؟ ولا وجه للنداء هاهنا، لأنّ هذا موضع معادلة فليس النداء مما يقع في هذا الموضع، إنما يقع في نحو هذا الموضع الجمل التي تكون إخبارا، وليس النداء كذلك، ويدلّ على المحذوف هنا قوله: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] لأنّ التسوية لا تكون بين شيئين وفي جملتين في الخبر، فالمعنى: أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا ليضلّ عن سبيله. وقال أبو الحسن في قراءة من قرأ: أمن هو قانت بالتخفيف، ذا ضعيف، لأنّ الاستفهام إنّما يبتدأ ما بعده ولا يحمل على ما قبل الاستفهام. وذا الكلام ليس قبله شيء يحمل عليه إلّا في المعنى. [الزمر: 18، 17] قال: قرأ أبو عمرو وحده: فبشر عبادي. الذين [الزمر/ 17، 18] بنصب الياء في رواية أبي عبد الرحمن بن اليزيدي عن أبيه، وقال عباس سألت أبا عمرو فقرأ: فبشر عبادي. الذين بنصب الياء، وقال عبيد عن أبي عمرو إن كانت رأس آية وقفت، وإن لم تكن رأس آية قلت: عبادي. الذين*، فقراءته القطع. القطعي عن عبيد عن شبل عن ابن كثير وأهل مكّة: فبشر عبادي. الذين بنصب الياء. وقرأت على قنبل عن النّبال عن أصحابه عن ابن كثير: عباد. الذين بكسر الدال من غير ياء. وقرأ الباقون: عباد. الذين بغير ياء «1».

_ (1) السبعة ص 561.

الزمر: 29

التسكين في الياء حسن، والتحريك فيها أيضا حسن. [الزمر: 29] قرأ ابن كثير وأبو عمرو: ورجلا سالما لرجل [الزمر/ 29] بألف. وقرأ الباقون: سلما، وروى أبان عن عاصم: سالما مثل أبي عمرو «1». قال أبو علي: حدثت عن الحسيني: قال: حدّثنا أحمد بن المفضل، قال: حدّثنا أسباط عن السّدي في قوله: ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون [الزمر/ 29] قال: هذا مثل لأوثانهم. وقال قتادة: ضرب الله مثلا ورجلا فيه شركاء متشاكسون، قال: هذا المشرك تنازعته الشياطين فقرنه بعضهم ببعض، ورجلا سلما لرجل، قال: هو المؤمن، أخلص الدعوة لله والعبادة، وقال أبو عبيدة: متشاكسون: مجازها من الرجل الشكس، وسالما وسلما لرجل أي: صلح «2». وزعموا أن أبا عمرو فسّر سالما: خالصا له، وأنشد غير أبي عبيدة: أكوي الأسرّين وأحسم النّسا خلقت شكسا للأعادي مشكسا من شاء من حرّ الجحيم استقبسا «3»

_ (1) السبعة ص 562. (2) مجاز القرآن 2/ 189. (3) سبق في 5/ 375 وجاءت روايته ثم: «شر» بدل «حر».

الزمر: 36

قوله: رجلا فيه شركاء، تقديره: في أتباعه أو في شيعته، ويقوي قراءة من قرأ: سالما لرجل قوله: فيه شركاء متشاكسون، فكما أنّ الشريك عبارة عن العين، وليس باسم حدث، كذلك الذي بإزائه ينبغي أن يكون فاعلا، ولا يكون اسم حدث، ومن قال: سلما لرجل أو سلما* فهما مصدران وليسا بوصفين: كحسن، وبطل ونقض «1»، ونضو، ولكنه مصدر لسلم سلما، وسلما، ونظيره في أنه على فعل وفعل: الشّبه والشبه، وقالوا: ربح ربحا وربحا، وكذلك سلم سلما وسلما وسلامة، حكى السلامة أحمد بن يحيى، والمعنى فيمن قال سلما ذا سلم، فيكون التقدير: ضرب الله مثلا رجلا له شركاء ورجلا ذا سلم، قال أبو الحسن: سلم من الاستسلام، وقال غيره: السّلم خلاف المحارب. قال أبو علي: ويدلّ على أنّ سلم وسلم مصدران قول الشاعر: أنائل إنّني سلم لأهلك فاقبلي سلمي «2» فهذا يدلّ على أنّه حدث مثل: اقبلي عذري، واقبلي قولي، ونحو ذلك ممّا يكون عبارة عن حدث. [الزمر: 36] قال: قرأ حمزة والكسائي: بكاف عباده [الزمر/ 36] جماعا. وقرأ الباقون بكاف عبده واحد «3».

_ (1) النقض: البعير الذي أنضاه السفر (اللسان نقض). (2) البيت لمسعدة بن البختري سبق في 4/ 159. (3) السبعة ص 562.

الزمر: 38

حجّة من قال عبده فأفرد قوله: ويخوفونك بالذين من دونه [الزمر/ 36]، فكأنّ المعنى: أليس الله بكافيك وهم يخوّفونك، ويقوّي الإفراد قوله: إنا كفيناك المستهزئين [الحجر/ 95]. ومن قال: بكاف عباده فالمعنى: أليس بكاف عباده الأنبياء قبل، كما كفى إبراهيم النّار، ونوحا الغرق، ويونس ما دفع إليه، وهو سبحانه كافيك كما كفى هؤلاء الرسل قبلك. [الزمر: 38] قال: وقرأ أبو عمرو وحده: كاشفات ضرة [الزمر/ 38] وممسكات رحمته [الزمر/ 38] منوّنا. وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم مثل أبي عمرو. والباقون: كاشفات ضره وممسكات رحمته مضاف «1» وجه النصب أنّه ممّا لم يقع، وما لم يقع من أسماء الفاعلين أو كان في الحال، فالوجه فيه النصب قال: يا عين بكي حنيفا رأس حيّهم الكاسرين القنا في عورة الدّبر «2» ووجه الجرّ أنّه لما حذف التنوين، وإن كان المعنى على إثباته عاقبت الإضافة التنوين، والمعنى على التنوين، وعلى هذا قوله عزّ وجلّ: غير محلي الصيد [المائدة/ 1] وقوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24] وقوله: عارض ممطرنا [الأحقاف/ 24] فأمّا قوله: وكلبهم باسط ذراعيه [الكهف/ 18]

_ (1) السبعة ص 562. (2) البيت لابن مقبل. انظر ديوانه/ 82، والكتاب 1/ 94، واللسان (دبر).

الزمر: 42

فأعمل ونصب به وإن كان ذلك فيما مضى، وأنت لا تقول: هذا ضارب زيدا أمس، فلأن المعنى على حكاية الحال الماضية، كما أنّ قوله: وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة [النحل/ 124] على تقرير حكاية الحال الآتية. [الزمر: 42] قال: قرأ حمزة والكسائي: قضي عليها الموت [الزمر/ 42] بضم القاف والياء مفتوحة والموت رفع. وقرأ الباقون: قضى بفتح القاف، الموت نصبا «1» حجّة بناء الفعل للفاعل قوله: ويرسل الأخرى [الزمر/ 42] فكما أنّ هذا الفعل مبني للفاعل، كذلك حكم الذي عطف عليه، ومن بنى الفعل للمفعول به فهو في المعنى مثل بقاء الفعل للفاعل، والأول أبين. [الزمر: 61] قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: بمفازاتهم [الزمر/ 61] جماعة. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: بمفازتهم واحد «2». حجّة الإفراد أن المفازة والفوز واحد، وإفراد المفازة كإفراد الفوز، ووجه الجمع أنّ المصادر قد تجمع إذا اختلفت أجناسها، ومثله في الجمع والإفراد: على مكانتكم [الأنعام/ 135] ومكاناتكم. [الزمر: 64] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: تأمروني أعبد [الزمر/ 64] فقرأ نافع وابن عامر: تأمروني أعبد خفيفة، غير أنّ نافعا فتح الياء ولم

_ (1) السبعة ص 562. (2) السبعة ص 563.

يفتحها ابن عامر. قال أبو عمرو عبد اللَّه بن أحمد بن ذكوان: وكذلك وجدتها في كتابي عن أيوب وفي حفظي تأمرونني بنونين، وقال هشام عن ابن عامر بنونين. غير أحمد: الصحيح عن ابن عامر تأمروني بنون واحدة خفيفة مثل نافع. وقرأ ابن كثير: تأمروني مشددة النون مفتوحة الياء، وقرأ الباقون: تأمروني أعبد ساكنة الياء «1». قال أبو علي: قوله: أفغير الله تأمروني أعبد غير فيه ينتصب على وجهين: أحدهما: أعبد غير اللَّه فيما تأمرونّي. والوجه الآخر أن ينتصب بتأمروني، والمعنى: أتأمروني بعبادة غير اللَّه، فلمّا حذف أن ارتفع أعبد فصار أن وصلتها في موضع نصب، ولا يجوز انتصاب غير بأعبد على هذا، لأنّه في تقدير الصلة، فلا يعمل فيما تقدّم عليه، والمعنى: أتأمروني بعبادة غير اللَّه؟! فموضع أعبد وأن المضمرة نصب على تقدير البدل من غير كأنّه: أبعبادة غير اللَّه تأمروني!؟ إلّا أنّ الجار حذف كما حذف من قوله: أمرتك الخير «2» وصار التقدير بعد الحذف: أغير اللَّه تأمروني عبادته، فأضمر المفعول الثاني للأمر، والمفعول الأول علامة المتكلم، وأن أعبد*

_ (1) السبعة ص 563. (2) سبق في 2/ 331، و 5/ 440.

بدل من غير*، ومثل هذا في البدل قوله: وما أنسانية إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] أي ما أنساني ذكره إلّا الشيطان. ومثله في حذف حرف الجر منه افعل ما تؤمر [الصافّات/ 102] التقدير: ما تؤمر به فحذف الجار، فوصل الفعل إلى الضمير، فصار تؤمره، ثم حذفت الهاء من الصلة كما حذفت من قوله: وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] أي اصطفاهم، والدّليل على أنّ المحذوفة من اللّفظ مرادة في المعنى: أنّ أبا عمر حكى عن ابن قطرب عن أبيه أنّه سمع من ينشد: ألا أيّها ذا الزّاجري أحضر الوغى «1» بالنصب. فأمّا تأمروني، فالقياس: تأمرونني، وتدغم فيصير: تأمرونّي، فجاز الإدغام، وإسكان النون المدغمة لأنّ قلبها حرف لين، وهو الواو في تأمرونّي، فمن خفّف النون وقال تأمروني فإنّه ينبغي أن يكون حذف النون الثانية المصاحبة لعلامة المنصوب المتكلّم، لأنّها قد حذفت في مواضع، نحو: فليتني وإنّي، وكأنّي، وقدي، في نحو قوله: قدني من نصر الخبيبين قدي «2» وإنما قدر من المحذوف الثانية لأن التكرير والتثقيل به وقع،

_ (1) صدر بيت لطرفة بن العبد عجزه: وأن أشهد اللذّات هل أنت مخلدي؟ انظر ديوانه/ 31، والبيت من شواهد أبيات المغني 6/ 181 فانظره هناك. (2) سبق في 3/ 334.

الزمر: 73، 71

ولأن حذف الأولى لحن لأنها دلالة الرفع، وعلى ذلك يحمل قول الشاعر: لا أباك تخوّفيني «1» ولو فتح فاتح النون لكان قد حذف المفعول الأوّل وهو يريده، فإذا كسر فقال تأمروني حذف النون المصاحبة للضمير. وفتح الياء من تأمروني وإسكانها جميعا سائغ حسن. [الزمر: 73، 71] وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو: فتحت* [الزمر/ 71] وفتحت* [الزمر/ 73] مشدّدتين. وعاصم وحمزة والكسائي: يخفّفون «2». حجّة التشديد: قوله: جنات عدن مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] والاتفاق عليه وهذا التشديد يختصّ بالكثرة، ووجه التّخفيف: أنّ التخفيف يصلح للقليل والكثير.

_ (1) قطعة من بيت تمامه: أبا لموت الذي لا بدّ أنّي ملاق لا أباك تخوّفيني سبق في 3/ 334. (2) السبعة ص 564.

سورة المؤمن

ذكر اختلافهم في سورة المؤمن [غافر: 1] اختلفوا في الحاء من حاميم [1]. فقرأ ابن كثير، بفتح الحاء. واختلف عن أبي عمرو فأخبرني أحمد بن زهير عن القصبيّ عن عبد الوارث عن أبي عمرو أنه قرأ حم* جزما مفتوحة الحاء قليلا، وكذلك أخبرني ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو حم الحاء بين الكسر والفتح، وأخبرني الجمال عن أحمد بن يزيد عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أبي عمرو مثله، وأخبرني الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء، وقال عباس بن الفضل، وهارون الأعور عن أبي عمرو: حم* جزم لم يذكرا غير ذلك. وأخبرني محمد بن يحيى عن محمد عن اليزيدي عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء. وقال ابن رومي عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء. حدّثنا إبراهيم بن علي العمري قال: حدّثنا عبد الغفّار عن عباس عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء شكلا لا ترجمة. واختلف عن نافع فأخبرني محمد بن الفرج عن محمد بن

غافر: 20

إسحاق [المسيبي] عن أبيه عن نافع: حم بفتح الحاء. وكذلك قال محمد بن سعدان عن إسحاق عن نافع. وأخبرني الأشناني «1» عن أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع حم لا مفتوحة ولا مكسورة وسطا بين ذلك. وقال خارجة ومصعب عن نافع حم بفتح غير مشبع، ذكره عن خارجة محمد بن أبان البلخي. واختلف عن عاصم أيضا، فقال الكسائي عن أبي بكر عن عاصم أنّه لم يكسر من الهجاء شيئا إلّا طه* [طه/ 1] وحدها. وكان يفتح حم ويفخمها، وقال محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنّه كان يكسر الحاء من حاميم، وأخبرنا النرسي وأبو بكر قال: حدّثنا خلاد عن حسين عن أبي بكر عن عاصم أنّه كان يكسر الحاء من حم* وقال حفص عن عاصم أنّه قرأ حم مفخّمة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي حم* بكسر الحاء «2». قال أبو علي: قد بيّنا وجوه هذه الأقوال فيما تقدّم. [غافر: 20] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: والذين يدعون من دونه [المؤمن/ 20] فقرأ نافع وابن عامر والذين تدعون* بالتاء. وقرأ الباقون: يدعون بالياء وكلّهم فتح الياء.

_ (1) الأشناني هو الحسن بن علي بن مالك روى القراءة عن أحمد بن صالح وسمع منه كتابه في قراءة نافع، توفي سنة 278 هـ. انظر طبقات القراء 1/ 225. (2) السبعة ص 566 - 567.

غافر: 15

ووجه الياء من قوله: والذين يدعون أي يدعو الكفّار من آلهتهم من دون اللَّه تعالى. والتاء على: قل لهم: والذين تدعون. قال: وكلّهم فتح الياء، أي لم يضمّها أحد منهم، فيقولوا، والذين يدعون من دونه، ولو قرئ ذلك لكان المعنى في يدعون: يسمّون، وذلك كقولهم: ما تدعون كذا فيكم؟ أي ما تسمّون؟ فكأنّ المعنى: والذين يسمّون آلهة لا يقضون بشيء. قال: أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا «1» أدعو: أي كنت أسمّي. [غافر: 15] قال: واختلفوا في إثبات الياء وحذفها من قوله: يوم التلاق [المؤمن/ 15] والتنادي [المؤمن/ 32]. فقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون وأبي بكر بن أبي أويس عن نافع: التلاقي يثبت الياء في الوصل وكذلك قال ورش وقالون: يوم التنادي بياء، وقال عن أبي بكر بن أبي أويس بغير ياء في وصل ولا وقف التناد، وقال إبراهيم القورسي عن أبي بكر بن أبي أويس عن نافع: بغير ياء التلاق، وقال أبو قرة عن نافع: التنادي بمدّ الياء.

_ (1) البيت لابن أحمر في شعره ص 49، وانظر اللسان (هوى) والخصائص 2/ 148، وفيه: مشقص بدل مشقصا. والمعنى: أهوى: هوى وانقض عليها وسقط، المشقص: السهم العريض، والحشر: اللطيف الدقيق، وشبرقها: مزقها، يريد: أن عينه أصابها سهم ففقأها، وكان من قبل مشفقا عليها حريصا على ألّا ينالها شيء حتى إن الإثمد القرد كان يراه قذى لها، والقرد: المتلبّد الذي يلزم بعضه بعضا.

ابن كثير: يوم التنادي، والتلاقي، يثبت الياء وصل أو وقف، وكذلك: من واق [الرعد/ 34] ومن هاد [الرعد/ 33] يصلون بالتنوين، ويقفون بالياء. وقال ابن جماز وإسماعيل والمسيبي وأبو خليد بغير ياء في وصل ولا وقف، التلاق، والتناد. وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: التلاق والتناد بغير ياء. وعباس عن أبي عمرو: ويوم التنادي يثبت الياء «1». قال أبو علي: المعنى أي: أخاف عليكم عذاب يوم التلاقي، وعذاب يوم التنادي، فإذا كان كذلك كان انتصاب يوم انتصاب المفعول به لا انتصاب الظرف لأنّ إعرابه إعراب المضاف المحذوف، وقيل في يوم التناد أنّه يوم ينادي أهل الجنّة أهل النار، وأهل النّار أهل الجنّة، فينادي أهل الجنّة أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا [الأعراف/ 44] وينادي أهل النّار أهل الجنّة: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله [الأعراف/ 50] وقد قرئ يوم التناد بالتشديد من ندّ البعير إذا فرّ هاربا على وجهه، ويدلّ على هذا قوله: يوم يفر المرء من أخيه [عبس/ 34] وقد يجوز إذا أراد هذا المعنى في الشعر أن يخفّف ويطلق كقول عمران: قد كنت جارك حولا لا تروّعني فيه روائع من إنس ولا جان «2» وقد تكون الفواصل كالقوافي في أشياء، وقد قيل في يوم

_ (1) السبعة ص 568. (2) البيت لعمران بن حطّان. سبق انظر 4/ 336 و 5/ 454

غافر: 6

التلاقي، أنّه يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض، ويوم يلتقي فيه الظالم والمظلوم، فأمّا إثبات الياء وحذفها، فإنّه إذا كان فاصلة حسن الحذف كما حسن في القافية من نحو: وبعض القوم يخلق، ثمّ لا يفر «1» في الوصل والوقف. وما كان كلاما تامّا، ولم يكن فاصلة، فإنّه يشبّه بها، وكذلك إذا كان ما قبلها كسرة، والآخر ياء، والإثبات حسن كما كان الحذف كذلك، وكذلك هو في القوافي. فأمّا اسم الفاعل إذا لم يكن فيه ألف ولام نحو: من هاد [الرعد/ 33] ومن واق [الرعد/ 34] فإذا وقفت على شيء من هذا منه أسكنته، والوقوف فيه على الياء لغة حكاها سيبويه، وقد ذكرناها وذكرنا وجهها فيما تقدّم. [غافر: 6] قال قرأ نافع وابن عامر: حقت كلمات ربك [غافر/ 6] جماعة. وقرأ الباقون: كلمة واحدة «2». قال أبو علي: الكلمة تقع مفردة على الكثرة، فإذا كان كذلك استغني فيها عن الجمع كما تقول: غمّني قيامكم وقعودكم، وقال: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14] وقال: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان/ 19] وأفرد الصوت، مع الإضافة إلى الكثرة، وكذلك الكلمة. وقد قالوا: قسّ في كلمته، يريدون في خطبته، ومن جمع فلأنّ

_ (1) من بيت لزهير تقدم ذكره في 1/ 405 و 2/ 83. (2) السبعة ص 567.

غافر: 21

هذه الأشياء، وإن كانت تدلّ على الكثرة قد تجمع إذا اختلفت أجناسه، قال: وصدقت بكلمات ربها [التحريم/ 12] وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة/ 124] فالكلمات في قوله: وصدقت بكلمات ربها واللَّه أعلم، يراد بها: شرائعه، لأنّ كتبه قد ذكرت. [غافر: 21] وقرأ ابن عامر وحده: كانوا هم أشد منكم قوة [غافر/ 21] بالكاف وكذلك في مصاحفهم. وقرأ الباقون: أشد منهم، وكذلك في مصاحفهم «1». من قرأ: أشد منهم قوة فأتى بلفظ الغيبة فلأنّ ما قبله من قوله: أولم يسيروا فى الارض فينظروا [غافر/ 21] من قبلهم، على لفظ الغيبة، فكذلك يكون قوله: كانوا هم أشد منهم قوة على الغيبة، ليكون موافقا لما قبله من ألفاظ الغيبة. فهذا البين. وأمّا من قال: كانوا هم أشد منكم بعد ما ذكرناه من ألفاظ الغيبة فعلى الانصراف من الغيبة إلى الخطاب، كقولك: إياك نعبد [الفاتحة/ 4] بعد قوله: الحمد لله [الفاتحة/ 1] وحسن الخطاب هنا، لأنّه خطاب فيما أرى لأهل مكّة، فحسن الخطاب بحضورهم، فجعل الخطاب على لفظ الحاضر المخاطب، وهذه الآية في المعنى مثل قوله: مكناهم في الأرض ما لم نمكن [الأنعام/ 6] ومثل قوله: أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها [الروم/ 9].

_ (1) السبعة ص 569.

غافر: 26

وهذه كلّها على لفظ الغيبة ففيها ترجيح لمن قرأ هذه التي في المؤمن «1» على لفظ الغيبة دون الخطاب. وعباس عن أبي عمرو: أمري إلى الله [غافر/ 44] ساكنة الياء، وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو بفتح الياء «2». وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وأن يظهر [غافر/ 26] بغير ألف. [غافر: 26] وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أو أن [غافر/ 26] بألف قبل الواو «3». قوله بألف يريد به: الهمزة التي في أو. قال أبو علي: من قرأ أو أن يظهر، فالمعنى: أخاف هذا الضرب منه، كما تقول: كل خبزا أو تمرا، أي: هذا الضرب، ومن قال: وأن يظهر فالمعنى: إنّي أخاف هذين الأمرين منه «4» ومن قال: أو أن يظهر في الأرض، فالأمران يخافان منه، كما أنّه إذا قال: أكلت خبزا أو تمرا، أو أكلت خبزا وتمرا جاز أن يكون قد أكلهما جميعا، كأنّه قال في أو: أكلت هذا الضرب من الطعام. [غافر: 26] اختلفوا في قوله عزّ وجل: يظهر [غافر/ 26] وفي رفع الفساد [غافر/ 26] ونصبه. فقرأ نافع وأبو عمرو: ويظهر بضم الياء في الأرض الفساد نصبا.

_ (1) هي سورة غافر. (2) السبعة ص 571. (3) السبعة ص 569. (4) في هذه الفقرة اضطراب من قوله: ومن قال: ... إلى نهايتها، وحذفها لا يخل بالكلام

غافر: 28

وقرأ ابن كثير وابن عامر: يظهر* منصوبة الياء في الأرض الفساد رفعا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: أو أن يظهر في الأرض الفساد رفعا. حفص عن عاصم أو أن يظهر برفع الياء في الأرض الفساد نصبا «1». حجّة من قال يظهر أنّه أشبه بما قبله، لأنّ قبله: يبدل [غافر/ 26] فأسند الفعل إلى موسى، وهم كانوا في ذكره، فكذلك وأن يظهر في الأرض الفساد ليكون مثل يبدل، فيكون الكلام من وجه واحد، ومن قال: وأن يظهر فإنّه أراد أنّه إذا بدّل الدين ظهر الفساد بالتبديل، أو يكون أراد: أو يظهر في الأرض الفساد بمكان. قال: حدّثني الخزاز قال حدّثنا محمد بن يحيى القطعي عن عبيد [غافر: 28] عن أبي عمرو: وقال رجل مؤمن [غافر/ 28] ساكنة الجيم. وقرأ الباقون: رجل «2». رجل ورجل وسبع وسبع، وعضد التحقيق على هذا النحو مستمر كثير. [غافر: 27] اختلفوا في إدغام الذّال من عذت [غافر/ 27] فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر عذت مبيّنة الذال، وفي الدخان [آية/ 20] مثله.

_ (1) السبعة ص 569. (2) السبعة ص 570.

غافر: 35

قال محمد بن إسحاق عن أبيه، وقال القاضي عن قالون، وأبو بكر بن أبي أويس وورش عن نافع كذلك: عذت غير مدغمة. وقال ابن جمّاز وإسماعيل عن نافع عذت مدغمة. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي مدغما «1». الإدغام حسن لتقارب هذه الحروف، وأنّها كلّها من اللّسان وأصول الثنايا، والبيان حسن لاختلاف حيز هذه الحروف، ألا ترى أنّ الذّال ليست من حيز التاء، وإنّما الذال والتاء والظاء من [حيز] «2» والدال والطاء من حيز؟ فحسن البيان لذلك. قال سيبويه: حدّثنا من نثق به أنّه سمع من يقول: أخذت فيبين. [غافر: 35] قال: قرأ أبو عمرو وحده: على كل قلب متكبر [غافر/ 35] ينوّن قلب. وقرأ الباقون: على كل قلب متكبر مضاف «3». وجه قول أبي عمرو أنّه جعل التكبّر صفة للقلب، وإذا وصف القلب بالتكبّر كان صاحبه في المعنى متكبّرا، وكأنّه أضاف التكبّر إلى القلب كما أضاف الصّعر إلى الخدّ، في قوله: ولا تصعر خدك للناس [لقمان/ 18] فكما يكون بتصعّر الخدّ متكبرا، كذلك يكون التكبّر في القلب متكبر الجملة. وممّا يقوّي ذلك أنّ الكبر قد أضيف إلى القلب في قوله: إن في صدورهم إلا كبر [غافر/ 56] فالكبر في

_ (1) السبعة ص 570. (2) هنا فراغ في الأصل والأرجح أن تكون كلمة حيز كما أثبتناها. (3) السبعة ص 570.

القلب، كالصغر في الخدّ، والثني في الجيد في قوله: « .. ثاني الجيد «1»». وكذلك كإضافة الخضوع إلى أعناق فيمن جعل الأعناق جمع عنق الذي هو العضو. فكما أنّ هذه الأمور إذا أضيفت إلى هذه الأعضاء، ووصفت بها، كان الوصف شاملا لجملة الشخص، كذلك التكبّر إذا أضيف إلى القلب يكون صاحبه به متكبّرا. وكذلك إضافة الكتابة إلى اليد في قوله: فويل لهم مما كتبت أيديهم [البقرة/ 79] فأمّا من أضاف فقال: على كل قلب متكبر، فلا يخلو من أن يقدّر الكلام على ظاهره، أو يقدّر فيه حذفا، فإن تركه على ظاهره كان المعنى: يطبع على كلّ قلب متكبّر، أي: يطبع على جملة القلب من المتكبّر، وليس المراد أنّه يطبع على كلّ قلبه فيعمّ الجميع بالطبع، إنّما المعنى أنّه يطبع على القلوب إذا كانت قلبا قلبا، والطبع علامة في جملة القلب، كالختم عليه، فإذا كان الحمل على الظاهر غير مستقيم علمت أنّ الكلام ليس على ظاهره، وأنّه قد حذف منه شيء، وذلك المحذوف إذا أظهرته كذلك، يطبع اللَّه على كلّ قلب، كلّ متكبّر، فيكون المعنى: يطبع على القلوب إذا كانت قلبا قلبا، من كلّ متكبّر، ويختم عليه، ويؤكّد ذلك أنّ في حرف ابن مسعود فيما زعموا: على قلب كل متكبر، وإظهار كل* في حرفه يدلّ على أنّه في حرف العامّة أيضا مراد وحسن كل* لتقدّم ذكرها، كما جاء ذلك في قوله:

_ (1) قطعة من بيت للشماخ، وتمامه: نبّئت أن ربيعا أن رعى إبلا يهدي إلي خناه ثاني الجيد ديوانه 115 والكامل (ت. الدالي) ص 16، والاقتضاب 418، ومجاز القرآن 2/ 46

غافر: 37

أكلّ امرئ تحسبين امرأ ونار توقّد بالليل نارا «1» وفي قولهم: ما كلّ سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة «2». فحذف كل* لتقدّم ذكرها وكذلك في الآية. [غافر: 37] قال: قرأ عاصم في رواية حفص: فأطلع [غافر/ 37] نصبا. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم فأطلع* رفعا «3». من رفع فقال: لعلّي أبلغ فأطلع كان المعنى: لعلّي أبلغ ولعلّي أطلع، ومثل هذه القراءة قوله: لعله يزكى أو يذكر [عبس/ 3، 4] أي لعلّه يتزكّى، ولعلّه يتذكّر. وليس بجواب، ولكن المعنى أبلغ فأطلع. ومن نصب جعله جوابا بالفاء لكلام غير موجب، كالأمر، والنهي، ونحوهما ممّا لا يكون إيجابا، والمعنى: إنّني إذا بلغت اطّلعت، ومثله: ألا تقع الماء فتسبح، أي ألّا تقع، وألا تسبح، وإذا نصب كان المعنى: إنّك إذا وقعت سبحت. [غافر: 37] قرأ عاصم وحمزة والكسائي: وصد عن السبيل [غافر/ 37] بضمّ الصاد. وقرأ الباقون: وصد* بفتح الصاد «4». من قرأ: وصد عن السبيل بضمّ الصّاد فلأنّ ما قبله فعل مبني

_ (1) البيت لأبي داود، انظر ديوانه/ 353، والكتاب 1/ 33، وشرح أبيات المغني للبغدادي 5/ 190، والمحتسب 1/ 281. (2) انظر مجمع الأمثال للميداني 2/ 282. والمعنى: يعني وإن أشبه الولد أباه خلقا لم يشبهه خلقا. (3) السبعة ص 571. (4) السبعة ص 570.

غافر: 46

للمفعول، فجعل ما عطف عليه مثله، والذي قبله: وكذلك زين لفرعون سوء عمله [غافر/ 37]. ومن قال: وصدّ فبنى الفعل للفاعل، فلأنّ فرعون قد تقدّم ذكره، وهو الصاد عن السبيل، ومن صدّه عن السبيل المستقيم والإيمان، وعيده من آمن على إيمانهم في قوله: لأقطعن أيديكم وأرجلكم [الأعراف/ 124، الشعراء/ 49] ونحو ذلك ممّا أوعدهموه لإيمانهم، والمزيّن له سوء عمله، والصادّ له هم طغاة أصحابه والشيطان. كما بيّن ذلك في الآية الأخرى في قوله: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم [النمل/ 24] وممّا يقوّي بناء الفعل للفاعل: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [محمد/ 1] وإن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله [الحج/ 25] هم الذين كفروا وصدوكم [الفتح/ 25] وكذلك وصد عن السبيل ينبغي أن يكون الفعل مبنيا منه للفاعل مثل الآي الأخر. قال: وصدّ عن السبيل، وصدّ عن الدين وقال: رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا [النساء/ 61] فيجوز أن يكون يصدّون هم عنك ويجوز أن يكون يصدّون المسلمين عن متابعتك والإيمان بك فصدّ وصددته، مثل رجع ورجعته، ونحوه. [غافر: 46] قال: وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو الساعة ادخلوا [غافر/ 46] موصولة. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: أدخلوا بفتح الألف وكسر الخاء «1».

_ (1) السبعة ص 572.

غافر: 40

قال أبو علي: القول: مراد في الوجهين جميعا، كأنّه يقال: أدخلوهم «1» ويقال: ادخلوا، فمن قال: أدخلوا كان آل فرعون مفعولا بهم، وأشد العذاب مفعول ثان، والتقدير إرادة حرف الجر ثم حذف، كما أنّك إذا قلت دخل زيد الدار كان معناه: في الدار. كما أن خلافه الذي هو خرج كذلك في التعدّي. وكذلك قوله: لتدخلن المسجد الحرام [الفتح/ 27]. ومن قال: ادخلوا آل فرعون [غافر/ 46] كان انتصاب آل فرعون على النداء، ومعنى أشد العذاب، أنّه في موضع: مفعول به، وهو في الاختصاص مثل المسجد الحرام، وحذف الجار فانتصب انتصاب المفعول به، وحجّة من قال: ادخلوا* قوله: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون [الزخرف/ 70] وادخلوها بسلام آمنين [الحجر/ 46] ادخلوا أبواب جهنم [غافر/ 76] وهذا النحو كثير. وحجّة من قال: أدخلوا أنّهم أمر بهم فأدخلوا. [غافر: 40] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها [غافر/ 40] بضم الياء. وقرأ عاصم في رواية أبي هشام عن يحيى وابن عطارد عن أبي بكر عن عاصم: يدخلون* بضمّ الياء، وفي رواية خلف وأحمد بن عمر الوكيعي عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: يدخلون بفتح الياء. حفص عن عاصم يفتح الياء: يدخلون وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي: يدخلون بفتح الياء.

_ (1) في الأصل كتب الناسخ تحت كلمة (أدخلوهم) كلمة «قطع» مشيرا إلى أن همزتها همزة قطع.

غافر: 60

من حجّة من ضمّ الياء قوله: أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم [الأعراف/ 43] فإذا أورثوها أدخلوها. وحجّة من قرأ يدخلون ادخلي في عبادي وادخلي جنتي «1» [الفجر/ 29] فعلى هذا يدخلون. [غافر: 60] اختلفوا في فتح الياء من قوله عزّ وجلّ: سيدخلون جهنم داخرين [غافر/ 60] وضمّها. فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو في رواية عباس بن الفضل: سيدخلون جهنم مرتفعة الياء. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم وأبو عمرو في غير رواية عباس: سيدخلون بفتح الياء «2». يدلّ على سيدخلون قوله: ادخلوها بسلام آمنين [الحجر/ 46] فادخلوا أبواب جهنم [النحل/ 29] فعلى هذا يكون: سيدخلون. فأمّا من قال، سيدخلون فهو من ادخلوا، ألا ترى أنّ الفعل مبني للمفعول، وقد تعدّى إلى مفعول واحد، فهذا يدلّ على أنّه إذا بني للفاعل تعدّى إلى مفعولين، فهذا على أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر/ 46].

_ (1) في الأصل زاد كلمة الجنّة بين ادخلي وجنّتي. (2) السبعة ص 572.

غافر: 52

[غافر: 52] ابن كثير وأبو عمرو «1»: يوم لا تنفع [غافر/ 52] بالتاء. وقرأ الباقون ينفع بالياء «2». الوجهان حسنان لأنّ المعذرة والاعتذار بمعنى، كما أنّ الوعظ والموعظة كذلك. [غافر: 58] قرأ عاصم وحمزة والكسائي: قليلا ما تتذكرون [غافر/ 58] بتاءين، والباقون بالياء «3». التاء على: قل لهم قليلا ما تتذكرون، والياء على: أنّ الكفّار قليلا ما يتذكرون، أي: يقلّ نظرهم فيما ينبغي أن ينظروا فيه ممّا دعوا إليه.

_ (1) في السبعة بعد أبو عمرو: وابن عامر. (2) السبعة ص 572. (3) السبعة ص 572.

سورة السجدة

ذكر اختلافهم في سورة السّجدة «1» [فصلت: 16] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: في أيام نحسات [16] الحاء موقوفة. والباقون: نحسات مكسورة الحاء «2». قال أبو علي: النّحس كلمة تكون على ضربين: أحدهما: أن يكون اسما، والآخر: أن يكون وصفا، فممّا جاء فيه اسما مصدرا قوله: في يوم نحس مستمر [القمر/ 19] فالإضافة إليه تدلّ على أنّه اسم، وليس بوصف، لو كان وصفا لم يضف إليه لأنّ الصفة لا يضاف إليها الموصوف. وقال المفسّرون في نحسات قولين، أحدهما: الشديد البرد، والآخر: أنّها المشئومة عليهم، فتقدير قوله: في يوم نحس مستمر: في يوم شؤم، وقالوا: يوم نحس ويوم نحس، فمن أضاف كان مثل ما في التنزيل من قوله: يوم نحس، ومن أجراه على الأول: احتمل أمرين: يجوز أن يكون جعله مثل فسل ورذل، ويجوز أن يكون وصف بالمصدر مثل رجل عدل. والنّحس: البرد، أنشد

_ (1) هي سورة فصّلت. (2) السبعة ص 576.

عن الأصمعي: كأنّ سلافة عرضت لنحس يحيل شفيفها الماء الزلالا «1» أي: البرد. فمن قال: في أيام نحسات فأسكن العين، أسكنها لأنّه صفة مثل غيلان، وصعبات، وخدلات «2». ويجوز أن يكون جمع المصدر، وتركه على الحكاية في الجمع، كما قالوا: دورة، وعدلة، قال أبو الحسن: لم أسمع في النّحس إلّا الإسكان، وإذا كان الواحد من نحو ذا مسكنا أسكن في الجمع، لأنّها صفة. وقال أبو عبيدة: نحسات: ذوات نحوس «3». فيمكن أن يكون من كسر العين جعله صفة من باب فرق ونزق، وجمع على ذلك إلّا أنّا لم نعلم منه فعلا كما علمنا من فرق، ولكن جعلوه صفة كما أنّ من أسكن فقال: نحسات أمكن أن يكون جعله كصعبات. فلما كان ذلك صفة، كذلك يكون نحسات فيمن كسر العين، وفعل من أبنية الصفات إلّا إذا لم تعلم منه فعلا، وإن استدللت بخلافه الذي هو سعد، فقلت كما أن سعد على فعل، وجاء في التنزيل: وأما الذين سعدوا [هود/ 108] فكذلك النحس في القياس، وإن لم يسمع

_ (1) البيت من قصيدة لابن أحمر في شعره ص 126، وانظر اللسان والتاج (نحس). (2) الخدلة: العلة، الممتلئة. (3) مجاز القرآن 2/ 197.

فصلت: 19

منه نحس ينحس، كما سمع سعد يسعد، فكأنّه استعمل على تقدير ذلك، كما أنّ فقيرا وشديدا استعملا على تقدير فعل وإن لم يستعمل فقر ولا شدد، فاستغني عنه بافتقر واشتدّ، وكذلك يكون نحس في قول من قال نحسات. [فصلت: 19] نافع وحده: ويوم نحشر [فصّلت/ 19] مع النون أعداء الله* بفتح الألف مع المدّ. وقرأ الباقون: ويوم يحشر أعداء رفع «1». حجة من قال نحشر: أنّه معطوف على قوله: ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18] وكذلك المعطوف عليه، يحسن أن يكون وفقه في لفظ الجميع. ويقوّيه قوله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا [مريم/ 85] وحشرنا عليهم كل شيء قبلا [الأنعام/ 111]. وحجّة من قال: يحشر أنّ قوله: ونجينا الذين آمنوا كلام قد تمّ، فلمّا تمّ الكلام استأنفوا، ولم يحملوا على نجينا، وقد قال: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم [الصافّات/ 22] فقالوا: يحشر، واختاروه على النّون في نحشر* لأنّ الحاشرين لهم هم المأمورون بقوله: احشروا، فلذلك لم يجعلوه وفق قوله: ونجينا الذين آمنوا وكلا الأمرين حسن، ويقوّي قول من قال: يحشر فبنى الفعل للمفعول به، أنّه قد عطف عليه وهو قوله: فهم يوزعون [النمل/ 17]. [فصلت: 47] وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: من ثمرات من أكمامها [فصّلت/ 47] جماعة.

_ (1) السبعة ص 576.

فصلت: 44

وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: ثمرة* واحدة «1». قوله: من ثمرة* إذا أفرد يدلّ على الكثرة، فإذا كان كذلك استغني به عن الجمع، ويقوّي الإفراد قوله: وما تحمل من أنثى [فاطر/ 11] فكما أفراد أنثى كذلك ينبغي أن يكون من ثمرة* مفردة. وحجّة من جمع أنّ الجمع صحيح، والمعنى عليه، ألا ترى أنّه ليس يراد بها ثمرة دون ثمرة؟ إنّما يراد جميع الثمرات، وإذا كان كذلك، كان الجميع حسنا، وإن كان الإفراد قد يدلّ عليه، وليس الثمرة بواحد، كما أنّ قوله: وما تحمل من أنثى ليس بواحد، إنما هو أجناس الإناث، فكذلك يكون المراد أجناس الثمار. وزعموا أنّ في حرف عبد اللَّه: وما تخرج من ثمرة من أكمامها وفي حرف أبيّ: من ثمرات من أكمامها. وقوله: من ثمرات من أكمامها مثل قوله: فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها [فاطر/ 37] ولو كان من أكمامها: من أكمامهنّ، ومختلفا ألوانهنّ كان حسنا. [فصلت: 44] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم: أأعجمي [فصّلت/ 44]: ممدود. عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي أأعجمي: بهمزتين «2». قال أبو علي: الأعجم الذي لا يفصح، من العرب كان أو من

_ (1) السبعة ص 577. (2) السبعة ص 576.

العجم، ألا ترى أنّهم قالوا: زياد الأعجم، لأنّه كانت في لسانه، وكان عربيا، وقالوا: «صلاة النهار عجماء» «1»، أي تخفى فيها القراءة ولا تبيّن، «والعجماء جبار» «2» لأنّها لا تبيّن عن أنفسها، كما يبيّن ذوو التعبير. قال أبو يوسف: هي المنفلتة، لاجتماع الناس على تضمين السائق والقائد، ويجمع الأعجم على عجم، أنشد أبو زيد: يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدّع «3» فالعجم جمع أعجم والمعنى: وأبغض صوت العجم صوت الحمار، لأنّ المضاف في أفعل بعض المضاف إليه، وصوت الحمار ليس بالعجم. فإذا لم يسغ حمل هذا الكلام على ظاهره علمت أن التقدير فيه ما وصفنا، وتسمي العرب من لم يبيّن كلامه من أي صنف كان من الناس أعجم، ومن ثمّ قال أبو الأحذر: سلّوم لو أصبحت وسط الأعجم بالرّوم أو بالترك أو بالدّيلم «4»

_ (1) رواه الحسن كما في النهاية لابن الأثير 3/ 187. (2) هذه فقرة من حديث، نصّه: «البئر جبار والمعدن جبار والعجماء جبار وفي الركاز الخمس» ، انظر مسند أحمد 2/ 228. (3) البيت لذي الخرق الطهوي، سبق في 1/ 101 و 3/ 93، واللسان (عجم). (4) البيت في اللسان (عجم). وفيه: أو فارس بدل أو بالترك. وبعده: إذا لزرناك ولو بسلم

فقال: لو كنت وسط الأعجم، ولم يقل: العجم لأنّه جعل كلّ من لم يبيّن كلامه أعجم، وكأنّه قال: لو كنت وسط القبيل الأعجم. والعجم خلاف العرب، ويقال: العجم والعجم كما يقال: العرب والعرب، والعجمي خلاف العربي، وهو منسوب إلى العجم كما أنّ العربي منسوب إلى العرب، وإنّما قوبل الأعجمي في الآية بالعربي، وخلاف العربي العجمي، لأنّ الأعجمي في أنّه لا يبين مثل العجمي عندهم، فمن حيث اجتمعا في أنّهما لا يبيّنان قوبل به العربي في قوله: أعجمي وعربي وينبغي أن يكون الأعجمي الياء فيه للنسب، تنسب إلى الأعجم الذي لا يفصح، وهو في المعنى كالعجمي، وإن كانا يختلفان في النسبة، فيكون الأعجمي عربيا، ويجوز أن يقال: رجل أعجميّ فيراد به ما يراد بالأعجم بغير ياء النسب، كما يقال: أحمر وأحمري، ودوّار. و: دوّاريّ «1» وقوله: ولو نزلناه على بعض الأعجمين [الشعراء/ 198] مما جمع على إرادة ياء النسب فيه، مثل النميرون والهبيرات، ولولا ذلك لم يجز جمعه بالواو والنون، ألا ترى أنّك لا تقول في الأحمر إذا كان صفة أحمرون؟ فإنّما جاز الأعجمون لما ذكرنا. فأمّا الأعاجم فينبغي أن يكون تكسير أعجمي، كما كان المسامعة تكسير مسمعي، وقد استعمل هذا الوصف استعمال الأسماء، من ذلك قوله:

_ (1) كلمة من رجز للعجّاج وتتمة البيت: والدّهر بالإنسان دوّاريّ انظر ديوانه 1/ 480، والبيت مشهور في كتب النحو، انظر تخريجه في معجم شواهد العربية ص 561.

لأعجم طمطم «1» وقوله: وسط الأعجم «2» فيجوز لذلك أن يكون من باب الأجازع، والأباطح، وهذه الآية في المعنى كقوله: ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين [الشعراء/ 198 - 199]، فقوله: ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته [فصّلت/ 44] كأنّهم كانوا يقولون: لم تفصّل آياته، ولم تبيّن لأنّه أعجمي، فأمّا قوله: أعجمي وعربي، فالمعنى: المنزّل عليه أعجمي وعربي يرتفع كلّ واحد منهما بأنّه خبر مبتدأ محذوف، وقوله: أعجمي وعربي على وجه الإنكار منهم لذلك، كقوله في الأخرى: ما كانوا به مؤمنين [الشعراء/ 199]. ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر أعجمي على تخفيف الهمزة الثانية، وجعلها بين بين. وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: أأعجمي بهمزتين «3». وهذا على أصلهم في الهمزتين إذا التقتا، وتخفيفهم لهما.

_ (1) قطعة من بيت لعنترة ونصّه: تأوي له حزق النّعام كما أوت حزق يمانية لأعجم طمطم وهو من معلّقته المشهورة. انظر ديوانه/ 200، وانظر شرح المفصل لابن يعيش 9/ 49، واللسان (طمم)، ومعنى الطمطم: الذي لا يفصح شيئا. وحزق النعام: جماعاتها، واحدتها حزقة. (2) سبق قريبا. (3) السبعة ص 576.

فصلت: 29

[فصلت: 29] وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: أرنا اللذين [فصّلت/ 29] ساكنة الراء. حفص عن عاصم أرنا مثقّل، وقال هشام بن عمّار عن ابن عامر: أرنا اللذين خطأ، إنّما هو أرنا بكسر الراء. وقرأ أبو عمرو بإشمام الراء الكسر. أبو الربيع عن عبد الوارث عن أبي عمرو أرنا* ساكنة الراء. وقرأ نافع وحمزة والكسائي أرنا مثقل «1». روي عن بعض المفسّرين في قوله: أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس [فصّلت/ 29] قال: إبليس، وابن آدم الذي قتل أخاه، فمن قرأ أرنا حذف الياء التي هي لام الفعل للوقف، وتحركت الرّاء لحركة الهمزة المحذوفة التي ألقيت على الرّاء. ووجه أرنا* أنّه على لفظ كتف، وضحك، فخفّف الحركة، كما يخفّف كتف، فيقال كتف. ومثل ذلك قولهم: أراك منتفخا «2» وأرنا فهو أفعلنا من رأيت التي يراد بها رؤية العين، يدلّ على ذلك أنّه قد تعدّى إلى مفعولين، فأحد المفعولين هو الذي كان يتعدّى رأيت إليه، وزاد الآخر للنقل بالهمزة، ولو كان النقل من المتعدّي إلى مفعولين لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين، ولم يجز الاقتصار على مفعولين. [فصلت: 51] ابن عامر: وناء بجانبه [فصّلت/ 51] مفتوحة النون

_ (1) السبعة ص 576. (2) هذا من رجز للعجّاج. سبق في 21/ 66، 408.

ممدودة، والهمزة بعد الألف، هذه رواية ابن ذكوان. وقال الحلواني عن هشام بن عمّار ونأى مثل أبي عمرو. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ونأى* في وزن نعا. وقرأ حمزة والكسائي في رواية خلف عن سليم: ونأي مكسورة النون والهمزة وفي رواية أبي عمرو وغيره: نأي* بفتح النون، وإمالة الهمزة، وقرأ الكسائي بإمالة الهمزة والنون. وروى اليزيدي ونأى* وزن نعا وعبد الوارث عن أبي عمرو ونأى بفتح النون وإمالة الهمزة. عباس عن أبي عمرو ونأى* في وزن نعا «1». قراءة ابن عامر: وناء مقلوب من نأى، لأنّه من نأيت، فقدّم اللّام إلى موضع العين، فصار وزنه فلع، ونأى على غير القلب. قال الشاعر: أقول وقد ناءت بها غربة النّوى نوى خيتعور لا تشطّ ديارك «2» وقد جاء القلب في هذا النحو قال: وكلّ خليل راءني فهو قائل من أجلك هذا هامة اليوم أو غد «3»

_ (1) السبعة ص 576. (2) البيت في اللسان (نيأ) (ختعر) أنشده يعقوب، الخيتعور: السراب الخادع، ونوى خيتعور: التي لا تستقيم. (3) البيت لكثير. انظر اللسان (رأي).

وقال آخر: تقرّب يخبو ضوؤه وشعاعه ومصّح حتى يستراء فلا يرى «1» وهو يستفعل من رأيت، قال: وقد شاءنا القوم السراع فأوعبوا «2» وأما قول حمزة في رواية خلف عن سليم: ونأى* بكسر النون والهمزة فهذا على أنّه كسر الهمزة، لأنّ الهمزة عين، كما يقال رأي* مثل شهد أو يكون أمال فتحة الراء، وأتبعها بإمالة الهمزة، وهذا الوجه أشبه بكسر النون والهمزة، إنّما أميل فتحها، فكذلك تكون الرّاء، وفي رواية أبي عمر الدوري نأى* بفتح النون وإمالة الهمزة. وأمّا قراءة الكسائي بإمالة الهمزة والنون، فهو على أنّه أمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة، وروى اليزيدي: نأى* في وزن نعا، ورواية عبد الوارث عن أبي عمرو نأي* بفتح النون وإمالة الألف، فهذا جعله بمنزلة نعا ورئي فيمن أمال.

_ (1) البيت في اللسان (رأي). (2) اللسان (شأي) بغير تتمة أو نسبة، قالوا: شاءني الشيء يشوؤني ويشيئني: شاقني، مقلوب من شآني حكاه يعقوب، وأنشد ... البيت.

سورة الشورى

ذكر اختلافهم في سورة الشورى [الشورى: 3] اختلفوا في فتح الحاء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: كذلك يوحي إليك [3] فقرأ ابن كثير وحده: كذلك يوحى إليك مفتوحة الحاء. وقرأ الباقون: كذلك يوحي إليك بكسر الحاء «1». من قال: يوحي إليك* فبنى الفعل للمفعول به احتمل أمرين: زعموا أنّ في التفسير أن هذه السورة قد أوحي إلى الأنبياء قبل، فعلى هذا يجوز أن يكون يوحى إليك السورة كما أوحي إلى الذين من قبلك، ويجوز أن يكون الجار والمجرور يقومان مقام الفاعل ويجوز في قوله: الله العزيز الحكيم [الشورى/ 3] أن يكون تبيينا للفاعل كقوله: يسبح له فيها بالغدو والآصال [النور/ 36] ثم قال: رجال [النور/ 37] كأنّه قيل: من يسبّح؟ فقال: يسبّح رجال، ومثله: ليبك يزيد ضارع لخصومة «2»

_ (1) السبعة ص 580. (2) صدر بيت وعجزه:

الشورى: 5

وممّا يقوّي بناء الفعل للمفعول به: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك [الزمر/ 65] وقوله وأوحي إلى نوح [هود/ 36] وفي أخرى: فأوحينا إليه أن اصنع الفلك [المؤمنون/ 27]. وأمّا من قرأ: يوحي إليك [الشوري/ 3] على بناء الفعل للفاعل، فإنّ اسم اللَّه يرتفع بفعله، وما بعده يرتفع بالوصف. [الشورى: 5] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن [الشورى/ 5]. فقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي: تكاد السموات بالتاء يتفطرن بياء وتاء، وكذلك حفص عن عاصم إلا هبيرة، فإنّه روى عنه ينفطرن بالنون مثل أبي عمرو. وقرأ نافع والكسائي يكاد* بالياء، يتفطرن بياء وتاء. وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تكاد بالتاء، ينفطرن بالنون «1». يقال: فطرته فانفطر، وانفطر مطاوع فطر. وفي التنزيل: الذي فطرهن [الأنبياء/ 56]، وأمّا يتفطرن فمطاوع فطّرته فتفطّر، ويقوّي ذلك ويوم تشقق السماء بالغمام [الفرقان/ 25]، فتشقق مثل: تفطّر، والمعنى والله أعلم: استعظام ما افتروه من ادّعاء الولد، ودليل

_ ومختبط مما تطيح الطوائح وقد استوفي تخرجه في شرح أبيات المغني 7/ 295. قال البغدادي فيها: البيت من أبيات لنهشل بن حريّ رثى بها يزيد بن نهشل ... ثم قال: ونسبت هذه الأبيات لغيره، واختلفوا فيه أيضا. (1) السبعة ص 580.

الشورى: 25

ذلك قوله في الأخرى: أن دعوا للرحمن ولدا [مريم/ 91]، وقال قتادة: يتفطرن من عظمة اللَّه وجلاله، فهذا يكون كقوله: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله [الحشر/ 21] وبنحو هذا ممّا يراد به تعظيم الأمر. فأمّا قوله: إذا السماء انفطرت [الانفطار/ 1] وإذا السماء انشقت [الانشقاق/ 1] فليس كهذا المعنى، ولكن علم من أعلام الساعة، وكلّ واحد من القراءة يكاد وتكاد حسن. [الشورى: 25] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجل: ويعلم ما تفعلون [الشورى/ 25]. فقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي بالتاء. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: يفعلون* بالياء «1». حجّة الياء: قبله: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده [الشورى/ 25]، ويعلم ما يفعلون، أي: ما يفعل عباده. وحجة التاء: أنّ التاء تعمّ المخاطبين والغيب فتفعلون تقع على الجميع، فهو في العموم مثل عباده. [الشورى: 30] وقرأ نافع وابن عامر: من مصيبة بما كسبت أيديكم [الشورى/ 30] بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون: فبما «2»

_ (1) السبعة في 580. (2) السبعة في 581.

القول في ذلك أنّ ما أصاب من قوله: ما أصاب من مصيبة يحتمل أمرين: يجوز أن يكون صلة ما*، يجوز أن يكون شرطا في موضع جزم، فمن قدّره شرطا لم يجز حذف الفاء فيه على قول سيبويه، وقد تأول أبو الحسن، بعض الآي على حذف الفاء في جواب الشرط، وقال بعض البغداديين: حذف الفاء من الجواب جائز، واستدلّ على ذلك بقوله: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون [الأنعام/ 121]. وإذا كان صلة فالإثبات والحذف جائزان على معنيين مختلفين، أمّا إذا أثبت الفاء ففي إثباتها دليل على أنّ الأمر الثاني وجب بالأوّل، وذلك نحو قوله: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار [البقرة/ 274] ثمّ قال: فلهم أجرهم عند ربهم [البقرة/ 274] فثبات الفاء يدلّ على أنّ وجوب الأجر إنّما هو من أجل الإنفاق، ومثل ذلك قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] فإذا لم يذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب للأوّل، وجاز أن يكون لغيره، والأولى إذا كان جزاء غير جازم أن تثبت الفاء كقوله: ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك [النساء/ 79]، وهذا قريب في المعنى من قوله: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا [الروم/ 41] أي جزاء بعض ذلك، وليس ما للحسنة والسيّئة المذكورتين هنا المكتسبتين، وإنّما يراد بهما الشّدّة والرّخاء، كما قال: فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [الأعراف/ 131] وكقوله: إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا [التوبة/ 50] فهذا كما حكي عنهم من قولهم: وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء [الأعراف/ 95].

الشورى: 32

[الشورى: 32] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ومن آياته الجواري [الشورى/ 32] بياء في الوصل، ووقف ابن كثير: بياء، ونافع وأبو عمرو: بغير ياء. وقرأ الباقون: بغير ياء في وصل ولا وقف «1». القياس: الجواري في الوصل والوقف كما ذهب إليه ابن كثير، ومن حذف فلأنّ حذف هذه الياءات وإن كانت لاما، قد كثر في كلامهم، فصار كالقياس المستمرّ، وقد مضى القول فيه. [الشورى: 35] اختلفوا في رفع الميم ونصبها من قوله: ويعلم الذين يجادلون في آياتنا [الشورى/ 35]. فقرأ نافع وابن عامر: ويعلم الذين* برفع الميم. وقرأ الباقون: ويعلم الذين نصبا «2». ومن قرأ ويعلم الذين يجادلون بالرفع، استأنف لأنّه موضع استئناف من حيث جاء من بعد الجزاء، وإن شئت جعلته خبر مبتدأ محذوف، وأمّا من نصب: فلأنّ قبله شرطا وجزاء، وكلّ واحد منهما غير واجب، تقول في الشرط: إن تأتني وتعطيني أكرمك. فتنصب تعطيني، وتقديره: إن يكن منك إتيان وإعطاء أكرمك، فالنصب بعد الشرط إذا عطفت عليه بالفاء أمثل من النصب بالفاء بعد جواب الشرط فأمّا قوله:

_ (1) السبعة ص 581. (2) السبعة ص 581.

ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة فيثبتها في مستوى الأرض يزلق «1» والنصب فيه حسن لمكان النفي. فأمّا العطف على الشرط نحو: إن تأتني وتكرمني فأكرمك، فالذي يختار سيبويه في العطف على جزاء الشرط الجزم فيختار ويعلم الذين يجادلون إذا لم يقطعه من الأوّل فيرفعه، ويزعم أن المعطوف على جزاء الشرط شبيه بقول القائل: وألحق بالحجاز فأستريحا «2» قال: إلّا أن ما ينصب في العطف على جزاء الشرط أمثل من ذلك، لأنّه ليس يوقع فعلا إلّا بأن يكون من غيره فعل فصار بمنزلة الهواجس، وزعم سيبويه أن بعضهم قرأ: يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء [البقرة/ 284] وأنشد للأعشى في نصب ما عطف بالفاء على الجزاء «3»: ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا

_ (1) البيت لكعب بن زهير. انظر الكتاب 1/ 447، المقتضب 2/ 23، 67. (2) عجز بيت للمغيرة بن حبناء صدره: سأترك منزلي لبني تميم وهو من شواهد النحو. وقد استوفي تخريجه في شرح أبيات المغني 4/ 114 - 116. (3) البيتان للأعشى وقد ورد البيت الأول في ديوانه ملفقا من بيتين، فانظره فيه/ 113 وهما في الكتاب 1/ 449 والمقتضب 2/ 22، واللسان/ كبكب/ وقال: كبكب: اسم جبل بمكّة، وأنشد بيتي الأعشى كما هنا.

الشورى: 37

وتدفن منه الصّالحات وإن يسئ يكن ما أساء النار في رأس كبكبا فهذا حجّة لمن قرأ: ويعلم الذين يجادلون في آياتنا بالنصب. [الشورى: 37] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله عزّ وجلّ: كبائر الإثم [الشورى/ 37]. فقرأ حمزة والكسائي: كبير الإثم واحد بغير ألف، وفي النجم مثله. وقرأ الباقون: كبائر بالألف فيهما «1». حجّة الجمع قوله: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر [النساء/ 31] فهذه يراد بها تلك الكبائر المجموعة التي تكفّر باجتنابها السيئات التي هي الصغائر. ويقوّي الجمع أن المراد هنا اجتناب تلك الكبائر المجموعة في قوله: كبائر ما تنهون عنه، وإذا أفرد جاز أن يكون المراد واحدا، وليس المعنى على الإفراد، وإنّما المعنى على الجمع والكثرة، ومن قال: كبير* فأفرد، فإنّه يجوز أن يريد بها الجمع، وإن جاز أن يكون واحدا في اللّفظ، وقد جاءت الآحاد في الإضافة، يراد بها الجمع كقوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34] وفي الحديث: «منعت العراق درهما وقفيزها» «2».

_ (1) السبعة ص 581. (2) قطعة من حديث رواه مسلم في الفتن رقم 2896 وأبو داود في الإمارة رقم 3035 وأحمد 2/ 262. والقفيز: مكيال لأهل العراق يعادل 12 صاعا.

الشورى: 51

[الشورى: 51] اختلفوا في رفع اللّام وإسكان الياء من قوله عزّ وجلّ: أو يرسل رسولا فيوحي [الشورى/ 51]. فقرأ نافع وابن عامر: أو يرسل* برفع اللّام فيوحي ساكنة الياء. وقال ابن ذكوان في حفظي عن أيوب: أو يرسل رسولا فيوحي نصب جميعا. وقرأ الباقون: أو يرسل رسولا فيوحي نصب جميعا «1». قال أبو علي: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل [الشورى/ 51] لا يخلو قوله يرسل فيمن نصب من أن يكون محمولا على أن* في قوله: أن يكلمه الله إلا وحيا، أو على غيره، فلا يجوز أن يكون محمولا على أن*، لأنّك إن حملتها عليها كان المعنى: ما كان لبشر أن يكلّمه، أو أن يرسل رسولا، ولم يخل قوله أو يرسل رسولا من أن يكون المراد فيه: أو يرسله رسولا، أو يكون: أو يرسل إليه رسولا، ولا يصحّ واحد من التقديرين، ألا ترى أنّك إن قدّرت العطف على أن* هذه المظهرة في قوله: أن يكلّمه الله، كان المعنى: ما كان لبشر أن يرسله رسولا، أو يرسل إليه رسولا، والتقديران جميعا فاسدان، ألا ترى أن كثيرا من البشر قد أرسل رسولا، وكثيرا منهم قد أرسل إليهم الرسل، فإذا لم يخل من هذين التقديرين، ولم يصحّ واحد منهما، علمت أنّ المعنى ليس عليه، والتّقدير على غيره، فالذي عليه المعنى، والتّقدير الصّحيح: ما ذهب إليه الخليل من أن يحمل يرسل فيمن نصب على أن* أخرى

_ (1) السبعة ص 582.

غير هذه، وهي التي دلّ عليه قوله: وحيا لأنّ أن يوحي والوحي قد يكونان بمعنى، فلمّا كان كذلك حملت يرسل من قوله أو يرسل رسولا على أن* هذه التي دلّ الوحي عليها، فصار التقدير: ما كان لبشر أن يكلّمه الله إلّا أن يوحي وحيا، أو يرسل رسولا فيوحي، ويجوز في قوله: إلا وحيا أمران: أحدهما: أن يكون استثناء منقطعا، والآخر أن يكون حالا، فإن قدّرته استثناء منقطعا لم يكن في الكلام شيء يوصل بمن، لأنّ ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعده، ولذلك حملوا قول الأعشى: ولا قائلا إلّا وهو المتعيّبا «1» على فعل آخر، وإنما لم يستجيزوا ذلك، لأنّ حرف الاستثناء في معنى حرف النفي، ألا ترى أنّك إذا قلت: قام القوم إلّا زيدا، فالمعنى قام القوم لا زيد؟ فكما لا يعمل ما في قبل حرف النفي فيما بعده، كذلك لم يعمل ما قبل الاستثناء إذا كان كلاما تامّا فيما بعده، إذ كان بمعنى النفي، وكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد إلّا فيما قبلها نحو: ما أنا الخبز إلّا آكل، كما لم يعمل ما بعد حرف النفي فيما قبله، فإذا كان كذلك لم يتصل الجارّ بما قبل إلّا، ويمنع أن يتصل به الجار من وجه آخر، وهو أن قوله: أو من وراء حجاب [الشورى/ 51] في صلة وحي الذي هو بمعنى أن يوحي فإذا كان كذلك لم يجز أن يحمل الجارّ الذي هو من في قوله: أو من وراء حجاب على أن يرسل، لأنّه يفصل بين الصّلة والموصول بما ليس منها، ألا ترى أنّ

_ (1) عجز بيت للأعشى صدره: وليس مجيرا إن أتى الحيّ خائف انظر ديوانه/ 113.

المعطوف على الصلة في الصلة؟ فإذا حملت العطف على ما ليس في الصلة، فصلت بين الصّلة والموصول بالأجنبي الذي ليس منهما، فإذا لم يجز حمله على يكلّم في قوله: ما كان لبشر أن يكلمه الله [الشورى/ 51] ولم يكن بدّ من أن يعلّق الجارّ بشيء، ولم يكن في اللّفظ شيء تحمله عليه، أضمرت يكلم وجعلت الجار في قوله: أو من وراء حجاب متعلقا بفعل مراد في الصّلة محذوف منها للدلالة عليه، وقد تحذف من الصّلة أشياء للدّلالة عليها، ويكون في المعنى معطوفا على الفعل المقدّر صلة لأن الموصولة بيوحي، فيكون التقدير: ما كان لبشر أن يكلّمه إلّا أن يوحي إليه، أو يكلّمه من وراء حجاب، فحذف يكلّم من الصّلة لأنّ ذكره قد جرى، وإن كان خارجا عن الصّلة فحسّن ذلك حذفه من الصّلة وسوّغه، ألا ترى أنّ ما قبل حرف الاستفهام مثل ما قبل الصّلة في أنّه لا يعمل في الصلة كما لا يعمل ما قبل الاستفهام فيما كان في حيّز الاستفهام؟ وقد جاء الان، وقد عصيت [يونس/ 91] والمعنى: آلآن آمنت وقد عصيت قبل، فلما كان ذكر الفعل قد جرى في الكلام أضمر، وقال: آلآن، وقد كنتم به تستعجلون [يونس/ 51] المعنى: الآن آمنتم به فلمّا جرى ذكر آمنتم به قبل استغني بجري ذكره قبل عن ذكره في حيّز الاستفهام، وصار كالمذكور في اللّفظ، ألا ترى أنّ الاسم الواحد لا يستقل به الاستفهام؟ ولا يجوز أن يقدّر عطف أو من وراء حجاب على الفعل الخارج من الصّلة فيفصل بين الصّلة والموصول بالأجنبي منهما، كما فصل ذلك في قوله: إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس [الأنعام/ 145] ثم قال: أو فسقا أهل لغير الله به [الأنعام/ 145] فعطف بأو على ما في الصّلة بعد ما فصل بين الصّلة

والموصول بقوله: فإنه رجس لأنّ قوله: فإنه رجس من الاعتراض الذي يسدّد ما في الصّلة، ويوضّحه، فصار لذلك بمنزلة الصّفة لما في الصّلة من التبيين والتخصيص، ومثل هذا في الفصل في الصّلة قوله والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم [يونس/ 27] ففصل بقوله: جزاء سيئة بمثلها وعطف قوله: وترهقهم ذلة على الصّلة مع هذا الفصل من حيث كان قوله: جزاء سيئة بمثلها يسدّد ما في الصّلة. وأمّا من رفع فقال: أو يرسل رسولا فجعل يرسل حالا، فإنّ الجارّ في قوله: أو من وراء حجاب متعلق بمحذوف، ويكون في الظرف ذكر من ذي الحال، ويكون قوله: إلا وحيا على هذا التّقدير: مصدرا وقع موقع الحال، كقولك: جئتك ركضا، وأتيتك «1» عدوا، ويكون في أنّه مع ما انجرّ به في موضع الحال كقوله: ومن الصالحين [آل عمران/ 46] بعد قوله: ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين فكما أن «من» هنا في موضع الحال كذلك في قوله: أو من وراء حجاب [الشورى/ 51] ومعنى: أو من وراء حجاب فيمن قدّر الكلام استثناء منقطعا أو حالا: يكلّمهم غير مجاهر لهم بكلامه، يريد أنّ كلامه يسمع ويحدث من حيث لا يرى، كما يرى سائر المتكلمين، إذ ليس ثمّ حجاب يفصل موضعا من موضع فيدلّ ذلك على تحديد المحجوب. ومن رفع يرسل*، كان يرسل في موضع نصب على الحال، والمعنى: هذا كلامه إيّاهم، كما تقول: تحيتك الضرب، وعتابك السيف، فإن قلت: فهل يجوز في قول من نصب فقال: أو يرسل أن يكون في موضع حال، وقد انتصب الفعل بأن

_ (1) كتب في (ط) فوق جئتك: جئت وفوق أتيتك: أتيت. كأنه إشارة إلى نسخة أخرى.

المضمرة وأن لا تكون حالا، قيل: قد كان على هذا يجوز أن يكون حالا، وذلك على أن تقرر الجار، وتريده وإن كان محذوفا من اللّفظ، ألا ترى أنّ أبا الحسن قد قال في قوله: وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله [البقرة/ 246] وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه [الأنعام/ 119] أنّ المعنى: وما لكم في أن لا تأكلوا، وأنّه في موضع حال، كما أنّ قوله: فما لهم عن التذكرة معرضين [المدّثر/ 49] حال فكذلك فقد كان يجوز في قول من نصب أو يرسل أن يكون في موضع الحال، ويكون التقدير: بأن يرسل، فحذف الجارّ مع أن.

سورة الزخرف

ذكر اختلافهم في سورة الزخرف [الزخرف: 5] اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله عزّ وجلّ: صفحا أن كنتم [الزخرف/ 5] فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: صفحا أن كنتم نصبا. وقرأ حمزة ونافع والكسائي: إن كنتم* كسرا «1». من قال: أن كنتم فالمعنى: لأن كنتم، فأمّا صفحا فانتصابه من باب: صنع الله [النمل/ 88] لأنّ قوله: أفنضرب عنكم الذكر [الزخرف/ 5] يدلّ على: أنصفح عنكم صفحا؟ وكأن قولهم: صفحت عنه أي: أعرضت، وولّيته صفحة العنق، والمعنى: أفنضرب عنكم ذكر الانتقام منكم والعقوبة لكم، لأن كنتم قوما مسرفين؟ وهذا يقرب من قوله: أيحسب الإنسان أن يترك سدى [القيامة/ 36] والكسر على أنه جزاء استغني عن جوابه بما تقدّمه مثل: أنت ظالم إن فعلت، كأنّه: إن كنتم قوما مسرفين نضرب.

_ (1) السبعة ص 584.

الزخرف: 18

[الزخرف: 18] اختلفوا في ضمّ الياء والتّشديد وفتحها والتخفيف من قوله عزّ وجلّ: أومن ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18]. فقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: ينشأ برفع الياء والتشديد. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: ينشأ بفتح الياء والتخفيف «1». يقال: نشأت السّحابة، ونشأ الغلام، فإذا نقل بالهمزة هذا الفعل تعدّى إلى مفعول، وعامّته بالهمزة، كقوله: وينشىء السحاب الثقال [الرعد/ 12] ثم أنشأنا خلقا آخر [المؤمنون/ 14] وأنشأنا بعدها قوما «2» [الأنبياء/ 11] وهو الذي أنشأ جنات معروشات [الأنعام/ 141] والأكثر في هذه الأفعال التي تتعدّى إذا أريد تعديته أن ينقل بالهمزة، وبتضعيف العين نحو: فرح، وفرحته، وأفرحته، وغرم وغرّمته وأغرمته، وقد جاء منه شيء بتضعيف العين دون الهمزة، وذلك قولك: لقيت خيرا، ولقانيه زيد، ولا تقول: ألقانيه زيد، إنّما تقول: لقّانيه، وعلى هذا قوله: ويلقون فيها تحية وسلاما [الفرقان/ 75] ولقاهم نضرة وسرورا [الإنسان/ 11] ولم نعلم من هذا المعنى: ألقيته عمرا، إنّما يقال: لقيته عمرا، فأمّا قولهم: ألقيت متاعك بعضه على بعض، فليس بمنقول من لقي بعض متاعك على بعضه، ولو كان منه وجب أن يزيد النقل مفعولا، وفي النقل بالهمزة لم يزد مفعولا،

_ (1) السبعة ص 584. (2) هذه الآية من سورة الأنبياء/ 11، وقد اشتبهت على المؤلف فأثبتها قرنا بدل قوما.

الزخرف: 19

إنّما تعدى إلى المفعول الثاني بالحرف في قولك: ألقيت متاعك بعضه على بعض، فألقيت بمنزلة أسقطت، وليس بمنقول من لقي بالدّلالة التي ذكرنا، فيجوز أن يكون نشأ من ذلك، لأنّا لم نعلم منشّئ، كما جاء: بلغ وأبلغ، ونجّى وأنجى، فإذا كان كذلك، فالأوجه إنّما هو: أو من ينشأ في الحلية فيكون أفعل من أفعلت. ومن قال، ينشأ فهو في القياس مثل فرّح وأفرح، وغرّم وأغرم، وإن عزّ وجود ذلك في الاستعمال وموضع «من» نصب على تقدير: اتخذوا له من ينشأ في الحلية، على وجه التقريع لهم بما افتروه كما قال: أم له البنات ولكم البنون [الطور/ 39] فنسبوا إلى القديم سبحانه ما يكرهونه، ومن لا يكاد يقوم بحجّته أو يستوفيها. [الزخرف: 19] اختلفوا في الباء والنون من قوله عزّ وجلّ: عباد الرحمن [الزخرف/ 19]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: عند الرحمن* بالنون. وقرأ الباقون: عباد الرحمن بالباء «1». حجّة من قال: عند الرحمن*، قوله: ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته [الأنبياء/ 19] وقوله: إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته [الأعراف/ 206] وحجّة من قال عباد قوله: بل عباد مكرمون [الأنبياء/ 26] فقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا، وفي قوله: عند الرحمن* دلالة على رفع المنزلة والتقريب، كما قال: ولا الملائكة المقربون [النساء/ 172] وهذا من القرب في المنزلة والرفعة

_ (1) السبعة ص 585.

الزخرف: 19

في الدرجة، وليس من قرب المسافة وفي قوله: عباد الرحمن دلالة على تكذيبهم في أنّهم بنات، كما قال: أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون [الصافّات/ 150] [الزخرف: 19] وقرأ نافع وحده: أاشهدوا «1» [الزخرف/ 19] بضمّ الألف مع فتحة الهمزة من أشهدوا. المفضل عن عاصم مثل نافع، وروى خلف وابن سعدان عن المسيبي عن نافع آشهدوا ممدودة من أشهدت. والباقون لا يمدّون أشهدوا من شهدت «2» قوله: بضمّ الألف مع فتحة الهمزة يعني أنّ الفعل أشهدوا* على أفعلوا بضمّ الهمزة وسكون الشين، وقبلها همزة الاستفهام مفتوحة ثم يخفّف الهمزة الثانية من غير أن يدخل بينهما ألفا كما يفعله أبو عمرو، والذي رواه المسيبي مثل ذلك، إلّا أنّه يدخل بينهما ألفا «3». قال أبو علي: إنّ قولهم شهدت فعل استعمل على ضربين: أحدهما يراد به: حضرت، والآخر: العلم، فالذي معناه الحضور يتعدّى إلى مفعول، يدلّ على ذلك قوله: لو شهد عادا في زمان عاد «4»

_ (1) جاء رسمها في السبعة وفق قراءتها: (أو شهدوا). (2) السبعة ص 585. (3) أي يقرؤها: (أو شهدوا). (4) صدر بيت من الرجز عجزه: لابتزّها ... مبارك الجلاد والمعنى: لو شهد هذا الممدوح في الحرب عادا على قوتها لظهر:

وقوله: ويوم شهدناه سليما وعامرا «1» فتقدير هذا شهدنا فيه سليما، ومن ذلك قوله: شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة يد الدّهر إلّا جبرئيل أمامها «2» فهذا محذوف المفعول، التقدير فيه: شهدنا المعركة، أو شهدنا من تجمّع لقتالنا. ومنه قوله: فقد شهدت قيس فما كان نصرها قتيبة إلّا عضّها بالأباهم «3» فهذا الضرب المتعدّي إلى مفعول واحد، إذا نقل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، تقول: شهد زيد المعركة وأشهدته إياها، ومن ذلك: ما أشهدتهم خلق السموات [الكهف/ 51] فلما نقل شهد بالهمز صار الفاعل مفعولا أولا، والتّقدير: ما أشهدتهم فعلي، والفعل في أنّه مفعول ثان، وإن كان غير عين، مثل زيد ونحوه من أسماء الأعيان

_ عليها وفاز بمعظم الحرب دونها. ومعنى ابتزها: سلبها. انظر الكتاب لسيبويه 2/ 27 وهذا البيت من الخمسين بيتا التي لم يعرف قائلها. (1) صدر بيت لم يعرف قائله، عجزه: قليلا سوى الطعن النهال نوافله وهو من شواهد المغنى انظر شرحه وتخريجه في شرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 84. (2) البيت لحسان بن ثابت في ملحقات ديوانه 1/ 522 وينسب البيت لكعب بن مالك انظر الخزانة 1/ 199، واللسان والتاج/ جبر/. (3) البيت للفرزدق، انظر ديوانه 2/ 855، المقتضب 4/ 90.

المختصّة. وقالوا: امرأة مشهد، إذا كان زوجها شاهدا لم يخرج في بعث من غزو وغيره، وامرأة مغيب: إذا لم يشهد زوجها. فكأنّ المعنى: ذات غيبة لوليّها، وذات شهادة، والشّهادة خلاف الغيبة قال: عالم الغيب والشهادة [الأنعام/ 73] فهذا في المعنى مثل قوله: ويعلم ما تخفون وما تعلنون [النمل/ 25] ويعلم سركم وجهركم [الأنعام/ 3]. وأمّا شهدت الذي بمعنى علمت فيستعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون قسما، والآخر: أن يكون غير قسم، فاستعمالهم له قسما، كاستعمالهم: علم الله ويعلم الله، قسمين فتقول: علم الله لأفعلنّ، فتتلقاه بما تتلقّى به الأقسام، وأنشد سيبويه: ولقد علمت لتاتينّ منيّتي إنّ المنايا لا تطيش سهامها «1» وحدّثنا أبو الحسن عبيد الله بن الحسن أنّ محمدا قال: إنّ زفر كان يذهب إلى أنّه إذا قال: أشهد بالله كان يمينا، فإن قال: أشهد، ولم يقل بالله لم يره قسما. أبو الحسن وقال محمد: أشهد غير موصولة بقوله بالله مثل أشهد موصولة بقولك بالله في أنّه يمين، قال: واستشهد محمد على ذلك بقوله قالوا نشهد إنك لرسول الله [المنافقون/ 1] ثم قال: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة [المنافقون/ 1، 2] فجعله يمينا، ولم يوصل بقوله بالله. وأمّا شهدت الذي يراد به علمت ولا يراد به العلم «2» فهو ضرب من العلم مخصوص

_ (1) نسبه سيبويه للبيد 1/ 456، ورواية الديوان ص 171 كما يلي: صادفن منها غرّة فأصبنها إنّ المنايا لا تطيش سهامها (2) كذا الأصل والأظهر أن تكون القسم.

فكلّ شهادة علم وليس كلّ علم شهادة، وممّا يدلّ على اختصاصه بالعلم بأنّه لو قال عند الحاكم: أعلم أنّ لزيد على عمرو عشرة، لم يحكم به حتى يقول: أشهد، فالشهادة مثل التيقّن في أنّه ضرب من العلم مخصوص، فليس كلّ علم تيقّنا، وإن كان كلّ تيقّن علما، وكأنّ التيقّن هو العلم الذي قد عرض لعالمه إشكال فيه. يبيّن ذلك قوله في قصّة إبراهيم: وليكون من الموقنين [الأنعام/ 75] ويبيّن ذلك قول رؤبة: يا دار عفراء ودار البخدن أما جزاء العالم المستيقن عندك إلّا حاجة التّفكّن «1» فوصف العالم بالمستيقن. وقالوا: فلو لم تكن في المستيقن زيادة معنى لم يكن في الوصف الأوّل، ولم يحسن هذا الكلام، وكان غير مفيد. وهذا كقول زهير: فلأيا عرفت الدّار بعد توهّم «2» ثمّ قال: فلمّا عرفت الدّار قلت لربعها أي: عرفتها بعد إشكال امرها، والتباسها عليّ، وعلى هذا قول

_ (1) سبق في 1/ 258، 259. (2) عجز بيت لزهير في معلقته صدره: وقفت بها من بعد عشرين حجّة وقد سبق في 1/ 257.

الآخر «1»: حيّوا الدّيار وحيّوا ساكن الدّار ما كدت أعرف إلّا بعد إنكار وكأنّ معنى: أشهد أيّها الحاكم على كذا وكذا، أي أعلمه علما يحضرني. وقد تذلّل لي، فلا أتوقف عنه ولا أتثبت فيه لوضوحه عندي، وتبيّنه، وليس كذلك سبيل المعلومات كلّها، ألا ترى أنّ منها ما يحتاج إلى توقف فيه، واستدلال عليه، وتنزيل له، ويدلّ على أنّ هذه الشهادة يراد بها المعنى الزائد على العلم أنّه لا يخلو من أن يكون العلم مجردا ممّا ذكرنا، أو مقترنا بما وصفنا من المعاني، فالّذي يدلّ على أنّه المقترن بالمعاني التي ذكرنا قوله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف/ 86]، وقوله: وما شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81]. فلو كان معنى «شهد» العلم خاليا من هذه المعاني لكان المعنى: وما علمنا إلّا بما علمنا، وإلّا من علم بالحقّ وهم يعلمون، فإذا لم يتّجه حمله على هذا علم أنّ معناه ما ذكرنا. وشهد في هذا الوجه يتعدّى بحرف جرّ، فتارة يكون الباء وأخرى يكون على*، فمما يتعدّى بعلى قوله: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا [فصّلت/ 21] وقوله: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم [فصّلت/ 20] ويوم تشهد عليهم ألسنتهم [النور/ 24] شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم [الأنعام/ 130] ومن التعدّي بالباء قوله: وما شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81] وإلا من شهد بالحق

_ (1) لم نقف عليه.

[الزخرف/ 86] وقوله: أربع شهادات بالله [النور/ 6] فإذا نقل بالهمزة زاد بالهمزة مفعول كسائر الأفعال المتعدية إذا نقلت بالهمزة، قال: وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا [الأعراف/ 172] فأمّا قوله: أشهدوا خلقهم [الزخرف/ 19] فمن الشهادة التي هي الحضور، كأنّهم بّخلوا على أن قالوا ما لم يحضروا ممّا حكمه أن يعلم بالمشاهدة. ومن قال: أأشهدوا خلقهم فالمعنى: أأحضروا ذلك، وكان الفعل يتعدّى إلى مفعولين قبل النقل فلمّا بني للمفعول به نقص فتعدّى الفعل إلى مفعول واحد، ويقوّي هذه القراءة قوله: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم [الكهف/ 51] فتعدّى إلى مفعولين لمّا بني الفعل للفاعل. فأمّا قوله: إني أشهد الله واشهدوا أني بريء [هود/ 54] فعلى إعمال الثاني، كما أنّ قوله: آتوني أفرغ عليه قطرا [الكهف/ 96] كذلك، والتقدير: إنّي أشهد الله إنّي بريء. واشهدوا أنّي بريء، فحذف المفعول الأوّل على: ضربت وضربني زيد، وهذا منقول من شهد بكذا، إلّا أن حرف الجر يحذف مع أنّ وأن، فأمّا الباء في قوله: أشهد بالله فهي متعلقة بهذا الظاهر، كما أنّ قوله: أحلف بالله، وأقسم بالله، يتعلق الجارّ فيه بهذا الظاهر. فإن قلت: فلم لا يكون الجار فيه معلقا بمحذوف كأنّه قال: أشهد بقوة الله، فيكون الجارّ فيه كالّذي في قوله: حضرت بسلاحي، وشهدت بقوتي، فإنّ ما تقدّم أولى من هذا، ألا ترى أنّك تقول: أشهد وأشهد بالله كما تقول: أحلف وأحلف بالله، وأقسم وأقسم بالله؟ فكما أنّك في هذا تعلق الجارّ بالظّاهر كذلك في أشهد تعلقه به. وقال: ونزعنا من كل أمة شهيدا [القصص/ 75] فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء [النساء/ 41]

الزخرف: 24

وقال: لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [البقرة/ 143] فشهداء جمع شهيد، كفقيه وفقهاء، وظريف وظرفاء، فأمّا قوله: ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم [هود/ 18] فيجوز أن يكون الأشهاد جمع شاهد مثل: صاحب وأصحاب. وطائر وأطيار، وأظنّه قول سيبويه، ويجوز أن يكون أشهاد جمع شهيد، كيتيم وأيتام، وشريف وأشراف وأبيل «1» وآبال، وهذا كأنّه أرجح، لأنّ ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل. وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: تخرجون* [الزخرف/ 11] بضمّ الرّاء وفتح التاء. الباقون: تخرجون بضمّ التاء وفتح الرّاء «2». حجّة تخرجون* قوله: إذا أنتم بشر تنتشرون [الروم/ 20] فتنتشرون مثل تخرجون، ألا ترى أنّ انتشر مطاوع نشرته، كما أنّ خرج مطاوع أخرجته؟. وحجّة تخرجون قوله: ومنها نخرجكم تارة أخرى [طه/ 55] وقوله: من بعثنا من مرقدنا هذا [يس/ 52]. [الزخرف: 24] قال: قرأ ابن عامر: قال أولو جئتكم [الزخرف/ 24] بألف وكذلك روى حفص عن عاصم. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: قل* بغير ألف «3».

_ (1) الأبيل: رئيس النصارى، وهو الراهب (اللسان أبل). (2) السبعة ص 584. (3) السبعة ص 585.

الزخرف: 33

قال أبو علي: فاعل قال: النذير، المعنى: وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلّا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّة، فقال لهم النذير: أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم؟ ويجوز فيمن قال: قل، أن يكون حكاية ما أوحي إلى النذير، كأنّه: أوحينا إليه فقلنا له قل لهم: أو لو جئتكم بأهدى من ذلك. [الزخرف: 33] اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله عزّ وجلّ: سقفا* [الزخرف/ 33] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: سقفا*، على التوحيد. وقرأ الباقون سقفا بضمّ السين والقاف على الجميع «1». السّقف: جمع سقف قال: وجعلنا السماء سقفا محفوظا [الأنبياء/ 32]، والجمع سقف، مثل: رهن ورهن، ويخفّف فيقال: رهن، ومثله في الصّفة: فرس ورد، وخيل ورد، كذلك كث وكثّ، وسهم حشر، وسهام حشر، وفعل في الجمع يخفّف نحو أسد وأسد. قال: كأنّ محرّبا من أسد ترج ينازله لنابيه قبيب «2» وسقف واحد يدلّ على الجمع، ألا ترى أنّه قد علم بقوله: لبيوتهم أنّ لكل بيت سقفا. وروي عن مجاهد أنّه قال: كلّ شيء من السّماء فهو سقف، وكلّ شيء من البيوت فهو سقف بضمتين،

_ (1) السبعة ص 585. (2) البيت لأبي ذؤيب في شرح ديوان الهذليين 1/ 110 وفيه: ينازلهم بدل ينازله. واللسان (قبب).

الزخرف: 35

ويشبه أن يكون اعتبر في السّقف قوله: وجعلنا السماء سقفا محفوظا [الأنبياء/ 32]. [الزخرف: 35] قال: وقرأ عاصم وحمزة: لما متاع [الزخرف/ 35] مشددة. وقرأ الباقون: لما* خفيف «1». من شدّد كانت إن* عنده بمعنى ما* النافية كالتي في قوله: إن الكافرون إلا في غرور [الملك/ 20]، فكذلك المعنى في الآية: ما كلّ ذلك إلّا متاع الحياة الدنيا، ولما* في معنى إلا*، وقد حكى سيبويه: نشدتك الله لمّا فعلت، وحمله على إلّا، وهذه الآية تدلّ على فساد قول من قال: إنّ قوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون [يس/ 32] أنّ المعنى: إن هو إلّا جميع لدينا محضرون. وزعموا أنّ في حرف أبيّ: وما ذلك إلا متاع الحياة، فهذا يدلّ على أنّ لما* بمعنى إلا* وأن إن* بمعنى ما*، وحكي عن الكسائي أنّه قال: لا أعرف وجه التثقيل، وقال أبو الحسن: قال بعضهم: لمّا مثقلة، وجعلها في معنى إلّا، وذهب إلى أنّ التخفيف الوجه، قال: لأنّ لمّا في معنى إلّا لا يكاد يعرف ولا يكاد يتكلّم بها. وأمّا من قال لما* بالتخفيف، فإن إن* في قوله المخفّفة من الثقيلة، واللّام فيها التي تدخل لتفصل بين النفي والإيجاب في قوله: هبلتك أمك إن قتلت لفارسا «2»

_ (1) السبعة ص 586 وفيها تفصيل لما أجمله الفارسي في قوله: وقرأ الباقون .. (2) صدر بيت من شواهد المغني ص 37 برواية: شلّت يمينك إن قتلت لمسلما حلّت عليك عقوبة المتعمّد

الزخرف: 38

وكقوله: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين [الأعراف/ 102]، ومن نصب بها مخففة فقال: إن زيدا لمنطلق، استغنى عن هذه اللّام، لأنّ النافية لا ينتصب بعدها الاسم، فإذا لم يقع بعدها انتصاب اسم لم يقع اللّبس، وما* فيه زائدة، المعنى: وإن كلّ ذلك لمتاع الحياة الدنيا، ولم تعمل إن* عمل الفعل لمّا خففتها لزوال شبهها بالفعل من أجل التخفيف، ولو نصبت بها لجاز في القياس، وحكى سيبويه النصب بها مخففة، والقياس أن لا تعمل إذا خفّفت يدلّك على ذلك دخلوها على الفعل في نحو: وإن كنا عن دراستهم لغافلين [الأنعام/ 156] وو إن وجدنا أكثرهم لفاسقين [الأعراف/ 102]. [الزخرف: 38] اختلفوا في التوحيد والتثنية من قوله تعالى: حتى إذا جاءنا قال [الزخرف/ 38]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر حتى إذا جاءانا لاثنين. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جاءنا واحد «1». حجّة الإفراد: قوله: قال: يا ليت بيني وبينك [الزخرف/ 38]

_ وقد استوفي تخريجه في شرح أبيات المغني للبغدادي 1/ 89، 92 وقد ذكر البغدادي أثناء الشرح رواية: هبلتك أمك. والبيت من أبيات لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وهي من الصحابيات المهاجرات المبايعات، ترثي فيها زوجها الزبير بن العوّام الذي قتله عمرو بن جرموز منصرفه من وقعة الجمل. (1) السبعة ص 586.

الزخرف: 53

فهو واحد، وحجّة التثنية قوله: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين [الزخرف/ 36] فقوله: جاءانا على التثنية هو الكافر وقرينه هذا. وهكذا روي عن عكرمة قال: الكافر وقرينه، وليس يدلّ قوله: يا ليت بيني وبينك أنّ قرينه ليس معه، بل يجوز أن يقول له هذا وهو معه. [الزخرف: 53] قال وكلّهم قرأ: أساورة [الزخرف/ 53] إلّا عاصما في رواية حفص، فإنّه قرأ: أسورة. قال أبو زيد: قالوا: رجل إسوار من قوم أساورة، وهو إسوار المرأة، وسوار المرأة وأسورة لجماعتها، قال: وهما قلبان «1» يكونان في يديها. قال أبو علي: فرواية حفص: أسورة هو جمع سوار، جمعه على أسورة، مثل: سقاء وأسقية. وإزار وآزرة، وخوان وأخونة. ومن قرأ أساورة جعله جمع إسوار الذي ذكره أبو زيد، وقال في الجمع: أساورة، فألحق الهاء في الجمع على أن الهاء عوض من الياء التي ينبغي أن تلحق في جمع إسوار على حدّ: إعصار وأعاصير فإن شئت قلت: أساورة، وإن شئت قلت: أساوير. ويجوز في أساورة أن يكون جمع أسورة مثل أسقية وأساق، ولحقت علامة التأنيث كما لحقت في قشعم وقشاعمة، فأمّا أساورة في جمع إسوار، فالهاء فيه على حدّ ما يلحق المعربات نحو: طيالسة، وزنادقة، وقد لحقت هذه

_ (1) القلب من الفضة يسمى سوارا. انظر اللسان/ سور/.

الزخرف: 56

الهاء المعرّبة نحو: صياقلة وقشعم وقشاعمة، والإسوار معرب «1» وهو الفارس. [الزخرف: 56] اختلفوا في ضمّ السّين واللّام من قوله عزّ وجلّ: سلفا [الزخرف/ 56] وفتحهما. فقرأ حمزة والكسائي: سلفا بضمّ السّين واللّام. وقرأ الباقون: سلفا بفتحهما «2». قال أبو علي: من قال: سلفا بضمّ السّين واللّام جاز أن يجعله جمعا لسلف، فيكون مثل أسد وأسد، ووثن وقالوا: أثن، وممّا لحقته تاء التأنيث من هذا: خشبة وخشب، وبدنة وبدن. ومن قال: سلفا بفتح السّين واللّام، فلأنّ فعلا قد جاء في حروف يراد بها الكثرة، وكأنّه اسم من أسماء الجمع، كقولهم: خادم وخدم، وطالب وطلب، وحارس وحرس، وحكى أحمد بن يحيى: رائح وروح، فلذلك جاء في موضع الجمع في قوله: فجعلناهم سلفا [الزخرف/ 56] وكذلك المثل واحد يراد به الجمع، فمن ثمّ عطف على سلف في قوله: فجعلناهم سلفا ومثلا. ويدلّك على وقوعه على أكثر من واحد قوله: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ... ومن رزقناه «3» [النحل/ 75] فأوقع لفظ الإفراد على التثنية، وكذلك جاز وقوعه على الجمع، وقد جمع المثل في قوله:

_ (1) الإسوار الواحد من أساورة فارس وهو الفارس من فرسانهم المقاتل. انظر اللسان/ سور/. (2) السبعة ص 587. (3) وتمام الآية: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرّا وجهرا)

الزخرف: 57

وتلك الأمثال نضربها للناس [العنكبوت/ 43، الحشر/ 21] فمثل في هذا كالمثل في أنّه جمع مرة وأفرد أخرى، في قوله: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140] وجمع في قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/ 38] وكذلك أفرد في موضع التثنية فيما أنشده سيبويه: وساقيين مثل زيد وجعل «1» ويثنى أيضا في قوله: والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان «2» وإذا كانت الجموع الصّحيحة قد كسّرت في نحو: حمال «3» وحمائل، وأسقية وأساق، فأن يجوز تكسير نحو سلف على سلف أجدر. [الزخرف: 57] اختلفوا في ضمّ الصّاد وكسرها من قوله عزّ وجلّ: يصدون* [الزخرف/ 57].

_ (1) صدر بيت عجزه: سقبان ممشوقان مكنوزا العضل انظر الكتاب 1/ 226. (2) عجز بيت لحسان بن ثابت صدره: من يفعل الحسنات الله يشكرها انظر ديوانه 1/ 516، وانظر الكتاب 1/ 435، النوادر/ 31، والمحتسب 1/ 193، والمقتضب 2/ 72، والبيت من شواهد المغني انظره في شرح أبيات المغني 1/ 371، وانظر فهارسه 8/ 293 فقد ورد البيت في عدة مواطن. (3) الحمال: جمع حمل وهو ما يحمل في البطن من الأولاد في جميع الحيوان (اللسان).

فقرأ نافع وابن عامر والكسائي: يصدون* بضمّ الصّاد وقرأ الباقون يصدون بكسر الصاد «1» أبو عبيدة: إذا قومك منه يصدون يضجّون، ومن ضمّها: فمجازها يعدلون «2». وقال غيره يصدّون ويصدّون والكسر أكثر، قال: ومعناهما جميعا: يضجّون، وقال أبو الحسن: يصدّون ويصدّون، مثل: يحشر ويحشر، وقال بعض المفسّرين: يضحكون. قال أبو علي: المعنى: أنّه لمّا نزل: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [الأنبياء/ 98] قال المشركون: أآلهتنا خير أم هو [الزخرف/ 58]، أي: إن كانت آلهتنا حصب جهنّم لأنّها اتّخذت آلهة وعبدت فعيسى في حكمهم كذلك، فقال: ولما ضرب ابن مريم مثلا [الزخرف/ 57] في هذا الذي قالوه إذا قومك منه يصدون [الزخرف/ 57] أي: يضجّون لما أتوا به عندهم في تسويتهم بين عيسى عليه السلام، وبين آلهتهم، وما ضربوه إلّا إرادة المجادلة، لأنهم قد علموا أنّ المراد بحصب جهنّم ما اتخذوه من الموات، ويقال: صدّ عن كذا فيوصل بعن، كما قال: صدّت كما صدّ عمّا لا يحلّ له «3»

_ (1) السبعة ص 587. (2) مجاز القرآن 2/ 205. (3) صدر بيت سبق في 5/ 18 وانظر تفسير القرطبي 1/ 433، والبيت من أبيات في شرح أبيات المغني 3/ 281، 285، وينسب لأبي دؤاد الإيادي، وللنمر بن تولب.

الزخرف: 49

وصددت الكأس عنّا أمّ عمرو «1» ويصدون عنك [النساء/ 61]، وصد عن السبيل «2» [غافر/ 37]، فمن ذهب في يصدّون إلى معنى يعدلون كان المعنى إذا قومك منه أي: من أجل المثل يصدّون، ولم يوصل يصدّ بعن ومن قال في يصدّون يضجّون جعل من* متصلة بيضج، كما تقول: ضجّ من كذا. [الزخرف: 49] قال: قرأ ابن عامر وحده: يا أية الساحر [الزخرف/ 49] بضمّ الهاء. وقرأ الباقون: يا أيها بفتح الهاء، وكان أبو عمرو والكسائي يقفان بالألف «3» ولم يحفظ عن غيرهما وقف «4». قد تقدّم القول في ذلك، وفي ذكر شبهة ابن عامر. قال: قرأ ابن عامر وحده: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم إنكم [الزخرف/ 39] بكسر الألف. وقرأ الباقون: أنكم بفتح الألف «5». قال أبو علي: قراءة ابن عامر: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [الزخرف/ 39] فاعل ينفعكم فيه الاشتراك كما أنّه في قول من فتح أنّ كذلك، المعنى: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم

_ (1) هذا صدر بيت لعمرو بن كلثوم سبق في 4/ 147 و 5/ 18 (2) الآية كما أثبتنا نصّها وقد وردت في المخطوط سهوا (وصدّ عن سبيل الله). (3) زاد في السبعة بين معقوفين: هاهنا وفي النور 31 وفي الرحمن 31. (4) السبعة ص 586، 587. (5) السبعة 587.

وفي هذا حرمان التأسّي، وهي نعمة يسلبها الله من أهل النّار ليكون أشدّ لعذابهم، ألا ترى أنّ التأسّي قد يخفّف عن المتأسّي كثيرا من حزن كما جاء: ... ولكن أعزّي النفس عنه بالتأسّي «1» ولكنّه أضمر الفاعل هنا لما يقع عليه من الدّلالة بعد، وجاز له إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه، كقولهم: إذا كان غدا فائتني، فأضمر الفاعل، فكذلك أضمره لدلالة في قوله: لن ينفعكم اليوم، وحال التلاوة دالّة عليه ومبينة له، ويجوز فيه وجه آخر، وهو: أن يكون فاعل ينفع التبرّؤ كأنّه: ولن ينفعكم اليوم تبّرؤ بعضكم من بعض، وأظنّ أنّ بعض المفسّرين قد قاله، ودلّ على التبرؤ ما في الكلام من الدّلالة عليه، وذلك أنّ قوله: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين [الزخرف/ 38]، يدلّ على التبرؤ، فصار إضمار الفاعل هنا كإضماره في قوله: فزادهم إيمانا [آل عمران/ 173] ونحوه في أن ما تقدّم من الكلام يدلّ عليه، ومن فتح أن* على هذا القول وجب أن يكون في موضع نصب، لأنّ الفعل إذ اشتغل بما تحمّله من الضمير الذي هو الذّكر، في المعنى، وجب أن يكون أنكم في موضع نصب، فأمّا اليوم في قوله ولن ينفعكم اليوم فمتعلق بالنفع، ولا يجوز إذا تعلّق به ظرف من الزّمان أن يتعلّق به آخر منه، ولا يصحّ بدل إذ* من اليوم*، ولكن الظرف الذي هو إذ* يتعلّق بالمعنى كأنّه: لن ينفعكم

_ (1) هذا من بيت للخنساء صدره: وما يبكون مثل أخي ولكن انظر ديوانها/ 90 والبيت استشهد به البغدادي في شرح أبيات المغني 7/ 289. وانظر الكشاف 4/ 199

الزخرف: 68

اليوم اشتراككم أمس، ولا يتعلّق بالاشتراك، لأنّ الموصول لا تتقدّم عليه صلته، ولكنّه نحو قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]. ألا ترى أنّ ما بعد لا* هذه لا يعمل فيما قبلها، كما أنّ ما بعد أن* لا يعمل فيما قبلها؟ وكذلك المصدر، ولكنّ المعنى: ولن ينفعكم اجتماعكم إذ ظلمتم، فإذا* في كلتا القراءتين يتعلّق بهذا المعنى، ولا يتعلق بالنفع. [الزخرف: 68] اختلفوا في إثبات الياء وحذفها من قوله تعالى: يا عبادي لا خوف عليكم [الزخرف/ 68]. فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: يا عباد بغير ياء. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: يا عبادي* بإثبات الياء. وكلهم أسكنها غير عاصم في رواية أبي بكر، فإنّه نصبها يا عبادي لا خوف [الزخرف/ 68]. وقال ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو أنّه وقف يا عبادي* بياء، وقال ابن رومي عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: الوقف بغير ياء «1». قال أبو علي: حذف الياء في يا عبادي* أحسن، لأنّه في موضع تنوين، ألا ترى أنّها قد عاقبته؟ فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد كذلك تحذف الياء لكونه على حرف، كما أنّ التنوين كذلك، ولأنّه لا ينفصل من المضاف، كما لا ينفصل التنوين من المنون، فصار

_ (1) السبعة ص 588.

الزخرف: 71

في المعاقبة كالتنوين وحرف الندبة، وكعلامة الضمير والنّون في نحو: هم الضّاربوه، والآخذوه. ووجه من أثبت الياء في المنادى، أنّه علامة ضمير كالهاء في غلامه، والكاف في غلامك، فكما لا تحذف هاتان العلامتان كذلك لا تحذف الياء، والأوّل أكثر في استعمالهم. [الزخرف: 71] قال: قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: تشتهيه الأنفس [الزخرف/ 71] بإثبات هاء بعد الياء. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: تشتهي بغير هاء «1». قال أبو علي: حذف الهاء من الصّلة في الحسن كإثباتها، إلا أنّ الحذف يرجح على الإثبات بأنّ عامّة هذا النحو في التنزيل جاء على الحذف، فمن ذلك قوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم [هود/ 43] ويقوّي الحذف من جهة القياس أنّه اسم قد طال، والأسماء إذا طالت فقد يحذف منها، كما حذفوا من اشهيباب، واحميرار، وكما حذفوا من كينونة، وصيرورة، فكما ألزموا الحذف لهذا ولباب احميرار في أكثر الأمر، كذلك يحسن أن تحذف الهاء من الصلة، وقد جاءت مثبتة في قوله: إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس [البقرة/ 275]. [الزخرف: 85] اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: وإليه يرجعون [الزخرف/ 85] في الياء والتاء.

_ (1) السبعة ص 589.

