الحجة في القراءات السبع

ابن خالَوَيْه

مقدمة الطبعة الأولى

مقدّمة الطّبعة الأولى ابن خالويه ابن خالويه شخصية لم تظفر بالدراسة الواسعة بعد؛ لأنه في مجال القراءات والنحو، واللغة لا يقل عن هؤلاء الأعلام الذين ظفروا بمثل هذه الدراسة كأبي على الفارسي، وابن جني، وغيرهما. ولعلّي بهذه الترجمة الموجزة أنير الطّريق أمام الباحثين ليتّجهوا إلى تراث هذا الرجل المطبوع والمخطوط، ليقيموا في ضوئه دراسات وبحوثا، تظهر مكانة الرجل في عصره، ومكانة تراثه بين تراثنا الخالد. نسبه: سجّلت كتب الطبقات أن اسمه: الحسين بن أحمد بن خالويه بن حمدان؛ وكنيته: أبو عبد الله «1». نشأته - ذكر ياقوت: أنه نشأ في (همذان)، ثم وفد إلى (بغداد) بعد ذلك، ويشاركه في هذا الرأي السيوطي في البغية «2» وقد سجّل الرّواة أنه في سنة أربع عشرة وثلاثمائة دخل بغداد ليتلقى عن شيوخها، ويأخذ عن أعلامها. هذا، ولم تتعرض كتب الرواة لسنة مولده، وإن تعرّضت لسنة وفاته، فقد أجمعت على أنه توفي بحلب سنة سبعين وثلاثمائة «3».

_ (1) البغية 1 - 529، معجم الأدباء 9 - 200. (2) البغية 1 - 529. (3) البغية 1 - 529، معجم الأدباء 9 - 200، غاية النهاية 1 - 237.

شيوخه

شيوخه - من شيوخه الذين كان لهم أثر كبير في تكوينه العلمي والثقافي. 1 - ابن مجاهد: تلقى ابن خالويه، على ابن مجاهد علوم القرآن الكريم والقراءات وهو: أحمد بن موسى بن العباس التميمي، كان يلقب في عصره بشيخ الصنعة، ويكفيه فخرا أنه أوّل من سبّع السبعة، وكان إليه المرجع في فن القراءات «1». 2 - ابن دريد: وهو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، تلقّى عليه ابن خالويه النحو والأدب. وكان ابن دريد شاعرا كثير الشّعر، ومن شعره «المقصورة» المشهورة، والقصيدة المشهورة التي جمع فيها بين المقصور والممدود «2». ولما مات هو وأبو هاشم الجبّائي في يوم واحد، ودفنا في مقبرة (الخيزران)، قال الناس: مات علم اللغة والكلام بموت ابن دريد والجبّائي. وقد رثاه جحظة فقال: فقدت بابن دريد كل منفعة ... لما غدا ثالث الأحجار والترب قد كنت أبكي لفقد الجود آونة ... فصرت أبكي لفقد الجود والأدب «3» 3 - ابن الأنباري: هو أبو بكر محمد بن القاسم بن بشّار الأنباري النحوي، كان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين، وأكثرهم حفظا للغة. وكان ابن الأنباري- كما يذكر الرّواة- مهتما بالدراسة القرآنية، فقد ذكروا أنه كان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن الكريم. «4» وقال عنه: محمد بن جعفر التّميمي: «أما أبو بكر بن الأنباري فما رأينا أحفظ منه، ولا أغزر منه في علمه». «5»

_ (1) غاية النهاية 1 - 142. (2) نزهة الألباء- 174. (3) نزهة الألباء- 175. (4) نزهة الألباء- 179. (5) نزهة الألباء- 181

ويحكى أن الأنباري عن نفسه فيقول: إنه كان يأخذ الرّطب ويشمه ويقول: «أما إنّك طيّب، ولكن أطيب منك ما وهب الله عز وجل لي من العلم» «1». 4 - أبو عمر الزّاهد: هو أبو عمر: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم اللغوي الزاهد كان من أكابر أهل اللغة، وأحفظهم لها. أخذ عن أبي العباس ثعلب، وكان يعرف بغلام ثعلب. وقد قال عنه أبو القاسم عبد الواحد بن برهان الأسدي: «لم يتكلم في علم اللغة من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمر الزّاهد». وقال فيه أبو العباس اليشكري يمدحه أبو عمر أوفى من العلم مرتقى ... يزل مساميه، ويردي مطاوله فلو أنني أقسمت ما كنت كاذبا ... بأن لم ير الراءون حبرا يعادله إلى أن يقول: إذا قلت شارفنا أواخر علمه ... تفجّر حتى قلت هذي أوائله «2» 5 - أبو سعيد السيرافي: هو أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي، كان من ألمع نجوم عصره، فسعى إليه ابن خالويه، وجلس في حلقته، وتأثر به أثرا كبيرا ظهر في منهجه اللغوي والنحوي الذي سنتعرض له فيما بعد، ذلك لأن أبا سعيد كان كما يقول المرحوم الأستاذ أحمد أمين: «زعيم المحافظين في عصره» «3» حيث يرى أن اللغة مرجعها الرواية والنقل، لا القياس والعقل. وبهذا المنهج استطاع السيرافي أن يهزم (متّى) المنطقي في مناظرة مشهورة، جعلت الوزير ابن الفرات- وكان مشاهدا لها- يقول في السيرافي: «عين الله عليك أيها الشيخ، فقد ندّيت أكبادا، وأقررت عيونا، وبيّضت وجوها، وحكت طرازا لا يبليه الزمان، ولا يتطرّق إليه الحدثان. «4» وبعد، فإذا كان التلميذ صنعة أستاذه، فقد كان حظ ابن خالويه في تكوين شخصيته، وتربية عقله، وسموّ تفكيره، كبيرا، لأنه جلس في حلقات هؤلاء الأعلام الذين ملئوا

_ (1) نزهة الألباء- 181 (2) نزهة الألباء: 189. (3) ظهر الإسلام: 2 - 91. (4) الامتاع والمؤانسة: 1 - 128، 129.

رحلاته

الدنيا بآثارهم الفكرية، وإنتاجهم الأدبي، الذي خلّد ذكرهم، وعطر في التاريخ سيرتهم. رحلاته - ذكر «إنباء الرواة»: أنه دخل اليمن، ونزل ديارها، وهي رواية اللّحجي اليمني في كتابه «الأترجّة» «1» حين تعرّضه لابن الحائك اليمني وشعره، قال ما نصه: «ومن الشاهد على ذلك أن الحسين بن خالويه الإمام لما دخل اليمن، ونزل ديارها، وأقام بها، شرح ديوان ابن الحائك، وعنى به، وذكر غريبه وإعرابه». قال صاحب الإنباه: «ولم أعلم أن ابن خالويه دخل اليمن إلّا من كتاب «الأترجة» هذا، وهو كتاب غريب، قليل الوجود اشتمل على ذكر شعر اليمن في الجاهلية والإسلام إلى قريب من زماننا هذا، وما رأيت منه نسخة، ولا من ذكره إلّا نسخة واحدة جاءت في كتاب الوالد أحضرت بعد وفاته من أرض اليمن» «2». على أية حال كانت إن صحّت هذه الرواية فمن المؤكد أن رحلته هذه إلى اليمن كانت قبل رحلته إلى حلب حيث سكنها، وعاش في كنف سيف الدولة بها، وهناك انتشر علمه. «3» ويزيد «الإنباه» أنه تصدّر أيضا (بميّافارقين) و (حمص) للإفادة والتصنيف «4» وأخيرا استقر به المقام في (حلب) حيث وافاه الأجل المحتوم في سنة سبعين وثلاثمائة. حياته الاجتماعية - فيما يبدو أن ابن خالويه كانت معيشته ضنكا، فقد كان يجري وراء المال ليسدّ العوز، ويبعد الفاقة، يدل على ذلك قوله لسيف الدولة حينما سأل جماعة في مجلسه؛ هل تعرفون اسما ممدودا، وجمعه مقصور؟ فقالوا: لا. فقال ابن خالويه: أنا أعرف اسمين لا أقولهما إلّا بألف درهم لئلا يؤخذا بلا شكر. «5» ويدل على ذلك أيضا قوله: وكم قائل ما لي رأيتك راجلا ... فقلت له من أجل أنك فارس

_ (1) الأترج: بضمّ الهمزة، وتشديد الجيم: فاكهة معروفة، الواحدة: «أترجّة». (2) الإنباه: 1 - 326. (3) البغية 1 - 529. (4) الإنباه: 1 - 325 (5) البغية 1 - 530.

معاصروه:

وقوله: الجود طبعي، ولكن ليس لي مال ... فكيف يبذل من بالقرض يحتال فهاك حظي فخذه اليوم تذكرة ... إلى اتساعي فلي في الغيب آمال «1» معاصروه: 1 - أبو علي الفارسي: في عصر ابن خالويه ظهر رجل له شهرته، ومكانته في النحو واللغة والقراءات، ذلك هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان الفارسي. كان الفارسي من أكابر أئمة النحو، وشغل الناس بآرائه في القياس والعلّة والمنطق والجدل حتى فضله كثير من النحويين على أبي العباس المبرد. وقال فيه أبو طالب العبدي: ما كان بين سيبويه وأبي علي أفضل منه «2». هذه المنزلة التي وصل إليها أبو علي في النحو جعلت عضد الدولة يقول: أنا غلام أبي علي في النحو. «3» وكانت المنافسة بين ابن خالويه وأبي علي الفارسي على أشدّها. فقد كتب أبو علي كتابه «الإغفال»، وذكر فيه ما أغفله شيخه أبو إسحاق الزجاج في كتابه: «معاني القرآن»، ولكن هذا النقد الذي وجهه أبو علي إلى أستاذه الزّجاج في (الإغفال) لم يرض ابن خالويه، فتعقبه فيما كتب. وعقب على تعقيبه أبو على في كتاب سماه «نقض الهاذور» وبسط الكلام فيه كل البسط. وقد أورد البغدادي في «خزانته» طائفة من المسائل التي كانت موضع نقاش بين أبي علي وابن خالويه، أذكر منها على سبيل المثال قول ابن خالويه: «إن الواو إذا كانت في أوائل القصائد نحو: وقاتم الأعماق ... فإنها تدل على ربّ فقط، ولا تكون للعطف، لأنه لم يتقدم ما يعطف عليه بالواو. وقال الفارسي في «نقض الهاذور»: هذا شيء لم نعلم أحدا ممّن حكينا قوله ذهب إليه، ولا قال به» «4».

_ (1) البغية 1 - 530 (2) نزهة الألباء: 208 (3) معجم الأدباء 7 - 234 (4) خزانة الأدب: 1 - 39.

وقال ابن الأنباري في (نزهة الألباء): إنه اجتمع هو وأبو علي الفارسي فجرى بينهما كلام، فقال لأبي علي: نتكلّم في كتاب سيبويه، فقال له أبو عليّ: بل نتكلم في الفصيح. ويحكى أنه قال لأبي علي: كم للسيف اسما؟ قال: اسم واحد، فقال له ابن خالويه: بل أسماء كثيرة، وأخذ يعدّدها نحو: الحسام، والمخذم، والقضيب ... فقال أبو علي: هذه كلها صفات. «1» ولم تكن منافسة ابن خالويه لأبي علي إلّا صدى لمنافسة أستاذه أبي سعيد السيرافي لأبي علي الفارسي، فقد كان أبو علي- كما يقول أبو حيان التوحيدي- «متقدا بالغيظ على أبي سعيد وبالحسد له، كيف تمّ له تفسير كتاب سيبويه من أوّله إلى آخره، بغريبه، وأمثاله، وشواهده، وأبياته، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لأن هذا شيء ما تمّ للمبرد، ولا للزجاج، ولا لابن السراج، ولا لابن درستويه مع سعة علمهم، وفيض كلامهم» «2». ولمنزلة أبي سعيد السّيرافي في نفس تلميذه ابن خالويه أرسل إلى سيف الدولة ليعلمه تطاول الفارسيّ على السّيرافيّ، وهو تطاول غير محمود، لأن منزلة السّيرافي وبخاصة بعد هزيمة (متّى) المنطقي نسجت حوله ثوبا من القدسية والمهابة، فلا يليق بأبي علي أو غيره، أن ينال من هذه الشخصية التي أعلت لغة العرب، وذلّلت مصاعب كتاب سيبويه. ولم يسكت الفارسي حينما علم خبر هذه الرقعة- فأرسل إلى سيف الدولة رقعة ينفي فيها عن نفسه التهمة، ويزيل اللّبس. ومن العبارات التي ضمتها رسالة الفارسي قوله: «من ذلك بعض ما يدل على قلة تحفظ هذا الرجل- يعني بذلك ابن خالويه فيما يقوله- هو قوله: لو يبقى عمر نوح ما صلح أن يقرأ على السّيرافي مع علمه بأن (ابن بهراذ) السّيرافي يقرأ عليه الصبيان ومعلموهم، أفلا أصلح أن أقرأ على من يقرأ عليه الصبيان؟ هذا، مما لا خفاء فيه، كيف، وقد خلط فيما حكاه عنّي؟. وأني قلت: إنّ السيرافي قد قرأ عليّ. ولم أقل هذا، إنما قلت: تعلّم مني، أو أخذ منّي هو أو غيره ممّن ينظر اليوم في شيء من هذا العلم. وليس قول القائل: تعلّم منّي مثل قرأ عليّ، لأنه يقرأ عليه من لا يتعلّم منه، وقد يتعلّم منه من لا يقرأ عليه. وتعلّم ابن بهراذ السيرافي منّي في أيام محمد بن السّري وبعده

_ (1) نزهة الألباء: 208. (2) الإمتاع والمؤانسة: 131.

لا يخفى على من كان يعرفني ويعرفه كعليّ بن الورّاق، ومحمد بن أحمد بن يونس، ومن كان يطلب هذا الشأن من بني الأزرق الكتّاب وغيرهم. وكذلك كثير من الفرس الذين كانوا يرونه يغشاني في (صف شوينز) كعبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، لأنه كان جاري بيت بيت قبل أن يموت الحسن بن جعفر أخوه، فينتقل إلى داره التي ورثها عنه في درب الزعفراني» «1». وإنّي حرصت على تسجيل هذا الجزء من هذه الرسالة، ليكون مثالا واضحا يدلّ على مدى التّنافس الكبير الذي كان بين الرجلين، ليظفر كلّ منهما بقلب سيف الدولة من ناحية، وازدهار هذا العصر في مجالات اللغة والنحو من ناحية أخرى. 2 - المتنبي: لم يكن أبو الطّيّب أحمد بن الحسين الجعفي شاعرا يملأ الدنيا بأشعاره، وتسمع كلماته من به صمم فحسب، بل كان لغويا نحويّا متضلّعا، يدلّ على ذلك أن أبا الطيب «اجتمع هو وأبو علي الفارسيّ، فقال له أبو علي: كم جاء من الجمع على وزن فعلي؟ (بكسر الفاء) فقال المتنبي: حجلى وظربى، جمع: حجل وظربان. قال أبو علي: فسهرت تلك الليلة ألتمس لهما ثالثا فلم أجد. وقال في حقه: ما رأيت رجلا في معناه مثله» «2». اتصل المتني بسيف الدولة يمدحه، ويكثر من المدح فيه، وكانت بينه وبين ابن خالويه في مجلس سيف الدولة مناقشات توضح مدى التنافس بين الرجلين. يحكى أنه لما أنشد سيف الدولة بن حمدان قوله في مطلع بعض قصائده: وفاؤكما كالزبع أشجاه طاسمه. كان هناك ابن خالويه، فقال له: يا أبا الطيّب: إنما يقال: شجاه- توهّمه فعلا ماضيا- فقال أبو الطيّب: اسكت فما وصل الأمر إليك. «3» وقال له ابن خالويه النحوي يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن أخي جاهل لما رضي أن يدعي بالمتنبي، لأن معنى المتنبي. كاذب، ومن رضي أن يدعي بالكذب فهو جاهل فقال: لست أرضى أن أدعي بذلك، وإنما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على المنع. «4»

_ (1) المسائل الحلبية: لأبي علي الفارسي، ورقة 114، مخطوط رقم 266 نحو. تيمور. (2) نزهة الألباء: 201. (3) نزهة الألباء: 201. (4) نزهة الألباء: 200.

وذكر الرئيس أبو الحسن محمد بن علي بن نصر الكاتب في كتاب: «المفاوضة»: حدثني أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغاء قال: وأذكر ليلة، وقد استدعي سيف الدولة بدرة، فشقها بسكين الدواة، فمدّ ابن خالويه جانب طيلسانه، وكان صوفا أزرق فحثا فيه سيف الدولة شيئا صالحا، ومددت ذيل درّاعتي وكانت ديباجا، فحثا إليّ فيها، وأبو الطيّب حاضر، وسيف الدولة ينتظر منه أن يفعل مثل فعلنا، أو يطلب شيئا منها، فما فعل، فغاظه ذلك، فنثرها كلها، فلما رأى المتنبي أنها قد فاتته زاحم الغلمان يلتقط معهم، فغمزهم عليه سيف الدولة، فداسوه وركبوه، وصارت عمامته وطرطوره في عنقه، واستحيا، ومضت له ليلة عظيمة، وانصرف. وخاطب أبو عبد الله بن خالويه سيف الدولة في ذلك، فقال: ما يتعاظم تلك العظمة، ويتضع إلى مثل هذه المنزلة إلّا لحماقته. «1» 3 - ابن جنّي: أبو الفتح عثمان بن جنّى النحوي من معاصري ابن خالويه، فقد توفي ابن جنى سنة 392 هـ.، على حين توفي ابن خالويه 370 هـ. «2» وقد تتلمذ ابن جنى على أبي علي الفارسيّ، وصحبه أربعين سنة. وكان سبب صحبته إياه أن أبا علي الفارسي سافر إلى (الموصل)، فدخل الجامع، فوجد أبا الفتح عثمان بن جنى يقرأ النحو، وهو شاب، وكان بين يديه متعلّم، وهو يكلّمه في قلب الواو ألفا، نحو: قام، وقال، فاعترض عليه أبو علي فوجده مقصّرا، فقال له أبو علي: زبّبت قبل أن تحصرم، ثم قام أبو علي ولم يعرفه ابن جني، وسأل عنه، فقيل له: هو أبو علي الفارسي النحوي فأخذ في طلبه، وصاحبه إلى أن مات أبو علي وخلفه ابن جنّى ودرس النحو ببغداد بعده، وأخذ عنه. «3» والذي يعنيني من هذه المعاصرة أن ابن جنّي تتلمذ على أبي علي الفارسي، وأن ابن خالويه تتلمذ على أبي سعيد السيرافي. والشيخان رأسان في عصرهما، عاشا في مجال النحو واللغة يبدعان ما شاء لهما الإبداع، ولكنهما افترقا في المنهج والطريقة. وقد أثرت هذه التفرقة في نفس تلميذيهما، فسارا على الدرب، وسلكا نفس المنهج. فالفارسي وتلميذه

_ (1) إنباه الرواة: 1 - 327. (2) نزهة الألباء: 222. (3) نزهة الألباء: 221.

مكانته اللغوية والنحوية:

يكثران من المنطق والعلة. وأبو سعيد وتلميذه لا يحفلان بأهمية المنطق، ولا يعيران التعليل النحوي هذا الاهتمام البالغ، وإنما يحفلان بالرواية، والأثر، والسماع، وما نقل عن العرب يدلّ على ذلك قول بعض الأدباء في رءوس النحو الثلاثة الفارسي، والرمّاني، والسيرافي: «كنّا نحضر عند ثلاثة مشايخ من النحويين، فمنهم من لا نفهم من كلامه شيئا، ومنهم من نفهم بعض كلامه دون البعض، ومنهم من نفهم جميع كلامه، فأمّا من لا نفهم من كلامه شيئا، فأبو الحسن الرمّاني، وأمّا من نفهم بعض كلامه دون البعض فأبو علي الفارسيّ، وأمّا من نفهم جميع كلامه فأبو سعيد السّيرافيّ» «1». هذا، وقد كان بلاط سيف الدولة يشهد في كل المجالس العلميّة والأدبيّة التي تعقد فيه مناظرات عديدة بين الفارسيّ وابن خالويه من ناحية، وبين ابن خالويه والمتنبي من ناحية أخرى ... وكان ابن جنى يشهد هذه المجالس، وتوثقت صلته بالمتنبي حتى قال فيه المتنبي: «هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس»، وهذا التقدير الأدبي من جانب المتنبي جعل ابن جنى يشرح ديوانه شرحا كما يقول المرحوم الأستاذ أحمد أمين: «استفاد منه كلّ من شرح الديوان بعده لاتصاله بالمتنبي، ومعرفته بظروف شعره التي كثيرا ما تحدّد المعنى، وتمنع التأويلات». «2» وكما توثقت الصلة بين ابن جنّى العالم النحوي وبين المتنبي الشاعر، كذلك توثقت الصلة بين ابن خالويه العالم النحوي وبين الشاعر أبي فراس الحمداني الذي كان الرواية الوحيد لشعره وديوانه. وقد صوّر هذه المنافسة المرحوم أحمد أمين حيث قال ما نصه: «فكان في القصر- يقصد قصر سيف الدولة- حزبان، حزب للمتنبي منه ابن جنّى النحوي، وحزب عليه، منه ابن خالويه اللغوي وأبو فراس الشاعر» «3». مكانته اللغوية والنحوية: ابن خالويه كانت له قدم راسخة في الدراسات اللغوية، فقد تتلمذ على ابن دريد- كما ذكرنا- وابن دريد له في اللغة كتاب «الجمهرة» وهو كتاب ثمين عرف قيمته أولو العلم، ورجالات الأدب منذ تأليفه، فأبو علي القالي كان يملك نسخة من «الجمهرة» بخط مؤلفها، وكان قد أعطى بها ثلاثمائة مثقال فأبى، فاشتدت

_ (1) نزهة الألباء: 211. (2) ظهر الإسلام: 1 - 186. (3) ظهر الإسلام: 1 - 186.

به الحاجة فباعها بأربعين مثقالا وكتب عليها هذه الأبيات: أنست بها عشرين عاما وبعتها ... وقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظني أنّني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني ولكن لعجز وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهلّ شئوني فقلت: ولم أملك سوى عبرتي ... مقالة مكوىّ الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم رب بهنّ ضنين قال: فأرسلها الذي اشتراها، وأرسل معها أربعين دينارا أخرى. «1» وابن خالويه كان راويا لهذه الجمهرة. وقد كتب عليها حواشي من استدراكه على مواضع منها، ونبه على بعض أوهام وتصحيفات. «2» ولمكانة ابن خالويه اللغوية ردّ على ابن دريد، ونقده في مسائل عديدة من جمهرته. فمثلا: يقول السيوطي: ليس في الكلام كلمة صدّرت بثلاث واوات إلّا أوّل. قال في الجمهرة: هو فوعل ليس له فعل، والأصل: وولّ قلبت الواو الأولى همزة، وادغمت إحدى الواوين في الأخرى، فقالوا: أوّل. وقال ابن خالويه: الصّواب: أن أوّل: أفعل بدليل صحبة (من) إيّاه، تقول: «أول من كذا» «3». ومما يدل على اتساعه في حفظ اللغة ردّه على ابن دريد حينما قال في جمهرته: لم يجيء في الكلام فعل فعلا إلّا حرفان: حنق حنقا، وضرط ضرطا. قال ابن خالويه: وحكى الفرّاء: حلف حلفا، وحبق حبقا، وسرق سرقا، ورضع رضعا. «4» ولابن خالويه حسّ مرهف في إدراك أسرار اللغة وتذوّقه لها: قال السيوطي: لم يأت اسم المفعول من أفعل على فاعل إلّا في حرف واحد، وهو قول العرب: أسمت الماشية في المرعى، فهي سائمة، ولم يقولوا مسامة، قال تعالى:

_ (1) المزهر: 1 - 95. (2) المزهر: 1 - 95. (3) المزهر: 1 - 60. (4) المزهر: 2 - 75.

«فِيهِ تُسِيمُونَ» «1»: من أسام يسيم. قال ابن خالويه: أحسب المراد: أسمتها أنا، فسامت هي، فهي سائمة، كما تقول: أدخلته الدار فدخل، فهو داخل. «2» وابن خالويه محيط بمعظم كلام العرب، حافظ له. قال في كتاب «ليس»: قلت لسيف الدولة بن حمدان: قد استخرجت فضيلة ل (حمدان) جدّ سيدنا لم أسبق إليها، وذلك أن النحويين زعموا أنه ليس في الكلام مثل: رحيم وراحم، ورحمان، إلّا نديم، ونادم، وندمان. وسليم، وسالم، وسلمان، فقلت: فكذلك: حميد، وحامد، وحمدان. «3» ويؤمن بلغة الأعراب، يستشهد بها في مواطن الاستشهاد قال في شرح «الدريدية»: كل اسم على فعيل ثانية حرف حلق يجوز فيه اتباع الفاء العين نحو بعير، شعير، رغيف، رحيم. أخبرنا ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي أن شيخا من الأعراب سأل الناس، فقال: ارحموا شيخا ضعيفا. «4» والأمثلة عديدة على مكانته اللغوية اكتفى بما ذكرت منها حبّا في الإيجاز. والسؤال الذي يقال هنا إنّ لابن خالويه أثارا لغوية تشهد بفضله، وتشير إلى قدره، وهي آثار لا تنكر، لأنها واقع ملموس، فهل كان ابن خالويه في النحو كاللغة .. ؟ في رأيي أن ابن الأنباري ظلم ابن خالويه حينما قال عنه في مجال النحو: «ولم يكن في النحو بذاك» «5» لأن ابن خالويه له آراء في النحو لا تقل عن آرائه في اللغة كما يبدو لنا ذلك عند دراستنا لكتاب الحجّة. ولعل السبب في عدم اشتهار ابن خالويه بالنحو هو أنه كان يؤمن بأن اللغة تؤخذ سماعا، لا قياسا، والتأليف النحوي- كما جرت به عادة النحاة- يدور حول العلّة والمعلول، والقياس والمنطق، ومن أجل ذلك لم يؤلف كتبا عديدة في النحو، أو في أصوله كما فعل الفارسي وتلميذه ابن جنى، ولكنه مع هذا كان معلّما نحويا ولغويا، وقد سجّل له الرواة هذه الحقيقة فقالوا: «كان إماما أحد أفراد الدهر في كل قسم من أقسام العلم والأدب، وكان إليه الرحلة من الآفاق، وكان آل حمدان يكرمونه» «6».

_ (1) النحل: 10. (2) المزهر: 2 - 88. (3) المزهر: 2 - 90. (4) المزهر: 2 - 90. (5) نزهة الألباء: 208 (6) إنباه الرواة: 1 - 326.

عقيدته:

عقيدته: يذكر سالم الكرنوكي وهو مستشرق، حقق كتاب «إعراب ثلاثين سورة»: أن ابن أبي طيّ: قال عنه: «كان إماميّا عالما بالمذهب» على حين يرى الذهبى في تاريخه: أنه كان صاحب سنّة، وابن حجر يؤيد تشيعه ويقول: «كان صاحب سنّة في الظاهر فقط ليتقرّب إلى سيف الدولة الحمداني» «1». وفي رأي سالم الكرنوكي أنه إماميّ لأنه ألف كتاب «الإمامة». وفي هذا الكتاب تظهر روح تشيّعه واضحة جليّة؛ ذلك لأنه ذكر في كتابه أشياء لا يقولها أهل السنة. وفي رأيي أن ابن خالويه لو كان إماميا لاشتهر أمره، وفضحه أعداؤه ومنافسوه في وقت كانت تعدّ فيه الهفوات. ولو كان المتنبي يحس بأنه إماميّ لهجاه، وأظهر عواره لسيف الدولة السني، ليبعده من بلاطه، ويطرده من بلاده. ولو كان ابن خالويه إماميا لما سكت عنه أبو علي الفارسي في رسائله التي كان يبعث بها إلى سيف الدولة مدافعا عن التهم التي كان يوجهها إليه ابن خالويه. ولو كان ابن خالويه إماميا لما تعبّد على المذهب الشافعي، لأن الشافعي سنّي، وقد ذكره السبكي في طبقات الشافعية. وليس تأليفه لكتاب «الإمامية» يجعله إماميّا، فالرجل مولع بالثقافة الواسعة، وبالتأليف في مجالاتها المختلفة. ومن ثم ألّف كتابه ليدل على أنه ملمّ بأحداث عصره وبتاريخ مجتمعه. إنتاجه العلمي: السيوطي في «البغية» ينصّ على أنّ من تصانيفه: الجمل في النحو- الاشتقاق- اطرغش- القراءات- إعراب ثلاثين سورة- شرح الدريدية- المقصور والممدود- الألفات- المذكر والمؤنث- كتاب ليس- كتاب اشتقاق خالويه- البديع في القراءات «2». ويزيد كتاب الإنباه على البغية ما يأتي: كتاب الأسد- تقفية ما اختلف لفظه واتفق معناه لليزيدي- المبتدأ في النحو- تذكرته، وهو: مجموع ملكته بخطه. «3» ومعجم الأدباء يزيد على ما ذكر:

_ (1) انظر: مقدمة كتاب: «إعراب ثلاثين سورة». (2) البغية 1 - 530. (3) الإنباه: 1 - 325.

كتاب الآل: ذكر في أوّله أن الآل ينقسم إلى خمسة وعشرين قسما، وذكر فيه الأئمة الاثني عشر ومواليدهم ووفياتهم، وغير ذلك. «1» «وغاية النهاية» يزيد ما يأتي: حواشي البديع في القراءات- كتاب مجدول في القراءات ألفه لعضد الدولة «2». ومن قراءاتي في مجال دراسة ابن خالويه أزيد على هؤلاء الرواة ما يأتي: 1 - كتاب الريح: وهو مخطوط، يتكون من ثلاث ورقات. مخطوط رقم 5252 هـ- دار الكتب المصرية. أوله: قال الشيخ أبو عبد الله الحسين بن خالويه النحوي: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمّد وآله، وصحبه أجمعين، وبعد، فإن الريح اسم مؤنثة .. الخ. 2 - كتاب أسماء الله الحسني: فقد نص في كتابه: «إعراب ثلاثين سورة»: أن له كتابا في أسماء الله الحسنى، وقد قال في ذلك ما نصه: «وقد صنفتها في كتاب مفرد، واشتقاق كل اسم منها ومعناه» «3». 3 - رسالة في قوله: ربنا لك الحمد ملء السموات إلى آخره، وقد أشار إلى هذه الرسالة الشيخ محي الدين يحيى النووي في كتابه: (تصحيح التنبيه في الفقه على مذهب الإمام الشافعي) للشيخ أبي إسحاق الشيرازي. وقال ما نصه قوله: ربنا لك الحمد ملء السموات، يجوز «ملء» بالنصب والرفع، والنصب أشهر. وممّن حكاها ابن خالويه، وصنف في المسألة. «4» 4 - شرح ديوان ابن الحائك حيث عني بغريبه وإعرابه. «5» 5 - كتاب مختصر في شواذ القراءات من كتاب «البديع» عني بنشره المستشرق ج. برجستراسر وطبع بالمطبعة الرحمانية بمصر 1934. 6 - كتاب الشجر: وينفي نسبة الكتاب إليه المستشرق ج. برجستراسر فيقول: «ليس مصنّفه، بل الحقيقة مصنف اللغوي أبي زيد صاحب كتاب: «النوادر في اللغة» «6»

_ (1) معجم الأدباء 9 - 204. (2) غاية النهاية: 1 - 237. (3) إعراب ثلاثين سورة 14. (4) مقدمة التنبيه في الفقه على مذهب الإمام الشافعي. (5) انظر ص 7 من المقدمة (6) مقدمة مختصر شواذ القراءات 6.

7 - العشرات في اللغات: أي اللغات التي لها عشر معان وهو مخطوط بمكتبة مجيد موقر بطهران، ونسخ سنة 760 هـ. «1» 8 - كتاب الهاذور الذي ردّ فيه على أبي علي الفارسي حينما ألف كتاب «الإغفال» ليردّ على شيخه أبي إسحاق الزجاج. «2» 9 - شرح ديوان أبي فراس الحمداني: وقد جاء في مقدمة شرحه للديوان ما نصه: قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه: من حلّ من الشرف السامي، والفضل والكرم الذائع، والأدب البارع، والشجاعة المشهورة، والسماحة المأثورة، أبو فراس: الحارث بن سعيد بن حمدون بن الحارث العدوي. كان سيف الدولة ... مثقفه ومتبنيه ... وما زال يعاملني بالمحبّة ... يلقي إليّ شعره دون الناس، ويحظر على نشره حتى سبقتني وإياه الركبان، فحملت منه ما ألقاه إليّ وشرحته مما أرجو أن يقرنه الله عز وجل بالصواب والرشاد. «3» وليس لابن خالويه عمل في هذا الديوان غير روايته، وبيان المناسبات المختلفة للقصائد التي احتواها الديوان. هذا، وقد قام الدكتور سامي الدهان بنشر الديوان وتحقيقه في جزءين 1944 م وطبع في بيروت. 10 - كتاب شرح فصيح ثعلب، نقل عنه السيوطي في المزهر. «4» وبعد، فإن هذا التراث الضخم الذي تركه ابن خالويه من ورائه يشهد بقدرته الفائقة، وثقافته الواسعة، ومكانته السامية في عصره، وفيما بعد عصره إلى يومنا هذا. ولم يبق من هذا التراث غير القليل الذي دلّنا على نبوغ هذا الرجل، ومكانته في حقل النحو واللغة.

_ (1) انظر: مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد الثالث 2: 13. (2) خزانة الأدب: 1 - 352. (3) مقدمة شرح ديوان أبي فراس الحمداني. (4) المزهر: 1 - 213، وغيرها.

كتاب الحجة توثيقه - منهجه

كتاب الحجّة توثيقه- منهجه توثيقه: كان من مراجعي في إعداد رسالة الدكتوراة: «القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية» كتاب الحجة لابن خالويه. قرأته، فراعني فيه أسلوبه الجذل، وعبارته المختارة، وعرضه للقراءات في ضوء النحو واللغة عرضا جذّابا، لا يبعد القارئ عنه، ولا يجعل الملل يتسرّب إلى نفسه، يعطيك النتيجة في صراحة ووضوح من غير أن يجهد نفسك، أو يتعب عقلك، من غير استطراد ينسيك موضوع الحديث كما فعل الفارسي في حجّته. لهذا، صمّم عزمي على أن أحقق هذا الكتاب بعد انتهائي من رسالة الدكتوراة، لما فيه من النفع الكبير، والخير العميم. وها أنا ذا أحقّق رغبتي في تحقيقه، وأفي بالدين الذي حملته على عاتقي منذ أن عشت في هذا الكتاب أثناء دراستي للدكتوراه. واقتضى منهج التحقيق أن أوثق هذا الكتاب، لأتأكّد من نسبته إلى ابن خالويه، لأن هناك سحبا من الشك في نفوس بعض المعاصرين من حيث نسبة هذا الكتاب إلى ابن خالويه. ودليلهم أنه لم يرد في كتب الطبقات أنّ لابن خالويه كتابا يسمّى كتاب «الحجّة»، وإن ذكرت أن له كتبا في القراءات حملت أسماء مختلفة، ولم يحمل واحد منها اسم الحجّة. وبعد جهد استغرق ما يقرب من عامين في دراسة هذا الكتاب ودراسة مؤلفات ابن خالويه استطعت أن أصدر حكمي في ثقة لا تعرف التردّد، وبإيمان لا يعرف الشك أن هذا الكتاب نسبته إلى ابن خالويه صحيحة، وإليك الدليل: 1 - تلمذة ابن خالويه لأستاذه ابن مجاهد فرضت عليه أن يحيا في الدراسة القرآنية، ويتمكن منها، ويلمّ بالقراءات، ويدافع عنها، وابن مجاهد- كما قدّمت سابقا- أول من سبّع السبعة وكان إليه المرجع في فن القراءات كما يقول ابن الجزري «1»، وابن مجاهد حينما سبّع السبعة، وألف كتابه القراءات السبع شرحه أبو علي الفارسي وسمّي بالحجة. ثم اختصرها أبو محمد مكّي بن أبي طالب المصري المتوفى 437 هـ. ثم اختصر هذا الشرح أبو طاهر إسماعيل بن خلف الأندلسي المتوفي 455 هـ. «2».

_ (1) غاية النهاية 1 - 142. (2) كشف الظنون م 2 نهر 1448.

فإذا كان أبو علي الفارسي يشرح القراءات السبع لابن مجاهد فليس بدعا أن يتولى هذا الشرح أيضا تلميذه ابن خالويه لأنه ابن عصره، ألّف في معظم فروع المعرفة السائدة فيه. وقدّم لنا إنتاجا ضخما تحدثت عنه فيما سبق. ومن أهمّ الفروع التي كانت تشغل أذهان العلماء إذ ذاك علم القراءات، والاحتجاج بها في مجالي اللغة والنحو. وقد أسهم في هذا الاحتجاج بالتأليف في عصر ابن خالويه محمد بن الحسن الأنصاري المتوفي 351 هـ. حيث ألف كتاب السبعة بعللها الكبير «1». وأبو محمد بن الحسن بن مقسم العطار المتوفي 362 هـ. حيث ألف كتاب احتجاج القراءات، وكتاب السبعة بعللها الكبير، وكتاب السبعة الأوسط، وكتاب السبعة الأصغر «2». هذا فضلا عن تأليف أبي علي للحجة كما قدمت، وابن جني للمحتسب في القراءات الشاذة. ومن أجل ذلك ألف ابن خالويه كتابه الحجة في القراءات السبع ليدلي بدلوه بين الدّلاء، وليسهم في هذا العلم الذي شغل أذهان العلماء في عصره. وكل الذين ترجموا لابن خالويه أكدوا أنّ له كتبا في القراءات: كتاب البديع- كتاب مختصر شواذ القراءات- كتاب مجدول في القراءات ألفه لعضد الدولة، كما نصّ على ذلك ابن الأثير في «غاية النهاية» «3»: وقد أشار ابن خالويه إلى أن له كتابا في القراءات فيقول في كتابه «إعراب ثلاثين سورة» عند تعرضه للقراءات في قوله تعالى: «أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» «4»: «أجمع القرّاء على كسر الهاء في التثنية إذا قلت: عليهما. قال الله عز وجل: يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا «5» إلّا يعقوب الحضرمي، فإنه ضمّ الهاء في التثنية، كما ضمّها في الجمع وقد ذكرت علّة ذلك في كتاب القراءات» «6». وفي كتابه الحجّة تجد هنا التعليل الذي أشار إليه «7». والسؤال الذي يقال هنا: لم لم يشتهر

_ (1) الفهرست: 433. (2) الفهرست: 33. (3) غاية النهاية 1 - 237 (4) الفاتحة: 7. (5) المائدة: 23. (6) إعراب ثلاثين سورة: 32. (7) انظر: الحجة: 63.

ابن خالويه بالحجة؟ ولم لم يذكر في كتب الرواة على حين ذكروا أن له كتبا في القراءات؟ أقول: قد يرجع ذلك إلى أن الكتاب في القراءات فاستغنوا بذكرها عن كلمة: «الحجّة»، مع أن تسمية الكتاب بالحجّة تسمية لا غبار عليها، فهو في الاحتجاج بالقراءات، ودائما في كل مسألة يكرّر هذه العبارة: والحجة لمن قرأ الخ. هذا تعليل، وتعليل آخر، وهو أن حجة أبي علي الفارسي غطت شهرتها على حجة ابن خالويه، فاحتفظوا للفارسي بهذه التسمية لإيمانهم بأقسيته، وعللها واكتفوا بذكر القراءات لابن خالويه. 2 - وما لي أذهب بعيدا. وقد قدمت في إنتاجه العلمي، أن لابن خالويه كتبا عديدة لم ترد في كتب الطبقات التي بين أيدينا، ككتاب معجم الأدباء، والإنباه، والبغية، مع أن ابن خالويه أشار إلى بعضها كإشارته إلى أن له كتابا في أسماء الله الحسنى، وذلك في كتابه «إعراب ثلاثين سورة» «1». 3 - التسمية بالحجّة من عمل المتأخرين: ولعل التسمية بالحجة جاءت متأخرة عن تأليف كتاب الحجة، وحتى كتاب الحجة للفارسي لم يقدمه أبو علي لعضد الدولة باسم الحجة، وإنما قدّمه بهذه العبارة: «فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد» «2». وابن خالويه لم يشر في مقدمته إلى هذه التسمية، وإن أشار إلى أن كتابه في الاحتجاج. يقول: «إنّي تدبّرت قراءة الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة المعروفين بصحة النقل، وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية ... إلى أن يقول: وأنا بعون الله ذاكر من كتابي هذا ما احتجّ به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم» «3». ولما كان كتاب أبي عليّ في الاحتجاج سمّي بالحجة. وكذلك كانت أنسب تسمية لكتاب ابن خالويه هي «الحجة» لأنه في الاحتجاج من ناحية، ولأن عبارته في المقدّمة تستوجب هذه التسمية من ناحية أخرى.

_ (1) انظر ص 19 (2) مقدمة الحجة للفارسي، نسخة مصورة رقم 462 - قراءات دار الكتب. (3) مقدمة الحجة لابن خالويه: 62

4 - التنافس العلمي في عصر ابن خالويه يفرض عليه أن يؤلف كتاب الحجة في القراءات، فقد كان ابن خالويه منافسا للفارسي وابن جني، فلما ألف الفارسي الحجّة ألف ابن خالويه الحجة، ولما ألف ابن جني المحتسب في القراءات الشاذة ألف ابن خالويه كتابه في شواذ القراءات. وطبيعة هذا العصر تقتضي هذا التنافس العلمي في التأليف وفي موضوع بعينه في كثير من الأحيان. والدليل على ذلك أن أبا بكر محمد بن الحسن بن مقسم ألف كتاب السبعة بعللها الكبير- وكتاب السبعة الأوسط- وكتاب السبعة الأصغر، كذلك ألف محمد بن الحسن الأنصاري في نفس الموضوع حيث ألف كتاب السبعة بعللها الكبير، وكتاب السبعة الأوسط، وكتاب السعة الأصغر «1». وإذا كان الفارسي يقدّم كتاب الحجة لعضد الدولة حيث يقول في المقدمة: أما بعد- أطال الله بقاء مولانا الملك السيد الأجلّ المنصور، ولى النعم عضد الدولة، وتاج الملّة، إلى أن يقول: فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد ... «2». أقول: إذا كان الفارسي يقدم كتابه الحجة لعضد الدولة فابن خالويه يقدّم له أيضا كتابا مجدولا في القراءات. «3» 5 - ومن أوضح أدلّة التوثيق لهذا الكتاب، ونسبته إلى ابن خالويه تشابه أسلوبه ومنهجه مع مؤلفات ابن خالويه الأخرى، ويتمثل هذا التشابه في عدة ظواهر قلما تتخلف أجملها فيما يأتي: أ- الإيجاز والاختصار فهو في مقدّمة الحجة يقول: «وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم، وتارك ذكر اجتماعهم وائتلافهم ... إلى أن يقول: «جامعا ذلك بلفظ بين جزل، ومقال واضح سهل، ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده «4».

_ (1) الفهرست: 32، 33. (2) الحجة لأبي علي الفارسي: ص: 3 نسخة مصوّرة رقم 462 - قراءات دار الكتب. (3) غاية النهاية: 1 - 237. (4) الحجة: 1.

وفي كتابه: (إعراب ثلاثين سورة) يؤكد هذه الظاهرة فيقول: «إني قد تحريت في هذا الكتاب الاختصار والإيجاز ما وجدت إليه سبيلا ليعم الانتفاع به، ويسهل حفظه على من أراده» «1». ب- ومن الظواهر: إذا تحدّث عن مسألة، وحرّر القول فيها، ثم عرضت مسألة أخرى تشبهها لا يعيد القول فيها، وإنما يحيل إليه. وهذه الظاهرة واضحة في الحجة، وفي كتابه «القراءات» المخطوط بالجامعة العربية، وفي «إعراب ثلاثين سورة». ج- الإكثار في هذه الكتب من النقل عن ابن مجاهد وابن الأنباري، وغيرهما من الأعلام الذين سبقوه. 6 - ومن أدلة التوثيق أن الأعلام الذين سجلهم ابن خالويه في كتابه كانوا أسبق منه زمنا مما يدل على أن الكتاب نسبته إليه أصيلة. 7 - ومن الأدلة تقارب بعض النصوص في مؤلفات ابن خالويه مع بعض نصوص الحجة، ولا أبالغ إذا قلت: إن هناك نصوصا بأسلوبها وكلماتها في هذه المؤلفات هي بعينها في كتاب الحجة، وإليك الدليل: من كتاب القراءات: أ- ففي كتاب القراءات المخطوط بالجامعة العربية رقم 52 قراءات، والمنسوب إلى ابن خالويه ورد ما نصه: «أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ» «2» قرأ ابن عامر: «أأذهبتم» بهمزتين: الأولى ألف توبيخ بلفظ الاستفهام، ولا يكون في القرآن استفهام، لأن الاستفهام استعلام ما لا يعلم، والله تعالى يعلم الأشياء قبل كونها. فإذا ورد عليك لفظ من ذلك فلا يخلو من أن يكون توبيخا، أو تقريرا أو تعجّبا، أو تسوية، أو إيجابا، أو أمرا. فالتوبيخ: «أأذهبتم»، والتقرير: «أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ». والتعجب: «مَا الْقارِعَةُ» «مَا الْحَاقَّةُ؟» و «كَيْفَ تَكْفُرُونَ؟» والتسوية: «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ»، والإيجاب: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها» والأمر: «أَأَسْلَمْتُمْ». معناه: أسلموا «3».

_ (1) إعراب ثلاثين سورة: 14. (2) الأحقاف: 20. (3) القراءات: نسخة مصورة ميكروفيلم رقم 52 قراءات: الجامعة العربية.

وهذا النص مذكور في الحجة على الوجه التالي: «أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ». «وكل لفظ استفهام ورد في كتاب الله عز وجل فلا يخلو من أحد ستة اوجه: إما أن يكون توبيخا أو تقريرا أو تعجبا أو تسوية أو إيجابا أو أمرا؛ فأما استفهام صريح فلا يقع من الله تعالى في القرآن لأن المستفهم مستعلم ما ليس عنده ... والله عالم بالأشياء قبل كونها. فالتوبيخ: «أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ». والتقرير: «أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ». والتعجب: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ». والتسوية: «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ». والإيجاب: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها». والأمر: «أَأَسْلَمْتُمْ». فعلى هذا يجري ما في كتاب الله فاعرف مواضعه» «1». ب- «فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ «2»»: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «نحسات» بإسكان الحاء. وشاهدهم: «فِي يَوْمِ نَحْسٍ» «3» أي في يوم شؤم وبلاء. ويجوز أن يكون أراد: ونحسات مثل فخذات، فأسكنوا تخفيفا. وقرأ الباقون بكسر الحاء. وحجتهم: أن النحسات صفة. تقول العرب: يوم نحس مثل رجل هرم، قال الشاعر: أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم ... طيّا وبهراء قوم نصرهم نحس «4» وقال في الحجة: «فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ»، يقرأ بإسكان الحاء وكسرها، فالحجة لمن أسكن أنه أراد جمع نحس، ودليله قوله تعالى: «فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» «5». ويحتمل أن يكون أراد كسر الحاء، فأسكنها تخفيفا. والحجة لمن كسر أنه جعله جمعا للصفة من قول العرب: هذا يوم نحس، وزن: هذا رجل هرم، قال الشاعر: أبلغ جذاما ولخما أنّ إخوتهم ... طيّا وبهراء قوم نصرهم نحس «6»

_ (1) الحجة 197. (2) فصلت: 16. (3) القمر: 19. (4) انظر: كتاب القراءات- المشار إليه- في هذه الآية. (5) القمر: 19. (6) الحجة: 317.

وبمقارنة هذه النصوص نتبين أن كتاب القراءات يحتوي على نصوص كثيرة متقاربة من نصوص كتاب الحجة مما يدل على ان مؤلف الكتابين واحد. والكتابان مختلفان من الناحية المنهجية: وذلك لأن «القراءات» المصور بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية رقم 52 «قراءات» منهج ابن خالويه فيه: يقوم على الاستطراد، والإطناب، فهو يسند القراءة لأصحابها في سلسلة طويلة. وهو يتحدث عن تفسير معاني الآيات، وأسباب نزولها. ويحشد قصصا عديدة في مناسبات مختلفة، وليست القراءات فيها، والاحتجاج بها إلّا جزءا من هذا المنهج. فكتابه في حقيقة أمره كتاب تفسير لا قراءات، شأنه شأن كتب التفسير التي تتعرض لهذه الأغراض جميعا. أمّا كتاب الحجة فهو كتاب موقوف على القراءات وحدها في مجال الاحتجاج، ولا يتعرّض لتفسير المعنى إلا في القليل النادر الذي يعد على الأصابع. ولعله من الجائز أن يكون كتاب القراءات أسبق في التأليف من كتاب الحجة، ثم لخص هذا الكتاب، وهذّبه، وجعله مقصورا على القراءات وحدها. وظاهرة التلخيص ليست غريبة على ابن خالويه، فالمستشرق برجستراسر يقول عنه: «وكان من عادة ابن، خالويه أن يهذب مصنفات مشايخه» «1». وأزيد فأقول: ومصنفاته أيضا، أليس كتاب «مختصر في شواذ القراءات» الذي حققه ونشره المستشرق برجستراسر هو تلخيص لكتابه (البديع) في القراءات الشاذة؟. من كتاب إعراب ثلاثين سورة: أ- قال ابن خالويه: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «2» قال أهل النحو: إن ملكا أمدح من مالك، وذلك أن المالك قد يكون غير ملك ولا يكون الملك إلّا مالكا. «3» وقال في الحجة: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ: والحجة لمن طرحها (أي الألف) أن الملك أخص من المالك وأمدح، لأنه قد يكون المالك غير ملك، ولا يكون الملك إلّا مالكا. «4» ب- وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ «5»:

_ (1) مختصر في شواذ القراءات 6. (2) الفاتحة: 4. (3) إعراب ثلاثين سورة 27. (4) الحجة 62. (5) الطارق: 2.

قال في إعراب ثلاثين سورة: «حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال: كل ما في كتاب الله: وما أدراك فقد أدراه وما يدريك فما أدراه بعد «1»». وقال في الحجة: «وما كان في كتاب الله تعالى من قوله: «وَما أَدْراكَ» فقد أدراه، وما كان فيه من قوله: وما يدريك؟ فلم يدره بعد «2»». من كتاب الريح: قال ابن خالويه: وأمهات الريح أربعة: الشمال وهي للروح والنسيم عند العرب، والجنوب للأمطار والأنداء، والصّبا لإلقاح الأشجار، والدّبور للعذاب والبلاء- نعوذ بالله منها- فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبّت الريح يقول: «اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا .. «3» وقال في الحجة: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ «4» ... فالحجة لمن أفرد أنه جعلها عذابا، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعلها رياحا لا ريحا. ثم قال: والأرواح أربعة أسست أسماؤها على الكعبة: فما استقبلها منها فهي الصّبا والقبول، وما جاء عن يمينها فهي الجنوب، وما جاء عن شمالها فهي الشمال، وما جاء من مؤخرها فهي الدبور، وهي روح العذاب نعوذ بالله منها. «5» 8 - قدم النسخ: وتاريخ نسخ الحجة الذي قمت بتحقيقه قديم لأنه نسخ سنة 496 هـ. وهو تاريخ قريب من عصر المؤلف بمائة وستة وعشرين عاما على حين نجد كتاب القراءات المصور بمعهد المخطوطات نسخ سنة 600 هـ بخطوط مختلفة آخرها خط صديق بن عرين محمد ابن الحسن. «6»

_ (1) إعراب ثلاثين سورة: 40. (2) الحجة 365. (3) كتاب الريح: 2. (4) البقرة: 164. (5) الحجة 91. (6) فهرس مخطوطات الجامعة العربية 12 وفهرس المخطوطات القسم الأول أ- س 276.

وكتاب إعراب ثلاثين سورة الذي نشرته دار الكتب عام 1941 م اعتمدت فيه على النسخة التي ضمتها مكتبة الشنقيطي رقم 7 تفسير دار الكتب، وقد تمت كتابة هذه النسخة في العشر الأولى من شعبان الذي هو من شهور سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، وملك بمدينة صنعاء المحروسة. «1» وذلك يؤكد أن كتاب الحجة أقدم كتاب في مجال النسخ من الكتب الأخرى التي وصلت إلينا أمثال: كتاب القراءات، وإعراب ثلاثين سورة. نعم، إن الكتاب نسخة فريدة احتفظت بها مكتبة طلعت رقم 134 قراءات. وقد أشار إليها (بروكلمان) في كتابه: تاريخ الأدب العربي «2»، وقد حاولت العثور على نسخة أخرى لأقابلها بها حتى يتيسّر التحقيق، وينكشف الغموض، ولكن لم يتيسّر لي ذلك على الرغم من اطلاعي على فهارس المكتبات العربية والإفرنجية، لهذا كانت هذه النسخة هي عمدتي في التحقيق، وقد يسرت لي مصاعبها واستقام نصّها، بفضل الله وعونه، وإلهامه وتوفيقه. هذا، وانفراد الحجة بنسخة واحدة في مكتبات العالم لا يغض من قدره، ولا ينزل من مكانته، فتراثنا العربي ذهب معظمه بسبب الأحداث الجسام، والفتن التي حلت بالعالم الإسلامي والعربي في العصور المختلفة. ولا أدل على ذلك من هذه العبارة التي ذيلت بها الصفحة الأخيرة من الحجة، وهي: «قوبل وصحح بأصله المكتوب منه» ولكن أين ذهب هذا الأصل؟. أقول: ذهب هذا الأصل، لأن ظاهرة ضياع الكتب وفقدها ليست غريبة على تراثنا العربي، فهذا هو أبو علي الفارسي ذكر «أن بعض إخوانه سأله بفارس إملاء شيء من ذلك فأملي عليه صدرا كبيرا، وتقصّى القول فيه، وأنه هلك في جملة ما فقده، وأصيب من كتبه. قال عثمان بن جنّى: وإن وجدت نسخة، وأمكن الوقت عملت بإذن الله كتابا أذكر فيه جميع المعتلات في كلام العرب. «3» ولم يكتف ابن جنى بما حدّث عن شيخه عن ضياع كتابه الذي أملاه بفارس، بل بين في وضوح أكثر «أنه وقع حريق بمدينة (السلام)

_ (1) فهرس دار الكتب. (2) تاريخ الأدب العربي: بروكلمان 2 - 140. (3) معجم الأدباء: 7 - 256.

مقارنة بين حجة أبي علي، وحجة ابن خالويه:

فذهب به جميع علم البصريين. قال: وكنت قد كتبت ذلك كله بخطي، وقرأته على أصحابنا، فلم أجد من الصندوق الذي احترق شيئا البتّة إلّا نصف كتاب الطلاق عن محمد ابن الحسن» «1». إذن، فظاهرة ضياع الكتب ظاهرة سائدة حتى في عصر المؤلفين أنفسهم، وقد بلى بهذه الظاهرة المجتمع الإسلامي منذ أن أصبحت الدولة دويلات، وزاد خطرها أكثر حينما زحف التتار على بغداد، فالتهم تراث الأجداد. وما لي أذهب بعيدا، وهذا السيوطي جمّاعة الكتب الذي لا يخلو مؤلف من مؤلفاته من ذكرها والتعريف بها يقول في كتاب: (ليس) لابن خالويه ي: «إنه كتاب حافل في ثلاث مجلدات ضخمات، وقد طالعته قديما، وانتقيت منه فوائد، وليس هو بحاضر عندي الآن» «2». مع أن كتاب «ليس» المطبوع بمطبعة السعادة بتصحيح أحمد بن الأمين الشنقيطي ليست فيه هذه الضخامة التي ذكرها السيوطي مما يدل على أن الكتاب ضاع معظمه. على أية حال، نحن- نحمد الله- إذ حفظ لنا كتاب الحجة من ألفه إلى يائه لم يضع منه شيء، ونحمده إذ وفقنا إلى تحقيقه، ويسّر لنا أمره حتى جاء، وقد رضيت عنه نفسي كل الرضا. وأسأل الله أن يتمّ النفع به. مقارنة بين حجة أبي عليّ، وحجة ابن خالويه: قدمت أن ابن مجاهد هو أول من سبع السبعة، وأنه بهذا العمل الذي انفرد به استطاع أن يفتح باب الاحتجاج بالقراءات في مجال اللغة والنحو، فتسابق تلاميذه ومعاصروه في التأليف في هذا الفن. وأوّل من شرع في هذا من معاصريه «أبو بكر محمد بن السّريّ شرع في تفسير صدر من ذلك في كتاب كان ابتدأ بإملائه ولكنه لم يتمه» «3».

_ (1) معجم الأدباء: 7 - 256. (2) المزهر: 2 - 3. (3) انظر مقدمة الحجة رقم 462 - قراءات نسخة مصوّرة بدار الكتب. وانظر مقدمة: المحتسب لابن جنى مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

وأمكن لأبي علي الفارسي أن ينجح فيما قصر فيه محمد بن السّريّ فألف كتابه: «الحجة» في الاحتجاج بالقراءات. وكتاب الحجة بين أيدينا مخطوطا حيث تضم دار الكتب والمكتبة الأزهرية نسخا منه، ومطبوعا منه الجزء الأول الذي قام بتحقيقه أستاذنا علي النجدي، والمرحوم الدكتور النجار والدكتور عبد الفتاح شلبي، وهم في هذا التحقيق قدّموا جهدا جبّارا يتناسب مع هذا العمل الخالد. وبمقارنة كتاب الحجة للفارسي بكتاب الحجة لابن خالويه نتبيّن اختلاف المنهجين، وتباين الطريقتين: فأبو علي في حجته يغوص إلى الأعماق، فمن لم يكن ذا مقدرة على الغوص، لا يستطيع أن يتابع الفارسي، ولا يستطيع أن يصل إلى الجوهر المنشود، فكثرة الاستطرادات، وضخامة التعليلات، قد تحول بينه وبين ما يريد. ومن هنا كان كتاب الحجة للفارسي كتابا لا يفهمه إلّا القلة. ولا تهضمه إلّا فئة خاصة تسلحت بما تسلح به أبو علي من عقلية منطقية، تؤمن بالقياس، وتجري وراء العلّة. وحتى في عصره، عصر الازدهار الفكري، عصر المنطق والجدل، عصر المناظرات التي كانت تتعدّد حلقاتها في بلاط الأمراء، لم يلق هذا الكتاب قبولا حسنا، ولم يصادف في نفوس معاصريه التقدير اللازم لهذا الجهد المبذول فيه: ويكفينا في هذا المقام شهادة تلميذه ابن جني في ذلك وهي شهادة على النفس؛ لأن أبا علي من ابن جني بمثابة الروح من الجسد. يقول ابن جني في كتاب: «المحتسب» ما نصه: «فإن أبا علي رحمه الله عمل كتاب الحجة في القراءات فتجاوز فيه قدر حاجة القراء إلى ما يجفو عنه كثير من العلماء» «1». ويقول في موضع آخر عند تعرضه لقوله تعالى في سورة الأنعام: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ «2». «وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة، في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله

_ (1) انظر مقدمة الحجة المصور، وانظر مقدمة المحتسب من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. (2) الأنعام: 154.

قيمة كتاب الحجة لابن خالويه في عصرنا الحاضر:

حتى منع كثيرا ممن يدّعي العربية. فضلا عن القرّاء، وأجفاهم عنه» «1». وأما كتاب الحجة لابن خالويه، فإن ابن خالويه في حجته نهج نهجا آخر، نهجا يقوم على الرواية والسماع، فليست اللغة في نظره تؤخذ من المنطق، أو تقوم على الأقيسة كما كان يفعل أبو علي في الحجّة. ولعل السرّ في تأليف الحجة لابن خالويه أنه أحسّ في مرارة أن كتاب أبي عليّ، لا ينتفع به الخاصة فضلا عن العامّة، فحفزه ذلك إلى تأليف كتابه في أسلوب سهل ممتع، وفي عرض يشرق عليك بهاؤه، ويستولي على نفسك جماله. وقد جعل الاختصار رائده ليتحقق الهدف الأكبر من تأليفه، وهو انتفاع الناس به أو كما يقول: «قاصد قصد الإبانة، في اختصار من غير إطالة ولا إكثار ... جامعا ذلك بلفظ بيّن جزل، ومقال واضح سهل، ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده «2». قيمة كتاب الحجة لابن خالويه في عصرنا الحاضر: ونحن نعيش في عصر السرعة، ومن متطلبات السرعة الصراحة والوضوح، صراحة الأفكار، ووضوح المعاني وتحديد الألفاظ، والوصول إلى الهدف من أقرب طريق وأيسر سبيل. وكل ذلك تجده في الحجة متمثلا في كل صفحة من صفحاته بل في كل سطر من سطوره. ولا أخفي سرا إذا قلت: إن هذا المنهج الذي التزمه ابن خالويه أعجبني وسحرني، أعجبني لأني استطعت أن أقف على كل مسائل الاحتجاج في وقت قصير، وسحرني لأنه يقدّم لي خلاصة مهذبة، واضحة المعالم، بيّنة السمات في قراءات القرآن الكريم، والاحتجاج بها. فنحن إذا في أشد الحاجة إلى هذا الكتاب للوقوف على القراءات القرآنية في ضوء النحو واللغة من ناحية، ولأنه أقدم كتاب ظهر في القراءات السبع هو وحجة الفارسي من ناحية أخرى.

_ (1) مقدّمة المحتسب لابن جنى من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. (2) مقدّمة كتاب الحجة ص: 62.

وصف كتاب الحجة لابن خالويه

وصف كتاب الحجة لابن خالويه في الصفحة الأولى من الحجة نجد ما يأتي: كتاب الحجة في قراءات الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة المعروفين بصحة النقل، وإتقان الحفظ، المأمونين في الرواية للعلامة المحقق إمام النحو واللغة أبي عبد الله الحسين بن خالد بن خالويه رحمه الله، وحباه من الخير ما يتوالى. قراءات 134 - طلعت وفي هامش الصفحة تجد تملكا لهذه النسخة، فهي قد دخلت في نوبة العبد الفقير إلى الله إبراهيم السدي المصري سنة 1191 هـ، وكتب أنه اطلع على النسخة. ومن غير شك، فان هذه التملكات العديدة تدل على قيمة هذه النسخة، وتسابق العلماء في اقتنائها إلى أن وصلت إلى مكتبة طلعت. وفي آخر صفحة من الكتاب ذيلت بهذه العبارة: وقع الفراغ من نسخه كله في ذي الحجة سنة ست وتسعين وأربعمائة. وتحت هذا التذييل تذييل آخر، وهو: «قوبل وصحح بأصله المكتوب منه». ومن ناحية الخط، فإنه كتب بخط النسخ الذي كانت تسود الكتابة به في هذا العصر، وقد وقفت على ذلك بعد مقارنة قمت بها في مخطوطات القرن الخامس الهجري. وقد نسخت من هذه النسخة القديمة نسخة أخرى، «بقلم معتاد تمت كتابتها في 28 شوال سنة 1355 هـ، وهذه النسخة مخطوطة برقم 19523 ب دار الكتب المصرية «1» ولم اعتمد عليها، بل اعتمدت على الأصل الذي نسخت منه وهو النسخة التي نسخت في 496 هـ. منهج ابن خالويه في الحجة، وآراؤه: 1 - اعتمد في حجته على القراءات المشهورة، تاركا الروايات الشاذة المنكورة. «2» 2 - الإيجاز والاختصار حتى يفهم القارئ أو الدارس المراد من غير استطراد مملّ،

_ (1) انظر: فهرس المخطوطات: القسم الأول أ- س. ص 276. (2) مقدمة كتاب الحجة 62.

أو أسلوب معقّد. يقول في المقدّمة: «وقاصد قصد الإبانة في اقتصار من غير إطالة ولا إكثار». 3 - عرض القراءات من غير سند الرواية، لأن هدفه الإيجاز ولا يلجأ إلى نسبة القراءات إلى أصحابها إلّا إذا دعت الضرورة لذلك، ليبيّن مكانة من قرأ بها في حقل الدراسات القرآنية. 4 - وإذا عرض لمسألة، وبيّن وجه التعليل والحجة فيها ثم تكرّر نظيرها، لا يعيد القول فيها، وإنما يحيلك إلى الموضع حرصا على الوقت، وإيمانا بالإيجاز. 5 - اللغة في نظره لا تقاس، وتؤخذ سماعا يقول في قوله تعالى الْمُتَعالِ «1». والدليل على أن اللغة لا تقاس، وإنما تؤخذ سماعا قولهم: الله متعال من: تعالى، ولا يقال: متبارك من: تبارك. «2» وفي قوله تعالى: فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ «3» يقول: فأمّا إمالة الكسائي رحمه الله قوله تعالى: فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ فإن كان أماله سماعا من العرب، فالسؤال عنه ويل «4». 6 - ومن منهجه أن لغة العرب، وإن اختلفت حجّة، يؤخذ بها ويعتمد عليها، يقول في قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ «5» وروي عن الكسائي أنه أمال هذه وفتح قوله: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ «6» فإن كان فعل ذلك، ليفرّق بين النصب والخفض فقد وهم، وإن كان أراد الدلالة على جواز اللغتين فقد أصاب «7». 7 - ويميل إلى لغة أهل الحجاز: يقول في قوله تعالى: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ «8»: يقرأ بكسر القاف وضمّها، وهما لغتان فصيحتان. والضمّ أكثر لأنه لغة أهل الحجاز. «9» 8 - ومن منهجه أن القرآن الكريم لا يحمل على الضرورة، فقد أنكر الخفض على الجوار في قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ «10».

_ (1) الرعد: 9. (2) الحجة: 201. (3) البقرة: 19. (4) الحجة: 70. (5) يوسف: 43. (6) يوسف: 5. (7) الحجة: 193. (8) الإسراء: 5 (9) الحجة: 217. (10) المائدة؛ 6. انظر ص 129 من الحجة

قراءات لم ترد إلا عن طريقه:

9 - لا يرجع إلى تفسير المعنى إلّا في القليل النادر لتفسيره قوله تعالى: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما «1». 10 - من النادر تعرّضه لإعراب الشواهد التي يحتج بها، ولكنه في بيت: يا ربّ سار بات لن يوسّدا ... تحت ذراع العنس أو كفّ اليدا فإنه يتعرض لإعراب مواضع من البيت، مفسرا بعض كلماته. «2» 11 - يعتد برسم المصحف: انظر ص 72 من الحجة عند قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «3». وقوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ «4» حيث ذكر أن من أظهر أتى بالكلمة على أصلها، واغتنم الثواب في كل حرف منها «5». 12 - وابن خالويه يستشهد بالحديث الشريف في عدة مواضع من كتابه الحجة انظر مثلا: ص 53 و 57 و 64 و 117 و 141. 13 - وهو في الحجة مستقل التفكير، متحرر النزعة، لا يتعصب للبصريين ولا للكوفيين، وقد يعرض آراء المدرستين وحجة كل منهما من غير ترجيح، وقد يرجح بأدلّة يراها، وقد يختلف عنهما بآراء متحرّرة. وظهور هذه النزعة التجديدية في ابن خالويه جعلت المستشرق برجستراسر يقول عنه: «في حلب أخذ ابن خالويه يدرس النحو وعلم اللغة، ونهج فيها نهجا جديدا، لأنه لم يتبع طريقة الكوفيين، ولا طريقة البصريين، ولكنه اختار من كليهما ما كان أحلى وأحسن» «6» قراءات لم ترد إلا عن طريقه: 1 - وذلك في قوله تعالى: «فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» «7». قال: يقرأ بالتنوين، ونصب الأمثال، وبطرحه والخفض. فالحجة لمن نصب: أن التنوين يمنع من الإضافة، فنصب على خلاف المضاف. والحجة لمن أضاف: أنه أراد فله عشر حسنات، فأقام الأمثال مقام الحسنات. «8»

_ (1) الأعراف: 190، وانظر ص 168 من الحجة. (2) الحجة: 204. (3) البقرة: 20. (4) البقرة: 51. (5) الحجة: 77. (6) مقدمة مختصر في شواذ القرآن: 6 (7) الأنعام: 160. (8) الحجة: 152.

نقد منهجه:

وليس في كتب القراءات التي بين أيدينا إلّا حذف التنوين وجرّ اللام بالإضافة، وهي قراءة جميع القراء في الأمصار ما عدا «الحسن البصري» فانه كان يقرأ عشر بالتنوين، وأمثالها بالرفع، وذلك وجه صحيح في العربية غير أن إجماع قراء الأمصار على خلافها. أمّا رواية النصب، فلم أجدها إلّا عند ابن خالويه. 2 - ينسب إلى حفص قراءات لا وجود لها في المصحف الذي بين أيدينا. يقول في قوله تعالى: بِنُصْبٍ «1» أجمع القراء على ضمّ النون إلّا ما رواه حفص عن عاصم بالفتح، وهما لغتان «2». كذلك ينسب إليه قراءة أخرى لا نراها في المصحف الذي بين أيدينا عند قوله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ «3»: قال: إسكان الياء إجماع إلا ما رواه حفص عن عاصم بالفتح لقلة الاسم، وكذلك قوله «وَعَزَّنِي» بالتشديد إجماع الّا ما رواه أيضا عنه بالتشديد وإثبات الألف وهما لغتان «4». نقد منهجه: وابن خالويه لم يلتزم منهجه فقد خرج عنه في عدة مواضع: 1 - مع الأمثلة المتعدّدة التي تدلّ على اعتداده برسم المصحف فإنه قد خرج عن هذه القاعدة في قوله تعالى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «5». قال: يقرأ بالألف، وبالواو في موضع الألف، مع إسكان الدال. ثم قال: «والحجة لمن قرأ بالواو: أنه اتبع الخط، لأنها في السواد بالواو، وليس هذا بحجة قاطعة، لأنها إنما كتبت بالواو كما كتبت الصلاة والزكاة. «6» وفي هذا مخالفة صريحة للمنهج مع أن هذه القراءة قراءة ابن عامر، وابن عامر من القراء السبعة. 2 - ومع احترامه للسماع، وإيمانه بالرواية، إلّا أنه أحيانا لا يستطيع أن يتخلص

_ (1) ص: 41. (2) الحجة: 304. (3) ص: 23. (4) الحجة: 305. (5) الأنعام: 52. (6) الحجة: 140.

من النزعة النحوية التي تؤمن بالعلة، وتقدّس المنطق. يقول في قوله تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ «1»: فإن قيل: لم اختص ما يعقل بجمع السلامة دون ما لا يعقل؟ فقل لفضيلة ما يعقل على ما لا يعقل، فضل في اللفظ بهذا الجمع كما فضّل بالأسماء الأعلام في المعنى. وحمل ما لا يعقل من الجمع على مؤنث ما يعقل، لأن المؤنث العاقل فرع على المذكر، والمؤنث مما لا يعقل فرع على المؤنث العاقل فتجانسا بالفرعية، فاجتمعا في لفظ الجمع بالألف والتاء. «2» وبعد، فهذا عمل متواضع بذلت فيه الجهد، وعشت في مجاله أجمل الساعات، تغمرني نشوة روحيّة لأنها دراسة في رحاب القرآن، فإن جاء هذا العمل وافيا بالغرض، محققا للهدف، فبتوفيق الله وإلهامه، وإن جاء غير ذلك فقد اجتهدت وبذلت، والمجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر. أرجو من الله أن ينفع به، وأن ينير الطريق أمام الدراسين في القراءات، والنحو، واللغة؛ ليسهموا في استمرار هذه الدراسات ونشرها حتى لا يبتلعها سيل الماديّة الجارف في عصرنا الحاضر. إنه نعم المولى، ونعم النصير. عبد العال سالم مكرم الكويت

_ (1) النمل: 87. (2) الحجة: 275.

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدمة الطبعة الثانية بفضل الله وتوفيقه تمّ توزيع هذا الكتاب في أرجاء العالم العربي والإسلامي، ونفدت طبعته الأولى في مدّة محدودة، تتجاوز العام بأشهر معدودة. ومن البدهي أنّ هذا يدلّ على مكانة هذا الكتاب في نفوس المتعطشين إلى الدراسات القرآنية من ناحية، وعلى وعي أبناء الأمة العربيّة والإسلاميّة حيث لم تفتنهم ما تخرجه دور النشر العديدة عن تراثهم الأصيل من ناحية أخرى. وقد رأى الأستاذ الفاضل محمد المعلّم مدير دار الشروق ببيروت أن يسرع في إعادة طبعه من جديد ليسدّ حاجة القرّاء إلى هذا اللون من الدراسات القرآنية. وطلب مني كتابة تقديم لهذه الطبعة الثانية، فلم أجد خيرا من البحث النقدي الذي نشر في المجلد التاسع، الجزء الأول ص 315 عدد يناير سنة 1972 من مجلة اللسان العربي التي يصدرها مكتب التنسيق والتعريب في الوطن العربي بالرباط بإشراف الجامعة العربية. والله أشهد أن نقد الأخ الأستاذ العابد لنسبة كتاب الحجة لابن خالويه دفعني مرّة أخرى لمعايشة ابن خالويه، واستطعت- بحمد الله- أن أضيف جديدا من أدلة توثيق نسبة هذا الكتاب لصاحبه، لهذا آثرت، لأجل أن ينتفع القارئ، أن يكون هذا البحث مقدمة للطبعة الثانية. والله وليّ التوفيق.