الزخرف: 88

فقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم «1»: وإليه ترجعون بالتاء مضمومة. وقرأ الباقون بالياء مضمومة «2» حجّة الياء أنّ قبله غيبة، وهو قوله: فذرهم يخوضوا ويلعبوا [الزخرف/ 83، المعارج/ 42]. ووجه التاء على: قل لهم: وإليه ترجعون، أو أريد به مع الغيبة مخاطبون، فجعلت الخطاب على الغيبة، فيكون الغيب مرادين مع غيرهم. [الزخرف: 88] اختلفوا في قوله: وقيله [الزخرف/ 88] في فتح اللّام وكسرها. فقرأ عاصم وحمزة: وقيله يا رب [الزخرف/ 88] بكسر اللّام. المفضل عن عاصم: وقيله منصوبة اللّام. الباقون: قيله «3». قال أبو علي: وجه الجرّ في قوله: وقيله، على قوله: وعنده علم الساعة «4» [الزخرف/ 85]، أي: يعلم الساعة، ويصدّق بها، ويعلم قيله، ومعنى يعلم قيله، أي: يعلم أنّ الدعاء مندوب إليه بنحو قوله: ادعوني استجب لكم [غافر/ 60] وادعوا ربكم تضرعا وخفية [الأعراف/ 55].

_ (1) في السبعة: وابن عامر وعاصم. (2) السبعة ص 589. (3) السبعة ص 589. (4) يريد أنه على لفظ الساعة، أي وعنده علم الساعة وعلم قيله: يا ربّ.

فأمّا نصب قيله فعلى الحمل على موضع: وعنده علم الساعة لأنّ الساعة مفعول بها، وليست بظرف، فالمصدر مضاف إلى المفعول به، ومثل ذلك قوله: قد كنت داينت بها حسّانا مخافة الإفلاس واللّيانا يحسن بيع الأصل والقيانا «1» فكما أن القيان واللّيان محمولان على ما أضيف إليه المصدر من المفعول به، كذلك قوله: وعنده علم الساعة لما كان معناه: يعلم الساعة، حملت قيله على ذلك. ويجوز أن تحمله على: يقول قيله، فيدلّ انتصاب المصدر على فعله، وكذلك قول كعب: يسعى الوشاة حنانيها وقيلهم إنّك يا ابن أبي سلمى لمقتول «2» ووجه ثالث: أن يحمل على قوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم [الزخرف/ 80] وقيله [الزخرف/ 88]. وقرأ ناس من غير السبعة: وقيله يا رب بالرفع، ويحتمل ضربين: أحدهما: أن تجعل الخبر: وقيله قيل يا ربّ، فيحذف، والآخر: أن تجعل الخبر قيله يا ربّ مسموع ومتقبّل، فيا ربّ منصوب

_ (1) هذا من رجز رؤبة بن العجّاج انظر ديوانه/ 187، والكتاب 1/ 98، وابن الشجري 1/ 228، 2/ 31، وشرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 46، 47 (2) البيت لكعب بن زهير في ديوانه ص 19، من قصيدته المشهورة بالبردة.

الزخرف: 89

الموضع بقيله المذكور، وعلى القول الآخر بقيله المضمر، وهو من صلته، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع أن يحذف بعض الموصول، ويبقى بعضه، لأنّ حذف القول قد أضمر حتى صار بمنزلة المذكور. وقد يحتمل بيت كعب الرفع على الوجهين اللّذين ذكرناهما فيمن رفع قيله في الآية. [الزخرف: 89] قال قرأ نافع وحده وقل سلام فسوف تعلمون [الزخرف/ 89] بالتاء، وقال ابن ذكوان عن ابن عامر بالياء، وقال هشام «1» بالتاء. وقرأ الباقون بالياء وقال الخفّاف: عن أبي عمرو: الياء والتاء عندي سواء «2» وجه الياء أن يحمل على الغيبة التي هي: فاصفح عنهم ... فسوف يعلمون [الزخرف/ 89]. ووجه التاء على الخطاب على قل المظهر في الكلام: قل لهم سوف تعلمون، وكلاهما قريب المتناول كما خبّر أبو عمرو فيه. [الزخرف: 58] قال: وقرأ أبو عمرو وابن كثير «3»: وقالوا أآلهتنا خير [الزخرف/ 58] ممدودة- استفهام «4» - في تقدير ثلاث ألفات، وقال عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أأالهتنا بهمزتين بعد الثانية ألف.

_ (1) في السبعة هشام بن عمّار. (2) السبعة ص 589. (3) في السبعة: وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وابن كثير. (4) سقطت من السبعة.

وقال أحمد ابن صالح عن قالون عن نافع: ء آلهتنا «1» بهمزة واحدة بعدها مدّة في تقدير همزة بعدها ألفان. وكذلك قرأت على ابن عبدوس عن أبي عمرو «2» عن إسماعيل عن نافع. وقال أحمد بن صالح: وأراني سمعت أبا بكر بن أبي أويس يقول كما قال قالون، وقال أحمد بن صالح: بلغني عن ورش أنّه كان يقرؤها بغير استفهام على مثال الخبر «3». قال أبو علي: قوله استفهام في تقدير ثلاث ألفات ترجمة فيها تجوّز، وتحقيقها أن الهمزة المبدوء بها همزة الاستفهام، والهمزة الثانية التي هي همزة أفعلة من أالهة بين بين، وبعد هذه الهمزة التي هي همزة أفعلة الألف المنقلبة عن الفاء التي هي همزة من إله قلبت ألفا لاجتماع الهمزتين اللّتين الأولى منهما مفتوحة، فهي مثل أادم، والكوفيون وابن عامر خفّفوا الهمزتين جميعا على ما يرونه من تحقيق الهمزتين. وما ذكره أحمد بن صالح عن قالون عن نافع بهمزة واحدة وبعدها مدة، فالهمزة الأولى للاستفهام، والثانية همزة أفعلة يجعلها بين بين، وبعدها الألف المنقلبة عن الهمزة. وقوله في تقدير همزة بعدها ألفان، معناه أن همزة الاستفهام التي في قوله: أالهتنا جعل الهمزة التي بعدها بين بين، فصار كالألف للتخفيف الذي دخلها، وكونها بين الألف والهمزة، والألف

_ (1) من السبعة. (2) في السبعة: عن أبي عمر. (3) السبعة ص 587 - 588.

الثانية هي ألف في الحقيقة، فأمّا التي قبلها فهمزة بين بين. وما ذكره عن ورش أنّه كان يقرؤها بغير استفهام، فإنّ المعنى على الاستفهام، ألا ترى أنّ المعنى: أيّهما خير؟ ولعلّه حذف الهمزة لاجتماع المثلين ودلالة أم عليها، كما حذفها عمران في قوله: وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر أتوني فقالوا من ربيعة أو مضر أم الحيّ قحطان «1» .. فهذا أكثر ما يجيء في الشعر، وقد قيل في قوله: وتلك نعمة تمنها علي [الشعراء/ 22] أن المراد به الاستفهام، والوجه إثبات الهمزة وترك حذفها ومما تكون همزة الاستفهام فيه محذوفة قول الكميت: ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب «2» معناه على: أو ذو الشيب يلعب؟ على وجه التقرير، أن ذلك لا ينبغي.

_ (1) البيتان لعمران بن حطّان وتمام البيت الثاني: أم الحيّ قحطان؟ فتلكم سفاهة كما قال لي روح وصاحبه زفر وهما من قصيدة له في الكامل ص 1088. وسبق البيت الأول في 4/ 66. (2) هذا عجز بيت للكميت صدره: طربت وما شوقا إلى البيض أطرب انظر الخصائص 2/ 281، والعيني 3/ 111، والمحتسب 1/ 50، وابن الشجري 1/ 267، وشرح أبيات المغني 1/ 29.

سورة الدخان

ذكر اختلافهم في سورة الدخان [الدخان: 7، 6] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر هاهنا رب السموات [7] برفع الباء. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي هاهنا: رب السموات بكسر الباء. وفي المزّمّل: رب المشرق* [9] بكسر الباء. وفي عمّ يتساءلون: رب السموات [37] كسرا، ووافقهم ابن عامر على هذين الحرفين في المزّمّل، وفي عمّ يتساءلون. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ذلك كلّه بالرفع. وقرأ عاصم في رواية حفص في المزّمّل: رب المشرق والمغرب رفعا، وفي الدّخان، وعمّ يتساءلون: بالخفض «1». رفع الباء من رب السماوات على القطع من الأوّل، لأنّ ما بعده قد تمّ فانقطع الكلام بقوله: إنه هو السميع العليم [الدخان/ 6].

_ (1) السبعة ص 592.

الدخان: 47

والرفع فيه على أحد أمرين: إمّا أن يكون خبر مبتدأ محذوف لما قال: رحمة من ربك إنه هو السميع العليم [الدخان/ 6] قال: هو رب السماوات فحذف المبتدأ، أو يكون: رب السماوات مبتدأ وخبره الجملة التي عاد الذّكر منها إليه، وهو قوله: لا إله إلا هو ويقوّي هذا قوله: رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو، ومن قرأ: رب السموات والأرض جعله بدلا من ربك المتقدّم ذكره. قال أبو الحسن: الرفع أجود وبه نقرأ. وما في المزّمّل: واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق [المزّمّل/ 8، 9] فقد تمّ الكلام بقوله: وتبتل إليه تبتيلا، وانقطع، فالاستئناف فيه أحسن كما كان في قوله: رب السموات والأرض في الدّخان، ومن لم يستأنف أبدله من ربك من قوله: واذكر اسم ربك- رب المشرق كما أبدل في الدّخان، فإذا قطعه من قوله: واذكر اسم ربك فرفع رب المشرق والمغرب كان على الوجهين اللّذين ذكرناهما في الآية التي في الدّخان، وما في عمّ يتساءلون، فقوله: جزاء من ربك عطاء حسابا [النبأ/ 36] فمن استأنف أيضا جاز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وجاز أن يكون: رب السموات مبتدأ وخبره الرحمن*، ومن أبدل فقال: رب السموات والأرض كان الرحمن على قوله مبتدأ وما بعده خبره. [الدخان: 47] اختلفوا في كسر التاء وضمها من قوله عزّ وجلّ: فاعتلوه [الدخان/ 47] فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: خذوه فاعتلوه بضمّ التاء. عبيد عن أبي عمرو: فاعتلوه وفاعتلوه بالكسر والضمّ جميعا، لم يذكر عبيد الباقين بشيء. وعن عبيد عن هارون عن أبي عمرو: فاعتلوه كسرا.

الدخان: 45

وقرأ الباقون: فاعتلوه بالكسر «1». قيل في قوله: فاعتلوه: قودوه بعنف، ويعتل ويعتل مثل يعكف ويعكف ويحشر ويحشر، ويفسق ويفسق، ونحو ذلك من الكلم التي يجيء فيه يفعل ويفعل جميعا. [الدخان: 45] اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: يغلي [الدخان/ 45]. فقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص: يغلي بالياء. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: تغلي بالتاء «2». من قال: تغلي بالتاء حمله على الشجرة، كأنّ الشجرة تغلي في البطون، ومن قال: يغلي، جعله على الطّعام لأنّ الطّعام هو الشجرة في المعنى. ألا ترى أنّه خبر الشجرة؟ والخبر في المعنى إذا كان مفردا هو الابتداء، ولا يجعل على المهل، إنّما ذكر للتشبيه في الذّوب. فأمّا قوله: ألم يك نطفة من مني تمنى [القيامة/ 37] فالتاء فيه كالياء، لأنّ كلّ واحد منهما هو الآخر، قال: إنا خلقنا الإنسان من نطفة [الإنسان/ 2]. [الدخان: 49] قال: قرأ الكسائي وحده: ذق أنك أنت العزيز الكريم [الدخان/ 49]. وقرأ الباقون: إنك بكسر الألف «3».

_ (1) السبعة ص 592 - 593. (2) السبعة ص 592. (3) السبعة ص 593.

الدخان: 51

من كسر أن* فعلى ما كان يقوله، فالمعنى: إنّك أنت العزيز الكريم في زعمك، وفيما تقوله، فأجري ذلك على حسب ما كان يذكره أو يذكر به، ومثل هذا قوله: أين شركائي الذين كنتم تزعمون [القصص/ 62] أي شركائي فيما يفترون ويدّعون، وأخبرنا بعض الرواة أن زهرة اليمن قال في جرير: أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها أني الأغرّ وأنّي زهرة اليمن «1» وأجابه جرير: ألم تكن في وسوم قد وسمت بها من حال موعظة يا زهرة اليمن «2» أي: زهرة اليمن فيما تقول، وكذلك أبو جهل كان يقول: أنا أعزّ الوادي وأمنعهم، فعلى ما يقول جاء التنزيل بتكذيبه، فأمّا قول الكسائي: ذق أنك بفتح الهمزة فالمعنى: ذق بأنك، والناس على الأوّل. [الدخان: 51] قرأ نافع وابن عامر في مقام أمين [الدخان/ 51] بضمّ الميم.

_ (1) سبق في 2/ 183 والبيت في المسائل الحلبيات ص 82 مع بيت جرير الآتي دونما فاصل وهو خطأ واضح. (2) سبق في 2/ 183 وهو في المسائل الحلبيات ص 82 مع بيت زهرة اليمن دونما فاصل ونسبهما فيها لجرير، وأظن أن هذا من خطأ النساخ لأن أبا علي ذكر الشعر في أكثر من مكان في الحجة دونما مزج بين البيتين، ودونما خطأ في نسبة كل بيت منهما لصاحبه.

وقرأ الباقون: في مقام بفتح الميم «1». من فتح الميم من مقام أراد به المجلس والمشهد، كما قال: في مقعد صدق [القمر/ 55] ووصفه بالأمن، يقوّي أنّه يراد به المكان، ووصف بالأمن كما يوصف بالخوف. وأمّا من ضمّ فإنّه يحتمل أن يريد به المكان من أقام فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، ويجوز أن يجعله مصدرا ويقدّر المضاف محذوفا في موضع إقامة أمين.

_ (1) السبعة 593.

سورة الجاثية

ذكر اختلافهم في سورة الجاثية [الجاثية: 5، 4] قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: وما يبث من دابة آيات [4] رفعا، وتصريف الرياح آيات [5] رفعا. وقرأ حمزة والكسائي: كسرا فيهما «1». من قال: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات جاز الرفع في قوله: آيات من وجهين: أحدهما: العطف على موضع إن* وما عملت فيه، لأنّ موضعها رفع بالابتداء، فيحمل الرفع فيه على الموضع، والآخر: أن يكون مستأنفا، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة، فيكون قوله: آيات على هذا مرتفعا بالظرف في قول من رأى الرفع بالظرف، أو بالابتداء في قول من لم ير الرفع بالظرف، فهذا وجه قول من رفع آيات في الموضعين. قال أبو الحسن: من دابة آيات قراءة الناس الرفع، وهو أجود، وبها نقرأ، لأنّه قد صار على كلام آخر. نحو: إنّ في الدّار زيدا وفي

_ (1) السبعة ص 594.

البيت غيره، لأنّك إنّما تعطف الكلام كلّه على الكلام كلّه. قال: وقد قرئ بالنصب وهو عربيّ، انتهت الحكاية عنه. فأمّا قوله: واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون [الجاثية/ 5] فإنّك إن تركت الكلام على ظاهره، فإنّ فيه عطفا على عاملين: أحد العاملين: الجارّ بالذي هو في* من قوله: وفي خلقكم وما يبث من دابة [الجاثية/ 4] والعامل الآخر: إن نصبت إنّ، وإن رفعت، فالعامل المعطوف عليه مع في: الابتداء أو الظرف. ووجه قراءة حمزة والكسائي: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات [الجاثية/ 4] وتصريف الرياح آيات [الجاثية/ 5] فعلى أنّه لم يحمل على موضع إنّ كما حمله من رفع آيات في الموضعين أو قطعه واستأنف، ولكن حمل على لفظ إنّ دون موضعها فحمل آيات في الموضعين على نصب إن في قوله: إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين [الجاثية/ 3] فإن قلت إنّه يعرض في هذه القراءة العطف على عاملين، وذلك في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات [الجاثية/ 5] وسيبويه وكثير من النحويين لا يجيزونه، قيل يجوز أن يقدر في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات، وإن كانت محذوفة من اللّفظ في حكم المثبت فيه، وذلك أن ذكره قد تقدّم في قوله: إن في السموات وفي خلقكم فيجوز أن يكون حذفها لأنّ حرف الجرّ قد تقدّم ذكره في قوله: إن في السموات وقوله: وفي خلقكم فلمّا تقدّم ذكر الجارّ في هذين قدّر فيه الإثبات في اللّفظ، وإن كان محذوفا منه كما قدّر سيبويه في قوله:

أكلّ امرئ تحسبين امرأ ونار توقّد باللّيل نارا «1» إن كل* في حكم الملفوظ به، واستغني عن إظهاره بتقدّم ذكره، وكذلك فعلت العرب في الجارّ، ألا ترى أنّهم لم يجيزوا: من تضرب أمرّ، ولو قلت: بمن تمرّ أمرّ، كان جائزا؟ وعلى أنّهم قالوا: على من تنزل أنزل عليه، فحذفوا الجارّ، وحسن ذلك لتقدّم ذكر الجارّ، وعلى هذا قول الشاعر: إنّ الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوما على من يتّكل «2» لمّا ذكر على* وإن كانت زائدة في قول سيبويه حسن حذف الجارّ من الصلة، ولو لم يذكره لم يجز، وكذلك ما حكاه يونس، من قولهم: مررت برجل صالح إلّا صالح، فطالح، لمّا تقدّم ذكر الجارّ حسن ذلك، ولو لم يذكر الجارّ لم يكن هذا، وممّا يؤكّد قول حمزة والكسائي، وأن آيات* محمولة على إنّ ما ذكر من أنّه في قراءة «3» ثلاث لامات. وفي خلقكم وما يبث من دابة لآيات وكذلك الموضعان الآخران. فدخول اللّامات يدلّ على أنّ

_ (1) سبق البيت ص 47 من هذا الجزء. (2) البيت لبعض الأعراب استشهد به الفارسي في المسائل العسكرية ص 190. انظر سيبويه في الكتاب 1/ 443، والخصائص 2/ 305، والمحتسب 1/ 281، والخزانة 4/ 252، والبيت من شواهد المغني وشرحه للبغدادي 3/ 241، 304. (3) في الهامش: في أخرى: في قراءة أبي.

الكلام محمول على إن*، وإذا كان محمولا عليها حسن النصب على ما قرأ حمزة والكسائي، وصار كلّ موضع من ذلك كأن إن* مذكورة فيه، بدلالة دخول اللّام، لأنّ هذه اللّام إنّما تدخل على خبر إنّ، أو على اسمها، وممّا يجوز أن يتأوّل على ما ذكرنا في قوله: واختلاف الليل والنهار آيات قول الفرزدق: وباشر راعيها الصّلا بلبانه وجنبيه حرّ النّار ما يتحرّف «1» فهذا إن حملت الكلام على ظاهره كان عطفا على عاملين على الفعل والباء، وإن قدّرت أن الياء ملفوظ بها لتقدّم ذكرها، صارت في حكم الثبات في اللّفظ، وإذا كان كذلك كان العطف على عامل واحد. وهو الفعل دون الجارّ، وكذلك قول الآخر: أوصيت من برّة قلبا حرا بالكلب خيرا والحماة شرّا «2» إن قدّرت الجارّ في حكم المذكور بها بدلالة المتقدّم عليه لم يكن عطفا على عاملين كما لم يكن قوله: واختلاف الليل والنهار آيات كذلك وقد يخرج قوله: واختلاف الليل والنهار آيات وآيات من أن يكون عطفا على عاملين من وجه آخر، وهو أن تقدّر قوله: واختلاف الليل والنهار معطوفا على في* المتقدّم ذكرها،

_ (1) انظر ديوانه 2/ 559، وفيه: وكفّيه بدل وجنبيه والبيت في المسائل العسكريات ص 163. (2) البيت من رجز لأبي النجم في شرح أبيات المغني للبغدادي 3/ 372، والمسائل العسكريات ص 163.

الجاثية: 6

ويجعل آيات متكررة كرّرتها لما تراخى الكلام وطال، قال بعض شيوخنا في قوله: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له [التوبة/ 63] إنّ أن له هي الأولى كررت، وكما جاء فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به [البقرة/ 89] لما تراخى عن قوله: ولما جاءهم كتاب من عند الله [البقرة/ 89] وهذا النحو من كلامهم ضيّق. [الجاثية: 6] اختلفوا في التاء والياء من قوله عزّ وجلّ: وآياته يؤمنون [الجاثية/ 6]. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص والأعشى عن أبي بكر «1» وأبو عمرو يؤمنون بالياء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: تؤمنون* بالتاء، وكذلك يحيى عن أبي بكر عن عاصم بالتاء أيضا «2». حجّة من قرأ بالياء أنّ قبله غيبة، وهو قوله: لقوم يوقنون [الجاثية/ 4]، ومن حجّته أنّه قال: تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق [الجاثية/ 6] مخاطبة للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يكون في خطابه: فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون [الجاثية/ 6] فإن قلت: إنّ في أوّل الكلام خطابا، وهو قوله: وفي خلقكم وما يبث من دابة [الجاثية/ 4] قيل: والغيبة التي ذكرنا أقرب إلى الحرف المختلف فيه، والأقرب إليه أولى أن يحمل عليه، والتّاء على: نتلوها عليك بالحق فقل لهم: بأي حديث بعد ذلك تؤمنون.

_ (1) في السبعة زيادة عن عاصم، ولا حاجة لذكر عاصم لأنّه تقدّم ذكر رواية حفص عنه كما ترى في النص. (2) السبعة ص 594.

الجاثية: 14

[الجاثية: 14] قال، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: لنجزي قوما بالنون [الجاثية/ 14]. وقرأ الباقون بالياء «1». حجّة الياء: أنّ ذكر الله عزّ وجلّ قد تقدّم في قوله: لا يرجون أيام الله [الجاثية/ 14] فيكون فاعل يجزي، ومن قرأه بالنون، فالنون في معنى الياء، وإن كانت الياء أشدّ مطابقة لما في اللّفظ. [الجاثية: 11] ابن كثير وعاصم في رواية حفص: من رجز أليم [الجاثية/ 11] رفع. الباقون وأبو بكر عن عاصم: أليم* خفض «2». قال أبو علي: الرجز: العذاب، بدلالة قوله: فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء [البقرة/ 59] وقوله: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134] وقال: فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه [الأعراف/ 135] وفي موضع آخر: فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم [الزخرف/ 50] فمعنى قول من جرّ فقال: لهم عذاب من رجز أليم*: لهم عذاب من عذاب أليم، فإذا كان عذابهم من عذاب أليم. كان عذابهم أيضا أليما وقوله: من رجز على صفة العذاب، لأنّه نكرة فيكون فيه ذكر منه، ومن قال: لهم عذاب من رجز أليم فرفع أليما، كان المعنى: لهم عذاب أليم من عذاب، وليس فائدته كذلك فالقول في ذلك أمران: أحدهما: أنّ الصفة قد تجيء على وجه التأكيد، كما أنّ الحال قد

_ (1) السبعة ص 594. (2) السبعة ص 594.

الجاثية: 21

تجيء كذلك، وذلك نحو ما روي من أنّه في بعض الحروف: نعجة أنثى، وقوله: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة [الحاقة/ 13] وقوله: ومناة الثالثة الأخرى [النجم/ 20] وقولهم: أمس الدّابر، وأمس المدبر، قال: وأبي الّذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدة كأمس الدّابر «1» والآخر: أن يحمل على الذي بمعنى الرّجس الذي هو النجاسة على البدل للمقاربة، ومعنى النجاسة فيه قوله: ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه [إبراهيم/ 16، 17] فكأنّ المعنى: لهم عذاب من تجرّع رجس، أو شرب رجس، فيكون من* تبيينا للعذاب ممّ هو. [الجاثية: 21] اختلفوا في الرفع والنصب من قوله: سواء محياهم ومماتهم [الجاثية/ 21] فقرأ الكسائي وحمزة وحفص عن عاصم: سواء نصبا. الباقون وأبو بكر عن عاصم سواء محياهم رفع «2». قال أبو علي: ليس الوجه في الآية نصب سواء إذا نصبه على أن يجريه على ما قبله على حدّ قوله: مررت برجل هارب أبوه، وبرجل خارجا أخوه، لأنّه ليس باسم فاعل، ولا بما شبّه به من حسن وشديد ونحو ذلك، إنّما هو مصدر فلا ينبغي أن يجرى على ما قبله، كما

_ (1) البيت أنشده الأصمعي ولم ينسبه، صهاب: اسم موضع. انظر الخصائص 2/ 267، واللسان (صهب) وقال فيه: وبين البصرة والبحرين عين تعرف بعين الأصهب. (2) السبعة ص 595.

يجرى اسم الفاعل وما شبّه به، لتعرّيه من المعاني التي أعمل لها فاعل وما شبّه به عمل الفعل، ومن قال: مررت برجل خير منه أبوه، وبسرج خزّ صفته «1»، وبرجل مائة إبله، استجاز أن يجري سواء أيضا على ما قبله، كما أجرى الضرب الأوّل، فأمّا من قال: أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء [الجاثية/ 21] فنصب، فإنّ انتصابه يحتمل ثلاثة أضرب: أحدهما: أن تجعل المحيا والممات بدلا من الضمير المنصوب في نجعلهم، فيصير التّقدير: أن نجعل محياهم ومماتهم سواء، فينتصب سواء على أنّه مفعول ثان لنجعل، ويكون انتصاب سواء على هذا القول حسنا، لأنّه لم يرفع مظهرا، ويجوز أيضا أن تجعل محياهم ومماتهم ظرفين من الزمان، فيكون كذلك أيضا. ويجوز أن يعمل في الظرف أحد شيئين أحدهما: ما في سواء من معنى الفعل، كأنّه يستوي في المحيا والممات، والآخر: أن يكون العامل الفعل، ولم نعلم الكوفيّين الذين نصبوا سواء نصبوا الممات، فإذا لم ينصبوه كان النصب في سواء على غير هذا الوجه، وغير هذا الوجه لا يخلو من أن ينتصب على أنّه حال، أو على أنّه المفعول الثاني لنجعل، وعلى أيّ الوجهين حملته، فقد أعملته عمل الفعل، فرفعت به المظهر، فإن جعلته حالا أمكن أن تكون الحال من الضمير في تجعلهم ويكون المفعول الثاني قوله كالذين آمنوا فإذا جعلت قوله: الذين آمنوا المفعول الثاني أمكن أن يكون سواء منتصبا على الحال ممّا في قوله: كالذين آمنوا من معنى الفعل، ويكون ذو الحال الضمير

_ (1) صفّة الرحل والسرج: التي تضم العرقوتين والبدادين من أعلاهما وأسفلهما (اللسان صفف).

المرفوع في قوله: كالذين آمنوا، وهذا الضمير يعود إلى الضمير المنصوب في نجعلهم، فانتصابه على الحال من هذين الوجهين، ويجوز أن لا تجعل قوله: كالذين آمنوا المفعول الثاني، ولكن تجعل المفعول الثاني قوله: سواء محياهم ومماتهم، فيكون جملة في موضع نصب بكونها في موضع المفعول الثاني لنجعل، ويجوز فيمن قال: مررت برجل مائة إبله، فأعمل المائة عمل الفعل أن ينصب سواء على هذا الوجه أيضا ويرتفع به المحيا، كما جاز أن يرتفع إذا قدّرت الجملة في موضع الحال، والحال في الجملة التي هي «1» سواء محياهم ومماتهم تكون من تجعل* وتكون ممّا في قوله: كالذين آمنوا من معنى الفعل، وقد قيل في الضمير في قوله: محياهم ومماتهم قولان: أحدهما: أنّه ضمير الكفّار دون الذين آمنوا، وقيل: إنّه ضمير للقبيلين المؤمن والكافر، فمن جعل الضمير للكفّار دون المؤمنين كان سواء* على هذا القول مرتفعا بأنّه خبر ابتداء مقدّم تقديره: محياهم ومماتهم سواء، أي: محياهم محيا سوء، ومماتهم كذلك، ولا يكون النصب على هذا في سواء، لأنّه إثبات في الإخبار بأنّ محياهم ومماتهم يستويان في الذّم والبعد من رحمة الله. والقول الآخر: أنّ الضمير في محياهم ومماتهم للقبيلين، فإذا كان كذلك جاز أن ينتصب سواء على المفعول الثاني من تجعل* فيمن استجاز أن يعمله في الظاهر، لأنّه ملتبس بالقبيلين جميعا، وليس في الوجه الأوّل كذلك، لأنّه للكفّار دون المؤمنين، فلا يلتبس بالمؤمنين من حيث كان للكفّار دونهم، ولا يجوز أن ينتصب سواء وإن

_ (1) في الأصل بياض والأرجح أن تكون الكلمة كما أثبتناها.

كان الضمير في نجعلهم للكفّار خاصة، وفي محياهم ومماتهم كذلك، لأنّه يلزم أن يكون داخلا في الحسبان وليس المعنى كذلك إنما المعنى على القطع والثبات باستواء محيا الكفّار ومماتهم، فإن قلت: كيف يدخل في الحسبان وهو في صلة أن نجعلهم؟ قيل: إنّه يدخل في الحسبان، وإن كان في صلة أن نجعل كما دخل في النفي قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما دخل أن ينزل في النفي بدلالة دخول من في قوله: من خير من ربكم وإن كان النفي لا حقا ليودّ، كذلك يدخل سواء إذا نصبت في الحسبان، لأنّه في صلة أنّ الذي وقع عليه الحسبان، كما دخل قوله: من خير من ربكم في النفي، لأنّه مفعول النفي، فكذلك سواء مفعول نجعل الذي وقع عليه الحسبان، وليس المراد إدخاله في الحسبان إنّما المراد الإثبات والإعلام باستواء محياهم ومماتهم في السوء، والذّم، وإذا كان كذلك لم يكن فيه إلا الرفع، ويكون على هذا الوجه قوله: كالذين آمنوا وعملوا الصالحات في موضع المفعول الثاني، وسواء محياهم استئناف ولا يكون في موضع حال من قوله: كالذين آمنوا، لأنّه لا يلتبس بهم، ألا ترى أن الضمير على هذا القول للكفّار خاصة دون المؤمنين؟ قال سيبويه: وما كان من النكرة رفعا غير صفة فهو في المعرفة كذلك، وتلا الآية، يريد أنه إذا لم يعمل عمل الفعل إذا جرى على النكرة نحو مررت برجل سواء أبوه وأمه، فهو في المعرفة كذلك في أنّه لا يعمل عمل الفعل في الظاهر، وهذا يدلّ على أنّه جعل قوله: سواء محياهم ومماتهم، ملتبسا لما قبله إلّا أنّه لم يجره عليه من حيث لم يشبه اسم الفاعل ولا ما شبّه به

الجاثية: 23

[الجاثية: 23] وقرأ حمزة والكسائي غشوة [الجاثية/ 23] بغير ألف وقرأ الباقون: غشاوة بألف «1». وغشوة قراءة الأعمش فيما زعموا، وحكي فيها: غشوة، وغشوة، وغشوة، وحكى أبو الحسن: غشاوة* بضمّ الغين. وقراءة الجمهور: غشاوة بكسر الغين. [الجاثية: 35] وقرأ حمزة والكسائي: فاليوم لا يخرجون [الجاثية/ 35] بفتح الياء وضمّ الراء. وقرأ الباقون: لا يخرجون بضمّ الياء وفتح الراء «2». حجّة من فتح قوله: يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها [المائدة/ 37] وفي أخرى: وما هم بخارجين من النار [البقرة/ 167]. وحجّة من ضمّ الياء: ربنا أخرجنا منها [المؤمنون/ 197] ويقويه قوله: ولا هم يستعتبون [الجاثية/ 35] فكما أنّ الفعل فيه مبني للمفعول، فكذلك المعطوف عليه ليكون وجها واحدا. [الجاثية: 32] قرأ حمزة وحده: والساعة لا ريب فيها [الجاثية/ 32] نصبا. وقرأ الباقون: والساعة لا ريب فيها «3». قال أبو علي: الرفع الذي هو قراءة الجمهور في الساعة من وجهين:

_ (1) السبعة ص 595. (2) السبعة ص 595. (3) السبعة ص 595.

أحدهما: أن تقطعه من الأوّل، فتعطف جملة. والآخر: أن يكون المعطوف محمولا على موضع إنّ وما عملت فيه، وموضعهما رفع. ويحتمل وجها ثالثا وهو أن تعطفه على الضمير في المصدر إلّا أنّ هذا يحسن إذا أكّد نحو: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم [الأعراف/ 27] فإذا لم يؤكّد لم تحمل عليه القراءة. وأمّا قوله: ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى [النجم/ 6، 7]، فإنّ قوله: وهو بالافق الأعلى يرتفع هو فيه بالابتداء وليس هو من باب: استوى زيد وعمرو، إذا أردت استويا، ولو كان منه لكان استوى هو وهو، وكان قوله: بالأفق ظرفا للاستواء، وليس كذلك، ولكنّه استوى الذي يقتصر فيه على فاعل واحد كقوله: ولما بلغ أشده واستوى [القصص/ 14]، والرحمن على العرش استوى [طه/ 5] فقوله: بالأفق تأويلنا في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ، وفيه ضمير للمبتدإ، فقد تبيّنت أنّه لا دلالة لمن احتجّ بهذه الآية على جواز عطف الظّاهر المرفوع على المضمر المرفوع من غير أن يؤكّد، ولكن يجيء في الشعر كقوله: قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسّفن رملا «1»

_ (1) البيت لعمر بن أبي ربيعة قاله في جارية له تسمى حمدة. الزهر: جمع زهراء وهي البيضاء المشرقة، والتهادي: المشي الرويد الساكن، والنعاج: بقر الوحش، شبّه النساء بها في سكون المشي فيه، ومعنى تعسفن: ركبن، وإذا مشت في الرمل كان أسكن لمشيها لصعوبة

ومن نصب فقال: والساعة* حمله على لفظ إن* مثل: إنّ زيدا منطلق وعمرا قائم، وموضع قوله: لا ريب فيها رفع بأنّه في موضع خبر إنّ، وقد عاد الذكر إلى الاسم فكأنّه قال: والساعة حق لأنّ قوله: لا ريب فيها في معنى حقّ. قال أبو الحسن: الرفع أجود في المعنى، وفي كلام العرب، وأكثر إذا جاء بعد خبر إنّ اسم معطوف، أو صفة أن يرفع، قال: وقد قرئت نصبا وهي عربية، ويقوّي ما ذهب إليه أبو الحسن قوله: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين [الأعراف/ 128] والعاقبة لم تقرأ فيما علمت إلّا مرفوعة.

_ المشي فيه، والملا: الفلاة الواسعة، ديوانه ص 498، وانظر الكتاب 1/ 390، والخصائص 2/ 386.

سورة الأحقاف

ذكر اختلافهم في سورة الأحقاف [الاحقاف: 15] اختلفوا في قوله: بوالديه إحسانا وحسنا* [15] فقرأ عاصم وحمزة والكسائي: إحسانا بألف. وقرأ الباقون: حسنا* بغير ألف «1». قال أبو علي: الباء في قوله: بوالديه يجوز أن يتعلق بوصينا، بدلالة قوله: ذلكم وصاكم به [الأنعام/ 151] ويجوز أن تتعلق بالإحسان، يدلّ على ذلك قوله: وقد أحسن بي إذا أخرجني من السجن [يوسف/ 100] ولا يجوز أن تتعلق الباء في الآية بالإحسان لتقدّمها على الموصول، ولكن يجوز أن تعلقها بمضمر يفسره الإحسان، كما جاز ذلك في الفعل في نحو: وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف/ 20] ومثل ذلك: كان جزائي بالعصا أن أجلدا «2»

_ (1) السبعة ص 596. (2) هذا رجز للعجّاج، سبق في 4/ 343 وهو في شرح الأبيات المشكلة الإعراب (المسمى بإيضاح الشعر) للمؤلف ص 119 و 396 و 438.

الاحقاف: 12

في قول من لم يعلّقه بالجزاء، ألا ترى أن الجزاء يتعلق بالباء في نحو قوله: إني جزيتهم اليوم بما صبروا [المؤمنون/ 111] ولكن في قول من علّقه بمضمر يبيّنه: أن أجلدا: والإحسان خلاف الإساءة، والحسن خلاف القبح، فمن قال: إحسانا كان انتصابه على المصدر، وذلك أنّ معنى قوله: ووصينا الإنسان بوالديه: أمرناه بالإحسان، أي: ليأتي الإحسان إليهما دون الإساءة، ولا يجوز أن يكون انتصابه بوصّينا، لأنّ وصّينا قد استوفى مفعوليه اللّذين أحدهما منصوب، والآخر المتعلق بالياء وحجّته قوله في الأنعام: وبالوالدين إحسانا [151]. ومن قال: بوالديه حسنا فمعناه: ليأت في أمرهما أمرا ذا حسن، أي: ليأت الحسن في أمرهما دون القبح، وحجّته ما في العنكبوت: ووصينا الإنسان بوالدين حسنا [8]. [الاحقاف: 12] اختلفوا في الياء والتاء من قوله: لينذر الذين ظلموا [الأحقاف/ 12]. فقرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل، وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: لينذر بالياء. وقرأ نافع وابن عامر: لتنذر* بالتاء. وأخبرني إسحاق بن أحمد الخزاعي عن ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: لتنذر* بالتاء «1». حجّة التاء: إنما أنت منذر من يخشاها [النازعات/ 45] وإنما أنت منذر ولكل قوم هاد [الرعد/ 7] وإنما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45] ولتنذر به وذكرى [الأعراف/ 2].

_ (1) السبعة ص 596.

الاحقاف: 15

وحجّة الياء قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] وقد تقدّم ذكر الكتاب، فأسند الإنذار إلى الكتاب، كما أسنده إلى الرّسول عليه السلام. [الاحقاف: 15] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: كرها* وكرها* [الأحقاف/ 15] نصبا. وقرأ الباقون: كرها بضمّ الكاف في الحرفين «1». الكره: كأنه المصدر، والكره: الاسم، كأنّه الشيء المكروه، وقال: كتب عليكم القتال وهو كره لكم [البقرة/ 216] فهذا بالضّمّ، وقال: أن ترثوا النساء كرها [النساء/ 19] فهذا في موضع حال، ولم يقرأ- زعموا- بغير الفتح، فعلى هذا ما كان مصدرا أو في موضع حال الفتح فيه أحسن، وما كان اسما نحو: ذهب به على كره، كان الضّمّ فيه أحسن، وقد قيل: إنّهما لغتان، فمن ذهب إلى ذلك جعلهما مثل الشّرب والشّرب، والضّعف والضّعف، والفقر والفقر، ومن غير المصادر: الدفّ والدفّ، والشّهد والشّهد. [الاحقاف: 16] اختلفوا في الياء والنون من قوله: أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم [الأحقاف/ 16] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو وابن عامر: يتقبل عنهم، ويتجاوز بالياء جميعا. وقرأ حمزة والكسائي: نتقبل ونتجاوز بالنون جميعا، حفص عن عاصم بالنون مثل حمزة فيهما «2».

_ (1) السبعة ص 596. (2) السبعة ص 597.

الاحقاف: 17

حجة من قال: يتقبل عنهم: أنّ الفعل وإن كان مبنيا للمفعول، فمعلوم أنّه لله عزّ وجلّ، كما جاء في الأخرى: إنما يتقبل الله من المتقين [المائدة/ 27] وتقبل دعائي [إبراهيم/ 40]، ونحو هذا الفعل الذي هو لله سبحانه، ولم يكن لغيره، كان بناؤه للمفعول في العلم بالفاعل كبنائه للفاعل، كقوله: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] والفعل معلوم أنّه لله سبحانه وإن بني للمفعول، ألا ترى أنّه قد جاء في الأخرى: ومن يغفر الذنوب إلا الله [آل عمران/ 135] فيغفر ويغفر في هذا يفهم من كلّ واحد منهما ما يفهم من الآخر، وعلى هذا جاء: فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر [المائدة/ 27] ثم جاء إنما يتقبل الله من المتقين [المائدة/ 27] وكذلك: يتقبل عنهم [الأحقاف/ 16]. وحجّة من قال: نتقبل ونتجاوز بالنون أنّه قد تقدّم الكلام: ووصينا الإنسان [الأحقاف/ 15] وكلاهما حسن، ألا ترى أنّه قد قال: فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال إنما يتقبل الله من المتقين. [الاحقاف: 17] وقرأ نافع وحفص عن عاصم: أف لكما [الأحقاف/ 17] خفض منوّن. ابن كثير وابن عامر أف لكما نصب [غير منون]. أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: أف لكما خفض غير منوّن «1». قال أبو علي: من نوّن فقال: أف جعله نكرة مثل: غاق

_ (1) السبعة ص 597.

الاحقاف: 19

وصه، ونحو ذلك من الأصوات، وهذا التنوين في الصوت دليل التنكير، ومن لم ينون جعله معرفة، كأنّه في المعنى: الصوت الذي يعرف، وكلّ واحد من الكسر والفتح، إنّما هو لالتقاء الساكنين، فأمّا التنوين فدليل التنكير، وحذفه دليل التعريف، وقد تقدّم ذكر ذلك. [الاحقاف: 19] اختلفوا في النّون والياء من قوله عزّ وجلّ: ولنوفيهم أعمالهم [الأحقاف/ 19] فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو: وليوفيهم بالياء. وقرأ الباقون: ولنوفيهم بالنون «1». حجّة الياء أنّه قد تقدّم: وهما يستغيثان الله [الأحقاف/ 17] والنون في معنى في الياء، ومثله قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثمّ جاء: لنريه من آياتنا [الإسراء/ 1]. [الاحقاف: 25] اختلفوا في الياء والتاء من قوله: فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم [الأحقاف/ 25] ورفع النون من قوله: مساكنهم ونصبها. فقرأ حمزة وعاصم: لا يرى إلا مساكنهم برفع النون والياء. وقرأ الباقون: لا ترى بالتاء إلا مساكنهم بنصب النون «2». قال أبو علي: تذكير الفعل في قراءة عاصم وحمزة: لا يرى إلا مساكنهم حسن، وهو أحسن من إلحاق علامة التأنيث الفعل، من أجل جمع المساكن، وذلك أنّهم جعلوا الكلام في هذا الباب على المعنى فقالوا، ما قام إلّا هند، ولم يقولوا: ما قامت، لمّا كان المعنى

_ (1) السبعة ص 597 - 598. (2) السبعة ص 598.

ما قام أحد حملوا على هذا المعنى، فإن كان المؤنث يرتفع بهذا الفعل، فالتأنيث فيه لم يجيء إلّا في شذوذ وضرورة فيما حكاه الأخفش، فمن ذلك قوله: برى النّحز والأجرال ما في غروضها فما بقيت إلّا الضلوع الجراشع «1» وقال: كأنّه جمل وهم فما بقيت إلّا النّحيزة والألواح والعصب «2» فيما حكاه أبو الحسن، والحمل على المعنى كثير، من ذلك قوله: أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر [الأحقاف/ 33] فأدخل الباء لمّا كان في معنى: أو ليس الذي خلق السّماوات والأرض بقادر، ومثل ذلك في الحمل على المعنى: بادت وغيّر آيهنّ مع البلى إلّا رواكد جمرهنّ هباء «3» ثمّ قال: ومشجج أمّا سواء قذاله «3»

_ (1) البيت لذي الرّمّة، سبق في 4/ 370. (2) البيت لذي الرّمة، سبق في 4/ 370. (3) سبق البيتان في 5/ 313 و 314 منسوبين لذي الرمة أو للشماخ في ملحقات ديوانهما.

الاحقاف: 20

لمّا كان: «غيّر آيهنّ مع البلى/ إلّا رواكد» معناه: بها رواكد، حمل مشجج على ذلك، وكذلك قوله عزّ وجلّ: يطاف عليهم بكأس من معين [الصافات/ 45] «1» ثم قال: وحور عين [الواقعة/ 22] لمّا كان يطاف عليهم بكذا معناه لهم فيها كذا، وقالوا: إنّ أحدا لا يقول ذاك إلّا زيد، فأدخل أحدا في الواجب لمّا كان معنى الكلام النفي، ومثله قبل دخول إن قوله: إذن أحد لم تنطق الشفتان «2» فإنما دخل إنّ على أحد ودخولها يدلّ على أنّه رفعه بالابتداء دون الفعل الذي يفسّره «لم تنطق» وهذا الضرب كثير، وإنّما ينكره من لا بصر له بهذا اللّسان. ومن قرأ: لا ترى إلا مساكنهم كان الفعل لك أيها المخاطب، والمساكن مفعول بها، وترى في القراءتين جميعا من رؤية العين، المعنى: لا تشاهد شيئا إلّا مساكنهم كأنها قد زالت عمّا كانت عليه من كثرة الناس بها، وما يتبعهم ممّا يقتنونه. [الاحقاف: 20] قال: وقرأ ابن كثير: أاذهبتم [الأحقاف/ 20] بهمزة مطوّلة. وقرأ ابن عامر: أأذهبتم بهمزتين.

_ (1) الظاهر أنه التبس على المصنف هنا آية الصافات هذه بآية الواقعة وهي: (يطوف عليهم ولدان مخلدون .. ) الآية 17، وهي التي يأتي بعدها (وحور عين) كما أورد. (2) البيت من قصيدة للفرزدق أبياتها سبعة وأربعون بيتا، يصف فيها الشاعر صنيعه ليلا بالذئب، وقراه له، ورواية البيت في الديوان: ولو سألت عني النوار وقومها إذا لم توار الناجذ الشّفتان انظر ديوانه 2/ 330 والمسائل البصريات ص 561

وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أذهبتم على الخبر «1». قول أحمد: بهمزة مطوّلة، المعنى بهمزتين: الأولى محقّقة، والثانية مخففة بين بين. وجه الاستفهام أنّه قد جاء هذا النحو بالاستفهام نحو: أليس هذا بالحق [الأحقاف/ 34] وقال: فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [آل عمران/ 106] وحجّة الخبر أنّ الاستفهام تقرير فهو مثل الخبر، ألا ترى أنّ التقرير لا يجاب بالفاء، كما يجاب بها إذا لم يكن تقريرا؟ فكأنّهم يوبّخون بهذا الذي يخيّرون به، ويبكّتون. والمعنى في القراءتين: يقال لهم هذا فحذف القول كما حذف في نحو قوله: فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم [آل عمران/ 106]

_ (1) السبعة ص 598.

سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

ذكر اختلافهم في سورة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم [محمد: 4] قال: قرأ أبو عمرو وحده «1»: والذين قتلوا في سبيل الله [4] بضمّ القاف وكسر التاء وكذلك روى حفص عن عاصم. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: والذين قاتلوا بالألف «2». قال أبو علي: الذين قاتلوا أعمّ من قتلوا ألا ترى أنّ الذي قاتل ولم يقتل لم يضلّ عمله، كما أنّ الذي قتل كذلك؟ فإذا كان قاتلوا* يشتمل القبيلين، وقد حصل للمقاتل الثواب في قتاله، كما حصل للمقتول كان لعمومه أولى، ومن قال: قتلوا حصر ذلك على المقتولين، فله أن يقول إنّ المقتول لا يقتل حتى يكون منه مقاتلة في أكثر الأمر، وإن كان كذلك فقد جعل في قتلوا ما في قاتلوا*. [محمد: 15] قال: قرأ ابن كثير وحده: من ماء غير أسن [محمد/ 15] مقصور على وزن فعل، وفي كتابهم مفتوحة الألف لم يذكروا مدّا ولا غيره «3».

_ (1) في السبعة: قرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم. (2) السبعة ص 600. (3) السبعة ص 600.

قال أبو زيد: يقال: أسن الماء يأسن أسنا إذا تغير، وأسن الرجل يأسن أسنا، إذا غشي عليه من ريح خبيثة، وربّما مات منها. وأنشد: التارك القرن مصفرّا أنامله يميل في الرمح ميل المائح الأسن «1» وقال أبو عبيدة: الأسن: المتغيّر الريح «2». حجّة ابن كثير في قراءته: أسن على فعل أنّ اسم الفاعل من فعل يفعل على فعل وقد ثبت ذلك مع كثرته وفشوّه ممّا حكاه أبو زيد. ومن حجّته: أنّهم زعموا أنّه كما كان في المصحف أو بعض المصاحف من ماء غير يسن بالياء. وهذا إنّما هو على تخفيف الهمزة، وهو في المنفصل نظير: مير، وذيب في المتصل. وقال أبو الحسن: أسن لغة، وفعل إنّما هي للحال التي يكون عليها. فأمّا من قال: غير أاسن على فاعل، فإنّما يريد أن ذلك لا يصير إليه فيما يستقبل، فهو من باب: بعيرك صائد غدا.

_ (1) البيت لزهير بن أبي سلمى. انظر ديوانه/ 121، وفيه: «يغادر» بدل «التارك» مصفرا أنامله: دنا موته فاصفرّت أنامله. الأسن: الذي يغشى عليه من ريح البئر المنتنة. المائح: الذي ينزل إلى أسفل البئر يملأ الدلو إذا قلّ الماء. يميل في الرمح: أي يميل والرمح فيه. والبيت أنشده أبو زيد في كتاب الهمز ص 30 برواية الفارسي كما هنا وهو من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني 4/ 109 وصدر البيت من شواهد النحو، وقد تعاوره عدد من الشعراء. تناولها البغدادي عند شرحه للشاهد: قد أترك القرن مصفرا أنامله ... 4/ 103 إلى 110 وهو ممتع، وقد استوفي تخريجه هناك. (2) مجاز القرآن 20/ 215.

محمد: 16

[محمد: 16] قال: قرأ ابن كثير وحده: ماذا قال أنفا [محمد/ 16] قصرا فيما أخبرني به مضر بن محمد عن البزّي. وقرأت على قنبل أيضا ممدود. وكذلك قرأ الباقون: آنفا ممدودة أيضا «1». قال أبو زيد: ائتنفت الكلام ائتنافا وابتدأته ابتداء وهما واحد. وأنشد أبو زيد: وجدنا آل مرّة حين خفنا جريرتنا هم الأنف الكراما «2» ويسرح جارهم من حيث أمسى كأن عليه مؤتنفا حراما قال السكري: الأنف الذين يأنفون من احتمال الضّيم، فقال أبو علي: فإذا كان كذا فقد جمع فعلا على فعل، لأنّ واحد أنف أنف، بدلالة قول الشاعر: وحمّال المئين إذا ألمّت بنا الحدثان والأنف النّصور «3»

_ (1) السبعة ص 600. (2) البيتان لرجل من بكر بن وائل جاهلي ومتوجه بثالث في شرح أبيات المغني 5/ 15 عن أبي زيد في أول نوادره ص 153 وهي ثلاثة في النوادر والبيت الأول: فلا تشلل يد فتكت بعمرو فإنّك لن تذلّ ولن تضاما وهذا البيت من شواهد المغني، وقد استوفى شرحها البغدادي. رحمه الله. (3) والبيت قبله آخر وهو:

فشبّه الصّفة بالاسم، فكسّرها تكسيره، وقد قالوا في جمع نمر: نمر، أنشد سيبويه: فيه عياييل أسود ونمر «1» وليس الأنف والأنف في البيتين ممّا في الآية في شيء لأنّ ما في الشعر: من الأنفة. وما في الآية: من الابتداء ولم يسمع أنف في معنى ابتداء، وإن كان القياس يوجبه، وقد يجيء اسم الفاعل على ما لم يستعمل من الفعل نحو: فقير جاء على فقر، والمستعمل: افتقر، وكذلك شديد المستعمل: اشتد، فكذلك قوله: آنفا، المستعمل ائتنف، فأمّا قوله: كأنّ عليه مؤتنفا حراما «2» فالمعنى: كأنّ عليه حرمة شهر مؤتنف حرام، فحذف وأقام الصّفة مقام الموصوف، فالتّقدير: إنّ جارهم لعزّهم ومنعتهم لا يهاج ولا يضام، فهو كأنّه في حرمة شهر حرام، وكانوا لا يهيجون أحدا في الشهر الحرام، ومن ثم سمّي رجب: منصل الأسنّة، والشهر الأصمّ،

_ ألا هلك الشهاب المستنير ومدرهنا الهمام إذا نغير والبيتان أنشدهما الفارسي في كتابه شرح الأبيات المشكلة الإعراب ص 570، وهما في معاني القرآن للفرّاء 1/ 129، ومجالس ثعلب ص 421، والإنصاف ص 766 والبيت في اللسان (حدث) عن الفارسي، والأمالي الشجرية 1/ 106، وقد تحرّفت في شرح الأبيات المشكلة: الأنف إلى الألف. (1) رجز لم يعرف قائله انظر الكتاب 2/ 179 وعياييل: جمع عيال، وهو الذي يتمايل في مشيته لعبا. (2) سبق قريبا.

محمد: 25

أي: لا يسمع فيه قعقعة السّلاح، فأمّا قوله: ويأكل جارهم أنف القصاع «1» فإنّه يريد: أنّهم يؤثرون ضيفهم بأفضل الطعام وجيّده، فيطعمونه أوله لا البقايا، وما أتي على نقاوته «2»، فهذا جمع على أنف، مثل بازل وبزل وقاتل وقتل، فإذا كان كذلك قوّى قراءة من قرأ: ماذا قال آنفا. وأمّا ما روي عن ابن كثير من قوله آنفا، فيجوز أن يكون توهّمه مثل حاذر وحذر، وفاكه وفكه والوجه الرواية الأخرى آنفا بالمدّ كما قرأه عامّتهم. [محمد: 25] قال: وقرأ أبو عمرو: وأملي لهم* [محمد/ 25] بضمّ الألف، وكسر اللّام وفتح الياء. والباقون: وأملى بفتح الألف واللّام «3». قال أبو علي: انتظرته مليا من الدّهر، أي: متّسعا منه، فهو صفة استعمل استعمال الأسماء، وقالوا: تمليت حبيبا، أي: عشت معه ملاوة وملاوة من الدّهر، قال التّوّزيّ: ملاوة وملاوة وملاوة، والملا: المتّسع من الأرض قال:

_ (1) عجز بيت للحطيئة صدره: ويحرم سرّ جارتهم عليهم انظر ديوانه/ 62، واللسان (أنف). (2) النقاوة من الشيء: خياره وخلاصته. وعكسه النقاية- بالياء- (الوسيط). (3) السبعة ص 600.

ألا غنّياني وارفعا الصّوت بالملا «1» وقال آخر: وأنضو الملا بالشّاحب المتشلشل «2» وقالوا: الملوان: يريدون بها تكرّر اللّيل والنّهار، وكثرة تردّدهما، وطول مدتهما، قال: نهار وليل دائم ملواهما على كلّ حال المرء يختلفان «3» فلو كان اللّيل والنّهار لم يضافا إلى ضميرهما من حيث لا يضاف الشيء إلى نفسه، ولكن كأنّه يراد تكرّر الدّهر والساعة بهما. والملاءة، الهمزة فيها منقلبة عن حرف لين بدلالة سقوطها في التّحقير، روينا في تحقيرها مليّتين، ولو كانت الهمزة لاما لم تسقط، ويشبه أن تكون لزيادة عرضها على عرض الشّفة، والضمير في أملي لاسم الله عزّ وجلّ، كما قال في أخرى: وأملي لهم إن كيدي متين [الأعراف/ 183] وأنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] وإنما نملي لهم ليزدادوا إثما [آل عمران/ 178].

_ (1) صدر بيت وعجزه: فإنّ الملا عندي يزيد المدى بعدا اللسان (ملا) ولم يعزه. (2) عجز بيت لتأبط شرّا صدره: ولكنني أروي من الخمر هامتي انظر اللسان (ملا) و (شلل) والمتشلشل: الرجل الخفيف المتخدّد القليل اللحم. (3) البيت في اللسان (ملا) ولم يعزه.

محمد: 26

فأمّا قراءة أبي عمرو: وأملي لهم*، فبناء الفعل للمفعول به حسن في هذا الموضع للعلم بأنّه لا يؤخر أحد مدة أحد، ولا يوسع له فيها إلّا الله سبحانه. قال أبو الحسن: هي حسنة في المعنى، وليس ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر: فآليت لا أشريه حتّى يملّني بشيء ولا أملاه حتّى يفارقا «1» من هذا الباب، ولكن لا أملاه: لا أمله، فأبدل من التضعيف حرف العلّة كما أبدل في قوله: وقد خاب من دساها [الشمس/ 10] ونحو ذلك، ممّا يكثر، وكذلك قوله: فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5] هو بدل من التضعيف، وفي موضع آخر: أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل [البقرة/ 282]. وليس من هذا الباب قولهم: رجل ملي، إنّما هو على تخفيف الهمزة، والهمزة الأصل، قالوا: ملؤ الرجل ملاءة إذا أيسر، ومن هذا اللّفظ: ملأت الإناء مل ءا، ومنه أيضا: رجل مملوء: للمزكوم، وبه ملاءة. [محمد: 26] اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله: والله يعلم أسرارهم [محمد/ 26] فقرأ حمزة والكسائي وحفص: إسرارهم بكسر الألف. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: أسرارهم، بفتح الألف «2»

_ (1) سبق في 208. (2) السبعة ص 601.

محمد: 31

حجة من قال: إسرارهم أنّه لمّا كان مصدرا أفرده، ولم يجمع، ويقوّي الإفراد قوله: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم [التوبة/ 78] فكما أفرد السّر ولم يجمع، كذلك قال: إسرارهم، والدليل على الإسرار قوله: يعلم ما يسرون وما يعلنون [النحل/ 23] ويعلم ما يخفون وما يعلنون [النمل/ 25]. ومن قال: أسرارهم بفتح الهمزة، جعله جمع سرّ كقولهم: عدل وأعدال، وكأنّه جمع لاختلاف ضروب السرّ، وجميع الأجناس يحسن جمعها مع الاختلاف، وجاء سرّهم في قوله: يعلم سرهم [التوبة/ 78] على ما عليه معظم المصادر، وأنّه يتناول جميع ضروبه، فأفرد مرة وجمع أخرى، وقد جمع في غير هذا وأفرد كقوله: الذين يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3] والغيب الذي يؤمنون به ضروب: كالبعث والنشور، وإتيان الساعة، فأوقع الغيب على هذه الأشياء وغيرها، وجمع أيضا في قوله: إن الله علام الغيوب [التوبة/ 78]، فكذلك السرّ أفرد في موضع، وجمع في آخر. [محمد: 31] قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين ... ويبلو [محمد/ 31] ثلاثتهنّ بالياء. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم ثلاثتهنّ بالنون «1». وجه قراءة عاصم أنّ قبله: والله يعلم أعمالكم [محمد/ 30] واسم الغيبة أقرب إليه من لفظ الجمع، فحمل على الأقرب، ووجه النّون في ولنبلونكم حتى نعلم [محمد/ 31] أنّ قبله: ولو نشاء

_ (1) السبعة ص 601.

محمد: 35

لأريناكهم [محمد/ 30] فإمّا أن يكون جعل قوله عزّ وجلّ: والله يعلم أعمالكم كالاعتراض وحمل الكلام على ولو نشاء أو يكون عاد إلى لفظ الجمع بعد لفظ الإفراد فيكون كقوله: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2] بعد قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1]. [محمد: 35] قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم: وتدعوا إلى السلم [محمد/ 35] مفتوحة السين. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة بكسر السين السلم «1». السّلم والاستسلام والسّلم: من أسلم، كالعطاء من أعطى، والثبات من أثبت. قال: ادخلوا في السلم كافة [البقرة/ 208] ويجوز أن يكون السّلم في الإسلام يراد به الصلح على أن يكون معنى أسلم: صار ذا سلم وخرج من أن يكون حربا للمسلمين، وفيه لغتان: السّلم والسّلم، وقال أبو إسحاق: والسّلم أيضا والسّلم الذي هو الصلح يذكّر ويؤنث، فمن التأنيث قوله: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها [الأنفال/ 61]. وقال الشاعر «2»: فإنّ السّلم زائدة نوالا وإنّ نوى المحارب لا تئوب وقالوا: سالمته مسالمة، ولم نعلم الفعل جاء منه على مثال فعل. قال:

_ (1) السبعة ص 601. (2) لم نعثر على قائله.

محمد: 38

تبين صلاة الحرب منّا ومنهم إذا ما التقينا والمسالم بادن «1» المعنى: لا تدعوا إلى السلم، لا توادعوهم ولا تتركوا قتالهم حتى يسلموا لأنّكم الأعلون، فلا ضعف بكم فتدعوا إلى الموادعة. [محمد: 38] عليّ بن نصر عن أبي عمرو: ها أنتم [محمد/ 38] مقطوعة ممدودة، وقد ذكر ذلك في آل عمران [66]، وهذا خلاف قراءة أبي عمرو «2». وقد ذكرنا ذلك في سورة آل عمران «3».

_ (1) سبق في 2/ 294. (2) السبعة ص 602. (3) انظر 3/ 46.

سورة الفتح

ذكر اختلافهم في سورة الفتح [الفتح: 9] قرأ ابن كثير وأبو عمرو: ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه ويوقروه ويسبحوه [9] أربعتهنّ بالياء «1». حجّة الياء أنّه لا يقال: لتؤمنوا بالله ورسوله. وهو الرسول فإذا لم يسهل ذلك كانت القراءة بالياء ليؤمنوا*. ومن قرأ بالتاء فعلى قوله: قل لهم: إنا أرسلناك شاهدا [الفتح/ 8] ... لتؤمنوا بالله [الفتح/ 9]. [الفتح: 6] قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: دائرة السوء* [6] بضمّ السّين. الباقون: السوء «2». قال أبو علي: من قال: عليهم دائرة السوء ففتح، فالمعنى عليهم دائرة السّوء، كما ظنّوا ظنّ السّوء، وفي أخرى: وظننتم ظن السوء [الفتح/ 12] وظنّهم ظنّ السّوء هو ظنّهم: أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا [الفتح/ 12] فالتّقدير: عليهم

_ (1) السبعة ص 603. (2) السبعة ص 603.

الفتح: 10

دائرة السوء كما ظنّوا ظنّ السّوء. ومن قال: دائرة السوء* فلأنّهم ظنّوا ظنّ السّوء بالمسلمين، وأرادوه بهم، فقيل عليهم دائرة السّوء الذي أرادوه بالمسلمين، وتمنّوه لهم، وكان الفتح أشدّ مطابقة في اللّفظ وإن كان المعنيان متقاربين. قال: وقال أبو زيد: سوّأت عليه ما صنع تسويئا إذا عبت عليه رأيه وعمله، فهذا يمكن أن يتأوّل من كلّ واحدة من الكلمتين وقد تقدّم ذكر ذلك. [الفتح: 10] اختلفوا في الياء والنّون من قوله عزّ وجلّ: فسيؤتيه أجرا [الفتح/ 10] فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: فسنؤتيه بالنون وروى أبان عن عاصم بالنون. عبيد عن هارون عن أبي عمرو بالنون، وعبيد عن أبي عمرو بالياء. [الفتح: 10] وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء «1». حجّة الياء تقدّم قوله: ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه [الفتح/ 10] على تقدّم ذكر الغيبة. وزعموا أنّ في حرف عبد الله: فسوف يؤتيه الله فهذا يقوّي الياء فيكون الكلام بالياء من وجه واحد، والنون على الانصراف من الأفراد إلى لفظ الكثرة، وذلك كثير. حفص عن عاصم: عليه الله [الفتح/ 10] بضمّ الهاء. الباقون: عليه الله، قال أحمد: وهو قياس رواية أبي بكر عن عاصم «2».

_ (1) السبعة ص 603. (2) السبعة ص 603.

الفتح: 11

قد تقدّم القول في ذلك «1». [الفتح: 11] قال: قرأ حمزة والكسائي: ضرا* [الفتح/ 11] بضمّ الضّاد. وقرأ الباقون: ضرا نصبا «2». قال أبو علي: الضرّ بالفتح خلاف النّفع، وفي التنزيل: ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا [المائدة/ 76]، والضرّ: سوء الحال، وفي التنزيل: فكشفنا ما به من ضر [الأنبياء/ 84] هذا الأبين في هذا الحرف. ويجوز أن يكونا لغتين معنى: كالفقر والفقر، والضّعف والضّعف. [الفتح: 15] قال قرأ حمزة والكسائي: كلم الله* [الفتح/ 15] بكسر اللّام. وقرأ الباقون: كلام الله «3». قال أبو علي: وجه من قرأ: كلام الله أنّهم قيل لهم: لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا [التوبة/ 83] والأخص بالمفيد، وبما كان حديثا، الكلام، فقال: كلام الله، لذلك فالمعنى: أنّ هؤلاء المنافقين يريدون بقولهم: ذرونا نتبعكم، فصدّهم تبديل كلام الله الذي ذكرنا. ومن قرأ: كلم الله* فإنّ الكلم قد يقع على ما يقع عليه الكلام، وعلى غيره، وإن كان الكلام بما ذكرنا أخصّ، ألا ترى أنّه قال: وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل [الأعراف/ 137]، وإنّما هو والله أعلم: ونريد أن نمن على الذين

_ (1) انظر 1/ 177 (2) السبعة ص 604. (3) السبعة ص 604.

الفتح: 17

استضعفوا في الأرض [القصص/ 5]، وما بعده ممّا يتصل بهذه القصّة. [الفتح: 17] وقرأ نافع وابن عامر: ندخله جنات [الفتح/ 17] ونعذبه بالنون جميعا. وقرأ الباقون بالياء «1». وجه الياء: تقدّم الاسم المظهر، والنون في المعنى كالياء. [الفتح: 26] قرأ أبو عمرو وحده: وكان الله بما يعملون بصيرا [الفتح/ 24] بالياء. والباقون: بالتاء «2». وجه قول أبي عمرو: وكان الله بما عمل الكفّار من كفرهم وصدّهم عن المسجد الحرام، ومنعهم لكم من دخوله بصيرا فيجازي عليه. ووجه التاء: أنّ الخطاب قد جرى للقبيلين في قوله: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم [الفتح/ 24] فالخطاب لتقدّم هذا الخطاب. [الفتح: 29] قال: قرأ ابن كثير وابن عامر: شطأه [الفتح/ 29] مفتوحة الطاء والهمزة. وقرأ الباقون: شطأه ساكنة الطاء، وكلّهم يقرأ: بهمزة مفتوحة «3».

_ (1) السبعة ص 604. (2) السبعة ص 604. (3) السبعة ص 604.

الفتح: 29

وقال أبو زيد: أشطأت الشجرة بغصونها إذا أخرجت غصونها. أبو عبيدة: أخرج شطأه: فراخه «1». ويقال: أشطأ الزرع فهو مشطئ مفرخ «2»، قول ابن كثير وابن عامر: شطأه، بفتح الطاء، يشبه أن يكون لغة في الشطء. كالشّمع والشّمع، والنّهر والنّهر، ومن حذف الهمزة في شطأه حذفها وألقى حركتها على الطاء. ومن قال: الكماة والمراة قال: شطاه. [الفتح: 29] قال: قرأ ابن عامر: فأزره [الفتح/ 29] على فعله مقصور بالهمزة. الباقون: فآزره على فاعله «3»، أبو عبيدة: فأزره، ساواه، صار مثل الأمّ «4». قال أبو علي: وفاعل آزر: الشّطء، أي: آزر الشّطء الزرع، فصار في طوله قال: بمحنيّة قد آزر الضّال نبتها مضمّ رجال غانمين وخيّب «5»

_ (1) مجاز القرآن 2/ 218. (2) الشطء: فرخ النخل والزرع. وفي التنزيل: كزرع أخرج شطأه: أي طرفه وجمعه شطوء. انظر اللسان (شطأ). (3) السبعة ص 605. (4) مجاز القرآن 2/ 218. (5) البيت لامرئ القيس. في ديوانه/ 51 وفيه: مجرّ جيوش بدل مضم رجال وفي شرح الأبيات المشكلة ص 332. والضالّ: السدر البري واحدته ضالة. اللسان (ضيل).

الفتح: 29

أي: ساوى نبته الضّال فصار في قامته، لأنّه لا يرعاه أحد. ويجوز أن يكون فاعل آزر: الزرع، أي: آزر الزرع شطأه، ومن الناس من يفسّر آزره: أعانه وقوّاه، فعلى هذا يكون: آزر الزرع الشطأ، قال أبو الحسن: آزره: أفعله وأفعل فيه هو الأشبه ليكون قول ابن عامر أزره: فعله، فيكون فيه لغتان: فعل وأفعل، لأنّهما كثيرا ما يتعاقبان على الكلمة، كما قالوا: ألته وآلته يولته «1»، فيما حكاه التوّزي، وكذلك: آزره وأزره. [الفتح: 29] قال قرأ ابن كثير: على سؤقه [الفتح/ 29] مهموز. الباقون: بلا همزة. أبو عبيدة: الساق: حاملة الشجرة «2». وهمز سؤقه يجوز على حدّ قول من قال: لحبّ المؤقدان إلي مؤسى «3» وإذا كان الساق حامل الشجرة فاستعماله في الزّرع اتساع واستعارة كقوله: على البكر يمريه بساق وحافر «4»

_ (1) الألت: الحلف. وألته بيمين ألتا: شدّد عليه. انظر اللسان (ألت). (2) مجاز القرآن 2/ 218. (3) سبق في 1/ 239 (وعدة مواطن أخرى من الكتاب). (4) عجز بيت صدره: فما رقد الولدان حتى رأيته وعزاه في اللسان إلى جبيهاء الأسدي. وقبله بيت آخر يصف فيهما ضعيفا طارقا أسرع إليه:

وقال: لا حملت منك كراع حافرا والكراع: لذي الظلف دون ذي الحافر.

_ فأبصر ناري وهي شقراء أو قدت بليل فلاحت للعيون النواظر ومعنى يمريه: يستخرج ما عنده من الجري. اللسان/ حفر/.

سورة الحجرات

ذكر اختلافهم في سورة الحجرات [الحجرات: 10] قرأ ابن عامر وحده: وأصلحوا بين إخوتكم [الحجرات/ 10] بالتاء جماعة، كذا في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عن عبد الله بن عامر. وروى هشام بن عمّار عن سويد بن عبد العزيز وأيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عن عبد الله بن عامر أنّه قرأ: أخويكم مثل النّاس. وقرأ الباقون بين أخويكم على اثنين «1». الأخ من النّسب، والأخ الصّديق. قال: أخاك أخاك إنّ من لا أخا له كساع إلى الهيجا غير سلاح «2» وقالوا لمن عانى شيئا: هو أخوه، قال:

_ (1) السبعة ص 606. (2) البيت لإبراهيم بن هرمة في الكتاب 1/ 129، والخصائص 2/ 480 والخزانة 1/ 465.

أخا الحرب لبّاسا لديها جلالها «1» وقال: كأنّه أخو فجرة عالى به الجذع صالبه «2» وأنشد أبو زيد: أخو الذّئب يعوي والغراب ومن يكن شريكيه تطمع نفسه كلّ مطمع «3» وأكثر الاستعمال في جمع الأخ من النّسب إخوة وآخاء، وفي التنزيل: فإن كان له إخوة [النساء/ 11]، وقال الشاعر: وجدتم أخاكم دوننا إذ نسبتم وأيّ بني الآخاء تنبو مناسبه «4»

_ (1) صدر بيت للقلاخ بن حزن المنقري، وعجزه: وليس بولّاج الخوالف أعقلا انظر الكتاب 1/ 57، والفارسي في المسائل الحلبيات ص 18، والمقتضب 2/ 113، والعيني 3/ 535، والأشموني 2/ 296. (2) من بيت لذي الرّمة تمامه كما في ديوانه ص 846، والمسائل الحلبيات ص 18 ويشبح بالكفّين شبحا ... ، والبيت يصف فيه الحرباء من قصيدة طويلة. (3) البيت الغضوب وهي امرأة من رهط ربيعة بن مالك أخي حنظلة تهجو سبيعا من أبيات ثلاثة في النوادر ص 371، وأنشده في شرح الأبيات المشكلة ص 349، وانظر الخصائص 2/ 423، والمحتسب 2/ 180، وابن الشجري 1/ 309. (4) البيت في اللسان (أخا) وفيه: بنيكم بدل أخاكم وأنشده عن أبي علي.

وقال في الذي ليس من النسب إخوانا على سرر متقابلين [الحجر/ 47] وقال: فإخوانكم في الدين ومواليكم [الأحزاب/ 5]، وإذا كان هذا فقول الجمهور: أخويكم أبين من قول ابن عامر، لأنّ المراد النسب، وإن كان لا ينكر استعمال بعض ذا في موضع بعض، ألا ترى أنّ قوله: إنما المؤمنون إخوة لا يراد به النسب؟ إنما هو أخوّة الدّين، فإن قلت: فلم لا يكون قول ابن عامر: فأصلحوا بين إخوتكم أرجح من قول من قال: أخويكم، لأنّ المراد هنا الجمع وليس التثنية، وقد يوضع الجمع القليل موضع الجمع الكثير، نحو: الأقدام، والأرسان، والتثنية ليست كالجمع في هذا؟ قيل: إنّ التثنية قد تقع موقع الكثرة في نحو ما حكاه من قولهم: «لا يدين بها لك» «1»، ليس يريد نفي قوّتين اثنتين، إنّما يريد الكثرة، كذلك قولهم: لبّيك، وقولهم: نعم الرجلان زيد، وكذلك قوله: بل يداه مبسوطتان [المائدة/ 64] يريد: بل نعمتاه، وليس هذه النعم بنعمتين اثنتين، إنما يراد نعم الدّنيا، ونعم الآخرة، فكذلك يكون قوله: فأصلحوا بين أخويكم يراد به الطائفتان، والفريقان ونحوهما، ممّا يكون كثرة، وإن كان اللّفظ لفظ التثنية، كما أنّ لفظ ما ذكرنا لفظ التثنية، والمراد به الكثرة والعموم. وقال: فاعمد لما تعلو فما لك بالّذي لا تستطيع من الأمور يدان «2»

_ (1) أورد سيبويه 2/ 279 (ت. هارون) هذا المثال مستشهدا به لغير ما جاء به المصنف هنا. (2) البيت لكعب بن سعد الغنوي في اللسان/ يدي/ والبيت مع آخر قبله في المسائل الحلبيات للفارسي ص 28 وشرح الأبيات المشكلة ص 151 ونسبهما لعلي بن الغدير الغنويّ، والبيت السابق عندهما هو

الحجرات: 14

وروي أنّ الحسن قرأ: بين إخوتكم وبين أخويكم، وبين إخوانكم، وقد جاء الإخوان في جمع الأخ من النسب وهو قوله: أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم [النور/ 61]. [الحجرات: 14] قال: قرأ أبو عمرو وحده لا يالتكم مهموز، وقرأ الباقون: لا يلتكم «1» [الحجرات/ 14]. قال أبو زيد: ألته السلطان حقّه يألته ألتا مثل: ضربه يضربه ضربا: إذا نقصه، قال: وقوم يقولون: لات يليت ليتا، وقال: لتّ الرجل أليته ليتا، إذا عمّيت عليه الخبر فأخبرته بغير ما سألت عنه «2». وقال أبو عبيدة: لا يألتكم من أعمالكم شيئا: لا ينقصكم، من ألت يألت، وقوم يقولون: لات يليت. قال رؤبة: وليلة ذات هوى سريت ولم يلتني عن هواها ليت «3» قال: وقوم يقولون: ألاتني عن حقّي، وألاتني عن حاجتي، إذا صرفه عنها «4».

_ وإذا رأيت المرء يشعب أمره شعب العصا، ويلجّ في العصيان وهو رابع أبيات ستة في أمالي القالي 2/ 314 لكعب وفي الأضداد للأصمعي ص 7 والسجستاني ص 108، وابن السكّيت ص 166: البيتان لعلي بن الغدير الغنوي. (1) النوادر لأبي زيد ص 516. (2) السبعة ص 606. (3) والبيت كما قال لرؤبة وليس في ديوانه وهو في الطبري 15/ 2 و 26/ 143، والقرطبي 16/ 349. واللسان (ليت) مع اختلاف في الرواية. (4) مجاز القرآن ص 221.

الحجرات: 18

وقال التّوزيّ: بعضهم يقول في النقصان: آلت يولت إيلاتا. حجّة أبي عمرو في قراءته: لا يألتكم*: وما ألتناهم، فألتناهم مضارعه يألتكم. ومن قرأ: لا يلتكم جعله من لات يليت، وقد حكاه أبو عبيدة وأبو زيد جميعا. وحجّة من قال: لا يلتكم أنّهم زعموا أنّه ليس في الكتاب ألف ولو كانت منه. كتبت بالألف كما يكتب في: يأمر، ويأبق، ونحوه في المعنى، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [آل عمران/ 185] وقوله: فلا تظلم نفس شيئا [الأنبياء/ 47]. [الحجرات: 18] قال: قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبان والله بصير بما يعملون* [الحجر/ 18] بالياء. وقرأ الباقون بالتاء «1». وجه التاء أنّ قبله خطابا، وهو قوله: لا تمنوا علي إسلامكم [الحجرات/ 17] فالتاء لهذا الخطاب. ووجه الياء أنّ قبله غيبة، وهو قوله: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله [الحجرات/ 15] ... والله بصير بما يعلمون [الحجرات/ 18] بالياء. [الحجرات: 12] قال: شدّد نافع وحده: لحم أخيه ميتا. وخفّفها الباقون «2».

_ (1) السبعة ص 606. (2) السبعة ص 606.

فالميت والميّت بمعنى، كما أن سيدا وسيّدا، وطيبا وطيّبا كذلك، وكما أنّ هارا وهائرا بمعنى، كذلك التشديد في ميت في المعنى كالتخفيف، وممّا يدلّ على ذلك قول الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميّت الأحياء «1» فأوقع المخففة والمشددة على شيء واحد، وكذلك قوله: ومنهل فيه الغراب ميت «2» لو شدّد لجاز. فأمّا الفاء في قوله: فكرهتموه [الحجرات/ 12] فعطف على المعنى، كأنّه لمّا قيل لهم: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا قالوا: لا، فقيل لهم لما قالوا لا: فكرهتموه، أي: كرهتم أكل لحمه ميتا، فكما كرهتم أكل لحمه ميتا فكذلك فاكرهوا غيبته. وقوله: واتقوا الله [الحجرات/ 12] معطوف على هذا الفعل المقدّر، ولا يكون قوله: فكرهتموه بمعنى فاكرهوه واتقوا الله: لأنّ لفظ الخبر لا يوضع للدعاء في كلّ موضع، ولأنّ قوله: فكرهتموه محمول على المعنى الذي ذكرناه، فمعنى الخبر فيه صحيح.

_ (1) البيت لعدي بن رعلاء الغسّاني. من أصمعية ص 152، وهو من شواهد البغدادي في شرح أبيات المغني 3/ 197 و 7/ 16، وأمالي ابن الشجري 1/ 152، عن الفارسي في الحجّة. (2) انظر ابن الشجري 1/ 152 ونقله عن أبي علي في الحجّة.

سورة ق *

ذكر اختلافهم في سورة ق* [ق: 30] قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: يوم يقول لجهنم [ق/ 30] بالياء. وقرأ الباقون: بالنون [وكذلك روى حفص عن عاصم بالنون] «1». حجّة يوم نقول بالنون، قوله: وقد قدمت إليكم بالوعيد [ق/ 28]، وقوله: وما أنا بظلام للعبيد [ق/ 29]، والنون في المعنى مثل: أقول فهو أشبه بما قبله، والياء على: يوم يقول الله. [ق: 40] اختلفوا في قوله: وأدبار السجود [ق/ 40] في فتح الألف وكسرها. فقرأ ابن كثير ونافع وحمزة: وإدبار السجود بكسر الألف. وقرأ الباقون: وأدبار بفتح الألف «2». قال أبو علي: إدبار مصدر، والمصادر تجعل ظروفا على إرادة إضافة أسماء الزمان إليها وحذفها: كقولهم: جئتك مقدم الحاجّ،

_ (1) السبعة ص 607 وما بين معقوفين ساقط منها. (2) السبعة ص 607.

ق: 41

وخفوق النجم، وخلافة فلان، تريد في ذلك كلّه وقت كذا، فحذفت، وكذلك يقدّر في قوله: وقت إدبار السجود، إلّا أنّ المضاف المحذوف في هذا الباب لا يكاد يظهر ولا يستعمل، فهذا أدخل في باب الظروف من قول من فتح، وكأنّه أمر بالتسبيح بعد الفراغ من الصلاة، وقد قيل: إنّه يراد به الركعتان اللّتان بعد المغرب، ومن قال: وأدبار السجود جعله جمع دبر أو دبر، مثل: قفل وأقفال، وطنب وأطناب، وقد استعمل ذلك ظرفا نحو: جئتك في دبر الصلاة، وفي أدبار الصلوات، وعلى دبر الشهر الحرام، وقال أوس بن حجر: على دبر الشّهر الحرام بأرضنا وما حولها جدب سنون تلمّع «1» [ق: 41] قرأ بن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: ينادي المنادي [ق/ 41] بياء في الوصل، ووقف ابن كثير بياء، ووقف نافع وأبو عمرو بغير ياء. ووقف الباقون بغير ياء وكذلك وصلوا «2». أمّا إثبات الياء في الوصل، فلأنّ هذه الياءات أكثر الأمر، إنّما تحذف من الفواصل، وما شبّه بها من الكلام التّام، ومن وقف بالياء فلأنّه كلام غير تام، وإنّما الحذف في أكثر الأمر من الكلام التام تشبيها بالفواصل، ووقف نافع وأبو عمرو بغير ياء لأنّ الوقف موضع تغيير، ألا ترى أنّه يبدل من التاء فيه الهاء في نحو: تمرة، ويبدل من التنوين الألف، ويضعّف فيه الحرف نحو: هذا فرجّ، ويحذف فيه الحرف في

_ (1) سبق في 2/ 370. (2) السبعة ص 607.

ق: 44

القوافي فغيّراه بالحذف، كما غيّرت بهذه الأشياء. وأمّا من حذف في الوصل والوقف فقد ذكرنا القول في الحذف في الوقف، فأمّا من حذف في الوصل فقد قيل: إنّه في الكتاب لا ياء فيه. [ق: 44] وقال ابن كثير ونافع وابن عامر: يوم تشقق* [ق/ 44] مشددة الشين. وقرأ الباقون: تشقق خفيفة «1». من قال: تشقق* أدغم التاء في الشين، ومن قال: تشقق مخفّفا حذف التاء التي أدغمها من ثقل. [ق: 36] القطعي عن عبيد عن أبي عمرو: فنقبوا في البلاد [ق/ 36] خفيفة القاف. وروى غيره عن أبي عمرو: فنقبوا في البلاد مشددة وكذلك قرأ الباقون «2». قال أبو عبيدة: نقّبوا في البلاد، طافوا وتباعدوا وأنشد لامرئ القيس: وقد نقّبت في الآفاق حتّى رضيت من الغنيمة بالإياب «3» والتّشديد في نقّبوا يختصّ بالكثرة، والتخفيف يصلح للقليل والكثير.

_ (1) السبعة ص 607 - 608. (2) السبعة ص 607. (3) مجاز القرآن 2/ 224، وديوانه/ 99 وفيه: طوّفت بدل نقبت. وانظر اللسان (نقب) وفيه السلام بدل الغنيمة.

سورة الذاريات

ذكر اختلافهم في سورة الذاريات [الذاريات: 23] قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: لحق مثل ما [23] برفع اللّام. وقرأ الباقون: لحق مثل ما بنصب اللّام، وكذلك حفص بنصب اللّام أيضا «1». قال أبو علي: من رفع مثلا في قوله: لحق مثل ما أنكم تنطقون جعل مثلا وصفا لحقّ، وجاز أن يكون مثل وإن كان مضافا إلى معرفة صفة للنكرة، لأنّ مثلا لا يختصّ بالإضافة لكثرة الأشياء التي يقع التماثل بها بين المتماثلين، فلمّا لم تخصّه الإضافة ولم يزل عنه الإبهام والشياع الذي كان فيه قبل الإضافة بقي على تنكيره. وقالوا: مررت برجل مثلك، وكذلك في الآية لم يتعرّف بالإضافة إلى أنكم تنطقون وإن كان قوله: أنكم تنطقون بمنزلة نطقكم، وما* في قوله: مثل ما أنكم تنطقون زائدة، فإن قلت: فلم لا تكون الّتي بمنزلة أن كالتي في قوله: وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] فإنّ الّتي في قوله: مثل ما* لا تكون إلّا زائدة ألا ترى أنّه لا فعل معها فتكون مع الفعل بمنزلة المصدر مثل أن مع الفعل، وقوله: وما كانوا

_ (1) السبعة ص 609.

بآياتنا يجحدون موصولة بالفعل الذي هو كانوا، وموضعها جرّ بالعطف على ما جرّه الكاف، التقدير: كنسيان لقاء يومهم، أي: ننساه نسيانا كنسيان يومهم هذا، وككونهم جاحدين بآياتنا، ومثل زيادة ما* هاهنا زيادتها في قوله، مما خطيئاتهم [نوح/ 25] ونحو قوله: فبما رحمة [آل عمران/ 159] وعما قليل ليصبحن نادمين [المؤمنون/ 40] ونحو ذلك. وأمّا من نصب فقال: مثل ما أنكم فتحتمل ثلاثة أضرب: أحدهما: أنّه لمّا أضاف مثل إلى مبنيّ، وهو قوله: أنكم بناه كما بني يومئذ في قوله: من خزي يومئذ [هود/ 66] ومن عذاب يومئذ [المعارج/ 11] وقوله: على حين عاتبت المشيب على الصّبا «1» وقوله: لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت «2» فغير في موضع رفع بأنّه فاعل يمنع، وإنما بنيت هذه الأشياء المبهمة نحو: مثل، ويوم، وحين، وغير إذا أضيفت إلى المبنيّ لأنّها تكتسي منه البناء، لأنّ المضاف يكتسي من المضاف إليه ما فيه من

_ (1) هذا صدر بيت للنابغة عجزه: وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع وقد سبق في 4/ 348. (2) هذا صدر بيت لأبي قيس بن الأسلت عجزه: حمامة في غصون ذات أو قال وقد سبق في 4/ 348.

التعريف والتنكير، والجزاء والاستفهام، تقول: هذا غلام زيد، وصاحب القاضي، فيتعرف الاسم بالإضافة إلى المعرفة، وتقول: غلام من تضرب؟ فيكون استفهاما كما تقول: صاحب من تضرب أضرب، فيكون جزاء، فمن بنى هذه المبهمة إذا أضافها إلى مبني جعل البناء أحد ما يكتسبه من المضاف إليه، ولا يجوز على هذا: جاءني صاحب خمسة عشر، ولا غلام هذا، لأنّ هذين من الأسماء غير المبهمة، والمبهمة في إبهامها وبعدها من الاختصاص كالحروف التي تدلّ على أمور مبهمة، فلمّا أضيفت إلى المبنيّة، جاز ذلك فيها، والبناء على الفتح في مثل قول سيبويه. والقول الثاني أن تجعل ما* مع مثل بمنزلة شيء واحد، وتبنيه على الفتح وإن كانت ما* زائدة وهذا قول أبي عثمان، وأنشد أبو عثمان في ذلك قول الشاعر: وتداعى منخراه بدم مثل ما أثمر حمّاض الجبل «1» فذهب إلى أنّ مثل* مع ما* جعلا بمنزلة شيء واحد، وينبغي أن يكون أثمر صفة لمثل ما، لأنّه لا يخلو من أن يكون صفة له، أو يكون مثل ما مضافا إلى الفعل، فلا يجوز فيه الإضافة، لأنّا لم نعلم مثلا أضيف إلى الفعل في موضع، فكذلك لا يضيفه في هذا الموضع إلى الفعل، فإذا لم يجز الإضافة كان وصفا، وإذا كان وصفا وجب أن يعود منه إلى الموصوف ذكر، فيقدّر ذلك المحذوف بما يتصل بالفعل، فيحذف كما يحذف الذكر العائد من الصّفة إلى الموصوف، وقد يجوز

_ (1) سبق في 4/ 351

أن لا يقدّر مثل* مع ما* كشيء واحد لكن تجعله مضافا إلى ما مع أثمر، ويكون التّقدير: مثل شيء أثمره حمّاض الجبل، فيبنى مثل على الفتح لإضافتها إلى ما* وهي غير متمكن، ولا يكون لأبي عثمان حينئذ في البيت حجّة على كون مثل* مع ما* بمنزلة شيء واحد، ويجوز أن لا تكون له فيه حجّة من وجه آخر، وهو أن يجعل ما* والفعل بمنزلة المصدر، فيكون: مثل إثمار الحماض، فيكون في ذلك كقوله: وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] وقوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10] وبقول ابن مقبل: سل الدار من جنبي حبرّ فواهب إلى ما رأى هضب القليب المضيّح «1» كأنّه قال: إلى رؤية هضب القليب، أو إلى موضع رؤيته. ولكن يدلّ على جواز بناء مثل مع ما* وكونه مع ما* بمنزلة شيء واحد قول حميد بن ثور: ألا هيّما ممّا لقيت وهيّما وويحا لمن لم يدر ما هنّ ويحما «2» وأسماء ما أسماء ليلة أدلجت إليّ واصحابي بأيّ وأينما وقوله: ويحما في موضع نصب بأنّه مصدر، فلولا أنّه بني مع

_ (1) انظر ديوانه/ 22، والمسائل الحلبيات ص 62، ومجالس العلماء ص 28. وحبر وواهب: جبلان في ديار بني سليم. هضب القليب: موضع لبني قنفذ من بني سليم. القليب في الأصل: البئر. المضيح: ماء لبني البكاء. (2) ديوانه ص 7، واللسان (ويح).

ما* لم يكن يمتنع النصب الذي يجب بكونه مصدرا، ويلحقه التنوين فلمّا لم ينصب علمت أنّ الرفع إنّما حصل فيه للبناء مع ما*، وممّا يدلّ على ذلك ما أنشدناه عن أحمد بن يحيى: أثور ما أصيدكم أم ثورين أم تيكم الجمّاء ذات القرنين «1» فلولا أنّ ثور مع ما* جعلا شيئا واحدا، وبني ثور على الفتح معه لذلك لم يمتنع التنوين من لحاقه، ومثل ما أنشده أحمد بن يحيى: تسمع للجنّ به زيزيز ما «2» فزيزيز: فعليل مثل: شمليل وكرديد «3» وإنّما بني مع ما* على الفتح فلم يلحقه التنوين، فأمّا قول أحمد بن يحيى: وأصحابي بأيّ وأينما «4» فإنّه أخرج أين* من أن تكون استفهاما، كما أخرجوه عن ذلك بقولهم: مررت برجل أيّما رجل. وكقوله:

_ (1) انظر اللسان (قرن) وفيه: «أهم هذه» بدل «أم تيكم». (2) في اللسان (زيز): زيزيز: حكاية صوت الجن وأنشد البيت برواية: زي زي زيا. (3) ناقة شملّة بالتشديد، وشمال وشملال وشمليل: خفيفة سريعة مشمرة. اللسان (شمل). والكرديد: ما يبقى في أسفل الجلّة من جانبيها من التمر. اللسان (كرد). (4) سبق قريبا.

والدّهر أيّتما حال دهارير «1» كأنّه قال: والدّهر دهارير كلّ حال، فأعمل الفعل في الظرف، وإن كان متقدّما عليه، كقولهم: أكلّ يوم لك ثوب، وجعل أيّ كناية عن بلدة أو بقعة، مثل فلان في الكناية عن الأناسيّ، فلم يصرف للتأنيث والتعريف. فأمّا قوله: وأينما فالقول فيه: إنّه أخرجه من الاستفهام أيضا كما أخرج منه في المواضع التي أريتك، وبناه مع ما* على الفتح، وموضعه جرّ بالعطف على الجرّ الذي في موضع قوله: بأيّ. وأمّا القول الثالث في قوله: مثل ما أنكم تنطقون فهو أن ينتصب على الحال من النكرة وهو قول أبي عمر الجرمي، وذو الحال الذكر المرفوع في قوله: لحق، والعامل في الحال هو الحق*، لأنّه من المصادر التي وصف بها، ويجوز أن تكون الحال عن النكرة الذي هو حق* في قوله: إنه لحق، وإلى هذا ذهب أبو عمرو ولم نعلم عنه أنّه جعله حالا من الذكر الذي في حقّ، وهذا لا اختلاف في جوازه، وقد حمل أبو الحسن قوله: فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا

_ (1) هذا عجز بيت لرجل من أهل نجد قيل: هو عثير بن لبيد العذري، وقيل: هو حريث بن جبلة العذري. وصدره: حتّى كأن لم يكن إلّا تذكّره قال الغندجاني في فرحة الأديب ص 86: خلّط ابن السيرافي في هذا الاسم، إنّما هو جبلة بن الحويرث العذري، وقد أورد ابن السيرافي تمام الأبيات في شرح أبيات سيبويه 1/ 361، وعددها سبعة آخرها البيت. وانظر اللسان (دهر).

الذاريات: 44

[الدخان/ 4، 5] على الحال، وذو الحال: قوله: كل أمر حكيم وهو نكرة. فهذه وجوه الانتصاب في مثل ما، والخلاف فيه. [الذاريات: 44] قال: قرأ الكسائي وحده: فأخذتهم الصعقة [الذاريات/ 44] بغير ألف. الباقون: الصاعقة بألف «1». روى محمد بن السّريّ، عن أحمد بن يحيى عن أبي زيد: الصاعقة: التي تقع من السماء، والصّاقعة التي تصقع الرءوس. قال أحمد: وقال الأصمعي: الصاعقة والصاقعة سواء، قال: وأنشد الأصمعي: يحكون بالمصقولة القواطع تشقّق البرق عن الصّواقع «2» وأمّا قول الكسائي: الصعقة، فقد روي عن عمر وعثمان فيما زعموا، وقيل إن الصّعقة مثل الزّجرة، هو الصوت الذي يكون عن الصاعقة وقال بعض الرجاز: لاح سحاب فرأينا برقه ثمّ تدانى فسمعنا صعقه «3»

_ (1) السبعة ص 609. (2) انظر اللسان (صقع). (3) انظر اللسان (صعق) وفيه: ثمّ تدلّى بدل ثمّ تدانى.

الذاريات: 46

[الذاريات: 46] اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله عزّ وجلّ: وقوم نوح من قبل [الذاريات/ 46]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وقوم نوح فتحا. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: وقوم نوح* كسرا «1». قال أبو علي: من جرّ فقال: وقوم نوح* حمله على قوله: وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون [الذاريات/ 38] وفي قوم نوح وقوله: وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون عطف على أحد شيئين: إمّا أن يكون على قوله: وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب [الذاريات/ 37] وفي موسى، أو على قوله: وفي الأرض آيات للموقنين [الذاريات/ 20] وفي موسى، أي: في إرسال موسى آيات بيّنة وحجج واضحة، وفي قوم نوح آية. ومن نصب، فقال: وقوم نوح، جاز في نصبه أيضا أمران، كلاهما على حمل على المعنى. فأحدهما من الحمل على المعنى أنّ قوله: فأخذتهم الصاعقة يدلّ على: أهلكناهم*، فكأنّه قال: أهلكناهم وأهلكنا قوم نوح. والآخر: أن قوله: فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم [الذاريات/ 40] ألا ترى أنّ هذا الكلام يدلّ على أغرقناهم، فكأنّه قال: فغرقناهم، وأغرقنا قوم نوح.

_ (1) السبعة ص 609.

سورة الطور

ذكر اختلافهم في سورة الطور [الطور: 21] قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: واتبعتهم [21] بالتاء ذريتهم واحدة بهم ذريتهم واحدة أيضا. وقرأ نافع واتبعتهم ذريتهم واحدة، بهم ذرياتهم جماع. خارجة عن نافع فيهما مثل حمزة. وقرأ ابن عامر: واتبعتهم بالتاء ذرياتهم* برفع التاء جماعة ألحقنا بهم ذرياتهم جماعة أيضا. وقرأ أبو عمرو: وأتبعناهم ذرياتهم جماعة بهم ذرياتهم جماعة أيضا «1». الذّرّيّة: اسم يقع على الصغير والكبير، فممّا أريد به الصغير قوله: قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة [آل عمران/ 38] فنادته الملائكة ... الله يبشرك بيحيى [آل عمران/ 39]. وأمّا وقوعه على الكبار البالغين، فقوله: ومن ذريته داود

_ (1) السبعة ص 612.

وسليمان وأيوب ويوسف [الأنعام/ 84] فإن حملت الذّرّيّة في الآية على الصّغار كان قوله: بإيمان في موضع نصب على الحال من المفعولين، أي: اتّبعتهم بإيمان من الآباء ذرّيّتهم، ألحقنا الذّرّيّة بهم في أحكام الإسلام، فجعلناهم في حكمهم في أنّهم يرثون ويورثون، ويدفن موتاهم في مقابر المسلمين، وحكمهم حكم الآباء في أحكامهم إلّا فيما كان موضوعا عن الصغير لصغره. وإن جعلت الذّرّيّة للكبار كان قوله بإيمان حالا من الفاعلين الذين هم ذريتهم، أي: ألحقنا بهم ذريّتهم في أحكام الدّنيا والثواب في الآخرة، وما ألتناهم من عملهم أي: من جزاء عملهم من شيء كما قال: فلا تظلم نفس شيئا [الأنبياء/ 47]، وكما قال: وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [آل عمران/ 185] ومن يعمل من الصالحات فلا يخاف ظلما ولا هضما [طه/ 112] فمن قرأ: ذريتهم* وأفرد، فلأنّ الذّرّيّة تقع على الكثرة، فاستغنى بذلك عن جمعه، وكذلك القول في قوله: بهم ذريتهم في أنّه أفرده وألحق التاء في واتبعتهم لتأنيث الاسم. وقول نافع: وجهه أنّه جمع وأفرد، لأنّ كلّ واحد منهما جائز، ألا ترى أنّ الذّرّيّة قد تكون جمعا؟ فإذا جمعه فلأنّ الجموع قد تجمع نحو: أقوام وطرقات. وقول ابن عامر: واتبعتهم ذرياتهم ... ألحقنا بهم ذرياتهم أنّه جمع الموضعين، لأنّ الجموع تجمع نحو: الطرقات والجزرات وفي الحديث: «صواحبات يوسف» «1». وقول أبي عمرو: أتبعناهم ذرياتهم جماعة، بهم ذرياتهم

_ (1) انظر مسند أحمد بن حنبل 6/ 159، 210، 224

الطور: 21

جماعة، الفعل فيه للمتكلمين، وتبعت يتعدّى إلى مفعول، فإذا ثقّل بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالمفعول الأوّل الهاء والميم، والمفعول الثاني: ذريّاتهم وكذلك ذرّيّاتهم مفعول ألحقنا. [الطور: 21] قرأ ابن كثير: وما ألتناهم [الطور/ 21] بكسر اللّام غير ممدودة الألف. وقرأ الباقون: ألتناهم مفتوحة الألف واللّام غير ممدودة أيضا «1». وقد تقدّم حكاية اللّغات في هذا الحرف. ويشبه أن يكون فعلنا لغة، وقد قالوا: نقم ينقم، ونقم ينقم، فيشبه أن يكون: ألت مثله، ومثل نحوه من حروف جاءت على فعل وفعل، وقد حكي ذلك عن يحيى ومكانه مكانه. [الطور: 23] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا لغو فيها ولا تأثيم [الطور/ 23] نصبا. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين «2». قوله فيها* من قوله: لا لغو فيها ولا تأثيم على قول أبي الحسن في موضع رفع من حيث كان خبر إنّ في موضع رفع، وفي قول سيبويه في موضع رفع بأنّه خبر مبتدأ، فهو على قول سيبويه بمنزلة: زيد منطلق وعمرو، استغنيت عن ذكر خبر الثاني لدلالة الأوّل، ومن رفع فقال: لا لغو فيها ولا تأثيم ألا ترى أنّه لا يخلو من أن يكون

_ (1) السبعة ص 612. (2) السبعة ص 612.

الطور: 28

لا* كليس أو يكون لغو مرتفعا بالابتداء، فيكون فيها* في كلّ واحد من التقديرين يصحّ أن يكون خبرا عن الاسمين، فأمّا قول الشاعر: فلا لغو ولا تأثيم فيها «1» فلا يكون فيها خبرا عنهما، لأن العامل في الخبر هو العامل في المخبر عنه، وعاملا الاسمين مختلفان، فلا يكونان مع اختلافهما عاملين في الخبر، ومعنى ذلك: لا لغو: أنّهم لا تزول عقولهم، فإذا لم تزل عقولهم لم يلغوا، ولم يكن منهم ما يؤثم، كما يكون في الدنيا. [الطور: 28] قال: قرأ نافع والكسائي: ندعوه أنه [الطور/ 28] بفتح الألف. وقرأ الباقون: ندعوه إنه بكسر الألف، وقال ابن جمّاز عن نافع: ندعوه إنّه كسرا «2» من قرأ: ندعوه أنه فالمعنى لأنّه هو البر الرّحيم، أي: فلرحمته يجيب من دعاه، فلذلك ندعوه. ومن كسر الهمزة قطع الكلام ممّا قبله، واستأنفه. [الطور: 45] قال: قرأ عاصم وابن عامر يصعقون [الطور/ 45] مرفوعة الياء.

_ (1) صدر بيت لأمية بن أبي الصلت عجزه: وما فاهوا به لهم مقيم سبق في 1/ 192 و 2/ 358، وهو من شواهد النحو في شذور الذهب ص 88، والخزانة 2/ 283، والعيني 2/ 346، والتصريح 1/ 241، والأشموني 2/ 11. (2) السبعة ص 613.

الطور: 37

وقرأ الباقون يصعقون بفتح الياء «1». يقال: صعق الرجل يصعق، وفي التنزيل: فصعق من في السموات [الزمر/ 68]. ومضارع صعق يصعقون. وحجّة من فتح الياء في يصعقون قوله: فصعق من في السموات فأمّا من قرأ يصعقون فإنّه على نقل الفعل بالهمزة صعقوا هم، وأصعقهم غيرهم، فيصعقون من باب يكرمون لمكان النقل بالهمزة، وليس مثل يضربون. وحكى أبو الحسن صعق، فعلى هذا يجوز: مصعوق، ويجوز أن يكون يصعقون، مثل يضربون، وقال غيره: هو مثل سعد وسعد. قال: قرأ ابن عامر في رواية الحلواني عن هشام بن عمّار [الطور: 37] وابن كثير والكسائي في رواية الفرّاء: المسيطرون [الطور/ 37] قال هشام: كتابها بالصاد ونقرؤها بالسين «2». أبو عبيدة: أم هم المسيطرون: الأرباب، قال: يقال: تسيطرت عليّ: اتّخذتني خولا «3». وقد جاء على هذا المثال فيما رواه محمد بن السّري عن أبي عبيدة: مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر، قال: والبيقرة مشية فيها تقارب. قال أبو علي: ليس هذا البناء بناء تحقير، ولكنّ الياء فيه مثل الواو في حوقل، فكما تقول: محوقل كذلك تقول: مبيطر لإلحاقهما جميعا بمدحرج ومسرهف.

_ (1) السبعة ص 613. (2) السبعة ص 613. (3) مجاز القرآن 2/ 233.

سورة والنجم

ذكر اختلافهم في سورة والنجم [النجم: 11] قرأ ابن كثير، وعاصم وابن عامر هذه السورة كلّها بفتح أواخر آيها. عاصم في رواية أبي بكر [يميل] مثل: رآه [13] ورأى [11]. حفص عن عاصم يفتح ذلك كلّه وقرأ أبو عمرو ونافع: بين الفتح والكسر. وقرأ حمزة والكسائي ذلك كلّه بالإمالة. القطعيّ عن عبيد عن أبي عمرو بالأفق الأعلى [النجم/ 7] ممالة، ثم دنا فتدلى [8] ممالة ولعلا بعضهم [المؤمنون/ 91] مفتوحة، كذلك يقرؤها «1». أمّا ترك الإمالة والتفخيم للألف فهو قول كثير من الناس، والإمالة أيضا قول كثير منهم، فمن ترك كان مصيبا، ومن أخذ بها كان كذلك. وقول نافع وأبي عمرو: الإمالة، إلّا أنّهم لا يجنحون الألف إجناحا شديدا، وذلك حسن.

_ (1) السبعة ص 614. وما بين معقوفين منه.

النجم: 12

[النجم: 12] قال: قرأ حمزة والكسائي: أفتمرونه [النجم/ 12] مفتوحة التاء بغير ألف. وقرأ الباقون: أفتمارونه بألف «1». من قرأ: أفتمارونه فمعناه: أتجادلونه، أي: أتجادلونه جدالا ترومون به دفعه عمّا علمه وشاهده من الآيات الكبرى، ويقوّي هذا الوجه قوله: يجادلونك في الحق بعد ما تبين [الأنفال/ 6]. ومن قرأ: أفتمرونه كان المعنى: أتجحدونه. وقال الشاعر: ما خلف منك يا أسماء فاعترفي معنّة البيت تمري نعمة البعل «2» أي: تجحدها، وزعموا أنّ: أفتمرونه قراءة مسروق وإبراهيم والأعمش، والمجادلة كأنّه أشبه بهذا، لأنّ الجحود كان منهم في هذا وفي غيره، وقد جادله المشركون، عليه السلام، في الإسراء به، فكان ممّا قالوا له: صف لنا عيرنا في طريق الشام، ونحو هذا. قال: قرأ ابن عامر في رواية ابن ذكوان: ما كذب الفؤاد [النجم/ 11] خفيفة وفي رواية هشام كذب* مشددة. وخفّف الباقون الذال «3».

_ (1) السبعة ص 614. (2) اللسان (مرا) عن ابن بريّ. وامرأة معنة: تعتن وتعترض في كل شيء. (3) السبعة ص 614.

النجم: 20

والحسن البصري في قوله: ما كذب الفؤاد ما راي: أي: ما كذّب فؤاده ما رأت عيناه ليلة أسري به، بل صدّقه الفؤاد. قال أبو علي: كذب فعل يتعدى إلى مفعول بدلالة قوله: كذبتك عينك أم رأيت بواسط «1» ومعنى كذبتك أي: أرتك ما لا حقيقة له، كما أنّي إذا قلت: كذبتني عيني، معناه: أرتني ما لا حقيقة له، وعلى هذا قال: أري عينيّ ما لم ترأياه «2» فمعنى ما كذب الفؤاد ما رأى: لم يكذب فؤاده ما أدركه بصره، أي: كانت رؤية صحيحة غير كاذبة، وإدراكا على الحقيقة، ويشبه أن يكون الذي شدّد فقال: كذب* شدّد هذا المعنى، وأكّده: أفتمارونه على ما يرى: أترومون إزالته عن حقيقة ما ادركه وعلمه بمجادلتكم؟ أو: أتجحدونه ما قد علمه، ولم يتعرض عليه شك فيه؟ [النجم: 20] قال قرأ ابن كثير وحده: ومناءة الثالثة [النجم/ 20] مهموزة ممدودة.

_ (1) صدر بيت للأخطل عجزه: غلس الظلام من الرباب خيالا انظر الكتاب 1/ 484، وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 1/ 25. (2) صدر بيت لسراقة البارقي عجزه: كلانا عالم بالتّرّهات انظر النوادر/ 185، المحتسب 1/ 128، الخصائص 3/ 153، وابن الشجري 2/ 20، 200، وابن يعيش 9/ 110، واللسان (رأى) وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 2/ 179، 5/ 133. والمسائل الحلبيات ص 84.

النجم: 22

وقرأ الباقون: ومناة «1». قال أبو عبيدة: اللّات والعزّى: أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة «2»، ومناة أيضا صنم حجارة، ولعل مناءة بالمدّ لغة، ولم أسمع بها عن أحد من رواة اللّغة، وقد سمّوا، زيد مناة، وعبد مناة، ولم أسمعه بالمدّ، وقال جرير: أزيد مناة توعد يا بن تيم تبيّن أين تاه بك الوعيد «3» [النجم: 22] قال: وقرأ ابن كثير: ضئزى [النجم/ 22] مهموزة. وقرأ الباقون ضيزى بغير همز «4». أبو عبيدة: قسمة ضيزى: ناقصة، يقال: ضزته حقّه، وضزته، أي: نقصته، ومنعته «5». قال أبو علي: قوله: تلك إذا قسمة ضيزى. أي: ما نسبتموه إلى الله سبحانه من اتخاذ البنات قسمة جائرة. فأمّا قولهم: قسمة ضيزى، ومشية حبلى، فإن النحويين يحملونه على أنّه في الأصل، فعلى، وإن كان اللّفظ على فعلى كما أن البيوت والعصيّ في الأصل فعول، وإن كانت الفاء مكسورة، وإنّما حملوها على أنّها فعلى دون ما عليه اللّفظ، لأنّهم لم يجدوا في الصّفات شيئا على

_ (1) السبعة ص 615. (2) مجاز القرآن 2/ 236. (3) انظر ديوانه 1/ 332. (4) السبعة ص 615. (5) السبعة ص 237.

فعلى، كما وجدوا الفعلى نحو: الحبلى، والفعلى نحو: السّكرى، فلمّا لم يجدوا ذلك حكموا عليه بأنّ الفاء في الأصل مضمومة. ومن جعل العين فيه واوا على ما حكاه أبو عبيدة من قولهم: ضزته، فينبغي أن يقول: ضوزى، وقد حكي ذلك، فأمّا من جعله من قولك: ضزته فكان القياس أن يقول أيضا: ضوزى، ولا يحفل بانقلاب الياء إلى الواو، لأنّ ذلك إنّما كره في بيض، وعين، جمع بيضاء، وعيناء لقربه من الظرف، وقد بعد من الظرف بحرف التأنيث، وليست هذه العلامة في تقدير الانفصال كالتاء، فكان القياس أن لا يحفل بانقلابها إلى الواو كما لم يبال ذلك في حولل، وعوطط، وكأنّهم آثروا الكسرة والياء على الضّمّة والواو من حيث كانت الكسرة والياء أخفّ، ولم يخافوا التباسا حيث لم يكن في الصفة شيء على فعلى*، وإنّما هو فعلى*، ولولا ذلك لكان حكمه حكم: كولل وكولل في الاسم والفعل، وحكم عوطط، وحولل، ألا ترى أنّه قال: سمعناهم يقولون: تعيّطت الناقة؟ ثم قال: مظاهرة نيّا عتيقا وعوططا «1»

_ (1) هذا صدر بيت عجزه: فقد أحكما خلقا لها متباينا انظر اللسان (عوط) والعائط من الإبل: البكرة التي أدرك إنا رحمها فلم تلقح. وهو من شواهد سيبويه المجهولة القائل، قال الأعلم: وصف ناقة مطارقة الشحم وافرة القوة والحجم لاعتياط رحمها وعقرها، وأصل المظاهرة: لبس ثوب على آخر، فالظاهر منها ظهارة والباطن بطانة، والنيّ: الشحم. والعتيق: الحولي القديم، والمتباين: المتفاوت المتباعد، يعني أنها كاملة

النجم: 32

فإن قلت: فكيف قال: إنّ فعلى لا تكون في أبنية الصفات، وقد حكى أحمد بن يحيى: رجل كيصى: إذا كان يأكل وحده، وقد كاص طعامه، إذا أكله وحده؟ قيل: إنّ سيبويه إنّما قال: لم يحك فعلى صفة، والذي حكاه أحمد بن يحيى بالتنوين، فليس هو ما قاله سيبويه، ولا يمتنع أن تجيء الألف آخرا للإلحاق بهجرع ونحوه. وأمّا قول ابن كثير: ضئزى بالهمز فإنّ التوزيّ قد حكى الهمز في هذه الكلمة فقال: ضأزه يضازه: إذا ظلمه، وأنشد: إذا ضأزانا حقّنا في غنيمة «1» ولا ينبغي أن يكون ابن كثير أراد بضيزى فعلى، لأنّه لو أراد ذلك لكان ضوزى، ولم يرد به أيضا فعلى صفة لأنّ هذا البناء لم يجيء صفة، ولكن ينبغي أن يكون أراد به المصدر مثل الذكرى، فكأنّه قال: قسمة ذات ظلم، فعلى هذا يكون وجه قراءته. [النجم: 32] حمزة والكسائي: يجتنبون كبير الإثم [النجم/ 32].

_ الخلق متباعدة ما بين الأعضاء وقد أحكم خلقها مع تفاوته والعوطط: من عاطت الناقة تعيط عياطا وعوططا: إذا لم تحمل. والحولل مثلها: من حالت الناقة حيالا وحوللا. الكتاب 2/ 377 وانظر المصنف 4/ 12، 42 واللسان (عوط). (1) هذا صدر بيت عجزه: تقنّع جارانا فلم يترمرما وروايته في اللسان (ضيز): «إذا ضاز عنا حقنا في غنيمة» ولا شاهد فيها لأنها غير مهموزة. وفي مطلع البيت طمس في الأصل اجتهدنا في قراءته على نحو ما أثبتنا.

الباقون: كبائر الإثم «1». ممّا يدلّ على حسن إفراد الكبير في قوله: كبير الإثم أنّ فعيلا قد جاء يعنى به الكثير، كما أنّ فعولا قد جاء كذلك في قوله: فإن كان من قوم عدو لكم [النساء/ 92] وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس [الأنعام/ 112] فإن كان من قوم عدو لكم «2» فكذلك فعيل قد يراد به الكثرة كما أريده بفعول. قال: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [الشعراء/ 100، 101] وقال: وحسن أولئك رفيقا [النساء/ 69]، وعلى هذا حمل قوله: عن اليمين وعن الشمال قعيد [ق/ 17] وقال: وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل «3» وقال رؤبة: دعها فما النّحويّ من صديقها «4» وقال: فقال فريق القوم لمّا نشدتهم نعم وفريق ليمن الله ما ندري «5»

_ (1) السبعة ص 615. (2) كذا الأصل، وهي تكرار في الاستشهاد كما هو ملاحظ للآية 92 من النساء. (3) البيت للسموأل من قصيدة تبلغ عشرة أبيات، قال أبو علي القالي: قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر للسموأل بن عادياء اليهودي وأنشد القصيدة. انظر الآمالي 1/ 269، وانظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1/ 112. (4) هذا رجز لرؤبة سبق في 1/ 226 و 2/ 131. (5) البيت من شواهد المغني وهو الإنشاد الثامن والثلاثون بعد المائة من شرح

ومن ثمّ لم يؤنّث في قولهم: ريح خريق، وملحفة جديدة، وناقة سديس، وكتيبة خصيف، كما لم يؤنّث فعول في نحو: خذول تراعي ربربا «1» فمن ثمّ حيث كان على لفظ الإفراد، والمراد به الكثرة في هذه المواضع وغيرها، كذلك أفردا فعيلا في قوله: كبير الإثم، وإن كان المراد به الكبائر، ويحسن الإفراد من وجه آخر، وهو أنّ المصدر المضاف، فعيل إليه واحد في معنى الكثرة. ألا ترى أنّه ليس يراد به إثم بعينه؟ إنّما يراد به الآثام، فكذلك يكون المراد بالمضاف الكثرة إذ ليس الكبير كبيرا بعينه، إنّما هو ضروب ما كبر من الآثام، فإذا كان كذلك فالإفراد فيه يفيد ما يفيد الجمع، وقد وصف الإثم في الآية بالكبر، كما وصف بالعظم في قوله: افترى إثما عظيما [النساء/ 48] وهذا ممّا يقوّي قراءة من قرأ: قل فيهما إثم كبير [البقرة/ 219]. ألا ترى أنّ الكبر زيادة في أجزاء الشيء الكبير، كما أن العظم كذلك؟ فإن قيل: فهلّا جمعا ذلك ليكون أبين كما جمع ذلك سائرهم؟ قيل: إذا أتيا به على قياس ما جاء في التنزيل في غير هذا الموضع لم يكن لقائل مقال، ألا ترى أنّه قد جاء: فإن كان من قوم عدو لكم

_ أبيات المغني 2/ 268، وهو ضمن قصيدة طويلة لنصيب شرحها البغدادي رحمه الله، وقد خرج هناك بما فيه الكفاية، ونضيف هنا أن الأبيات في فرحة الأديب ص 146. (1) قطعة من بيت لطرفة، تمامه: خذول تراعي ربربا بخميلة تناول أطراف البرير وترتدي وهو البيت السابع من معلقته في الديوان ص 9.

النجم: 50

[النساء/ 92]، [النجم: 50] وقال: وهم لكم عدو [الكهف 50] فأفرد؟ وجمع في قوله: يوم نحشر أعداء الله إلى النار [فصّلت/ 19] وإن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء [الممتحنة/ 2]، وأنشد أبو زيد: وقالوا ربّك انصره فإنّ ال أعادي فيهم بأس شديد «1» فلم يمنع من إفراد ذلك جمعه في المواضع التي جمع، فكذلك: كبير الإثم على قولهما، ومن جمع فقال: كبائر الإثم فلأنّه في المعنى جمع، والإثم يراد به الكثرة إلّا أنّه أفرد كما تفرد المصادر وغيرها من الأسماء التي يراد بها الكثرة إلّا أنّه أفرد كما تفرد المصادر وغيرها من الأسماء التي يراد بها الأجناس الكثيرة. قال: قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: عادا الأولى [النجم/ 50] منوّنة. وقرأ نافع وأبو عمرو: وعادا لولى موصولة مدغمة. واختلف عن نافع في الهمز فروى لنا إسماعيل القاضي عن قالون وأحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس، وقالون وإبراهيم القورسي عن أبي بكر بن أبي أويس عن نافع: عادا لؤلى. وقال ابن جماز وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن إسحاق عن أبيه، وورش عن نافع: عادا لولى مثل أبي عمرو «2». قال أبو عثمان: أساء عندي أبو عمرو في قراءته: وأنه أهلك عادا لولى لأنّه أدغم النون في لام المعرفة، واللّام إنّما تحركت

_ (1) البيت لشعبة بن قمير من جملة أبيات في النوادر ص 369. (2) السبعة ص 615 مع اختلاف يسير.

بحركة الهمزة، وليست بحركة لازمة، والدّليل على ذلك أنّك تقول: الحمر، فإذا طرحت حركة الهمزة على اللّام لم تحذف ألف الوصل، لأنّها ليست بحركة لازمة. وقال أبو عثمان: ولكن كان أبو الحسن روى عن بعض العرب أنّه يقول: هذا الحمر قد جاء، فيحذف ألف الوصل لحركة اللّام. قال أبو علي: القول في عادا الأولى أنّ من حقق الهمزة من الأولى، سكنت لام المعرفة، فإذا سكنت لام المعرفة والتنوين من قولك: عادا المنصوب ساكن التقى ساكنان: النون التي في عادا ولام المعرفة، فحرّكت التنوين بالكسر لالتقاء الساكنين، فهذا وجه قول من لم يدغم، وقياس من قال: أحد الله [الإخلاص/ 1، 2] فحذف التنوين لالتقاء الساكنين أن يحذفه هنا أيضا، كما حذفه من أحد الله، وكما حذفه من قوله: ولا ذاكر الله إلّا قليلا «1» إلّا أن ذا لا يدخل في القراءة، وإن كان قياسا، وجاء في الشعر كثيرا، وجاء في بعض القراءة، ويجوز في قول من خفّف الهمزة من الأولى على قول من قال: الحمر، فلم يحذف الهمزة التي للوصل أن يحرّك التنوين فيقول: عادن لولى كما يقول ذلك إذا حقّق الهمزة، لأنّ اللّام على هذا في تقدير السكون، فكما يكسر التنوين لالتقاء الساكنين، كذلك يكسرها في هذا القول، لأنّ التنوين في تقدير الالتقاء مع

_ (1) عجز بيت لأبي الأسود الدؤلي، سبق في 2/ 454 وصدره: فألفيته غير مستعتب

ساكن، ومن حرّك لام المعرفة، وحذف همزة الوصل، فقياسه أن يسكن النون من عادن فيقول: عادن لولى لأنّ اللّام ليس في تقدير سكون كما كان في الوجه الأوّل كذلك، ألا ترى أنه حذف همزة الوصل؟ فإذا كان كذلك ترك النون على سكونها، كما تركه في نحو: عاد ذاهب. ولو أدخلت الخفيفة في فعل الواحد وأوقعته على نحو الاثنين والابنين لقلت: اضرب اثنين، وأكرم ابنين، فحذفت الخفيفة من هذا، كما تحذفها في نحو: اضرب البوم، لأنّ اللّام من الاثنين والابنين في تقدير السكون، فتحذف الخفيفة مع لام المعرفة إذا تحركت بهذه الحركة، كما تحذفها إذا لقيت ساكنا، ولم يكن ذلك كقولك: اضربا لحمر، في قول من حذف معه همزة الوصل. فأمّا قول أبي عمرو: عادا لولي فإنه لما خفّف الهمزة التي هي منقلبة عن الفاء لاجتماع الواوين أوّلا ألقى حركتها على اللّام الساكنة، فإذا ألقى حركتها على اللّام الساكنة، تحرّكت وقبلها نون ساكنة، فأدغمها في اللّام كما يدغمها في الرّاء في نحو: من راشد، وذلك بعد أن يقلبها لاما أو راء، فإذا أدغمها فيها صار عاد لولي، وخرج من الإساءة التي نسبها إليه أبو عثمان من وجهين: أحدهما أن يكون تخفيف الهمزة من قوله: الأولى على قول من قال: لحمر كأنه يقول في التخفيف للهمز قبل الإدغام لولى فيحذف همزة الوصل كما يقول: لحمر فيحذفها، فإذا كان على هذا القول كانت اللّام في حكم التّحرّك، وخرجت من حكم السكون بدلالة حذف همزة الوصل معه، وإذا خرجت من حكم السكون حسن الإدغام معه كما حسن في: من لك ومن لوه، فهذا كأنّ الإدغام كان في حرف متحرك غير ساكن كما أنّ عامّة ما يدغم فيه من الحروف تكون متحركة. والوجه الآخر: أن

يكون أدغم على قول من قال: الولى* الحمر فلم يحذف الهمزة التي للوصل مع إلقاء الحركة على لام المعرفة، لأنّه في تقدير السكون فلا يمتنع أن يدغم فيه وإن كان في حكم السكون كما لم يمتنع أن يدغم. في نحو: ردّ وفرّ وعضّ، وإن كانت لاماتهنّ سواكن، ويحرّكها للإدغام، كما يحرك السواكن التي ذكرنا للإدغام. فإذا لم يخل الإدغام في عادا لولى من أن يكون الولى* على قول من قال: الحمر أو قول من قال: لحمر وجاز في الوجهين جميعا ثبت صحته. فأمّا ما روي عن نافع من أنّه همز فقال: عادا لؤلى فإنّه كما روي عن ابن كثير في قوله: سؤقه [الفتح/ 29]. ووجهه أنّ الضّمّة لقربها من الواو وأنّه لم يحجز بينهما شيء، صارت كأنّها عليها، فهمزها كما يهمز الواوات إذا كانت مضمومة نحو: أدؤر والغئور، والسؤوق، وما أشبه ذلك، وهذه لغة قد حكيت ورويت، وإن لم تكن بتلك الفاشية. وقوله: إنا إذا لمن الاثمين [المائدة/ 106] في قياس عادا لولى يجوز فيه ما جاز فيه، قال أبو عثمان: ومن قرأ عادا لولى فأظهر النون فقد أخطأ، لأنّ النون لا تظهر على اللسان الّا مع حروف الحلق.

سورة القمر

ذكر اختلافهم في سورة القمر [القمر: 8، 6] قرأ ابن كثير ونافع يوم يدع الداع [القمر/ 6] بغير ياء، ومهطعين إلى الداعي [القمر/ 8] بياء في الوصل، وروى إسماعيل بن جعفر وابن جمّاز وورش عن نافع يوم يدع الداعي بياء في الوصل، وروى عنه قالون ومحمد بن إسحاق عن أبيه وإبراهيم القورسيّ عن أبي بكر بن أبي أويس وإسماعيل بن أبي أويس مثل ابن كثير: يوم يدع الداع بغير ياء ومهطعين إلى الداعي بياء في الوصل. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يوم يدع الداع [القمر/ 6] وإلى الداع بغير ياء في وصل ولا وقف «1». قد تقدّم القول في هذا النحو في غير موضع. [القمر: 6] وقرأ ابن كثير وحده: إلى شيء نكر [القمر/ 6] خفيفة.

_ (1) السبعة ص 617. ... وقد رسمت (يدعو) في الأصل تارة بواو وتارة بحذفها، وقد آثرنا حذفها. وكذلك (الداع) أثبتنا الياء في مواطن إثباتها في القراءة، وحذفناها في مواطن الحذف.

القمر: 7

وقرأ الباقون: نكر مثقل «1». قال أبو علي: نكر: أحد الحروف التي جاءت على فعل، وهو صفة، وعلى ذلك حمله سيبويه، واستشهد بالآية «2»، ومثل ذلك: ناقة أجد، ومشية سجح قال: دعوا التّخاجؤ وامشوا مشية سجحا إنّ الرّجال ذوو عصب وتذكير «3» ورجل شلل: الخفيف في الحاجة، فقول من قال: نكر، إنّما هو على التخفيف مثل: رسل وكتب وسبع، والضمة في تقدير الثبات كما كان كذلك في: لقضوا الرجل، ولذلك رفضوا أن يجمعوا كساء على فعل في قول من قال: رسل. [القمر: 7] وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: خاشعا [القمر/ 7]، بألف. وقرأ الباقون: خشعا بغير ألف «4». قال أبو علي: وجه من قال: خاشعا أنّه فعل متقدّم، فكما لم يلحق علامة التأنيث لم يجمع، وحسن أن لا يؤنث، لأنّ التأنيث ليس بحقيقيّ، ومن قال: خشّعا فقد أثبت ما يدلّ على الجمع، وهو على لفظ الإفراد، ودلّ الجمع على ما يدلّ عليه التأنيث الذي ثبت في نحو قوله في الأخرى: خاشعة أبصارهم [القلم/ 43] وخشعت الأصوات للرحمن [طه/ 108]، فلذلك يرجّح: مررت برجل حسان

_ (1) السبعة ص 617. (2) الكتاب 2/ 315. (3) البيت لحسان، وقد سبق في 3/ 158. (4) السبعة ص 617 - 618.

القمر: 11

قومه، على قولهم: مررت برجل حسن قومه، لأنّ حسانا قد حمل فيه ما يدلّ على الجمع والجمع كالتأنيث في باب أنه يدلّ عليه. [القمر: 11] قال وكلهم قرأ: ففتحنا أبواب السماء [القمر/ 11] خفيفة غير ابن عامر فإنه قرأ ففتحنا مشددة «1». قال أبو علي: وجه التخفيف أنّ فعلنا بالتخفيف يدلّ على القليل والكثير، ووجه التثقيل أنه يخصّ الكثير، ويقوّي ذلك قوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. [القمر: 26] قال: قرأ ابن عامر وحمزة وهبيرة عن حفص وعاصم: ستعلمون غدا [القمر/ 26] بالتاء، وقال غير هبيرة عن حفص عن عاصم بالياء، وكذلك قرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم بالياء «2» حجّة الياء: أن قبله غيبة وهو قوله: فقالوا: أبشرا منا [القمر/ 24] سيعلمون غدا [القمر/ 26] ووجه التاء: أنه على: قيل لهم: ستعلمون غدا. [القمر: 30] قال: وروى ورش عن نافع ونذري [القمر/ 30] بياء وروى غيره عنه: بغير ياء، وقرأ الباقون: بغير ياء «3». حذف الياء لأنه فاصلة فيجري مجرى القافية في حذف الياء منها، كما قال «3»: من حذر الموت أن يأتين

_ (1) السبعة 618. (2) لم يرد بهذا التفصيل في السبعة، وانظر الحاشية فيه. (3) البيت للأعشى وقد سبق في 3/ 219 و 4/ 115 وغيرها.

سورة الرحمن

ذكر اختلافهم في سورة الرحمن [الرحمن: 12] قرأ ابن عامر وحده والحب ذا العصف والريحان [12] بالنصب. الباقون: الحب ذو العصف رفع «1». قال أبو عبيدة: العصف: الذي يعصف فيؤكل من الزرع، وهو العصيفة، قال: علقمة ابن عبدة: يسقي مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتيّ الماء مطموم «2» طمّها الماء: ملأها، قال: والريحان: الحبّ الذي يؤكل، تقول: سبحانك وريحانك، أي: رزقك، وأنشد للنّمر بن تولب: سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر «3»

_ (1) السبعة 619. (2) اللسان (عصف) والطبري 27/ 65، والقرطبي 17/ 157. (3) مجاز القرآن 2/ 242، 243، وتفسير الطبري 27/ 65، والقرطبي

وروي عن ابن عباس: العصف: الورق، قتادة: العصف: النّبق، وقيل: العصف والعصيفة: أعالي ورق الزرع، قول ابن عامر: والحب ذا العصف حمله على أنّ قوله: والأرض وضعها للأنام [الرحمن/ 10] مثل: خلقها للأنام وخلق الحبّ ذا العصف، وخلق الريحان، وهو الرزق، ويقوّي ذلك قوله: فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى [طه/ 53]. قال: واختلفوا في رفع النون وخفضها من قوله: والريحان [الرحمن/ 12] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والريحان رفع. وقرأ حمزة والكسائي: والريحان خفض «1». قال أبو علي: من رفع فقال: الريحان حمل ذلك على الرفع الذي قبله: فيها فاكهة، والنخل، والحبّ، وهذا أيضا يدلّ على معنى الخلق، إلا أنه إذا تبع ما قبله كان أحسن، ليكون الكلام من وجه واحد، وفيه الدّلالة على معنى الخلق. والريحان من قول من رفع محمول على: فيها، والمعنى: فيها هذه الأشياء التي عدّت، أى: فيها فاكهة والريحان والحبّ ذو العصف. ومن جرّ فقال: ذو العصف والريحان حمله على: ذو، كأنّه: والحبّ ذو العصف وذو الريحان، أي من الحب: الرزق، فإن قلت: العصف والعصيفة رزق أيضا، فكأنّه قال: ذو الرزق، وذو الرزق،

_ 17/ 157 والمنصف 2/ 11، واللسان (روح) (درر) ومعه بيت آخر هو: غمام ينزّل رزق العباد فأحيا البلاد وطاب الشجر (1) السبعة 619.

الرحمن: 22

قيل: هذا لا يمتنع، لأن العصيفة رزق غير الذي أوقع الريحان عليه، وكأن الريحان أريد به الحبّ إذا خلص من لفائفه فأوقع عليه الرزق لعموم المنفعة، وأنه رزق للناس ولغيرهم. ويبعد أن يكون الريحان المشموم في هذا الموضع إنما هو قوت للناس والأنعام، كما قال: فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم [طه/ 53] أي: ارعوها إياها، وقال: متاعا لكم ولأنعامكم [عبس/ 32] فكذلك: العصيفة يختصّ بأنه رزق الأنعام، والريحان يعمّ الأناسي وغيرهم، فإن قلت: كيف يكون الريحان مصدرا وهو في الأصل فيعلان والعين محذوفة، وليس في أبنية المصادر شيء على هذا الوزن، قيل: يجوز في ذلك وجهان، أحدهما: أن تجعله اسما وضع موضع المصدر كما وضع تربا وجندلا، ونحو ذلك موضع المصادر. والآخر: أن يكون هذا مصدرا اختصّ به المعتلّ كما اختصّ بكينونة ونحوه، وليس ذلك في الصحيح. ويحتمل وجها آخر: وهو أن تجعله على فعلان، مثل: الليان، وتجعل الياء بدلا من الواو، كما جعلت الواو بدلا من الياء في أشاوى، وكذلك جعلت الياء بدلا من الواو في ريحان، فانتصب انتصاب المصادر فيما حكاه سيبويه من قولهم: سبحان الله وريحانه «1»، كأنه قال: واسترزاقا، وليس ذلك كما لزمه الانتصاب من المصادر نحو: معاذ الله وسبحان الله، ألا ترى أنه قد جاء مرفوعا في بيت النمر «2»، ومجرورا في قراءة من جرّ الريحان. [الرحمن: 22] قال: قرأ نافع وأبو عمرو: يخرج منهما بضمّ الياء اللؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22] رفع.

_ (1) انظر الكتاب 1/ 322 (ت. هارون). (2) سبق قريبا.

الرحمن: 24

وروى حسين عن أبي عمرو يخرج* برفع الياء وكسر الراء، اللؤلؤ والمرجان نصبا. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يخرج منهما منصوبة الياء، واللؤلؤ والمرجان رفع «1». أبو عبيدة: المرجان: صغار اللؤلؤ واحدها مرجانة «2»، قال ذو الرّمّة: كأنّ عرا المرجان منها تعلّقت على أمّ خشف من ظباء المشافر «3» من قال: يخرج منهما اللؤلؤ كان قوله بيّنا، لأن ذلك إنما يخرج لا يخرج بنفسه، وكذلك من قال: يخرج* أي: يخرجه الله، فنسب الإخراج إلى الله تعالى، لأنه بقوّته وتمكينه، ومن قال: يخرج جعل الفعل للؤلؤ والمرجان، وهو اتّساع، لأنه إذا أخرج ذلك خرج. وقال: يخرج منهما وإنما يخرج من أحدهما، على حذف المضاف، كما قال: على رجل من القريتين عظيم [الزخرف/ 31] على ذلك. وقال أبو الحسن: وعند قوم أنه يخرج من العذب أيضا. [الرحمن: 24] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: المنشآت [الرحمن/ 24] فتحا «4».

_ (1) السبعة 119. (2) مجاز القرآن 2/ 244. (3) عرى المرجان: الأطواق، وأم خشف: الظبية. والمشافر: ج مشفر وهو العقد من الرمل المطمئن. انظر ديوانه 3/ 1671. (4) في السبعة: بفتح العين.

الرحمن: 31

وقرأ حمزة: المنشئات كسرا. وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم: المنشآت والمنشئات فتحا وكسرا. وروى عنه حفص: المنشآت فتحا. وروى حرميّ عن حماد بن سلمة عن عاصم: المنشآت فتحا «1». أبو عبيدة: المنشآت: المجريات، المرفوعات «2». وجه من قال: المنشآت أنها أنشئت وأجريت، ولم تفعل ذلك أنفسها، أي: فعل بها الإنشاء، وهذا بيّن لا إشكال فيه. ومن قال: المنشئات نسب الفعل إليها على الاتّساع. كما يقال: مات زيد، ومرض عمرو، وغير ذلك مما يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه، وهو في الحقيقة لغيره، فكان المعنى: المنشئات السير، فحذف المفعول للعلم به، وإضافة السير إليها أيضا اتّساع، لأن سيرها إنما يكون في الحقيقة لهبوب الريح، أو رفع الصواري. [الرحمن: 31] قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: سنفرغ [الرحمن/ 31] بالنون، وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو سيفرغ بفتح الياء والراء. وقرأ حمزة والكسائي: سيفرغ بفتح الياء وضمّ الراء «3». وجه الياء في سيفرغ أن الغيبة قد تقدم في قوله: وله الجواري [الرحمن/ 24] وقوله: ... وجه ربك [الرحمن/ 27]

_ (1) السبعة 620 مع اختلاف يسير في العرض. (2) مجاز القرآن 2/ 244. (3) السبعة 620.

الرحمن: 31

سيفرغ، ويقال: فرغ يفرغ وفرغ يفرغ، وقال أبو الحسن: بنو تميم يقولون: فرغ يفرغ مثل: علم يعلم، وروي أن في حرف أبيّ: سنفرغ إليكم، وليس الفراغ هنا فراغا من شغل، ولكن تأويله القصد، كما قال جرير «1»: ألان فقد فرغت إلى نمير فهذا حين صرت لهم عذابا [الرحمن: 31] قال: قرأ ابن عامر: أيه الثقلان [الرحمن/ 31] بضمّ الهاء، ويقف بالهاء، قال: فمن قرأ بهذه القراءة وقف على الهاء، وكان أبو عمرو يقف أيها بألف. قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو جعفر الضرير، يعني محمدا، قال: كان الكسائي يقف: أيها بالألف «2». لا وجه لقول ابن عامر أيه الثقلان وقد ذكرنا فيما قبل وجه الشّبهة فيها. [الرحمن: 35] قال: قرأ ابن كثير وحده: شواظ من نار بكسر الشين [الرحمن/ 35]. وقرأ الباقون: شواظ برفع الشين. الشّواظ والشّواظ لغتان. زعموا. قال أبو الحسن: أهل مكّة يكسرون الشواظ. [الرحمن: 35] قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: ونحاس كسرا،

_ (1) سبق، انظر 4/ 256. (2) السبعة 620.

[الرحمن/ 35]، وقرأ الباقون: ونحاس رفعا «1». أبو عبيدة: شواظ من نار: اللهب لا دخان له، وقال رؤبة: إنّ لهم من وقعنا أقياظا ونار حرب تسعر الشّواظا «2» قال: والنحاس: الدخان. قال الجعدي «3»: يضيء كضوء سراج السلى ط لم يجعل الله فيه نحاسا قال: السليط: الحلّ «4». وروي عن ابن عباس أيضا: الشواظ: لهب لا دخان فيه، وعنه أيضا: النحاس: الدخان. قال أبو علي: إذا كان الشواظ اللهب لا دخان فيه، ضعف قراءة من قرأ: شواظ من نار ونحاس ولا يكون على تفسير أبي عبيدة إلا الرفع، ونحاس على: يرسل عليكما شواظ من نار، ويرسل نحاس، أي: يرسل هذا مرة وهذا أخرى. فإن قلت: فهل يجوز الجرّ في نحاس على تفسير ابن عباس وأبي عبيدة، فإنه يجوز من وجه وهو

_ (1) السبعة 621. (2) أنشدهما ابن دريد للعجّاج في الجمهرة 3/ 122 ... أقياظا: ج قيظ وهو صميم الصيف، وقاظ يومنا: اشتد حرّه والبيتان في ملحقات ديوان العجّاج 2/ 349، وفي اللسان مادة/ شوظ/. (3) السليط: الزيت الجيد أو دهن السمسم، والنحاس: بضمّ النون وكسرها: الدخان قال أبو حنيفة: هو الذي يعلو وتضعف حرارته ويخلص من اللهب. انظر شعر النابغة الجعدي ص 81، ومجاز القرآن 2/ 244، 254. والطبري 27/ 73، والاقتضاب ص 407، واللسان/ سلط/. (4) الحل: الشيرج، ودهن السمسم (اللسان حلل).

على أن تقدّره: يرسل عليكما شواظ من نار وشيء من نحاس، فتحذف الموصوف وتقيم الصفة مقامه كقوله: ومن آياته يريكم البرق [الروم/ 24] ومن الذين هادوا يحرفون الكلم [النساء/ 46] وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به [النساء/ 159] ومن أهل المدينة مردوا على النفاق [التوبة/ 101]، فحذف الموصوف من ذلك كلّه، وكذلك في الآية فإن قلت: فإن هذا فاعل، والفاعل لا يحذف فقد جاء «1»: وما راعني إلّا يسير بشرطة وعهدي به قينا يفشّ بكير على أن هذا الحذف قد جاء في المبتدأ في الآية التي تلوتها أو بعضها، وقد قالوا: تسمع بالمعيديّ لا أن تراه «2». فإذا حذف الموصوف بقي بعده قوله: من نار الذي هو صفة لشيء المحذوف، وحذف من، لأن ذكره قد تقدّم في قوله من نار فحسّن ذلك حذفه، كما حسّن حذف الجار من قوله: على من تنزل أنزل، وكما أنشده أبو زيد من قول الشاعر «3»: أصبح من أسماء قيس كقابض على الماء لا يدري بما هو قابض أي: بما هو قابض عليه، فحذف لدلالة الجار على المتقدّم

_ (1) البيت لمعاوية الأسدي سبق ذكره 4/ 155. (2) من أمثال العرب يضرب للشيء الذي لم تره ويعظم في نفسك بالسماع، فإذا رأيته اقتحمته عينك وله رواية: أخرى: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. الوسيط في الأمثال 1/ 83، وكتاب الأمثال لابن سلام/ 97. (3) لقيس بن جروة تقدم ذكره في ج 1/ 260.

الرحمن: 74، 56

عليه، وكما حذف الجار عند الخليل من قوله: إن لم يجد يوما على من يتّكل «1» يريد عنده: على من يتّكل عليه، فحذف الجارّ لجري ذكره، فكذلك سهل حذف من في الآية بعض السهولة لجري ذكره قبل، فيكون انجرار نحاس على هذا بمن المضمرة، لا بالإشراك بمن التي جرّت في قوله: من نار، وإذا انجرّت بمن هذه لم يكن الشواظ الذي هو: اللهب، قسطا من الدخان. وحكي عن أبي عمرو أنه قال: لا يكون الشواظ إلا من نار، وشيء، يعني من شيئين. وقال أبو الحسن: قال بعضهم: لا يكون الشواظ إلا من النار والدخان جميعا، قال: وكل حسن، إلا أنّا نختار الرفع، يعني الرفع في قوله: ونحاس. قال أبو علي: فإذا كان الأمر على هذا فالجرّ متّجه، وليس بممتنع كما امتنع من تفسير أبي عبيدة، إلا من حيث ذكر. [الرحمن: 74، 56] قال: قرأ الكسائي وحده: لم يطمثهن* بضمّ الميم في الحرف الأول [56] وبكسرها في الثاني [74]، وكذلك أخبرني الكسائيّ عن أبي الحارث عنه، وقال أبو عبيدة: كان الكسائي يرى الضمّ فيها والكسر، وربّما كسر إحداهما، وضمّ الأخرى. وأخبرنا أحمد بن يحيى ثعلب، عن مسلمة عن أبي الحارث عن الكسائي: لم

_ (1) عجز بيت لأحد الأعراب وصدره: إن الكريم وأبيك يعتمل انظر الكتاب لسيبويه 1/ 443، وانظر شرح أبيات المغني للبغدادي 3/ 242، 304، واللسان (عمل).

الرحمن: 78

يطمثهن يقرؤها بالضمّ والكسر جميعا، لا يبالي كيف قرأها. والباقون بكسر الميم فيهما «1». يطمث ويطمث لغتان، مثل: يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف. قال أبو عبيدة: لم يطمثهن: لم يمسسهنّ، قال يقال: ما طمث هذا البعير حبل قطّ، أي: ما مسّه حبل قط «2»، قال رؤبة «3». كالبيض لم يطمث بهنّ طامث [الرحمن: 78] قال: قرأ ابن عامر وحده: تبارك اسم ربك ذو الجلال [الرحمن/ 78] بالواو وكذلك في مصاحف أهل الحجاز والشام. وكلّهم قرأ: ذي الجلال والإكرام بالياء، وكذلك في مصاحف أهل الحجاز والعراق «4». من قال: ذي فجرّ جعله صفة لربّك، وزعموا أن في حرف ابن مسعود: ويبقى وجه ربك ذي الجلال بالياء في كلتيهما. وقال الأصمعي: لا يقال الجلال إلا في الله عزّ وجلّ، فهذا يقوّي الجرّ، إلا أن الجلال قد جاء في غير الله سبحانه، قال «5»:

_ (1) السبعة 621. (2) مجاز القرآن 2/ 245، 246. (3) وبعده: ازمان رأسي قصب جثاجث من أرجوزة يمدح فيها الحارث بن سليم الهجيمي. ديوانه/ 29. (4) السبعة 621. (5) لبيت لهدية بن خشرم العذري: يصف المنايا وعمومها للخلق فيقول:

فلا ذا جلال هبنه لجلاله ولا ذا ضياع هنّ يتركن للفقر فالجرّ الوجه في ذي، ومن رفع أجراه على الاسم

_ لا يتركن الجليل هيبة لجلاله، ولا الضائع الفقير إشفاقا لضياعه وفقره. وهو من شواهد سيبويه 1/ 72، وابن الشجري 1/ 334، والمفصل 2/ 37.

سورة الواقعة

ذكر اختلافهم في سورة الواقعة [الواقعة: 22] قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: وحور عين [22] بالرفع، المفضل عن عاصم وحمزة والكسائي: وحور عين خفض «1». قال أبو علي: وجه الرفع، على أنه لمّا قال: يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق [الواقعة/ 17، 18] دلّ هذا الكلام على ما ذكر بعد على: لهم فيها كذا، ولهم حور عين، وكذلك من نصب من غير السبعة، حمل على المعنى، لأن الكلام دلّ على يمنحون وعلى يملّكون. وهذا مذهب سيبويه، ومثل ذلك «2»:

_ (1) السبعة 622. (2) البيتان لكعب بن زهير. تجافى: عن الأرض- وذاك أكرم لها- أي: لم ترم بنفسها- والزور والكلكل: بعضه قريب من بعض- والنبيل: ضخم الجسم، وسمر: يعنى: البعر- وظماء: يابسة لأنها لم تشرب الماء أياما- واترتهنّ: تابعتهنّ- وذبّل: يبّس. يصف في هذين البيتين منزلا رحل عنه فطرقه ذئبان أو ذئب وغراب فلم يجدا به إلا موضع إناخة مطيته وبعر السمر الظماء. وهما من شواهد سيبويه 1/ 88. ديوانه/ 53 - 54.

فلم يجدا إلّا مناخ مطيّة تجافى بها زور نبيل وكلكل وسمر ظماء واترتهنّ بعد ما مضت هجعة من آخر الليل ذبّل لأن معنى لم يجدا إلا مناخ مطيّة: ثمّ مناخ مطيّة، فحمل سمر على ذلك، كما أن معنى: يطوف عليهم ولدان ... بأكواب: لهم أكواب، فحمل الرفع على المعنى، وكذلك قوله «1»: بادت وغيّر آيهنّ مع البلى إلّا رواكد ... لما كان معنى الحديث: بها رواكد، حمل قوله: ومشجّج أمّا سواء قذاله فبدا ... «1»

_ (1) البيتان ينسبان إلى ذي الرمة وهما في ملحقات ديوانه 3/ 1840، كما ينسبان إلى المشاخ وهما في ملحقات ديوانه 427/ 428 وتمامهما: بادت وغيّر ايهنّ مع البلى إلا رواكد جمرهن هباء ومشجّح أمّا سواء قذاله فبدا وغيّر ساره المعزاء وأراد بالرواكد: الأثافي، ووصف الجمر بالهباء لقدمه، والهباء: الغبار وما يبدو من شعاع الشمس إذا دخلت من كوّة، وأراد بالمشجّج وتدا من أوتاد الخباء، وتشجيجه: ضرب رأسه ليثبت، وسواء قذاله: وسطه، واراد بالقذال أعلاه. وقوله: غيّر ساره: أراد سائره والمعزاء: أرض صلبة ذات حصى. والبيتان من شواهد سيبويه ولم ينسبهما. الكتاب 1/ 88.

الواقعة: 37

على: بها رواكد، ومشجّج. ويجوز أن يحمل الرفع على قوله: على سرر موضونة [الواقعة/ 15] يريد: وعلى سرر موضونة حور عين، أو: وحور عين على سرر موضونة، لأن الوصف قد جرى عليهنّ فاختصصن، فجاز أن يرفع بالابتداء، ولم يكن كالنكرة إذا لم توصف نحو فيها عين [الغاشية/ 12] وقوله: على سرر موضونة [الواقعة/ 15] خبر لقوله: ثلة من الأولين وقليل من الآخرين [الواقعة/ 13، 14]، فكذلك يجوز أن يكون خبرا عنهنّ، ويجوز في ارتفاع، وحور عين أن يكون عطفا على الضمير في: متكئين، ولم يؤكّد لكون طول الكلام بدلا من التأكيد. ويجوز أيضا أن تعطفه على الضمير في متقابلين، ولم يؤكد لطول الكلام أيضا. وقد جاء: ما أشركنا ولا آباؤنا [الأنعام/ 148] فهذا أجدر. ووجه الجرّ: أن تحمله على قوله: أولئك المقربون في جنات النعيم [الواقعة/ 12]، التقدير: أولئك المقرّبون في جنّات النعيم، وفي حور عين، أي: في مقارنة حور عين ومعاشرة حور عين، فحذفت المضاف، فإن قلت: فلم لا تحمله على الجار في قوله: يطوف عليهم ولدان بكذا، وبحور عين، فإن هذا يمكن أن يقال: إلا أن أبا الحسن قال: في هذا بعض الوحشة. قال أبو عبيد: الحوراء: الشديدة بياض العين الشديدة سوادها. [الواقعة: 37] قال: قرأ ابن عامر وابن كثير والكسائي: عربا [الواقعة/ 37]

_ وقد نسب البيتان إلى الشماخ في شواهد الإنصاف/ 6، وذكر البيت الثاني اللسان في مادة/ شجج/ ولم ينسبه. سبق البيتان في 5/ 313.

مثل. وقرأ حمزة: عربا خفيف. واختلف عن نافع وأبي عمرو وعاصم، فروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم عربا خفيف، وروى حفص عن عاصم: عربا مثقّل، وروى ابن جماز والقاضي عن قالون، وورش وإسحاق عن نافع عربا مثقل. وروى إسماعيل بن جعفر: عربا خفيف، وروى عبد الوارث واليزيدي عن أبي عمرو عربا مثقّل. وروى أبو زيد وشجاع ابن أبي نصر عن أبي عمرو عربا خفيف، وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: عربا مثقّل، قال: وسألته عن عربا فقال: تميم تقولها ساكنة الراء «1». قال أبو عبيدة: العروب: الحسنة التبعّل، قال لبيد «2»: وفي الحدوج عروب غير فاحشة ريّا الرّوادف يعشى دونها البصر «3» قال أبو علي: الفعول: تجمع على فعل وفعل، فمن التثقيل قوله «4»: فاصبري إنّك من قوم صبر وقال «5»:

_ (1) السبعة 622. (2) ديوانه/ 56، الحدوج: مراكب النساء- العروب: المتحببة لزوجها- ريا الروادف: ضخمة العجيزة- يعشى: يكلّ ويضعف. (3) مجاز القرآن 2/ 251. (4) لم نعثر على قائله. (5) لم نعثر على قائله.

الواقعة: 47

أنّهم غفر ذنبهم .... والتخفيف في ذلك سائغ مطّرد، وليس في هذا ما في قول الآخر «1»: وما بدّلت من أمّ عمران سلفع من السّواد ورهاء العنان عروب ومما جاء مسكّنا في جميع عروب قول رؤبة «2»: العرب في عرابة وإعراب وذكر عن ابن عباس: العرابة والإعرابة: التعريض بالنكاح. [الواقعة: 47] قال: وقال ابن عامر: أإذا متنا وكنا ترابا بهمزتين، أإنا لمبعوثون [الواقعة/ 47] بهمزتين أيضا، خلاف ما في سائر القرآن، ولم يقرأ ابن عامر بالجمع «3» بين الاستفهامين في سائر القرآن، إلا في هذا الموضع «4».

_ (1) ذكره صاحب التهذيب 2/ 364، واللسان (عرب) ولم ينسباه وعندهما: «وما خلف» بدل «وما بدلت». والعروب: المرأة الحسناء المتحبّبة لزوجها، والعروب أيضا: العاصية لزوجها الخائنة بفرجها الفاسدة في نفسها. وأنشدا البيت عن ثعلب. قال ابن منظور: وعندي أن عروب في هذا البيت الضحاكة، وهم يعيبون النساء بالضحك الكثير. السلفع: السليطة الجريئة. (اللسان). (2) في ديوانه: والعرب في عفافة وإعراب وقبله: وقد أرى زير الغواني الأتراب انظر ديوانه/ 5. (3) في الأصل: بالجميع، وما أثبتناه من السبعة. (4) السبعة 623.

الواقعة: 55

قال أبو علي: إن ألحق حرف الاستفهام في قوله: أئنا أولم يلحق، كان إذا متعلّقا بشيء دل عليه: أئنا لمبعوثون وكذلك لو لم يلحق فقال: إنا لمبعوثون*. ألا ترى أن إذا: ظرف من الزمان فلا بدّ له من فعل، أو معنى فعل يتعلّق به، ولا يجوز أن يتعلّق بقوله: متنا، لأن إذا* مضاف إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، وليس الفعل في موضع جزم، كما يكون في موضع جزم في الشعر، فإذا لم يجز حمله على هذا الفعل، ولا على ما بعد إنّ، من حيث لم يعمل ما بعد إنّ فيما قبلها، كما لم يعمل ما بعد لا، فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله، علمت أنه متعلق بشيء دلّ عليه قوله: إنا لمبعوثون* أو: أإنا لمبعوثون، وذلك: نحشر، أو نبعث، ونحو هذا مما يدلّ عليه الكلام. [الواقعة: 55] وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والكسائي: شرب* [الواقعة/ 55] بفتح الشين. وقرأ نافع وعاصم وحمزة: شرب بضمّ الشين «1». شرب شربا وشربا جميعا، فالشّرب: كالأكل والضّرب، والشّرب: كالشّغل والذكر، فأما الشّرب: فالمشروب، كما أن الطّحن: المطحون، وقال: لها شرب ولكم شرب يوم معلوم [الشعراء/ 155]، إنما هو ما كانت شربة من الماء، وقد يكون الشّرب جمع شارب، مثل: راكب وركب، وراجل ورجل، وتاجر وتجر، فأما قول الشاعر «2»:

_ (1) البيت لأبي دؤاد- والشّرب: جماعة الشاربين. انظر شعره/ 290 ضمن دراسات في الأدب العربي لغرانباوم، وفيه «الموكب» بدل «المركب». (2) السبعة 623.

الواقعة: 60

وعنس قد براها لذة المركب والشّرب فيمكن أن يعني بالشّرب المصدر، ويمكن أن يعني به جمع شارب، والمصدر أشبه ليكون معطوفا على مثله، ويقوّي المصدر أيضا قول الآخر «1»: كشراب قيل عن مطيّته ولكلّ أمر واقع قدر فإن جعلت في البيت الشّرب مصدرا فالمعنى إدمان الشّرب، وإن جعلته جمعا فالمعنى استعمال الشرب. [الواقعة: 60] قال: وكلّهم قرأ: نحن قدرنا [الواقعة/ 60] بالتشديد، غير ابن كثير فإنه قرأ: قدرنا* خفيفة «2». قال أبو علي: قد قالوا: قدرنا* في معنى قدرنا، وقد تقدّم ذكر ذلك، ويدلّ عليه قوله «3»: ومفرهة عنس قدرت لساقها فخرّت كما تتايع الريح بالقفل

_ (1) البيت لعمرو بن أحمر يذكر شبابه ونعمته. وهو من قصيدة في شعره ص 91، وانظر المعاني الكبير 1/ 463. وقيل: هو قيل بن عتر من عاد، وهو أحد أفراد وفد عاد الذين وفدوا على معاوية بن بكر أحد العماليق وسيد مكّة. القدر: القدر والقضاء. يريد أنه لها في شبابه كما لها قيل عن مطيته حين سحرته الجرادتان بغنائهما. (2) السبعة 623. (3) لأبي ذؤيب، وقد سبق في 5/ 49

الواقعة: 66

المعنى: قدرت ضربتي لساقها فضربتها، ومثله في المعنى «1»: فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها على الضيف يجرح في عراقيبها نصلي ومثله قول لبيد «2»: مدمنا يمسح في شحم الذّرى دنس الأسؤق من عضب أفلّ [الواقعة: 66] قال عاصم في رواية أبي بكر: أإنا لمغرمون [الواقعة/ 66] استفهام بهمزتين. حفص عن عاصم، والباقون: إنا على لفظ الخبر «3». قال أبو علي: قد تقدم القول في ذلك. قال: قرأ حمزة والكسائي: بموقع النجوم [الواقعة/ 75] واحدا، وقرأ الباقون: بمواقع النجوم جماعة «4». [الواقعة: 75] أبو عبيدة: فلا أقسم بمواقع النجوم أي: فأقسم، قال:

_ (1) لذي الرّمة سبق ذكره في 5/ 49 (2) رواية الديوان للبيت: مدمن يجلو بأطراف الذرى دنس الأسؤق بالعضب الأفلّ والعضب: القاطع. الأفل. الكثير الفلول لكثرة ما ضرب به. والمعنى: يعرقب الإبل لينحرها ثم يمسح ذرى أسنمتها بسيفه ليجلو ما عليه من دماء سيقانها ديوانه/ 149. (3) السبعة 624. (4) السبعة 624.

الواقعة: 56

ومواقعها: مساقطها حيث تغيب، هذا قول أبي عبيدة «1» وقيل: إنه مواقع القرآن حين نزل على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نجوما، ويحتمل قوله: والنجم إذا هوى [النجم/ 1] هذين الوجهين، فأمّا الجمع في ذلك، وإن كان مصدرا فلاختلافه، وذلك أن المصادر وسائر أسماء الأجناس إذا اختلفت، جاز جمعها، وعلى هذا قالوا: نمور ونمران، وقال: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان/ 19] فجمع للاختلاف وقال: لصوت الحمير، فأفرد لما كان الجميع ضربا واحدا. فمن قال: بموقع فأفرد، فلأنه اسم جنس، ومن جمع، فلاختلاف ذلك. فأما قوله «2»: كأنّ متنيّ من النقيّ مواقع الطّير على الصّفيّ فليس اسم المصدر إنما هو موضع، فجمع، لأن المعنى على الجمع، وإنما شبّه مواضع بمواضع. [الواقعة: 56] قال عباس سألت أبا عمرو فقرأ: هذا نزلهم [الواقعة/ 56] ساكنة الزاي. وقرأ الباقون واليزيدي عن أبي عمرو: نزلهم مثقّل «3». والنّزل والنزل بمعنى، مثل: الشّغل والشّغل، والعنق والعنق، والطنب والطنب، فأما قوله: ولكم فيها ما تدعون، نزلا من غفور رحيم [فصّلت/ 31، 32] فنزل: يحتمل ضربين يجوز أن يكون

_ (1) مجاز القرآن 2/ 252. (2) للأخيل الطائي سبق ذكره في الحجّة 4/ 308. (3) السبعة 623.

الواقعة: 82

جمع نازل كقوله: أو تنزلون فإنّا معشر نزل «1» والحال من الضمير في يدعون أي: ما يدّعون من غفور رحيم نازلين، ويجوز أن يكون، نزلا يراد به القوت الذي يقام للنازل أو الضيف. ويكون حالا من قوله: ما يدعون والعامل في الحال معنى الفعل في لهم وذو الحال ما يدعون أي: لهم ما يدّعون نزلا، ومن غفور رحيم صفة نزل، وفيه ضمير يعود إليه، وقوله: كانت لهم جنات الفردوس نزلا [الكهف/ 107]، ويجوز أن يكون المعنى: لهم ثمر جنّات الفردوس نزلا، فيكون النزل: القوت، ويجوز أن يكون النزل: جمع نازل، ويدلّ على الوجه الأول: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا [البقرة/ 25]. [الواقعة: 82] قال: روى المفضل عن عاصم: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون خفيفة منصوبة التاء [الواقعة/ 82]. وروى غيره عن عاصم: تكذبون مشدّدة، وكذلك الباقون. وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون: أي تجعلون رزقكم الذي رزقكموه اللَّه فيما قاله: وأنزلنا من السماء ماء مباركا إلى قوله: رزقا للعباد [ق/ 11]، وقوله: وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات

_ (1) عجز بيت للأعشى وصدره في ديوانه ص 63: قالوا الركوب! فقلنا تلك عادتنا أي: تنزلون عن خيولكم فنجالدكم بالسيوف بدل المطاعنة بالرماح، والبيت من شواهد سيبويه 1/ 429، وشرح أبيات المغني 8/ 103.

رزقا لكم [البقرة/ 22]، أي: تكذبون في أن تنسبوا هذا الرزق إلى غير اللَّه، فتقولون: مطرنا بنوء كذا، فهذا وجه التخفيف. ومن قال: تكذبون فالمعنى: إنكم تكذبون بالقرآن، لأن اللَّه عزّ وجلّ هو الذي رزقكم ذلك، على ما جاء في قوله: رزقا للعباد [ق/ 11] فتنسبونه أنتم إلى غيره، فهذا تكذيبهم لما جاء التنزيل به، وروي عن ابن عباس أنه قرأ: وتجعلون شكركم أنكم تكذبون «1» [الواقعة/ 82]، أي تجعلون مكان الشكر الذي يجب عليكم التكذيب. وقد يكون المعنى: تجعلون شكر رزقكم التكذيب، فحذف المضاف.

_ (1) هذه قراءة علي وابن عباس ورويت عن النبي صلى اللَّه عليه وآله سلم. انظر المحتسب 2/ 310.

سورة الحديد

ذكر اختلافهم في سورة الحديد [الحديد: 8] قرأ أبو عمرو وحده: وقد أخذ ميثاقكم [الحديد/ 8]، رفع «1»، وقرأ الباقون: أخذ ميثاقكم «1». حجة من قال: أخذ أنه قد تقدّم: وما لكم لا تؤمنون بالله [الحديد/ 8]، الضمير يعود إلى اسم اللَّه عزّ وجلّ. وأمّا أخذ* فإنه يدلّ على هذا المعنى، وقد عرف آخذ الميثاق وأن آخذه اللَّه عزّ وجل. [الحديد: 10] قال: كلهم قرأ: وكلا وعد الله الحسنى [الحديد/ 10] بالنصب، غير ابن عامر فإنه قرأ: وكل وعد الله الحسنى بالرفع «3». حجّة النصب بيّن لأنه بمنزلة زيدا وعدت خيرا، فهو مفعول وعدت، وحجّة ابن عامر أن الفعل إذا تقدّم عليه مفعوله لم يقو عمله فيه قوّته إذا تأخّر، ألا ترى أنهم قد قالوا في الشعر: زيد ضربت، ولو تأخر المفعول فوقع بعد الفاعل لم يجز ذلك فيه. ومما جاء من ذلك

_ (1) في السبعة: بضمّ الألف وكسر الخاء وضم القاف. (3) السبعة 625.

الحديد: 11

قول الشاعر «1». قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي عليّ ذنبا كلّه لم أصنع فرووه بالرفع لتقدّمه على الفعل، وإن لم يكن شيء يمنع من تسلّط الفعل عليه، فكذلك قوله: وكل وعد الله الحسنى يكون على إرادة الهاء وحذفها، كما تحذف في الصّلات والصّفات، فالصّلات نحو: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] والصفات: واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا [البقرة/ 48] أي: لا تجزيه، ومثل ذلك قول جرير «2»: وما شيء حميت بمستباح أي: حميته. [الحديد: 11] قرأ ابن كثير وابن عامر: فيضعفه [الحديد/ 11] مشدّدة بغير ألف. ابن كثير يضمّ الفاء وابن عامر يفتح الفاء. قال: وعاصم يقرأ: فيضاعفه بألف وفتح الفاء. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فيضاعفه* بالألف وضمّ الفاء. قال أبو علي: يضاعفه، ويضعفه بمعنى، فأما الرفع في:

_ (1) البيت لأبي النجم، وهو من شواهد سيبويه 1/ 44 - 69 - 73، وشرح أبيات المغني 4/ 240، والخزانة 1/ 173 - 445، والخصائص 1/ 292 و 3/ 61. وأم الخيار: زوجة أبي النجم. (2) صدر البيت: أبحت حمى تهامة بعد نجد وقد سبق ذكره في 2/ 44.

فيضاعف فهو الوجه، لأنه محمول على: يقرض، أو على الانقطاع من الأول، كأنه: فهو يضاعف، ولا يكون النصب في هذا كما كان في قولك: أتقوم فأحدّثك؟ لأن القيام غير متيقّن فالمعنى: أيكون منك قيام فحديث منّي؟، وليس ما في الآية كذلك، ألا ترى أنه من قال: من ذا الذي يقرض الله [الحديد/ 11] فالقرض ليس مسئولا عنه، وإنما المسئول عنه الفاعل، وعلى هذا أجازوا: أيّهم سار حتى يدخلها، ولم يجز سيبويه النصب في يدخل، لأن السير متيقن غير مسئول عنه، وإنما السؤال عن الفاعل، فكذلك في قوله: من ذا الذي يقرض فيضاعف له. لا يكون في يضاعف إلا الرفع، كما لم يكن في يدخل بعد حتى إلا الرفع. ومن نصب فقال: فيضاعفه لم يكن الوجه، وإنما هو مما يجوز في الشعر في نحو قوله «1»: وألحق بالحجاز فأستريحا ألا ترى أن المعطوف عليه موجب في موضع تيقّن، ولكن يحمل قول الذي نصب، فقال: يضاعفه على المعنى، لأنه إذا قال أحد: من ذا الذي يقرض، فكأنه قد قال: أيقرض اللَّه أحد قرضا فيضاعفه له؟ وإن لم يحمله على ما ذكرنا من المعنى لم يستقم، فالوجه في قراءة: فيضاعفه ما عليه الأكثر من الرفع في: فيضاعفه*.

_ (1) عجز بيت للمغيرة بن حبناء وصدره: سأترك منزلي لبني تميم واستشهد به سيبويه 1/ 423 - 448، وهو الشاهد رقم 319 من شواهد المغني، وفي الخزانة 3/ 600، والمحتسب 1/ 197، والمفصل 1/ 279.

الحديد: 13

[الحديد: 13] قال: قرأ حمزة وحده: للذين آمنوا أنظرونا [الحديد/ 13] مكسورة الظاء. وقرأ الباقون: للذين آمنوا انظرونا موصولة «1». ليس النظر الرؤية التي هي إدراك البصر، إنما هو تقليب العين نحو الجهة التي فيها المرئيّ المراد رؤيته، ممّا يدلّ على ذلك قوله «2»: فيا ميّ هل يجزى بكائي بمثله مرارا وأنفاسي إليك الزوافر وأنّي متى أشرف من الجانب الذي به أنت من بين الجوانب ناظر فلو كان النظر الرؤية لم يطلب عليه الجزاء، لأن المحبّ لا يستثيب من النظر إلى محبوبه شيئا بل يريد ذلك ويتمنّاه، ويدلّ على ذلك قول الآخر «3»: ونظرة ذي شجن وامق إذا ما الركائب جاوزن ميلا فهذا على التوجّه إلى الناحية التي المحبوب فيها، وتقليب البصر نحوها لما يعالج من التلفّت والتقلّب. كقول الآخر «4»:

_ (1) السبعة 626 وفيه: (انظرونا) موصولة الألف مضمومة الظاء. (2) البيتان لذي الرّمّة- ومعناهما: يامي هل تبكين مثلما أبكي مرارا، وإنني صابر على ذلك فهل تجزينني على هذه المحبة؟ والبيت الثاني من شواهد سيبويه 1/ 437، والمقتضب 4/ 71، والخزانة 3/ 645، انظر ديوانه 2/ 1014. (3) لم نعثر على قائله. (4) لم نعثر على قائله.

ما سرت ميلا ولا جاوزت مرحلة إلا وذكرك يلوي كابيا عنقي وما يبيّن أن النّظرة ليست الرؤية أن الركاب إذا حاذت هذه المسافة أو جاوزتها لم تقع الرؤية على من صار من الرائي بهذه المسافة. فأما قوله: ولا ينظر إليهم يوم القيامة [آل عمران/ 77]، فالمعنى: أنه سبحانه لا ينيلهم رحمته، وقد تقول: أنا أنظر إلى فلان، إذا كنت تنيله شيئا، ويقول القائل: انظر إليّ نظر اللَّه إليك، يريد: أنلني خيرا أنالك اللَّه. ونظرت بعد يستعمل وما تصرف منه على ضروب، أحدها: أن تريد به: نظرت إلى الشيء فيحذف الجار، ويوصل الفعل، من ذلك ما أنشد أبو الحسن «1»: ظاهرات الجمال والحسن ينظر ن كما ينظر الأراك الظباء المعنى: ينظرن إلى الأراك، فحذف الجار الذي في نحو قوله «2»: نظرن إلى أظعان ميّ كأنها

_ (1) البيت في الأساس (نظر) برواية: ظاهرات الجمال ينظرن هونا ولم ينسبه. (2) صدر بيت لذي الرّمة وعجزة: مولية ميس يميل ذوائبه والميس: شجر تعمل منه الرحال- تميل ذوائبه: أغصانه وأعاليه ورواية الديوان: «نظرت»، ديوانه 2/ 825.

والآخر: أن يريد به تأمّلت وتدبرت، فهو فعل غير متعدّ، فمن ذلك قولهم: اذهب فانظر زيدا أبو من هو؟ فهذا يراد به التأمّل، من ذلك قوله عزّ وجلّ: انظر كيف ضربوا لك الأمثال [الإسراء/ 48]، انظر كيف يفترون على الله الكذب [النساء/ 50]، انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض [الإسراء/ 21]. وقد يتعدّى هذا بالجار كقوله: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت [الغاشية/ 17]، فهذا أحضّ على التأمّل، وتبين وجه الحكمة فيه، وقد يتعدّى بفي، وذلك نحو قوله: أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض [الأعراف/ 185]، فهذا كقوله: أولم يتفكروا في أنفسهم [الروم/ 8]. فأما قوله «1»: ولما بدا حوران والآل دونه نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا ويجوز أن يكون نظرت فلم تنظر، أي: نظرت فلم تر بعينيك منظرا لغرقه في الآل كقوله «2»: ترى قورها يغرقن في الآل مرّة وآونة يخرجن من غامر ضحل وقد يجوز أن يعنى بالنظر الرؤية على الاتّساع، لأن تقليب

_ (1) البيت لامرئ القيس من قصيدة قالها يوم توجه إلى بلاد الروم، وفي الديوان: فلما بدت حوران والآل دونها وحوران: جنوب دمشق- والآل: السراب. ديوانه/ 87. (2) البيت لذي الرمّة سبق ذكره في 4/ 223.

البصر نحو المبصر تتبعه الرؤية، وقد يجري على الشيء لفظ ما يتبعه، ويقترن به كقولهم للمرأة: راوية، وكقولهم للفناء: عذرة، وكقولهم لذي بطن الإنسان: غائط وإنما الغائط: المطمئن من الأرض المستقل، وقد يكون: نظرت فلم تنظر، مثل: تكلّمت فلم تكلّم، أي: لم تأت بكلام على حسب ما يراد، أي: لم يقع الموقع الذي أريد، فكذلك: نظرت فلم تنظر منظرا كما تريد، أو: لم تر منظرا يروق. وضرب آخر من نظرت: أن يريد به انتظرته، من ذلك قوله: إلى طعام غير ناظرين إناه [الأحزاب/ 53]، أي: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، ومن ذلك قول الشاعر «1»: ما زلت مذ أشهر السّفّار أنظرهم مثل انتظار المضحي راعي الإبل يدلّك على ذلك قوله: مثل انتظار المضحّي، المعنى: انتظرتهم انتظارا مثل انتظار المضحي، فقد تبينت أنه أراد بنظرت: انتظرت، وقد يجيء فعلت وافتعلت بمعنى كثيرا، كقولهم: شويت واشتويت، وحضرت واحتضرت، ومن ذلك قول الفرزدق «2»: نظرت كما انتظرت اللَّه حتى كفاك الماحلين لك المحالا

_ (1) ذكره اللسان (شهر) ولم ينسبه وروايته فيه «راعي الغنم» بدل «الإبل» أشهر السفّار: مضى عليهم شهر. (2) انظر ديوانه 2/ 655، وفيه: نظرتك ما انتظرت اللَّه حتى كفاك الماحلين بك المحالا

الحديد: 16

يريد: انتظرت كما انتظرت، وقد يكون: انظرت في معنى انتظرت، تطلب بقولك أنظرني التنفيس الذي يطلب بالانتظار، من ذلك قوله «1»: أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبّرك اليقينا ومن ذلك قوله: قال أنظرني إلى يوم يبعثون [الأعراف/ 14] إنما هو طلب الإمهال والتسويف، فالمطلوب بقوله: وأنظرنا نخبّرك اليقينا: تنفيس، وفي قوله: أنظرني إلى يوم يبعثون تسويف وتأخير، وكذلك قوله: انظرونا نقتبس من نوركم [الحديد/ 13] نفّسونا نقتبس، وانتظروا علينا، وكذلك ما جاء في الحديث من إنظار المعسر «2»، فهذا وإن كان التأخير يشملها فهو على تأخير دون تأخير، وليس تسرّع من تسرع إلى تخطئة من قال: انظرونا بشيء، وليس ينبغي أن يقال فيما لطف إنه خطأ، وهو زعموا قراءة يحيى بن وثّاب والأعمش. [الحديد: 16] قال: قرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم: وما نزل من الحق [الحديد/ 16] خفيفة نصب. وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم: وما نزل مشدّدة، وروى

_ (1) لعمرو بن كلثوم من معلقته المشهورة «شرح المعلقات السبع للزوزني/ 122. (2) أخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده ومسلم وابن ماجة عن أبي اليسر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: «من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه» انظر الدر المنثور للسيوطي 1/ 368 وانظر مسند أحمد 1/ 327.

الحديد: 18

عباس عن أبي عمرو: وما نزل من الحق مرتفعة النون مكسورة الزاي «1». قال أبو علي: من خفّف وما نزل من الحق فعلى نزل ذكر مرفوع بأنه الفاعل، ويعود إلى الموصول، ويقوّي التخفيف قوله: وبالحق نزل [الإسراء/ 105]. ومن قال: وما نزل فشدّدها على الفعل الضمير العائد إلى اسم اللَّه عزّ وجلّ، والعائد إلى الموصول الضمير المحذوف من الصلة كالذي في قوله: وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] أي: اصطفاهم. وحجة ذلك كثرة ما في القرآن من ذكر التنزيل. ومن قرأ: وما نزل فالعائد إلى الموصول: الذكر المرفوع في نزل* وذلك الذكر مرفوع بالفعل المبني للمفعول، وما* الذي هو الموصول في كل ذلك في موضع جرّ بالعطف على الجار في قوله: أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل [الحديد/ 16]. [الحديد: 18] قال: قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: إن المصدقين والمصدقات [الحديد/ 18] خفيف. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم، مشدّدة الصاد فيهما «2». قال أبو علي: من خفّف فقال: إن المصدقين فمعناه: إن المؤمنين والمؤمنات، وأما قوله: وأقرضوا الله قرضا حسنا [الحديد/ 18] فهو في المعنى كقوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات [الكهف/ 107] لأن إقراض اللَّه من الأعمال الصالحة.

_ (1) السبعة 626. (2) السبعة 626.

الحديد: 23

ومن حجّة من قال: المصدقين* فخفّف، أنه أعمّ من المصدقين، ألا ترى أن المصدقين مقصور على الصدقة، والمصدقين* تعمّ التصديق والصادقة، لأن الصدقة من الإيمان فهو أذهب في باب المدح. ومن حجة من ثقّل فقال: المصدقين والمصدقات أنهم زعموا أن في حرف قراءة أبيّ: إن المتصدقين والمصدقات ومن حجتهم أن قوله: وأقرضوا الله قرضا حسنا [الحديد/ 18] اعتراض بين الخبر والمخبر عنه، والاعتراض بمنزلة الصفة، فهو للصدقة أشدّ ملاءمة منه للتصديق، وليس التخفيف كذلك، لأن الإيمان ليس الإقراض فقط، بل هو أشياء أخر، والإقراض منه. ومن حجة من خفّف فقال: المصدقين* أن يقول، لا نحمل قوله: وأقرضوا على الاعتراض، ولكنّا نعطفه على المعنى، ألا ترى أن المصدّقين والمصدّقات معناه إن الذين صدّقوا، فكأنّه في المعنى: إن المصدّقين وأقرضوا، فحمل وأقرضوا على المعنى لما كان معنى المصدّقين الذين صدّقوا، فكأنه قال: إن الذين صدّقوا وأقرضوا. [الحديد: 23] قال: قرأ أبو عمرو وحده: بما أتاكم [الحديد/ 23] قصرا، وقرأ الباقون: بما آتاكم ممدودة «1». من حجّة من قصر فقال: أتاكم* أنه معادل ب فاتكم*. فكما أن الفعل للغائب في قوله: فاتكم* كذلك يكون الفعل الذي في قوله: بما أتاكم والعائد إلى الموصول من الكلمتين الذكر المرفوع بأنه فاعلي، وأنشد أبو زيد «2»:

_ (1) السبعة 626. (2) النوادر/ 150 (ط الفاتح) وهو لمرداس بن الحصين. وقد سبق في طرّة الجزء

الحديد: 24

ولا فرح بخير إن أتاه ولا جزع من الحدثان لاع ومن حجّة من مدّ أن الخير الذي يأتيهم هو مما يعطيه اللَّه فإذا مدّ كان ذلك منسوبا إلى اللَّه سبحانه، وهو تعالى المعطي لذلك، ويكون فاعلي القول في أتاكم* ضميرا عائدا إلى اسم اللَّه، والهاء محذوفة من الصلة تقديره: بما أتاكموه. [الحديد: 24] قال: قرأ نافع وابن عامر: فإن الله الغني الحميد [الحديد/ 24] ليس فيها هو، وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون: هو الغني الحميد «1». قال أبو علي: ينبغي أن يكون هو* في قول من قال: هو الغني الحميد فصلا، ولا يكون مبتدأ لأن الفصل حذفه أسهل، ألا ترى أنه لا موضع للفصل من الإعراب وقد يحذف، فلا يخلّ بالمعنى كقوله: إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا [الكهف/ 39]. [الحديد: 15] ابن عامر في رواية هشام: فاليوم لا تؤخذ [الحديد/ 15]، ابن ذكوان: بالياء، وكذلك الباقون: بالياء «2». التاء حسن لتأنيث الفاعل، والياء حسن للفصل الواقع بين الفعل والفاعل، وأن التأنيث ليس بحقيقي.

_ الأول ص 306 من هذا الكتاب. (1) السبعة 627. (2) السبعة 627.

سورة المجادلة

ذكر اختلافهم في سورة المجادلة [المجادلة: 2] قرأ عاصم في رواية المفضل عن «1»: ما هن أمهاتهم [2] رفع، ولم يختلف في ذلك أنه نصب على لفظ حفص «2». وجه الرفع أنه لغة تميم، قال سيبويه: وهو أقيس الوجهين، وذلك أنّ النفي كالاستفهام، كما لا يغيّر الاستفهام الكلام عمّا كان عليه في الواجب، وكذلك ينبغي أن لا يغيّر في النفي عمّا كان عليه في الواجب، ووجه النصب: أنه لغة أهل الحجاز، والأخذ في التنزيل بلغتهم أولى، وعليها جاء قوله: ما هذا بشرا [يوسف/ 31]، ووجهه من القياس، أن يدخل على الابتداء والخبر كما أنّ ليس تدخل عليهما، وهي تنفي ما في الحال، كما أن ليس تنفي ما في الحال، وقد رأيت الشبهين إذا قاما في شيء من شيء، جذباه إلى حكم ما فيه الشبهان منه، فمن ذلك جميع ما لا ينصرف مع كثرته واختلاف فنونه، لمّا حصل الشّبهان من الفعل صار بمنزلته في امتناع الجرّ والتنوين منه، فكذلك ما* لما حصل فيه الشبهان من ليس وجب

_ (1) «عن»: ساقطة من السبعة. (2) السبعة 628. وذكر الآية: (ما هنّ أمهاتهم).

المجادلة: 2

على هذا أن يكون في حكمها، ويعمل عملها، كما أن جميع ما لا ينصرف صار بمنزلة الفعل فيما ذكرنا، وغير ذلك يبعد فيه كما يبعد صرف ما لا ينصرف. [المجادلة: 2] قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: والذين يظهرون [المجادلة/ 2] بغير ألف. وقرأ عاصم: والذين يظاهرون خفيف بألف وضم الياء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: يظاهرون* بفتح الياء بألف مشدّدة الظاء «1». قال أبو علي: ظاهر من امرأته، وظهّر، مثل ضاعف وضعّف، وتدخل التاء على كل واحد منهما فيصير: تظاهر وتظهّر، ويدخل حرف المضارعة فيصير: يتظهّر، ويتظاهر، ثم تدغم التاء في الظاء لمقاربتها لها، فيصير: يظّاهر ويظّهّر، ويفتح التاء التي للمضارعة لأنها للمطاوعة كما يفتحها في يتدحرج الذي هو مطاوع دحرجته فتدحرج، وإنما فتحت الياء في يظّاهر، ويظّهّر، لأنه للمطاوع، كما أن يتدحرج كذلك، ولأنه على وزنهما، وإن لم يكونا للإلحاق. فأما قول عاصم: يظاهرون فقال أبو الحسن هو كثير في القراءة، وفي كلام العرب. قال أبو علي: وقولهم: الظهار، وكثرة ذلك على الألسنة، يدلّ على ما قال أبو الحسن. [المجادلة: 8] قال: قرأ حمزة وحده: وينتجون [المجادلة/ 8] بغير ألف. والباقون: يتناجون بألف «2». قال أبو علي: ينتجون يفتعلون من النّجوى، والنّجوى:

_ (1) السبعة 628. (2) السبعة 628.

مصدر كالدّعوى والعدوى، ومثل ذلك في أنه على فعلى: التّقوى إلا أن الواو فيها مبدلة وليست بلام، ولما كان مصدرا وقع على الجميع على لفظ الواحد في قوله: إذ يستمعون إليك، وإذ هم نجوى [الإسراء/ 47] أي: ذوو نجوى، ومما يدلّ على ذلك قوله: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة [النساء/ 114] أي: إلا في نجوى من أمر بصدقة، فأفرد ذلك، وإن كان مضافا إلى جماعة لما كان مصدرا، كقوله: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [لقمان/ 28] ونحو ذلك، وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا [المجادلة/ 7]. وقوله: ثلاثة يحتمل جرّه أمرين، أحدهما: أن يكون مجرورا بإضافة نجوى إليه، كأنه: ما يكون من سرار ثلاثة إلا هو رابعهم، أي: لا يخفى عليه ذلك، كما قال: ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم [التوبة/ 78] وكقوله: فإنه يعلم السر وأخفى [طه/ 7]، ويجوز أن يكون ثلاثة جرّا على الصفة على قياس قوله: وإذ هم نجوى [الإسراء/ 47]، فأما النّجيّ فصفة تقع على الكثرة كالصّديق والرفيق والحميم، ومثله الغزي، قال جرير «1» فجمع: تريح نقادها جشم بن بكر وما نطقوا بأنجية الخصوم وأنشد أبو زيد «2»:

_ (1) ديوانه/ 495 برواية: (الحكوم). والنقّاد: صغار الضأن- والأنجية: القوم يتشاورون في الأمر جمع نجيّ. (2) نسب اللسان هذا البيت في مادة/ نجا/ إلى سحيم بن وثيل اليربوعي بينما لم ينسبه أبو زيد في النوادر إلى أحد، انظر النوادر/ 159 (ط. الفاتح).

المجادلة: 11

إني إذا ما القوم كانوا أنجيه واختلف القول اختلاف الأرشية وفي التنزيل: خلصوا نجيا [يوسف/ 80]، فأما قول حمزة: ينتجون وقول سائرهم: يتناجون فإنّ يفتعلون، ويتفاعلون يجريان مجرى واحدا، ومن ثمّ قالوا: ازدوجوا واعتوروا، فصحّحوا الواو، وإن كانت على صورة يجب فيها الاعتلال لما كان بمعنى تعوروا وتزاوجوا، كما صحّ: عور وحول وصيد، لما كان ذلك على معنى افعال، ومن ثمّ جاء: حتى إذا اداركوا فيها جميعا [الأعراف/ 38] فادّاركوا: افتعلوا، وادّاركوا: تفاعلوا، فكذلك في المعنى في: ينتجون، ويتناجون واحد. ومن حجّة من قرأ: يتناجون [المجادلة/ 8] قوله: إذا ناجيتم الرسول [المجادلة/ 12] وتناجوا بالبر والتقوى [المجادلة/ 9]، فهذا مطاوع: ناجيتم* وليس في هذا ردّ لقراءة حمزة ينتجون لأن هذا في مساغه وجوازه مثل: ناجيت. وينتجون، قراءة الأعمش فيما زعموا. [المجادلة: 11] قال: قرأ عاصم وحده: تفسحوا في المجالس [المجادلة/ 11] بألف، وقرأ الباقون: في المجلس بغير ألف «1». قال أبو علي: زعموا أنه مجلس النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، فإذا كان كذلك فالوجه الإفراد، ويجوز أن يجمع على هذا على أن تجعل لكلّ جالس مجلسا، أي: موضع جلوس، ويكون المجلس على إرادة العموم مثل قولهم: كثر الدينار والدرهم، فيشهد على هذا جميع المجالس، ومثله في التنزيل: إن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2].

_ (1) السبعة 629.

المجادلة: 11

وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وهارون بن حاتم عن أبي بكر: وإذا قيل انشزوا فانشزوا [المجادلة/ 11]، برفع الشين [فيهما] وأمّا يحيى فروى عن أبي بكر، أنه لم يحفظ كيف قرأ عاصم زعم ذلك خلف وأبو هشام والوكيعي «1» عن يحيى، وقال ابن سعدان عن محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي [المجادلة: 11] بكر عن عاصم: وإذا قيل انشزوا فانشزوا بكسر الشين، وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر، لم أحفظها عن عاصم، فسألت عنها الأعمش فقال: انشزوا فانشزوا بكسر الشين فيهما. وقال عبد الجبار بن محمد العطاردي «2» سألت عروة بن محمد: كيف ينبغي أن تكون قراءة عاصم؟ فقرأها برفع الشين وقال: هو مثل: يعكفون [الأعراف/ 138]. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: وإذا قيل انشزوا فانشزوا بكسر الشين فيهما «3». قال أبو علي: انشزوا هو من النشز: المرتفع من الأرض، وقال الشاعر «4»: ترى الثعلب الحوليّ فيها كأنه إذا ما علا نشزا حصان مجلّل

_ (1) في الأصل الوكيعي، بإسقاط الواو، والتصويب من السبعة. وانظر ترجمة الوكيعي في طبقات القرّاء 1/ 7، ترجمة رقم 12. (2) انظر طبقات القرّاء 1/ 358. (3) السبعة 629 وما بين معقوفين منه. (4) البيت غير منسوب وقد ذكره القرطبي في تفسيره 3/ 295

المجادلة: 22

ومن هذا نشوز المرأة عن زوجها، وينشز وينشز: مثل يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف. [المجادلة: 22] قال: روى المفضل عن عاصم: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان [المجادلة/ 22] برفع الكاف من كتب*، ورفع النون من الإيمان، وقرأ الباقون: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان «1». قال أبو علي: معنى كتب في قلوبهم الإيمان، كتب في قلوبهم علامته، فحذف المضاف، ومعنى كتابة الإيمان في قلوبهم: أنها سمة لمن يشاهدهم من الملائكة أنهم مؤمنون، كما أن قوله في الكفّار: وطبع الله على قلوبهم [التوبة/ 93] علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنه المطبوع على قلبه، وعلى هذا قوله: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا [الكهف/ 28] أي: جعلها غفلا من العلامة التي تكون في قلوب الذاكرين. ومن أسند الفعل إلى الفاعل فلتقدّم ذكر الاسم، ويقوّي ذلك أن المعطوف عليه مثله وهو قوله: وأيدهم بروح منه [المجادلة/ 22] ومن قال: كتب* فلأنه يعلم أنه من فعل اللَّه عزّ وجلّ. [المجادلة: 21] نافع وابن عامر: ورسلي إن الله [المجادلة/ 21] بفتح الياء. والباقون لا يحرّكون «2». قال أبو علي: التحريك والإسكان جميعا حسنان.

_ (1) السبعة 630. (2) السبعة 629.

سورة الحشر

ذكر اختلافهم في سورة الحشر [الحشر: 2] قرأ أبو عمرو وحده: يخربون [2] شديدة، وقرأ الباقون: يخربون خفيفة «1». خرب الموضع وأخربته وخرّبته مثل فرح وفرّحته وأفرحته، وغرم وغرمته وأغرمته، قال الشاعر: وأخربت من أرض قوم ديارا «2» وحكي عن أبي عمرو: الإخراب: أن يترك الموضع خربا، والتخريب: الهدم. [الحشر: 14] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: من وراء جدار [14] بألف. والباقون: جدر.

_ (1) السبعة 632. (2) عجز بيت للأعشى وصدره: فأقللت قوما وأعمرتهم والمعنى: أقلّ الشيء حمله ورفعه، وأعمره الدار أو الإبل: أعطاه إيّاها: انظر ديوانه/ 49

الحشر: 16

قال أبو علي: المعنى في الجمع أنهم لا يصحرون «1» معكم للقتال، ولا يبرزون لكم، ولا يقاتلونكم حتى يكون بينكم وبينهم حاجز من حصن أو سور، فإذا كان كذلك، فالمعنى على الجمع، إذ ليس المعنى أنهم يقاتلونكم من وراء جدار واحد، ولكن من وراء جدر، كما لا يقاتلونكم إلا في قرى محصّنة. فكما أن القرى جماعة، كذلك الجدر ينبغي أن تكون جمعا، وكأنّ المراد في الإفراد الجمع، لأنه يعلم أنهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد. [الحشر: 16] قال: نصب ابن كثير ونافع وأبو عمرو: إني أخاف الله* [الحشر/ 16]، وأسكنها الباقون «2». قال أبو علي: التحريك والإسكان حسنان.

_ (1) أصحر القوم: إذا برزوا إلى فضاء لا يواريهم شيء. انظر اللسان/ صحر/ (2) السبعة 632.

سورة الممتحنة

ذكر اختلافهم في سورة الممتحنة [الممتحنة: 3] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: يفصل* [3] برفع الياء وتسكين الفاء ونصب الصاد، وقرأ عاصم بفتح الياء وكسر الصاد. وقرأ ابن عامر: يفصل* برفع الياء وتشديد الصاد. وفتحها. وقرأ حمزة والكسائي يفصل* برفع الياء والتشديد وكسر الصاد «1». قال أبو علي: يذهب أبو الحسن في هذا النحو إلى أن الظرف أقيم مقام الفاعل، وترك على الفتح الذي كان يجري عليه في الكلام لجريه في آخر الكلام منصوبا، وكذلك يقول في قوله: وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك [الجن/ 11]، وكذلك يجيء على قياس قوله: لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94]، فاللفظ على قوله مفتوح، والموضع رفع، كما كان اللفظ في قوله: كفى بالله [العنكبوت/ 52] وما جاءني من رجل، مجرورا، والموضع موضع رفع. والقول في قراءة ابن عامر: يفصل* مثل القول في: يعمل،

_ (1) السبعة 633.

الممتحنة: 10

وقول عاصم: يفصل، حسن والضمير يرجع إلى اسم اللَّه عزّ وجلّ، ودلّ عليه قوله: وأنا أعلم بما أخفيتم [الممتحنة/ 1] وكذلك قول حمزة والكسائي: يفصل* مثل ما قرأ عاصم في إسناد الفعل إلى الضمير الذي دلّ عليه قوله: وأنا أعلم بما أخفيتم. [الممتحنة: 10] قال قرأ أبو عمرو وحده: ولا تمسكوا [الممتحنة/ 10] بالتشديد، وقرأ الباقون: ولا تمسكوا خفيفة «1». حجّة من قال، تمسكوا قوله: فإمساك بمعروف [البقرة/ 229]، ولا تمسكوهن ضرارا [البقرة/ 231]، وفأمسكوهن في البيوت [النساء/ 15]، وأمسك عليك زوجك [الأحزاب/ 37]. وقال أبو الحسن: تمسكوا لأنها من مسّكت بالشيء، قال: وهو كثير، أو أكثر. قال: ومن حجّته: والذين يمسكون بالكتاب [الأعراف/ 170]. [الممتحنة: 4] قال: قرأ عاصم: أسوة [الممتحنة/ 4، 6] برفع الألف. وقرأ الباقون: إسوة* كسرا «1». أسوة وإسوة لغتان. [الممتحنة: 4] قال: حدّثني الحسن بن العباس الجمال «3» قال: حدّثني الحلواني عن شباب «4» عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: برءاء [الممتحنة/ 4] يمدّ ويهمز ولا ينوّن مثل: برعاع، قال: ولا اختلاف

_ (1) السبعة 633. (3) ترجمته في طبقات القراء 1/ 216. (4) هو خليفة بن خياط أبو عمرو العصفري الحافظ شباب صاحب التاريخ توفي سنة 240 هـ، انظر ترجمته في الطبقات 1/ 275.

في ذلك بين أحد من القرّاء أنها بهذا اللفظ «1». بريء وبرءاء: مثل فقيه وفقهاء، وظريف وظرفاء، الهمزة الأولى في فعلاء لام الفعل، والثانية المنقلبة عن ألف التأنيث، والألف التي قبل الهمزة زيادة لحقت مع علامة التأنيث. ويدلّك على أن الهمزة منقلبة عن ألف التأنيث لوقوعها طرفا بعد ألف، أنه إذا زالت هذه الصورة، زالت الهمزة وعاد حرف اللين، وذلك قولك: صحراء وصحارى، ويدلّك على أن علامة التّأنيث الألف المنقلبة عنها الهمزة أنّ العلامتين الأخريين، كلّ واحدة منهما على حرف مفرد، وكذلك في هذا النحو من فعلاء ونحوها مما لا يكون للإلحاق، والدليل على أن الألف التي قبلها زيادة، أنها لا تخلو من أن تكون زائدة، أو للتأنيث، فلا تكون التي للتأنيث، لأن علامته إنما تكون آخرا، ولا تكون وسطا، وقد جاء في غير القراءة ألفاظ في جمع بريء، قالوا: بريء وبراء، كما قالوا: ظريف وظراف، وقالوا: براء، كما قالوا: توأم وتؤام، وجاء لفظ المصدر أيضا في موضع الجمع، قالوا: نحن البراء «2»

_ (1) السبعة 633، 634. (2) في اللسان (برأ) عن الأزهري: العرب تقول: نحن منك البراء والخلاء، والواحد والاثنان والجمع من المذكر والمؤنث يقال: براء لأنه مصدر.

سورة الصف

ذكر اختلافهم في سورة الصفّ [الصف: 6] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: بعدي اسمه أحمد [6] بفتح الياء. وقرأ عاصم في رواية حفص وابن عامر وحمزة والكسائي: من بعدي اسمه أحمد لا يحرّكون الياء «1». قال أبو علي: إن حرّكت الياء قلت: من بعدي اسمه فحذفت همزة الوصل للإدراج، وإن أسكنتها قلت: من بعد اسمه فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، أحد الساكنين الياء من بعدي والآخر: السين من اسمه لأن همزة الوصل تسقط في الإدراج، فإذا سقطت التقى الساكنان، وإذا التقيا حذفت الأوّل منهما، كما تحرّك الأوّل في نحو: اذهب اذهب. فأما قوله: اسمه أحمد فجعله في موضع جرّ لكونها وصفا لرسول، فكما أن قوله: يأتي من قوله: يأتي من بعدي [الصفّ/ 6] في موضع جرّ، كذلك ما عطف عليه من الجملة الثانية،

_ (1) السبعة 635.

الصف: 8

ويدلك على ذلك ارتفاع المفرد الذي هو مبارك من قوله: وهذا كتاب أنزلناه مبارك [الأنعام/ 92، 155]، فأما قوله اسمه أحمد فأحمد عبارة عن الشخص، والاسم قول والقول لا يكون الشخص، وخبر المبتدأ ينبغي أن يكون المبتدأ في المعنى، فذلك على إضمار تقديره: اسمه قول أحمد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما تقول: الليلة الهلال، وأنت تريد: الليلة ليلة الهلال، فتحذف الليلة، وكذلك قوله: يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة [الأعراف/ 157]، والمعنى: يجدون ذكره مكتوبا، ألا ترى أن الشخص لا يكتب، وهذا مذهب سيبويه. قال: تقول إذا نظرت في الكتاب: هذا زيد، تريد هذا ذكر زيد، واسم زيد، فلما لم يكن الشخص المشار إليه، وإنّما المشار إليه كتابه، حمله على هذا الذي ذكره بكتابه. [الصف: 8] قال: قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: متم نوره [الصفّ/ 8] مضاف. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر: متم نوره رفع منوّن «1». قال أبو علي: الإضافة فيه يكون بها الانفصال، كما يقدر في قوله: عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24]، ومثل ذلك: ذائقة الموت [آل عمران/ 185] وإنا مرسلو الناقة [القمر/ 27]. والنصب في: متم نوره على أنه في حال الفعل، وفيما يأتي، ومثل ذلك: هل هن كاشفات ضره [الزمر/ 38] وكاشفات ضره. [الصف: 10] وقرأ ابن عامر وحده: تنجيكم من عذاب أليم [الصف/ 10]

_ (1) السبعة 635.

الصف: 14

بالتشديد. وقرأ الباقون: تنجيكم خفيف «1». حجّة تنجيكم: بالتشديد قوله: ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18]. وحجة تنجيكم: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24]. [الصف: 14] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: كونوا أنصارا الله [الصف/ 14] منوّنة. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ: أنصار الله مضاف «1». قال أبو علي: زعموا أن في حرف عبد اللَّه أنتم أنصار الله، وإذا كان كذلك فليس موضع ترجية إنما هو إخبار عنهم بأنهم أنصار اللَّه، ويكون قوله: كونوا أمرا بإدامة النصر والثبات عليه كقوله: يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله [النساء/ 136]، وموضع الكاف نصب على الحمل على المعنى ممّا في أنصار اللَّه، من معنى الفعل، كأن: نصرتم اللَّه مثل نصرة الحواريّين لدين اللَّه عزّ وجلّ، ولا يدلّ قوله: قال الحواريون نحن أنصار الله [الصفّ/ 14] على اختيار الإضافة من قوله كونوا أنصار الله، لأن أولئك قد كان منهم ذلك، فأخبروا عن أمر كان وقع منهم، ويجوز أن يكون غيرهم، في ترجية إلى ذلك في قول من نوّن أنصارا للَّه. [الصف: 14] قال: حرّك نافع في هذه السورة: من أنصاري إلى الله* [الصفّ/ 14]، وأسكنها الباقون «3». وكلا الأمرين حسن.

_ (1) السبعة 635. (3) السبعة 635.

سورة الجمعة

ذكر اختلافهم في سورة الجمعة قال أبو بكر أحمد بن موسى: لم يختلفوا في سورة الجمعة «1». ذكر اختلافهم في سورة المنافقين [المنافقون: 4] قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: خشب [4] ممّا قرأت على قنبل خفيفة. وقال أبو ربيعة «2»: خشب مثقّلة، وروى عبيد عن أبي عمرو خشب مثقّلة، وكذلك روى عبّاس أيضا، وقال الخفّاف وأبو زيد مثقّل، وقال اليزيدي وعبد الوارث: خشب خفيفة.

_ (1) السبعة 636. (2) هو محمد بن إسحاق بن وهب أبو ربيعة الربعي المكّي المؤدب، مؤذّن المسجد الحرام مقرئ جليل ضابط توفي سنة 294 هـ. انظر ترجمته في الطبقات 2/ 99.

المنافقون: 5

وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة: خشب مثقلة، والمفضل عن عاصم: خشب خفيفة «1». قال أبو علي: من خفف فقال: خشب جعله مثل: بدنة وبدن، وقال: والبدن جعلناها لكم [الحج/ 36]، ومثل ذلك في المذكر: أسد وأسد، ووثن ووثن، وزعم سيبويه أنه قراءة، يعني قوله: إن تدعون من دونه إلا أثنا [النساء/ 117] «2» والتثقيل: أن فعل قد جاء في مذكره، قالوا: أسد كما قالوا في جمع نمر: نمر، وجاء بيت «3»: تقدم إقداما عليكم كالأسد قال أبو الحسن: التحريك في خشب لغة أهل الحجاز. [المنافقون: 5] وقرأ نافع: لووا* [المنافقون/ 5] خفيفة، وكذلك المفضل عن عاصم مثل نافع. وقرأ الباقون لووا مشددة «1».

_ (1) السبعة 636. (2) ذكر سيبويه 3/ 571 (ت هارون) أنك تكسر (فعلا) على (فعل)، قال: وذلك قليل، وذلك نحو: أسد وأسد، ووثن ووثن، بلغنا أنها قراءة. ولم يشر إلى الحرف الذي قرئ فيه ذلك. وذكر صاحب اللسان (وثن): أن جمع الوثن أوثان ووثن ووثن وأثن، على إبدال الهمزة من الواو، وقد قرئ: (إن يدعون من دونه إلا أثنا). حكاه سيبويه. قال الفراء: وهو جمع الوثن، فضم الواو وهمزها، كما قال: (وإذا الرسل أقتت) قلت: وهذه القراءة ليست من القراءات الأربع عشرة. (3) لم نظفر بقائله أو تتمته، وقد نقل الطبرسي كلام أبي علي في مجمع البيان بمجمله.

المنافقون: 10

التخفيف يصلح للقليل والكثير، والتثقيل يختصّ بالكثرة، وحجّة التخفيف: ليا بألسنتهم [النساء/ 46]، واللي: مصدر لوى، مثل: طوى طيّا، فالتخفيف أشبه بقوله: ليا والتثقيل، لأن الفعل للجماعة، فهو كقوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] وقد جاء: تلوية الخاتن زبّ المعذر «1» أنشده أبو زيد. [المنافقون: 10] قال: قرأ أبو عمرو وحده: وأكون [المنافقين/ 10] بواو. وقرأ الباقون: وأكن بغير واو «2». من قال: فأصدق وأكن عطف على موضع قوله: فأصدق، لأن فأصدق في موضع فعل مجزوم، ألا ترى أنك إذا قلت: أخّرني أصدّق، كان جزما بأنه جواب الجزاء، وقد أغنى السؤال عن ذكر الشرط، والتقدير: أخّرني، فإن تؤخرني أصدّق، فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم، بأنه جزاء الشرط، حمل قوله: وأكن عليه، ومثل ذلك قراءة من قرأ: من يضلل الله فلا هادي له، ويذرهم [الأعراف/ 186]، لما كان لا هادي في موضع فعل مجزوم حمل يذرهم عليه، ومثل ذلك قول الشاعر «3»: فأبلوني بليّتكم لعلّي أصالحكم وأستدرج نويّا حمل: وأستدرج على موضع الفاء المحذوفة، وما بعدها من

_ (1) هذا من الرجز، ذكره اللسان/ عذر/ وفيه: «المعذور» بدل «المعذر». (2) السبعة 637. (3) وهو أبو دواد سبق في 2/ 401 و 4/ 110.

المنافقون: 11

لعلّي، وكذلك قوله: أيّا سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد «1» حمل وأزدد على موضع الفاء وما بعدها، وأما قول أبي عمرو: وأكون فإنه حمله على اللفظ دون الموضع، وكان الحمل على اللفظ أولا لظهوره في اللفظ وقربه ولأن ما لا يظهر إلى اللفظ لانتفاء ظهوره قد يكون في بعض المواضع بمنزلة ما لا حكم له، وزعموا أن في بعض حرف أبي فأتصدق وأكون. [المنافقون: 11] قال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: والله خبير بما يعملون بالياء [المنافقون/ 11]. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء «2». قال أبو علي: يجوز أن تكون الياء على قوله: ولن يؤخر الله نفسا [المنافقون/ 11] لأن النفس، وإن كان واحدا في اللفظ، فالمراد به الكثرة، فحمل على المعنى، ومن قرأ بالتاء كان خطابا شائعا.

_ (1) سبق انظر 4/ 110. (2) السبعة 637.

سورة التغابن

ذكر اختلافهم في سورة التغابن [التغابن: 9] قرأ نافع وابن عامر: نكفر عنه سيئاته وندخله [9] بالنون جميعا، وكذلك روى المفضل عن عاصم بالنون أيضا. وقرأ الباقون: يدخله بالياء «1». حجة الياء: أن الاسم الظاهر قد تقدّم: ومن يطع الله ورسوله يدخله [النساء/ 13، الفتح/ 17] ووجه النون أنه كقولك: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1] ثم قال: وآتينا موسى الكتاب [الإسراء/ 2]. [التغابن: 17] وقرأ ابن كثير وابن عامر: يضعفه لكم ويغفر لكم [التغابن/ 17] بغير ألف. وقرأ الباقون: يضاعفه لكم بألف «1». ضاعف وضعّف بمعنى، قال سيبويه: والجزم في يضعّف لأنه جواب الشرط. [التغابن: 9] قال: وقرأ أبو عمرو: يوم يجمعكم ليوم الجمع [التغابن/ 9] يشمّها شيئا من الضمّ، روى ذلك عبيد وعلي بن نصر،

_ (1) السبعة 638.

وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: يجمعكم* ساكنة العين، الباقون يضمّون العين «1». إشمام الضمّ هو أن يخفّف الحركة فلا يمطّطها ولا يشبعها، وأما الإسكان في يجمعكم* فعلى ما يجيز به سيبويه من إسكان الحركة إذا كانت للإعراب، كما يسكنها إذا كانت لغيره، ومثيل ذلك من الشعر قول جرير: سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب وقد ذكرنا ذلك «2»، والحجّة فيما تقدم.

_ (1) السبعة 638. (2) سبق انظر 2/ 6.

سورة الطلاق

ذكر اختلافهم في سورة الطلاق [الطلاق: 11] قرأ ابن عامر ونافع: صالحا ندخله [11] بالنون. المفضل عن عاصم مثله بالنون، وقرأ الباقون بالياء. قال أبو علي: الوجه الياء، لتقدّم الاسم الذي على لفظ الغيبة، والنون معناها معنى الياء وقد تقدم ذكر هذا النحو. [الطلاق: 8] ابن كثير: وكائن* [الطلاق/ 8] ممدود مهموز، عبيد عن أبي عمرو مثله، وقرأ الباقون: وكأين مهموز مشدّد «1». قولهم: كأين إنما هو: أي دخلت عليها الكاف الجارّة، كما دخلت على ذا من قولهم: كذا وكذا درهما، ولا موقع للكاف في كأيّ، كما أنه لا موضع للتي في كذا، فموضع كأي رفع بالابتداء، كما أن موضع كذا كذلك، ومثل هذا في أنه دخل على المبتدأ حرف الجر، فصار مع المجرور في موضع رفع قولهم: بحسبك أن تفعل كذا، يريدون: حسبك فعل كذا، فالجار مع المجرور في موضع رفع،

_ (1) السبعة 639.