حول نسبة كتاب الحجة في القراءات السبع لابن خالويه

حول نسبة كتاب الحجة في القراءات السبع لابن خالويه تفضل الأستاذ الكريم محمد العابد الفاسي، الأستاذ بجامعة القرويين بالمغرب بنشر بحث قيّم في مجلة «اللسان العربي»، المجلد الثامن، الجزء الأول ص 521، ينقد فيه توثيقي لكتاب الحجّة، ونسبته إلى ابن خالويه، وقد نشر بحثي في المجلة نفسها، والجزء نفسه ص 502. وقد أسعدني هذا النّقد، لأن الحقيقة بنت البحث كما يقولون. وقد اقتصر نقده على الفصل الذي كتبته، وأثبت فيه نسبة الكتاب إلى ابن خالويه. وإني لا أضيق ذرعا بالنّقد البناء، فاحتكاك الأفكار بعضها ببعض ينمّي العلم، ويطوّر المعرفة، ويبعث في الفكر الحركة والحياة. وكنت أودّ أن أبارك هذه الأدلة التي أوردها النّاقد الفاضل لنفي نسبة الحجة إلى ابن خالويه، وأضع يدي في يده مسلّما له بكلّ ما قال، ولكن الحقيقة التي دفعته إلى أن يكتب هذا النقد هي الحقيقة نفسها التي دفعتني إلى أن أنقد هذا النقد، لأنه قائم على أدلة لم تقتنع بها نفسي، وأنا طالب معرفة، فإذا اقتنعت آمنت وسلّمت، وإذا لم أقتنع لا ألوذ بالصمت أو بالصّبر فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس. عليّ إذن أن أبيّن السبب في عدم اقتناعي من غير أن أسمح للحظوظ النفسية أن تتدخّل في هذه المناقشة، لأن الحقيقة العلمية أكبر منّي، ومن أخي الأستاذ العابد. وقبل مناقشة أدلة سيادته أحب أن أشير هنا إلى أن بعض المعاصرين الذين شكّوا في نسبة هذا الكتاب إلى ابن خالويه فريق من أصدقائي ناقشوني مشافهة في هذه النسبة، وكل أدلتهم تنحصر في أن كتب الطبقات لم تشر إلى ذلك، ولم يقدّم لنا هؤلاء الزملاء دراسة مفصلة منشورة في نفي هذه النسبة، وليست هناك دراسة لابن خالويه، ولكتابه الحجة تضمّها المكتبة العربية في الشرق أو في الغرب غير الدّراسة التي قمت بها، وغير هذا التعليق

الذي تفضل به الأخ الأستاذ العابد على هذه الدراسة. وأمّا الأدلة التي ذكرها الأستاذ العابد ليناقض بها أدلتي، فإني أنقدها على الوجه التالي: (1) ذكرت أنّ تلمذة ابن خالويه لابن مجاهد فرضت عليه أن يحيا في الدراسات القرآنية، ويتمكن منها، ويلم بالقراءات، ويدافع عنها، وأنه ألّف الحجة في القراءات السّبع لينافس به كتاب الحجة الذي ألّفه أبو عليّ الفارسيّ، وأنّ عدم ذكر الحجة لابن خالويه في كتب الطبقات يرجع إلى أنّ الكتاب في القراءات، فاستغنوا بذكرها عن كلمة الحجة. ولكن هذا الدّليل لم يقنع الأستاذ العابد «لأن كونه من تلامذة ابن مجاهد وكونه برع في الدراسات القرآنية، وألّف فيها كتبا لا يكفي ذلك دليلا على إثبات نسبة كتاب الحجّة له، وأمّا كونه ليس بدعا أن يؤلف في الموضوع كما فعل معاصروه أبو عليّ وغيره فصحيح، ولكن المسألة مسألة إثبات لا مسألة احتمال وتخمين ... ». أقول: إن تلمذة ابن خالويه لابن مجاهد، وبراعة ابن خالويه في الدّراسات القرآنية حيث ألف كتبا في هذا المجال نصّت عليها كتب الطبقات ككتاب: إعراب ثلاثين سورة، والبديع في القراءات، ومختصر شواذ القراءات، وكتاب مجدول في القراءات ألفه لعضد الدولة، أقول: إن هذا كله يشير إلى أن كتاب الحجة موضع القضية نسبته إلى ابن خالويه صحيحة. وقد قلت في بحثي المنشور في مجلة «اللسان العربي» بصدد عدم ذكر هذه التّسمية في كتب الطبقات: إن شهرة كتاب الحجة للفارسيّ غطّت على شهرة الحجة لابن خالويه حيث اشتغل الناس به قراءة وتلخيصا كما فعل أبو محمّد مكّي بن أبي طالب في كتابه: المنتخب في اختصار كتاب الحجة للفارسي وغيره. ومن الجلي أن أصحاب كتب الطّبقات، وابن خالويه نفسه أشاروا إلى أن له كتابا في القراءات، فأين ذهب هذا الكتاب؟ لا يمكن أن يكون كتاب القراءات المصور بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية رقم 52 قراءات، لأن منهج ابن خالويه فيه يقوم على الاستطراد والإطناب، إذ يتحدث عن تفسير الآيات، وأسباب نزولها، ويحشد قصصا عديدة في مناسبات مختلفة، وليست القراءات فيها، والاحتجاج بها إلا جزءا يسيرا من هذا المنهج، فكتابه في حقيقة أمره كتاب تفسير لا قراءات، شأنه شأن كتب التفسير التي تتعرض لهذه

الأغراض جميعا، وقد نسخ هذا الكتاب المصور سنة 600 هـ بخطوط مختلفة آخرها خط صديق بن عرين محمد بن الحسين «1». على أننا نجد كتاب الحجّة موضوع الحديث نسخ بخط واحد سنة 496 هـ وهو موقوف على القراءات وحدها، والاحتجاج لها. إن الذي يطمئن إليه القلب، ويرتضيه العقل أن كتاب القراءات المنسوب إلى ابن خالويه في كتب الطّبقات هو كتاب الحجة نفسه، لأنه لا يعقل أن يكرر ابن خالويه ما كتبه أستاذه ابن مجاهد في القراءات، لأن ابن مجاهد كل عمله في القراءات أنه انتخب من القراءات العديدة هذه القراءات السّبع، وليس فيه الاحتجاج النّحوي أو اللّغوي لهذه القراءات، على حين يطالعنا كتاب الحجة لابن خالويه بالتوجيه لكل قراءة، والاحتجاج لها في مجال النحو واللغة وكذلك فعل أبو علي الفارسي في حجته، اعتمد على هذه القراءات السّبع التي جمعها أستاذه ابن مجاهد، واحتج لها في ميدان النحو واللغة. يقول الفارسي في مقدّمته: «فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد» «2»، فأبو علي الفارسيّ كما يبدو في مقدمته، لم يرد أن يكون كتابه نسخة مكررة من كتاب أستاذه ابن مجاهد، بل كان عمله التوجيه والاحتجاج. إذا كان الأمر كذلك فهل يعقل في باب المنطق أن يأتي معاصر لأبي عليّ كانت بينهما منافسات علمية خطيرة أشرت إليها في بحثي المنشور في مجلة «اللسان العربي» - ليؤلف في القراءات وتكون مهمته تكرار كتاب أستاذه؟ إن العصر الذي ضمّ هؤلاء الأعلام كان عصر احتجاج للقراءات التي ثبتت عن ابن مجاهد، ولم يكن الأمر مقصورا على أبي عليّ الفارسيّ فقد شاركه في ذلك محمد بن الحسن الأنصاري المتوفي 351 حيث ألف كتاب السّبعة بعللها الكبير، وكتاب السّبعة الأوسط، وكتاب السّبعة الأصغر «3» وألّف كذلك أبو محمد الحسن بن مقسم المتوفي 362 هـ كتاب السّبعة بعللها: الكبير، والأوسط، والأصغر «4».

_ (1) فهرس مخطوطات الجامعة العربية 12، وفهرس المخطوطات، الجزء الأول: 1 س/ 276. (2) مقدمة الحجة لأبي علي الفارسي 1 - دار الكتاب العربي. (3) الفهرست لابن النديم- 32 - 33. (4) المرجع نفسه والصفحة ..

أيصح أن يقال إذن: إن ابن خالويه اللّغوي الكبير كان عاجزا عن متابعة هذه الحركة القرآنية في عصره، وهو من خيرة أعلامه، ومن أشهر تلاميذ ابن مجاهد؟. الواقع أنّ العقل لا يسلّم بذلك، فإن الظروف المحيطة بهذا اللون من الدراسات تلحّ على ابن خالويه أن يؤلف في القراءات، ويوجّهها، ويحتجّ لها كما فعل معاصروه. وأكبر الظنّ أن الكتاب كان عنوانه الحجّة في القراءات السّبع فعند النسخ سقطت كلمة الحجة، وهو أمر يحدث كثيرا على يد النساخ، أو اختصر عنوانه فأصبح: القراءات، واختصار العناوين ليس بدعا في مؤلفاتنا. وقد أشار إلى ذلك محققو كتاب الحجة للفارسي حيث ذكروا أن كتاب الحجة يرد «في الكتب التي تذكره بأسماء مختلفة منها: الحجّة، والحجّة في علل القراءات السبع، والحجّة في شرح القراءات السبع. «1» ألا يدلّ ذلك على أن أبا عليّ لم يضع هذه الأسماء العديدة لكتابه، وإنما وضع اسما واحدا فقط، فجاء الرّواة، أو النّاسخون، فغيّروا وبدّلوا مما جعل اسم هذا الكتاب يتخذ صورا متعددة. على أن ابن خالويه كان في مقدمته صريحا، فقد ذكر أن الكتاب في الاحتجاج وقد قلت: إن أنسب تسمية لهذا الكتاب هي الحجة، فكلمة الحجة تطالعك في كل سطر من سطور هذا الكتاب. (2) ذكرت أن كتب الطّبقات ليست حجّة قاطعة نرجع إليها في نفي نسبة الكتاب إلى ابن خالويه حيث لم تشر إليه، ذلك لأن هذه الكتب نفسها أغفلت ذكر كتب لابن خالويه، منها: كتاب أسماء الله الحسنى الذي أشار إليه ابن خالويه نفسه في كتابه: إعراب ثلاثين سورة حيث قال: وقد صنفتها في كتاب مفرد، واشتقاق كلّ اسم منها ومعناه «2». وقد علق الأستاذ الناقد على هذا القول بقوله: «هذا كلام من نمط سابقه فإن كتابه الحجة جدير بأن يذكر في أول قائمة كتب ابن خالويه لو صحت النسبة وحيث لم يذكر في كتب الطبقات، ولا ذكر في باقي كتب ابن خالويه، فهذا دليل على عدم صحة نسبته إليه، لأن كتب الطبقات لم تذكره، ولأن ابن خالويه لم يشر إليه في تضاعيف كتبه».

_ (1) انظر مقدمة الحجة للفارسي- 4. (2) إعراب ثلاثين سورة- 14.

أقول لأخي الناقد: لا أحب أن أكرّر ما قلت في شأن كتب الطبقات فليس أصحابها معصومين من النسيان، وليست هذه الكتب بمأمن من الخطأ، ولا أدل على ذلك من هذا التراث الضخم الذي حوته فهارس مكتباتنا في الشرق والغرب، ولا تجد للكثير منه ذكرا في كتب الطبقات المعروفة. ألم أقل في بحثي لإنتاج ابن خالويه العلميّ: إنني استطعت أن أنسب إلى ابن خالويه كتبا لم تضمها كتب الطبقات؟ وعددت من هذه الكتب عشرة كتب أذكر منها: كتاب الريح. وكتاب أسماء الله الحسنى، وكتاب الهاذور، وشرح ديوان أبي فراس الحمداني .. أتسقط هذه الكتب لأنها لا توجد في البغية، أو في أنباء الرواة، أو في معجم الأدباء ... الخ؟ لو فعلنا ذلك لأجهزنا على تراثنا بأيدينا من حيث لا نشعر. ولا أسلم أيضا للناقد الفاضل بأن ابن خالويه لم يشر إليه في تضاعيف كتبه، لأن ابن خالويه قد أشار إليه، أشار إليه في كتابه «إعراب ثلاثين سورة» عند تعرضه للقراءات في قوله تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قال: «أجمع العلماء على كسر الهاء في التثنية إذا قلت: عليهما، قال الله عز وجل: يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا «1» إلا يعقوب الحضرمي فإنه ضم الهاء في التثنية كما ضمّها في الجمع، وقد ذكرت علة ذلك في كتاب «القراءات». «2» وهذا التّعليل تجده في الحجة «3». وأمّا عدم ذكره باسم الحجة فقد بينت السّرّ في ذلك، وأن هذه التسمية جاءت متأخرة عن عصر ابن خالويه. إن ابن خالويه حينما يقول: ذكرت علة ذلك في كتاب «القراءات» أليست هذه إشارة واضحة إلى أنّ المعنيّ بذلك هو كتاب الحجة؟ وما مدلول قوله: «علة ذلك»؟ أليست العلة هي التوجيه النحوي أو اللغوي؟ وما التوجيه النحوي أو اللغوي إلا الاحتجاج، وما الاحتجاج إلا ذكر الحجة، والحجّة تتكرر في كل قراءة يعرضها. إنّ الذي يعنيني يا سيدي أوّلا وأخيرا هو المضمون لا الشكل، والجوهر لا العرض، والمعنى لا اللفظ، وهذا كله يشير إلى أن كتاب القراءات الذي أشار إليه ابن خالويه هو في الاحتجاج، وبذلك لا نسلم للناقد الفاضل قوله: إنه لم يشر إليه في تضاعيف كتبه.

_ (1) المائدة- 23. (2) إعراب ثلاثين سورة- 32. (3) الحجة في القراءات السبع: تحقيق: عبد العال سالم مكرم- طبع دار الشروق- بيروت.

(3) وحينما ذكرت أنّ التّسمية بالحجة قد تكون من عمل المتأخرين، وحتى كتاب الحجة للفارسي لم يقدمه أبو عليّ لعضد الدولة باسم الحجة. يقول الأستاذ العابد معلّقا: «إننا نؤكّد أن النسخ العتيقة التي توجد من كتاب الحجة لأبي عليّ الفارسيّ مكتوب بظهر أول ورقة من أجزائه بخط عريق في القدم من نسخة كان يتملكها الحافظ الحجة أبو الحسن عليّ بن محمد الشاري ما صورته: الجزء السابع من كتاب الحجة لقراء الأمصار ... الخ. فمن أين الجزم بأن أبا علي الفارسي لم يسم كتابه بالحجة؟ أقول: أخي، إن الذي دفعني إلى هذا القول هو أن عنوان الكتاب على الغلاف ليس هو الفيصل في القضية كما فهمت سيادتك .. فقد درج المؤلفون أن يذكروا في مقدمة كتبهم أسماء هذه الكتب أو موضوعاتها، ويقوم الناسخون بوضع هذه التسمية على الغلاف إن كانت مذكورة في المقدمة، أو وضع اسم ينطبق على موضوع الكتاب إن لم يكن اسمه مذكورا بنصه، على أن الغالب في مؤلفات القدامى أنهم يذكرون موضوعات كتبهم في مقدماتهم، ولا يشيرون إلى أسمائها، فعل ذلك أبو عليّ الفارسيّ حينما ذكر في مقدمة كتابه الحجة ما نصه: فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد «1» ولم يشر إلى هذه التسمية وإنما فهمت التسمية من موضوع الكتاب، ولذلك اختلف الرواة فيها كما بينت آنفا. وفعل ذلك ابن خالويه حينما ذكر في مقدّمته ما نصه: «وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم» «2» فكلمة «احتج» تجدها في مقدمة ابن خالويه على حين تفتقدها في مقدمة الفارسي. وفعل ذلك أيضا الفارسيّ في كتابه: «الإغفال» حيث يقول في مقدّمته بصدد المسائل التي أغفلها الزجاج ما نصه: «ذكرناها لما اقتضت عندنا من الإيضاح للإغفال الواقع فيها» وكتب على غلاف النسخة المخطوطة «الإغفال لأبي عليّ الفارسيّ «3».

_ (1) مقدمة الحجة للفارسي- 3. (2) الحجة لابن خالويه- 62 - طبع دار الشروق- بيروت. (3) الإغفال لأبي علي الفارسي مخطوط رقم 649 تفسير- دار الكتب المصرية.

وكذلك فعل أبو محمد مكّي بن أبي طالب الأندلسي في مقدمة كتابه «تفسير مشكل إعراب القرآن» حيث يقول: «فقصدت في هذا الكتاب إلى تفسير مشكل الإعراب، وذكر علله، وصعبه، ونادره، ليكون خفيف المحمل» «1» .. الخ. ولم يشر إلى أن هذا الكتاب اسمه: «تفسير مشكل إعراب القرآن» وإنما ذكر الموضوع، ولا يخفى على الراوية أو الناسخ لبّ هذا الموضوع، فاستنتج الاسم منه ونسب إليه. ولا أبالغ إذا قلت: إن كتاب سيبويه أشهر كتاب انتشر في الآفاق لم يسمه سيبويه بهذا الاسم، وإنما جاءت التسمية من الرواة أو الدارسين أو الناسخين، يقول أستاذنا المحقق الكبير الأستاذ عبد السلام هارون في مقدمته القيمة لتحقيق كتاب سيبويه ما نصه: «وقد عرف كتاب سيبويه من قديم الدهر إلى يومنا هذا باسم الكتاب أو كتاب سيبويه، ومن المقطوع تاريخيا أن سيبويه لم يسمّه باسم معين» «2». وفي العصور المتأخرة نجد المؤلفين ينصون على تسمية كتبهم في مقدماتها وبذلك يكون عنوان الغلاف وفق عنوان اسم الكتاب المشار إليه في المقدمة فهذا ابن هشام في مقدمة كتابه المغنى يشير إلى اسم كتابه فيقول: «سميته بمغنى اللبيب عن كتب الأعاريب». والسيوطي في مقدمة كتابه الهمع يقول: «فتخيرت لهم هذه العجالة الكاملة بحل مبانيه، وتوضيح معانيه إلى أن يقول: مسماة بهمع الهوامع في شرح جمع الجوامع». ولعل في هذا الدليل الشافي في أنّ عنوان الكتاب قد لا يكون في بعض الأحيان من وضع المؤلف، أو من تسمية المؤلف. (4) وقد ذكرت أنّ من الأدلة على أنّ الحجة لابن خالويه دليل التنافس العلمي في هذا العصر، ولكن هذا الدليل لم يرق في نظر الناقد فكتب يقول: «وأنا لا أدري ما وقع هذا الدليل. والتنافس العلمي ولو بلغ ما بلغ لا ينتج مثل هذا الفرض المشكوك فيه من أصله، وقد وقع التنافس في كثير من الفنون في عصره، ولم يؤلف ابن خالويه في جميع تلك العلوم المتنافس فيها»؟. أقول: لعل الناقد الفاضل يذكر أن أهمّ ما كان يشغل ذهن ابن خالويه هو العلوم القرآنية،

_ (1) مشكل إعراب القرآن مخطوط رقم 232، تفسير- دار الكتب. (2) مقدمة المحقق 1 - 23 - طبع دار القلم.

وإذا نافس فإنه ينافس في مجالها، أما ما عدا ذلك من ألوان المعرفة كالطب والفلك، والمنطق والفلسفة، والحساب والهندسة، فهذه علوم لا تدخل في حساب المنافسة. وقد أشرت إلى منافسته للفارسيّ وابن جنيّ، وغيرهما كما سبق بيانه في مجال الدراسات القرآنية. (5) وقد قلت: إنّ من أوضح أدلّة التوثيق لهذا الكتاب، ونسبته لابن خالويه تشابه أسلوبه ومنهجه مع مؤلفات ابن خالويه الأخرى، وهذا التشابه محصور في الإيجاز والاختصار، وموضوعات أخرى ذكرتها في بحثي، واستدللت عليها بنصوص لا تقبل الجدل، ولا تحتمل الشك. ولكن الأخ الناقد لم يعجبه هذا التدليل فقال: «إن الأسلوب والمنهج الذي كان سائدا في عصر ابن خالويه لم يكن خاصا به بل كان عاما لدى الشخصيّات التي تتلمذ لابن مجاهد، وأبو عليّ الفارسي في كتابه لم يكن يتبع غير طريقة الإيجاز ولو نسبيا». أقول: لقد جعلني الناقد الفاضل أشك في أنه قرأ أو اطلع على كتاب الحجة للفارسي الذي طبع منه الجزء الأول بتحقيق أستاذنا النجدي ورفاقه، وقد أشار سيادته في نقده إلى هذا الجزء المطبوع. من قال: إن أبا عليّ الفارسيّ في كتابه الحجة كان طابعه الإيجاز ولو نسبيا؟ إن هذا قول لا تطمئن إليه النفس وإليك الدليل: إن الجزء الأول المطبوع من حجّة الفارسيّ يحتوي على 331 صفحة من القطع الكبير، ابتداء بفاتحة الكتاب، وانتهاء بقوله تعالى: عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آية 20 من سورة البقرة. أي أنّ هذا الجزء الضخم كله توجيه لقراءات الفاتحة، ولعشرين آية من سورة البقرة، فهل هذا إيجاز يا سيدي؟ إن الأساتذة المحققين أحسوا أن نشر كتاب الحجة للفارسي قد يصل إلى أربعين جزءا على غرار الجزء الأول مما يتطلّب وقتا طويلا، وعمرا مديدا، ومنذ ثلاث سنوات لم ير النور من كتاب الحجة للفارسي غير هذا الجزء الأول، مما دفعني دفعا قويّا إلى إخراج كتاب الحجة لابن خالويه، لأنه يقدم للقارئ خلاصة موجزة للاحتجاج النحوي واللغوي للقراءات السبع في أسلوب ممتع، وفي عرض يشرق على القارئ بهاؤه، ويستولي على نفسه جماله، وقد جعل الاختصار رائده ليحقق الهدف الأكبر من تأليفه، وهو انتفاع الناس

به، أو كما يقول في مقدمته: «قاصد قصد الإبانة في اقتصار من غير إطالة ولا إكثار، جامع ذلك بلفظ بين جزل، ومقال واضح سهل، ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده» «1». ومن حسن الحظ أن كتاب الحجة لابن خالويه أصدرته ونشرته دار الشروق ببيروت في أوائل أغسطس سنة 1971، وهو الآن يشق طريقه إلى عقول القراء، لأنه الكتاب الوحيد في المكتبة العربية الآن الذي يمكن للقارئ الرجوع إليه عند توجيه قراءة في مجال النحو واللغة من القراءات السبع. وإلى أخي الفاضل الأستاذ العابد أقدم دليلا ملموسا من كلام ابن جنّى تلميذ الفارسي حول هذا الكتاب، ورأي ابن جني الذي امتص ثقافة أستاذه الفارسي في هذا المجال رأي لا يتسرّب إليه الشك أو الضعف لأنه شهادة على النفس، ولأن ابن جني من الفارسيّ بمثابة الروح من الجسد. يقول ابن جني في المحتسب: «فإن أبا علي رحمه الله عمل كتاب الحجة في القراءات فتجاوز فيه قدر حاجة القراء، إلى ما يجفو عنه كثير من العلماء» «2». ويقول في موضع آخر: «وقد كان شيخنا أبو عليّ عمل كتاب الحجة في قراءة السبعة فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرا ممن يدّعي العربيّة فضلا عن القراء، وأجفاهم عنه «3». ألا يدل هذا على أنّ أبا علي الفارسي لم يكن رائده الإيجاز والاختصار كما يقول الناقد. بل كان رائده التطويل الممل، والاستطراد المخلّ، والأسلوب المعقد كما أشار إلى ذلك تلميذه ابن جني. وليقتنع الناقد الفاضل بما أقول فإليه هذا المثال من كتاب حجة الفارسي: قال أبو علي في قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. «اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله: ملك يوم الدين ثم يبين قراءة عاصم، وقراءة غيره وبعد ذلك ينقل عن أبي بكر محمد بن السرّي نصا يستدلّ فيه على أن «ملك» يجمع (مالكا) أي ملك ذلك اليوم بما فيه، ومالك إنما يكون للشيء وحده. ولا يكتفي بهذا، بل ينقل حكاية عن عاصم الجحدري، وبعد ذلك ينقل رواية

_ (1) مقدمة ابن خالويه- 62. (2) انظر: مقدمة المحتسب لابن جنى- طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. (3) مقدمة المحتسب المرجع السابق.

لثعلب يحتجّ فيها لقراءة الكسائي «ملك الناس» ويستطرد إلى قول أبي عبيد في تفسير معنى ملك يوم الدين ويبين أن المالك والملك يجمعهما معنى واحد ويرجعان إلى أصل وهو الرّبط والشدة، ويستدل على ذلك بالشعر العربيّ، ويستطرد مرة أخرى إلى تفسير معنى الاملاك، وهو ربط الرجل بالمرأة، ويعود من حيث بدأ إلى قراءة «ملك»، وقراءة «مالك» وسرعان ما يترك توجيه القراءة إلى موضوع آخر ليس منها فيقول: قال أبو الحسن الأخفش يقال: ملك بيّن الملك: الميم مضمومة، وتقول: مالك بين الملك والملك بفتح الميم وكسرها. ولا يكتفي بهذا بل ينقل عن أبي عثمان فيقول: وقال أبو عثمان: شهدنا أملاك فلان وملكه، ولا يقال: ملاكه، وينتقل إلى الحديث عن إملاك المرأة وهو العقد عليها، وقد ذكره فيما قبل، ثم عاد إليه. ومن غير وحدة أو ترابط يرجع بعد ذلك إلى قراءة «ملك» أو «مالك» فإذا فرغ من هذا اتّجه إلى الحديث عن إضافة مالك إلى يوم الدين والإضافة باب من أبواب النحو، أخذ أبو علي يشقق الحديث عنها إلى منتصف ص 36، أي أن الحديث عن مالك يوم الدين تناول 36 صفحة من القطع الكبير. فهل هذا إيجاز أو اختصار؟ انظر إلى ما كتبه ابن خالويه في مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال ما نصه: «يقرأ بإثبات الألف وطرحها، فالحجة لمن أثبتها أن الملك داخل تحت المالك، والدليل له قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ «1». والحجة لمن طرحها أن الملك أخص من المالك وأمدح، لأنه قد يكون المالك غير ملك، ولا يكون الملك إلا مالكا. «2» وقد بلغت صفحات حجة ابن خالويه بعد طبعه 318 صفحة من القطع الكبير خلاف المقدمة والفهارس مع أنه تناول توجيه القراءات السبع في القرآن الكريم كله مبتدئا بفاتحة الكتاب، ومنتهيا بسورة الناس. (6) ومن أدلتي في أن كتاب الحجة تصح نسبته إلى ابن خالويه: أن الاعلام الذين سجلهم ابن خالويه في كتابه كانوا أسبق منه زمنا مما يدل على أن الكتاب لم يؤلف بعد عصر ابن خالويه، ولكن هذا الدليل من الأدلة الواهية في نظر الناقد الفاضل حيث يقول: «هذا من الاستدلالات الواهية، ومتى كان النقل عن أعلام سابقين في الزمان دليلا على تثبيت نسبة الكتاب لشخص معيّن».

_ (1) آل عمران- 26. (2) الحجة لابن خالويه- 62.

أحبّ أن أذكّر الأستاذ النّاقد بما ذكره أستاذنا المحقق عبد السلام هارون حيث قال ما نصه في كتابه المبتكر «تحقيق النصوص ونشرها»: «وتعد الاعتبارات التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح نسبة الكتاب أو تزييفها، فالكتاب الذي تحشد فيه أخبار تاريخية تالية لعصر مؤلفه الذي نسب إليه جدير بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف. ومن أمثلة ذلك كتاب نسب إلى الجاحظ وعنوانه «كتاب تنبيه الملوك والمكايد» ومنه صورة مودعة بدار الكتب المصرية برقم 2345 (أدب) وهذا الكتاب زيف لا ريب في ذلك، فإنك تجد من أبوابه باب «نكت من مكايد كافور الإخشيدي» و «مكيدة توزون بالمتقي لله»، وكافور الإخشيدي كان يحيا بين سنتي 292، 357، والمتقي لله كان يحيا بين سنتي 297 و 357، فهذا كله تاريخ بعد وفاة الجاحظ بعشرات من السنين «1» ومن الأمثلة على ذلك أيضا ما ذكرته في كتابي «القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية» أن كتاب إعراب القرآن للزجاج المخطوط بدار الكتب المصرية رقم 528 تفسير ليس للزجاج بأدلة ذكرتها، منها: ورود عبارة في هذا الكتاب وقفت عندها طويلا وهي قوله في باب التقديم والتأخير: «وقد تصالح الأستاذ والغلام على أن الظرف يعمل فيه الوهم ورائحة الفعل». وذهبت أبحث من الأستاذ؟ ومن الغلام؟ لأنه إذا تمّ التعرف عليهما أو على أحد منهما، وتبين أنهما عاشا في عصر متأخر عن عصر الزجاج أمكن أن يكون ذلك دليلا يؤكد أن كتاب إعراب القرآن هذا ليس للزجاج. أقول: بعد بحث طويل وجدت في تاريخ الأدب العربي «لبروكلمان» ما نصه: «وكان أوفى تلاميذ ثعلب له، وأقربهم إليه أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد المطرز الورّاق البارودي، ومن ثم سمي غلام ثعلب، وتوفي غلام ثعلب ببغداد سنة 345 هـ» «2» على أنّ الزجاج المنسوب إليه هذا الكتاب توفي عام 311 هـ «3» ولعلّ في هذا القدر الكافي لإقناع الأخ الناقد. (7) وأما الدليل السابع من أدلة النقد، فإنه ينصبّ على قولي: «ومن الأدلة تقارب بعض النصوص في مؤلفات ابن خالويه الأخرى مع بعض نصوص الحجة، وقلت: إنني لا أبالغ في أن هناك نصوصا بأساليبها وكلماتها في هذه المؤلفات هي بعينها في كتاب الحجة».

_ (1) تحقيق النصوص ونشرها- 43 طبعة ثانية (الحلبي). (2) تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2 - 218، والقرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية- 275. (3) البقية 1 - 413.

ولكن الناقد لم يقتنع بهذا أيضا فيقول: «إن هذه المشابهة أو المقارنة بين النصوص لا تفيد شيئا في الواقع، ومجرّد إلقاء الباحث نظرة في كتاب الحجّة لأبي علي الفارسيّ المعترف به من الجميع مع مراجعة ما قاله النحويون، والقراء والمفسرون والمعاصرون، للفارسي ولابن خالويه يجد أنّ جميع تلك النصوص متشابهة ومتقاربة في المعنى حتى وفي اللفظ في بعض الأحيان، ومع ذلك التشابه، والتقارب لا يمكن أن نستدلّ بذلك على إثبات نسبة كتاب معيّن لشخص معيّن بمجرّد التشابه والتقارب». أقول: كنت أودّ من الزّميل الفاضل أن يذكر لي، ولو نصا واحدا من هذا التشابه والتقارب المعنويّ أو اللفظي كما ذكر. يا سيدي ... لقد علمتنا كتب التراث أمانة النقل فإذا رجع مفسّر من المفسرين أو النحويين أو القراء إلى حجة أبي عليّ مثلا، فإنه لا ينقل نصوصا متقاربة المعنى أو متشابهة اللفظ إلا بعد أن يذكر قوله: (وقال الفارسيّ في الحجة) أما أن يعتدي على المعاني، ويكسوها ألفاظا من عنده فهذه سرقة لا تليق بعالم يعتدّ بقوله. ومن وقع فيها شهّر به، وسخر منه، والروايات على ذلك عديدة. والمعاني يا سيدي ليست مطروحة على الطريق، وإنما هي نتيجة كدّ الذهن، وإعمال الفكر، وبذل الطاقة، والاطّلاع الواسع والإلهام المبدع. كيف تتقارب المعاني، ولكل مفسر منهجه وطريقته ولكل كتاب من كتب القراءات في الاحتجاج وغيره أسلوبها الخاصّ، وطريقتها الخاصة؟ نعم إن النقول قد تعدّدت في كتب التراث، ولكنها نقول لها مصادر معروفة، وأشخاص معروفون صدرت عنهم، ونقلت منهم، ولا يصحّ التصرف فيها بالتغيير أو التبديل. وما عدا ذلك ففردية في الطّريقة، وفي المنهج وفي الأسلوب، وإلا كان تكرارا أو سطوا وكلاهما لا يليق بأولي العلم والمعرفة، هذا في مجال المعاني فما بالك في مجال تشابه اللّفظ. أظنّ أنّ توافق الخواطر قد يحدث في جملة أو كلمة أمّا أن يحدث في نصّ تتعدّد سطوره فذلك أمر لا يقبله المنطق. وقد ذكرت يا سيدي تشابه أسلوب ابن خالويه في كتاب الحجّة بأساليبه في كتبه الأخرى، لأن المؤلف واحد، والعقل واحد، والأسلوب واحد، وطريقة التفكير واحدة. وقد بيّنت أنّ في الحجة من كتاب «إعراب ثلاثين سورة» نصوصا بألفاظها ومعانيها، وأن في الحجة من كتاب «الريح» نصوصا بألفاظها ومعانيها، وقد سجلت ذلك في بحثي المنشور في مجلة اللسان العربي» نفس العدد الذي ذكر فيه نقد الأستاذ الفاضل. ألا يكفي هذا دليلا واضحا على أنّ الحجة لابن خالويه لا لغيره.

(8) والناقد الفاضل لم يعترف بقدم النسخ، «لأن الناسخ مجهول أمره، ولأن الخط ليس من الخطوط المتداولة في القرن الخامس الهجري، يعرف هذا بالبداهة من له خبرة بالخطوط، وتطوّراتها، والمقابلة المذكورة لا تفيد أي شيء، ولأن كاتبها مجهول». أقول: إن هذا الدليل لا نسلّم للسيد الفاضل بصحته، لأن كثيرا من الكتب المخطوطة لم تظفر بذكر اسم ناسخها، وجهل الناسخ لا يقلل من قيمتها، لأن الدراسة التي تقوم حولها، وتحليل مناهجها وطريقة تأليفها، والتمرس بأسلوب مؤلفها، والخبرة بالعصر الذي نسخت فيه كل ذلك يزيل الغموض عنها، كما فعلت ذلك في دراستي لكتاب الحجة. على أن كتاب الحجة للفارسي لم تظفر النسخة الأصل التي اعتمد عليها المحققون باسم الناسخ، فهل جهل الناسخ ينفي أنّ كتاب الحجة للفارسي. أليس من التناقض أن أثبت أن كتاب الحجة منسوب للفارسيّ مع جهل الناسخ، وأنفي نسبة كتاب الحجة لابن خالويه لأن الناسخ مجهول؟ أما جهل ناسخ الحجة للفارسي فإليك الدليل: قال المحققون: «اعتمدنا في تحقيق كتاب الحجة على نسختين، كتبت أولاهما سنة 390 هـ بخطّ النسخ الواضح، وضبطت كلماتها بالشكل ضبطا كاملا وهي في مكتبة بلدية الاسكندرية برقم 3570 ع، وفي دار الكتب المصرية صورة منها برقم 462 قراءات. وفي خزانة مجمع اللغة العربية مصورة منها كذلك، وقد جعل المحققون هذه النسخة هي الأصل لأنها الأقدم في النسخ، ولم يشيروا إلى اسم الناسخ لأنه غير موجود». من هذا، يتبيّن أنّ ظاهرة كتابة اسم الناسخ قد تتخلف في كثير من الكتب المخطوطة وليس الجهل بالناسخ ينقص من قدر المخطوط، ويقلل من قيمته، وإلا لما اعترفنا بكتاب الحجّة للفارسيّ، وهو لا يتطرّق إليه الشك. مع أنّ هذه النسخة كما يقول المحققون كتبت بخطوط مختلفة فقد ذكروا ما نصه: «ويلاحظ أن خطّ الصفحتين الأولى والثانية مخالف لخط سائر الصفحات في كلّ من الجزء الأول، والثاني، والسابع، وخط الصفحات الأولى والثانية والأخيرة مخالف لخط سائر صفحات الجزء الثالث، وخط الصفحتين الأوليين والصفحتين الأخيرتين مخالف لخط سائر صفحات الجزء الرابع، وخط الصفحة الأخيرة مخالف لخط سائر

صفحات الجزء السادس» «1». وكتاب الحجة لابن خالويه كتب بخط واحد، لم يتخلف في صفحة واحدة من صفحات هذا الكتاب. وأحب أن أطمئن الأخ الفاضل إلى أن هذا الخط الذي كتبت به نسخة الحجة من الخطوط المتداولة في القرن الخامس، وقد رجعت إلى أستاذنا المحقق عبد السلام هارون، وعرضت عليه صفحات مصورة من هذه النسخة، فأقر بما لا يدع مجالا للشك أنها من خطوط القرن الخامس الهجري. وكذلك أقر هذا الزميل المحقق الأستاذ عبد الستار فراج رئيس قسم التراث بوزارة الثقافة بالكويت. ومما يجدر ذكره أن الأستاذ الدكتور شوقي ضيف رغب في أن يقوم طالب من طلاب الدراسات العليا لتحقيق نسخة الحجة لابن خالويه للحصول على الدكتوراة تحت إشرافه وفعلا بدأ الطّالب يستعد لتسجيل هذا الموضوع في كلية الآداب- جامعة القاهرة، ولما علم الدكتور الفاضل أني قمت بتحقيقه، وفرغت منه، عدل عنه، اكتفاء بتحقيقي. ولا أنسى أن أذكر للناقد أن خبراء الخطوط بدار الكتب المصرية عرضوا هذا الكتاب في معرض الخطوط العربية القديمة على أنه واحد من الكتب التي تبيّن معالم الخطوط في القرن الخامس الهجري. ولعلّي بهذا أكون قد بينت للناقد الفاضل وجهة نظري في أدلته مؤيدة بالدليل بعيدة عن هوى النفس، أو عن داء التعصّب للرأي. بقيت ملاحظات أخرى عامة، أحب أن أوجه نظر الناقد الفاضل إليها: (1) تناقض الناقد مع نفسه: فعنوان تعقيبه حمل العبارة التالية: (نسبة الحجة إلى ابن خالويه لا تصحّ) ثم ذكر بعد ذلك في السطور الأخيرة من تعقيبه أنه (لا يمكن أن ننفيه عنه نفيا قاطعا). ومن حقّي أن أسأل الناقد: هل يجوز في مجال البحث العلمي أن تنفي ثم تنفي هذا النفي ولو بدرجة ما؟ لأن نفي النفي إثبات، كان الأجدر أن يكون عنوان نقدك: «نسبة الحجة إلى ابن خالويه فيها نظر» أو ليست مؤكدة، أو يتطرق إليها الشك، أما أن تنفي

_ (1) مقدمة الحجة للمحققين- 33.

هذه النسبة بلا النافية، ثم تعود بعد ذلك لتنفي ما نفيت، هذا أمر لا يتلاءم مع منهج البحث. (2) أثبت الناقد في السطور الأخيرة من نقده: «أن الذي تميل إليه النفس هو أن كتاب الحجة هذا هو أحد المختصرات التي اختصر بها كتاب الحجة الأصلي لأبي علي الفارسي لعالم مجهول». أقول: إن الناقد الفاضل نقد نفسه بهذا القول، ألم يقل بعد ذلك بسطور «والذي يجعلنا نميل إلى نفي هذه النسبة هو أن جميع المصادر التي ترجمت لابن خالويه لم تذكر في قائمة كتبه تأليفه الحجة، ولم يعرّج أصحاب المعاجم والفهارس وطبقات القراء عليه» هذا القول ذاته موجه إليك يا سيدي، فإذا كان حجّة ابن خالويه مختصرا لحجة الفارسي فلم لم تشر إليه المعاجم والفهارس وطبقات القراء مع شدة اعتناء العلماء بحجة الفارسي، فقد ذكروا أن مكّي ابن أبي طالب المتوفي 437 هـ اختصره في كتاب سماه: منتخب الحجّة في القراءات، واختصره أيضا أبو طاهر اسماعيل بن خلف الأندلسي المتوفي 455 هـ، ومحمد بن شريح الرعيني المتوفي 476 هـ. «1» ولم يشر أحد إلى أن عالما مجهولا لخّص حجه الفارسيّ، وبذلك يكون الناقد وقع فيما نقد به غيره. والحقيقة أن حجة ابن خالويه تبعد كل البعد أن تكون تلخيصا أو اختصارا لحجة الفارسي، وذلك لأمرين: أ- إن مقدمة حجة ابن خالويه تختلف في منهجها عن مقدّمة الحجة للفارسي، فابن خالويه يقول في مقدمته: «وبعد، فإني قد تدبّرت قراءة الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة المعروفين بصحة النقل، واتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية واللفظ، فرأيت كلّا منهم قد ذهب في إعراب ما انفرد به من حرفه مذهبا من مذاهب العربية لا يدفع. وقصد من القياس وجها لا يمنع فوافق باللفظ والحكاية طريق النقل والرواية، إلى أن يقول: وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتجّ به أهل صناعة النحو لهم في

_ (1) البقية: 297 - 195، وكشف الظنون 2 - 244.

معاني اختلافهم، وتارك ذكر اجتماعهم وائتلافهم إلى أن يقول: وقاصد قصد الإبانة في اقتصار من غير إطالة ولا إكثار، إلى أن يقول: جامعا ذلك بلفظ بين جزل، ومقال واضح سهل ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده» «1». والفارسي يقول في مقدمته: «فإن هذا كتاب تذكر فيه وجوه قراءات القراء الذين ثبتت قراءاتهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المترجم بمعرفة قراءات أهل الأمصار والحجاز، والعراق، والشام بعد أن نقدم ذكر كل حرف من ذلك على حسب ما رواه، وأخذناه عنه، وقد كان أبو بكر محمد بن السرّي شرع في تفسير صدر من ذلك في كتاب كان ابتدأ باملائه، وارتفع منه تبييض ما في سورة البقرة من وجوه الاختلاف عنهم، وأنا أسند إليه ما فسر من ذلك في كتابي هذا، وإلى الله أرغب في تيسير ما قصدته» «2». وبمقارنة المقدمتين نتبين في وضوح وجلاء أن المنهجين مختلفان، ولا يليق بعالم مختصر أن يتطاول هذا التطاول، ويكتب هذه المقدمة بهذا المنهج الذي رسمه، وكتابه تلخيص لكتاب معروف، وما الدافع إلى عدم الإشارة إلى هذا التلخيص. ب- ولو كانت حجة ابن خالويه تلخيصا لحجة الفارسي لرأينا تشابها في اللفظ وتقاربا في المعنى، واتحادا في الفكرة مع أن الكتابين مختلفان لفظا ومعنى، وفكرة ومنهجا، وإن اتحد موضوعهما، (3) أود أن أقول لأخي الفاضل إن كتب المعاجم والفهارس لا يعتمد عليها كل الاعتماد، لأن بعضا منها نسب كتبا إلى غير أصحابها، وفهارس المخطوطات في دور الكتب العربية تحتاج إلى نظر، لتفهرس من جديد، فكثير من المخطوطات قالوا عنها: إنها مجهولة النسبة، وكثير من المخطوطات نسبت إلى غير أصحابها، ولا أدل على ذلك من هذا التصحيح الذي قمت به لبعض المخطوطات: وهذه أمثلة منها: 1) إعراب القرآن المؤلف مجهول .. جاء في فهارس المخطوطات لمصورة لمعهد إحياء المخطوطات العربية بالجامعة العربية ما نصه: «إعراب القرآن لمؤلف مجهول. الجزء الثاني من نسخة كتبت في القرن التاسع، يبتدئ من أول سورة الأنعام، وينتهي بآخر سورة الاسراء. «3»

_ (1) الحجة 61 - 62. (2) مقدمة حجة الفارسي- 4. (3). 1 - 20.

وبعد بحث طويل استطعت أن أثبت أن هذا الجزء ليس لمؤلف مجهول، وإنما هو لمؤلف معلوم، وهو السّمين الحلبي، حيث قارنت نصوصه بنصوص النسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية رقم 321 - تفسير- فوجدت النصوص متحدة متماثلة. نفس النصوص ونفس الأسلوب، ونفس الألفاظ «1». 2) معاني للقرآن للزجاج .. تضم دار الكتب المصرية نسختين مخطوطتين من هذا الكتاب. - نسخة رقم 111 - تفسير، وقد وثقتها برجوعي إلى كتاب «الإغفال» لأبي علي الفارسي لأنه ضم كثيرا من نصوص معاني القرآن للزجاج ثم علق عليها مصلحا ما أخطأ فيه الزجاج، فرأيت أن نسبة هذه النسخة إلى الزجاج صحيحة، لأن النصوص التي أوردها الفارسيّ في الاغفال هي نفس النصوص التي أوردها الزجاج في المعاني. - نسخة رقم 636 - تفسير، وبعد تمحيص استطعت أن أثبت هذه النسخة ليست للزجاج، والزجاج منها بريء «2». 3) إعراب القرآن للزجاج رقم 528 - تفسير- دار الكتب المصرية ليست للزجاج كما بينت سابقا في هذا البحث. 4) البرهان في علوم القرآن للحوفي: نسخة رقم 20503 بدار الكتب المصرية. وقد صورت منها النسخة رقم 20784 ب والنسخة رقم 20785 ب. ومع مجهود التصوير المكرر لهذه النسخة، فإنها ليست للحوفي، بل هي نسخة من إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس. «3» وبتوفيق الله لم يسبقني أحد إلى هذه التصحيحات أو التحقيقات، ولا فخر في ذلك، فإن ما يبذل حول الدراسات القرآنية قليل بالنسبة لما يجب أن يكون. وقد ألقت هذه التحقيقات على هذه المخطوطات ضوءا كاشفا يحملنا على أن نعيد النظر في هذه المخطوطات لتقويمها من جديد حتى لا تختلط القيم، وتضطرب الأمور.

_ (1) - القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: عبد العال سالم مكرم- 253. (2) انظر الأدلة في ذلك المرجع السابق- 252. (3) انظر الأدلة في ذلك المرجع السابق- 284.

وبعد فإني أقدم شكري العميق للأخ الفاضل الأستاذ العابد، على هذا النقد البريء الذي تفضل به مشكورا. أشكره لأنه أتاح لي فرصة طيّبة لبيان وجهة نظري في نسبة كتاب الحجة إلى صاحبه وأشكره لأنه أثار القراء نحو هذا الكتاب ليطلعوا على ما فيه بأنفسهم، والقارئ شريك الناقد والباحث في أن يكون له رأي والفكر ليس وقفا على أحد. ومن حسن الحظ فإن الكتاب قد تمّ طبعه في دار الشروق ببيروت، وقد رأى النور بنشره، وأسعده الحظ في أن يبعث من جديد بعد إحدى وعشرين وألف سنة ... والله أسأل أن يجنّبنا الخطأ، وأن يهدينا سواء السّبيل. ومن حسن الحظّ بعد نشر هذه المقدّمة رأيت في مقدّمة الزّبيري لكتابه: «تاج العروس» أنّ من المراجع التي اعتمد عليها في كتابه: كتاب الحجة في القراءات السّبع لابن خالويه. وبذلك قطعت جهيزة قول كل خطيب. عبد العال سالم مكرم- الكويت

_ نشرت في مجلة اللسان العربي، المجلد التاسع الجزء الأول للدكتور عبد العال سالم مكرم ص 315.

صورة لغلاف كتاب الحجة

صورة الصفحة الأولى من كتاب الحجة

صورة الصفحة الثانية من كتاب الحجة

صورة الصفحة الأخيرة لكتاب الحجّة

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرّحمن الرّحيم ربّ يسّر الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحق، ومقال الصدق، صلّى الله عليهم أجمعين، وعلى محمد خاتم النبيّين، وعلى آله الكرام الطيّبين، الأخيار الطّاهرين. وبعد، فإني تدبّرت قراءة الأئمّة السّبعة «1» من أهل الأمصار الخمسة «2» المعروفين بصحة النقل، وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية،

_ (1) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ... أصله من «أصبهان» ويكني: أبا رؤيم، وقيل: أبا الحسن، وقيل: أبا عبد الرحمن. وتوفي بالمدينة سنة تسع وستين ومائة- ابن كثير: عبد الله بن كثير الدّاري، مولى عمرو بن علقمة الكناني، ويكني أبا معبد. توفي بمكة سنة عشرين ومائة. - أبو عمرو بن العلاء بن عمّار بن عبد الملك بن الحصين بن الحرث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وقيل: اسمه زبّان. وقيل: العريان، وقيل: غير ذلك، وتوفي بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة. - ابن عامر: عبد الله بن عامر اليخصبي، قاضي دمشق، ويكني: أبا عمران، وهو من التابعين، وليس في القرّاء السبعة من العرب غيره، وغير أبي عمرو. والباقون هم موال. وتوفي في دمشق سنة ثماني عشر ومائة. - عاصم: هو عاصم بن أبي النّجود، ويقال له: ابن بهدلة، ويكني: أبا بكر، وهو من التابعين، وتوفي بالكوفة سنة ثمان، وقيل: سنة سبع وعشرين ومائة. - حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات، ويكني: أبا عمارة وتوفي بحلوان سنة ست وخمسين ومائة. - الكسائي: علي بن حمزة النحوي مولي لبني أسد، ويكني: أبا الحسن، وقيل له الكسائي: لأنه أحرم في كساء. توفي سنة تسع وثمانين ومائة. انظر: (التيسير في القراءات السبع) من ص 4 إلى ص 7. (2) المدينة: بها قرأ نافع. مكة: وبها قرأ ابن كثير. البصرة: وبها قرأ أبو عمرو. الكوفة: وبها قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي. والشام: وبها قرأ ابن عامر.

ذكر اختلافهم في فاتحة الكتاب

واللفظ، فرأيت كلّا منهم قد ذهب في إعراب ما انفرد به من حرفه «1» مذهبا من مذاهب العربية لا يدفع، وقصد من القياس وجها لا يمنع، فوافق باللفظ والحكاية طريق النقل والرواية غير مؤثر للاختيار على واجب الآثار «2». وأنا بعون الله ذاكر في كتابي هذا ما احتج به أهل صناعة النحو لهم في معاني اختلافهم، وتارك ذكر اجتماعهم وائتلافهم، معتمد فيه على ذكر القراءة المشهورة، ومنكب «3» عن الروايات الشاذة المنكورة، وقاصد قصد الإبانة في اقتصار، من غير إطالة ولا إكثار، محتذيا لمن تقدّم في مقالهم، مترجما عن ألفاظهم واعتلالهم، جامعا ذلك بلفظ بيّن جذل، ومقال واضح سهل؛ ليقرب على مريده، وليسهل على مستفيده، والله الموفق للسّداد، والهادي إلى سبيل الرشاد، وهو حسي وإليه معاد. ذكر اختلافهم في فاتحة الكتاب قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «4». يقرأ بإثبات الألف، وطرحها. فالحجة لمن أثبتها: أن الملك داخل تحت المالك. والدّليل له: قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ «5». والحجة لمن طرحها: أن الملك أخص من المالك وأمدح؛ لأنه قد يكون المالك غير ملك، ولا يكون الملك إلا مالكا. قوله تعالى: الصِّراطَ. تقرأ بالصاد والسّين وإشمام «6» الزّاي. فالحجة لمن قرأ بالسّين: أنه جاء به على أصل الكلمة. والحجة لمن قرأ بالصّاد: أنه أبدلها من السّين لتؤاخي السّين في الهمس «7» والصّفير «8»، وتؤاخي الطاء في الإطباق «9»، لأن السين مهموسة والطاء مجهورة،

_ (1) كل كلمة تقرأ على الوجوه من القرآن تسمى حرفا (اللسان: حرف). (2) الآثار: الأخبار، والمراد بها روايات القراءات. (3) منكب: يقال: نكّب، ونكب، وننكّب عن الشيء وعن الطريق: عدل (اللسان). (4) آية: 4 (5) آل عمران: 26. (6) الإشمام: المراد بالإشمام هنا: خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان، فيتولد منهما حرف ليس بصاد، ولا زاي. (شرح ابن القاصح على الشاطبية: 34). (7) الهمس: لغة: إخفاء الصوت، واصطلاحا: جري النفس مع الحرف لضعف الاعتماد على المخرج. وحروفه عشرة، يجمعها لفظ: (فحثه شخص سكت). (8) الصّفير: لغة صوت تصوّت به الطيور، واصطلاحا: صوت يخرج بقوة مع الريح من بين طرف اللسان والثنايا. وحروفه: السين- الصاد- الزاي. (9) الإطباق: لغة: الإلصاق، واصطلاحا: تلاقى طائفتي اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف. وحروفه أربعة

الخلف في سورة البقرة

والحجة لمن أشمّ الزّاي: أنها تؤاخي السّين في الصفير وتؤاخي الطّاء في الجهر. قوله تعالى: عَلَيْهِمْ. يقرأ بكسر الهاء، وضمها، وإسكان الميم، وضمها وإلحاق واو بعدها. فالحجة لمن كسر الهاء: أنها لما جاورت الياء كره الخروج من كسر إلى ضم، لأن ذلك مما تستثقله العرب، وتتجافاه في أسمائها. والحجة لمن ضم الهاء: أنه أتى بها على أصل ما كانت عليه قبل دخول حرف الخفض عليها. والحجة لمن ضم الميم وألحقها الواو: أنه جعل الواو علما للجمع كما كانت الألف علما للتثنية. والحجة لمن أسكنها وحذف الواو: أنّ الواو لما وقعت طرفا وقبلها حركة حذفها إذ لم يمكنه قلبها، ونابت الميم عنها، لأنها زائدة. وليس قولك: قاموا «1» كقولك: عليهمو. الخلف في سورة البقرة قوله تعالى: فِيهِ هُدىً «2». يقرأ بالإدغام «3» والإظهار. فالحجة لمن أدغم: مماثلة الحرفين، لأن الإدغام على وجهين: مماثلة الحرفين، ومقاربتهما. فالمماثلة: كونهما من جنس واحد. والمقاربة «4»: أن يتقاربا في المخرج كقرب القاف من الكاف، والميم من الباء، واللام من النون. وإنما وجب الإدغام في ذلك لأن النطق بالمتماثلين والمتقاربين ثقيل، فخفّفوه بالإدغام، إذ لم يمكن حذف أحد الحرفين. والحجة لمن أظهر: أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب له، ووفّاه حقّ لفظه، لأن الإظهار الأصل، والإدغام فرع عليه. فإن كان الحرف الأول ساكنا لعلّة أو لعامل دخل عليه كان الإدغام أولى من الإظهار.

_ الطاء، والظاء، والصاد، والضاد. انظر: رسالة فيما يجب على القارئ أن يعلمه من مخارج الحروف. مخطوطة رقم 21347 بدار الكتب المصرية (قراءات). (1) لأن الواو في قاموا واو الجماعة وموقعها فاعل بخلاف الواو في «عليهمو» فإنها زائدة لتدل على الجمع. (2) البقرة: آية: 2 (3) الإدغام في اللغة: إدخال الشيء في الشيء، يقال: أدغمت اللجام في فم الدابة أي أدخلته فيه. وليس إدغام الحرف إدخاله فيه على الحقيقة- بل هو إيصاله به من غير أن يفكّ بينهما (شرح الشافية للعلامة المحقق رضي الدين الاسترابادي: 3: 235). (4) يقول الرّضي في شرحه شافية ابن الحاجب. (لا يمكن إدغام المتقاربين إلا بعد جعلهما متماثلين، لأن الإدغام إخراج الحرفين من مخرج واحد دفعة واحدة، ولا يمكن اخراج المتقاربين من مخرج واحد، لأن لكل حرف مخرجا على حدة. والذي أرى أنه ليس الإدغام الإتيان بحرفين، بل هو: الإتيان بحرف واحد مع اعتماد على مخرجه قويّ سواء كان ذلك الحرف متحركا نحو يمدّ زيد، أو ساكنا نحو يمد وقفا) 3: 235 شرح شافية ابن الحاجب.

قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ «1» يقرأ بالهمز «2»، وتركه فيه، وفيما ضارعه «3». فالحجة لمن همز: أنه أتى بالكلمة على أصلها، وكمال لفظها، لأن الهمزة حرف صحيح معدود في حروف المعجم. والحجة لمن تركه: أنه نحا التخفيف، فأدرج اللفظ، وسهّل ذلك عليه سكونها وبعد مخرجها «4»، وكان طرحها في ذلك لا يخل بالكلام ولا يحيل «5» المعنى. فإن كان سكونها علامة للجزم، أو كان تركها أثقل من الإتيان بها أثبتها، لئلا تخرج من لغة إلى أخرى، كقوله تعالى: أَوْ نُنْسِها «6». إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ «7». وكقوله: تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ «8». فإن قيل: فإنّ تارك الهمز في «يؤمنون» يهمز الكأس، والرأس، والبأس، فقل: هذه أسماء، والاسم خفيف، وتلك أفعال، والفعل ثقيل، فهمز لما استخف، وحذف لما استثقل. ومن القرّاء من يهمز إذا أدرج ولا يهمز إذا وقف، ويطرح حركة الهمزة على الساكن قبلها أبدا، فيقرأ إذا وقف: مَوْئِلًا «9»: وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ «10». ومِنْهُنَّ جُزْءاً «11» لأن هذه الأحرف في السّواد كذلك. فأما قوله: هُزُواً «12» وكُفُواً «13». فبالواو؛ لأنها ثابتة في السّواد. ومنهم أيضا: من يحذف الهمزات ساكنها، أو متحركها، وينقل الحركة إلى الساكن

_ (1) البقرة: 3. (2) الجمهور يقرءون بالهمزة ساكنة بعد الياء، وأبو عمرو، وورش يحذفان الهمزة (البحر المحيط: 1: 4)، (وغيث النفع في القراءات السبع: 23). (3) ضارعه: شابهه. (4) لأن مخرج الهمزة المحققة من المزمار نفسه، إذ عند النطق بالهمزة تنطبق فتحة المزمار انطباقا تاما، فلا يسمح بمرور الهواء إلى الحلق، ثم تنفرج فتحة المزمار فجأة فيسمح صوت انفجار هو ما نعبر عنه بالهمزة. والنطق بالهمزة عمليّة تحتاج إلى جهد عضلي مما يجعل الهمزة أشد الأصوات. (الأصوات اللغوية د. إبراهيم أنيس: 77). (5) ولا يحيل المعنى يقال: أحلت الكلام، أحيله إحالة: إذا أفسدته (اللسان). (6) البقرة: 106 (7) المائدة: 101 (8) الأحزاب: 51. (9) الكهف: 58 (10) الواقعة: 9. (11) البقرة: 260. (12) البقرة: 67. (13) الإخلاص: 4.

قبلها فيقرأ: قَدْ أَفْلَحَ «1»، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ «2». والحجة له في ذلك: أن الهمزة المتحركة أثقل من الساكنة، فإذا طرحت الساكنة طلبا للتخفيف كانت المتحركة بالطّرح أولى. قوله تعالى: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ «3». تقرأ بمدّ الألف، وقصرها «4». فالحجة لمن مدّ: ان الألف خفيفة، والهمزة كذلك، فقوّاها بالمدّ، ليصح في اللفظ. وهذا مدّ حرف لحرف. والحجة لمن قصر أنه أتى بالكلام على أصله، لأن الحرفين من كلمتين، فكأن الوقف منويّ عند تمام الحرف. وقياس هذا الباب قياس الإدغام في الحرفين المثلين إذا أتيا في كلمتين كنت في إدغام الأول بالخيار، وإظهاره. وإذا كانا في كلمة واحدة وجب الإدغام كقوله: وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ «5». وكذلك الممدود، إذا كان في كلمتين كنت مخيرا. وإذا كان في كلمة وجب مدّه كقوله: مِنَ السَّماءِ ماءً «6» والحروف اللّواتي يقع بهن المد ثلاثة: واو، وياء، وألف، لكون ما قبلهن منهنّ. فالواو كقوله: قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ «7». والياء كقوله: وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً «8». والألف كقوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ «9». قوله تعالى: أَأَنْذَرْتَهُمْ «10». يقرأ وما شاكله من الهمزتين المتفقتين بتحقيق الأولى «11»

_ (1) المؤمنون: 1. (2) آل عمران: 91. (3) البقرة: 4. (4) قصره قالون، وابن كثير، ومده الباقون وهم في مده متفاوتون على حسب مذاهبهم (غيث النفع: 23). (5) النمل: 88. (6) البقرة: 22. (7) البقرة: 14. (8) الأنعام: 25. (9) الرّعد: 7. (10) البقرة: 6. (11) وهي قراءة أهل المدينة، وأبي عمرو، والأعمش، وعبد الله بن أبي إسحاق واختارها الخليل وسيبويه، وهي لغة قريش، وسعد بن بكر (تفسير القرطبي 1: 161).

وتعويض مدّة من الثانية، وبتحقيقهما متواليتين، وبهمزتين «1» بينهما مدّة. فالحجة لمن قرأ بالهمز والتعويض: أنه كره الجمع بين همزتين متواليتين، فخفّف الثانية، وعوّض منها مدّة كما قالوا. آدم وآزر، وإن تفاضلوا في المدّ على قدر أصولهم. ومن حققهما فالحجة له: أنه أتى بالكلام محققا على واجبه، لأن الهمزة الأولى ألف التسوية بلفظ الاستفهام، والثانية ألف القطع، وكل واحدة منهما داخلة لمعنى. والحجة لمن حققهما وفصل بمدّة بينهما: أنه استجفى الجمع بينهما، ففصل بالمدّة، لأنه كره تليين إحداهما، فصحّح اللفظ بينهما، وكلّ ذلك من فصيح كلام العرب. قوله تعالى: وَعَلى أَبْصارِهِمْ «2». تقرأ بالإمالة «3» والتفخيم «4»، وكذلك ما شاكله مما كانت الراء مكسورة في آخره. فالحجة لمن أماله: أن للعرب في إمالة ما كانت الراء في آخره مكسورة رغبة ليست في غيرها من الحروف للتكرير «5» الذي فيها، فلما كانت الكسرة للخفض في آخر الاسم، والألف قبلها مستعلية «6» أمال ما قبل الألف، لتسهل له الإمالة، ويكون اللفظ من وجه واحد. والحجة لمن فخّم: أنه أتى بالكلام على أصله، ووجهه الذي كان له لأن الأصل التفخيم، والإمالة فرع عليه.

_ (1) وهي قراءة ابن عباس وابن أبي إسحاق. وقد أنكر هذه القراءة الزمخشري، وزعم أن ذلك لحن، وخروج عن كلام العرب من وجهين: أحدهما: الجمع بين ساكنين على غير حدّه. الثاني: أن طريق تخفيف الهمزة المتحركة المفتوح ما قبلها هو بالتسهيل بين بين، لا بالقلب ألفا. وقد ردّ عليه أبو حيان الأندلسي بأن الكوفيين أجازوا الجمع بين الساكنين على غير الحد الذي أجازه البصريون. انظر: (تفسير القرطبي: 1: 161، والبحر المحيط لأبي حيان 1: 47، 48). (2) البقرة: 7. (3) الإمالة: هي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء وهي لغة عامة أهل نجد من تميم وأسد، وقيس. (النشر في القراءات العشر 2: 29). (4) التفخيم: عبارة عن سمن يدخل على جسم الحرف، فيمتلى الفم بصداه، والتفخيم والتجسيم، والتسمين، والتغليظ بمعنى واحد (رسالة فيما يجب على القارئ أن يعلمه ورقة: 25). (5) التكرير في الراء: لأن ضمتها كضمتين، وفتحتها كفتحتين، وكسرتها ككسرتين (شرح شافية ابن الحاجب للرضي 3: 20). (6) الاستعلاء: هو ارتفاع اللسان عند النطق بالحرف إلى جهة الحنك الأعلى (رسالة فيما يجب أن يعلمه القارى، ورقة: 24). وقد زاد مكّي على حروف الاستعلاء السبعة الألف، وبيّن ابن الجزري أن هذا وهم، فإن الألف تتبع ما قبلها، فلا توصف بترقيق ولا تفخيم. (النشر 1: 203).

فإن قيل: فيلزم من أمال «النار» أن يميل «الجار» فقل: لما كثر دور «النار» في القرآن أمالوها، ولما قلّ دور «الجار» في القرآن أبقوه على أصله. قوله تعالى: غِشاوَةٌ وَلَهُمْ «1». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه استأنف الكلام مبتدئا، ونوى به التقديم، وبالخبر التأخير، فكأنه قال: وغشاوة على أبصارهم. والحجة لمن نصب: أنه أضمر مع الواو فعلا عطفه على قوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ «2» وجعل على أبصارهم غشاوة، وإضمار الفعل إذا كان عليه دليل كثير مستعمل في كلام العرب، ومنه قول الشاعر «3»: ورأيت زوجك في الوغى ... متقلّدا سيفا ورمحا يريد: وحاملا رمحا. قوله تعالى: مَنْ يَقُولُ «4». يقرأ مدغما بغنة «5» وبغير غنّة، لأن النون والتنوين يدغمان عند ستة أحرف، يجمعها قولك: «يرملون» ويظهران عند ستة أحرف، وهن: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء. ويخفيان عند سائر الحروف. فالنون الساكنة والتنوين يدغمان في اللام والراء بغير غنّة، وفي الواو كذلك في قراءة (حمزة) «6». ويدغمان في الميم والنون بغنّة لا غير. فالحجة لمن أدغم في اللام والراء والياء والواو بغير غنة: أن اللام والراء حرفان شديدان، والغنة من الأنف فبعدت منهما، والياء والواو رخوتان «7»، فجرتا مع النون والتنوين في غنة، الخياشيم «8». واتفقوا على إدغام النون والتنوين عند الميم بغنة لا غير، لمشاركة الميم لهما في الخروج

_ (1) البقرة: 7. (2) البقرة: 7. (3) عبد الله بن الزبعرى: انظر: (معاني القرآن للفرّاء 1: 121،: 473). (4) البقرة: 8. (5) تطلق على الصوت الخارج من الخيشوم، سواء قام بالنون والميم، أو قام بنفسه. (رسالة فيما يجب على القارئ أن يعلمه ورقة: 30). (6) انظر: 61. (7) الرخاوة في اللغة: اللين، وفي الاصطلاح: جري الصوت لضعف الاعتماد على المخرج مع نفس قليل. (رسالة فيما يجب على القارئ أن يعلمه ورقة: 24). (8) الخياشيم: غراضيف في أقصى الأنف بينه وبين الدماغ، أو عروق في بطن الأنف (القاموس).

من الخياشيم، واستدلوا على ذلك بأن المتكلم بالميم والنون الساكنة لو أمسك بأنفه لأخلّ ذلك بلفظهما. قوله تعالى: وَما يَخْدَعُونَ «1». يقرأ بضم الياء «2» وإثبات الألف، وبفتح الياء وطرح الألف. فالحجة لمن أثبتها،: أنه عطف لفظ الثاني على لفظ الأول «3» ليشاكل بين اللفظين. والحجة لمن طرحها: أن (فاعل) لا يأتي في الكلام إلا من فاعلين يتساويان في الفعل كقولك: قاتلت فلانا وضاربته. والمعنى بينهما قريب، ألا ترى إلى قوله تعالى: قاتَلَهُمُ «4» اللَّهُ أي: قتلهم، فكذلك: «يُخادِعُونَ» بمعنى: «يخدعون». قوله تعالى: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً «5» يقرأ بالإمالة والتفخيم، وكذلك ما شاكله. كقوله: شاء، وخاف، وجاء، وضاق. فالحجة لمن أمال كسر أوائل هذه الأفعال إذا أخبر بها المخبر عن نفسه، فقال: زدت، وخفت وما أشبه ذلك. والحجة لمن فخّم: أنه أتى باللفظ، على أصل ما يجب للأفعال الثلاثية من فتح أوائلها إذا سمّي فاعلوها. فإن زدت في أوائل هذه الأفعال حرفا من حروف المضارعة اتفقوا على التفخيم، كقوله تعالى أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ «6» فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ «7». وقد أمال بعض القرّاء، من هذه الأفعال بعضا، وفخم بعضا. والحجة له في ذلك: أنه أتى باللغتين ليعلم أنّ القارئ بهما غير خارج عن ألفاظ العرب. قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ «8». يقرأ بالتشديد بالذال، وبضم الياء، وبفتح الياء «9» وتخفيف الذال. فالحجة لمن شدّد: أن ذلك تردّد منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة بعد أخرى فيما جاء به. والحجة لمن خفف: أنه أراد بما كانوا يكذبون عليك بأنك

_ (1) البقرة: 9. (2) هكذا قرأ الحرميّان (نافع وابن كثير) التيسير: 72. (3) الأول: قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللَّهَ الآية نفسها. (4) التوبة: 30. (5) البقرة: 10. (6) الصّف: 5. (7) مريم: 23. (8) البقرة: 10. (9) قراءة الكوفيّين (عاصم، حمزة، الكسائي) (التيسير: 72).

ساحر، وأنك مجنون، فأضمر حرف الجر لأن كذّب بالتشديد يتعدى بلفظه، وكذب بالتخفيف لا يتعدّى إلا بحرف جر. ومعنى القراءتين قريب، لأن من كذّب بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب. قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ «1». يقرأ وما شاكله من الأفعال بالكسر، وبإشمام «2» أوله الضمّ. فالحجة لمن كسر أوله: أنه استثقل الكسر على الواو التي كانت عين الفعل في الأصل، فنقلها إلى فاء الفعل بعد أن أزال حركة الفاء، فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كما قالوا: ميزان وميعاد. ومن ضمّ فالحجة له: أنه بقّى «3» على فعل ما لم يسمّ فاعله دليلا في الضم، لئلا يزول بناؤه. وقد قرأ بعض القراء ذلك بكسر بعض، وضمّ بعض فالحجة له في ذلك: ما قدّمناه من إتيانه باللغتين معا. قوله تعالى: السُّفَهاءُ أَلا «4». يقرأ بتحقيق الهمزتين، وتحقيق «5» الأولى وتخفيف الثانية تليينا. فالحجة لمن حقّق إتيانا باللفظ على واجبه ووفّاه حقه. والحجة لمن حقق الأولى، ولين الثانية: إنه نحا «6» التخفيف، وأزال عن نفسه لغة الثقل. فهذا معنى القراءة في الهمزتين المختلفتين. فأمّا المتفقتان «7» فهم فيهما مختلفون: فمنهم من يحوّل الأولى «8» في المكسورة ياء، والمضمومة «9» واوا، ويترك الأولى في المفتوحة «10» ويحقّق الثانية «11». ومنهم من يحقق الهمزتين معا. فالحجة لهم في ذلك: أن العرب تتسع في الهمزة ما لا تتسع في غيره فتحقق، وتلين

_ (1) البقرة: 11. (2) قراءة الكسائي، وهشام: (هشام بن عمار بن نصير بن قيسرة السلمي القاضي الدمشقي، وتوفي بها 245 هـ ويكني: أبا الوليد. (التيسير: 6،: 72). (3) بقّى وأبقى (القاموس). (4) البقرة: 13. (5) الحرميّان، والبصري وهو: (أبو عمرو بن العلاء) يبدلون الثانية واوا خالصة، ويحققون الأولى. (غيث النفع: 27). (6) نحا: النحو: القصد والطريق، يقال: نحا نحوه أي قصد قصده. (7) المتفقتان في الحركة. (8) كقوله تعالى: هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ البقرة: 31، وقوله تعالى: عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ النّور: 33. (9) وذلك في موضع واحد في سورة الأحقاف: أَوْلِياءُ أُولئِكَ. آية 32. (10) مثل قوله تعالى: جاءَ أَجَلُهُمْ يونس: 49. شاءَ أَنْشَرَهُ عبس: 22. (11) قراءة أبي عمرو حيث يسقط الهمزة الأولى، ويحقق الثانية (النشر 1: 337).