أنشد أبو زيد «1»: بحسبك في القوم أن يعلموا بأنّك فيهم غنيّ مضرّ وأكثر العرب يستعملها مع من، وكذلك ما جاء منه في التنزيل نحو قوله: وكأي من قرية عتت [الطلاق/ 8]، وكأين من دابة لا تحمل رزقها [العنكبوت/ 60]، وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير [آل عمران/ 146]، وكذلك ما جاء في الشعر منه كقول جرير «2»: وكائن بالأباطح من صديق يراني لو أصبت هو المصابا وقول الآخر «3»: وكائن إليكم قاد من رأس فتنة جنودا وأمثال الجبال كتائبه فأما قوله: وكائن*، وقراءة من قرأ بذلك، فالأصل: كأيّ، كما أن الأصل في كذا أنه كاف دخلت على الاسم، إلا أنه لما لزم الاسم، وكثر الكلام به، صارت الكلمات بمنزلة كلمة واحدة، كما أن لعمرى، لما لزمت فيه الاسم اللام، وصارت معه كالكلمة الواحدة، استجازوا فيها القلب، فقالوا: لعمري ورعملي، فقلبت كما قلب قسيّ ونحوه

_ (1) البيت لأشعر الرّقبان الأسدي الجاهلي، وهو في النوادر مع أبيات ص 73 (ط. الفاتح) وانظر تخريجه فيه. وقوله: غني مضر أي: صاحب ضرائر. (2) انظر ديوانه/ 17. (3) البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 101 من قصيدة يمدح فيها هشام بن عبد الملك.

من المفرد، قلب على هذا الحد أيضا كأي، فقالوا: كائن، والأصل كيّاء فقدّمت الياءان على الهمزة من أيّ فصار كيّاء بعد القلب، مثل كيّنونة في أنه وقعت بعد الكاف ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى، فحذفت الثانية المدغم فيها، كما حذفت الثانية من كيّنونة، فبقيت كينونة خفيفة الياء، كذلك بقيت كياء فأبدلت من الياء الساكنة الألف كما أبدلت من طيّئ في الإضافة، فقالوا: طائيّ، وكذلك حاحيت وعاعيت، فصار كائن. ومثل ذلك في أن الكلمتين لما لزمت إحداهما الأخرى، صارتا بمنزلة شيء واحد، قولهم في جواب هلمّ: لا أهلمّ مثل: لا أهريق، وقولهم: بأبأ الصبي أباه، وقولهم: هلّل ودعدع، ونحو ذلك من الكلم المركبة التي أجريت مجرى المفردة في الاشتقاق منها على حدّ الاشتقاق في المفردة، وقد جاء كائن في الشعر كما جاء في القراءة قال: وكائن رددنا عنكم من مدجّج يجيء أمام الألف يردي مقنّعا «1» فكائن تجري مجرى كم في الخبر، وإرادة الكثرة فيكون: مبتدأ كقوله: وكأين من قرية عتت عن أمر ربها [الطلاق/ 8]، فهذا مبتدأ في اللفظ، وفاعل في المعنى كما أن: كم رجل قام، كذلك، ويكون مفعوله كقوله: كأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة [الحج/ 45] فهذه مفعول بها في المعنى ومبتدأ في اللفظ، ومن قال: زيدا ضربته،

_ (1) البيت لعمرو بن شأس وهو من شواهد سيبويه- ومعنى البيت: كم رددنا عن عشيرتنا في الحرب من مدجّج بارز لهم- ويردي: يمشي الرديان وهو ضرب من المشي في تبختر- والمقنع: الذي تقنع بالسلاح .. انظر الكتاب لسيبويه 1/ 297.

الطلاق: 3

كان كأيّن عنده في موضع نصب، وأتت على المعنى، كما حمل على المعنى في قوله: كم من قرية أهلكناها [الأعراف/ 4] ولو حمل الكلام على لفظ كم كان حسنا، ومثله في الحمل على المعنى: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا [النجم/ 26]، وقال: وكل آتوه داخرين [النمل/ 87]، وقال: إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [مريم/ 93]. [الطلاق: 3] قال: وكلّهم قرأ: بالغ أمره [الطلاق/ 3] منوّن، وروى حفص والمفضل عن عاصم: بالغ أمره مضاف «1». قال أبو علي: بالغ أمره على: سيبلغ أمره فيما يريده فيكم، فهذا هو الأصل وهذا حكاية حال، ومن أضاف حذف التنوين استخفافا، والمعنى معنى ثبات النون مثل: عارض ممطرنا [الأحقاف/ 24] وإنا مرسلو الناقة [القمر/ 27] ومستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24]. [الطلاق: 8] هشام بن عمّار عن ابن عامر: نكرا [الطلاق/ 8] خفيف، ابن ذكوان: نكرا* مثقل «2». قد مضى القول في ذلك «3».

_ (1) السبعة 639. (2) السبعة 639. (3) انظر ص 291.

سورة التحريم

ذكر اختلافهم في سورة التحريم [التحريم: 3] قرأ الكسائي وحده: عرف بعضه [3] خفيفة. الباقون: عرف مشدّدة «1». وجه التخفيف لقول الكسائي عرف بعضه أنه جازى عليه، لا يكون إلا كذلك، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون عرف الذي معناه علم، أو الذي ذكرنا، فلا يجوز أن يكون من باب العلم، لأن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، إذا أظهره اللَّه على ما أسرّة إليها علم جميع ذلك، ولم يجز أن يعلم من ذلك مع إظهار اللَّه إياه عليه بعضه، ولكن يعلم جميعه، فإذا لم يجز حمله على هذا الوجه، علمت أنه من المعنى الآخر، وهذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن: أنا أعرف لأهل الإحسان، وأعرف لأهل الإساءة، أي: لا يخفى عليّ ذلك، ولا مقابلته بما يكون وفقا له. وقد قرأ بالتخفيف غير الكسائي منهم فيما زعموا الحسن وأبو عبد الرحمن، وكأنّ معنى عرف بعضه جارى على بعض ذلك، وأغضى عن بعض. ومثل عرف بعضه فيمن خفّف قوله: وما تفعلوا

_ (1) السبعة 640.

التحريم: 4

من خير يعلمه الله [البقرة/ 197]، ومثله، أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم [النساء/ 63]، ومثله: ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره [الزلزلة/ 7]، فقوله يره من رؤية العين، أي: يرى جزاءه، فحذف المضاف كما حذفه من قوله: وهو واقع بهم [الشورى/ 22] أي: جزاؤه واقع بهم، وكان مما جازى عليه تطليقه حفصة واحدة. وأما عرف بالتشديد فالمعنى: عرّف بعضه وأعرض عن بعض، فلم يعرّفه إياها على وجه التكرّم والإغضاء. [التحريم: 4] قال: قرأ ابن كثير: وجبريل* [التحريم/ 4] بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم: وجبريل وكذلك المفضل، وقرأ عاصم في رواية يحيى: وجبرئل* مفتوح الراء والجيم مقصورة «1»، وقرأ حمزة والكسائي: جبرئيل وكذلك الكسائي عن أبي بكر عن عاصم، وحسين عن أبي بكر ومحمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر وأبان عن عاصم «2». قال أبو علي: ليس هذا الاسم بعربي، وأشبه هذه الوجوه بالتعريب ما كان موافقا لبناء من الأبنية العربية، فالخارج عن الأبنية جبريل*، ألا ترى أنه ليس في أبنيتهم مثل: قنديل، فأمّا جبريل فعلى وزن قنديل وجبرئل* على وزن جحمرش وصهصلق، وجبرئيل على وزن عندليب. فأما قول ابن كثير: جبريل فهو متجه، وإن لم يجيء في أبنيتهم، ألا ترى أنه قد جاء فيما كان نكرة من الأسماء الأعجمية ما ليس على أبنيتهم نحو: الآجرّ والإبريسم، فإذا جاء في

_ (1) في السبعة: على وزن جبرعل. (2) السبعة 640.

التحريم: 5

النكرات التي هي أشبه بالأسماء المقرّبة، واحتمل ذلك فيها واستجيز، فأن يستجاز في الأسماء المعرفة والمنقولة في حال تعريفها أولى. [التحريم: 5] عباس عن أبي عمرو: إن طلقكن [التحريم/ 5] مدغمة، الباقون يظهرون: إن طلقكن أن يبدله خفيفة. اليزيدي عن أبي عمرو: إن طلقكن مثقّلة، أن يبدله مشدّدة. إدغام القاف في الكاف حسن لأنها من حروف الفم، وأصل الإدغام أن تكون فيها دون حروف الطرفين: الحلق والشفة. وإن ترك الإدغام فيهما لأنهما من أول مخارج الفم فإذا كان من أول مخارجه أشبه حروف الحلق لقربها منها، كما أن الخاء والغين لمّا كانتا آخر مخارج الحلق وأقربها إلى الفم، أجريا مجرى حروف الفم في أن لم تبيّن النون معهما في نحو: منغل ومنخل، وكذلك القاف والكاف يكونان لقربهما من الحلق في حكم حروفه، والإدغام في حروف الحلق ليس بالكثير فكذلك فيما أشبههنّ. فأما يبدله، ويبدله فقد تقدّم القول فيه. [التحريم: 8] أبو بكر عن عاصم، وخارجة عن نافع: توبة نصوحا [التحريم/ 8] بضم النون. حفص عن عاصم توبة نصوحا بفتح النون، وكذلك قرأ الباقون «1». قال أبو الحسن: الفتح كلام العرب وقراءة الناس، قال: ولا

_ (1) السبعة 641.

التحريم: 12

أعرف الضمّ، قال أبو علي: يشبه أن يكون مصدرا، وذلك أن ذا الرمة قال: أحبّك حبّا خالطته نصاحة «1» فالنّصاحة على فعالة، وما كان على فعال من المصادر، فقد يكون فيه المفعول نحو: الذهاب والذهوب، والمضاء، والمضيّ، فيكون أن يكون النّصوح مع النّصاحة كالمضاء والمضيّ، فيكون قد وصف بالمصدر نحو: عدل ورضى. وقال أبو الحسن: نصحته في معنى صدقته، وقال: توبة نصوحا صادقة. [التحريم: 12] قرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم، وخارجة عن نافع: وكتبه [التحريم/ 12] جماعة. وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: وكتابه واحدا «2». حجّة من قال: وكتبه* فجمع، أنه موضع جمع، ألا ترى أنها قد صدّقت بجميع كتب اللَّه، فمعنى الجمع لائق بالموضع حسن. ومن قال: كتابه* أراد الكثرة والشياع، وقد يجيء ذلك في الأسماء المضافة كما جاء في المفردة التي بالألف واللام. قال: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34]، فكما أن المراد بنعمة اللَّه الكثرة، كذلك في قوله: وكتابه.

_ (1) عجز البيت: وإن كنت إحدى اللاويات المواعك واللاويات: اللواتي يمطلن- والمواعك: معكته أي: مطلته، انظر ملحقات ديوانه 3/ 1745. (2) السبعة 641.

سورة الملك

ذكر اختلافهم في سورة الملك [الملك: 3] قرأ حمزة والكسائي: من تفوت [3] بغير ألف. وقرأ الباقون: تفاوت بألف «1». قال أبو زيد: سمعت من يقول: تفاوت الأمر تفاوتا، وتفاوتا، وليس ذا على القياس، يعني تفاوتا. قال أبو الحسن: تفاوت أجود، لأنهم يقولون: تفاوت الأمر، ولا يكادون يقولون: تفوّت الأمر، قال: وهي أظن لغة. قال سيبويه: قد يكون فاعل وفعّل بمعنى، نحو: ضاعف وضعّف، وتفاعل مطاوع فاعل، كما أن تفعل مطاوع فعل. فعلى هذا القياس يكون: تفاوت وتفوّت بمعنى، وقد يجب في القياس ما لا يجيء به السمع، وتفوت زعموا قراءة عبد اللَّه والأعمش. [الملك: 16، 15] قال: قرأ ابن كثير: وإليه النشور. وامنتم «1» [15 - 16] قال أبو علي: أصله: النشور. أأمنتم إذا حقّق الهمزتين، فإذا خفّفت الهمزة الأولى قلبها واوا لانضمام ما قبلها، وهذا في المنفصل

_ (1) السبعة 644. وزاد بعدها: «بترك همزة الألف التي للاستفهام فتصير في لفظ واو بضم الراء» [في الوصل]

نظير قولهم في المتّصل: التّودة إذا خفّف التؤدة، وجون إذا خفّف جؤن التي هي جمع جؤنة، مثل: ظلمة وظلم. فأمّا الهمزة التي هي فاء من قوله: أأمنتم بعد تخفيف الأولى بقلبها واوا، فإنه يجوز فيه التحقيق والتخفيف. فإن حقّق كان لفظه: النشور وأمنتم يحقّقها، وإن خفّفها كان قياسها أن يجعلها بين الألف والهمزة لتحرّكها بالفتحة، فيكون في اللفظ: وإليه النشور وآمنتم. ومن قال «1»: ... لا هناك المرتع فقلبها ألفا فقياسه أن يقول هنا: النشور وامنتم فلا يجعلها بين بين ولكن يقلبها ألفا محضة، وسيبويه يجيز هذا القلب في الشعر وغير حال السعة. وقال غير أحمد: يجعل الهمزة من أأمنتم بعد تخفيف الأولى بقلبها واوا ألفا، فيصير: النشور وامنتم. قال أحمد: قرأ نافع وأبو عمرو: النشور. آمنتم بهمزة ممدودة «2». قوله بهمزة ممدودة: يريد أنه يحقّق الأولى ويخفّف الثانية، وتخفيفها أن تجعل بين بين ولفظها: النشور أامنتم، وكان قياس قول أبي عمرو على ما حكاه عنه سيبويه من أنه إذا اجتمع همزتان خفّف الأولى منهما دون الثانية، أن يقلب الأولى منهما واوا كما فعله ابن كثير. فأما الثانية فإن شاء خفّفها وإن شاء حقّقها، وتخفيفها أن يجعلها

_ (1) قطعة من بيت للفرزدق- سبق في 1/ 398 و 2/ 218. (2) السبعة 644، وفيه: بهمزة بعدها ألف ممدودة.

الملك: 11

بين الألف والهمزة، ولعلّ أبا عمرو ترك هذا القول في هذا الموضع وأخذ فيه بالوجه الآخر، وهو تخفيف الثانية منهما إذا التقيا دون الأولى. قال: وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أأمنتم بهمزتين «1». هذا على ما يذهبون إليه من الجمع بين الهمزتين، وليس ذلك الوجه. [الملك: 11] قال: قرأ الكسائي: فسحقا وفسحقا [الملك/ 11] خفيفا وثقيلا، وقرأ الباقون: فسحقا «2». قال أبو علي: سحقا منتصب على المصدر، المعنى: أسحقه اللَّه سحقا، وكان القياس: أسحق إسحاقا، فجاء المصدر على الحذف كقولهم: عمرك اللَّه وقال «3»: وإن يهلك فذلك كان قدري يمكن أن يكون: تقديري، ومن ذلك قوله: في مكان سحيق [الحج/ 31] أي: بعيد. وسحق وسحق كالعنق والعنق، والطنب والطنب، وما أشبه ذلك، وكلّه حسن. [الملك: 29] وقرأ الكسائي وحده: فسيعلمون من هو [الملك/ 29] بالياء، وقرأ الباقون: بالتاء «4».

_ (1) السبعة 644. (2) السبعة 644. (3) عجز بيت ليزيد بن سنان، سبق في 2/ 129، 253 - 3/ 184. (4) السبعة 644.

حجّة الياء: أن ذكر الغيبة قد تقدّم في قوله: فمن يجير الكافرين من عذاب أليم [الملك/ 28]. والتاء: على قوله: قل لهم ستعلمون. قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص عن عاصم: إن أهلكني الله ومن معي أو [الملك/ 28] بنصب الياءين، وحفص عن عاصم بفتح ياء معي في كلّ القرآن. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والكسائي: إن أهلكني الله محرّكة الياء. وأسكنا جميعا الياء في معي*. خلف عن المسيّبي عن نافع: إن أهلكني الله ساكنة الياء. وقرأ حمزة: بإسكان الياءين «1». قال أبو علي: التحريك في الياء حسن وهو الأصل، والإسكان لكراهة الحركة في حروف اللين لتجانس ذلك واجتماع الأمثال أو المتقاربة. وقرأ نافع في رواية ورش: نذيري ونكيري [الملك/ 18] بياء في الوصل، ولم يأت بذلك عن نافع غيره. والباقون بكسر الرّاء من غير ياء في وصل ولا وقف «2». حذف الياء في الوصل والوقف لأنه فاصلة، والفاصلة كالقافية في استحسان الحذف منها.

_ (1) السبعة 645. (2) السبعة 645.

سورة نون [القلم]

ذكر اختلافهم في سورة نون [القلم] [القلم: 1] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة: نون والقلم [1] النون في آخر الهجاء من نون ظاهرة عند الواو. وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم أنه كان لا يبين النون في يس ونون* وطسم. وروى حفص عن عاصم وحسين عن أبي بكر أنه كان يبين النون في نون*. وروى يعقوب عن نافع أنه أخفاها، وكان الكسائي لا يبين النون في نون*، وقال يحيى عن أبي بكر عن عاصم: نون* جزم على هذا، وهذا يدلّ على أنه يبين. الحلواني عن قالون عن نافع: يس مخفاة النون، ونون* ظاهرة «1». قال أبو علي: وجه إظهار هذه النونات أنها من حروف ينوى بها الوقف، وإذا كانت موقوفة بدلالة اجتماع الساكنين فيها نحو: ميم لام صاد كانت في تقدير الانفصال ممّا قبلها، وإذا انفصل ممّا قبلها وجب

_ (1) السبعة 646.

القلم: 14

التبيين، لأنها إنما تخفى مع حروف الفم، فإذا انفصلت عنها بالوقف عليها ولم تتصل بما قبلها فليس هناك أمر لا يبين له. ووجه الإخفاء أن الهمزة الوصل معها لم يقطع في نحو: ألف لام ميم الله [آل عمران/ 1، 2] وقولهم في العدد: واحد اثنان، فمن ثمّ حيث لم تقطع الهمزة معها علمت أنه في تقدير الوصل، وإذا وصلتها أخفيت النون معها، وقد بيّن ذلك فيما تقدّم. [القلم: 14] قال أحمد: قال ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وحفص عن عاصم، والكسائي عن أبي بكر عن عاصم: أن كان ذا مال [القلم/ 14] بغير استفهام. وقرأ حمزة: أأن كان بهمزتين، وكذلك روى يحيى عن أبي بكر عن عاصم، وروى أبو عبيد عن حمزة أنه كان يقرأ: أان كان ذا مال بهمزة ممدودة، وهو غلط. وقرأ ابن عامر: أان كان* ممدودة بهمزة واحدة «1». قوله: أن كان ذا مال وبنين لا يخلو من أن يكون العامل فيه: تتلى من قوله: إذا تتلى عليه آياتنا [القلم/ 15]، أو قال من قوله: قال أساطير الأولين [القلم/ 15]، أو شيء ثالث، فلا يجوز أن يعمل واحد منهما فيه، ألا ترى أن: تتلى عليه آياتنا قد أضيف إذا* إليه، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله، ألا ترى أنك لا تقول: القتال زيدا حين تأتي، فتريد حين تأتي زيدا، ولا يجوز أن يعمل فيه قال* أيضا، لأن قال* جواب إذا* وحكم الجواب أن يكون بعد ما هو جواب له،

_ (1) السبعة 646، 647.

ولا يتقدم كلّه عليه، فكما لم يعمل فيه الفعل الأول، كذلك لم يعمل فيه الفعل الثاني، وإذا لم يجز أن يعمل في آن واحد من هذين الفعلين، وليس في الكلام غيرهما علمت أنه محمول على شيء آخر مما يدلّ ما في الكلام عليه، والذي يدلّ عليه هذا الكلام في المعنى هو: يجحد، أو يكفر أو يستكبر عن قبول الحق ونحو ذلك، وإنما جاز أن يعمل المعنى فيه وإن كان متقدما عليه، لشبهه بالظرف، والظرف قد تعمل فيه المعاني وإن تقدم عليها، ويدلّك على مشابهته للظرف تقدير اللام معه، وأن من النحويين من يقول: إنه في موضع جر، كما أنه لو كانت اللام ظاهرة معه كان كذلك، فإذا صار كالظرف من حيث قلنا لم يمتنع المعنى من أن يعمل فيه، كما لم يمتنع في نحو قوله: ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق، إنكم لفي خلق جديد [سبأ/ 7] لمّا كان ظرفا، والعامل فيه بعثتم، الدالّ عليه قوله: إنكم لفي خلق جديد، فكذلك: أن كان ذا مال وبنين [القلم/ 14]، كأنه: جحد بآياتنا، لأن كان ذا مال وبنين، أو: كفر بآياتنا، لأن كان ذا مال وبنين، وعلى هذا المعنى يكون محمولا فيمن استفهم فقال: أأن كان ذا مال وبنين لأنه توبيخ وتقرير، فهو بمنزلة الخبر، ومثل ذلك قولك: ألأن أنعمت عليك جحدت نعمتي، إذا وبّخته بذلك، فعلى هذا تقدير الآية. وأمّا قول أحمد فيما رواه أبو عبيد عن حمزة من قوله: أان كان ذا مال بهمزة ممدودة أنه غلط، فإنما هو تغليط فيما أظن من طريق الرواية، وليس من طريق العربية، لأن ذلك لا يمتنع، ويريد بالهمزة الممدودة همزة بعدها همزة مخفّفة، وليس هذا من مذهب حمزة لأنه يحقّق الهمزتين، فلعلّه غلّطه من هذا الوجه.

القلم: 51

ويمكن أن يكون حمزة في الرواية التي رواها عنه أبو عبيد أحمد هو من من يخفّف الثانية من الهمزتين، ألا ترى أن قول حمزة في الجمع بين الهمزتين، كقول ابن عامر في جمعه بينهما وتخفيفه إياهما، فكما أن ابن عامر قال: أان كان ممدودة بهمزة واحدة، وقوله في غير هذا الموضع الجمع بين همزتين، كذلك يجوز أن يكون حمزة أخذ به، وقول أحمد عن ابن عامر بهمزة واحدة ممدودة، لا يكون إلا على أنه أن يخفّف الثانية، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون قرأ بذلك على غير الاستفهام، أو على الاستفهام، فإن كان قرأ على غير الاستفهام، فليس إلا همزة واحدة، وهي همزة أن، فإذا مدّ علمت أن المدّة إنما هو همزة أن، حقّقها بعد همزة الاستفهام إذ لا مصرف لها إلى غير ذلك. [القلم: 51] قال: قرأ نافع وحده: ليزلقونك [القلم/ 51] [بفتح الياء] من زلق، وقرأ الباقون: ليزلقونك [بضم الياء] من أزلقت «1». يقال: زلق يزلق، زلقا. فمن قال، ليزلقونك جعله من زلق هو، وزلقته أنا مثل: شترت عينه «2»، وشترتها أنا، وحزن وحزنته أنا. والخليل يذهب في ذلك إلى أن المعنى: جعلت فيه شترا، وجعلت فيه حزنا، كما أنك إذا قلت: كحلته، ودهنته، أردت جعلت فيه ذلك، ومن قال: أزلقته ثقّل الفعل بالهمزة وهذا الباب أكثر من الأول وأوسع. ومعنى: يزلقونك بأبصارهم أنهم ينظرون إليك نظر البغضاء كما ينظر

_ (1) السبعة 647 وما بين معقوفين منه. (2) شترت عينه: الشّتر هو استرخاء الجفن الأسفل أو انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل أو تشنجه، انظر اللسان/ شتر/.

الأعداء المنابذون، ومثل ذلك قول الشاعر «1»: يتقارضون إذا التقوا في مجلس نظرا يزيل مواطئ الأقدام

_ (1) ذكره اللسان في مادة (قرض وزلق) ولم ينسبه وكذا ذكره البحر المحيط في تفسير سورة القلم 8/ 317، والقرطبي 18/ 256.

سورة الحاقة

ذكر اختلافهم في سورة الحاقة [الحاقة: 9] قرأ عاصم في رواية أبان وأبو عمرو والكسائي: ومن قبله* [9] بفتح الباء «1». وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة: قبله قال سيبويه: قبل: لما ولي الشيء، تقول: اذهب قبل السوق [أي: نحو السوق]، ولي قبلك حقّ، أي: فيما يليك، واتّسع حتى صار بمنزلة لي عليك «2» حجّة من قرأ: ومن قبله* أنهم زعموا أن في قراءة أبيّ: وجاء فرعون ومن معه، فهذا يقوّي من قبله*، لأن قبل لما ولي الشيء مما لم يتخلّف عنه فهو يتبعه ويحفّ به. وحجة من قال: ومن قبله من قبله من الأمم التي كفرت كما كفر. فإن قلت: إن قوله: ومن قبله لفظ عام يقع على المؤمن

_ (1) في السبعة بكسر القاف وفتح الباء. (2) سيبويه 4/ 232 (ت. هارون) وما بين معقوفين منه.

الحاقة: 42، 41

والكافر، فكيف جاز أن يذكروا بأنهم جاءوا بالخاطئة؟ قيل: قد يجوز أن يخصّ من* في قوله: من قبله كأنه عنى به الكفّار دون المؤمنين، ويقوّي ذلك قوله: فعصوا رسول ربهم [الحاقة/ 10]، ويجوز أن يكون ذكر من قبله من الكفّار كما ذكر من بعده بقوله: كذبت قبلهم قوم نوح وفرعون وثمود [الحج/ 42]. قرأ حمزة والكسائي: لا يخفى* [5] بالياء، وقرأ الباقون: لا تخفى بالتاء «1». كلا الأمرين حسن. [الحاقة: 42، 41] وقرأ ابن كثير وحده: قليلا من يؤمنون [41] وقليلا ما يذكرون [42] بالياء فيهما جميعا. ابن عامر في رواية هشام مثل ابن كثير بالياء فيهما، وفي رواية ابن ذكوان بالتاء فيهما، وروى القطعي عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو قليلا ما يؤمنون وقليلا ما يذكرون بالياء جميعا، ولم يروه غيره، حدّثنيه الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن هارون عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بالتاء فيهما «2» قال أبو علي: حجّة الياء أنه خطاب للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم، كأنه قليلا ما يؤمنون يا محمد، وحجّة التاء: كأنه: قل لهم: قليلا ما تؤمنون. [الحاقة: 12] روى الحلواني بإسناده عن ابن كثير: وتعيها [الحاقة/ 12] ساكنة العين، وكذلك قال أبو ربيعة عن قنبل، وقرأت أنا على قنبل:

_ (1) السبعة 648. (2) السبعة 648، 649.

وتعيها بكسر العين وفتح الياء مثل حمزة. وكذلك الباقون على وزن تليها «1». وجه قوله: وتعيها أنه جعل حرف المضارعة مع ما بعد بمنزلة فخذ، فأسكن كما يسكن كتف ونحوه، وهذا يشبه ما من نفس الكلمة نحو الكاف من كتف، لأن حرف المضارعة لا ينفصل من الفعل، فصار كقول من قال: وهو وهي، ومثل ذلك قوله: ويتقه [النور/ 52] جعل تقه من يتقه بمنزلة كتف، فأسكن، وقد يكون هذا على ما ما أنشده أبو زيد من قوله «2»: قالت سليمى اشتر لنا سويقا جعل نزل بمنزلة كتف فخفّف، وقد يجوز أن يكون أجرى الوصل مجرى الوقف مثل: سبسبّا «3».

_ (1) السبعة 648. (2) سبق انظر 1/ 67، 410، و 2/ 79، 278. (3) سبق انظر 1/ 65.

سورة سأل سائل

ذكر اختلافهم في سورة سأل سائل «1» [المعارج: 1] قرأ نافع وابن عامر: سال [1] غير مهموز، وقرأ الباقون: سأل مهموز «2». قال أبو علي: من قال: سال جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين مثل: قال، وخاف. وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع: هما يتساولان، فمن قال: سال كان على هذه اللغة، ومن قال: سأل فعلى قول من قال: سأل، فجعل الهمزة عين الفعل، فإن حقّق قال: سأل مثل سعل، وإن خفّف جعلها بين الألف والهمزة، فأما قول الشاعر «3»: سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب فيمكن أن يكون من قول: من قال: يتساولان، ويمكن أن يكون

_ (1) وتسمى الواقع والمعارج. (2) السبعة 650. (3) البيت لحسّان- سبق انظر 2/ 218.

المعارج: 4

من قول من جعل الهمزة عينا، فقلب في الشعر كما قال «1»: لا هناك المرتع إلا أن سيبويه زعم أن هذا الشاعر ليست لغته سلت «2»، فإذا كان كذلك حمل على: لا هنأك. وقد قيل: إن ذلك واد في جهنم «3»، فتكون الألف في سال مثل التي في باع. قال: كلهم همز: سائل [المعارج/ 1] لا خلاف بينهم في ذلك «4». لا يكون غير الهمز في اسم الفاعل لأنه لا يخلو من أن يكون الفاعل من يتساولان، أو من اللغة الأخرى، فإن كان من قوله: يتساولان لم يكن فيه إلا الهمز، كما لا يكون في: قائل وخائف، إلا ذلك لأنها إذا اعتلّت في الفعل اعتلت في اسم الفاعل، وإعلالها لا يكون بالحذف للإلباس، فإذا لم يكن بالحذف كان بالقلب إلى الهمزة، وإن كانت من لغة من همز لم يكن فيه إلا الهمز، كما لا يكون في ثائر وشاء «5» في فاعل من شأوت إلا التحقيق للهمزة، إلا أنك إن شئت خفّفت الهمزة فجعلتها بين بين، وكذلك في الوجه الآخر. [المعارج: 4] قال: قرأ الكسائي وحده: يعرج الملائكة والروح [المعارج/ 4] بالياء.

_ (1) سبق ذكره في 1/ 398، 2/ 218، 6/ 41. (2) انظر الكتاب 2/ 170 حيث ورد الشاهد. (3) أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: (سال سائل) قال: سال: واد في جهنم. انظر الدرّ المنثور للسيوطي 6/ 264. (4) السبعة 650. (5) رسمت في الأصل شايء، وآثرنا الرسم الإملائي المناسب.

المعارج: 16

وقرأ الباقون: تعرج بالتاء «1». قال أبو علي: الوجهان حسنان. [المعارج: 16] قال: روى حفص عن عاصم: نزاعة للشوى [المعارج/ 16] نصبا، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: نزاعة رفعا «2». من قال: إنها لظى. نزاعة للشوى فرفع نزاعة، جاز في رفعه ما جاز في قولك: هذا زيد منطلق، وهذا بعلي شيخ «3» [هود/ 72]. ومن نصب فقال: نزاعة للشوى فالذي يجوز أن يكون هذا النصب عليه ضربان: أحدهما: أن يكون حالا، والآخر أن يحمل على فعل، فحمله على الحال يبعد، وذلك أنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال، فإن قلت: فإن في قوله، لظى معنى التلظّي والتلهّب، فإن ذلك لا يستقيم، لأن لظى معرفة لا تنتصب عنها الأحوال، ألا ترى أن ما استعمل استعمال الأسماء من اسم فاعل أو مصدر لم يعمل عمل الفعل نحو: صاحب، ودر في قوله: لله درّك، فإن لم يعمل هذا النحو الذي هو اسم فاعل أو مصدر عمل الفعل من حيث جرى مجرى الأسماء، فأن لا يعمل الاسم المعرفة عمله أولى. ويدلّ على تعريف هذا الاسم وكونه علما، أن التنوين والألف واللام لم تلحقه، فإذا كان كذلك لم تنتصب الحال عنه، فإن جعلتها مع تعريفها قد صارت معروفة بشدّة التلظّي، جاز أن تنصبه بهذا المعنى الحادث في العلم، وعلى هذا قوله: وهو الله في السموات

_ (1) السبعة 650. (2) السبعة 650. (3) بالرفع وهي قراءة الأعمش. انظر المحتسب 1/ 324.

المعارج: 10

وفي الأرض [الأنعام/ 3]، علّقت الظرف بما دلّ عليه الاسم من التدبير والإلطاف. فإن علّقت الحال بالمعنى الحادث في العلم، كما علّقت الظرف بما دلّ عليه الاسم من التدبير لم يمتنع، لأن الحال كالظرف في تعلّقها بالمعنى، كتعلّق الظرف به، وكان وجها. وإن علّقت نزاعة بفعل مضمر نحو: أعنيها نزّاعة للشّوى، لم يمتنع أيضا. [المعارج: 10] قال: وقرأ ابن كثير فيما أخبرني به مضمر عن البزيّ، ولا يسأل [المعارج/ 10] برفع الياء وفتح الهمزة. وقرأ على قنبل عن النبال عن أصحابه عن ابن كثير: ولا يسأل بنصب الياء، وروى أبو عبيد عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة: ولا يسأل برفع الياء وهو غلط. وكلّهم قرأ: ولا يسأل بفتح الياء «1». قال أبو علي: من ضمّ فقال: لا يسأل حميم حميما فالمعنى، والله أعلم: لا يسأل حميم عن حميمه ليعرف شأنه من جهته، كما قد يتعرّف خبر الصديق من جهة صديقه، والقريب من قريبه، فإذا كان كذلك، فالكلام إذا بنيت الفعل للفاعل: سألت زيدا عن حميمه. وإذا بنيت الفعل للمفعول قلت: سئل زيد عن حميمه، وقد يحذف الجار فيصل الفعل إلى الاسم الذي كان مجرورا قبل حذف الجار، فينتصب بأنه مفعول الاسم الذي أسند إليه الفعل المبني للمفعول به، فعلى هذا انتصاب قوله: حميم حميما، ويدلّ على هذا المعنى قوله: يبصرونهم [المعارج/ 11]، أي: يبصّر الحميم

_ (1) السبعة 650.

المعارج: 32

الحميم، والفعل قبل تضعيف العين منه: بصرت به، كما جاء: بصرت بما لم يبصروا به [طه/ 96] فإذا ضعّفت عين الفعل صار الفاعل مفعولا تقول: بصّرني زيد بكذا، فإذا حذفت الجار قلت: بصّرني زيد كذا، فإذا بنيت الفعل للمفعول به وقد حذفت الجار قلت: بصّرت زيد، فعلى هذا يبصرونهم فإذا بصّروا هم لم يحتج إلى تعريف شأن الحميم من حميمه، وإنما جمع فعل يبصرونهم لأن الحميم وإن كان مفردا في اللفظ، فالمراد به الكثرة والجمع، يدلّك على ذلك قوله: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [الشعراء/ 100]. ومن قرأ: ولا يسأل حميم حميما، فالمعنى لا يسأل الحميم عن حميمه في ذلك اليوم لأنه يذهل عن ذلك، ويشتغل عنه بشأنه، ألا ترى قوله: يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت [الحج/ 2]، وقوله: يوم يفر المرء من أخيه [عبس/ 34] وقوله: لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه [عبس/ 37]، فقوله: لا يسأل حميم حميما من قولك: سألت زيدا، أي سألته عن شأنه وأمره، ويجوز أن يكون المعنى: لا يسأل عن حميمه، فيحذف الجارّ ويوصل الفعل. [المعارج: 32] قال: قرأ ابن كثير وحده: لأمانتهم [المعارج/ 32] واحدة وقرأ الباقون: لأماناتهم جماعة «1». قال أبو علي: من قال: لأمانتهم فأفرد وإن كان مضافا إلى جماعة، ولكل واحد منهم أمانة، فلأنه مصدر، فأفرد كما يفرد نحو قوله: لصوت الحمير [لقمان/ 19] وهو يقع على جميع الجنس

_ (1) السبعة 651.

المعارج: 33

ويتناوله. ومن جمع فلاختلاف الأمانات وكثرة ضروبها، فحسن الجمع من أجل الاختلاف ومشابهته بذلك الأسماء التي ليست للجنس. [المعارج: 33] قال: قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة والكسائي: بشهادتهم [المعارج/ 33] واحدة. وروى عباس عن أبي عمرو والحلواني عن أبي معمر، وعبد الوارث عن أبي عمرو: بشهاداتهم جماعة. وكذلك روى حفص عن عاصم جماعة «1». القول في الشهادة والشهادات، كما تقدم من القول في الأمانة والأمانات. [المعارج: 38] قال: روى المفضل عن عاصم: أن يدخل جنة نعيم [المعارج/ 38] مفتوحة الياء، وروى يحيى عن أبي بكر وحفص عن عاصم أن يدخل مضمومة الياء. وكلهم قرأ: أن يدخل مضمومة الياء «2». قال أبو علي: حجّة من ضمّ الياء أن غيره يدخله، كما قال: فأولئك يدخلون الجنة [النساء/ 124]، وقال: سيدخلون جهنم داخرين [غافر/ 60]، فهذا يدلّ على أن غيرهم يدخلهم. ومن فتح الياء فلأنهم إذا أدخلوا دخلوا، وممّا يقوّي الفتح قول: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة [البقرة/ 214]، وفتح التاء فيه. [المعارج: 43] قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: إلى نصب [المعارج/ 43]

_ (1) السبعة 651. (2) السبعة 651.

بضمتين، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: إلى نصب «1». أبو عبيدة: كأنهم إلى نصب يوفضون إلى علم يسرعون. قال رؤبة «2»: تمشي بنا الجدّ على أوفاض أي: على عجلة وسرعة «3». وفسّر أبو الحسن أيضا نصب: علم، وروي أيضا عن مجاهد: نصب غاية. وروي عن أبي العالية أنه فسّر إلى نصب بأنه إلى غاية يستبقون. قال أبو علي: فهذا يجوز أن يكون نصب جمع نصب مثل سقف وسقف، وورد وورد. ومن ثقّل فقال: نصب كان بمنزلة: أسد، ويمكن أن يكون النّصب والنّصب لغتين كالضّعف والضّعف وما أشبه ذلك، ويكون التثقيل كشغل وشغل، وطنب وطنب.

_ (1) السبعة 651 وزاد بعد: بفتح النون وسكون الصاد. (2) في الديوان: يمسي بنا الجدّ على أوفاض وبعده: يقطع أجواز الفلا انقضاضي ديوان رؤبة/ 81. (3) مجاز القرآن 2/ 270.

سورة نوح

ذكر اختلافهم في سورة نوح [نوح: 3] قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وعلي بن نصر عن أبي عمرو: أن اعبدوا الله* [3] بضم النون. وقرأ عاصم وحمزة واليزيدي عن أبي عمرو: أن اعبدوا الله بكسر النون «1». قال أبو علي: وجه من ضمّ النون أنه كره الكسرة قبل الضمّة وإن حجز بينهما حرف، ألا ترى أنهم قالوا: اشرب واضرب، وقالوا: اقتل فضمّوا الهمزة في اقتل، وكسروها في المثالين الآخرين، فكذلك ضمّ النون في: أن اعبدوا*. فإن قلت: فهلّا لم يستجيزوا غير الضمّ في نحو: اقتل اعبد، قيل: استجيز الكسر في: أن اعبدوا ونحوه، وإن لم يستجيزوا: اعبدوا* لأن الكسرة في أن اقتلوا وأن اعبدوا غير لازمة، ألا ترى أن الكلمة قد تستعمل، ولا تلزم بها هذه الكسرة فصارت الكسرة قبل الضمة بمنزلة الرفعة بعد الكسرة في قولهم

_ (1) السبعة 652.

نوح: 6

في الرفع: كتف وضحك، فكما احتملت الرفعة بعد الكسر، لما كانت للإعراب فلم تلزم، كذلك احتملت الكسرة في أن اعبدوا لمّا لم تلزم، ولم تكن لذلك بمنزلة اقتل. [نوح: 6] قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو: دعائي إلا [نوح/ 6] بالهمزة وفتح الياء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: دعاي ساكنة الياء، وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: دعائي إلا يرسل الياء. حدّثني محمد بن الجهم عن خلف، والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير دعاي إلا بنصب الياء، ولا يهمز مثل هداي [البقرة/ 38] «1». قال أبو علي: إسكان الياء في دعاي وتحريكها حسن، فأمّا القصر في الدعاء فلم أسمعه، ولعلّ ذلك لغة لم تبلغنا. [نوح: 21] قال: وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ماله وولده [نوح/ 21] ساكنة اللام. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر: ماله وولده بفتح اللام، خارجة عن نافع: وولده مثل أبي عمرو «2». قال أبو علي: الولد والولد، يجوز أن يكونا لغتين كالحزن والحزن والبخل والبخل، ويدلّك على أن الولد يكون واحدا ما أنشده من قول الشاعر «3»:

_ (1) السبعة 652. (2) السبعة 652، 653. (3) عجز بيت صدره:

وليت فلانا كان ولد حمار فهذا يكون واحدا، ويجوز مع وقوعه على الواحد أن يكون جمعا يجمع عليه فعل أو فعل، وذاك أن كلّ واحد من فعل وفعل يجري مجرى الآخر، وقد جمعوا فعل على فعل نحو: أسد وأسد، وكذلك يجوز أن يكون جمع ولد على ولد، ويجوز أن يكون: ولد جمع على ولد، كما جمع الفلك على الفلك بدلالة قوله: الفلك المشحون [يس/ 41]، فهذا واحدا والجمع قوله: الفلك التي تجري في البحر [البقرة/ 164] فجمع الفلك على الفلك، ألا ترى أنّا لا نعلم الفلك مستعملا في الفلك، فإذا لم يجيء ذلك فيه كان جمعا للفلك، فالضمّة التي في اللفظة التي يراد بها الجمع غير التي كانت في الواحد، كما أن الضمّة في: منص، في ترخيم منصور على من قال: يا حار، غير الضمة التي كانت فيه في قول من قال: يا حار، وكما أن الكسرة في دلاص وهجان إذا أردت بهما الجمع غير اللتين كانا في الواحد ألا ترى أنّ التي في الجمع مثل التي في ظراف، والتي كانت في الواحد مثل التي كانت في دلاث «1» وكناز، ويدلّ على أن الولد يكون جمعا قول حسان «2»: يا بكر آمنة المبارك بكرها من ولد محصنة بسعد الأسعد

_ فليت فلانا كان في بطن أمّه وقد ذكره المحتسب 1/ 365 ولم ينسبه، وكذا اللسان في مادة (ولد). (1) الدلاث ككتاب: السريعة والسريع من النوق وغيرها. (2) في الديوان برواية: «المبارك ذكره ... ولدتك ... » ديوانه 1/ 131.

نوح: 23

فأما التي في قوله: من لم يزده ماله وولده [نوح/ 21] فيكون جمعا، وإن كان مضافا إلى الواحد لأنه ضمير من، وهو مفرد في اللفظ، والمراد به الجمع فأفرد على معنى من، وإضافة لفظ الجميع إلى المفرد في هذا، كما حكي من قولهم: ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه، فجمع الأنفس، وإن أضاف إلى لفظ المفرد فكذلك يكون الولد في قوله: وولده، وكذلك: ليستووا على ظهوره [الزخرف/ 13]. ويجوز أن يكون مفردا كما كان المال في قوله: ماله مفردا، الوجهان جميعا يجوزان. [نوح: 23] قال: قرأ نافع وحده: ولا تذرن ودا [نوح/ 23] بضمّ الواو. وقرأ الباقون: ودا بفتح الواو، وروى أبو الربيع عن بريد «1» بن عبد الواحد عن أبي بكر عن عاصم: ودا* مضمومة الواو مثل نافع، ولم يروه عن عاصم غيره وهو غلط، ويحيى عن أبي بكر عن عاصم، والكسائي عن أبي بكر، وحفص عن عاصم، أنه قرأ: ودا مثل أبي عمرو، وحدّثني المروذيّ عن ابن سعدان عن محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ: ودا* بضمّ الواو مثل نافع وهو غلط «2». قال أبو عبيدة: هذه أصنام كانت في الجاهلية تعبد «3»، وزعموا أن ودّا كان لهذا الحيّ من كلب، وحكاه بالفتح، وسمعت قول

_ (1) في الأصل «يزيد» والتصويب من السبعة. وانظر ترجمة بريد بن عبد الواحد في الطبقات 1/ 176. (2) السبعة 653. (3) انظر مجاز القرآن 2/ 270.

نوح: 25

الشاعر «1»: فحيّاك ودّ من هداك لفتية وخوص بأعلى ذي نضالة هجّد وقال أبو الحسن: ضمّ أهل المدينة الواو وعسى أن يكون لغة في اسم الصنم، قال «2»: وسمعت هذا البيت: حيّاك ودّا فإنّا لا يحلّ لنا فضل النساء وإنّ الدّين قد عزما الواو مضمومة. قال: وسمعت من يقول: إن الواو مفتوحة. [نوح: 25] قال: قرأ أبو عمرو وحده: مما خطاياهم [نوح/ 25] مثل: قضاياهم. الباقون: خطيئاتهم «3». قال أبو علي: خطاياهم على التكسير، وحجّته: نغفر لكم خطاياكم [البقرة/ 58] وخطيئات «4»: جمع التصحيح، وما* زائدة، كالتي في قوله: فبما رحمة من الله لنت لهم [آل عمران/ 159]، وقوله: فبما نقضهم ميثاقهم [النساء/ 155].

_ (1) البيت للحطيئة وفي ديوانه (ما هداك ... ذي طوالة) ... والودّ: اسم صنم كان لقوم نوح ثم صار لكلب وكان بدومة الجندل- وخوص: إبل غائرة العيون وذي نضالة: اسم مكان- وهجد: نيام، ديوانه/ 152، تهذيب اللغة للأزهري 6/ 36. (2) البيت للنابغة الذبياني- ومعنى عزم: اشتدّ، ويروى: حيّاك ربّي ... (3) السبعة 603. (4) رسمت في الأصل خطأت.

نوح: 28

[نوح: 28] حفص عن عاصم: دخل بيتي مؤمنا [نوح/ 28] بفتح الياء، وكذلك أبو قرّة عن نافع. الباقون لا يحرّكون الياء في بيتي* «1». قال أبو علي: كلا الأمرين حسن.

_ (1) السبعة 654.

سورة الجن

ذكر اختلافهم في سورة الجنّ [الجن: 1] قرأ ابن كثير وأبو عمرو: قل أوحي إلي أنه [1]، وأن لو استقاموا [16] وأن المساجد لله [18]، وأنه لما قام عبد الله [19] أربعة أحرف بالفتح. وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر كما قرأ «1» إلّا قوله: وإنه لما قام عبد الله فإنهما كسراه. المفضل عن عاصم مثل أبي بكر. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي كلّ ذلك بالفتح إلا ما جاء بعد قول، أو بعد فاء جزاء «2». حفص عن عاصم مثل حمزة. أما قوله: وأن لو استقاموا فإنّه يجوز فيه أمران: أحدهما: أن تكون المخفّفة من الثقيلة، فيكون محمولا على الوحي، كأنه: أوحي إليّ أن لو استقاموا، وفصل لو بينهما وبين الفعل كفصل السين، ولا في قوله: أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وعلم أن سيكون منكم مرضى [المزمّل/ 20].

_ (2) السبعة 656 وسقط ما بعده. (1) زاد في السبعة من نسخة: «أبو عمرو» بعد قوله: قرأ.

والآخر: أن يكون قبل لو بمنزلة اللام في قوله: لئن لم ينته المنافقون لنغرينك بهم [الأحزاب/ 60]، وقوله: وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن [الأعراف/ 23] فتلحق مرّة، وتسقط أخرى، لأن لو* بمنزلة فعل الشرط، فكما لحقت اللام زائدة قبل إن الداخل على فعل الشرط، كذلك لحقت أن* هذه قبل لو*. ومعنى وأن لو استقاموا على الطريقة قد قيل فيه قولان: أحدهما: لو استقاموا على طريقة الهدى، والآخر: لو استقاموا على طريقة الكفر. ويستدلّ على القول الأول بقوله: ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل، وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم [المائدة/ 66]، وقوله: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا [الأعراف/ 96]. ويستدلّ على القول الآخر بقوله: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة [الزخرف/ 33]. وأما قوله: وأن المساجد لله [الجنّ/ 18]، فزعم سيبويه «1» أن المفسّرين حملوه على: أوحي* كأنه: وأوحي إليّ أن المساجد لله، ومذهب الخليل أنه على قوله: ولأن المساجد لله فلا تدعوا، كما أن قوله: أن هذه أمتكم أمة واحدة* [الأنبياء/ 92] على قوله: ولأن هذه

_ (1) انظر الكتاب 1/ 464 في «باب آخر من أبواب أنّ».

الجن: 17

أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون، أي: لهذا فاعبدوني، ومثله في قول الخليل: لإيلاف قريش [قريش/ 1] كأنه: لهذا فليعبدوا. فأمّا المساجد فقيل فيها: إنها بيوت العبادة، أي: لا تشركوا فيها الأوثان مع الله في العبادة، وقيل: إن المساجد المواضع التي يسجد بها الساجد، فقال سيبويه: ولو قرئ: وإن المساجد لله لكان جيدا. وأمّا قوله: وأنه لما قام عبد الله [الجن/ 19] فيكون على: أوحي إليّ، ويكون على أن يقطع من قوله: أوحي* ويستأنف به، كما جوز سيبويه القطع من أوحي في قوله: وأن المساجد لله فعلى هذا تحمل قراءة نافع وعاصم: وإنه لما قام عبد الله فكسرا همزة إن*، فأما قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي كلّ ذلك بالفتح، فإنه على الحمل على أوحي*، ويجوز أن يكون على غيره، كما حمل المفسرون: وأن المساجد لله على الوحي، وحمله الخليل على ما ذكرناه عنه، فأما ما جاء من ذلك بعد قول أو حكاية، فكما حكي قوله: قال الله إني منزلها عليكم [المائدة/ 115] ويا مريم إن الله اصطفاك [آل عمران/ 42] وكذلك ما جاء بعد فاء الجزاء، لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء، فلذلك حمل سيبويه قوله: ومن عاد فينتقم الله منه [المائدة/ 95]، ومن كفر فأمتعه قليلا [البقرة/ 126]، من يؤمن بربه فلا يخاف [الجن/ 13] على أن المبتدأ فيها مضمر، ومثال ذلك في هذه السورة قوله: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم [الجنّ/ 23]. [الجن: 17] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: نسلكه عذابا صعدا [الجنّ/ 17] بالنون.

الجن: 20

وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: يسلكه بالياء، عباس عن أبي عمرو بالياء «1». من قرأه بالياء فلتقدّم ذكر الغيبة في قوله: ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه ومن قرأ بالنون فهو مثل قوله: وآتينا موسى الكتاب [الأنعام/ 154] بعد قوله: سبحان الذي أسرى بعبده [الإسراء/ 1]. [الجن: 20] وقرأ عاصم وحمزة: قل إنما أدعو ربي [الجن/ 20] بغير ألف، وقرأ الباقون: قال*. أبو الربيع عن أبي زيد عن أبي عمرو: قل بغير ألف مثل حمزة «2». [الجن: 19] قال أبو علي: وجه من قال أن ذكر الغيبة قد تقدّم، وهو قوله: وأنه لما قام عبد الله [الجن/ 19] قال: إنما أدعوا على الغيبة التي قبلها. ومن قال: قل فلأن بعده مثله وهو قوله: قل إنني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا [الجن/ 21]، قل إنني لن يجيرني من الله أحد [الجن/ 22]. قل إن أدري أقريب [الجن/ 25]. هشام بن عمّار عن ابن عامر: لبدا* [الجن/ 19] بضمّ اللام، ابن ذكوان عن ابن عامر: لبدا بكسر اللام، وكذلك الباقون «3». أبو عبيدة: كادوا يكونون عليه لبدا أي: جماعات، واحدها

_ (1) السبعة 656. (2) السبعة 657. (3) السبعة 656.

الجن: 25

لبدة، قال: وكذلك يقال للجراد الكثير، قال عبد مناف بن ربع «1»: صابوا بستّة أبيات وأربعة حتّى كأنّ عليهم جابيا لبدا قال: الجابي: الجراد، لأنه يجبي كلّ شيء يأكله، وقال قتادة في قوله: يكونون عليه لبدا تلبّد الجن والإنس على هذا الأم ليطفئوه فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه. وقال غيره: كاد الجن لما سمعوا قراءة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يسقطون عليه. وما روي عن ابن عامر: لبدا* فإن اللّبد الكثير، من قوله: أهلكت مالا لبدا [البلد/ 6]، وكأنه قيل له: لبدا، لركوب بعضه على بعض، ولصوق بعضه ببعض لكثرته، فكأنه أراد: كادوا يلصقون به من شدّة دنوهم للإصغاء والاستماع مع كثرتهم، فيكون على هذا قريب المعنى من قوله: لبدا إلّا أن لبدا أعرف بهذا المعنى وأكثر. [الجن: 25] قال ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ربي أمدا [الجن/ 25] وأسكن الباقون «2».

_ (1) ويروى «طافوا بستة» أو «جاءوا لستة» وصابوا: وقعوا، والجابي: يهمز ولا يهمز، واللبد: المتراكب بعضه على بعض. يقول: من كثرة ما وقع عليهم الناس كأن عليهم جرادا منقضا. انظر شرح السكري 2/ 674. واللسان (جبأ). وفيه: سمي الجراد الجابئ لطلوعه. (2) السبعة 657 وفيه: «حرّك ابن كثير ونافع وأبو عمرو الياء من (ربي). وأسكنها الباقون». ولم يتكلم أبو علي عن الحجّة فيها لسبق نظائرها.

سورة المزمل

ذكر اختلافهم في سورة المزمّل [المزمل: 6] قرأ أبو عمرو وابن عامر: وطاء [6] بكسر الواو ممدودة، وقرأ الباقون: وطأ بفتح الواو مقصورة «1». روي عن مجاهد: أشد وطاء، قال: يواطئ السمع القلب. ابن سلام عن يونس أشد وطاء قال: ملاءمة وموافقة. ومن ذلك قوله: ليواطئوا عدة ما حرم الله [التوبة/ 37] أي: ليوافقوا، فكأن المعنى: إن صلاة ناشئة الليل، أو عمل ناشئة الليل يواطئ السمع القلب فيها، أكثر مما يواطئ في ساعات النهار، لأن الليالي أفرغ للإفهام عن كثير مما يشغل بالنهار. ومن قال: وطأ فالمعنى: أنه أشقّ على الإنسان من القيام بالنهار، لأن الليل للدّعة والسكون، ومنه الحديث: «اللهم اشدد وطأتك على مضر» «2» وهو أقوم قيلا: أي: أشدّ استقامة وصوابا لفراغ البال وانقطاع ما يشغل، قال:

_ (1) السبعة 658. (2) رواه أحمد في المسند 2/ 255.

المزمل: 9

له ولها وقع بكلّ قرارة ووضع بمستنّ الفضاء قويم «1» أي: مستقيم، والنّاشئة: ما يحدث وينشأ من ساعات الليل، وروي عن الحسن أن ما كان بعد العشاء فهو ناشئة. [المزمل: 9] قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم: رب المشرق [المزمل/ 9] رفع. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وابن عامر: رب المشرق* خفض «2». الرفع في قوله: رب المشرق يحتمل أمرين، أحدهما: أن يكون لما قال: واذكر اسم ربك [المزمل/ 9] قطعه من الأول فقال: هو ربّ المشرق، فيكون على هذا خبر مبتدأ محذوف كقوله: بشر من ذلكم النار [الحج/ 72] وقوله: متاع قليل [آل عمران/ 197] أي: ذلك متاع قليل، أي أن تقلبهم متاع قليل. والوجه الآخر: يرفعه بالابتداء، وخبره الجملة التي هي: لا إله إلا هو [المزمل/ 9] والعائد إليه الضمير المنفصل. ومن خفض فعلى اتباعه قوله: واذكر اسم ربك رب المشرق والمغرب [المزمل/ 9]. [المزمل: 20] قال: قرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر: ونصفه وثلثه [المزمل/ 20] كسرا، وقرأ الباقون: ونصفه وثلثه نصبا. من نصب فقال: ونصفه وثلثه حمله على أدنى وأدنى في موضع نصب.

_ (1) القرارة: القاع المستدير. واستن السراب: اضطرب. (2) السبعة 658.

قال أبو عبيدة: أدنى: أقرب «1». فكأنه: إن ربّك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل، وتقوم نصفه وثلثه. وأمّا من جرّ فقال: من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، فإنه يحمله على الحال. قال أبو الحسن: وليس المعنى عليه فيما بلغنا لأن المعنى يكون على أدنى من نصفه وأدنى من ثلثه، قال: وكأن الذي افترض الثلث أو أكثر من الثلث، قال: وأما الذين قرءوا بالجرّ، فعلى أن يكون المعنى: أنكم لم تؤدّوا ما افترض عليكم، فقوموا أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه ومن ثلثه. ابن ذكوان عن ابن عامر وثلثه وثلثي الليل مثقّل، وزاد الحلواني عن هشام عن ابن عامر ثلثي خفيفا وثلثه مثقّل. وروى لنا محمد بن الجهم عن خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثيرو ثلثه ساكنة اللام «2». حجّة التثقيل قوله: فلأمه الثلث [النساء/ 11]. وحجّة التخفيف: أن هذا الضرب قد يخفّف، فيقال: العنق والعنق، والطنب والطنب، والرّسل والرّسل، والأسد والأسد.

_ (1) مجاز القرآن 2/ 274. (2) السبعة 658.

سورة المدثر

ذكر اختلافهم في سورة المدّثّر [المدثر: 5] قرأ عاصم في رواية حفص: والرجز [5] بضمّ الراء، والمفضل مثله. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: والرجز بكسر الراء «1». قال أبو الحسن: قراءة الحسن مضمومة، وقال: هو اسم صنم فيما زعموا، ومن كسر فقال: والرجز فاهجر، فالرجز العذاب، والمعنى: وذا العذاب فاهجر، يعني: الأصنام، لأن عبادتها تؤدّي إلى العذاب، وقد قال: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134]، ويجوز أن يكون الرّجز والرّجز لغتين، كالذّكر والذّكر قال قتادة: هما صنمان كانا عند البيت، أساف ونائلة. [المدثر: 33] قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وابن عامر والكسائي: إذا دبر [33]. [بفتح الدال]. وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة: والليل إذ أدبر بتسكين الدال «2».

_ (1) السبعة 659. (2) السبعة 659. وما بين معقوفين منه.

المدثر: 35

ابن سلّام عن يونس قال يونس: دبر: انقضى، وأدبر: تولّى، قال ابن سلام، ذكر غير واحد من أصحاب الحديث عن الحسن أنه قال: إدبار النجوم: ركعتا الفجر، وإدبار السجود ركعتان بعد المغرب، قال: وقال يونس: إدبار النجوم: انقضاؤها، وإدبار السجود آثار السجود، وفي حرف عبد الله: والليل إذا أدبر فيما زعموا، وروي أن مجاهدا سأل ابن عباس عنها، فلما ولّى الليل قال له: يا مجاهد، هذا حين دبر الليل، قال قتادة: والليل إذا دبر: إذا ولّى، ويقال: دبر. وأدبر، قال «1»: وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدة كأمس الدابر وقد قالوا أيضا: كأمس المدبر، والوجهان جميعا حسنان. [المدثر: 35] قال أبو علي: قنبل عن ابن كثير: إنها لإحدى الكبر [المدّثر/ 35] مهموز مثل أبي عمرو. وحدّثني غير واحد منهم أحمد بن أبي خيثمة، وإدريس عن خلف قال: حدّثنا وهب بن جرير عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن كثير يقرأ: لحدى الكبر لا يهمز ولا يكسر «2». وقال قتادة: إنها لإحدى الكبر: جهنم. قال أبو علي: التخفيف في لإحدى الكبر أن تجعل الهمزة فيها بين بين نحو: سيم، وإذ قال ابراهيم [الأنعام/ 74، إبراهيم/ 35، الزخرف/ 26]، فأما حذف الهمزة فليس بقياس، ووجه ذلك أن الهمزة حذفت حذفا

_ (1) سبق في ص 175. (2) السبعة 659، 660 مع تقديم وتأخير.

كما حذفت في قوله «1»: ويلمّها في هواء الجوّ طالبة ولا كهذا الّذي في الأرض مطلوب ويشبه أن يكون الذي حسّن ذلك لقائله، أنه وجد الهمزة تحذف حذفا في بعض المواضع في التخفيف، وليس هذا منها، ولكنه مثل: ويل أمّها، كان القياس أن تجعل بين الهمزة والواو، فحذفت حذفا، وقد جاء ذلك في غير موضع في الشعر، قال أبو الأسود لزياد «2»: يا با المغيرة ربّ أمر معضل فرّجته بالنّكر منّي والدّها وقال آخر: أنشده أحمد بن يحيى: إن كان حرّ لك با فقيمه باعك عبدا بأخسّ قيمه «3» وقال آخر «4»: إن لم أقاتل فالبسوني برقعا وفتحات في اليدين أربعا

_ (1) وهو امرؤ القيس (ديوانه/ 227) والبيت من شواهد سيبويه. قال الأعلم: وصف عقابا تتبع ذئبا لتصيده، فتعجب منها في شدّة طلبها ومنه في سرعته وشدّة هروبه. وأراد: ويل أمها فحذف الهمزة لثقلها ثم أتبع حركة اللام حركة الميم. انظر سيبويه 1/ 353، 2/ 172، والخزانة 2/ 112. (2) سبق انظر 3/ 211، 307. (3) في طرّة الأصل تعليقه نصها: «هذا البيت في ... عليه وليس في نسخة الشيخ بن ... قوله إن كان». ولم نقف على قائل الرجز. (4) سبق في 3/ 211 و 306.

المدثر: 50

حذف الهمزة حذفا ولم يخفّف على القياس. ومن ذلك قول الفرزدق «1»: فعليّ إثم عطيّة بن الخيطفى واثم التي زجرتك إن لم تجهد فهذا مثل قراءة ابن كثير، ألا ترى أن لإ* في قوله لإحدى الكبر مثل: وإثم التي، وهذا النحو في الشعر غير ضيّق في القياس، وقد جاء منه في الكلام، وحكمها في القياس أن تجعل بين الهمزة والألف، وفي هذا الحذف ضعف لأنه إذا حذفها بقي بعدها حرف ساكن يكون أول الكلمة بعد الحذف، ولهذا لم يتخفّف الهمزة أولا، لأن التخفيف تقريب من الساكن كأن لا يكون فيما يلزم الابتداء به ساكنا أجدر، ومن ثم لم يجزموا متفا، لأن السكون يلحق الزحاف فيلزم فيه الابتداء بالساكن، ووجهه أن اللام اللاحقة أول الكلمة لما لم تفرد صار بمنزلة ما هو من نفس الكلمة فصار حذف الهمزة كأنه يحذف في تضاعيف الكلمة، ومن ثم قالوا: لهو خير الرازقين [الحج/ 58] فخفّفوه كما خفّفوا عضدا ونحوه، مما هو كلمة واحدة. [المدثر: 50] نافع وابن عامر: مستنفرة [المدثر/ 50] بفتح الراء ونصب الفاء. المفضّل عن عاصم مثله، وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: مستنفرة بكسر الفاء «2». أبو الحسن: الكسرة في: مستنفرة أولى، ألا ترى أنه قال:

_ (1) لم نعثر عليه في ديوانه. (2) السبعة 660.

فرت من قسورة [المدثر/ 51] فهذا يدلّ على أنها هي التي استنفرت، ويقال: نفر، واستنفر، مثل: سخر، واستسخر، وعجب واستعجب، قال «1»: ومستعجب مما يرى من أناتنا ولو زبنته الحرب لم يترمرم ومن قال: مستنفرة فكأن القسورة استنفرتها، أو الرامي. قال أبو عبيدة: مستنفرة، ومستنفرة مذعورة، قال: والقسورة: الأسد «2»، وقالوا: الرّماة. قال ابن سلّام: سألت أبا سوّار الغنويّ، وكان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن، فقلت: كأنهم حمر ماذا؟ فقال: كأنهم حمر مستنفرة طردها قسورة، فقلت: إنما هو: فرت من قسورة فقال: أفرّت؟ قلت: نعم، قال: فمستنفرة إذا.

_ (1) لأوس بن حجر، سبق 1/ 352. و 4/ 433 (2) مجاز القرآن 2/ 276.

سورة القيامة

ذكر اختلافهم في سورة القيامة [القيامة: 2، 1] قرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل: لأقسم بيوم القيامة بغير ألف، ولا أقسم [2] بألف. وكلّهم قرأ: لا أقسم ولا أقسم بألف «1». قال أبو علي: من قرأ: لا أقسم بيوم القيامة كانت لا* على قوله صلة، كالتي في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29] فإن قلت: فإن لا* وما* والحروف التي تكون زوائد إنما تكون بين كلامين كقوله: مما خطيئاتهم [نوح/ 25] وفبما رحمة [آل عمران/ 159] وفبما نقضهم [النساء/ 155] ولا تكاد تزاد أولا. فقد قالوا: إن مجاز القرآن مجاز الكلام الواحد والسورة الواحد «2»، قالوا: والذي يدلّ على ذلك أنه قد يذكر الشيء في سورة فيجيء جوابه في سورة أخرى كقوله: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون [الحجر/ 6]، جاء جوابه في سورة أخرى. فقال: ما أنت بنعمة ربك بمجنون [القلم/ 2]، فلا فصل على هذا بين

_ (1) السبعة 661. (2) كذا الأصل، والوجه: الواحدة.

قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29] وبين قوله: لا أقسم بيوم القيامة [القيامة/ 1]، وقد حمل ما* على الزيادة فيما أنشده أبو زيد «1»: ما مع أنّك يوم الورد ذو جرز ضخم الدسيعة بالسّلمين وكّار ما كنت أوّل ضبّ صاب تلعته غيث وأخطأه جدب وإضرار فهذا ما جاء فيه زائدا في أول البيت، فأما قول ابن كثير: لاقسم بيوم القيامة، فإن اللام يجوز أن تكون التي يصحبها إحدى النونين في أكثر الأمر، وقد حكى ذلك سيبويه وأجازه، وكما لم تلحق النون مع الفعل في الآي، كذلك لم تلحق اللام مع النون في نحو قول الشاعر «2»: وقتيل مرّة أثأرن فإنه فرغ وإنّ أخاهم لم يثأر

_ (1) البيتان لعبدة بن الطبيب، وهما في النوادر 237 (ط. الفاتح) برواية: «الجرازة» بدل «الدسيعة» و: غيث فأمرع واستخلت له الدار والبيتان من مقطعة في خمسة أبيات أوردها الجاحظ في الحيوان 5/ 263، 264 (ت. هارون) والسلمان: الدلوان- والوكّار: العدّاء. والتلعة: ما ارتفع من الأرض. (2) لعامر بن الطفيل. وهو في شرح أبيات المغني 8/ 3. وقتيل مرة: هو أخو الشاعر قتله بنو مرّة- فرغ: رأس في قومه شريف، وفرغ أي هدر لم يثأر له- ولم يقصد: لم يقتل، وانظر ابن الشجري 1/ 369 - 2/ 221.

القيامة: 7

ويجوز أن تكون اللام لحقت فعل الحال، فإذا كان المثال للحال لم تسبقه النون، لأن هذه النون لم تلحق الفعل في أكثر الأمر إنما هي للفصل بين فعل الحال والفعل الآتي، وقد يمكن أن تكون لا* ردّا لكلام. وزعموا أن الحسن قرأ: لأقسم وقرأ: لا أقسم وقال: أقسم بالأولى ولم يقسم بالثانية. وحكي نحو ذلك عن ابن أبي إسحاق أيضا. [القيامة: 7] وقرأ نافع وعاصم في رواية أبان: برق البصر [القيامة/ 7] بفتح الراء. وقرأ الباقون وعاصم: برق بكسر الراء «1». حكي عن هارون قال: سألت أبا عمرو فقال: برق بالكسر يعني: جاء، وسألت ابن أبي إسحاق فقال: برق*، وقال أبو عبيدة: برق البصر: إذا شقّ وأنشد «2»: لمّا أتاني ابن عمير راغبا أعطيته عيساء منها فبرق وقال أبو الحسن: المكسورة في كلام العرب أكثر، والمفتوحة لغة. قال قتادة: برق البصر: شخص البصر. [القيامة: 21، 20] قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: بل تحبون [القيامة/ 20]،

_ (1) السبعة 661. (2) أنشده للكلابي برواية: «عيسا صهابا فبرق». مجاز القرآن 2/ 277، وانظر القرطبي في تفسيره 19/ 94.

القيامة: 27

وتذرون [القيامة/ 21] بالتاء جميعا، وقرأ الباقون: بالياء جميعا «1». يحبون: أي: هم يحبّون ويذرون، والتاء على: قل لهم: بل تحبّون وتذرون. قال أبو علي: الياء على ما تقدّم من ذكر الإنسان، والمراد به الكثرة، والياء حسن لتقدّم الذكر، وليس المراد به واحدا، وإنما المراد الكثرة والعموم لقوله: إن الإنسان خلق هلوعا [المعارج/ 19]، ثم قال: إلا المصلين [المعارج/ 22]. [القيامة: 27] حفص وقنبل: من راق [القيامة/ 27] يقف على من ويبتدئ: راق ولم يقطعها غيره، وكأنه في ذلك يصل «2». قال غير أحمد: لم يتعمّد الوقف على من راق وبل ران [المطفّفين/ 14] مظهري النون واللام غير عاصم. قال أبو علي: لا أعرف وجه ذلك، وقيل: التمسوا الأطبّاء فلم يغنوا عنهم من قضاء الله شيئا. [القيامة: 37] قال: قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: من مني تمنى [القيامة/ 37] وروى حفص عن عاصم: يمنى بالياء، وكذلك المفضّل عن عاصم، وقرأ ابن عامر: يمنى بالياء. وروى علي بن نصر واليزيدي وعبد الوارث والنصر بن شميل عن هارون عن أبي عمرو وعبيد عن هارون عن أبي عمرو تمنى* بالتاء. وروى أبو زيد بالتاء والياء، وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ

_ (1) السبعة 661. (2) السبعة 661.

من مني تمنى بالتاء، وقال: من نطفة إذا تمنى [النجم/ 46] «1». من قال: من مني تمنى حمله على النطفة: ألم يك نطفة تمنى من منيّ، ومن قال: يمنى حمله على المنيّ كأنه: من منيّ يمنى، أي: يقدّر خلق الإنسان وغيره منها. قال «2»: منت لك أن تلقى ابن هند منية وفارس ميّاس إذا ما تلبّبا وقال أخر «3»: لعمر أبي عمرو لقد ساقه المنا إلى جدث يوزى له بالأهاضب أي: ساقه القدر، وزعموا أنه لم يختلف في قوله: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى [النجم/ 46] وفي هذا دلالة على أن قوله: ألم يك نطفة من مني تمنى [القيامة/ 37] أي تمنى النطفة، فيجب إلحاق علامة التأنيث والفعل لوضوح ذلك بالآية الأخرى التي في سورة النجم.

_ (1) السبعة 662. (2) نسبه الفارسي في إيضاح الشعر ص 553 إلى ابن أحمر، وهو في شعره ص 40 وأسماء خيل العرب وأنسابها ص 228 وروايته فيهما: فوارس سلّى يوم سلّى وهاجر وانظر التاج (ميس). فارس مياس: هو شقيق بن حرّي من باهلة، ومياس: فرسه. وتلبب الفارس: لبس السلاح وتشمر للقتال. (3) وهو صخر الغي، والبيت من قصيدة له ويقال إنها لأخيه يرثي بها أخاه صخرا. انظر شرح أشعار الهذليين 1/ 245. واللسان (منا) (وزي). والمنا: القدر، ويوزى: يشرّف له وينصب.

سورة الإنسان

ذكر اختلافهم في سورة الإنسان [الانسان: 4] قرأ ابن كثير سلاسل* [الإنسان/ 4] بغير ألف، وصل أو وقف، هذه رواية قنبل. وقرأ أبو عمرو غير منوّنة في الوصل، والوقف بألف. وقرأ ابن عامر وحمزة: سلاسل* بغير نون، ووقف حمزة بغير ألف. حدثني ابن الجهم عن خلف، والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: سلاسلا منوّن. وقال الحلواني عن أبي معمر عن عبد الوارث، كان أبو عمرو يستحب أن يسكت عندها، ولا يجعلها مثل التي في الأحزاب، لأنها ليست آخر آية. [الانسان: 16، 15] وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي: سلاسلا منوّنة، قواريرا، قواريرا من فضة [الإنسان/ 15، 16] كلاهما بألف ولا ينوّن فيهما. وقرأ ابن عامر وحمزة: قوارير، قوارير بغير ألف، ووقف حمزة بغير ألف فيهما.

وقرأ ابن كثير: قواريرا منوّنة، قوارير من فضة غير منوّنة. وقرأ أبو عمرو: قواريرا غير منونة، ووقف بألف. قوارير من فضة غير منوّنة أيضا، ووقف بغير ألف. وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: كانت قواريرا يثبت الألف، ولا ينوّن، قوارير من فضة [بغير ألف ولا تنوين، وقال أبو زيد فيما كتب به إلي أبو حاتم عن أبي زيد عن أبي عمرو: كانت قوارير من فضة [ولا يصل قوارير «1». قال أبو علي: حجّة من صرف: سلاسلا، وقواريرا في الوصل والوقف أمران: أحدهما: أن أبا الحسن قال: سمعنا من العرب من يصرف هذا، ويصرف جميع ما لا ينصرف، وقال: هذا لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه في الشعر، فصرفوه، فجرت ألسنتهم على ذلك، واحتملوا ذلك في الشعر لأنه يحتمل الزيادة كما يحتمل النقص، فاحتملوا زيادة التنوين، فلما دخل التنوين، دخل الصرف. والأمر الآخر: أن هذه الجموع أشبهت الآحاد، لأنهم قد قالوا: صواحبات يوسف، فيما حكاه أبو الحسن وأبو عثمان، فلما جمعه جمع الآحاد المنصرفة جعلوه في حكمها، فصرفوها. قال أبو الحسن: وكثير من العرب يقولون: مواليات ويريدون الموالي، وأنشد للفرزدق «2»:

_ (1) السبعة 664 وما بين معقوفين منه. وفيه زيادة بيان أيضا. (2) ديوانه 1/ 376 وهو من شواهد سيبويه 2/ 207، ويزيد: هو يزيد بن المهلب. وخضع: ج خضوع وهو تكثير خاضع- ونواكس الأبصار أي: يطأطئون رءوسهم وينكسون أبصارهم إذا رأوه إجلالا له وهيبة منه. وانظر الخزانة 1/ 99، المقتضب 1/ 121 - 2/ 219، المفصل 5/ 56.

وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرّقاب نواكسي الأبصار فهذا كأنه جمع نواكس، ويؤكّد هذا الذي قاله أبو الحسن قول العجّاج «1»: جذب الصّراريّين بالكرور فجمع صرّاء «2» الذي هو فعّال مثل: حسّان «3»، على فعاعيل وشبهه بكلّاب «4» وكلاليب، وجمع بالواو والنون، ويدلّ على أن صرّاء واحد مثل حسّان قول الفرزدق «5»: أشارب خمرة وخدين زير وصرّاء لفسوته بخار وأما قراءة حمزة: قوارير قوارير بغير نون ولا ألف، وكذلك: سلاسل* بغير نون ولا ألف، فإنه جعله كقوله: لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد [الحج/ 40] وكذلك قول ابن عامر إلا أنه يشبه أن

_ (1) سبق في 5/ 353، وانظر إيضاح الشعر 167. (2) صرّاء جمع صار، وجمع صرّاء صراري. والصاري الملاح. انظر اللسان (صرر). (3) حسّان: أحسن من الحسن. (4) الكلاب: حديدة معطوفة كالخطاف. (5) رواية الديوان له كما يلي: أشارب قهوة وخدين زير وصرّاء لفسوته عصار والعصار: الريح الشديدة. ديوانه 1/ 388.

يلحق الألف في الوقف في فحوى ما حكاه أحمد عنه، وإلحاق الألف في سلاسل، وقوارير كإلحاقها في قوله: الظنونا والسبيلا والرسولا ويشبه ذلك بالإطلاق في القوافي من حيث كانت مثلها في أنها كلام تام، وقياس من نوّن القوافي فقال «1»: أقلّي اللوم عاذل والعتابا أن ينوّن سلاسلا، وقواريرا على هذا المذهب، قال أبو الحسن: ولا يعجبني ذلك، لأنها ليست لغة أهل الحجاز، قال أبو الحسن: سلاسلا، وأغلالا منوّنة في الوصل والسكت على لغة من يصرف نحو ذا من العرب والكتاب بألف، وهي قراءة أهل مكّة وأهل المدينة والحسن، وبها نقرأ، قال: وقوارير ينوّنهما أهل المدينة كلتيهما ويثبتون الألف في السكت. قال: ونحن نثبت ذلك الألف فيهما ونوّنهما إذا وصلنا، نحمل ذلك على لغة من يصرف أشباه ذا. وإن شئت لم تنوّن إذا وصلت لأنها رأس آية، وأهل الكوفة يقولون: الظنونا والسبيلا، والرسولا وأهل مكة وأبو عمرو يثبتون الألف في هذا في الوصل والسكوت، وكذلك نقرؤه لأنه رأس آية، ولا يجوز فيه تنوين إلا على لغة من ينوّن القوافي، ولا تعجبني تلك اللغة لأنها ليست لغة أهل الحجاز. انتهت الحكاية عن أبي الحسن. فأما قوله: قوارير قوارير من فضة فإن قلت: كيف تكون القوارير من فضة، وإنما القوارير من الرمل دونها، فالقول في ذلك أن الشيء إذا قاربه شيء ولزمه ذلك واشتدّ ملابسته له، قيل فيه: هو من

_ (1) صدر بيت سبق في 1/ 73، 2/ 361، 376، 3/ 220.

كذا، وإن لم يكن منه في الحقيقة، كالحلقة من الفضة، والقفل من الحديد كقول البعيث «1»: ألا أصبحت خنساء جاذمة الوصل وضنّت علينا والضّنين من البخل وصدّقت فأعدانا بهجر صدودها وهنّ من الإخلاف قبلك والمطل وأنشد أحمد بن يحيى «2»: ألف الصّفون فما يزال كأنه ممّا يقوم على الثلاث كسيرا وأنشد «3»: ألا في سبيل اللَّه تغبير لمّتي ووجهك ممّا في القوارير أصفرا فعلى هذا يجوز: قوارير من فضة أي هي في صفاء الفضة ونقائها، كما قال في النساء:

_ (1) رواية النقائض «جاذبة الوصل»، وفي الخصائص: «ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... ». والجاذمة: التي انقطع وصلها- والضنين: البخيل- يريد أنك من أهل البخل. وهنّ من الإخلاف: أي: هنّ من أهل الإخلاف، فحين صدّت أعدانا صدودها. انظر النقائض 1/ 135، الخصائص 2/ 203، و 3/ 260، ابن الشجري 1/ 72، شرح أبيات المغني 5/ 266، اللسان مادة/ ضنن وولع/. (2) هو الشاهد رقم 524 من شرح أبيات المغني 5/ 301، ولم يعثر على قائله- والصفون: صفة من صفات الفرس- فرس صافن أي ثان في وقوفه إحدى قوائمه. وانظر ابن الشجري 1/ 56 - 71. (3) لم نعثر له على قائل أو تتمة.

وهنّ من الإخلاف «1» ... وكما قال «2»: ووجهك مما في القوارير ولا يمتنع على هذا أن يقدّر حذف المضاف، كأنك أردت: قوارير من صفاء الفضّة، فتحذف المضاف ويكون قوله: من فضة صفة للقوارير، كما أن قوله: قدروها [الإنسان/ 16] صفة لقوله، والضمير في: قدروها يكون للخزّان والملائكة، أي: قدّروها على ربهم، لا ينقص من ذلك ولا يزيد عليه. ومن قرأ: قدروها فهو هذا المعنى يريد، وكأن اللفظ قدّروا عليها، فحذف الجار كما حذف من قوله «3»: كأنّه واضح الأقراب في لقح أسمى بهنّ وعزّته الأناصيل فلما حذف الحرف وصل الفعل، فكذلك قوله: قدروها إلا أن المعنى: قدّرت عليهم، أي: على ربهم، فقلب كما قال «4»: لا تحسبنّ دراهما سرّقتها تمحو مخازيك التي بعمان

_ (1) قطعة من بيت للبعيث: الذي سبق ذكره قريبا. (2) سبق قريبا. (3) ذكره اللسان في مادة/ نصل/ دون أن ينسبه. وعزّته الأناصيل: أي: عزّت عليه- والنصل: ما أبرزت البهمى وندرت به من أكمتها- والجمع: أنصل- والأنصولة: نور نصل البهمى. (4) البيت للفرزدق من أبيات يهجو بها جديلة بن سعيد بن قبيصة الأزدي، وفي الديوان: (دراهما أعطيتها)، انظر اللسان مادة/ سرق/ والديوان 2/ 868.

الانسان: 21

وعلى هذا يتأوّل قوله: ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة [القصص/ 76]، ومثل هذا ما حكاه أبو زيد «1»: إذا طلعت الجوزاء أوفى العود في الجرباء. [الانسان: 21] قال: وقرأ نافع وأبان عن عاصم: عاليهم [الإنسان/ 21] ساكنة الياء، وكذلك المفضّل عن عاصم مثله. وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: عاليهم بفتح الياء «2». قال أبو علي: من قال: عاليهم فنصب، احتمل النصب أمرين: أحدهما: أن يكون حالا، وقد يجوز أن يكون ظرفا، فأما الحال فيحتمل أن يكون العامل فيها أحد شيئين: أحدهما: لقاهم من قوله: لقاهم نضرة [الإنسان/ 11] والآخر: وجزاهم من قوله: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا [الإنسان/ 12]، ومثل قوله: عاليهم في كونه حالا قوله: متكئين فيها على الأرائك [الإنسان/ 13]، فإن قلت: لم لا يكون قوله: متكئين صفة جنة وفيها ذكر لها؟ قيل: لا يجوز هذا، ألا ترى أنه لو كان كذلك للزمك أن تبرز الضمير الذي في اسم الفاعل من حيث كان صفة للجنّة، وليس الفعل لها؟ فإذا لم يجز ذلك كان حالا، وكذلك قوله: ودانية عليهم ظلالها [الإنسان/ 14]. إلّا أنه يجوز في قوله: ودانية عليهم ظلالها أمران: أحدهما: ما ذكرنا من الانتصاب على الحال، والآخر: أن

_ (1) في النوادر 409 (طه. الفاتح)، وهذا من سجع العرب. والحرباء: دويبة يستقبل الشمس برأسه: ويقصد بهذا القول اشتداد الحرّ. (2) السبعة 664.

يكون الانتصاب على أنه مفعول بها، ويكون المعنى: وجزاهم جنّة وحريرا، أي: لبس حرير، ودخول جنّة دانية عليهم ظلاله، فيكون على هذا التقدير كقوله: لمن خاف مقام ربه جنتان [الرحمن/ 46]. وإن لم تحمله على هذا وقلت: إنه يعترض فيه إقامة الصفة مقام الموصوف، فإن ذلك ليس بالمطرح في كلامهم، وإن شئت حملته على ما ذكروا من الحال ليكون مثل ما عطفته عليه من قوله: متكئين فيها ودانية، فكذلك يكون: عاليهم ثياب سندس معطوفا على ما انتصب على الحال في السورة، ويكون: ثياب سندس مرتفعة باسم الفاعل والضمير قد عاد إلى ذي الحال من قوله: عاليهم. ومن قرأ من غير هؤلاء القرّاء: عاليتهم وهي قراءة الأعمش زعموا فإنه بمنزلة قوله: خاشعا أبصارهم وخاشعة أبصارهم [القلم/ 43، المعارج/ 44] وثياب مرتفع باسم الفاعل، وقد أجيز أن يكون ظرفا، كأنه لما كان عال بمعنى فوق أجري مجراه في هذا، والوجه الآخر أبين في كونه صفة جعل ظرفا، وإن كان صفة، كما كان قوله: والركب أسفل منكم [الأنفال/ 42] كذلك، وكما قالوا: هو ناحية من الدار. ومن قرأ: عاليهم ثياب سندس [الإنسان/ 21] فسكن الياء، كان عاليهم في موضع رفع بالابتداء، وثياب سندس خبره، ويكون عاليهم المبتدأ في موضع الجماعة، كما أن الخبر جماعة وقد جاء اسم الفاعل في موضع جماعة، قال «1»:

_ (1) البيت غير منسوب وقد ذكر في المحتسب 2/ 154، وفي الهمع 2/ 182، والدرر 2/ 228 وفيه «للهوى» بدل «من هوى». وأصل منادح: مناديح لأنه جمع مندوحة.

الانسان: 21

ألا إنّ جيراني العشيّة رائح دعتهم دواع من هوى ومنادح وفي التنزيل: مستكبرين به سامرا تهجرون [المؤمنون/ 67] فقطع دابر القوم الذين ظلموا [الأنعام/ 45]، وكأنه أفرد من حيث جعل بمنزلة المصدر في نحو: ولا خارجا من فيّ زور كلام «1» وكما جمع المصدر جمع فاعل في نحو: فنوّاره ميل إلى الشمس زاهر «2» وقد قالوا: الجامل والباقر، يراد بهما الكثرة، ويجوز على قياس قول أبي الحسن في: قائم أخواك، وإعمال اسم الفاعل عمل الفعل، وإن لم يعتمد على شيء، أن يكون ثياب سندس مرتفعة بعاليهم، وأفردت عاليها لأنه فعل متقدّم. ومن نصب، فقال: عاليهم لم يعترض فيه هذا، ويقوّي أن عاليا على الإعمال عمل الفعل، تأنيث من أنّث، فقال: عاليتهم، واسم الفاعل، وإن كان مضافا إلى الضمير فهو في تقدير الانفصال والتنوين، لأنه مما لم يمض، فهو بمنزلة: زيد ضارب أخيك غدا، فهو ابتداء بالنكرة، إلا أنه قد اختصّ بالإضافة، وإن كانت الإضافة في تقدير الانفصال. [الانسان: 21] قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: خضر وإستبرق [الإنسان/ 21] رفع، وقرأ نافع وحفص عن عاصم: خضر وإستبرق

_ (1) عجز بيت للفرزدق صدره: على قسم لا أشتم الدهر مسلما سبق في 2/ 17. (2) عجز بيت للحطيئة سبق ذكره في 5/ 271 و 379

رفع جميعا، وأبو عمرو وابن عامر: خضر رفع وإستبرق* خفض. خارجة عن نافع مثله. وقرأ حمزة والكسائي: خضر واستبرق كسرا جميعا، عبيد عن أبي عمرو مثل حمزة والكسائي «1». الخضر والإستبرق من صفة السندس. قال أبو علي: أوجه هذه الوجوه قول من قال: ثياب سندس خضر واستبرق برفع الخضر، لأنه صفة مجموعة لموصوف بمجموع، فأتبع الخضر الذي هو جمع مرفوع، الجميع المرفوع الذي هو ثياب، وأما إستبرق فجرّ من حيث كان جنسا أضيفت إليه الثياب، كما أضيفت إلى سندس، فكأن المعنى ثيابهما، فأضاف الثياب إلى الجنسين، كما تقول: ثياب خزّ، وكتّان، فتضيفهما إلى الجنسين، ودلّ على ذلك قوله: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق [الكهف/ 31] وأما من قال: خضر وإستبرق فإنه أجرى الخضر، وهو جمع على السندس لما كان المعنى أن الثياب من هذا الجنس. وأجاز أبو الحسن وصف بعض هذه الأجناس بالجمع، فقال: يقول: أهلك الناس الدينار الصّفر والدرهم البيض، على استقباح له، وممّا يدلّ على قبحه: أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد، فيجرونه مجرى الواحد، وذلك قولهم: حصى أبيض، وفي التنزيل: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا [يس/ 80] وأعجاز نخل منقعر [القمر/ 20]، فإذا كانوا قد أفردوا صفات هذا الضرب من الجموع، فالواحد الذي في معنى الجميع أولى أن تفرد صفته، ويقوّي جمع وصف الواحد الذي يعنى به

_ (1) السبعة 665.

الجمع، ما جاء في هذه الأوصاف من الجمع كقوله وينشىء السحاب الثقال [الرعد/ 12] وجاء فيه التأنيث أيضا كقوله: أعجاز نخل خاوية [الحاقة/ 7] وإنما التأنيث من أجل الجمع. ومن رفع إستبرق فإنما أراد عطف الاستبراق على الثياب كأنه: ثياب سندس، وثياب استبرق، فحذف المضاف الذي هو الثياب، وأقام الإستبرق مقامه، ومما جاء في هذا على الحذف قوله «1»: وداويتها حتى شتت حبشيّة كأنّ عليها سندسا وسدوسا المعنى: ثياب سندس، يدلّك على ذلك أنه عطف عليه بالسّدوس، وهو ضرب من الثياب، وكذلك السندس، يريد أنه كأنه عليها ثيابه، وليس يريد نفس الجنس الذي تكون الثياب وغير الثياب، ألا ترى أنك إذا قلت: عليه خزّ، فالمعنى عليه ثوب خزّ، وليس المعنى أن عليه الدابّة الذي هو الخزّ، وعلى هذا قال: كأنّ خزّا تحته وقزّا «2» أو فرشا محشوة إوزّا وقول أبي عبيد «3» الراوي عن أبي عمرو: الخضر والإستبرق من

_ (1) ليزيد بن خذّاق العبدي (جاهلي) في وصف فرسه، وهو البيت الثاني من مفضلية له (المفضلية 79) السّدوس: هو الطيلسان الأخضر، وداويتها بمعنى ضمدتها- وحبشية يريد: حبشية اللون في سوادها- ولهذا جعلها كأنها جلّلت سدوسا. انظر اللسان مادة/ سدس/. (2) سبق في 4/ 169 (3) في المتن «عبيد» بإسقاط «أبي». وعلى الهامش ما نصّه: «عندي أبي عبيد».

صفة السندس، ترجمة فيها تجوّز وذاك أن الخضر وإن جاز أن يكون من صفة السندس على المعنى وعلى ما غيره أوجه منه، فالإستبرق لا يجوز أن يكون صفة للسندس، لأنه جنس، فلا يجوز أن يكون وصفا لما ليس منه، كما لا يكون ثوب كتّان خزّا، ولا يكون الخزّ كتّانا. فأما الإستبرق فلا تخلو حروفه من أن تكون أصولا كلها، أو يكون بعضها أصولا وبعضها زائدا، فلا يجوز أن تكون كلّها أصولا، لأنه ليس في كلامهم في الأسماء والأفعال ما هو على ستّة أحرف أصول، فإذا لم يجز ذلك، ثبت أن منها أصولا، ومنها زائدا، فإن حكمت أن الهمزة وحدها هي الزائدة، لم يجز، لأن الهمزة إذا لم تلحق زائدة أوائل بنات الأربعة، فأن لا تلحق بنات الخمسة أجدر، فإذا لم يجز أن تكون أصلا، ولم يجز أن تكون وحدها زائدة، فلا بدّ من أن ينضمّ معها في الزيادة غيرها، فلا يجوز أن يكون في المنضمّ معها في الزيادة السين، لأن السين لم تزد مع الهمزة أولا، ولا يجوز أن تكون التاء والهمزة، كما لم يجز أن تكون الزيادة مع السين، فإذا لم يجز أن تكون التاء ولا السين زائدين على انفرادهما، لأنهما لم يجيئا على هذا الوصف، علمت أن الزيادة هي التاء والسين مع الهمزة، وأن الكلمة من الثلاثة، ولما نقلت فأعربت وافق التعريب وزن استفعل الذي هو مثال من أمثلة الماضي، إلا أن الهمزة منه قطعت للنقل من مثال الفعل إلى الاسم، وكان قطع الهمزة أحد ما نقل به الفعل إلى أحكام الاسم، ألا ترى أنه ليس من حكم الأسماء أن تلحق همزة الوصل أوائلها، لأن أواخرها قد أعربت، ودخلها للإعراب ضروب حركات، فإذا دخلت أواخرها هذه الحركات، وجب أن تتحرك أوائلها التي قد تحركت من غير المعربات التي لا تدخل أواخرها الحركات ولا تتعاقب

عليها، فإن قلت: فقد جاءت أحرف وهي: ابن، واسم، وابنة، قيل: هذه أشبهت الأفعال عند النحويين لمّا لحقها في الأواخر الحذف الذي لحق الأفعال في الجزم والوقف، فلحق أوائلها همزة الوصل أيضا لهذه المشابهة التي بينهما، وجعل النحويون هذا الحرف، ومجيء الهمزة مقطوعة فيه أصلا لجميع ما في أوّله همزة موصولة، إذا نقل فسمّي به، فقطعوا الهمزة في جميع ذلك فقالوا: لو سمّيت رجلا ب: اضرب أو اشرب أو اقتل، لقطعت الهمزة في جميع ذلك. فأما قراءة ابن محيصن واستبرق* موصولة الألف مفتوحة الآخر، فالقول فيه: أنه لا يخلو من أن يريد به مثال الماضي، أو اسم الجنس، فإن كان أراد مثال الماضي وقال: وصفته بالماضي، كما وصف بمثال الماضي في قوله: وهذا كتاب أنزلناه مبارك [الأنعام/ 92]، والنكرة توصف بالفعل، كما وصفت بالظرف في قوله: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس، وأردت باستبرق معنى برق، كما يقال: عجب واستعجب وسخر واستسخر، قيل: إنّا لا نعلم إستبرق استعمل في معنى برق، وإنما وافق اللفظ اللفظ في التعريب، فوافق لفظه استفعل، كما أن سراويل في التعريب وافق هذا اللفظ، وإن لم يكن في كلامهم، فكذلك إستبرق، وإذا كان كذلك لم ينبغ أن يجعل مثال الماضي، ولكنه اسم جنس، ولا ينبغي أن يحمل الضمير الذي يحتمله نحو: استخرج، ويدلّ على ذلك دخول لام المعرفة عليه، والجار في قوله: بطائنها من إستبرق [الرحمن/ 54]، فإذا كان كذلك ففتحه لا يجوز، إذ ليس بفعل، وإذا لم يكن فعلا كان اسما أعجميا معربا، واقعا على الجنس، كما أن السندس والخزّ والكتّان كذلك، فإذا كان اسما أعجميا، كان بمنزلة الدّيباج والفرند

الانسان: 9

والإبريسم، ونحو ذلك من الأسماء المنقولة، نكرة، وليس من باب إسماعيل، وإبراهيم، وإذا كان من هذا الضرب لم يكن فيه إلا الصرف، إلا أن يسمّى به شيء فينضمّ إلى مثال الفعل التعريف، وإذا لم يكن كذلك، فترك الصرف منه لا يستقيم. [الانسان: 9] عباس عن أبي عمرو: إنما نطعمكم لوجه الله [الإنسان/ 9] جزم «1». قال أبو علي: هذا لأن ما بعد الطاء من قوله: إنما نطعمكم على لفظ يستثقل، فأسكن للتخفيف، ولا فصل في هذا النحو إذا أريد تخفيفه بين ما كان حذف إعراب وبين غيره مما تكون فيه الحركة لغير إعراب، وقد تقدّم القول فيه. [الانسان: 30] ابن كثير وأبو عمرو: وما يشاءون [الإنسان/ 30] بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. حدّثني أحمد بن محمد بن بكر عن هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر: وما يشاءون بالياء، قال هشام: تشاؤون خطأ، ويشاءون أصوب «2»، قال أبو خليد لأيّوب القارئ: أنت في هذه واهم، يعني: تشاؤون، فقال: لا واللَّه إنّي لأثبتها كما أثبت أنك عتبة بن حمّاد «3». ووجه الياء قوله: فمن شاء اتخذ [الإنسان/ 29] وما يشاءون، ووجه التاء أنه خطاب للكافّة، وما تشاءون الطاعة والاستقامة إلا أن يشاء اللَّه، أو يكون حمل على الخطاب في منكم.

_ (1) السبعة 663 وزاد بعده: والباقون (نطعمكم) رفعا. (2) في السبعة: قال هشام: هذا خطأ، (تشاءون) أصوب. (3) السبعة 665.

سورة المرسلات

ذكر اختلافهم في سورة المرسلات [المرسلات: 6] قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر، عذرا خفيفة، أو نذرا [6] مثقّل. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: عذرا أو نذرا بالتخفيف جميعا «1». قال أبو علي: النّذر بالتثقيل والنذر مثل: النّكر والنكير، وهما جميعا مصدران. ويجوز في النذير ضربان: أحدهما: أن يكون مصدرا كالنكير والشحيح، وعذير الحيّ، والآخر: أن يكون فعيلا يراد به: المنذر، كما أن الأليم يراد به: المؤلم، ويكون النذير من أنذر، كالأليم من ألم، ويجوز تخفيف النّذر على حدّ التخفيف في العنق والعنق، والأذن والأذن، وقوله: نذيرا للبشر [المدّثر/ 36] يحمل على أول السورة، قم نذيرا للبشر، كقوله: إنما أنت منذر [الرعد/ 8]. والعذر يجوز فيه التخفيف والتثقيل، قال في التخفيف «2»:

_ (1) السبعة 666. (2) لم نقف عليه.

لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا جبانا فما عذري لدى كلّ محضر قال أبو الحسن: عذرا أو نذرا أي: إعذار أو إنذارا، وقد خفّفتا جميعا، وهما لغتان. فأما انتصاب عذرا فعلى ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون بدلا من الذكر في قوله: فالملقيات ذكرا [المرسلات/ 5]، ويجوز أن يكون عذرا مفعول الذكر، فالملقيات أن يذكر عذرا أو نذرا، ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول له، فالملقيات ذكرا للعذر، وهذا يبيّنه قوله: لولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا .. [القصص/ 47] إلى آخر الآية. فتلقي الملائكة إلى الأنبياء وتلقيه الأنبياء إلى أمّتها ليكون عذرا وإنذارا. ويجوز في قول من ضمّ عذرا أو نذرا أن يكون: عذرا* جمع عاذر، كشارف وشرف، أو عذور جمع على عذر، وكذلك النّذر يجوز أن يكون جمع نذير كقوله: هذا نذير من النذر الأولى [النجم/ 56]، ويكون معنى من النذر الأولى أنه: يواليهم ويصدقهم، وقال حاتم «1»: أماويّ قد طال التجنّب والهجر وقد عذرتني في طلابكم العذر فالعذر: إنما يكون جماعة لمكان لحاق علامة التأنيث، ويكون: عذرا أو نذرا على هذا حالا من الإلقاء، كأنّهم يلقون الذكر في حال العذر والإنذار.

_ (1) رواية الديوان: « ... من طلابكم. والعذر: ج عاذر، وعذره: رفع اللوم عنه. انظر ديوانه/ 51.

المرسلات: 17

[المرسلات: 17] قال أحمد: حدّثني الحسن بن العباس عن أحمد بن يحيى، يزيد عن روح، عن أحمد بن موسى، عن أبي عمرو: ثم نتبعهم الآخرين [المرسلات/ 17] خفّفها بعض التخفيف «1». قال أبو علي: هذا على إخفاء الحركة، فأما الجزم في نتبعهم على الإشراك في لم «2»، فليس بالوجه، ألا ترى أن الإهلاك فيما مضى، والإتباع للآخرين لم يقع مع الأول، فإذا كان كذلك، لم يحسن الإشراك في الجزم، ولكن على الاستئناف أو على أن يجعل خبر مبتدأ محذوف، ويجوز فيه الإسكان على قياس الإسكان في قوله: إنما نطعمكم لوجه الله [الإنسان/ 9]. [المرسلات: 11] قال: قرأ أبو عمرو وحده: وقتت [المرسلات/ 11] بواو. الباقون: أقتت بألف «3». وقول أبي عمرو: وقتت لأن أصل الكلمة من الوقت، ومن أبدل منها الهمزة فلانضمام الواو، والواو إذا انضمّت أوّلا في نحو: وجوه ووعد، وثانية في نحو: أدؤر فإنها تبدل على الاطّراد همزة، وقد حكيت الهمزة في نحو: ولا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237]، وهذا لا ينبغي ولا يسوغ كما لا يسوغ في: هذا عدوّ، ألا ترى أن الحركتين تستويان في أن كلّ واحدة منهما لا تلزم، وزعموا أن في حرف عبد اللَّه: وقتت بالواو. ومعنى: وإذا الرسل أقتت جعل يوم الدين والفصل لها

_ (1) السبعة 666. (2) في الآية قبلها: (ألم نهلك الأولين). (3) السبعة 666.

المرسلات: 23

وقتا، كما قال: إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين [الدخان/ 40]، وعلى هذا قوله: إلى يوم الوقت المعلوم [الحجر/ 38، ص/ 81]. [المرسلات: 23] قال: قرأ نافع والكسائي: فقدرنا [المرسلات/ 23] مشدّدة، وقرأ الباقون: فقدرنا خفيفا «1». قد قدّمنا أن قدر* وقدر* بمعنى، فمن قال: فقدر فلقوله: فنعم القادرون، فالقادرون أشكل بقدرنا، ويجوز القادرون مع قدّر، فيجيء باللغتين، كما قالوا: جادّ مجدّ، وفمهل الكافرين أمهلهم [الطارق/ 17]. [المرسلات: 33] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر عن عاصم، وأبو عمرو وابن عامر: جمالات [المرسلات/ 33] بألف، وكسر الجيم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جمالة واحدة «2». قال أبو علي: جمالات جمع جمال، وجمع بالألف والتاء على تصحيح البناء، كما جمع على تكسيره في قولهم: جمائل. قال ذو الرمة «3»: وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما تقوّب عن غربان أوراكها الخطر وأما جمالة، فإن التاء لحقت جمالا، لتأنيث الجمع، كما لحقت في فحل وفحالة، وذكر وذكارة، ومثل لحاق الهاء في فعالة

_ (1) السبعة 666. (2) السبعة 666. (3) سبق انظر 4/ 69 و 5/ 387.

إلحاقها في فعولة، نحو: بعولة، وعمومة وخيوطة «1»، وربما كان في فعالة نحو: جمالة، إلحاق الهاء وترك الإلحاق. ونظير: جمال وجمالة قول الشاعر «2»: كأنّها من حجار الغيل ألبسها مضارب الماء لون الطّحلب اللّزب فلم يلحق الهاء كما لحقت في قوله: فهي كالحجارة أو أشد قسوة [البقرة/ 74].

_ (1) سبق انظر 4/ 86. (2) البيت من شواهد سيبويه التي لم يعرف قائلها، وقد شبّه الشاعر حوافر الفرس في صلابتها بحجارة الماء المطحلبة، والغيل:- بفتح الغين-: الماء الجاري على وجه الأرض واللازب: اللاصق الملازم. انظر سيبويه 2/ 178، والمفصل 5/ 18، والمخصص 10/ 90، واللسان مادة/ حجر/.

سورة عم يتساءلون

ذكر اختلافهم في سورة عمّ يتساءلون [النباء: 5، 4] قرأ ابن عامر وحده: ستعلمون ثم كلا ستعلمون [النبأ/ 4، 5] بالتاء جميعا، كذا في كتابي عن ابن ذكوان. وقال هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر بالياء، وكذلك قرأ الباقون بالياء «1». حجّة الياء: أن المتقدّم على لفظ الغيبة عن النبأ العظيم. الذي هم فيه مختلفون. كلا سيعلمون [النبأ/ 2، 4]، فهذا هو الوجه البيّن، والجمهور عليه، والتاء على: قل لهم ستعلمون، ومعنى ستعلمون*: ستعرفون ذلك مشاهدة وعيانا، كما قال: لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين [التكاثر/ 7] فهذا «علمت» الذي يتعدّى إلى مفعول واحد، وهو من معنى المشاهدة، كما أن: لترون الجحيم كذلك، ومن هذا قيل: عريف الجند والجيش، لأنه يعرفهم بحلاهم التي ترى وتشاهد فيهم، قال «2»

_ (1) السبعة 668. (2) البيت لطريف بن تميم العنبري وهو من شواهد سيبويه. يقول: لشهرتي وفضلي في عشيرتي كلما وردت سوقا من أسواق

النباء: 19

أو كلّما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم [النباء: 19] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وفتحت السماء فكانت [النبأ/ 19] مشدّدة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: وفتحت بالتخفيف «1». قال أبو علي: فتحت* بالتشديد أوفق لقوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، وفتحت بالتخفيف لأن التخفيف يكون للقليل والكثير، وحجة التخفيف: فتحنا عليهم أبواب كل شيء [الأنعام/ 44]. [النباء: 25] المفضل وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي: وغساقا [النبأ/ 25] مشدّد، أبو بكر عن عاصم وابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: غساقا خفيف «2». قال أبو علي: التخفيف أكثر، لأن فعّالا في الأسماء قليل، فإن قلت: أجعله صفة، أقمت الصفة مقام الموصوف، قال أبو الحسن: الأعمش يثقّل، وهي لغة، فهذا يشبه أن يكون على إقامة الصفة مقام الموصوف، وحكي عن عيسى أن سفلى مضر يقولونه، يريد التشديد في غساق.

_ العرب تسامعت بي القبائل، وأرسلت كل قبيلة رسولا يتعرّفني- والتوسّم: التثبّت في النظر ليتبين الشخص، انظر سيبويه 2/ 215 - المنصف 3/ 66، نوادر المخطوطات 2/ 219، الأصمعيات/ 127. (1) السبعة 668. (2) السبعة 668.

النباء: 23

[النباء: 23] قال: قرأ حمزة وحده: لبثين [النبأ/ 23] بغير ألف. الباقون: لابثين بألف. مجيء المصدر على اللبث، يدلّ على أنه من باب: شرب يشرب شربا، ولقم يلقم، وليس من باب: فرق يفرق، ولو كان منه لكان المصدر مفتوح العين، فلما أسكن وجب أن يكون اسم الفاعل فاعل، كشارب ولاقم، كما كان اللّبث كاللّقم، ويقوّي: لابثين أنهم يلبثون فيها حقبة بعد حقبة، فيكون كقولهم: بعيرك صائد غدا، يلبثون فيها حقبة بعد حقبة، فيكون كقولهم: بعيرك صائد غدا، ويكون: لابثين مثل: لا قمين وشاربين. ومن قال: لبثين جعل اسم الفاعل فعلا، وقد جاء غير حرف من هذا النحو على فاعل وفعل. [النباء: 35] قال: قرأ الكسائي وحده: لغوا ولا كذابا [النبأ/ 35] خفيف. الباقون: كذابا بالتشديد «1». الكذّاب: مصدر كذّب، كما أن الكلّام مصدر كلّم، وكذا القياس فيما زاد على الثلاثة، أي: يأتي بلفظ الفعل ويزيد في آخره الألف، كقولك: أكرمته إكراما. فأما التكذيب: فزعم سيبويه أن التاء عوض من التضعيف، والياء التي قبل الآخر كالألف فأما الكذاب فمصدر كذب، قال الأعشى «2»: فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه

_ (1) السبعة 669. (2) سبق انظر 1/ 329، 4/ 442

النباء: 38، 37

فكذاب في مصدر كذب، كالكتاب في مصدر كتب. [النباء: 38، 37] وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن [النبأ/ 37] رفع. وقرأ ابن عامر وعاصم: رب السموات، خفض، وما بينهما الرحمن خفض أيضا. وقرأ حمزة والكسائي: رب السموات بكسر الباء، الرحمن* رفع. المفضل عن عاصم: رب السموات ... الرحمن رفعهما «1». من قرأ: رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن قطع الاسم الأول من الجرّ الذي قبله في قوله: من ربك [النبأ/ 36] فابتدأه وجعل الرحمن* خبره، ثم استأنف: لا يملكون منه [النبأ/ 37]. ومن قال: رب السموات والأرض ... الرحمن أتبع الاسمين الجر الذي قبلهما في قوله: من ربك ... رب السموات ... الرحمن، ومن قال: رب السموات ... الرحمن أتبع رب السموات الجرّ الذي في قوله: من ربك واستأنف بقوله: الرحمن، وجعل قوله: لا يملكون منه في موضع خبر قوله الرحمن وقوله: لا يملكون منه خطابا كقوله: لا تكلم نفس إلا بإذنه [هود/ 105].

_ (1) السبعة 669.

سورة النازعات

ذكر اختلافهم في سورة النازعات [النازعات: 11] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم: نخرة [النازعات/ 11] بغير ألف، المفضل عن عاصم: نخرة. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة: ناخرة بألف. عباس عن أبان عن عاصم: نخرة بغير ألف. وأما الكسائي فكان أبو عمر الدوري يروي عنه أنه كان لا يبالي كيف قرأها بالألف أم بغير الألف. وقال أبو الحارث كان يقرأ: نخرة ثم رجع إلى ناخرة. وقال أبو عبيد: ناخرة بألف، ولم يرو عن الكسائي إلا وجها واحدا «1». قال أبو عبيدة: نخرة وناخرة أي: بالية، وقال أبو الحسن: ناخرة أكثر فيما جاء عن الصحابة، قال: وأما نخرة فقراءة الناس اليوم، وكثير من التابعين، وهي أعرف اليوم في كلّ العرب، وهما لغتان أيّهما قرأت فحسن. [النازعات: 17، 16] قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: طوى. اذهب

_ (1) السبعة 670، 671.

[النازعات/ 16] غير مجراة، وقرأ الباقون: طوى منونة «1». قال أبو عبيدة «2»: طوى مضمومة الأول ومكسورة، فمن لم ينوّن جعله اسما مؤنثا، ومن نوّن جعله ثنى مثل طوى، جعله مرتين مصدرا، قال طرفة «3»: أعاذل إن اللّوم في غير كنهه عليّ طوى من غيّك المتردّد قال أبو علي: من لم يصرف طوى* احتمل قوله أمرين: أحدهما: أنه جعله اسم بلدة أو بقعة أو يكون جعله معدولا، كزفر وعمر. ومن صرف احتمل أيضا أمرين: أحدهما: أن يكون جعله اسم موضع أو بلد أو مكان، والآخر أن يكون مثل رجل حطم وسكع وأهلكت مالا لبدا [البلد/ 6]. ويجوز أن توصف النكرة إذا أبدلت من المعرفة، وإن كان قد جاء في الآية: بالناصية. ناصية كاذبة [العلق/ 15، 16] موصوفا، ويدلّ على جواز ذلك قول الشاعر «4»: إنّا وجدنا بني جلّان كلّهم كساعد الضّبّ لا طول ولا قصر

_ (1) السبعة 671. (2) في مجاز القرآن 2/ 285، وانظر 2/ 16 منه. (3) لم يرد في ديوانه، وقد نسبه أبو عبيدة إلى عديّ بن زيد في الموضعين الآنفي الذكر من كتابه، وهو الصواب. وجاءت روايته في 2/ 16 «ثنى» بدل «طوى»، وانظر اللسان (طوى). (4) سبق انظر 1/ 149.

المعنى: لا كذي طول ولا قصر، وإنما جاز ذلك لأنه يفيد ما لا يفيده الأول، ولو لم يوصف ناصية بالكذب، لم يعلم بعد البدل إلا ما كان علم بالأول. وقال أبو الحسن: كان الحسن يقول: قدّس مرتين، قال: فهذا ينبغي أن يكون مكسورا نحو: الثني للشيء بعد الشيء يكسر ويقصر، وأنشد «1»: ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا وأنشد غيره «2» أفي جنب بكر قطّعتني ملامة لعمري لقد كانت ملامتها ثنى أي: ليس ذلك بأول ملامة، وثنى: فعل من ثنيت، وهذا مثل قوم عدى، ومكان سوى في أنه فعل، صفة، ويكون مصدرا بالسمع. واختلف عن الحسن، فمنهم من روى عنه أنه قرأها بكسر الطاء، ومنهم من روى عنه أنه قرأها بضمّها، وفسّر الحسن ثنيت فيه البركة والتقديس مرّتين.

_ (1) البيت لأوس بن مغراء السعدي- والبدء: السيد. انظر معجم التهذيب 14/ 205 - و 15/ 136 وفيه ثنيانا بدل ثنانا. واللسان/ ثنى، والثنيان بالضم الذي يكون دون السيد في المرتبة. اللسان (ثنى). (2) البيت لكعب بن زهير، وثنى: مرة بعد مرة، أي: فعلت بي ما فعلت من أخل بكر أطعمته أضيافي، انظر ديوانه/ 128.

النازعات: 18

[النازعات: 18] قال: قرأ ابن كثير ونافع: إلى أن تزكى [النازعات/ 18] مشدّدة الزاي، وقرأ عاصم، وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: تزكى خفيفة. عباس عن أبي عمرو: تزكى* بتشديد الزاي مثل نافع «1». قال أبو علي: كأن معنى: تزكى*: تطهّر من الشرك، وقال: قد أفلح من زكاها [الشمس/ 5]، ومنه: أقتلت نفسا زكية [الكهف/ 74] ومنه: تزكية الشهود، وما عليك ألا يزكى [عبس/ 7]، والمبتدأ محذوف من اللفظ، مراد في المعنى، التقدير: هل لك إلى ذلك حاجة أو إربة، قال «2»: فهل لكم فيها إليّ فإنني طبيب بما أعيا النّطاسيّ حذيما ومن قال: تزكى* أراد تتزكّى، فأدغم تاء التفعّل في الزاي لتقاربهما، ومن قال: تزكى خفيفة الزاي، حذف التاء التي أثبتها من أدغم بالإدغام وتخفيفها بالحذف أشبه. [النازعات: 11، 10] ابن عامر: أإنا لمردودون في الحافرة [النازعات/ 10]، بهمزتين مع الاستفهام، كذا لفظ ابن ذكوان إذا قصرا على الخبر.

_ (1) السبعة 671. (2) البيت لأوس بن حجر- وحذيم: رجل من تيم الرباب وكان متطببا عالما ومعنى البيت: هل لكم علم وبصيرة فيما يرجع نفعه وفائدته إليّ- إنني أعلم وأعرف بحالي منكم فإنني بصير بما يعيي النطاسي ابن حذيم. الخصائص 2/ 453، المفصل 3/ 25، الخزانة 2/ 232، ديوانه/ 111.

النازعات: 45

نافع والكسائي: أإنا لمردودون استفهام إذا كنا* مثل ابن عامر، غير أن نافعا يهمز همزة واحدة، ويمدّ، والكسائي يهمز همزتين. عاصم وحمزة يهمزانهما همزتين، أبو عمرو يمدّها «1» على الاستفهام أيضا. ابن كثير يستفهم بهما ولا يمدّ، ويجعل بعد الهمزة ياء ساكنة «2». قال أبو علي: قد تقدم ذكر ذلك، والقول فيه في غير موضع. وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: إنما أنت منذر من [النازعات/ 45] منوّن ولم ينوّن أحد منهم ذلك غيره. وروى غير عبّاس عن أبي عمرو غير منوّن، وكذلك قرأ الباقون أيضا غير منوّن مضافا. [النازعات: 45] قال أبو علي: حجّة التنوين أن اسم الفاعل فيه للحال، ويدلّ على ذلك قوله: قل إنما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45] فليس المراد أنذر فيما أستقبل وإنما أنذر في الحال، فاسم الفاعل على قياس الفعل، ومن أضاف استخفّ فحذف التنوين كما حذف من قوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24]، ونحو ذلك مما جاء على لفظ الأمر كافّة والمراد به الانفصال. ويجوز أن يكون منذر من على نحو: هذا ضارب زيد أمس، لأنه قد فعل الإنذار.

_ (1) في السبعة: يمدهما: (آينا. آيذا). (2) السبعة 670.

سورة عبس

ذكر اختلافهم في سورة عبس [عبس: 4] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي، وأحسب ابن عامر: فتنفعه [4] رفع. وقرأ عاصم: فتنفعه نصب «1». قال أبو علي: من رفع: فتنفعه عطفه على ما تقدّم من المرفوع، كأنه: لعلّه تنفعه الذكرى وقول عاصم على أنه جواب بالفاء، لأن المتقدم غير موجب، فكأنّ قوله: يذكر في تقدير المعطوف على يزكى في معنى: لعلّه يكون منه تذكّر وانتفاع. فانتصاب تنفعه بإضمار أن كما ينتصب بعد الأشياء التي هي غير موجبة، كالنفي والأمر والنهي والاستفهام، والعرض، وكذلك قوله: لعلي أبلغ الأسباب ... فأطلع [غافر/ 36، 37] وأطلع [مريم/ 78]. [عبس: 6] وقرأ ابن كثير ونافع: تصدى [عبس/ 6] مشدّدة الصاد. الباقون: تصدى مخفّف «2».

_ (1) السبعة 672. (2) السبعة 672.

عبس: 10

أبو عبيدة: تصدي تعرّض «1»، قال ذو الرمّة «2»: ترى القلوة القوداء فيها كفارك تصدّى لعينيها فصدّت حليلها قال: يعني بالقلوة التي تتبع القلو. قال: يريد تصدى حليلها فصدّت. من قال: تصدى أدغم التاء في الصاد، ومن قال: تصدى أراد تتصدى فحذف التاء ولم يدغمها. [عبس: 10] قال: قرأت على قنبل عن النبّال: عنهو تلهى [عبس/ 10] خفيفة التاء. ابن أبي بزّة: عنهو تلهى مشددة التاء، وكذلك ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير «3». التخفيف في التاء الوجه، والتثقيل على أنه شبّه المنفصل بالمتّصل، وجاز وقوع الساكن بعد حرف اللين، كما جاز: تمودّ الثوب، في المتصل. وحكى سيبويه: فلا تتناجوا [المجادلة/ 9]، وقال: وبلغنا أن أهل مكّة لا يبينون التاءين «4».

_ (1) مجاز القرآن 2/ 286. (2) انظر ديوانه 2/ 935. القلوة: الخفيفة من الأتن- والقوداء: الطويلة العنق- والفارك: المرأة التي أبغضت زوجها أي: تصدى حليلها ينظر في وجهها فصدّت مغضبة، فكذلك هذه القلوة في إغضائها بطرف الشمس. (3) السبعة 672. (4) الكتاب 2/ 408 وعبارته فيه: «أما قوله عزّ وجلّ: (فلا تناجوا) فإن شئت أسكنت الأول للمدّ (يريد التاء الأولى)، وإن شئت أخفيت وكان بزنته متحركا، وزعموا أن أهل مكّة لا يبينون التاءين». وإسكان أولى التاءين وإدغامها في الأخرى أحد وجهين يرويان عن ابن محيصن من قرّاء مكّة. انظر فهرس شواهد سيبويه للأستاذ النفّاخ ص 47.

عبس: 25

[عبس: 25] قال: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: إنا صببنا [عبس/ 25] بالكسر. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أنا صببنا بالفتح. من قال: إنا صببنا الماء صبا فكسر إن* كان ذلك تفسيرا للنظر إلى طعامه، كما أن قوله: لهم مغفرة [المائدة/ 9]، تفسير للوعد. ومن فتح فقال: أنا صببنا فالمعنى على البدل، بدل الاشتمال، لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه، فهو على نحو: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [البقرة/ 217] وقتل أصحاب الأخدود، النار [البروج/ 4] وقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63]، لأن الذكر كالمشتمل على المذكور، وقال: إلى طعامه [عبس/ 24]، والمعنى: على كونه وحدوثه وهو موضع الاعتبار. «1»

_ (1) السبعة 672.

سورة: إذا الشمس كورت

ذكر اختلافهم في سورة: إذا الشمس كورت [التكوير: 12، 10، 6] قرأ ابن كثير وأبو عمرو: سجرت [6] خفيفة، ونشرت [10] مشدّدة، وسعرت [12] خفيفة. نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: سجرت مشدّدة ونشرت خفيفة وسعرت مشدّدة. حمزة والكسائي: سجرت، ونشرت جميعا بالتشديد وسعرت خفيفة. عاصم في رواية أبي بكر: سجرت «1»، ونشرت، وسعرت خفيفات. حجّة: سجرت قوله: والبحر المسجور «2» [الطور/ 6]، وقيل في المسجور: إنه الفارغ والممتلئ، ومن الممتلئ قول النمر في صفة وعل «3»:

_ (1) في السبعة (سجّرت) مشدّدة. (2) السبعة 673. (3) هو النمر بن تولب وقوله مسجورة: يريد عينا كثيرة الماء إذا شاء هذا الوعل طالع مسجورة .. ومسجورة: أي مملوءة من صيف أو من خريف فلن يعدم الوعل ريّا على كل حال. انظر مجاز القرآن 2/ 230، والخزانة 4/ 434، وشرح أبيات المغني 1/ 380، 382.

التكوير: 24

إذا شاء طالع مسجورة يرى حولها النبع والسّاسما وحجّة تشديد نشرت قوله: أن يؤتى صحفا منشرة [المدثر/ 52]، وحجّة سعرت في التخفيف قوله: وكفى بجهنم سعيرا [النساء/ 55]، وقوله: سعيرا فعيل في معنى مفعول، وهذا إنما يجيء من فعل. وقول ابن عامر ورواية حفص سجرت فلأن الفعل مسند إلى ضمير كثرة فهو من باب: غلقت الأبواب [يوسف/ 23]. وحجّة: نشرت خفيفة قوله: في رق منشور [الطور/ 3]. وحجّة: سعرت مشدّدة قوله: كلما خبت زدناهم سعيرا [الإسراء/ 57]، فهذا يدلّ على كثرة وشيء بعد شيء، فحقّه التشديد. وقول حمزة والكسائي في: سجرت ونشرت قد ذكر، وكذلك الحجّة لقول عاصم في رواية أبي بكر. [التكوير: 24] قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: بظنين [التكوير/ 24] بالظاء، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة: بضنين بالضاد «1». قال أبو علي: معنى بظنين أي: بمتّهم، وهو من ظننت التي بمعنى: اتهمت، ولا يجوز أن تكون هي المتعدية إلى مفعولين، ألا ترى أنه لو كان منه لوجب أن يلزمه مفعول منصوب؟ لأن المفعول الأول كان يقوم مقام الفاعل إذا تعدّى الفعل إلى المفعول الأول، فلا

_ (1) السبعة 673.

بدّ من ذكر الآخر، وفي أن لم يذكر الآخر دلالة على أنه من ظننت التي معناها: اتهمت، وعلى هذا قول عمر: أو ظنين في ولاء «1». وكان النبيّ صلى الله عليه يعرف بالأمين وبذلك وصفه أبو طالب في قوله «2»: إنّ ابن آمنة الأمين محمدا ومن قال: بضنين فهو من البخل، قالوا: ضننت أضنّ، مثل: مذلت أمذل، وهو مذل ومذيل، وطبّ يطبّ فهو طبيب، والمعنى: إنه يخبر بالغيب فيبثّه ولا يكتمه، كما يمتنع الكاهن من إعلام ذلك حتى يأخذ عليه حلوانا.

_ (1) ورد في الحديث الذي رواه الترمذي عن عائشة برقم 2299: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة .. ولا ظنين في ولاء ولا قرابة». (2) سبق في ج 1/ 339.

إذا السماء انفطرت

ذكر اختلافهم في: إذا السماء انفطرت [الانفطار: 7] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: فعدلك [7] بالتشديد. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: فعدلك خفيفة «1». قال أبو علي: معنى عدّلك: عدّل خلقك، فأخرجك في أحسن تقويم، وهيّأ فيك بلطف الخلقة وتعديلها، ما قدرت به على ما لم يقدر عليه غيرك. ومعنى التخفيف: عدل بعضك ببعض، فكنت معتدل الخلقة متناسبها فلا تفاوت فيها. [الانفطار: 17] ابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائي: وما أدراك* [17] بكسر الراء. نافع بين الكسر والتفخيم، ابن كثير وعاصم: يفخم. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم بكسر الراء «2».

_ (1) السبعة 674. (2) السبعة 674 مع اختلاف في التفصيل.

الانفطار: 19

قد مضى القول في ذلك ونحوه في غير موضع. [الانفطار: 19] قرأ ابن كثير وأبو عمرو: يوم لا تملك [الانفطار/ 19] بضمّ الميم. وقرأ الباقون: يوم لا تملك بفتح الميم «1». وجه الرفع في قوله: يوم لا تملك أنه خبر ابتداء محذوف، لما قال: وما أدراك ما يوم الدين [الانفطار/ 17]، قال: يوم لا تملك نفس. أما النصب، فإنه لمّا قال: وما أدراك ما يوم الدين فجرى ذكر الدين وهو الجزاء، قال: يوم لا تملك أي: الجزاء يوم لا تملك، فصار يوم لا تملك خبر الجزاء المضمر لأنه حدث، فتكون أسماء الزمان خبرا عنه، ويقوّي ذلك قوله: اليوم تجزى كل نفس بما كسبت [غافر/ 17]. ويجوز النصب على أمر آخر وهو أن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفا ترك على ما كان يكون عليه في أكثر أمره، ومن الدليل على ذلك ما اجتمع عليه القرّاء والعرب في قولهم: منهم الصالحون ومنهم دون ذلك [الأعراف/ 168]، وقوله: وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك [الجن/ 17] ولا يرفع دون ذلك أحد من العرب ولا من القرّاء فيما قال أبو الحسن، وممّا يقوّي النصب في ذلك قوله: وما أدراك ما القارعة، يوم يكون الناس [القارعة/ 3، 4]، وقوله: يسألون أيان يوم الدين [الذاريات/ 12] ثم قال: يوم هم على النار يفتنون [الذاريات/ 13]. والنصب في قوله: يوم لا تملك نفس مثل هذا ونحوه.

_ (1) السبعة 674.

الانفطار: 9، 8

قال أبو الحسن: ولو رفع ذلك كلّه كان جيّدا، قال: إلا أنّا نختار ما عليه الناس إذا كان عربيّا. [الانفطار: 9، 8] خارجة عن نافع ركبك كلا [الانفطار/ 8، 9] «1» مدغم. الإدغام في ذلك حسن لاجتماع المثلين وتوالي الحركات.

_ (1) السبعة 674 وزاد بعده: وقرأ الباقون بإظهار الكافين.

سورة المطففين

ذكر اختلافهم في سورة المطففين [المطففين: 14] قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: بل ران [14] بفتح الراء مدغمة. وقال ابن عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: كلا بل ران لا يكسر الراء شبه الإدغام وليس بالإدغام، وقال أبو ربيعة عن قنبل عن ابن كثير مدغمة، ولا أحفظه أنا. حدّثنا الدبّاغ قال: حدّثني أبو الربيع قال: حدّثني أيوب عن عبد الملك عن أبي عمرو: بل ران قال: هي أحبّ إليّ من الأخرى، يعني: الكسر. أبو بكر عن عاصم: بل ران مدغمة بكسر الراء. حفص عن عاصم: بل يقف ثم يبتدئ، ران بفتح الراء يقطع، وهو في ذلك يصل. نافع: بل ران غير مدغمة فيما حدّثني به محمد بن الفرج عن محمد بن إسحاق عن أبيه عنه وأخبرني أحمد «1» عن خلف عن إسحاق عن نافع أنه أدغم اللام، ولفظ بالراء بين الكسر والفتح.

_ (1) أحمد هو أستاذ ابن مجاهد أحمد بن زهير بن حرب الإمام أبو بكر بن أبي خيثمة البغدادي انظر ترجمته في طبقات القراء ص 54.

المطففين: 26

خارجة عن نافع: بل ران مكسورة مدغمة. حمزة والكسائي: أدغما اللام وكسرا الراء «1». قال أبو علي: فتح الراء من ران حسن. وهو فيها أكثر من إمالة الفتحة نحو الكسر، وإمالتها نحو الكسرة حسنة، وحجة ذلك أن سيبويه قال: بلغنا عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزة يقول: صار مكان كذا «2»، فإذا أمال فتحة المستعلى لطلب الكسرة، فإمالة الراء لطلبها أجدر، وإدغام اللام في الراء حسن في بل ران لمقاربتهما وسكون اللام، وما في الراء من التكرير وإدغام الأنقص صوتا في الأزيد حسن. ومما يحسّن إدغام اللام في الراء أنها ساكنة، وهي أقرب الحروف إلى اللام، وأشدّها بها شبها، فأشبها المثلين. قال سيبويه: من لم يدغم فهي لغة لأهل الحجاز وهي عربية، قال أبو عبيدة: ران على قلوبهم: غلب عليها، والخمر ترين على عقل السكران، والموت يرين على الميت فيذهب به، ومن ذلك: أصبح فلان قد رين به، أي: ذهب به الموت، قال أبو زبيد «3»: ثمّ لمّا رآه رانت به الخمر وألّا ترينه باتّقاء [المطففين: 26] قال: قرأ الكسائي وحده: خاتمه مسك [المطففين/ 26] الألف قبل التاء.

_ (1) السبعة 675 مع اختلاف في التقديم والتأخير. (2) انظر الكتاب 2/ 261 باب ما تمال فيه الألفات. (3) انظر معجم التهذيب 15/ 225. تفسير القرطبي 19/ 258.

المطففين: 18

وقرأ الباقون: ختامه الألف بعد التاء. قال أبو عبيدة: له ختام أي عاقبة «1». ختامه مسك، أي: عاقبته، قال ابن مقبل «2»: ممّا يفتّق في الحانوت ناطفها بالفلفل الجون والرّمان مختوم وروي عن سعيد بن جبير: ختامه: آخر طعمه. قال أبو علي: المراد بقوله: خاتمه مسك لذاذة المقطع وذكاء الرائحة، وأرجها مع طيب الطعم، وهذا كقوله: كان مزاجها كافورا [الإنسان/ 5]، وكان مزاجها زنجبيلا [الإنسان/ 17] أي: تحذي اللسان. وقد أبان عن هذا المعنى سعيد بن جبير، وكذلك قول ابن مقبل. فأما قول الكسائي: خاتمه، فإن معناه: آخره، كما كان من قرأ: خاتم النبيين [الأحزاب/ 40] كان معناه: آخرهم. والختام: المصدر، والخاتم: اسم الفاعل، والخاتم: كالطّابع والتابل. [المطففين: 18] قال: قرأ ابن عامر: كتاب الأبرار [المطففين/ 18] بكسر الراء. أبو عمرو وحمزة والكسائي: الأبرار* بالإمالة، وحمزة أقلّهم إمالة «3».

_ (1) مجاز القرآن 2/ 290. (2) سبق انظر 1/ 292، 294. (3) السبعة 676 وزاد بعده: وقرأ الباقون (الأبرار) بالفتح. ونصّ ما قبله عنده: «قرأ ابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائي (الأبرار) بكسر الراء الأولى، وحمزة أقلهم إمالة».

المطففين: 31

قال أبو علي: الإمالة للفتحة من الأبرار حسنة، وذلك أن المفتوحة غلبتها المكسورة، كما غلبت المستعلي في طارد وقادر، فإذا غلبت المستعلي المفتوح، فإن تغلب فتحة الراء أجدر، ألا ترى أن الراء ليس بمستعل، وإنما منعت الإمالة حيث منعت لما فيها من التكرير. قرأ ابن عامر: هل ثوب [المطففين/ 36] غير مدغمة «1». [المطففين: 31] إلى أهلهم انقلبوا [المطففين/ 31] برفع الهاء والميم. قال أحمد: هذا خلاف ما أصل ابن عامر «2». قال أبو علي: يجوز أن يكون تبع في ذلك أثرا أو أحب الأخذ بالأمرين لاستوائهما في الجواز، فأما إدغام اللام في الثاء فإن إدغامهما في الراء في بل ران [المطففين/ 14] أحسن من إدغامها في الثاء، وهو مع ذلك جائز، وحكى سيبويه إدغام اللام في: هثوب الكفار عن أبي عمرو «3» [المطففين: 31] قال: قرأ عاصم في رواية حفص: انقلبوا فكهين [المطففين/ 31] هذا الحرف وحده بغير ألف، وسائر القرآن بألف. ولم يختلف هؤلاء القراء أنها بالألف «4». قال أبو الحسن: فاكهين* أكثر في القراءة أي: ذوو فاكهة،

_ (1) السبعة 676: وسيأتي تفصيلها بعد. (2) السبعة 676. (3) انظر سيبويه 2/ 417 باب الإدغام في الحروف المتقاربة التي هي من مخرج واحد والحروف المتقاربة مخارجها. (4) السبعة 676.

المطففين: 36

وقال أبو جعفر المدني: كلّ شيء في القرآن فكهين فأراها من فكه يفكه، قال أبو الحسن: ولم أسمعها من العرب. [المطففين: 36] علي بن نصر عن هارون عن أبي عمرو: هل ثوب [المطففين/ 36] مدغم، وكذلك يونس بن حبيب عن أبي عمرو: هل ثوب مدغم، حمزة والكسائي: هل ثوب مدغم. الباقون لا يدغمون إدغام اللام في الثاء لتقاربهما. قال سيبويه: قرأ أبو عمرو: هل ثوب الكفار وإدغامها فيها حسن، وإن كان دون إدغام اللام في الراء في الحسن لتقاربهما، وجاز إدغامها فيها لأنه قد أدغم في الشين فيما أنشده من قوله «1»: هشّيء بكفّيك لائق يريد: هل شيء، والشين أشدّ تراخيا عنها من الثاء، وإنما أدغمت فيها لأنها تتصل بمخارجها لتغشّيها، وترك الإدغام لتفاوت المخرجين.

_ (1) جزء من بيت لطريف بن تميم العنبري وتمامه: تقول إذا استهلكت مالا للذة فكيهة: هشّيء بكفّيك لائق وفي اللسان برواية: «هل شيء» في مادة/ ليق/. واستهلكت: بمعنى أتلفت وأهلكت- واللائق: المستقر المحتبس يقال: لقت بمكان كذا أي: انحبست. انظر سيبويه 2/ 417، والمفصل 10/ 141، 421.

سورة إذا السماء انشقت

ذكر اختلافهم في سورة إذا السماء انشقت [الانشقاق: 12] قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي: ويصلى سعيرا [12] مشدّدة مضمومة الياء «1». وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة، ويصلى «2». عباس عن خارجة عن نافع ويصلى خفيفة من أصليت، وقرأ عباس عن أبان عن عاصم: مثله: ويصلى بضم الياء خفيف. قال أبو علي: صلي زيد النّار، قال: وسيصلون سعيرا [النساء/ 10] وصلّيته النار. وحجّة يصلى*: ثم الجحيم صلوه [الحاقة/ 31]، وأصليته النار مثل: فرح وفرّحته وغرم وغرمته. وحجة يصلى قوله سيصلى نارا [المسد/ 3]، وقوله: إلا من هو صال الجحيم [الصافّات/ 163]، وقوله: اصلوها اليوم [يس/ 64] ثم إنهم لصالوا الجحيم [المطففين/ 16] فهذا أكثر في التنزيل في سائر الكلام.

_ (1) في السبعة 677: مضمومة الياء مفتوحة الصاد مشدّدة اللام. (2) في السبعة: بفتح الياء خفيفة.

الانشقاق: 19

[الانشقاق: 19] قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: لتركبن [الانشقاق/ 19] بفتح الباء، وقرأ الباقون: لتركبن بضم الباء «1». حجّة لتركبن عن ابن عباس: لتركبنّ السماء حالا بعد حال. ابن مسعود: لتركبنّ يا محمد طبقا عن طبق، مرّة كالمهل، ومرّة كالدّهان، نغيّرها حالا بعد حال. مجاهد: لتركبنّ أمرا بعد أمر، قتادة: لتركبن طبقا عن طبق يقول: حالا بعد حال، ومنزلا عن منزل. حدّثنا أحمد بن محمد قال: حدّثنا المؤمّل قال: حدّثنا إسماعيل عن أبي رجاء عن الحسن: لتركبن طبقا عن طبق قال: حالا عن حال ومنزلا عن منزل. أبو عبيدة: لتركبن طبقا عن طبق لتركبنّ سنّة من كان قبلكم «2». قال أبو علي: من قال: لتركبن بفتح الباء أراد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، ولتركبن للنبي وغيره، والضّمّ يأتي على معنى المفتوحة. وفسّروا: طبقا عن طبق حالا بعد حال، ومثل ما فسّروا من أن معنى عن معنى بعد قول الأعشى «3»: ساد وألفى رهطه سادة وكابرا سادوك عن كابر

_ (1) السبعة 677. (2) مجاز القرآن 2/ 292. (3) الكابر: الكبير والرفيع القدر، وفي الديوان برواية « ... وألفى قومه ... »، انظر ديوانه/ 141.

الانشقاق: 5 - 1

المعنى: كابرا بعد كابر، فعن متعلق بسادوك، ولا يكون متعلقا بكابر وقد تبين ذلك في قول النابغة «1»: بقيّة قدر من قدور تورّثت لآل الجلاح كابرا بعد كابر قالوا عرق الرجل عن الحمى، أي: بعدها. [الانشقاق: 5 - 1] قال: حدّثني الخزّاز قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا عبيد عن أبي عمرو أنه قرأ: إذا السماء انشقت، وأذنت لربها وحقت، وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت [الانشقاق/ 1، 5] يقف كأنّه يشمّها شيئا من الجرّ «2». قال أبو علي: أشمّها الجرّ ولم يبلغ بها الياء، لأنها فواصل والفواصل كالقوافي، ولم يسمع الإطلاق كما جاء: فأضلونا السبيلا [الأحزاب/ 67] لأن الياء قد تحذف في الفواصل في نحو: وبعض القوم يخلق ثم لا يفر «3»

_ (1) البيت من قصيدة للنابغة يمدح فيها النعمان بن الجلاح الكلبي، ديوانه/ 173. (2) السبعة 677. (3) سبق في 1/ 405 و 2/ 82.

سورة البروج

ذكر اختلافهم في سورة البروج [البروج: 15] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: ذو العرش المجيد [15] رفع. وقرأ حمزة والكسائي والمفضّل عن عاصم المجيد* خفض «1». قال أبو علي: من رفع فقال: ذو العرش المجيد كان متبعا قوله: ذو العرش، ومن جرّ فقال: ذو العرش المجيد، فمن النحويين من جعله وصفا لقوله: ربك في: إن بطش ربك لشديد [البروج/ 12]، قال: ولا أجعله وصفا للعرش، ومنهم من قال: هو صفة للعرش. قال أبو زيد: إذا رعيتها- يعني الإبل- في أرض مكلئة فرعت وشبعت، قيل: قد مجدت الإبل تمجد مجودا، ولا فعل لك في هذا، قال: وأمجدت الإبل إمجادا: إذا أشبعتها من العلف، وملأت بطونها، ولا فعل لها في هذا، وروي عن أبي عثمان عن أبي عبيدة: أمجدتها:

_ (1) السبعة 678.

أشبعتها. وقالوا في المثل «1»: «في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار» وقيل في استمجد العفار، أي: كثر ناره وصفت، قالوا: وليس في الشجر أكثر نارا منه. قال الأصمعي: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، يقال ذلك عند ذكر القوم في كلّهم خير، وقد غلب على الفضل بعضهم. قال: ويراد بقولهم: واستمجد المرخ والعفار: أنهما أخذا ما هو حسبهما، قال: ويقال: أمجدت الدابّة علفا، أي: أكثرت لها من العلف. انتهى كلام الأصمعي. وحكى بعض البغداديين عن أبي عبيدة: مجدت الدابّة: إذا علفتها ملء بطنها، قال: وأهل نجد يقولون: مجدتها، مشدّدة، إذا علفتها نصف بطنها، والذي حكاه عنه أبو عثمان أمجدتها: إذا أشبعتها، واستمجد العفار: صار ماجدا في إيرائه النار، وإذا جاز وصف العرش المجيد في قول من جرّ، وجاز وصف القرآن في قوله: بل هو قرآن مجيد [البروج/ 21]، لم يمتنع في القياس، أن يوصف به الأناسيّ. وزعموا أن بعض القرّاء قرأ: بل هو قرآن مجيد على تقدير: قرآن ربّ مجيد، وكأن هذا القارئ لم يجر مجيدا على القرآن لعزّة ذلك في السمع. قال أبو علي: فكأنّ استمجد في معنى أمجد، لأن استفعل قد استعمل في موضع أفعل كثيرا، فهو من باب أقطف وأجرب ونحو ذلك

_ (1) المرخ والعفار: شجرتان يتخذ منهما الزناد- وفي مجمع الأمثال 2/ 74، المرخ والعفار: نوع من الشجر سريع الاشتعال. انظر أسماء اللَّه الحسنى/ 53 للزجاج.

مما يكون معناه صار ذا شيء ولم أعلم في صفة الأناسي مجيد، كما جاء في وصفهم عالم وعليم، نحو: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم [يوسف/ 55]، وقد جاء في وصفهم ماجد. قال ذو الرمة «1»: أحمّ علافيّ وأبيض صارم واعيس مهريّ وأشعث ماجد وقال بعض ولد المهلّب للمهلّب فيما أظن: ومن هاب أطراف القنا خشية الردى فليس لمجد صالح بكسوب وصالح وصف مدح، يدلّ على ذلك قوله: وعملوا الصالحات [البقرة/ 25] وقوله: صالح المؤمنين [التحريم/ 4]، وقوله: ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا [النحل/ 119]، فكأنّ المجد في الإنسان استيفاؤه الخلال الرفيعة واستكماله لها، وأن لم يوجد مجيد في وصف الأناسي يقوّي قراءة من قرأ: ذو العرش المجيد بالرفع، وقول من قال من النحويين: أني لا أجعله صفة للعرش، كأن من جرّ جعله وصفا لربّك في قوله: إن بطش ربك لشديد [البروج/ 12]، فإن قلت: إنه قد فصل بين الصفة والموصوف، فإن الفصل والاعتراض في هذا النحو لا يمتنع لأن ذلك يجري مجرى الصفة في التشديد، وممّا يدلّ

_ (1) أحم علافي: الرحل، وعلافي: نسبة إلى علاف وهم من قضاعة، وهم أول من نحت الرحال وأول من ركبها، وأعيس: بعير يضرب بياضه إلى الحمرة، ومهري: منسوب إلى مهرة- يقول: الناظر إلينا من بعد إنما يرى شخصا واحدا ونحن أربعة. ديوانه 2/ 1110.

البروج: 22، 21

على كثرة النار في العفار، وزيادته على غيره مما يقدح به قول الأعشى «1». زنادك خير زناد الملو ك خالط منهنّ مرخ عفارا ولو رمت في ليلة قادحا حصاة بنبع لأوريت نارا وروى أبو عبيدة: «ولو رمت في ظلمة قادحا» قال أبو عبيدة: الصفا والنبع لا يوريان، تقول: لو قدحت بنبع وهو لا نار فيه حصاة لأوريت. [البروج: 22، 21] قال: قرأ نافع وحده: في لوح محفوظ [البروج/ 22]، وقرأ الباقون: محفوظ خفض «2». حجّة نافع في قوله: محفوظ أنّ القرآن وصف بالحفظ في قوله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر/ 9]، وكما وصف بالحفظ في هذه، كذلك وصف في الأخرى في قوله: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ [البروج/ 22]، فمعنى حفظ القرآن: أنه يؤمن من تحريفه وتبديله وتغييره، فلا يلحقه من ذلك شيء. ومن جرّ محفوظا، جعله صفة للوح، فلأنهم يقولون: اللوح المحفوظ. قال أبو الحسن: وهو الذي نعرف.

_ (1) المرخ والعفار: سبق شرحهما، وهما شجرتان خشبهما هش رخو، والنبع شجر صلب تتخذ منه القسي ومن أغصانه السهام، والحصى صغار الحجارة، والحصى لا يوري والنبع لا يتّقد إلا بصعوبة لصلابته انظر ديوان الأعشى/ 53. (2) السبعة 678.

سورة الطارق

ذكر اختلافهم في سورة الطارق [الطارق: 4] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: لما* [4] خفيف. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة: لما مشدّدة «1». قال أبو علي: من خفّف فقال: لما عليها حافظ كانت إن عنده المخفّفة من الثقيلة، واللام معها هي التي تدخل مع هذه المخفّفة لتخلّصها من إن النافية، وما صلة كالتي في قوله: فبما رحمة من الله [آل عمران/ 159]، وعما قليل [المؤمنون/ 40]، وتكون إن متلقية للقسم كما تتلقاه مثقلة. ومن ثقّل فقال: لما عليها كانت إن عنده النافية كالتي في قوله: في ما إن مكناهم فيه [الأحقاف/ 26] ولما في معنى: إلّا. قال سيبويه عن الخليل في قولهم: نشدتك اللَّه لمّا فعلت، المعنى: إلا فعلت، قال: والوجه إلا، وهي متلقّية للقسم كما تتلقّاه ما، قال أبو الحسن: الثقيلة في معنى إلا، والعرب لا تكاد تعرف ذا. وقال الكسائي: لا أعرف وجه التثقيل، وروي عن أبي عون أنه قال: قرأت عند محمّد، يعني ابن سيرين: لما فكرهها وأنكرها.

_ (1) السبعة 678.

سورة الأعلى

ذكر اختلافهم في سورة الأعلى [الاعلى: 3] قرأ الكسائي وحده، والذي قدر [3] خفيف، وقرأ الباقون: قدر مشدّد «1». قال أبو علي: قد ذكرنا فيما تقدّم أن قدر* في معنى قدر فكلا الوجهين حسن. [الاعلى: 16] قال: قرأ أبو عمرو وحده: بل يؤثرون [16] بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. حجة التاء: أن في حرف أبيّ فيما روي: «بل أنتم تؤثرون الحياة الدنيا» وحجّة الياء: أن ابن مسعود والحسن قرآ بالياء، وحكي عن أبي عمرو أنه قال: يعنى: الأشقين.

_ (1) السبعة 680.

سورة الغاشية

ذكر اختلافهم في سورة الغاشية [الغاشية: 4] عليّ بن نصر عن أبي عمرو: تصلى [4] مفتوحة التاء. قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي تصلى بفتح التاء، وكذلك حفص عن عاصم. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو: تصلى مضمومة التاء «1». حجّة من قال: تصلى قوله: سيصلى نارا ذات لهب [المسد/ 3]، وقوله: إلا من هو صال الجحيم [الصافّات/ 163]. وحجّة: تصلى قوله: ثم الجحيم صلوه [الحاقة/ 31] مثل أصلوه، كما أن: غرّمه مثل: أغرمه. [الغاشية: 11] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا يسمع فيها [الغاشية/ 11] بالياء مضمومة، لاغية رفع، وروى عبيد وعباس واليزيدي وأبو زيد وعبد الوارث، وعليّ بن نصر عن أبي عمرو لا يسمع* بضمّ الياء، وروى هارون فيما حدّثني به الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن

_ (1) السبعة 681.

الغاشية: 23

هارون والنضر بن شميل عن هارون وعبد الوهاب عن أبي عمرو بالياء والتاء جميعا. وقرأ نافع وحده: لا تسمع فيها بالتاء مضمومة، لاغية رفع. خارجة عن نافع: لا تسمع بالتاء مفتوحة فيها لاغية نصب. حدّثنا محمد بن الجهم عن خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: لا تسمع* بالتاء رفع. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: لا تسمع بالتاء مفتوحة، فيها لاغية نصبا «1». أبو عبيدة: لا تسمع فيها لاغية: لغوا «2»، نصبا. قال أبو علي: كأن اللاغية مصدر بمنزلة: العاقبة، والعافية، ويجوز أن يكون صفة كأنه: لا تسمع كلمة لاغية والأول الوجه لقوله: لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما [الواقعة/ 25]، ولا يسمع على بناء الفعل للمفعول به حسن، لأن الخطاب ليس بمصروف إلى واحد بعينه، وبناء الفعل للفاعل حسن أيضا على الشياع في الخطاب وإن كان لواحد، وعلى هذا: وإذا رأيت ثم رأيت نعيما [الإنسان/ 20]، وقوله: وإذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا [الإنسان/ 19] ويجوز أن يصرف الخطاب إلى النبي صلّى اللَّه عليه، وكلّ واحد من الياء والتاء في قوله: تسمع، ويسمع حسن على اللفظ وعلى المعنى، وهذا الضرب من المؤنث إذا تقدّم فعله عليه حسن التذكير فيه. [الغاشية: 23] قال عباس: سألت أبا عمرو يقرأ: بمصيطر [الغاشية/ 23] بالصّاد، ابن كثير وأبو عمرو في رواية الحلواني ونافع وعاصم،

_ (1) السبعة 681. (2) مجاز القرآن 2/ 296.

بالصاد، الحلوانيّ عن ابن عامر بالسين وحمزة يميل الصاد إلى الزاي، الكسائي بالسين فيما خبّرني به محمد بن الجهم عن الفرّاء عنه. وقرأت على ابن عبدوس عن ابن أبي عمر عن الكسائي: بالصاد، وكذلك قال أصحاب أبي الحارث عن الكسائي «1». أبو عبيدة: لست عليهم بمصيطر بمسلّط، قال: ويقال: تسيطرت علينا «2»، والقول في إبدال السين صادا وإشرابها، صوت الزاي قد تقدم ذكره في فاتحة الكتاب.

_ (1) السبعة 682. (2) مجاز القرآن 2/ 296.

سورة الفجر

ذكر اختلافهم في سورة الفجر [الفجر: 3] قرأ حمزة والكسائي: والشفع والوتر [3] كسرا، وقرأ الباقون: والوتر بفتح الواو «1». الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة تميم. حدّثنا محمد بن السري أن الأصمعي قال: كل فرد وتر وأهل الحجاز يفتحون ويقولون: وتر في الفرد، ويكسرون الوتر في الذّحل «2»، ومن تحتهم من قيس وتميم يسوّونهما في الكسر، فيقال في الوتر الذي هو الإفراد: أوترت فأنا أوتر إيتارا، أي: جعلت أمري وترا. قال: ويقال في الذّحل: وترته فأنا أتره وترا وترة. قال أبو بكر: قولهم: وترته، في الذّحل إنما هو أفردته من ماله وأهله، قال: وقال الفرّاء: التّرة: الظلم، قال: وقال قتادة: والشفع والوتر إن من الصلاة شفعا، وإن منها وترا، وكان الحسن- رحمه اللَّه- يقول: هو العدد، منه شفع ومنه وتر، وكان يقول: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة.

_ (1) السبعة 683. (2) الذّحل: الوتر وطلب المكافأة بجناية جنيت عليه من قتل أو جرح ونحو ذلك وكذلك هو الثأر. انظر اللسان (ذحل).

الفجر: 9، 4

[الفجر: 9، 4] قرأ ابن كثير: يسري* [الفجر/ 4] بالياء وصل أو وقف، وجابوا الصخر بالوادي [الفجر/ 9] مثله، وقرأ نافع بالياء في الوصل، وبغير ياء في الوقف. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي: يسر بغير ياء في وصل ولا وقف، وقال أبو عبيدة «1»: كان الكسائي يقرأ: يسري* بالياء دهرا ثم رجع إلى غير ياء. وقرأ أبو عمرو فيما روى عباس قال: سألت أبا عمرو فقرأ: يسر* جزم إذا وصل أو وقف، قال: وهي قراءته، وقال أبو زيد فيما أخبرني به أبو حاتم عن أبي زيد عن أبي عمرو يسر، في الوقف بغير ياء. قال: وهو لا يصل يسري*، وقال عبيد عن أبي عمرو يسر: يقف عند كل آية، فإذا وصل قال: يسري*، وقال علي بن نصر: سمعت أبا عمرو يقرأ: إذا يسر يقف عندها لأنها رأس آية، فإذا كان وسط آية، أشبعها الجرّ مثل: ما كنا نبغي [الكهف/ 64] أثبت الياء، دعوة الداعي إذا دعاني [البقرة/ 186]، فإذا وقف قال: الداع*، وقال اليزيدي: الوصل بالياء والسكت بغير ياء على الكتاب. [الفجر: 16، 15] وقال اليزيدي عن ابن كثير: أكرمني [الفجر/ 15] وأهانني [الفجر/ 16] بياء في الوصل والوقف، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل، وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أكرمن وأهانن بغير ياء في وصل ولا وقف. وقرأ نافع في رواية قالون، والمسيّبي وأبي بكر بن أبي أويس

_ (1) في السبعة: أبو عبيد.

وأخيه، وإسماعيل بن جعفر، وأبي قرّة وأبي خليد ويعقوب بن جعفر، وخارجة وورش عن نافع: أكرمني وأهانني بياء في الوصل. حدّثني الخزّاز قال: حدّثنا محمّد بن يحيى القطعيّ قال: حدّثنا محبوب عن إسماعيل بن مسلم عن أهل المدينة: أكرمني وأهانني بياء في الوصل. وقال إسماعيل عن نافع بالواو بغير ياء. وقال ورش عن نافع: بالوادي [الفجر/ 9] بالياء، وقال عليّ بن نصر: سمعت أبا عمرو يقرأ: أكرمن، وأهانن يقف عند النون. وقال اليزيدي: كان أبو عمرو يقول: ما أبالي كيف قرأت أبالياء أم بغير الياء في الوصل، فأما الوقف فعلى الكتاب. وقال عبد الوارث مثل ما قال اليزيدي سواء، وقال عباس: سألت أبا عمرو فقال: أكرمن، وأهانن وقف، وقال أبو زيد: أكرمن وأهانن مجزومتا النون، محذوفتا الياء، وقال أبو الربيع عن أبي زيد عن أبي عمرو: أكرمن وأهانن يقف عند النون «1». قال أبو علي: وجه قول ابن كثير: يسري* بالياء، وصل أو وقف، أن الفعل لا يحذف منه في الوقف، كما يحذف من الأسماء، نحو: قاض وغاز، تقول: هو يقضي، وأنا أقضي، فتثبت الياء، ولا تحذف الياء من الفعل كما تحذفه من الاسم، نحو: هذا قاض، لأنها لا تسقط في الوصل، كما تسقط الياء من نحو: قاض، في الوصل، وليس إثباتها بالأحسن من الحذف، وذلك أنها في فاصلة. وجميع ما لا يحذف في الكلام، وما يختار فيه أن لا يحذف

_ (1) السبعة 684، 685.

نحو: القاضي من الألف واللام، يحذف إذا كان في قافية أو فاصلة «1». قال سيبويه: والفاصلة نحو: والليل إذا يسر [الفجر/ 4] ويوم التناد [غافر/ 32] والكبير المتعال [الرعد/ 9]، فإذا كان شيء من ذلك في كلام تام، شبه بالفاصلة، فحسن حذفها نحو. ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، فإن قال: كيف كان الاختيار فيه، أن يحذف إذا كان في فاصلة أو قافية، وهذه الحروف من أنفس الكلم، وهلّا لم يستحسن حذفها، كما أثبت سائر الحروف ولم تحذف؟ فالقول في ذلك أن الفواصل والقوافي مواضع وقف، والوقف موضع تقرير، فلما كان الوقف تغيّر فيه هذه الحروف الصحيحة بالتضعيف والإسكان، وروم الحركة فيها غيّرت فيه هذه الحروف المشابهة للزيادة بالحذف. ألا ترى أن النداء لمّا كان موضع حذف بالترخيم، والحذف للحروف الصحيحة، ألزموا الحذف في أكثر الأمر للحرف المتغيّر، وهو تاء التأنيث، فكذلك ألزم الحذف في الوقف لهذه الحروف المتغيّرة، فجعل تغييرها الحذف، ولم يراع فيها ما روعي في نفس الحروف الصحيحة. ألا ترى أنه سوّى بالزيادة في قولهم في النسب إلى مدامى: مداميّ، كقولهم في النسب إلى حبارى: حباريّ، فحذف كما حذفت للزيادة، وقالوا في تحية: تحويّ، فشبهوها بحنيفة. ونحوه، وحذفوا اللام وسوّوا بينها وبين الزائد في الحذف للجزم، نحو: لم يغز، ولم يرم، ولم يخش، أجري مجرى الزائد في الإطلاق نحو:

_ (1) من بداية الفقرة في قوله: وجميع ما لا يحذف ... إلى حيث وضعنا رقم الحاشية هو من كلام سيبويه، وكذلك ما بعده. انظر الكتاب 2/ 289.

وبعض القوم يخلق ثم لا يفري «1» و: ما يمرّ ولا يحلو «2» فجعلوا هذه الحروف بمنزلة الزيادة للكلمة، وسوّوا بينهما في الحذف فقالوا: يفر، ويحل، كما قال «3»: أقوين من حجج ومن دهر وقال «4»: وشجر الهدّاب عنه فجفا فجعل المنقلب عن اللام بمنزلة الألف في قوله «5»:

_ (1) من بيت لزهير سبق في 1/ 405 و 2/ 83. (2) قطعة من بيت لزهير تمامه: وقد كنت من سلمى سنينا ثمانيا على صير أمر ما يمر وما يحلو سبق انظر 4/ 140. (3) عجز بيت لزهير يمدح هرم بن سنان صدره: لمن الديار بقنّة الحجر قنة الحجر: اسم مكان- والقنّة: الجبل الصغير، وقيل: الجبل السهل المستوى المنبسط على الأرض- وقيل: هو الجبل المنفرد المستطيل في السماء. (4) من أرجوزة للعجّاج وبعده: إذا انتحى معتقما أو لجّفا شجر الهداب: دفع غصون الشجر عنه. (5) السلهب: الطويل. والأذلف: القصير والمنتحي: المعتمد. والمعتقم: الذي يحفر البئر. والتلجيف: أن يحفر البئر في نواحيها، في أصل البئر على وجه الأرض، ديوانه 2/ 236، والمخصص 10/ 212، والمعاني الكبير 2/ 749، واللسان (ذلف).

بسلهبين فوق أنف أذلفا فلما خالفا ما ذكرنا اختير فيهما الحذف في الفواصل والقوافي. فإن قلت: فقد قال سيبويه: إثبات هذه الياءات والواوات أقيس الكلامين، وهذا بمعنى الحذف جائز عربي كثير، فإنه يجوز أن يعنى بقوله: أقيس الكلامين، القياس على الأصل الذي هو متروك والاستعمال على غيره، وإذا كانوا قد حذفوا في مواقع ليست بموضع وقوف، نحو قراءة من قرأ: يوم يأت لا تكلم نفس [هود/ 105] فأن يلزم الحذف ما كان موضع وقف أجدر، وكذلك قوله: جابوا الصخر بالوادي [الفجر/ 9]. الأوجه فيه الحذف إذا كانت فاصلة، وإن كان الأحسن إذا لم يكن فاصلة الإثبات. وأما قول نافع في الوصل: يسري* وبغير ياء في الوقف، فيشبه أن يكون ذهب إلى أنه إنما حذف من الفاصلة لمكان الوقف عليها، فإذا لم يقف عليها صار بمنزلة غيرها من المواضع التي لا يوقف عليها، فلم يحذف من الفاصلة إذا لم يوقف عليها كما لم يحذف من غيرها، وحذفها إذا وقف عليها من أجل الوقف. ويروى عن أبي عمرو مثل قول نافع، وروى عنه أيوب مثل ما روي عن ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. وقراءة عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يسر بغير ياء في وصل ولا وقف، يدلّ أن هذا موضع وقف، فغيّر بالحذف كما غيّر من غيّر بإبدال النون في الحرف في آخره نحو: من طلل كالأتحميّ أنهجا «1»

_ (1) من رجز للعجّاج وقبله:

ونحو إلحاق الياء في قوله «1»: فاغن وازددي ألا ترى أنه لمّا كان قافية بناها على إلحاق الياء، وإن كان السكون يجوز عنده في غير القافية، وفي القافية في بعض الإنشادات، وجعل الوزن يقتضي ذلك، فكذلك الفاصل يقتضي الحذف، وإن وقف عليها، كما تقتضي القافية الزيادة في نحو: «وازددي» فهذا يدلّك على مخالفتهم بين القوافي والفواصل، وبين سائر كلامهم، ورجوع الكسائي عن الإثبات إلى الحذف في يسر حسن، وهو الذي عليه الاستعمال وكثرته، فأما: دعوة الداعي [البقرة/ 186]، فإذا وقف قال: الداع فيجوز حذف الياء من الداع وإن لم تكن فاصلة، لأن سيبويه حكي: أن منهم من يحذف الياء مع الألف واللام. كما يحذفها مع غير الألف واللام نحو: قاض، إذا وقف قال: هذا قاض. وهو أجود من الإثبات، ورواية البزيّ عن ابن كثير: أكرمني وأهانني بياء في الوصل والوقف، فهو على قياس قراءته: يسري* بياء في الوصل والوقف، ورواية قنبل وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أكرمن،

_ ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا الأتحمي: موضع في اليمن تعمل فيه البرود. أنهج: أخلق. فشبه آثار الديار ببرد قد أخلق. انظر ديوانه 2/ 14، والكتاب لسيبويه 2/ 299 وفيه: «أنهجن» بدل «أنهجا». وكذلك في الخصائص 1/ 171 وهو في شرح أبيات المعني 3/ 374. (1) من بيت لطرفة تمامه: متى تأتني أصبحك كأسا روية وإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد سبق انظر 1/ 206:

الفجر: 20 - 17

وأهانن بغير ياء في وصل ولا وقف، هو كقراءة من قرأ: يسر في الوصل والوقف، لأنها ياء قبلها كسرة في فاصلة، ورواية من روى عن نافع: أكرمني، وأهانني بياء في الوصل هو من قياس ما روي عنه في يسري* من إثبات الياء في الوصل وحذفها في الوقف، ورواية إسماعيل عن نافع: بالواد بغير ياء، ورواية ورش عنه بالوادي بالياء، فهذا على أن في الوادي والداعي ونحوه مما فيه الألف واللام وآخره ياء لغتين إذا وقف عليه، إحداهما: إثبات الياء والأخرى: حذفها، فكأنه أخذ باللغتين، فليس الحذف في الواد من حيث كان الحذف في الفواصل، لأنه ليست بفاصلة، ورواية علي بن نصر عن أبي عمرو: أكرمن وأهانن يقف عند النون، مثل رواية سيبويه عنه. قال سيبويه: قرأ أبو عمرو: ربي أكرمن ربي أهانن على الوقف «1»، وكذلك رواية أبي زيد عنه، وهذه أثبت من غيرهم عندنا. [الفجر: 20 - 17] قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: تحبون- وتكرمون- وتأكلون [الفجر/ 17 - 20] بالتاء. وقرأ أبو عمرو وحده بالياء كلّه «2». وجه قول أبي عمرو أنه لما تقدّم ذكر الإنسان في قوله: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه [الفجر/ 12]، وكان يراد به الجنس والكثرة، وعلى لفظ الغيبة جعل يحبون، ويكرمون، ويأكلون عليه، ولا يمتنع في هذه الأسماء الدالّة على الكثرة أن تحمل مرّة على

_ (1) سيبويه 2/ 289. (2) السبعة 685.

اللفظ، وأخرى على المعنى كقوله: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون [الأعراف/ 4] وذلك أكثر من ذاك. ومن قرأ بالتاء فعلى: قل لهم ذلك. قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: تحضون [الفجر/ 18] بالتاء بغير ألف. وقرأ أبو عمرو وحده بالياء بغير ألف. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: تحاضون بالتاء والألف، [والتاء] في كل ذلك مفتوحة «1». قال أبو علي: كأن معنى لا تحضون على طعام المسكين: لا تأمرون به ولا تبعثون عليه، وحجّته قوله في الأخرى: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين [الحاقة/ 33، 34]. ومن قرأ: تحاضون على تتفاعلون، من هذا، فحذف تاء تتفاعلون، ولا يكون تتفاعلون على هذا كقوله «2»: إذا تخازرت وما بي من خزر لأنهم لا يبعثون على أن يظهروا الحضّ، وليس بهم الحض فإذا لم يجز هذا كان معنى: تحاضون تحضون، ومن ثم جاء «3». تحاسنت به الوشي قرّات الرياح وخورها

_ (1) السبعة 685 وما بين معقوفين تتمة منه. (2) لعمرو بن العاص أو لأرطاة بن سهية وهو من شواهد سيبويه ولم ينسبه وتخازر: نظر بمؤخر عينه. انظر سيبويه 2/ 239، المقتضب 1/ 79، المحتسب 1/ 127، المخصّص 1/ 119، 14/ 180 اللسان مادة/ خزر/. (3) لذي الرمة وقد سبق في 5/ 198.

الفجر: 26، 25

أي: حسّنته، والتعدّي، قد يدلّ على ذلك، ومثل هذا قولهم: استقرّ في مكانه بمعنى: قرّ، وليس المعنى على أنه استدعى القرار، وعلا قرنه واستعلاه، يعني علاه، وعلى هذا قوله: سبحانه وتعالى عما يقولون «1» [الإسراء/ 43]، أي: علا عنه، فأما القول في يحضون وتحضون فقد تمّ القول فيه في الفصل الذي يلي هذا قبل. [الفجر: 26، 25] وقرأ الكسائي: لا يعذب [الفجر/ 25] ولا يوثق [الفجر/ 26] بفتح الذال والثاء. المفضل عن عاصم مثله. وقرأ الباقون: لا يعذب ولا يوثق بكسر الذال والثاء «2». وجه قول الكسائي: لا يعذب عذابه أحد أن المعنى: لا يعذّب أحد تعذيبه، فوضع العذاب موضع التعذيب كما وضع العطاء موضع الإعطاء في قوله «3»: وبعد عطائك المائة الرتاعا فالمصدر الذي هو عذاب مضاف إلى المفعول به، مثل: من دعاء الخير [فصّلت/ 49]، والمفعول به الإنسان المتقدّم ذكره في قوله: يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [الفجر/ 23] والوثاق أيضا في موضع الإيثاق، مثل العذاب في موضع التعذيب، قال «4»: أتيت بعبد اللَّه في القدّ موثقا فألّا سعيدا ذا الخيانة والغدر

_ (1) في الأصل: عمّا يقول الظالمون. (2) السبعة 685. (3) للقطامي وقد سبق في 1/ 182 و 2/ 33، 130، و 351. (4) البيت غير منسوب وقد ذكره ابن الشجري في أماليه 1/ 353 برواية (فهلا) وهو من شواهد العيني 4/ 475.

فأما من قرأ: فيومئذ لا يعذب عذابه [الفجر/ 25] فقد قيل: إن المعنى فيه لا يتولى عذاب اللَّه يومئذ أحد، والأمر يومئذ أمره لا أمر لغيره، وقيل: إن المعنى: فيومئذ لا يعذّب أحد في الدنيا مثل عذاب اللَّه في الآخرة، وكأن الذي حمل قائل هذا القول على أن قاله أنه إن حمله على ظاهره، كان المعنى: لا يعذّب أحد في الآخرة مثل عذاب اللَّه، معلوم أنه لا يعذّب أحد في الآخرة مثل عذاب اللَّه، إنما المعذّب اللَّه تعالى، فعدل عن الظاهر لذلك، ولو قيل: إن المعنى: فيومئذ لا يعذّب أحد تعذيبا مثل تعذيب هذا الكافر المتقدم ذكره، فأضيف المصدر إلى المفعول به، كما أضيف إليه في القراءة الأخرى، ولم يذكر الفاعل كما لم يذكر في نحو قوله: من دعاء الخير [فصّلت/ 49] لكان المعنى في القراءتين سواء، والذي يراد بأحد: الملائكة الذين يتولّون تعذيب أهل النار، ويكون ذلك كقوله: يوم يسحبون في النار على وجوههم [القمر/ 48]، وقوله: وقال الذين في النار لخزنة جهنم [غافر/ 49]، وقوله: ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم [الانفعال/ 50] وقوله: مقامع من حديد [الحج/ 21] وقوله: ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه [إبراهيم/ 16] والأشبه أن يكون هذا القول أولى، والفاعلة بهم الملائكة.

سورة البلد

ذكر اختلافهم في سورة البلد [البلد: 14، 13] قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: فك رقبة أو أطعم في يوم ذي مسغبة [13، 14]. [فكّ] بفتح الكاف، [رقبة] نصب، أطعم بغير ألف. عبيد وعلي بن نصر عن أبي عمرو: فك رقبة أو أطعم نصب بغير ألف، وقال عباس: سألت أبا عمرو فقال: أيتهما شئت. وقرأ عاصم وابن عامر ونافع وحمزة: فك رقبة أو إطعام في يوم. حدّثني الدباغ عن أبي الربيع عن عبد الوارث عن أبي عمرو: فك رقبة مضافا أو إطعام. حدّثني به الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبد الصمد عن أبيه عن أبي عمرو «1». قال أبو علي: حدّثنا أحمد بن محمد قال: حدّثنا المؤمّل بن هشام قال: حدّثنا إسماعيل بن عليّة قال: قال أبو رجاء سمعت الحسن يقول: فلا اقتحم العقبة [البلد/ 11] قال: جهنّم.

_ (1) السبعة 686.

وقال قتادة: فلا اقتحم العقبة أنها قحمة شديدة، فاقتحموها بطاعة اللَّه. أبو عبيدة: فلا اقتحم العقبة: فلم يقتحم العقبة في الدنيا، ثم فسّر العقبة فقال: وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة «1». قال أبو علي: قول من قال: فك رقبة أو إطعام المعنى فيه: وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ لا بدّ من تقدير هذا المحذوف لأنه لا يخلو من أن تقدّر حذف هذا المضاف أو لا تقدّره، فإن لم تقدّره وتركت الكلام على ظاهره، كان المعنى: العقبة فكّ رقبة ولا تكون العقبة الفكّ لأنه عين، والفكّ حدث، والخبر ينبغي أن يكون المبتدأ في المعنى، فإذا لم يستفهم كان المضاف مرادا، فيكون المعنى اقتحام العقبة فكّ رقبة، أو إطعام، أي: اقتحامها أحد هذين، أو هذا الضرب من فعل القرب، ومثل هذا قوله: وما أدراك ما الحطمة، نار الله الموقدة [الهمزة/ 5، 6] أي: الحطمة نار اللَّه، ومثله: وما أدراك ماهيه، نار حاميه [القارعة/ 10، 11]. أي: هي نار حامية، وكذلك قوله: وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس [القارعة/ 3، 4]، المعنى: القارعة يوم يكون الناس لأن القارعة مصدر، فيكون اسم الزمان خبرا عنه، فهذه الجمل التي من الابتداء، والخبر تفسير لهذه الأشياء المتقدم ذكرها من نحو اقتحام العقبة، والحطمة والقارعة، كما أن قولهم: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9، الحجرات/ 3] تفسير للوعد. ومعنى: فلا اقتحم العقبة لم يقتحمها، وإذا كانت لا* بمعنى

_ (1) مجاز القرآن 2/ 299.

لم، لم يلزم تكريرها، كما لم يلزم التكرير مع لم، فإن تكررت في موضع نحو: فلا صدق ولا صلى [القيامة/ 31] فهو كتكرّر لم يسرفوا ولم يقتروا [الفرقان/ 67] وقوله: ثم كان من الذين آمنوا [البلد/ 17] أي: كان مقتحم العقبة وفاكّ الرقبة، مع ما أتاه من هذه القرب، من الذين آمنوا، فإنه إن لم يكن منهم لم ينفعه قربة لإحباط الكفر لها. قال أبو الحسن: هي أجود من الأخرى وبها نقرأ، وقوله: في يوم ذي مسغبة [البلد/ 14] جاز أن يوصف اليوم بهذا، كما جاز أن يقال: ليل نائم ونهار صائم، ونحو ذلك، ومن قال: فك رقبة أو أطعم في يوم ذي مسغبة [البلد/ 13، 14]، فإنه يجوز أن يكون ما ذكر من الفعل تفسيرا لاقتحام العقبة، فإن قلت: إن هذا الضرب لم يفسّر بالفعل، وإنّما فسّر بالابتداء والخبر، مثل قوله: نار الله الموقدة [الهمزة/ 6] وقوله: نار حامية [القارعة/ 11]، هذه جمل من ابتداء وخبر، وليس فيها شيء من الفعل والفاعل، فهلّا رجّحت القراءة الأخرى من أجل هذه الكثرة، والحمل عليها، قيل: إنه قد يمكن أن يكون قوله: كذبت ثمود وعاد بالقارعة [الحاقة/ 4] تفسيرا لقوله: وما أدراك ما القارعة [القارعة/ 3]، ويكون تفسيرا على المعنى. وقد جاء: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم [آل عمران/ 59] وفسّر المثل بقوله، خلقه من تراب [آل عمران/ 59]، فكذلك قول من: فك رقبة أو أطعم، وزعموا أن أبا عمرو احتجّ لقراءة: فك رقبة بقوله: ثم كان من الذين آمنوا [البلد/ 17] كأنه لمّا كان فعلا وجب أن يكون المعطوف عليه مثله، وقد يجوز أن يكون ذلك كالقطع من الأول والاستئناف، كأنه أعلم أن فكاك الرقبة من الرقّ من الذين

البلد: 20

آمنوا، لأنه بالإيمان يحرز ثواب ذلك ويحوزه، فإذا لم ينضم الإيمان إلى فعل القرب التي تقدم ذكرها لم ينفع ذلك. [البلد: 20] قال: وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي: موصدة* [البلد/ 20] بغير همز، وفي سورة الهمزة مثله، وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم، مؤصدة بالهمز في الموضعين «1». أبو عبيدة: نار مؤصدة: مطبقة، آصدت وأوصدت: لغتان، أي: أطبقت «2». قال أبو علي: من قال: موصدة* فلم يهمز، احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون على لغة من قال: أوصدت والوصيد، وموصدة على هذا: مفعلة مثل موعدة، ولا سبيل إلى همزها إلى على قول من قال: .... مؤسى «3» والآخر من آصد، مثل: آمن، فعلى هذا القول: مؤصدة كما تقول: مؤمنة، ثم تخفّف فتقلب واوا، كما تقول في تخفيف جؤنة وبؤس، ونؤي: جونة وبوس ونوي، فتقلبها في التخفيف واوا. ومن همز فقال: مؤصدة* أخذها من: آصدت، فإذا جعلها اسم الفاعل أو المفعول قال: مؤصدة كما تقول: مؤمنة. ويجوز فيمن همز أن يكون من الوصيد، وهمزة على قياس «3»:

_ (1) السبعة 686. (2) مجاز القرآن 2/ 299. (3) من بيت لجرير سبق في 1/ 239.

البلد: 20، 19

أحبّ المؤقدان إليّ مؤسى وقد حكي: وضعته يتنا ووتنا وأتنا «1»، فجاء في الفاء الحروف الثلاثة. [البلد: 20، 19] قال: حدّثنا الخزاز عن محمد بن يحيى عن أبي الربيع عن حفص عن عاصم: مؤصدة، والمشأمة [البلد/ 19] بالكسر فيهما. قال غير أحمد: يعني إذا وقف، فأما إذا وصل، فالفتح لا غيره. قال أحمد: وحدّثني الدباغ عن أبي الربيع عن حفص عن عاصم: مؤصدة مهموزة، المشأمة مشدّدة، قال أحمد: كذا قال وليس له وجه. قال أبو علي قول عاصم: وإمالة الفتحة التي في مؤصدة* نحو الكسر وكذا المشأمة عربي. قال سيبويه: قالوا أخذت أخذه، وضربت ضربه، شبّه الهاء بالألف، وأمال ما قبلها كما يميل ما قبل الألف، فإن قلت: كيف أمالها، والألف لو كانت هنا موضع الهاء لم تلزم فيها الإمالة، لأنه ليس كسرة ولا ياء؟ قيل: قد تمال الألف في الأواخر وإن لم يكن ما يوجب الإمالة، وذلك نحو قولهم: طلبنا ورأيت عنتا، فكما أمالوا هذه الألف وإن لم يكن في الكلمة ما يوجب الإمالة، كذلك أميلت الهاء تشبيها بالألف، وهذه الإمالة في ذا الحرف على ألسنة مولدي الكوفة والبصرة اليوم، وأما التشديد في المشأمة فلا أعلم له وجها.

_ (1) اليتن: أن تخرج رجلا المولود قبل يديه ورأسه، وتكره الولادة إذا كانت كذلك.

والشمس وضحاها

ذكر اختلافهم في: والشمس وضحاها [الشمس: 1] قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر: بفتح أواخر آي هذه السورة، والليل، والضحى. وقرأ الكسائي بإضجاع ذلك كله، وإضجاع أواخر سورة والليل وسورة الضحى. وقرأ حمزة: وضحاها* [1] كسرا، ويفتح تلاها [الشمس/ 2]، وطحاها [6] وفي الضحى سجا [2] وفي النازعات: دحاها [30]، ويكسر سائر ذلك وقرأ نافع ذلك كلّه بين الفتح والكسر. وقال خلف عن إسحاق عن نافع: آياتها وآيات والضحى والليل والأعلى، وما أشبه ذلك بين الكسر والفتح. وقال محمد بن إسحاق عن أبيه، وأحمد بن صالح عن ورش وقالون: آياتها كلّها مفتوحات. وقال ابن جمّاز: كان نافع يبطحها كلّها إلا تلاها فإنه يفتحها وحدها. وقال خارجة عن نافع مثله: يفتح تلاها ويبطح سائرهنّ. وقال اليزيدي عن أبي عمرو: ذلك كله بين الفتح والكسر، وكذلك قال عبد الوارث عن أبي عمرو. وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: وضحاها* وتلاها وجلاها ودحاها بكسرها كلها. قال:

وسألته فقرأ: والضحى وسجى وقلى يكسر، وقال عبيد بن عقيل عن أبي عمرو أنه قرأ آيات والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها وجلاها وما أدراك [القارعة/ 10] بالياء في القرآن كله. وإذا رآك الذين كفروا [الأنبياء/ 36] وإذا رأى الذين أشركوا [النحل/ 86] ولقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم/ 18] يكسرهنّ في كلّ القرآن «1». وجه قول ابن كثير وعاصم وابن عامر في ترك الإمالة في هذه الحروف أن كثيرا من العرب «2» .. ألا ترى أنها إذا كانت رابعة في الفعل لزم بدل الياء نحو: أغزيت، وكذلك إذا كان في اسم نحو: المدعي والمغزي، ثنّي بالياء وكذلك في نحو مسني ومعدي، تقلب إلى الياء، ولا تجد الياء تقلب إلى الواو في هذا النحو، ولمّا كانت هذه في حكم الانقلاب عن الياء أجروا الألف مجرى الألف المنقلبة عن الياء، ويدلّك على أن لهذا المعنى استجازوا الإمالة في باب: دحاها، وطحاها وسجا، وتلا أن ما كان من الأسماء ألفه منقلبة عن الواو نحو العصا، والعطا، لم يجيزوا فيه الإمالة لمّا لم تكن تنقلب واوها إلى الياء، كما انقلبت إليها في الفعل. فإن قلت: فقد زعم أنهم أمالوا العشا والكبا والمكا «3»، فذلك من القلّة بحيث لا يسوغ الاعتراض به. وأما من جمع من الأمرين، كما روي عن نافع أنه فتح تلا

_ (1) السبعة 688، 689. (2) يبدو أن هنا سقطا في الأصل الخطّي وقع في تتابع الصفحات. (3) المكا: جحر الثعلب والأرنب ونحوهما (اللسان مكا).

الشمس: 15

وأمال غيرها، وكلّ واحد من الإمالة وخلافها جائز، فقوله حسن لأخذه شيئين: كلّ واحد منهما مسموع مأخوذ به، فأخذ بأحدهما مرّة وبالأخرى مرّة أخرى، وأما كسر الراء من رأى فقد تقدّم القول فيه. [الشمس: 15] قال: قرأ نافع وابن عامر: فلا يخاف عقباها [الشمس/ 15] بالفاء، وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون: ولا يخاف بالواو، وكذلك في مصاحفهم «1». قال أبو علي: الواو يجوز أن تكون في موضع حال: فسواها غير خائف عقباها، أي: غير خائف أن يتعقب عليه شيء مما فعله، وفاعل يخاف الضمير العائد إلى قوله: ربهم. وقيل: إن الضمير يعود إلى النبي صلّى اللَّه عليه الذي أرسل إليهم، وقيل: إذ انبعث أشقاها، وهو لا يخاف عقباها، أي: لا يخاف من إقدامه على ما أتاه مما نهي عنه، ففاعل يخاف العاقر على هذا، والفاء للعطف على قوله: فكذبوه، فعقروها [الشمس/ 14]، فلا يخاف كأنه تبع تكذيبهم وعقرهم أن لم يخافوا.

_ (1) السبعة 689.

سورة والليل

ذكر اختلافهم في سورة والليل [الليل: 14] البزي عن ابن كثير: نارا تلظى [14] مشدّدة التاء، قنبل عن النبال يخفّف وكذلك الباقون «1» هذا من الحسن دون قوله: فإذا هي تلقف* [الأعراف/ 117] وذلك أن قبل التاء ساكنا، والتاء المدغمة ساكنة، وليس حرف لين. فيكون كقول من قال: فلا تناجوا [المجادلة/ 9] فيكون في المنفصل مثل دابّة في المتصل، ومثل لا تناجوا من المنفصل قولهم في القسم: لاها اللَّه، فيمن أثبت «2»، ومن قال: تخطف* فأسكن الخاء مع إدغام تاء تفتعل في الطاء، جاز على قوله: نارا تلظى، فمن قال: فإذا هي تلقف لم يدغم في هذا الموضع لما ذكرناه، وإن أدغم فعلى قياس تخطف*.

_ (1) السبعة 690. (2) على طرة الأصل هنا كلمة: الآية، وكأنها أتبعت «أثبت».

سورة والضحى

ذكر اختلافهم في سورة والضّحى [الضحى: 1] أبو عمرو: يكسرها في رواية عباس، نافع: بين الكسر والفتح، اليزيدي عن أبي عمرو: بين الكسر والفتح، وكذلك عبد الوارث بن حجاز عن نافع يكسرها «1» قال أبو علي: قد تقدّم القول في ذلك.

_ (1) السبعة 690.

سورة العلق

ذكر اختلافهم في سورة العلق [العلق: 7] قرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل: أن رأه [7] قصرا بغير ألف بعد الهمزة في وزن: رعه. قال أحمد: وهو غلط لا يجوز إلا رآه* مثل: رعاه، مما لا وغير ممال. وقال ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: أن رآه بكسر الراء وبعد الهمزة ألف، في وزن رعاه. وقرأ نافع: أن رآه فتح، وحفص عن عاصم لا يكسرها أيضا، أبو عمرو يفتح الراء ويكسر الهمزة «1». قال أبو علي: ينبغي أن يعني بكسر الراء إمالة فتحتها نحو الكسرة، لأن بعض من يوثق بضبطه للقراء زعم أن حمزة والكسائي وأبا بكر عن عاصم يقرءون: أن رآه بإمالة الراء والهمزة والألف، إن قلت: إن الألف حذفت من مضارع رأى في قولهم: أصاب الناس جهد، ولو تر ما أهل مكة، فهلّا جاز حذفها أيضا من الماضي. قيل: إن الحذف لا يقاس، لا سيما في نحو هذا إذا كان على غير قياس،

_ (1) السبعة 692.

فإن قلت: فقد جاء: حاشى لله [يوسف/ 31]، ولا يكون إلا فعلا، لأن الحرف لا يحذف منه. قال رؤبة «1»: وصاني العجّاج فيما وصّني قيل: إن ذلك في القلّة بحيث لا يسوغ القياس عليه، ولعلّ ابن كثير نظر إلى هذه المواضع، ومما يضعف ذلك أن الألف تثبت حيث تحذف الياء والواو، ألا ترى أن من قال: إذا يسر فحذف الياء في الفاصلة لم يحذف من نحو: والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى [الليل/ 1، 2] فإن قلت: فقد جاء ما أنشده بعض البصريين «2»: من را مثل معدان بن ليلى إذا ما النّسع طال على المطيّة قيل: ليس الذي قرأه ابن كثير كذلك، وذاك أن الشاعر قلب الهمزة قلبا، ولم يخفّف على تخفيف القياس، ولكن على حدّ قوله «3»: لا هناك المرتفع فلمّا قلب التقى ساكنان فحذف لذلك، وأن رأه فحقّق الهمزة، ومثل تخفيف الشاعر قول الآخر «4»: على أنّ قيسا لم يطأ باه محرم

_ (1) سبق انظر 4/ 424. (2) سبق انظر 3/ 307 وهو بغير خرم هناك. (3) للفرزدق سبق في 1/ 398 و 2/ 218 و 4/ 245 و 5/ 363 (4) سبق انظر 4/ 245 و 5/ 363

وهذا لا يستقيم مع تحقيق الهمزة، وأما قوله «1»: كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا فيكون على وجهين: أحدهما: أنه أثبت الألف في ترا في موضع الجزم تشبيها بالياء في قوله «2»: ألم يأتيك والأنباء تنمي ونحوه، والآخر: أن يكون حقّق الهمزة كما حقّق الآخر في قوله «3»: أري عينيّ ما لم ترأياه فحذف للجزم، ثمّ خفّف على حسب التخفيف في المرأة والكمأة. ورأيت في الآية «4». التي تدخل على الابتداء والخبر، والدليل على ذلك اتصال الضمير في قول: أن رآه ولولا أنه الداخل على الابتداء، لم يجز اتصال الضمير على هذا الحدّ، وقوله: استغنى في موضع المفعول الثاني. قال: وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة

_ (1) سبق انظر 1/ 95. (2) سبق انظر 1/ 93، 325 و 2/ 99. (3) صدر بيت لسراقة البارقي وعجزه: كلانا عالم بالتّرّهات سبق انظر 231. (4) في الأصل وضعت إشارة تحويل واستشكال في سياق العبارة على هامش النسخة.

والكسائي: أن رآه استغنى بكسر الراء وبعد الهمزة ألف في وزن رعاه. وقرأ نافع: أن رآه فتح، وحفص عن عاصم لا يكسر أيضا. أبو عمرو: يفتح الراء ويكسر الهمزة. قال أبو علي: قول ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: أن رآه أمالوا الفتحة التي على الراء لإمالة فتحة الهمزة، وصار إمالة الفتحة للفتحة كإمالة الألف في قولهم: رأيت عمادا لإمالة الألف، ألا ترى أنك قد تميل الفتحة، كما تميل الألف في قولك: من عمرو، كما تقول: من نار، ومن غار. وقال: قراءة نافع: أن رآه فتح، وكذلك حفص عن عاصم، فإنهما لم يميلا للإمالة، كما أن من قال: رأيت عمادا، لم يمل للإمالة، وأمال الألف في رأى، وأمال فتحة الهمزة لتميل الألف التي بعدها نحو الياء.

سورة القدر

ذكر اختلافهم في سورة القدر [القدر: 5] قرأ الكسائي: مطلع* [5] بكسر اللام، وروى عبيد عن أبي عمرو مطلع* بكسر اللام. وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة: مطلع بفتح اللام «1». قال أبو علي: المطلع في قوله: حتى مطلع الفجر مصدر يدلّ على ذلك أن المعنى: سلام هي حتى وقت طلوعه، وإلى وقت طلوعه، فهذا نحو: مقدم الحاج، وخفوق النجم، تجعل المصدر فيه زمانا على تقدير حذف المضاف، فكذلك المطلع، وإذا كان كذلك، فالقياس أن يفتح اللام، كما أن مصادر سائر ما كان من فعل يفعل مفتوح العين نحو: المقتل، والمخرج، فأما الكسر، فلأن من المصادر التي ينبغي أن تكون على المفعل ما قد كسر، نحو: علاه المكبر والمعجز وقوله: ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222]، وكذلك كسر المطلع وإن كان القياس الفتح، وأما المسجد فكان القياس فيه إذا كان اسم الموضع من سجد يسجد الفتح. وسيبويه يحمله على أنه

_ (1) السبعة 693.

سورة البينة

اسم للبيت، ولو كان اسم الموضع على القياس لوجب أن يفتح على قياس ما عليه سائر هذا الباب، فقول من كسر اللام من المطلع على أنه جاء شاذّا عمّا عليه بابه والكثرة. ذكر اختلافهم في سورة البينة «1» [البينة: 7، 6] قرأ نافع وابن عامر: خير البريئة [البيّنة/ 7] وشر البريئة [البيّنة/ 6] مهموزتين، وقال هشام بن عمّار عن ابن عامر بغير همز، وكذلك قرأ الباقون بغير همز «2». قال أبو علي: البريئة من برأ اللَّه الخلق، فالقياس فيه الهمزة، إلا أنه مما ترك همزة لقولهم: النبيّ، والذرّية، والخابية، في أنه ترك فيه الهمز، فالهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك في الاستعمال، كما أن من همز النبيء كان كذلك، وترك الهمز فيها أجود، وإن كان الأصل الهمز، لأنه لمّا ترك فيه الهمز صار كردّه إلى الأصول المرفوضة مثل هتنوا وما أشبهه من الأصول التي لا تستعمل، وهمز من همز البريئة يدلّ على فساد قول من قال: إنه من البرى الذي هو التراب، ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من همزه على حال، إلا على وجه الغلط، كما حكوا: استلأمت الحجر، ونحو ذلك من الغلط الذي لا وجه له في الهمز.

_ (1) وتسمى سورة البيّنة وسورة البرية. (2) السبعة 693.

سورة الزلزلة

ذكر اختلافهم في سورة الزلزلة [الزلزلة: 8، 7] أبان عن عاصم: خيرا يره [7] وشرا يره [8]. وقرأ الباقون: خيرا يره وشرا يره بالفتح فيهما «1». قال أبو علي: من قرأ: خيرا يره جعل الفعل منقولا من: رأيت زيدا، إذا أدركته ببصرك وأريته عمرا، وبني الفعل للمفعول، فقام أحد المفعولين مقام الفاعل، وتعدّى إلى المفعول الثاني من المفعولين للفعل، إذا بني للفاعل. ومن قال: يره جعله الفعل المتعدّي إلى مفعول واحد، مثل: لمست، في التعدّي، والمعنى في القراءتين: من يعمل مثقال ذرّة خيرا ير جزاءه، ألا ترى أن ما عمله من خير قد سلف لا يجوز أن يراه، فهذا في حذف المضاف كقوله: ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم [الشورى/ 22]، والمعنى على أنه جزاءه واقع بهم، لا ما كسبوا من أفعالهم التي قد مضت. قال: وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم، ويزيد عن

_ (1) السبعة 694.

أبي بكر عن عاصم وحمزة والكسائي ونافع في رواية الحلواني عن قالون وورش عن نافع يرهو*. هشام بن عمّار عن أبي عامر: خيرا يره وشرا يره جزم. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: خيرا يره، وشرا يره ساكنتين، وقرأ أبو عمرو في رواية اليزيدي وعباس: خيرا يره، وشرا يره مشبعتان «1». قال أبو علي: إثبات الواو في: يره بعد الهاء هو الوجه، كما تقول: أكرمهو، وضربهو، فتثبت الواو بعد الهاء في الوصل، لأن هذه الهاء يتبعها حرف اللين الواو والياء إذا كان قبلها كسرة، أو ياء، نحو: بهي، وعليهي، وإنما يخلي من حرف اللين في نحو: ضربه وله، في الشعر وفي لغة ليست بذاك في الاشتهار، وقد تقدّم ذكر ذلك. فأمّا من جزم فقال: يره* في الوصل، فأبو الحسن يزعم أن ذلك لغة ويشبه أن تكون غامضة خفيّة، لأن سيبويه لم يذكرها، فمن قال: يره* فجزم في الوصل فهو على هذه اللغة، وقد جاء ذلك في الشعر كقوله «2»: ومطواي مشتاقان له أرقان فأما قول أبي عمرو: خيرا يرهو وشرا يرهو مشبعتان، فإن أراد بالإشباع إلحاقه الواو فهو كما تقدم، وإن أراد بالإشباع أنه حرّك ولم يسكن كما أسكن من قال: يره* فوجهه أن الألف لمّا كانت محذوفة للجزم، ولم يكن حذفها لازما، كان بمنزلتها إذا ثبتت معها الألف، كما أن الياء في قوله:

_ (1) السبعة 694. (2) سبق انظر 1/ 134، 203، 205 و 5/ 303، و 6/ 4.

العواور «1» في تقدير الثبات، وإن كان محذوفا، ألا ترى أن الشاعر يضطر فيثبت الألف في هذا النحو نحو قوله «2»: ولا ترضّاها ولا تملّق فلما كان كذلك كان في حكم الثبات، وإذا كان كذلك حسن حذف حرف اللين معه كما يحسن حذفه لو كانت الألف ثابتة لأن الهاء خفيّة، فلو أثبتّ الواو لكنت كأنك قد جمعت بين الساكنين، ويكره ذلك من وجه آخر، وهو اجتماع حروف المتقاربة فحذف لذلك.

_ (1) من بيت لجندل الطهوي وتمامه: حنى عظامي وأراه ثاغري وكحل العينين بالعواور سبق انظر 5/ 328، و 6/ 85 (2) لرؤبة سبق انظر 1/ 93.

سورة القارعة

ذكر اختلافهم في سورة القارعة [القارعة: 10، 1] قال: قال أبو حاتم: أمال أبو عمرو: القارعة [1] «1». قال أبو علي: إمالة: القارعة وإن كان المستعلي فيه مفتوحا جائزة، وذلك أن كسرة الراء غلبت عليها، فأمالتها، وقد أمالت ما تباعد عنه بحرف نحو: قادر. وزعم سيبويه أن ذلك لغة قوم ترتضى عربيّتهم، وكذلك: طارد، وغارم، وطامر كلّ ذلك يجوز إمالته إذا كانت الراء مكسورة، قال سيبويه: وينشد أصحاب هذه اللغة «2»: عسى اللَّه يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرباب سكوب قال علي بن نصر: سمعت أبا عمرو يقرأ: وما أدراك ماهيه [القارعة/ 10]، يقف عندها، وكذلك قال عبيد عن أبي عمرو يقف عند الهاء.

_ (1) السبعة 695. (2) لهدبة بن خشرم، وقد سبق انظر 1/ 404، و 6/ 85.

قال أبو علي: وقف عندها ولم يصلها لأنها فاصلة، والفواصل موضع وقوف، كما أن أواخر الأبيات كذلك، وهذا مما يقوّي حذف الياء من يسري* وما أشبهه ألا ترى أنهم حذفوا الياء من نحو قوله «1»: ولأنت تفري ما خلقت وبعد ض القوم يخلق ثمّ لا يفر فأما قوله: فبهداهم اقتده [الأنعام/ 90]، فمن جعله رأس آية فالوقف عليه بالهاء مثل: ما أدراك ماهيه [القارعة/ 10]، ومن جعل الهاء كناية عن المصدر جاز أن يلحقها الياء في الوصل.

_ (1) لزهير، انظر 1/ 405، و 2/ 83، و 5/ 320 و 6/ 392

سورة التكاثر

ذكر اختلافهم في سورة التكاثر [التكاثر: 7، 6] قرأ ابن عامر والكسائي: لترون الجحيم [6] مضمومة التاء لترونها [7] مفتوحة التاء. وقرأ الباقون: لترون ثم لترونها مفتوحتين «1». أما من قال: لترون الجحيم فإن رأى* فعل يتعدى إلى مفعول واحد، تقول: رأيت الهلال، كما تقول: لمست ثوبك، فإذا نقلت الفعل بالهمزة زاد مفعول آخر، تقول: أريت زيدا الهلال، فيكون الهلال مفعولا ثانيا، وإن بنيت هذا الفعل المنقول بالهمزة للمفعول قلت: أري زيد الهلال، فيقوم المفعول الأول مقام الفاعل، ويبقى الفعل متعديا إلى مفعول واحد، وكذلك: لترون الجحيم قام الضمير مقام الفاعل، لما بني الفعل للمفعول به، وانتصب الجحيم على أنه مفعول الفعل المبني للمفعول، كما كان قبل المفعول الأول، فإن كان الفعل مسندا إلى مفعول واحد، قلت: أنت ترى الجحيم، وإن ثنّيت قلت: أنتما تريان الجحيم، وإن جمعت قلت: أنتم ترون. حذفت الألف المنقلبة عن الياء التي هي لام مع واو الضمير لالتقاء الساكنين، فإذا أدخلت الشديدة قلت: لترونّ، فحذفت الألف لالتقاء

_ (1) السبعة 695.

الساكنين، كما حذفتها قبل، فإن قلت: هلّا رددت اللام وأثبتها لزوال التقاء الساكنين، ألا ترى أن الواو التي للضمير قد تحركت لالتقاء الساكنين بالضمة فلما تحركت زال التقاؤهما، قيل: لا يستقيم الردّ لأن الواو التي للضمير في تقدير السكون، وذلك أن حركة الحرف المتحرك لالتقاء الساكنين في تقدير السكون يدلّك على ذلك قولهم: اردد الرجل، فيتوالى تحريك المثلين، فلولا أن المحرّك في تقدير السكون لم يستجز موالاة التحريك في المثلين، وعلى هذا قالوا: رمت المرأة، ألا ترى أن التاء لولا أنها في نيّة السكون وتقديره لرددت الألف المنقلبة عن اللام في رمى، فكما لم تردّ الألف هنا، كذلك لا تردّها في قولك لترون الجحيم، لأن الواو في تقدير السكون، وإنما حرّكت لسكونها وسكون الأولى من النونين، فصارت الحركة فيها كالحركة في التاء من رمت المرأة، ولم تردّ الألف التي كانت في يرى، كما لم تردّ الألف في رمتا، وحرّكت الواو بالضمّ كما حرّكت في قوله: ولا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237]. وقد شبّهت بهذه الواو التي للضمير الواو التي ليست للضمير، فحرّكت بالضمة، كما حرّكت التي للضمير، وذلك قول من قال: لو استطعنا، ومثل هذه قوله: لتبلون [آل عمران/ 186] الواو للضمير وحرّكت بالضمّة، كما حرّكت لترون [التكاثر/ 7]، وكذلك تقول: لتخشون ولتحيونّ وما أشبه. ومن قال: أقتت [المرسلات/ 11] و: أدّ وأدّ، «1» فأبدل من الواو الهمزة، لانضمامها، لم يهمز التي في لترون ولا التي في لتبلون. كما لم يهمز: ولا تنسوا الفضل بينكم [البقرة/ 237] لأن

_ (1) رسمت في الأصل هكذا: «وؤد».

الحركة لما كانت غير لازمة، كان الحرف في تقدير السكون، فكما أنه إذا كان ساكنا لم يجز همزه، كذلك إذا كان في حكم السكون وتقديره، ويلزم من همز ذلك أن يهمز نحو: هذا غزو، وعدو وحقو ونحو ذلك من الواوات التي قد تحرّكت بحركة الإعراب لتحرّكها بالضمة كتحرّك لترون به، بل هذه التي للإعراب أجدر بالهمز، لأن حركة الإعراب في تقدير اللزوم، فإن لم يهمز هذه الواوات أحد لمّا لم تكن الضمة لازمة، كذلك لا ينبغي أن تهمز التي في قوله: لترون ولتبلون ولا تنسوا الفضل بينكم. وزعموا أن بعضهم كسروا لا تنسوا الفضل وقياس هذا أن يكسر التي في لتبلون، ونحوه، والتحريك بالكسر أشبه من الهمز فيها، وكلا الأمرين غامض غير فاش ولا مأخوذ به. ومن زعم أن هذه الواو في: لتبلون ولترون ونحوه، إنما حرّكت بالضم لأنها في الأصل فاعلة، فحرّكت في التقاء الساكنين بالحركة التي كانت تتحرك بها للإعراب كان قوله ظاهر الفساد، ألا ترى أنه لو كان كذلك لحركت الياء في قوله: لتخشينّ يا هذه، بالضمّ، لأنها مثل الواو في أن مظهره فاعل، وهي علامة الضمير، كما أن الواو في لتبلون كذلك، وفي أن لم يحرّك أحد ذلك بالضم، وإنما حرّكت بالكسر دلالة على فساد هذا القول، وكأن المعنى في: لترون الجحيم لترونّ عذاب الجحيم، ألا ترى أن الجحيم يراها المؤمنون أيضا بدلالة قوله: وإن منكم إلا واردها [مريم/ 71]، وإذا كان كذلك فالمعنى: والوعيد في رؤية عذابها لا في رؤيتها نفسها، وقال: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب [البقرة/ 165] فذكر العذاب في هذا يدلّ على أن المعنى في الأخرى على العذاب أيضا وبناء الفعل في قوله: إذ يرون العذاب

وقوله: وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم [النحل/ 85] للفاعل يدلّ على أن لترون أرجح من لترون. ووجه الضم في لترون أنهم يحشرون إليها فيرونها في حشرهم إليها، فيرونها، ولذلك قرأ الثانية، ثم لترونّها كأنه أراد: لترونّها، فترونها وفي قوله: لترونها دلالة على أنهم إذا أروها، رأوها، إلا أن الشيء قد يذكر للتأكيد، فإنما ورود الموضع أن يكون بمشهد منه، ومرأى له، فلا دلالة فيه على التوغّل فيه، ألا ترى أن قوله: ولما ورد ماء مدين [القصص/ 23] لم يدلّ على شروعه فيه وخوضه له، وقوله: ثم لترونها عين اليقين [التكاثر/ 7] مثل الأولى في أنه من إبصار الشيء، وأما حقّ اليقين، فانتصابه على هذا انتصاب المصدر كما تقول: رأيته حقّا وتبينته يقينا، والمعنى في هذا الموضع على علم الرؤية التي هي مشاهدة كما قال: وإن منكم إلا واردها [مريم/ 71].

سورة العصر

ذكر اختلافهم في سورة العصر [العصر: 3] قل أبو بكر أحمد بن موسى: حدّثني سلمان قال: حدّثنا أبو حاتم قال: قرأ أبو عمرو بالصبر يشمّ الباء شيئا من الجرّ ولا يشبع. وحدّثني الجمال عن أحمد، يعني ابن يزيد، عن روح عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو بالصبر مثله. قال أبو بكر أحمد: هذا الذي قال أبو حاتم: لا يجوز إلا في الوقف لأنه ينقل كسرة الراء إلى الباء. قال «1»: من عنزيّ سبّني لم أضربه وقال آخر «2» رأيت ثيابا على جثّة فقلت هشام ولم أخبره

_ (1) عجز بيت لزياد الأعجم وصدره: عجبت والدّهر كثير عجبه وهو من شواهد سيبويه 2/ 287، والمحتسب 1/ 196، والدّرر 2/ 234، والهمع 2/ 208، وفي اللسان مادة/ لمم/. (2) لم نقف على قائله.

حدّثني علي بن سهل بن المغيرة قال حدّثنا عفّان: قال: سمعت سلاما أبا المنذر يقرأ: والعصر [1] فكسر الصاد، وهذا لا يجوز إلا في الوقف. وزعم خلف عن الكسائي أنه كان يستحبّ أن يقف على: منه* وعنه* يشمّ النون الضمّة «1». قال أبو علي: أما إشمام أبي عمرو الياء الكسر فهو مما يجوز في الوقف ولا يكون في الوصل إلا على إجراء الوصل مجرى الوقف ولا يكون في القراءة، وعلى هذا قول الشاعر «2»: فقرّبن هذا وهذا أزحله وأنشد سيبويه أيضا «3»: أنا ابن ماويّة إذ جدّ النّقر وأنشد «4»: عجبت والدهر كثير عجبه من عنزيّ سبّني لم أضربه فعلى هذه الأشياء قوله: وتواصوا بالصبر، وأما تحريك الصاد من العصر فمثل تحريك الباء من الصبر*، فلعلّ القارئ وقف لانقطاع نفس أو عارض منعه من إدراج القراءة، فإذا كان كذلك كان مثل قول أبي عمرو: الصبر* وعلى هذا الوجه تجعله لا على إجراء

_ (1) السبعة 696. (2) لأبي النجم، انظر سيبويه 2/ 287، والمفصل 9/ 71. ومعنى أزحله: أبعده. (3) لعبيد بن ماوية وقد سبق انظر 1/ 98. (4) يريد سيبويه أيضا، وهو الإنشاد الذي استشهد به ابن مجاهد قريبا.

الوصل مجرى الوقف، وأما ما روي عن الكسائي من استحبابه أن يشمّ النون في منه* وعنه* فهو مثل ما ذكرناه من قول الشاعر: من عنزيّ سبّني لم أضربه وقوله: فقرّبن هذا وهذا أزحله والعصر: الدهر، والعصر: اليوم والليلة، قال «1»: ولن يلبث العصران يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما فإبداله اليوم والليلة من العصران يدلّ على أنهما العصران أيضا.

_ (1) البيت لحميد بن ثور في ديوانه ص 6، والعصران: الليل والنهار أو الغداة والعشي. وانظر تهذيب اللغة 2/ 13، واللسان مادة/ عصر/.

سورة الهمزة

ذكر اختلافهم في سورة الهمزة [الهمزة: 2] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: جمع خفيفا، وقرأ الباقون: جمع* بالتشديد «1». قال أبو الحسن: المثقلة أكثر في القراءة، تقول: يجمّع الأموال، أي: يجمعها من هنا ومن هنا، قال: وقال أبو عمرو: جمع خفيف إذا أكثر، وإذا ثقل فإنما هو شيء بعد شيء. قال: وهو كما قال، قال: وهو هنا ثقيل لأنه جمع شيئا بعد شيء. قال أبو علي: قد يجوز أن يكون جمع، ولما يجمع فيما قرب من الوقت ولم يتراخ جمع شيئا بعد شيء، قال: ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. وقال الأعشى «2»:

_ (1) السبعة 697. (2) رواية الديوان: ولمثل الذي جمعت من العدّة تأبى حكومة المقتال لامرئ يجعل الأداة لريب الدّهر لا مسند ولا زمّال

الهمزة: 9

ولمثل الذي جمعت لريب الد هر يأبى حكومة الجهّال لامرئ يجمع الأداة لريب الد هر لا مسند ولا زمّال فالأشبه أن تكون الأداة للحرب لا تجمع في وقت واحد، إنما هو شيء بعد شيء فيجوز على هذا في قول من قرأ: جمع أن يكون جمع شيئا بعد شيء كما يكون ذلك في قول من ثقل، وقال «1»: ولها بالماطرون إذا أكل النّمل الّذي جمعا والنمل لا يجمع ما يدّخر في وقت واحد، إنما يجمع شيئا بعد شيء. [الهمزة: 9] وقال: قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: عمد* [الهمزة/ 9] بضمتين.