وتبدل، وتطرح. فهذه أربعة أوجه، وورد القرآن بجميعها. ومنه قراءة «الصّابيون» «1» «والخاطيون» «2». والحجة له تأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله تعالى: فِي طُغْيانِهِمْ «3». يقرأ بالإمالة، والتفخيم، وبينهما. فالحجّة لمن أمال: أن النون مكسورة للخفض فقربت الياء منهما «4» ليكون اللفظ من وجه واحد. وسهل ذلك عليه لأن الطغيان هاهنا مصدر كالطّغوى «5» في قوله تعالى: بِطَغْواها «6»، فلما اتفقا في المعنى ساوى بينهما في الإمالة. والحجة لمن فتح: أنه أتى بالكلام على أصل ما بني عليه. والحجة لمن قرأ بين ذلك: أنه عدل بين اللغتين فأخذ بأحسن اللفظين. فأمّا إمالة (الكسائي) «7» رحمه الله قوله تعالى: فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ «8». فإن كان أماله سماعا من العرب فالسؤال عنه ويل، وإن كان أماله قياسا فقد وهم، لأن ألف الجمع في أمثال هذا لا تمال، ويلزمه على قياسه أن يميل قوله: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ «9»، وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ «10»، وإمالة هذا محال فإن قيل: فقد أمال غيره: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ «11» فقل: قد عرّفناك رغبة العرب

_ (1) يقرأ بياء مضمومة، ووجهة أنه أبدل الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، ولم يحذفها لتدل على أن أصلها حرف يثبت آية: 69 من سورة: المائدة. انظر: (إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات 1: 221. (2) الحاقة: 37. (3) البقرة: 15. (4) أي من الألف والنون. قال أبو علي الفارسي في هذا الموضع: وحجة من أمال «الطغيان» هي أن الألف قد اكتنفها شيئان، كل واحد منهما يوجب الإمالة، وهي الياء التي قبلها، والكسرة التي بعدها، فإذا كان كل واحد منهما على انفراده يوجب الإمالة، فإذا اجتمعا كانا أوجب للإمالة. فإن قلت: إن أول الكلمة حرف مستعل مضموم، وكل واحد من المستعلى والضم بمنع الإمالة، فهلا منعاها هنا أيضا؟ فالقول: إن المستعلى لما جاء الياء بعده وتراخي عن الألف بحرفين لم يمنع الإمالة. ألا ترى قوما أمالوا: نحو المناشيط لتراخي المستعلي عن الألف مع أن المستعلي بعد الألف، فإذا تراخى في طغيان عنهما بحرفين مع أنه قبل الألف، كان أجدر بالإمالة. (الحجة لأبي علي الفارسي: ورقة: 131). (5) قال أبو علي الفارسي: «فالواو مبدلة من الياء، لأنه اسم مثل» التقوى والدعوى لأن لغة التنزيل الياء بدلالة «الطغيان» المذكور في القرآن في مواضع، «ورقة 131 من كتاب الحجة». (6) الشمس: (7) انظر: 1 (8) البقرة: 9 (9) البقرة: 13 (10) الإنسان: 15 (11) التوبة: 94

في إمالة ذوات الراء حتى أمالوا «برى وترا» «1». وكذلك فرّق (أبو عمرو) «2» بين ذوات الراء وبين غيرها، واللفظ بهما واحد، فقرأ مِنْ أَصْوافِها «3» بالتفخيم وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها «4» بالإمالة. قوله تعالى: بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ «5». يقرأ بالإمالة والتفخيم. وبينهما، وكذلك ما ضارعه من ذوات الياء اسما كان أو فعلا «6». فمن فخّم فالحجة له: أنه أتى بالكلام على أصل ما وضع له. والحجة لمن أمال: أنه قرّب الحرف المستعلى «7» من الياء ليعمل لسانه بالنطق من موضع واحد. والحجة لمن قرأ «بين بين»: أنه ساوى بين اللفظين. فأمّا (حمزة) «8» فأمال ذوات الياء، وفخم ذوات الواو، ليفرّق بين المعنيين. قوله تعالى: مَشَوْا فِيهِ «9». قرأ ابن كثير «10» بإشباع كسرة «11» الهاء، ووصلها بالياء، وكذلك كل هاء قبلها «12». فإن كان قبل الهاء حرف مفتوح أو ساكن ضم الهاء، ووصلها بواو نحو: «فقدّر هو» «13». «فلما كشفنا عنه ضرّهو» «14». والحجة له في ذلك أن الهاء حرف خفي، فقوّاه بحركته وحرف من جنس الحركة. وقرأ الباقون بإشارة إلى الضم والكسر من غير إثبات حرف بعد الهاء. والحجة لهم في ذلك: أنهم كرهوا أن يجمعوا بين حرفين ساكنين ليس بينهما حاجز إلا الهاء، وهي حرف خفيّ، فأسقطوه «15»،

_ (1) الوتر: محركة: شرعة القوس ومعلقها، جمعها: أوتار (القاموس: مادة: وتر). (2) سبقت ترجمته: 61 (3) النحل: 80 (4) النحل: 80. (5) البقرة: 16. (6) مثل: أتى- أبى- سعى- يخشى- يرضى- الخ. (7) الاستعلاء هنا: معناه العلو. (8) انظر: 61 (9) البقرة: 20 (10) انظر: 61 (11) في الأصل: همزة الهاء وهو تحريف. (12) انظر: التيسير: 29، وشرح ابن القاصح على الشاطبية: 49. (13) الفرقان: 2 (14) يونس: 12 (15) أي: الحرف الموصول بالهاء

وبقّوا الهاء على حركتها، وأصل حركتها الضم، وإنما يكسر إذا جاوز بها الهاء. وربما تركت على ضمها وقبلها الياء. قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «1». قرأه حمزة بإشباع فتح الشين، ووقفة على الياء قبل الهمزة. وكذلك يفعل بكل حرف سكن قبل الهمزة. والحجة له في ذلك: أنه أراد صحة اللفظ بالهمزة، وتحقيقها على أصلها، فجعلها كالمبتدإ. وسهل ذلك عليه أنها في حرف (عبد الله) «2» مكتوبة في السواد (شائ) بألف. وقرأه الباقون وما شاكله مدرجا على لفظه بالهمز من غير وقفة ولا سكتة. والحجة لهم في ذلك: أنه لا يوقف على بعض الاسم دون الإتيان على آخره، ولذلك صار الإعراب في آخر الاسم دون أوله وأوسطه، لأنه تمامه وانتهاؤه. قوله تعالى: مِنَ السَّماءِ ماءً «3» وقوله إِلَّا دُعاءً وَنِداءً «4»، وما أشبه ذلك من الممدود المنصوب المنوّن. يقرأ عند الوقف عليه بإثبات الألف عوضا من التنوين، وبالمدّ على الأصل. وبالقصر وطرح الألف. فالحجّة لمن مدّ وأثبت الألف: أن الأصل في الاسم ثلاث ألفات «5»، فالأصل في ماء (موه) فقلبت من الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار (ماه)، ثم قلبوا من الهاء ألفا، لأنها أجلد منها، وأحمل للحركة فصار فيه ألفان، والثالثة: العوض من التنوين عند الوقف على المنصوب. والدليل على أن الأصل في «ماء» ما ذكرناه: جمعه على أمواه. «ودعاء، ونداء» فيهما ألفان مجهولتان «6»، وألفان أصليتان، وألفان عوض من التنوين، فوفّى اللفظ حقه من النطق. والحجة لمن قصر وطرح الألف: أن يقول: الوقف يزيل الحركة في الرّفع والخفض، فإذا زالت الحركة في الرفع والخفض سقط التنوين، لأنه تابع لها، فجعل النصب قياسا على الرفع والخفض. ويستدل على ذلك أنها مكتوبة في السّواد بألف واحد.

_ (1) البقرة: 20 (2) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن سمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة: أبو عبد الرحمن الهذلي. كان يخدم النبي عليه السلام، يلبسه نعليه ويمشي معه وأمامه. ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، وتوفي ابن مسعود بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين (أسد الغابة 3: 259، 260). (3) البقرة: 22 (4) البقرة: 171 (5) في الأصل: لغات وهو تحريف (6) زائدتان قبل الهمزة المتطرفة

قوله تعالى: وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ «1». يقرأ بإمالة (الكافرين) وبتفخيمها في موضع النصب والجر. فالحجة لمن أمال: أنه لما اجتمع في الكلمة أربع كسرات، كسرة الفاء والراء والياء، والراء يقوم مقام كسرتين جذبن الألف لسكونها بقوّتهن فأملنها فإن قيل: فيلزم على هذا الأصل أن يميل الشَّاكِرِينَ «2» و «الجبّارين» «3»، فقل: لا يلزمه ذلك لثلاث علل: إحداهن: الإدغام الذي فيهما وهو فرع، والإمالة فرع، ولا يجمع بين فرعين في اسم. والأخرى: أن هذين الاسمين قليلا الدّور في القرآن، ولم يكثرا ككثرة «الكافرين» فترك إمالتهما. والثالثة: أنّ الشين والجيم والياء يخرجن من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك، فلما كانتا مجاورتين للياء كرهوا الإمالة فيهما كما كرهوا في الياء. قوله تعالى: فَأَحْياكُمْ «4». يقرأ بالإمالة والتفخيم على ما قدّمنا القول في ذلك، وإنما ذكرت هذا الحرف، لأن، (حمزة) يميل أمثاله إذا كانت قبله الواو، ولا يميله مع الفاء. والحجّة له في ذلك: أنه فرّق بين المتصل «5» والمنفصل لخفة أحدهما وثقل الآخر. وعلّته في ذلك: أن الثقل واقع في اللفظ لا في الحظ، واللفظ بهذين «6» الحرفين واحد، فمن استعمل وجها مع أحدهما لزمه استعماله مع الآخر أيضا. قوله تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ «7». يقرأ بإسكان الهاء «8» مع الواو والفاء وثمّ واللام، وبحركتها بالضم. فالحجة لمن أسكن: أنه لما اتصلت هذه الهاء بهذه الحروف أسكنت تخفيفا كما أسكنت لام الأمر في قوله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا «9». والحجة لمن ضم: أنه أتى بلفظ الاسم على أصله قبل دخوله هذه الحروف عليه.

_ (1) البقرة: 19 (2) آل عمران: 144. (3) المائدة: 22 (4) البقرة: 28 (5) أي: اتصال الفاء بالفعل. (6) من تعليق ابن خالويه على (حمزة) (7) البقرة: 29. (8) أبو عمرو والكسائي يسكنان الهاء من «هو، وهي» إذا كان قبلها واو أو فاء أو لام، والكسائي يسكن الهاء منهما مع «ثمّ» (التيسير: 72). (9) النور: 22.

وقد فرّق (بعض القراء) بين هذه الحروف فأسكن مع ما لا يوقف عليه منها، وحرّك ما يوقف عليه. والحجة له في ذلك: أنّ الحرف إذا اتصل بالاسم اتصالا لا يمكن الوقف عليه دونه ثقل فخفّف بالإسكان، وإذا قام بنفسه قياما يمكن الوقوف عليه كان الاسم بعده كالمبتدإ فلم يمكن إسكانه. قوله تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ «1». يقرأ بتحريك الياء «2» وإسكانها. فالحجة لمن فتحها: أنها هاهنا كالهاء والكاف في قولك: إنّه، وإنّك، وهي اسم مكنى والمكنّى مبنيّ على حركة ما، فكان الفتح أولى بها، لأنها جاءت بعد الكسر. والحجة لمن أسكن: أن يقول: الحركة على الياء ثقيلة، وأصل البناء السكون، فأسكنتها تخفيفا. والقرّاء يختلفون في هذه الياء وما شاكلها من ياءات الإضافة عند استقبال الهمزة: فمنهم من يفتحها مع المفتوحة، ويسكنها مع المضمومة والمكسورة استثقالا للحركة معهما. ومنهم من يسكنها مع المضمومة، ويفتحها مع ما سواها، لأن الضمة أثقل الحركات فخفّف الكلمة بالسكون، لأنه أخف من الحركة. ومنهم من يحذفها أصلا ويجتزي بالحركة منها. فإن اتصلت بحرف واحد فالوجه فتحها لئلا تسقط لالتقاء الساكنين فتبقى الكلمة على حرف واحد، وإسكانها جائز. وللعرب في ياءات الإضافة أربعة أوجه: فتحها على الأصل، وإسكانها تخفيفا، وإثبات الألف «3» بعدها تليينا للحركة، وحذفها اختصارا. قوله تعالى فَأَزَلَّهُمَا «4». يقرأ بإثبات الألف «5» والتخفيف، وبطرحها والتشديد. فالحجة لمن أثبت الألف، أن يجعله من الزوال والانتقال عن الجنة. والحجة لمن طرحها، أن يجعله من الزلل، وأصله: فأزللهما، فنقلت فتحة اللام إلى الزاي فسكنت اللام فأدغمت للمماثلة.

_ (1) البقرة: 30. (2) فتح الياء الحرميّان والبصري، وهذه أول ياء ذكرت في القرآن الكريم من ياءات الإضافة المختلف فيها، وجملتها مائتان واثنتا عشرة آية. زاد الداني: اثنتين وهما: «آتاني الله» النمل: 36، «فبشر عبادي الذين»: الزمر: 17، 18 (غيث النفع: 33). (3) في الأصل وإثبات الهاء، والصواب ما ذكرته. (4) البقرة: 36 (5) قراءة حمزة (التيسير: 73).

قوله تعالى: أَنْبِئْهُمْ «1». قرأه (ابن عامر) «2» بطرح الهمزة وإثبات الباء، وكسر الهاء. فإن كان جعله من أنبى ينبى غير مهموز فهو لحن، وإن كان خفف الهمزة وجعلها ياء وهو يريدها كان وجها. قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ «3». تقرأ برفع آدم ونصب «4» الكلمات. وبنصب آدم ورفع الكلمات. فالحجة لمن رفع آدم: أن الله تعالى لما علّم آدم الكلمات فأمره بهن تلقّاهنّ بالقبول عنه. والحجة لمن نصب آدم أن يقول: ما تلقّاك فقد تلقّيته وما نالك فقد نلته. وهذا يسمّيه النحويون: المشاركة في الفعل. قوله تعالى: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ «5». رواه (ورش) «6» عن (نافع) «7» بإسكان الياء وما شاكل ذلك من الياءات فجمع بين ساكنين، لأن الألف قبل الياء كالمتحركة للمدّ «8» الذي قبلها، ولذلك قرأ (أبو عمرو): «واللّاي يئسن» «9» بإسكان الياء. والاختيار ما عليه القرّاء من فتحها. فأما قوله تعالى: عَلَيَّ «10» وإِلَيَّ «11» ولَدَيَّ «12» فلا يجوز في يائهن إلّا الفتح لالتقاء الساكنين. وأمال (الكسائي) (هداي) وفتحه الباقون: فالحجة لمن أمال: أنها من ذوات الياء لتثنيتهم إياها (هديان) كما تقول: فتيان. والحجّة لمن فخم: أنها وإن كانت في

_ (1) البقرة: 33 (2) انظر: 61 (3) البقرة: 37 (4) قراءة ابن كثير: (غيث النفع: 36). (5) البقرة: 38. (6) هو عثمان بن سعيد المصري، ويكني: أبا سعيد، وورش لقب به فيما يقال لشدة بياضه، وتوفي بمصر سنة 197 هـ (التيسير: 4). (7) انظر: 61 (8) دليل قراءة الإسكان. (9) الطلاق: 4. (10) الإسراء: 62 (11) لقمان: 14 - 15 (12) ق: 29.

الأصل من ذوات الياء فقد انقلبت الياء فيها بالإضافة إلى لفظ الألف، فاستعمال اللفظ أولى من الرجوع إلى الأصل. قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ «1». كان (ابن كثير) «2» يمدّ إسرائيل «3» أكثر من مد «بني». والحجة له في ذلك: أن مدّ (بني) لأجل استقبال الهمزة فهي مدّ حرف لحرف، والمدّ في «اسرائيل» من أصل بنية الكلمة لا لأجل غيرها. وسوّى الباقون بين مدّتيهما لأنهما في اللفظ بهما سيّان. قوله تعالى: «ولا تقبل منهما شفاعة» «4». تقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأ بالتاء: أنه دل بها على تأنيث الشفاعة. ولمن قرأ بالياء ثلاث حجج: أولاهن: أنه لما فصل بين الفعل والاسم بفاصل جعله عوضا من تأنيث الفعل. والثانية أن تأنيث الشفاعة لا حقيقة له ولا معنى تحته، فتأنيثه وتذكيره سيّان. والثالثة: قول (ابن مسعود) «5»: إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوه بالياء «6». قوله تعالى: «وإذ وعدنا» «7». هاهنا، وفي الأعراف «8»، وطه «9» يقرأن بإثبات ألف

_ (1) البقرة: 47 (2) انظر: ص 61. (3) لا ينصرف لأنه علم أعجمي، وقد تكلمت به العرب بلغات مختلفة. فمنهم من يقول: إسرائيل بهمزة بعدها ياء، بعدها لام. ومنهم من يقول: كذلك إلا أنه يقلب الهمزة ياء. ومنهم من يبقي الهمزة، ويحذف الياء، ومنهم من يحذفها فيقول: إسرال. ومنهم من يقول: إسرائين. (إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري 1: 33). (4) البقرة: 48. (5) ابن مسعود انظر: 49. (6) يناقش أبو علي الفارسي حديث ابن مسعود الذي استدل به أحمد بن يحيى «ذكّروا القرآن» فيقول: يريد بذلك الموعظة والدعاء كما قال تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ إلا أنه حذف الجار، وإن كان قد ثبت في الآية. ويمكن أن يكون معنى قوله: ذكّروا القرآن: أي لا تجحدوه. ولا تنكروه، كما أنكره من قال فيه: أساطير الأولين، لإطلاقهم عليه لفظ التأنيث، فهؤلاء لم يذكّروه لكنهم أنثوه بإطلاقهم التأنيث على ما كان مؤنث اللفظ كقوله: «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً». فإناث جمع أنثى، وإنما يعني به ما اتخذوه آلهة كقوله: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى» (الحجة في القراءات لأبي علي الفارسي لوحة: 51، 52، 53). (7) البقرة: 51. (8) الأعراف: 142. (9) طه: 80.

بين الواو والعين، وبطرحها. فالحجة لمن أثبت الألف: أن الله تعالى وعد موسى عليه السّلام وعدا فقبله، فصار شريكا فيه، فجاء الفعل ب «فاعلت» لأنه بنيّة فعل الاثنين. فإذا جاء للواحد فهو قليل. والحجة لمن طرح الألف: أن يقول: الله هو المنفرد بالوعد والوعيد، وإنما تكون المواعدة بين المخلوقين، فلما انفرد الله تعالى بذلك كان فعلت فيه أولى من فاعلت. قوله تعالى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ «1». تقرأ بالإظهار والإدغام. فالحجّة لمن أظهر: أنه أتى بالكلمة على أصلها، واغتنم الثواب على كلّ حرف منها. والحجّة لمن أدغم: أنّ الظاء والثاء، والذال مخرجهنّ من طرف اللسان، وأطراف الثّنايا العلى «2» فوجب الإدغام لمقاربة المخرج والمجانسة. فإن قيل: فيلزم من أدغم: (اتخذتم) أن يدغم لَبِثْتُمْ «3» فقل: إنّ مدغم (اتخذتم) ومظهر «لبثتم» أتى باللغتين معا ليعلم من قرأ بهما أنه غير خارج عن الصواب. قوله تعالى: إِلى بارِئِكُمْ «4». رواه (اليزيدي) «5» عن أبي عمرو «6» بإسكان الهمزة فيه وفي قوله: يَأْمُرُكُمْ «7»، وَيَنْصُرْكُمْ «8»، ويَلْعَنُهُمُ «9»، ويَجْمَعُكُمْ «10» وأَسْلِحَتِكُمْ «11» يسكّن ذلك كله كراهية لتوالي الحركات، واستشهد على ذلك بقول امرئ القيس «12»:

_ (1) البقرة: 51. (2) جمع عليا أنثى أفعل مثل: صغرى وصغر، وكبرى وكبر. (3) الإسراء: 52. (4) البقرة: 54. (5) محمد بن يحيى بن المبارك، المعروف باليزيدي، كان ثقة علامة فصيحا متواضعا إماما في اللغة والآداب حتى قيل: أملي عشرة آلاف ورقة من صدره عن أبي عمرو خاصة غير ما أخذه عن الخليل وغيره، وتوفي 202 هـ عن أربع وستين سنة (النشر 1: 134). (6) انظر ص: 61. (7) البقرة: 67 (8) آل عمران: 160 (9) البقرة: 159 (10) الجاثية: 26. (11) النساء: 102. (12) هو امرؤ القيس بن جحر بن عمرو الكندي وهو من أهل نجد من الطبقة الأولى. (الشعر والشعراء: 31، مطبعة مصطفى محمد، طبعة ثانية).

فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل «1» أراد: «أشرب» فأسكن الباء تخفيفا. وحكى سيبويه «2» عن هارون «3» (بارئكم) باختلاس الهمزة والحركة فيما رواه (اليزيدي) «4» عنه. بالإسكان، لأن أبا عمرو كان يميل إلى التخفيف فيرى من سمعه يختلس بسرعة أنه أسكن. وقرأ الباقون بالإشباع، والحركة. والحجّة لهم: أنهم أتوا بالكلمة على أصل ما وجب لها. قوله تعالى: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً «5»، وَأَرِنا مَناسِكَنا «6»، وما شاكله. يقرأ بكسر الراء وإسكانها. فالحجّة لمن كسر: أنه يقول: الأصل في هذا الفعل (أرإينا) على وزن «أكرمنا» فنقلت كسرة الهمزة إلى الراء، وحذفت الهمزة تخفيفا للكلمة، وسقطت الياء للأمر. ولمن أسكن الراء حجّتان: إحداهما: أنه أسكنها، والأصل كسرها تخفيفا كما قالوا في فخذ: فخذ. والثانية: أنه بقّى الراء على سكونها وحذف الهمزة بحركتها ولم ينقلها. فأمّا ما روي عن أبي عمرو من إمالة قوله: فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ «7»، وما شاكله فغلط

_ (1) الخصائص 1: 74، 3: 96. «الموشح»: ص: 150 «رسالة الغفران» تحقيق بنت الشاطئ: 290، 368، «الدرر اللوامع» 1: 32، «مجلة المجمع العلمي العربي» م 15 ج 3: 118، «الخزانة» للبغدادي 3: 530، شرح، المفصل» لابن يعيش 1: 48، «الكتاب» لسيبويه: 2: 297. (2) عمرو بن عثمان بن قنبر إمام البصريين، وكنيته أبو بشر، ويقال أبو الحسن، نشأ بالبصرة، وأخذ عن الخليل، ويونس، وأبي الخطاب الأخفش، وعيسى بن عمر. وقد اختلف في تاريخ وفاته، فقيل: توفي سنة ثمانين ومائة. وقيل سنة إحدى وستين، وقيل سنة ثمان وثمانين، وقال ابن الجوزي: مات «بساوة» سنة أربع وتسعين (البغية: 366). (3) هارون بن موسى القارئ الأعور النحوي، صاحب القرآن والعربية ضبط النحو وحفظه، وهو أول من تتبع وجوه القرآن وألّفها وتتبّع الشاذ منها، وبحث على إسناده. ومات في حدود السبعين ومائة (البغية: 406). (4) انظر: 77 (5) النساء: 153 (خالف بذكر هذه الآية في سورة البقرة منهجه وترتيبه) (6) البقرة: 128 (7) الأنعام: 77

عليه، لأن الإمالة «1» من أجل الياء، فلما سقطت «2» الياء سقطت الإمالة. فإن قيل: فيلزم على هذا أن لا يقف على المخفوض بالإمالة، لأن الكسرة قد زالت بالوقف، فقل: من شرطه أن يشمّ الكسرة في الوقف فأمال الإشارة، ليعلم أنه كذلك يصل. فإن كانت هذه الرواية صحّت «3» فإنما أراد أن يعلم أنه كذلك يقف، وفي هذا بعض الوهن، ولكنّه عذر له، والمشهور عنه في ذلك الفتح «4». قوله تعالى: «يغفر لكم خطاياكم» «5». تقرأ بالتاء والياء وضمهما، وبالنون. فالحجّة لمن قرأها بالتاء والياء ما قدّمناه في قوله: «ولا تقبل منها شفاعة» «6» والضمّ دلالة على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله. ولمن قرأ بالياء حجّة رابعة، وهي: أن «خطايا» جمع، وجمع ما لا يعقل مشبه لجمع من يعقل من النساء، فكما ذكّر الفعل في قوله: وَقالَ نِسْوَةٌ «7» لتذكير لفظ الجمع، فكذلك يجوز التذكير في قوله: نَغْفِرْ، لأنه فعل للخطايا، ولفظها لفظ جمع. فإن قيل: لم اتفقت القرّاء على قوله: خَطاياكُمْ هاهنا، واختلفوا في الأعراف «8» وسورة نوح «9»؟ فقل: لأن هذه كتبت بالألف في المصحف فأدّى اللفظ ما تضمّنه السّواد، وتينك كتبتا بالتاء من غير ألف، وهما في الحالين جمعان ل «خطية»، فخطايا جمع تكسير، وخطيئات جمع سلامة. وكان الأصل في خطايا: (خطائئ) على وزن (فعائل)، فاستثقل «10» الجمع بين همزتين فقلبوا الثانية ياء لانكسار ما قبلها فصار (خطائي)، فوجب سقوط الياء لسكونها، وسكون التنوين، فكرهوا ذهاب الياء مع خفاء الهمزة،

_ (1) أي إمالة الهمزة من: «رأي» وذلك إذا لم يأت بعد الياء ساكن. (2) لوجود ساكن بعدها، انظر في هذا الموضع: (التيسير: 101،: 102) (3) أي إمالة رأي في حالة اتصالها بالساكن بعدها. (4) أي فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف، ويقال له أيضا: التفخيم، وربما قيل له النصب، (النشر 1: 29). (5) البقرة: 58. (6) البقرة: 48، وانظر: 52 عند قوله تعالى: «ولا تقبل منها شفاعة». (7) يوسف: 30 (8) الأعراف: 11 (9) نوح: 25 (10) ثم قلبت الياء همزة لوقوعها بعد ألف الجمع.

فقلبوا من الكسرة فتحة، ومن الياء ألفا فصار: خطاءا بثلاث ألفات، فكرهوا الجمع من ثلاث صور، فقلبوا من الألف الوسطى ياء فصار: «خطايا». وأدغم (أبو عمرو) وحده الرّاء في اللام من (يغفر لكم) وما شاكله في القرآن، وهو ضعيف عند البصريين. وقد روى عنه الإظهار. والحجة له في ذلك: أنه لما كانت تدغم في الراء كقوله: قُلْ رَبِّ «1»، بَلْ رانَ «2» كانت الراء بهذه المثابة تدغم في اللام. قوله تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ «3» يقرأ بكسر الهاء والميم، وبضمّهما، وبكسر الهاء وضم الميم في كل موضع استقبلتهما فيه ألف ولام. فالحجة لمن كسرهما: أنه كسر الهاء لمجاورة الياء، وكسر الميم لالتقاء الساكنين. والحجة لمن ضمّهما: أنه لما ضم الهاء على أصل ما كانت عليه حرّك الميم أيضا بالضمّ على الأصل، لأنه كان (همو) قبل دخول حرف الجر عليه. والحجة لمن كسر الهاء، مجاورة الياء. وضمّ الميم، لأنه لم يجد بدّا من حركتها، فحرّكها بما قد كان في الأصل لها. فإن قيل: فلم وافق (الكسائي) (حمزة) هاهنا وخالفه في قوله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ «4»؟ فقل: لما كانت الميم ساكنة كره الخروج من ياء إلى ضمة فكسر الهاء لمجاورة الياء هناك وبقّى الميم على سكونها ولمّا لم يجد هاهنا بدّا من حركة الميم لالتقاء الساكنين- فلو ترك الهاء على كسرها لمجاورة الياء لخرج من كسر إلى ضم- ردّ الهاء إلى أصلها وحرّك الميم بالضم لالتقاء الساكنين. قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ «5». يقرأ بالهمز وتركه، وكذلك «النبوّة» و «الأنبياء». فالحجّة لمن همز: أنه أخذه من قوله: «أنبأ بالحق» إذا أخبر به، ومنه: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ «6». والحجّة لمن ترك من ثلاثة أوجه: أولها. أن الهمز مستثقل في كلامهم، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «لست نبيء الله» «7» كأنه كره الهمز لأن قريشا

_ (1) المؤمنون: 93. (2) «المطففين»: 14 (3) البقرة: 61. (4) فاتحة الكتاب: 7 (5) البقرة: 61 (6) البقرة: 31. (7) انظر: (اللسان: مادة: نبأ) وانظر: (الفائق في غريب الحديث للزمخشري: 3: 62).

لا تهمز. والثاني: أنه مأخوذ من النّبوة «1» وهي: ما ارتفع من الأرض وعلا، لأنه أخبر عن العالم العلوي، وأتى به عن الله تعالى. والثالث: أن العرب تدع الهمزة من (النّبي) وهو من: أنبأت، ومن (الخابية) وهي من خبأت، ومن (البريّة) وهي من برأ الله الخلق، ومن (الذّريّة) وهي من ذرأهم، ومن (الرّويّة): وهي من: روّأت في الأمر. قوله تعالى: وَالصَّابِئِينَ «2». يقرأ وما شاكله بالهمز وتركه. فالحجّة لمن همز: أنه مأخوذ من، صبأ فلان: إذا خرج من دين إلى دن. والحجة لمن لم، يهمز: أن يكون أراد: الهمز، فليّن وترك، أو يكون أخذه من: صبا يصبو: إذا مال. وبه سمى الصبي صبيّا لأن قلبه يميل إلى كل لعب لفراغه. فإن قيل: فلم أجمع «3» على همز الصابئين، وترك الهمز في النبيّين؟ فقل: لأن من ترك الهمز في النبيّين بقّى خلفا وهو الياء، ومن ترك الهمز في الصائبين لم يبق خلفا، لأنه كتب في المصحف بغير واو ولا ياء. قوله تعالى: أَتَتَّخِذُنا هُزُواً «4». يقرأ هزؤا» وكُفُواً «5» بالضم والهمز، وجُزْءاً «6» بإسكان «7» الزاي والهمز. والحجّة في ذلك اتّباع الخط، لأن «هزؤا» «وكفؤا» في المصحف مكتوبان بالواو، و «جزءا» بغير واو، فاتّبعوا في القراءة تأدية الخط. وقرأ (حمزة) ذلك كله مسكنا «8» مخفّفا. ووقف على «هزوا» و «كفوا» بالواو «9»،

_ وقال السيوطي في الإتقان: «الحديث الذي أخرجه الحاكم في «المستدرك» من طريق حمران بن أعين عن أبي الأسود الدولي عن أبي ذر قال: «جاء أعرابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا نبيء الله فقال: لست بنبيء الله، ولكني نبيّ الله». قال الذهبي: حديث منكر، وحمران رافضي ليس بثقة. (الإتقان 1: 98). (1) والنباوة أيضا: القاموس: مادة: نبا. (2) البقرة: 62. (3) أجمع القراء كلهم إلا نافعا على همز «الصابئين» «بالبقرة» و «الحج» بزيادة همزة مكسورة وأمّا «الصابئون» «بالمائدة» فبزيادة همزة مضمومة بعد كسرة. وقرأ نافع جميع ذلك بلا همز (شرح ابن القاصح على الشاطبيّة: 156). (4) البقرة: 67. (5) الإخلاص: 4. (6) البقرة: 260. (7) قرأ شعبة بضم الزاي (غيث النفع: 57). (8) الإسكان لغة تميم وأسد وقيس. (غيث النفع: 40). (9) بإبدال الهمزة واوا مفتوحة مع اسكان الزاي اتباعا للخط. والقياس أن يلقى حركتها على الفاء أو الزاي (التيسير: 226).

ووقف على «جزءا» بغير واو، ليجتمع له بذلك الإشراك بين الحروف إذ كان الجزء والهزء سيّان، ويتبع الخط في الوقف عليها. وفي «جزءا» أربع لغات: جزؤ بالضم والهمز، وجزء بالإسكان والهمز، وجزو بالإسكان والواو، وجزو بضم الزّاي والواو من غير همز، وهو رديء لأنه ليس في كلامهم اسم آخره واو قبلها حركة إلّا الربو وهذا شاذ. فإن كان أراد: أن أصل الواو فيه الهمز جاز. وقرأ (عاصم) «1» ذلك كله في رواية (أبي بكر) «2» بالهمز والتثقيل، ولم يلتفت إلى اختلاف صورهن في الخط لأن فيه ما قد أثبت في موضع، وحذف من نظيره لغير ما علّة كقوله: لَأُعَذِّبَنَّهُ «3» «أولا أذبحنه» «4» كتب الأول بغير ألف، والثاني بزيادة ألف، ولفظهما واحد، فحمله على هذا. وروى عنه (حفص) «5» رِجْزاً ساكن الزاي مهموزا، وهزوا وكفوا بالواو من غير همز اتّباعا للسّواد. قوله تعالى: مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ «6». وقوله: إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ «7». وقوله: أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «8». وقوله: وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ «9». يقرأن بالياء والتاء، فالتاء في الأول أكثر لقوله تعالى مخاطبا لهم: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ «10» والياء والتاء في الثاني معتدلتان. فالحجة لمن قرأ بالتاء: أنه أراد: وما الله بغافل عما تعملون أنتم وهم. والاختيار فيه التاء لعلّتين: إحداهما: أنّ ردّ اللفظ على اللفظ أحسن، والثانية أنه لما ثبت أنّ الله ليس

_ (1) انظر: 61. (2) هو: شعبة بن عياش بن سالم الكوفي الأسدي. وتوفي بالكوفة سنة أربع وتسعين ومائة (التيسير: 6)، (الفهرست: 49). (3) النمل: 21. (4) النمل: 21. (5) هو حنفي بن سليمان بن المغيرة الأسدي البزّاز الكوفي، ويكني: أبا عمر، قال وكيع: وكان ثقة. وقال ابن معين: هو أقرأ من أبي بكر، وتوفي قريبا من 190 هـ. (التيسير: 6). (6) البقرة: 74. (7) البقرة: 85. (8) البقرة: 144. (9) البقرة: 149. (10) البقرة: 74.

بغافل عما يعمل كل أحد اعتدلت التاء والياء فيهما. والحجة لمن قرأ بالياء: أن العرب ترجع من المخاطبة إلى الغيبة كقوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «1»، ولم يقل: بكم. والياء، والتاء، في الثالث قريبتان، والاختيار الياء لقوله: مِنْ رَبِّهِمْ والياء والتاء في الرابع متساويتان لأنه لم يتقدّم في قوله: وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ما تكون إحداهما أولى بالردّ عليه إلا أن يجعل قوله: (من ربّك) إفرادا للنبي عليه السلام بالخطاب، والمعنى له ولأمته، فيكون الاختيار على هذا الوجه التاء كما قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ «2». قوله تعالى: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ «3» يقرأ بالتوحيد والجمع. فلمن أفراد حجتان: إحداهما: أنّ الخطيئة هاهنا يعني بها: الشرك. والأخرى: أنّه عطف لفظ «الخطيئة» على لفظ «السيئة» قبلها، لأن الخطيئة سيئة، والسيئة خطيئة. والحجة لمن جمع: أن السيئة والخطيئة وإن انفردتا لفظا فمعناهما الجمع ودليله على ذلك أن الإحاطة لا تكون لشيء مفرد، وإنما تكون لجمع «أشياء». فأمّا قوله: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها «4» فإنه وإن كان واحدا فهو جمع للشيء المحيط بجميع أجزاء المحاط به. ويمكن أن يكون أراد بالجمع هاهنا: وأحاطت به عقوبات خطيئته. والدّليل على ذلك قول (قتادة): «5» السيئة: الشرك، والخطيئة: الكبائر. قوله تعالى: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ «6». يقرأ بالياء والتاء. فالحجّة لمن قرأ بالتاء: مواجهة الخطاب فيكون أخذ الميثاق قولا لهم. والحجة لمن قرأ بالياء: معنى الغيبة. قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً «7». يقرأ بضم الحاء وإسكان السين، وبفتح الحاء

_ (1) يونس: 22. (2) الطلاق: 1. (3) البقرة: 81. (4) الكهف: 29. (5) قتادة: هو قتادة بن النعمان بن زيد، صحابيّ، شهد العقبة مع السبعين، وكان من الرّماة المذكورين، وشهد بدرا وأحدا وتوفي سنة ثلاث وعشرين وهو ابن خمس وستين سنة، وصلى عليه عمر. انظر: «صفة الصفوة»: 183، 184، «أسد الغابة» 4/ 195. هذا ومن الممكن أن يكون المراد: قتادة بن دعامة السدوسي، حافظ ثقة ثبت، احتج به أصحاب الصحاح. مات كهلا (ميزان الاعتدال في نقد الرجال: 3/ 385). (6) البقرة: 83. (7) البقرة: 83.

والسين: فالحجة لمن ضمّ: أنه أراد: المصدر والاسم. ودليله قوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً «1». والحجة لمن فتح: أنه أراد قولا حسنا فأقام الصفة مقام الموصوف. والأول أصوب، لأن الصفة مفتقرة إلى الموصوف كافتقار الفعل إلى الاسم. قوله تعالى: تَظاهَرُونَ «2». يقرأ بالتشديد، والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: تتظاهرون بتاءين، فأسكن الثانية وأدغمها في الظاء، فشدّدها لذلك. والحجّة لمن خفف: أنه أراد أيضا: تتظاهرون، فأسقط إحدى التاءين تخفيفا وكراهية للإدغام وثقله. فإن قيل: فأيّ التاءين الساقط؟ فقل: قال (سيبويه) «3»: الساقط الأول. وقال هشام «4»: الثاني. وقال (الفراء) «5»: إحداهما بغير تعيينها «6». ولكلّ حجة ودليل. قوله تعالى: أُسارى تُفادُوهُمْ «7». يقرأ بإثبات الألف فيهما جميعا. وبإسقاطها فيهما. وبإثباتها في الأول، وطرحها من الثاني. فالحجة لمن أثبتها فيهما: أنه جعله جمع الجمع، وجعل (تفادوهم) فعلا من اثنين، لأن الفداء: أن تأخذ ما عنده، وتعطي ما عندك، فتفعل به كما يفعل بك. والحجة لمن أسقطها: أن جمع (أسير): أسرى، كما تقول: مريض ومرضى، وجعل الفعل من فدى يفدي. وأصل الأسر: الشّدّ، وبه سمى الأسير. والحجة لمن أثبت وطرح ما قدّمناه من الوجهين. قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ «8». يقرأ بالإدغام والإظهار. فالحجة لمن أدغم: مقاربة مخرج اللام من الطاء. والحجة لمن أظهر: أنه أتى بالكلام على الأصل ليفرق بين ما يتصل فلا يجوز إظهاره ولا الوقوف عليه كقوله: وَالطَّارِقِ «9» وبين ما ينفصل ويوقف عليه كقوله: (بل طبع).

_ (1) العنكبوت: 8. (2) البقرة: 85. (3) انظر: 78. (4) هشام بن معاوية الضّرير، ويكني: أبا عبد الله صاحب الكسائي (الفهرست: 110). (5) أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، ولد بالكوفة، وكان يتفلسف في تأليفه ومصنفاته وكان أكثر مقامه ببغداد، فإذا كان آخر السنة خرج إلى الكوفة وأقام بها أربعين يوما في أهله، يفرق فيهم ما جمعه ويبرهم. وتوفي الفراء بطريق مكة سنة 207 هـ (الفهرست لابن النديم: 104: 106). (6) في الأصل: عنها. (7) البقرة: 85. (8) ليست من سورة البقرة، وموضعها سورة النساء، آية: 155، وهي ساقطة هناك لم يعدها. (9) الطارق: 1.

فإن قيل: فيلزم من أدغم هذا للمقاربة أن يدغم قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ «1» للمقاربة أيضا. فقل: سكون اللام في: (يفعل) عارض للجزم، وسكون اللام في «بل» سكون بناء. فهذا فرقان واضح. قوله تعالى: بِرُوحِ الْقُدُسِ «2». قرأه (ابن كثير) بإسكان الدّال. والحجة له: أنه كره توالي ضمتين في اسم، فأسكن تخفيفا، أو يكون الإسكان لغة. والحجة لمن ضم: أنه أتى بالكلمة على أصلها. والرّوح هاهنا،: جبريل عليه السلام. والقدس في اللغة: الطّهر. قوله تعالى: أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ «3». يقرأ بالتشديد والتخفيف،. فالحجّة لمن شدد: أنه أخذه:، من نزّل، ينزّل،. ومن خفف أخذه من أنزل ينزل. والقراء فيه مختلفون، فقرأ «عاصم» و «نافع» و «ابن عامر» ذلك حيث وقع بالتشديد. وقرأه «أبو عمرو» بالتخفيف إلّا قوله في (الحجر): وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ «4». وفي (الأنعام): عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً «5». وزاد «ابن كثير» حرفا ثالثا قوله: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ «6». والحجّة لهما في ذلك: تكرار النزول، ومداومته شيئا بعد شيء. وقرأ «الكسائي» و «حمزة» ذلك كله بالتشديد إلّا قوله: في (لقمان) وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ «7» وفي عسق: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ «8». والحجة لهما في ذلك قوله: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً «9»، فمضارع أنزل: ينزل بالتخفيف فاعرفه. قوله تعالى: وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ «10». فيهما أربع قراءات: جبرئيل. بفتح الجيم والراء وبالهمز «11». وبكسر الجيم، والراء وترك الهمز. وبفتح الجيم وكسر الراء وترك الهمز «12».

_ (1) آل عمران: 28. (2) البقرة: 87. (3) البقرة: 90. (4) الحجر: 21. (5) الأنعام: 37. (6) الإسراء: 82. (7) لقمان: 34. (8) الشورى: 28. (9) الفرقان: 48. (10) البقرة: 98. (11) قراءة أبي بكر: (شعبة بن عياش بن سالم الكوفي م 194 هـ) وانظر: (التيسير: 57.) (12) قراءة أبي بكر، انظر: (التيسير ص: 57).

وبفتح الجيم والراء واختلاس الهمز. و «ميكال» يقرأ بالمد والهمز. وبالألف من غير مدّ ولا همز «1». وبالهمز من غير ألف. وبالقصر والهمز. والحجة في ذلك: أن العرب إذا أعربت اسما من غير لغتها أو بنته اتسعت في لفظه، لجهل الاشتقاق فيه. قوله تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ «2» يقرأ بتخفيف النون والرفع، وبتشديدها والنصب، وكذلك ما شاكله. والحجة لمن خفف ورفع: أنّ «لكن» وأخواتها إنما عملن لشبههنّ بالفعل لفظا ومعنى، فإذا زال اللفظ زال العمل، والدليل على ذلك أنّ «لكن» إذا خففت وليها الاسم والفعل، وكل حرف كان كذلك ابتدئ ما بعده. والحجّة لمن شدّد ونصب: أنه أتى بلفظ الحرف على أصله. والمعنى فيه شدّد أو خفّف: الاستدراك بعد النفي. قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ «3». يقرأ بضم النون «4» وفتحها. فالحجّة لمن ضم: أن المعنى: ما ننسخك يا محمد من آية كقولك: أنسخت زيدا الكتاب. ويجوز أن يكون ما ننسخ من آية: أي نجعلها ذات نسخ كقوله تعالى: فَأَقْبَرَهُ «5» أي جعله ذا قبر. والحجة لمن فتح: أنه جعله من الأفعال اللّازمة لمفعول واحد. قوله تعالى: «أو ننسأها» «6». يقرأ بفتح النون والهمز، وبضمها وترك الهمز. فالحجة لمن فتح النون وهمز: أنه جعله من التأخير، أو من الزيادة. ومنه قولهم: «نسأ الله أجلك وأنسأ في أجلك». والحجة لمن ضمّ وترك الهمز: أنه أراد: الترك. يريد: أو نتركها فلا ننسخها. وقوله: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها «7» قيل: بأخف منها في العبادة. وقيل: نبدل آية العذاب بآية رحمة، فذلك خير. وقيل: بل بأشد منها لأنه تخويف من الله لعباده وترغيب فيما عنده، فذلك خير. والنسخ على وجوه: نسخ اللفظ والحكم. ونسخ اللفظ وإبقاء الحكم. ونسخ الحكم وإبقاء اللفظ.

_ (1) قراءة أبي عمرو، وحفص. انظر: (المرجع السابق والصفحة). (2) البقرة: 102. (3) البقرة: 106. (4) أي وكسر السين، وهي قراءة ابن عامر انظر: (شرح ابن القاصح: 159). (5) عيسى: 21. (6) البقرة: 106. (7) البقرة: 106.

فإن قيل: ما معنى قوله: أو مثلها؟ فقل: المماثلة: موافقة الشيء من وجه من الوجوه، ولو ماثله من جميع وجوهه لكان هو، ولم يكن له مثلا. والمعنى هاهنا: أنها قرآن مثلها، وهي في المعنى غيرها، لأن هذه آية رحمة، وهذه آية عذاب. قوله تعالى: وَلا تُسْئَلُ «1» يقرأ بالرفع والجزم. فالحجة لمن رفع: أنه أخبر بذلك وجعل «لا» نافية بمعنى ليس، ودليله قراءة (عبد الله) «2» و (أبيّ) «3»: (ولن تسأل). والحجة لمن جزم: أنه جعله نهيا. ودليله: ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما: «ليت شعري ما فعل أبواي» «4»؟ فأنزل الله تعالى: «وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ» فإنا لا نؤاخذك بهم،. والزم دينك. فأمّا من ضمّ التاء فإنه جعله فعل، ما لم يسم فاعله. ومن فتحها جعلها فعل فاعل. قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى «5». يقرأ بكسر الخاء وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنهم أمروا بذلك. ودليله قول (عمر) «6»: «أفلا نتخذه مصلى؟»، فأنزل الله ذلك موافقا به قوله. والحجة لمن فتح: أن الله تعالى، أخبر عنهم بذلك بعد أن فعلوه. فإن قيل،: فإن الأمر ضد الماضي، وكيف جاء القرآن، بالشيء وضده؟ فقل: إن الله تعالى أمرهم بذلك مبتدئا، ففعلوا ما أمروا به، فأثنى بذلك عليهم وأخبر به، وأنزله في العرضة الثانية. قوله تعالى: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا «7». يقرأ بتشديد التاء، وتخفيفها «8». فالحجة لمن شدد:

_ (1) البقرة: 119. (2) عبد الله بن مسعود. انظر: 49. (3) أبيّ: هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري البخاري، أبو المنذر وأبو الطفيل، سيّد القراء، كان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليهنئك العلم أبا المنذر. مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، وهو أثبت الأقاويل. انظر: (الإصابة في تمييز الصحابة 1: 16) مطبعة السعادة. (4) انظر: (ابن كثير 1: 162)، (القرطبي 2: 84)، (وصحيح مسلم 3: 79). (وسنن أبي داود 9: 97). (5) البقرة: 125. (6) عمر بن الخطاب: انظر: ترجمته في: أسد الغابة: 52، وغيره من كتب الطّبقات. (7) البقرة: 126. (8) قراءة ابن عامر: (الحجة لأبي علي الفارسي: 2 لوحة: 337).

تكرير الفعل ومداومته. ودليله قوله: وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ «1». والحجة لمن خفف: أن تكرير الفعل لا يكون معه (قليلا)، فلما جاء معه ب «قليل» كان (أمتع) أولى به من (امتّع). على أن أفعل وفعّل يأتيان في الكلام بمعنى واحد «2»، كقولك: أكرمت وكرّمت. ويأتيان والمعنى مختلف، كقولك: أفرطت: تقدمت وتجاوزت الحد. وفرّطت: قصّرت. وتأتي «فعّلت» بما لا يأتي له «أفعلت» كقولك: «كلّمت زيدا»، ولا يقال: «أكلمت» وأجلست زيدا. ولا يقال: «جلست». قوله تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً «3». قرأه ابن عامر بغير واو. والحجة له: أنه استأنف القول مخبرا به ولم يعطفه على ما قبله. وقرأه الباقون «4» بالواو. والحجة لهم: أنهم عطفوا جملة على جملة. وأتوا بالكلام متصلا بعضه ببعض. وكلّ من كلام العرب. قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ «5» قرأه ابن عامر بالنصب. والحجة له: الجواب بالفاء، وليس هذا من مواضع الجواب، لأن الفاء لا ينصب إلا إذا جاءت بعد الفعل المستقبل كقوله: لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ «6». ومعناه: فإن تفتروا يسحتكم. وهذا لا يجوز في قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ، لأن الله تعالى أوجد بهذه اللفظة شيئا معدوما. ودليله حسن الماضي في موضعه، إذا قلت: كن فكان. وقرأه الباقون بالرفع والحجة لهم ما قدّمناه من القول. قوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ «7». قرأه ابن عامر بألف في موضع الياء هاهنا، لأنه في السواد بغير ياء.

_ (1) يونس: 98. (2) قال أبو علي الفارسي: وزعموا أن في حرف «عبد الله»: «وأنزل الملائكة تنزيلا» «الفرقان»: 25. وأنشدوا للرّاعي: خليلين من شعبين شتّى تجاورا ... قليلا وكانا بالتفرّق أمتعا (الحجة: لوحة 337)، و (اللسان: مادة: متع). (3) البقرة: 116. (4) قال مكّي: وإثبات الواو هو الاختيار لثباتها في أكثر المصاحف، ولأن الكلام علة قصة واحدة، وإجماع القراء عليه سوى ابن عامر: (الكشف عن وجوه القراءات 1: 132). (5) البقرة: 117. (6) طه: 61. (7) البقرة: 126.

وفيه أربع لغات: إبراهيم،، وإبراهام، وإبراهم، وإبرهم قال الشاعر: * عذت بما عاذ به إبراهم «1» * وقال الآخر: نحن آل الله في قبلته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم «2» وقد عرفتك اتساع العرب في الأسماء الأعجمية إذا عرّبتها. قوله تعالى: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ «3». يقرأ بالتشديد من غير ألف، وبالتخفيف وإثبات الألف. وقد تقدم القول في ذلك وأوضحنا الفرق بين فعّل وأفعل «4». قوله تعالى: أَمْ تَقُولُونَ «5». تقرأ بالتاء والياء. فالحجة لمن قرأه بالياء،: أن الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. والمعنى لمن قال ذلك- لا للنبي- فأخبر عنهم، بما قالوه. والحجة لمن قرأ بالتاء،: أنه عطف باللفظ على معنى الخطاب في قوله،: أَتُحَاجُّونَنا «6». «أَمْ تَقُولُونَ». قُلْ أَأَنْتُمْ «7» فأتى بالكلام على سياقه. قوله تعالى: لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ «8». يقرأ بإثبات الواو والهمز، وبطرحها والهمز. فالحجة لمن أثبت الواو: أن صفات الله تعالى على هذا الوزن جاءت كقوله: غفور، شكور، ودود، وهو أفخم، لأن ذلك لا يقال إلا لمن دام الفعل منه وثبت له كقول الشاعر:. «9» نبيّ هدى طيّب صادق ... رؤف رحيم بوصل الرّحم والحجة لمن طرح الواو وهمز: أنه مال إلى التخفيف لاجتماع الهمز والواو، وكان

_ (1) (المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم: 13). (إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ص: 4) وينسبه ابن خالويه لزيد بن عمرو ويروى لعبد المطلب. (2) انظر: (المعجم الكبير: 112)، (والمعرّب: 13) و (إعراب ثلاثين سورة: 4). (3) البقرة: 132. (4) انظر: 88 (5) البقرة: 140 (6) البقرة: 139. (7) البقرة: 140. (8) البقرة: 143. (9) هذا البيت نسبه البغدادي في (خزانة الأدب) إلى أمية بن أبي الصلت، وقد بحثت عنه في أمهات المراجع فلم

طرحها لا يزيل لفظا ولا يحيل «1» معنى، فاستجاز ذلك. قال الشاعر: يرى للمسلمين عليه حقّا ... كفعل الوالد الرّؤف الرّحيم «2» قوله تعالى: هُوَ مُوَلِّيها «3». قرأه (ابن عامر): «مولاها». والحجة له في ذلك: أنه جعل «المولى» مفعولا به. وأصله موليها، فلما تحركت الياء انقلبت ألفا. والحجّة لمن قرأها بالياء وكسر اللام: أنه أراد: مولي وجهه إليها، فتكون الهاء كناية عن محذوف لأن كلّا يقتضي مضافا. و «المولى» هاهنا: هو الفاعل. قوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ «4». يقرأ بالهمز وتركه. فالحجّة لمن همز: أنه أتى باللفظ على الأصل، لأنها (أن) دخلت عليها اللام. والحجّة لمن خفف: أن العرب تستثقل الهمز ولا زيادة معه، فلما قارن الهمزة لام مكسورة، واجتمع في الكلمة كسر اللام وزيادتها، ثقل الهمز ليّنها تخفيفا، وقلبها ياء للكسرة التي قبلها. قوله تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً «5». يقرأ بالتاء وفتح العين، وبالياء وإسكان العين «6». فالحجة لمن قرأ بالتاء والفتح: أنه جعله فعلا ماضيا على بنائه في موضع الاستقبال، لأن الماضي يقوم مقام المستقبل في الشرط. والجواب الفاء في قوله: (فهو خير له). والحجّة لمن قرأ بالياء وإسكان العين: أنه أراد: يتطوّع فأسكن التاء، وأدغمها في الطاء، وبقّى الياء ليدل بها على الاستقبال، وجزمه بحرف الشرط.

_ أجده، وانفرد البغدادي بذكره في الخزانة، لا على أنه من أبيات الشواهد ولكنه ورد ضمن قصيدة مدح بها أمية النبيّ عليه السلام. أولها: لك الحمد والمن ربّ العبا ... د أنت المليك وأنت الحكم إلى أن قال: نبي هدى الخ .. انظر: (خزانة الأدب لعبد القادر بن عمر البغدادي 1: 252 تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون). (1) يحيل: يفسد. (2) (البحر المحيط 1: 247)، (اللسان: مادة: رأف). (3) البقرة: 148. (4) البقرة: 150. (5) البقرة: 184. (6) قراءة حمزة والكسائي. انظر: (شرح ابن القاصح ص: 62).

قوله تعالى: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ «1» يقرأ بالإفراد والجمع إذا كانت فيه الألف واللام في اثني عشر موضعا «2». فالحجّة لمن أفرد: أنه جعلها عذابا، واستدل بقول النبيّ صلى الله عليه: «اللهم اجعلها رياحا لا ريحا» «3». والحجّة لمن جمع: أنه فرّق بين رياح الرحمة، ورياح العذاب، فجعل ما أفرده للعذاب، وما جعله للرحمة. والأرواح أربعة «4» أسّست أسماؤها على الكعبة. فما استقبلها منها، فهي الصّبا والقبول. وما جاء عن يمينها، فهي الجنوب. وما جاء عن شمالها، فهي الشّمال «5». وما جاء من مؤخرها فهي الدّبور، وهي ريح العذاب، نعوذ بالله منها. وباقيها ريح الرحمة. قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «6». يقرأ بالتاء والياء. فالحجّة لمن قرأ بالتاء: أنه أراد: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا إذ عاينوا العذاب لرحمتهم. والحجة لمن قرأ بالياء: أنه جعل الفعل لهم. ومعناه: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله. ولو ابتدأت إن مع «7» التاء بالكسر لكان وجها: كقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ «8» أي لو عاينتهم في هذا الحال لرحمتهم. وترفع الملائكة، وتحذف جواب لو كقوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ «9» يريد: لكان هذا، فحذفه. قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ «10» يقرأ بضم الطاء وإسكانها. فالحجة لمن ضمّ: أنه أتى بلفظ الجمع على حقيقة ما وجب له، لأنه جمع: خطوة ودليله قوله وَهُمْ

_ (1) البقرة: 164 (2) انظر: هذه المواضع في (شرح ابن القاصح على الشاطبية: 163،: 164). (3) في (الفائق في غريب الحديث) للزمخشري: كان صلى الله عليه وسلم يقول: إذا هاجت الريح «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا». انظر (الفائق في غريب الحديث 1: 511). (4) قال العكبري: وياء الريح مبدلة من واو لأنه من: راح يروح وروحته، والجمع: أرواح. أما الرياح، فالياء فيه مبدلة من واو، لأنه جمع أوله مكسور، وبعد حرف العلة فيه ألف زائدة، والواحد عينه ساكنة فهو مثل: سوط وسياط إلا أنّ واو الريح قلبت ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، انظر: (إعراب القرآن ج 1: 72). (5) فيها خمس لغات: شمل بالتسكين، وشمل بفتحتين، وشمال، وشمأل، مقلوب منه، وربما جاء: شمألّ بتشديد اللام. وجمع الشمال: شمالات وشمائل. (6) البقرة: 165. (7) في قوله تعالى في الآية نفسها: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً. (8) الأنفال: 50. (9) الرعد: 31. (10) البقرة: 168 وفي الأصل «لا تَتَّبِعُوا» من غير واو.

فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ «1» لأنه جمع غرفة. والحجّة لمن أسكن: أنه خفف الكلمة لاجتماع ضمتين متواليتين وواو، فلما كانوا يسكنون مثل ذلك مع غير الواو كان السكون مع الواو لثقلها أولى. ومعنى خطوات الشيطان: طرقه. والخطوة بفتح الخاء الاسم، وبضمّها: قدر ما بين قدميك. قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ «2». يقرأ وما شاكله من النونات الخفيفة، والتنوين، والحروف المبنية على السكون بالضم والكسر. فالحجة لمن كسر: التقاء الساكنين. والحجّة لمن ضم: أنه لما احتاج إلى حركة هذه الحروف كره الخروج من كسر إلى ضمّ، فأتبع الضمّ الضمّ، ليأتي باللفظ من موضع واحد. فإن قيل: فلم وافقهم (أبو عمرو) على الكسر إلّا في الواو واللام وحدهما «3»؟ فقل: لما احتاج إلى حركة الواو حركها بحركة هي منها، لأن الضم فيها أسهل من الكسر. ودليله قوله: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى «4». فإن قيل: فما حجة ابن عامر في ضم التنوين؟ فقل: الحجة له: أنّ التنوين حركة لا تثبت خطّا ولا يوقف عليه، فكانت الحركة بما بعده أولى من الكسر «5». قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا «6». يقرأ «البر» بالرفع والنصب «7». فالحجة لمن رفع: أنه جعله اسم «ليس» والخبر «إِنْ تَوَلَّوْا» «8» لأن معناه: توليتكم. والحجة لمن قرأ بالنصب: أنه جعله خبر ليس، والاسم «إِنْ تَوَلَّوْا» «9». ودليله أن ليس وأخواتها إذا أتى بعدهن معرفتان كنت مخيّرا فيهما. وإن أتى بعدهن معرفة ونكرة كان الاختيار أن تجعل المعرفة الاسم، والنكرة الخبر.

_ (1) سبأ: 37. (2) البقرة: 173. (3) في الأصل: وحدها، وهو تحريف. (4) البقرة: 16. (5) أي حركة الحرف الذي يلي الحرف الساكن. (6) البقرة: 177. (7) قراءة حمزة وحفص. (8) وذلك لأن الأصل تقديم الفاعل على المفعول. (9) وقوى ذلك عند من قرأ به لأنّ «تولوا» أعرف من البرّ إذ كان كالمضمر في أن لا يوصف، والبرّ يوصف: (إعراب القرآن للعكبري 1: 77).

قوله تعالى: مِنْ مُوصٍ «1». يقرأ: بفتح الواو «2» وتشديد الصاد، وبإسكان الواو وتخفيف الصاد. فالحجّة لمن شدّد: أنه أخذه من: «وصّى». ودليله قوله: وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ «3». والحجّة لمن خفّف: أنه أخذه من: أوصى. ودليله قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ «4» قوله تعالى: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ «5» يقرأ بالتنوين والتوحيد، وبالإضافة والجمع. فالحجة لمن رفع ووحد: أن «الفدية» مبتدأ و «طعام» بدل منها، و «مسكين» واحد، لأن عليه عن كل يوم يفطره إطعام مسكين. والحجة لمن أضاف «6» وجمع: أنه جعل الفدية عن أيام متتابعة لا عن يوم واحد. قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ «7». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: تكرير فعل الصيام في الشهر إلى إتمام عدته. والحجة لمن خفف: أنه جعل عقد شهر رمضان عقدا واحدا. ودليله: قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ «8». قوله تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها «9». يقرأ وما شاكله من الجموع بالضم والكسر. فالحجة لمن ضم: أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب للجمع، لأن هذا الوزن ينقسم في الكلام قسمين: جمعا كقولك: «فلوس». ومصدرا كقولك: «قعد قعودا». والحجة لمن كسر: أنه لما كان ثاني الكلمة ياء كرهوا الخروج من ضم إلى ياء، فكسروا أول الاسم لمجاورة الياء، ولم يجمعوا بين ضمتين، إحداهما على ياء. فإن قيل: فما حجّة من ضم العين من «العيون» والجيم من «الجيوب» وكسر الباء من «البيوت»؟ فقل: العين حرف مستعل مانع من الإمالة، فاستثقل الكسر فيه فبقّاه على أصله، والجيم حرف شديد متفشّ «10»، فثقل عليه أن يخرج به من كسر إلى ضم، فأجراه على

_ (1) البقرة: 182. (2) وهي قراءة حمزة (شرح رسالة حمزة: 49). (3) الشورى: 13. (4) النساء: 11. (5) البقرة: 184. (6) أي أضاف الفدية إلى الطعام وجمع «مسكين». (7) البقرة: 185. (8) المائدة: 3. (9) البقرة: 189. (10) لأنها من الحروف الشجرية، ومخرجها من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك (النشر 1: 200).

أصله. والحجة لمن كسر الباء كثرة استعمال العرب لذلك، وهم يخففون ما يكثرون استعماله: إمّا بحذف، وإمّا بإمالة، وإمّا بتخفيف. ودليل ذلك إمالتهم «النار» لكثرة الاستعمال، وتفخيم «الجار»، لقلة الاستعمال. قوله تعالى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ .. حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ .. فَإِنْ قاتَلُوكُمْ «1». يقرأ بإثبات الألف وطرحها. ومعناهما قريب. والوجه فيهما: لا تبادئوهم بقتال ولا بقتل حتى يبدءوكم بهما، فإن بدءوكم فابدءوهم. قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ «2» يقرأ بالرفع والتنوين في «الفسوق»، و «الرفث» فقط. وبالنصب وترك التنوين في الجميع. فالحجّة لمن نصب: أنه قصد التبرئة ب «لا» في الثلاثة، فبنى الاسم مع الحرف، فزال التنوين للبناء. والحجة لمن رفع «الرفث» وهو: «الجماع». والفسوق وهو: «الخروج» عن الحدّ: أنهما قد يكونان في حال من أحوال الحجّ، فجعل «لا» بمعنى ليس فيهما، ونصب «الجدال» في «الحج» على التبرئة لأنه يريد به. المراء والشك في تأخيره «3» وتقديمه على ما كانت العرب تعرفه من أفعالها. واختار بعض النحويين الرفع في الأوّلين «4» بمعنى: فلا يكون ممّن فرض الحج رفث ولا فسوق، ثم يبتدئ بنفي الجدال فيه فينصبه ويبنيه. والاختيار في النفي إذا أفرد ولم يتكرّر النصب. وإذا تكرر استوى فيه، الرفع والنصب. قوله تعالى: ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ «5». أماله الكسائي. والحجة له: أن ذوات الواو إذا

_ ويقول الدكتور إبراهيم أنيس: الجيم صوت شديد مجهور مخرجه عند التقاء وسط اللسان بوسط الحنك الأعلى التقاء محكما بحيث ينحبس هناك مجرى الهواء، فإذا انفصل العضوان انفصالا بطيئا سمع صوت يكاد يكون انفجاريا هو الجيم العربية. انظر: (الأصوات اللغوية: 70). (1) البقرة: 191. (2) البقرة: 197. (3) أي في تأخيره وتقديمه مواعيد الحج وفق ما كان العرب يفهمون من مدلولات هذه الأفعال. (4) قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع «فلا رفث»، «ولا فسوق» وتنوينهما، وفتح «ولا جدال» من غير تنوين. قال السفاقسي: والمختار في الأولين رفعهما على الابتداء وموضع «لا» مع الثالث أيضا رفع على الابتداء «وفي الحج» يصح أن يكون خبرا عن الجميع، لأن الجميع مبتدآت. (إعراب القرآن للسفاقسي. نسخة رقم: (222) تفسير دار الكتب المصرية. مخطوط). (5) البقرة: 207.

زيد «1» فيها ألحقت بذوات الياء، فأمالها ليدل بالإمالة على ذلك. وفخّمها الباقون والحجة لهم: أن ألفها منقلبة من واو، وأصلها: مرضوة من «الرضوان» فقلبت الواو ألفا لتحريكها وانفتاح ما قبلها، فكان التفخيم أولى بها من الإمالة. ووقف (حمزة) عليها بالتاء ومثله: هَيْهاتَ هَيْهاتَ «2» ولاتَ «3» واللَّاتَ «4» و «التَّوْراةَ» «5» ويا أَبَتِ «6». والحجة له في ذلك: أنّ التاء أصل علامة التأنيث. ودليله على أصل ذلك: أن الهاء تصير في الدرج تاء، والتاء لا تصير هاء وقفا ولا درجا. ووقف الباقون بالهاء، ولهم في ذلك حجتان: إحداهما: أنه فرّق بين التاء الأصلية في «صوت» و «بيت» وبين الزائدة لمعنى. والثانية: أنه أراد أن يفرّق بين التاء المتصلة بالاسم كنعمة ورحمة، وبين التاء المتصلة بالفعل كقولك: قامت ونامت. قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً «7». يقرأ هاهنا، وفي الأنفال «8» وفي سورة محمد «9» صلى الله عليه وسلم بفتح السين وكسرها. والحجّة لمن فتح: أنه أراد الصلح. ومن كسر أراد: الإسلام: وأنشد: * في جاهليّات مضت أو سلم «10» * قوله تعالى: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ «11» يقرأ بفتح التاء وضمها. فالحجّة لمن فتحها: أنه أراد: تصير. والحجة لمن ضمها: أنه أراد: تردّ. قوله تعالى: حَتَّى يَقُولَ «12». تقرأ بالرفع والنصب «13». فالحجة لمن رفع: أنه أراد

_ (1) المراد بالزيادة: أن تكون الكلمة زائدة على ثلاثة أحرف اسما كانت أو فعلا. انظر في هذا الموضع: (شرح ابن القاصح على الشاطبية ص: 106) (2) المؤمنون: 36 (3) ص: 3 (4) النجم: 19 (5) آل عمران: 3 (6) الصافات: 102. (7) البقرة: 208. (8) الأنفال: 61 (9) محمد: 35. (10) لم أهتد بعد إلى قائل هذا الرجز. (11) البقرة: 210. (12) البقرة: 214. (13) قرأها بالرفع مجاهد، وبعض أهل المدينة وقرأها الباقون بالنصب، وكان الكسائي قرأ بالرفع دهرا ثم رجع إلى النصب. (معاني القرآن للفراء 1: 133).

بقوله «وَزُلْزِلُوا»: المضيّ، وبقوله «حَتَّى يَقُولَ»: الحال. ومنه قول العرب: قد مرض زيد حتى لا يرجونه. فالمرض قد مضى وهو الآن في هذه الحال». والحجّة لمن نصب: أنه لم يجعل «القول» من سبب قوله: «وَزُلْزِلُوا». ومنه قول العرب: قعدت حتى تغيب الشمس، فليس قعودك سببا لغيبوبة الشمس. وتلخيص ذلك: أن من رفع الفعل بعد (حتى) كان بمعنى: الماضي، ومن نصبه كان بمعنى: الاستقبال. وأضمرت له عند البصريين مع حتى «أن» لأنها من عوامل الأسماء فأضمروا مع الفعل ما يكون به اسما. قوله تعالى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ «1» يقرأ بالباء والثاء. فالحجة لمن قرأ بالباء: قوله بعد ذلك: (وإثمهما أكبر من نفعهما). ولم يقل: أكثر. والحجّة لمن قرأ بالثاء: أنه لما وقع اللفظ على أعداد: وهي الخمرة المشروبة، والميسر، وهو: القمار كانت الثاء في ذلك أولى. ودليله: قوله تعالى: وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ «2»، ولم يقل: أكبر. قوله تعالى: قُلِ الْعَفْوَ «3». يقرأ بالرفع والنصب. فمن رفع جعل «ذا» «4» منفصلة من (ما) فيكون بمعنى الذي، فكأنه قال: ما الذي ينفقون؟ فقال: الذي ينفقون: العفو، فترفعه بخبر الابتداء، لأنه جعل الجواب من حيث سألوا. والحجّة لمن نصب: أنه جعل «ماذا» كلمة واحدة، ونصب: العفو: بقوله: ينفقون، كأنه قال قال: ينفقون: العفو. فإن قيل: فلم بنيت «ما» مع «ذا» ولم تبن «من» معها؟ فقل: لما كانت «ما» عامة لمن يعقل ولما لا يعقل، «وذا» مثلها في الإبهام والعموم بنوهما للمشاركة، ولما اختصت (من) بمن يعقل لم يبنوها مع «ذا» لهذه العلة. قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ «5». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجّة لمن شدد: أنه طابق بين اللفظين لقوله: «فَإِذا تَطَهَّرْنَ». والحجّة لمن خفف: أنه أراد: حتى ينقطع الدم، لأن ذلك ليس من فعلهن. ثم قال: فإذا تطهرن يعني بالماء. ودليله على ذلك: قول العرب: طهرت المرأة من الحيض، فهي طاهر.

_ (1) البقرة: 219. (2) المجادلة: 7. (3) البقرة: 219 (4) من قوله تعالى: ماذا يُنْفِقُونَ، الآية نفسها. (5) البقرة: 222.

قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَخافا «1» يقرأ بفتح الياء وضمها، فمن فتح الياء جعل الفعل لهما وسمّى: الفاعل. ومن ضم الياء جعله فعل ما لم يسم فاعله. ومعنى يخافا هاهنا: تيقّنا، لأن الخوف يكون يقينا وشكا. قوله تعالى: يُبَيِّنُها «2» يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأ بالياء تقدّم اسم الله عز وجل، ليأتي الكلام على سنن واحد، لمكان حرف العطف. والحجة لمن قرأ بالنون: أن الله تعالى أخبر بذلك عن نفسه مستأنفا بالواو. وجعل «تلك» إشارة إلى ما تقدّم من الأحكام والحدود قوله تعالى: لا تُضَارَّ «3» يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن جعله مرفوعا: أنه أخبر ب «لا» فردّه على قوله: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ. والحجّة لمن نصب: أنه عنده مجزوم بحرف النهي. والأصل فيه: لا تضارر، فأدغم الراء، في الراء وفتح لالتقاء الساكنين. ومثله: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ «4». قوله تعالى: ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ «5» يقرأ بالمدّ والقصر، وهما فعلان ماضيان. فالحجة لمن مدّ: أنه من الإعطاء. ووزنه: (أفعلتم)، ودليله قوله: «إِذا سَلَّمْتُمْ»، والتسليم لا يكون إلّا بالإعطاء: والحجّة لمن قصر: أنه من المجيء. ووزنه (فعلتم). وفيه إضمار معناه: «به»، فنابت عنه قوله: «بالمعروف». وكل ما في كتاب الله من «آتى» بالمد فمعناه: الإعطاء، وما كان فيه من «أتى» بالقصر فهو من المجيء إلا قوله: فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا «6» أي: أخذهم. وقوله في قراءة ل (مجاهد) «7»: أَتَيْنا بِها «8»: جازينا بها. وقوله: كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ «9» أي: أريناهم.

_ (1) البقرة: 229. (2) البقرة: 230. (3) البقرة: 233. (4) البقرة: 282. (5) البقرة: 233. (6) الحشر: 2. (7) مجاهد، يكني: أبا الحجاج وهو مولي عبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي، أسند مجاهد عن ابن عباس وابن عمر، وابن عمرو الخ. ومات سنة اثنتين ومائة يوم السبت وهو ساجد. انظر: (صفة الصفوة 2: 117. 118، 119). (8) الأنبياء: 47. (9) البقرة: 211.

قوله تعالى: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ «1». يقرأ بإسكان الدال وحركتها. فالحجة لمن أسكن: أنه أراد: المصدر. والحجّة لمن حرّك: أنه أراد: الاسم. وقيل: هما لغتان. قوله تعالى: ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ «2». يقرأ بضم التاء وإثبات الألف بعد الميم، وبفتح التاء وطرح الألف. فالحجّة لمن أثبت الألف: أن «ماسّ» فعل من اثنين. ودليله قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا «3». والحجة لمن طرحها: أنه جعل الفعل للرجال. ودليله قوله: وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ «4». قوله تعالى: وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ «5». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجّة لمن رفع: أنه أراد: فلتكن وصية، أو فأمرنا وصية. ودليله قراءة (عبد الله): (فالوصية لأزواجهم متاعا). والحجّة لمن نصب: أنها مصدر، والاختيار في المصادر النصب إذا هي وقعت مواقع الأمر كقوله: فَضَرْبَ الرِّقابِ «6». ومنه قول الرّاجز: شكا إليّ جملى طول السّرى ... صبرا جميلا فكلانا مبتلى «7». قوله تعالى: فَيُضاعِفَهُ «8». يقرأ بالتخفيف وإثبات الألف، وبالتشديد وطرحها. فالحجة لمن خفف: أن (ضاعف) أكثر من (ضعّف) لقوله: (أضعافا كثيرة). ودليله قوله عَشْرُ أَمْثالِها «9». والحجّة لمن شدّد: التكرير ومداومة الفعل. ويقرأ برفع الفاء ونصبها. فمن رفع عطف على (يقرض). ومن نصب فعلى جواب الاستفهام.

_ (1) البقرة: 236. (2) البقرة: 236. (3) المجادلة: 3. (4) مريم: 20. (5) البقرة: 240. (6) محمد: 4. (7) انظر: (معاني القرآن للفراء 2: 156). و (إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه: 19). (8) البقرة: 245. (9) الأنعام: 160 (أي من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).

قوله تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ «1»، وقوله: وَزادَهُ بَسْطَةً «2» هاهنا وفي الأعراف «3». يقرأ ذلك بالسين والصاد، وقد ذكرت علله في أمّ القرآن. قوله تعالى: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً «4». يقرأ بالفتح والضم، فالغرفة باليد مفتوح، وفي الإناء مضموم. قوله تعالى: لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ «5». يقرأ ذلك بالرفع والتنوين، وبالنصب وترك التنوين. فالحجة لمن رفع: أنه جعله جوابا لقول قائل: هل عندك رجل؟ فقال لا رجل، فلم يعمل «لا» لأن هل غير عامله. والحجة لمن نصب: أنه جعله جوابا لقول قائل: هل من رجل؟ فقال: لا رجل، لأن «من» لما كانت عاملة في الاسم كان الجواب عاملا فيه النصب، وسقط التنوين للبناء كما سقط في «رام هرمز» «6». قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ «7». هاهنا وفي الحج «8» يقرءان: دفع، ودفاع. فالحجة لمن أسقط الألف: أنه أراد المصدر من: دفع دفعا. والحجّة لمن أثبتها: أنه أراد المصدر من: دافع دفاعا. ومعنى الآية: أنه لولا مجاهدة المشركين وإذلالهم لفسدت الأرض. قوله تعالى: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ «9». يقرأ بإثبات الألف في كل ما استقبلته الهمزة وطرحها في الدرج. فالحجة لمن أثبتها: أنه أتى بالكلمة على أصلها وما وجب في الأصل لها، لأن الألف في (أنا) كالتاء في (أنت). والحجّة لمن طرحها أنه اجتزأ بفتحة النون، ونابت الهمزة عن إثبات الألف. وهذا في الإدراج. فأما في الوقف على «أنا» فلا خلف في إثباتها.