_ والمقتال: المحتكم، والمسند: الدعي وهو الذي يدعى لغير أبيه، أو المتّهم في نسبه، والزمال: الضعيف. ديوانه/ 11. (1) البيت مختلف في نسبته لقائله، فمنهم من ينسبه إلى الأحوص وبعضهم إلى يزيد بن معاوية وبعضهم إلى دهبل. انظر الحيوان 4/ 90، والكامل 1/ 384، وسرّ صناعة الإعراب ص 926، والممتع ص 158، والعيني 1/ 148، والخزانة 3/ 278، واللسان (مطرن)، وانظر إيضاح الشعر للمصنّف ص 185، فقد استشهد به هناك لغير ما أنشده هنا. ومعنى البيت: أن النمل يأكل في وقت الشتاء ما جمعه في زمن الصيف. والماطرون: بستان بظاهر دمشق.

وقرأ الباقون وحفص عن عاصم عمد بفتح الميم والعين «1». من قرأ: عمد* جعله جمعا لعمود، وعمود وعمد مثل قدوم، وقدم، وزبور وزبر، وهذا قليل. ومن قال: عمد* فإنهم قد قالوا في جمع عمود عمد، وقالوا أيضا: أفق وأهب وأدم في جمع أفيق وإهاب وأديم، وهذا اسم من أسماء الجميع غير مستمر ومثل جمعهم لفعول على فعل في عمود وعمد، جمعهم لفاعل على فعل، نحو: حارس وحرس، غائب وغيب، ورائح وروح، وخادم وخدم، وهو في أنه غير مطّرد مثل عمد.

_ (1) السبعة 697.

سورة قريش

ذكر اختلافهم في سورة قريش [قريش: 2، 1] قرأ عاصم في رواية أبي بكر: لإئلاف قريش إئلافهم [1، 2] بهمزتين الثانية ساكنة، ثم رجع عنه، فقرأ مثل حمزة بهمزة بعدها ياء. وقرأ ابن عامر: لإلاف يقصرها، ولا يجعل بعد الهمزة ياء، إيلافهم يجعل بعد الهمزة ياء، خلاف اللفظة الأولى. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي: لإيلاف قريش إيلافهم «1». وقال غير أحمد: روى القاسم الخيّاط عن الشموني عن الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: لإيلاف قريش مثل حمزة، إإيلافهم بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء. قال أبو علي: قال أبو عبيدة: تقول العرب: ألفت وآلفت. ذاك لغتان «2». قال أبو ذؤيب «3»:

_ (1) السبعة 698. (2) مجاز القرآن 2/ 312. (3) تمام البيت:

وتؤلف الجوار ويغشيها الأمان ربابها قال التوّزي: أنشدني أبو زيد «1»: من المؤلفات الرّمل أدماء حرّة شعاع الضّحى في جيدها يتوضّح وأنشد غيره «2»: ألف الصّفون فما يزال كأنّه ممّا يقوم على الثلاث كسيرا وقال آخر «3»:

_ توصّل بالرّكبان حينا وتؤلف الجوار ويغشيها الأمان ربابها ويريد بكلمة «توصّل» أن الخمر إذا رأت ركبا، وإنما يريد أهلها، واللفظ على الخمر- توصّل بهم من بلد إلى بلد، وتؤلف بين الجيران: يحب بعضهم بعضا، ويغشيها: أي يلبسها، و «ربابها»: عقودها ومواثيقها التي تأخذها من الناس ويكون الرباب أمانا لها، انظر شرح السكري 1/ 46. (1) لذي الرمّة، وفي الديوان: «في متنها» بدل «في جيدها»، والمؤلفات: اللواتي اتخذن الرمل إلفا، ويتوضّح: يبرق في متنها، الديوان 2/ 1197، الكامل 2/ 692، اللسان مادة/ ألف/. (2) سبق انظر الصفحة 352 من هذا الجزء. (3) أنشده أبو تمام في حماسته في باب الهجاء، وهو لمساور بن هند يهجو بني أسد والإلف والإلاف بمعنى واحد. الحماسة 3/ 1449 بشرح التبريزي، وتفسير القرطبي 20/ 201، واللسان مادة/ ألف/، والبحر المحيط 8/ 514.

زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف والإلف والإلاف مصدر ألف، والإيلاف مصدر آلف. قال أبو علي: أما ما كان يقرؤه عاصم من تحقيق الهمزتين في إئلاف، فلم يكن له وجه، ألا ترى أنّا لم نعلم أحدا حقّق الهمزة في نحو هذا، ولو جاز هذا لجاز في الإيمان، والإيمار: الإئمان والإئمار، إذا أردت مصدر آمن وآمر، [و] لجاز أأدم وأأدر. ومثل ذلك في البعد ما روي عنه من طريق الأعشى عن أبي بكر، إإيلافهم فإنّ ذلك أبعد من الأول لأنه حقّق الهمزتين، وألحق ياء، ولا مذهب لها، ولا وجه في قوله: إإيلافهم ألا ترى أن الهمزة الأولى هي همزة الإفعال الزائدة، والثانية التي هي فاء الفعل من ألف، فالياء لا وجه لها، لأن بعد الهمزة التي هي الفاء ينبغي أن تكون اللام التي هي العين من ألف وإلاف، فالياء لا مذهب لها إلا على شيء لم نعلمه، أخذ به في القراءة، وهو أن يشبع الكسرة فيزيد ياء، أو الضمة فيتبعها واوا، أو الضمة ألفا، فمن زيادة الياء قوله «1»: أو من بني عامر الحمر الجلاعيد وواحدهم زعموا: جلعد .. وكذلك قوله «2»:

_ (1) مجهول القائل، والجلعد: الصلب الشديد. (2) من بيت للفرزدق في ديوانه ص 570 وتمامه: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف وهو من شواهد سيبويه 1/ 10، والخصائص 2/ 315.

نفي الدراهيم ... ومن ذلك قول الآخر «1»: وأقطع النّجود والأوداية إنما هو الأودية، فقلب، كما يقال في الناصية: ناصاة فأشبع الفتحة، فدخلت الألف، ووقع بعدها الياء التي هي لام الفعل والألف، نحو قول الشاعر «2»: وأنت من الغوائل حين تلقى ومن ذم الرّجال بمنتزاح وإنما هو مفتعل من النزح، والواو نحو قول الشاعر «3»: .... أثني فأنظور إنما هو أنظر، ولم نعلم شيئا من ذلك أخذ به في القراءة. فأما قوله عزّ وجلّ: فما استكانوا لربهم [المؤمنون/ 76] فليس افتعلوا من السكون، ولكن استفعلوا من الكون، أي: لم يكونوا لأمر ربّهم، ومعناه: لم ينتهوا إليه ولم يتقبّلوه وكان واستكان مثل: عجب واستعجب، وسخر واستسخر، ولعله رجع عن هذا الوجه كما رجع عن الوجه الآخر، ومثل إيلافهم في أنه لا وجه للياء فيه، شيء ينشده بعضهم، أو سأايلتهم بالياء، ولا وجه له أيضا.

_ (1) عجز بيت ذكره اللسان (ودى) ولم ينسبه، ويقال إنه لسحيم بن وثيل، والبيت هو: أما تريني رجلا دعكاية وأقطع الأبحر والأوداية (2) لابن هرمة سبق في 1/ 81. (3) سبق في 1/ 80

وأما قول ابن عامر: لإلاف قريش وقصره له، ثم قال: إيلافهم، فجاء بالأول على فعال، والآخر على إفعال، فهو سائغ مستقيم، وكذلك قول ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي، فهو مثل قول ابن عامر، فأما اللام في قوله: لإيلاف قريش فقال أبو الحسن: فجعلهم كعصف مأكول [الفيل/ 5] لإيلاف قريش، واعترض عليه معترض فقال: إنما جعلوا كعصف مأكول لبعدهم، ولم يجعلوا كذلك لتأتلف قريش، وليس هذا الاعتراض بشيء لأنه يجوز أن يكون المعنى: أهلكوا لكفرهم، ولما أدّى إهلاكهم إلى أن تألف قريش جاز ذلك، كقوله: ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8] وهم لم يلتقطوه لذلك، فلما آل الأمر إليه حسن أن يجعل علّة للالتقاط. والخليل وسيبويه: فليعبدوا ربّ هذا البيت لإيلاف قريش، أي: ليجعلوا عبادتهم شكرا لهذه النعمة واعترافا لها.

سورة الكافرين

ذكر اختلافهم في سورة الكافرين [الكافرون: 6] قرأ ابن كثير في رواية محمد بن صالح عن شبل وابن سعدان عن عبيد عن شبل عن ابن كثير لا ينصب الياء: ولي دين [6]، وكذلك قرأت على قنبل عن القواس عن أصحابه عن ابن كثير، وكذلك المخزومي عن البزّي والخزاعي عن ابن فليح بالتسكين. أبو عمرو وحمزة والكسائي: ولي ديني ساكنة. وحدّثني محمد بن الجهم عن الهيثم وخلف عن عبيد، وأبو الربيع عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ولي دين نصبا محرّكة وخبّرني مضر عن البزّي عن ابن كثير: ولي دين. حدّثني الدباغ عن أبي الربيع عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ولي دين ينصب، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: ولي دين ساكنة، وروى عنه حفص ولي دين نصبا. وقرأ نافع: ولي دين نصبا في رواية قالون والمسيّبي وابن جمّاز وورش وخارجة وأبي خليد وأبي قرّة. وروى إسماعيل بن جعفر، وأخوه ويعقوب بن جعفر: ولي دين ساكنة، ولم يختلفوا في كسر النون من غير ياء، وقرأ ابن عامر

الكافرون: 5 - 3

في رواية هشام: ولي دين نصبا، وفي رواية ابن ذكوان: ولي دين ساكنة. [الكافرون: 5 - 3] وروى الحلواني عن هشام بن عمّار عن ابن عامر: ولا أنا عابد [الكافرون/ 4]، ولا أنتم عابدون [الكافرون/ 3، 5] بكسر العين فيهنّ كلهنّ، الحواني عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أبي عمرو بكسر العين، وقرأ الباقون بفتح العين «1». القول في إسكان الياء وفتحها من ولي دين أنهما جميعا حسنان سائغان، وأما إجماعهم على حذف الياء من قوله: ولي دين فحسن، وهو كثير سائغ في كلامهم، وزعم سيبويه أن إثبات الياء في نحو ذلك قياس، وقد تقدّم القول في ذلك. وأما إمالة الفتحة من عين عابد وتفخيمها، فهما أيضا حسنان وكثيران فاشيان.

_ (1) السبعة 699.

سورة تبت

ذكر اختلافهم في سورة تبّت [المسد: 1] قرأ ابن كثير: تبت يدا أبي لهب [المسد/ 1] ساكنة الهاء. وقرأ الباقون: أبي لهب محرّكة الهاء، ولم يختلفوا في فتح الهاء من قوله: نارا ذات لهب [3]، وقرأ عاصم: وامرأته حمالة الحطب [4] نصبا. [المسد: 4] وقرأ الباقون: حمالة الحطب رفعا «1». يشبه أن يكون: لهب ولهب، لغتين كالسّمع والسّمع، والنّهر والنّهر، واتفاقهم في الثانية على الفتح يدلّ على أنه أوجه من الإسكان، وكذلك قوله: ولا يغني من اللهب [المرسلات/ 31]. فأما قوله: وامرأته حمالة الحطب فمن رفع حمالة جعله وصفا لقوله: وامرأته ويدلّ على أن الفعل قد فعل، كقولك: مررت بزيد ضارب عمرو أمس، فهذا لا يكون إلا معرفة، ولا يقدر فيه الانفصال، كما يقدّر في هذا النحو إذا لم يكن الفعل واقعا. وزعموا أن في حرف ابن مسعود: وامرأته حمالة للحطب

_ (1) السبعة 700.

بالرفع، وفي حرف أبيّ: ومريئته حمالة للحطب، والحرفان يدلّان على الرفع في حمّالة. فأما ارتفاع امرأته* فيحتمل وجهين أحدهما: العطف على سيصلى [المسد/ 3]، التقدير: سيصلى نارا هو وامرأته، إلا أنه حسن أن لا يؤكد لما جرى من الفصل بينهما، ويكون حمالة الحطب على هذا وجها لها، ويجوز في قوله: في جيدها [المسد/ 5] أن يكون في موضع حال، وفيه ذكر منها يتعلق بمحذوف، ويجوز فيه وجه آخر، وهو أن ترفع قوله: وامرأته بالابتداء، ويكون حمالة الحطب وصفا لها، وفي جيدها، خبرا لمبتدإ، ومعنى: في جيدها حبل من مسد أنها تصلى النار، فكأن التقدير: سيصلى نارا، وهي أيضا: ستصلى نارا، ودلّ قوله: في جيدها حبل من مسد أنها تصلاها أيضا، وجاء في التفسير: أنها كانت تسعى بالنميمة، قال الشاعر: يصف امرأة «1»: ولم تسع بين الحيّ بالحطب الرّطب يريد: أنها لم تسع بالنميمة، وأما النصب في حمالة فعلى الذّم لها، وكأنها كانت اشتهرت بذلك، فجرت الصفة عليها للذم لا للتخصيص والتخليص من موصوف غيرها كقوله «2»:

_ (1) عجز بيت لمجهول صدره: من البيض لم تصطد على ظهر لأمة أي: لم تمش بالنمائم. وجعل الحطب رطبا ليدلّ على التدخين الذي هو زيادة في الشرّ. انظر تفسير القرطبي 20/ 239، واللسان مادة/ حطب/، تهذيب اللغة 4/ 395. (2) البيت لإمام بن أقرم وهو من شواهد سيبويه، وقبله:

ولا الحجّاج عيني بنت ماء تقلّب طرفها حذر الصّقور لم يرد وصفه إياه بالجبن، ولكن ذمّه به وسبّه.

_ طليق اللَّه لم يمنن عليه أبو داود وابن أبي كثير يقول: إنه كان محبوسا فتحيل حتى استنقذ نفسه دون أن يمنّ عليه من حبسه فيطلقه، ووصف الحجّاج بالجبن مع تسلّق الجفنين فجعل عينيه عند تقليبه لهما حذرا وجبنا كعيني بنت ماء، وهي ما يصاد من طير الماء. انظر سيبويه 1/ 254، وابن الشجري 1/ 344

سورة الإخلاص

ذكر اختلافهم في سورة الإخلاص [الاخلاص: 2 - 1] قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي أحد بالتنوين، وقرأ أبو عمرو أحد. الله بغير تنوين، فيما حدّثني به الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن هارون عنه. قال: وحدّثنا عبيد عن أبي عمرو: قل هو الله أحد ثم يقف، فإن وصل قال: أحدن. الله وزعم أن العرب لم تكن تصل مثل هذا، وحدّثني عبد اللَّه بن نصر بن علي عن أبيه «1»، قال: سمعت أبا عمرو يقرأ: أحد* يقف، فإذا وصل ينوّنها، وزعم أنّ العرب لم تكن تصل مثل هذا. وقال أبو زيد عن أبي عمرو أحد. الله لا يصل بمقطوع. وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: أحد* ووقف الله الصمد. حدّثني الجمال عن أحمد بن يزيد عن روح عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: أحد. الله. وقال أبو عمرو: أدركت القرّاء كذلك يقرءونها: أحد. الله، قال أبو عمرو: فإن وصلت نوّنت، هارون عن أبي عمرو: أحد* لا ينوّن وإن وصل «2».

_ (1) في السبعة: عبيد اللَّه بن علي عن علي بن نصر عن أبيه. (2) السبعة 701.

من قرأ: أحدن الله فوجهه بيّن، وذلك أن التنوين من أحد ساكن، ولام المعرفة من الاسم ساكن، فلما التقى الساكنان، حرّك الأول منهما بالكسر، كما تقول: اذهب اذهب، فتجري الساكن الأول بالكسر، ومثل ذلك قوله: فإما ترين من البشر أحدا [مريم/ 26] حرّكت الياء التي هي علامة الضمير لسكونها، وسكون الأولى من الثقيلة، ولولا التقاؤها معها لتركتها ساكنة كما قال «1»: إمّا تري شمطا في الرّأس لاح به من بعد أسود داجي اللّون فينان وأما الألف المنقلبة عن الياء التي هي لام فقد حذفت لسكونها وسكون ياء الضمير بعدها. فأما من قال: أحد الله فحذف النون، فإن النون قد شابهت حروف اللين في أنها تزاد كما يزدن، وفي أنها تدغم فيهنّ كما يدغم كل واحد من الياء والواو في الأخرى، وفي أنها قد أبدلت منها الألف في الأسماء المنصوبة، وفي الخفيفة، وأبدلت من الواو في صنعاني، فلما شابهت حروف اللين ضروبا من هذه المشابهات، أجريت مجراها في أن حذفت ساكنة لالتقاء الساكنين كما حذفت الألف والواو والياء لذلك في نحو رمى القوم، ويغز والقوم ويرمي القوم، ومن ثم حذفت ساكنة في الفعل كما حذف من نحو لم يك [الأنفال/ 53]، فلا تك في مرية* [السجدة/ 23] فحذف في أحد الله لالتقاء الساكنين كما

_ (1) البيت لرومي بن شريك الضبّي. وقد أدرك الإسلام. وداجي اللون: شديد السواد، والفينان. الشجر الكثير الأصول. انظر النوادر/ 192، والمقتضب 2/ 199، واللسان مادة/ فني/.

حذفت هذه الحروف، وكما حذف في نحو: هذا زيد بن عمرو في الكلام، واستمر ذلك فيه، وكثر حتى صار الأصل الذي هو الإثبات مرفوضا فإن جاء في شعر، فكما يجيء في الشعر على الأصل المرفوض، وكان حذفها في هذا الموضع حسنا إذ كانت زائدة تسقط مرة وتثبت أخرى، وقد حذف النون التي هي من نفس الكلمة في قولهم: وملآن، يريدون: من الآن، وإذا خفّف الهمزة على قول من قال: الحمر، لأن اللام في تقدير السكون، فتحذف النون كما تحذف إذا التقى مع ساكن، لأن هذا التحرّك في حكم السكون، وعلى هذا قالوا: هلمّ، فحذفوا الألف من ها، لأن حركة اللام التي هي فاء ليست لها، فهي في تقدير السكون وحذف في نحو قول الشاعر «1»: أبلغ أبا دختنوس مألكة غير الذي يقال ملكذب وحذفت من قوله «2»:

_ (1) مجهول القائل، ورواية البيت « ... غير الذي قد يقال ملكذب». وأبو دختنوس لقيط بن زرارة، ودختنوس سمّاها باسم بنت كسرى، وقوله: ملكذب يراد به «من الكذب». انظر أمالي ابن الشجري 1/ 97، والخصائص 1/ 311، 3/ 275، والمفصل 8/ 35، 9/ 100، واللسان مادة/ ألك/. (2) عجز بيت للنجاشي وصدره: فلست بآتيه ولا أستطيعه يقول بأنه اصطحب ذئبا في فلاة مضلّة لا ماء بها، وزعم أن الذئب ردّ عليه فقال: لست بآت ما دعوتني إليه من الصحبة ولا أستطيعه لأنني وحشي وأنت إنسي ولكن اسقني إن كان ماؤك فاضلا عن ريّك. والبيت من شواهد سيبويه 1/ 9، والخصائص 1/ 310، وابن

ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل فلما حذفت هذه التي هي من نفس الكلمة، كانت الزيادة أجدر بالحذف، وقد جاء حذفها في الشعر كثيرا، أنشد أبو زيد «1»: حيدة خالي ولقيط وعليّ وحاتم الطائيّ وهّاب المئي وأنشد أيضا «2»: لتجدنّي بالأمير برّا وبالقناة مدعسا مكرّا إذا عطيف السّلمي فرّا وقال «3»: فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر اللَّه إلّا قليلا وقال «4»: تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي عن خدام العقيلة العذراء

_ الشجري 1/ 315، والخزانة 4/ 367، وهو الشاهد/ 539/ من شواهد المغني. (1) لامرأة من عقيل، سبق انظر 4/ 185 (عند الكلام على خلافهم في التوبة/ 30). (2) رجز لقائل مجهول ... والمدعس: الطعّان. سبق في 4/ 185 (عند الكلام على التوبة/ 30. (3) لأبي الأسود سبق انظر 2/ 454. (4) لعبد اللَّه بن قيس. سبق انظر 4/ 186 (عند التوبة/ 30).

فعلى هذا حذف في قوله: أحد الله، فأما إعراب اسم اللَّه من قوله: الله أحد فيجوز فيه ضربان من الإعراب: من ذهب إلى أن هو كناية عن اسم اللَّه، كان قوله الله مرتفعا بأنه خبر مبتدأ، ويجوز في قولك أحد ما يجوز في قولك: زيد أخوك نائم. ومن ذهب إلى أن هو* كناية عن القصة والحديث، كان اسم اللَّه عزّ وجلّ عنده مرتفعا بالابتداء، وأحد خبره، وعلى مثل هذا قوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]، إلا أن هي* جاء على التأنيث لأن التقدير اسما مؤنثا «1»، وعلى هذا جاء: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب [الحج/ 46]، فإذا لم يكن في التفسير مؤنث، لم يؤنث ضمير القصة لقوله: إنه من يأت ربه مجرما [طه/ 74]، فأما قوله: أحد فإنه اسم على ضربين: أحدهما: أن يكون اسما، والآخر صفة، فالاسم نحو: أحد وعشرون يريد الواحد، والآخر: أن يكون صفة، كبطل وحسن، وذلك كقول النابغة «2»: كأنّ رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد وكذلك قولهم: واحد يكون على ضربين: يكون اسما كالكاهل والغارب، ومنه قولك في العدد: واحد، اثنان، ويكون وصفا كقوله «3»:

_ (1) كذا الأصل والوجه أن تكون بالرفع. (2) روى الأصمعي: «بذي السليل» وهو موضع. وزال النهار: انتصف. والمستأنس: الذي يخاف الناس. وبذي الجليل: اسم موضع ينبت فيه الجليل وهو الثمام. والوحد: الفرد الذي لا شيء معه. ديوانه/ 6. (3) عجز بيت للكميت وصدره:

وقد رجعوا كحيّ واحدينا فهذا فاعل صفة وعلى هذا قالوا: على حدة، وعلى وحدة، وقد جمعوا أحدا الذي هو صفة، على أحدان، وهذا أحد الذي هو صفة جمعوه على التكسير، كما جمعوا واحدا على التصحيح في قوله: كحيّ واحدينا وهذا جمع لأحد الذي يراد به الرفع من الموصوف، والتعظيم له، وأنه منفرد عن الشبه والمثل وذلك قولهم: أحد وأحدان، شبّهوه بسلق وسلقان، ونحوه قال الشاعر «1»: يحمي الصّريمة أحدان الرجال له صيد ومجترئ بالليل همّاس وقالوا: هو إحدى الإِحَد: إذا رفع منه وعظّم، قال الشاعر «2»: عدّوني الثّعلب فيما عدّدوا

_ فضمّ قواصي الأحياء منهم انظر التاج 2/ 525، والمفصل 6/ 32، واللسان (مادة وحد). (1) لأبي ذؤيب، أو لمالك بن خويلد. وفي الديوان: «ومستمع بالليل هجّاس». والصريمة: موضع. وأحدان الرجال: ما انفرد من الرجال. وهجاس: يهجس ويفكر في نفسه. انظر المفصل 6/ 32، اللسان/ وحد/ شرح السكري 1/ 227. (2) من رجز للمرّار الفقعسي وكان قصيرا مفرط القصر ضئيل الجسم فوصف نفسه قائلا: حسبوني من عداد الثعالب عند لقاء الأبطال أروغ عنهم ولا أكافحهم. واستثاروا: هيّجوا وأنهضوا. وإحدى الأحد: أي الأمر المشتدّ. أو واحد لا نظير له. ورواية الأغاني: عدّوني الثعلب عند العدد. انظر الأغاني 10/ 324، والخزانة 3/ 293.

حتى استثاروا بي إحدى الإِحَد ليثا هزبرا ذا سلاح معتدي قال: يقال: هو إحدى الإِحَد، وواحد الأحدين، وواحد الآحاد. فأما وصل أحد وتحريك التنوين فالكسر في أحدن الله القياس الذي لا إشكال فيه، وأما الوصل على السكون نحو أحد الله فإنه يشبّه بالفواصل، وقد تجري الفواصل في الإدراج مجراها في الوقف، فتتبع الحروف التي تتبع في الوقف في الإطلاق، فكذلك الفواصل، وعلى هذا قال من قال: فأضلونا السبيلا ربنا آتهم، [الأحزاب/ 67، 68]، وما أدراك ماهيه نار [القارعة/ 10، 11] ... وعلى الإسكان ننشد نحو «1»: إذا ما انتسبت له أنكرن وجار أجاوره «2» وليس البيت، وإن استكمل قافيته، وما يقتضيه من حروف الروي، وما يتبعه بمنقطع مما بعده، ألا ترى أنّ فيه التضمين، وليس التضمين بعيب، وإن كان غيره أحسن منه، وفيه نحو «3»:

_ (1) عجز بيت للأعشى وصدره: ومن شانئ كاسف وجهه سبق انظر 5/ 34. (2) من بيت للفرزدق وتمامه: فأصبحت أعطى النّاس للخير والقرى عليه لأضياف وجار يجاوره انظر ديوانه 1/ 348. (3) للربيع بن ضب والبيتان:

ولا أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه فهذا مبني على وصل البيت الأول بالبيت الثاني، ألا ترى أنه قد نصب الذئب كما نصب نحو قوله: والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31] بعد قوله: يدخل من يشاء في رحمته [الإنسان/ 31]، فكذلك الفواصل إذا أدرجت ووصلت بما بعدها، ومما يؤكد ذلك قطعهم لهمزة الوصل في أنصاف البيوت كقوله «1»: ولا يبادر في الشتاء وليدنا القدر ينزلها بغير جعال فهذا لأن النصف الثاني من الأول كالبيت الثاني من الأول، ألا ترى أن فيه التصريع والخرم «2» كما يكون في البيوت التامّة التي ليست بأنصاف، وكذلك أحد الله لما كان أكثر القراء فيما حكى أبو عمرو

_ أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الريح والمطرا سبق انظر 4/ 303. (1) للبيد وليس في ديوانه. وهو من شواهد سيبويه. يقول: إذا اشتد الزمان فوليدنا لا يبادر القدر حسن أدب، والجعال خرقة تنزل بها القدر. انظر سيبويه 2/ 274. (2) التصريع: هو تغيير عروض البيت رويا ووزنا. والخرم: هو تغيير يطرأ على التفاعيل في البيت. انظر الدروس العروضية للغلاييني.

الاخلاص: 4

على الوقف، أجراه في الوصل مجراه في الوقف لاستمرار الوقف عليه، وكثرته على ألسنتهم، [الاخلاص: 4] فأما قوله: ولم يكن له كفؤا أحد [الإخلاص/ 4] فإن له* ظرف غير مستقر، وهو متعلق بكان. وكفؤا* منتصب بأنه خبر مقدّم، كما كان قوله: وكان حقا علينا نصر المؤمنين [الروم/ 47] كذلك. وزعموا أن من البغداديين من يقول أن في قوله: ولم يكن له كفؤا أحد أن في يكن ضمير مجهول، وقوله: كفؤا* ينتصب على الحال، والعامل فيها له، وهذا إذا أفردته عن يكن كان معناه: له أحد كفؤا، وإذا حمل على هذا لم يسغ. ووجه ذلك أنه محمول على معنى النفي. وكأنه: لم يكن أحد له كفؤا، كما كان قولهم: ليس الطيب إلا المسك، محمولا على معنى النفي، ولولا حمله على المعنى لم يجز، ألا ترى أنك لو قلت: زيدا لا منطلق، لم يكن كلاما، فكما أن هذا محمول على المعنى، كذلك له كفؤا أحد على المعنى، وعلى هذا جاز أن يكون أحد فيه الذي يقع لعموم النفي لولا ذلك لم يجز أن يقع أحد هذا في الإيجاب، فإن قلت: أفيجوز أن يكون قوله له* عندكم حالا، على أن يكون المعنى: ولم يكن كفؤا له أحد: فيكون له صفة للنكرة، فلما قدّم صار في موضع حال كقوله «1»: لعزّة موحشا طلل

_ (1) صدر بيت لكثير عزّة- وعجزه: يلوح كأنّه خلل من شواهد سيبويه 1/ 276، وهو الشاهد رقم 132 و 802 و 1119 من شواهد المغني وفيه: «لمية موحشا طلل»، والخزانة 1/ 531، وفي ديوان كثير 2/ 210 وينسب لذي الرمّة وليس في ديوانه. والخلل: ج خلّة وهي البطانة المنقوشة التي يلفّ بها جفن السيف.

فإن سيبويه قال: إن ذلك كلام يقلّ في الكلام، وإن كثر في الشعر، فإن حملته على هذا على استكراه كان غير ممتنع، والعامل في قولك: له* إذا كان حالا يجوز أن يكون أحد شيئين: أحدهما يكن* والآخر: أن يكون ما في معنى كفء من معنى المماثلة. فإن قلت: إن العامل في الحال إذا كان معنى لم يتقدّم الحال عليه، فإن له* لما كان على لفظ الظرف، والظرف يعمل فيه المعنى وإن تقدّم عليه كقولك: أكل يوم لك ذنوب، كذلك يجوز في هذا الظرف ذلك من حيث كان ظرفا، وفيه ضمير في الوجهين يعود إلى ذي الحال، وهو: كفؤا*. وأما كفؤا* قال أبو عبيدة: كفء وكفيء وكفاء واحد «1»، والدلالة على الكفاء قول حسان «2»: وجبريل رسول اللَّه منّا وروح القدس ليس له كفاء والكفيء قول الآخر «3»: أما كان عبّاد كفيئا لدارم بلى ولأبيات بها الحجرات

_ (1) مجاز القرآن 2/ 316. (2) انظر ما سبق 2/ 176. (3) البيت الرجل من الحبطات وهم بنو الحارث بن عمرو بن تميم وكان قد خطب امرأة من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فقال الفرزدق: بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع وتنكح في أكفائها الحبطات فأجابه الرجل من الحبطات فقال: أما كان ... البيت. وعباد يريد: بني هاشم. انظر الكامل 1/ 64، و 2/ 68، وتفسير الطبري 26/ 121.

وحكى غيره: كفؤ، وكفء، والأصل: الضم فخفّف مثل: طنب وطنب، وعنق وعنق، فإن خفّفت الهمزة من كفء احتمل أمرين: أحدهما: أن يخفّفه على قول من قال: الخب في السموات والأرض [النمل/ 25]، والآخر: أن تخفّفه على قول من قال: الكماة والمرأة. فإن خفّفت على الوجه الأول قلت: كفا أحد، وإن وقفت عليه قلت: كفا، الألف فيه بدل من التنوين، وإن خفّفت على القول الثاني قلت: كفا أحد أيضا، فإن وقفت على هذا قلت: كفا ولا خلاف في أن الألف بدل من التنوين في موضع النصب، كما يختلفون إذا كان في موضع الرفع والجرّ، وإن خفّفت كفؤا* الذي هو على وزن عنق، قلت: كفوا فأبدلت من الهمزة الواو كما أبدلتها إذا خفّفت نحو: جون، وتودة، وإنما أبدلت منها الواو لأنك لم تخل في التخفيف من أن تبدل أو تجعلها بين بين، فلم يجز أن تجعلها بين بين، لأنه يلزم أن تجعل بين الألف والهمزة، والألف لا يكون ما قبلها حرفا مضموما، فكذلك ما قرب منها لم يجز أن يكون ما قبلها إلا مفتوحا، ألا ترى أنه لما قرب من الساكن لم يجز أن يبتدأ بها، كما لم يجز أن يبتدأ بالساكن، فلما لم يجز ذلك أبدل الواو منها كما أبدل منها الياء في نحو: مير، وغلاميبيك «1»، لمثل ما ذكرناه في الواو، فإن وقفت على هذا قلت: كفوا وكانت الألف فيه كالألف في قولك: نصبت عنقا، فإن خفّفت الحركة قلت: كفوا* فأسكنت الفاء، وأبقيت الواو، كما كان مع إشباع الحركة، فإن قلت: هلّا رددت الهمزة مع الإسكان، لأن الضمة التي أوجبت قلبها واوا قد زالت؟ قيل: قرّرت الواو، ولم تردّ الهمزة لأن الحركة في النيّة، فلمّا كانت في النيّة، كانت

_ (1) انظر سيبويه 3/ 543 (ت. هارون). والمئرة: الذحل والعداوة.

بمنزلة الثابتة في اللفظ، كما كانت في نحو: لقضوا الرجل، وفي قولهم: رضي بمنزلة الثانية في اللفظ، ولذلك رفض جمع رداء وكساء على فعل، لأنه لو جمع عليه كانت الضمّة المنويّة بمنزلة الثابتة في اللفظ، فإن قلت: فهلّا كان التخفيف على هذا ولم يكن التخفيف على كفا، لأن الحركة في النيّة، قيل: إن التخفيف لما كثر استعمالهم له وإجراؤه عليه، صار كأنه لغة بنفسه، كما أن كفاء وكف ءا كذلك، وكذلك قالوا: لبوة ولباة، فهذا على المراة، فلذلك خفّف على حدّ ما خفّف الخبء [النمل/ 25] ونحوه، فنقول: إذا أشبعت ولم تخفّف: كفؤا* وإذا خفّفت كفوا* تثبت الواو في الوجهين جميعا، كما تثبت في جون والتودة، والقراءات التي ذكرناها لا تخرج عن هذه الوجوه التي كتبناها.

سورة الفلق

ذكر اختلافهم في سورة الفلق [الفلق: 5] قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: حاسد [5] بفتح الحاء، قال: وخبّرني الجمال عن أحمد بن يزيد عن روح عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: حاسد بكسر الحاء «1». قال أبو علي: التفخيم والإمالة في هذا النحو حسنان. ذكر اختلافهم في سورة الناس [الناس: 1] كلهم قرأ: الناس [1] غير ممالة: إلا ما روى الحلواني عن أبي عمر الدوري عن الكسائي أن قراءته كانت بإمالة النون في الناس في موضع الخفض، ولا يميل في الرفع والنصب «2». قال أبو علي: القول في ذلك: أن إمالة الناس في الآية لا

_ (1) السبعة 703. (2) السبعة 703.

إشكال في حسنه وجوازه، وذلك أنه لو كان مكان الناس، نحو: المال والعاب، لجازت إمالة الألف فيه لكسرة الإعراب، فإذا كان الناس كان أحسن، لأن هذا الحرف قد أميل في الموضع الذي لا يوجب القياس إمالته فيه، كما أميل: الحجّاج، إذا كان علما، لأنهما كثرا في الكلام واستجيز ذلك فيهما للكثرة. فإذا أميل الناس* حيث لم يكن معه شيء يوجب الإمالة للكثرة، فأن يمال لكسرة الإعراب، أجدر، والناس* أصله: الأناس، فحذفت الهمزة التي هي فاء، ويدلّك على ذلك الأنس والأناس، فأما قولهم في تحقيره: نويس، فإن الألف لمّا كانت ثانية زائدة أشبهت ألف فاعل، فكما قلبت واوا لشبهه ألف فاعل، كذلك جازت الإمالة فيه في المواضع التي أميل الاسم فيه لذلك «1». تمّ الجزء الرابع وهو آخر كتاب الحجة، والحمد للَّه ربّ العالمين، وصلواته على نبيّه محمد وعلى أهله وسلامه، وذلك في المحرّم يوم عاشوراء من سنة ثمان وعشرين وأربعمائة «2»

_ (1) في هامش الأصل- ابن غلبون- ما نصّه: قابلت جميعه فصحّ إن شاء اللَّه. (2) [كما تم بحمد اللَّه وحسن توفيقه التعليق على الكتاب، واستكمال تحقيقه ومراجعته، وتصحيحه، والنظر فيما قام به الإخوة الزملاء: الأساتذة أحمد دقاق، وبشير جويجاتي، وبدر الدين قهوجي، جزاهم اللَّه خيرا، وذلك بحسب الوسع والطاقة، وجل المنزه عن الخطأ والسهو. وصلى اللَّه وسلم على خاتم المرسلين، وصفوة أنبيائه (كتبه عبد العزيز رباح)] يتلوه الفهارس العامة للكتاب.

الفهارس

بسم الله الرّحمن الرّحيم تقديم لقد شاءت إرادة الله- عزّ وجل- أن تكون «فهارس كتاب الحجّة للقراء السبعة» التي بين يدي القارئ الكريم، آخر الأعمال العلمية لأستاذنا العالم المحقّق المدقّق الأستاذ عبد العزيز رباح، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه وجمعنا به يوم القيامة تحت لواء سيد المرسلين. ولقد كانت هذه «الفهارس» شغل أستاذنا الشاغل في آخر حياته وهو يصارع المرض الذي ألم به، وكأنه كان يحرص على الانتهاء منها قبل أن تنتهي أيامه على ظهر هذه الأرض، وقبل أن يبدأ رحلته إلى دار الخلود والنعيم المقيم إن شاء الله، ولطالما حدثني عن حرصه على إعدادها على كثرة مشاغله وتعدد ارتباطاته، فقد كان يدير العمل في دار المأمون للتراث ويشرف بنفسه على جميع الأعمال العلمية والفنية التي صدرت عنها، وقد ألزم نفسه أمر تدقيق وتصحيح ما أصدرته الدار من الكتب على تنوعها لأنه كان شديد الحساسية تجاه ظهور الأخطاء المطبعية وغير المطبعية في منشورات الدار التي كان يحرص على اسمها حرصه على اسمه وربما أكثر من ذلك لأنه أراد لها أن تكون حصنا من حصون العربية والتراث الأصيل. والناظر فيما أخرجته دار المأمون للتراث خلال ما يزيد على العشرين عاما من إدارته لها ينتهي إلى ما ذكرته، فقد صدرت عنها مجموعة من المصنفات التراثية المتخيرة وفي علوم مختلفة تشكل مع بعضها مكتبة بيتية قيمة. وما من زائر- مهتم بالتراث عموما- ممن زار دمشق في السنوات الأخيرة إلا وكان يحرص على زيارة دار المأمون والالتقاء بصاحبها الناشر العالم والاستفادة من

الجلوس إليه. ولقد حظيت الدار في أيامه بشهرة واسعة في الأقطار العربية والأقطار الإسلامية. وهذه «الفهارس» تفتح مغاليق كتاب «الحجّة» وتسهل على القراء- والباحثين منهم على وجه الخصوص- أمر الاستفادة منه من أقرب سبيل. وإذا علمنا بأن أبا عليّ الفارسي كان في الذروة العليا من فنون العربية وما يتصل بها، أدركنا أهمية الكتاب وأهمية فهارسه وأهمية عمل أستاذنا عبد العزيز رباح في إعدادها وهو الباحث الحصيف المتمكن الذي عانى كما عانى الكثير من أهل صناعة التحقيق من المراجعة في الكتب التي لم تفهرس على الوجه الصحيح، فأراد لكتاب «الحجّة» أن يكون حجّة له يوم الدّين بإعداده لفهارسه على هذا النحو من الإتقان ومراجعته وتدقيقه السابق للكتاب ككل، فجزاه الله تعالى الجزاء الأوفى على حسن صنيعه في هذه الفهارس وسواها مما سبق له إخراجه وجعل مقامه في علّيين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. دمشق الشام في 22/ شعبان المعظم/ 1419 هـ خادم تراث الأسلاف محمود الأرناءوط

استدراك

استدراك الحمد لله خالق كل شيء ومقدر المقادير، سبحانه وتعالى له البقاء وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وبعد، فعند فراغ والدي الأستاذ عبد العزيز رباح من صنع هذه الفهارس، توفاه الله وقضى أجله، فحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد كان رحمه الله لي أبا ونعم الأب، وحبيبا لا ينضب حنانه وعطفه، وأستاذا فاضلا وشيخا معلما وناصحا، وكان حريصا على امتثال أوامر الله جاعلا من التزامه أولا بها أسلوبا في تعليمه أبنائه وتوجيههم، وكان غفر الله له يخشى الله فهو دائم المراقبة له في فعله وقوله وتعامله مع خلقه، ولا يخشى في الله لومة لائم ولا انتقاد جاهل، مع حرصه على اللطف والدماثة بوجه طليق وكلام لين، وكان أثابه الله في آخر عمره ممتحنا في صحته فأشهد أنه صبر لينال ثواب ربه القائل: إنّما يوفّى الصّبرون أجرهم بغير حساب وليكون إن شاء الله ممن ورد فيهم قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطي أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض». وما متابعته العمل في التحقيق أثناء مرضه إلا تدليلا على صبره في بلائه. فأسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يجزيه جزاء المؤمنين الصابرين وأن يحشرنا وإياه وجميع المسلمين مع الأنبياء والصالحين في جنات النعيم آمين. فيا أخي القارئ الكريم، هذه الفهارس بين يديك صنعت لتكون عونا لك على الإفادة من كتاب الحجة للقراء السبعة بذل فيها جامعها الجهد والاستطاعة رجاء دعوة صالحة فلا تنساه منها وإن وجدت خطأ ولا يخلو العمل منه فنرجو إبلاغنا به جزاك الله خيرا وجعلك من خادمي العلم. وما من كاتب إلا سيفنى ... ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطّك غير شيء ... يسرّك في القيامة أن تراه وكتبه: هيثم عبد العزيز رباح في 17 شعبان 1419 هـ

عبد العزيز بن إسماعيل رباح (1354 - 1419 هـ) (1935 - 1998 م)

عبد العزيز بن إسماعيل رباح (1354 - 1419 هـ) (1935 - 1998 م) ولد بدمشق لأسرة متوسطة الحال عالية الشأن في النسب والأرومة. وتلقى تعليمه بمدارسها، وتخرج من جامعتها قسم اللغة العربية وآدابها وحاز على درجة الليسانس في الآداب عام 1960 ميلادي، وكان في عداد المتفوقين من زملائه. حضر دروس العلم وحلقاته واستفاد من مجالسة شيوخ العلم، وفي الطليعة منهم الشيخان العالمان الفاضلان شعيب الأرناءوط وعبد القادر الأرناءوط. مارس التدريس في ثانويات دمشق وسواها في سورية، واختير مدرسا للعربية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لسنوات عدة. انصرف إلى العمل في تحقيق كتب التراث والعناية بها منذ سنوات طويلة بإشراف أستاذنا الشيخ شعيب الأرناءوط الذي ربطته به صلة وثيقة، ثم أصبح أستاذا في فن التحقيق والنشر وما يتصل بهما، وقد حقق بنفسه وشارك في تحقيق ومراجعة العديد من الكتب منها: 1 - جمال الخواطر في الأدب والنوادر، للسمان الحموي. 2 - الحجة للقراء السبعة، لأبي علي الفارسي. 3 - رياض الصالحين، للإمام النووي. 4 - شرح أبيات مغني اللّبيب، للبغدادي. 5 - النابغة الجعدي، الصادر عن المكتب الإسلامي بدمشق. وغيرها كثير.* وقدّم لمصورة مخطوطة كتاب «تهذيب الكمال» للحافظ المزّي ونقح أصلها وصنع لها فهرسا بأسماء الرجال. أسس دار المأمون للتراث مع آخرين لإخراج ما كان بذهنه من الأعمال العلمية عام 1375 هـ- 1975 م. كان في عداد الخبراء في شئون المخطوطات العربية وأماكن وجودها. تأثر به عدد كبير من المشتغلين بالتحقيق في بلاد الشام وسواها ومنهم كاتب هذه الترجمة. كانت له رحلات علمية إلى بلاد عربية كثيرة. رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه وعوض المسلمين خيرا. محمود الأرناءوط

المقدمة

المقدمة الحمد لله الذي تتمّ بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله رسوله وخاتم أنبيائه المبعوث رحمة وحامل لواء الحمد يوم الدين صلّى الله عليه وسلم وبعد، فقد آذن الله سبحانه بإصدار فهارس كتاب الحجة للقراء السبعة وقد بذلنا فيه الجهد الذي يستحقه والوسع، وقد أصدرناه وقسمنا فهارسه على النحو التالي: أولا- فهارس الموضوعات. ثانيا- فهرس القراءات: وهي لب الكتاب، واكتفينا فيها بذكر الآية التي اختلف القراء فيها. ثالثا- فهرس الأشعار: وقد رتبناه على النحو التالي: القافية الساكنة والمضمومة والمكسورة، وفي كل قسم من هذه الأقسام أيضا قمنا بترتيبه على حسب تسلسل بحور الشعر: الطويل- المديد- البسيط- الوافر- كامل- هزج- رجز- الرمل- ... كل ذلك مع ذكر الشاعر عند معرفته أو تركه مغفلا عند عدم القدرة على معرفة اسمه. رابعا- فهرسة للأعلام وورودها في الكتاب بحسب أجزائه. خامسا- فهرسنا الآيات التي ورد لها تفسير عند المؤلف مرتبة بحسب ورودها في السور والأجزاء. سادسا- فهرسنا القراءات التي وردت عرضا في الكتاب وليست من القراءات السبعية. سابعا- فهرسنا الفوائد النحوية والصرفية الواردة. ثامنا- قمنا بفهرست الكلمات اللغوية الغريبة نوعا ما ولم نراع في ذلك إلا

ابتداء الكلمة بحرفها وليس على الترتيب المعجمي. تاسعا- فهرسنا الأحاديث الواردة ورتبناها ترتيبا هجائيا حسب ابتداء الحديث وأضفنا إليها ما ورد من أثر عن الصحابة. عاشرا- فهرس المراجع بغير ترتيب. حادي عشر- فهرسنا ما ورد من أمثال مرتبة هجائيا حسب الحرف الأول. ثاني عشر- ألحقنا ما بدا لنا في الكتاب من أخطاء مطبعية واستدراكات ليعمد القارئ إلى تصحيحها والأخذ بها قبل أن يقرأ الكتاب. ولا نستطيع أن نزعم لأنفسنا أننا قمنا بعمل خال من الأخطاء والاستدراكات فإن العصمة لا تكون إلا لكتابه سبحانه. ونأمل ممن يجد خطأ أن يلفت نظرنا إليه مشكورا والله نسأل أن ينفع به قارئه والحمد لله أولا وآخرا. عبد العزيز رباح

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات الموضوع الجزء/ الصفحة- حجة من اختار قراءة مالك في المعنى 1/ 15 - رد أبي علي على من اختار القراءة بملك على مالك وتفضيله لها إذا في التنزيل أشياء تقدمها العام على الخاص. والاستدلال على ذلك 1/ 18 - الحجة لمن قرأ بالصاد أن القراءة بالسين مضارعة لما أجمعوا على رفضه من كلامهم ألا ترى أنهم تركوا إمالة (واقد) ونحوه كراهة أن يصعّدوا بالمستعلي بعد التسفّل بالإمالة؟ فكذلك يكره على هذا أن يتسفل ثم يتصعد بالطاء في (سراط) 1/ 51 - مما يقوي مضارعة الصاد (الصراط) بالزاي أنهم حيث وجدوا الشين مشبهة للصاد والسين في الهمس والرخاوة والاستطالة إلى أعلى الثّنيتين ضارعوا بها الزاي لمّا وقع بعده الدال ليتفقا في الجهر، وذلك نحو قولهم: أزدق في الأشدق، وكذلك فعلوا بالجيم قبل الدال لقربها من الشين وذلك قولهم: أزدر في الأجدر- وحجة من خالف ذلك. فأخلص الصاد وحققها 1/ 55 - حجة من قرأ (عليهم) فكسر الهاء وأسكن الميم 1/ 60 - حجة من قرأ (عليهم) (وانظر ص 83) وحجة من ضم الميم إذا لقيها ساكن بعد الهاء المكسورة (وانظر ص 95) 1/ 61 - حجة من كسر الهاء إذا لم يلق الميم ساكن وضمها إذا لقي الميم ساكن 1/ 108

- الحجة لاختلافهم إذا حركوا الميم لساكن يلقاها مثل قوله تعالى: عليهمو الذلة 1/ 117 - الحجة لحمزة والكسائي في قراءتهما عليهم الذلة [البقرة: 61] ومن دونهم امرأتين [القصص: 23]- حجة من قرأ (عليهمو) 1/ 59 - حجة من قرأ (عليهم) فكسر الهاء وأسكن الميم 1/ 59 - حجة من قرأ (عليهم) 1/ 60 - حجة من كسر الهاء إذا لم يلق الميم ساكن وضمها إذا لقي الميم ساكن 1/ 61 شواهد الإمالة- أخذت أخذه وضربت ضربه 1/ 62 - مما يدل على خفاء الهاء ومشابهتها الألف والياء: - أنها إذا كانت إضمار مذكر بعد حرف ساكن أو مجزوم حركوا الساكن أو المجزوم بالضم وذلك قولهم في الوقف: «لم يضربه، وقده، ومنه» - ومن ذلك أنهم حذفوها لاما كما حذفوا الياء وأختها وذلك نحو: شاة، وشفة وسنة- ومن ذلك أنهم أبدلوها من الياء «ذه أمة الله» - ومن ذلك أنهم أبدلوا الياء منها في التضعيف «دهدهت في دهديت» - ومن ذلك أنهم أبدلوا الهمزة منها لاما في «ماء» .... 1/ 64، 67، (88). - ما يسكن استخفافا وهو عندهم متروك- منتفخا- و (يخشى الله ويتّقه) 1/ 66 - إجراء الوصل مجرى الوقف نحو: سبسبا- اشتر لنا سويقا 1/ 67 - التخفيف على ضربين: تخفيف قياس وتخفيف قلب على غير قياس 1/ 94 - الحجة لمن كسر الهاء من (فيه هدى) ولم يلحقها التاء فيقول (فيهي هدى) [البقرة: 2] 1/ 207

- الحجة لابن كثير في اتباعه هذه الهاء في الوصل أو الياء وتسويته بين حذف اللين وبين غيرها من الحروف إذا وقعت قبل الهاء .. 1/ 211 - بسم الله: الإعراب- (آمن) والكلام عن أصل ألفها هل هي زائدة أو منقلبة أو أصلية. 1/ 235 - حجة من قرأ (يؤمنون) [البقرة: 3] بتحقيق الهمز 1/ 238 حجة من لم يهمز (يؤمنون) [البقرة: 3] 1/ 240 - اختلفوا في (أإله مع الله) [النمل: 60] 1/ 244 - اختلفوا في (أإنكم) [الأنعام: 19] 1/ 244 - خلافهم في: (أأنت قلت للناس) [المائدة: 16] 1/ 244 - اختلفوا في قوله عز وجل: أأنذرتهم [البقرة: 6] 1/ 244 - اختلفوا في (أإنكم) [فصلت: 9] 1/ 244 - بسم الله الإعراب: قوله تعالى: سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم [البقرة: 6] 1/ 264 - إعراب (لا يؤمنون) [البقرة: 6] 1/ 268 - حجة من حقق الهمزتين عند التقائهما في قوله: (أأنذرتهم) (البقرة: 6] 1/ 274 - الحجة لمن قال: أأنذرتهم [البقرة: 6] فلم يجمع بين الهمزتين وخفف الثانية 1/ 275 - حجة من فصل بين الهمزتين بألف وخفف الهمزة الثانية مع الفصل بينهما بألف 1/ 285 - حجة من رفع فقال: وعلى أبصارهم غشاوة [البقرة: 7] 1/ 309 - حجة من قرأ: يخدعون [البقرة: 9] 1/ 317 - زاغت الأبصار [الأحزاب: 10] 1/ 320 - قوله عز وجل: فزادهم الله مرضا [البقرة: 10] 1/ 320 - بل ران على قلوبهم [المطففين: 14] 1/ 320

- فأجاءها [مريم: 23] 1/ 320 - خاب [طه: 61] 1/ 321 - شاء [البقرة: 20] 1/ 322 - جاء [النساء: 43] 1/ 322 - فلما زاغوا- أزاغ الله قلوبهم [الصف: 5] 1/ 325 - وجه قول من أمال الألف في زاد 1/ 326 - الاتساع في الكذب الذي هو نطق ليجعل غير نطق وشواهد على ذلك 1/ 331 - 337 - اختلفوا في ضم أوائل هذه الحروف وأخواتها وكسرها. فقرأ الكسائي (قيل) [البقرة: 11] 1/ 340 غيض [هود: 44] سيء [هود: 77] [العنكبوت: 33] 1/ 340 - شيئت [الملك: 27] 1/ 340 - حيل [سبأ: 54]- سيق [الزمر: 71، 73]- جيء [الزمر: 69] [الفجر: 23] 1/ 340 - حجة من قال وإذا قيل لهم [النور: 11] فأشم الضمة الكسرة وأمال بها نحوها 1/ 345 - حجة من قال: قيل [البقرة: 11] فأخلص الكسرة ولم يحرك لضمة ممالة نحو الكسرة 1/ 348 - الحروف التي تنقل حركاتها إلى ما قبلها على ضربين 1/ 348 - بسم الله. قال حمزة يقف على مستهزئون بغير همز وكأنه يريد الهمز- الصابئين [البقرة: 62] 1/ 351 - ليواطئوا [التوبة: 37] 1/ 351 - ويستنبئونك [يونس: 51] 1/ 351 - متكئون [يس: 56] 1/ 351

- فمالئون [الصافات: 66] 1/ 351 - الخاطئون [الحاقة: 37] 1/ 351 - الصابئين [الحج: 17] 1/ 351 - الصابئون [المائدة: 69] 1/ 351 - اختلاف النحويين في تخفيف الهمزة في يستهزئون وبيان ذلك 1/ 353 - مجلس لأبي الحسن الأخفش بوجود مروان بن سعيد المهلبي والجرمي 1/ 354 - 356 - تخفيف الهمزة المفتوحة وقبلها ضمة أو كسرة وأمثلة عليها 1/ 359 - اشتروا الضلالة [البقرة: 16] ضم الواو اتفاق 1/ 368 - الإمالة وأماكن ورودها في الآيات القرآنية 1/ 375 - 379 - اتفقوا على (يخطف) [البقرة: 20] أن طاءه مفتوحة. اختلفوا في فتخطفه [الحج: 31] 1/ 390 - قوله تعالى: على كل شيء قدير [البقرة: 20] والأرض [البقرة: 22] والأسماء [البقرة: 31] الآخرة [البقرة: 94] كان حمزة يسكت سكتة خفيفة على الياء واللام 1/ 391 - روى ورش عن نافع أن كان يلقي حركة الهمزة على اللام التي قبلها مثل الأرض والآخرة والأسماء ويسقط الهمزة 1/ 392 - قد أفلح [الأعلى: 14] بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على ما قبلها 1/ 392 - قد أفلح [المؤمنون: 1] 1/ 392 - قد أفلح [الشمس: 9] 1/ 392 - من اله [القصص: 71، 72] 1/ 392 - نافع: إذا الفتح ما قبل الواو والياء وهي ساكنة في آخر الكلمة ولقيتها همزة ألقى عليها حركة الهمزة وأسقط الهمزة خلوا

إلى شياطينهم [البقرة: 14] 1/ 392 - نبأ ابني آدم [المائدة: 27] 1/ 392 - الكلام عن تخفيف الهمزة في قوله: شيء ونظائرها 1/ 396 - ذكر اختلافهم في إمالة الألف التي تليها الراء مذهب نافع في ذلك 1/ 389 - مذهب ابن كثير وابن عامر وعاصم 1/ 399 - مذهب الكسائي في ذلك 1/ 400 مذهب حمزة 1/ 400 مذهب أبي عمرو 1/ 401 - مذهب عبد الله بن كثير وابن عامر وعاصم في ذلك 1/ 404 - مذهب أبي عمرو في إمالة ما كان في رءوس الآي إذا كانت السورة أو آخر آياتها الياء 1/ 404 - اختلفوا في الهاء من قوله: فهو وهي إذا كان قبلها لام أو واو أو ثم أو فاء. والكلام على مذهب القراء في ذلك. - اختلفوا في تحريك الياء التي تكون اسما للمتكلم إذا انكسر ما قبلها مثل قوله إنّي أعلم [البقرة: 30] والأنفال ويونس وهود، والتوبة، وغافر والحجر ويوسف 1/ 411 - الأفعال المتعدية إلى المفعول به وأضربها الثلاثة 2/ 40 - اختلفوا في إلحاق الألف وإخراجها من قوله تعالى: وعدناكم [طه: 80] 2/ 56 - الحجة لمن يقرأ واعدنا ووعدنا [البقرة: 51] 2/ 66، 67 - واختلفوا في قوله تعالى: اتخذتم [البقرة: 51] وأخذتم [آل عمران: 81] ولتخذت [الكهف: 77] 2/ 67 - تقسيم حروف المعجم عند أبي علي على ضربين ساكن ومتحرك، وأقسام كل منهما عنده وتفضل ذلك 2/ 78

- واختلفوا في قوله: النبيين [البقرة: 61] والنبيّون [البقرة: 136] والنبوة [آل عمران: 79] والأنبياء [آل عمران: 12] والنبي [آل عمران: 68]- في الهمز وتركه 2/ 87 - اختلفوا في الصابئون [المائدة: 69] في الهمزة وتركها 2/ 94 - الإعراب: من حقق الهمزة فقال: الصابئون ومن خففها وتفصيل ذلك 2/ 96 - زعم عيسى أن: كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم من العرب من يثقله ومنهم من يخففه وأمثلة لذلك 2/ 105 - واختلفوا في اسارى تفدوهم [البقرة: 85] في إثبات الألف في الحرفين وإسقاطها، وفي فتح الراء وإمالتها 2/ 143 - فعل نزل اللازم وأضرب تعديه إلى مفعول به مع أمثلة لذلك 2/ 158 - قصة الغرانيق وردها 2/ 182 - 184 - النسخ وأقسامه 2/ 180 - 188، 202 - قال أحمد بن موسى: كما سئل [البقرة: 108] مضمومة السين- مكسورة الهمزة في قراءتهم جميعا 2/ 217 اختلفوا في قوله عز وجل: إبراهيم [البقرة: 124] 2/ 226 - إعراب: ولكل وجهة هو موليها [البقرة: 148] 2/ 238 - الرياح وأنواعها 2/ 250 - قال أحمد: اتفقوا على تسكين اللام الأمر إذا كان قبلها واو أو فاء في جميع القرآن. واختلفوا إذا كان قبلها ثم 2/ 275 - واختلفوا في البيوت والعيون والشيوخ والغيوب والجيوب في ضم الحرف الأول من هذه كلها وكسره 2/ 280

- اختلفوا في إمالة الألف وتفخيمها في قوله تعالى: مرضاة الله [البقرة: 207] 2/ 299 - الاحتجاج لمن قرأ بالباء في قوله: إثم كبير [البقرة: 219] 2/ 312 - الطهور- الطهارة ومعانيها 2/ 323 - قال أحمد بن موسى: كلهم قرأ: أنا أحيي [البقرة: 258] يطرحون الألف التي بعد النون من أنا إذا وصلوا في كل القرآن غير نافع 2/ 359 - قرءوا كلهم: لا تظلمون ولا تظلمون [البقرة: 279] 2/ 413 - ذكر ووجوه معناها واستعمالها 2/ 428 - عن عاصم: الذي اؤتمن [البقرة: 283] بهمزة ورفع الألف. وقرأ الباقون: الذي ائتمن الذال مكسورة وبعدها همزة ساكنة بغير إشمام الضمة 2/ 450 - الوجوه التي جاء عليها التنزيل في (كتب) 2/ 456 - 458 - من قرار [إبراهيم] 3/ 10 - من الأشرار [ص: 62] 3/ 10 - عن عاصم رضوان ورضوانا [المائدة: 2] بضم الراء في كل القرآن 3/ 22 - وكلهم فتح الراء من المحراب [آل عمران: 37، 39] إلا ابن عامر فإنه أمالها 3/ 39 - كلام في الاتساع وشواهد عليه 3/ 86، 88 - مجيء فعل وفعل لغتين بمعنى واحد ككره وكره 3/ 144 - اختلفوا في ضم الحاء وإسكانها من قوله تعالى: السّحت [المائدة: 62، 63]- وفتح السين للسّحت [المائدة: 42] 3/ 221 - أرسل ومعانيها 3/ 240

- ذكر حديث سبب نزول الآية: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدهم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم [المائدة: 106] 3/ 261 - 262 - بحث في إمالة رأى [الأنعام: 77 - 78] و [الكهف: 53] و [النحل: 86] 3/ 328، 331 - قرأ الكسائي في وحده هدائي الأنعام: 80 بإمالة الدال- اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله تعالى: نرفع درجات من نشاء [الأنعام: 83] ودرجات من نشاء 3/ 335 - 336 - اختلفوا في التوحيد والجمع من قوله عز وجل: وأزواجهم وذرّياتهم [غافر: 8] في غير هذا الموضع، ولم يختلفوا في هذا الموضع أنه بالجمع 3/ 354 - طاف ومعانيها 4/ 120 - جنح ومعانيها 4/ 158 - الأسماء التي تجري على القبائل حتى تصرف ومتى تمنع من الصرف 4/ 354 - 357 - القراءة سنة فلا ينبغي أن تحمل على ما تجوّزه العربية حتى ينضم إلى ذلك الأثر في قراءة القراء 4/ 356 - ذكر اختلافهم في بني إسرائيل 5/ 83 - الإسراف في القتل وتفصيل معانيه 5/ 101 - الحسنة والسيئة وما تردا عليهما من معنى 5/ 103 - تفسير (أعمى) في [الآية 72] بني إسرائيل 5/ 113 - حكمة الأرض وما يقصد بها من معنى في الآيات الواردة فيها 5/ 115 - لدن وما ورد فيها من لغات 5/ 124 - مما يجوز إدغامه لتقارب المخارج إدغام التاء في الفاء، والطاء والتاء والدال في الضاد وكذلك الطاء والدال والتاء والظاء والذال

والثاء في الصاد والسين والزاي 6/ 8، 9. - الحركات التي تأتي للإتباع 6/ 43 - ما يدغم من الحروف لمقاربة مخرجهما 6/ 49 - رأى وما تحمله من معان 6/ 57، 58 - سلام على إدراسين [الصافات: 130] 6/ 60 - (نظر) ومعانيها المستعملة 6/ 270 - 271 - حذف الهمزة من الكلمة في أكثر من موضع في الشعر وشواهد ذلك 6/ 339 - 340

فهرس الآيات التي وردت فيها القراءات السبعية

فهرس الآيات التي وردت فيها القراءات السبعية الآية ورقمها الجزء الصفحة الجزء الأول اختلافهم في سورة فاتحة الكتاب- مالك يوم الدين (6) 1/ 7 - الصراط المستقيم (6) 1/ 49 - عليهم (7) 1/ 57 - غير المغضوب عليهم (7) 1/ 142 اختلافهم في سورة البقرة- فيه هدى (2) 1/ 175 - الذين يؤمنون بالغيب (3) 1/ 214 - غشاوة (7) 1/ 291 - يخادعون (9) 1/ 312 - بما كانوا يكذّبون (10) 1/ 329 - في طغيانهم (15) 1/ 365 - وفي آذانهم (19) 1/ 365 - بالهدى (16) 1/ 374 الجزء الثاني تتمة سورة البقرة- أنبئهم (33) 2/ 6 - فأزلهما الشيطان عنها 2/ 14

- فتلقى آدم من ربه كلمات (37) 2/ 23 - ولا تقبل منها شفاعة (48) 2/ 43 - وإذ واعدنا (51) 2/ 56 - بارئكم (54) 2/ 76 - نغفر لكم خطاياكم (58) 2/ 85 - الصابئين (62) 2/ 94 - أتتخذنا هزؤا (67) 2/ 100 - وما الله بغافل عما تعملون (74) 2/ 110 - وأحاطت به خطيئته (81) 2/ 114 - لا تعبدون إلا الله (83) 2/ 121 - وقولوا للناس حسنا (83) 2/ 126 - تظّاهرون عليهم (85) 2/ 130 - بروح القدس (87 - 2253) 2/ 148 - غلف (88) 2/ 153 - ينزل (90) 2/ 156 - جبريل وميكائيل (98) 2/ 163 - ولكن الشياطين كفروا (102) - ولكن البرّ من آمن بالله (177) - ولكن البر من اتقى (189) 2/ 169 - ما ننسخ من آية (106) 2/ 180 - ننساها (106) 2/ 186 - قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه (116) 2/ 202 - كن فيكون (117) 2/ 203 - ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (119) 2/ 209 - واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (125) 2/ 220 - فأمتعه قليلا (126) 2/ 221

- وأرنا مناسكنا (128) 2/ 223 - ووصى بها (132) 2/ 227 - أم تقولون (140) 2/ 228 - لرؤوف (143) 2/ 229 - هو مولّيها (148) 2/ 230 - لئلا (150) 2/ 244 - فمن تطوع خيرا (184) 2/ 244 - الرياح (164) 2/ 248 - ولو ترى الذين ظلموا (165) 2/ 258 - خطوات (168) 2/ 265 - ليس البرّ (177) 2/ 269 - فمن خاف من موص جنفا (182) 2/ 271 - فدية طعام مسكين (184) 2/ 272 - ولتكملوا العدة (185) 2/ 274 - الحج (197) 2/ 278 - ولا تقاتلوا عند المسجد الحرام (191) 2/ 284 - فلا رفث ولا فسوق (197) 2/ 286 - السّلم (208) 2/ 292 - ترجع الأمور (210) 2/ 304 - حتى يقول الرسول (214) 2/ 305 - إثم كبير (219) 2/ 307 - قل العفو (219) 2/ 315 - حتى يطهرن (222) 2/ 321 - إلا أن يخافا (229) 2/ 328 - لا تضارّ والدة (233) 2/ 333 - إذا سلمتم ما آتيتم (233) 2/ 335

- تمسّوهنّ (236) 2/ 336 - الموسع قدره وعلى المقتر قدره (236) 2/ 338 - وصية لأزواجهم (240) 2/ 341 - فيضاعفه (245) 2/ 343 - ويبسط (245) - وبسطة (247) 2/ 346 - عسيتم (246) (2/ 350) - غرفة (249) 2/ 350 - ولولا دفع الله الناس (251) 2/ 352 - لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة (254) 2/ 354 - كم لبثت (259) 2/ 367 - لم يتسنّه (259) 2/ 369 - كيف ننشزها (259) 2/ 379 - قال أعلم أن الله على كل شيء قدير (259) 2/ 382 - بربوة (265) 2/ 385 - فصرهن إليك (260) 2/ 389 - في أكلها (394) 2/ 394 - فنعما هي (271) 2/ 395 - ونكفّر عنكم من سيئاتكم (271) 2/ 399 - يحسبهم (273) 2/ 402 - فأذنوا (279) 2/ 403 - فنظرة إلى ميسرة (280) 2/ 414 - واتقوا يوما يرجعون فيه إلى الله (281) 2/ 417 - أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى (282) 2/ 418 - تجارة حاضرة (282) 2/ 436 - فرهن مقبوضة 2/ 442

- وكتبه (285) 2/ 455 - ورسله (285) 2/ 460 - فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء (284) 2/ 463 الجزء الثالث اختلافهم في سورة آل عمران- ألم الله (1) 3/ 5 - التوراة (3) 3/ 10 - مع الأبرار (193) 3/ 10 - سيغلبون ويحشرون (12) 3/ 17 - يرونهم مثليهم (13) 3/ 17 - ورضوان (15) 3/ 21 - إن الدين عند الله الإسلام (19) 3/ 22 - وتخرج الحي من الميت وتخرج الميّت من الحي (27) 3/ 25 - تقاة (28) 3/ 27 - بما وضعت (36) 3/ 31 - وكفّلها زكريا (37) 3/ 33 - فنادته الملائكة (39) 3/ 37 - في المحراب إن الله (39) 3/ 38 - يبشّرك (39) 3/ 41 - ويعلّمه الكتاب (48) 3/ 43 - فنوفّيهم أجورهم (57) - فيكون (59) - ها أنتم (66) 3/ 45 - ولا يأمركم (81) 3/ 57 - تعلّمون الكتاب 3/ 58

- لما آتيتكم (81) 3/ 62 - آتيتكم (81) 3/ 68 - يبغون وترجعون (83) 3/ 69 - حجّ البيت (97) 3/ 70 - وما تفعلوا من خير فلن تكفروه (115) 3/ 73 - لا يضرّكم (120) 3/ 74 - مسوّمين (125) 3/ 76 - قرح (140) 3/ 78 - كأيّن (146) 3/ 79 - قتل معه (146) 3/ 82 - الرّعب (151) 3/ 84 - يغشى طائفة منكم (154) 3/ 88 - قل إن الأمر كلّه لله (154) 3/ 90 - يحي ويميت والله بما تعملون بصير (156) 3/ 91 - أو متّم (157) 3/ 92 - يغلّ (161) 3/ 94 - وأن الله لا يضيع (171) 3/ 98 - ولا يحزنك (176) 3/ 99 - ولا يحسبن الذين كفروا (178) - فلا تحسبنّهم (188) 3/ 100 - حتى يميز (179) 3/ 110 - سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق .. وتقول (181) 3/ 115 - لتبيّننّه للناس ولا تكتمونه (187) 3/ 116 - وقاتلوا وقتلوا (195) 3/ 116

اختلافهم في سورة النساء- تساءلون به (1) 3/ 118 - والأرحام (1) 3/ 121 - قياما (5) 3/ 129 - وسيصلون سعيرا (10) 3/ 136 - فلأمّه (11) 3/ 137 - إمّهاتكم (23) 3/ 138 - يوصي بها (11) 3/ 139 - يدخلّه (13) 3/ 140 - واللذانّ (16) 3/ 141 - كرها (19) 3/ 144 - بفاحشة مبيّنة (19) 3/ 145 - والمحصنات (24) 3/ 146 - وأحلّ لكم وأحل لكم (24) 3/ 150 - أحصنّ وأحصنّ (25) 3/ 150 - إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم (29) 3/ 151 - نكفّر عنكم سيئاتكم وندخلكم (31) 3/ 152 - مدخلا (31) 3/ 153 - وأسألوا الله من فضله (32) 3/ 155 - عاقدت عقدت (33) 3/ 156 - البخل (37) 3/ 159 - وإن تك حسنة يضاعفها (40) 3/ 160 - تسوّى (42) 3/ 161 - أو لامستم النساء (43) 3/ 163 - نعما (58) 3/ 166 - أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا (66) 3/ 167

- كأن لم يكن بينكم وبينه مودة (73) 3/ 170 - ولا يظلمون (77) 3/ 171 - بيّت طائفة (81) 3/ 172 فتثبّتوا (94) 3/ 173 - ألقى إليكم السلام (94) 3/ 175 - غير أولى الضرر (95) 3/ 178 - فسوف يؤتيه (114) 3/ 180 - يدخلون الجنة (124) 3/ 181 - أن يصّالحا (128) 3/ 183 - وإن تلوا (135) 3/ 185 - والكتاب الّذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل (136) (136) 3/ 176 - الدّرك (145) 3/ 188 - لا تعدوا في السبت (154) 3/ 190 اختلافهم في سورة المائدة- شنآن (2) 3/ 195 - أن صدوكم وإن صدوكم (2) 3/ 212 - وأرجلكم (9) 3/ 214 - قسيّة (13) 3/ 216 - واخشون ولا تشتروا (44) 3/ 218 - أن النفس بالنفس .. والجروح قصاص (45) 3/ 222 - وليحكم أهل الإنجيل (47) 3/ 227 - ويقول الذين آمنوا (53) 3/ 229 - ومن يرتدّ منكم عن دينه (54) 3/ 232 - والكفار أولياء (57) 3/ 234

- وعبد الطاغوت (60) 3/ 236 - فما بلغت رسالاته (67) 3/ 238 - وحسبوا أن لا تكون فتنة (71) 3/ 246 - عقّدتم الأيمان (89) 3/ 251 - فجزاء مثل ما قتل (95) 3/ 254 - أو كفارة طعام مساكين (95) 3/ 257 - قياما للناس (97) 3/ 258 - استحقّ عليهم الأوليان (107) 3/ 260 - إن هذا إلا سحر مبين (110) 3/ 270 - هل يستطيع ربّك (112) 3/ 272 - هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم (119) 3/ 282 اختلافهم في سورة الأنعام- من يصرف عنه يومئذ (16) 3/ 285 - ثم لم تكن فتنتهم (23) 3/ 287 - ويوم نحشرهم (22) 3/ 290 - والله ربّنا (23) 3/ 290 - ولا نكذب بآيات ربنا ونكون (27) 3/ 292 - تتّقون أفلا تعقلون (32) 3/ 295 - فإنهم لا يكذّبونك (33) 3/ 302 - أرأيتم (46) - وأرأيتكم (40) 3/ 305 - إنه من عمل .. فإنه غفور رحيم (54) 3/ 311 - ولتستبين سبيل المجرمين (55) 3/ 314 - يقضي الحقّ (57) 3/ 318 - قل الله ينجّيكم .. قل الله ينجّيكم (63، 64) 3/ 321

- رأى كوكبا (76) 3/ 326 - رأى (77) 3/ 329 - أتحاجونّي في الله (80) 3/ 332 - واليسع (86) 3/ 337 - اقتده قل (90) 3/ 350 - تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا (91) 3/ 354 - ولتنذر أم القرى (92) 3/ 356 - لقد تقطّع بينكم (94) 3/ 356 - وجاعل الليل سكنا (96) 3/ 361 - فمستقرّ (98) 3/ 364 - انظروا إلى ثمره (99) - من ثمره (141) 3/ 366 وخرقوا له (100) 3/ 372 - دارست (105) 3/ 373 - وما يشعركم أنها (109) 3/ 375 - لا يؤمنون (109) 3/ 382 - كلّ شيء قبلا (111) 3/ 383 - إنه منزّل من ربك (114) 3/ 387 - وتمت كلمات ربك (115) 3/ 387 - وقد فصل لكم ما حرّم عليكم (119) 3/ 390 - وإن كثيرا ليضلّون (199) 3/ 392 - ضيّقا (125) 3/ 399 - حرجا (125) 3/ 400 - كأنما يصّعّد في السماء (125) 3/ 401 - على مكانتكم (135) 3/ 406 - من تكون له عاقبة الدار (135) 3/ 408

- بزعمهم (136) 3/ 409 - وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم (137) 3/ 409 - وإن تكن ميتة (139) 3/ 414 - قد خسر الذي قتلوا أولادهم (140) 3/ 416 - يوم حصاده (141) 3/ 416 - المعز (143) 3/ 418 - إلا أن تكون ميتة (145) 3/ 422 - يذّكّرون (152) 3/ 424 - وأن هذا صراطي مستقيما (153) 3/ 435 - تأتيهم الملائكة (178) 3/ 437 - فرّقوا دينهم (159) 3/ 437 - دينا قيّما (161) 3/ 439 الجزء الرابع اختلافهم في سورة الأعراف- قليلا ما تذكّرون (3) 4/ 5 - معيش (10) 4/ 6 - ومنها تخرجون (25) 4/ 9 - ولباس التّقوى (26) 4/ 12 - خالصة يوم القيمة (32) 4/ 13 - ولكن لا تعلمون (38) 4/ 17 - لا تفتّح لهم (40) 4/ 18 - أن لعنة الله على الظّالمين (44) 4/ 21 - أورثتموها (42) 4/ 25 - وما كنّا لنهتدي (43) 4/ 25

- قالوا نعم (44) 4/ 19 - يغشي الّيل النّهار (54) 4/ 26 - والشّمس والقمر والنّجوم مسخّرت بأمره (54) 4/ 28 - ادعوا ربّكم تضرّعا وخفية (55) 4/ 29 - وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته (57) 4/ 31 - مالكم من إله غيره (59) 4/ 39 - أبلّغكم رسالات ربّي (62) 4/ 41 - قال الملأ الذين استكبروا (75) 4/ 51 - ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفحشة ... إنّكم (80 - 81) 4/ 42 - لفتحنا عليهم (96) 4/ 52 - أو أمن (98) 4/ 52 - حقيق على أن لا أقول (105) 4/ 55 - أرجه وأخاه (111) 4/ 57 - يأتوك بكلّ ساحر عليم (112) 4/ 63 - أيّن لنا لأجرا (113) 4/ 64 - تلقف (117) 4/ 66 - قال فرعون آمنتم به (123) 4/ 68 - سنقتّل أبناءهم (127) 4/ 71 - إنّ الأرض لله يورثها من يشاء (128) 4/ 72 - يعرشون (137) 4/ 74 - يعكفون (138) 4/ 74 - دكّا (143) 4/ 75 - برسالاتي (144) 4/ 76 - وإن يروا سبيل الرّشد (146) 4/ 78 - من حليّهم عجلا (148) 4/ 80 - لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا (149) 4/ 88

- قال ابن أمّ إنّ القوم (150) 4/ 89 - إصرهم (157) 4/ 94 - نغفر لكم خطيئتكم (161) 4/ 94 - معذرة إلى ربّكم (164) 4/ 97 - بعذاب بئيس (165) 4/ 98 - والّذين يمسّكون (170) 4/ 102 - من ظهورهم ذرّيّتهم (172) 4/ 104 - أن تقولوا يوم القيمة ... أو تقولوا (172 - 173) 4/ 107 - يلحدون (180) 4/ 107 - ويذرهم في طغينهم (186) 4/ 109 - جعلا له شركاء (190) 4/ 111 - لا يتّبعوكم (193) 4/ 113 - ثمّ كيدون (195) 4/ 114 - إن وليّ الله (196) 4/ 116 - طائف (201) 4/ 120 - يمدّونهم في الغيّ (202) 4/ 122 سورة الأنفال- مردفين (9) 4/ 124 - إذ يغشّيكم النّعاس (11) 4/ 125 - موهن كيد الكفرين (18) 4/ 127 - وأنّ الله مع المؤمنين (19) 4/ 128 - بالعدوة الدّنيا ... بالعدوة (42) 4/ 128 - ويحيى من حيّ عن بيّنة (42) 4/ 129 - وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية (35) 4/ 144 - ليميز الله الخبيث من الطّيّب (37) 4/ 152

- ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا (59) 4/ 154 - إنهم لا يعجزون (59) 4/ 157 - وإن جنحوا للسّلم (61) 4/ 158 - إذ يتوفّى الّذين كفروا الملئكة (50) 4/ 159 - وإن يكن مّنكم مّائة .. فإن يكن مّنكم مائة صابرة (65 - 66) 4/ 159 - فيكم ضعفا (66) 4/ 161 - أن يكون له- أسرى (67) 4/ 161 - قل لمن في أيديكم من الأسرى (70) 4/ 163 - مالكم مّن وليتهم مّن شيء (72) 4/ 165 اختلافهم في سورة التوبة- أئمّة (12) 4/ 167 - لا أيمان لهم (12) 4/ 176 - أن يعمروا مساجد الله (17) 4/ 178 - وعشيرتكم (24) 4/ 180 - عزير ابن الله (30) 4/ 181 - يضهئون (30) 4/ 186 - إنّما النّسيء زيادة في الكفر (37) 4/ 194 - أن تقبل منهم نفقتهم (54) 4/ 195 - ومنهم مّن يلمزك (58) 4/ 196 - هو أذن قل أذن خير لّكم (61) 4/ 198 - ورحمة للّذين ءامنوا (61) 4/ 203 - إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة (66) 4/ 205 - عليهم دائرة السّوء (98) 4/ 205 - ألا إنّها قربة لّهم (99) 4/ 209 - إنّ صلاتك سكن لهم (103) 4/ 212

- والّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا (107) 4/ 239 - أفمن أسّس بنينه على تقوى ... أم من أسّسّ بنينه (109) 4/ 218 - جرف (109) 4/ 221 - هار (109) 4/ 221 - إلّا أن تقطّع قلوبهم (110) 4/ 230 - فيقتلون ويقتلون (111) 4/ 231 - كاد يزيغ (117) 4/ 234 - غلظة (123) 4/ 241 - أو لا يرون (126) 4/ 232 اختلافهم في سورة يونس عليه السلام آلر (1) 4/ 243 - إنّ هذا لسحر مّبين (2) 4/ 251 - هو الّذي جعل الشّمس ضياء والقمر نورا (5) 4/ 258 - يفصّل الآيات (5) 4/ 252 - لقضي إليهم أجلههم (11) 4/ 253 - ولا أدرئكم به (16) 4/ 259 - عمّا يشركون (18) 4/ 263 - هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر (22) 4/ 263 - إنّما بغيكم على أنفسكم مّتاع الحيوة الدّنيا (23) 4/ 266 - قطعا مّن الّيل (27) 4/ 268 - هنالك تبلوا كلّ نفس مّا أسلفت (30) 4/ 271 - كذلك حقّت كلمت ربّك (33) 4/ 272 - أمّن لّا يهدّي إلا أن يهدى (35) 4/ 274 - ويوم يحشرهم (45) 4/ 300 - ءآلئن وقد كنتم به تستعجلون (51) 4/ 281

- فليفرحوا هو خير مّمّا يجمعون (51) 4/ 281 - ولا أصغر من ذلك ولا أكبر (61) 2844 - فأجمعوا أمركم (71) 4/ 286 - ما جئتم به السّحر (81) 4/ 289 - تبوّءا (87) 4/ 308 - ولا تتّبعانّ (89) 4/ 292 - آمنت أنّه (90) 4/ 295 - آلآن وقد عصيت قبل (91) 4/ 296 - ويجعل الرّجس (100) 4/ 306 - ننجّي رسلنا (103) 4/ 305 سورة هود عليه السلام- ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إنّي لكم نذير مبين (25) 4/ 315 - بادي الرّأي (27) 4/ 316 - فعمّيت (28) 4/ 321 - من كلّ زوجين اثنين (40) 4/ 324 - بسم الله مجريها (41) 4/ 329 - ومرسها (41) 4/ 329 - يبنيّ اركب مّعنا (42) 4/ 333 - إنّه عمل غير صالح (46) 4/ 341 - فلا تسئلن ما ليس لك به علم (46) 4/ 344 - يومئذ (66) 4/ 346 - ألا إنّ ثمودا كفروا ربّهم ألا بعدا لّثمود (68) 4/ 353 - قالوا سلما قال سلم (69) 4/ 359 - ومن وراء إسحق يعقوب (71) 4/ 364 - فأسر بأهلك (81) 4/ 367

- إلّا امرأتك (81) 4/ 369 - يوم يأت لا تكلّم نفس (105) 4/ 373 - وأمّا الّذين سعدوا (108) 4/ 378 - وإنّ كلّا لّمّا ليوفّينّهم (111) 4/ 380 - وإليه يرجع الأمر كلّه (123) 4/ 388 - وما ربّك بغفل عمّا تعملون (123) 4/ 389 اختلافهم في سورة يوسف عليه السلام- يأبت إنّي رأيت (4) 4/ 390 - لا تقصص رءياك (5) 398 - ءايت للسّائلين (7) 4/ 296 - مبين اقتلوا (8، 9) 4/ 297 - في غيبات الجبّ (10) 4/ 399 - لا تأمنّا (11) 4/ 400 - يرتع ويلعب (12) 4/ 402 - الذّئب (14) 4/ 407 - يبشرى هذا (19) 4/ 410 - هيت لك (23) 4/ 416 - إنّه من عبادنا المخلصين (24) 4/ 420 - وقالت اخرج (31) 4/ 409 - حش لله (31) 4/ 422 - دأبا (47) 4/ 424 - وفيه يعصرون (49) 4/ 425 - يتبوّأ منها حيث يشاء (56) 4/ 428 - وقال لفتيه (62) 4/ 430 - فأرسل معنا أخانا نكتل (63) 4/ 432

- فلمّا استيئسوا منه (80) 4/ 432 - خير حفظا (64) 4/ 438 - إءنّك لأنت يوسف (90) 4/ 447 - إنّه من يتّق ويصبر (90) 4/ 447 - وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالا نّوحي إليهم (109) 4/ 440 - وظنوا أنّهم قد كذبوا (110) 4/ 441 - فنجّي من نّشاء (110) 4/ 444 الجزء الخامس اختلافهم في سورة الرعد- يغشي الّيل النّهار (3) 5/ 5 - وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان (4) 5/ 5 - يسقى .. ونفضّل (4) 5/ 10 - أإذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد (5) 5/ 10 - الكبير المتعال* سواء مّنكم (9، 10) 5/ 13 - أم هل تستوي الظّلمات والنّور (16) 5/ 15 - وممّا يوقدون عليه في النّار (17) 5/ 16 - وصدّوا عن السّبيل (33) 5/ 17 - ويثبت وعنده أمّ الكتاب (39) 5/ 19 - وسيعلم الكفّار (42) 5/ 21 اختلافهم في سورة إبراهيم عليه السلام- إلى صراط العزيز الحميد* الله الّذي (1 - 2) 5/ 25 - ألم تر أنّ الله خلق السّماوات والأرض (19) 5/ 28 - وما أنتم بمصرخيّ (22) 5/ 28 - وتقبّل دعاء (40) 5/ 33 - إنما يؤخّرهم ليوم (42) 5/ 30

وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (46) 5/ 31 اختلافهم في سورة الحجر- ربّما (2) 5/ 35 - ما ينزّل الملائكة إلّا بالحقّ (8) 5/ 42 - سكّرت (15) 5/ 43 - فبم تبشّرون (54) 5/ 45 - ومن يقنط (56) 5/ 47 - إنّا لمنجّوهم (59) 5/ 47 - إلا امرأته قدّرنا (60) 5/ 48 - أصحب الأيكة (78) 5/ 51 اختلافهم في سورة النحل- ينزّل الملائكة (2) 5/ 53 - ينبت لكم به الزّرع (11) 5/ 54 - وسخّر لكم الّيل والنّهار والشّمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره (12) 5/ 57 - والله يعلم ما تسرّون وما تعلنون* والّذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا (19 - 20 - 21) 5/ 58 - أين شركاءى الّذين (27) 5/ 60 - تشاقّون فيهم (27) 5/ 59 - تتوفّاهم الملائكة (28 - 32) 5/ 62 - إلّا أن تأتيهم الملائكة (33) 5/ 63 - لا يهدي من يضل (37) 5/ 63 - كن فيكون (40) 5/ 65 - إلّا رجالا نّوحي إليهم (43) 5/ 72

- أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء (48) 5/ 67 - يتفيّؤا ظلاله (48) 5/ 66 - وأنّهم مّفرطون (62) 5/ 73 - نسقيكم مّمّا في بطونه (66) 5/ 74 - وممّا يعرشون (68) 5/ 76 - أفبنعمة الله يجحدون (71) 5/ 76 - يوم ظعنكم (80) 5/ 77 - ولنجزينّ الّذين صبروا (96) 5/ 77 - روح القدس (102) 5/ 78 - يلحدون (103) 5/ 78 - من بعد فتنوا (110) 5/ 79 - فأذاقها الله لباس الجوع والخوف (112) 5/ 80 - ولا تك في ضيق (127) 5/ 79 اختلافهم في سورة الإسراء- ألّا تتّخذوا من دوني وكيلا (2) 5/ 83 - ليسوؤوا وجوهكم (7) 5/ 85 - ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه (13) 5/ 87 - أمرنا مترفيها (16) 5/ 91 - إمّا يبلغنّ عندك (23) 5/ 96 - فلا تقل لهما أفّ (23) 5/ 94 - كان خطئا كبيرا (31) 5/ 96 - فلا يسرف فيّ القتل (33) 5/ 98 - بألقسطاس (35) 5/ 101 - كان سيّئه عند ربّك (38) 5/ 101 - ليذّكّروا (41) 5/ 104

لو كان معه آلهة كما يقولون .. عمّا يقولون .. تسبّح له السّماوات السّبع (42، 43، 44) 5/ 105 - وقالوا أإذا كنّا عظاما ورفاتا أإنّا لمبعوثون (49) 107 - وءاتينا داود زبورا (55) 5/ 108 - لئن أخّرتن إلى يوم القيامة (62) 5/ 109 - وأجلب عليهم بخيلك ورجلك (64) 5/ 109 - أفأمنتم أن يخسف بكم .. أو يرسل عليكم .. أم أمنتم أن يعيدكم ... فيرسل عليكم .. فيغرقكم (68 - 69) 5/ 111 - ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى (72) 5/ 112 - خلفك (76) 5/ 113 - ونأى بجانبه (83) 5/ 115 - حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) 5/ 118 - كسفا (92) 5/ 119 - قل سبحان ربّي (93) 5/ 121 - لقد علمت (102) 5/ 122 اختلافهم في سورة الكهف- من لّدنه (2) 5/ 124 - مرّفقا (16) 5/ 130 - تزاور عن كهفهم (17) 5/ 131 - ولملئت منهم رعبا (18) 5/ 134 - بورقكم (19) 5/ 135 - عسى أن يهدين ربّي (24) 5/ 141 - ثلاث مائة سنين (25) 5/ 136 - ولا يشرك في حكمه أحدا (26) 5/ 141 - بالغداة والعشيّ (28) 5/ 140

- وكان له ثمر (34) 5/ 142 - خيرا منها منقلبا (36) 5/ 144 - لاكنّا هو الله ربّي (38) 5/ 144 - إن ترن أنا (39) 5/ 148 - ولم تكن له فئة (43) 5/ 148 - هنالك الولاية لله الحقّ (44) 5/ 149 - وخير عقبا (44) 5/ 150 - ويوم نسيّر الجبال (47) 5/ 151 - ويوم يقول نادرا (52) 5/ 151 - أو يأتيهم العذاب قبلا (55) 5/ 152 - وجعلنا لمهلكهم موعدا (59) 5/ 156 - وما أنسانيه إلّا الشّيطان (63) 5/ 154 - مما علّمت رشدا (66) 5/ 154 - فلا تسئلني عن شيء (70) 5/ 157 - لتغرق أهلها (71) 5/ 158 - نكرا (74، 87) 5/ 159 - قد بلغت من لّدنّي عذرا (76) 5/ 160 - لتّخذت عليه أجرا (77) 5/ 163 - أن يبدلهما ربّهما (81) 5/ 164 - وأقرب رحما (81) 5/ 165 - فأتبع سببا ... ثمّ أتبع سببا (85، 89، 92) 5/ 166 - في عين حمئة (86) 5/ 169 - فله جزاء الحسنى (88) 5/ 170 - بين السّدّين ... وبينهم سدّا (93، 94) 5/ 170 - يفقهون قولا (93) 5/ 172 - يأجوج ومأجوج (94) 5/ 172

- فهل نجعل لك خرجا (93) 5/ 172 - ما مكّنى فيه (95) 5/ 176 - ردما* ءاتوني (95 - 96) 5/ 174 - بين الصّدفين (96) 5/ 177 - فما اسطعوا (97) 5/ 178 - جعله دكّاء (98) 5/ 182 - قبل أن تنفد كلمات ربّي (109) 5/ 183 اختلافهم في سورة مريم عليها السلام- كهيعص* ذكر (1 - 2) 5/ 184 - من ورائي (5) 5/ 186 - يرثني ويرث (6) 5/ 191 - عتيّا (8) 5/ 191 - وقد خلقتك من قبل (9) 5/ 194 - لأهب لك (19) 5/ 195 - نسيا مّنسيّا (23) 5/ 196 - من تحتها (24) 5/ 196 - تساقط عليك رطبا جنيّا (25) 5/ 197 - ءاتاني ... وأوصاني (30، 31) 5/ 201 - ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ (34) 5/ 201 - وإنّ الله ربّي وربّكم (36) 5/ 202 - إنّه كان مخلصا (51) 5/ 202 - هل تعلم (56) 5/ 203 - أو لا يذكر الإنسان (67) 5/ 203 - خير مّقاما (73) 5/ 204 - ورءيا (74) 5/ 209

- وولدا (77) 5/ 210 - تكاد السّماوات يتفطّرن منه (90) 5/ 213 اختلافهم في سورة طه- طه (1) 5/ 217 - فقال لأهله امكثوا (10) 5/ 220 - يا موسى إنّي أنا ربّك (11، 12) 5/ 218 - طوى* وأنا (12 - 13) 5/ 219 - وأنا اخترتك (13) 5/ 221 - هارون أخي* اشدد به* وأشركه في أمري (30 - 32) 5/ 221 - الأرض مهدا (53) 5/ 223 - مكانا سوى (58) 5/ 223 - فيسحتكم (61) 5/ 228 - إن هاذان لسحران (63) 5/ 229 - فأجمعوا كيدكم (64) 5/ 232 - ثمّ ائتوا صفّا (64) 5/ 233 - وألق ما في يمينك تلقف (69) 5/ 235 - كيد ساحر (69) 5/ 237 - أامنتم له (71) 5/ 237 - لا تخاف دركا (77) 239 - فأتبعهم فرعون بجنوده (78) 5/ 240 - قد أنجيناكم من عدوّكم وواعدناكم ... ما رزقناكم (80 - 81) 5/ 241 - فيحلّ عليكم غضبي ومن يحلل عليه (81) 5/ 242 - مآ أخلفنا موعدك بملكنا (87) 5/ 244 - حمّلنا أوزارا (87) 5/ 245 - ألا تتّبعن (93) 5/ 247

- يابن أمّ (94) 5/ 247 - قال بصرت بما لم يبصروا به (96) 5/ 248 - موعدا لن تخلفه (97) 5/ 249 - يوم ينفخ في الصّور (102) 5/ 250 - فلا يخاف ظلما ولا هضما (112) 5/ 251 - وأنّك لا تظمؤ فيها (119) 5/ 251 - ونحشره يوم القيامة أعمى* قال ربّ لم حشرتني أعمى (124 - 125) 5/ 249 - لعلّك ترضى (130) 5/ 252 - أو لم تأتهم بيّنة ما في الصّحف الأولى (133) 5/ 253 اختلافهم في سورة الأنبياء عليهم السلام- قل ربّي يعلم القول (4) 5/ 254 - وما أرسلنا من قبلك من رّسول إلا نوحي إليه (25) 5/ 254 - أو لم ير الّذين كفروا (30) 5/ 255 - ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنة وإلينا ترجعون (35) 5/ 257 - ولا يسمع الصّمّ الدعاء (45) 5/ 255 - وإن كان مثقال حبّة (47) 5/ 256 - وضياء (48) 5/ 256 - جذادا (58) 5/ 257 - أفّ لّكم (67) 5/ 258 - لتحصنكم مّن بأسكم (80) 5/ 258 - وكذلك ننجي المؤمنين (88) 5/ 259 - وحرام على قرية (95) 5/ 261 - حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج (96) 5/ 262 - كطيّ السّجلّ للكتب (104) 5/ 262

- ولقد كتبنا في الزّبور (105) 5/ 264 - قال ربّ احكم (112) 5/ 264 - وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون (112) 5/ 265 اختلافهم في سورة الحج وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى (2) 5/ 266 - ثمّ ليقطع .. ثم ليقضوا تفثهم (15، 29) 5/ 269 - هذان خصمان (19) 5/ 274 - ولؤلؤا (23) 5/ 267 - سواء العاكف فيه والباد (25) 5/ 270 - وليوفوا نذورهم (29) 5/ 275 - فتخطفه الطّير (31) 5/ 276 - منسكا (34، 67) 5/ 277 - إنّ الله يدافع عن الّذين ءامنوا (38) 5/ 278 - أذن للّذين يقاتلون (39) 5/ 280 - لهدمت صوامع (40) 5/ 279 - فكأيّن مّن قرية أهلكناها (45) 5/ 281 - وبئر مّعطّلة (45) 5/ 282 - ممّا تعدّون (47) 5/ 283 - في ءاياتنا معاجزين (51) 5/ 284 - ثم قتلوا أو ماتوا (58) 5/ 284 - ليدخلنّهم مدخلا يرضونه (59) 5/ 284 - وأنّ ما يدعون من دونه هو الباطل (62) 285 - ما لم ننزّل به سلطانا (71) 5/ 286 اختلافهم في سورة المؤمنون- لأماناتهم (8) 5/ 287

- على صلواتهم (9) 5/ 287 - فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما (14) 5/ 288 - من طور سيناء (20) 5/ 289 - تنبت بالدّهن (20) 5/ 291 - نسقيكم (21) 5/ 292 من كلّ زوجين اثنين (27) 5/ 294 - منزلا (29) 5/ 293 - رسلنا تترا (44) 5/ 294 - ربوة (50) 5/ 296 - وإنّ هذه أمّتكم (52) 5/ 296 - تهجرون (67) 5/ 298 - أم تسئلهم خرجا فخراج ربّك (72) 5/ 298 - سيقولون لله (85، 87، 89) 5/ 300 - عالم الغيب والشّهادة (92) 5/ 301 - شقوتنا (106) 5/ 302 - سخريّا (110) 5/ 302 - أنّهم هم الفائزون (111) 5/ 306 - قال كم لبثتم ... قال إن لّبثتم (112، 114) 5/ 306 - لا ترجعون (115) 5/ 307 اختلافهم في سورة النور- وفرضناها (1) 5/ 309 - ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله (2) 5/ 309 - فشهادة أحدهم أربع شهادات (6) 5/ 310 - والخامسة أنّ لعنة الله عليه ... أنّ غضب الله عليها (7، 9) 5/ 314 - والخامسة أنّ غضب الله عليها (9) 5/ 311

- إذ تلقّونه (15) 5/ 316 - يوم تشهد عليهم ألسنتهم (24) 5/ 317 - وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ (31) 5/ 317 - غير أولى الإربة (31) 5/ 318 - أيّها المؤمنون (31) 5/ 319 - كمشكوة (35) 5/ 322 - كوكب درّيّ يوقد (35) 5/ 324 - يسبّح له فيها (36) 5/ 325 - سحاب ظلمات (40) 5/ 329 - ثمّ يؤلّف بينه (43) 5/ 330 - والله خلق كلّ دابّة (45) 5/ 326 - ويخشى الله ويتّقه (52) 5/ 327 - كما استخلف الّذين من قبلهم (55) 5/ 331 - ثلاث عورات لكم (58) 5/ 332 اختلافهم في سورة الفرقان- أو تكون له جنّة يأكل منها (8) 5/ 335 - ويجعل لّك قصورا (10) 5/ 336 - مكانا ضيّقا (13) 5/ 338 - ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول (17) 5/ 337 - فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا (19) 5/ 339 - ويوم تشقّق السّماء بالغمام (25) 5/ 340 - ونزّل الملائكة تنزيلا (25) 5/ 341 - يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا (27) 5/ 342 - يا ويلتي ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا (28) 5/ 343 - إن قومي اتّخذوا (30) 5/ 343

- بشرا بين يدي رحمته (48) 5/ 344 - ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا (50) 5/ 345 - أنسجد لما تأمرنا (60) 5/ 346 - وجعل فيها سراجا (61) 5/ 347 - لمن أراد أن يذّكّر (62) 5/ 348 - ولم يقتروا (67) 5/ 348 - ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (68 - 69) 5/ 350 - هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعين (74) 5/ 352 - ويلقون فيها تحيّة (75) 5/ 354 اختلافهم في سورة الشعراء- طسم (1) 5/ 355 - ولبثت فينا من عمرك سنين (18) 5/ 356 - تلقف ما يأفكون (45) 5/ 357 - أن أسر (52) 5/ 359 - حاذرون (56) 5/ 358 - فلما ترءى الجمعان (61) 5/ 360 - إنّ معي ربّي (62) 5/ 358 - إنّ هذا إلّا خلق الأوّلين (137) 5/ 365 - فارهين (149) 5/ 366 - كذّب أصحاب الأيكة (176) 5/ 367 - نزل به الرّوح الأمين (193) 5/ 368 - أو لم يكن لّهم أية (197) 5/ 369 - وتوكّل على العزيز الرّحيم (217) 5/ 370 - والشّعراء يتبعهم الغاوون (224) 5/ 370

اختلافهم في سورة سليمان عليه السلام- هدى وبشرى (2) 5/ 377 - بشهاب قبس (7) 5/ 372 - فلمّا رءاها تهتزّ (10) 5/ 377 - على وادي النّمل (18) 5/ 378 - ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم (18) 5/ 380 - مالي لا أرى الهدهد (20) 5/ 377 - أو ليأتينّي (21) 5/ 380 - فمكث غير بعيد (22) 5/ 381 - وجئتك من سبأ بنبأ (22) 5/ 382 - ألّا يسجدوا لله (25) 5/ 383 - ويعلم ما تخفون وما تعلنون (25) 5/ 385 - فألقه إليهم (28) 5/ 386 - أتمدّونن بمال (36) 5/ 387 - فما آتاني الله خير (36) 5/ 389 - أنا آتيك به (39) 5/ 390 - وكشفت عن ساقيها (44) 5/ 391 - لنبيّتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ لوليّه (49) 5/ 393 - ما شهدنا مهلك أهله (49) 5/ 395 - أنّا دمّرنهم (51) 5/ 296 - أئنّكم لتأتون (55) 5/ 398 - قدّرناها من الغابرين (57) 5/ 398 - قليلا ما تذكّرون (62) 5/ 399 - بل أدّارك علمهم (66) 5/ 399 - إذا كنّا ترابا وءابآؤنا أئنا (67) 5/ 402

- في ضيق (70) 5/ 402 - ولا تسمع الصّمّ الدّعاء (80) 5/ 403 - وما أنت بهادي العمى (81) 5/ 404 - تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون (82) 5/ 406 - وكلّ أتوه داخرين (87) 5/ 406 - إنّه خبير بما تفعلون (88) 5/ 407 - وهم من فزع يومئذ ءامنون (89) 5/ 408 - وما ربّك بغافل عمّا تعملون (93) 5/ 410 اختلافهم في سورة القصص- ونري فرعون وهامان وجنودهما (6) 5/ 411 - عدوّا وحزنا (8) 5/ 412 - حتّى يصدر الرّعاء (23) 5/ 412 - أو جذوة من النّار (29) 5/ 414 - واضمم إليك جناحك من الرّهب (32) 5/ 414 - فذانك برهنان (32) 5/ 419 - ردءا (34) 5/ 420 - يصدّقني (34) 5/ 421 - وقال موسى ربّي أعلم (37) 5/ 422 - ومن تكون له عقبة الدّار (37) 5/ 422 - وظنّوا أنّهم إلينا لا يرجعون (39) 5/ 422 - سحران تظاهرا (48) 5/ 423 - يجبى إليه ثمرات كلّ شيء (57) 5/ 423 - أفلا تعقلون (60) 5/ 424 - بضياء (71) 5/ 425 - لخسف بنا (82) 5/ 424

اختلافهم ففي سورة العنكبوت- أو لم يروا كيف يبديء الله الخلق ثمّ يعيده (19) 5/ 426 - ينشيء النشأة الآخرة (20) 5/ 427 - مودّة بينكم (25) 5/ 427 - ولوطا إذ قال لقومه إنّكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرّجال (28 - 29) 5/ 431 - لننجّينّه ... إنّا منجّوك (32 - 33) 5/ 432 - إنّا منزلون (34) 5/ 433 - إنّ الله يعلم ما يدعون من دونه (42) 5/ 433 - لولا أنزل عليه ءايات من ربّه (50) 5/ 435 - ويقول ذوقوا (55) 5/ 436 - يا عبادي الّذين ءامنوا إنّ أرضى وسعة (56) 5/ 437 - ثمّ إلينا ترجعون (57) 5/ 437 - لنبوّئنّهم (58) 5/ 438 - وليتمتّعوا (66) 5/ 440 اختلافهم في سورة الروم- ثم كان عاقبة الّذين أساؤوا السّوأى (10) 5/ 442 - ثمّ إليه ترجعون (11) 5/ 444 - وكذلك تخرجون (19) 5/ 445 - نفصّل الأيات (28) 5/ 445 - وما ءاتيتم من رّبا ... وما ءاتيتم من زكاة (39) 5/ 446 - ليربو في أموال النّاس (39) 5/ 447 - ليذيقهم بعض الّذي عملوا (41) 5/ 451 - ويجعله كسفا (48) 448

- فانظر إلى آثار رحمت الله (50) 5/ 488 - ولا تسمع الصّمّ الدّعاء (52) 5/ 449 - الله الّذي خلقكم من ضعف ثمّ جعل من بعد ضعف قوّة ثمّ جعل من بعد قوّة ضعفا وشيبة (54) 5/ 450 - فيومئذ لا ينفع الّذين ظلموا معذرتهم (57) 5/ 450 اختلافهم في سورة لقمان- هدى ورحمة للمحسنين (3) 5/ 452 - ويتّخذها هزوا (6) 5/ 453 - يا بنيّ لا تشرك بالله (13) 5/ 453 - إنّها إن تك مثقال حبّة (16) 5/ 455 - ولا تصعّر خدّك للنّاس (18) 5/ 455 - وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة (20) 5/ 457 - والبحر يمدّه (27) 5/ 457 - كلّ يجري إلى أجل مّسمّى وأنّ الله بما تعملون خبير (5) 5/ 457 اختلافهم في سورة السجدة- الّذي أحسن كلّ شيء خلقه (27) 5/ 460 - وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد (10) 5/ 462 - ما أخفي لهم (17) 5/ 463 - لمّا صبروا (24) 5/ 464 اختلافهم في سورة الأحزاب- إنّ الله كان بما تعملون خبيرا (2) 5/ 465 - ألّئي تظهرون (4) 5/ 465 - تظهرون (4) 5/ 467

- وكان الله بما تعملون بصيرا (9) 5/ 470 - الظّنونا (10) 5/ 468 - لا مقام لكم (13) 5/ 471 - ثمّ سئلوا الفتنة لأتوها (14) 5/ 472 - أسوة حسنة (21) 5/ 472 - يضاعف لها العذاب ضعفين (30) 5/ 473 - ومن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها (31) 5/ 474 - وقرن في بيوتكنّ (33) 5/ 475 - أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (36) 5/ 476 - وخاتم النّبيّن (40) 5/ 476 - من قبل أن تمسّوهنّ (49) 5/ 477 - من عدّة تعتدّونها (49) 5/ 477 - ترجي من تشاء (51) 5/ 478 - لا يحلّ لك النّساء (52) 5/ 479 - غير ناظرين إناه (53) 5/ 479 - إنّا أطعنا سادتنا (67) 5/ 480 - لعنا كبيرا (68) 5/ 481 الجزء السادس اختلافهم في سورة سبأ- علم الغيب (3) 6/ 5 - لا يعزب عنه (3) 6/ 6 - عذاب من رجز أليم (5) 6/ 6 - إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا (9) 6/ 7 - ولسليمان الريح (12) 6/ 9

- وجفان كالجواب (13) 6/ 10 - تأكل منسأته (14) 6/ 11 - لقد كان لسبإ (15) 6/ 12 - في مسكنهم (15) 6/ 12 - أكل خمط (16) 6/ 14 - وهل نجازي إلّا الكفور (17) 6/ 17 - فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا (19) 6/ 18 - ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه (20) 6/ 19 - قل ادعوا الّذين زعمتم (22) 6/ 25 - إلّا لمن أذن له (23) 6/ 21 - وهم في الغرفات ءامنون (37) 6/ 22 - ويوم يحشرهم جميعا ثمّ يقول (40) 6/ 24 - وأنّى لهم التّناوش (52) 6/ 23 اختلافهم في سورة الملائكة «فاطر» - هل من خالق غير الله (3) 6/ 26 - جنّات عدن يدخلونها (33) 6/ 33 - يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا (33) 6/ 27 - كذلك نجزي كل كفور (36) 6/ 27 - فهم على بيّنة منه (40) 6/ 29 - ومكر السّيّىء ولا يحيق المكر السّيّىء إلّا بأهله (43) 6/ 30 اختلافهم في سورة يس- يس والقرآن الحكيم (1 - 2) 6/ 34 - تنزيل العزيز الرّحيم (5) 6/ 36 - وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا (9) 6/ 37

- فعززنا بثالث (14) 6/ 38 - أئن ذكرتم (19) 6/ 38 - وما عملته أيديهم (35) 6/ 40 - والقمر قدّرناه (39) 6/ 39 - أنّا حملنا ذرّيّتهم (41) 6/ 46 - وهم يخصّمون (49) 6/ 46 - في ظلال على الأرائك (56) 6/ 43 - وأن اعبدوني (61) 6/ 44 - جبلا كثيرا (62) 6/ 44 - لمسخناهم على مكانتهم (67) 6/ 46 - ننكّسه في الخلق (68) 6/ 45 - أفلا يعقلون (68) 6/ 46 - لينذر من كان حيّا (70) 6/ 47 - كن فيكون (82) 6/ 47 اختلافهم في سورة الصافّات- والصّافات صفّا فالزّاجرات زجرا فالتّاليات ذكرا (1 - 2 - 3) 6/ 48 - بزينة الكواكب (6) 6/ 50 - لا يسّمّعون إلى الملإ الأعلى (8) 6/ 52 - بل عجبت (12) 6/ 53 - ولا هم عنها ينزفون (47) 6/ 54 - هل أنتم مطّلّعون فأطّلع (54 - 55) 6/ 55 - فأقبلوا إليه يزفّون (94) 6/ 56 - فانظر ماذا ترى (102) 6/ 57 - وإنّ إلياس (123) 6/ 59 - الله ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين (126) 6/ 63

- سلام على إل ياسين (130) 6/ 59 - وإنّهم لكاذبون* أصطفى البنات (152 - 153) 6/ 63 اختلافهم في سورة ص- ءأنزل عليه الذكر من بيننا (8) 6/ 88 - ما لها من فواق (15) 6/ 66 - ولي نعجة (23) 6/ 68 - وظنّ داود أنّما فتنّاه (24) 6/ 70 - ليدّبّروا ءاياته (29) 6/ 67 - بالسّوق والأعناق (33) 6/ 68 - بنصب وعذاب (41) 6/ 70 - واذكر عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب (45) 6/ 76 - بخالصة ذكرى الدّار (46) 6/ 71 - واليسع (48) 6/ 74 - هذا ما توعدون (53) 6/ 77 - وغسّاق (57) 6/ 77 وءاخر من شكله أزواج (58) 6/ 78 - من الأشرار* أتّخذناهم (62 - 63) 6/ 82 - سخريّا (63) 6/ 85 - ما كان لي من علم (69) 6/ 89 - بيدي أستكبرت (75) 6/ 85 - فالحقّ والحقّ أقول (84) 6/ 87 اختلافهم في سورة الزّمر- وإن تشكروا يرضه لكم (7) 6/ 90 - أمّن هو قانت آناء اللّيل (9) 6/ 92

- فبشّر عباد* الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه (17 - 18) 6/ 93 - ورجلا سلما لرجل (29) 6/ 94 - أليس الله بكاف عبده (36) 6/ 95 - إن أرادني الله بضرّ هل هنّ كاشفات ضرّه أو أرادني برحمة هل هنّ ممسكات رحمته (38) 6/ 96 - قضى عليها الموت (42) 6/ 97 - بمفازتهم (61) 6/ 97 - تأمروني أعبد (64) 6/ 97 - فتحت أبوابها ... جاؤوها وفتحت أبوابها (71، 73) 6/ 100 اختلافهم في سورة المؤمن «غافر» - حم (1) 6/ 101 - وكذلك حقّت كلمات ربّك (6) 6/ 105 - يوم التّلاق (15) 6/ 103 - والّذين يدعون من دونه (20) 6/ 102 - كانوا هم أشدّ منهم قوّة (21) 6/ 106 - أو أن يظهر (26) 6/ 107 - يظهر في الأرض الفساد (26) 6/ 107 - عذت (27) 6/ 108 - وقال رجل مؤمن (28) 6/ 108 - كذلك يطبع الله على كلّ قلب متكبّر جبّار (35) 6/ 109 - لعلّي أبلغ الأسباب أسباب السّماوات فأطّلع إلى إله موسى (36، 37) 6/ 111 - وصدّ عن السّبيل (37) 6/ 111 - فأولئك يدخلون الجنّة يرزقون فيها بغير حساب (40) 6/ 113 - ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب (46) 6/ 112

- يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم (52) 6/ 115 - قليلا مّا تتذكّرون (58) 6/ 115 - سيدخلون جهنّم (60) 6/ 114 اختلافهم في سورة فصّلت- في أيّام نّحسات (16) 6/ 116 - ويوم يحشر أعداء الله (16) 6/ 118 - ربّنا أرنا الّذين أضلانا (29) 6/ 123 - أاعجميّ وعربيّ (44) 6/ 119 - وما تخرج من ثمرات من أكمامها (47) 6/ 118 - ونأى بجانبه (51) 6/ 123 اختلافهم في سورة الشورى «عسق» - كذلك يوحي إليك (3) 6/ 126 - تكاد السّماوات يتفطّرن من فوقهنّ (5) 6/ 127 - ويعلم ما تفعلون (25) 6/ 128 - وما أصابكم مّن مّصيبة فبما كسبت أيديكم (30) 6/ 128 - ومن آياته الجوار المنشآت في البحر كالأعلام (32) 6/ 130 - ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا (35) 6/ 130 - كبائر الإثم (37) 6/ 132 - أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه (51) 6/ 133 اختلافهم في سورة الزخرف- صفحا إن كنتم (5) 6/ 138 - كذلك تخرجون (11) 6/ 147 - أو من ينشّؤ في الحلية (18) 6/ 139

- الّذين هم عباد الرّحمن (19) 6/ 140 - أشهدوا خلقهم (19) 6/ 141 - قل أو لو جئتكم (24) 6/ 147 - لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضة (33) 6/ 148 - وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحيوة الدّنيا (35) 6/ 149 - حتّى إذا جاءنا (38) 6/ 150 - يا أيها الساحر (49) 6/ 155 - فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب (53) 6/ 151 - فجعلناهم سلفا (56) 6/ 152 - إذا قومك منه يصدّون (57) 6/ 153 - وقالوا ءألهتنا خير (58) 6/ 161 - يا عباد لا خوف عليكم (68) 6/ 157 - وفيها ما تشتهيه الأنفس (71) 6/ 158 - وإليه ترجعون (85) 6/ 158 - وقيله يا ربّ (88) 6/ 159 - فسوف يعلمون (89) 6/ 161 اختلافهم في سورة الدخان- رحمة من ربّك ... ربّ السّموات والأرض (6 - 7) 6/ 164 - يغلي في البطون (45) 6/ 166 - فاعتلوه إلى سواء الجحيم (47) 6/ 165 - ذق إنّك أنت العزيز الكريم (49) 6/ 166 - في مقام أمين (51) 6/ 167 اختلافهم في سورة الجاثية- وما يبثّ من دابّة ءايات لّقوم يوقنون ... وتصريف الرّيح ءايات

لقوم يعقلون (4، 5) 6/ 169 - فبأيّ حديث بعد الله وءاياته يؤمنون (173) 6/ 173 - لهم عذاب من رجز أليم (11) 6/ 174 - ليجزي قوما (14) 6/ 174 - سواء محياهم ومماتهم (21) 6/ 175 - وجعل على بصره غشاوة (23) 6/ 179 - إنّ وعد الله حقّ والسّاعة لا ريب فيها (32) 6/ 179 - فاليوم لا يخرجون منها (35) 6/ 179 اختلافهم في سورة الأحقاف- لينذر الّذين ظلموا (12) 6/ 183 - بولديه إحسانا (15) 6/ 182 - حملته أمّه كرها ووضعته كرها (15) 6/ 184 - أولئك الّذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيّئاتهم (16) 6/ 184 - أفّ لّكما (17) 6/ 185 - وليوفّيهم أعمالهم (19) 6/ 186 - أذهبتم طيّباتكم (20) 6/ 188 - فأصبحوا لا يرى إلّا مساكنهم (25) 6/ 186 اختلافهم في سورة (محمد صلى الله عليه وسلم) - والّذين قتلوا في سبيل الله فلن يضلّ أعمالهم (4) 6/ 190 - من مّاء غير ءاسن (15) 6/ 190 - ماذا قال ءانفا (16) 6/ 182 - الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم (25) 6/ 194 - والله يعلم إسرارهم (26) 6/ 196

- ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم (31) 6/ 197 - وتدعو إلى السّلم (35) 6/ 198 - هأنتم (38) 6/ 199 اختلافهم في سورة الفتح- عليهم دائرة السّوء (6) 6/ 200 - لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقّروه وتسبّحوه بكرة وأصيلا (9) 6/ 200 - ومن أوفى بما عاهد عليه الله (10) 6/ 201 - فسيؤتيه أجرا عظيما (10) 6/ 201 - إن أراد بكم ضرّا (11) 6/ 202 - كلام الله (15) 6/ 202 - ومن يطع الله ورسوله يدخله جنّات .. ومن يتولّ يعذّبه (17) 6/ 203 - وكان الله بما تعملون بصيرا (24) 6/ 203 - كزرع أخرج شطأه (29) 6/ 203 - فآزره (29) 6/ 204 - فاستوى على سوقه (29) 6/ 205 اختلافهم في سورة الحجرات- فأصلحوا بين أخويكم (10) 6/ 207 - أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا (120) 6/ 211 - لا يليكم من أعمالكم شيئا (140) 6/ 210 - والله بصير بما تعملون (18) 6/ 211

اختلافهم في سورة ق- يوم نقول لجهنّم (30) 6/ 213 - فنقّبوا في البلاد (36) 6/ 215 - وأدبار السّجود (40) 6/ 213 - يوم يناد المناد من مكان قريب (41) 6/ 214 - يوم تشقّق الأرض عنهم (44) 6/ 215 اختلافهم في سورة الذاريات- إنّه لحق مثل ما أنكم تنطقون (23) 6/ 216 - فأخذتهم الصّاعقة (44) 6/ 222 - وقوم نوح من قبل (46) 6/ 223 اختلافهم في سورة الطور- والّذين ءامنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّيّتهم (21) 6/ 224 - وما ألتناهم من عملهم من شيء (21) 6/ 226 - لا لغو فيها ولا تأثيم (23) 6/ 226 - إنّا كنّا من قبل ندعوه إنّه هو البرّ الرّحيم (28) 6/ 227 - أم هم المصيطرون (37) 6/ 228 - يصعقون (45) 6/ 227 اختلافهم في سورة النجم- ما كذب الفؤاد ما رأى (11) 6/ 230 - أفتمارونه على ما يرى (12) 6/ 230 - ومناة الثّالثة الأخرى (20) 6/ 231 - قسمة ضيزى (22) 6/ 232 - كبائر الإثم (32) 6/ 234

- وأنّه أهلك عادا الأولى (50) 6/ 237 اختلافهم في سورة القمر- يوم يدع الدّاع (6). مهطعين إلى الداع (8) 6/ 241 - إلى شيء نكر (6) 6/ 241 - خشّعا أبصارهم (7) 6/ 242 - ففتحنا أبواب السّماء (11) 6/ 243 - ونذر (16، 18، 21، 30، 37، 39) 6/ 243 - سيعلمون غدا (26) 6/ 243 اختلافهم في سورة الرحمن جل ثناؤه- والحبّ ذو العصف والرّيحان (12) 6/ 244 - يخرج منهما الّلؤلؤ والمرجان (22) 6/ 246 - وله الجوار المنشئات (24) 6/ 247 - سنفرغ لكم (31) 6/ 248 - أيّها الثّقلان (31) 6/ 249 - يرسل عليكما شواظ (35) 6/ 249 - من نّار ونحاس (35) 6/ 250 - لم يطمثهنّ إنس (56، 74) 6/ 252 - تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام (78) 6/ 253 اختلافهم في سورة الواقعة- وحور عين (22) 6/ 255 - عربا أترابا (37) 6/ 257 - أئذا متنا وكنّا ترابا وعظاما أءنّا لمبعوثون (47) 6/ 259 - فشاربون شرب الهيم (55) 6/ 260

- هذا نزلهم يوم الدّين (56) 6/ 263 - نحن قدّرنا بينكم الموت (60) 6/ 261 - إنّا لمغرمون (66) 6/ 262 - فلا أقسم بمواقع النّجوم (75) 6/ 262 - وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون (82) 6/ 264 اختلافهم في سورة الحديد- وقد أخذ ميثاقكم (8) 6/ 266 - وكلّا وعد الله الحسنى (10) 6/ 266 - فيضاعفه له (11) 6/ 267 - انظرونا (13) 6/ 269 - فاليوم لا يؤخذ منكم فدية (15) 6/ 276 - وما نزل من الحقّ (16) 6/ 273 - إن المصدقين والمصّدّقات (18) 6/ 274 - ولا تفرحوا بما آتاكم (23) 6/ 275 - فإنّ الله هو الغنيّ الحميد (24) 6/ 276 اختلافهم في سورة المجادلة- الّذين يظاهرون (2) 6/ 278 - ما هنّ أمّهاتهم (2) 6/ 277 - ويتناجون (8) 6/ 278 - تفسّحوا في المجالس (11) 6/ 280 - وإذا قيل انشزوا فانشزوا (11) 6/ 281 - كتب الله لأغلبن أنا ورسلي (21) 6/ 282 - أولئك كتب في قلوبهم الإيمان (22) 6/ 282

اختلافهم في سورة الحشر- يخربون بيوتهم (2) 6/ 283 - أو من وراء جدر (14) 6/ 283 - إنّي أخاف الله (16) 6/ 284 اختلافهم في سورة الممتحنة- يفصل بينكم (3) 6/ 285 - قد كانت لكم أسوة حسنة (4) 6/ 286 - إنّا برآء منكم (4) 6/ 286 - ولا تمسكوا بعصم الكوافر (10) 6/ 286 اختلافهم في سورة الصف- من بعدي اسمه أحمد (6) 6/ 288 - والله متمّ نوره (8) 6/ 289 - تنجيكم (10) 6/ 289 - كونوا أنصار الله (14) 6/ 290 - من أنصاري إلى الله (14) 6/ 290 اختلافهم في سورة المنافقون- كأنّهم خشب مّسنّدة (4) 6/ 291 - لووا روؤسهم (5) 6/ 292 - فأصّدّق وأكن مّن الصّالحين (10) 6/ 293 - والله خبير بما تعملون (11) 6/ 294 اختلافهم في سورة التغابن- يوم يجمعكم ليوم الجمع (9) 6/ 295 - يكفّر عنه سيّئاته ويدخله (9) 6/ 295

- يضاعفه لكم (17) 6/ 295 اختلافهم في سورة الطلاق- إنّ الله بالغ أمره (3) 6/ 300 - وكأيّن مّن قرية (8) 6/ 297 - وعذّبناها عذابا نكرا (8) 6/ 300 - يدخله جنّات (11) 6/ 297 اختلافهم في سورة التحريم- عرّف بعضه وأعرض عن بعض (3) 6/ 301 - فإنّ الله هو مولاه وجبريل (4) 6/ 302 - عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكن (5) 6/ 303 - توبة نّصوحا (8) 6/ 303 - وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه (12) 6/ 304 اختلافهم في سورة الملك- ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوت (3) 6/ 305 - فسحقا لأصحاب السّعير (11) 6/ 307 - وإليه النّشور* ءأمنتم مّن في السّماء (150 - 16) 6/ 305 - فستعلمون من هو في ضلال مّبين (29) 6/ 307 اختلافهم في سورة «القلم» - ن والقلم (1) 6/ 309 - أن كان ذا مال وبنين (14) 6/ 310 - وإن يكاد الّذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم (51) 6/ 312

اختلافهم في سورة الحاقة- وجاء فرعون ومن قبله (9) 6/ 314 - وتعيها أذن واعية (120) 6/ 315 - قليلا ما تؤمنون ... قليلا ما تذكّرون (41 - 42) 6/ 315 اختلافهم في سورة الواقع «المعارج» - سأل سائل بعذاب واقع (1) 6/ 317 - تعرج الملائكة (4) 6/ 318 - ولا يسئل حميم حميما (10) 6/ 320 - نزاعة للشّوى (16) 6/ 319 - لأماناتهم وعهدهم راعون (32) 6/ 321 - والّذين هم بشهاداتهم قائمون (33) 6/ 322 - أن يدخل جنّة نعيم (38) 6/ 322 - إلى نصب يوفضون (43) 6/ 322 اختلافهم في سورة نوح عليه السلام- أن اعبدوا الله (3) 6/ 324 - فلم يزدهم دعائي إلّا فرارا (6) 6/ 325 - ماله وولده (21) 6/ 325 - ولا تذرنّ ودّا (23) 6/ 327 - ممّا خطيئاتهم أغرقوا (25) 6/ 328 - ولمن دخل بيتي مؤمنا (28) 6/ 329 اختلافهم في سورة الجن- قل أوحى إلى أنّه استمع (1) 6/ 330 - يسلكه عذابا صعدا (17) 6/ 332

- كادوا يكونون عليه لبدا (19) 6/ 333 - قل إنّما أدعو ربّي (20) 6/ 333 - أم يجعل له ربّي أمدا (25) 6/ 335 اختلافهم في سورة المزمّل- إنّ ناشئة اللّيل هي أشدّ وطئا (60) 6/ 355 - واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه تبتيلا* ربّ المشرق (8 - 9) 6/ 366 - إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه (200) 6/ 366 اختلافهم في سورة المدثّر- والرجز فاهجر (5) 6/ 338 - والليل إذ أدبر (33) 6/ 338 - إنّها لإحدى الكبر (35) 6/ 339 - حمر مستنفرة (50) 6/ 341 اختلافهم في سورة القيامة- لا أقسم بيوم القيامة* ولا أقسم بالنّفس اللّوّامة (1 - 2) 6/ 343 - فإذا برق البصر (7) 6/ 345 - كلّا بل تحبّون العاجلة* وتذرون الآخرة (20 - 21) 6/ 345 - وقيل من راق (27) 6/ 346 - ألم يك نطفة من منىّ يمنى (37) 6/ 346 اختلافهم في سورة الإنسان «الدهر» - إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا (4) 6/ 348 - إنّما نطعمكم لوجه الله (9) 6/ 361

- كانت قواريرا* قواريرا من فضّة (15 - 16) 6/ 348 - عاليهم (21) 6/ 354 - ثياب سندس خضر وإستبرق (21) 6/ 356 - وما تشاءون إلّا أن يشاء الله (30) 6/ 361 اختلافهم في سورة المرسلات- عذرا أو نذرا (6) 6/ 362 - وإذا الرّسل أقّتت (11) 6/ 364 - ثمّ نتبعهم الآخرين (17) 6/ 364 - فقدرنا فنعم القادرون (23) 6/ 365 - كأنّه جمالات صفر (33) 6/ 365 اختلافهم في سورة عمّ يتساءلون «النبأ» - كلّا سيعلمون* ثمّ كلّا سيعلمون (4 - 5) 6/ 367 - وفتحت السّماء (19) 6/ 368 - لابثين فيها أحقابا (23) 6/ 369 - إلّا حميما وغسّاقا (25) 6/ 368 - لا يسمعون فيها لغوا ولا كذّابا (35) 6/ 369 - جزاء من ربّك ... ربّ السّماوات والأرض وما بينهما الرّحمن (36 - 37) 6/ 370 اختلافهم في سورة النازعات- يقولون إئنا لمردودون في الحافرة* ءإذا كنّا عظاما (10 - 11) 6/ 374 - عظاما نخرة (11) 6/ 371 - إذ ناداه ربه بالواد المقدّس طوى* اذهب إلى فرعون (16 - 17) 6/ 372

- إلى أن تزكّى (18) 6/ 374 - إنّما أنت منذر من يخشاها (45) 6/ 375 اختلافهم في سورة عبس- فتنفعه الذّكرى (4) 6/ 376 - فأنت له تصدّى (6) 6/ 376 - فأنت عنه تلهّى (10) 6/ 377 - أنّا صببنا الماء صبّا (25) 6/ 378 اختلافهم في سورة كوّرت «التكوير» - وإذا البحار سجّرت ... وإذا الصّحف نشرت ... وإذا الجحيم سعّرت (6 - 10 - 12) 6/ 379 - وما هو على الغيب بضنين (24) 6/ 380 اختلافهم في سورة انفطرت «الانفطار» - خلقك فسوّاك فعدلك (7) 6/ 382 - في أي صورة ما شاء ركّبك* كلا بل تكذّبون بالدّين (8 - 9) 6/ 384 - وما أدراك ما يوم الدّين (17) 6/ 382 - يوم لا تملك نفس لنّفس شيئا (19) 6/ 383 اختلافهم في سورة المطففين- كلّا بل ران على قلوبهم (14) 6/ 385 - إنّ كتاب الأبرار (18) 6/ 387 - ختامه مسك (26) 6/ 386 - إلى أهلهم (31) 6/ 388

- انقلبوا فكهين (31) 6/ 388 - هل ثوّب الكفّار ما كانوا يفعلون (36) 6/ 389 اختلافهم في سورة انشقت «الانشقاق» - إذا السّماء انشقّت* وأذنت لربّها وحقّت* وإذا الأرض مدّت* وألقت ما فيها وتخلّت* وأذنت لربّها وحقّت (1 - 5) 6/ 392 - ويصلى سعيرا (12) 6/ 390 - لتركبنّ طبقا عن طبق (19) 6/ 391 اختلافهم في سورة البروج- ذو العرش المجيد (15) 6/ 393 - بل هو قرآن مجيد* في لوح محفوظ (21، 22) 6/ 396 اختلافهم في سورة الطارق- إن كلّ نفس لمّا عليها حافظ (4) 6/ 397 اختلافهم في سورة الأعلى- قدّر فهدى (3) 6/ 398 - بل تؤثرون الحياة الدّنيا (16) 6/ 398 اختلافهم في سورة الغاشية- تصلى نارا حامية (4) 6/ 399 - لا تسمع فيها لاغية (11) 6/ 399 - لست عليهم بمصيطر (22) 6/ 400 اختلافهم في سورة الفجر- والشّفع والوتر (3) 6/ 402

- والليل إذا يسر ... جابوا الصّخر بالواد (4، 9) 6/ 403 - ربّي أكرمن ... ربّي أهانن (15 - 16) 6/ 403 - كلّا بل لا تكرمون اليتيم* ولا تحاضّون على طعام المسكين* وتأكلون التّراث أكلا لّمّا* وتحبّون المال حبّا جمّا (17 - 20) 6/ 409 - فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد* ولا يوثق وثاقه (25 - 26) 6/ 411 اختلافهم في سورة البلد- فكّ رقبة* أو إطعام في يوم ذي مسغبة (13 - 14) 6/ 413 - المشأمة (19) 6/ 417 - عليهم نار مّؤصدة (20) 6/ 416، 417 اختلافهم في سورة الشمس- والشّمس وضحاها (1) 6/ 418 - ولا يخاف عقباها (15) 6/ 420 اختلافهم في سورة الليل- نارا تلظّى (14) 6/ 421 اختلافهم في سورة الضّحى- والضّحى (1) 6/ 422 اختلافهم في سورة العلق- أن رآه استغنى (7) 6/ 423 اختلافهم في سورة القدر- حتّى مطلع الفجر (5) 6/ 427

اختلافهم في سورة لم يكن «البيّنة» - أولئك هم شرّ البريّة ... أولئك هم خير البريّة (6، 7) 6/ 428 اختلافهم في سورة الزلزلة- خيرا يره ... شرّا يره (7 - 8) 6/ 429 اختلافهم في سورة القارعة- القارعة ... وما أدراك ماهية (1، 10) 6/ 432 اختلافهم في سورة التكاثر- لترونّ الجحيم ... ثمّ لترونّها (6، 7) 6/ 434 اختلافهم في سورة العصر- وتواصوا بالصّبر (3) 6/ 439 اختلافهم في سورة الهمزة- جمع مالا (2) 6/ 441 - في عمد مّمدّدة (9) 6/ 442 اختلافهم في سورة قريش- لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشّتاء والصّيف (1 - 2) 6/ 444 اختلافهم في سورة الكافرون- ولا أنتم عابدون ... ولا أنا عابد ... ولا أنتم عابدون (3 - 5) 6/ 450 - ولي دين (6) 6/ 449

اختلافهم في سورة المسد- تبّت يدا أبي لهب (1) 6/ 451 - حمّالة الحطب (4) 6/ 451 اختلافهم في سورة الإخلاص- قل هو الله أحد* الله الصّمد (1 - 2) 6/ 454 - ولم يكن له كفوا أحد (4) 6/ 462 اختلافهم في سورة الفلق- ومن شرّ حاسد إذا حسد (5) 6/ 466 اختلافهم في سورة الناس- قل أعوذ بربّ النّاس (1) 6/ 466

فهرس القراءات العارضة

فهرس القراءات العارضة - قراءة حمزة في بيوت [النور: 36] بكسر الباء، وما يقويها ... 1/ 72 - ولا تناجوا [المجادلة: 9] بإدغام تاء تتناجوا في التاء بعدها، وهي قراءة ابن محيصن- يا بشريّ [يوسف: 19] بإدغام الألف بالياء، وهي قراءة أبي الطفيل عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي لغة شائعة لهذيل 1/ 87 - ومحياي ومماتي [الأنعام: 162] بسكون الياء في محياي وهو جمع بين ساكنين 1/ 90 - حاش لله [يوسف: 31 - 51] قرأ أبو عمرو بألف بعد الشين لفظا في حالة الوصل، وقرأ الباقون بحذفها وقرأ الجمهور حاش لله بغير ألف بعد الشين 1/ 95 - أاأنت [الأنبياء: 62] باجتلاب الألف بين الهمزتين وهي قراءة أبي عمرو وأبي جعفر وقالون 1/ 107 - كنتمو فاعلين [يوسف: 10] وهي قراءة ابن كثير وأبي جعفر 1/ 109 - أو اخرجوا [النساء: 66] بضم الواو قراءة الأعمش وزيد بن علي 1/ 110 - كان عبد الله بن أبي إسحاق يقرأ بين المرء وقلبه [الأنفال: 24] بكسر الميم من المرء اتباعا لحركة الإعراب 1/ 112 - قال لان جئت بالحق [البقرة: 71] وهي قراءة نافع في إحدى الروايتين 1/ 127 - إلا أن تتقوا منهم تقيّة 1/ 183 - اتخذوا إيمانهم جنّة [المنافقون: 2] 1/ 223

- آتينا بها وكفي بنا حاسبين [الأنبياء: 47] 1/ 237 - يذهب بالأبصار [النور: 43] 1/ 238 - يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة: 3] 1/ 252 - آينّكم أانزل بألف بين الهمزتين وتليين الثانية 1/ 185 - ولكن رسول الله وخاتم النبيين [الأحزاب: 40] 1/ 294، 295 - فإنهم لا يكذبونك [الأنعام: 33] 1/ 339 - المكر السّيّىء يلّا [فاطر: 43] 1/ 362 - ويخشى الله ويتّقه [النور: 52] 1/ 66، 408 - هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت [يونس: 30] 2/ 7 - يوم التّنادّ [المؤمن: 32] 2/ 30 - لا ينال عهدي الظالمون [البقرة: 124] في حرف عبد الله 2/ 42 - فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي [ق: 45] 2/ 54 - ولا تكونوا من المشركين من الّذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا [الروم: 31، 32] 2/ 94 - يهدّي [يونس: 35] 2/ 97 - يخرج الخب في السموات [النمل: 25] 2/ 107 وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين [الحديد: 8] 2/ 121 - قالوا ساحران تظاهرا [القصص: 48] 2/ 132 - ما ننسخ من آية أو تنسها [البقرة: 106] 2/ 194 - ما ننسخ من آية أو ننسكها [البقرة: 106] 2/ 195 - ما ننسك من آية أو ننسخها [البقرة: 106] 2/ 195 - ما ننسخ من أية أو ننسك [البقرة: 106] 2/ 195 - وما تسأل ولن تسأل [البقرة: 119] 2/ 216 - قال قد أوتيت سولك يا موسى [طه: 36] 2/ 218 - صحف إبراهام [الأعلى: 19] 2/ 227 - ولكل وجهة هو موليها 2/ 240

- من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم [الأعراف: 186] 2/ 400 - قل للذين كفروا أن تنتهوا نغفر لكم ما قد سلف [الأنفال: 38] 3/ 18 - قال أحمد: وكلهم قرأ: ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط [آل عمران: 21] بغير ألف إلا حمزة فإنه قرأ: ويقاتلون 3/ 23 - كلهم قرأ: إني أخلق [آل عمران: 49] وقرأ نافع إني 3/ 43 - وكلهم قرأ: فيكون طيرا بغير ألف غير نافع فإنه قرأ طائرا 3/ 44 - كلهم قرأ: إن يؤتى أحد غير محدود إلا ابن كثير فإنه قرأ: آن ممدودا [آل عمران: 73] 3/ 52 - ولن يأمركم [آل عمران: 80] 3/ 58 - كلهم قرأ: إصري بكسر الألف [آل عمران: 81] 3/ 70 - وكلهم قرأ: منزلين [آل عمران: 124] خفيف الزاي غير ابن عامر فإنه قرأ: منزّلين مشدد الزاي 3/ 75 - وكلهم قرأ: وسارعوا [آل عمران: 133] بواو غير نافع وابن عامر فإنهما قرأ: سارعوا بغير واو 3/ 77 - وكلهم قرأ: خير مما تجمعون بالتاء [آل عمران: 157] إلا عاصما فإنه قرأ بالياء 3/ 94 - وكلهم قرأ: ولا تحسبن الّذين قتلوا في سبيل الله [آل عمران: 169] مخففة التاء إلا ابن عامر فإنه قرأ قتلوا 3/ 98 - قرأ ابن كثير وأبو عمرو: والله بما يعملون خبير [آل عمران: 180] بالياء وقرأ الباقون بالتاء 3/ 113 - قرأ ابن عامر وحده وبالبينات وبالزّبر وقرأ الباقون: وبالبينات والزبر بغير ياء 3/ 113 - وقرأ .. : مع الأبرار [آل عمران: 193] بين الفتح والكسر 3/ 117 - قرأ حمزة وحده: ضعافا النساء: 9 بإمالة العين وكذلك خافوا بإمالة الخاء 3/ 133 - وكلهم قرأ: وإن كانت واحدة [النساء: 11] نصبا إلا نافعا

واحدة 3/ 135 - عن عاصم: والجار الجنب [النساء: 36]. بفتح الجيم وإسكان النون. والباقون: الجنب بضمتين 3/ 157 - وكلهم قرأ: ما فعلوه إلا قليل منهم [النساء: 66] رفعا، إلا ابن عامر فإنه قرأ: إلا قليلا منهم نصبا 3/ 168 - فلا جناح عليهما أن يصلحا صلحا 3/ 128 - وكلهم قرأ: وقد نزّل عليكم في الكتاب [النساء: 140] غير عاصم فإنه قرأ: وقد نزّل 3/ 187 - حفص عن عاصم: أولئك سوف يؤتيهم أجورهم [النساء: 152] بالياء ... وقرأ حمزة نؤتيهم بالنون 3/ 188 قرأ حمزة وحده زبورا [النساء: 163] بضم الزاي حيث وقعت 3/ 193 - وكلهم ثقل الأذن إلا نافعا فإنه خففها في كل القرآن 3/ 227 - وكلهم قرأ: أفحكم الجاهلية يبغون [المائدة: 50] بالياء وابن عامر: تبغون بالتاء 3/ 228 - بتؤثرون الحياة الدنيا 3/ 276 - قرأ نافع وحده طائرا بألف مع الهمز، وقد قرأ الباقون طيرا بغير ألف. [المائدة: 110] 3/ 276 - قرأ ابن عامر منزّلها [المائدة: 115] مشددة. وقرأ الباقون خفيفة 3/ 282 - وكلهم قرأ: وللدار الآخرة [الأنعام: 32] بلامين ورفع الآخرة، غير ابن عامر فإنه قرأ: ولدار الآخرة 3/ 300 - قرأ نافع وحده: قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون [الأنعام: 33] بضم الياء وكسر الزاي وقرأ الباقون: ليحزنك بفتح الياء وضم الزاي 3/ 304 - وكلهم قرأ: به انظر بكسر الهاء [الأنعام: 46] غير نافع به انظر برفع الهاء

- قرأ عاصم: خفية [الأنعام: 13] والباقون: خفية 3/ 316 - كلهم قرأ: بالغداة والعشي [الأنعام: 52] بألف غير ابن عامر فإنه قرأ: بالغدوة 3/ 319 - كلهم قرأ: توفته رسلنا [الأنعام: 61] بالتاء، غير حمزة فإنه قرأ توفاه 3/ 321 - كلهم قرأ: وإما ينسينّك الشيطان [الأنعام: 68] غير ابن عامر فإنه قرأ: ينسّينّك 3/ 324 - كلهم قرأ: استهوته الشياطين [الأنعام: 71] بالتاء غير حمزة فإنه قرأ: استهواه بألف وبميلها 3/ 324 - قرأ نافع وحده: أو من كان ميتا مشددة [الأنعام: 122] وقرأ الباقون ميتا بالتخفيف 3/ 398 - حفص عن عاصم: ويوم يحشرهم [الأنعام: 128] الباقون بالنون نحشرهم 3/ 406 - كلهم قرأ: محياي [الأنعام: 162] محركة الياء ومماتي ساكنة الياء، غير نافع فإنه أسكن الياء في محياي ونصبها في مماتي 3/ 440 - قرأ ابن عامر وحده: فتحنا عليهم [الأنعام: 44] مشددة، وقرأها الباقون مخففة 3/ 441 - صاد والقرآن [ص: 1] 4/ 149 - في حرف أبي: وادعوا شركاءكم [يونس: 71] 4/ 289 حرف عبد الله ما جئتم به سحر 4/ 292 - قال لان [البقرة: 71] 4/ 298 - فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك في حرف عبد الله أو أبي 4/ 371 - هدي وبشريّ [يوسف: 19] 4/ 414 - وسيعلم الّذين كفروا [الرعد: 42] في حرف أبي 5/ 22 - ثلاثمائة سنة [الكهف: 25] في حرف عبد الله 5/ 136 - أن تقع علرض [الحج: 65] 5/ 145

- ظلما وعليا [النمل: 14] في حرف عبد الله 5/ 194 - أو لا يتذكر الإنسان [مريم: 67] في حرف أبي 5/ 204 - أن دمّرناهم وقومهم [النمل: 1] حرف أبي 5/ 398 - لولا يأتينا بآيات من ربه [طه: 133] 5/ 435 - ولا يفلح الساحر أين أتى [طه: 69] 6/ 39 - وإن إدريس لمن المرسلين [الصافات: 23] 6/ 60 - إن المتصدقين والمتصدقات [الحديد: 18] حرف أبي 6/ 275 - وهذا بعلي شيخ [هود: 72] قراءة الأعمش 5/ 319 - والليل إذا أدبر [المدثر: 33] حرف عبد الله 6/ 339 - وأمرأته حمالة للحطب [المسد: 3] حرف ابن مسعود 6/ 452 - ومريئته حمالة للحطب [المسد: 3] حرف أبي 6/ 452

فهرس الآيات المفسرة

فهرس الآيات المفسّرة الّذين يؤمنون بالغيب [البقرة: 3] 1/ 230، 231 إنّ الّذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون [البقرة: 6] 2/ 244، 245 ختم الله على قلوبهم [البقرة: 7] 1/ 301 تفسير معنى الغشاوة في قوله تعالى: وعلى أبصارهم غشاوة [البقرة: 7] 1/ 309 ولكن لا يشعرون [البقرة: 12] 1/ 263 ولهم فيها أزواج مطهّرة [البقرة: 25] 2/ 324 الّذين يظنّون أنّهم ملقوا ربّهم [البقرة: 46] 2/ 26 وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة: 50] 2/ 64 خذوا مآء اتينكم بقوّة واذكروا ما فيه [البقرة: 63] 5/ 104 فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحى الله الموتى [البقرة: 73] 2/ 63 ثمّ أنتم هؤلآء تقتلون أنفسكم [البقرة: 85] 2/ 145 خذوا مآ ءاتينكم بقوّة [البقرة: 93] 2/ 73* وإذ ابتلى إبرهم ربّه بكلمت فأتمّهنّ [البقرة: 124] 2/ 33 ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون [البقرة: 154] 1/ 263، 264 فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية [البقرة: 196] 2/ 15 فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه [البقرة: 203] 2/ 310 فإن زللتم من بعد ما جآءتكم البيّنت فاعلموا [البقرة: 209] 2/ 18 ولكن لا تواعدوهنّ سرّا [البقرة: 235] 2/ 64 إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين [البقرة: 248] 1/ 224 لا يقدرون على شىء ممّا كسبوا [البقرة: 264] 3/ 394 شهد الله أنّه لا إله إلّا هو [آل عمران: 18] 1/ 228

ملك الملك [آل عمران: 26] 1/ 14 ذريّة بعضها من بعض [آل عمران: 34] 1/ 172 ولا ينظر إليهم يوم القيمة [آل عمران: 77] 6/ 270 فزادهم إيمنا [آل عمران: 173] 1/ 322 والله أعلم بإيمنكم بعضكم من بعض [النساء: 25] 1/ 172 لو تسوّى بهم الأرض [النساء: 42] 1/ 246 والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليّا وكفى بالله نصيرا* 45* من الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه [النساء: 45 - 46] 2/ 35 ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلّا قليلا [النساء: 46] 1/ 225 وأشد تثبيتا [النساء: 66] 3/ 174 ومن يكسب خطيئة أو إثما [النساء: 112] 2/ 309 إنّ الّذين ءامنوا ثمّ كفروا ثمّ ءامنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفرا [النساء: 137] 1/ 234 بل طبع الله عليها بكفرهم [النساء: 155] 1/ 302 ومهيمنا عليه [المائدة: 48] 1/ 228 - 229 قل أرءيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصركم وختم على قلوبكم [الأنعام: 46] 1/ 303 - 204 الّذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمنهم بظلم [الأنعام: 82] 1/ 225 أو من كان ميتا فأحيينه وجعلنا له نورا يمشى به في النّاس كمن مثله في الظّلمت [الأنعام: 122] 3/ 257 ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنّما يصّعّد في السّماء [الأنعام: 125] 1/ 304 - 307 وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولدهم شركآؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم [الأنعام: 137] 2/ 95 وإذا فعلوا فحشة قالوا وجدنا عليها ءابآءنا والله أمرنا بها قل إنّ الله لا يأمر بالفحشاء [الأعراف: 28] 3/ 145

وتمّت كلمت ربّك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا [الأعراف: 137] 2/ 34* ووعدنا موسى ثلثين ليلة وأتممنها بعشر فتم ميقت ربه أربعين [الأعراف: 142] 2/ 65 وإذ تأذّن ربّك [الأعراف: 167] 2/ 410 وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثق الكتب أن لا يقولوا على الله إلّا الحقّ [الأعراف: 169] 3/ 297 إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم [الأنفال: 2] 1/ 222 لا تخونوا الله والرّسول وتخونوا أمنتكم [الأنفال: 27] 1/ 218 والّذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلّا تفعلوه [الأنفال: 73] 1/ 323 المنفقون والمنفقت بعضهم من بعض [التوبة: 67] 1/ 172 خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها [التوبة: 103] 4/ 307 - 308 إنّ الّذين لا يرجون لقآءنا ورضوا بالحيوة الدّنيا [يونس: 7] 2/ 24 ومآ أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صدقين [يوسف: 17] 1/ 226 بدم كذب [يوسف: 18] 1/ 298 الّذين ءامنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله [الرعد: 28] 1/ 222 ربّ إنّهنّ أضللن كثيرا من النّاس [إبراهيم: 36] 5/ 105 وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم [النحل: 58] 2/ 327 وألقوا إلى الله يومئذ السّلم [النحل: 87] 3/ 177 ولله غيب السّموات والأرض [النحل: 77] 1/ 233 وءاتينا ثمود النّاقة مبصرة فظلموا بها [الإسراء: 59] 1/ 339 أو تأتى بالله والملئكة قبيلا [الإسراء: 92] 3/ 386 ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا [الكهف: 28] 1/ 302 فإنّى نسيت الحوت ومآ أنسنيه إلّا الشّيطن أن أذكره [الكهف: 63] 4/ 428 وءاتينه من كلّ شىء سببا* 84* فأتبع سببا [الكهف: 84] 5/ 168 كانت لهم جنّت الفردوس نزلا [الكهف: 107] 6/ 264 فى كتب لا يضلّ ربّى ولا ينسى [طه: 52] 2/ 425

في كتب لا يضلّ ربّى ولا ينسى [طه: 52] 3/ 393 ولقد عهدنا إلى ءادم من قبل فنسى [طه: 115] 2/ 189 قل إنّما أنذركم بالوحى [الأنبياء: 45] 1/ 254 الّذين يخشون ربّهم بالغيب [الأنبياء: 49] 1/ 231 فظنّ أن لن نقدر عليه [الأنبياء: 87] 5/ 50 وحرم على قرية أهلكنها أنّهم لا يرجعون [الأنبياء: 95] 3/ 381 ثانى عطفه ليضلّ عن سبيل الله [الحج: 9] 3/ 396 لينذر يوم التّلاق [المؤمن: 15] 2/ 29 فاتّخذتموهم سخريّا حتى أنسوكم ذكرى [المؤمنون: 110] 2/ 191* الله نور السّموت والأرض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح [النور: 35] 1/ 308 ولقد صرّفنه بينهم ليذّكّروا [الفرقان: 50] 3/ 429 ولقد صرّفنه بينهم ليذّكّروا [الفرقان: 50] 5/ 107 وهو الّذى جعل الّيل والنّهار خلفة لّمن أراد أن يذّكّر [الفرقان: 62] 3/ 429 ومن تاب وعمل صلحا فإنّه يتوب إلى الله متابا [الفرقان: 71] 2/ 247 وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما [الفرقان: 72] 2/ 356 فأوحينآ إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء: 63] 2/ 15 بورك من في النّار ومن حولها [النمل: 8] 5/ 17 فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ [القصص: 7] 2/ 330 ولمّا بلغ أشدّه واستوى [القصص: 14] 1/ 267 وما كان ربّك مهلك القرى حتّى يبعث في أمّها رسولا يتلوا عليهم ءايتنا [القصص: 59] 4/ 348 هل لكم من ما ملكت أيمنكم من شركاء في ما رزقنكم فأنتم فيه سوآء [الروم: 28] 1/ 274 إذا فريق منهم بربّهم يشركون* 33* ليكفروا [الروم: 33] 3/ 396 ومن النّاس من يشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم [لقمان: 6] 3/ 396

فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسن [الأحزاب: 72] 5/ 246 ومن نعمّره ننكّسه في الخلق أفلا يعقلون [يس: 68] 3/ 299 وإذا رأوا ءاية يستسخرون [الصافات: 14] 1/ 352 فويل للقسية قلوبهم من ذكر الله [الزمر: 22] 1/ 324 ورجلا سلما لرجل [الزمر: 29] 3/ 177 ويوم يناديهم أين شركآءى [فصلت: 47] 2/ 50 وهو واقع بهم [الشورى: 22] 6/ 302 وقالوا لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم [الزخرف: 31] 4/ 11 الّذين ءامنوا بأيتنا وكانوا مسلمين [الزخرف: 69] 1/ 223 فما بكت عليهم السّمآء والأرض [الدخان: 29] 4/ 19 وزوّجنهم بحور عين [الدخان: 54] 4/ 326 اليوم ننسكم كما نسيتم لقآء يومكم هذا [الجاثية: 34] 2/ 188 وقيل اليوم ننسكم كما نسيتم لقآء يومكم هذا [الجاثية: 34] 2/ 190 أفلا يتدبّرون القرءان أم على قلوب أقفالها [محمد: 24] 2/ 154 فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم [محمد: 35] 2/ 294 فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون والله معكم [محمد: 35] 3/ 178 وألزمهم كلمة التّقوى [الفتح: 26] 4/ 274* قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمن في قلوبكم [الحجرات: 14] 1/ 222 ذو مرّة فاستوى* 6* وهو بالأفق الأعلى [النجم: 6، 7] 1/ 267 ليس لوقعتها كاذبة [الواقعة: 2] 1/ 333 والّذين يظهرون من نسآئهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة [المجادلة: 3] 2/ 139، 142 أولئك كتب في قلوبهم الإيمن [المجادلة: 22] 1/ 302 ولا تكونوا كالّذين نسوا الله فأنسهم أنفسهم [الحشر: 19] 2/ 190 الجبّار المتكبّر [الحشر: 23] 2/ 411

قد كانت لكم أسوة حسنة في إبرهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءوا منكم وممّا تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدوة والبغضاء أبدا حتّى تؤمنوا بالله وحده إلّا قول إبرهيم [الممتحنة: 4] 2/ 62 قد يئسوا من الأخرة كما يئس الكفّار من أصحب القبور [الممتحنة: 13] 2/ 26 ولا يخرجن إلّا أن يأتين بفحشة مبيّنة [الطلاق: 1] 3/ 146 وصدّقت بكلمت ربّها وكتبه [التحريم: 12] 2/ 34 فأصبحت كالصّريم [ن: 20] 5/ 143 إنّى ظننت أنى ملق حسابيه [الحاقة: 20] 2/ 27 سأل سائل بعذاب واقع [المعارج: 1] 2/ 213 وأنّا لمسنا السّمآء فوجدنها [الجن: 8] 3/ 164 وأنّ المسجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا [الجن: 18] 5/ 297 وثيابك فطهّر [المدثر: 4] 2/ 327 ولا تمنن تستكثر [المدثر: 6] 2/ 388 سأرهقه صعودا [المدثر: 17] 3/ 404 نذيرا للبشر [المدثر: 36] 1/ 254 بلى قدرين على أن نسوّى بنانه [القيامة: 4] 3/ 162 بلى قدرين على أن نسوى بنانه [القيامة: 4] 1/ 247 ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا [الإنسان: 24] 4/ 54 يوم يفرّ المرء من أخيه* 43* وأمّه وأبيه [عبس: 34 - 35] 2/ 30 من رحيق مختوم* 25* ختمه مسك [المطففين: 25] 1/ 291 وأذنت لربّها [الانشقاق: 2] 4/ 201 ونفس وما سوّيها [الشمس: 7] فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسويها [الشمس: 14] 1/ 246 اقرأ باسم ربّك الّذى خلق* 1* خلق الإنسن من علق [العلق: 1 - 2] 1/ 232 فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره [الزلزلة: 7] 6/ 302 لإيلف قريش [قريش: 1] 5/ 297

فهرس الآيات المعربة

فهرس الآيات المعربة لا ريب فيه [البقرة: 2] 1/ 189 وإذ أخذنا ميثقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ... [البقرة: 63] وإذ أخذنا ميثق بنى إسرئيل لا تعبدون إلّا الله ... [البقرة: 83] وإذ أخذنا ميثقكم لا تسفكون دمآءكم ... [البقرة: 84] 2/ 122 فأمتّعه قليلا [البقرة: 126] 2/ 222 يسئلونك عن الشّهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل الله وكفر به [البقرة: 217] 3/ 126 - 128 وإذ أخذ الله ميثق الّذين أوتوا الكتب لتبيّننّه [آل عمران: 187] 2/ 122 فأذّن مؤذّن بينهم أن لعنة الله على الظّلمين [الأعراف: 44] 2/ 404 لا عاصم اليوم من أمر الله إلّا من رحم [هود: 43] 1/ 191 لا تثريب عليكم اليوم [يوسف: 92] 1/ 190 وأقسموا بالله جهد أيمنهم لا يبعث الله [النحل: 38] 2/ 122 فقل ءاذنتكم على سوآء [الأنبياء: 109] 2/ 406 لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان: 22] 1/ 192 ومآ ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال النّاس فلا يربوا عند الله [الروم: 39] 2/ 387، 317 أو لم يروا أنّ الله الذى خلق السّموات والأرض ولم يعى بخلقهنّ بقدر [الأحقاف: 33] 1/ 195

فهرس الأحاديث النبوية والآثار

فهرس الأحاديث النبوية والآثار «اجعله لنا فرطا» 5/ 73 أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لوحيه العشاء حتى تهوّر الليل 4/ 225 «أفي القوم أبيّ» 2/ 197 «ادرءوا الحدود بالشبهات» 4/ 262 إذا كان الماء قلتين أو خمس قلال لم يحمل خبثا 5/ 246 «الأذنان من الرأس» 1/ 171 جاء في الحديث: (أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس) قال: هما ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس 2/ 225 «أشعرنها إياه» 1/ 263 «أعرض وأشاح» 3/ 202 «اعضض ببظر اللات] 2/ 357 «إلى الأقيال العباهلة» 1/ 342 «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» 2/ 257 - 4/ 34 «اللهم اشدد وطأتك على مضر» 6/ 335 «اللهمّ سنين كسني يوسف» 2/ 369 «اللهم هل بلّغت» 4/ 42 «أنا فرطكم على الحوض» 5/ 73 «إنا لا نقطع في عذق ولا في عام السنة» 2/ 370 «إن الله ينهاكم عن قيل وقال» 1/ 343

«إن الله ينهى عن قيل وقال» 4/ 100 «إن الريح تخرج من روح الله، تجيء بالرحمة والعذاب» 2/ 258 «إن الصدقة أوساخ الناس» 2/ 324 «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» 4/ 406 «إنه لشارب حلّ وبلّ» 5/ 243 «بعثت إلى الأسود والأحمر» 2/ 14 «بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا» آية منسوخة 2/ 201 «التبين من الله والعجلة من الشيطان» 3/ 174 «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» 4/ 148 «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» 2/ 203 «خط الله نوءها» 2/ 117 «ذاك وأن ينسخ القرآن، فقال رجل كالأعرابي: وكيف ينسخ؟ قال: «يذهب أهله الّذين هم أهله، ويبقى رجال كأنهم النعام» 2/ 202 «ذكّروا القرآن» أثر عن ابن مسعود 2/ 53، 55 «رحم الله رجلا أصلح من لسانه» 1/ 344 «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه» 2/ 189 روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عمر رضي الله عنه، فلما أتى على المقام قال عمر: أهذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: «نعم» قال عمر: 2/ 220 «زوروها ولا تقولوا هجرا» 5/ 298 «سكة مأبورة ومهرة مأمورة» 5/ 92 «سوّموا فإن الملائكة قد سوّمت» «شاهت الوجوه» 2/ 15 «صلاة النهار عجماء» 6/ 120 «صواحبات يوسف» 5/ 353 - 6/ 225

«طهور إناء أحدكم إذا ولغ في الكلب» 2/ 323 «العائد في هبته كالعائد في قيئه» 2/ 141 فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك 4/ 406 «قام صلى الله عليه وسلم في الثانية فسبح به فلم يرجع وسجد للسهو» 2/ 197 «كان إذا صلى صلاة أثبتها» أثر عن عائشة 5/ 21 «كن عبد الله المقتول» 2/ 420 «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» 1/ 36 «لست بنبيء الله، ولكني نبي الله» 2/ 92 «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: مشتريها ... » 2/ 314 «ليت شعري ما فعل أبواي» 2/ 217 «ليّ الواجد ظلم» 2/ 414 «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي» 2/ 409 - 4/ 201 «ما بان من الحي فهو ميتة» 3/ 358 «ما تصعّدني شيء كما تصعدني خطبة النكاح» أثر لعمر بن الخطاب 3/ 404 «مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله» 2/ 235 «من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله يوم لا ظل إلا ظله» 6/ 273 «من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا» 2/ 357 «من كانت مولاه فعلي مولاه» 2/ 235 «منعت العراق درهمها وقفيزها ومصر إردبّها» 2/ 119، 459 «مولى القوم منهم» 1/ 171 «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» 5/ 189 «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» 2/ 257 «نعم يدخل القلب النور» 1/ 308 «هو الطهور ماؤه» 2/ 324 «والعجماء جبار» 6/ 120

«ويل للعراقيب من النار» 3/ 216 «يجزئ من الضّارورة صبوح أو غبوق» 3/ 190 «يعذّب المصورون يوم القيامة فيقال لهم أحيوا ما خلقتم» 2/ 70

فهرس الأمثال

فهرس الأمثال الأخذ سرّيط والأداء ضرّيط 1/ 52 أشكر من بروقه 1/ 245 تسمع بالمعيدي خير من أن تراه 1/ 270 - 218 عسى الغوير أبؤسا 1/ 273 لقد كنت وما أخشى بالذئب 1/ 302 و 4/ 404 لأنا أخدع من ضبّ حرشته 1/ 313 بنات ألببه 2/ 243 أمت في حجر لا فيك 2/ 342 التقت حلقنا البطان 3/ 441 و 4/ 413 من شبّ إلى دبّ 4/ 101 شرّ أهرّ ذا ناب 4/ 387 القيد والرتعة 4/ 405 سرعان ذا إهالة 5/ 94 ولدك من دمّى عقبك 5/ 211 حبيب جاء على فاقة 5/ 416 يداك أو كتا وفوك نفخ 5/ 417 تسمع بالمعيدي لا أن تراه 6/ 251 في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار 6/ 394

فهرس الأبيات والشواهد الشعرية

فهرس الأبيات والشواهد الشعرية (ء) ردي ورد قطاة صمّاء ... كدريّة أعجبها برد الماء 5/ 364 يستمسكون من حذار الإلقاء ... بتلعات كرءوس الصيصاء 5/ 364 غيلان الربعي (ء) فأبلغ إيادا إن عرضت وطيئا ... وأبلغ حليفينا ومن قد تسوّءا؟ 1/ 253 (ء) أمسلمتي للموت أنت فميّت ... وهل للنفوس المسلمات بقاء 1/ 161 المجنون لعلك والموعود حق لقاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء 2/ 58 محمد بن بشير الخارجي إذا أنا لم أو من عليك فلم يكن ... كلامك إلا من وراء وراء 5/ 190 عني بن مالك كأن الرحل منها فوق صعل ... من الظلمان جؤجؤه هواء 1/ 304 زهير أرونا خطّة لا خسف فيها ... يسوّي بيننا فيها السّواء 1/ 246 زهير جرت سنحا فقلت لها مروعا ... نوى مشمولة فمتى اللقاء 2/ 254 زهير

كلما أن تفرق آل ليلى ... جرت بيني وبينهم ظباء جرت سنحا فقلت لها مروعا ... نوى مشمولة فمتى اللقاء 5/ 88 زهير ولولا يوم يوم ما أردنا ... جزاءك والقروض لها جزاء 1/ 166 الفرزدق 2/ 66 وجبريل أمين الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء 2/ 168 حسان بن ثابت 6/ 463 هم الآسون أمّ الرأس لما ... تواكلها الأطبة والإساء 4/ 435 الحطيئة بادت وغير أيهن مع البلى ... إلا رواكد جمرهن هباء ومشجّج أما سواء قذاله ... فبدا وغيّر ساره المعزاء 3/ 225 ذو الرمة أو الشماخ و 5/ 313، 6/ 187، 256 وبوّئت في صميم معشرها ... فصحّ في قومها مبوّئها وما أراها تزال الدهر ظالمة ... تحدث لي قرحة وتنكؤها 4/ 310 ابن هرمة و 314، 320 يدع الحيّ بالعشي رغاها ... وهم عن رغيفهم أغنياء 2/ 459 عدي بن الرقاع أجمعوا أمرهم بليل فلمّا ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء 4/ 287 الحارث بن حلزة تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء 4/ 186 ؟ 6/ 457 ظاهرات الجمال والحسن ينظر ... ن كما ينظر الأراك الضباء؟ 6/ 270 (ء) هلّا كوصل ابن عمار تواصلني ... ليس الرجال وإن سوّوا بأسواء 1/ 247 رافع بن هريم

ولا أسقي ولا يسقي شريبي ... ويرويه إذا أوردت مائي؟ 4/ 294 فلا يرمى بي الرّجوان إني ... أقل القوم من يغني غنائي 5/ 277 عبد الرحمن بن الحكم قلت لشيبان ادن من لقائه ... أنّا نغدّي القوم من شوائه 3/ 379 أبو النجم من لدشولا فإلى أتلائها 5/ 125، 161؟ ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميّت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيبا ... كاسفا باله قليل الرجاء 3/ 27 عدي بن الرعلاء و 398، 6/ 212 ثم لما رآه رانت به الخم ... ر ألا ترينه باتقاء 6/ 386 أبو زبيد (ب) يا أبتا ويا أبه ... حسنت إلا الرقبة؟ 4/ 392 كأنما حوأبها لمن رقب ... بمذعيين نقبة من الجرب؟ 5/ 322 العرب في عرابة وإعراب 6/ 259 رؤبة (ب) وما له من مجد تليد وما له ... من الريح حظ لا الجنوب ولا الصبا 1/ 105 الأعشى 4/ 62 وما عنده مجد تليد ولا له ... من الريح فضل لا الجنوب ولا الصبا 2/ 255 الأعشى

وما عنده رزقي علمت ولا له ... علي من الريح الجنوب ولا الصبا 2/ 256 الأعشى أراني لدن أن غاب رهطي كأنما ... يراني فيكم طالب الضيم أرنبا 4/ 156 الأعشى 5/ 128 وليس مجيرا إن أتى الحيّ خائفا ... ولا قائلا إلا هو المتعيّبا 4/ 321 الأعشى 6/ 134 ثمّت لا تجزونني عند ذاكم ... ولكن سيجزيني الإله فيعقبا 5/ 42 الأعشى ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا وتدفن منه الصالحات وإن يسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كوبا 6/ 131 الأعشى منت لك أن تلقى ابن هند منيّة ... وفارس قيّاس إذا ما تلبّبا 6/ 347 ابن أحمر كذبت عليكم أوعدوني وعلّلوا ... بي الأرض والأقوام قردان موظبا 1/ 334 خداش بن زهير تركتني حين لا مال أعيش به ... وحين جنّ زمان الناس أو كلبا؟ 1/ 168 قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدوا العناج وشدوا فوقه الطنبا 3/ 252 الحطيئة أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا 1/ 73 جرير 2/ 361، 376 و 3/ 220 و 4/ 352 و 6/ 351 سألناها الشفاء فما شفتنا ... ومنّتنا المواعد والخلابا 2/ 209 جرير وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت هو المصابا 3/ 80 جرير 6/ 298 ألان فقد فرغت إلى نمير ... فهذا حين صرت لهم عذابا 4/ 256

جرير 6/ 249 ولو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسبّ بذلك الجرو الكلابا 5/ 260 جرير أعزّك بالحجاز وإن تسهّل ... بغور الأرض تنتهب انتهابا 6/ 38 جرير جريمة ناهض في رأس نيق ... ترى لعظام ما جمعت صليبا 3/ 196 أبو خراش فلاقته ببلقعة براز ... فصادف بين عينيه الجبوبا 3/ 262 أبو خراش الهذلي فانقضّ كالدّريء يتبعه ... لهب يثور تخاله طنبا 5/ 374 أوس لقد خشيت أن أرى جدبّا ... وهبّت الريح بمور هبّا تترك ما أبقى الدّبا سبسبّا 1/ 65 رؤبة 410، 2/ 362 و 4/ 337 و 5/ 421 و 6/ 31، 316 مثل الحريق وافق القصبّا 2/ 363 رؤبة 5/ 421 و 6/ 31 من خالص الماء وما قد طحلبا 2/ 17 العجاج خاطمها زأمّها كي يركبا 4/ 413؟ لكل دهر قد لبست أثؤبا ... حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا معروف بن عبد الرحمن (ب) أبا مالك مالت برأسك نشوة ... وبالبشر قتلى لم تطهّر ثيابها 2/ 325 جرير تقول ابنتي لما رأتني شاحبا ... كأنك فينا يا أبات غريب 4/ 390

أبو الحدرجان فلا يبعد الله الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوة سنتوب ليالي أبصار الغواني وسمعها ... إليّ وإذ ريحي لهن جنوب 2/ 255 حميد بن ثور قرينة سبع إن تواترن مرة ... ضربن وصفّت أرؤس وجنوب 5/ 295 حمد بن ثور تعنّاك نصب من أميمة منصب ... كذي الشوق لما يسله وسيذهب 6/ 71 بشر بن أبي حازم زجرت لها طير الشمال فإن تكن ... هواك الذي يهوى يصبك اجتنابها 3/ 315 أبو ذؤيب فلما اجتلاها بالإيام تحيزت ... ثبات عليها ذلها واكتئابها 4/ 395 أبو ذؤيب زجرت لها طير الشمال فإن تكن ... هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها 5/ 236 أبو ذؤيب عقار كماء النّيء ليست بخمطة ... ولا خلّة يكوي الشّروب شهابها 6/ 15 أبو ذؤيب توصّل بالركبان حينا وتؤلف ال ... جوار ويغشيها الأمان ربابها 6/ 445 أبو ذؤيب تطاللت فاستشرفته فعرفته ... فقلت له: آأنت زيد الأرانب 1/ 279 ذو الرمة وأسقية حتى كاد مما أبثّه ... تكلمني أحجاره وملاعبه 3/ 97، 302 ذو الرمة 5/ 65 إذا هبت الأرواح من نحو جانب ... به أيمن قد هاج شوقي هبوبها 4/ 34 ذو الرمة وأزور يمطو في بلاد بعيدة ... تعاوى به ذؤبانه وثعالبه 4/ 409 ذو الرمة

وقد حلفت بالله ميّة ما الذي ... أقول لها إلا الذي أنا كاذبه 4/ 442 ذو الرمة ألا رب من يهوى وفاتي ولو دنت ... وفاتي لذلت للعدو مراتبه 5/ 37 ذو الرمة له واحف والصلب حتى تقطّعت ... خلاف الثريا من أريك مآربه 5/ 114 ذو الرمة وقائلة تخشى علي أظنه ... سيودي به ترحاله ومذاهبه 5/ 225 ذو الرمة ويشبح بالكفين شبحا كأنه ... أخو فجرة عالى به الجذع صالبه 6/ 208 ذو الرمة نظرن إلى أظعان مي كأنها ... مولية ميس يميل ذوائبه 6/ 270 ذو الرمة نزائع مقذوفا على سرواتها ... بما لم تخالسها الغزاة وتركب 1/ 302 الطفيل الغنوي 3/ 59 وقد منّت الخذواء منا عليهم ... وشيطان إذا يدعوهم ويثوّب 2/ 23 الطفيل الغنوي وبالسّهب ميمون النقيبة قوله ... لملتمس المعروف أهل ومرحب 4/ 342 الطفيل الغنوي وبالسّهب ميمون النقيبة قوله ... لملتمس المعروف أهل ومرحب 3/ 164 الطفيل تواترن حتى لم تكن لي ريبة ... ولم يك عما خبروا متعقب 5/ 295 الطفيل الغنوي فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب 3/ 157 علقمة بن عبدة تتبع أفياء الظلال عشية ... على طرق كأنهن سبوب 5/ 69، 6/ 44 علقمة

فبيناه يشري رحله قال قائل لمن جمل رخو الملاط نجيب 1 135 فإن تكن الأيام أحسنّ مرة ... إلي فقد عادت لهن ذنوب 2/ 138 غريقة بن مسافع ولكن ديافيّ أبوه وأمّه ... بحوران يعصرن السليط أقاربه 2/ 132 الفرزدق تميم بن مر لا تكونن حاجتي ... بظهر ولا يعيا علي جوابها 2/ 132 الفرزدق ولو كان هذا الأمر في جاهلية ... شنئت به أو غص بالماء شاربه 3/ 199 الفرزدق وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حيّ أبوه يقاربه 5/ 40 الفرزدق وكائن إليكم قاد من رأس فتنة ... جنودا وأمثال الجبال كتائبه 3/ 80 الفرزدق 6/ 298 فلو أن ميتا يفتدى لفديته ... بما اقتال من حكم علي طبيب 1/ 342 كعب بن سعد 2/ 147 وداع دعا يا من يجيب إلى العلى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب 1/ 352 كعب بن سعد 5/ 165، 179 فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة ... لعل أبي المغوار منك قريب 2/ 176 كعب بن سعد الغنوي فطائفة قد أكفرتني بحبكم ... وطائفة قالوا مسيء ومذنب 3/ 97، 303 الكميت بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب 3/ 107 الكميت 5/ 20، 152 ولا أنا ممن يزجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب 5/ 89 الكميت

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ... ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب 6/ 163 الكميت وكائن إليكم قاد من رأس فتنة ... جنودا وأمثال الجبال كتائبه 3/ 80 وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها ... بلحييك عاديّ الطريق ركوب؟ 3/ 243 4/ 37 وأشعث قد ناولته أحرش القرى ... أربّت عليه المدجنات الهواضب تخاطأه القعّاص حتى وجدته ... وخرطومه في منقع الماء راسب؟ 5/ 97 وقد شاءنا القوم السراع فأوعبوا 6/ 125؟ وجدتم أخاكم دوننا إذ نسبتم ... وأي بني الآخاء تنبو مناسبه؟ 6/ 208 وما بدلت من أم عمران سلفع ... من الود ورهاء العنان عروب؟ 6/ 259 سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب 2/ 6، 80 جرير 6/ 32، 296 تبدو فتبدي جمالا زانه خفر ... إذا تزأزأت السود العناكيب 4/ 199 جرير بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا ... ببطن شريان يعوي عنده الذيب 4/ 273 جنوب أخت عمرو ذي الكلب وفراء غرفيّة أثأى خوارزها ... مشلشل ضيعته بينها الكتب 2/ 455 ذو الرمة أم دفعة نسفت عنها الصّبا سفعا ... كما تنشّر بعد الطيّة الكتب 4/ 39 ذو الرمة كأنها جمل وهم وما بقيت ... إلا النحيزة والألواح والعصب 4/ 370

ذو الرمة 6/ 187 غدا كأنّ به جنّا تذاء به ... من كل أقطاره يخشى ويرتقب 4/ 199 ذو الرمة وصوّح البقل نئّاج تجيء به ... هيف يمانية في مرّها نكب 5/ 201 ذو الرمة لا تشتكى سقطة منها وقد رقصت ... بها المفاوز حتى ظهرها حدب 5/ 245 ذو الرمة لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطّلب 4/ 377 ابن قيس الرقيات ويلمّها في هواء الجو طالبة ... ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب 6/ 340 امرؤ القيس هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب 2/ 241 ؟ 375 و 3/ 353 كأنها من حجار الغيل ألبسها ... مضارب الماء لون الطحلب اللزب؟ 6/ 366 كأن محرّبا من أسد ترج ... ينازلهم لنابيه قبيب 2/ 448 أبو ذؤيب 6/ 148 فإن السلم زائدة نوالا ... وإنّ نوى المحارب لا تئوب؟ 3/ 177 6/ 198 فإذا سمعت بأنني قد بعته ... بوصال غانية فقل كذّبذب 1/ 330 جريبة بن الأشيم لد غدوة حتى أغاث شريدهم ... جوّ العشارة فالعيون فزنقب 5/ 127 زيد الفوارس 5/ 161 فأزال خالصها بأبيض ناصح ... من ماء ألهاب بهن التّالب 2/ 16 ساعدة بن جؤية يتقي به نفيان كل عشية ... فالماء فوق متونه يتصبب 3/ 29

ساعدة بن جؤية 5/ 181 لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب 5/ 440 ساعدة بن جؤية 6/ 73 هذا وجدّكم الصّغار بعينه ... لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب 1/ 190 ضمرة بن ضمرة أفعنك لا برق كأن وميضه ... غاب تسنّمه ضرام مثقب 1/ 164، 170 ؟ و 3/ 382 ولقد شهدت التاجر ال ... أمّان مورودا شرابه 1/ 217 الأعشى فصدقتها وكذبتها ... والمرء ينفعه كذابه 1/ 329، 4/ 442 الأعشى 6/ 369 ألا هزئت بنا قرشي ... ية يهتز موكبها 1/ 351 ابن قيس الرقيات عجبت والدهر كثير عجبه ... من عنزيّ سبّني لم أضربه 1/ 64 زياد الأعجم 6/ 438 وا بأبي أنت وفوك الأشنب ... كأنما ذرّ عليه زرنب 4/ 331 بعض بني تميم الناس جنب والأمير جنب 3/ 158؟ ثار فضجّت ضجة ركائبه 6/ 50 ذو الرمة في ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكي علينا إلا كواكبها 1/ 174 أحيحة بن الجلاح 4/ 373 يا ربّ ماء صرى وردته ... سبيله خائف جديب 5/ 206 ؟ على حين ألهى الناس جلّ أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثعالب 1/ 164 أعشى همدان

(ب) وللشّول أتباع مقاحيم برحت ... به وامتحان المبرقات الكواذب 1/ 336 ذو الرمة وماء صرى عافي الثنايا كأنه ... من الأجن أبوال المخاض الضوارب عم شرك الأقطار بيني وبينه ... مراريّ محشيّ به الموت ناضب 4/ 323 ذو المرة خليليّ لا يبقى على الدهر فادر ... بتيهورة بين الطّخاف العصائب 4/ 228 صخر الغي لعمرو أبي عمرو لقد ساقه المنا ... إلى جدث يوزى له بالأهاضب 6/ 347 صخر الغي أنخنا فسمناها النطاف فشارب ... قليلا وآب صدّ عن كلّ مشرب 5/ 74 الطفيل الغنوي سليل قروم سادة ثم قادة ... يبذّون أهل الجمع يوم المحصّب 5/ 480 علي بن سليمان قديديمة التجريب والحلم إنني ... أرى غفلات العيش قبل التجارب 5/ 188 القطامي ومنا لقيط وابنماه وحاجب ... مؤرث نيران المكارم لا المخبي 1/ 115 الكميت بمحنية قد آزر الضال نبتها ... مضمّ جيوش غانمين وخيّب 5/ 222 امرؤ القيس بمحنية قد آزر الضال نبتها ... مضمّ رجال غانمين وخيّب 6/ 204 امرؤ القيس فذر ذا ولكن هتّعين متيّما ... على ضوء برق آخر الليل ناصب 3/ 276 مزاحم العقيلي 5/ 203

ومن هاب أطراف القنا خشية الردى ... فليس لمجد صالح بكسوب 6/ 395 بعض ولد الملهب تجذّ السلوقيّ المضاعف نسجه ... وتوقد بالصفاح نار الحباحب 5/ 257 النابغة كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيّ الكواكب 6/ 71 النابغة جزى الله عنا جمرة ابنة نوفل ... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب 3/ 95 النمر بن تولب وقالت ألا يا اسمع نعظك بخطّة ... فقلت سمعنا فانطقي وأصيبي 5/ 385 النمر بن تولب عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر ... بمنهمر جون الرباب سكوب 1/ 404 هدبة بن خشرام 6/ 85 و 432 هم أهل بطحاوي قريش كليهما ... هم صلبها ليس الوشائظ كالصلب 3/ 289 ؟ وما كلّ ذي لب بمؤتيك نصحه ... وما كل موت نصحه بلبيب 3/ 192 ؟ أولئك أولى من يهود بمدحة ... إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب 4/ 358 ؟ أذاع به في الناس حتى كأنه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب 5/ 373 ؟ من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ... ولم تسع بين الحي بالحطب الرطب 6/ 452 ؟ أما أقاتل عن ديني على فرس ... ولا كذا رجلا إلا بأصحاب 5/ 110 حبي بن وائل سالت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلت هذيل بما قالت ولم تصب 2/ 218 حسان بن ثابت 6/ 317

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب 2/ 331 عمرو بن معد يكرب 5/ 176 و 440 و 6/ 98 لا أستكين إذا ما أزمة أزمت ... ولن تراني لخير فاره اللبب 5/ 366 ابن وادع العوفي جيش المحمّين حشّ النار تحتهما ... غرثان أمسى بواد مؤهب الحطب 1/ 243 ؟ فلولا الله والمهر المفدّى ... لأبت وأنت غربال الإهاب 4/ 200 حسان وقد نقبت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب 6/ 215 امرؤ القيس من وسط جمع بني قريظ بعد ما ... هتفت ربيعة يا بني جوّاب 1/ 251 القتّال الكلابي 3/ 335 كذب العتيق وماء شنّ بارد ... إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي 1/ 335 عنترة ومتنان خظاتان ... كزحلوف من الهضب 1/ 126 أبو داود أو عقبة بن سابق الهزاني وعنس قد براها لذة المركب والشّرب 6/ 261 أبو دؤاد عن متنه مرداة كل صعب ... وقد تطويت انطواء الخضب 5/ 342 رؤبة يشمّ عطفي ويمسّ ثوبي ... كأنني أربته بريب 1/ 180 خالد بن زهير يا ليت أم العمر كانت صاحبي ... مكان من أنشا على الركائب 3/ 348 ؟ 6/ 75 عجبت من ليلاك وانتيابها ... من حيث زارتني ولم أورا بها 2/ 86

إنك يا جهضم ماه القلب ... ضخم عريض مجرئشّ الجنب 1/ 69 ؟ أبلغ أبا دختنوس مألكة ... غير الذي يقال ملكذب 4/ 298 ؟ ألم تكسف الشمس شمس النهار ... مع النجم والقمر الواجب 5/ 32 أوس وليس التفحّش من شأنهم ... ولا طيرة الغضب المغضب 3/ 281 الكميت ولوح ذراعين في بركة ... إلى جؤجؤ رهل المنكب 4/ 83 النابغة الجعدي ما بال عين عن كراها قد جفت ... مسبلة تستن لما عرفت دارا لسلمى بعد حول قد عفت ... بل جوز تيهاء كظهر الجحفت 4/ 300 سؤر الذئب 4/ 363، 395 شلّت يدا فارية فرتها ... وفقئت عين التي أرتها 1/ 75 صريع الركبان: جعل (ت) أبلغ أمير المؤمني ... ن أخا العراق إذا أتيتا أن العراق وأهله ... عنق إليك فهيت هيتا 4/ 417 ؟ قد رابني أن الكريّ أسكتا ... لو كان معنيا بنا لهيّتا 4/ 418 أنشده بعض البغداديين ويأكل الحيّة والحيّوتا 4/ 136؟ (ت) ولا تلمس الأفعى يداك تنوشها ... ودعها إذا ما غيبتها سفاتها 3/ 163 ؟

إذا شئت آداني صروم مشيّع ... معي وعقام يتّقي الفحل مقلت يطوف بها من جانبيها ويتّقي ... بها الشمس حيّ في الأكارع ميت 4/ 138 ؟ ويوم كإبهام الحبارى لهوته 5/ 283؟ أما كان عبّاد كفيئا لدارم ... بلى ولأبيات بها الحجرات 6/ 463 رجل من الحبطات وليلة ذات هوى سريت ... ولم يلتني عن هواها ليت 6/ 210 رؤبة ومنهل فيه الغراب الميت ... كأنه من الأجون زيت سقيت منه القوم واستقيت 3/ 26، 27، 6/ 212 ربّما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات 5/ 38 جذيمة الأبرش (ت) ألا آذنتني بالتفرق جارتي ... وأصعد أهلي منجدين وغارت 1/ 75 زهير بن مسعود كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... على أمّها وإن تحدّثك تبلت 1/ 36 الشنفرى 5/ 196 بريحانة من بطن حلية نوّرت ... لها أرج ما حولها غير مسنت 2/ 372 الشنفري 4/ 82 بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثر القتلى بها حين سلّت 4/ 295 الفرزدق أناديك ما حجّت حجّت وكبرت ... بفيفا غزال رفقة وأهلّت 5/ 208 كثير

لا يعدلنّ أتاويّون تضربهم ... نكباء صرّ بأصحاب المحلات 1/ 37 ؟ 5/ 413 أري عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترّهات 6/ 231، 425 سراقة البارقي حلفت برب مكة والمصلّى ... وأعناق الهديّ مقلّدات 1/ 188 الفرزدق لما رأت ماء السّلا مشروبا ... والغرث يعصر في الإناء أرنّت 2/ 364 شبيب بن جعل أو حجل زعمت تماضر أنني إما أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي 3/ 86 علباء فارتاح ربي وأراد رحمتي 1/ 261 العجاج في سعي دنيا طالما قد مدّت ... من نزل إذا الأمور غبّت 2/ 130 العجاج 3/ 302 أأن رأيت هامتي كالطّست 5/ 181، 3/ 120 رؤبة بني يا سيدة البنات ... عيشي ولا يومي بأن تماتي 3/ 93 ؟ وقد قسوت وقسا لداتي 3/ 218؟ صفيّة قومي ولا تعجزي ... وبكّي النساء على حمزة 1/ 73 كعب بن مالك 1/ 212، 3/ 192 و 5/ 147 (ث) يا رب قد أولع بي وقد عبث ... فاقدر له أصيلة مثل الحفث 5/ 49 ؟

(ث) كالبيض لم يطمث بهن طامث 6/ 253 رؤبة (ج) لا همّ إن كنت قبلت حجّتج ... فلا يزال شاحج يأتيك بج 3/ 71 بعض أهل اليمن عند ذي تاج إذا قيل له ... فاد بالمال تراخى ومزج 2/ 146 الأعشى (ج) متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا 5/ 351 عبد الله بن الحسر أمنك البرق أرقبه فهاجا ... فبتّ إخاله دهما خلاجا 4/ 443 أبو ذؤيب الهذلي تواعدني ربيعة كلّ يوم ... لأهلكها وأقتني الدجاجا 2/ 434 ؟ متخدا من عضوات تولجا 2/ 70 جرير يتبعن ذيّالا موشّى هبرجا ... فهنّ يعكفن به إذا حجا 3/ 296 العجاج ومهمه هالك من تعرّجا 4/ 379 و 5/ 156 العجاج ولم تعوج رحم من تعوّجا 5/ 166 العجاج يوم خراج يخرج الشّمرّجا 5/ 174، 299

العجاج من طلل كالأتحميّ أنهجا 6/ 407 العجاج (ج) فجاء بها ما شئت من لطمية ... يدوم الفرات فوقه ويموج 3/ 130 أو ذؤيب وصبّ عليها الطيب حتى كأنها ... أسيّ على أمّ الدماغ حجيج 4/ 436 أبو ذؤيب إذا هم بالإقلاع هبت له الصبا ... وأعقبت نوء بعدها وخروج 5/ 299 أبو ذؤيب (ج) ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ... دوني وأفتح بابا بعد إرتاج 3/ 441 الراعي و 5/ 43 كأن أصوات- من إيغالهنّ بنا-* أواخر الميس إنقاض الفراريج 3/ 123 ذو الرمة وأراكم لدى المحاماة عندي ... مثل صوت الرجال للأزواج 4/ 326 (ح) قلت لما فصلا من قنّة ... كذب العير وإن كان برح 1/ 334 أبو داود (ح) سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فاستريحا 6/ 131، 268 المغيرة بن حبناء

فطرت بمنصلي في يعملات ... دوامي الأيد يخبطن السريحا 1/ 137 مضرس بن ربعي يا ليت زوجك قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا 1/ 311 عبد الله بن الزبعرى 4/ 289 مرته النعامى فلم يعترف ... خلاف النعامى من الشأم ريحا 2/ 251 أبو ذؤيب (ح) ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الصوائح 5/ 326، 6/ 126 الحارث بن نهيك أو نهشل بن حري سواء عليك اليوم أنصاعت النوى ... بخرقاء أم أنحى لك السيف ذابح 1/ 271 ذو الرمة إذا قلت عاج أو تغنيت أبرقت ... بمثل الخوافي لاقحا أو تلقّح 1/ 336 ذو الرمة ويوم من الشعرى تظل ظباؤه ... بسوق العضاه عوّذا ما تبرّح 4/ 151 ذو الرمة من المؤلفات الرمل أدماء حرة ... شعاع الضحى في جيدها يتوضح 6/ 445 ذو الرمة بدرت إلى أولاهم فسبقتهم ... وشايحت قبل اليوم إنك شيح 3/ 201 أبو ذؤيب فقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذي أنت بائح 4/ 297 عنترة وعلمي بأسدام المياه فلم تزل ... قلائص تخدي في طريق طلائح وأني إذا ملّت ركابي مناخها ... فإني على حظي من الأمر جامح 3/ 313 ابن مقبل 5/ 400 ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط مما تطيح الطوائح 3/ 414 لبيد

وكان سيان ألا يسرحوا غنما ... أو يسرحوه بها واغبرت السوح 1/ 266 أبو ذؤيب الهذلي 3/ 367 و 4/ 53 نام الخليّ وبتّ الليل مشتجرا ... كأنّ عينيّ فيها الصاب مذبوح 1/ 297 أبو ذؤيب الهذي وزفت الشّول من برد العشي كما ... زفّ النعام إلى خفّانه الروح 6/ 56 أبو ذؤيب شنئت العقر عقر بني شليل ... إذا هبت لقاريها الرياح 3/ 206 ؟ إني لأرجو أن تموت الريح ... فأقعد اليوم وأستريح 2/ 381، 4/ 36 ؟ (ح) أخاك أخاك إن من لا أخاله ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح 6/ 207 إبراهيم بن هرمة فليست بسنهاء، ولا رجبيّة ... ولكن عرايا في السنين الجوائح 2/ 372 سويد بن الصامت وفرع يصير الجيد وحف كأنه ... على الليث قنوان الكروم الدّوالح 2/ 392 بعض بني سليم سل الدار من جنبي حبّر فواهب ... إلى ما رأى هضب القليب المضيّح 6/ 219 ابن مقبل إذا فضّت خواتمها وفكّت ... يقال لها دم الودج الذبيح 1/ 295، 297 أبو ذؤيب الهذلي وأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح 1/ 81، 120 ابن هرمة 5/ 240، 6/ 447 هذا مقام قدمي رباح ... للشمس حتى دلكت براح 5/ 208؟

(خ) والله لولا أن تحشّ الطّبخ ... بي الجحيم حيث لا مستصرخ 1/ 194 ؟ 2/ 289 (د) تقدم إقداما عليكم كالأسد 6/ 292؟ كلما قلت غد موعدنا ... غضبت هند وقالت بعد غد 5/ 228 عمر بن أبي ربيعة عاضها الله غلاما بعد ما ... شابت الأصداغ والضرس نقد 3/ 112 كلّ غراء إذا ما برزت ... ترهب العين عليه والحسد 1/ 286 4/ 174 (د) فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفى حتى تلاقي محمدا 1/ 94 الأعشى 3/ 315 ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السليم المسهّدا 2/ 384 الأعشى أتيت حريثا زائرا عن جنابة ... فكان حريث عن عطائي جامدا 3/ 159 الأعشى وما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا 3/ 199 الأحوص و 204، 210 أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا 2/ 225 حطائط أو حاتم الطائي 3/ 379 إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ... ولم تجدي من أن تقرّي به بدّا 3/ 213 زائدة بن صعصعة

دعاني من نجد فإن سنينه ... لعبن بناء شيبا وشيّبننا مردا 2/ 374 الصمة القشيري أعد نظرا يا عبد قيس فإنما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا 2/ 171 الفرزدق ألا حيّ ندماني عمير بن عامر ... إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا 1/ 28 كعب بن جعيل 4/ 365 وكان وإياها كحرّان لم يفق ... عن الماء إذا لاقاه حتى تقدّدا 2/ 28 كعب بن جعيل وأين ركيب واضعون رحالهم ... إلى أهل بعل من مقامة أهودا 3/ 420 ؟ ألا غنّياني وارفعا الصوت بالملا ... فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا 6/ 195 فإن تجمع أوتاد وأعمدة ... وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا 5/ 215 الأفوه الأودي أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها ... وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا 6/ 103 ابن الأحمر مرّوا سراعا فقالوا كيف سيدكم ... قال الذي سألوا أمسى لمجهودا 4/ 384 ؟ حتى إذا سلكوهم في قتائدة ... شلّا كما تطرد الجمالة الشّردا 5/ 93 عبد مناف الهذلي صابوا بستة أبيات وأربعة ... حتى كأن عليهم جابيا لبدا 6/ 334 مناف بن ربع إذا تجرّد نوح قامتا معه ... ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا 4/ 210 عبد مناف بن ربع الهذلي لقد أعجبتموني من جسوم ... وأسلحة ولكن لا فؤادا 1/ 305 برج من مهر تقوه أيها الفتيان إنّي ... رأيت الله قد غلب الجدودا 3/ 28 خداش بن زهير

معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا 4/ 286 عقيبة الأسدي و 365، 449 حتى يفيدك من بنيه رهينة ... نعش ويرهنك السماك الفرقدا 2/ 446 الأعشى آليت لا أعطيه من أبنائنا ... رهنا فيفسدهم كمن قد أفسدا 2/ 447 كامل الأعشى ربّي كريم لا يكدّر نعمة ... وإذا تنوشد بالمهارق أنشدا 5/ 199 الأعشى لسنا كمن حلّت إياد دارها ... تكريت ترقب حبها أن يحصدا 5/ 226 الأعشى أثوى وقصر ليلة ليزوّدا ... فمضت وأخلف من قتيلة موعدا 5/ 439 الأعشى يديان بيضاوان عند محلّم ... قد تمنعانك أن تضام وتضهدا 3/ 143 ؟ عجبت هنيدة أن رأت ذا رثّة ... وفما به قصم وجلدا أسودا 2/ 207 ؟ هم يندرون دمي وأن ... ذر إن لقيت بأن أشدّا 1/ 256 عمرو بن معد يكرب فزججتها بمزجّة ... زجّ القلوص أبي مزادة 4/ 413 ؟ وقصب حنّي حتى كادا ... يعود بعد أعظم أعوادا 2/ 138 العجاج علفتها تبنا وماء باردا 1/ 312 و 4/ 288؟ إذا ركبت فاجعلوني وسطا ... إني كبير لا أطيق العنّدا 2/ 349؟

وإن رأيت الحجج الرواددا ... قواصرا للعمر أو مواددا 3/ 72 ؟ أريت إن جئت به أملودا ... مرجّلا ويلبس البرودا 3/ 308 رؤبة فلاقى ابن أنثى يبتغي مثل ما ابتغى ... من القوم مسقيّ الثمام حدائده 2/ 28 الأشعث بن معروف وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وقد قربت نضوي أمصر تريد 1/ 126 جميل وإن قال مولاهم على جل حادث ... من الدهر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا 1/ 70 الخطيئة ألا حبّذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد 3/ 186 الحطيئة أحمّ علافي وأبيض صارم ... وأعيس مهري وأشعث ماجد 6/ 395 ذو الرمة ولكنما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد 2/ 171 ساعدة بن جؤية 4/ 409 إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك عضب مهنّد 3/ 35 ؟؟ 5/ 61 فإن لم أصدّق ظنكم بتيقّن ... فلا سقت الأوصال منّي الرواعد 6/ 21 ؟ يرمي الغيوب بعينيه ومطرفه ... مغض كما كسف المستأخذ الرمد 2/ 75 أبو ذؤيب لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى ... وجعدة إذا أضاءهما الوقود 1/ 239 جرير/ 135 و 5/ 392 و 6/ 69، 205، 416 أزيد مناة توعد يا بن تيم ... تبين أين تاه بك الوعيد 6/ 232 جرير

وقالوا ربك انصره فإن ال ... أعادي فيهم بأس شديد 6/ 237 شعبة بن قمير أزيد مناة توعد يا ابن تيم ... تبيّن أين تاه بك الوعيد 3/ 175 ؟ وإن سيادة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلبها شديد 3/ 404 لولا دفاع الله ضل ضلالنا ... ولسرّنا أنّا نتلّ ونوأد 2/ 354 خانتك ميّة ما علمت كما ... خان الإخاء خليله لبد 1/ 219 أوس أبني لبيني لا أحبّكم ... وجد الإله بكم كما أجد 1/ 262 أوس بن حجر والناس يلحون الأمير إذا هم ... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد 2/ 116 عبيد بن الأبرص 5/ 98 وبلدة لا يستطيع سيدها ... حسرى الأراكيب ولا يهيدها 5/ 245 ؟ أمك بيضاء من قضاعة قد ... نمّت لك الأمهات والنّضد 2/ 328 ؟ إن لي حاجة إليك فقالت ... بين أذني وعاتقي ما تريد 5/ 90 قرّبنه ولا تقلينّ واعلم ... أنه اليوم إنما هو ناد 4/ 303 أبو دؤاد (د) ينبي تجاليدي وأقتادها ... ناو كرأس الفدن المؤيد 2/ 149 المثقب العبدي يا بن أمّي ويا شقيّق نفسي ... أنت خلّيتني لأمر شديد 4/ 90 أبو زبيد في ضريح عليه عبء ثقيل ... ولقد كان عصرة المنجود 4/ 426

أبو زيد الطائي ودويّة مثل السماء اعتسفتها ... وقد صبغ الليل الحصى بسواد 4/ 271 ذو الرمة طرحنا إزارا فوقها أيزنيّة ... على منهل من قدقداء ومورد 2/ 326 ابن أحمر إن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد 1/ 151 أشهب بن رميلة فحياك ودّ من هداك لفتية ... وخوص بأعلى ذي نضالة هجّد 6/ 328 الحطيئة أخالد ما راعيت من ذي قرابة ... فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي 1/ 231 أبو ذؤيب الهذلي يودون لو يفدونني بنفوسهم ... ومثنى الأواقي والقيان النواهد 2/ 146 أبو ذؤيب متى تأتني أصبحك كأسا روية ... وإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد 1/ 206 طرفة 6/ 408 وعنس كألواح الإران نسأتها ... على لا حب كأنه ظهر برجد 6/ 11 طرفة إلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي 6/ 99 طرفة خذول تراعي ربربا بخميلة ... تناول أطراف البرير وترتدي 6/ 236 طرفة أعاذل إن اللوم في غير كنهه ... عليّ طوى من غيك المتردّد 6/ 372 طرفة أعاذل ما يدريك أن منيّتي ... إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد 3/ 380 عدي بن زيد وكنا إذا الجبار صعّر خدّه ... ضربناه تحت الأنثيين على الكرد 2/ 56

الفرزدق وكل خليل راءني فهو قائل ... من أجلك هذا هامة اليوم أو غد 5/ 117 كثير عزة 6/ 124 أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي 2/ 272 النمر- نصيب سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجي الشمال عليه جامد البرد 4/ 368 النابغة بني السماء فسوّاها ببنيتها ... ولم تمدّ بأطناب ولا عمد 4/ 219 نبئت أن ربيعا أن رعى إبلا ... يهدي إلي خناه ثاني الجيد 6/ 110 الشماخ 5/ 455 فكملت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة في ذلك العدد 2/ 275 النابغة يمدّه كلّ واد؟ مزبد لجب ... فيه ركام من الينبوت والحصد 3/ 417 النابغة كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد 6/ 458 النابغة لو يستطعن إذا نابتك مجحفة ... فديتك الموت بالأبناء والولد 2/ 146 ؟؟ أو من بني عامر الحمر الجلاعيد 6/ 446 أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن ولا أميّة بالبلاد 3/ 344 ابن الزبير أبحت حمى تهامة بعد نجد ... وما شيء حمت بمستباح 2/ 44 و 6/ 267 جرير ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد 1/ 93، 325

قيس بن زهير و 2/ 99، 4/ 285، 377، 448، 5/ 240، 291، 6/ 425 يا بكر آمنة المبارك بكرها ... من ولد محصنة بسعد الأسعد 6/ 326 حسان سراة بني أبي بكر تساموا ... على كأن المسومة الجياد 2/ 437 ؟ عمرتك الله الجليل فإنني ... ألوي عليك لو أن لبك يهتدي 3/ 349 ابن أحمر من خمر ذي نطف أغن منطق ... وافى بها لدراهم الأسجاد 2/ 40 الأسود بن يعفر وكأنه لهق السراة كأنه ... ما حاجبيه معيّن بسواد 3/ 89، 4/ 291 الأعشى كنواح ريش حمامة نجديّة ... ومسحت باللثتين عصف الإثمد 1/ 137 خفاف بن ندبة هبلتك أمك إن قتلت لفارسا ... حلت عليك عقوبة المتعمد 6/ 149 عاتكة بنت زيد فلأبغينّكم قنا وعوارضا ... ولأقبلن الخيل لابة ضرغد 3/ 53 عامر بن الطفيل فعلي إثم عطية بن الخيطفي ... واثم التي زجرتك إن لم تجهد 6/ 341 الفرزدق وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسّة بالعبير مقرمد محطوطة المتنين غير مفاضة ... ريا الروادف بضّة المتجرّد 2/ 19، 20 النابغة أنى سلكت فإنني لك كاشح ... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد 2/ 401 3/ 230، 4/ 110، 5/ 337 قدني من نصر الخبيبين قدي 3/ 334، 5/ 46، 161 حميد بن مالك 6/ 62، 99

عدّوني الثعلب فيما عددوا ... حتى استثاروا بي إحدى الإِحَد ليثا هزبرا ذا سلاح معتدي ... يرمي بطرف كالحريق الموقد 1/ 261 المرار الفقعسي 2/ 422، 4/ 460 كأنما أصواتها بالوادي ... أصوات حجّ من عمان غادي 2/ 279 ؟ إذا الصّباء أجلت يبيس الغرقد ... وطال حبس بالدرين الأسود 2/ 318 لو شهد عادا في زمان عاد 6/ 141 إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوما يصيروا للقلّ والنفذ 5/ 91 لبيد لم تدر مالا ولست قائلها ... عمرك ما عشت آخر الأبد ولم تؤامر نفسيك ممتريا ... فيها وفي أختها ولم تكد 1/ 318 ومنكوحة غير ممهورة ... وأخرى يقال لها فادها 2/ 337 الأعشى (ر) وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر ... أتوني فقالوا من ربيعة أم مضر 4/ 66 عمران بن حطان و 6/ 163 فقتلا بتقتيل وضربا بضربكم ... جزاء العطاس لا ينام من اثأر 2/ 291 المهلهل و 4/ 77 397 أبو بحر أشد الناس منّا ... علينا بعد حيّ أبي المغيرة 4/ 139 أبو الأسود كتمايل النشوان ير ... فل في البقيرة والإزاره 2/ 326 الأعشى وقدت لها الشعرى فآ ... لفت الخدور بها الجآذر 4/ 151

الحطيئة وأراك تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يغر 1/ 405 زهير و 2/ 83، 4/ 140 و 5/ 320، و 6/ 105، 392، 406، 433 إذا تخازرت وما بي من خزر 6/ 410 أرطأة بن سهيّة أو عمرو بن العاص أنا ابن ماوية إذ جدّ النّقر 1/ 98، 140 عبيد بن فاوية 349، 2/ 301، و 4/ 210، 394، و 6/ 439 الحمد لله الذي أعطى الظفر ... موالي الحقّ إن المولى شكر 2/ 235 العجاج وعاصما سلّمه من الغدر ... من بعد إرهان بصماء الغبر 2/ 445 العجاج سيل الجراد السّدّ يرتاد الخضر ... آواه ليل غرضا ثم ابتكر 6/ 37 العجاج عيناء حوراء من العين الحير 1/ 316 منظور بن مرثد فيه عياييل أسود ونمر 3/ 372، 6/ 193 حكيم بن معية يخبطن بالأيدي مكانا ذا غدر ... خبط المغيبات فلاطيس الكمر 2/ 21 ؟ أرسل فيها مقرما غير قفر ... طبا بإرسال المرابيع السؤر 3/ 240 واحتمل اليتم فريخ التّمرة ... ونشر اليسروع بردي حبره 5/ 246 ؟ ما أقلّت قدماي إنهم ... نعم الساعون في الأجر المبرّ 2/ 398 طرفة ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر 6/ 51، 259

عن مبرقات بالبرين وتب ... دو بالأكف اللامعات سور 2/ 105 و 462 عدي بن زيد لا يفزع الأرنب أهوالها ... ولا ترى الضبّ بها ينجحر 2/ 47 عمرو بن أحمر و 5/ 244 لو وصل الغيث أبنين امرأ ... كانت له قبّة سحق بجاد 4/ 220 أبو مارد الشيباني لها متنتان خظاتا كما ... أكب على ساعديه النّمر 1/ 124 امرؤ القيس و 220 وعين لها حدرة بدرة ... شقت مآقيهما من أخر 5/ 419 امرؤ القيس سلام الإله وريحانه ... ورحمته وسماء درر 6/ 244 النمر بن تولب رأيت ثيابا على جثّة ... فقلت هشام ولم أخبره 6/ 438 ؟ (ر) لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا 6/ 54 الأبيرد الرياحي ولما رأيت الأمر عرش هوية ... تسلّيت حاجات النفوس بصيعرا 5/ 277 الشماخ نجا سالم والنفس منه بشدقه ... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا 3/ 322 حذيفة بن أنس 4/ 305 و 5/ 432 موشّحة بالطرتين ونالها ... جنا أيكة يضفو عليها قصارها 6/ 15 أبو ذؤيب فما أم خشف بالعلاية شادن ... تنوش البرير حيث نال اهتصارها 6/ 23 أبو ذؤيب

قعودا لدى الأبواب طلّاب حاجة ... عوان من الحاجات أو حاجة بكرا 3/ 363 الفرزدق لكم مسجدا الله المزوران والحصا ... لكم قبضه من بين أثرى واقترا 5/ 348 الكميت على لاحب لا يهتدى لمناره ... إذا سافه العود الديافيّ جرجرا 2/ 47 ولما بدا حوران والآل دونه ... نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا 6/ 271 امرؤ القيس إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى ... لها شاعرا مثلي أطب وأشعرا وأكثر بيتا شاعرا ضربت به ... بطون جبال الشعر حتى تيسرا 5/ 33 ابن مقبل إن كان ظني صادقي وهو صادقي ... بشملة يحبسهم بها محبسا وعرا 6/ 20 مكبرة لا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا 1/ 189 تقرب يخبو ضوؤه وشعاعه ... ومصّح حتى يستراء فلا يرى 6/ 125 ألا في سبيل الله تغيير لمتي ... ووجهك ممّا في القوارير أصفرا 6/ 352 ؟ أو معبر الظهر ينبي عن وليّته ... ما حج ربّه في الدنيا ولا اعتمرا 5/ 387 رجل من باهلة لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها ... إليّ لامت ذوو أحسابها عمرا 1/ 168 الفرزدق ويلغى دونها المرئي لغوا ... كما ألغيت في الدية الحوارا 2/ 357 ذو الرمة فأيّي ما أويّك كان شرا ... فقيد إلى المقامة لا يراها 5/ 471 العباس بن مرداس

متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا 2/ 407 عنترة أحار ترى بريقا هبّ وهنا ... كنار مجوس تستعر استعارا 4/ 358 امرؤ القيس ألف الصفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا 6/ 352، 445 أورد خذا تسبّق الأبصارا ... وكلّ أنثى حملت أحجارا 2/ 55 العجاج إذا سمعت صوتها الخرّارا ... يهوي أصمّ وقعها الصرّارا 4/ 237 العجاج كان جزائي بالعصا أن أجلدا 4/ 343 و 6/ 182 العجاج أوصيت من برة قلبا حرّا ... بالكلب خيرا والحماة شرا 6/ 172 أبو النجم فكان ما ربحت تحت الغيثرة ... وفي الرخام أن وضعت عشره 3/ 433 ؟ إذا غطيف السلميّ فرّا 4/ 185؟ لا حملت منك كراع حافرا 6/ 206 لتجدني بالأمير برا ... وبالقناة مدعسا مكرا إذا غطيف السلمي فرا 6/ 457؟ أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا 4/ 403 الربيع بن ضبع الفزاري 6/ 461

من يأسة اليائس أو حدادا 4/ 434؟ إن يمض عنا فقد ثوى عمرا 5/ 307؟ ولا بدّ من غزوة في الربيع ... حجون تكلّ الوقاح الشكورا 1/ 245 الأعشى كأن القرنفل والزنجي ... ل باتا بفيها وأريا مشورا 1/ 294 الأعشى فلم ينطق الديك حتى ملأ ... ت كوب الرباب له فاستدارا 2/ 39 الأعشى بأعظم منك تقىّ للحساب ... إذا النسمات نفضن الغبارا 2/ 49 الأعشى فكيف أنا وانتحالي القواف ... ي بعد المشيب كفى ذاك عارا 2/ 365 الأعشى 5/ 146 على أنها إذا رأتني أقا ... د قالت بما قد أراه بصيرا 3/ 59 الأعشى جيادك في الصيف في نعمة ... تصان الجلال وتعطى الشعيرا 3/ 133، 440 الأعشى له زجل كحفيف الحصا ... د صادف بالليل ريحا دبورا 3/ 418 الأعشى وبانت بها غربات النوى ... وبدّلت شوقا بها وادّكارا 3/ 427 الأعشى فأقلت قوما وأعمرتهم ... وأخرجت من أرض قوم ديارا 6/ 283 الأعشى زنادك خير زناد الملو ... ك خالط منهن مرخ عفارا ولو رمت في ليلة قادحا ... حصاة بنبع لأوريت نارا 6/ 396

أشار لها آمر فوقه ... هلمّ فأمّ إلى ما أشارا 1/ 262 امرأة من أسد أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقّد بالليل نارا 2/ 420 أبو داود 6/ 111، 171، 3/ 274 بمستأسد القريان حوّ تلاعه ... فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره 5/ 271 الحطيئة بمستأسد القريان حو تلاعه ... فنوّاره ميل إلى الشمس زاهره 5/ 379 الحطيئة وإنا نهين المال من غير ضنّة ... ولا يشتكينا في السنين ضريرها 2/ 371 حاتم أماوي قد طال التجنب والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم العذر 6/ 363 حاتم فلا تجز عن من سنّة أنت سرتها ... فأول راضي سنة من يسيرها 4/ 265 خالد بن زهير ديار التي قالت غداة لقيتها ... صبوت أبا ذيب وأنت كبير 2/ 96 أبو ذؤيب وعيّرها الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها 2/ 133 أبو ذؤيب تبرأ من دم القتيل وثوبه ... وقد علقت دم القتيل إزارها 2/ 326 أبو ذويب فقلت تحمّل فوق طوقك إنها ... مطبعة من يأتها لا يضيرها 3/ 75 أبو ذؤيب وعادية تلقي الثياب كأنها ... تيوس ظباء محصها وانبتارها 3/ 422 أبو ذؤيب ترى شربها حمر الحداق كأنهم ... أساوى إذا ما سار فيهم سوارها 4/ 436

أبو ذؤيب الهذلي لهنّ نئيج بالنشيل كأنها ... ضرائر حرميّ تفاحش غارها 4/ 154 أبو ذؤيب الهذلي موشّحة بالطرتين دنا لها ... جنى أيكة يضفو عليها قصارها 5/ 52 أبو ذؤيب الهذلي وقرّبن بالزرق الجمائل بعد ما ... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر 2/ 449 ذو الرمة و 3/ 368 و 5/ 143 و 6/ 365 إذا ما علاها راكب الصيف لم ... يزل يرى نعجة في مرتع ويثيرها مولعة خنساء ليست بنعجة ... يدمن أجواف المياه وقيرها 3/ 421 ذو الرمة ومن جردة غفل بساط تخاشنت ... به الوشي قرّأت الرياح وخورها 3/ 184 ذو الرمة 4/ 302 و 5/ 198 و 6/ 410 كلون الحصان الأنبط البطن قائما ... تمايل عنه الجلّ واللون أشقر 5/ 133 ذو الرمة فيا ميّ هل يجزى بكائي بمثله ... مرارا وأنفاسي إليك الزواخر وأني متى أشرف من الجانب الذي ... به أنت من بين الجوانب ناظر 6/ 269 ذو الرمة خذوا حظكم يا آل عكرم واذكروا ... أواصرنا والرحم بالغيب تذكر 2/ 303 زهير إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني ... نسيم الصبا من حيث يطّلع الفجر 2/ 250 أبو صخر الهذلي لنا ثلة مقصورة حضنيّة ... لها بين جرس الراعيين يواعر 1/ 296 رجل من بني سعد هم أنشبوا زرق القنا في نحورهم ... وبيضا تقيض البيض من حيث طائره 3/ 279 و 280 تنظرت نصرا والسماكين أيهما ... علي من الغيث استهلت مواطره 1/ 92 الفرزدق 3/ 81

لعمرك ما معن بتارك حقه ... ولا منسئ معن ولا متيسّر 3/ 66 الفرزدق يداك يد إحداهما الجود كله ... وراحتك الأخرى طعان تغايره 5/ 418 الفرزدق فأصبحت أعطى الناس للخير والقرى ... عليه لأضياف وجاز أجاوره 6/ 460 الفرزدق لسيّان حرب أو تبوءوا بخزية ... وقد يقبل الضيم الذليل المسيّر 4/ 265 لبيد و 5/ 92 ضوامن ما جار الدليل ضحى غد ... من البعد ما يضمن فهو أداء 2/ 60 ؟ على أنني في كل سير أسيره ... وفي نظري من نحو أرضك أصور 2/ 389 ؟ فدومي على العهد الذي كان بينا ... أم انت من اللا ما لهن عهود 4/ 247 أصاح الذي لو أن ما بي من الهوى ... به لم أرعه لا يعزّي وينظر 4/ 295 ؟ أبائنة حبّي نعم وتماضر ... لهنّا لمقضي علينا التهاجر 4/ 382 ت لي آل زيد واندهم لي جماعة ... وسل آل زيد أي شيء يضيرها 5/ 234 إني أتاني شيء لا أسرّ به ... من علو لا كذب فيه ولا سخر 5/ 303 أعشى باهلة 6/ 73 ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار 1/ 24، 3/ 272 الخنساء فلو يلاقي الذي لاقيته حضن ... لظلت الشمّ منها وهي تنصار 2/ 391 الخنساء

يطوي ابن سلمى بها عن راكب بعدا ... عيديّة أرهنت فيها الدنانير كأنها بحسير الريح صادية ... وقد تحرّز ملحرّ اليعافير 2/ 444 رذاذ الكلبي والإثم من شرّ ما يصال به ... والبرّ كالغيث نبته أمر 5/ 93 زهير حتى كأن لم يكن إلا تذكره ... والدهر أيّتما حال دهارير 6/ 221 غثير بن لبيد؟ ما مع أنك يوم الورد ذو جرز ... ضخم الدسيعة بالمسلمين وكار ما كنت أول ضب صاب تلعته ... غيث وأخطأه جدب وإضرار 6/ 344 عبده بن الطيب لو كان غيري سليمى اليوم غيّره ... وقع الحوادث إلا الصارم الذكر 3/ 180 لبيد وفي الحدوج عروب غير فاحشة ... ريّا الروادف يعشى دونها البصر 6/ 258 لبيد يا عين بكيّ حنيفا رأس حيّهم ... الكاسرين القنا في عورة الدّبر 6/ 96 ابن مقبل يا حرّ أمسيت شخصا قد وهى بصري ... والتاث ما دون يوم البعث من عمري 5/ 357 ابن مقبل وأنني حوثما يسري الهوى بصري ... من حوثما سلكوا أثني فأنظور 1/ 80 ؟ و 6/ 447 يلقى الإوزّون في أكناف دارتها ... فوضى وبين يديها التبن منثور 4/ 169 ؟ عسفن على الأواعس من قفيل ... وفي الأظعان عن طلح ازورار 5/ 133 جرير تعلّم أن شر الناس قوم ... ينادى في شعارهم يسار 2/ 411 زهير

وما دهري بشتمك فاعلمنه ... ولكن أنت مخذول كبير 2/ 172 زيد الخيل له زجل كأنه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زئير 1/ 205 الشماخ و 5/ 130 بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلات نزور 3/ 40، 6/ 69 العباس بن مرداس أشارب قهوة وخدين زير ... وصرّاء لفسوته بخار 5/ 353 الفرزدق و 6/ 350 يطول اليوم لا ألقاك فيه ... ويوم نلتقي فيه قصير 5/ 283 ؟ وحمّال المئين إذا ألّمت ... بنا الحدثان والأنف النّصور 6/ 192 ؟ بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضر 6/ 298 أشعر الرقبان كشهاب القذف يرميكم به ... فارس في كفه للحرب نار 5/ 373 الأفوه الأودي كأنّ عينيه من الغئور 1/ 123 كشراب قيل عن مطيته ... ولكلّ أمر واقع قدر 6/ 261 عمرو بن أحمر أهاجك المنزل والمحضرّ ... أودت به ريدانة صرصرّ 4/ 36 ابن ميادة ومشيهن بالخبيب مور ... كأنهن الفتيان الزّور يسألن عن غور وأين الغور ... والغور منهن بعيد جور 2/ 127 ؟ فاصبري إنك من قوم صبر 6/ 258

(ر) فبات وأسرى القوم آخر ليلهم ... وما كان وقافا بغير معصّر 4/ 427 الأعشى فما رقد الولدان حتى رأيته ... على البكر يمريه بساق وحافر 6/ 205 جبيهاء الأسدي ونبئت جوّابا وسكنا يسبّني ... وعمرو بن عفرا لاسلام على عمرو 4/ 362 جرير كأن عرى المرجان منها تعلّقت ... على أم خشف من ظباء المشافر 6/ 247 ذو الرمة وإنك يا عام بن قارس قرزل ... مقيم على قول الخنا والهواجر 1/ 299 سلمة بن الخرشب ومولى كمولى الزبرقان ادّملته ... كما ادّمل العظم المهيض من الكسر 2/ 237 ابن طيفان الدارميّ فإن حراما لا أرى الدهر باكيا ... على شجوه إلا بكيت على عمرو 1/ 270 عبد الرحمن بن جمانة وما راعنا إلا يسير بشرطة ... وعهدي به قينا يفشّ بكير 4/ 157 معاوية الأسدي و 6/ 251 وإن أبانا كان حل ببلدة ... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر 1/ 248 موسى بن جابر و 249 و 5/ 224 فقال فريق القوم لمّا نشدتهم ... نعم وفريق ليمن الله ما ندري 6/ 235 نصيب بقية قدر من قدور تورّثت ... لآل الجلاح كابرا بعد كابر 6/ 392 النابغة ألا يا لقوم للنوائب والقدر ... وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري 2/ 339 هدبة بن خشرم فلاذا جلال هبنه لجلاله ... ولا ذا ضياع هن يتركن للفقر 6/ 254

هدبة بن خشرم كرام إذا ما جئتهم عن جنابة ... أعفاء عن بيت الخليط المجاور 3/ 159 فلما أتاني ما يقول تطايرت ... عصافير رأسي وانتشيت من الخمر 3/ 281 ؟ ترى الأكم منها سجدا للحوافر 3/ 369؟ ونار قبيل الصبح بادرت قدحها ... حيا النار قد أوقدتها للمسافر 4/ 132 ؟ حضجر كأم التوأمين توكأت ... على مرفقيها مستهلّة عاشر 4/ 201 ؟ وما مالئ عينيه من شيء غيره 5/ 135 أتيت بعبد الله في القد موثقا ... فألا سعيدا ذا الخيانة والغدر 5/ 176 ؟ 6/ 411 فليت فلانا كان في بطن أمه ... وليت فلانا كان ولد حمار 5/ 211 ؟ 6/ 326، 411 لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ... جبانا فما عذري لدى كل محضر 6/ 363 حار بن كعب ألا أحلام تزجركم ... عنا وأنتم من الجوف الجماخير 1/ 306 حسان دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحا ... إن الرجال ذوو عصب وتذكير 3/ 158 حسان و 5/ 160 و 6/ 242 تلك الحرائر لا ربات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرءان بالسور 5/ 241 الراعي حنّت إلى نعم الدّهنا فقلت لها ... أمّي هلالا على التوفيق والرّشد 4/ 80 ذو الرمة

أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار 5/ 56 سالم بن دارة ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار 5/ 280 الفرزدق يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا ... من هؤليّائكن الضال والسمر 3/ 48 العرجي يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم ... أم الهنيبر من زند لها واري 3/ 11، 48 القتال الكلابي: عبيد بن المضرجي قد كنت أهدي ولا أهدى فعلّمني ... حسن المقادة حتى فاتني بصري 1/ 186 يكاد ينشقّ عنه سلخ كاهله ... زلّ العثار ويبت الوعث والضرر 2/ 19 ابن مقبل يا ليت لي سلوة يشفى الفؤاد بها ... من بعض ما يعتري قلبي من الدّكر 3/ 427 ابن مقبل طافت به الفرس حتى بذّ ناهضها ... عمّ لقحن لقاحا غير مبتسر 3/ 341 ابن مقبل 6/ 61 وصاحبي وهوه مستوهل زعل ... يحول بين حمار الوحش والعصر 4/ 426 ابن مقبل فينا كراكر أجواز مضبّرة ... فيها دروء إذا شئنا من الزّور 5/ 132 ابن مقبل باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوّار ولا دعر 5/ 414 ابن مقبل إنا وجدنا بني جلّان كلّهم ... كساعد الضبّ لا طول ولا قصر 1/ 149 ؟ و 6/ 372 يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار 3/ 49 ؟ و 5/ 384 حيوا الديار وحيوا ساكن الدار ... ما كدت أعرف إلا بعد إنكار 6/ 145

ولا لحجاج عيني بنت ماء ... تقلب طرفها حذر الصقور 6/ 453 إمام بن أقرم ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري 5/ 82 جعدة بن عبد الله فإن يبرأ فلم أنفث عليه ... وإن يهلك فذلك كان قدري 2/ 129 يزيد بن سنان و 253، 3/ 184 و 4/ 38 و 6/ 307 نبّئت أن دما حراما نلته ... وهريق في برد عليك محبّر 2/ 325 أوس نبّئت أن بني جذيمة أدخلوا ... أبياتهم تامور نفس المنذر 2/ 325 أوس أسد علي وفي الحروب نعامة ... ربداء تنفر من صفير الصافر 1/ 305 أسامة بن سفيان وبرحرحان غداة كبّل معبد ... نكحت نساؤكم بغير مهور 2/ 337 جرير لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين من حجج ومن دهر 6/ 406 زهير ومن الموالي موليان فمنهما ... معطي الجزيل وباذل النصر ومن الموالي ضبّ جندلة ... لحز المروءة ظاهر الغمر 2/ 236 الزبرقان وقتيل مرة أثأرن فإنه ... فرغ وإن أخاهم لم يثار 6/ 344 عامر بن الطفيل ولقد ضللت أباك تدعو دارما ... كضلال ملتمس طريق وبار 2/ 425 الفرزدق وإذا الرجال رأوا زياد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكسي الأبصار 6/ 349 الفرزدق

بكّي بعينك واكف القطر ... ابن الحواري العالي الذكر 1/ 85 ابن قيس الرقيات وأخو الأباءة إذ رأى خلّانه ... تلّى شفاعا حوله كالإذخر 2/ 46 أبو كبير الهذلي فبعثتها تقص المقاصر بعد ما ... كربت حياة النار للمتنوّر 4/ 132 ابن مقبل ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر 3/ 348 ؟ و 6/ 75 وأبي الذي ترك الملوك وجمعهم ... بصهاب هامدة كأمس الدابر 6/ 175، 339 ؟ وكحل العينين بالعواور 4/ 338 و 5/ 328 و 6/ 431 جندل بن المثنى قدني من نصر الخبيبين قدي ... ليس الإمام بالشحيح الملحد 4/ 108 حميد الأرقط لا همّ لا أدري وأنت الداري ... كل امرئ منك على مقدار 1/ 260 العجاج و 4/ 261 فكر ثم قال في التفكير ... إن الحياة اليوم في الكرور 1/ 331 العجاج و 342 و 2/ 204 إلى أراط ونقاتيهور 4/ 229 العجاج جذب الصراريّين بالكرور 5/ 353 العجاج و 6/ 350 باعد أمّ العمر من أسيرها ... حراس أبواب على قصورها 3/ 347 أبو النجم و 6/ 76 يا سارق الليلة أهل الدار 1/ 20 و 2/ 279 و 4/ 301؟

إما تريني أذّري وأدّري ... غرات جمل وتدرّى غرري 1/ 258 ؟ كأنه بعد كلال الزاجر ... ومسحي مرّ عقاب كاسر 2/ 397 ؟ و 3/ 193 و 4/ 278 و 5/ 182 أحوى من العوج وقاح الحافر 3/ 340؟ لا همّ إن عامر الفجور ... قد حبس الخيل على معمور 4/ 363 ؟ تلوية الخاتن زبّ المعذر 6/ 293؟ في سماع يأذن الشيخ له ... وحديث مثل ماذيّ مشار 2/ 409 عدي و 4/ 202 أبلغ النعمان عني مألكا ... أنه قد طال حبسي وانتظاري 2/ 416 عدي بن زيد لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري 4/ 427 عدي بن زيد أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر 2/ 151 الأعشى حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر 2/ 379، 4/ 38 الأعشى أرمي بها البيد إذا هجّرت ... وأنت بين القرو والعاصر 2/ 384 الأعشى ساد وألفى رهطه سادة ... وكابرا سادوك عن كابر 6/ 391 الأعشى إني حوالي وإني حذر ... هل ينسأن يومي إلى غيره 5/ 358 ابن أحمر

رحت وفي رجليك ما فيهما ... وقد بدا هنك من المئزر 2/ 80، 6/ 32 الأقيشر الأسدي سالتاني الطلاق أن رأتاني ... قلّ ما لي قد جئتماني بنكر 2/ 209 زيد بن عمرو (ز) وكنت ربيعا لليتامى وعصمة ... فملك أبي قابوس أضحى وقد نجز 5/ 376 النابغة (ز) إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة ... وإن تغيبت كنت الهامز اللّمزة 4/ 196 ؟ كأنّ خزّا تحته وقزّا ... أو فرشا محشوة إوزّا 4/ 169 ؟ و 6/ 358 (زُ) تفادي إذا استذكى عليها وتتقي ... كما يتقي الفحل المخاض الجوامز 2/ 147 الشماخ وحلّأها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النواحز 3/ 244 الشماخ و 4/ 312، 429 قد حال دون دريسيه مئوبة ... نسع لها بعضاه الأرض تهزيز 2/ 89، 252 المتنخّل الهذلي (ز) هذا الزمان مولّ خيره آزي ... صارت رءوس به أذناب أعجاز 4/ 150 عمارة (س) أحبّ كلب في كلابات الناس ... إلي نبحا كلب أمّ العباس 3/ 368 ؟

(سَ) أكرّ وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القوانسا 1/ 27، 158 العباس بن مرداس 3/ 244 وداويتها حتى شتت حبشية ... كأن عليها سندسا وسدوسا 6/ 358 يزيد بن خذاق دعوت ربّ القوة القدوسا 2/ 150 رؤبة يا منزل الرّحم على إدريس ... ومنزل اللعن على إبليس 5/ 166 رؤبة وهن يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطير ننك لميسا 2/ 288 ابن عباس فبات منتصبا وما تكردسا 1/ 408 العجاج و 2/ 79، 277 و 5/ 270، 329 خلقت شكسا للأعادي مشكسا ... من شاء من شر الجحيم استقبسا 5/ 375 ؟ و 6/ 94 ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستاسا 4/ 434 النابغة الجعدي إذا ما الضجيع ثنى عطفها ... تثنت فصارت عليه لباسا 5/ 81 النابغة الجعدي يضيء كضوء سراج السلي ... ط لم يجعل الله فيه نحاسا 6/ 250 النابغة الجعدي (س) فهذا أوان العرض حيّ ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمّس 4/ 141 المتلمى

يحمي الصريمة أحدان الرجال له ... صيد ومجترئ بالليل هماس 6/ 419 أبو ذؤيب وقد ألاح سهيل بعد ما هجعوا ... كأنه ضرم بالكفّ مقبوس 5/ 374 المتلمس نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستبّ بعدك يا كليب المجلس 5/ 207 مهلهل كأنهن الفتيات اللّعس ... كأن في أظلالهن الشمس 5/ 72 عمارة الحرّ والهجين والفلنقس ... ثلاثة فأيهم تلمّس 3/ 164 ؟ (س) هل من حلوم لأقوام فتنذرهم ... ما جرب الناس من عضي وتضريسي 1/ 299 جرير و 4/ 94 لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوت الدجاج وقرع بالنواقيس 2/ 39، 48 جرير والتيم ألأم من يمشي وألأمهم ... ذهل بن تيم بنو السود المدانيس 3/ 341 جرير و 5/ 27 تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ ... قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس 4/ 81 جرير و 217 و 5/ 71، 212 و 6/ 13 من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس 1/ 296 الحطيئة يذكرني طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكل غروب شمس 2/ 55 الخنساء وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي 6/ 156 الخنساء

وقاك الله يا ابنة آل عمرو ... من الأزواج أمثالي ونفسي وقالت إنه شيخ كبير ... وهل نبّأتها أني ابن أمس 3/ 256 دريد بن الصمة وأما لهنّك من تذكر عهدها ... لعلى شفا يأس وإن لم تيأس 4/ 382 المرار الفقعسي في حيث خالطت الخزامى عرفجا ... يأتيك قابس أهله لم يقبس 5/ 374 لو عرضت لأيبليّ قسّ ... أشعث في هيكله مندسّ حن إليها كحنين الطسّ 3/ 120 و 5/ 181 العجاج وحاصن من حاصنات ملس ... من الأذى ومن قراف الوقس 3/ 149 العجاج الحمد الله العلي القادس 2/ 150؟ كم قد حسرنا من علاة عنس 2/ 381؟ في كفه صعدة مثقفة ... فيها سنان كشعلة القبس 5/ 372 أبو زبيد (ش) أقحمني جار أبي الخاموش ... إليك نأش القدر النئوش 6/ 24 رؤبة (ص) تقمّرها شيخ عشاء فأصبحت ... قضاعيّة تأتي الكواهن ناشصا 2/ 382 الأعشى وما خلت أبقى بيننا من مودّة ... عراض المذاكي المسنفات القلائصا 3/ 104 الأعشى و 4/ 320

أتاتي وعيد الحوص من آل جعفر ... فيا عبد عمر ولو نهيت الأحاوصا 3/ 340 الأعشى وقد ملأت بكر ومن لف لفّها ... نباكا فأحواض الرجا فالنواعصا 5/ 134 الأعشى (صُ) كلوا في بعض بطنكم تعفّوا ... فإن زمانكم زمن خميص 4/ 81 ؟ و 5/ 213، 289 و 6/ 13 (ص) فوليت العراق ورافديه ... فزاريا أحذّ يد القميص 3/ 96 الفرزدق و 5/ 417 (ض) كادت وكدت وتلك خير إرادة ... لو عاد من لهو الصبابة ما مضى 5/ 215 دانيت أروى والديون تقضى ... فمطلت بعضا وأدّت بعضا 1/ 78 رؤبة و 5/ 320 (ض) بتيهاء قفر والمطي كأنها ... قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها 2/ 436 عمرو بن أحمر الباهلي أصبح من أسماء قيس كقابض ... على الماء لا يدري بما هو قابض 1/ 260 قيس بن جروة و 6/ 251 (ض) يخرجن من أجواز ليل غاض 4/ 379 رؤبة و 5/ 50

جارية في رمضان الماضي ... تقطع الحديث يا لإيماض 5/ 39 رؤبة تمشي بنا الجد على أوفاض 6/ 323 (ط) شرّاب ألبان وتمر وأقط 1/ 312 و 4/ 288 العجاج (ط) مجهولة تغتال خطو الخاطي 2/ 266 العجاج (ظ) إن لهم من وقعنا أقياظا ... ونار حرب تسعر الشّواظا 6/ 250 رؤبة (ع) لا يبعد الله أصحابا تركتهم ... لم أدر بعد غداة الأمس ما صنع لو ساوفتنا بسوف من تحيتها ... سوف العيوف لراح الركب قد قنع 1/ 77 تميم بن مقبل أبيض اللون لذيذ طعمه ... طيّب الريق إذا الريق خدع 1/ 113 سويد بن أبي كاهل (ع) إذا قال قطني قلت بالله حلفة ... لتغني عني ذا إنائك أجمعا 2/ 50، 95 حريث بن عناب و 5/ 62 فلو أن حقّ اليوم منكم إقامة ... وإن كان سرح قد مضى فتسرّعا 2/ 174 الراعي

خليلين من شعبين شتّى تجاورا ... قديما وكانا بالتجاور أمتعا 1/ 211 الراعي فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا 5/ 419 سويد بن كراع لها حكمها حتى إذا ما تبوّأت ... بأخفافها مأوى تبوّأ مضجعا 4/ 311 عبيد بن الحصين بني أسد هل تعلمون بلاءنا ... إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا 1/ 148 عمرو بن شأس و 3/ 152 و 5/ 256 وكائن رددنا عنكم من مدجّج ... يجيء أمام القوم يردي مقنّعا 3/ 80 عمرو بن شأس 6/ 299 لعمري وما دهري بتأبين هالك ... ولا جزع مما أصاب فأوجعا 1/ 24 متمم بن نويرة فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا 1/ 439، 441 مقاس فظل يأكل منها وهي راتعة ... صدر النهار تراعي ثيرة رتعا 4/ 405 الأعشى حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت ... جاءت لترضع شق النفس لو رضعا 6/ 67 الأعشى أكفرا بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاعا 1/ 182 القطامي 2/ 33، 130، 351، 3/ 184، 242، 5/ 245، و 6/ 411 لعمر بني شهاب ما أقاموا ... صدور الخيل والأسل النّياعا 4/ 226 القطامي- دريد وخادعت المنية عنك سرا ... فلا جزع الأوان ولا رواعا 1/ 314 عرفطة بن الطماح إن لم أقاتل فالبسوني برقعا 3/ 211؟ 307، و 6/ 340

إن علي الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا 5/ 350 ؟ ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا 6/ 442 الأحوص أو غيره الألمعيّ الذي يظن لك الظنّ ... كأن قد رأى وقد سمعا 6/ 20 أوس (ع) وموعدنا بالقتل بحسب أنه ... سيخرج منا القتل ما القتل مانع 2/ 57 ابن كراع على دبر الشهر الحرام بأرضنا ... وما حولها جدب سنون تلمّع 2/ 370 أوس و 6/ 214 برى النحز والأجرال ما في غروضها ... فما بقيت إلا الضلوع الجراشع 3/ 169 ذو الرمة 4/ 369 يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا ... إلى ربنا صوت الحمار اليجدّع 1/ 101 ذو الخرق الطهوي و 6/ 120 أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله ... جرير ولكن في كليب تواضع 3/ 48 الصلتان العبدي ومنا الذي أعطى الرسول عطية ... أسارى تميم والعيون دوامع 5/ 176 الفرزدق ونابغة الجعديّ بالرمل بيته ... عليه تراب من صفيح موضع 3/ 343 مسكين الدارميّ و 5/ 26 تناذرها الراقون من سوء سمّها ... تطلّقه حينا وحينا تراجع 1/ 165 النابغة توهّمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام وذا العام سابع 1/ 257 النابغة على حين عاتبت المشيب على الصبا ... فقلت ألمّا تصح والشيب وازع 3/ 284

النابغة 4/ 350 و 6/ 217 يسهّد من نوم العشيّ سليمها ... لحلي النساء في يديه قعاقع 4/ 81 النابغة أقارع عوف لا أحاول غيرها ... وجوه قرود تبتغي من تجادع 5/ 86 النابغة وعيد أبي قابوس في غير كنهه ... أتاني ودوني راكس فالضواجع 5/ 376 النابغة ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع 4/ 322 ؟ زوجة أشمط مرهوب بوادره ... قد صار في رأسه التخويص والنّزع 4/ 325 الأخطل أبا خراشة إما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع 4/ 386 العباس بن مرداس حميت عليه الورع حتى وجهه ... من حرها يوم الكريهة أسفع 1/ 30 أبو ذؤيب الهذلي متفلّق أنساؤها عن قانئ ... كالقرط صاو غبره لا يرضع 2/ 47 أبو ذؤيب الهذلي سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع 1/ 87 أبو ذؤيب ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... فإذا المنية أقبلت لا تدفع 2/ 353 أبو ذؤيب وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبّع 3/ 319 أبو ذؤيب 4/ 254 بان الخليط برامتين فودّعوا ... أو كلّما ظعنوا لبين تجزع 3/ 357 جرير لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع 5/ 216

أجعلت أسعد للرماح دريئة ... هبلتك أمك أي جرد ترقع 1/ 260 الجهنية فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي ... والطامعون إلي ثم تصدّعوا 3/ 354 عبدة بن الطيب فصبرت عارفة لذلك حرّة ... ترسو إذا نفس الجبان تطلّع 4/ 332 عنترة راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعى فزارة لا هناك المرتع 1/ 398 الفرزدق و 2/ 218 و 3/ 307 و 4/ 245 و 5/ 363 و 6/ 306، 318، 424 هل أغدون يوما وأمري مجمع ... وتحت رحلي زفيان ميلع 3/ 209 ؟ و 4/ 133، 287 حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع 4/ 184 حميد الأمجي (ع) لوَشكان لو غنّيتم وشمتّم ... بإخوانكم والعزّ لم يتجمّع 5/ 94 الحناك وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم ... وما بال تكليم الديار البلاقع 4/ 251 ذو الرمة أخوا الذئب يعوي والغراب ومن يكن ... شريكيه تطمع نفسه كل مطمع 6/ 208 غضوب هجوت زبان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع 1/ 325 ؟؟ و 4/ 377 و 5/ 240 ويحرم سرّ جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع 6/ 194 الحطيئة إذا ما أدلجت وضعت يداها ... لها إدلاج ليلة لا هجوع 1/ 168 الشماخ

أعائش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع 1/ 169 الشماخ أطار عقيقه عنه نسالا ... وأدمج دمج ذي شطن بديع 3/ 204 الشماخ وإني حاذر أني سلاحي ... إلى أوصال ذيّال صنيع 5/ 359 العباس بن مرداس كأن رديئة لما التقينا ... بنصل السيف مجتمع الصداع 1/ 259 مرداس بن حصين ولا وقّافة والخيل تردي ... ولا خال كأنبوب اليراع 1/ 306 مرداس بن حصين قصرت له القبيلة إذ تجهنا ... وما ضاقت بشدّته ذراعي 3/ 29 مرداس بن حصين ولا فرح بخير إن أتاه ... ولا جزع من الحدثان لاع 6/ 276 مرداس بن الحصين خيلان من قومي ومن أعدائهم ... خفضوا أسنتهم فكلّ ناعي 4/ 226 الأجدع الهمداني وكأنّ أولاها كعاب مقامر ... ضربت على شزن فهن شواعي 4/ 225 الأجدع بن مالك حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع 3/ 95 و 5/ 417 أحد بني كلاب لا تجزعي إن منفسا أهلكته ... وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي 1/ 44 النمر بن تولب و 3/ 109 و 4/ 281 قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كلّه لم أصنع 6/ 267 أبو النجم يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي 4/ 91، 93، 339 أبو النجم

يحكون بالمصقولة القواطع ... تشقّق البرق عن الصواقع 6/ 222 ؟ (ف) تكتّبان في الطريق لام الف 6/ 53 أبو النجم (ف) نطيع إلهنا ونطيع ربا ... هو الرحمن كان بنا رءوفا 2/ 230 كعب بن مالك يا صاح ما هاج الدموع الذّرفن 4/ 352 العجاج وسجر الهدّاب عنا فجفا 6/ 406 العجاج بسلهبين فوق أنف أذلفا 6/ 406 العجاج سألت عمرا بعد بكر خفّا ... والدلو قد تسمع كي تخفّا 2/ 210 فلا تقعدنّ على زخّة ... وتضمر في القلب وجدا وخيفا 3/ 317 صخر الغي (ف) وعنس أمون قد تعلّلت جهدها ... على صفة أو لم يصف لي واصف 1/ 217 أوس بن حجر كأن دموعي سح واهية الكلى ... سقاها فرواها من الماء مخلف 1/ 353 الحطيئة لبسن الفرند الخسرواني فوقه ... مشاعر من خزّ العراق المفوّف 1/ 262

الفرزدق وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلّف 3/ 222 الفرزدق 5/ 229 وباشر راعيها الصّلا بلبانه ... وجنبيه حرّ النار ما يتحرف 6/ 172 الفرزدق ما زودتني غير سحق عمامة ... وخمس مئ فيها قسيّ وزائف 5/ 137 مزود بن ضرار 3/ 217 فقالت حنان ما أتى بن هاهنا ... أذو نسب أم أنت بالحي عارف 4/ 98، 361 ؟ فسوف تقول إن هي لم تجدني ... أخان العهد أم أثم الحليف 1/ 219 أبو ذؤيب بواد لا أنيس به يباب ... وأمسلة مدافعها خليف 4/ 8 أبو ذؤيب زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف 6/ 446 مساور بن هند وذبيانية أوصت بنيها ... بأن كذب القراطف والقروف 1/ 322 معقر البارقي الحافظو عورة العشيرة لا ... يأتينهم من ورائنا نطف 1/ 125 عمرو بن امرئ القيس نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف 1/ 193 قيس بن الخطيم (ف) فقام إلى حرف طواها بطيّه ... بها كل لماع بعيد المساوف 3/ 208 ذو الرمة حمى ذات أهوال تخطيت حوله ... بأصمع من همي حياض المتالف 5/ 416 ذو الرمة

أبينا فلا نعطي السواء عدوّنا ... قياما بأعضاد السراء المعطّف 1/ 246 عنترة باكرته قبل أن تلغى عصافره ... مستخفيا صاحبي وغيره الخافي 2/ 356 عبد المسيح تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف 6/ 447 الفرزدق كفى بالنأي من أسماء كافي ... وليس لحبها إذ طال شافعي 2/ 440 بشر بن أبي خازم و 5/ 56 للبس عباءة وتقرّ عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف 3/ 362 ميسون إذا نهي السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف 1/ 155 ؟ ولأصرفنّ سوى حذيفة مدحتي ... لفتى العشيّ وفارس الأجراف 1/ 249 رجل من الأنصار لقد عرفت حين لا اعتراف 1/ 168 رؤبة حلبانة ركبانة صفوف ... تخلط بين وبر وصوف 1/ 293 و 4/ 153 ؟ (ق) وقاتم الأعماق خاوي المخترق ... تفليل ما قارعن من سمر الطّرق إذا الدليل استاف أخلاق الطرق ... ألف شتى ليس بالراعي الحمق 1/ 189 رؤبة سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق ... تفليل ما قارعن من سمر الطرق 3/ 316 رؤبة دونك ما جنيته فأحس وذق 5/ 81، 436؟

لما أتاني ابن عمير راغبا ... أعطيته عيساء منها فبرق 6/ 345 الكلابي (ق) أتته بمجلوم كأن جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا 1/ 39، 250 الفرزدق و 252، 3/ 359، و 4/ 311 و 5/ 429 فآليت لا أشريه حتى يملّني ... بشيء ولا أملاه حتى يفارقا 1/ 208 ؟ 3/ 333 و 5/ 420، 478 و 6/ 196 كأن عيني في غربي مقتلة ... من النواضح تسقي جنّة سحقا 5/ 6 زهير قالت سليمي اشتر لنا سويقا 1/ 67 العذافر و 410 و 2/ 79، 278 و 6/ 316 (ق) وتصبح عن غبّ السّرى وكأنما ... ألمّ بها من طائف الجن أولق 4/ 121 الأعشى نفى الذم عن آل المحلّق جفنه ... كجابية الشيخ العراقي تفهق 6/ 11 الأعشى فلا الظلّ من برد الضحى تستطيعه ... ولا الفيء من برد العشي تذوق 5/ 89 حميد بن ثور وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يجم فيغرق 3/ 265 ذو الرمة تقول إذا استهلكت مالا للذّة ... فكيهة هشّيء بكفّيك لائق 3/ 275 طريف بن تميم و 6/ 389 كبنيانة القرييّ موضع رحلها ... وآثار نسعيها من الدفّ أبلق 4/ 219 كعب بن زهير

عدس ما لعباد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق 2/ 320 يزيد بن ربيعة فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... طلاقك لم أبخل وأنت صديق 2/ 173 يزيد بن مفرغ فإن تنطق الهجراء أو تشر في الخنا ... فإن البغاث الأطحل اللون ينطق 2/ 40 ؟ ولم يرتفق والناس محتضرونه ... جميعا وأبدي المعتفين زواهقه 2/ 363 ؟ تضمّنها وهم ركوب كأنه ... إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق 3/ 243 ؟ و 4/ 37 وإن لكيزا لم تكن ربّ عكّة ... لدن صرحت حجاجهم فتفرّقوا 4/ 156 ؟ و 5/ 128 وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد أودت بثعلبة العلوق 2/ 210، 211 المفضل النكري ناديت باسم ربيعة بن مكدّم ... أن المنوه باسمه الموثوق 5/ 218 ؟ يكفيك من بعض ازديار الآفاق ... سمراء مما درس ابن مخراق 3/ 374 ابن ميادة إني إذا لم يند حلقا ريقه ... وركد السّبّ فقامت سوقه 3/ 130 ؟ لاح سحاب فرأينا برقه ... ثم تدانى فسمعنا صعقه 6/ 222 ؟ ما تعادى عنه النهار فما تع ... جوه إلا عفاقة أو فواق 3/ 207 الأعشى

(ق) قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتّق 4/ 254 الشماخ ومن لا يقدم رجله مطمئنة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق 6/ 131 كعب بن زهير وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ... نسيفا كأفحوص القطاة المطرق 2/ 68 الممزق العبدي و 5/ 163 أتيت الذي يأتي السفيه لغرّتي ... إلى أن علا وخط من الشيب مفرقي 5/ 446 ؟ محض الضريبة في البيت الذي وضعت ... فيه النباوة حلوا غير ممذوق 2/ 88 ؟ ما سرت ميلا ولا جاوزت مرحلة ... إلا وذكرك يلوي كابيا عنقي 6/ 270 ؟ يا قرّ إن أباك حيّ خويلد ... قد كنت خائفه على الإحماق 4/ 139 جبار بن سلمى دعها فما النحويّ من صديقها 1/ 226 و 2/ 131 و 6/ 235 رؤبة إذا العجوز غضبت فطلّق ... ولا ترضّاها ولا تملّق 1/ 93، 325 رؤبة بن العجاج و 5/ 239 و 6/ 431 حيث تجحّى مطرق بالفالق 3/ 296 عمارة بن أيمن الرياني قد قالت الأنساع للبطن الحق 1/ 331 و 2/ 204؟ يا نفس صبرا كلّ حيّ لاق ... وكل اثنين إلى افتراق 2/ 28 ؟

مئبرة العرقوب إشفى المرفق 4/ 200 لقد تعلّلت على أيانق ... صهب قليلات القراد اللازق 5/ 289 ؟ ضربت صدرها إلي وقالت ... يا عديّا لقد وقتك الأواقي 3/ 30 مهلهل طرمحوا الدور بالخراج فأضحت ... مثل ما امتد من عماية نيق 5/ 300 (ك) أوديت إن لم تحب حبو المعتنك 2/ 260 رؤبة تقول بنتي قد أنى أناكا ... يا أبتا علك أو عساكن 4/ 352، 391 رؤبة قذفوا سيدهم في ورطة ... قذفك المقلة وسط المعترك 3/ 87 يزيد بن طعمة (ك) تجانف عن خل اليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا 1/ 250 الأعشى و 5/ 133 مورّثة مالا وفي الحي رفعة ... لما ضاع فيه من قروء نسائكا 4/ 73 الأعشى يا خاتم النّباء إنك مرسل ... بالحق كل هدى السبيل هداكا 2/ 90، 92 العباس بن مرداس اشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك 5/ 416 علي بن أبي طالب

لنضر بن بسيفنا قفيكا 1/ 84، 216، 4/ 414 رجل من حمير هل تعرف الدار على تبراكا ... دار لسعدى إذ هـ من هواكا 1/ 135 ؟ فلما خشيت أظافيره ... نجوت وأرهنتهم مالكا 2/ 446 عبد الله بن همام تعفّف ولا تبتئس فما يقض يأتيكا 3/ 192؟ (ك) تعلّماها لعمر الله ذا قسما ... فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك 2/ 411 زهير ثم استمرّوا وقالوا إن موعدكم ... ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك 4/ 211 زهير و 5/ 137 (ك) أحبك حبا خالطته نصاحة ... وإن كنت إحدى اللاويات المواعك 6/ 304 ذو الرمة أقول وقد ناءت بها غربة النوى ... نوىّ خيتعور لا تشط ديارك 6/ 124 ؟ كأن بين فكّها والفكّ ... فارة مسك ذبحت في سكّ 1/ 297 منظور بن مرثد (ل) تذكر من أنّى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل 1/ 317 الكميت و 5/ 105 قلق لأفنان الريا ... ح للاقح منها وحائل 2/ 252

الطرماح و 4/ 380 ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر ... وما مر من عمري ذكرت وما فضل 3/ 93 أبو الأسود لعمري لقد جاءت رسالة مالك ... إلى جسد بين العوائد مختبل وأرسل فيها مالك يستحثّنا ... وأشفق من ريب المنون فما وأل 3/ 241 البعيث و 242 غداة لقينا من لؤي بن غالب ... هجان الثنايا واللقاء على شغل 4/ 221 البعيث خداش بن بشر وذاك فراق لا فراق ظعائن ... لهن بذي القرحى مقام ومحتمل 5/ 208 البعيث تذكّر من أنّى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهمة الإبل 2/ 383 الكميت باكرني بسحرة عواذلي ... ولومهنّ خبل من الخبل 1/ 152 عبدة بن الطبيب يكشف عن جمّاته دلو الدال ... عباءة غبراء من أجن طال 2/ 254 العجاج و 4/ 379 و 5/ 44 و 50، 6/ 72 شدّد منه وهو معطي الإسهال ... ضرب السواري متنه بالتهتال 4/ 229 العجاج دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل ... بالشحم إنا قد مللناه بجل 1/ 122 غيلان بن حريث علمنا أصحابنا بنو عجل ... الشغزبيّ واصطفافا بالرّجل 2/ 301 أبو مرار الغنوي قام إلى منزعة زلخ فزل 2/ 21؟ و 3/ 325 وساقيين مثل زيد وجعل ... سقبان ممشوقان مكنوزا العضل 3/ 20 ؟ 6/ 153

لا عيش إلا كل حمراء غفل ... تناول الحوض إذا الحوض شغل 3/ 347 ؟ إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يوما على من يتّكل 6/ 171، 252 ؟ وقبيل من لكيز شاهد ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل 1/ 79، 141 لبيد و 4/ 92، 340، 377 فإذا جوزيت قرضا فاجزه ... إنما يجزي الفتى ليس الجمل 2/ 178 لبيد بن ربيعة و 3/ 179 فتدلّيت عليه قافلا ... وعلى الأرض غيايات الطّفل 2/ 267 بيد قال هجّرنا فقد طال السرى ... وقدرنا إن خنا دهر غفل 2/ 312 لبيد يلمس الأحلاس في منزله ... بيديه كاليهودي المصل 4/ 115 لبيد سألتني جارتي عن أمّتي ... وإذا ما عيّ ذو اللب سأل 4/ 142 النابغة الجعدي وتداعى منخراه بدم ... مثل ما أثمر حمّاض الجبل 4/ 351 ؟ و 6/ 218 وأنت مكانك من وائل ... مكان القراد من أست الجمل 4/ 310 جرير تطاولت أيام معن بنا ... فيوم كشهرين إذ يستهلّ 5/ 283 ؟ (ل) وفاقر مولاه أعارت رماحنا ... سنانا كقلب الصقر في الرمح منجلا 2/ 44 الأسود بن يعفر

صحا قلبه عن سكره وتأملا ... وكان بذكرى أم عمرو موكلا 2/ 429 أوس بن حجر ذريني وعلمي بالأمور وسيرتي ... فما طائري فيها عليك بأخيلا 5/ 89 حسان أخذن اغتصابا خطبة عجرفية ... وأمهرن أرماحا من الخط ذبّلا 2/ 72 الرياحي فلست بناسيها ولست بتارك ... إذا عرض الأدم الجواري سؤالها أأدرك من أم الحُكيِّم غبطة ... بها خبرتني الطير أم قد أتى لها 5/ 88 كثير أقول إذا ما الطير مرت مخيلة ... لعلك يوما فانتظر أن تنالها 5/ 89 كثير فلم أر مثلها خباسة واحد ... ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله 1/ 139 عامر بن جؤية الطائي أتعرف أم لا رسم دار معطّلا ... من العام تغشاه ومن عام أولا قطار وتارات خريق كأنها ... مضلّة بوّ في رعيل تعجلا 1/ 311 قحيف العقيلي أخا الحرب لباسا إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلا 6/ 208 العلاخ بن حزن أبى جوده لا البخل واستعجلت به ... نعم من فتى لا يمنع الجود قائله 1/ 169 ؟ لما ثنى الله عني شر عزمته ... وانمزت لا مسئيا ذعرا ولا وجلا 3/ 111 مالك بن الريب و 4/ 152 دع المغمر لا تسأل بمصرعه ... واسأل بمصقلة البكري ما فعلا 2/ 12 الأخطل و 3/ 220، 362، 376 أبو حنش يؤرقنا وطلق ... وعباد وآونة أثالا 1/ 311 ابن أحمر و 4/ 366

كأن سلافة عرضت لنحس ... يحيل شفيفها الماء الزلالا 6/ 117 ابن أحمر رخيمات الكلام مبتّلات ... جواعل في البرى قصبا خدالا 1/ 37 ذو الرمة نظرت كما انتظرت الله حتى ... كفاك الماحلين لك المحالا 6/ 272 الفرزدق عداني أن أزورك أن بهمي ... عجايا كلها إلا قليلا 3/ 207 ؟ أبني كليب إن عمّي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا 1/ 125، 151 الأخطل إن العرارة والنبوح لدارم ... والمستخفّ أخوهم الأثقالا 5/ 225 الأخطل كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرباب خيالا 6/ 231 الأخطل فأصبن ذا كرم ومن أخطأنه ... جزأ المقيظة خشية أمثالها 2/ 116 الأعشى يهماء طامسة رفعت لعرضها ... طرفي لأقدر بينها أميالها 5/ 399 الأعشى عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد ... وبجبرئيل وكذبوا ميكالا 2/ 167 جرير بالعذب في رضف القلات مقيله ... قضّ الأباطح لا يزال ظليلا 3/ 237 جرير وغدوا بصكّهم وأحدب أسأرت ... منه السياط يراعة إجفيلا 1/ 306 الراعي أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ... ظلما ويكتب للأمير أفيلا 2/ 25 الراعي

سادوا البلاد وأصبحوا في آدم ... بلغوا بها بيض الوجوه فحولا 4/ 357 ؟ فلأحشأنّك مشقصا ... أوسا أويس من الهبالة 1/ 145 أسماء بن خارجة أو الفرزدق و 3/ 292 مودون تحمون السبيل السابلا 2/ 341 رؤبة وهزئت من ذاك أم موأله 1/ 351 صحير بن عمير وهي تنوش الحوض نوشا من علا ... نوشا به تقطع أجواز الفلا 3/ 347 غيلان بن حريث و 6/ 23 وقد وسطت مالكا وحنظلا ... صبّابها والعدد المجلجلا 5/ 349 غيلان بن حريث يا لهف نفسي إذا خطئن كاهلا 2/ 115 و 5/ 98 امرؤ القيس ببازل وجناء أو عهيلّ 1/ 410 منظور بن حرثد مهلا فداء لك يا فضالة ... أجره الرمح ولا تهاله 1/ 66، 120 ؟ و 125، 206 فواعديه سرحتى مالك ... أو الربا بينهما أسهلا 2/ 59 عمر بن أبي ربيعة يوما تراها كشبه أردية ال ... عصب ويوما أديمها نغلا 4/ 367 الأعشى قلّدتك الشعر يا سلامة ذا ال ... إفضال والشعر حيث ما جعلا 5/ 89 الأعشى أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذودا شصائصا نبلا 4/ 66 حضرمي بن عامر

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الملا تعسفن رملا 6/ 180 عمر بن أبي ربيعة فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا 2/ 354 الأسود و 3/ 141، 332 و 5/ 362 و 6/ 238، 457 فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها 4/ 238 و 5/ 102 عامر بن جوين يذكرنيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا 2/ 431 العباس بن مرداس و 3/ 425 على أنني بعد ما قد مضى ... ثلاثون للهجر حولا كميلا 3/ 411 العباس بن مرداس ونظرة ذي شجن وامق ... إذا ما الركائب جاوزن ميلا 6/ 269 ؟ أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلّة 5/ 7 ؟ (ل) وليتك حال البحر دونك كله ... وكنت لقا تجري عليك السوائل 5/ 272 الأعشى وكنت كعظم العاجمات اكتنفنه ... بأطرافها حتى استدق نحولها 5/ 62 أبو ذؤيب وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى الحق شيئا واستراح العواذل 2/ 137 أبو خراش الهذلي يقرّبه النهض النجيح لصيده ... فمنه بدوّ مرّة ومثول 4/ 318 أبو خراش الهذلي فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحبّ بها مقتولة حين تقتل 2/ 98 الأخطل

فرابية السكران قفر فما بها ... لهم شبح إلا سلام وحرمل 2/ 298 الأخطل و 4/ 360 ترى الثعلب الحولي فيها كأنه ... إذا ما علا نشزا حصان مجلّل 2/ 381 الأخطل ولكن من لا يلق أمرا ينوبه ... بعدته ينزل به وهو أعزل 2/ 174 أمية بن أبي الصلت فملّك بالليط الذي تحت قشرها ... كغرقيء بيض كنّه القيض بن عل 1/ 17 أوس بن حجر تقاد بكعب واحد وتلذّه ... يداك إذا ما هز بالكف يعسل 3/ 28 أوس بن حجر فيوما يوافين الهوى غير ماضي ... ويوما ترى منهن غولا تغوّل 1/ 326 جرير و 4/ 378 فأوردها مسجورة ذات عرمض ... تغول سيول المكفهرات غولها 2/ 266 ذو الرمة إذا الشخص فيها هزّه الآل أغمضت ... عليه كإغماض المقضّي هجولها 4/ 255 ذو الرمة رعى بارض البهمى جميعا وبسرة ... وصمعاء حتى آنفته نصالها 4/ 404 ذو الرمة ترى القلوة القوداء فيها كفارك ... تصدى لعينيها فصدت حليلها 6/ 377 ذو الرمة إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليما أو أصابك جاهل 2/ 41 زهير فمايك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل 2/ 161، 335 زهير وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا ... على صير أمر ما يمرّ وما يحلو 4/ 140 زهير و 6/ 406

رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل 5/ 54، 292 زهير وفيهم مقامات حسان وجوهها ... وأندية ينتابها القول والفعل 5/ 207 زهير تداركتما الأحلاف قد ثلّ عرشها ... وذبيان قد زلت بأقدامها النعل 5/ 401 زهير وزرق كستهنّ الأسنة هبوة ... أرق من الماء الزلال كليلها 3/ 281 زيد الخيل سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... وليس سواء عالم وجهول 2/ 270 السموأل وما ضرّنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل 6/ 235 السموأل زيارتنا نعمان لا تحرمنّها ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو 3/ 28 عبد الله بن همام كسا الله حيّي تغلب ابنة وائل ... من اللؤم أظفارا بطيئا نصولها 4/ 356 عميرة بن معيل وإن ابن ليلى فاه لي بمقالة ... ولو سرت فيها كنت ممن ينيلها 2/ 140 كثير أنخت قلوصي واكتلأت بعينها ... وآمرت نفسي أي أمريّ أفعل 1/ 319 كعب بن زهير فلم يجدا إلا مناخ مطية ... تجافى بها زور نبيل وكلكل وسمر ظماء واترتهن بعد ما ... مضت هجعة من آخر الليل ذبّل 3/ 224 كعب و 6/ 256 ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل 2/ 319 لبيد إذا فتك النعمان بالناس محرما ... فملّئ من كعب بن عوف سلاسله 5/ 135

المخبل السعدي وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأحناء الخلافة كاهله 3/ 350 ابن ميادة ويوم شهدناه سليما وعامرا ... قليل سوى الطعن النّهال نوافله 1/ 35 رجل من بني عامر إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا ... وإن شهد أجدى فضله وجداوله 1/ 386 الأخطل و 3/ 332 بكى حارث الجولان من موت ربه ... وحوران منه خاشع متضائل 5/ 30، 216 النابغة فليست كعهد الدار يا أم خالد ... ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل 5/ 90 الهذلي لولا الذي أوليت كنت وقاية ... لأحمر لم تقبل عميرا قوابله 3/ 28 ؟ فلا تلحني فيها فإن بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله 3/ 411 ؟ و 4/ 16، 319 بلا عزف تسلو ولكن يآسة ... وأشفى لمطلول العلاقة لو يسلو 4/ 434 ؟ سرى بعد ما غار الثريا وبعد ما ... كأنّ الثريا حلة الغور منخل 4/ 368 ؟ و 5/ 359 أرى المال أفياء الظلال فتارة ... يئوب وأخرى يخبل المال خابله 5/ 69 ؟ ويوم شهدناه سليما وعامرا ... قليلا سوى الطعن النهال نوافله 6/ 142 ترى الثعلب الحولي فيها كأنه ... إذا ما علا نشزا حصان مجلّل 6/ 281 ؟ أأن رأى رجلا أعشى أضرّ به ... ريب المنون ودهر مفسد خبل 1/ 286 الأعشى و 4/ 174

ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل 1/ 318 الأعشى و 2/ 384 قد نخضب العير في مكنون فائله ... وقد يشيط على أرماحنا البطل 2/ 22 الأعشى في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل 3/ 437 الأعشى و 4/ 23 و 5/ 315 كلا زعمتم بأنّا لا نقاتلكم ... إنا لأمثالكم يا قومنا قتل 4/ 37 الأعشى صدّت خليدة عنا ما تكلمنا ... جهلا بأم خليد حبل من تصل 4/ 147 الأعشى قالوا الركوب فقلنا تلك عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نزل 6/ 264 الأعشى فقلت ما أنا ممن لا يواصلني ... ولا ثوائي إلا ريث أحتمل 1/ 173 الراعي لما نزلنا نصبنا ظل أخبية ... وفار للقوم باللحم المراجيل 1/ 81 عبدة بن الطبيب و 5/ 71 يخفي التراب بأظلاف ثمانية ... في أربع مسّهن الأرض تحليل 4/ 30 عبدة بن الطبيب إن التي وضعت دارا مهاجرة ... بكوفة الخلد قد غالت بها غول 5/ 207 عبدة بن الطبيب يسعى الوشاة حنانيها وقيلهم ... إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول 6/ 160 كعب بن زهير ويوم بدر لقيناهم لنا مدد ... فيه لدى النصر ميكال وجبريل 2/ 168 كعب بن مالك أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... ربّ العباد إليه الوجه والعمل 2/ 331؟

كأنه واضح الأقراب في لقح ... أسمى بهنّ وعزّته الأناصيل 3/ 253 ؟ 6/ 353 كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهوديّ يقارب أن يزيل 3/ 412 أبو حية النميري يراهنني فيرهنني بنيه ... وأرهنه بنيّ بما أقول 2/ 447 أحيحة بن الجلاح ألا قالت أمامة إذا رأتني ... لشانئك الضراعة والكلول 3/ 198، 206 ساعدة بن جؤية فلا وأبيك خير منك إني ... ليؤذنني التحمحم والصهيل 1/ 150 شمير بن الحارث كسوناها من الرّبط اليماني ... ملاء في بنائقها فضول 2/ 25 ؟ وكأن عافية النسور عليهم ... حجّ بأسفل ذي المجاز نزول 2/ 279 جرير كنقا الكثيب تهيّلت أعطافه ... والريح تجبر متنه وتهيل 2/ 393 جرير منع الأخيطل أن يسامي قومنا ... شرف أجبّ وغارب مجزول 3/ 206 جرير إن يجنبوا أو يغدروا ... أو يبخلوا لا يحفلوا يغدوا عليك مرجّلي ... ن كأنهم لم يفعلوا 5/ 351 بعض بني أسد فقر بن هذا وهذا أزحله 6/ 439 أبو النجم لعزة موحشا ظل ... يلوح كأنه خلل 6/ 462 ذو الرمة

(ل) تذكّرت ليلى لات حين ادّكارها ... وقد حني الأصلاب ضلّا بتضلال 3/ 426 عمرو بن شأس وما ضرب بيضاء يأوى مليكها ... إلى طنف أعيا براق ونازل 2/ 17 أبو ذؤيب إذا لسعته النحل لم يزج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل 2/ 25 أبو ذؤيب الهذلي ومفرهة عنس قدرت لساقها ... فخرّت كما تتابع الريح بالقفل 5/ 49، 398 أبو ذؤيب و 6/ 261 ويلحينني في اللهو ألا أحبّه ... وللهو داع دائب غير غافل 1/ 164 الأحوص ألا أصبحت خنساء جاذمة الوصل ... وضنّت علينا والضنين من البخل وصدت فأعدانا بهجر صدورها ... وهن من الإخلاف قبلك والمطل 6/ 352 البعيث ولكنني أروي من الخمر هامتي ... وأنضو الملا بالشاحب المتشلشل 6/ 195 تأبط شرا حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل 4/ 197 حسان ومستخلفات من بلاد تنوفة ... لمصفرة الأشداق حمر الحواصل 1/ 353 ذو الرمة أبت ذكر عوّدن أحشاء قلبه ... خفوقا ورفضات الهوى في المفاصل 1/ 105 ذو الرمة و 2/ 268 ترى قورها يغرقن في الآل مرة ... وآونة يخرجن من غامر ضحل 4/ 255 ذو الرمة و 6/ 271 وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها ... على الضيف يجرح في عراقيبها نصلي 5/ 49 ذو الرمة و 6/ 262

وراكضة ما تستجنّ بجنّة ... بغير حلال غادرته مجعفل 5/ 225 طفيل الغنوي أليس ورائي أن أدب على العصا ... فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي 5/ 187 عروة بن الورد فليت دفعت الهم عني ساعة ... فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال 2/ 174 عدي بن زيد إنا الضامن الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي 1/ 163 الفرزدق وإني وإن صدّت لمثن وقائل ... عليها بما كانت إلينا أزلّت 2/ 21 كثير لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ... بسرّ ولا أرسلتهم برسول 3/ 243 كثير عزة قفانبك من ذكرى حبيب ومنزلي ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل 1/ 73 امرؤ القيس وماء كلون البول قد عاد آجنا ... قليل بها الأصوات ذي كلأ مخلي 2/ 138 امرؤ القيس وصمّ صلاب ما يقين من الوجى ... كأن مكان الردف منه على رال 2/ 13، 87 امرؤ القيس و 4/ 408 ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تناساني إذا قمت سربالي 5/ 199 امرؤ القيس سموت إليها والنجوم كأنها ... مصابيح رهبان تشب لقفال 5/ 324، 347 امرؤ القيس فإن غزالك الذي كنت تدري ... إذا شئت ليس خادر بين أشبل 1/ 258 مطير بن أشيم و 4/ 260 إن تلقي برزين لا تغتبط به ... وإن تدع لا تنصر علي وأخذل 2/ 407 المطير بن أشيم

فإن أنا يوما غيبتي غيابتي ... فسيروا بسيري في العشيرة والأصل 4/ 399 المنخل بن سبيع علين بكديون وأبطنّ كرّة ... فهنّ إضاء صافيات الغلائل 1/ 293 النابغة فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل 5/ 126 النجاشي الحارثي ... وقد فاتت يد المتناول 3/ 166؟ وترمي دروء دونه بالأجادل 4/ 262؟ أراني ولا كفران لله أيّة ... لنفسي لقد طالبت غير منيل 6/ 87 ؟ لم يمنع الشرب منها غير أن هتفت ... حمامة في غصون ذات أو قال 4/ 350 أبو قيس بن الأسلت و 6/ 217 عن امرئ سوقة ممن سمعت به ... أندى وأكمل منه أي إكمال 2/ 274 أوس وما خليج من المرّوت ذو حدب ... يرمي الضرير بعود الأيك والضال 4/ 136 أوس بن مجد و 5/ 52 من عن لدن قرّعت نفس الصّلاة إلى ... أن ولت الشمس في عليّ وفي نهل 5/ 127 خالد بن كلثوم بعد ابن عاتكة الثاوي لدى أبوي ... أمسى ببلدة لا عمّ ولا خال 1/ 167 النابغة ما خلف منك يا أسماء فاعترفي ... معنّة البيت تمري نعمة البعل 6/ 230 ؟ ما زلت مذ أشهر السّفار أنظرهم ... مثل انتظار المضحي راعي الإبل 6/ 272 ؟

أنصب للمنية تعتريهم ... رجالي أم هم درج السيول 6/ 86 إبراهيم بن هرمة على حتّ البراية زمخريّ الس ... واعد ظلّ في شري طوال 2/ 19 الأعلم الهذلي ويخبرهم مكان النون منّي ... وما أعطيته عرق الخلال 2/ 355 الحارث بن زهير لقد باليت مظعن أم أوفى ... ولكن أم أوفى لا تبالي 2/ 172، 179 زهير كمنية جابر إذا قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي 3/ 333 زيد الخيل بني ربّ الجواد فلا تفيلوا ... فما أنتم فنعذركم لفيل 3/ 279 الكميت فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغض الدّخال 3/ 241 لبيد سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال 5/ 75، 293 لبيد ألا لا بارك الله في سهيل ... إذا ما الله بارك في الرجال 4/ 382 ؟ أخلصته صنعا فآض محملجا ... كالتيس في أمعوزه المتربّل 3/ 419 ربيعة بن مقروم ذاك الذي وأبيك تعرف مالك ... والحقّ يدفع ترّهات الباطل 3/ 292 جرير أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح ... طبّ بصرف الدهر غير مغفل 2/ 272 عبد قيس بن خفاف وإذا رأيت الباهشين إلى العلا ... غبرا أكفّهم بقاع ممحل فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل 3/ 42

عبد قيس بن خفاف ولا يبادر في الشتاء وليدنا ... القدر ينزلها بغير جعال 6/ 461 لبيد تشكو الوجى من أظلل وأظلل 1/ 277 أبو النجم عزل الأمير للأمير المبدل 5/ 165 أبو النجم لو أنني أوتيت علم الحكل ... علم سليمان كلام النمل 2/ 38 رؤبة هذّ الحصاد بغروب المنجل 3/ 418 العجاج تروّحي أجدر أن تقيلي ... غدا بجنبي بارد ظليل 2/ 45 أحيحة بن الجلاح تفرجة القلب قليل النيل 2/ 42؟ لن يغلب اليوم جباكم قبلي 5/ 153؟ يغرق الثعلب في شرّته ... صائب الجذمة في غير فشل 2/ 20 لبيد مدمنا يمسح في شحم الذرا ... دنس الأسؤق من عضب أفلّ 6/ 262 لبيد أصبح الدهر وقد ألوى بهم ... غير تقوالك من قيل وقال 4/ 100 ؟ فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل 1/ 117، 410 امرؤ القيس و 2/ 80 و 3/ 233 و 6/ 32 هل هاجك الليل كليل على ... أسماء من ذي صبر مخيل

ظاهر نجدا فترامى به ... منه توالي ليلة مطفل 2/ 134 المنخل الهذلي جندك الطارف التليد من السا ... دات أهل القباب والآكال 352 الأعشى و 5/ 480 هاؤلى ثم هاؤلى كلا أعطي ... ت نعالا محذوة بمثال 3/ 51 الأعشى ترتعي السفح فالكثيب فذا قا ... ر فروض القطا فذات الرئال 4/ 404 الأعشى ولمثل الذي جمعت لريب الد ... هر يأبى حكومة الجهال لامرئ يجمع الأداة لريب الدّ ... هر لا مسند ولا زمّال 6/ 441 الأعشى مع إبراهم التقي وموسى ... وابن يعقوب عصمة في الهزال 2/ 226 أمية أيّما شاطن عصاه عكاه ... ثم يلقى في السجن والأكبال 2/ 22 أمية بن أبي الصلت لا أرى من يعيشني في حياتي ... غير نفسي إلا بني إسرال 2/ 168 أمية بن أبي الصلت ربّما تكره النفوس من الأم ... ر له فرجة كحل العقال 5/ 36 أمية بن أبي الصلت رسم دار وقفت في طلله ... سريت أقضي الحياة من جلله 5/ 206 جميل فسلام الإله يغدو عليهم ... وفيوء الفردوس ذات الظلال 5/ 68 النابغة الجعدي ألا يا لقوم لطيف الخيا ... ل أرّق من نازح ذي دلال 4/ 121 أمية بن أبي عائذ تخاطأت النبل أحشاءه ... وأخّر يومي فلم يعجل 4/ 302

أوفى بن مطر و 5/ 97، 199 أغرّ الثنايا أحمّ اللثا ... ت تمنحه سؤك الإسحل 2/ 105، 462 (م) زلّ بنو العوام عن آل الحكم ... وشنئوا الملك لملك ذي قدم 3/ 199 العجاج إلى المرء قيس أطيل السّرى ... وآخذ من كل حيّ عصم 1/ 141 الأعشى و 4/ 313 وأبيض مختلط بالكرام ... يجود ويغزو إذا ما عدم 2/ 328 الأعشى كما راشد تجدنّ امرأ ... تبيّن ثم ارعوى أو قدم 3/ 174 الأعشى ومبسمها عن شتيت النبا ... ت غير أكسّ ولا منقصم 3/ 206 الأعشى فأما إذا جلسوا بالعشي ... فأحلام عاد وأيد هضم 3/ 408 الأعشى أذاقتهم الحرب أنفاسهم ... وقد تكره الحرب بعد السّلم 4/ 211 الأعشى وقابلها الريح في دنّها ... وصلّى على دنها وارتسم 4/ 213 الأعشى غزاتك بالخيل أرض العدو ... وجذعانها كغليظ العجم 4/ 77 الأعشى (م) فهل لكم فيها إلي فإنني ... طبيب بما أعيا النطاسيّ حذيما 6/ 274 أوس بن حجر وقد لبست بعد الزبير مجاشع ... ثياب التي حاضت ولم تغسل الدما 2/ 328 جرير و 5/ 81

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أعقابنا تقطر الدّما 2/ 172، 179 الحصين بالحمام ولولا رجال من رزام أعزّة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما 3/ 124، 362 الحصين بن حمام لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما 6/ 22 حسان ألا هيّما مما لقيت وهيّما ... وويحا لمن لم يدر ما هن ويحما وأسماء ما أسماء ليلة أولجت ... إلي وأصحابي بأيّ وأينما 6/ 219 حميد بن ثور ولن يلبث العصران يوم وليلة ... إذا طلبنا أن يدركا ما تيمّما 6/ 440 حميد بن ثور تبزّ عضاريط الخميس ثيابها ... فأبأست ربّا يوم ذلك وابنما 1/ 151 ضمرة بن ضمرة النهشلي لنا هضبة لا ينزل الذلّ وسطها ... ويأوي إليه المستجير فيعصما 2/ 205 طرفة أما ودماء لا تزال كأنها ... على قنة العزّى وبالنّسر عند ما وما سبح الرهبان في كل بيعة ... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما 3/ 346 ابن عبد الحق كأن قرادي زوره طبعتهما ... بطين من الجولان كتاب أعجما 1/ 291 ملحة الجرمي إذا شاء طالع مسجورة ... يرى حولها النبع والساسما 6/ 380 النمر بن تولب هم القائلون الخير والآمرونه ... إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما 2/ 363 ؟ لقد ساءني سعد وصاحب سعد ... وما طلباني دونها بغرامه 3/ 192 ؟

لقد أصبحت أسماء حجرا محرما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما 4/ 16 ؟ و 5/ 193 ألا طرقت ليلى بنيّان بعد ما ... طلى الليل بيدا فاستوت وإكاما 4/ 270 ؟ إذا ضأزانا حقنا في غنيمة ... تقنّع جارانا فلم يترمرما 6/ 234 ؟ حياك ودّ فإنا لا يحل لنا ... فضل النساء وإن الدين قد عزما 6/ 328 النابغة إذا ما الآثمات ونين حطّت ... على العلّات تجتزع الإكاما 1/ 337 الأعشى تخيرها أخو عانات شهرا ... ورجّى أولها عاما فعاما 4/ 396 الأعشى وجدنا آل مرة حين خفنا ... جريرتنا هم الأنف الكراما ويسرح جارهم من حيث أمسى ... كأن عليه مؤتنفا حراما 6/ 192 رجل من بكر وائل أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذرّيت السناما 2/ 265 حميد بن بحدل و 5/ 146 رأى برقا شيخ فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما 1/ 106 عمر بن يربوع و 2/ 113، 173 و 5/ 161 وشر الطالبين فلا تكنه ... يقاتل عمه الرؤف الرحيما 2/ 230 الوليد بن عقبة عيّوا بأمرهم كما ... عيّت ببيضتها النعامة 4/ 141 عبيد بن الأبرص هذا طريق يأزم المآزما ... وعضوات تقطع اللهازما 2/ 89 أبو مهدية ضخم يجبّ الخلق الأضخمّا 2/ 361

رؤبة ومهمه أطرافه في مهمه ... أعمى الهدى في الحائرين العمّه 4/ 323 رؤبة يا فقعسيّ لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرّمه 1/ 261 سالم بن دارة و 4/ 261 يا أسدي لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرّمه 2/ 329 سالم بن دارة قد سالم الحيات منه القدما 1/ 125 العجاج صرنا به الحكم وعيّا الحكما 2/ 291 العجاج يامي لا غرو ولا ملاما ... في الحب إن الحب لن يداما 3/ 93 ؟ هل غير غار دكّ غارا فانهدم 4/ 76؟ تسمع للجنّ به زيزيزما 5/ 290 و 6/ 220؟ إن كان حرّ لك يا فقيمة ... باعك عبدا بأخسّ قيمة 6/ 340 ؟ غفلت ثم أتت ترقبه ... فإذا هي بعظام ودما 1/ 135 ؟ تذكرت أرضا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها 3/ 426 عمرو بن قميئة لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله درّ اليوم من لامها 4/ 216، 294 عمرو بن قميئة

(م) شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة ... يد الدهر إلا جبرئيل أمامها 6/ 142 حسان هريرة ودّعها وإن لام لائمو ... غداة غد أم أنت للبين واجم 1/ 73 الأعشى يقلن حرام ما أحلّ بربنا ... وتترك أموال عليها الخواتم 1/ 299 الأعشى على ظهر عاديّ كأن قرومه ... رجال يتلوّن الصلاة قيام 4/ 272 البعيث شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة ... يد الدهر إلا جبرئيل أمامها 2/ 168 حسان بن ثابت وكنّا ورثناه على عهد تبّع ... طويلا سواريه شديدا دعائمه 3/ 325 الفرزدق صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يدوم 5/ 40 المرار الفقعسي وهبت له ريح الجنوب وأحييت ... له ريدة يحيي المياه نسيمها 4/ 36 المرار الفقعسي لقد رزئت كعب بن عوف وربما ... فتى لم يكن يرضى بشيء يضيمها 5/ 39 نبهان بن مشرق وهبت له ريح الجنوب وأحييت ... له ريدة يحيي المياه نسيمها 2/ 380 ؟ و 5/ 345 لهنّي لأشقى الناس إن كنت غارما ... لدومة بكرا ضيّعته الأراقم 4/ 381 ؟ له ولها وقع بكل قرارة ... ووضع بمستن الفضاء قويم 6/ 226 ؟ الحامل النار في الرطبين يحملها ... حتى تجيء من اليبسين تضطرم

يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها ... من صلب أعمى أصمّ الصلب منقصم 3/ 12 أمية إن ابن حارث إن أشتق لرؤيته ... أو أمتدحه فإن الناس قد علموا 2/ 303 ابن حبناء حوّاء قرحاء أشراطيّة وكفت ... فيها الذّهاب وحفّتها البراعيم 2/ 371 ذو الرمة كأنني من هوى خرقاء مطّرف ... دامي الأظلّ بعيد السأو مهيوم 3/ 111 ذو الرمة و 4/ 437 وقد علوت قتود الرحل يسفعني ... يوم قديديمة الجوزاء مسموم 5/ 188 علقمة بن عبدة يسقي مذانب قد مالت عصيفتها ... حدورها من أتيّ الماء مطموم 6/ 244 علقمة بن عبدة فلا لغو ولا تأثيم فيها ... وما فاهوا به أبدا مقيم 1/ 192 أمية بن أبي الصلت و 2/ 358 و 6/ 227 سلامك ربنا في كل فجر ... بريئا ما تغنثك الذموم 2/ 151، 298 أمية بن أبي الصلت و 4/ 360 وندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت إذا تغورت النجوم 3/ 200 البرج بن مهر فكان مقامنا ندعو عليهم ... بأبطح ذي المجاز له أثام 5/ 352 بشر وأصبح بطن مكة مقشعرا ... كأن الأرض ليس بها هشام 5/ 216 الحارث بن خالد تطالعنا خيالات لسلمى ... كما يتطالع الدين الغريم 5/ 199 سلمة بن الخرشب جزى الله ابن عروة حيث أمسى ... عقوقا والعقوق له أثام 5/ 352 مسافع العبسي

يصور عنوقها أحوى زنيم ... له ظاب كما صخب الغريم 2/ 389 المعلى العبدي تبكّ الحوض علّاها ونهلى ... ودون ذيادها عطن منيم 5/ 321 فامان بن كعب وجاءت خلعة دهس ضعايا ... يصور عنوقها أحوى زنيم 2/ 391 ؟ عبادك يخطئون وأنت رب ... كريم لا تليق بك الذموم 5/ 97 ؟ فتعرّفوني إنني أنا ذاكم ... شاك سلاحي في الحوادث معلم 3/ 77 طريف بن تميم أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلى عريفهم يتوسّم 6/ 368 طريف بن تميم باكرت حاجتها الدجاج بسحرة ... لأعلّ منها حين هب نيامها 1/ 182 لبيد و 3/ 184 يعلو طريقة متنها متواتر ... في ليلة كفر النجوم غمامها 1/ 244 لبيد ولقد علمت لتأتين منيّتي ... إن المنايا لا تطيش سهامها 2/ 408 لبيد و 3/ 103، 247 و 6/ 143 أفتلك أم وحشية مسبوعة ... خذلت وهادية الصّوار قوامها 3/ 129 لبيد فمضى وقدّمها وكانت عادة ... منه إذا هي عرّدت إقدامها 3/ 289 لبيد من كلّ محفوف يظل عصيّه ... زوج عليه كلّة وقرامها 4/ 325 لبيد عذت بما عاذ به إبراهم 2/ 227 زيد بن عمر بن نفيل

في ساعة يحبّها الطعام 2/ 45؟ أرسل فيها بازلا يقرّمه ... وهو بها ينجو طريقا يعلمه 3/ 240 ؟ ما أبالي أنبّ بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم 1/ 271 حسان فالهبيت لا فؤاد له ... والثّبيت ثبته فهمه 1/ 305 طرفة (م) وولّى عمير وهو كاب كأنما ... يطلّى بورس أو يغشى بعظلم 1/ 300 الأعشى فإنّا وجدنا العرض أحوج ساعة ... إلى الصون من ريط يمان مسهم 1/ 25 أوس بن حجر ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم 1/ 352 أوس و 4/ 433 و 6/ 342 ففاءوا ولو أسطو على أم بعضهم ... أصاخ فلم ينطق ولم يتكلّم 2/ 37 أوس هجاؤك إلا أن ما كان قد مضى ... علي كأثواب الحرام المهينم 2/ 439 أوس تجول وفي الأعناق منها خزاية ... أوابدها تهوي إلى كل موسم 5/ 90 أوس بن حجر وإن هزّ أقوام إلي وحددوا ... كسوتهم من برد برد متحم 5/ 81 أوس بن حجر لقد علمت أم الأديبر أنني ... أقول لها هدّي ولا تدخري لحمي 1/ 188 أبو خراش الهذلي

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أمّ سالم 4/ 173 ذو الرمة و 5/ 238 جزى الله مولانا غنيا ملامة ... شرار موالي عامر في العزائم نبيع غنيا رغبة عن دمائها ... بأموالها بيع البكار المقاحم 2/ 237 الراعي ومن هاب أسباب المنية يلقها ... ولو رام أسباب السماء بسلّم 1/ 45 زهير بن أبي سلمي وقفت بها من بعد عشرين حجة ... فلأيا عرفت الدار بعد توهّم 1/ 257 زهير و 6/ 144 يؤخّر فيوضع في كتاب فيدّخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم 2/ 49 زهير وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم 4/ 323 زهير فتغلل لكم ما لا تغلّ لأهلها ... قرى بالعراق من قفيز ودرهم 5/ 8 زهير فلما عرفت الدار قلت لربعها ... ألا انعم صباحا أيها الربع واسلم 6/ 144 زهير أقول لأهل الشعب إذ ييسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم 4/ 437 سحيم بن وثيل على قسم لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام 2/ 17 الفرزدق ألم ترني عاهدت ربي وإنني ... لبين رتاج قائما ومقام على حلفة لا أشتم الدهر مسلما ولا خارجا من في زور كلام 3/ 62 الفرزدق هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العاوي أشد رجام 3/ 88 الفرزدق

أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا ... جهارا ولم تغضب لقتل ابن حازم 3/ 213 الفرزدق تقعّدهم أعراق حذلم بعد ما ... رجا الهتم إدراك العلى والمكارم 3/ 339 الفرزدق و 5/ 26 ثلاث مئين للملوك وفى بها ... ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم 3/ 339 الفرزدق و 5/ 26 وكنت كذئب السّوء لما رأى دما ... بصاحبه يوما أحال على الدم 4/ 208 الفرزدق فقد شهدت قيس فما كان نصرها ... قتيبة إلا عضّها بالأباهم 6/ 142 الفرزدق ما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام 2/ 395 أبو مضرس النهدي فيا شرّ ملك ملك قيس بن عاصم ... على أن قيسا لم يطأ باه محرم 4/ 245 و5/ 363 و 6/ 424 ألم تر صدعا في السماء مبينا ... على ابن لبينى الحارث بن هشام 5/ 32، 216 ؟ يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها ... من صلب أعمى أصمّ الصّلب منقصم 4/ 131 أمية قد أو بيت كلّ ماء فهي صادية ... مهما تصب أفقا من بارق تشم 1/ 237 ساعدة بن جؤية فقام ترعد كفّاه بمحجنه ... قد عاد رهبا رديا طائش العدم 2/ 138 ساعدة بن جؤية صدت كما صدّ عما لا يحلّ له ... ساقي نصارى قبيل الفصح صوّام 5/ 18 النمر بن تولب و 6/ 154 مما يفتق في الحانوت ناطفها ... بالفلفل الجون والرمان مختوم 1/ 292 ابن مقبل و 294 و 6/ 387

ترى للمسلمين عليك حقا ... كفعل الوالد الرؤف الرحيم 2/ 230 جرير مطاعيم الشمال إذا استحنّت ... وفي عرواء كلّ صبا عقيم 2/ 253 جرير تريح نقادها جشم بن بكر ... وما نطقوا بأنجية الخصوم 6/ 279 جرير ندمت على لسان كان مني ... فليت بأنه في جوف عكم 2/ 175 الحطيئة و 6/ 73 فبتن بجانبيّ مصرّعات ... وبتّ أفضّ أغلاق الختام 1/ 298 الفرزدق هل انتم عائجون بنا لأنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام 3/ 379 الفرزدق رحلن لشقّة ونصبن نصبا ... لوغرات الهواجر والسّموم 1/ 105 لبيد وأربد فارس الهيجا إذا ما ... تقعّرت المشاجر بالفئام 3/ 35 لبيد و 5/ 60 إذا التسعون أقصدني سراها ... وسارت في المفاصل والعظام وصرت كأنني أقتاد عيرا ... وعاد الرأس مني كالثغام 2/ 137 ؟ فرّت يهود وأسلمت جيرانها ... صمّي لما فعلت يهود صمام 3/ 342 الأسود بن يعفر و 4/ 358 يا دار عبلة بالجواء تكلم ... وعمي صباحا دار عبلة واسلمي 1/ 77 عنترة الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم القهما دمي 1/ 256 عنترة هل غادر الشعراء من متردّم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم 1/ 257

عنترة فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا كخافية الغراب الأسحم 4/ 33 عنترة و 5/ 138 وحليل غانية تركت مجدّلا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم 4/ 146 عنترة وازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إلي بعبرة وتحمحم 5/ 132 عنترة تأوي له حزق النعام كما أوت ... حزق يمانية لأعجم طمطم 6/ 122 عنترة نحن الفوارس يوم ديسقة ال ... مغشو الكماة غوارب الأكم 3/ 367 النابغة الجعدي سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه 1/ 267 يحيى اليزيدي يتقارضون إذا التقوا في مجلس ... نظرا يزيل مواطئ الأقدام 6/ 313 ؟ أنائل إنني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي 2/ 294 مسعدة بن البختري و 4/ 159 و 6/ 95 سلّوم لو أصبحت وسط الأعجم ... بالروم أو بالترك أو بالديلم 6/ 120 أبو الأخدر أو عدني بالسجن والأداهم ... رجلي ورجلي شثنة المناسم 2/ 57 العديل بن الفرخ وربّ أسراب حجيج كظّم ... عن اللغا ورفث التكلّم 2/ 287، 356 العجاج إذا اعوججن قلت صاحب قوّم 2/ 6، 80 أبو نخيلة فصبّحت والطير لم تكلّم ... خابية طمّت بسيل مفعم 2/ 39

؟ حاشا أبي ثوبان إن به ... ضنّا على الملحاة والشتم 4/ 422 الجميع الأسدي ما هاج حسان رسوم المقام ... ومظعن الحي ومبنى الخيام 5/ 206 حسان ماويّ بل ربّتما غارة ... شعواء كاللذعة بالميسم 5/ 35 ضمرة بن ضمرة (ن) حنّت قلوصي حين لا حين محنّ 1/ 166، 167، 2/ 66؟ يا صاحبا ربّت إنسان حسن ... يسأل عنك اليوم أو يسأل عن 5/ 36 ؟ أثور ما أصيدكم أم ثورين ... أم تيكم الجماء ذات القرنين 6/ 220 ؟ أيها القلب تعلل بددن ... إن همي في سماع وأذن 2/ 410 ؟ و 4/ 202 فهل ينفعني ارتيادي البلا ... د من حذر الموت أن يأتين ومن شانئ كاسف وجهه ... إذا ما انتسبت له أنكرن 3/ 219 الأعشى و 4/ 115 و 5/ 234، 469 و 6/ 243، 460 فقد أشرب الراح قد تعلمي ... ن يوم المقام ويوم الظعن 5/ 77 الأعشى (ن) أفي جنب بكر قطّعتني ملامة ... لعمري لقد كانت ملامتها ثنى 5/ 220 كعب بن زهير و 6/ 373 مظاهرة نيّا عتيقا وعوططأ ... فقد أحكما خلقا لها متباينا 2/ 133 ؟ و 6/ 233

ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منا ولا من سوائنا 1/ 170 المرار بن سلامة واسأل ولا بأس إن كنت امرأ عمها ... إن السؤال شفا من كان حيرانا 2/ 215 أمية مسنا السماء فنلناها وطالهم ... حتى رأوا أحدا يهوي وثهلانا 3/ 165 ابن فعراء ترى ثنانا إذا ما جاء بدأهم ... وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا 5/ 220 أوس بن فعراء و 6/ 373 يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الديرين تحنانا 2/ 317 جرير هبت شمالا فذكرى ما ذكرتكم ... عند الصفاة التي شرقي حورانا 2/ 429 جرير مهلا بني عمنا مهلا موالينا ... امشوا رويدا كما كنتم تكونونا الله يعلم أنا لا نحبّكم ... ولا نلومكم ألا تحبّونا 2/ 236 اللهبي الفضل بن عباس يا دار سلمى خلاء لا أكلفها ... إلا المرانة حتى تعرف الدنيا 1/ 39 ابن مقبل حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة ... يخشعن في الآل غلفا أو يصلّينا 1/ 187 ابن مقبل كأن نزو فراخ الهام بينهم ... نزو القلات زهاها قال قالينا 3/ 280 ابن مقبل كمثل هيل النقا طاف الوليد به ... ينهار حينا وينهاه الثرى حينا 4/ 229 ابن مقبل لما استمر بها شيحان مبتجح ... بالبين عنك بها يرآك شنآنا 3/ 201 ؟ فسائل سبرة الشجعيّ عنّا ... غداة تخالنا نجوا جنينا 2/ 254

أبو خراش الهذلي بواد من قسا ذفر الخزامى ... تحن الجربياء به الحنينا 2/ 252 ابن أحمر ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا 1/ 316 عمر بن كلثوم صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا 4/ 147 عمر بن كلثوم 5/ 18 و 6/ 155 أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا 6/ 273 عمر بن كلثوم برئت إلى عرينة من عرين ... عرين من عرينة ليس منا 2/ 405 جرير وقدمت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا 3/ 186 عدي بن زيد فضم قواصي الأحياء منهم ... وقد رجعوا كحي واحدينا 6/ 459 الكميت حنانك ربنا وله عنونا 4/ 361؟ فيملأ بيتنا أقطا وسمنا 5/ 134؟ إن الموصّين بنو سهوان 2/ 271 زر بن أوفى قد كنت داينت بها حسانا ... مخافة الإفلاس والليانا يحسن بيع الأصل والقيانا 6/ 160؟ يا رب من يبغض أذوادنا ... رحن على بغضائه واغتدين 5/ 37 عمرو بن لأي التيمي

وأمين حدثته سرّ نفسي ... فوعاه حفظ الأمين الأمينا 1/ 217 حسان صدّها منطق الدجاج عن القصد وصوت الناقوس فاجتنبتنا 2/ 39؟ (ن) صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا 2/ 409 قعنب فأخلفن ميعادي وخن أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دين 1/ 218 كثير يقول الذي يمشي إلى الحرز أهله ... بأيّ الحشا صار الخليط المباين 4/ 423 مالك بن خالد ثياب بني عوف طهارى نقيّة ... وأوجههم بيض المسافر غرّان 2/ 327 امرؤ القيس رويد عليا جدّ ما ثدي أمهم ... إلينا ولكن ودهم متماين 1/ 196 المعطل الهذلي و 5/ 95 تبين صلاة الحرب منا ومنهم ... إذا ما التقينا والمسالم بادن 2/ 294 المعطل الهذلي و 3/ 177 و 6/ 199 مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإنّ ضغنوا 1/ 121، 277 قعنب ووجه مشرق النحر ... كان ثدييه حقّان 4/ 386 ؟ والخبز واللحم لهم راهن 2/ 446؟ (ن) بواد يمان ينبت الشثّ حوله ... وأسفله بالمرخ والشبهان 5/ 200، 291

الأحوال اليشكري فظلت لدى البيت العتيق أخيله ... ومطواي مشتاقان له أرقان 1/ 134، 203 رجل من أزد السراة و 205 و 5/ 29، 328، 387، و 6/ 92، 430 ألا ربّ مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان 1/ 66، 409 رجل من أزد السراة و 2/ 278، 334 و 5/ 129، 329 دع الخمر تشربها الغواة فإنني ... رأيت أخاها مجزئا بمكانها فإلا يكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمّه بلبانها 2/ 315 أبو الأسود إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت ... ذكرت سليمى في الخليط المباين 5/ 225، 431 بشر بن خازم بثين الزمي لا إن لا إن لزمته ... على كثرة الواشين أي معون 2/ 416 جميل يطفن بحوزي المراتع لم يرع ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن 3/ 123، 413 الطرماح كظهر اللأى لو تبتغي ريّة بها ... لعيت نهارا في بطون الشواجن 5/ 188، 375 الطرماح فقال مجيبا والذي حجّ حاتم ... أخونك عهدا إنني غير خوّان 1/ 219 العريان بن سهلة رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ومن أجل الطويّ رماني 3/ 87 وكل رفيقي كل رحل وإن هما ... تعاطى القنا قوماهما أخوان 4/ 328 الفرزدق ولو سألت عني النوار وقومها ... إذا أحد لم تنطق الشفتان 6/ 188 الفرزدق وقبلك ما هاب الرجال ظلامتي ... وفقّأت عين الأشوس الأبيان 3/ 209 أبو المجشر الضبي ونجّى ابن هند سابح ذو علالة ... أجشّ هزيم والرماح دواني 4/ 306

النجاشي وكنت كذات الطنء لم تدر إذ بغت ... تؤامر نفسيها أتسرق أم تزني 1/ 319 ؟ ألا رب من تغتشه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين 5/ 37 ؟ نهار وليل دائم ملواهما ... على كل حال المرء يختلفان 6/ 195 ؟ أنّى جزوا عامرا سواءً بفعلهم ... أم كيف يجزونني السّوأى الحسن 5/ 443 أفنون التغلبي ما بال جهلك بعد الحلم والدين ... وقد علاك مشيب حين لا حين 1/ 164 جرير ألم تكن في وسوم قد وسمت بها ... من حان- موعظة يا زهرة اليمن 2/ 183 جرير و 6/ 167 من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشر بالشر عند الله مثلان 6/ 153 حسان وأنتم معشر زيد على مائة ... فأجمعوا أمركم طرا فكيدوني 5/ 233 ذو الإصبع إما تري شمطا في الرأس لاح به ... من بعد أسود داجي اللون فينان 6/ 455 رومي بن شريك أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها ... أني الأعزّ وأنّي زهرة اليمن 2/ 183 زهرة اليمن التارك القرن مصفرا أنامله ... يميل في الرمح ميل المائح اللأسن 6/ 191 زهير قد كنت جارك حولا ما تروّعني ... فيه روائع من إنس ولا جان 4/ 336 عمران بن حطان و 5/ 454، 6/ 104 أبا الموت الذي لا بدّ أني ... ملاق لا أباك تخوّفيني 3/ 334

الأعشى و 5/ 46 و 6/ 100 عرين من عرينة ليس مني ... برئت إلى عرينة من عرين 1/ 173 جرير أتوعدني وراء بني رياح ... كذبت لتقصرن يداك دوني 2/ 58 و5/ 187 دعي ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيّب نبّئيني 2/ 317 جرير على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرغ في دمان 2/ 317 حسان ولو أنّا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين 3/ 143 وكلّ أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان 1/ 22 حضرمي بن عامر أو عمرو بن معديكرب و 3/ 273 تراه كالثغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني 3/ 334 عمر بن معديكرب و 4/ 346 و 5/ 46 فلا يستحمدون الناس شيئا ... ولكن ضرب مجتمع الشئون 1/ 38 المرار الفقعسي إذا نهلت بسفرتها وعلّت ... ذنوبا مثل لون الزعفران 3/ 346 المرار الفقعسي ويمنحها بنو شمجى بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان 3/ 419 امرؤ القيس إذا حاولت في أسد فجورا ... فإني لست منك ولست منّي 1/ 172 النابغة وكنت أمينه لو لم تخنه ... ولكن لا أمانة لليماني 1/ 217 النابغة وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إنّ 3/ 219

النابغة و 4/ 115 فإن يقدر عليك أبو قبيس ... تحطّ بك المنية في رهان 3/ 218 النابغة و 5/ 376 ومولى قد رعيت الغيب منه ... ولو كنت المغيّب ما رعاني 2/ 236 ؟ فلست بمدرك ما فات منّي ... بلهف ولا بليت ولو لوانّي 4/ 92، 339 ؟ يشبهن السفين وهن بخت ... عظيمات الكلاكل والمئون 5/ 137 ؟ ومنحتني فرضيت حين منحتني ... فإذا بها وأبيك طيف جنون 4/ 121 أبو العيال الهذلي ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني 2/ 207 شمر بن عمرو فاعمد لما يعلو فمالك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان 4/ 427 علي بن الغدير الغنوي أو كعب بن سعد الغنوي 6/ 209 لولا فوارس تغلب ابنة وائل ... نزل العدو عليك كل مكان 4/ 355 الفرزدق لا تحسبن دراهما سرّقتها ... تمحو مخازيك التي بعمان 6/ 353 الفرزدق جدّت جذاذ بلاعب وتقشّعت ... غمرات قالب لبسة حيران 4/ 406 ؟ أخطأ الربيع بلادهم فسقوا ... ومن أجلهم أحبيت كل يمان 5/ 75 ؟ ظهراهما مثل ظهور التّرسين 2/ 280 خطام المجاشعي يا دار عفراء ودار البخدن ... أما جزاء العارف المستيقن

عندك إلا حاجة التفكّن 1/ 257 رؤبة و 3/ 114 و 6/ 144 ما بال عيني كالشعيب العيّن 4/ 102 رؤبة وصاني العجاج فيما وصّني 4/ 424؟ 6/ 424 امتلأ الحوض وقال قطني 2/ 204 و 5/ 135؟ إذا المعسيات كذبن الصبو ... ح خبّ جريّك بالمحصن 1/ 332 ؟ و 3/ 149 إنما شعري شهد ... قد خلط بالجلجلان 2/ 81 وضاح اليمن (هـ) ضروب لهامات الرجال بسيفه ... إذا عجمت وسط الشئون شفارها 1/ 38 أبو ذؤيب الهذلي كأن على فيها عقارا مدامة ... سلافة راح عتّقتها تجارها 2/ 442 أبو ذؤيب ولا يتخشّى الفحل إن أعرضت به ... ولا يمنع المرباع منها فصيلها 1/ 38 رجل من بني عكل و 4/ 424 يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة ... أيستربع الذوبان أم لا يطورها 1/ 319 رجل من فزارة ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها 1/ 13، 17 قيس بن الخطيم على الله حسباني إذا النفس أشرفت ... على طمع أو خاف شيئا ضميرها 2/ 403 ؟

رحلت سمية غدوة أجمالها ... غضبى عليك فما تقول بدا لها 1/ 72، 75 الأعشى و 81، 344 تمدّ بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أننا نشكيها غمر حوايا قل ما نجفيها 6/ 16؟ لو تمنّت حليلتي ما عدتني ... أو تمنيت ما عدوت سواها 1/ 249 ؟ وقامت ترائيك مغدودنا ... إذا ما تنوء به آدها 2/ 392 حسان (هـ) وقد زعموا أني جزعت عليهما ... وهل جزع إن قلت وا بأباهما 4/ 341، 391 درنى بنت سيار (هـ) لله درّ الغانيات المدّه ... سبحن واسترجعن من تألهي 5/ 26 رؤبة فارس في كفه للحرب نار ... كشهاب القذف يرميكم به 3/ 85 الأفوه الأودي (ي) تكاشرني كرها كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن قلبك لي دوي 1/ 74 يزيد بن الحكم الثقفي فرحت بما قد كان من سيديكما 4/ 281؟ أما ابن طوق فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها 5/ 276 الطفيل الغنوي سكّاء مخطومة في ريشها طرق ... سود قوادمها صهب خوافيها 1/ 212

عليل بن الحجاج ظلّ من الشعرى يوم أزي ... يعوذ منه بزرانيق الركي 4/ 151 الباهلي حيدة خالي ولقيط وعلي ... وحاتم الطائي وهاب المئي يأكل أزمان الهزال والسني ... ولم يكن كخالك العبد الدعي 2/ 284، 372 امرأة من عقيل و 4/ 185 و 5/ 139 و 6/ 457 متى أنام لا يؤرّقني الكري ... ليلا ولا أسمع أجراس المطي 1/ 188 ؟ و 5/ 139 ارهن بنيك عنهم أرهن بني 3/ 220؟ تمدّ بالأعناق أو تلويها ... وتشتكي لو أننا نشكيها 4/ 31 ؟ لا تملأ الدلو وعرّق فيها ... ألا ترى حبار من يسقيها 5/ 135 ؟ كنهور كان من أعقاب السّمي 2/ 372 و 5/ 138 أبو نخيلة إن عديا ركبت إلى عدي ... وجعلت أموالها في الحطمي أرهن بنيك عنهم أرهن بني 3/ 301 و 4/ 337؟ فلم يبق منها سوى هامد ... وسفع الخدود وغير النّؤي 1/ 252 أبو ذؤيب الهذلي (ي) شربت الشّكاعى والتددت ألدّة ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا 2/ 46 ابن أحمر ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذاكما ما غيبتني غيابيا 4/ 400 ابن أحمر

أتشتم قوما أثّلوك بنهشل ... ولولاهم كنتم كعطل مواليا 2/ 237 الأخطل له ما رأت عين البصير وفوقه ... سماء الإله فوق سبع سمائيا 1/ 278 أمية بن أبي الصلت ومولى كداء البطن لو كان قادرا ... على الدهر أفنى الدهر أهلي وماليا 236 ؟ أتانا فلم نعدل سواه بغيره ... نبيّ أتى من عند ذي العرش هاديا 1/ 249 حسان ثوى في قريش بضع عشرة حجّة ... يذكر لو يلقى خليلا مؤاتيا 5/ 439 حسان وأنآء حيّ تحت عين مطيرة ... عظام القباب ينزلون الروابيا 1/ 287 الراعي ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا 4/ 438 رباح بن عدي بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا 3/ 248 زهير أقلّ به ركب أتوه تئية ... وأخوف إلا ما وقى الله ساريا 4/ 368 سحيم بن وثيل أيرجو بني مروان سمعي وطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا 5/ 186 سوار بن المضرب فجال على وحشيه وتخاله ... على ظهره سبا جديدا يمانيا 2/ 375 العبدي و 3/ 352 وتضحك مني شيخة عبشميّة ... كأن لم تري قبلي أسيرا يمانيا 931، 325 عبد يغوث بن وقاص و 5/ 239، 6/ 425 فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا 2/ 238 الفرزدق

فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا 1/ 87 مجنون بني عامر فقد كان مأنوسا فأصبح خاليا 1/ 74؟ فإن كنت لا أدري الظباء فإنني ... أدسّ لها تحت التراب الدواهيا 1/ 258 ؟ فأبلوني بليتكم لعلي ... أصالحكم وأستدرج نويا 2/ 401 أبو دؤاد و 4/ 110، 448، و 6/ 293، 294 فمن را مثل معدان بن ليلى ... إذا ما النّسع طال على المطيّة 307 و 6/ 424 ؟ تبكيهم أسماء معولة ... وتقول سعدى وا رزيّتيه 1/ 212 عبيد الله بن قيس الرقيات إني إذا ما القوم كانوا أنجيه ... واختلف القوم اختلاف الأرشية 6/ 280 سحيم بن وثيل رميتيه فاصممت ... فما أخطأت الرميه بسهمين مليحين ... أعارتكهما الظبية 1/ 73 ؟ و 4/ 416 و 5/ 30 بنيته بعصبة من ماليا ... أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا 3/ 420 ؟ حسبت فيه تاجرا بصريّا ... نشّر من ملائه البحريّا 5/ 103 ؟ ألفيتا عيناك عند القفا ... أولى فأولى لك ذا واقيه 2/ 52 عمرو بن ملقط خليلي عوجا على رسم دار ... خلت من سليمى ومن ميّه 3/ 192 ؟

أما تريني رجلا دعكاية ... وأقطع النجود والأوداية 6/ 447 سحيم بن وثيل (ي) كأنّه متوّج روميّ ... أو مقول توّج حميريّ 1/ 341 العجاج فكأنها بين النساء سبيكة ... تمشي بسدّة بيتها فتعي 4/ 142 ؟ بكيت والمحتزن البكيّ ... وإنما يأتي الصبا الصبيّ 1/ 74 العجاج غضفا طواها أمس كلابيّ 3/ 208 العجاج كنّا بها إذا الحياة حيّ 3/ 368 و 4/ 130 العجاج فبات حيث يدخل الثويّ 5/ 439 العجاج والدهر بالإنسان دواريّ 6/ 121 العجاج برقم ووشم كما نمنمت ... بميشمها المزدهاة الهديّ 1/ 189 أبو ذؤيب الهذلي (ي) كأنّ متنيه من النّفيّ ... مواقع الطير على الصّفيّ 4/ 83 و 6/ 263 الأخيل الطائي قال لها هل لك يا تافيّ ... قالت له ما أنت بالمرضيّ 4/ 415 و 5/ 29 الأغلب العجاج جاءت تناجيني ابنة العجليّ ... في ساعة مكروهة النجيّ

يكفيك ما موّت في السّنيّ 2/ 284، 373 أبو النجم لا هيثم الليلة للمطيّ 5/ 140؟ (ى) كذلك زيد المرء ثم انتقاصه ... وتكراره في إثره بعد ما مضى 1/ 322 حسان السعدي يابا المغيرة رب أمر معضل ... فرجته بالنكر مني والدّها 3/ 211، 307 أبو الأسود و 6/ 340 بات الحويرث والكلاب تشمّه ... وغدا بأحدب كالهلال من الطوى 3/ 209 ؟ كأن عرق أيره إذا ودى ... حبل عجوز ضفرت خمس قوى 2/ 341 الأغلب العجلي و 5/ 379 لقحن ضحيّا للقح الجنوب ... فأصبحن ينتجن ماء الحيا 2/ 253

§1/1