_ (1) البقرة: 245. (2) البقرة: 247. (3) الاعراف: 69. (4) البقرة: 249. (5) البقرة: 254. (6) رام هرمز: بلد بخوزستان (القاموس: مادة هرز). (7) البقرة: 251. (8) الحج: 40. (9) البقرة: 258.

وفي (أنا) أربع لغات «أنا» فعلت. وأن فعلت. وأن فعلت. وأنه فعلت «1». قوله تعالى: كَمْ لَبِثْتَ «2» يقرأ بإدغام الثاء في التاء وبإظهارها. فالحجّة لمن أدغم: قرب مخرج الثاء من التاء. والحجة لمن أظهر: إتيانه بالكلام على أصله. قوله تعالى: قال أَعْلَمُ «3». يقرأ بقطع الألف والرفع، وبوصلها والوقف. فالحجة لمن قطع: أنه جعله من إخبار المتكلم عن نفسه. والحجة لمن وصل: أنه جعله من أمر الله تعالى للمخاطب. قوله تعالى: لَمْ يَتَسَنَّهْ «4». يقرأ وما شاكله بإثبات «5» الهاء، وطرحها في الإدراج. فالحجة لمن أثبتها: أنه اتّبع الخط، فأدّى ما تضمّنه السّواد «6». والحجّة لمن طرحها: أنه إنما أثبت، ليتبيّن بها حركة «7» ما قبلها في الوقف، فلما اتصل الكلام صار عوضا منها، فغنوا عنها. وميزانها في آخر الكلام كألف الوصل في أوله. وكان بعض القراء يتعمّد الوقوف على الهاء ليجمع بذلك موافقة الخط، وتأدية اللفظ. وبعضهم يثبت بعضا ويطرح بعضا لغير ما علة لكن ليعلم أن كلا جائز. وللهاء في يتسنه وجهان: أحدهما: أن تكون أصلية فتسكن للجزم. والثاني: أن يكون الأصل: «لم يتسنن»، فأبدلوا من إحدى النونات ألفا، ثم أسقطوها للجزم، وألحقت الهاء للسكت. وهما في ذلك لمعنى: لم تأت عليه السنون فتغيره. فأما من جعله من قولهم: أسن فقد وهم؛ لأنه لو كان كذلك لقيل فيه: يتأسّن. قوله تعالى: كَيْفَ نُنْشِزُها «8». يقرأ بالراء والزّاي ..

_ (1) انظر: (الهمع للسيوطي 1: 60). (2) البقرة: 259. (3) البقرة: 259. (4) البقرة: 259. (5) قال القرطبي: وقرأ الجمهور بإثبات الهاء في الوصل إلا الأخوان (حمزة والكسائي) فإنهما يحذفانها (الجامع لأحكام القرآن 3: 292). 292). (6) على قراءة الإثبات وهي قراءة الجمهور. تكون الهاء أصلية، وحذفت الضمة للجزم، ويكون يتسنّه من السّنة أي لم تغيره السّنون (القرطبي 3: 293). (7) وأصل يتسنه على هذه القراءة كما قال: الشيباني- «يتسنّن» فأبدلت إحدى النونين ياء كراهية التضعيف، فصار يتسنى، ثم سقطت الألف للجزم، ودخلت هاء السكت. (القرطبي 3: 294). (8) البقرة: 259.

فمن قرأ بالزّاي: فالحجة له: أن العظام إذا كانت بحالها لم تبل، فالزّاي أولى بها، لأنها ترفع، ثم تكسي اللحم. والدليل على ذلك قوله تعالى: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ «1» أي الرجوع بعد البلى «2». والحجّة لمن قرأ بالرّاء «3»: أن الإعادة في البلى وغيره سواء عليه، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «4». ودليله قوله تعالى: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ «5». قوله تعالى: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ «6». يقرأ بضم الصاد وكسرها. فالحجة لمن ضم: أنه أخذه من صار «7» يصور إذا مال وعطف. وأنشد شاهدا لذلك: يصور عنوقها أحوى زنيم ... له ظاب كما صخب الغريم «8» والحجّة لمن كسر: أنه أخذه: من صار يصير: إذا جمع. ومعناه: فقطّعهن «9»، واجمعهن إليك.

_ (1) الملك: 15. (2) وعلى قراءة الزاي تكون النون مضمومة والشين مكسورة من أنشزته، والنشز: هو المرتفع من الأرض. (3) وعلى قراءة الراء تكون النون مفتوحة والشين مضمومة، وماضيه نشرته. انظر هاتين القراءتين في (إعراب القرآن للعكبري 1: 210). (4) البقرة: 117، آل عمران: 47 وفي الأصل من غير فاء وهو تحريف. (5) عبس: 22. (6) البقرة: 260. (7) صار الشيء إليه: أماله وقربه. (المعجم الوسيط 1: 530) وقال الطبري: (قرأته عامة قراء أهل المدنية والحجاز والبصرة بضم الصاد من قول القائل: صرت هذا الأمر: إذا ملت إليه أصور صورا. ويقال: «إني إليكم لأصور»، أي: مشتاق مائل، ومنه قول الشاعر: الله يعلم أنّا في تلفّتنا ... يوم الفراق إلى أحبابنا صور وهو جمع أصور، وصوراء، وصور، مثل أسود وسوداء وسود .. ) ومعنى قوله: فصرهن إليك على هذه القراءة: اضممهن إليك، ووجّههن نحوك: (جامع البيان في تفسير القرآن 3: 35، 36). (8) البيت في اللسان: مادة: زنم، نسبة إلى المعلى بن حمّال العبدي، وفي الطبري 3: 36 نفس النسبة، ولكن «حماد بالدال لا باللام أي: حماد. ورواية اللسان والطبري تختلف عن رواية ابن خالويه، ففيهما ذكر البيت على هذه الصورة: وجاءت خلعة دهس صفايا ... يصوع عنوقها أحوى زنيم يفرّق بينها صدع رباع ... له ظاب كما صخب الغريم وفي رواية الطبري: يصور، وكذلك في الصّحاح للجوهري. وعنوق: جمع عناق، وهو: الأنثى من ولد المعز، الزنيم: التيس الذي له زنمتان في حلقه. الظأب: الصوت. (9) قال الطبري: وقرأ جماعة من أهل الكوفة «فصرهن» بالكسر بمعنى قطّعهن (جامع البيان 3: 36).

قوله تعالى: بِرَبْوَةٍ «1». هاهنا وفي المؤمنين «2» يقرءان بضم الراء وفتحها. وهما لغتان فصيحتان. وفيها سبع «3» لغات. وهي: ما ارتفع من الأرض وعلا. قوله تعالى: فَآتَتْ أُكُلَها «4» يقرأ بضم الكاف وإسكانها. فالحجّة لمن ضم: أنه أتى بالكلام على أصل ما كان عليه. ودليله: إجماعهم على الضم في قوله: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ «5». والحجة لمن أسكن: أن هذه اللفظة لما اتصلت بالمكنّى ثقلت، وتوالي الضمتين ثقيل أيضا، فخفف بالإسكان. قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ «6». يقرأ هاهنا، وفي النساء «7» بكسر النون والعين. وبفتح النون وكسر العين. وبكسر النون وإسكان العين. فالحجّة لمن كسر النون: أنه قربها من العين ليوافق بها لفظ أختها: (بئس)، لأن هذه في المدح كهذه في الذم. والحجّة لمن فتح النون وكسر العين: أنه أتى بلفظ الكلمة على الأصل لأن أصلهما: نعم، وبئس. والحجة لمن أسكن العين وجمع بين ساكنين «8» فاحتمل ذلك، لأنه جعل «نعم» و «ما» كلمة واحدة، فخففها بإسكان. ولا خلف في تشديد الميم. قوله تعالى: وَيُكَفِّرُ «9». يقرأ بالنون والياء، وبالرفع والجزم. فالحجة لمن قرأ بالنون والياء قد تقدمت «10». والحجّة لمن جزم: أنه عطفه على قوله: «وَإِنْ تُخْفُوها» فجعل التكفير مع قبول الصدقات. والحجّة لمن رفع: أن ما أتى بعد الفاء المجاب بها الشرط مستأنف مرفوع. ودليله قوله تعالى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ «11».

_ (1) البقرة: 265. (2) المؤمنون: 50. (3) الجوهري في الصحاح يذكر أن فيها أربع لغات: ربوة، وربوة، وربوة، ورباوة. واللسان: يزيد: رباوة، ورباوة، والقاموس يزيد: الرّابية، والرّباة. (4) البقرة: 265. (5) سبأ: 16. (6) البقرة: 271. (7) آية: 58. (8) قال العكبري: وهو بعيد لما فيه من الجمع بين الساكنين وقيل: إن الراوي لم يضبط القراءة، لأن القارئ اختلس كسرة العين فظنه إسكانا. انظر: (إملاء ما من الرحمن 1: 115). (9) البقرة: 271. (10) انظر ص: 97 عند قوله تعالى: يُبَيِّنُها. (11) المائدة: 95.

قوله تعالى: إِلى مَيْسَرَةٍ «1». يقرأ بضم السين وفتحها. وهما لغتان، والفتح أفصح وأشهر. قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً «2». يقرأ بالرفع والنصب. فلمن رفع وجهان: أحدهما: أنه جعل «تجارة» اسم كان، (وتديرونها) الخبر. والثاني: أن يجعل «كان» بمعنى: حدث ووقع، فلا يحتاج إلى خبر، كقوله: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ «3». والحجّة لمن نصب: أنه أضمر في «كان» الاسم، ونصب «التجارة» على الخبر، وفيه ضعف. فأمّا قوله في النساء: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً بالنّصب فوجه صحيح، لتقدم ذكر الأموال قبل ذلك. قوله تعالى: يَحْسَبُهُمُ «4». يقرأ بكسر السين وفتحها. فالحجّة لمن فتح: أنه أتى بلفظ الفعل المضارع على ما أوجبه بناء ماضيه، لأن (فعل) بالكسر يأتي مضارعه على (يفعل) بالفتح قياس مطرد. والحجّة لمن كسر: أن العرب استعملت الكسر والفتح في مضارع أربعة أفعال: يحسب، وينعم، وييئس، وييبس، حتى صار الكسر فيهن أفصح «5». قوله تعالى: فَأْذَنُوا «6» يقرأ بالقصر وفتح الذال، وبالمدّ وكسر الذال. فالحجّة لمن قصر: أنه أراد: فاعلموا أنتم. أي: كونوا على علم. والحجة لمن مدّ: أنه أراد: فأعلموا غيركم أي: اجعلوهم على علم. قوله تعالى: وَأَنْ تَصَدَّقُوا «7». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت علة ذلك فيما سلف. «8»

_ (1) البقرة: 280. (2) البقرة: 282. (3) البقرة: 280. (4) البقرة: 273. (5) قال ابن خالويه في كتابه «ليس»: ليس في كلام العرب فعل يفعل بكسر العين في الماضي والمستقبل من الصحيح إلا ثلاثة أحرف: نعم ينعم. ويبس ييبس، ويئس ييئس وقد يجوز فيها الفتح. وسمع (ليس في كلام العرب: 4) والقاموس يذكر أن ييئس، كيضرب: شاذ. (6) البقرة: 279. (7) البقرة: 280. (8) انظر: 96 في قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ، 93 في قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ.

قوله تعالى: لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ «1». يقرأ بتقديم الفاعل، وتأخير ما لم يسمّ فاعله على الترتيب. وبتقديم ما لم يسم فاعله، وتأخير الفاعل على السعة. ومعنى الظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه. قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما «2». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجّة لمن كسر: أنه جعلها حرف شرط وجزم بها (تضل) وبناه على الفتح لالتقاء الساكنين. والحجّة لمن فتح: أنه أراد: إدخال اللام على (أن) ففتحها كقوله تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «3»، يريد لئلا تضلوا. قوله تعالى: فَتُذَكِّرَ «4» يقرأ بالتشديد، والتخفيف، وبالرفع، والنصب. فأمّا علّة التشديد والتخفيف فمذكورة آنفا. «5». والحجّة لمن رفع: أنه استأنف الفعل بعد الجواب بالفاء. وله أن يجزم الفعل عاطفا، وينصه مجيبا «6». والحجّة لمن نصب: أنه عطفه على (تضل)، وقد عملت فيه (أن) المفتوحة. ولا يجوز فيه ما أجيز في الوجه الأول. ومثله في الوجوه الثلاثة، قوله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ «7». قوله تعالى: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ «8» يقرأ بضم الراء والهاء، وبكسر الراء وإثبات ألف بعد الهاء. فالحجّة لمن ضم: أنّه جمع (رهنا): (رهانا)، وجمع (رهانا: رهنا). وليس في كلام العرب جمع لاسم على هذا الوزن «9» غير (رهن) و (سقف) «10». والحجّة لمن كسّر، وأثبت الألف: أنه أراد جمع (رهن).

_ (1) البقرة: 279. (2) البقرة: 282. (3) النساء: 176. (4) البقرة: 282. (5) انظر: 96، 93. (6) وإنما جاز النصب بعد الجزاء، لأن مضمونه لم يتحقق وقوعه، فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام. انظر: (شرح الأشموني 3: 24). (7) البقرة: 284. (8) البقرة: 283. (9) وهو: رهن. (10) قال أبو علي الفارسي وتكسير «رهن» على أقل العدد لم أعلمه جاء فلو جاء، كان قياسه «أفعلا» ككلب وأكلب، وكأنهم استغنوا بالقليل عن الكثير. وقال الأخفش: فعل على فعل قبيح، وهو قليل شاذ (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 3: 408).

ومن سورة آل عمران

وقيل لأبي عمرو: لم اخترت الضم؟ فقال: لأفرّق بين الرّهن في الدّين، وبين الرّهان في سباق الخيل. قوله تعالى: الَّذِي اؤْتُمِنَ «1». روي عن عاصم، وحمزة أنهما قرآ بإشمام الهمزة الضمّة في الوصل، وهذا وهم، لأنها ألف وصل دخلت على ألف أصل. ووزن اؤتمن: «افتعل» من الأمانة. قوله تعالى: وَكُتُبِهِ «2» يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجّة لمن جمع: أنه شاكل بين اللفظين، وحقق المعنى، لأن الله تعالى قد أنزل كتبا وأرسل رسلا. والحجة لمن وحّد: أنه أراد: القرآن، لأن أهل الأديان المتقدمة قد اعترف بعضهم لبعض بكتبهم، وآمنوا بها إلّا القرآن فإنهم أنكروه فلذلك أفرد. وجمع الرّسل لأنهم لم يجمعوا على الإيمان بهم. قوله تعالى: أَوْ أَخْطَأْنا «3». يقرأ بإثبات الهمز، وتخفيفه، وبحذفه والتعويض بالألف منه. وقد ذكرت علل الهمز في إثباته وطرحه والتعويض منه مستقصاة فيما تقدم «4» فأغنى عن إعادته. ومن سورة آل عمران قوله تعالى: الم اللَّهُ «5». يقرأ بإسكان الميم، وقطع الألف التي بعدها، وبفتح الميم، ووصل الألف. فالحجّة لمن أسكن وقطع الألف: أنّ الحروف التي في أوائل السور علم لها «6»، فوجب أن تأتي ساكنة فقطعت الألف، لأنها عوض من الهمزة في (إله). ولمن فتح الميم وجهان: أحدهما: أنه نقل إليها فتحة الهمزة، وليّنها، فعادت ألف وصل كما يجب لها، أو فتح الميم لسكون الياء قبلها، ووصل الألف على أصلها. قوله تعالى: وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ «7». يقرأ بالتفخيم، والإمالة، وبين ذلك. فالحجّة لمن

_ (1) البقرة: 283. (2) البقرة: 285. (3) البقرة: 286. (4) انظر: 79 عند قوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ (5) آل عمران: 1، 2. (6) أي للسور. (7) آل عمران: 3.

فخم: أنه أتى بالكلام على أصله. والحجة لمن أمال: أنه دلّ بالإمالة على الياء المنقلبة، ومجيء الراء في الكلمة، لأن الأصل (وورية) «1»، وأبدلت الواو الأولى تاء، والثانية ياء «2»، وقلب الياء ألفا، لأنها مأخوذة من: ورى الزند «3». ومن قرأ بين ذلك أتى بأعدل اللفظين، وقارب بين اللغتين. قوله تعالى: سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ «4»، وتَرَوْنَهُمْ «5». يقرأن بالتاء والياء. فالحجة لمن قرأهن بالتاء: أنه أراد: قل لهم يا محمد مواجها بالخطاب: ستغلبون. وهذا من أدلّ دليل على نبوته صلى الله عليه، لأنه أخبرهم عن الغيب بما لم يكن أنه سيكون، فكان كما قال، والحجة لمن قرأ بالياء: أنه خاطب نبيّه بذلك، وهم غيّب، فكانت الياء أولى لمكان الغيبة. والاختيار في «ترونهم» التاء كقوله: قَدْ كانَ لَكُمْ «6» ولم يقل: لهم، لأن الرؤية للكفار، والهاء والميم كناية عن المسلمين. قوله تعالى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ «7». يقرأ بكسر الراء وضمها. فالحجة لمن كسرها: أنه مصدر، والأصل فيه رضيت رضى، ثم زيدت الألف والنون، فردّت الياء إلى أصلها، كما كان الأصل في «كفران»: كفرا. ولمن ضم حجتان: إحداهما: أنه فرّق بين الاسم والمصدر. والثانية أنّ الضمّ في المصادر مع زيادة الألف والنون أكثر وأشهر كقوله: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ «8»، والشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ «9». فإن قيل: فإن من قرأ بالضّم هاهنا قرأ بالكسر في قوله: مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ «10» فقل: إنما أتى باللغتين ليعلمك جوازهما.

_ (1) وقيل أصلها تورية على وزن (تفعلة)، والتاء زائدة وتحركت الياء وقبلها فتحة، فقلبت ألفا. (2) هكذا في الأصل وهي زيادة لا معنى لها. (3) وروي أيضا: لغتان. (4) آل عمران: 12. (5) آل عمران: 13. (6) آل عمران: 13. (7) آل عمران: 15. (8) الأنبياء: 94. (9) الرحمن: 5. (10) المائدة: 16.

قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «1». يقرأ بفتح همزة إنّ وكسرها. فالحجة فتح: أنه أوقع عليها الشهادة «2» فجعلها بدلا من الأولى. ومن كسرها جعلها مبتدأة لأن الكلام قد تمّ دونها بوقوع الشهادة على الأولى. قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ «3» قرئت بألف من المقاتلة، وبغير ألف من القتل. فالحجة لمن قرأه بالألف: أن المشهور من أفعالهم كان المقاتلة لا القتل. والحجة لمن قرأه بغير ألف: ما أخبر الله تعالى عنهم في قوله: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ «4»، لأن ذلك أبلغ في ذمّهم، وأثبت للحجّة عليهم. قوله تعالى: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ «5». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أن الأصل فيه عند (الفرّاء): «مويت» وعند سيبويه: (ميوت) فلما اجتمعت الواو والياء، والسابق منهما ساكن قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء فالتّشديد لأجل ذلك، ومثله: «صيّب» و «سيّد» و «هيّن» و «ليّن». والحجّة لمن خفف: أنه كره الجمع بين ياءين، والتشديد ثقيل فخفف باختزال إحدى الياءين، إذ كان اختزالها لا يخلّ بلفظ الاسم، ولا يحيل معناه. قوله تعالى: تُقاةً «6». يقرأ بالإمالة والتفخيم. فالحجّة لمن أمال: أنه دلّ بالإمالة على أن أصل الألف الياء، لأنها (تقية) فانقلبت الياء ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها كما قالوا: سار، وباع. والحجة لمن فخّم: أنّ لفظ الياء قد زال بانقلابها فزال حكمها كما قالوا: قضاة ورماة. فإن قيل: فلم أمال (حمزة) هذه، وفتح قوله: حَقَّ تُقاتِهِ «7»؟ فقل: له في ذلك حجّتان: إحداهما: أنه اتبع بلفظه خطّ السّواد، فأمال ما ثبت فيه بالياء، وفخّم ما ثبت فيه بالألف. والأخرى أنه أتى باللغتين لجوازهما عنده.

_ (1) آل عمران: 19. (2) في قوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ آل عمران: 18. (3) آل عمران: 21. (4) البقرة: 91. (5) آل عمران: 27. (6) آل عمران: 28. (7) آل عمران: 102.

قوله تعالى: بِما وَضَعَتْ «1» يقرأ بإسكان التاء وضمّها. فالحجة لمن أسكن: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن أم مريم، والتّاء دليل على التأنيث وليست باسم. والحجة لمن ضم: أنه حكى عن أم مريم ما أخبرت به عن نفسها، فالتاء هاهنا اسم. وإنما بني على الحركة لضعفه بأنه حرف واحد. قوله تعالى: وَكَفَّلَها «2». يقرأ بتشديد الفاء وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه عدّى بالتشديد الفعل إلى مفعولين: إحداهما: الهاء والألف المتصلتان بالفعل. والثاني: (زكريا) وبه ينتصب (زكريّا) في قراءة من شدد الفاء، لأنه عطفه على قوله: (فتقبلها ربّها) وكفلها. والحجة لمن خفف الفاء: أنه جعل الفعل ل (زكريا)، فرفعه بالحديث عنه، وجعل ما اتصل بالفعل من الكناية مفعولا له. ودليله على ذلك قوله: أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ «3». و (زكريا) يمدّ، ويقصر ولا يجرى «4» للتعريف والعجمة. قوله تعالى: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ «5». يقرأ بالتاء، والألف. فالحجة لمن قرأ بالتاء: أن الملائكة جماعة، فدل بالتاء على معنى: الجماعة. والدليل على ذلك قوله: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ «6». والحجّة لمن قرأ بالألف: أن الفعل مقدّم «7»، فأثبت بالألف كما أقول: رماه القوم، وعاداه الرجال. ومع ذلك فالملائكة هاهنا: جبريل، فذكّر الفعل للمعنى. قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ «8». يقرأ بضم الياء مع التشديد، وبفتحها مع التخفيف.

_ (1) آل عمران: 36. (2) آل عمران: 37. (3) آل عمران: 44. (4) لا يجري: لا ينون: قال الطبري: «الصواب عندنا إذا مد زكريا أن ينصب بغير تنوين لأنه اسم من اسماء العجم لا يجري. (الطبري 3: 163) وانظر في معنى الإجراء: (المعجم الوسيط 1: 120 والقاموس المحيط مادة: جرى). (5) آل عمران: 39. (6) آل عمران: 42. (7) قال الطبري «والصواب من القول عندي في قراءة ذلك أنهما قراءتان معروفتان أعني: التاء والياء، فبأيهما قرأ القارئ فمصيب .. وذلك أن الملائكة إن كان مرادا بها: جبريل كما روي عن عبد الله، فإن التأنيث في فعلها فصيح في كلام العرب للفظها إن تقدمها فعل، وجائز فيه التذكير لمعناها. وإن كان مرادا بها: جمع الملائكة فجائز في فعلها التأنيث وهو من قبلها للفظها، وذلك أن العرب إذا قدّمت على الكثير من الجماعة فعلها انثته، فقالت: قالت النساء، وجائز التذكير في فعلها بناء على الواحد إذا تقدم فعله فيقال: «قال الرجال» الطبري: 3: 169. (8) آل عمران: 39.

وهما لغتان فصيحتان. والتشديد «1» أكثر. والتخفيف «2» حسن مستعمل. فإن قيل: لم خالف أبو عمرو أصله، فخفف قوله: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ «3»؟ فقل: إن أبا عمرو فرّق بين البشارة والنضارة، فما صحبته الباء «4» شدّد فيه، لأنه من البشرى، وما سقطت منه الباء خففه «5»، لأنه من الحسن والنّضرة، وهذا من أدل الدليل على معرفته بتصاريف الكلام، غير أن التخفيف لا يقع إلّا فيما سرّ. والتشديد يقع فيما سرّ وضرّ. فإن قيل: فما وجه قوله تعالى: وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ؟ «6» فقل: كلّ فعل جاز فيه فعل وفعّل اعترض بينهما أفعل. قوله تعالى: وَيُعَلِّمُهُ «7» يقرأ بالنون والياء. فالحجّة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه عاطفا به على قوله: «نُوحِيهِ إِلَيْكَ». فإن قيل: فالنون إخبار عن الجماعة، فقل: هذه النون لا يخبر بها عن نفسه إلّا ذو الممالك والأتباع، لأن من تحويه يده لا يخرج عن أمره، فكان إخباره بالنون عن نفسه وعنهم. والحجّة لمن قرأ بالياء: أنه من أخبار الملك عن الله عز وجل بما يفعله به عطفا على قوله: كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ «8». قوله تعالى: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ «9». يقرأ بكسر همزة (إنّ)، وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه أضمر القول، يريد (ورسولا) يقول: إني، أو يبتدئها مستأنفا من غير إضمار. والحجة لمن فتح: أنه جعلها بدلا من قوله: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ «10».

_ (1) وهو قراءة عامة قراء أهل المدينة والبصرة وذلك على وجه تبشير الله زكريا بالولد من قول الناس: بشرت فلانا البشرى بكذا وكذا، أي أتته بشارات البشرى بذلك. (2) وهو قراءة جماعة من قراء الكوفة بمعنى: أن الله يسرّك بولد يهبه لك، من قول الشاعر: بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة ... أتتك من الحجّاج يتلى كتابها انظر (في الموضعين: تفسير الطبري 3: 170، ص 171، المطبعة الأميرية. (3) الشورى: 23. (4) يقصد إذا تعدى بالباء كقوله تعالى: يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ. (5) كقوله تعالى: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ. (6) فصلت: 30. (7) آل عمران: 48. (8) آل عمران: 47. (9) آل عمران: 49. (10) آل عمران: 49.

قوله تعالى: فَيُوَفِّيهِمْ «1». يقرأ بالياء، والنون. فالحجة لمن قرأ بالنون: أنه ردّه على قوله: فَأُعَذِّبُهُمْ «2». والحجة لمن قرأ بالياء: قوله بعد ذلك: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ «3» قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ «4». يقرأ بالرفع، والنصب. وقد تقدمت الحجة للقراءتين في البقرة «5». وجملة القول فيه: أن الماضي إذا صلح لفظه بعد الجواب بالفاء لم يجز فيه إلا الرفع لأنه واجب، وإنما يصح النصب فيما لم يجب. وليس يمتنع في قوله تعالى أن يقول: «كُنْ» فكان. قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ «6» يقرأ بالمد والقصر والهمز «7»، وبالمد من غير همز. فالحجة لمن مدّ وهمز: أنه جعل «ها» تنبيها ثم اتى بعدها بقوله: «أنتم» على طريق الإخبار من غير استفهام، ومدّ حرفا لحرف «8». أو يكون أراد: الاستفهام «9»، والتفرقة بين الهمزتين بمدة، ثم قلب من الهمزة الأولى هاء كما قالوا: هياك أردت، وبقّى الكلام على ما كان عليه. والحجة لمن قصر وهمز: أنه أراد: (أأنتم)، بهمزتين، فقلب الأولى هاء كراهية للجمع بينهما، وبقّى همزة: (أنتم) بحالها. والحجة لمن مدّ من غير همز أنه أراد: (آنتم) بهمزة ومدة، فقلب الهمزة هاء، وبقّى المد. وهذا الوجه ضعيف، لأنه إنما جعل الهمزة مدة لاجتماع همزتين، فإذا قلب الأولى فقد زال الثقل. قوله تعالى: أَنْ يُؤْتى «10». يقرأ بالمد، والقصر. فالحجة لمن مد: أنه أراد: التقرير والتوبيخ بلفظ الاستفهام، فمد مليّنا للهمزة الثانية «11». والحجّة لمن قصر: أنه أتى بلفظ

_ (1) آل عمران: 57. (2) آل عمران: 56. (3) آل عمران: 57. (4) آل عمران: 59. (5) انظر: 88. (6) آل عمران: 66. (7) أي أن الهمز يكون في قراءة المد، وفي قراءة القصر. (8) أي مد حرف الهاء لحرف الهمزة. (9) والأصل في «ها أَنْتُمْ» في هذا الوجه: (أأنتم) فأبدل من الهمزة الأولى هاء، لأنها أختها، روي هذا عن أبي عمرو بن العلاء والأخفش، قال النحاس: وهذا قول حسن. انظر: (القرطبي 4: 108). (10) آل عمران: 73. (11) قال أبو حاتم: «آن» معناه (ألأن) فحذفت لام الجر استخفافا، وأبدلت الهمزة مدة. (القرطبي 4: 108).

(أن) على جهة الإخبار. ومعناه: إن الهدى هدى الله لأن يؤتى وبأن يؤتى. قوله تعالى: يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ «1». يقرأ بإشباع كسرة الهاء، ولفظ ياء بعدها، وباختلاس، الحركة من غير ياء، وبإسكان الهاء من غير حركة. فالحجة لمن أشبع، وأتى بالباء: أنه لما سقطت الياء للجزم أفضى الكلام إلى هاء قبلها كسرة، فأشبع حركتها، فردّ ما كان يجب في الأصل لها. والحجّة لمن اختلس الحركة: أنّ الأصل عنده (يؤديه إليك)، فزالت الياء للجزم، وبقيت الحركة مختلسة على أصل ما كانت عليه. والحجة لمن أسكن: أنه لما اتّصلت الهاء بالفعل اتصالا صارت معه كبعض حروفه، ولم ينفصل منه، وكان كالكلمة الواحدة خففه بإسكان الهاء، كما خفف (يأمركم) و (ينصركم) وليس بمجزوم. وقد عيب «2» بذلك في غير موضع عيب. فهذا أصل لكل فعل مجزوم اتصلت به هاء. فإن كان قبل الهاء كسرة فاكسره واختلس وأسكن. وإن كان قبل الهاء فتحة فاضمم الهاء، وألحق الواو، واختلس أو أسكن. والحجة في ذلك: ما قدمناه «3» فاعرفه فإنه أصل لما يرد من إشكاله إن شاء الله. قوله تعالى: وَلا يَأْمُرَكُمْ «4». يقرأ بالرفع، والنصب، والإسكان. فالحجة لمن نصب: أنه ردّه على قوله: أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ «5». والحجة لمن رفع: أنه استأنف مبتدئا. ودليله: أنه في قراءة عبد الله: «ولن يأمركم». فلما فقد الناصب عاد إلى أعراب ما وجب له بالمضارعة. والحجّة لمن أسكن تخفيفا في ذوات الراء فقد أتينا عليها فيما مضى «6». قوله تعالى: لَما آتَيْتُكُمْ. يقرأ بكسر اللام، وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعلها خافضة، وجعل (ما) بمعنى الذي «7» والمعنى: للّذي أتيتكم. والحجة لمن فتح: أنه جعلها لام التأكيد، وجعل (ما) فاصلة كقوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ «8»، أو تكون لام اليمين وما

_ (1) آل عمران: 75. (2) لعل ابن خالويه يقصد بذلك أبا عمرو بن العلاء، فقد قال أبو عبيد: «واتفق أبو عمرو والأعمش، وعاصم وحمزة في رواية أبي بكر على وقف الهاء فقرءوا: (يؤده إليك). قال النحاس: بإسكان الهاء لا يجوز إلّا في الشعر عند بعض النحويين، وبعضهم لا يجيزه البتة، ويرى أنه غلط ممن قرأ به، وأنه توهّم أن الجزم يقع على الهاء، وأبو عمرو أجل من أن يجوز عليه مثل هذا (القرطبي: 4: 116). (3) انظر: 71 عند قوله، «مشوا فيه». (4) آل عمران: 80. (5) آل عمران: 79. (6) انظر: 66. 70. 78. (7) آل عمران: 81. (8) آل عمران: 159.

بعدها شرط، والجواب (لتؤمنن به). قوله تعالى: آتَيْتُكُمْ «1» يقرأ بالنون والألف، وبالتاء من غير ألف. فالحجة لمن قرأ بالنون: أن الله تعالى أخبر عن نفسه بنون الملكوت على ما قدمناه «2». والحجة لمن قرأ بالتاء: أنه أتى بالكلام على ما يوجبه الإخبار عن المتكلم إذا أخبر بفعله عن نفسه. ومثله في (الحج): فَكَأَيِّنْ «3» مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها «4» وأَهْلَكْناها. والخبران باللفظين عن الله عز وجل. قوله تعالى: بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ «5». يقرأ بضم التاء والتّشديد، وبفتحها والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أبلغ وأمدح، لأنهم ما علّموا حتى علموا، فعلّموا غيرهم، ودرسوا لأنفسهم. والحجة لمن خفف: أنه أتى باللفظ الأول ليوافق به اللفظ الثاني «6». وهذا من شرطه أن يحمل بعض الكلام على بعض للموافقة. قوله تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ «7». وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ «8». يقرءان بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأهما بالتاء: أنه أراد: قل لهم يا محمد مخاطبا: أفغير دين الله تبغون؟ أي تطلبون، ب أنتم عالمون أنكم إليه ترجعون. والحجة لمن قرأ بالياء أنه إخبار من الكفار كأن الله عز وجل عجّب نبيّه عليه السلام منهم فقال له: «أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ» مع علمهم أنهم إليه يرجعون؟ والحجّة لمن قرأ الأول بالياء، والثاني بالتاء: أنه فرق بين المعنيين فجعل الأول للكفّار، وأشرك المؤمنين في الرجوع معهم. وهذا حذق بالقراءة ومعرفة بمعانيها. قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ «9». يقرأ بكسر الحاء، وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه أراد: الاسم. والحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر. ومعناهما في اللغة: القصد.

_ (1) آل عمران: 81. (2) انظر: 97 عند قوله تعالى: يُبَيِّنُها. (3) في الأصل (وكأين) وهو تحريف (4) الحج: 45 (5) آل عمران: 79. (6) وهو قوله تعالى: تَدْرُسُونَ الآية نفسها. آل عمران: 79. (7) آل عمران: 83. (8) آل عمران: 83. (9) آل عمران: 97.

قوله تعالى: وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ «1». يقرأ بالياء، والتاء. والأمر فيهما قريب. فمن قرأهما بالتاء جعل الخطاب للحاضرين وأدخل الغيّب في الجملة. ومن قرأ بالياء وجه الخطاب إلى الغيّب، وأدخل الحاضرين في الجملة، ولهذا المعنى كان أبو عمرو يخير بينهما. قوله تعالى: وَلا يَضُرُّكُمْ «2». يقرأ بكسر الضاد وإسكان الراء والتخفيف، وبضم الضاد والراء والتشديد، فالحجّة لمن كسر وخفف: أنه أخذه من (الضير)، ودليله قوله تعالى: لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ «3». وسكون الراء علامة للجزم لأنه جواب للشرط «4». والحجة لمن شدد: أنه أخذه من (الضّرّ) «5» الذي هو ضد النفع. وأصله: «يضرركم» فنقل حركة الرّاء إلى الضاد، وأسكن الراء الأولى، ودخل الجازم، فأسكن الثانية، فصارتا راء مشددة، وحركت لالتقاء الساكنين، فلا علامة للجزم فيها. وشاهد ذلك قول الشّمّاخ: متى ما تقع أرساغه مطمئنة ... على حجر يرفضّ أو يتدحرج «6» قوله تعالى: مُنْزَلِينَ «7». يقرأ بالتشديد، والتخفيف. فالحجة لمن شدد أنه: أخذه من نزّل فهو منزّل، والملائكة منزّلون. والحجة لمن خفّف: أنه أخذه من: أنزل فهو منزل، والملائكة منزلون إلّا أن التشديد لتكرير الفعل ومداومته كما ذكرت لك «8». قوله تعالى: مُسَوِّمِينَ «9». يقرأ بكسر الواو، وفتحها. فالحجّة لمن كسر: أنه جعل التسويم للخيل، والملائكة مسوّمة لها. والحجة لمن فتح أنه: جعل التسويم للملائكة والله عز وجل فاعل بها. والتسويم: الإعلام فهو في الخيل: صوف أحمر. وقيل: أبيض في أذنابها، وآذانها. وفي الملائكة بعمائم صفر، ولذلك أعلم حمزة في ذلك اليوم بريشة

_ (1) آل عمران: 115. (2) آل عمران: 120. (3) الشعراء: 50. (4) في قوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا .... (5) قال الأزهري: كل ما كان سوء حال وفقر وشدة في بدن فهو ضرّ بالضم وما كان ضد النفع فهو بفتحها. (6) ديوان الشمّاخ: مخطوط رقم (548 ب) - دار الكتب المصرية. (7) آل عمران: 124. (8) انظر: 87 عند قوله تعالى: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا. (9) آل عمران: 125.

نعام. ومنه قوله عز وجل: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ «1». قوله تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ «2». يقرأ بفتح القاف، وضمها. فالحجة لمن فتح أنه: أراد الجرح بأعيانها. والحجة لمن ضم: أنه أراد ألم الجراح. وقيل هما لغتان فصيحتان كالجهد والجهد. قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ «3». يقرأ: وكأيّن على وزن: (كعيّن). ويقرأ: وكائن على وزن (كاعن) وهما لغتان معناهما معنى: (كم) التي يسأل بها عن العدد إلا أنها لم تقو على نصب التمييز قوة (كم) فألزمت (من) لضعفها عن العمل. قوله تعالى: قاتَلَ مَعَهُ «4». يقرأ بفتح القاف وإثبات الألف، وبضمها وحذف الألف. فالحجة لمن أثبت الألف: أنه جعل الفعل للربّيّين «5»، فرفعهم به، لأنه حديث عنهم. والحجة لمن ضم القاف: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله، وأخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع الربيون بالابتداء، والخبر: معه ودليله قوله: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ «6». قوله تعالى: الرُّعْبَ «7». يقرأ بإسكان العين، وضمّها. فالحجة لمن أسكن: أن الأصل الضم فثقل عليه الجمع بين ضمّتين متواليتين، فأسكن. والحجة لمن ضم: أن الأصل عنده الإسكان فأتبع الضم الضم، ليكون اللفظ في موضع واحد، كما قرأ عيسى بن عمر «8»: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ «9» بضمتين. وكيف كان الأصل فهما لغتان. قوله تعالى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ «10». يقرأ بالياء، والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء:

_ (1) الفتح: 29. (2) آل عمران: 140. (3) آل عمران: 146. (4) آل عمران: 146. (5) في الأصل (للربانيين) وهو تحريف: والرّبّي: واحد الربيّين وهم الألوف من الناس. انظر: (الصحاح للجوهري) (6) آل عمران: 144. (7) آل عمران: 151. (8) عيسى بن عمر: أبو عمر الهمذاني الكوفي القارئ الأعمى مقرئ الكوفة بعد حمزة. ذكر الأهوازي والنقاش أنه قرأ على أبي عمرو. قال سفيان الثوري: أدركت الكوفة وما بها أحد أقرأ من عيسى الهمذاني: قيل: إنه مات سنة ست وخمسين ومائة. وقيل سنة خمسين. (غاية النهاية 1: 613). (9) الملك: 1. (10) آل عمران: 154.

أنه ردّه على (النعاس). والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه ردّه على (الأمنة). وكلّ ما في كتاب الله ممّا قد رد آخره على أوله يجري على وجوه: أولها: أنه يردّ على أقرب اللفظين، كقوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها «1». والثاني: أن يرد إلى الأهم عندهم، كقوله: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «2». والثالث: أن يردّ إلى الأجلّ عندهم، كقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «3». والرابع: أن يجتزأ بالإخبار عن أحدهما، ويضمر للآخر مثل ما أظهر كقوله: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ «4». قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ «5». يقرأ بالنصب والرفع. فالحجة لمن نصب: أنه جعله تأكيدا للأمر، ولله: الخبر. والحجة لمن رفع: أنه جعله مبتدأ، ولله: الخبر. والجملة خبر إنّ. قوله تعالى: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ «6». يقرأ بضم الميم وكسرها. فالحجّة لمن ضم: أنه أجراه على أصله من ذوات الواو، كقولك: قلت تقول، وجلت تجول. والحجة لمن كسر: أنه بناه على خفت تخاف، ونمت تنام. والضم أفصح وأشهر. قوله تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ «7». يقرأ بالياء والتاء. وقد تقدم من الحجة في أمثاله ما يغني عن إعادته «8». قوله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ «9». يقرأ بفتح الياء وضم الغين، وبضم الياء وفتح الغين. فالحجة لمن فتح الياء: أنه جعله من (الغلول) «10». ومعناه: أن يخون أصحابه بأخذ شيء من الغنيمة خفية.

_ (1) التوبة: 34 (2) الجمعة: 11. (3) التوبة: 62. (4) التوبة: 3. (5) آل عمران: 154. (6) آل عمران: 158. (7) آل عمران: 156. (8) انظر: 113، آل عمران 115، وقد تكررت هذه القراءة كثيرا ولذلك كان يكتفى بالإحالة إليها. (9) آل عمران: 161. (10) قال أبو عبيد: الغلول: في المغنم خاصة، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد. ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغلّ يغلّ، ومن الحقد غلّ يغلّ بالكسر ومن الغلول غل يغل بالضم. انظر: (الصحاح للجوهري: غلل).

والحجة لمن ضم الياء: أنه أراد أحد وجهين: إمّا من الغلول. ومعناه: أن (يخوّن) «1» لأنّ بعض المنافقين قال يوم بدر- وقد فقدت قطيفة حمراء من الغنيمة: خاننا محمد وغلّنا، فأكذبه الله عز وجل. وإمّا من الغلّ، وهو: قبض اليد إلى العنق. ودليله قول (ابن عباس): «قد كان لهم أن يغلّوا النبي صلى الله عليه وأن يقتلوه» «2». والغلّ معروف «3». والغلّ: المصدر. والغلّ: الحقد. والغلل: الماء في أصول الشجر «4». والغليل: حرارة العطش. قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ «5». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعلها مبتدأة. ودليله قراءة عبد الله: (والله لا يضيع) بغير (إنّ). والحجة لمن فتح: أنه عطف على قوله: «يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، وأن الله، يريد: وبأن الله. قوله تعالى: وَلا يَحْزُنْكَ «6». يقرأ بفتح الياء وضم الزاي، وبضم الياء وكسر الزاي. فالحجة لمن فتح الياء: أنه أخذه من: حزن يحزن حزنا. والحجة لمن ضم الياء: أنه أخذه من: أحزن يحزن حزنا. ولم يسمع إحزانا وإن كان القياس يوجبه. وقال الخليل «7»: جاء عنهم ضم الحاء في موضع الرفع والخفض، كقوله وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ «8» وجاء عنهم الفتح في موضع النصب كقوله: أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ «9». قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ «10» وما بعده في الأربعة مواضع «11» يقرأن بالياء والتاء.

_ (1) بضم الياء وفتح الخاء، وتشديد الواو. قال القرطبي: ويحتمل معنيين: أحدهما: يخان أي يؤخذ من غنيمته. والآخر: يخوّن: أن ينسب إلى الغلول (القرطبي 4: 255)، وهذا المعنى الأخير هو الذي ذكره ابن خالويه. (2) قال خصيف. فقلت لسعيد بن جبير: ما كان لنبيّ أن يغل فقال: بل يغل ويقتل. انظر: أسباب نزول القرآن لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري: 122. (3) وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه انظر: (النّهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 3: 380). (4) والجمع أغلال (انظر الصحاح للجوهري: غلل). (5) آل عمران: 171. (6) آل عمران: 176. (7) الخليل له ترجمة في كتاب (القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: 82) للمحقّق. (8) يوسف: 84. (9) فاطر: 34. (10) آل عمران: 178. (11) انظر: الآيات: 169، 180، 188، من سورة آل عمران.

فمن قرأ بالتاء جعل الخطاب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان (الذين) في موضع نصب بالحسبان وهو المفعول الأول «1»، وما بعده في موضع المفعول الثاني. ومن قرأ بالياء جعل (الذين) في موضع رفع بفعلهم. وما بعدهم مفعول لهم. فأمّا قوله: تَحْسَبَنَّهُمْ «2» بالياء فمعناه: فلا يحسبن أنفسهم. وإنما يجوز الإخبار بالكناية عن النفس في أفعال الشك، لأنها ليست بأفعال حقيقية. فأما قولك: ضرب زيد نفسه فلا يجوز فيه (ضربها)، لأن الفاعل بالكلية لا يكون مفعولا بالكلية. وإنما جاء ذلك عن العرب (في حسبتني)، و (خلتني)، و (رأيتني) ومنه قوله: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى «3» والمفازة «4» هاهنا: البعد، والفوز، والظّفر. فإن قيل: فإذا كانت أفعال الظن لا بد لها من مفعولين فأين هما في قوله: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ على قراءة من قرأ بالياء؟ فقل: لما كانت (حسب) «5» لا بد لها من اسمين، أو ما قام مقامهما، وكان الظن كذلك ناب شيئان «6» عن شيئين «7». قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ «8». يقرأ بإدغام الدّال في السين وإظهارها. وكان الكسائي يقول: إدغامها أكثر وأفصح وأشهر، وإظهارها لكنة ولحن. وقد ذكرت العلة في الإدغام والإظهار آنفا «9». قوله تعالى: سَنَكْتُبُ ما قالُوا «10». يقرأ بالنون مفتوحة، وبالياء مضمومة. فمن قرأ بالنون جعله إخبارا من الله تعالى عن نفسه، وهو الفاعل لذلك و (ما) في موضع نصب بتعدّي الفعل إليها، وهي وصلتها بمعنى المصدر. «وقتلهم» عطف عليه. ومن قرأ بالياء جعله فعل ما لم يسم فاعله، فيكون حينئذ «ما» وما عطف عليها في موضع رفع.

_ (1) هي قراءة حمزة انظر: (القرطبي 4: 287). (2) آل عمران: 188. (3) العلق: 7. (4) في قوله تعالى: بِمَفازَةٍ آية: 88. (5) زيادة يتطلبها الأسلوب. (6) أي أنّ وما عملت فيه. (7) وهما المفعولان. (8) آل عمران: 181. (9) انظر: 63. 77، وغيرهما. (10) آل عمران: 181.

ومن سورة النساء

قوله تعالى: حَتَّى يَمِيزَ «1». يقرأ بضم الياء والتشديد، وبفتحها والتخفيف. فالحجة لمن خفف: أنه أخذه من ماز يميز. والحجة لمن شدد: أنه أخذه من: ميّز يميّز. ومعناه: التفرقة بين الشيئين. قوله تعالى بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ «2». يقرأ بإثبات الباء في «الزبر» «3» وطرحها. وهي في مصاحف أهل الشام بالباء واختلف النحويون في ذلك. فقالت طائفة: إثباتها وطرحها بمعنى واحد. وفرق (الخليل) بينهما فقال: إذا قلت: مررت بزيد وعمرو فكأنك مررت بهما في مرور واحد. وإذا قلت مررت بزيد وبعمرو، فكأنك قد مررت بهما في مرورين حتى تقع الفائدة بإثبات الحرف، لأنه جاء لمعنى. ومن سورة النساء قوله تعالى: الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ «4». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن خفف: أنه أراد: تتساءلون، فأسقط إحدى التاءين تخفيفا. والحجة لمن شدد: أنه أسكن التاء الثانية، وأدغمها في السين للمقاربة فلزمه التشديد لذلك. قوله تعالى: وَالْأَرْحامَ «5». يقرأ بالنصب والخفض. فالحجة لمن نصب: أنه عطفه على (الله) تعالى. وأراد: واتقوا الأرحام: لا تقطعوها، فهذا وجه القراءة عند البصريين، لأنهم أنكروا الخفض، ولحّنوا القارئ به. وأبطلوه من وجوه: أحدها: أنه لا يعطف بالظاهر على مضمر المخفوض إلّا بإعادة الخافض، لأنه معه كشيء واحد لا ينفرد منه، ولا يحال بينه وبينه، ولا يعطف عليه إلا بإعادة الخافض. والعلة في ذلك أنه لما كان العطف على المضمر المرفوع قبيحا حتى يؤكد لم يكن بعد القبح إلا الامتناع، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن تخلف بغير الله فكيف ننهى عن شيء ويؤتى به؟ وإنما يجوز مثل ذلك في نظام الشعر ووزنه اضطرارا كما قال الشاعر:

_ (1) آل عمران: 179. (2) آل عمران: 184. (3) أي بالزبر. (4) النساء: 1 (5) الآية نفسها.

فاليوم قد بتّ تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيّام من عجب «1» وليس في القرآن- بحمد الله- موضع اضطرار. هذا احتجاج البصريين. فأمّا الكوفيون فأجازوا الخفض، واحتجّوا للقارئ بأنه أضمر الخافض، واستدلوا بأن (العجاج) «2» كان إذا قيل له: كيف تجدك؟ يقول: خير عافاك الله، يريد: بخير. وقال بعضهم: معناه. واتقوه في الأرحام أن تقطعوها. وإذا كان البصريون لم يسمعوا الخفض في مثل هذا ولا عرفوا إضمار الخافض فقد عرفه غيرهم، وأنشد: رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من خلله «3» أراد: وربّ رسم دار إلّا أنهم مع إجازتهم ذلك، واحتجاجهم للقارئ به يختارون النصب في القراءة. قوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً «4». يقرأ بإثبات الألف، وطرحها. وهما لغتان، وأصل الياء فيهما واو، وقلبت ياء لكسرة ما قبلها كما قالوا: ميعاد وميزان. فالحجة لمن أثبت الألف: أن الله تعالى جعل الأموال قياما لأمور عباده. والحجة لمن طرحها: أنه أراد: جمع قيمة، لأن الأموال قيم لجميع المتلفات. فإن قيل: فإن (التي) اسم واحد والأموال جمع، فقل: إن كلّ جمع خالف الآدميّين كان كواحده المؤنث، لأن لفظه وإن كان جمعا كلفظ الواحد. ومنه قوله: حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ «5». فإن قيل: فهلّا كان في التثنية كذلك؟ فقل: لما صح لفظ التثنية ومعناها اقتصروا فيها على لفظ واحد، ولما وقع الجمع بألفاظ في القلّة والكثرة اتسعوا فيه لاتساع معانيه.

_ (1) انظر (إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس ورقة: 216). (الكامل في اللغة والأدب لأبي العباس المبرد 2: 749). (الإنصاف 1: 392). (الدرر اللوامع 1: 90، 2: 192). (شرح المفصل 3: 78). (الكتاب لسيبويه 1: 392) (مفاتيح الغيب للإمام محمد الرازي 1: 131). (2) العجاج: اسمه عبد الله بن رؤبة، أحد بني سعد بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم (طبقات فحول الشعراء: 571)، و (معجم الأدباء 11: 150). (3) انظر: (الإنصاف 1: 378. الدرر اللوامع 1: 211. الخزانة: 4: 199، وشرح المفصل 3: 28). (4) النساء: 5. (5) النمل: 60.

قوله تعالى: وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «1» يقرأ بضم الياء وفتحها. وهما لغتان. فالحجة لمن ضمّ: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله. والحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا لهم، ودليله قوله: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ «2». وقال بعض اللغويين: صليته النار: شويته بها، وأصليته النار: أحرقته فيها. قوله تعالى: وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً «3». يقرأ بالنصب، والرفع. والنصب أصوب إلا أن يجعل بمعنى: حدث ووقع «4». وقد ذكر ذلك في البقرة «5». قوله تعالى: فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «6». يقرأ بضم الهمزة وكسرها. فمن كسرها فلكسرة اللام قبلها لئلا يخرج من كسر إلى ضمّ. ومن ضم أتى بالكلمة على أصلها، لأنه لا خلف بين العرب في ضمّها عند إفرادها. قوله تعالى: يُوصى بِها «7». يقرأ بكسر الصاد وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الفعل للموصي، لأنه قد تقدم ذكره في قوله: «فلأمه». والحجة لمن فتح: أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله. قوله تعالى: يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ «8». يقرأ بالنون والياء، وكذلك: يُدْخِلْهُ ناراً «9» فالحجة لمن قرأها بالياء: قوله تعالى في أول الكلام: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ» يدخله. ولو كان بالنون لقال: «ومن يطعنا». والحجة لمن قرأهما بالنون: أن العرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى الخطاب كقوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «10» ولم يقل: بكم. ومن ذلك قول عنترة: «11»

_ (1) النساء: 10. (2) الصافات: 163. (3) النساء: 11. (4) فتكون كان «تامة». (5) انظر: 103. (6) النساء: 11. (7) النساء: 12. (8) النساء: 13. (9) النساء: 14. (10) يونس: 22. (11) هو عنترة بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن مالك بن غالب بن عبس. وضعه ابن سلام في الطبقة السادسة من فحول الجاهلية، انظر: (طبقات فحول الشعراء: 128).

حلّت بأرض الزّائرين فأصبحت ... عسرا على طلابك ابنة مخرم «1» قوله تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها «2» مِنْكُمْ «3». يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وكذلك ما كان في القرآن من نون التثنية في مثل هذا. فالحجة لمن شدد: أنه جعل التشديد عوضا من الياء المحذوفة في «الذي» كما جعلها عوضا من الألف في إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «4» ليفرّق بين ما قد سقط منه حرف، وبين ما قد بنى على لفظه وتمامه. والحجّة لمن خفف: أن العرب قد تحذف طلبا للتخفيف من غير تعويض، وتعوض طلبا للإتمام. وكلّ من ألفاظها ومستعمل في كلامها. فأما قوله: فَذانِكَ «5» فإن من شدّد النون جعله تثنية: (ذلك)، وتقديره: (ذان لك) فقلب من اللام نونا وأدغم. ومن خفف جعله تثنية (ذاك)، فأتى بالنون الخفيفة للاثنين. فأما دخول الكاف فيهما فلمعنى الخطاب ولا موضع لها من الإعراب. والدليل على ذلك أن النون لا تثبت مع الإضافة «6». وإنما كسرت اللام في (ذلك) لسكونها. وسكون الألف قبلها. واختير لها لئلا يلتبس بقولهم في الإشارة: (ذا لك) إذا أردت (هذا لك) ثم خزلت الهاء. فأما جمع ذلك: ف «أولئك». وأما جمع ذاك: ف «أولاك»، واللّام في ذلك زائدة لتراخي المشار إليه. قوله تعالى: بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ «7» يقرأ بكسر الياء، وفتحها هاهنا، وفي: الأحزاب «8» والطلاق «9». فالحجة لمن كسر: أنه جعل الفاحشة هي الفاعلة والمبيّنة على فاعلها. والحجة لمن فتح: أنه جعل الفاحشة مفعولا بها، والله تعالى بيّنها. فأما قوله آياتٍ مُبَيِّناتٍ «10» فالفتح فيها بمعنى: مفسّرات، والكسر بمعنى: مفصّلات.

_ (1) ويروى «شطت مزار العاشقين» أي بعدت عبلة من مزارهم: واسم «أصبحت» مضمر، ولفظ «عسرا» خبر أصبحت، والطلاب مرتفع بمعنى عسر. انظر: (شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات: 299، 300). (2) الألف في قوله تعالى: يَأْتِيانِها عائدة على الفاحشة التي في قوله: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم). (3) النساء: 16 (4) طه: 63 (5) القصص: 32. (6) إذا لم يكن الكاف حرفا زائدا يدل على الخطاب. (7) النساء: 19 (8) الأحزاب: 30 (9) الطلاق: 1. (10) النور: 34.

قوله تعالى: أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً «1». يقرأ بفتح الكاف، وضمّها. فقيل: هما لغتان بمعنى «2» وقيل: الفتح للمصدر، والضم للاسم. وقيل: الفتح لما كرهته، والضم لما استكرهت عليه، أو شقّ عليك. قوله تعالى: الْمُحْصَناتُ «3». يقرأ بفتح الصاد وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعلهن مفعولا بهن، لأن أزواجهن أحصنوهن. والحجة لمن كسر: أنه جعل الفعل لهن، أي أحصنّ أنفسهن فهنّ محصنات لها أي: عفيفات، أو تكون أحصنت نفسها بالإسلام من الفجور فصارت محصنة. وكلّ ما في كلام العرب من (أفعل) فاسم الفاعل فيه (مفعل) إلا ثلاثة أحرف، فإنها جاءت بفتح العين: أحصن فهو (محصن) «4». وأسهب في القول فهو (مسهب)، وألفح إذا أفلس فهو (ملفح). قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ «5» يقرأ بفتح الهمزة وضمها. فالحجة لمن فتح قوله: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ «6»، لأن معناه: كتب الله كتابا عليكم وأحل لكم، لأن ذلك أقرب إلى ذكر الله تعالى. والحجة لمن ضمّ: أنه عطفه على قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ «7» وجاز له ذلك، لأنه إنما يأتي محظور بعد مباح، أو مباح بعد محظور. وأحلّ بعد حرّم أحسن وأليق بمعنى الكلام. قوله تعالى: مُدْخَلًا كَرِيماً «8» يقرأ بضم الميم وفتحها، وكذلك ما شاكله. فالحجة لمن ضم: أنه جعله مصدرا من أدخل يدخل. ودليله قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ. «9» والحجّة لمن فتح: أنه جعله مصدرا من دخل يدخل

_ (1) النساء: 19 (2) هكذا في الأصل ولعله يريد بمعنى واحد. (3) النساء: 24. (4) قال الجوهري: وأحصن الرجل إذا تزوج فهو محصن بفتح الصاد، وهو أحد ما جاء على أفعل فهو مفعل. وقال ثعلب: كل امرأة عفيفة محصنة ومحصنة وكل امرأة متزوجة محصنة بالفتح لا غير. الصحاح: مادة: حصن. (5) النساء: 24. (6) الآية نفسها. (7) النساء: 23. (8) النساء: 31. (9) الإسراء: 80.

مدخلا ودخولا. ودليله قوله تعالى، حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ «1» ويجوز أن يكون الفتح اسما للمكان، وربما جاء بالضم. قوله تعالى: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ «2». يقرأ هو وما شاكله من الأمر بالهمز وتركه إذا تقدمت الواو والفاء قبل الفعل. فالحجة لمن همز: أن الهمزة إنما تسقط فيما كثر استعماله من الأفعال في الأمر، فإذا تقدمت الواو عادت الهمزة إلى أصلها ودليله قوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ «3» فاتفاقهم على همز ذلك يدل على ثبات الهمز في هذا، وما ماثله. والحجة لمن ترك الهمز أنه لما اتفقت القراء والخط على حذف الألف من قوله: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ «4». وكان أصله: (أسأل) في الأمر فنقلوا فتحة الهمزة إلى السين فغنوا عن ألف الوصل لحركتها، وسقطت الهمزة المنقولة الحركة لسكونها بالتليين، وسكون لام الفعل، فلما تقدمت الواو بقي الكلام على ما كان عليه قبل دخولها. قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ «5» يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبترك الألف وتخفيف القاف. فالحجة لمن أثبت الألف: أنه جعله من المعاقدة، وهي المحالفة في الجاهلية أنه يواليه، ويرثه، ويقوم بثأره فأمروا بالوفاء لهم، ثم نسخ ذلك بآية المواريث فحسنت الألف هاهنا، لأنها تجيء في بناء فعل الاثنين. والحجة لمن حذف الألف: أنه يقول: هاهنا صفة محذوفة. والمعنى: والذين عقدت أيمانكم لهم الحلف. قوله تعالى: وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ «6». يقرأ بضم الياء وإسكان الخاء، وبفتحهما وهما لغتان كالعدم والعدم والحزن والحزن. وقيل: التحريك المصدر، والإسكان: الاسم. قوله تعالى: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها «7». يقرأ بنصب حسنة ورفعها، وبإثبات الألف وطرحها. وقد ذكرت الحجة فيهما آنفا، فأغنى عن الإعادة هاهنا «8».

_ (1) القدر: 5 (2) النساء: 32 (3) طه: 132. (4) البقرة: 211 (5) النساء: 33 (6) النساء: 37 (7) النساء: 40. (8) انظر: 98 عند قوله: «فيضاعفه».

قوله تعالى: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ «1». يقرأ بضم التاء والتخفيف، وبفتحها «2» والتشديد «3». وقد ذكرت من علة ذلك فيما سلف ما يدل على معناه «4». قوله تعالى: بِهِمُ الْأَرْضُ «5» يقرأ بكسر الهاء والميم، وبضمهما، وبكسر الهاء، وضم الميم. فالحجة لمن كسرهما: أنه كسر الهاء لمجاورة الباء والميم لالتقاء الساكنين. والحجة لمن ضمهما: أنه ردّهما إلى الأصل الذي كانا عليه قبل دخول الباء. ومن كسر الهاء فلمجاورة الباء، وبقي الميم على أصل ما كانت عليه، وأسقط الواو بعدها تخفيفا وحرك الميم بحركة قد كانت لها في الأصل. قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ «6» يقرأ بإثبات الألف وطرحها. فالحجة لمن أثبتها: أنه جعل الفعل للرجل والمرأة. ودليله: أنّ فعل الاثنين لم يأت عن فصحاء العرب إلا ب «فاعلت»، وب «المفاعلة». وأوضح الأدلة على ذلك قولهم: جامعت المرأة ولم يسمع منهم جمعت. والحجة لمن طرحها: أنه جعلها فعلا للرجل دون المرأة. ودليله قوله تعالى: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ «7»، ولم يقل: ناكحتم. وكل قد ذهب من العربية مذهبا أبان به عن فضله، وفصاحته. قوله تعالى: أَنِ اقْتُلُوا ... أَوِ اخْرُجُوا «8». قد تقدم القول في الحجة له «9». قوله تعالى: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ «10» تفرد ابن عامر بنصبه. والرفع وجه القراءة، لأن من شرط المستثنى إذا أتى بعد موجب نصب، وإذا أتى بعد منفي رفع. فقال الفراء «11» محتجا له: إنما نصب لأنه أراد: ما فعلوه إلا قليلا، لأن (إلّا) عنده مركبة من (إن)

_ (1) النساء: 42. (2) أي تخفيف السين. (3) أي تشديد السين وهي قراءة ابن عامر. (4) انظر: 68 عند قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. (5) النساء: 42 (6) النساء: 43 (7) الأحزاب: 49 (8) النساء: 66. (9) انظر 92 عند قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ. (10) النساء: 66. (11) الفراء: 60، 61.

و (لا) كما كانت (لولا) مركبة من (لو) و (لا). وقال غيره: هو منصوب بفعل مضمر معناه: (استثنى) قليلا منهم. وهذا احتجاج فيه بعض الوهن لأنه يدخل عليه ما يفسده. والاختيار في هذا: أنه ردّ لفظ النفي على ما كان في الإيجاب. كأن قائلا قال: قد فعلوه إلا قليلا منهم، فردّ عليه لفظه مجحودا فقال: ما فعلوه إلا قليلا منهم، كما يقول: قد قام زيد، فيرد عليك: ما قام زيد، فهذا وجه قريب. ووجه ثان: أنك إذا قلت: ما قام أحد إلا زيد أبدلت زيدا من أحد فرفعته فكأنك قلت: ما قام إلّا زيد ولم تأت (بأحد). فإن لم تقدر البدل في كلامك، وجعلت قولك: ما قام أحد كلاما تاما، لا تنوي فيه الإبدال من أحد، ثم استثنيت على هذا نصبت فقلت: ما قام أحد إلا زيدا. فعلى هذا تصح قراءة ابن عامر بالنصب، كأنه قال: ما فعلوه على تمام الكلام، وترك تقدير البدل فيه. ثم قال بعد ذلك: إلّا قليلا منهم. فهذا وجه صحيح. وما قبله ليس بخارج عنه. قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ «1». يقرأ بالياء والتاء. وقد قلنا فيمن قرأه وما أشبهه بالياء: أنه أقام الفصل مقام علامة التأنيث، أو أن تأنيثه ليس بحقيقي، أو أن المودّة والودّ بمعنى. وأن من قرأه بالتاء أتى بالكلام على ما أوجبه له من لفظ التأنيث. قوله تعالى: وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا «2». يقرأ بالتاء والياء، فالتاء جامعة للخطاب والغيبة يريد بذلك: أنتم وهم. والياء لمعنى الغيبة فقط. وقيل في الفتيل: هو ما كان في شقّ النواة، وقيل: ما قتلته بين أصابعك من الوسخ. والنقير: نقطة في ظهرها «3». والقطمير: غشاوتها «4». وقيل: قمعها. قوله تعالى: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ «5». يقرأ بالإدغام والإظهار. فالحجة لمن أدغم: مقاربة التاء من الصاد، لأن السكون في تاء التأنيث بنية، فلما كان السكون لها لازما كان إدغامها واجبا. والحجة لمن أظهر: أنه أتى بالكلام على ما يجب في الأصل من البيان.

_ (1) النساء: 73 (2) النساء: 77. (3) أي في ظهر النواة. (4) الغشاوة بالكسر: الغطاء. (5) النساء: 90

قوله تعالى: فَتَبَيَّنُوا «1» يقرأ بالياء من التبيين، وبالتاء من التثبت هاهنا، وفي الحجرات «2» والأمر بينهما قريب؛ لأن من تبيّن فقد تثبّت، ومن تثبّت فقد تبيّن. قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ «3». يقرأ بإثبات الألف وطرحها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: التحية. ودليله: أنّ رجلا سلم عليهم فقتلوه، لأنهم قدّروا أنه فعل ذلك خوفا، فقرّعهم الله به. والحجة لمن طرحها: أنه جعله من الاستسلام، وإعطاء المقادة من غير امتناع. قوله تعالى: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «4». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعله من وصف (القاعدين) والوصف تابع للموصوف. والحجة لمن نصب أنه: جعل (غير) استثناء بمعنى إلّا فأعربها بإعراب الاسم بعد إلّا، وخفض بها ما بعدها. ودليله على ذلك أنّها نزلت في ابن أم مكتوم الضرير «5». قوله تعالى: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ «6» يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه من إخبار الرسول عليه السلام عن الله عز وجل. والحجة لمن قرأ بالنون: انه من إخبار الله عز وجل عن نفسه بالنون. قوله تعالى: «إلا أن يصالحا» «7» يقرأ بفتح الياء والتشديد «8». وبضمها والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: يتصالحا، فأسكن التاء وأدغم فلذلك شدّد. والحجة لمن خفف أنه أخذه من (أصلح). فإن قيل: فلو كان كذلك لجاء المصدر على: إصلاح، فقل: العرب تقيم الاسم مقام المصدر كقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً «9». ولم يقل: إقراضا.

_ (1) النساء: 94 (2) الحجرات: 6 (3) النساء: 94. (4) النساء: 95. (5) ابن أم مكتوم: انظر: الإصابة 4: 68: 111،: 284، وانظر: (صفة الصفوة 1: 237). (6) النساء: 74 (7) النساء: 128 (8) وألف بعدها من هذه القراءة (9) البقرة: 245.

قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ «1». يقرأ بضم الياء وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله طابق بذلك بين لفظي الفعلين «2». والحجة لمن فتح. أنه جعل الفعل للداخلين، لأن من أذن له الله في دخول الجنة كان هو الداخل. وخالف بين الفعلين لأن الدخول إليهم، وترك الظلم ليس إليهم. قوله تعالى: وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ «3». يقرا بفتح النون، وضمها والتشديد. فالحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لله تعالى، وعطف الثاني بفتح الهمزة عليه «4». والحجة لمن ضم: أنه جعله فعلا لما لم يسم فاعله، وعطف الثاني بضم الهمزة عليه. قوله تعالى: وَإِنْ تَلْوُوا «5». يقرأ بإسكان اللام وواوين بعده، وبضمها وواو واحدة ساكنة. فالحجة لمن قرأ بواوين: جعله فعلا من: (لويت حقه)، وأصله: (تلويوا) فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، وخزلت الواو «6» لالتقاء الساكنين، ثم ضمّت الواو الأولى لمجاورة الثانية، وسقطت النون علامة للجزم. والحجة لمن قرأه بواو واحدة: أنه جعله من الولاية. يريد: وإن تلوا ذلك، أو تتركوه. معناه: أو تعرضوا عنه تاركين له، وأصله: توليوا فخزلت الواو الأولى لوقوعها بين ياء «7» وكسرة، وخزلت الياء لوقوع الحركة عليها، وضمت اللام لمجاورة الواو. قوله تعالى: فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ «8» يقرأ بإسكان الراء وفتحها. فالحجة لمن حرّك: أنه أتى بالكلام على أصله، لأنّ التحريك فيه أيسر وأشهر. والحجة لمن أسكن: أنه أتى به على طريق التخفيف. والدّرجات للنار كالدرجات للجنة. والدرجات في العلو كالدّرجات في السّفل «9».

_ (1) النساء: 124 (2) يدخلون ويظلمون. (3) النساء: 136. (4) وهو قوله تعالى في الآية نفسها: (أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ). (5) النساء: 135. (6) هكذا في الأصل، والأوضح أن يقال: وخزلت الياء ليستقيم الأسلوب. (7) هي ياء المضارعة. (8) النساء: 145. (9) السّفل، والسّفل، والسّفول، والسّفال، والسّفالة بالضم: نقيض العلوّ. انظر: (الصحاح للجوهري).

ومن سورة المائدة

قوله تعالى: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ «1» وأُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ «2» يقرءان بالنون والياء وقد تقدم القول في أمثاله بما يغني عن إعادته «3». قوله تعالى: لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ «4». يقرأ بإسكان العين والتخفيف، وبفتحها والتشديد «5». فالحجة لمن فتح وشدد: أنه أراد: تعتدوا، فنقل حركة التاء إلى العين، وأدغم التاء في الدال فالتشديد لذلك. وأصله: تفتعلوا من الاعتداء. ومثله: تخطّف، وتهدّى. والحجة لمن أسكن وخفف: أنه أراد: لا تفعلوا من العدوان. وروى عن نافع إسكان العين وتشديد الدّال، وهو قبيح، لجمعه بين ساكنين ليس أحدهما يحرف مد ولين في كلمة واحدة. فالحجة له: أنه أسكن وهو يريد الحركة، وذلك من لغة (عبد القيس) «6» لأنهم يقولون: (اسل زيدا) فيدخلون ألف الوصل على متحرك، لأنهم يريدون فيه: الإسكان. فعلى ذلك أسكن نافع وهو ينوي الحركة. قوله تعالى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً «7». يقرأ بفتح الزاي، وضمها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: واحدا مفردا. والحجّة لمن ضم: أنه أراد: الجمع، فالأول كقولك: عمود. والثاني كقولك: عمد. والزبر: الكتب، تقول العرب: زبرت الكتاب بالزاي: كتبته. وذبرته بالذال «8» قرأته. فأما زبر الحديد فواحدتها: (زبرة) كقولك: سدفة وسدف. ومن سورة المائدة قوله تعالى: شَنَآنُ قَوْمٍ «9». يقرأ بإسكان النون وفتحها. فالحجة لمن أسكن: أنه بنى المصدر على أصله قبل دخول الألف والنون عليه. والحجة لمن فتح: أنه أتى به على

_ (1) النساء: 114 وفي الأصل سوف نؤتيه. (2) النساء: 162 وفي الأصل: أولئك سوف نؤتيهم. (3) انظر: 97 عند قوله تعالى: يُبَيِّنُها. (4) النساء: 154 (5) المراد: تشديد الدال. (6) عبد القيس: قبيلة عظيمة تنتسب إلى عبد القيس بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ (7) ابن عدنان: (معجم قبائل العرب 2: 276). النساء: 163. (8) في الأصل: ودبرته بالدال، وصحتها (وذبرته بالذال) انظر: (المعجم الوسيط مادة: ذبر). (9) المائدة: 2.

ما تأتي أمثاله من المصادر المزيد فيها كقولك: الضّربان والهملان «1». ومعنى قوله: (ولا يجرمنكم) يريد: لا يكسبنكم «2»، من قولهم: فلان جريمة أهله، أي كاسبهم. قوله تعالى: أَنْ صَدُّوكُمْ «3». يقرأ بفتح الهمزة، وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: لا يكسبنكم بعض قوم، لأن صدّوكم، أي لصدهم إيّاكم. والحجة لمن كسر: أنه جعلها حرف شرط، وجعل الماضي بعدها بمعنى المضارع. قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ «4». يقرأ بالنصب والخفض. فالحجة لمن نصب: أنه ردّه بالواو على أول الكلام، لأنه عطف محدودا على محدود، لأن ما أوجب الله غسله فقد حصره بحدّ، وما أوجب مسحه أهمله بغير حدّ. والحجة لمن خفض: أن الله تعالى أنزل القرآن بالمسح على الرأس والرّجل، ثم عادت السّنة للغسل. ولا وجه لمن ادّعى أنّ الأرجل مخفوضة بالجوار، لأن ذلك مستعمل في نظم الشعر للاضطرار وفي الأمثال. والقرآن لا يحمل على الضرورة، وألفاظ الأمثال. قوله تعالى: قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً «5». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبطرحها والتشديد «6». فالحجة لمن خفف: أنه قال أصله: (قاسوة) لأنه من القسوة، فانقلبت «7» ياء لكسرة السين. والحجة لمن شدد: أنه قال: أصلها: (قسيوة) فلما اجتمعت الياء والواو، والسابق ساكن قلبوا الواو ياء وأدغموها، فالتشديد لذلك. وقال بعض اللغويين: معنى قاسية: شديدة- ومعنى قسّية: رديئة، من قولهم: درهم قسّى أي بهرج. وقيل: معناهما: لا يرقّ بالرحمة.

_ (1) قال النيسابوري: «الشنآن بالتحريك والتسكين: مصدر شنأته أشنؤه، وكلاهما شاذ، فالتحريك شاذ في المعنى، لأن فعلان من بناء الحركة والاضطراب كالضّربان، والخفقان، والتسكين شاذ في اللفظ، لأنه لم يجئ شيء من المصادر عليه. قاله الجوهري: (تفسير غرائب القرآن، ورغائب الفرقان) هامش تفسير الطبري 5: 48». (2) أي لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء، أو لا يحملنكم بغضهم على الاعتداء. (3) المائدة: 2 (4) المائدة: 6. (5) المائدة: 13. (6) أي تشديد الياء. (7) أي الواو.

قوله تعالى: وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا «1». يقرأ بإثبات الياء، وحذفها. فالحجة لمن أثبت: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن حذف: أنه اتبع الخط. وهذا في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع: في البقرة: وَاخْشَوْنِي «2»، وصله ووقفه بالياء. وفي المائدة: وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ «3»، وصله ووقفه بغير ياء. وفيها: وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا «4». قرئ وصلا بالياء ووقفا بغير ياء. قوله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ «5». أجمع القراء على إسكان النون، وتحقيق الهمزة إلّا ما رواه (ورش) «6» عن نافع من فتح النون، وحذف الهمزة، وطرح حركتها على النون. والحجة له: أنه استثقل الهمزة محققة فلما وقع قبلها ساكن استروح إلى نقل حركتها إليه وإلقائها، لأنه قد صار عليها دليل من حركة الساكن. ومثله في قراءته: قَدْ أَفْلَحَ «7». ومعنى من أجل ذلك: من أجل قتل ابن آدم أخاه. قوله تعالى: لِلسُّحْتِ «8». يقرأ بضم الحاء، وإسكانها. وقد ذكرنا الحجة للقارئ بها فيما سلف «9». قوله تعالى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «10». يقرأ بنصب النفس فقط، ورفع ما بعدها. وبنصب النفس وما بعدها إلى آخر الكلام. وبنصب النفس، وما بعدها إلى قوله: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فإنه رفع. فالحجة لمن نصب النفس، ورفع ما بعدها: أن النفس منصوبة بأنّ و (بالنفس) خبرها. وإذا تمت أن باسمها وخبرها كان الاختيار فيما أتى بعد ذلك الرفع، لأنه حرف دخل على المبتدأ وخبره. ودليله على ذلك قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ «11». والحجّة لمن نصب إلى آخر الكلام: أنّ (أنّ) وإن كانت حرفا فهي شبيهة

_ (1) المائدة: 44. (2) البقرة: 150 (3) المائدة: 3 (4) المائدة: 44. (5) المائدة: 32. (6) ورش: 13 (7) المؤمنون: 1 (8) المائدة: 42. (9) المائدة: 45 (10) انظر: 85 عند قوله تعالى: «بِرُوحِ الْقُدُسِ». (11) التوبة: 3 وذلك برفع المعطوف وهو (رسوله).

بالفعل الماضي لبنائها على فتح آخرها كبنائه، وصحة كناية الاسم المنصوب فيها كصحة كنايته في الفعل إذا قلت: (ضربني وأنني). فلما كانت بهذه المنزلة، وكان الاسم الأول منصوبا بها كان حق المعطوف بالواو أن يتبع لفظ ما عطف عليه إلى انتهائه. والحجّة لمن نصب الكلام، ورفع الجروح: أن الله تعالى كتب في (التوراة) على بني إسرائيل: أن النفس بالنفس إلى قوله: (والسّن بالسن) ثم كأنه قال- والله أعلم- ومن بعد ذلك: (الجروح قصاص). والدليل على انقطاع ذلك من الأول: أنه لم يقل فيه: والجروح بالجروح قصاص فكان الرفع بالابتداء أولى، لأنه لما فقد لفظ (أنّ) استأنف لطول الكلام. قوله تعالى: وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ «1» يقرأ بضم الذال، وإسكانها. فالحجة لمن ضم: أنه أتى ذلك ليتبع الضم الضم، والأصل عنده: الإسكان. ومن أسكن فالحجة له: أنه خفف لثقل توالي الضمتين، والأصل عنده: الضم. ويمكن أن يكون الضم والإسكان لغتين. قوله تعالى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ «2». يقرأ بإسكان اللام وكسرها. فالحجة لمن أسكن: أنه جعلها لام الأمر فجزم بها الفعل، وأسكنها تخفيفا، وإن كان الأصل فيها الكسر. والحجة لمن كسر: أنه جعلها لام كي فنصب بها الفعل. وتقدير الكلام: وآتيناه الإنجيل ليحكم أهله بما أنزل الله فيه. والوجه أن يكون لام الأمر، لأنها في حرف عبد الله «3» وأبيّ «4» وأن ليحكم «5». قوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ «6» يقرأ بالتاء والياء. فالحجة لمن قرأ بالتاء: أن معناه والله أعلم: قل يا محمد للكفرة: إذا كنتم لا تحكمون بما في كتب الله عز وجل أفتبغون حكم الجاهلية؟ والحجة لمن قرأه بالياء: أنه إخبار من الله تعالى عنهم في حال الغيبة فدل بالياء على ذلك. قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا «7». يقرأ بالرفع، والنصب. فالحجة لمن رفع:

_ (1) المائدة: 45. (2) المائدة: 47. (3) انظر: 72 (4) انظر: 87. (5) فلو كانت لام كي لما دخلت عليها أن المصدرية حتى لا يتسلط عاملان ناصبان على فعل واحد. (6) المائدة: 50. (7) المائدة: 53

أنه ابتدأ بالفعل فأعربه بما وجب له بلفظ المضارعة. والحجة لمن نصب: أنه ردّه على قوله: أَنْ يَأْتِيَ «1»، وأن يقول: قوله تعالى: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ «2» يقرأ بالإدغام والفتح، وبالإظهار والجزم. فالحجة لمن أدغم: أنه لغة أهل الحجاز، لأنهم يدغمون الأفعال لثقلها كقوله تعالى: إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا «3»، ويظهرون الأسماء لخفتها كقوله: عَدَدَ سِنِينَ «4»، ليفرّقوا بذلك بين الاسم والفعل. والحجة لمن أظهر: أنه أتى بالكلام على الأصل، ورغب- مع موافقة اللغة- في الثواب إذ كان له بكل حرف عشر حسنات. قوله تعالى: وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ «5» يقرأ بالنصب، والخفض. فالحجة لمن نصب: أنه ردّه على قوله: لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ «6» والكفار؛ لأن معنى الألف واللام في الكفار بمعنى الذي. ويجوز أن يكون معطوفا على موضع (من) في قوله: (من الذين)، لأن موضعه نصب فيكون كقول الشاعر «7»: معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا «8» فعطف «الحديد» على موضع الباء والجبال، لأن موضعهما نصب بخبر ليس. والحجة لمن خفض أنه عطفه على قوله: (من الذين) (لفظا) يريد: ومن الكفار، لأنه كذلك في حرف عبد الله وأبيّ. والحجة لمن أماله كسر الراء في آخره. والحجة لمن فخمه: أنه جمع، والجمع يستثقل فيه ما يستخفّ في الواحد. قوله تعالى: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ «9» يقرأ بفتح الباء ونصب التاء، وبضم الباء وخفض

_ (1) المائدة: 52. (2) المائدة: 54. (3) مريم: 84. (4) المؤمنون: 112. (5) المائدة: 57 (6) الآية 57 من سورة المائدة. (7) هو لعقيبة الأسدي. (8) استشهد بهذا البيت الفرّاء في معاني القرآن 2: 348 وذكره البغدادي في خزانة الأدب 1: 343. وذكره سيبويه في الكتاب: 1: 34، 352، 375، 448. (9) المائدة: 60.

التاء. فالحجة لمن فتح الباء: أنه جعله فعلا ماضيا مردودا على قوله: (من لعنه الله) ومن عبد الطاغوت. والحجة لمن ضم الباء: أنه جعله جمع عبد «1»، وأضافه إلى الطاغوت. و (عبد) يجمع على ثمانية أوجه: «2» هذا أقلها. وقال الفراء: «3» ويجوز أن يكون (عبد) هاهنا واحدا ضمت الباء منه دلالة على المبالغة كما قالوا: حذر ويقظ. ومعناه: وخدم الطاغوت. والطاغوت يكون واحدا وجمعا ومذكرا ومؤنثا. وشاهد ذلك في القرآن موجود. قوله تعالى: فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ «4» وحَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ «5» وعَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي «6» يقرأن بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه جعل الخطاب للرسول عليه السلام. والحجة لمن جمع: أنه جعل كل وحي رسالة، فالاختيار في قوله: حيث يجعل رسالته الجمع لقوله: مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ «7». قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ «8». يقرأ بالرفع، والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعل (لا) بمعنى ليس، لأنها يجحد بها كما يجحد ب «لا» «9»، فحالت بين أن وبين النصب. وقال البصريون: (أن) هذه مخففة من المشددة، وليست (أن) التي وضعت

_ (1) قال الجوهري: «وليس هذا بجمع لأنّ (فعلا) لا يجمع على (فعل) وإنما هو اسم يبني على فعل، مثل حذر، وندس فيكون المعنى: خادم الطاغوت. وأما قول الشاعر أوس بن حجر: ابني لبينى إنّ أمّكم أمة، وإنّ أباكم عبد فإن الفراء يقول: إنما ضم الباء ضرورة، لأن القصيدة من الكامل، وهي حذاء انظر: الصحاح مادة: عبد. (2) ذكر الجوهري هذه الأوجه، وهي: عبيد، وأعبد، وعباد، وعبدان، وعبدان، وعبّدّان، وعبّدا، يمد ويقصر، ومعبوداء بالمد، وحكى الأخفش عبد مثل: سقف وسقف. هذا ولم يعتد الجوهري بالجمع الذي ذكره ابن خالويه كما تقدم. (الصحاح: عبد). الطاغوت يكون واحدا كما في هذه الآية، ويكون جمعا: كقوله تعالى: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ومذكّرا كقوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ومؤنثا كقوله تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها. (3) الفراء: 60. (4) المائدة: 67. (5) الأنعام: 124. (6) الأعراف: 144. (7) الأنعام: 124. (8) المائدة: 71. (9) الأوضح أن يقول: كما يجحد بليس.

لنصب الفعل فلا تدخل عليه إلّا بفاصلة، إمّا ب «لا» أو بالسين، ليكون لك عوضا من التشديد، وفاصلة بينها وبين غيرها: ومنه قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى «1» أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ «2». لم يختلف القراء في رفعه ولا النحويون أنها مخففة من الشديدة، وأنّ الأصل فيه: أنه لا يرجع، وأنه سيكون. والحجة لمن نصب: أنه جعل أن الناصبة للفعل، ولم يحل ب «لا» بينها وبين الفعل كما قال تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ «3» وأَلَّا تَسْجُدَ «4». قوله تعالى: بِما عَقَّدْتُمُ «5». يقرأ بإثبات الألف وبالتخفيف، وبطرحها والتشديد. فالحجة لمن أثبتها: أنه فعل من اثنين فما زاد. والحجة لمن خفف: أنه أراد: فعلتم ذلك من العقد. والحجة لمن شدّد: أنه أراد: أكّدتم. وقد ذكر في النساء بأبين من هذا «6». وكذلك (قيما) و (قياما) «7» أيضا. قوله تعالى: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ «8». يقرأ بالتنوين ورفع مثل. وبطرح التنوين وإضافة مثل. فالحجة لمن نون: أنه جعل قوله: فجزاء مبتدأ، وجعل قوله: (مثل) الخبر. أو برفعه بإضمار. يريد: فعليه جزاء ويكون (مثل) بدلا من جزاء. والحجة لمن أضاف: أنه رفعه بالابتداء، والخبر قوله: (من النعم) و (ما) هاهنا على وجهين: أحدهما: أن يكون بمعنى: مثل الذي قتل. والثاني: أن يكون بمعنى مثل المقتول. قوله تعالى: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ «9». يقرأ بالتنوين ورفعهما، وبطرح التنوين والإضافة. فالحجة لمن رفع الطعام: أنه جعله بدلا من الكفارة لأنه هي في المعنى. وهذا بدل الشيء من الشيء. وهو: هو. وفيه أنه بدل معرفة من نكرة «10». والحجة لمن أضاف: أنه أقام

_ (1) المزمل: 20. (2) طه: 89. (3) ص: 75 (4) الأعراف: 12 (5) المائدة: 89 (6) في قوله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ آية 33» انظر: 98. (7) في قوله تعالى: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً آية 5 من سورة النساء. (8) المائدة: 95. (9) المائدة: 95. (10) لأن «طعام» مضاف إلى «مساكين».

الاسم مقام المصدر فجعل الطعام مكان الإطعام. قوله تعالى: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ «1». يقرأ بالياء والرفع، وبالتاء والنصب. فالحجة لمن قرأ بالرفع: أنه جعل الفعل لله تعالى فرفعه به، وهم في هذا السؤال عالمون أنه يستطيع ذلك، فلفظه لفظ الاستفهام، ومعناه معنى الطلب والسؤال. والحجّة لمن قرأ بالنصب: أنه أراد: هل تستطيع سؤال ربك؟ ثم حذف السؤال، وأقام (ربك) مقامه كما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «2» يريد: أهل القرية. ومعناه: سل ربك أن يفعل بنا ذلك فإنه عليه قادر. قوله تعالى: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ «3». بإثبات الألف، وطرحها في أربعة مواضع: هاهنا. وفي أول يونس «4». وفي هود «5». وفي الصف «6». فالحجة لمن أثبت الألف: أنه أراد به: اسم الفاعل. والحجة لمن حذفها: أنه أراد: المصدر. قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ «7». يقرأ بضم التاء وكسر الحاء، وبفتحهما. فالحجة لمن ضم: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله، والحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا لفاعل. قوله تعالى: الْأَوْلَيانِ «8». يقرأ بالتثنية والجمع «9». فالحجة لمن قرأه بالتثنية: أنه ردّه على قوله: (وآخران) فأبدله منهما دلالة عليهما. والحجة لمن قرأه بالجمع: أنه ردّه على قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «10». قوله تعالى: إِنِّي مُنَزِّلُها «11» يقرأ بالتشديد، والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أنه

_ (1) المائدة: 112. (2) يوسف: 82 (3) المائدة: 110 (4) يونس: 2 (5) هود: 7 (6) الصف: 6 (7) المائدة: 107. (8) المائدة: 107. (9) أي الأوّلين، وهو صفة (للذين استحق) أو بدل من الضمير في (عليهم) انظر العكبري في (إملاء ما من به الرحمن 1: 30). (10) المائدة: 106 (11) المائدة: 115.

ومن سورة الأنعام

أخذه من: نزّل فهو منزّل. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أنزل فهو منزل. قوله تعالى: فَتَكُونُ طَيْراً «1». يقرأ بإثبات الألف «2»، وطرحها. فالحجة لمن أثبت: أنه أراد الواحد من هذا الجنس. والحجة لمن طرح: أنه أراد الجمع. قوله تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ «3». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعل (هذا) مبتدأ، و (يوم ينفع) الخبر. والحجة لمن نصب: أنه جعله ظرفا للفعل، وجعل (هذا) إشارة إلى ما تقدّم من الكلام. يريد: والله أعلم: هذا الغفران والعذاب في يوم ينفع الصادقين صدقهم، أو يكون (اليوم) هاهنا مبنيا على الفتح لإضافته (إلى أسماء الزمان) «4»، لأنه مفعول فيه. فإن قيل: فالأفعال لا تضاف ولا يضاف إليها «5»، فقل: إنّ الفعل وإن أضيف هاهنا إلى أسماء الزمان فالمراد به: المصدر دون الفعل. ومن سورة الأنعام قوله تعالى: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ «6». يقرأ بفتح الياء، وضمّها. فالحجة لمن ضم: أنه جعل فعل ما لم يسم فاعله. والضمير الذي في الفعل من ذكر العذاب مرفوع، لأنه قام مقام الفاعل. والحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لله عز وجل والفاعل مستتر في النية، والمفعول به هاء محذوفة كانت متصلة بالفعل هي كناية عن العذاب. قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ «7». يقرأ بالياء والنصب، وبالتاء والرفع. فالحجة لمن قرأ بالتاء: أنه أراد: تأنيث لفظ الفتنة، ورفع الفتنة باسم كان والخبر «إلّا أن قالوا» لأن معناه: إلّا قولهم. والحجة لمن قرأ بالياء ما قدمناه آنفا، ونصب الفتنة بالخبر «8» وجعل

_ (1) المائدة: 110. (2) أي طائرا. (3) المائدة: 119. (4) أي لإضافة الفعل. (5) الكوفيون يجوزون البناء على الفتح لإضافته إلى الفعل ولو كان معربا. وغيرهم لا يجوّز ذلك إلا إذا أضيف إلى مبني. انظر (العكبري 1: 234). (6) الأنعام: 16. (7) الأنعام: 23. (8) انظر: 125 عند قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ.

(إلّا أن قالوا) الاسم، وهو الوجه، لأن الفتنة قد تكون نكرة فهي بالخبر أولى. وقوله (إلّا أن قالوا) لا يكون إلّا معرفة. ومن شرط كان وأخواتها إذا اجتمع فيهن معرفة ونكرة كانت المعرفة أولى بالاسم، والنكرة أولى بالخبر إلا في ضرورة شاعر، ولذلك أجمع القرّاء على قوله: فَما كانَ جَوابَ «1» قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا «2»، وكانت الياء أولى لأن الفعل للقول لا للفتنة. فأمّا من قرأ بالتاء والنصب فالحجة له: أن القول فتنة، والفتنة قول، فجاز أن يحلّ أحدهما محلّ الآخر. وأيضا، فإن هذا المصدر قد يمكن أن يؤنث على معنى: (المقالة) ويذكر على معنى: (القول). قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ «3». يقرأ بالنون والياء. فالحجة لمن قرأ بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه تعظيما وتخصيصا. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد: يا محمد، ويوم يحشرهم الله. قوله تعالى: وَاللَّهِ رَبِّنا «4» يقرأ بخفض الباء ونصبها. فالحجة لمن قرأه بالخفض: أنه جعله تابعا لاسم الله تعالى، لئلا يذهب الوهم إلى أنه غيره إذ قد غيّر عن إعرابه. والحجة لمن نصب: أنه جعله منادى مضافا يريد: يا ربنا: ما كنا مشركين، لأن الله تعالى قد تقدم ذكره، فنادوه بعد ذلك مستغيثين به. قوله تعالى: وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ «5». يقرءان بالرفع والنصب. فالحجة لمن قرأ بالنصب: أنه جعله جوابا للتمني «6» بالواو، لأن الواو في الجواب كالفاء كقول الشاعر «7»:

_ (1) يقصد أن (فتنة) تعرب خبرا مقدما لكان. أي ينصب (جواب) على أنه خبر كان مقدما (2) النمل: 56. (3) الأنعام: 22. (4) الأنعام: 23. (5) الأنعام: 27. (6) في قوله تعالى في الآية نفسها يا لَيْتَنا نُرَدُّ. (7) البيت وجد في قصائد عديدة ومن هنا قال البغدادي «اختلف في قائله، فنسبه الإمام أبو عبد الله القاسم بن سلام في أمثاله إلى المتوكل الكناني، والمتوكل من شعراء الإسلام وهو من أهل الكوفة. ونسبه إليه أيضا الآمدي في «المؤتلف والمختلف» ونسبه إليه أيضا أبو الفرج الأصبهاني في «الأغاني» ونسبه الحاتمي لسابق البربري. ونقل السيوطي عن تاريخ ابن عساكر أنه للطرماح. والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدولي: أولها: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم (الخزانة 3: 617)، (4: 40).

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم «1» ودليله: أنه في حرف (عبد الله) بالفاء في الأول، وبالواو في الثاني، والنصب فيهما. والحجة لمن رفع: أنه جعل الكلام خبرا. ودليله: أنهم تمنّوا الرد، ولم يتمنّوا الكذب. والتقدير: يا ليتنا نرد، ونحن لا نكذب بآيات ربنا ونكون. ويحتمل أن يكونوا تمنوا الرّد والتوفيق. ومن التوفيق مع الردّ ترك الكذب. قوله تعالى: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «2». يقرأ بالتاء، والياء في خمسة مواضع: هاهنا، وفي الأعراف «3»، ويوسف «4»، والقصص «5»، ويس «6». فالحجة لمن قرأهن بالتاء: أنه جعلهم مخاطبين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. والحجة لمن قرأهن بالياء: أنه جعلهم غيّبا «7» مبلّغين عن الله عز وجل. قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ «8». يقرأ بتشديد الذال «9» وتخفيفها «10». فالحجة لمن شدد: أنه أراد: لا يجدونك كاذبا، لأنهم ما كانوا يشكون في صدقه، ولذلك كان يدعي فيهم بالأمين، ولكنهم يكذبون بما جئت به. وقيل معناه: فإنهم لا يأتون بدليل يدل على كذبك. والحجة لمن خفف: أنه أراد: فإنهم لا يكذبونك في نفسك، ولكنهم يكذبونك فيما تحكيه عن الله عز وجل. قوله تعالى: إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ «11». يقرأ بضم الياء وكسر الزاي، وفتحها وضم الزاي وقد ذكر وجه علله فيما سلف «12».

_ (1) استشهد به سيبويه على أن الفعل المضارع يأتي بعد واو المعية- منصوبا بأن مضمرة (الكتاب لسيبويه 1: 424). (2) الأنعام: 32 (3) الأعراف: 169 (4) يوسف: 2 (5) القصص: 60 (6) يس: 62، 68. (7) جمع لغائب، ومن جموعه أيضا: غيّاب وغيب بتحريك الياء. (8) الأنعام: 33 (9) وفتح الكاف (10) وإسكان الكاف. (11) الأنعام: 33 (12) انظر: 116

قوله تعالى: أَرَأَيْتَكُمْ «1»، وما كان مثله من الاستفهام في القرآن يقرأ بإثبات الهمزة الثانية. وطرحها. وتليينها. فالحجة لمن أثبتها أنها عين الفعل وهي ثابتة في رأيت. والحجة لمن طرحها: أن هذه الهمزة لما كانت تسقط من الفعل المضارع في كلام فصحاء العرب، ولا تستعمل إلا في ضرورة شاعر «2» كقوله: أري عينيّ ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالتّرّهات «3» كان الماضي في القياس كالمضارع إذا قاربه همزة الاستفهام. والحجة لمن ليّنها: أنّه كره اجتماع همزتين في كلمة واحدة فخفف الثانية بالتليين وحقق الأولى، لأنها حرف جاء لمعنى. قوله تعالى: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ... فَأَنَّهُ «4». يقرءان بكسر الهمزتين وفتحهما، وبفتح الأولى، وكسر الثانية. فالحجة لمن كسرهما: أنه جعل تمام الكلام في قوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، ثم ابتدأ بقوله: إنه، وعطف الثانية عليها، ويجوز أن يحكي: ما كتب، كما يحكي ما قال، ولا يعمل (كتب) في ذلك، كما قال الشاعر «5»: وجدنا في كتاب بني تميم ... أحقّ الخيل بالرّكض المعار فحكى ما وجد، ولم يعمل الفعل في ذلك. والحجة لمن فتحهما: أنه أعمل الكتابة في الأولى، وجعل الثانية معطوفة عليها. والمعنى: كتب ربكم على نفسه الرحمة بأنه أو لأنه من عمل، فلما سقط الخافض وصل الفعل إلى (أن) فعمل، والهاء في قوله: «إنه من عمل» كناية عن اسم مجهول، وما بعدها من الشرط والجواب الخبر، لأنه جملة والجمل

_ (1) الأنعام: 40 (2) ينسب هذا البيت إلى سراقة البارقي (اللسان .. رأى). (3) ورواه أبو الحسن «الأخفش» ترياه، وقال الزجاج في أماليه: أما قوله: ترأياه، فإنه رده إلى أصله والعرب لم تستعمل يرى وترى، ونرى وأرى إلا بإسقاط الهمزة تخفيفا، فأما في الماضي فإنها مثبتة، وكان المازني يقول: الاختيار عندي أن أرويه «لم ترياه». انظر: (شواهد الشافية، 322 شرح عبد القادر البغدادي، وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه: 75، والمحتسب لابن جنى 1: 69. وانظر: أمالي أبي القاسم الزجاجي: 57 طبع مصر. (4) الأنعام: 54. (5) انظر فصيح ثعلب 16 ونسبه صاحب المفضليات لبشر بن أبي خازم، وهو شاعر جاهلي لم يدرك الإسلام. المفضليات لمحمد الأنباري الكبير،: 344 وانظر قصة الاستشهاد بهذا البيت في كتاب الموشح للمرزباني: 282 ومصادر الشعر الجاهلي 163، 164، 559، والكتاب لسيبويه 2: 65 واللسان: عير.

تكون أخبارا. والحجة لمن فتح الأولى: أنه أعمل (الكتابة) فيها وفتحها بفقد الخافض عند الكوفيين، وبتعدّي الفعل عند البصريين. ولمن كسر الثانية أنها جاءت بعد الفاء وما جاء بعدها مستأنف كقوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ «1». قوله تعالى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «2». يقرأ بالألف، وبالواو في موضع الألف مع إسكان الدال هاهنا وفي الكهف «3». فالحجة لمن قرأه بالألف أنه حذا «4» ألفاظ العرب وما تستعمله في خطابها إذا قالوا: جئتك بالغداة والعشيّ. وإنما كان ذلك الاختيار لأن قولهم: (غداة) نكرة فإذا عرّفت بالألف واللام جاءت مطابقة للعشيّ، فاتفقا في التعريف بالألف واللام. والحجة لمن قرأه بالواو: أنه اتبع الخط لأنها في السّواد بالواو. وليس هذا بحجة قاطعة، لأنها إنما كتبت بالواو كما كتبت «الصلاة» و «الزكاة» و «الحياة». ودل على ضعف هذه القراءة: أن (غدوة) إذا أردت بها غدوة يومك فلا تستعمل إلّا معرفة بغير ألف ولام كما استعملوا ذلك في (سحر) «5». وما كان تعريفه من هذا الوجه فدخول الألف واللام عليه محال، لأنه لا يعرّف الاسم من وجهين، وإنما جاز في الغداة، لأنه لم يقصد بها قصد غداة بعينها فتعرّفت بالألف واللام كما تعرف العشيّ، لأنهما مجهولان غير مقصود بهما وقت بعينه. والحجة له: أنه أراد أن العرب قد تجعلها نكرة في قولهم: (لدن غدوة) كما يقولون: عشرون درهما فعرفها على هذا اللفظ بالألف واللام. قوله تعالى: يَقُصُّ الْحَقَّ «6»: يقرأ بالضاد «7»، والصاد «8». فالحجة لمن قرأ بالضّاد: أنه استدلّ بقوله تعالى عند تمام الكلام: (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ)، والفصل لا يكون إلا في

_ (1) الجن: 23. (2) الأنعام: 52. (3) الكهف: 28. وهي قراءة ابن عامر، بضم العين، ويسكن الدال، وبعدها واو مفتوحة. (4) قال في الصحاح: «واحتذى مقاله: أي اقتدى به. مادة: حذا». (5) قال في الصحاح: السحر: قبيل الصبح .. وهو معرفة وقد غلب عليه التعريف بغير إضافة، ولا ألف ولام كما غلب ابن الزبير على واحد من أبنائه. (6) الأنعام: 57. (7) ضاد معجمة مكسورة خفيفة، مع سكون القاف. (8) صاد مهملة مضمومة مشددة مع ضم القاف.

القضاء «1». ومنه قوله تعالى: وَفَصْلَ الْخِطابِ «2». والحجة لمن قرأه بالصاد أنه قال: لو كان ذلك من القضاء لبثت في الفعل الياء علامة للرفع. واستدل على أنها بالصاد بقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ «3» وبقوله: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ «4» يريد به، القرآن فكذلك (الحق) يريد به القرآن. فأما احتجاجه بحذف الياء فلا وجه له، لأنه قد حذف من السّواد ياءات وواوات هنّ علامات الرفع لالتقاء الساكنين لأنهن لما ذهبن لفظا سقطن خطّا. قوله تعالى: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ «5». يقرأ بالرفع، والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعل الفعل للسبيل فرفعها بالحديث عنها. ومن نصب جعل الخطاب بالفعل للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه مستترا في الفعل، ونصب السّبيل بتعدّي الفعل إليها. قوله تعالى: تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً «6». يقرأ بضم الخاء وكسرها. وهما لغتان فصيحتان. قوله تعالى: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ «7»، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ «8» يقرءان بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أخذه من نجى ينجّي وهو علامة لتكرير الفعل، ومداومته. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أنجى ينجي. فأما من شدد الثانية وخفف الأولى فإنه أتى باللغتين ليعلم أن القراءة بكلتيهما صواب. قوله تعالى: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا «9». يقرأ بالياء والتاء، وبالألف مكان الياء «10». فالحجة لمن

_ (1) يرجح الطبري هذه القراءة بقوله: «قرأ جماعة من قراء الكوفة والبصرة: «إن الحكم إلا لله يقضي الحق» بالضاد من القضاء بمعنى الحكم والفصل بالقضاء، واعتبروا صحة ذلك بقوله «وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ»، وأن الفصل بين المختلفين، إنما يكون بالقضاء، لا بالقصص، وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب، لما ذكرنا لأهلها من العلة، فمعنى الكلام إذا: ما الحكم فيما تستعجلون به أيها المشركون من عذاب الله، وفيما بيني وبينكم إلا الله الذي لا يجور في حكمه، وبيده الخلق والأمر يقضي الحق بيني وبينكم، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه. انظر (الطبري 7: 135، 136، المطبعة الأميرية طبعة أولى). (2) ص: 20 (3) يوسف: 3 (4) الأعراف: 176 (5) الأنعام: 55 (6) الأنعام: 63 (7) الأنعام: 63 (8) الأنعام: 64 (9) الأنعام: 63 (10) أي من غير أن يكون معها تاء.

قرأ بالتاء: أنه أتى بدليل الخطاب سائلا لله عز وجل، ضارعا إليه. والحجة لمن قرأ بالألف: أنه أخبر عن الله عز وجل على طريق الغيبة، لأنه عز وجل غائب عن الأبصار وإن كان شاهدا للجهر والأسرار. قوله تعالى: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ «1». يقرأ بتشديد السين وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه فرق بين نسي الرجل، ونسّاه غيره. واستدل بقوله عليه السلام: (إنّما أنسى لأسنّ لكم) «2» فشدد، لأن غيره نسّاه. والحجة لمن خفف أنه قال: هما لغتان «3» تستعمل إحداهما مكان الأخرى. واستدل بقوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ «4». يريد (والله أعلم) تركوا الله من الطاعة، فتركهم من الثواب، لأن أصل النسيان: الترك وقيل في قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ «5» يريد إذا عصيت. قوله تعالى: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ «6». يقرأ بالتاء، والألف. وقد ذكرت علة ذلك في قوله تعالى: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ «7». ومعنى استهوته: زيّنت له هواه بالوسوسة والغلبة. قوله تعالى: رَأى كَوْكَباً «8». يقرأ بالإمالة والتفخيم، وبين ذلك، وبكسر الراء والهمزة وفتحهما. فالحجة لمن فخّم: أنه أتى باللفظة على أصل ما وجب لها. لأن الياء قد انقلبت بالحركة ألفا. وإنما كتبت في (السّواد) ياء للفرق بين ذوات الواو والياء. والحجة لمن أمال أنه أعمل اللسان من وجه واحد طلبا للتخفيف، فأمال الياء في اللفظ ثم نحا بالكسرة إلى الهمزة، فأمالها للمجاورة، لا لأن الإمالة واجبة لها في الأصل كما كسرت الميم في قوله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «9» والضاد من قوله: وَقَضى رَبُّكَ «10» لقربهما من الياء. والحجة لمن قرأها بين بين أنه عدل بين اللفظين، وأخذ بأوسط اللغتين.

_ (1) الأنعام: 68. (2) الحديث (إنما أنسى لأسن لكم) ذكره ابن الأثير في النهاية 5: 51. (3) يقال: نساه، وأنساه. (4) التوبة: 67 (5) الكهف: 24 (6) الأنعام: 71 (7) آل عمران: 39 (8) الأنعام: 76 (9) الأنفال: 17 (10) الإسراء: 3

والحجة لمن أمال الهمزة والراء قبلها فإنه أتبع بعض الحروف بعضا بالإمالة، وكسر الياء بواجب الإمالة، وكسر الهمزة لمجاورة الياء، وكسر الراء لمجاورة الهمزة كما في قوله: أَمَّنْ لا يَهِدِّي «1» لكسر الهاء والياء معا. فأما قوله: رَأَى الْقَمَرَ «2» وما شاكله مما تستقبله ألف ولام، فالوجه فيه التفخيم، والإمالة مطروحة، لأنها إنما استعملت من أجل الياء، فلما سقطت الياء لفظا لالتقاء الساكنين سقط ما استعمل من أجل لفظها إلّا ما روي عن بعضهم أنه كسر الرّاء وفتح الهمزة ليدل على أن أصل الكلمة ممال، وهذا ضعيف. والوجه ما بدأنا به. قوله تعالى: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ «3». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أن الأصل فيه: أتحاجونني بنونين الأولى علامة الرفع، والثانية مع الياء اسم المفعول به فأسكن الأولى وأدغمها في الثانية فالتشديد لذلك كما قرأت القراء قوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي «4» بتشديد النون. والحجة لمن خفف: أنه لما اجتمعت نونان تنوب إحداهما عن لفظ الأخرى خفف الكلمة بإسقاط إحداهما كراهية لاجتماعهما كما قال الشاعر «5». رأته كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني أراد: فلينني فحذف إحدى النونين ومثله فَبِمَ تُبَشِّرُونَ «6» بنون واحدة (يذكر في موضعه).

_ (1) يونس: 35 (2) الأنعام: 77 (3) الأنعام: 80 (4) الزّمر: 64. (5) الشاعر هو عمرو بن معدي كرب وقد استشهد الفراء بهذا البيت في قوله تعالى: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (الحجر: 54) فقال: «وقد كسر أهل المدينة، يريدون أن يجعلوا النون مفعولا بها، وكأنهم شددوا النون فقالوا: فم تبشرون، قال: ثم خففوها، والنية على تثقيلها كقول عمرو بن معدي كرب ... ثم ذكر البيت (المعاني 2: 90) وقال البغدادي في الخزانة: إنه من شواهد سيبويه على أنه قد جاء حذف نون الوقاية مع نون الضمير للضرورة، والأصل إذا فلينني بنونين. والثغام نبت يكون في الجبل أبيض إذا يبس يقال له بالفارسية (درمنة)، الفاليات جمع فالية اسم فاعل من الفلي بفتح الفاء وسكون اللام، وهو إخراج القمل من الشعر والثياب. يعلّ: يطيب، لأنهن يكرهن الشيب. (الخزانة 2: 445). وانظر أيضا (فرائد القلائد للعيني 41، وشرح المفصل لابن يعيش 3: 91 والكتاب لسيبويه 2: 254). (6) الحجر: 54

قوله تعالى: وَقَدْ هَدانِ «1». يقرأ بالإمالة، والتفخيم. فالحجة لمن أمال: أنه في الأصل من ذوات الياء، وذوات الياء معرضة للإمالة، فلما اتصلت به الكناية بقّاه على أصله الذي كان له. والحجة لمن فخم أنه أتى بالكلمة على الأصل ولم يلتفت إلى الفرع. قوله تعالى: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ «2». يقرأ بالتنوين، والإضافة. فالحجة لمن نوّن: أنه نوى التقديم والتأخير فكأنّه قال: نرفع من نشاء درجات فيكون (من) في موضع نصب. ودرجات منصوبة على أحد أربعة أوجه: إما مفعولا ثانيا، وإما بدلا، وإما حالا، وإمّا تمييزا. والحجة لمن أضاف: أنه أوقع الفعل على (درجات) فنصبها وأضافها إلى «من» فخفضه بالإضافة، وخزل التنوين للإضافة، و «نشاء» صلة ل «من». قوله تعالى: وَالْيَسَعَ «3». يقرأ بإسكان اللام وتخفيفها، وبفتحها وتشديدها. فالحجة لمن أسكن أن الاسم كان قبل دخول اللام عليه (يسع) ثم دخلت عليه الألف واللام فشاكل من الأسماء قول العرب (اليحمد) اسم قبيلة «4» (واليرمع) اسم حجارة براقة «5» فدخولها على ذلك عند الكوفيين للمدح والتعظيم. وأنشدوا: وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأحناء الخلافة كاهله «6» ودخولها عند البصريين على ما كان في الأصل صفة ثم نقل إلى التسمية كقولهم: الحرث والعبّاس، فعلى هذا إن كان (يسع) عربيا، فأصله: يوسع. سقطت منه الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثم دخلت عليه الألف واللام. وإن كان أعجميا لا يعرف اشتقاقه فوزنه (فعل) الياء فيه أصل. دخلت عليه الألف واللام. والحجة لمن شدد: أن وزنه عنده فيعل مثل: (صيرف)، وأصله: ليسع. فاللام فيه أصل والياء زائدة. فإذا دخل عليها لام التعريف وهي ساكنة أدغمت في المتحركة فصارتا لاما مشددة.

_ (1) الأنعام: 80 (2) الأنعام: 83 (3) الأنعام: 86. (4) قال الجوهري: يحمد: بطن من الأزد (مادة: حمد: الصحاح) (5) قال الجوهري: اليرمع: حجارة بيض رقاق تلمع (الصحاح). (6) انظر: (معاني القرآن للفراء 1: 342، 2: 408، والخزانة للبغدادي 1: 327، 343، فرائد القلائد للعيني 23، شواهد الهمع للشنقيطي 1: 6). وأحناء الخلافة: جوانبها. قال الجوهري: مفردها: حنو، والحنو: واحد الأحناء، وهي الجوانب (الصحاح).

قوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ «1». يقرأ بإثبات الهاء وحذفها. وقد ذكرت علله في (البقرة). فأما من كسر هذه الهاء في الوصل فقد وهم، لأنها إنما جيء بها في الوقف ليبين بها حركة ما قبلها وليست بهاء كناية. قوله تعالى: تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً «2». يقرأ بالياء، والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه إلى قوله: (للناس يجعلونه). والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعل الخطاب للحاضرين. ودليله قوله تعالى: وَعُلِّمْتُمْ «3»، ولم يقل: وعلّموا. قوله تعالى: وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى «4» يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد به النبي صلى الله عليه وسلم. ودليله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ «5». وأم القرى: مكة. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد: الكتاب المقدم ذكره وهو (القرآن). قوله تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «6» يقرأ بضم النون وفتحها. فالحجة لمن قرأ بالضم: أنه جعله اسما، معناه: «وصلكم» فرفعه، لأنه اسم هاهنا لا ظرف قال الشاعر: كأنّ رماحهم أشطان بئر ... بعيد بين جالبها شطون «7» ويروى: جرور «8». والحجة لمن قرأ بالفتح: أنه جعله ظرفا. ومعناه: الفضاء بين الغايتين. ودليله قراءة عبد الله: (لقد تقطّع ما بينكم). ومن الأسماء ما يكون ظرفا واسما كقولك: زيد دونك، وزيد دون من الرجال، وزيد وسط الدار، وهذا وسطها.

_ (1) الأنعام: 90 (2) الأنعام: 91 (3) الآية نفسها. (4) الأنعام: 92 (5) الرعد: 7 (6) الأنعام: 94. (7) في اللسان: مادة (بين) يروى البيت على النحو التالي: كأن رماحنا أشطان بئر ... بعيد بين جالبها جرور ويقول، أنشد أبو عمرو في رفع (بين) قول الشاعر: كأن رماحنا الخ ... وفي الأصل: أشطان بين، ولا معنى لها. (8) في الأصل: حرور بالحاء المهملة، والصواب ما ذكرنا قال الجوهري: بئر جرور: بعيدة القعر.

قوله تعالى: وَجَعَلَ اللَّيْلَ «1». يقرأ بإثبات الألف. وخفض الليل، وبطرحها ونصب الليل. فالحجة لمن أثبت الألف وخفض: أنه رد لفظ (فاعل) على مثله، وأضاف بمعنى ما قد مضى، وثبت، وهو الأحسن، والأشهر. والحجة لمن حذفها، ونصب: أنه جعله فعلا ماضيا وعطفه على فاعل «2» معنى لا لفظا كما عطفت العرب اسم الفاعل على الماضي، لأنه بمعناه قال الراجز: يا ليتني علقت غير خارج ... أمّ صبيّ قد حبا أو دارج «3» قوله تعالى: فَمُسْتَقَرٌّ «4». يقرأ بكسر القاف وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعله اسم الفاعل من قولهم: قرّ الشيء فهو مستقر. ومعناه: مستقر في الأصلاب، ومستودع في الأرحام. وقيل في الأحياء وفي الأموات. والحجة لمن فتح: أنه أراد الموضع من قولهم: هذا مستقرّي. وقيل معناه: مستقرّ في الدنيا أو القبر، ومستودع في الجنة أو النار. قوله تعالى: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ «5». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه رده على قوله: قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ. والحجة لمن نصب: أنه رده على قوله نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وجنات. قوله تعالى: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ «6» يقرأ بضم الثاء والميم، وفتحهما. فالحجة لمن ضم أنه أراد به جمع: ثمار وثمر، كما قالوا: إزار وأزر. والحجة لمن فتح: أنه أراد جمع:

_ (1) الأنعام: 96. (2) في قوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ الآية نفسها. (3) في رواية الفراء: يا ليتني علقت غير خارج ... قبل الصباح ذات خلق بارج أم الصّبيّ قد حبا أو دارج وفي رواية اللسان: يا ليتني قد زرت غير خارج ... أم صبيّ قد حبا أو دارج ويرى محقق كتاب (معاني القرآن) للفراء، أن الأقرب أن تكون «حارج» بالحاء المهملة أي آثم. انظر الروايتين في معاني القرآن للفراء 1: 214 واللسان: درج. (4) الأنعام: 98 (5) الأنعام: 99. (6) الأنعام: 99

ثمرة وثمر. فأما التي في «الكهف» «1» فالضم إلّا ما روى من الفتح عن عاصم ومن الإسكان عن أبي عمرو. فإن قيل: فما الفرق بينهما؟ فقل: الفرق، أن التي في «الأنعام» من أثمار الشجر، والتي في الكهف من تثمير المال لقوله بعد انقضاء وصف الجنتين: وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ «2» أي ذهب وأثاث. ودليله قوله: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا «3». قوله تعالى: وَخَرَقُوا لَهُ «4» يقرأ بتشديد الراء، وتخفيفها. وقد ذكر الفرق بين التشديد والتخفيف. فأمّا معناه فكمعنى: «اختلقوا» وتلخيصه: كذبوا. ودليله قوله: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ «5». معناه إلا كذب، لأنهم قالوا ما لم يعلموا. قوله تعالى: دَرَسْتَ «6». يقرأ بإثبات الألف، وحذفها. فالحجة لمن أثبت الألف أنه أراد: قارأت وذاكرت غيرك فاستفدت. والحجة لمن حذفها: أنه أراد: قرأت لنفسك وعلمت. فأما من قرأه بضمّ الدال وإسكان التاء فله وجهان: أحدهما: أنه أراد: قرئت وعلمت. وهو الوجه، والثاني أنه أراد: محيت وذهبت من قولهم: درس المنزل إذا ذهبت آثاره ومعالمه. قوله تعالى: أَنَّها إِذا جاءَتْ «7». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعلها بمعنى (لعل) وكذلك لفظها في قراءة (عبد الله) و (أبي). والحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تاما عند قوله: وَما يُشْعِرُكُمْ: وابتدأ بإنّ فكسرها. قوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ «8» يقرأ بالتاء والياء. فالحجة لمن قرأ بالتاء: معنى المخاطبة. ودليله قوله: وَما يُشْعِرُكُمْ. والحجة لمن قرأ بالياء: أنه أراد معنى الغيبة. ودليله قوله: نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ «9».

_ (1) قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ آية: 42 (2) الكهف: 34 (3) الكهف: 34 (4) الأنعام: 100 (5) ص: 7 (6) الأنعام: 105 (7) الأنعام: 109 (8) الأنعام: 109 (9) الأنعام: 110

قوله تعالى: كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا «1». يقرأ بضم القاف والباء، وبكسر القاف وفتح الباء. فالحجة لمن ضم: أنه أراد جمع: (قبيل) يعني قبيلا قبيلا. والحجة لمن كسر: أنه أراد: مقابلة وعيانا. قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ «2». يقرأ بالتوحيد والجمع في أربعة مواضع: هاهنا وفي يونس «3» في موضعين، وفي المؤمن «4» وإنّما عملوا في ذلك على السّواد، لأنهن مكتوبات فيه بالتاء. فالحجة لمن جمع: قوله بعد ذلك: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ «5». والحجة لمن وحّد أنه ينوب الواحد في اللفظ عن الجميع. ودليله قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى «6». وكل قريب. قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ «7». يقرأ بضم الفاء والحاء وكسر الصاد والراء، وفتحهن، وبفتح الفاء وضم الحاء. فالحجة لمن ضم: أنه دلّ بالضم على بناء ما لم يسم فاعله، وكانت (ما) في موضع رفع. والحجة لمن فتح: أنه جعلهما فعلا لله تعالى لتقدم اسمه في أول الكلام، وكانت (ما) في موضع نصب. والحجة لمن فتح وضم: أنه أتى بالوجهين معا، وكانت (ما) في موضع نصب. قوله تعالى: لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ «8». يقرأ بضم الياء وفتحها. والحجة لمن ضم: أنه جعل الفعل متعديا منهم إلى غيرهم، فدل بالضم على أن ماضي الفعل على أربعة أحرف. والحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لازما لهم غير متعدّ إلى غيرهم، فدل بالفتح على أن ماضيه على ثلاثة أحرف. وعلى ذلك يقرأ ما كان مثله في يونس «9» وإبراهيم «10» والحجر «11»

_ (1) الأنعام: 111 (2) الأنعام: 115 (3) يونس: 19، 33 (4) المؤمن: 6. (5) في الأصل: (لا مبدل لكلمات الله) وهو خطأ. انظر: الأنعام: 115. (6) الأعراف: 137 (7) الأنعام: 119 (8) الأنعام: 119 (9) يونس: 108 (10) إبراهيم: 27 (11) الحجر: 56

ولقمان «1» والزّمر «2». قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ «3». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت علته آنفا. «4» والمعنى: أفمن كان ميتا بالكفر فأحييناه بالإيمان؟!. قوله تعالى: ضَيِّقاً حَرَجاً «5». يقرأ بتشديد الياء وتخفيفها، وفتح الراء وكسرها. فالحجة لمن شدد: أنه أكّد الضيق. ودليله قوله تعالى: مَكاناً ضَيِّقاً «6» فكأنه ضيق «7» بعد ضيق. والحجة لمن خفّف: أنه استثقل الكسرة على الياء مع التشديد فخفف وأسكن كما قالوا هيّن وهين. والحجة لمن فتح الراء: أنه أراد المصدر، ولمن كسرها: أنه أراد الاسم. ومعناهما (الضيّق). فإن قيل: فما وجه إعادته؟ فقل في ذلك وجوه: أولها: أنه أعاده لاختلاف اللفظين. والثاني: أنه أعاده تأكيدا والثالث: أن الحرج: الشك فكأنه قال: ضيّقا شاكّا. قوله تعالى: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ «8». يقرأ بالتشديد، والتخفيف، وإثبات الألف. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: يتصعّد، فأسكن التاء، وأدغمها في الصاد تخفيفا، فشدّد لذلك. وكذلك الحجة في إثبات الألف مع التشديد. والحجة لمن خفّف: أنه أخذه من قولهم: صعد يصعد. وذلك كلّه، إن كان لفظه من الارتقاء، فالمراد به: المشقة والتكلّف. من قولهم: عقبة صعود: إذا كانت لا ترتقى إلا بمشقّة. والمعنى: أن الكافر لو قدر لضيق صدره أن يرتقي في السماء لفعل. قوله تعالى: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ «9». يقرأ بالإفراد، والجمع. فالحجة لمن أفرد:

_ (1) لقمان: 6 (2) الزمر: 41 (3) الأنعام: 122 (4) انظر: 107 عند قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ (5) الأنعام: 125 (6) الفرقان: 13 (7) قال الجوهري: الضّيق تخفيف الضّيّق. قال الراجز: درنا ودارت بكرة نخيس ... لا ضيقة المجرى ولا مروس انظر (الصحاح: ضيق). (8) الأنعام: 125 (9) الأنعام: 135.

أنه أراد: على تمكينكم وأمركم وحالكم. ومنه قولهم: لفلان عندي مكان، ومكانة. أي: تمكّن محبّة. وقيل وزنها مفعلة من (الكون) فالميم فيها زائدة، والألف منقلبة من واو. وقيل: وزنه: فعال مثل (ذهاب) من (المكنة) «1»، ودليل ذلك جمعه: (أمكنة) على وزن «أفعلة»، فالميم هاهنا أصل، والألف زائدة. والحجة لمن قرأه بالجمع: أنه جعل لكل واحد منهم مكانة يعمل عليها، فجمع على هذا المعنى. ويحتمل أن يكون أراد بالجمع الواحد، كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ «2»، والمخاطب بذلك محمد عليه السلام. فإن قيل: فكيف أمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم أن يثبتوا على عمل الكفر، وقد دعاهم إلى الإيمان؟ فقل: إنّ هذا أمر: معناه التهديد، والوعيد، كقوله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ «3» توعّدا لهم بذلك. قوله تعالى: مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ «4». يقرأ بالياء والتاء. وقد تقدّم القول في علله قبل. قوله تعالى: بِزَعْمِهِمْ «5». يقرأ بضم الزّاي وفتحها. فقيل: هما لغتان. وقيل: الفتح للمصدر، والضم للاسم. قوله تعالى: وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ «6». يقرأ بفتح الزّاي ونصب: «قتل» ورفع: «شركائهم»، وبضم الزّاي وفتح: «قتل» ونصب: «أولادهم» وخفض شركائهم. فالحجة لمن قرأ بفتح الزّاي: أنه جعل الفعل للشركاء فرفعهم به، ونصب القتل بتعدّي الفعل إليه، وخفض أولادهم بإضافة القتل إليهم. والحجة لمن قرأه بضم الزاي: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله. ورفع به القتل. وأضافه إلى

_ (1) قال الجوهري: المكنة بكسر الكاف: واحدة المكن، والمكنات. وفي الحديث: «أقروا الطير على مكناتها»، ومكناتها بالصم. انظر: (الصحاح.: مكن). (2) المؤمنون: 51 (3) فصّلت: 40 (4) الأنعام: 135. (5) الأنعام: 136 (6) الأنعام: 137.

شركائهم فخفضهم. ونصب أولادهم بوقوع القتل عليهم. وحال بهم بين المضاف والمضاف إليه، وهو قبيح في القرآن، وإنّما يجوز في الشعر كقول ذي الرمّة: «1» كأنّ أصوات من إيغالهنّ بنا ... أواخر الميس إنقاض الفراريج «2» وإنما حمل القارئ بهذا عليه: أنه وجده في مصاحف أهل الشام بالياء فاتّبع الخط. قوله تعالى: وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً «3»، يقرأ بالياء والتاء. وقد تقدّم القول في علل ذلك. ويقرأ بنصب ميتة ورفعها. فالحجة لمن رفع: أنه جعل (كان) بمعنى: حدث ووقع، فلم يأت لها بخبر. والحجة لمن نصب: أنه أضمر في (يكون) الاسم، وجعل (ميتة) الخبر لتقدّم قوله: ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ «4». قوله تعالى: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا «5». يقرأ بهاء التأنيث والتنوين، وبهاء الكناية والضمّ «6». فالحجة لمن قرأ بهاء التأنيث: أنه ردّه على معنى: «ما»، لأنه للجمع. والحجة لمن جعلها هاء كناية: أنه ردّها على لفظ «ما». قوله تعالى: يَوْمَ حَصادِهِ «7». يقرأ بفتح الحاء وكسرها فرقا بين الاسم والمصدر،

_ (1) ذو الرّمة: ذكره ابن سلام في الطبقة الثانية من فحول الشعراء في الإسلام. انظر أخباره في (طبقات فحول الشعراء لابن سلام: 465). (2) قال البغدادي في الخزانة: (الأصل: كأن أصوات أواخر الميس من إيغالهن بنا إنقاض الفراريج). و (من) للتعليل، والإيغال: الإبعاد، يقال: أوغل في الأرض إذا بعد فيها. حكاه ابن دريد: والأواخر: جمع آخرة بوزن فاعلة، وهي آخرة الرّحل، وهو العود الذي في آخر الرّحل الذي يستند إليه الراكب. والميس بفتح الميم: شجر يتخذ منه الرّحال والأقتاب. وإضافة الأواخر إليه كإضافة خاتم إلى الفضة. والأنقاض: مصدر أنقضت الدّجاجة إذا صوتت، وهو بالنون، والقاف، والضاد المعجمة. الفراريج: جمع فروجة، وهو صغار الدجاج. يريد: أنه قد طال سيرهم فبعض الرّحل يحك بعضه بعضا: فتصوّت مثل أصوات الفراريج من شدة السير، واضطراب الرحل. انظر: الخزانة 2: 119، 120. وانظر أيضا: (الخصائص لابن جنّي 2: 404). والحيوان 2: 342 تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، مطبعة الحلبي والموشّح للمرزباني، تحقيق الأستاذ علي البجاوي 292، دار نهضة مصر 1965. وشروح سقط الزند: 1573: القسم الرابع، السّفر الثاني. وشرح المفصّل لابن يعيش 1: 103، 2: 108، 4: 132 والكتاب لسيبويه 1: 92، 295، 347. (3) الأنعام: 139 (4) الآية نفسها. (5) الأنعام: 139. (6) أي خالصة لذكورنا، وهو مبتدأ، وللذكور خبره، والجملة خبر «ما» انظر: (إعراب القرآن للعكبري 1: 263) (7) الأنعام: 141

على ما قدّمنا القول فيه، أو على أنهما لغتان. قوله تعالى: وَمِنَ الْمَعْزِ «1». يقرأ بفتح العين وإسكانها. وهما لغتان. والأصل الإسكان وإنما جاز الفتح فيه، لمكان الحرف الحلفي. فإن قيل: فكذلك يلزم في الضأن فقل: إن الهمزة وإن كانت حلقية، فهي مستثقلة، لخروجها من أقصى مخارج الحروف، فتركها على سكونها أخف من حركتها. قوله تعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي «2». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن كسرها: أنه ابتدأها مستأنفا. والحجة لمن فتح: أنه أراد وجهين: أحدهما: أنه ردّه على قوله: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ «3»، وبأن هذا صراطي. والآخر: أنّه ردّه على قوله: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً «4» وأن هذا صراطي. قوله تعالى: فَرَّقُوا دِينَهُمْ «5». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبطرحها والتشديد. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: تركوه، وانصرفوا عنه. والحجة لمن طرحها: أنه أراد: جعلوه فرقا. ودليله قوله: وَكانُوا شِيَعاً «6» أي أحزابا. قوله تعالى: دِيناً قِيَماً «7» يقرأ بفتح القاف وكسر الياء والتشديد، وبكسر القاف وفتح الياء والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: دينا مستقيما خالصا. ودليله قوله: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ «8». والحجة لمن خفّف: أنه أراد: جمع قيمة وقيم كقولهم: (حيلة) و (حيل). قوله تعالى: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها «9». يقرأ بالتنوين ونصب «10». الأمثال، وبطرحه والخفض.

_ (1) الأنعام: 143 (2) الأنعام: 153 (3) الأنعام: 152 (4) في الأصل (ألا تشركوا بي شيئا) والصواب: (به) الأنعام: 151. (5) الأنعام: 159 (6) الآية نفسها (7) الأنعام: 161 (8) البينة: 5 (9) الأنعام: 160. (10) ليس في كتب القراءات إلّا حذف التنوين، وجرّ اللام بالإضافة، وهي قراءة جميع القراء في الأمصار ما عدا الحسن البصري فإنه كان يقرأ: (عشر) بالتنوين و (أمثالها) بالرفع، وذلك وجه صحيح في العربيّة، غير أن

ومن سورة الأعراف

فالحجة لمن نصب: أنّ التنوين يمنع من الإضافة فنصبت على خلاف المضاف. والحجة لمن أضاف: أنه أراد: فله عشر حسنات، فأقام الأمثال مقام الحسنات؛ ولهذا المعنى خزلت الهاء من العدد؛ لأنه لمؤنث، فاعرفه. ومن سورة الأعراف قوله تعالى: المص «1». هي آية في عدد الكوفيين، وكذلك الم «2». فإن قيل: فهلا عدوّا: المر «3»؟ فقل: لأن الراء حرفان، وأعدل الأسماء والأفعال ما كان ثلاثيا، لأن الوقف يصلح عليه، فما كان ثلاثيا عدّ آية، وما كان على حرفين لم يعدّ. فإن قيل: فهلّا عدوّا: (صاد) و (قاف) وهما ثلاثيّان؟ فقل: كل ما كان من هذه الحروف قد ضمّ إلى غيره، فيعدّ، ثم إذا انفرد «4» لم يعدّ آية: كقوله: (المص) وعسق «5» وطس «6» لأنهم قد ضمّوه إلى الميم في طسم «7». قوله تعالى: قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «8». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد مضى ذكر علله فيما سلف «9».

_ إجماع قراء الأمصار على خلافها. أما رواية النصب، فلا أجدها إلّا عند ابن خالويه. انظر في هذا الموضع: (تفسير الطبري 8: 82). (1) الأعراف: 1 (2) البقرة: 1 (3) الرعد: 1. (4) قال في «تفسير التحرير والتنوير»: روي عن قراء الكوفة أن بعضها عدوّه آيات مستقلة، وبعضها لم يعدّوه، وجعلوه جزء آية مع ما يليه ولم يظهر وجه التفصيل، حتى قال صاحب الكشّاف: إنّ هذا لا دخل للقياس فيه. والصحيح عن الكوفيين أن جميعها آيات، وهو اللائق بأصحاب هذا القول، إذ التفصيل تحكم لأن الدليل مفقود ... هذا، والمختار من مذاهب جمهور القراء، أنّها ليست بآيات مستقلة بل هي أجزاء من الآيات الموالية لها. انظر: (تفسير التحرير والتنوير 1: 204). (5) الشّورى: 2 (6) النمل: 1 (7) القصص: 1 (8) الأعراف: 3 (9) انظر: 68 عند قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ.

قوله تعالى: وَمِنْها تُخْرَجُونَ «1». يقرأ بضم التاء وفتح الراء، وبفتح التاء وضمّ الراء. هاهنا، وفي الروم «2»، والزخرف «3»، والجاثية «4». فالحجّة لمن ضم التاء: أنّه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله. والحجة لمن فتح التاء أنه أراد: أن الله عز وجل إذا أخرجهم يوم القيامة، فهم الخارجون. والتاء في الوجهين دليل المخاطبة. قوله تعالى: وَلِباسُ التَّقْوى «5». يقرأ بالنصب، والرفع. والحجة لمن نصب: أنه عطفه على ما تقدم بالواو، فأعربه بمثل إعرابه. والحجة لمن رفع: أنه ابتدأه بالواو، والخبر (خير)، و (ذلك) نعت ل (لباس). ودليله: أنه في قراءة عبد الله، وأبيّ: (ولباس التقوى خير) ليس فيه (ذلك). ومعناه: أنه الحياء. قوله تعالى: خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ «6» يقرأ بالرفع، والنصب. فالحجة لمن قرأه بالرفع: أنه أراد: قل: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وهي لهم خالصة يوم القيامة. والحجة لمن نصب: أنه لما تمّ الكلام دونها نصبها على الحال. قوله تعالى: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ «7». يقرأ بالتاء والتشديد، وبالياء والتخفيف. وقد تقدّمت العلة في ذلك آنفا بما يغني عن إعادته «8». ومعناه لا يرفع عملهم، ولا يجاب دعاؤهم. قوله تعالى: وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ «9». يقرأ بالياء والتاء على ما ذكرنا من الحجة في نظائره «10». قوله تعالى: قالُوا نَعَمْ «11». يقرأ بكسر العين وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه

_ (1) الأعراف: 25 (2) الروم: 25 (3) الزخرف: 11 (4) الجاثية: 35 (5) الأعراف: 26 (6) الأعراف: 32 (7) الأعراف: 40 (8) انظر: 68 عند قوله تعالى بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (9) الأعراف: 38. (10) انظر مثلا: 91 عند قوله تعالى. وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. (11) الأعراف: 44.

فرّق بين هذه اللفظة التي يوجب بها، وبين النّعم من الإبل إذا نكر ووقف عليه. والحجة لمن فتح: أنه قال: هما لغتان، فاخترت الفتح لخفّته، ولم ألتفت إلى موافقة اللفظ. فإن قيل: فما الفرق بين نعم وبلى؟ فقل: الفرق بينهما: أنّ (نعم): يلفظ بها في جواب الاستفهام، (وبلى): يلفظ بها في جواب الجحد. قوله تعالى: أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ «1». يقرأ بتشديد أنّ والنصب، وبتخفيفها والرفع. وقد ذكرت علّتيهما في البقرة «2». قوله تعالى: لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ «3». يقف بعض القرّاء على: (رحمة)، وما شاكلها، مثل بِالْآخِرَةِ «4»، والْقِيامَةِ «5»، ومِرْيَةٍ «6»، ومَعْصِيَةِ «7» بالإمالة، ما لم يكن فيه حرف مانع منها. والحجة له في ذلك: أنّه شبّه الهاء في أواخر هذه الحروف بالألف في قَضى «8» ورَمى «9» فأمال لذلك. فإن قيل: أفتميل جميع ما كان في القرآن من أمثال ذلك؟ فقل: قد دللتك على موضع الإمالة، وعرفتك ما لا يجوز فيه للحرف المانع من ذلك. فإن قيل: ما تقول في بِشَرَرٍ «10» وبَرَرَةٍ «11»؟ فقل: لا يمال هذا، وما ضارعه، لأن الأصل في الإمالة لذوات الياء، فإذا كان قبلها حرف من الحروف الموانع، وهن الصّاد، والضّاد، والطاء، والظاء، والعين، والخاء، والقاف، امتنعت الإمالة، لاستعلائهن في الفم، واستثقال الإمالة. وألحقوا بهن الراء للتكرير الذي فيها، ففتحتها قبل الألف بمنزلة فتحتين، كما كانت

_ (1) الأعراف: 44 (2) انظر: 86 عند قوله تعالى: وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا (3) الأعراف: 49 (4) البقرة: 4، وقد تكررت في أكثر من موضع. (5) البقرة: 85، وقد تكررت في أكثر من موضع. (6) هود: 17، 109، الحج: 55، السجدة: 23، فصلت: 54. (7) المجادلة: 8، 9 (8) البقرة: 117 (9) الأنفال: 17 (10) من قوله تعالى: بِشَرَرٍ المرسلات: 32. (11) عبس: 16

كسرتها بعد الألف بمنزلة كسرتين. فلما امتنعت الألف التي هي الأصل من الإمالة للمانع، كانت الهاء التي هي مشبهة بها من الإمالة أبعد، وأمنع .. فإن قيل: أفتميل الطَّامَّةُ «1» والصَّاخَّةُ «2» كما أملت دَابَّةٍ «3»؟ فقل: لا، لأن قبل الألف حرف من الحروف الموانع. فإن قيل: فلم أملت: (المعصية) «4»؟ فقل: لكسرة الصاد وكذلك (الآخرة) لكسرة الخاء فاعرف ما أصّلت لك، فإنه يشفى بك على جواز الإمالة وامتناعها. الباقون بالتفخيم على الأصل سواء كان الحرف مانعا أو مبيحا. قوله تعالى: وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ «5». يقرأ بإثبات الواو وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه ردّ بها بعض الكلام على بعض. والحجة لمن طرحها: أنه ابتدأ الكلام، فلم تحتج إليها، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام بغير واو. قوله تعالى: أُورِثْتُمُوها «6»، يقرأ بالإدغام، والإظهار. فالحجة لمن أدغم: مقاربة الثاء للتاء في المخرج. والحجة لمن أظهر: أنّ الحرفين مهموسان، فإذا أدغما خفيا فضعفا، فلذلك حسن الإظهار فيهما. قوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ «7». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: تكرير الفعل، ومداومته. ودليله قوله تعالى: فَغَشَّاها ما غَشَّى «8». والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أغشى يغشي، ودليله قوله: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ «9». ومعناهما واحد مثل أنزل ونزّل. غير أن التشديد أبلغ. قوله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ «10». يقرأ بالنصب، والرفع.

_ (1) النازعات: 34 (2) عبس: 33 (3) هود: 6. (4) من قوله تعالى: وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ المجادلة: 8 (5) الأعراف: 43 (6) الأعراف: 43. (7) الأعراف: 54 (8) النجم: 54 (9) يس: 9 (10) الأعراف: 54

فالحجة لمن نصب: أنه عطفه على قوله (يغشى)، فأضمر فعلا في معنى يغشى، ليشاكل بالعطف بين الفعلين. والحجة لمن رفع: أنه جعل الواو حالا لا عاطفة، فأستأنف بها، فرفع كما تقول: لقيت زيدا وأبوه قائم. تريد وهذه حال أبيه. قوله تعالى: خُفْيَةً «1». يقرأ بضم الخاء وكسرها وقد ذكر في الأنعام «2». قوله تعالى: بُشْراً «3». يقرأ بالنون، والباء، وبضم الشين وإسكانها. فالحجة لمن قرأه بالنون وضمّ الشين: أنه جعله جمعا لريح (نشور) كما تقول: امرأة صبور ونساء صبر. والحجة لمن فتح النون وأسكن الشين: أنه جعله مصدرا. ودليله قوله: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً «4». وهي الرياح التي تهب من كل وجه لجمع السحاب الممطرة. والحجة لمن قرأه بالباء، وضم الشين: أنه جعله جمع ريح بشور، وهي التي تبشّر بالمطر، ودليله قوله تعالى: الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ «5». والحجة لمن أسكن الشين في الوجهين: أنه كره الجمع بين ضمّتين متواليتين فأسكن تخفيفا. قوله تعالى: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ «6». يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة لمن قرأه بالرفع: أنه جعله حرف استثناء، فأعربه بما كان الاسم يعرب به بعد (إلّا) كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ «7» ويجوز الرفع في «غير» على الوصف ل «إله» قبل دخول (من) عليه كقوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ «8». والحجة لمن خفض: أنه جعله وصفا لإله، ولم يجعله استثناء، فهو قولك: معي درهم غير زائف، وسيف غير كهام «9». قوله تعالى: أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي «10» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد أنه أراد: تكرير الفعل، ومداومته ودليله: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ

_ (1) الأعراف: 55 (2) انظر: 141 عند قوله تعالى: تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً. (3) الأعراف: 57 (4) المرسلات: 3 وفي الأصل بالفاء (فالناشرات) وهو خطأ. (5) الروم: 46 (6) الأعراف: 65 (7) الأنبياء: 22 (8) فاطر: 3. (9) قال في اللسان: سيف كهام، وكهيم: لا يقطع، كليل عن الضرب (اللسان: مادة: كهم). (10) الأعراف: 68

إِلَيْكَ «1». والحجة لمن خفّف: أنه أخذه من أبلغ ودليله: قوله تعالى: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي «2». قوله تعالى: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ «3». يقرأها هنا بالاستفهام، والإخبار. فالحجة لمن استفهم ثانيا «4»: أنه جعله جوابا. واستدل بقوله: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ «5» فأعاد الاستفهام ثانيا «6». والعرب تترك «7» ألف الاستفهام إذا كان عليها دليل من «أم» كقول امرئ القيس «8»: تروح من الحيّ أم تبتكر ... وماذا يضيرك لو تنتظر «9» والحجة لمن قرأه بالإخبار: أنه اجترأ بالأول من الثاني، ودليله قوله: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ «10». قوله تعالى في قصة صالح: قالَ الْمَلَأُ «11» يقرأ بإثبات الواو وحذفها. فحذفها على الابتداء، وإثباتها للعطف. قوله تعالى: أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى «12». يقرأ بإسكان الواو وتحريكها. فالحجة لمن أسكن: أنه جعل العطف بأو التي تكون للشك، والإباحة. والحجة لمن حرّك أنه جعل العطف بالواو وأدخل عليها ألف الاستفهام، ليكون الأول من لفظ الثاني في قوله: أَفَأَمِنَ «13»

_ (1) المائدة: 67 (2) الأعراف: 79 (3) الأعراف: 81 (4) والاستفهام الأول قوله تعالى: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ آية 80 الأعراف. (5) يونس: 59 (6) بعد قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ آية 59: يونس. (7) في الأصل: تحرك. (8) امرؤ القيس: انظر: 78. (9) وفي رواية أخرى. تروح من الحيّ أم تبتكر ... وماذا عليك بأن تنتظر انظر: (ديوان امرئ القيس: 154). (10) الأنبياء: 34 (11) الأعراف: 75. (12) الأعراف: 98 (13) الأعراف: 97

قوله تعالى: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ «1»، يقرأ بالتشديد، والتخفيف. فالحجة لمن شدّد أنه أراد مرة بعد مرة. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من: فتح يفتح إذا فعل ذلك مرة واحدة. قوله تعالى: حَقِيقٌ عَلى «2». يقرأ بإرسال الياء «3»، وبتشديدها، فالحجة لمن أرسلها أنه جعل «على» حرفا، وأوقعها على (ألّا أقول) فكان بها في موضع خفض. والحجة لمن شدد: أنه أضاف الحرف إلى نفسه، فاجتمع فيه ياءان: الأولى من أصل الكلمة، والثانية ياء الإضافة، فأدغمت الأولى في الثانية، وفتحت لالتقاء الساكنين، كما قالوا «لديّ» و «إليّ»، ويكون (ألا أقول) في موضع رفع بخبر الابتداء. قوله تعالى: أَرْجِهْ وَأَخاهُ «4». يقرأ بالهمز «5»، وتركه «6»، وبإشباع الضمة والهمز، وباختلاس الحركة، وبكسر الهاء، وإسكانها «7» مع ترك الهمز .. فأما تحقيق الهمز وتركه فلغتان فاشيتان قرئ بهما تُرْجِي مَنْ تَشاءُ «8» وتُرْجِي مَنْ تَشاءُ). وأمّا إشباع الضمة واختلاس حركتها «9»، فالحجة فيه: أن هاء الكناية إذا أسكن ما قبلها لم يجز فيها إلا الضمّ؛ لأن ما بعد الساكن كالمبتدإ. يدلك على ذلك قولك: (منه) و (عنه) بالاختلاس (ومنهمو وعنهمو) بالإشباع. فمن أشبع فعلى الأصل،

_ (1) الأعراف: 96. (2) الأعراف: 105 (3) أي تقرأ بألف بعد اللام (4) الأعراف: 111 (5) قراءة ابن كثير، وابن عامر، وأبي عمرو: أرجئه بالهمز، وضم الهاء، ثم إن ابن كثير أشبع الهاء على أصله والباقون لا يشبعون. انظر (مفاتيح الغيب 4: 268). (6) قراءة نافع والكسائي: أرجه بغير همز، وكسر الهاء والإشباع. انظر (المرجع السابق والصفحة). (7) قراءة عاصم وحمزة: أرجه بغير الهمز وسكون الهاء. انظر (المرجع السابق والصفحة). (8) الأحزاب: 51 (9) وذلك في قراءة الهمز.

ومن اختلس أراد التخفيف، فاجتزأ بالضمة من الواو. وأمّا من ترك الهمز، وكسر الهاء، فإنه أسقط الياء علامة للجزم، وكسر الهاء لانكسار ما قبلها، ووصلها بياء لبيان الحركة. وأمّا من أسكن الهاء فله وجهان: أحدهما: أنه توهم أنّ الهاء آخر الكلمة فأسكنها دلالة على الأمر، أو تخفيفا لمّا طالت الكلمة بالهاء «1». وروى هشام «2» بن عمار عن ابن عامر «3»: أرجئه بالهمز، وكسر الهاء. وهو عند النحويين غلط، لأن الكسر لا يجوز في الهاء إذا سكن ما قبلها كقوله: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي «4» وله وجه في العربية، وذلك أنّ الهمزة لما سكنت للأمر، والهاء بعدها ساكنة على لغة من يسكن الهاء، كسرها لالتقاء الساكنين. قوله تعالى: بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ «5». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبطرحها والتشديد «6» في كلّ القرآن إلّا في الشُّعَراءُ «7» فإنه بالتشديد إجماع. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد تكرير الفعل والإبلاغ في العمل، والدلالة على أن ذلك ثابت لهم فيما مضى من الزمان، كقولهم: هو دخّال خرّاج إذا كثر ذلك منه وعرف به. والحجة لمن أثبت الألف، وخفف أنه جعله اسما للفاعل مأخوذا من الفعل.

_ (1) قال الفراء: هي لغة العرب يقفون على الهاء المكنّى عنها في الوصل إذا تحرك ما قبلها، وأنشد: فيصلح اليوم ... ويفسده غدا قال: وكذلك يفعلون بهاء التأنيث فيقولون: هذه طلحة قد أقبلت، وأنشد: لما رأى أن لا دعه ولا شبع قال الواحدي: ولا وجه لهذا عند البصريين في القياس. وقال الزجاج: هذا شعر لا نعرف قائله، ولو قاله شاعر مذكور لقيل له: أخطأت انظر: مفاتيح الغيب للرازي 4: 268). (2) هشام بن عمّار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي، وقيل: الظفري الدمشقي إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ... ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة. قال ابن الجزري: وكان هشام مشهورا بالنقل والفصاحة، والعلم والرواية والدراية، رزق كبر السن، وصحة العقل والرأي فارتحل الناس إليه في القراءات والحديث. مات سنة خمس وأربعين ومائتين، وقيل سنة أربع وأربعين. (غاية النهاية 2: 355، 356). (3) تقدمت ترجمته: 37. (4) طه: 32 (5) الأعراف: 112 (6) أي وزيادة ألف بعدها، وهي قراءة الأخوين (حمزة والكسائي). (البحر المحيط 4: 360). (7) الشعراء: 37.

وكل ما أتى بعده (عليم) فهو ساحر إلّا التي في الشُّعَراءُ «1» فإنها في السواد قبل الألف، فلم يختلف فيها أنها سحّار. وما كان بعده «مبين» فهو سحر. قوله تعالى: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً «2». يقرأ بتحقيق الهمزتين، وبتحقيق الأولى، وتليين الثانية، وبطرح الأولى وتحقيق الثانية. فالحجة لمن أثبت الهمزتين: أنه أتى به على الأصل، لأن الأولى للاستفهام، والثانية همزة إن. والحجة لمن ليّن الثانية أنه تجافى أن يخرج من فتح الهمزة إلى كسرة ثانية، فقلبها إلى لفظ الياء تليينا. والحجة لمن طرح الأولى: أنه أخبر بإنّ ولم يستفهم، فأثبت همزة إنّ، وأزال همزة الاستفهام. قوله تعالى: تَلْقَفُ «3». يقرأ بفتح اللام وتشديد القاف. وبإسكان اللام وتخفيف القاف. فالحجة لمن شدد: أنه أراد تتلقف فخزل إحدى التاءين، وبقّى القاف على تشديدها. والحجة لمن أسكن وخفف: أنه أخذه من لقف يلقف، ومعناهما: تلتقم، وتلتهم: أي تبتلع. قوله تعالى: آمَنْتُمْ بِهِ «4». يقرأ بتحقيق الهمزتين ومدة بعدهما «5»، وبهمزة ومدة بعدها، وبواو وهمزة بعدها ساكنة، وبواو ولا همزة بعدها «6». فالحجة لمن حقق الهمزتين ومدّ: أنه جمع بين ثلاث همزات: الأولى: همزة التوبيخ بلفظ الاستفهام. والثانية: ألف القطع. والثالثة: همزة الأصل. ووزنه (أأفعلتم) فالفاء هي موضع المدّة. والحجة لمن همز ومدّ: أنه ليّن ألف القطع، فوصل مدّها بمد ألف الأصل. والحجة لمن أتى بلفظ الواو وهمزة ساكنة بعدها: أنه ليّن ألف القطع فصارت واوا لانضمام النون قبلها «7»، فرجعت الهمزة التي هي فاء الفعل إلى أصلها قبل التليين. فإن قيل: فيجب أن تكون الواو ساكنة، لأنها مليّنة من همزة فقل: إن الواو الساكنة

_ (1) أي الحاء التي قبل الألف. انظر: الشعراء: 37. (2) الأعراف: 113. (3) الأعراف: 117 (4) الأعراف: 123 (5) قراءة عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي. انظر (مفاتيح الغيب 4: 272). (6) قال أبو حيان في البحر: وقرأ قنبل هنا بإبدال همزة الاستفهام واوا لضمة نون (فرعون) وتحقيق الهمزة بعدها، أو تسهيلها أو إبدالها أو إسكانها أربعة أوجه انظر: (البحر المحيط 4: 365). (7) أي نون (فرعون) في قوله تعالى: قالَ فِرْعَوْنُ الآية نفسها.

إذا لقيها ساكن حرّكت لالتقاء الساكنين كقوله: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ «1». وقد نسب القارئ بذلك إلى الوهم. والحجة لمن قرأ بلفظه كالواو ولا همزة معها، فإنه أشبع ضمة النون، فصارت كلفظ الواو، وخزل الهمزة الثانية وخلفها بمدّة، ودلّ بالفتح على سقوط الهمزة المفتوحة. قوله تعالى: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ «2» ومثله يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ «3». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد تكرير القتل بأبناء بعد أبناء. ودليله قوله: وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا «4». والحجة لمن خفف: أنه أراد فعل القتل مرة واحدة. ودليله قوله تعالى: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ «5». قوله تعالى: يُورِثُها مَنْ يَشاءُ «6» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: تكرير الميراث لقرن بعد قرن. ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم) «7». والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أورث ودليله قوله تعالى: كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ «8». قوله تعالى: وَما كانُوا يَعْرِشُونَ «9» ويَعْكُفُونَ «10». يقرءان بضم عين الفعل وكسرها وهما لغتان. والحجّة لذلك: أن كلّ فعل انفتحت عين ماضيه جاز كسرها وضمها في المضارع قياسا إلا أن يمنع السماع من ذلك. وما كانت عين ماضيه مضمومة لزمت الضمّة عين مضارعه إلا أن يشذ شيء من الباب، فلا حكم للشاذ. فالأصل ما ذكرته لك، فاعرفه إن شاء الله. قوله تعالى: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ «11». يقرأ بإثبات الياء والنون وبحذفهما. فالحجة لمن

_ (1) المائدة: 44 (2) الأعراف: 127 (3) الأعراف: 141 (4) الأحزاب: 61 (5) البقرة: 191 (6) الأعراف: 128. (7) انظر (كنز الحقائق للمناوي 119). (8) الدخان: 28 (9) الأعراف: 137 (10) الأعراف: 138 (11) الأعراف: 141

أثبتهما: أنه من إخبار الله تعالى عن نفسه بنون الملكوت. وعليها جاء قوله: رَبِّ ارْجِعُونِ «1» والحجة لمن حذفها: أنه من إخبار النبي عليه السلام عن الله، والفاعل مستتر في الفعل، وإذ في أول الكلام متعلقة بفعل، دليله قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ «2» وإنما وعظهم الله تعالى بما امتحن به من كان قبلهم وذكرهم نعمه عليهم، وحذّرهم من حلول النّقم عند مخالفته. قوله تعالى: جَعَلَهُ دَكًّا «3». يقرأ بالقصر والتنوين، وبالمدّ وترك التنوين، هاهنا وفي الكهف «4». فالحجة لمن قصر ونوّن: أنه جعله مصدرا كقوله: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا «5». وهذا اللفظ لا يثنى ولا يجمع، لأنه مصدر والمصدر اسم للفعل. فلما كان الفعل لا يثنّى ولا يجمع كان الأصل بتلك المثابة. والحجة لمن مدّ ولم ينوّن: أنه صفة قامت مقام الموصوف. وأصله: أرضا ملساء من قول العرب: ناقة دكّاء أي: لا سنام لها. فهذا يثني ويجمع ولم ينوّن، لأنه وزن لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، لاجتماع علامة التأنيث، والوصف فيه. فإن قيل فقوله: دُكَّتِ الْأَرْضُ خرّج لفظ المصدر فيه على فعله، وليس هاهنا لفظ لفعل يخرّج المصدر عليه، فقل إنّ المصدر هاهنا يخرّج على المعنى، لا على اللفظ، لأنه يريد بقوله تعالى: جعله: دكّه، وذلك معروف عند العرب. قال ذو الرّمّة: «6» والودق يستنّ عن أعلى طريقته ... جول الجمان جرى في سلكه الثّقب «7» فنصب جول الجمان، لأنه أراد بقوله يستن: يجول قوله تعالى: بِرِسالاتِي «8». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أن الله تعالى إنما أرسله مرة واحدة بكلام كثير. والحجة لمن جمع: أنه طابق بين اللفظين لتكون

_ (1) المؤمنون: 99 (2) الأنفال: 26 (3) الأعراف: 143 (4) الكهف: 98 (5) الفجر: 21 (6) ذو الرمة: انظر: 125. (7) الودق: المطر الشديد، يستن: أي يجري، الجمان: خرز يتخذ من الفضة، الثقب: الخيط الذي ينظم فيه. يقول: قطر المطر ينحدر عن ظهر الثور، كأنه جمان، ينحدر من سلكه (شرح ديوان ذي الرمة ورقة: 10). (8) الأعراف: 144

رسالاتي مطابقة لكلامي. وإن أراد بالجمع معنى الواحد كما قال يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ «1» يريد نبينا عليه السلام. قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ «2». يقرأ بضم الراء وإسكان الشين، وبفتحهما. فالحجة لمن ضمّ: أنه أراد به: الهدى التي هي ضدّ الضلال. ودليله قوله تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ «3» والغيّ هاهنا: الضلال. والحجة لمن فتح: أنه أراد به الصلاح في الدين. ودليله قوله تعالى: وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً «4» أي صلاحا. وقيل: هما لغتان كقولهم: السّقم والسّقم. قوله تعالى: مِنْ حُلِيِّهِمْ «5». يقرأ بضم الحاء وكسرها، وهما جمع (حلي). فالحجة لمن ضم: أنه أتى به على أصل ما يجب لجمع (فعل) وأصله: (حلوي) كما قالوا (فلوس) فلما تقدّمت الواو بالسكون قلبوها إلى الياء، وأدغموها للمماثلة فتشديد الياء لذلك. والحجة لمن كسر: أنه استثقل الخروج من ضمّ إلى كسر، فكسر الحاء ليقرب بها بعض اللفظ من بعض طلبا للتخفيف. قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا «6». يقرأ بالياء والرفع، وبالتاء والنصب. فالحجة لمن قرأ بالتاء: أنه جعلها دليلا لخطاب الله تعالى، لأنه حاضر. وإن كان عن العيون غائبا. ونصب مريدا للنداء كقوله تعالى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا «7» يريد نداء المضاف. والحجة لمن قرأ بالياء أنه أخبر عن الله تعالى في حال الغيبة، ورفعه بفعله الذي صيغ له، وجعل ما اتصل بالفعل من الكناية مفعولا به. قوله تعالى: ابْنَ أُمَّ «8». يقرأ بفتح الميم وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعل الاسمين اسما واحدا، كخمسة عشر، فبناه على الفتح.

_ (1) المؤمنون: 51 (2) الأعراف: 146 (3) البقرة: 256 (4) الكهف: 10 (5) الأعراف: 148 (6) الأعراف: 149 (7) الإسراء: 3 (8) الأعراف: 150، وفي الأصل (يا ابن أم) وهو تحريف.

وقال الزجاج «1». إنّما جاز الفتح في هذا وفي «ابن عمّ» لكثرة الاستعمال، ألا ترى أن الرجل يقول ذلك لمن لا يعرفه، فكأنه لكثرة الاستعمال عندهم يخرج عمن هو له، فخفّف الكلمتان بانّ جعلتا واحدة، وبنيتا على الفتح، ولا يجوز ذلك في غيرهما. وقال المبرد «2»: أراد: «يا بن أمي»، فقلب من الياء ألفا، فقال: يا بن أمّا، ثم حذف الألف استخفافا كما حذف الياء من قوله: يا بن أمّي، فقال يا بن أمّ، وجاز له قلب الياء ألفا، لأن النداء قريب من الندبة، وهما قياس واحد إذا قلت: يا أمّاه وأنشد: * يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي «3» * والحجة لمن كسر الميم: أنه أراد يا بن أمّي، فحذف الياء واجتزأ منها بالكسرة، لأن النداء باب بني على الحذف، واختص به فاتّسعوا فيه بالحذف، والقلب، والإبدال. والوجه في العربية إثبات الياء هاهنا، لأن الاسم الذي فيه مضاف إلى المنادى «4»، وليس بمنادى قال الشاعر: يا بن أمّي ولو شهدتك إذ ... تدعو تميما وأنت غير مجاب «5» قوله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ «6». يقرأ بالتوحيد والجمع «7». فالحجة لمن وحّد أنه أراد: ثقل ما اجترموه في الجاهلية. ودليله قوله عليه السلام: (محا الإسلام ما قبله) «8».

_ (1) الزجاج: إبراهيم بن السريّ بن سهل أبو إسحاق الزجّاج النحوي. انظر ترجمته في: (بغية الوعاة: 179، إنباه الرّواة: 1: 159، شذرات الذهب 2: 295، تاريخ بغداد 6: 89). (2) المبرد: محمد بن يزيد أبو العباس المبرد، ولد بالبصرة، ثم رحل إلى بغداد فأخذ عن أبي عمر الجرمي، وأبي عثمان المازني: انظر التعريف به في مقدمة كتاب «الكامل في اللغة والأدب» لأبي العباس المبرد، تحقيق الدكتور زكي مبارك. (3) قاله أبو النجم العجلي من قصيدة مرجّزة أولها: قد أصبحت أم الخيار تدّعي والشاهد في إثبات الألف في عمّا، وإبدالها من الياء إذ أصله يا ابنة عمّي. واهجعي من الهجوع: وهو النوم بالليل خاصة، وأم الخيار اسم امرأته. انظر «فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد: 313» وانظر: «شواهد الشافية لابن الحاجب: 209». وانظر: «الكتاب لسيبويه 1: 318». (4) مضاف إلى المنادى وهو ابن. (5) أنظر «الطبري 9: 68 مطبعة مصطفى الحلبي، ط ثانية 1954». (6) الأعراف: 157 (7) أي آصارهم: بفتح الهمزة ومدها، وفتح الصاد، والإتيان بألف بعدها. (8) في رواية ابن حنبل في المسند: إن الإسلام يجبّ ما كان قبله. «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي 14: مادة: سلم».

والحجة لمن قرأه بالجمع: أنه طابق بذلك بينه وبين قوله تعالى: وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ. قوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ «1». يقرأ بضم التاء، وجمع خطيئة وتوحيدها، والرّفع، وبالنون والجمع. فالحجة لمن قرأه بضم التاء أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله. ودل بالتاء على تأنيث ما يأتي بعدها، ورفع ذلك باسم ما لم يسمّ فاعله سواء أفرد أو جمع، لأنه قام مقام الفاعل. والحجة لمن قرأه بالنون أنه جعل الفعل إخبارا عن الله تعالى، ونصب قوله «خطاياكم» بتعدّي الفعل إليها، ولم يبن للنصب فيها دليل، لأن آخرها ألف، والألف لا تقبل شيئا من الحركات. والحجة لمن قرأه بالنون وجمع السلامة: أنه كسر التاء في موضع النصب، لأنها في التأنيث بمنزلة الياء في التذكير، فكما نابت في الجمع عن النصب والخفض، كذلك نابت الكسرة في التأنيث عن النصب والخفض. قوله تعالى: قالُوا مَعْذِرَةً «2» يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن قرأه بالرفع أنه أراد: أحد وجهين من العربيّة، إما أن يكون أراد: قالوا: موعظتنا إياهم معذرة فتكون خبر ابتداء محذوف، أو يضمر قبل ذلك ما يرفعه كقوله: سُورَةٌ أَنْزَلْناها «3». يريد هذه سورة. والحجة لمن نصب: أن الكلام جواب، كأنه قيل لهم: لم تعظون قوما هذه سبيلهم؟ قالوا: نعظهم اعتذارا ومعذرة. قوله تعالى: «بعذاب بئس» «4». يقرأ «بئيس» بالهمزة على وزن: «فعيل» و «بئس» بإثبات الهمز وحذف الياء على وزن «فعل»، وبيس بكسر الياء وفتحها من غير همز «وبيأس» بفتح الباء وإسكان الياء، وهمزة مفتوحة على وزن: «فيعل». فهذه خمس لغات مشهورات مستعملات في القراءة. قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ «5». هاهنا، وفي الممتحنة «6» يقرءان بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد أنه أخذه من: مسّك يمسّك إذا عاود فعل التمسّك بالشيء.

_ (1) الأعراف: 161 (2) الأعراف: 164 (3) النور: 1 (4) الأعراف: 165 (5) الأعراف: 170 (6) الممتحنة: 10

ودليله أنه في حرف أبيّ: «والذين مسّكوا بالكتاب». والحجة لمن خفف: أنه أخذه من: أمسك يمسك: ودليله قوله تعالى: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ «1» ولم يقل مسّك. قوله تعالى: مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ «2». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه جعله موحّدا في اللفظ، مجموعا في المعنى. ودليله قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ «3». والحجة لمن جمع: أنه طابق بذلك بين اللفظين لقوله: «مِنْ ظُهُورِهِمْ». ومعنى الآية: أن الله مسح ظهر آدم، فأخرج الخلق منه، كأمثال الذّرّ فأخذ عليهم العهد بعقل ركّبه فيهم، وناداهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا «4» فكل أحد إذا بلغ الحلم، علم بعقله، أن الله عز وجل خالقه، واستدل بذلك عليه. فإن قيل: فما وجه بعث الرسل؟ فقل: إيضاح للبراهين وتأكيد للحجة عليهم. قوله تعالى: أَنْ تَقُولُوا «5». يقرأ بالياء والتاء، وقد ذكر من الحجة في نظائره ما يدلّ. عليه ويغني عن إعادته «6». قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ «7». يقرأ بضم الياء، وكسر الحاء، وبفتحهما هاهنا وفي النّحل «8» والسّجدة «9». فالحجة لمن ضم الياء وكسر الحاء: أنه أخذه من ألحد يلحد. والحجة لمن فتحهما: أنه أخذه من لحد يلحد وهما لغتان معناهما: الميل والعدول. ومنه أخذ «لحد القبر». قوله تعالى: وَنَذَرُهُمْ «10» بالنون والرفع، وبالياء والجزم. فالحجة لمن قرأ بالنون والرفع: أنه استأنف الكلام، لأنه ليس قبله ما يردّه بالواو عليه. والحجة لمن قرأه بالياء والجزم: أنه عطفه على موضع الفاء في الجواب من قوله: «فَلا هادِيَ لَهُ».

_ (1) الأحزاب: 37 (2) الأعراف: 172 (3) النور: 31 (4) الأعراف: 172 (5) الأعراف: 172 (6) انظر: 82 عند قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. (7) الأعراف: 180 (8) النحل: 103 (9) حم السجدة: 40. (10) الأعراف: 186

قوله تعالى: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ «1» يقرأ بضمّ الشين والمدّ، وطرح التنوين، وبكسر الشين وإسكان الراء والتنوين. فالحجة لمن قرأه بضم الشين: أنه جعله جمع «شريك» فمنعه من الصرف، لأن الهمزة التي في آخره مشاكلة لهمزة حمراء وما أشبهها. والحجة لمن قرأه بكسر الشين: أنه أراد المصدر. ومعنى الآية: أنّ ابليس لعنه الله أتى حواء وهي عند أول حمل حملت فقال لها: ما هذا الذي في بطنك أبهيمة أم حية؟ قالت: لا أدري قال لها: إن دعوت الله تعالى أن يجعله بشرا سويّا تسمينه باسمي؟ قالت: نعم، فلما أتاهما الله ولدا صالحا، جعلا له شركاء فيه فسمّياه عبد الحرث باسم إبليس- لعنه الله. قوله تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ «2». إجماع القرّاء على قراءته بثلاث ياءات. الأولى: ياء فعيل زائدة. والثانية: لام الفعل أصلية. والثالثة: ياء الإضافة، فأدغمت الزائدة في الأصلية، واتصلت بها ياء الإضافة ففتحت لالتقاء الساكنين. هذا لفظ القراء إلّا ما رواه «ابن اليزيدي» «3» عن أبيه عن أبي عمرو: (إن وليّ الله» بياء مشددة مفتوحة. فإن صح ذلك عنه، فإنه حذف الوسطى، وأدغم في الإضافة، وفتحها، كما قالوا: إليّ وعليّ ولديّ بفتح الياء. قوله تعالى: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ «4». يقرأ بإثبات الألف وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه جعله اسم الفاعل من: طاف الخيال: إذا طرق النائم. وهما لغتان طاف طوفا وأطاف مطافا. ومعنى طائف الشيطان: وساوسه ولممه وختله. قال الشاعر: وتضحى على غبّ السّرى وكأنّما ... أطاف بها من طائف الجنّ أولق «5» والحجة لمن حذفها: أنه أراد به: ردّه إلى الأصل. وأصله: طويف، فلما تقدّمت الواو

_ (1) الأعراف: 190 (2) الأعراف: 196 (3) محمد بن يحيى بن المبارك اليزيدي أبو عبد الله بن أبي محمد. قال الخطيب: من أهل البصرة، سكن بغداد، وكان من أهل الأدب والعلم بالقرآن واللغة مدح الرشيد، وأدّب المأمون. مات محمد هذا بمصر لما خرج إليها المعتصم «بغية الوعاة: 114». (4) الأعراف: 201. (5) اللسان ينسب البيت إلى الأعشى في وصف ناقته. ورواية البيت كما ذكرها: وتصبح عن غبّ السّري وكأنما ... ألمّ بها من طائف الجن أولق والأولق: شبه الجنون. انظر: «اللسان: مادة: ولق». قال الفراء: وهم يصفون الناقة- لسرعتها- بالحدّة والجنون. انظر «الخصائص لابن جني 3: 292».

ومن سورة الأنفال

بالسكون قلبت ياء، وأدغمت في الياء، فثقل عليهم تشديد الياء مع كسرها، فخففوه، بأن طرحوا إحدى الياءين، وأسكنوا كما قالوا: هين لين. قال حسان بن ثابت «1». جنّية أرّقني طيفها ... يذهب صبحا وترى في المنام «2» قوله تعالى: لا يَتَّبِعُوكُمْ «3». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أنه أراد به: لا يسيرون على أثركم، ولا يركبون طريقتكم في دينكم. والحجة لمن خفف: أنه أراد به: لا يلحقوكم. ومنه قول العرب: اتّبعه: إذا سار في أثره، وتبعه: إذا لحقه. وقيل: هما لغتان فصيحتان. قوله تعالى: ثُمَّ كِيدُونِ «4». يقرأ بإثبات الياء وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنها غير فاصلة، ولا آخر آية. والحجة لمن حذفها: أنه أدّى ما وجده في السّواد. فأما قوله في سورة «المرسلات»: فَكِيدُونِ «5» فأكثر القراء على حذفها، لأنها فاصلة في آخر آية. ومن سورة الأنفال قوله تعالى: مُرْدِفِينَ «6». يقرأ بكسر الدّال وفتحها. فالحجة لمن كسر الدال: أنه جعل الفعل للملائكة، فأتى باسم الفاعل من «أردف». والحجة لمن فتح الدال: أنه جعل الفعل لله عز وجل، فأتى باسم المفعول به من «أردف». والعرب تقول: أردفت الرجل: أركبته على قطاة «7» دابّتي خلفي. وردفته: إذا ركبت خلفه «8». قوله تعالى إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ «9». يقرأ بفتح الياء والألف والرفع «10»، وبضم الياء الأولى

_ (1) حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة، واسمه تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخروج، توفي سنة خمسين، وقيل سنة أربع وخمسين «أسد الغابة 2، 4، 5، 6». (2) من قصيدة: أولها: ما هاج حسان رسوم المقام ... ومظعن الحيّ، ومبني الخيام انظر: «ديوان حسان بن ثابت: 24». (3) الأعراف: 193 (4) الأعراف: 195 (5) المرسلات: 39 (6) الأنفال: 9. (7) القطاة: العجز، وما بين الوركين، أو مقعد الرّديف من الدابة. «القاموس المحيط: مادة: قطا». (8) قال الزجاج. يقال: ردفت الرجل: إذا ركبت، خلفه وأردفته: أركبته خلفي. انظر: اللسان: مادة: ردف. (9) الأنفال: 11. (10) المراد به رفع «النعاس».

وبياء في موضع الألف مخفّفا ومشدّدا والنصب «1». فالحجة لمن قرأه بالألف والرفع: أنه جعل الفعل للنعاس، فرفعه، وأخذه من غشي يغشى. والكاف والميم في موضع نصب. والحجة لمن ضم الياء الأولى ونصب النعاس وخفف: أنه جعل الفعل لله عز وجل، وعدّاه إلى المفعولين. وأخذه من أغشى يغشي. ومن شدّد أخذه: من غشّى يغشّي. ومعنى الآية: أن المسلمين أصبحوا يوم بدر جنبا «2» على غير ماء، وعدوّهم على الماء، فوسوس لهم الشيطان، فأرسل الله عليهم مطرا فطهّرهم به. قوله تعالى: مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ «3». يقرأ بتشديد الهاء وفتح الواو، وبإسكان الواو وتخفيف الهاء. والحجة لمن شدّد: أنه أخذه من وهّن فهو موهّن. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أوهن فهو موهن، وهما لغتان، والتشديد أبلغ وأمدح. قوله تعالى: مُوهِنُ «4». يقرأ بالتنوين، ونصب «كيد»، وبترك التنوين وخفض كيد. فالحجة لمن نوّن: أنه أراد الحال أو الاستقبال. والحجة لمن أضاف: أنه أراد ما ثبت ومضى من الزّمان. قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ «5». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه ابتدأ الكلام. ودليله: أنه في قراءة عبد الله «والله مع المؤمنين». والحجة لمن فتح: أنه ردّ بالواو على قوله: وأن الله موهن، أو أضمر اللّام بعد الواو. قوله تعالى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ «6». وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ «7». يقرءان بكسر العين، وضمها. فالحجة لمن ضمّ أو «كسر» «8»: أنهما لغتان، معناهما: جانب الوادي. و «الدنيا»: القريبة، و «القصوى»: البعيدة، وهما من ذوات الواو.

_ (1) المراد به نصب «النعاس». (2) قال الزمخشري في أساس البلاغة. «رجل جنب، وقوم جنب» أي: يستوي فيه الفرد والجمع. انظر، مادة: جنب. (3) الأنفال: 18. (4) الأنفال: 18. (5) الأنفال: 19 (6) الأنفال: 42 (7) الأنفال: 42 (8) في الأصل: أو «فتح» وهو تحريف لأن سياق الكلام لا يدل عليه وليس في كتب القراءات إلا الضم أو الكسر والفتح قراءة قتادة، وهي من الشاذ. انظر: اللسان.

فإن قيل: فلم جاءتا بلفظين مختلفين «1»؟ فقل في ذلك وجهان: أحدهما: أنّ الدنيا بنيت على فعلها. فلما جاوزت ثلاثة أحرف بنيت على الياء، وهو القياس. والقصوى اسم مختلف ليس بمبنيّ على فعله. والآخر: أن الاسم إذا ورد على وزن فعلى بفتح الفاء صحت فيه الواو كقولهم: «الفتوى» و «التّقوى» وإن كان صفة انقلبت واوه ياء نحو: «الصّديا» و «الحبلى»، فأمّا القصوى، فجاءت على الأصل. قوله تعالى: وَيَحْيى مَنْ حَيَّ «2». يقرأ بياءين: الأولى مكسورة والثانية مفتوحة، وبياء واحدة شديدة مفتوحة. فالحجة لمن قرأه بياءين: أنه أتى به على الأصل، وما أوجبه بناء الفعل. والحجة لمن أدغم: أنه استثقل اجتماع ياءين متحركتين، فأسكن الأولى، وأدغمها في الثانية. قوله تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً «3». يقرأ برفع «صلاتهم»، ونصب قوله: «مكاء»، و «تصدية». وبنصب «صلاتهم»، ورفع قوله: «مكاء وتصدية». فالوجه في العربية إذا اجتمع في اسم كان وخبرها معرفة ونكرة: أن ترفع المعرفة، وتنصب النكرة، لأن المعرفة أولى بالاسم، والنكرة أولى بالفعل، «4» والوجه الآخر: يجوز في العربية اتساعا على بعد أو لضرورة شاعر. قال حسان «5»:- كأن سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء «6» قوله تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ «7». يقرأ بفتح الياء والتخفيف، وبضمّها والتشديد. والمعنى بين ذلك قريب. وقد ذكرت علة «8» ذلك. ومعناه: التفرقة والتخليص.

_ (1) لأن الدنيا بالياء، والقصوى بالواو. (2) الأنفال: 42 (3) الأنفال: 35 (4) لأن الفعل قد يقع خبرا، ويمتنع أن يكون مبتدأ. (5) سبق التعريف به: 144. (6) الدرر اللوامع 1: 88، «وخزانة الأدب 4: 63»، و «رسالة الغفران: 128، 129»، واللسان: مادة: سبأ. (7) الأنفال: 37 (8) انظر: 118 عند قوله تعالى: «حَتَّى يَمِيزَ».

قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ «1». يقرأ بالياء والتاء، وبكسر السين وفتحها. وقد ذكرت علله في آل عمران «2». قوله تعالى: إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ «3». يقرأ بفتح الهمزة، وكسرها. فالحجة لمن فتحها: أنه جعل (يحسبن) فعلا للذين كفروا، وأضمر مع (سبقوا) «4» أن الخفيفة، ليكون اسما منصوبا مفعولا لتحسبن، وأنّهم لا يعجزون المفعول الثاني، فكأنه قال: ولا تحسبن الذين كفروا سبقهم إعجازهم. والحجة لمن كسر: أنه جعل قوله: «وَلا يَحْسَبَنَّ» خطابا للنبي عليه السلام، وجعل «الَّذِينَ كَفَرُوا» مفعول (تحسبن) الأول، و (سبقوا) الثاني، واستأنف إنّ فكسرها مبتدئا. قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ «5». يقرأ بفتح السين وكسرها. وقد ذكرت علته في البقرة «6». قوله تعالى: إِذْ يَتَوَفَّى «7». يقرأ بالياء والتاء. وقد ذكرت علله فيما مضى «8». قوله تعالى: وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ «9» وفَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ «10». يقرءان بالياء، والتاء. فالحجة لمن قرأهما بالتاء: أنه جاء به على لفظ «مائة» «11» ومن قرأه بالياء أتى به على لفظ المعدود، لأنه مذكّر. والحجة لمن قرأهما بالياء والتاء. أنه أتى بالمعنيين معا، وجمع بين اللغتين. قوله تعالى: وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً «12». يقرأ بضم الضاد، وفتحها. وهما لغتان.

_ (1) الأنفال: 59 (2) انظر: 103، 116 (3) الأنفال: 59 (4) الآية نفسها. (5) الأنفال: 61 (6) انظر: 95 (7) الأنفال: 50 (8) انظر: 82، 91 عند قوله تعالى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ وقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. (9) الأنفال: 65 (10) الأنفال 66، وفي الأصل «وإن يكن»: وهو تحريف. (11) لأن لفظها مؤنث. (12) الأنفال: 66.

ومن سورة التوبة

وقد ذكرت الحجة في أمثال ذلك بما يغني عن الإعادة «1». قوله تعالى: أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى «2». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه إلى المعنى. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه ردّه على اللفظ. قوله تعالى: مِنَ الْأَسْرى «3». يقرأ بضم الهمزة وإثبات الألف، وبفتحها وطرح الألف. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: جمع الجمع. والحجة لمن طرحها: أنه أراد جمع أسير. وقال أبو عمرو «4»: الأسرى: من كانوا في أيديهم أو في الحبس. والأسارى: من جاء مستأسرا. قوله تعالى: مِنْ وَلايَتِهِمْ «5». يقرأ بفتح الواو وكسرها هاهنا، وفي الكهف «6» فالحجة لمن فتح: أنه أراد: ولاية الدين. والحجة لمن كسر: أنه أراد: ولاية الإمرة، وقيل: هما لغتان، والفتح أقرب. ومن سورة التوبة قوله تعالى: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ «7». يقرأ بهمزتين مفتوحة ومكسورة، وبهمزة وياء. فالحجة لمن حقق الهمزتين: أنه جعل الأولى همزة الجمع، والثانية همزة الأصل التي كانت في إمام أأممة على وزن «أفعلة» فنقلوا كسرة الميم إلى الهمزة، وأدغموا الميم في الميم للمجانسة. والحجة لمن جعل الثانية ياء: أنه كره الجمع بين همزتين، فقلب الثانية ياء لكسرها بعد أن ليّنها، وحركها لالتقاء الساكنين. وروى «المسيّبيّ» «8» عن نافع «9»: أنه قرأ: أآيمة بمدة بين الهمزة والياء. والحجة له في

_ (1) انظر: 83 عند قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً. (2) الأنفال: 67 (3) الأنفال: 70 (4) سبقت ترجمته 61. (5) الأنفال: 72 (6) الكهف: 44 (7) التوبة: 12 (8) المسيّبيّ: هو إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن المسيّب .. أبو محمد المسيّبي المدني، إمام جليل، عالم بالحديث، قيّم في قراءة نافع، ضابط لها قال أبو حاتم السجستاني: إذا حدثت عن المسيبي عن نافع، ففرغ سمعك وقلبك، فإنه أتقن الناس، وأعرفهم بقراءة أهل المدينة. (غاية النهاية: 1: 157،: 158). (9) سبقت ترجمته: 61

ذلك أنه فرق بين الهمزتين بمدّة، ثم ليّن الثانية فبقيت المدة على أصلها. قوله تعالى: إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ «1». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: جمع «يمين». والحجة لمن كسر: أنه أراد مصدر: آمن يؤمن إيمانا. وإنّما فتحت همزة الجمع لثقله، وكسرت همزة المصدر لخفته. والفتح هاهنا أولى، لأنها بمعنى، اليمين والعهد أليق منها بمعنى الإيمان. قوله تعالى: أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ «2» يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد أنه: أراد به: المسجد الحرام. ودليله قوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ «3». والحجة لمن جمع: أنه أراد: جميع المساجد. ودليله قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ «4». وهذا لا خلف فيه. واحتجوا أن الخاصّ يدخل في العام، والعام لا يدخل في الخاص. قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «5». يقرأ بالتنوين، وتركه، فلمن نون حجتان: إحداهما: أنه وإن كان أعجميا فهو خفيف، وتمامه في (الابن). والأخرى: أن يجعل عربيا مصغّرا مشتقّا، وهو مرفوع بالابتداء، و (ابن) خبره. وإنما يحذف التنوين من الاسم لكثرة استعماله، إذا كان الاسم نعتا كقولك: جاءني زيد بن عمرو. فإن قلت: كان زيد بن عمرو، فلا بدّ من التنوين، لأنه خبر. وهذا إنما يكون في الاسم الذي قد عرف بأبيه، وشهر بنسبه إليه. والحجة لمن ترك التنوين: أنه جعله اسما أعجميّا، وإن كان لفظه مصغّرا، لأن من العرب من يدع صرف الثلاثي من الأعجمية «6» مثل: «لوط» و «نوح» و «عاد». قوله تعالى: يُضاهِؤُنَ «7». يقرأ بطرح الهمزة، وإثباتها. فالحجة لمن همز: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أراد: التخفيف فأسقط الياء لحركتها

_ (1) التوبة: 12 (2) التوبة: 17 (3) التوبة: 28 (4) التوبة: 18 (5) التوبة: 30 (6) أي من الأسماء الأعجمية. (7) التوبة: 30.

بالضمّ «1»، والضم لا يدخلها. ومثله (لترونّ الجحيم) وهما لغتان: ضاهأت، وضاهيت «2» قوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ «3» يقرأ بالهمز وتخفيف الياء. وبتركه وتشديدها. فمن همز فعلى الأصل، لأنه من قولهم: نسأ الله في أجلك. ومعناه: التأخير. والحجة لمن شدّد: أنه أبدل الهمزة ياء، وأدغمها في الياء الساكنة قبلها. وروى عن (ابن كثير) «4»: أنه قرأ: (إنّما النّسو) «5» بهمزة، ساكنة السين، والواو بعد الهمزة «6» جعله مصدرا. معناه: أن العرب في الجاهلية كانت تحرّم القتال في «المحرّم»، فإذا احتاجت إليه أخّرت المحرّم إلى «صفر». قوله تعالى: يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا «7». يقرأ بضم الياء وفتح الضاد وكسرها، وبفتح الياء وكسر الضاد. فالحجة لمن ضم الياء وفتح الضاد: أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله، و (الذين) في موضع رفع، و (كفروا) صلة الذين. والحجة لمن كسر الضاد مع ضم الياء: أنه جعله فعلا لفاعل مستتر في الفعل. وهو مأخوذ: من أضلّ يضلّ. والحجة لمن فتح الياء: أنه جعل الفعل للذين فرفعهم به وإن كان الله تعالى الفاعل ذلك بهم، لأنه يضل من يشاء، ويهدي من يشاء. فمعناه: أنه أضلهم عقوبة لضلالهم، فاستوجبوا العقوبة بالعمل. وقيل: (صادفهم كذلك) «8». وقيل أضلّهم: سمّاهم ضالين.

_ (1) أصلها: يضاهيون. (2) قال في اللسان: المضاهاة: مشاكلة الشيء بالشيء. وربّما همزوا فيه: وضاهيت الرجل: شاكلته وقيل: عارضته اللسان: مادة: ضها. (3) التوبة: 37. (4) ابن كثير سبقت ترجمته 37. (5) ليست في كتب القراءات التي بين أيدينا- كالتيسير، وغيث النفع، والنشر- هذه القراءة مع أن هذه الكتب تعرضت للقراءات السبع، والعشر. وقد ذكرها ابن جني في «المحتسب» وقال: «يحكي عن ابن كثير بخلاف: أنه قرأ به 1: 287». (6) هكذا في الأصل: والمراد: سكون السين. والإتيان بهمزة بعدها الواو: مصدر نسأ نسأ (القاموس المحيط). (7) التوبة: 37. (8) أي وجدهم ضالين. من قولهم: صادفت فلانا أي لاقيته ووجدته. اللسان: صدف.

قوله تعالى: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ «1». يقرأ بالياء والتاء، وقد ذكرت الحجة فيه آنفا «2». قوله تعالى: مَنْ يَلْمِزُكَ «3». يقرأ بضم الميم وكسرها. وحجته مذكورة في قوله يَعْكُفُونَ ويَعْرِشُونَ «4». قوله تعالى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ «5». يقرأ بضم الذال في جميعه «6»، وإسكانها. فالحجة لمن ضم: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أسكن: أنه ثقل عليه توالي الضم فخفّف. وهما لغتان فصيحتان. والقرّاء في هذا الحرف مجمعون على الإضافة إلا ما روي عن (نافع) «7» من التنوين، ورفع (خير). فالحجة له في ذلك: أنه أبدل قوله: (خير) من قوله: (أذن). قوله تعالى: وَرَحْمَةٌ «8». يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه ردّه بالواو على قوله (أُذُنٌ). والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله (خَيْرٍ) ورحمة. ومعنى الآية: أن المنافقين قالوا: إنا نذكر محمّدا من ورائه، فإذا بلغه اعتذرنا إليه، فقبل، لأنه «أذن» فقال الله تعالى: أُذُنُ خَيْرٍ، لا أذن شرّ. قوله تعالى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ «9». يقرأ بالياء في الأول، وبالتاء في الثاني، وضمّهما معا. وبنون مفتوحة في الأول، ونون مضمومة في الثاني. فالحجة لمن قرأه بالياء والتاء والضم: أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله، فرفع الطائفة لذلك. والحجة لمن قرأه بالنون فيهما: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه بنون الملكوت فكان الفاعل في الفعل عزّ وجل و (طائفة) منصوبة بوقوع الفعل عليها. فأما فتح النون الأولى فلأن ماضيها ثلاثي، وأما ضم الثانية، فلأنها من فعل ماضيه

_ (1) التوبة: 54 (2) انظر: 82 عند قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وقد تكرّرت الإحالة إلى هذا الموضع. (3) التوبة: 58 (4) انظر: 162 (5) التوبة: 61. (6) أي في المواضع التي ذكرت فيها. (7) نافع: تقدمت ترجمته: 61. (8) التوبة: 61. (9) التوبة: 66

رباعيّ، لأن التشديد في الذال يقوم مقام حرفين. والطائفة في اللغة: الجماعة. وقيل: أربعة. وقيل: واحد «1». قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ «2». يقرأ بضم السين وفتحها، هاهنا، وفي سورة (الفتح) «3». فالحجة لمن ضم: أنه أراد: دائرة الشر. والحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر من قولك: ساءني الأمر سوءا ومساءة ومساية. قوله تعالى: إِنَّ صَلاتَكَ «4». يقرأ بالتوحيد. والجمع هاهنا، وفي هود «5» والمؤمنين «6». فالحجة لمن وحّد: أنه اجتزأ بالواحد عن الجميع، لأن معناها هاهنا: الدّعاء عند أخذ الصدقة بالبركة، فالصلاة من الله عز وجل: المغفرة والرحمة، ومن عباده: الدّعاء والاستغفار. والحجة لمن جمع أنه أراد: الدّعاء للجماعة، وترداده ومعاودته. فأما التي، في سَأَلَ سائِلٌ «7»، فبالتوحيد لا غير، لأنها مكتوبة به في السّواد. قوله تعالى: أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ «8». يقرأ بإسكان الراء، وضمّها. فالحجة في ذلك كالحجة في (أذن) «9». قوله تعالى: هارٍ فَانْهارَ بِهِ «10». يقرأ بالتفخيم والإمالة. فالحجة لمن فخّم: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أمال فلكسرة الراء. والأصل في هار: (هاير) قلبت ياؤه من موضع العين إلى موضع اللام، ثم سقطت لمقارنة التنوين. قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ «11». يقرأ بضم التاء وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله، ورفع به القلوب. والحجة لمن فتح أنه أراد: تتقطع فألقى

_ (1) قال في اللسان: قال مجاهد: الطائفة: الرجل الواحد إلى الألف، وقيل: الرّجل الواحد فما فوقه: (اللسان: مادة: طوف). (2) التوبة: 98 (3) الفتح: 6 (4) التوبة: 103 (5) هود: 87 (6) المؤمنون: 2 (7) المعارج: 23 (8) التوبة: 99 (9) انظر: 176 (10) التوبة: 109 (11) التوبة: 110

إحدى التاءين تخفيفا، ورفع القلوب بفعلها. ومعناه: إلّا أن يتوبوا فتتقطع قلوبهم ندما على ما فرّطوا. وقيل: إلّا أن يموتوا. قوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ «1». يقرأ بضم الهمزة وكسر السّين ورفع البنيان. وبفتحهما ونصب البنيان. فالحجة لمن ضمّ: أنه لم يسمّ الفاعل في الفعل فرفع لذلك. والحجة لمن فتح: أنه سمّى الفاعل، فنصب به المفعول. ومعناه: أفمن أسس بنيانه على الإيمان، كمن أسس بنيانه على الكفر؟ لأن المنافقين بنوا لهم مسجدا، لينفضّ أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم من مصلّاهم إلى مسجدهم. قوله تعالى: فَيَقْتُلُونَ «2» وَيُقْتَلُونَ. يقرأ بتقديم الفاعل وتأخير المفعول، وبتأخير الفاعل وتقديم المفعول. وقد ذكرت علته في آل عمران «3». قوله تعالى: أَوَلا يَرَوْنَ «4». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد: أن يجعل الفعل لهم، ودلّ بالياء على الغيبة. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فدلّ بالتاء على ذلك، وأدخل أمّته معه في الرؤية. ومعنى الافتتان هاهنا: الاختبار. وقيل: المرض. قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ «5»، يقرأ بالتاء والياء. وبإدغام الدّال في التاء وإظهارها. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد: تقديم (القلوب) قبل الفعل فدلّ بالتاء على التأنيث، لأنه جمع. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه حمله على تذكير (كاد) أو لأنه جمع ليس لتأنيثه حقيقة. والحجة لمن أدغم: مقاربة الحرفين، ولمن أظهر: الإتيان به على الأصل. قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً «6». يقرأ بإثبات الواو وحذفها، فالحجة لمن اثبتها: أنه ردّ بها الكلام على قوله: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ «7» أو على قوله:

_ (1) التوبة: 109. (2) التوبة: 111 (3) انظر 107 عند قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ وانظر أيضا: 104 عند قوله تعالى: لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ. (4) التوبة: 126، وفي الأصل: «أفلا يرون» وهو تحريف. (5) التوبة: 117 (6) التوبة: 107 (7) التوبة: 106

ومن سورة يونس

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ «1». والحجة لمن حذفها: أنه جعل (الذين) بدلا من قوله: (وآخرون)، أو من قوله: (وممّن حولكم) وهي في مصاحف أهل الشام بغير واو. قوله تعالى: ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً «2». ينتصب على أنه مفعول له معناه: اتّخذوه لهذا. أو ينتصب على أنه مصدر أضمر فعله. قوله تعالى: غِلْظَةً «3» يقرأ بكسر الغين وفتحها. وهما لغتان، والكسر أكثر وأشهر. ومن سورة يونس قوله تعالى: الر «4». يقرأ بكسر الرّاء وفتحها. فالحجة لمن أمال: أنه أراد: التخفيف. والحجة لمن فتح: أنه أتى باللفظ على الأصل. وكلهم قصروا الراء. وأهل العربية يقولون في حروف المعجم: إنه يجوز إمالتها، وتفخيمها، وقصرها ومدّها، وتذكيرها وتأنيثها. قوله تعالى: لَسِحْرٌ مُبِينٌ «5». يقرأ بإثبات الألف وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: النبي صلى الله عليه وسلم. والحجة لمن حذفها أنه أراد: القرآن. قوله تعالى: يُفَصِّلُ الْآياتِ «6». يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أخبر به عن الله عز وجل، لتقدم اسمه قبل ذلك. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه بنون الملكوت، لأنه ملك الأملاك. قوله تعالى: لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ «7». يقرأ بضم القاف والرفع، وبفتحها والنصب. فالحجة لمن ضم القاف: أنه بنى الفعل لما لم يسم فاعله فرفع به المفعول. والحجة لمن فتح القاف: أنه أتى بالفعل على بناء ما سمّي فاعله، وأضمر الفاعل فيه ونصب المفعول بتعدّي الفعل إليه.

_ (1) التوبة: 101 (2) التوبة: 107 (3) التوبة: 123 (4) يونس: 1 (5) يونس: 2 (6) يونس: 5 (7) يونس: 11

قوله تعالى: الشَّمْسَ ضِياءً «1». يقرأ بهمزتين، وبياء وهمزة. فالحجة لمن قرأه بهمزتين: أنه أخذه من قولهم: ضاء القمر ضوءا أو أضاء «2». ومن قرأه بياء وهمزة جعله جمعا ل «ضوء»، وضياء كقولك: بحر وبحار. وهما لغتان: أضاء القمر، وضاء. فإن قيل: فما معنى قوله: (وقدّره منازل) وكلاهما مقدّر؟ «3» فقل: لما كان انقضاء الشهور والسنة، وحسابهما بالقمر معلوما كان لذلك مقدّرا، ويجوز أن يكون أرادهما فاجتزأ بأحدهما من الآخر. قوله تعالى: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ «4». يقرأ بالتفخيم والإمالة. فالحجة لمن قرأه بالتفخيم: أنه أراد: أن يأتي به على أصل الكلام. والحجة لمن أمال: أنه دلّ على الياء المنقلبة إلى لفظ الألف. فأما ما روي عن (ابن كثير) «5» أنه قرأ: ولأدراكم به «6» بالقصر. فالحجة له: أنه لا يمدّ حرفا لحرف، وقد ذكر ذلك في أول البقرة «7». قوله تعالى: وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ «8». يقرأ بالياء والتاء هاهنا، وفي النحل «9» في موضعين، وفي النمل «10» وفي الروم «11». فالحجة لمن قرأهن بالياء: أنه أخبر بها عن المشركين في حال الغيبة. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد: قل لهم يا محمد: تعالى الله عما تشركون يا كفرة.

_ (1) يونس: 5 (2) قال العكبري: «والوجه فيه: أن يكون أخّر الياء، وقدّم الهمزة فلمّا وقعت الياء طرفا بعد ألف زائدة، قلبت همزة عند قوم، وعند آخرين قلبت ألفا، ثم قلبت الألف همزة لئلا يجتمع ألفان». انظر: (إعراب القرآن: 2: 24). (3) أي الشمس والقمر. (4) يونس: 16. (5) سبقت ترجمته قبل ذلك انظر: 37. (6) أي بحذف ألف «لا». (7) انظر: 76 (8) يونس: 18 (9) النحل: 1 (10) النمل: 63 (11) الروم: 40

قوله تعالى: مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا «1». يقرأ بالرفع. والنصب. فلمن رفع وجهان: أحدهما: بالخبر لقوله: (إنّما بغيكم) متاع الحياة. والآخر: أن يجعل تمام الكلام عند قوله: (على أنفسكم)، ثمّ يرفع ما بعده بإضمار (هو) كما قال: بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ «2»، أي هي النار. والحجة لمن نصب: أنه أراد: الحال، ونوى بالإضافة الانفصال، أو القطع من تمام الكلام. قوله تعالى: قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً «3». يقرأ بفتح الطاء. وإسكانها. فالحجة لمن فتحها: أنه أراد جمع قطعة على التكسير. والحجة لمن أسكنها: أنه أراد: ساعة من الليل. ودليله قوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ «4». أو أراد الفتح، فأسكن تخفيفا. قوله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا «5». يقرأ بالباء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالباء: أنه أراد تختبر. ودليله قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ «6». والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد به: التّلاوة من القراءة. ومعناه: (تقرؤه في صحيفتها). ودليله: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ «7». قوله تعالى: حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ «8». يقرأ بالتوحيد، والجمع. وإنما حمل من قرأه بالجمع على ذلك كتابته في السواد بالتاء. وقد ذكرت علله آنفا «9». قوله تعالى: أَمَّنْ لا يَهِدِّي «10». يقرأ بفتح الياء وإسكان الهاء، وكسر الدال والتخفيف، وبفتح الهاء وكسر الدال والتشديد. وبكسر الياء والهاء والدال. وبفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدّال فيهما. فالحجة لمن أسكن الهاء وخفف: أنه أخذه من هدى في الماضي بتخفيف الدال. والحجة لمن فتح الهاء. وشدّد: أنه أخذه من اهتدى في الماضي،

_ (1) يونس: 23 (2) الحج: 72 (3) يونس: 27 (4) هود: 81 (5) يونس: 30 (6) الطارق: 9 (7) العنكبوت: 48 (8) يونس: 33 (9) انظر: 148 (10) يونس: 35

فأراد: يهتدى، ثم نقل فتحة التاء إلى الهاء، فبقيت التاء ساكنة فأدغمها في الدال للمقاربة فشدّد لذلك. والحجة لمن كسر الهاء والياء قبلها، وشدّد أنه أراد: ما ذكرناه في التاء إلّا أنه لم ينقل الحركة بل حذفها، وأسكن التاء فالتقى ساكنان فكسر الهاء لالتقائهما، وكسر الياء لمجاورة الهاء. والحجة لمن أسكن الهاء وشدد الدال فجمع بين ساكنين: أنه أراد نيّة الحركة في الهاء. ومثل هذا إنما يحسن فيما كان أحد الساكنين حرف مدّ أولين، لأن المدّ الذي فيه يقوم مقام الحركة. فأما ما رواه (اليزيدي) عن أبي عمرو: أنه كان يسكن الهاء ويشمّها شيئا من الفتح، فإنه وهم في الترجمة، لأن السكون ضد الحركة، ولا يجتمع الشيء وضده، ولكنه من إخفاء الفتحة، واختلاسها لا من الإسكان. قوله تعالى: هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «1». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على قوله: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا «2» فجاء بالياء على وجه واحد. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد بها: مواجهة الخطاب للصحابة. واحتجّ بأنه قد قرئ (فلتفرحوا) بالتاء، وهو ضعيف في العربية، لأن العرب لم تستعمل الأمر باللام للحاضر إلّا فيما لم يسمّ فاعله كقولهم: لتعن بحاجتي. ومعنى: (فبذلك) إشارة إلى القرآن لقوله: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ «3» يعني به: القرآن لقوله: هو خير ممّا يجمع الكفرة. قوله تعالى: وَما يَعْزُبُ «4». يقرأ بضم الزاي وكسرها ومعنى يعزب: يبعد ويغيب. ومنه قولهم: المال عازب في المرعى. وقد تقدّم القوم في الضمّ والكسر، فأغنى عن الإعادة «5». قوله تعالى: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ «6». يقرءان بالنصب، والرفع. فالحجة لمن نصبهما: أنهما في موضع خفض بالرّدّ على قوله: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ. ولم يخفضا، لأنهما على وزن (أفعل) منك. وما كان على هذا الوزن لم ينصرف في معرفة

_ (1) يونس: 58 (2) الآية نفسها. (3) يونس: 57 (4) يونس: 61. (5) انظر: 162 عند قوله تعالى: وَما كانُوا يَعْرِشُونَ. (6) يونس: 61

ولا نكرة. والحجة لمن قرأه بالرفع: أنه ردّه على قوله: «مثقال ذرة» قبل دخول (من) عليها، فردّ اللفظ على المعنى، لأن (من) هاهنا زائدة. قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ «1». يقرأ بقطع الألف ووصلها. فالحجة لمن قطع: أنه أخذه من قولهم: أجمعت على الأمر: إذا أحكمته، وعزمت عليه. وأنشد: يا ليت شعري والمنى لا تنفع ... هل أغدون يوما وأمري مجمع «2» والحجة لمن وصل: أنه أخذه من قولهم: جمعت. ودليله قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ «3» فهنا من: جمعت، لا من أجمعت؟ قوله تعالى: ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ «4». يقرأ بالاستفهام وبتركه. فالحجة لمن استفهم: أنه جعل «ما» فيه بمعنى: أي شيء جئتم به، السحر هو؟ دليله: قوله تعالى: أَسِحْرٌ هذا «5» وهي ألف التوبيخ بلفظ الاستفهام، لأنهم قد علموا أنه سحر. والحجة لمن ترك الاستفهام: أنه جعل (ما) بمعنى الذي، يريد: الذي جئتم به السحر، ف «ما» مبتدأة، و (جئتم) صلة (ما) و (به) عائدها و (السحر) خبر الابتداء ف «ما» والذي هاهنا بمعنى) «6». قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعانِّ «7» يقرأ بإسكان التاء وتخفيفها. وبفتحها وتشديدها. فالحجة لمن خفّف: أنه أخذه من تبع يتبع. والحجة لمن شدّد: أنه أخذه من اتّبع يتّبع. وهما لغتان: معناهما واحد. والنون مشددة لتأكيد النهي. ودخولها على الفعل مخففة

_ (1) يونس: 71. (2) هو من الرجز، أنشده أبو زيد: يقول: إن المنى لا ينال بها المتمني ما يحبّه. والمني: جمع منية، وهي مبتدأ، و (لا تنفع) الخبر، والجملة اعتراض بين (شعري) وما يتعلق به، و (أمري مجمع): جملة حالية من الضمير في (أغدون). واستشهد ابن السكيت بالبيت على أنه يقال: أجمع أمره إذا عزم عليه. انظر: (الدرر اللوامع 1: 204، 205). وانظر أيضا (معاني القرآن للفراء 1: 473، والخصائص لابن جني 2: 136)، اللسان: مادة: جمع. (3) آل عمران: 9 (4) يونس: 81 (5) يونس: 77 وفي الأصل: (أفسحر) وهو تحريف. (6) هكذا في الأصل: والأوضح أن يقول: فما بمعنى الذي هاهنا، أو يريد فما والذي هاهنا بمعنى واحد. (7) يونس: 89.

ومشددة في أربعة مواضع: للتأكيد في الأمر، والنهي، والاستفهام، والجزاء. وتخرج «1» منه ولها أحكام. قوله تعالى: آمَنْتُ أَنَّهُ «2». يقرأ بكسرة الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل تمام الكلام عند قوله تعالى: آمَنْتُ، ثم ابتدأ إنّ فكسرها. والحجة لمن فتح: أنه وصل آخر الكلام بأوله وهو يريد: آمنت بأنه، فلما أسقط الباء وصل الفعل إلى أن فعمل فيها. قوله تعالى: آلْآنَ «3». يقرأ بإسكان اللام وتحقيق الهمزة بعدها. وبفتح اللام وتخفيف الهمزة الثانية. فالحجة لمن حقّق: أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب له ووفّاه حقه. والحجة لمن خفف: أنه نقل حركة الهمزة إلى اللام الساكنة فحرّكها بحركتها، وأسقطها كما قرأ (قد افلح المؤمنون): قد افلح بفتح الدال وتخفيف الهمزة. فإن قيل: لم بني (الآن) وفيه الألف واللام؟ فقل: قال الفراء «4»: أصله: أوان، فقلبوا الواو ألفا، فصار آان ثم دخلت اللام على مبنيّ فلم تغيّره عن بنائه «5». واستشهد على ذلك بقول الشاعر:- فإني حبست اليوم والأمس قبله ... ببابك حتى كادت الشمس تغرب «6» فأدخل الألف واللام على مبني، ولم يغيره عن بنائه. وقال سيبويه «7»: (الآن) إشارة إلى وقت أنت فيه، بمنزلة (هذا)، والألف واللام تدخل لعهد قد تقدّم، فلما دخلت هاهنا لغير عهد ترك مبنيّا. وقال المبرد: إنما بني الآن مع الألف واللام، لأن معرفته وقعت قبل نكرته، وليس يشركه غيره في التسمية، فتكون الألف واللام معرّفة له، وإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه.

_ (1) أي لا يؤكد بها الفعل. (2) يونس: 90 (3) يونس: 91. (4) الفراء: 60. (5) انظر: «معاني القرآن للفراء 1: 467، 468) لتقف على رأي الفراء، فإنه لا يخرج عما ذكره ابن خالويه. (6) قال في (الدّرر اللوامع): لم أعثر على قائله، واستشهد به على أن من العرب من يبني (أمس) مع الكسر (1: 175، 176). (7) سيبويه: تقدمت ترجمته انظر: 78.

من الزمان فلذلك بني، وخالف نظائره من الأسماء. قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ «1». يقرأ بالياء والنون، وعلّته قد أتى عليها فيما تقدم «2». قوله تعالى: نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ «3». يقرأ بالتخفيف والتشديد. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من: أنجينا ننجي. ودليله قوله تعالى: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ «4». والحجة لمن شدّد: أنه أخذه من: نجيّنا ننجّي. ودليله قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ «5». والتشديد أولى، لإجماعهم عليه في الأولى «6». قوله تعالى: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى «7». يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه ردّه على قوله (إلّا بإذن الله) ويجعل. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه ردّه على قوله: (فاليوم ننجّيك ببدنك)، ونجعل. قوله تعالى: أَنْ تَبَوَّءا «8» وزنه: تفعّلا، يوقف عليه بالهمزة، وألف بعدها، وبترك الهمز، وبياء مكان الهمزة وألف بعدها. فالحجة لمن همز: أنه أتى به على أصله، فوقف عليه، كما وصله. والحجة لمن أسقطها: أنه قنع بالإشارة منها، لوقوعها طرفا فجرى على أصله. والحجة لمن قلبها ياء: أنّه ليّنها فصارت ألفا، والألف لا تقبل الحركة، فقلبها ياء، لأن الياء أخت الألف في المدّ واللّين، إلّا أنها تفضلها بقبول الحركة «9».

_ (1) يونس: 28. (2) انظر: 137. (3) يونس: 103. (4) الأعراف: 165 (5) هود: 58 (6) أي في قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا يونس 103. (7) يونس: 100. (8) يونس: 87. (9) قلب الهمزة ياء، وألف بعدها في حالة الوقف: قراءة حفص، قال ابن سعيد الداني: «وروى عبيد الله بن أبي مسلم عن أبيه وهبيرة عن حفص: أنه وقف على قوله (أن تبوءا): (تبوّيا). بالياء بدلا من الهمزة. لكن ابن سعيد نفى هذه الرواية حيث ذكر أن ابن خواستي عن أبي طاهر عن الأشناني أنّ حفص وقف بالهمزة. قال ابن سعيد: وبذلك قرأت، وبه آخذ. انظر: (التيسير في القراءات السبع 123). وأنكر هذه القراءة المنسوبة إلى حفص الشاطبي حيث قال: * ... حكم تبوّءا .. بيا وقف حفص لم يصح فيحملا* انظر: (شرح ابن القاصح على الشاطبية: 230).

قوله تعالى: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ «1». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح. أنه أراد: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم، فلما حذف الباء وصل الفعل فعمل. والحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند قوله: إلى قومه، ثم ابتدأ مستأنفا، فكسر. قوله تعالى: بادِيَ الرَّأْيِ «2». يقرأ بياء مفتوحة، وبالهمز. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أخذه من. بدأ يبدأ إذا أخذ في فعل الشيء، فإن وقف عليه واقف استوى المهموز فيه وغيره، فكان بياء ساكنة، لأن الهمزة تسكن في الوقف، وقبلها كسرة، فتقلب ياء، والهمزة عند الوقف جائزة لا تمتنع، لأنها حرف صحيح، وإنما تسقط في الوقف إذا كان قبلها ساكن. قوله تعالى: فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ «3». يقرأ بضم العين والتشديد، وبفتحها والتخفيف. فالحجة لمن ضمّ وشدّد: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله. ودليله: أنها في حرف (عبد الله) «4» و (أبي) «5» (فعمّاها عليكم). والحجة لمن فتح وخفف: أنه جعل الفعل للرحمة «6». ومعناهما قريب. يريد: فخفيت. قوله تعالى: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ «7». يقرأ بالتنوين. والإضافة، هاهنا وفي سورة المؤمنين «8». فالحجّة لمن نوّن: أنه أراد من كل جنس، ومن كل نوع: زوجين، فجعل التنوين دليلا على المراد. والحجة لمن أضاف: أنه أراد: أن يجعل الزوجين محمولين، وجمع بين سائر الأصناف. وعنى بقوله: زوجين: ذكرا وأنثى، لأن كل اثنين لا ينتفع بأحدهما إلّا أن يكون صاحبه معه، فكل واحد منهما زوج للآخر. وأكّد بقوله: (اثنين) كما قال: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ «9» فأكّد من غير لبس.

_ (1) هود: 25. (2) هود: 27. (3) هود: 28. (4) عبد الله: انظر: 72. (5) أبيّ: انظر: 87. (6) في قوله تعالى: وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ .. الخ هود: 28. (7) هود: 40. (8) المؤمنون: 27. (9) النحل: 51.

قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها «1». يقرأ بضم الميم وفتحها، وبالإمالة والتفخيم. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: المصدر من قولك: أجرى يجري مجرى. والحجة لمن فتح: أنه أراد المصدر من قولك: جرت مجرى. فأما ضمّ الميم في (مرساها) فإجماع. وفيه من الإمالة ما في قوله (مجراها). والحجة في ذلك مذكورة فيما سلف. قوله تعالى: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا «2». يقرأ بكسر الياء وفتحها. وبإدغام الباء في الميم وإظهارها. فالحجة لمن كسر الياء: أنه أضاف إلى نفسه، فاجتمع في الاسم ثلاث ياءات، ياء التصغير، وياء الأصل «3»، وياء الإضافة، فحذفت ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة التي قبلها لأن النداء مختص بالحذف، لكثرة استعماله. والحجة لمن فتح: أنه أراد: (يا بنياه) فأسقط الألف والهاء، وبقّى الياء على فتحها، ليدل بذلك على ما أسقط. والحجة لمن أدغم «4»: مقاربة مخرج الحرفين، وبناء الباء على السكون للأمر، فحسن الإدغام لحسنه في قوله تعالى: وَدَّتْ طائِفَةٌ «5». والحجة لمن أظهر: أنه أتى بالكلام على الأصل، لأن الأصل: الإظهار، والإدغام فرع عليه. قوله تعالى: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ «6». يقرأ بالتنوين ورفع غير، وبالفتح ونصب غير. فالحجة لمن نوّن ورفع «غير»: أنه جعله اسما أخبر به عن إنّ ورفع «غير» اتباعا له على البدل. ومعناه: إن سؤالك إيّاي أن أنجي كافرا ليس من أهلك عمل غير صالح. والحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا ماضيا وفاعله مستتر فيه، وغير منصوب لأنه وصف قام مقام الموصوف. ومعناه: أنه عمل عملا غير صالح. قوله تعالى: فَلا تَسْئَلْنِي «7». يقرأ بإسكان اللام ونون وياء بعدها، وبفتح اللام ونون شديدة وياء بعدها. فالحجة لمن أسكن اللّام: أنه جعل السكون علامة للجزم بالنّهي، والنون والياء كناية عن اسم الله تعالى في محلّ نصب. والحجة لمن فتح اللّام وشدد النون أنه أراد: تأكيد النهي، فالتقى ساكنان: سكون اللام للجزم، وسكون النون المدغمة،

_ (1) هود: 41. (2) هود: 42. (3) لأن (ابن) أصله: بني أو بنو. (4) أي إدغام الباء في الميم، في قوله تعالى: ارْكَبْ مَعَنا. (5) آل عمران: 69. (6) هود: 46. (7) هود: 46.

فحركت اللام لالتقاء الساكنين وبقيت النون على فتحها، وقرأه بعض القرّاء بكسر النون. والحجة له أنه: خزل ياء الإضافة واجتزأ بالكسرة منها. قوله تعالى: وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ «1». يقرأ وما شاكله في قوله: مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ «2» ومِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ «3» بالتنوين وفتح (يوم). وبترك التنوين وخفض يوم. وببناء (يوم) مع ترك التنوين. فالحجة لمن نوّن ونصب: أنه أراد بالنصب خلاف المضاف، لأن التنوين دليل، والإضافة دليل، ولا يجتمع دليلان في اسم واحد. والحجة لمن ترك التنوين وأضاف: أنه أتى به على قياس ما يجب للأسماء، ولمن بناه مع ترك التنوين وجهان: أحدهما أنه جعل «يوم» مع «إذ» بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا، فبناه على الفتح كما بني خمسة عشر. والثاني: أنه لما كانت «إذ» اسما للوقت الماضي، واليوم من أسماء الأوقات أضفتهما إضافة الأوقات إلى الجمل، كقولك: جئتك يوم قام زيد، فيكون كقولك: جئتك إذ قام زيد. فلمّا كانت «إذ» بهذه المثابة بني اليوم معها على الفتح لأنه غير متمكن من الظروف، وجعل تنوين (إذ) عوضا من الفعل المحذوف بعدها، لأن معناه: يوم إذ قدم الحاج وما شاكل ذلك. قوله تعالى: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ «4». يقرأ وما شاكله من الأسماء الأعجمية مصروفا وغير مصروف. فلمن صرفه وجهان: أحدهما: أنه جعله اسم حيّ أو رئيس فصرفه، والآخر: أنه جعله «فعولا» من الثمد وهو: الماء القليل فصرفه. والحجة لمن لم يصرفه: أنه جعله اسما للقبيلة، فاجتمع فيه علتان فرعيتان منعتاه من الصرف: إحداهما: للتأنيث وهو فرع للتذكير، والأخرى: التعريف وهو فرع للتنكير. والقرّاء مختلفون في هذه الأسماء، وأكثرهم يتبع السّواد، فما كان فيه بألف أجراه «5» وما كان بغير ألف منعه الإجراء.

_ (1) هود: 66. (2) النمل: 89. (3) المعارج: 11. (4) هود: 68. (5) الإجراء: الصرف. قال في القاموس: المجاري: أواخر الكلم. قال الشارح: وذلك لأن حركات الإعراب والبناء إنما تكون هنالك سميت بذلك، لأن الصوت يبتدئ بالجريان في حروف الوصل منها.

فأما قوله: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ «1» فإنما ترك إجراؤه لاستقبال الألف واللام، فطرح تنوينه كما قرءوا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ «2». قوله تعالى: قالُوا: سَلاماً قالَ: سَلامٌ «3». يقرأ بإثبات الألف وفتح السين، وبكسرها وحذف الألف «4». فالحجة لمن أثبت وفتح: أنه جعله من التحيّة والسلام، ومعناه: تسلّما منكم تسأّما. أو يريد: تركناكم تركا، فكأنه قال: قالوا: تركا. فردّ عليهم: ترك. ومنه قولهم: لا تكن من فلان إلّا سلاما تسلم. معناه: إلّا مباينا له متاركا. فالأول: منصوب على المصدر. والثاني: مرفوع بالابتداء. والحجة لمن حذف الألف، وكسر السين: أنه جعله من الصلح. والمسالمة يريد قالوا: نحن سلم. قوله تعالى: وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ «5». يقرأ برفع الباء ونصبها. فالحجة لمن رفع: أنه أراد: الابتداء، وجعل الظرف خبرا مقدّما كما تقول: من ورائك زيد. والحجة لمن نصب: أنه ردّه بالواو على قوله: وبشّرناها. وجعل البشارة بمعنى الهبة فكأنه قال: ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب. وكان بعض النحاة يقول: هو في موضع خفض، إلا أنه لا ينصرف. وهذا بعيد، لأنه عطفه على عاملين (الباء) «6» و (من). قوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ «7». يقرأ بقطع الألف ووصلها. فالحجة لمن قطع: أنه أخذه من: «أسرى». ودليله قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى «8». والحجة لمن وصل: أنه أخذه من سرى، وهما لغتان أسرى وسرى. وبيت النابغة «9» شاهد لهما.

_ (1) الإسراء: 59. (2) الإخلاص: 1، 2. (3) هود: 61. (4) هاتان القراءتان في قوله تعالى قالَ سَلامٌ وأما قوله: قالُوا سَلاماً: فاتفق القراء العشرة على قراءته بفتح السين، وألف بعدها. (انظر: شرح الشاطبيّة لابن القاصح: 234). والتيسير لابن سعيد الدّاني: 125. (5) هود: 71. (6) في قوله تعالى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ «الآية نفسها». (7) هود: 81. (8) الإسراء: 1. (9) النابغة: هو زياد بن معاوية، ويكني: أبا أمامة، ويقال: يكني أبا ثمامة وأهل الحجاز يفضلون النابغة وزهيرا، ويقال: كان النابغة أحسنهم ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام، وأجزلهم بيتا، كان شعره كلاما ليس فيه تكلّف. أنظر: (الشعر والشعراء لابن قتيبة: 157).

سرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجى الشّمال عليه جامد البرد «1» ويروي أسرت عليه. وقيل معنى أسرى: سار من أول الليل، وسرى: سار من آخره. قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَكَ «2». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه استثناها من قوله: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ «3». والحجة لمن نصب: أنه استثناها من قوله: فأسر بأهلك «4». قوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا «5». يقرأ بفتح السين وضمّها. فالحجة لمن فتحها: أنه بنى الفعل لهم فرفعهم به. والحجة لمن ضمها: أنه بنى الفعل لما لم يسمّ فاعله و (سعد) يصلح أن يتعدّى إلى مفعول، وأن لا يتعدّى، كقولك: سعد زيد وسعده الله، وجبر زيد، وجبره الله، قال العجّاج «6» فأتى باللغتين: قد جبر الدّين الإله فجبر ... وعوّر الرحمن من ولّى العور «7» قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ «8». يقرأ بتشديد إنّ وتخفيفها. فالحجة لمن شدّد: أنه أتى بالحرف على أصل ما بني عليه فنصب به الاسم. والحجة لمن خفف: أنه جعلها مخفّفة من المثقلة، فأعملها عمل المثقلة، لأنها مشبهة بالفعل. فلما كان الفعل يحذف منه،

_ (1) قال البطليوسي: ويروي بيت النابغة على وجهين: سرت عليه من الجوزاء سارية ... الخ، وأسرت. انظر: (شروح سقط الزند، القسم الأول- الشطر الثاني 237) وانظر: أيضا: (اللسان: مادة: حيا). (2) هود: 81. (3) على أنها بدل من أحد. (4) أي استثناه من (أهلك). (5) هود: 108. (6) العجاج: انظر: 94 (7) انظر: (ديوان أبي رؤبة عبد الله العجاج مع شرحه ص 1 مخطوط رقم 517، أدب. دار الكتب المصرية). واستدل بهذا الرجز ابن أبي الأصبع المصري في باب «المراجعة». وقال قد روي عن الأصمعي أنها تزيد عن تسعين سطرا، ولو أطلقت قوافيها لكانت كلها مفتوحة. ويروي الدكتور حفني شرف أن البيت لابنه عبد الله بن رؤبة وليس لرؤبة. انظر: (بديع القرآن لابن أبي الأصبع المصري تحقيق الدكتور حفني شرف: 301 ويرى محقق «مجموع أشعار العرب» أن الرجز لرؤية يمدح عمر بن عبيد الله. وكان عبد الله وجهه إلى أبي فديك الحروري فقتله وأصحابه. (مجموع أشعار العرب 2: 15). (8) هود: 111.

ومن سورة يوسف

فيعمل عمله تاما كقولك: سل «1» زيدا أو قل «2» الحق كانت إنّ بهذه المثابة. ولو رفع ما بعدها في التخفيف لكان وجها. واحتج أنه لما كانت إنّ مشبهة بالفعل لفظا ومعنى، عملت عمله، والمشبه بالشيء أضعف من الشيء، فلما خفّفت عاد الاسم بعدها إلى الابتداء والخبر، لأنها عليه دخلت. قوله تعالى: لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ «3» يقرأ بتشديد الميم، وتخفيفها. فالحجّة لمن خفف: أنه جعل اللام داخلة على خبر (إنّ). و (ليوفّينّهم) لام تحتها قسم مقدّر. و «ما» صفة عن ذات الآدميين كقولك: إنّ عندي لما غيره خير منه. والحجة لمن شدّد: إنه أراد: (لمن ما) فقلب لفظ النون ميما، ثم أدغمها في الميم بعد أن أسقط إحدى الميمات تخفيفا واختصارا، لأنهنّ ثلاث في الأصل. قوله تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ «4». يقرأ بفتح الياء وكسر الجيم. وبضم الياء وفتح الجيم. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: يردّ الأمر. والحجة لمن فتح: أنه أراد: يصير الأمر. ومعناهما قريب. قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «5» يقرأ بالياء والتاء. وقدمنا من ذكره في نظائره ما يغني عن إعادته إن شاء الله. ومن سورة يوسف قوله تعالى: يا أَبَتِ «6». يقرأ بفتح التاء وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد (يا أبة) بالهاء «7» ثم رخّم الهاء فبقي (يا أب)، ثم أعاد إلى الاسم هاء السكت، وأدرج، فبقيت

_ (1) لأن أصله: اسأل. (2) لأن أصله: قال ... (3) هود: 111. (4) هود: 123. (5) هود: 123. (6) يوسف: 4. (7) أي بتاء التأنيث التي يوقف عليها بالهاء، والتي تلحق الأسماء. قال الفراء: (ولو قيل: يا أبت لجاز الوقف عليها بالهاء من جهة، ولم يجز من أخرى فأما جواز الوقوف على الهاء فأن تجعل الفتحة فيها من النداء ولا تنوي أن تصلها بألف الندبة، فكأنه كقول الشاعر: كليني لهم يا أميمة ناصب ... الخ

الهاء على فتحها، كقولك: يا طلح في الترخيم، ثم تأتي بالهاء فتقول: يا طلحة أقبل. قال النابغة: «1» كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب «2» فهذه الهاء ليست التي كانت في الاسم، ولكنها المردودة بعد الحذف. والدليل على ذلك فتحها. والحجة لمن كسرها: أنه أراد: الإضافة إلى النفس فاجتزأ بالكسرة من الياء «3» لكثرة الحذف في النداء. فأما الوقف على (يا أبت) فبالهاء، والتاء. والحجّة لمن وقف بالهاء أنه شبهها بالهاء التي في (عمة) و (خالة)، فإذا وقف على هذه أخلص لفظها هاء، وإنما الهاء هاهنا عوض عن ياء الإضافة، لأنهم كانوا يحذفونها كما يحذفون التنوين، فجاءوا بهذه الهاء في الأمّ توكيدا للتأنيث، وفي الأب إذ لم يكن له تأنيث من لفظه، لأنك تقول: أبوان لأم وأب، ولا تقول لهما: «أمان» فصار «أب» و «أبه» اسمين للأب معا، ولا يقع هذا في غير النداء. والحجة لمن وقف عليها بالتاء أن أصل كل هاء وقعت للتأنيث فرقا أن تردّ إلى التاء في الوقف والدّرج، لأن التاء الأصل. والدليل على ذلك قولك: قامت جاريتك، فالتاء الأصل، لأنه قد تدخل الهاء في أسماء المذكر وصفاته، فلذلك ردّت الهاء إلى التّاء. قوله تعالى: آياتٌ لِلسَّائِلِينَ «4». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحد: أنه جعل أمر يوسف عليه السلام كله عبرة وآية. ودليله قوله: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ «5»

_ وأما الوجه الذي لا يجوز الوقف على الهاء فأن تنوي يا أبتاه، ثم تحذف الهاء والألف، لأنها في النية متصلة بالألف كاتصالها في الخفض بالياء من المتكلم (معاني القرآن 2: 32). وقال في اللسان: «وقولهم يا أبة افعل، يجعلون علامة التأنيث عوضا من ياء الإضافة. كقولهم في الأم يا أمّة: وتقف عليها بالهاء إلّا في القرآن العزيز فإنك تقف عليها بالتاء اتّباعا للكتاب، وقد يقف بعض العرب على هاء التأنيث بالتاء، فيقولون: يا طلحت. انظر: (مادة: أبي). (1) انظر: 189. (2) انظر: (معاني القرآن للفراء: 2: 32 والمفصل 2: 107 والكتاب لسيبويه 1: 315، 336). (3) يذكر الأشموني: أن التاء عوض من ياء الإضافة لأن الأصل: يا أبي، ومن ثم لا يكادان يجتمعان .. ثم قال: ويجوز فتح التاء وهو الأقيس، وكسرها وهو الأكثر. وبالفتح قرأ ابن عامر. وبالكسر قرأ غيره من السبعة (شرح الأشموني 3: 157، 158). (4) يوسف: 7. (5) يوسف: 111.

يقل: (عبرا)، ويكون قد ناب بالواحد عن الجميع كقوله: أَوِ الطِّفْلِ «1». والحجة لمن جمع: أنه جعل كلّ فعل من أفعاله آية فجمع لذلك. وسهّله عليه كتبها في السواد بالتاء. ووزن آية عند الفراء «2»: فعلة: (أيّة). وعند الكسائي (فاعلة) «3» (آيية). وعند (سيبويه) «4» (فعلة) (أيية). قوله تعالى: مُبِينٍ اقْتُلُوا «5» يقرأ بضم التنوين وكسره. وقد ذكرت علّته في النساء «6». قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ «7». يقرأ بالتفخيم والإمالة. فالحجة لمن فخم: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أمال: أنه دلّ بالإمالة على أن ألفها ألف تأنيث، لأنها راجعة إلى التاء لفظا. وروي عن الكسائي: أنه أمال هذه، وفتح قوله لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ «8». فإن كان فعل ذلك ليفرّق بين النصب والخفض فقد وهم. وإن كان أراد الدلالة على جواز اللغتين فقد أصاب، لأن اللفظ بهما- للقصر الذي فيهما- واحد في جميع وجوه الإعراب. قوله تعالى: فِي غَيابَتِ الْجُبِّ «9». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه أراد: موضع وقوعه فيه، وما غيّبه منه، لأنه جسم واحد، شغل مكانا واحدا. والحجة لمن جمع: أنه أراد ظلم البئر ونواحيه، فجعل كل مكان في غيابة. قوله تعالى: يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ «10». يقرءان بالنون والياء، وبكسر العين وإسكانها. فالحجة لمن قرأهما بالنون: أنه أخبر بذلك عن جماعتهم. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه أخبر بذلك عن يوسف دون إخوته. والحجة لمن أسكن العين: أنه أخذه من رتع يرتع:

_ (1) النور: 31. (2) الفراء تقدمت ترجمته 84 (3) الكسائي: تقدمت ترجمته 61. (4) سيبويه: تقدمت ترجمته 78. (5) يوسف: 8، 9. (6) انظر: 124: النساء 42 (7) يوسف: 43. (8) يوسف: 5. (9) يوسف: 15. (10) يوسف: 12.

إذا اتسع في الأرض مرحا ولهوا. ونلعب: نلهو ونسرّ. والحجة لمن كسرها: أنه أخذه من الرّعى. وأصله: إثبات الياء فيه فحذفها دلالة على الجزم، لأنه جواب للطلب في قولهم. أرسله معنا، فبقيت العين على الكسر الذي كانت عليه. فإن قيل كيف يلعبون وهم أنبياء؟ فقل: لم يكونوا إذ ذاك أنبياء. قوله تعالى: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ «1». يقرأ الذئب بإثبات الهمزة وتركها. فالحجة لمن همز: أنه أتى به على أصله، لأنه مأخوذ من تذؤب الريح: وهو «هبوبها» من كل وجه، فشبه بذلك لأنه، إذا حذر من وجه أتى من آخر. والحجة لمن ترك الهمزة: أنها ساكنة، فأراد بذلك: التخفيف. قوله تعالى: يا بُشْرى «2». يقرأ بإثبات الألف وفتح الياء، وبطرحها وإسكان الياء. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد: الإضافة إلى نفسه كقوله: (يا حسرتي) و (يا ويلتي). والحجة لمن طرح: أنه جعله اسم غلام مأخوذ من البشارة، مبنيّ على وزن: (فعلى). فأما الإمالة فيه فلمكان الراء، وحقيقتها على الياء، فأشار بالكسر إلى الراء، ليقرب من لفظ الياء قوله تعالى: هَيْتَ لَكَ «3». يقرأ بفتح الهاء وكسرها، وبضم التاء وفتحها. فالحجة لمن فتح الهاء، وضم التاء: أنه شبهه ب «حيث». ومن كسر الهاء وفتح التاء، فإنما كسرها لمكان الياء. والحجة لمن فتح الهاء والتاء: أنه جعلها مثل الهاء في (هلمّ) وفتح التاء، لأنها جاءت بعد الياء الساكنة كما قالوا: (أين) و (ليت) و (كيف). قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ «4». يقرأ بفتح اللام وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: اسم المفعول به من قولك: أخلصهم الله فهم مخلصون. والحجة لمن كسر: أنه أراد اسم الفاعل من أخلص فهو مخلص. ومنه قوله تعالى في سورة مريم: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً «5».

_ (1) يوسف: 14. (2) يوسف: 19. (3) يوسف: 23. (4) يوسف: 24. (5) مريم: 51، وقراءة حفص في المصحف: مخلصا بفتح اللّام.

قوله تعالى: حاشَ لِلَّهِ «1». يقرأ بإثبات الألف في آخره وصلا ووقفا، وبحذفها في الوجهين معا. فالحجة لمن أثبتها: أنه أخذه من قولك: حاشى يحاشي. والحجة لمن حذف أنه اكتفى بالفتحة من الألف فحذفها، واتّبع فيها خط السواد. ومعناها هاهنا: معاذ الله. وهي عند النحويين بمعنى: أستثني. واستشهدوا بقول النابغة: «2» * وما أحاشي من الأقوام من أحد «3» * قوله تعالى: دَأَباً «4». يقرأ بإسكان الهمزة وفتحها. فالحجة لمن أسكن: أنه أراد المصدر. والحجة لمن فتح: أنه أراد الاسم. ويجوز أن يكون أصله الفتح، فأسكن تخفيفا. والعرب تستعمل ذلك فيما كان ثانيه حرفا من حروف الحلق مثل (النّهر) و (المعز). والدّأب معناه: المداومة على الشيء وملازمته، والعادة. قال الكميت: «5» هل تبلغنيكم المذكّرة ال ... وجناء والسّير مني الدّأب «6»

_ (1) يوسف: 31. (2) سبقت ترجمته 164. (3) قال البغدادي في الخزانة: هذا عجز وصدره: ... ولا أرى فاعلا فى الناس يشبهه .. وقال في المفصّل: استشهد بهذا البيت لمذهب المبرد. من أن حاشا كما تكون حرفا تكون فعلا بدليل تصرّفها في مثل هذا البيت. وقال ابن الأنباري في الإنصاف: ولا أحاشي: أراد: لا أستثني أحدا ممّن يفعل الخير، و (من) زائدة، (وأحد) بعدها مفعول به لأحاشي. والاستشهاد بهذا البيت في قوله: ولا أحاشي: فإن هذا فعل مضارع بمعنى استثني، وقد جاء في كلام العرب المحتج بكلامهم. انظر في ذلك: (الخزانة 2: 44، شرح المفصل لابن يعيش 2: 85، الإنصاف لابن الأنباري 1: 278. والدرر اللوامع 1: 198). (4) يوسف: 47. (5) الكميت: هو الكميت بن زيد بن خنيس بن مخالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع، شاعر متقدم، عالم بلغات العرب، خبير بأيامها من شعراء مضر وألسنتها. وكان معروفا بالتشيّع لبني هاشم، مشهورا بذلك، وقصائده (الهاشميات) من جيد شعره ومختاره، وكان في أيام بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية، ومات قبلها. انظر: الأغاني 15: 108 وما بعدها. (6) المذكرة: الناقة التي تشبه الفحل في الخلق والخلق. الوجناء: الشديدة، الدأب: الجد. والبيت من قصيدة طويلة من بحر (المنسرح) أولها:

والاختيار: السكون لإجماعها عليه في قوله: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ «1». قوله تعالى: وَفِيهِ يَعْصِرُونَ «2» يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه ردّه على قوله: (فيه يغاث الناس). ومن قرأه بالتاء فحجته: أنه خصّهم بذلك دون الناس. قوله تعالى: حَيْثُ يَشاءُ «3». يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعل الفعل ليوسف. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعل الإخبار بالفعل لله تعالى، لأن المشيئة له، لا ليوسف إلّا بعد مشيئته عزّ وجل. قوله تعالى: وَقالَ لِفِتْيانِهِ «4» يقرأ بالياء والتاء. وبالألف والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد: الجمع القليل: مثل (غلمة) و (صبية) والحجة لمن قرأه بالألف والنون: أنه أراد: الجمع الكثير مثل (غلمان) و (صبيان). فإن قيل: وزن (فتى) فعل، و (فعل) لا يجمع على: فعلة فقل: لما وافق (غلمانا) في الجمع الكثير «5» جمعوا بينهما في القليل ليوافقوا بينهما. قوله تعالى: نَكْتَلْ «6». يقرأ بالنون والباء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد: انفراد كل واحد منهم بكيله. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أخبر بذلك عن جماعتهم، وأدخل أخاهم في الكيل معهم. وأصله: (نفتعل) فاستثقلوا الكسرة على الياء «7» فحذفت، فانقلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها فالتقى ساكنان فحذفت لالتقاء الساكنين.

_ أنّى ومن أين آبك الطّرب ... من حيث لا صبوة ولا ريب وآبك: أتاك. انظر (القصائد الهاشميات للكميت بن زيد تصحيح محمّد شاكر الخيّاط النابلسي مطبعة الموسوعات بمصر- 41). (1) آل عمران: 11 (2) يوسف: 49. (3) يوسف: 56. (4) يوسف: 62. (5) حيث جمع على فتيان. (6) يوسف: 63. (7) وأصله على وزن: نفتعل: أي: نكتبل.

قوله تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ «1». يقرأ بتقديم الياء قبل الهمزة فيكون الياء فاء الفعل. وبتقديم الهمزة قبل الياء فيكون الياء عين الفعل. ومثله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ «2». فالحجة لمن جعل الياء فاء الفعل «3»: أنه أخذه من قولهم: يئس، ييأس «4» يأسا. والحجة لمن جعل الهمزة فاء الفعل: أنه أخذه من قولهم: أيس يأيس إياسا «5». وقد قرئ بتخفيف الهمزة. فالحجة لمن خففها، وجعل الياء فاء الفعل «6»: أنه يجعلها ياء مشددة، لأنه أدغم فاء الفعل، لسكونها في العين (وحركها «7») بحركتها. والحجة لمن خففها، والهمزة فاء الفعل: أنه يجعلها ألفا خفيفة للفتحة قبلها «8». قوله تعالى: خَيْرٌ حافِظاً «9». يقرأ بإثبات الألف بعد الحاء، وبحذفها. والأصل فيهما: والله خيركم حفظا، وحافظا، فنصب قوله: (حفظا) على التمييز ونصب قوله: «حافظا» على الحال، ويحتمل التمييز. وإنما كان أصله الإضافة، فلما حذفها خلفها بالتنوين. فإن قيل: فما الفرق بين قولهم: زيد أفره عبد بالخفض، وزيد أفره عبد بالخفض، وزيد أفره عبدا بالنصب؟ فقل إذا خفضوا فالفاره هو: العبد، وإنما مدحته في ذاته، وإذا نصبوا فالعبد غير زيد، ومعناه: زيد أفرهكم عبدا أو أفره عبدا من غيره. فهذا فرقان بيّن.

_ (1) يوسف: 80. (2) يوسف: 110. (3) في الأصل: عين الفعل، وهو لا يتفق مع الأسلوب. (4) وفيه لغة أخرى: يئس ييئس بالكسر فيهما. قال الجوهري: وهو شاذ. وقال سيبويه: وهذا عند أصحابنا إنما يجيء على لغتين: يعني: يئس ييأس، ويأس ييئس لغتان لم يركب منهما لغة. انظر: الصحاح للجوهري: مادة يئس). (5) قال في المعجم الوسيط: أيس منه أيسا، وإياسا مادة: أس. (6) في الأصل: عين الفعل. (7) زيادة مني لإصلاح الأسلوب. (8) هي قراءة ابن كثير، لأنه قرأ (استأيسوا) ولا (تايسوا) (إنه لا يايس) (أفلم يايس) بألف من غير همز على القلب فقدمت الهمزة، وأخرت الياء، ثم قلبت الهمزة ألفا، لأنها ساكنة قبلها فتحة. قال القرطبي: والأصل: قراءة الجماعة، لأن المصدر ما جاء إلا على تقديم الياء- يأسا- والإياس ليس بمصدر أيس، بل هو مصدر: أسته أوسا، وإياسا أي أعطيته (القرطبي 9: 241). (9) يوسف: 64.

قوله تعالى: إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ «1». يقرأ بالياء والنون، وفتح الحاء مع الياء ذكرها مع النون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله. والحجة لمن قرأه بالنون أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه بالنّون. قوله تعالى: أَإِنَّكَ «2». يقرأ بهمزتين محققتين وبهمزة ومدة وياء بعدها، وبالإخبار من غير استفهام. فالحجة لمن حقّق: أنّ الأولى للاستفهام، والثانية همزة إنّ، فأتى بهما على أصلهما. والحجة لمن همزه ومدّ وأتى بالياء: أنه فرّق بين الهمزتين بمدّة، ثم ليّن الثانية فصارت ياء لانكسارها. والحجة لمن أخبر ولم يستفهم: أجابته لهم بقوله: (أنا يوسف). ولو كانوا مستفهمين لأجابهم بنعم، أولا، ولكنهم أنكروه فأجابهم محقّقا. قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ «3». القراءة بكسر القاف وحذف الياء علامة للجزم بالشّرط إلا ما رواه (قنبل) «4» عن (ابن كثير) «5» بإثبات الياء. وله في إثباتها وجهان: أحدهما: أن من العرب من يجرى الفعل المعتل مجرى الصحيح فيقول: لم يأتي زيد، وأنشد: ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بني زياد «6» والاختيار في مثل هذا حذف الياء للجازم، لأن دخول الجازم على الأفعال يحذف الحركات الدّالة على الرفع إذا وجدها. فإن عدمها لعلة حذفت الحروف التي تولّدت منها

_ (1) يوسف: 109. (2) يوسف: 90. (3) يوسف: 90. (4) قنبل: محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد بن سعيد أبو عمر المخزومي مولاهم، المكّي: الملقّب بقنبل، شيخ القرّاء بالحجاز. وقد انتهت إليه رئاسة الإقراء بالحجاز، ورحل الناس إليه من الأقطار، ومات سنة إحدى وتسعين ومائتين عن ست وتسعين سنة. انظر: (غاية النهاية 2: 166). (5) ابن كثير: سبقت ترجمته ص 37. (6) البيت لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، وكان سيد قومه نشأت بينه وبين الربيع بن زياد العبسي شحناء في شأن درع ساومه فيها، فأخذها منه فلم يردّها عليه، فاعترض قيس بن زهير أم الربيع فاطمة بنت الخرشب في ظعائن من بني عبس، يريد أن يرتهن ناقتها بدرعه، ثم خلّى سبيلها، فقال قصيدته التي من أبياتها هذا البيت: انظر: (الخزانة 3: 534، ومعاني القرآن للفراء 1: 161، 2: 188، 223، والمحتسب لابن جني 1: 67، 196، والكتاب لسيبويه 2: 59).

ومن سورة الرعد

الحركات، لأنها قامت مقامها، ودلّت على ما كانت الحركات تدلّ عليه. وإنما يجوز إثباتها مع الجازم في ضرورة الشاعر. والوجه الثاني: أنه أسقط الياء لدخول الجازم، ثم بقّى القاف على كسرتها، وأشبعها لفظا فحدثت الياء للإشباع كما قال الشاعر: أقول إذ خرّت على الكلكال ... يا ناقتي ما جلت من مجال «1» قوله تعالى: أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا «2». يقرأ بتشديد الذّال وتخفيفها. فالحجة لمن شدّد: أنه جعل الظن «3» للأنبياء بمعنى العلم. يريد: ولما علموا أنّ قومهم قد كذبوهم جاء الرسل نصرنا. والحجة لمن خفف: أنه جعل الظن للكفرة بمعنى الشك. وتقديره: وظن الكفرة أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النّصر. قوله تعالى: فَنُجِّيَ «4». يقرأ بجيم مشددة وفتح الياء، وبنونين وسكون الياء. فالحجة لمن قرأه بنون واحدة: أنه جعله فعلا ماضيا بني لما لم يسمّ فاعله، وسهل ذلك عليه كتابته في السواد بنون واحدة، لأنها خفيت للغنّة لفظا، فحذفت خطّا. والحجة لمن قرأه بنونين: أنه دلّ بالأولى على الاستقبال، وبالثانية على الأصل وأسكن الياء علما للرفع. ومن سورة الرّعد قوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ «5». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت علته في الأعراف «6». قوله تعالى: وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ «7». «8» يقرأ ذلك كله بالرفع،

_ (1) رواه ابن الأنباري في الإنصاف (يا ناقتا) مكان يا ناقتي بقلب الكسرة التي قبل الياء فتحة، ثم قلب الياء ألفا (الإنصاف 1: 25). (2) يوسف: 110. (3) في قوله تعالى: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا. الآية نفسها. (4) يوسف: 110، وفي الأصل: يقرأ بنون مشددة، والصواب ما ذكرته. (5) الرعد: 3. (6) انظر: 156. (7) الرعد: 4. (8) صنوان، وصنوان بكسر الصاد وضمها لغتان، وهما جمع صنو. وهي النخلات والنخلتان يجمعهن أصل واحد،

والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه ردّه على قوله: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ، والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله (من أعناب وزرع). فإن قيل: لم ظهرت الواو في صنوان وحقها الإدغام؟ «1» فقل عن ذلك جوابان: أحدهما: أنها لو أدغمت لأشبه فعلان: فعّالا. والآخر: أنّ سكون النون هاهنا وفي قوله: (بنيان) و (قنوان) عارض، لأنها قد تتحرك في الجمع والتصغير. فلمّا كان السكون فيها غير لازم كان الإدغام كذلك. قوله تعالى: يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ «2». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد: يسقى المذكور. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه ردّه على لفظ (جنّات). ولفظها مؤنث. قوله تعالى: وَنُفَضِّلُ «3» يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله إخبارا عن الله تعالى من الرسول. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه. وقوله تعالى: أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا «4». يقرءان بالاستفهام فيهما، وباستفهام الأول والإخبار في الثاني. وقد تقدم ذكر علله والاحتجاج لمن قرأ به «5». قوله تعالى: الْمُتَعالِ «6». يقرأ بإثبات الياء وصلا ووقفا، وبإثباتها وصلا، وحذفها وقفا، وبحذفها وصلا ووقفا. فالحجة لمن أثبتها وصلا ووقفا: أنه أتى بالكلمة على ما أوجبه القياس لها، لأن الياء إنما كانت تسقط لمقارنة التنوين في النكرة، فلمّا دخلت الألف واللام زال التنوين فعاد لزواله ما سقط لمقارنته. والحجة لمن أثبتها وصلا وحذفها وقفا: أنه اتبع خط السّواد في الوقف، وأخذ بالأصل في الوصل، فأتى بالوجهين معا. والحجة لمن

_ وتتشعب منه رءوس فتصير نخلا. نظيرها: قنوان: واحدها: قنو. ولا فرق في «صنوان» بين التثنية والجمع. ومن جهة الإعراب تعرب نون الجمع، وتكسر نون التثنية. انظر: تفسير القرطبي 9: 282 طبع دار الكتب سنة 1939 م. (1) لأن الواو من حروف الإدغام الستة المجموعة في كلمة: (يرملون) فإذا وقع حرف منها بعد النون الساكنة في كلمتين وجب الإدغام، أما إذا وقعت الواو بعد النون الساكنة في كلمة واحدة وجب إظهار النون، وليس للواو مع النون الساكنة في كلمة إلّا مثالين في القرآن: هما قنوان، وصنوان. انظر: كتب التجويد والقراءات. (2) الرعد: 4. (3) الرعد: 4. (4) الرعد: 5. (5) انظر: 161 عند قوله تعالى: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً. (6) الرعد: 9.

حذفها فيهما: أن النكرة قبل المعرفة، فلما سقطت فيها الياء ثم دخلت الألف واللام دخلتا على شيء محذوف، فلم يكن لهما سبيل إلى ردّه. وله أن يقول: إن العرب تجتزى بالكسرة من الياء، فلذلك سقطت الياء في السّواد. ووزن (متعال): متفاعل من العلوّ. لام الفعل منن واو، انقلبت ياء لوقوعها طرفا، وكسر «1» ما قبلها. والدليل على أن اللغة لا تقاس، وإنما تؤخذ سماعا قولهم: الله متعال من تعالى، ولا يقال متبارك من (تبارك). فأما قولهم: تعالى يا رجل فكان أصله: (ارتفع) ثم كثر استعماله حتى قيل لمن كان في أعلى الدار: تعال إلى أسفل. فإن قيل كيف تنهي من قولك: (تعال) لأن نقيض الأمر النهي؟ فقل: إن العرب إذا غيّرت كلمة عن جهتها، أو جمعت بين حرفين، أو أقامت لفظا مقام لفظ ألزمته طريقة واحدة كالأمثال التي لا تنقل عن لفظ من قيلت فيه أبدا كقولهم في الأمر: هلمّ وهات يا رجل، وصه ومه فأمرت بذلك، ولم تنه منه، لأنها حروف أفعال، وضعت معانيها للأمر فقط، فأجريت (مجرى) الأمثال اللازمة طريقة واحدة بلفظها. قوله تعالى: أَمْ هَلْ تَسْتَوِي «2». يقرأ بالتّاء والياء. وقد مضى الجواب في علته آنفا «3» ومثله وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ «4» بالتاء والياء. قوله تعالى: وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ «5». يقرأ بفتح الصاد وضمّها. فالحجة لمن قرأها بالفتح: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لفاعله. والحجة لمن قرأها بالضم: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله. قوله تعالى: وَيُثْبِتُ «6». يقرأ بالتخفيف والتشديد. فالحجة لمن خفّف: أنه أخذه

_ (1) في الأصل: وسكون ما قبلها. (2) الرّعد: 16. (3) انظر: 82 عند قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. (4) الرعد: 17. (5) الرعد: 33. (6) الرعد: 39.

ومن سورة إبراهيم

من أثبت يثبت. والحجة لمن شدّد: أنه أخذه من ثبّت يثبّت. ومعناه: يبقيه ثابتا فلا يمحوه ومنه. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا «1». والنحويون يختارون التخفيف لموافقته للتفسير، لأن الله تعالى إذا عرضت أعمال عبده عليه أثبت ما شاء، ومحا ما شاء. فإن قيل: كيف يمحو ما قد أخبر نبيّه عليه السلام بأنه قد فرغ منه؟ فقل: إنما فرغ منه علما، وعلمه لا يوجب ثوابا ولا عقابا إلّا بالعمل، فإذا كتب الملك ثم تاب العبد، فمحاه الله تعالى قبل ظهور العمل كان ذلك له، لأن علمه به قبل الظهور كعلمه به بعده. قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ «2». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجّة لمن وحّد أنه أراد به: أبا جهل فقط. والحجة لمن جمع: أنه أراد كل الكفار. ودليله أنه في حرف (أبيّ) «3» «وسيعلم الذين كفروا» وفي حرف (عبد الله) «4» «وسيعلم الذين كفروا». وإنما وقع الخلف في هذا الحرف، لأنه في خطّ الإمام بغير ألف، وإنما هو الكفر. ومن سورة إبراهيم قوله تعالى: إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ «5». يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه جعل الكلام تاما عند قوله: «الحميد»، ثم ابتدأ قوله: (الله الذي) فرفعه بالابتداء، وإنما حسن ذلك، لأن الذي قبله رأس آية. والحجة لمن خفض: أنه جعله بدلا من قوله: (الحميد) أو نعتا له. والبصريون يفرقون بين البدل والنعت فما كان حلية للإنسان جاءت بعد اسمه، ليفرق بذلك بينه وبين غيره ممّن له هذا الاسم فهو: النعت، كقولك: مررت بزيد الظريف.

_ (1) إبراهيم: 27. (2) الرعد: 42. (3) سبقت ترجمته: 87. (4) عبد الله: 72. (5) إبراهيم: 1، 2.

وما بدأت فيه بالحلية، ثم أتيت بعدها بالاسم فهو: البدل كقولك: مررت بالظريف زيد. فاعرف الفرق في ذلك. قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ «1». يقرأ بإثبات الألف وطرحها. فالحجة لمن أثبتها: أنه جعله اسما للفاعل ورفعه بخبر إنّ وأضافه إلى (السموات) فكان بالإضافة في معنى: ما قد مضى وثبت. والحجة لمن طرحها: أنه جعله فعلا ماضيا وعدّاه إلى (السموات) فنصبها، وإن كان النصب فيها كالخفض، لأن الكسرة في جمع المؤنث السالم كالياء في جمع المذكّر السالم. قوله تعالى: وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ «2». تقرأ بفتح الياء وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه يقول: الأصل بمصرخيني، فذهبت النون للإضافة، وأدغمت الياء في الياء، فالتقى ساكنان، ففتح الياء لالتقائهما «3» كما تقول: عليّ، ومسلميّ، وعشريّ. والحجة لمن كسر: أنه جعل الكسرة بناء لا إعرابا. واحتج بأن العرب تكسر لالتقاء الساكنين كما تفتح، وإن كان الفتح عليهم أخف. وأنشد شاهدا لذلك: قال لها هل لك يا تافيّ ... قالت له ما أنت بالمرضيّ «4» قوله تعالى: لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ «5». يقرأ بفتح اللام الأولى ورفع الفعل، وبكسرها ونصب الفعل. فالحجة لمن فتح، أنه جعلها لام التأكيد، فلم تؤثر في الفعل ولم تزله عن أصل إعرابه. وهذه القراءة توجب زوال الجبال لشدّة مكرهم وعظمه. وقد جاء به التفسير. والحجة لمن كسر: أنه جعلها لام كي، وهي في الحقيقة لام الجحد (وإن)

_ (1) إبراهيم: 19. (2) إبراهيم: 22. (3) يقول العكبرى: الجمهور على فتح الياء وهو جمع: مصرخ. فالياء الأولى ياء الجمع والثانية ضمير المتكلم وفتحت لئلا تجتمع الكسرة والياءان بعد كسرتين. (4) من أرجوزة للأغلب العجلي، وهو شاعر إسلامي، وقوله: قال لها: الضمير عائد على امرأة تقدم ذكرها، «ويا» حرف نداء، و «تا» بالمثناة الفوقية: منادى، وهو اسم إشارة يشار به إلى المؤنث، ولك: بكسر الكاف. يقول: قال لها ذلك الرجل الماضي بباب هذه المرأة: هل لك رغبة فيّ؟ قالت له: لست بالمرضيّ، فيكون لي رغبة فيك. (خزانة الأدب 2: 257، 258) وانظر: (معاني القرآن للفراء 2: 76). (5) إبراهيم: 46.

ومن سورة الحجر

هاهنا بمعنى «ما». ومثله قوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «1». ومعنى ذلك: أن مكرهم لأضعف من أن تزول منه الجبال. قوله تعالى: وَتَقَبَّلْ دُعاءِ «2» ويقرأ بإثبات الياء وصلا ووقفا، وبطرحها وقفا وإثباتها وصلا، وبطرحها من الوجهين معا. وقد ذكرت علة ذلك فيما سلف «3». ومن سورة الحجر قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ «4». يقرأ بتخفيف الباء وتشديدها. فالحجّة لمن خفّف: أنّ الأصل عنده في التشديد باءان، أدغمت إحداهما في الأخرى، فأسقط واحدة تخفيفا. والحجة لمن شدّد: أنه أتى بلفظها على الأصل، وهو الاختيار قال الشاعر: يا ربّ سار بات لن يوسّدا ... تحت ذراع العنس أو كفّ اليدا «5» اختلف النحويون في نصب «اليد» هاهنا فقال قوم: موضعها خفض، ولكن الشاعر أتى بها على الأصل. وأصلها يدي، ثم قلب من الياء ألفا فقال «اليدا» كما قالوا: «الرّحا» و «العصا». والعرب تقلب الألف عند الضرورة ياء. ذكر ذلك (سيبويه) «6» وأنشد:

_ (1) البقرة: 143. (2) إبراهيم: 40. (3) انظر: 169 عند قوله تعالى: ثُمَّ كِيدُونِ: (4) الحجر: 2. (5) وفي رواية الدّرر اللوامع: يا ربّ سار بات ما توسّدا ... إلّا ذراع العنس أو كفّ اليدا والعنس، بفتح العين، وسكون النون: الناقة الصّلبة. قال الشنقيطي: وفي الأصل العيس بالياء بدل النون جمع عيساء، وأعيس، وهي: الإبل التي يخالط بياضها شيء من الشقرة. وهذه الرواية لم نعثر عليها من وجه يوثق به، وأما رواية النون فهي صحيحة. ثم قال: ولم أعثر على قائل هذا البيت. انظر: (الدرر اللوامع 1: 12). وانظر: (حاشية الصبان 1: 37، وشرح المفصّل 4: 152، 153). (6) انظر: 78.

* قواطنا مكّة من ورق الحمى «1» * أراد الحمام فأسقط الميم الأخيرة، ثم قلب الألف ياء، فلمّا قلبوا هاهنا من الألف ياء قلبوا هناك الياء ألفا. وقال (الأصمعي) «2»: معنى كفّ هاهنا: قبض. وهو فعل ماض (واليد) منصوبة بتعدّي الفعل إليها. فإن قيل: (ربّ) موضوعة للتقليل، كما وضعت (كم) للتكثير، فما وجه الإتيان بها هاهنا؟ «3» فقل: إنّ العرب استعملت إحداهما في موضع الأخرى. ومنه قولهم: إذا أنكروا النّونات لم يحذفها، وإنما الحذف في المدغمات كقوله تعالى: تَأْمُرُونِّي «1» وأَ تُحاجُّونِّي «2». والحجة لمن فتح النون وخففها: أنه أراد: نون الإعراب الدّالّة على الرفع ولم نضفها إلى نفسه. قوله تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ «3». يقرأ بفتح النون وكسرها. فالحجّة لمن فتح النون: أن بنية الماضي عنده بكسرها كقولك: علم يعلم. والحجة لمن كسر النون: أن بنية الماضي عنده بفتحها كقولك: ضرب يضرب. وهذا قياس مطّرد في الأفعال. والاختيار فيه هاهنا كسر النون لإجماعهم على الفتح في ماضيه عند قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا «4». قوله تعالى: إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ «5». يقرأ بالتشديد والتخفيف، وقد تقدّم القول في علته آنفا «6». وأصله: لمنجووهم بكسر الجيم وواوين بعدها. الأولى: لام الفعل، والثانية: واو الجمع، فانقلبت الأولى ياء لانكسار ما قبلها، كما انقلبت في (نجا) ألفا لانفتاح ما قبلها، فصار لمنجيوهم، فاستثقلت الضمّة على الياء، فحذفت عنها، فبقيت ساكنة، والواو ساكنة، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وضمّت الجيم لمجاورة الواو. قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا «7». يقرأ بالتشديد والتخفيف على ما تقدّم القول في أمثاله. فأما «قدر» بالتخفيف فيكون من التقدير والتقتير كقوله في «التقدير»: فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ «8» وكقوله في التقتير: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ «9».

_ (1) الزمر: 64. (2) الأنعام: 80. (3) الحجر: 56. (4) الشّورى: 28. (5) الحجر: 59. (6) انظر: 185 عند قوله تعالى: نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ. (7) الحجر: 60. (8) المرسلات: 23. (9) الطلاق: 7.

ومن سورة النحل

قوله تعالى: أَصْحابُ الْأَيْكَةِ «1». يقرأ بإسكان اللام وتحقيق الهمزة، وبفتح اللام وتشديدها، وطرح الهمزة هاهنا وفي الشُّعَراءُ «2» ولَبِالْمِرْصادِ «3» وبِالْأَحْقافِ «4». فالحجة لمن أثبت الهمزة: أن الأصل عنده في النكرة (أيكة)، ثم أدخل عليها الألف واللام للتعريف فبقى الهمزة على أصل ما كانت عليه. والحجة لمن ترك الهمز: أن أصلها عنده: (ليكة) على وزن فعلة، ثم أدخل الألف واللام فالتقى لامان الأولى ساكنة فأدغم الساكنة في المتحركة فصارت لاما مشددة. وقد قرأها بعضهم على أصلها: (ليكة المرسلين)، وترك صرفها للتعريف والتأنيث، أو لأنها معدولة عن وجه التعريف الجاري بالألف واللام. وقد فرّق بعض القراء بين الهمز وتركه، فقال: الأيكة اسم البلد. وليكة: اسم القرية. وقيل: هي الغيضة. ومن سورة النحل قوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ «5». يقرأ بالإمالة والتفخيم. فالحجة لمن أمال: أنه دلّ على الياء. والحجة لمن فخّم: أنه أجرى الكلام على أصله، و «أتى» هاهنا ماض في معنى مستقبل. ودليله قوله: (فلا تستعجلوه) يريد به «الساعة». قوله تعالى: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ «6». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله مما أمر الله نبيّه عليه السلام أن يخبر به. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد: معنى الخطاب، وأتى به تنزيها لله تعالى من عنده، فأنزله الله تصديقا لقوله. والتسبيح: ينقسم في اللغة أربعة أقسام: تنزيها، صلاة، واستثناء، ونورا. فالتنزيه، كقوله: (سبحانه وتعالى). والصلاة: كقوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ «7».

_ (1) الحجر: 78. (2) الشعراء: 176. (3) ص: 13. (4) ق: 14. (5) النحل: 1. (6) النحل: 1. (7) الصافات: 143

والاستثناء: كقوله: لَوْلا تُسَبِّحُونَ «1». والنّور: كقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «فلولا سبحات وجهه «2» أي: نور وجهه». قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ «3». يقرأ بالياء والتاء، وضمّهما، وبالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن قرأه بالتاء والتشديد: أنه جعل الفعل لما لم يسمّ فاعله، ورفعهم بذلك. والحجة لمن قرأه بالياء مشدّدا أو مخففا: أنه جعل الفعل لله عز وجل، فأضمره فيه لتقدّم اسمه، ونصب (الملائكة) بتعدّي الفعل إليهم. وأخذ المشدّد من نزّل، والمخفّف من أنزل. قوله تعالى: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ «4». يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أخبر به عن الله عز وجل لتقدّم اسمه في أول الكلام. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله عز وجل عن نفسه بنون الملكوت. وقد تقدّم لذلك من الاحتجاج ما فيه بلاغ. قوله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ «5». يقرأ كله بالنصب، وبالرفع، وبالنصب إلّا قوله وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ فإنه رفع. فالحجة لمن نصبه: أنه عطفه بالواو على أول الكلام فأتى به على وجه واحد. والحجة لمن رفعه: أنه جعل الواو حالا لا عاطفة كقولك: كلمت زيدا وعمرو قائم فترفع عمرا بالابتداء، وقائم خبره. وكذلك قوله: (والشمس والقمر والنجوم) مبتدآت و (مسخرات) خبر عنهنّ. والحجة لمن رفع قوله: (والنجوم مسخّرات): أنه لما عطف: (والشمس والقمر) على قوله: (وسخّر لكم) لم يستحسن أن يقول: وسخر النجوم مسخرات، فرفعها قاطعا لها مما قبلها. فإن قيل: فما حجة من نصبها؟ فقل: بفعل مقدّر معناه: وجعل النجوم مسخرات. فإن قيل: فما معنى قوله: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ «6» فوحّدها هنا، وقد جمع في أول الكلام؟ فقل: إنّ الله عز وجل جعل النجوم ثلاثة أصناف: منها رجوم الشياطين، ومنها ما تهتدى به كالجدي والفرقدين، ومنها مصابيح وزينة. فأمّا النجم الثّاقب فقيل: «الثريّا»

_ (1) القلم: 28. (2) انظر: (النهاية في غريب الحديث والأثر). لابن الأثير 2: 332 (3) النحل: 2. (4) النحل: 11. (5) النحل: 12. (6) النحل: 16.

وقيل: المتوقّد نورا لقولهم: أثقب نارك. والنجم: القرآن لقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «1». قيل: هو نزول جبريل به. والنّجم من النبات: ما لا يقوم على ساق. قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ «2». يقرأن بالتاء والياء وقد تقدّم من القول في مثاله ما يغني عن إعادته «3». قوله تعالى: تُشَاقُّونَ فِيهِمْ «4». يقرأ بفتح النون، وكسرها. والقول فيه كالقول في قوله: فبم تبشّرون) «5». قوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ «6» يقرأ بالياء والتاء. وقد أتينا على علّته في قوله: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ «7». قوله تعالى: تَتَوَفَّاهُمُ «8». يقرأ بالإمالة والتفخيم. فالحجة لمن أمال: أنه دلّ على أصل الياء. والحجة لمن فخم: أنه لما زالت (الياء) «9» عن لفظها، لانفتاح ما قبلها زالت الإمالة بزوال اللفظ. قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ «10». يقرأ بالتاء والياء على ما قدمنا من القول في أمثاله «11». قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ «12». يقرأ بضم الياء وفتح الدال، وبفتح الياء وكسر الدال. فالحجة لمن قرأ بضم الياء: أنه أراد: لا يهدى من يضلّه الله فاسم (الله) منصوب ب (إنّ) و (يهدى) الخبر، وهو: فعل ما لم يسم فاعله و (من) في محل رفع و (يضل) صلة (من) وقد حذفت الهاء منه، لأن الهاء عائدة على «من»: ولا بدل (من)

_ (1) النجم: 1. (2) النحل: 19، 20. (3) انظر مثلا 82. (4) النحل: 27. (5) انظر: 206 عند قوله تعالى: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ: الحجر: 54. (6) النحل: 28. (7) انظر: 108. (8) النحل: 28. (9) في الأصل: التاء، والصواب ما أثبتّه. (10) النحل: 33. (11) انظر: 82 وغيرها. (12) النحل: 37.

و (ما) و (الذي) و (التي) و (أيّ) من صلة وعائد ومعرب، لأنّهن أسماء نواقص. والحجة لمن فتح الياء: أنه أراد: فإن الله لا يهدي من يضلّه أحد إلّا هو «1» (فيهدي): فعل لله عز وجل و (من) في موضع نصب، بتعدّي الفعل إليه. قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ «2». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه أراد: فإنه يكون. والحجة لمن نصب: أنه عطفه على قوله: (أن نقول له)، ومثلها التي في آخر (يس) «3». قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ «4»، أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ «5»، أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ «6». يقرأن بالتاء والياء. فالحجة لمن قرأهن بالتاء: أنه أراد: معنى مخاطبتهم وتقريرهم بآيات الله، وبدائع خلقه. والحجة لمن قرأهن بالياء: أنه جعل الألف للتوبيخ، فكأنه قال موبّخا لهم: ويحهم! كيف يكفرون بالله وينكرون البعث ويعرضون عن آياته وهم يرون الطير مسخرات، وما خلق الله من شجر ونباتا، وما بدأه من الخلق؟ أفليس من خلق شيئا من غير شيء، فأنشأه، وكوّنه، ثم أماته، فأفناه قادرا على إعادته بأن يقول له: عد إلى حالتك الأولى؟. قوله تعالى: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ «7». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأ بالتاء: أنه جمع (ظل)، وكلّ جمع خالف الآدميين، فهو مؤنث، وإن كان واحده مذكّرا. ودليله، قوله عز وجل في الأصنام: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ «8» فأنّث لمكان الجمع. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه وإن كان جمعا فلفظه لفظ الواحد، كقولك جدار، وعذار، ولذلك ناسب جمع التكسير الواحد، لأنه معرب بالحركات مثله.

_ (1) أي: لا يرشد من أضله، وهذه قراءة ابن مسعود، وأهل الكوفة. انظر: (تفسير القرطبي 10: 104). (2) النحل: 40. (3) يس: 83. (4) النحل: 48. (5) الملك: 19. (6) العنكبوت: 19. (7) النحل: 48. (8) إبراهيم: 36.

فإن قيل: (أجاز) «1» مثل ذلك في قوله أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ «2»؟ فقل: هذا لا يلزم، وإن كانا جمعين، لأن علامة التأنيث في قوله: (الظلمات) موجودة وفي قوله: (ظلال) معدومة. قوله تعالى: إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ «3». يقرأ بالياء وفتح الحاء وبالنون وكسر الحاء. وقد ذكر ذلك مع أمثاله «4». قوله تعالى: وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ «5». يقرأ بفتح الراء وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعلهم مفعولا بهم لما لم يسمّ فاعله. ومعناه: منسيون من الرحمة، وقيل: مقدمون إلى النار. والحجة لمن كسر: أنه جعل الفعل لهم. وأراد: أنهم فرّطوا في الكفر والعدوان، فهم مفرطون. والعرب تقول: أفرط فلان في الأمر: إذا قصّر وإذا جاوز الحد. قوله تعالى: نُسْقِيكُمْ «6». يقرأ بضم النون وفتحها هاهنا وفي المؤمنين «7». وهما لغتان بمعنى سقى وأسقى. وأنشد: سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال «8» وقال قوم: سقيته ماء بغير ألف. ودليله قوله: وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً «9» وأسقيته بالألف: سألت الله أن يسقيه. وقال آخرون: ما كان مرّة واحدة فهو بغير ألف وما كان دائما فهو بالألف. قوله تعالى: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ «10». يقرأ بتحريك العين وإسكانها. فالحجة لمن حرّك العين

_ (1) في الأصل: فأجز، والصواب ما ذكرته. (2) الرّعد: 16. (3) النحل: 43. (4) انظر: 96 عند قوله تعالى يُبَيِّنُها. (5) النحل: 62. (6) النحل: 66. (7) المؤمنون: 21. (8) نسبه في «اللسان» للبيد: انظر: مادة: سقى. (9) الإنسان: 21. (10) النحل: 80.

فلأنها من حروف الحلق. والحجة لمن أسكن: أنه أراد المصدر. ومثله: طعنته بالرمح طعنا. قوله تعالى: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا «1». يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على قوله: (ما عندكم ينفد، وما عند الله باق، ولنجزين). والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أراد: أن يأتي بأول الكلام محمولا على آخره، فوافق بين قوله تعالى: وَلَنَجْزِيَنَّ وقوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ «2» وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ «3». قوله تعالى: يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ «4». يقرأ بضم الياء وفتحها. وقد ذكرت علته فيما سلف «5». قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا «6». يقرأ بفتح التاء، وبضم الفاء وكسر التاء. فالحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لهم. والحجة لمن ضم الفاء أنه دل بذلك على بناء ما لم يسم فاعله. ومعناه: أن (عمار بن ياسر) «7» وجماعة من أهل مكة أرادهم كفار قريش على الكفر وأكرهوهم، فقالوا بألسنتهم، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان ثم هاجروا إلى المدينة فأخبر الله عز وجل عنهم بما كان من إضمارهم ومن إظهارهم. والحجة لمن جعل الفعل لهم: أن ذلك كان منهم قبل الإسلام فمحا الإسلام ما قبله. قوله تعالى: وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ «8». يقرأ بفتح الضاد وكسرها. وقد ذكرت حجته آنفا «9» وقلنا فيه: ما قاله أهل اللغة. والاختيار هاهنا: الفتح، لأن الضّيق بالكسر: في الموضع، والضّيق بالفتح: في المعيشة. والذي يراد به هاهنا: ضيق المعيشة، لا ضيق المنزل.

_ (1) النحل: 96. (2) النحل: 97. (3) النحل: 97. (4) النحل: 103. (5) انظر: 167. (6) النحل: 110. (7) عمّار بن ياسر: انظر: (أسد الغابة 4: 43) وانظر: (صفة الصّفوة 1: 175). (8) النحل: 127. (9) انظر: 149.

ومن سورة بني إسرائيل (الإسراء)

ومن سورة بني إسرائيل (الإسراء) قوله تعالى: أَلَّا تَتَّخِذُوا «1» يقرأ بالياء والتاء. فالحجّة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على بني إسرائيل. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعل النبيّ عليه السلام مواجها لهم بالخطاب. قوله تعالى: لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ «2». يقرأ بفتح الهمزة علامة للنصب. وبضمّها، وواو بعدها. وبالياء والنون. فالحجة لمن قرأ بفتح الهمزة: أنه جعله فعلا للوعد وللعذاب. والحجة لمن قرأه بالضم: أنه جعله فعلا للعباد في قوله: عِباداً لَنا «3» ليسوءوا وجوهكم. ودليله قوله: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ «4»، وَلِيُتَبِّرُوا «5». والقراءة بالياء في هذين الوجهين. فأمّا النون فإخبار عن الله عز وجل، أخبر به عن نفسه. وخصّ الوجوه، وهو يريد: الوجوه والأبدان. ودليله قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ «6». يريد: إلّا هو. والفعل في الإفراد والجمع منصوب بلام كي. قوله تعالى: كِتاباً يَلْقاهُ «7». يقرأ بتخفيف القاف، وسكون اللام، وبتشديدها وفتح اللام «8». فالحجة لمن خفف: أنه جعل الفعل للكتاب والهاء للإنسان «9». والحجة لمن شدّد: أنه جعل الفعل لما لم يسمّ فاعله، واسمه مستتر فيه، والهاء للكتاب. قوله تعالى: أَمَرْنا مُتْرَفِيها «10». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنّه أراد به: الإمارة، والولاية منها. والحجة لمن خفف: أنه أراد: أمرناهم بالطاعة، فخالفوا إلى العصيان. وأمّا قول العرب: أمّر بنو فلان، فمعناه: كثروا «11» والله آمرهم أي: كثّرهم وبارك فيهم.

_ (1) الإسراء: 2. (2) الإسراء: 7. (3) الإسراء: 5. (4) الإسراء: 7. (5) الإسراء: 7. (6) القصص: 88. (7) الإسراء: 13. (8) وضم الياء أيضا، وهي قراءة أبي جعفر والحسن، وابن عامر. انظر: (القرطبي 1: 249 ط 1940 م). (9) في قوله تعالى وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ آية 13. (10) الإسراء: 16. (11) ويقال في مثل: في وجه مالك تعرف أمرته وأمرته، أي نماؤه وكثرته. وقال أبو عبيدة: يقال: خير المال سكّة

قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ «1». يقرأ بالكسر منوّنا وغير منوّن، وبالفتح من غير تنوين. فالحجة لمن نوّن: أنه أراد بذلك: الإخبار عن (نكر) «2» معناه: فلا تقل لهما القبيح. والحجة لمن كسر ولم ينون: أنه أراد: إسكان الفاء فكسر لالتقاء الساكنين «3». وفيها سبع لغات: الفتح والتنوين، والكسر والتنوين، والضم والتنوين، وأفّى على وزن فعلى. وزاد (ابن الأنباري) «4»: «أف» بتخفيف الفاء وبإسكانها. وهي: كلمة تقال عند الضجر. ولو علم الله تعالى أوجز منها في ترك العقوق لأتى بها. ومعناها: كناية عن كل قبيح. فإن قيل فلم جاز إجراء الفاء في «أف» لجميع الحركات؟ فقل: لأن حركتها ليست بحركة إعراب إنما هي لالتقاء الساكنين، فأجروها مجرى ما انضم أوله من الأفعال عند الأمر بها، وإدغام آخرها كما قال: فغضّ الطّرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا «5» فالضاد تحرك بالضم اتّباعا للضم، وبالفتح لالتقاء الساكنين، وبالكسر على أصل ما يجب في تحريك الساكنين إذا التقيا. فإن قيل: أفيجوز مثل ذلك في (ربّ)، وثم؟ فقل: لا، لأن هذين حرفان وحقّ الحروف البناء على السكون، فلمّا التقى في أواخرها ساكنان حرّكت بأخفّ الحركات، واتسع في «أف» لأنها لمنهى عنه، كما وقعت (إيه) لمأمور به، كما اتسعوا في حركات أواخر الأفعال عند الأمر والنهي.

_ مأبورة، أو مهرة مأمورة، فالمأمورة: الكثيرة الولد من آمرها الله: كثّرها، وكان ينبغي أن يقال: مومرة، ولكنه أتبع مأبورة، والسكة: السطر من النخل والمأبورة: المصلحة. انظر: (الأمالي لأبي علي القالي 1: 103). وقال في الجمهرة: أمر القوم إذا كثروا. انظر: (كتاب جمهرة اللغة 3: 253). (1) الإسراء: 23. (2) النكر: المنكر، قال الله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً. وفي الأصل: نكرة، ولا معنى لها في سياق الأسلوب. (3) لأن الفاء المشددة حرفان. (4) ابن الأنباري: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظا له، وتوفي أبو بكر بن الأنباري سنة سبع وعشرين وثلاثمائة يوم الأضحى، إنباه الرواة 3 - 201، نزهة الألباء 185. (5) انظر: (بديع القرآن لابن أبي الأصبع 292، ديوان جرير 75، مطبعة الصاوي، والدرر اللوامع 2: 240، وشرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الاسترابادي 4: 163. والكتاب 2: 160). وهذا البيت من قصيدة لجرير، المعروفة بالدامغة، هجا بها الرّاعي النّميري وقومه.

قوله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ «1». يقرأ بإثبات الألف بعد الغين، وبطرحها وبتشديد النون في الوجهين. فالحجة لمن أثبت الألف: أنه جعلها ضميرا للوالدين، وكناية عنهما لتقدّمهما، وأسقط النون التي هي علامة الإعراب لدخول حرف الشرط وأتى بنون التأكيد الشديدة، وبني الفعل معها، لأنها مانعة من الإعراب، وكسرت تشبيها بنون الاثنين. والحجة لمن طرح الألف: أنه صاغ الفعل لقوله: (أحدهما) ونصب الكبر بتعدّى الفعل إليه، وأتى بالنون الشديدة لدخول «إمّا» على الفعل لأنها قلّما تدخل على فعل إلا أتى فيه بالنون الشديدة للتأكيد. فإن قيل: فإذا رفعت (أحدهما) هاهنا بفعله فبم ترفعه مع الألف؟ فقل في ذلك غير وجه. أحدها: أنه يرتفع بدلا من الألف التي في الفعل. والثاني: أنه يرتفع بتجديد فعل مضمر، ينوب عنه الظاهر. والثالث: أنه يرتفع على إعادة سؤال وإجابة، كأنه قيل: من يبلغ الكبر؟ فقل: أحدهما أو كلاهما. وعلى هذا الوجه يحمل قوله تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «2». فإن قيل: فلم خصّا بالبرّ عند الكبر؟ فقل إنما خصّا بذلك، وإن كان لهما واجبا في سائر الأوقات، لأنهما عند الكبر يثقل عليهما الاضطراب والخدمة، فخصّا بالبر فيه لذلك. وتقول العرب: (فلان أبرّ بوالديه من النّسر) لأن أباه إذا كبر، ولم ينهض للطيران لزم وكره وعاد الفرخ عليه فزقّه، «3» كما كان أبوه يفعل به. قوله تعالى: كانَ خِطْأً «4». يقرأ بكسر الخاء وإسكان الطاء والقصر، وبفتحهما والقصر، وبكسر الخاء وفتح الطاء والمدّ. فالحجة لمن كسر وأسكن وقصر: أنه جعله مصدرا لقولهم: خطئت خطأ. ومعناه: أثمت إثما. والحجة لمن فتحهما وقصر: أنه أراد الخطأ الذي هو ضدّ العمد. ودليله قوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً «5». وقال بعض أهل اللغة: هما لغتان بمعنى، كما قالوا قتب وقتب، وبدل وبدل.

_ (1) الإسراء: 23. (2) الأنبياء: 3. (3) الزّق: إطعام الطائر فرخه. (4) الإسراء: 31. (5) النساء: 92.

والحجة لمن كسر الخاء وفتح الطاء ومدّ، فوزنه فعال من الخطيئة «1». وهو مصدر كالصيام والقيام. والعرب تقول: هذا مكان مخطوء فيه من خطئت، ومخطأ فيه من أخطأت، هذان بالهمز ومكان مخطو فيه من المشي بتشديد الواو من غير همز. قوله تعالى: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ «2». يقرأ بالياء والتاء، فمن قرأه بالياء ردّه على الوليّ لأنه غير مقصود بمواجهة الخطاب. والحجة لمن قرأه بالتاء، فالمعنى للوليّ، والخطاب له وللحاضرين، أي: فلا تسرف يا وليّ ولا أنتم يا من حضر. ودليله قراءة (أبيّ) «3»: «فلا تسرفوا في القتل». ومعنى الإسراف: أن تقتل عشرة بواحد، أو يقتل غير القاتل لشرفه في قومه وخمول القاتل فيهم. قوله تعالى: وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ «4». يقرأ بكسر القاف وضمها. وهما لغتان فصيحتان والضم أكثر، لأنه لغة أهل الحجاز. ومعناه: الميزان وأصله: (روميّ). والعرب إذا عرّبت اسما من غير لغتها اتّسعت فيه كما قلنا: في إبراهيم وما شاكله «5». قوله تعالى: كانَ سَيِّئُهُ «6». يقرأ بفتح الهمزة وإعراب الهاء وتنوينها، وبرفع الهمزة وضمّ الهاء، لأنها هاء كناية. فالحجة لمن فتح الهمزة وأعرب الهاء: أنه جعلها واحدة من السّيئات. ودليله أن كل ما نهى الله عز وجل عنه سيئ مكروه، ليس فيه مستحسن لقوله: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً «7» فالسيئ: ضد الصالح. والحجة لمن قرأه بالإضافة قوله: (مكروها). ولو أراد السّيئة لقال مكروهة، لأنها أقرب من (ذلك) «8». دليله أنه في قراءة (أبيّ): (كلّ ذلك كان سيئاته عند ربّك).

_ (1) هكذا في الأصل، ولعل العبارة حدث فيها تقديم وتأخير، وكان أصلها: «والحجة لمن كسر الخاء وفتح الطاء ومد» انه مصدر كالصيام والقيام فوزنه: «فعال» الخ. (2) الإسراء: 33. (3) أبيّ: سبقت ترجمته 63. (4) الإسراء: 35. (5) انظر: 88. (6) الإسراء: 38. (7) التوبة: 102. (8) في قوله تعالى: كُلُّ ذلِكَ الآية نفسها.

فإن قيل: لفظ «كل» يقتضي الجمع فلم لم يؤت بعده بجمع؟ فقل ما بعده بمعنى: الجمع، وإن أتى بلفظ الواحد. فمن أتى بعده بالجمع فعلى معناه، ومن أتى بعده بالواحد فعلى لفظه. قوله تعالى: لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ «1». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكر القول فيه آنفا «2». قوله تعالى: عَمَّا يَقُولُونَ، و (عما تقولون) «3»، تُسَبِّحُ لَهُ «4» يقرأن بالتاء والياء. فالحجة لمن قرأه (يقولون) في الموضعين بالياء والتاء مذكورة فيما مضى «5» والحجة لمن قرأ تسبح بالتاء قراءة (أبيّ): (سبّحت له السماوات). والحجّة لمن قرأه بالياء: أنه جمع قليل «6»، والعرب تذكّره. ودليله قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ «7». وَقالَ نِسْوَةٌ «8» والعلة في ذلك: أن الجمع القليل قبل الكثير، والتذكير قبل التأنيث، يحمل الأول «9» على الأول. والحجة لمن قرأ بعضا بالتاء، وبعضا بالياء ما قدّمناه من العلّة في الجمع. قوله تعالى: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا «10» مذكور في «الأعراف»، والعلل فيه «11». قوله تعالى: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ «12». يقرأ بإثبات الياء وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن حذفها: أنه اجتزأ بالكسرة منها. فإن قيل: (لئن) حرف شرط، وحروف الشرط لا يليها إلّا مستقبل، أو ماض في

_ (1) الإسراء: 41. (2) انظر: 68 عند قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. (3) الإسراء: 43. (4) الإسراء: 44. (5) انظر: 82 عند قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. (6) «السموات» جمع مؤنث، وهو: جمع قلّة. (7) التوبة: 5. (8) يوسف: 30. (9) أي القلة على التذكير. (10) الإسراء: 49. (11) انظر: 161 عند قوله تعالى: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً. (12) الإسراء: 62.

معنى المستقبل، فقل: إنّ «اللّام» حرف تأكيد، يرفع بعده الفعل، «وإن» حرف شرط ينجزم بعده الفعل، فلما جمعوا بينهما لم يجز اجتماع الرفع والجزم في فعل واحد، فعدلوا عن المستقبل إلى فعل لا يتبيّن فيه رفع ولا جزم، فوجدوه الماضي، فأولوه (لئن) في جميع المواضع فاعرفه «1». قوله تعالى: بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ «2». يقرأ بإسكان الجيم وكسرها. فالحجة لمن أسكن: أنه أتى بالجمع على حقّه، لأنه جمع (راجل). والحجة لمن كسر: فلمجاورة اللام، لأن اللام كسرت للخفض، وكسرت الجيم للقرب منها، كما قالوا: حجل. وأنشد: أرتني حجلا على ساقها ... فهشّ الفؤاد لذاك الحجل. «3» قوله تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ «4»، أو فَيُرْسِلَ «5»، فَيُغْرِقَكُمْ «6» يقرأ كله بالنون والياء. فالحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله عن نفسه. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله من إخبار النبي صلى الله عليه عن ربّه. قوله تعالى: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى «7». يقرءان بالإمالة والتفخيم معا. وبإمالة الأول، وتفخيم الثاني. فالحجة لمن أمالهما: أنه دلّ بالإمالة على أنهما من ذوات الياء، لأنهم يميلون الربّاعي، وإن كان من ذوات الواو، فذوات الياء بذلك أولى. والحجة لمن فخّمها: أنه أتى بالكلام على أصله، لأنه قد انقلبت الياء ألفا لفتح ما قبلها، فاستعمال اللفظ أولى من استعمال المعنى. ومعنى ذلك: ومن كان فيما وصفنا من نعيم الدنيا أعمى فهو في نعيم الآخرة أعمى وأضل. والحجّة لمن أمال الأول، وفخّم الثاني: أنه جعل الأول صفة والثاني بمنزلة: أفعل منك، ومعناه: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى منه في الدنيا.

_ (1) يقصد أن ذلك حكم «لئن» إذا دخلت على الفعل في جميع المواضع. (2) الإسراء: 64. (3) الإنصاف لابن الأنباري 2: 733. (4) الإسراء: 68. (5) الإسراء: 69. (6) الإسراء: 69. (7) الإسراء: 72.

قوله تعالى: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ «1». يقرأ بفتح الخاء وإسكان اللام وبكسر الخاء وألف بعد اللام. ومعناهما: بعدك. وهما لغتان، وليس من المخالفة، قال الشاعر: نؤي أقام خلاف الحيّ أو وتد «2» قوله تعالى: وَنَأى بِجانِبِهِ «3». يقرأ بفتح النون والهمزة، وبكسرها، وبفتح النون وكسر الهمزة، وإثبات الهمزة في ذلك كله، وبفتح النون وتأخير الهمزة وفتحة قبلها كالمدّة. فالحجة لمن قرأه بفتحهما: أنه أتى بالكلمة على أصلها، لأنها في حقيقة اللفظ نأي على وزن (فعل). والحجة لمن قرأه بكسرهما: أنه أمال الياء للدّلالة عليها، فكسر لها الهمزة ليقربها منها بالمجاورة، وكسر النون لمجاورة الهمزة كما قالوا: شعير وبعير. والحجة لمن فتح النون: أنه بقاها على أصلها، وكسر الهمزة لمجاورة الياء. ومعنى ذلك كله: «بعد» والاسم منه النّأي. والحجة لمن قرأه بتأخير الهمزة أنه أراد: معنى ناء ينوء: إذا نهض بثقل مطيقا لحمله. ودليله قوله تعالى: لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ «4». وأصله نوأ فانقلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها، ومدّها تمكينا للهمزة بعدها. قوله تعالى: حَتَّى تَفْجُرَ لَنا «5» يقرأ بالتشديد والتخفيف، فالحجّة لمن شدّد: أنه أخذه من فجّر يفجّر. ودليله قوله: تَفْجِيراً «6» كما قال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً «7». والحجة لمن خفّف: أنه أخذه من فجر يفجر: إذا شقّ الأنهار، وأجرى فيها الماء. قوله تعالى: كِسَفاً «8» يقرأ بفتح السين وإسكانها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد به جمع «كسفة» كقولك: قطعة وقطع. والحجة لمن أسكن: أنه شبّهه بالمصدر في قولهم «علم» و «حلم».

_ (1) الإسراء: 76. (2) لم أهتد بعد، إلى قائل هذا الشعر، أو المرجع الذي سجّل فيه: قال في اللّسان: والنّؤى، والنّئي، والنأي، والنّوى بفتح الهمزة على مثال التّقى: الحفير حول الخباء أو الخيمة يدفع عنها السيل يمينا وشمالا ويبعده: اللسان: مادة: نأى. (3) الإسراء: 83. (4) القصص: 76. (5) الإسراء: 90 (6) الإسراء: 91. (7) النساء: 164. (8) الإسراء: 92.

ومن سورة الكهف

قوله تعالى: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي «1» يقرأ بإثبات ألف على الإخبار. وبطرحها على الأمر. فالحجة لمن أتى به على الإخبار: أنه أتى به على الحكاية عن الرسول عليه السلام، وهي بالألف في مصاحف أهل مكة والشام. والحجّة لمن قرأه على الأمر: أنه أراد: ما لفظ به جبريل عليه السلام فكأنه قال: قل يا محمد: تنزيها لله ربّي من قولكم. قوله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ «2». يقرأ بفتح التاء وضمّها. فالحجة لمن فتح: أنه جعل التاء لفرعون دلالة على المخاطبة. والحجة لمن ضمّ: أنه جعل التاء لموسى دلالة على إخبار المتكلّم عن نفسه. فإن قيل: فما وجه الخلف في هذه الآية؟ فقل: الخلف في القرآن على ضربين: خلف المغايرة، وهو فيه معدوم، وخلف الألفاظ، وهو فيه موجود. ووجه الخلف في هذه الآية: أنّ موسى قال لفرعون لما كذّبه ونسب آياته إلى السّحر: لقد علمت أنها ليست بسحر، وأنها منزّلة فقال له فرعون: أنت أعلم، فأعاد عليه موسى: لقد علمت أنا أيضا أنّها من عند الله. قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا «3». يقرأ بالضم والكسر. وقد ذكر في البقرة «4». قوله تعالى: فَهُوَ الْمُهْتَدِي «5». يقرأ بإثبات الياء وحذفها. وقد ذكر في الأعراف «6». ومن سورة الكهف قوله تعالى: مِنْ لَدُنْهُ «7». يقرأ بضم الدال وإسكان النون، وضم الهاء وإلحاق الضمة واوا. وباختلاس الضمة مع غير واو. وبالإشارة إلى ضمة الدال وكسر النون والهاء وإلحاق ياء بعد الهاء. فالحجة لمن أسكن النون وألحق ضمّة الهاء واوا: أنه أتى بالكلمة على أصلها، ووفّاها ما وجب لها ولهاء الكناية إذا جاءت بعد حرف ساكن، كقوله: (منهو) و (عنهو).

_ (1) الإسراء: 93. (2) الإسراء: 102. (3) الإسراء: 110. (4) انظر: 92 عند قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ والمراد: ضم اللام وكسرها من «قل». (5) الإسراء: 97. (6) انظر: 169 عند قوله تعالى: ثُمَّ كِيدُونِ. (7) الكهف: 2.

والحجة لمن اختلس حركة الهاء: أنه اكتفى بالضمّة من الواو لثقلها في أواخر الأسماء إذا انضم ما قبلها. والحجة لمن أشار إلى حركة الدال بالضمة، وكسر النون والهاء، وألحقها ياء: أنه استثقل الضمّة على الدّال، فأسكنها، وأشار بالضمة إليها دلالة عليها فالتقى ساكنان، فكسر النون، وأتبعها الهاء، وبيّن كسرتها بإلحاق الياء كما تقول: مررت بهي يا فتى. و (لدن) في جميع أحوالها بمعنى عند، لا يقع عليها إعراب، وهي: ظرف مكانيّ. فإن قيل: فإذا كانت بمعنى «عند» فيجب أن تخفضها ب «من» كما تقول: من عنده. فقل: وقع الاتساع في «عند» ما لم يقع في «لدن» لأنك تقول: المال عندي، وهو بحضرتك أو بعيد عنك، وتقول: القول عندي أي في تمييزي، وهذا لا يكون في «لدن». فأما عملهما فالخفض إلّا في قولهم: لدن غدوة فإنّهم خصوه بالنصب «1». قوله تعالى: تَتَزاوَرُ «2» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: تتزاور فأسكن التاء وأدغمها في الزّاي لأنها تفضلها بالصّفير. والحجة لمن خفف: أنه أراد: تتزاور أيضا ب «تاءين»، فثقل عليه اجتماعهما، فحذف إحداهما، واكتفى بما أبقى ممّا ألقى. قوله تعالى: وَلَمُلِئْتَ «3». يقرأ بتشديد اللّام وتخفيفها، وبالهمز وتركه. فالحجة لمن شدد أنه أراد: تكرير الفعل والدوام عليه. والحجة لمن خفف: أنه أراد: مرة واحدة. فأما إثبات الهمز فيه فعلى الأصل، وأمّا تركه فتخفيف. فأما تملّيت العيش فبغير همز. قوله تعالى: بِوَرِقِكُمْ هذِهِ «4» بكسر الراء وإسكانها. فالحجة لمن كسر: أنه أتى به على أصله. والحجة لمن أسكن: أنه استثقل توالي الكسرات في الراء، والقاف، للتكرير الذي فيهما.

_ (1) هذا يختلف مع قول ابن هشام حيث ذكر في المغنى: أنهم حكوا في «غدوة» الواقعة بعد (لدن) الجرّ بالإضافة، والنصب على التمييز والرفع بإضمار كان (المغنى 1: 136). (2) الكهف: 17. (3) الكهف: 18. (4) الكهف: 19.

قوله تعالى: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ «1». يقرأ بإثبات التنوين، وبطرحه والإضافة. فالحجة لمن أثبت التنوين: أنه نصب سنين بقوله «ولبثوا» ثم أبدل ثلاثمائة منها فكأنه قال: ولبثوا سنين ثلاثمائة، كما تقول: صمت أيّاما خمسة. ووجه ثان: أنه ينصب (ثلاثمائة) بلبثوا، ويجعل (سنين) بدلا منها أو مفسّرة عنها. والحجة لن أضاف: أنه أتى بالعدد على وجهه، وأضافه على خفّة بالمفسّر مجموعا على أصله، لأن إجماع النحويين على أن الواحد المفسّر عن العدد معناه الجمع «2». فأمّا (سنون) هاهنا فمجموعة جمع سلامة فلذلك فتحت نونها. ومن العرب من يقرّها على لفظ الياء، ويجري النون بوجوه الإعراب تشبيها بقولهم (قنّسرين) «3» و (بيرين) «4». قوله تعالى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ «5». مذكور بعلله في الأنعام «6». قوله تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً «7». يقرأ بالياء والرفع، وبالتاء والجزم. فالحجة لمن قرأه بالياء والرفع: أنه أخبر بذلك عن الله تعالى وجعل (لا) فيه بمعنى ليس. والحجة لمن قرأه بالتاء والجزم: أنه قصد الرسول عليه السلام ووجهه إلى غيره وجعل (لا) للنهي فجزم بها قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ «8». يقرأ بضم التاء والميم، وبفتحهما، وبضم التاء وإسكان الميم. فالحجة لمن ضمّهما: أنه جعله جمع الجمع. والحجة لمن فتحهما: أنه جعله من الجمع الذي يفرق بينه وبين واحده بالهاء. والحجة لمن أسكن: أنه جعله من تثمير المال

_ (1) الكهف: 25. (2) قال سيبويه: إن هذا العدد- أعني مائة إلى الألف- يضاف إلى المفرد دون الجمع، وإنما جاء هكذا (أي في الآية) تنبيها على أنّ الأصل أن يضاف إلى الجمع، وإن جاء الاستعمال بخلافه تقول: استحوذ عليهم الشيطان «والقياس» استحاذ. انظر: (إعراب القرآن المنسوب خطأ إلى الزجاج ورقة: 31، مخطوط) - هذا ويرى مكّي أن التنوين هو الاختيار، لأنه المستعمل المشهور، ولأن الأكثر عليه. (الكشف عن وجوه القراءات وعللها لوحة 129، نسخة مصورة). (3) مدينة بينها وبين حلب مرحلة، ولم يبق منها إلّا «خان» تنزله القوافل انظر: (قاموس الأمكنة والبقاع: 169). وقد ضبطها ياقوت بكسر الأول وفتح ثانيه وتشديده ثم سين مهملة (معجم البلدان، المجلد الرابع 84). (4) قال ياقوت: «بيرين» من قرى حمص (معجم البلدان، المجلد الأول: 187). (5) الكهف: 28. (6) انظر: 140. (7) الكهف: 26. (8) الكهف: 42.

لقوله بعد ذلك: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا «1». وقد ذكر هذا مستقصى في الأنعام «2». قوله تعالى: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي «3». يقرأ بإثبات الألف وصلا ووقفا. وبحذفها وصلا وإثباتها وقفا. فالحجة لمن أثبتها: أن الأصل فيه: لكن أنا فحذفت الهمزة تخفيفا، فبقي (لكننا) فأدغمت النون في النون فصارتا نونا مشددة. والحجة لمن حذفها وصلا: أنه اجتزأ بفتحة النون من الألف لاتصالها بالكلام، ودرج بعضه في بعض، واتبع خط السّواد في إثباتها وقفا. قوله تعالى: مِرفَقاً «4». بكسر الميم وفتح الفاء، وبفتح الميم وكسر الفاء. فالحجة لمن كسر الميم: أنه جعله من الارتفاق. والحجة لمن فتح: أنه جعله من (اليد). وقيل هما لغتان فصيحتان. قوله تعالى: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ «5». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء ما ذكرناه آنفا من الفصل بين الفعل والاسم، وأن التأنيث فيها ليس بحقيقي. ودليله قوله: (ينصرونه). والحجة لمن قرأه بالتاء: ظهور علم التأنيث في الاسم، وأنه جمع، والتاء ثابتة في فعل الجمع كقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ 6. والطائفة، والفئة يكونان واحدا، وجمعا. فإن قيل: لفظ «مائة» و «فئة» سيّان، فلم زيدت الألف في مائة خطّا؟ فقل: إنما زيدت الألف في قولك: أخذ مائة درهم، لئلا يلتبس في الخط بأخذ منه درهم، وكتب فئة على أصلها لأنه لا لبس فيها 7. قوله تعالى: الْوَلايَةُ 8. يقرأ بفتح الواو وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعله مصدرا من قولك: ولى بيّن الولاية. والحجة لمن كسر: أنه جعله مصدرا من قولك: وآل بيّن الولاية، أو من قولك: واليته موالاة وولاية. وقيل: هما لغتان، كقولك: الوكالة والوكالة. قوله تعالى: لِلَّهِ الْحَقِّ 9. يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه جعله وصفا

_ (1) الكهف: 34. (2) انظر: 146. (3) الكهف: 38. (4) الكهف: 16. (5) الكهف: 43.

للولاية. ودليله: أنه في قراءة (أبيّ): هنالك الولاية الحقّ لله. وهنالك إشارة إلى يوم القيامة. والحجة لمن خفض: أنه جعله وصفا لله عز وجل، ودليله قوله تعالى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ «1». وقرأه (عبد الله): (هنالك الولاية لله وهو الحقّ). فالحق: الله عز وجل. والحقّ: صدق الحديث. والحق: الملك باستحقاق. والحق: اليقين بعد الشك. ويجوز في النحو والنصب بإضمار فعل على المصدر معناه: أحق الحقّ «2». قوله تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ «3». يقرأ بالتاء والرفع. وبالنون والنصب. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعل الفعل لما لم يسمّ فاعله، فرفع الجبال به، وأتى بالتاء لتأنيث الجبال، لأنها جمع لغير الآدميين. ودليل ذلك قوله تعالى: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً «4» فمستقبل هذا (تسيّر). والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه، ونصب الجبال بتعدّي الفعل إليها. ودليله قوله تعالى: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ «5»، ولم يقل: (وحشروا فلم يغادر) فردّ اللفظ على مثله لمجاورته له أولى وأحسن. (ويوم) منصوب بإضمار فعل. معناه: واذكر يا محمد يوم نسير الجبال، أو يكون منصوبا، لأنه ظرف لقوله تعالى: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً «6» في يوم تسيّر الجبال. ومعنى قوله: «بارزة» أي: ظاهرة لا يستتر منها شيء لاستوائها، ويحتمل أن يريد تبرز ما فيها من الكنوز والأموات. قوله تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا «7» يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه

_ (1) الأنعام: 62. (2) بذلك قرأ عمرو بن عبيد بالنصب على التأكيد، قال الزمخشري: وهي قراءة حسنة فصيحة، وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس: (تفسير الكشاف للزمخشري 2: 566). وقد ردّ أحمد بن المنير عليه زعمه هذا مبينا: أنه «يوهم أن القراءة موكولة إلى رأى الفصحاء، واجتهاد البلغاء، فتتفاوت في الفصاحة لتفاوتهم فيها، وهذا منكر شنيع». والحق. أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ إلا بما سمع، فوعاه متصلا. انظر: (الانتصاف 2: 566 هامش الكشاف) (3) الكهف: 47. (4) النبأ: 20. (5) الكهف: 47. (6) الكهف: 46 وفي الأصل (ذلك خير ثوابا) وهو تحريف. (7) الكهف: 52.

جعله من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل بأمره. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه. قوله تعالى: قُبُلًا «1» يقرأ بضم القاف والباء، وبكسرها وفتح الباء. فالحجة لمن ضمّ: أنه أراد: جمع (قبيل) كقولك في جمع قميص: قمص. ودليله قوله: (كل شيء) «2» يريد: قبيلا قبيلا. والحجة لمن كسرها وفتح الباء: أنه أراد: عيانا ومقابلة. وقال بعض أهل اللغة: القبيلة بنو أب. والقبيل، الجماعة. واستدلّ بقوله: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا «3» وبقول الشاعر: جوانح قد أيقنّ أنّ قبيلهم ... إذا ما التقى الجمعان أوّل غالب «4» قوله تعالى: وَما أَنْسانِيهُ «5». يقرأ بضم الهاء وكسرها مختلستين. فالحجة لمن ضمّ: أنه أتى بلفظ الهاء على أصل ما وجب لها. والحجة لمن قرأه بالكسر: فلمجاورة الياء، ومثله: وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ «6» وأمال الكسائي الألف في (أنسانيه)، ليدلّ بذلك على أنها مبدلة من الياء. قوله تعالى: مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً «7». يقرأ بضمتين، وفتحتين، وبضم الراء وإسكان الشين. فالحجة لمن قرأه بضمتين: أنه اتبع الضم كما ترى: الرُّعْبَ «8» والسُّحْتَ «9». والحجة لمن قرأه بفتحتين: أنه أراد به الصّلاح في الدّين. والحجة لمن قرأه بضم الراء وإسكان الشين: أنه أراد: الصّلاح في المال، وحد البلوغ. ودليله قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً «10» أي صلاحا.

_ (1) الكهف: 55. (2) كل شيء قبلا: الأنعام: 111. (3) الإسراء: 92. (4) انظر: أساس البلاغة للزمخشري: مادة: جنح. (5) الكهف: 63. (6) الفتح: 10. (7) الكهف: 66. (8) آل عمران: 151. الأنفال: 12. الأحزاب: 26. الحشر: 2. (9) المائدة: 42، 62، 63. (10) النساء: 6.

قوله تعالى: وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً «1». يقرأ بفتح الميم، وضمّها. وبفتح اللام وكسرها. فالحجة لمن فتحها: أنه جعله مصدرا من قولهم: هلكوا مهلكا، كما قالوا: طلعوا مطلعا. والحجة لمن قرأه بكسر اللام وفتح الميم: أنه جعله وقتا لهلاكهم، أو موضعا لذلك. ودليله قوله تعالى: حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ «2» أي الموضع الذي تغرب فيه. والحجة لمن قرأه بضم الميم، وفتح اللام: أنه جعله مصدرا من قولهم: أهلكهم الله مهلكا يريد: إهلاكا، فجعل مهلكا في موضعه. ودليله قوله تعالى أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ «3». قوله تعالى: لِتُغْرِقَ أَهْلَها «4». يقرأ بالتاء مضمومة، ونصب الأهل. وبالياء مفتوحة ورفع الأهل. فالحجة لمن قرأه بالتاء مضمومة: أنه جعله من خطاب موسى للخضر عليهما السلام، ونسب الفعل إليه. ودلّ بالتاء على حد المواجهة والحضور. ونصب (الأهل) بتعدّي الفعل إليهم. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعل الفعل للأهل، فرفعهم بالحديث عنهم. فإن قيل: فما وجه قول موسى للخضر عليهما السلام: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ «5»؟ فقل عن ذلك أجوبة. أحدها: أن يكون موسى أعلم من الخضر بما يؤدّى عن الله تعالى إلى خلقه مما هو حجّة لهم وعليهم، بينهم وبين خالقهم، إلّا في هذه الحال. والثاني: أنه استعلم من الخضر علما لم يكن عنده علم منه، وإن كان عنده علوم سوى ذلك. والثالث: أنه قد يمكن أن يكون الله تعالى أعطى نبيّا من العلم أكثر مما أعطى غيره. هذا جواب من جعل الخضر نبيّا. قوله تعالى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً «6». يقرأ زاكية بالألف، وزكيّة بغير ألف. فالحجة لمن قرأ زاكية: أنه أراد: أنها لم تذنب قطّ. والحجة لمن قرأها زكيّة أنه أراد: أنها أذنبت ثم تابت. وقيل: هما لغتان بمعنى كقوله: قاسية وقسيّة.

_ (1) الكهف: 59. (2) الكهف: 86. (3) الإسراء: 80. (4) الكهف: 71. (5) الكهف: 66. (6) الكهف: 74.

قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً «1». يقرأ وما كان مثله في كتاب الله تعالى بضم النون والكاف، وبضم النون وإسكان الكاف. فمن قرأه بالضم أتى به على الأصل. والحجة لمن أسكن: أنه خفّف الكلمة استثقالا بضمتين متواليتين، وأولى ما استعمل الإسكان: مع النصب. والضمّ: مع الرفع والخفض كقوله: إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ «2» أكثر وأشهر. وكقوله: وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً «3». الإسكان هاهنا أكثر لموافقة رءوس الآي. قوله تعالى: مِنْ لَدُنِّي «4» يقرأ بضم الدال وتشديد النون، وبضمها وتخفيف النون. فالحجة لمن شدد: أن الأصل عنده لدن بسكون النون. ومن شأن ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها فزادوا على النون نونا ليسلم لهم السّكون، فالتقى نونان، فأدغمت إحداهما في الأخرى، ثم جاءوا بياء الإضافة. والحجة لمن خفّف: أنه حذف إحدى النونين تخفيفا كما قرأ: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ «5» وتَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ «6» بنون واحدة. وأنشد شاهدا لذلك: أيّها السّائل عنه وعني ... لست من قيس ولا قيس مني «7» وجرى (عاصم) «8» على أصله: في إسكان الدّال والإشارة إلى الضم وتخفيف النون. وقد ذكرت حجته في ذلك «9». فإذا أفردت «لدن» ففيها ثلاث لغات: لدن، ولدن، ولدن. قوله تعالى: لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً «10». يقرأ بفتح التاء وكسر الخاء وإظهار الذال، وإدغامها، وبألف الوصل وتشديد التاء بعدها، وإدغام الذّال في التاء. فالحجة لمن قرأه بفتح التاء وكسر الخاء والإظهار: أنه أخذه من تخذ يتخذ كما تقول: شرب يشرب فأتى

_ (1) الكهف: 74. (2) القمر: 6. (3) الطلاق: 8. (4) الكهف: 76. (5) الأنعام: 80. (6) الزمر: 64. (7) انظر: الدّرر اللوامع 2: 69، فرائد القلائد: 37 وخزانة الأدب 2: 449، شرح الأشموني 1: 106، شرح المفصل 3: 125. (8) عاصم سبقت ترجمته في 61. (9) انظر: ص: 143 عند قوله تعالى: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ من سورة الأنعام. (10) الكهف: 77.

بالكلام على أصله مبيّنا غير مدغم. والحجة لمن قرأ بذلك وأدغم مقاربة الذّال للتاء. وقد ذكر في البقرة «1». والحجة لمن قرأ بألف الوصل: أن وزنه افتعلت من الأخذ. وأصله: «ايتخذت» لأن همزة الوصل تصير ياء لانكسار ما قبلها ثم تقلب تاء وتدغم في تاء افتعلت فتصيران تاء شديدة. قوله تعالى: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما «2» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أنه أخذه من قولك: بدّل. ودليله قوله: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً «3». والحجة لمن خفف: أنه أخذه من أبدل. ودليله قول العرب: أبدلت الشيء من الشيء إذا أزلت الأول، وجعلت الثاني مكانه، ومنه قول أبي النّجم «4»: * عذل الأمير للأمير المبدل «5» * فكذلك الولد الذي أراد الله تعالى إبدال أبويه به غير الأول. فهذا مذهب العرب ولفظها إذا قالوا: بدّلت الشيء من الشيء، فمعناه غيّرت حاله وعينه، والأصل باق كقولك: بدلت قميصي جبة، وخاتمي حلقة. ودليل ذلك قوله تعالى: بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها. فالجلد الثاني هو الأول ولو كان غيره لم يجب عذابه، لأنه لم يباشر معصية وهذا أوضح. فأمّا إذا قالوا أبدلت غلامي جارية وقرسي ناقة لم يقولوه إلّا بالألف. فاعرف فرق ما بين اللفظين فإنه لطيف. فأمّا قوله تعالى: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً «6» فالتشديد لتكرير الفعل من الأمن بعد الخوف، مرّة بعد مرّة، وأمنا بعد أمن. قوله تعالى: وَأَقْرَبَ رُحْماً «7». يقرأ بضم الحاء وإسكانها، وهما لغتان: كالعمر

_ (1) انظر: 77. (2) الكهف: 81. (3) النحل: 101. (4) أبو النجم: هو الفضل بن قدامة، من رجّاز الإسلام وهو الذي يقول: أنا أبو النجم وشعري شعري ... لله درّي ما يجيش صدري كان من شعراء زمان الدولة الأموية، ومات في أواخر أيام دولتهم انظر: (الكنى والألقاب 1: 160، والشعر والشعراء لابن قتيبة 2: 602). (5) انظر: (معاني القرآن للفراء 2: 259). (6) النور: 55. (7) الكهف: 81.

والعمر، ومعناه: رحمة، وعطف، وقربى. قوله تعالى: فَأَتْبَعَ «1» ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً «2». يقرءان بألف الوصل وتشديد التاء، وبألف القطع وإسكان التاء. فالحجة لمن قرأها بألف الوصل: أنّ وزنه: (افتعل) وأصله: اتتبع فأدغمت التاء في التاء. والحجة لمن قرأها بألف القطع: أنه جعله من أفعل يفعل أتبع يتبع. وقال بعض اللغويين: معنى اتّبعه بألف الوصل: سرت في أثره، ومعنى أتبعته بألف القطع: لحقته، ودليل ذلك قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ «3» أي: لحقه. والسّبب هاهنا: الطريق: وفي غير هذا: الحبل، والقرابة. قوله تعالى: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ «4». يقرأ بغير ألف، وبالهمزة، وبالألف من غير همز. فالحجة لمن قرأها بغير ألف وبالهمز: أنه أراد في عين سوداء وهي: (الحمأة) التي تخرج من البئر. وقيل معناه: في ماء، وطين. والحجة لمن قرأها بالألف من غير همز: أنه أراد: في عين حارّة من قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ، نارٌ حامِيَةٌ «5». قوله تعالى: فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى «6». يقرأ بالرفع والإضافة، وبالنصب والتنوين. فالحجة لمن رفع وأضاف: أنه رفع الجزاء بالابتداء، وأضافه إلى الحسنى، فتم بالإضافة اسما. وقوله: (له) الخبر. يريد به (فجزاء الحسنى له). ودليله قوله: لَهُمُ الْبُشْرى «7». والحسنى هاهنا: بمعنى الإحسان، والحسنات. والحجة لمن قرأه بالنصب، أنه أراد به وضع المصدر في موضع الحال، كأنه قال: فله الجنة مجزيا بها جزاء. وله وجه آخر: أنه ينصبه على التمييز، وفيه ضعف، لأن التمييز يقبح تقديمه، سيّما إذا لم يأت معه فعل متصرّف، وقد أجازه بعض النحويين على ضعفه. واحتج له بقول الشاعر: أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان «8» نفسا بالفراق تطيب «9»

_ (1) الكهف: 85. (2) الكهف: 89، 92. (3) الصافّات: 10. (4) الكهف: 86. (5) القارعة: 10، 11. (6) الكهف: 88. (7) يونس: 64. (8) في الأصل: (وما كل نفسا) وهو تحريف. (9) في شرح المفصل لابن يعيش يروي البيت في صورة أخرى وهي:

قوله تعالى: بَيْنَ السَّدَّيْنِ «1» يقرأ بضم السين وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه جعله من السّد في المعين. والحجة لمن فتح: أنه جعله من الحاجز بينك وبين الشيء. وقال بعضهم: ما كان من صنع الله فهو الضم، وما كان من صنع الآدميين فهو بالفتح «2»، والذي في (يس) «3» مثله. قوله تعالى: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا «4». يقرأ بضم الياء وكسر القاف، وبفتحهما. فالحجة لمن ضم الياء: أنه أخذه: من أفقه يفقه يريد به: لا يكادون ينسون قولا لغيرهم، ولا يفهمونه، وهاهنا مفعول محذوف. والحجة لمن فتح أنه أراد: لا يفهمون ما يخاطبون به وأخذه من قوله: فقه يفقه إذا علم ما يقول، ومنه أخذ الفقه في الدين. قوله تعالى: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ «5». يقرءان بالهمز وتركه. فالحجة لمن همز: أنه أخذه من أجيج النار أو من قولهم (ملح أجاج)، فيكون وزنه: (يفعول) و (مفعول) من أحد هذين فيمن جعله عربيّا مشتقا، ومنعه الصرف للتعريف والتأنيث، لأنه اسم للقبيلة. فأمّا من جعله أعجميّا فليس له اشتقاق. والحجة لمن لم يهمز: أنه جعله عجميّا، وقاسه على ما جاء من الأسماء الأعجمية على هذا الوزن: نحو (طالوت) و (جالوت) و (هاروت)، و (ماروت). قوله تعالى: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً «6». يقرأ بإثبات الألف وطرحها، هاهنا، وفي المؤمنين «7». فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد بذلك: ما يأخذه السّلطان كل سنة من الإتاوة، والضريبة. والحجة لمن طرحها: أنه أراد بذلك: (الجعل) «8». فأمّا قوله:

_ أتهجر سلمى بالفراق حبيبها ... وما كاد نفسا بالفراق تطيب ويرد ابن يعيش على هذه الرواية ويقول: إن الرواية: وما كاد نفسي بالفراق تطيب. هكذا قال أبو إسحاق الزجاج. انظر: (شرح المفصل لابن يعيش 2: 74). (1) الكهف: 93. (2) روي عن أبي عبيدة أنه قال: بين السّدين مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل الله تعالى، وإن كان من فعل الآدميين فهو سد بالفتح، ونحو ذلك قال الأخفش: انظر: اللسان: مادة سدد. (3) يس: 9. (4) الكهف: 93. (5) الكهف: 94. (6) الكهف: 94. (7) المؤمنون: 72. (8) قال في اللسان: الجعل، والجعال، والجعيلة، والجعالة، والجعالة، كل ذلك: ما جعله له على عمله.

فَخَراجُ رَبِّكَ «1» فبالألف إجماع، لأنه مكتوب في السّواد بالألف. قوله تعالى: ما مَكَّنِّي «2». يقرأ بنون شديدة، وبنونين ظاهرتين. فالحجة لمن أدغم: أنه أراد: التخفيف والإيجاز، وجعل (ما) بمعنى الذي و (خير) خبرها. والحجة لمن أظهر: أنه أتى به على الأصل، لأن النون الأولى لام الفعل، والثانية زائدة لتسلم بنية الفعل على الفتح، والياء اسم المفعول به. قوله تعالى: بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ «3». يقرأ بضم الصاد والدال وفتحهما، وبفتح الصّاد وإسكان الدّال. فالحجة لمن قرأه بالضم: أنه أتى باللفظ على الأصل واتبع الضمّ الضمّ. والحجة لمن فتحهما: خفّة الفتح، والواحد عنده «صدف». ودليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم (مر بصدف مائل فأسرع) «4»، الرواية بالفتح. والحجة لمن أسكن الدّال: أنه جعله اسما للجبل بذاته، غير مثنى، وأنشد الراجز: قد أخذت ما بين أرض الصّدفين ... ناحيتيها وأعالي الرّكنين «5» قوله تعالى: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ «6». يقرأ بالمدّ والقصر. فالحجة لمن مد: أنّه جعله من الإعطاء. والحجة لمن قصر: أنه جعله من المجيء. والوجه أن يكون هاهنا من الإعطاء لأنه لو أراد المجيء لأتى معه بالباء، كما قال تعالى: وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ «7». قوله تعالى: فَمَا اسْطاعُوا «8». يقرأ بالتخفيف إلّا ما روي عن (حمزة) «9» من تشديد الطاء. وقد عيب بذلك لجمعه بين الساكنين، ليس فيهما حرف مدّ، ولين. وليس في

_ (1) المؤمنون: 72. (2) الكهف: 95. (3) الكهف: 96. (4) الحديث كما رواه ابن الأثير في النهاية: (كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي) انظر: (النهاية في غريب الحديث 3: 17). (5) وفي رواية: (الطبري 16: 24) طبعة ثانية مصطفى الحلبي. قد أخذت ما بين عرض الصدفين ... وقد يكون المراد: «أرض» فكتبت الهمزة عينا لأن النسّاخ القدماء كثيرا ما يفعلون ذلك. (6) الكهف: 96. (7) يوسف: 93. (8) الكهف: 97. (9) انظر: 61.

ذلك عليه عيب، لأن القراء قد قرءوا بالتشديد قوله: لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ «1» أَمَّنْ لا يَهِدِّي «2» ونِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ «3». فإن قيل: فإن الأصل في الحرف الأول الذي ذكرته الحركة، وإنما السكون عارض فقل: إن العرب تشبه الساكن (بالساكن) «4» لاتفاقهما في اللفظ. والدليل على ذلك: أن الأمر للمواجهة مبنيّ على الوقف «5» والنهي مجزوم بلا، واللفظ بهما سيّان. فالسين في استطاعوا ساكنة، كلام التعريف ومن العرب الفصحاء من يحرّكها فيقول: اللبكة «6» والاحمر، فجاوز تشبيه السين بهذه اللام. وأيضا، فإنهم يتوهّمون الحركة في الساكن، والسكون في المتحرك، كقول (عبد القيس) «7»: اسل، فيدخلون ألف الوصل على متحرّك، توهّما لسكونه. والاختيار ما عليه الإجماع، لأنه يراد به: استطاعوا فتحذف التاء كراهية لاجتماع حرفين متقاربي المخرج، فيلزمهم فيه الإدغام. قوله تعالى: دَكَّاءَ «8». مذكور العلل في سورة الأعراف «9». قوله تعالى: قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ «10» يقرأ بالياء والتاء. وقد ذكرت حجته آنفا في غير موضع.

_ (1) النساء: 154. (2) يونس: 35. (3) النساء: 58. (4) في الأصل: (بالمساكن) ولا معنى لها. (5) أي على السكون. (6) قال في القاموس: اللبكة محركة: اللقمة والقطعة من الثريد. (7) انظر: 128. (8) الكهف: 98. (9) انظر: 163. (10) الكهف: 109.

ومن سورة مريم

ومن سورة مريم قوله تعالى: كهيعص «1». يقرأ بفتح جميع حروفه. وبإمالتها. وبين الإمالة والفتح. وبإمالة الياء وفتح الهاء وبكسر الهاء وفتح الياء. فالحجة لمن فتحهن: أنه أتى بالكلام على أصله، ووفّاه حقّ ما وجب له، لأن الحروف إذا قطعت كانت أولى بالفتح فرقا بينها وبين ما يمال من الأسماء، والحروف، والأفعال. والحجة لمن أمالهن: أنه فرّق بين هاء التنبيه، وهاء الهجاء، وبين ما إذا كانت نداء، وإذا كانت هجاء. والحجة لمن قرأهن (بين بين): أنه عدل بين اللفظين، وأخذ بأقرب اللغتين. والحجة لمن أمال بعضا، وفخّم بعضا: أنه كره توالي الكسرات أو الفتحات، فأمال بعضا، وفخم بعضا. وقد قلنا فيما تقدم: إن العرب تذكّر حروف الهجاء وتؤنثها، وتميلها وتفخمها، وتمدّها، وتقصرها، ولها مراتب: فما كان منها على حرفين مدّ مدّا وسطا، وما كان على ثلاثة أحرف، مدّ فوق ذلك. وقيل في معناهن: إن الله تعالى أقسم بحروف المعجم، لأنها أصل لتأليف أسمائه، فاجتزأ بما في أوائل السّور منها. وقيل: هي: شعار للسورة. وقيل: هي سر الله تعالى عند نبيّه. وقيل: كل حرف منها نائب عن اسم من أسماء الله عز وجل، فالكاف من (كاف) والهاء من (هاد) والعين من (عليم) والصاد من (صادق). قوله تعالى (صاد) ذِكْرُ «2». يقرأ باظهار على الأصل وبالإدغام للمقاربة بين الحرفين. قوله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ «3». يقرأ بالإدغام وطرح الحركة من الراء لمجانسة الحرفين وطلب التخفيف. وبالإظهار، لأن الحرفين من كلمتين، والحركة تمنع من الإدغام، وإنما يجوز الإدغام مع السكون، لا مع الحركة. قوله تعالى: مِنْ وَرائِي «4». يقرأ بإسكان الياء لطول الاسم، وثقله بالهمز، إلّا ما روي عن (ابن كثير) أنه فتح الياء مع المدّ، لئلا يجمع بين ياء إضافة ساكنة، وهمزة مكسورة، ففتحها طلبا للتخفيف. قوله تعالى: وَلِيًّا يَرِثُنِي «5». يقرأ بالجزم، والرفع. فالحجة لمن جزم: أنه جعله

_ (1) مريم: 1. (2) مريم: 1، 2. (3) مريم: 2. (4) مريم: 5. (5) مريم: 5، 6.

جوابا للأمر، لأن معنى الشرط موجود فيه، يريد: فإن تهب لي وليّا يرثني. والحجة لمن رفع: أنه جعل قوله: يرثني صلة «1» لوليّ، لأنه نكرة، عاد الجواب عليها بالذكر، ودليله قوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ «2». ولو قيل: إنه إنما جاز الرفع في قوله: (يرثني) وما أشبهه، لأنه حال، حلّ محلّ اسم الفاعل لكان وجها بيّنا. ودليله قوله تعالى: ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «3» يريد: (لاعبين) وفيه بعض الضعف، لأن الأول حال من (وليّ) وهو نكرة، وهذا حال من الهاء والميم، وهما معرفة. قوله تعالى: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ «4». يقرأ بالرفع والجزم عطفا على ما تقدّم من الوجهين في أول الكلام. قوله تعالى: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا «5». يقرأ بالكسر والضم، وما شاكله من قوله صِلِيًّا «6» وجِثِيًّا «7» وبُكِيًّا «8». فالحجة لمن قرأ بالكسر: أنه نحا ذلك لمجاورة الياء، وجذبها ما قبلها إلى الكسر، ليكون اللفظ به من وجه واحد؛ لأنه يثقل عليهم الخروج من ضم إلى كسر. والحجة لمن ضم: أن الأصل عنده في هذه الأسماء الضمّ، لأنها في الأصل على وزن: (فعول) فانقلبت الواو فيهن ياء لسكونها وكون الياء بعدها فصارتا ياء مشددة. فإن قيل: فهلا كانت هذه الأسماء بالواو، «9» كما كان قوله وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً «10» بالواو، فقل: الأصل في الواحد من هذا الجمع (عاتو وجاثو) لأنه من (يعتو) و (يجثو)، فانقلبت فيه الواو ياء لانكسار ما قبلها، كما قالوا: (غاز) والأصل (غازو)، لأنه من يغزو، فجاء الجمع في ذلك تاليا للواحد في بنائه، لأن الجمع أثقل من الواحد،

_ (1) يريد بالصلة: الصفة، وهذا التعبير شائع عند قدامى النحاة. (2) المائدة: 114. (3) الأنعام: 91. (4) مريم: 6. (5) مريم: 8. (6) مريم: 70. (7) مريم: 68، 72. (8) مريم: 58. (9) أي: صلّوا، وجثّوا، وبكّوا. (10) الفرقان: 21.

والواو أثقل من الياء، فإذا كان القلب في الواحد واجبا كان في الجمع لازما. فأمّا قوله: (عتوّا) فإنما صحّ بالواو؛ لأنه مصدر، والمصدر يجري مجرى الاسم الواحد حكما وإن شارك الجمع لفظا، فصحّت الواو فيه لخفّته، واعتلت في الجمع لثقله، واعتلالها في واحده. فإن قيل: فيلزم على هذا أن يجيز في قوله: فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا «1» كسر الميم فقل: هذا لا يلزم، لأنه مصدر، والفعل منه مضى يمضي مضاء، ومضيّا. وقد بيّنا وجه صحّة لفظ المصدر. وإنما كان يلزم ذلك لو أنه جمع لماض، فأمّا وهو مصدر (فلا). قوله تعالى: وَقَدْ خَلَقْتُكَ «2». يقرأ بالتاء، وبالنّون والألف. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه ردّه على قوله: (هو على هيّن)، وقد خلقتك. والحجة لمن قرأه بالنون والألف: أنه حمله على قوله: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا «3»، وقد خلقناك، وكلاهما من إخبار الله تعالى عن نفسه. فإن قيل: فما معنى قوله: وَلَمْ تَكُ شَيْئاً «4» فقل: معناه: ولم تك شيئا مرئيا مخلوقا موجودا عند المخلوقين، فأما في علم الله فقد كان شيئا، وإنما سمّي «يحيى»، لأنه حيي من عقمين، قد نيّفا على التسعين، ويئسا من الولد. وقوله: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا «5» قيل: لم يسمّ باسمه غيره. وقيل: لم يولد لأبويه ولد قبله. وقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا «6» يحتمل الوجهين. قوله تعالى: لِأَهَبَ لَكِ «7». يقرأ بالياء، والهمزة. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله من إخبار جبريل عليه السلام عن الله عز وجل. ومعناه: ليهب لك ربك. والحجة لمن قرأه بالهمز: أنه أراد بذلك: حكاية جبريل عليه السلام عن الله تعالى: إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ وهو يقول: لِأَهَبَ لَكِ، فأراد أن جبريل عليه السلام أخبر بذلك عن نفسه،

_ (1) يس: 67. (2) مريم: 9. (3) مريم: 13. (4) مريم: 9. (5) مريم: 7. (6) مريم: 65. (7) مريم: 19.

لأنه هو كان المخاطب لها، والنافخ بأمر الله في حيّها «1». قوله تعالى: وَكُنْتُ نَسْياً «2». يقرأ بفتح النون وكسرها. فالحجة لمن فتح أنه أراد المصدر من قولك «نسيت». والحجة لمن كسر: أنه أراد: كنت شيئا ألقي فنسي، والعرب تقول: هذا الشيء لقى «3» ونسي «4»، ومنه قول الشاعر يصف امرأة بالحياء والخفر، وغضّ الطرف: كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... إذا ما غدت وإن تحدّثك تبلت «5» يريد: كأنها تطلب شيئا ألقته لتعرف خبره. ومعنى تبلت: تقصّ وتصدق. قوله تعالى: فَناداها مِنْ تَحْتِها «6». يقرأ بفتح الميم والتاء، وبكسرهما. فالحجة لمن فتح: أنه جعله اسم عيسى وفتح التاء، لأنه ظرف مكانيّ متضمن لجثة (من)، ومن مستقرّ فيه، والاستقرار كون له، والكون مشتمل على الفعل فانتصب الظرف لأنه مفعول فيه بما قدّمناه من القول في معناه. والحجة لمن كسر الميم والتاء: أنه جعلها حرفا خافضا للظرف، لأنه اسم للموضوع. والظرف في الحقيقة: الوعاء، فلذلك جعل المكان ظرفا، لأن الفعل يقع فيه فيحويه. والمراد بالنداء: جبريل، فأمّا مواقع (من) في الكلام، فتقع ابتداء غاية، وتقع تبعيضا، وتقع زائدة مؤكّدة. قوله تعالى: تُساقِطْ «7» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: تتساقط فأسكن التاء الثانية، وأدغمها في السين فشدّد لذلك. والحجة لمن خفف: أنه

_ (1) قال في اللسان: والحيّ فرج المرأة، ورأى أعرابي جهاز عروس فقال: هذا سقف الحيّ: أي جهاز فرج المرأة. اللسان: مادة: حيا. (2) مريم: 23. (3) قال في اللسان: اللّقى: الشيء الملقى، وفي حديث أبي ذرّ ما لي أراك لقى بقى، هكذا جاء محققا في رواية بوزن عصا انظر: (اللسان: مادة لقا). (4) قال الزجاج: النّسي في كلام العرب: الشيء المطروح، لا يؤبه له. (اللسان مادة: نسا). (5) البيت نسبه اللسان إلى الشّنفري على هذه الصورة: كأنّ لها في الأرض نسيا تقصّه ... على أمّها وإن تخاطبك تبلت انظر: اللسان: مادة: نسا. ورواية الطبري تتفق مع رواية ابن خالويه، انظر: (الطبري 16: 66) مطبعة مصطفى الحلبي- طبعة ثانية. (6) مريم: 24. (7) مريم: 25.

حذف التاء تخفيفا، لأنه يثقل عليهم اجتماع حرفين متجانسين، متحرّكين، فمنهم من يخفف بالإدغام، ومنهم من يخفّف بالحذف. قوله تعالى: وَأَوْصانِي «1» يقرأ بالتفخيم والإمالة. وقد ذكر في أمثاله من الاحتجاج ما يغني عن إعادته هاهنا «2». قوله تعالى: قَوْلَ الْحَقِّ «3». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن نصب: أنه وجهه إلى نصب المصدر كما يقول: هذا قولا حقّا، وقول الحقّ. والحجة لمن رفع: أنه جعله بدلا من (عيسى) أو أضمر له (ذلك) ثانية، فعيسى كلمة الله، لأنه بكلمته كان، وقوله، لأنه بقولة: (كن تكون) و (روحه) لأنه كان رحمة على من بعث إليه إذ آمنوا به فنجوا. قوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ «4» يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتحها: أنه ردّ الكلام بالواو على قوله: وأوصاني بالصلاة وبأن الله ربي. والحجة لمن كسرها: أنه استأنف الكلام بالواو. ودليله: أنها في قراءة «أبيّ»: «إنّ الله» بغير واو. قوله تعالى: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ «5». يقرأ بتشديد الكاف وفتح الذال، وبضم الكاف وإسكان الذال. وقد تقدم من القول في نظائره ما يغني عن إعادته «6». قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً «7». يقرأ بفتح اللام وكسرها. والحجة فيه كالحجة في (المخلصين) وقد ذكرت آنفا «8». قوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ «9». يقرأ بالإدغام للمقاربة، وبالإظهار على الأصل وانفصال الحرفين.

_ (1) مريم: 31. (2) انظر: 144. عند قوله تعالى: وَقَدْ هَدانِ. (3) مريم: 34. (4) مريم: 36. (5) مريم: 67. (6) انظر: 161 عند قوله تعالى: فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ. (7) مريم: 51. (8) انظر: 194 عند قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ. (9) مريم: 65.

قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي «1»، يقرأ بالتشديد من نجّى. وبالتخفيف من أنجى. قوله تعالى: خَيْرٌ مَقاماً «2». يقرأ بفتح الميم وضمها. فالحجة لمن ضمّ: أنه جعله من الإقامة، ولمن فتح: أنه جعله اسما للمكان. قوله تعالى: أَثاثاً وَرِءْياً «3». يقرأ بالهمز وتخفيف الياء، وبترك الهمز وتشديد الياء. فالحجة لمن همز: أنه أخذه من رؤية المنظر والحسن. والحجة لمن شدد: أنه أخذه من الرّيّ وهو: امتلاء الشباب، وتحير مائه في الوجه، أو يكون أراد: الهمز فتركه وعوّض التشديد منه. قوله تعالى: مالًا وَوَلَداً «4». يقرأ بفتح الواو واللام، وبضم الواو وإسكان اللام، هاهنا في أربعة مواضع «5»، وفي الزخرف «6» وفي نوح «7». فالحجة لمن فتح: أنه أراد: الواحد من الأولاد. والحجة لمن ضمّ: أنه أراد: جمع (ولد). وقيل هما: لغتان في الواحد كقولهم: عدم وعدم، وسقم وسقم. قوله تعالى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ «8». يقرأ تكاد بالتاء. وقد تقدم ذكره. فأمّا «ينفطرن» فيقرأ بالنون والتخفيف، وبالتاء والتشديد هاهنا، وفي عسق «9». فالحجة لمن قرأه بالتخفيف: أنه مأخوذ من قوله: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ «10»، ودليله قوله: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ «11». والحجة لمن قرأه بالتشديد: أنه أخذه من تفطّرت السماء تتفطّر. وهما لغتان فصيحتان، معناهما: التشقق. ومنه قولهم: تفطّر الشجر: إذا تشقّق ليورق، ومنه قوله تعالى: هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ «12».

_ (1) مريم: 72. (2) مريم: 73. (3) مريم: 74. (4) مريم: 77. (5) انظر آيات: 88 - 91، 92 من سورة مريم. (6) الزخرف: 81. (7) نوح: 21. (8) مريم: 90. (9) الشّورى: 5. (10) الانفطار: 1. (11) المزّمل: 18. (12) الملك: 3.

ومن سورة طه

ومن سورة طه قوله تعالى: طه «1». يقرأ بفتح الحرفين، وكسرهما، وبين ذلك، وهو إلى الفتح أقرب. وبفتح الطاء وكسر الهاء، وقد تقدّم في (كهيعص) من الاحتجاج ما فيه بلاغ. قوله تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ «2» يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتحها: أنه أوقع عليها: (نودي)، فموضعها على هذه القراءة نصب. والحجة لمن كسر: أنه استأنفها مبتدئا، فكسرها، وليس لها على هذه القراءة موضع من الإعراب، لأنها حرف ناصب. قوله تعالى: لِأَهْلِهِ امْكُثُوا «3». يقرأ بضم الهاء وكسرها. وقد ذكرت علّته في البقرة. «4» قوله تعالى: طُوىً «5» يقرأ بإسكان الياء من غير صرف، وبالتنوين والصّرف. فالحجة لمن أسكن ولم يصرف: أنه جعله اسم بقعة، فاجتمع فيه التعريف، والتأنيث، وهما فرعان، لأن التنكير أصل، والتعريف فرع عليه. والتذكير أصل، والتأنيث فرع عليه، فلمّا اجتمع فيه علتان شبّه بالفعل فمنع ما لا يكون إعرابا في الفعل. «6» وقال بعض النحويين: هو معدول عن «طاو» كما عدل «عمر» عن «عامر» فإن صح ذلك، فليس في ذوات الواو اسم عدل عن لفظه سواه. والاختيار: ترك صرفه، ليوافق الآي التي قبله. والحجة لمن أجراه ونوّنه: أنه اسم واد مذكّرا، فصرفه، لأنه لم تجتمع فيه علّتان، تمنعانه الصّرف. قوله تعالى: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ «7». يقرأ بتخفيف «أنا» وفتح الهمزة وبالتاء في «اخترتك»، وبكسر الهمزة وفتحها وتشديد النون، وبنون مكان التاء وألف بعدها في (اخترتك). فالحجة لمن فتح الهمزة وخفّف وأتى بالتاء: أنه جعل (أنا) اسما لله تعالى مقدّما على الفعل

_ (1) طه: 1. (2) طه: 12. (3) طه: 10. (4) انظر: 71 عند قوله تعالى: مَشَوْا فِيهِ. (5) طه: 12. (6) وهو الخفض والتنوين. (7) طه: 13.

مرفوعا بالابتداء، و «اخترت» الخبر، والتاء اسم للفاعل، والكاف اسم المفعول به. والحجة لمن كسر الهمزة وشدّد النون. أنه جعلها حرفا ناصبا مبتدأ، وشدّد النون لأنها في الأصل نونان أدغمت إحداهما في الأخرى تخفيفا. والحجة لمن فتحها: أنه ردّ الكلام على قوله: (أني أنا ربك)، وأنا اخترناك كما تخبر الملوك عن أنفسها بنون الملكوت. قوله تعالى: أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ «1». يقرءان بوصل الألف الأولى وقطع الثانية وفتحها، وبقطع الأولى وفتحها، وبقطع الثانية وضمّها، والفعل في القراءتين مجزوم، لأنه جواب الطلب. فالحجة لمن وصل الأولى وفتح الثانية: أنه أتى بالكلام على طريق الدعاء بلفظ الأمر فوصل الأولى، لأنها من فعل ثلاثي، وقطع الثانية لأنها من فعل رباعي. والحجة لمن قطعهما: أنه أخبر بذلك عن نفسه، وقياس ألف المخبر عن نفسه قياس النون، والتاء، والياء الزوائد مع الألف في أول الفعل المضارع، فمتى انضممن حكم على الألف بالضم، ومتى انفتحن حكم على الألف بالفتح، لأن الألف إحداهن عند الأمر بالفعل، والطلب، والدّعاء، والمسألة. قوله تعالى: الْأَرْضَ مِهاداً «2». يقرأ بإثبات الألف وحذفها. فالحجة لمن أثبت الألف هاهنا وفي الزخرف «3»: أنه جعله اسما للأرض أي: جعلها لهم فراشا والحجة لمن حذف الألف: أنه جعله مصدرا من قولك: مهدتها مهدا، كما تقول: فرشتها فرشا. فأمّا التي في عَمَّ يَتَساءَلُونَ «4» فبالألف إجماع لموافقة رءوس الآي. قوله تعالى: مَكاناً سُوىً «5». يقرأ بضم السين وكسرها. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: مكانا مساويا بيننا وبينك. والحجة لمن كسر «6»: أنه أراد: مكانا مستويا أي: لا مانع فيه من النظر. وقيل: هما لغتان فصيحتان إلّا أنه اسم مقصور لا يبين فيه إعراب، لأنه قصر

_ (1) طه: 30، 31، 32. (2) طه: 53. (3) الزخرف: 10. (4) النبأ: 6. (5) طه: 58. (6) في الأصل: (لمن ضم) وهو تحريف لأنه لا يتفق مع الأسلوب من ناحية ولا مع اللغة من ناحية أخرى، فقد قال ابن هشام: «سواء تكون بمعنى مستو، ويوصف به المكان بمعنى: أنه نصف بين مكانين، والأفصح فيه حينئذ أن يقصر مع الكسر نحو (مكانا سوى) وهو أحد الصفات التي جاءت على فعل كقولهم: ماء روى، وقوم عدى). انظر: (المغنى لابن هشام 1: 124).

عنه، أو لأنه مأخوذ من قوله: مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ «1» أي محبوسات فكأنه حبس عن الإعراب. قوله تعالى: فَيُسْحِتَكُمْ «2». يقرأ بفتح الياء والحاء وبضم الياء وكسر الحاء. وهما لغتان: فالفتح من سحت، والضم من أسحت، ومعناهما: استأصل. قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «3». أجمع القراء على تشديد نون «إنّ» إلّا (ابن كثير) و (حفصا) عن (عاصم) فإنهما خفّفاها. وأجمعوا على لفظ الألف في قوله: (هذان) إلا (أبا عمرو) فإنه قرأها بالياء. وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلّا ابن كثير فإنه شدّدها. فالحجة لمن شدّد النون في (إنّ) وأتى بألف في (هذان): أنه احتج بخبر (الضحاك) «4» عن (ابن عباس) «5»: أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حيّ من أحياء العرب. وهذه اللفظة بلغة «بلحارث بن كعب» «6» خاصة، لأنهم يجعلون التثنية بالألف في كل وجه، لا يقلبونها لنصب ولا خفض. قال شاعرهم: إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها «7» فلما ثبتت هذه اللفظة في السّواد بالألف، وافقت هذه اللغة، فقرءوا بها، ولم يغيّروا

_ (1) الرحمن: 72. (2) طه: 61. (3) طه: 63. (4) هو الضّحاك بن سفيان بن عوف بن كعب، يكنى أبا سعيد، وصحب النبي عليه الصلاة والسلام، وولّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وروى عنه سعيد بن المسيّب، والحسن البصري. انظر: (أسد الغاية 3: 36). (5) انظر: أسد الغابة 3: 192. (6) قال الجاربردي: «إن بلحارث بن كعب، وخثعما، وزبيدا، وقبائل من اليمن، يجعلون ألف الاثنين في الرفع، والنصب، والخفض على لفظ واحد» انظر: (شرح الجاربردي على الشافية لابن الحاجب 1: 77). وقال ابن جماعة: نسبها إلى بني الحارث من النحويين الكسائي، ونسبها أيضا إلى خثعم وزبيد وهمدان، ونسبها أبو خطاب لكنانة، وبعضهم لبني العنبر، وعذره، ومراد، وغيرهم. انظر: (حاشية ابن جماعة على شرح شافية ابن الحاجب 1: 277). (7) ينسب إلى أبي النّجم: الفضل بن قدامة العجلي، وقيل إلى رؤية بن العجاج، وهذان البيتان من الرجز المشطور. «وغايتاها» مفعول «بلغا» والضمير للمجد، وأنثه باعتبار أنه صفة، أو رتبة. والمراد «بالغايتين»: المبدأ والنهاية. أو غاية المجد في النسب، وغايته في الحسب. انظر: (الإنصاف لابن الأنباري 1: 18)، و (شرح ابن عقيل 1: 38). و (حاشية الخضري 1: 38).

ما ثبت في المصحف. والحجة لمن خفف النون: أنه جعلها خفيفة من الشديدة فأزال عملها، وردّ ما كان بعدها منصوبا إلى أصله، وهو المبتدأ، وخبره، فلم يغيّر اللفظ ولا لحن في موافقة الخطّ. فإن قيل: إن اللام لا تدخل على خبر المبتدأ، لا يقال: زيد لقائم. فقل: من العرب من يفعل ذلك تأكيدا للخبر. وأنشد شاهدا لذلك: خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا «1» والوجه الآخر: أن يكون (إن) هاهنا بمعنى «ما» واللام بمعنى «إلّا» كقوله تعالى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ «2» معناه: والله أعلم: ما كل نفس إلّا عليها حافظ «3». وقال: (أبو العباس المبرد) «4»: أولى الأمور بإن المشددة أن تكون هاهنا بمعنى «نعم» كما قال (ابن الزبير) «5» للأعرابي لما قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك فقال له: (إنّ وراكبها) أراد: (نعم وراكبها) وأنشد: بكر العواذل بالضّحى ... يلحينني وألومهنّه ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت ت فقلت إنّه «6» أراد فقلت: نعم، فوصلها بهاء السكت. فقيل له: إنّ اللام لا تدخل على خبرها إذا كانت بمعنى «نعم» فقال: إنما دخلت اللام على اللفظ لا على المعنى. والحجة لمن قرأها بالياء ما روي عن (عائشة) «7» و (يحيى بن يعمر) «8»: أنه لما رفع المصحف إلى

_ (1) انظر: فرائد القلائد: 81. (2) الطارق: 4. (3) انظر: البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري: (ورقة: 257) مخطوط. (4) انظر ص 165. (5) انظر: أسد الغابة 3: 161. (6) في الخزانة 4: 485، وقد نسبا إلى عبيد الله بن قيس الرقيّات وانظر: الكتاب 1: 475، 2: 279. وشرح المفصل 3: 130، وفي المغنى لابن هشام 1: 36، 2: 175. والبيان والتبيين للجاحظ 2: 279، وانظر: تحقيق أستاذنا عبد السلام هارون في صاحب هذين البيتين، هل هو: عبد الله، أو عبيد الله؟. (7) عائشة: انظر: أسد الغابة 5: 501 وغيره من كتب الطّبقات. (8) يحيى بن يعمر: ويكنى: أبا سليمان. وكان عالما بالعربية والحديث، لقي عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وروى عن قتادة، ومات بخراسان سنة تسع وعشرين ومائة: انظر: (نزهة الألباء: 10).

(عثمان) «1» قال: أرى فيه لحنا، وستقيمه العرب بألسنها. فإن قيل: فعثمان كان أولى بتغيير اللحن: فقل: ليس اللحن هاهنا أخطاء الصواب، وإنما هو خروج من لغة قريش إلى لغة غيرهم «2». والحجة لمن شدد النون في التثنية مذكورة في النساء «3». قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ «4». يقرأ بوصل الألف، وقطعها. فالحجة لمن وصل: أنه جعله بمعنى اعزموا. والحجة لمن قطع: أنه أراد: فأجمعوا الكيد، والسّحر. ودليل الوصل، قوله تعالى: فَجَمَعَ كَيْدَهُ «5» ولم يقل: فأجمع. قوله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ «6». يقرأ بالتاء «7» والياء. والحجة لمن قرأ بالتاء: أنه ردّه على الحبال والعصي، لأنه جمع ما لا يعقل. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على السّحر. قوله تعالى: تَلْقَفْ «8» يقرأ بفتح اللام وتشديد القاف، والرفع، والجزم، وبإسكان اللام وتخفيف القاف والجزم. فالحجة لمن شدّد ورفع: أنه أراد: تتلقف فأسقط إحدى التاءين تخفيفا، وجزم بجواب الأمر، فقد روى عن (ابن كثير): تشديد هذه التاء وما شاكلها في نيّف «9» وثلاثين موضعا. والحجة لمن خفف وجزم: أنه أخذه من لقف يلقف وجزمه بالجواب أيضا. والحجة لمن شدّد ورفع: أنه أضمر الفاء فكأنه قال: الق ما في يمينك، فإنها تلقف، أو يجعله حالا من (ما) كما قال: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ «10». قوله تعالى: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ «11». يقرأ بإثبات الألف وحذفها. فالحجة لمن

_ (1) عثمان: انظر: (أسد الغابة 3: 376 وغيره من كتب الطبقات). (2) انظر: كتاب القرآن الكريم، وأثره في الدراسات النحوية للمحقق من 24 إلى 29 طبع دار المعارف. (3) انظر ص 121. (4) طه: 64. (5) طه: 60. (6) طه: 66. (7) هي قراءة الحسن البصري، وقرأ بالياء عامّة قراء الأمصار. وفي نظر الطبري أن القراءة التي لا يجوز غيرها، «يخيل» بالياء، لإجماع الحجة من القراء عليه. انظر: الطبري (16: 140) المطبعة الأميرية سنة 1328 هـ. (8) طه: 69. (9) نيّف بتشديد الياء، وعوامّ الناس يخففونه، وهو لحن عند الفصحاء. «اللسان: نوف». (10) المدثر: 6. (11) طه: 69.

أثبتها: أنه جعله اسما لفاعل مشتقا من فعله. والحجة لمن حذفها، أنه أراد اسم الفعل وهو المصدر. قوله تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً «1». أجمع القرّاء على الرفع إلا حمزة فإنه قرأه بالجزم على طريق النهي. فالحجة لمن رفع. أنه جعله خبرا وجعل (لا) فيه بمعنى (ليس). فإن قيل: فما حجة (حمزة) في إثبات الياء في تَخْشى «2» وحذفها علم الجزم «3»؟ فقل له في ذلك وجهان أحدهما: أنه استأنف: (ولا تخشى)، ولم يعطفه على أول الكلام فكانت (لا) فيه بمعنى (ليس) كما قال تعالى: فَلا تَنْسى «4». والوجه الآخر: أنه لما طرح الياء أشبع فتحة السين فصارت ألفا ليوافق رءوس الآي التي قبلها بالألف. قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ «5». يقرأ بقطع الألف وإسكان التاء، وبوصلها وتشديد التاء. فالحجة لمن قطع: أنه أراد: فألحقهم وهما لغتان؛ لحق وألحق. والحجة لمن وصل: أنه أراد: سار في أثرهم. قوله تعالى: قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ «6». يقرءان بالتاء وبالألف والنون إلا ما قرأه (أبو عمرو) من طرح الألف في «ووعدناكم» فمن قرأه بالتاء. فالحجة له: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه، لأن التاء اسم الفاعل المنفرد بفعله. والحجة لمن قرأه بالنون والألف: أنه جعله من إخبار الله عزّ وجل عن نفسه بنون الملكوت لأنه ملك الأملاك، وعلى هذه اللغة يتوجه قوله: قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ «7»، لأنه خاطبه بلفظ ما أخبر به عه نفسه، فأمّا قوله: (وعدناكم) و (أوعدناكم) فالفرق بينهما مذكور في البقرة «8». قوله تعالى: آمَنْتُمْ لَهُ «9». يقرأ بالاستفهام والإخبار. وقد ذكرت علله في الأعراف «10» قوله تعالى: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ «11» يقرءان بالكسر معا، وبالضم. فالحجة لمن كسر: أنه أراد: نزل ووقع. والحجة لمن ضم: أنه أراد؛ وجب. والوجه: الكسر لإجماعهم على قوله تعالى: وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ «12».

_ (1) طه: 77. (2) طه: 77. (3) أي أنها تحذف في حالة الجزم. (4) الأعلى: 6. (5) طه: 78. (6) طه: 80. (7) المؤمنون: 99. (8) انظر: 76 عند قوله تعالى: وَإِذْ واعَدْنا. (9) طه: 71 وفي الأصل (به) وهو خطأ. (10) انظر: ص: 161 عند قوله تعالى: (أأمنتم به). (11) طه: 81. (12) هود: 39.

فإن قيل: ما وجه الإدغام في قوله: (فيحلّ) والإظهار في قوله: (ومن يحلل)؟ فقل: إنما يكون الإدغام في متحرّكين، فسكن الأول لاجتماعهما، ثم يدغم. فإن كان الأول متحرّكا، والثاني ساكنا بطل الإدغام، فالأصل المدغم فيمن ضم (فيحلل) وفيمن كسر (فيحلل) فنقلت الحركة من اللام إلى الحاء وأسكنت اللام ثم أدغمت. فهذا فرقان ما بين المدغم والمظهر. قوله تعالى: بِمَلْكِنا «1» يقرأ بكسر الميم وضمّها، وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه أراد: اسم الشيء المملوك كقولك: هذا الغلام ملكي، وهذه الجارية ملك يميني. والحجة لمن ضم: أنه أراد بسلطاننا. ودليله قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ «2» يريد: السّلطان. والحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر من قولهم: ملك يملك ملكا. قوله تعالى: وَلكِنَّا حُمِّلْنا «3» يقرأ بالتخفيف والتشديد. فالحجة لمن خفف: أنه أرادهم بالفعل، وجعل النون والألف المتصلين به في موضع رفع «4». والحجة لمن شدد: أنه جعل الفعل لما لم يسمّ فاعله، ودلّ عليه بضم أوله وكان أصله ولكنّا حملنا (السامريّ)، فلما خذل الفاعل أقيم المفعول مقامه، فرفع، لأن الفعل الذي كان حديثا عن الفاعل صار عن المفعول فارتفع به. قوله تعالى: أَلَّا تَتَّبِعَنِ «5». يقرأ بإثبات الياء وصلا ووقفا على الأصل، وبإثباتها وصلا وحذفها درجا اتّباعا للخط في الوصل، والأصل في الدّرج، وبحذفها وصلا ووقفا اجتزاء بالكسرة منها. قوله تعالى: يا ابن أم «6» يقرأ بكسر الميم وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه أراد: يا ابن أمي، فحذف الياء اجتزاء بالكسرة منها، والوجه إثباتها، لأن هذه الياء إنما تحذف في النداء المضاف إليك، إذا قلت: يا غلامي، لأنها وقعت موقع التنوين، والتنوين لا يثبت في النداء.

_ (1) طه: 87. (2) غافر: 16. (3) طه،: 87. (4) على أنه فاعل. (5) طه: 93. (6) طه: 94.

فأما الياء هاهنا فالتنوين ثبت في موضعها إذا قلت: يا ابن أم زيد، وإنما حذفت الياء لما كثر به الكلام، فصار المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، فحذفت الياء كذلك. والحجة لمن فتح: أنه أراد: يا ابن أمّاه، فرخّم، فبقيت الميم على فتحها، أو بنى ابنا مع الأم بناء (خمسة عشر)، أو قلب من الياء ألفا وقد ذكرت وجوهه في الأعراف «1» مستقصاة بما يغني عن إعادته هاهنا. قوله تعالى: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ «2». يقرأ بالياء والتاء فالياء لمعنى الغيبة والتاء لمعنى الحضرة. قوله تعالى: لَنْ تُخْلَفَهُ «3». يقرأ بكسر اللام وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الفعل (للسامريّ) والهاء كناية عن الموعد. والحجة لمن فتح: أنه أراد: الدّلالة على أنه مستقبل ما لم يسمّ فاعله. والهاء على أصلها في الكناية، وهي في موضع نصب في الوجهين. قوله تعالى: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ «4». إجماع القراء فيه على الياء وضمها على ما لم يسم فاعله إلّا ما اختاره (أبو عمرو) من النون وفتحها. وله في ذلك وجهان: أحدهما أنه أتى بالنون في ننفخ ليوافق به لفظ نَحْشُرُ «5»، فيكون الكلام من وجه واحد. والثاني: أن النافخ في الصّور، وإن كان إسرافيل، فإن الله عز وجل هو الآمر له بذلك والمقدّر والخالق له، فنسب الفعل إليه لهذه المعاني. ودليله قوله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها «6» والمتوفّى لها ملك الموت عليه السلام. قوله تعالى: وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها «7». يقرأ بفتح (أن) وكسرها. فالحجة لمن فتحها: أنه ردّه على قوله: أَلَّا تَجُوعَ «8» يريد: وأنك لا تظمأ فردّه على المعنى لا على اللفظ. والحجة لمن كسر، أنه استأنف ولم يعطف. ومعنى لا تظمأ: أي لا تعطش. ولا تضحي: أي: لا تبرز للشمس. قوله تعالى: فَلا يَخافُ ظُلْماً «9». يقرأ بالياء وإثبات الألف والرفع، وبالتاء وحذف

_ (1) انظر: 164. (2) طه: 96. (3) طه: 97. (4) طه: 102. (5) طه: 102. (6) الزمر: 42. (7) طه: 119. (8) طه: 118. (9) طه: 112.

ومن سورة الأنبياء

الألف والجزم. فالحجة لمن قرأ بالياء والرفع أنه جعله خبرا. والحجة لمن قرأ بالتاء والجزم أنه جعله نهيا. ومعنى الظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه. والهضم: النقصان. قوله تعالى: أَعْمى «1» في الموضعين يقرءان بالتفخيم والإمالة. فالحجة لمن فخم: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أمال: أنه دلّ بذلك على الياء. وقيل في معناه: أعمى عن حجته، وقيل عن طريق الجنة. قوله تعالى: لَعَلَّكَ تَرْضى «2». يقرأ بفتح التاء وضمّها. فالحجة لمن فتحها: أنه قصده بكون الفعل له ففتح، لأنه من فعل ثلاثي. والحجة لمن ضم: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله، والأمر فيهما قريب، لأن من أرضي فقد رضي. ودليله قوله تعالى: راضِيَةً مَرْضِيَّةً «3». قوله تعالى: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ «4». يقرأ بالياء والتاء. والحجة فيه ما قدّمناه في أمثاله، والاختيار التاء لإجماعهم على قوله: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ «5». ومن سورة الأنبياء قوله تعالى: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ «6». يقرأ بإثبات الألف وحذفها «7». فالحجة لمن أثبت: أنه جعله فعلا ماضيا أخبر به. والحجة لمن حذف: أنه جعله من أمر النبي صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: نُوحِي إِلَيْهِمْ «8». يقرأ بالنون وكسر الحاء وبالياء وفتحها. فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه أراد بذلك من شكّ في نبوة محمد صلى الله عليه، وكفر به وقال: هلّا كان ملكا؟ فأمرهم الله أن يسألوا أهل الكتب هل كانت الرسل إلّا رجالا يوحى إليهم. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أراد: أن الله تعالى أخبر به عن نفسه وردّه على قوله: (أرسلنا) ليكون الكلام من وجه واحد، فيوافق بعضه بعضا. قوله تعالى: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ «9». يقرأ بياء مفتوحة ورفع (الصمّ)، وبتاء

_ (1) طه: 124، 125. (2) طه: 130. (3) الفجر: 28. (4) طه: 133. (5) البينة: 1. (6) الأنبياء: 4. (7) وذلك في قوله «قال». (8) الانبياء: 7. (9) الأنبياء: 45.

مضمومة ونصب (الصم). فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه أفردهم بالفعل فرفعهم بالحديث عنهم. والحجة لمن قرأ بالتاء: أنه قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل، ونصب (الصم) بتعدي الفعل إليهم. ودليله قوله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ «1» لأنّ من لم يلتفت إلى وعظ الرسول عليه السلام، ولم يسمع عن الله ما يخاطبه به كان كالميّت الذي لا يسمع ولا يجيب. قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا «2». يقرأ بإثبات الواو وحذفها. فالحجة لمن ثبتها: أنه جعلها واو العطف دخلت على ألف التوبيخ كما تدخل الفاء. والحجة لمن حذفها: أنه اتّبع خط مصاحف أهل الشام، ومكة واجتزأ منها بالألف، لأن دخولها مع الألف وخروجها سيّان. ومعنى قوله: (رتقا): مغلقة. ومعنى (الفتق): تشقّق السماء بالمطر، والأرض بالنبات. قوله تعالى: وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ «3». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعل كان بمعنى (حدث) و (وقع) فلم يحتج إلى خبر. والحجة لمن نصب: أنه أضمر في (كان) اسما معناه: وإن كان الشيء مثقال حبّة. فإن قيل: فلم قال: أَتَيْنا بِها «4»، ولم يقل (به)؟ فقل: لأن مثقال الحبّة هو الحبّة ووزنها. قوله تعالى: وَضِياءً وَذِكْراً «5». يقرأ بياء وهمزة، وبهمزتين وقد ذكرت علته «6» في (يونس) وقال الكوفيون: الواو في قوله: (وضياء) زائدة، لأن الضياء: هو: الفرقان، فلا وجه للواو. وقال البصريون: هي واو عطف معناها: وآتيناهما ضياء. ودليلهم قوله: فِيهِ هُدىً وَنُورٌ «7». والنور: هو الهدى، وسمّيت التوراة فرقانا، لأنها فرّقت بين الحق والباطل. قوله تعالى: وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ «8» يقرأ بضم التاء وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: تردون. والحجة لمن فتح: أنه أراد: تصيرون.

_ (1) فاطر: 22. (2) الأنبياء: 53. (3) الأنبياء: 47. (4) الآية نفسها. (5) الأنبياء: 48. (6) انظر: 180. (7) المائدة: 46. (8) الأنبياء: 35.

قوله تعالى: جُذاذاً «1». يقرأ بضم الجيم وكسرها. فمن ضمّ أراد به: معنى حطام ورفات، ولا يثنى في هذا ولا يجمع. والحجة لمن كسر: أنه أراد: جمع (جذيذ) بمعنى: مجذوذ كقولهم: (خفيف) و (خفاف). قوله تعالى: أُفٍّ لَكُمْ «2» مذكور في بني إسرائيل «3». قوله تعالى: لِتُحْصِنَكُمْ «4»، يقرأ بالتاء، والياء، والنون. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه ردّه على (الصنعة) و (اللّبوس) «5» لأن اللبوس: الدرع وهي مؤنثة. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على لفظ (اللبوس) لا على معناه. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أخبر به عن الله عز وجل، لأنه هو المحصّن لا الدّرع. قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ «6»، إجماع القرّاء على إثبات النونين الأولى علامة الاستقبال، والثانية فاء الفعل إلّا ما قرأه (عاصم) بنون واحدة مضمومة، وتشديد الجيم. فالحجة لمن قرأه بنونين وإن كان في الخط بنون واحدة: أنّ النون تخفى عند الجيم فلما خفيت لفظا، سقطت خطّا، ودل نصب المؤمنين على أن في الفعل فاعلا هو: الله عز وجل. و (لعاصم) في قراءته وجه في النحو: لأنه جعل (نجّي) فعل ما لم يسم فاعله، وأرسل الياء بغير حركة، لأن الحركة لا تدخل عليها في الرفع، وهي ساقطة في الجزم إذا دخلت في المضارع، وأضمر مكان المفعول الأول المصدر لدلالة الفعل عليه. ومنه قولهم: من كذب كان شرا له، يريدون: كان الكذب. فلما دلّ (كذب) عليه حذف، فكأنه قال: وكذلك نجّي النّجاء المؤمنين. وأنشد شاهدا لذلك: ولو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسبّ بذلك الجرو الكلابا «7»

_ (1) الأنبياء: 58. (2) الأنبياء: 67. (3) انظر: 215. (4) الأنبياء: 80. (5) من قوله تعالى: صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ الآية: نفسها. (6) الأنبياء: 88. (7) قال في الخزانة: قفيرة بتقديم القاف على الفاء، والراء المهملة: اسم أم الفرزدق والجرو: مثلث الجيم: ولد السباع، وهذا البيت من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق مطلعها:

قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ «1» يقرءان بالتشديد والتخفيف، وبالهمز وتركه. وقد ذكرت علل ذلك فيما سلف «2». قوله تعالى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ «3» يقرأ بفتح الحاء والراء وإثبات الألف، وبكسر الحاء وإسكان الراء وحذف الألف «4». فالحجة لمن فتح وأثبت الألف: أنه أراد: ضد الحلال. والحجة لمن كسر الحاء وحذف الألف: أنه أراد: وواجب على قرية. و (لا) في قوله: (لا يرجعون) صلة. ومعناه: واجب عليهم الرجوع للجزاء. وقيل هما لغتان: حرم وحرام، وحلّ وحلال. قوله تعالى: لِلْكُتُبِ «5». يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد ذكرت علل ذلك آنفا «6»، وقال بعضهم: السّجلّ: الكاتب. قوله تعالى: فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ «7». يقرأ بضم الزاي وفتحها. وقد ذكر فيما مضى «8». قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ «9» يريد به من قبل الذكر. والذكر القرآن. والأرض: أرض الجنة، لقوله: الصَّالِحُونَ «10».

_ أقلّي اللوم عاذل والعتابا ... وقولى: إن أصبت لقد أصابا والشاهد في هذا البيت كما في الدّرر اللوامع: نيابة غير المفعول به مع وجوده ف (بذلك) جار ومجرور وناب عن فاعل (سب) مع وجود الكلاب وهو مفعول به. انظر: (الخزانة 1: 163 والدّرر اللوامع: 1: 144). (1) الأنبياء: 96. (2) انظر: 231. (3) الأنبياء: 95. (4) قراءة عامة أهل الكوفة. قال الطبري: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان: متفقتا المعنى غير مختلفتيه، وذلك أن الحرم هو:: الحرام والحرام هو: الحرم، كما الحلّ هو: الحلال والحلال هو: الحلّ فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب. (الطبري: 17: 68) المطبعة الأميرية. (5) الأنبياء: 104. (6) انظر ص: 105. (7) الأنبياء: 105. (8) انظر: 128. (9) الأنبياء: 105. (10) الأنبياء: 105.

ومن سورة الحج

قوله تعالى: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ «1». يقرأ بإثبات الألف على الخبر، وبطرحها على الأمر. فإن قيل: ما وجه قوله (بالحق)؟ فقل: يريد احكم بحكمك الحقّ ثم سمّى الحكم حقّا. قوله تعالى: عَلى ما تَصِفُونَ «2». يقرأ بالياء والتاء. وقد تقدّمت العلة في ذلك من الغيبة والخطاب. فاعرفه إن شاء الله. ومن سورة الحج قوله تعالى: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى. وَما هُمْ بِسُكارى «3» يقرءان بضم السين وإثبات الألف، وبفتحها وطرح الألف، وهما جمعان «لسكران» وسكرانة». فالحجة لمن ضم السين وأثبت الألف: أنه لما كان السّكر يضعف حركة الإنسان شبّه بكسلان وكسالى. والحجة لمن فتح وحذف الألف: أنه لما كان السكر آفة داخلة على الإنسان شبه بمرضى وهلكى. فإن قيل: فما وجه النفي بعد الإيجاب؟ فقل: وجهه: أنهم سكارى خوفا من العذاب وهول المطلع وما هم بسكارى كما كانوا يعهدون من الشراب في دار الدنيا. قوله تعالى: وَلُؤْلُؤاً «4». يقرأ بالخفض، والنّصب، وبهمزتين، وبهمزة واحدة. فالحجة لمن خفض أنه ردّه بالواو على أول الكلام، لأن الاسم يعطف على الاسم. والحجة لمن نصب: أنه أضمر فعلا كالأول معناه: ويحلّون لؤلؤا، وسهل ذلك عليه كتابها في السّواد هاهنا وفي (الملائكة) «5» بألف. والحجة لمن همز همزتين: أنه أتى بالكلمة على أصلها. ولمن قرأه بهمزة واحدة: أنه ثقل عليه الجمع بينهما، فخفّف الكلمة بحذف إحداهما، وقد اختلف عنه في الحذف. فقيل: الأولى، وهي أثبت، وقيل: الثانية، وهي أضعف. قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا «6». يقرأ بكسر اللام وإسكانها مع ثمّ، والواو، والفاء.

_ (1) الأنبياء: 112. (2) الأنبياء: 112. (3) الحج: 2. (4) الحج: 23. (5) فاطر: 33. (6) الحج: 29.

والكسر مع ثمّ أكثر. فالحجة لمن كسر: أنه أتى باللام على أصل ما وجب لها قبل دخول الحرف عليها. والحجة لمن أسكن: أنه أراد: التخفيف لثقل الكسر. وإنما كان الاختيار مع (ثمّ) الكسر ومع (الواو) و (الفاء) الإسكان أن (ثمّ) حرف منفصل يوقف عليه، والواو والفاء لا ينفصلان، ولا يوقف عليهما. وكلّ من كلام العرب. قوله تعالى: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ «1». يقرأ بالرفع والنصب «2». فالحجة لمن رفع: أنه أراد الابتداء، والعاكف الخبر. والحجة لمن نصب: أنه أراد: مفعولا ثانيا لقوله: (جعلناه) ورفع العاكف بفعل يريد به: (استوى) العاكف فيه والبادي. قوله تعالى: هذانِ «3» يقرأ بتشديد النون وتخفيفها. وقد ذكرت علله آنفا «4». قوله تعالى: وَالْبادِ «5» يقرأ بإثبات الياء وحذفها. وقد ذكرت الحجة فيه «6». قوله تعالى: وَلْيُوفُوا «7». يقرأ بتشديد الفاء، وتخفيفها، فالحجة لمن شدد: أنه استدل بقوله: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى «8». والحجة لمن خفف: أنه استدل بقوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «9» وقد ذكرت علته آنفا «10». قوله تعالى: فَتَخْطَفُهُ «11». يقرأ بفتح الخاء وتشديد الطاء. وبإسكان الخاء وتخفيف الطاء. فالحجة لمن شدد أنه أراد: (فتختطفه) فنقل فتحة التاء إلى الخاء وأدغم التاء في الطاء فشدّد لذلك. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من قوله تعالى: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ «12» وهما لغتان فصيحتان. قوله تعالى: مَنْسَكاً «13» يقرأ بفتح السين وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أتى بالكلمة على أصلها، وما أوجبه القياس لها، لأن وجه: فعل يفعل بضم العين أن يأتي المصدر منه والموضع (مفعلا) بالفتح كقولك: مدخلا ومخرجا، ومنسكا. وما كان مفتوح العين أتى المصدر منه بالفتح، والاسم بالكسر، كقولك: ضربت مضربا، وهذا مضربي.

_ (1) الحج: 25. (2) أي سواء. (3) الحج: 19. (4) انظر: 121. (5) الحج: 25. (6) انظر: 169. (7) الحج: 29. (8) النجم: 37. (9) المائدة: 1. (10) انظر: 87 عند قوله تعالى: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا. (11) الحج: 31. (12) الصافات: 10 (13) الحج: 34.

والحجة لمن كسر السين: أنه أخذه من الموضع الذي تذبح فيه النسيكة، وهي: الشاة الموجبة لله. قوله تعالى: لَهُدِّمَتْ «1». يقرأ بتشديد الدال وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: تكرير الفعل. والحجة لمن خفف: أنه أراد: المرّة الواحدة من الفعل. وهما لغتان فاشيتان. قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ «2» وإِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ «3» يقرءان بفتح الدال من غير ألف، وبكسرها وإثبات الألف. وقد ذكرت علته في البقرة «4». قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ «5» يقرأ بضم الهمزة وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله. والحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لله عز وجل. قوله تعالى: يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ «6». يقرأ بفتح التاء وكسرها على لما قدمناه من بناء الفعل لفاعله بالكسر، ولما لم يسمّ فاعله بالفتح. قوله تعالى: أَهْلَكْناها «7» يقرأ بالتاء، وبالنون والألف. فالدليل لمن قرأ بالتاء قوله: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ «8»، ولم يقل: نكيرنا. والحجة لمن قرأ بالنون والألف: أنه اعتبر ذلك بقوله تعالى: قَسَمْنا بَيْنَهُمْ «9» وهو المتولي لذلك. قوله تعالى: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ «10». يقرأ بالهمز على الأصل، وبتركه تخفيفا. قوله تعالى: مِمَّا تَعُدُّونَ «11». يقرأ بالياء والتاء على ما قدمنا القول في أمثاله. قوله تعالى: مُعاجِزِينَ «12» يقرأ بتشديد الجيم من غير ألف، وبتخفيفها وإثبات الألف. فالحجة لمن قرأه بالتشديد: أنه أراد: مبطئين مثبطين. والحجة لمن قرأه بالتخفيف: أنه أراد: معاندين، فالتثبيط والتعجيز خاص لأنه في نوع واحد، وهو: الإبطاء عن الرسول عليه السلام، والعناد عام، لأنه يدخل فيه الكفر. والمشاقّة. على أن معناهما قريب عند النظر، لأن من أبطأ عن الرسول فقد عانده وشاقّه.

_ (1) الحج: 40. (2) الحج: 40. (3) الحج: 38. (4) انظر: 99. (5) الحج: 39. (6) الحج: 39. (7) الحج: 45. (8) الحج: 44. (9) الزخرف: 32. (10) الحج: 45. (11) الحج: 47. (12) الحج: 51.

ومن سورة المؤمنون

فأمّا قوله تعالى: أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ «1» لأنه يصير بمعنى: لم يكونوا معاندين، وهذا خطأ. ومعنى معجزين: سابقين فائتين. ومنه: أعجزني الشيء. قوله تعالى: ثُمَّ قُتِلُوا «2» يقرأ بتشديد التاء وتخفيفها. وقد ذكر «3». وقوله: مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ «4» يقرأ بضم الميم وفتحها وقد تقدم ذكره «5». قوله تعالى: وَأَنَّ ما يَدْعُونَ «6» يقرأ بالتاء والياء هاهنا وفي لقمان «7» وفي العنكبوت «8» والمؤمن «9». وقد ذكرت الأدلة فيه مقدمة فيما سلف «10». ومن سورة المؤمنون قوله تعالى: لِأَماناتِهِمْ «11»، يقرأ بالتوحيد والجمع. فمن وحّد استدل بقوله: وَعَهْدِهِمْ «12» ولم يقل: وعهودهم. ومن جمع استدل بقوله: أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها «13». قوله تعالى: عَلى صَلَواتِهِمْ «14». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه اجتزأ بالواحد عن الجميع، كما قال تعالى: أَوِ الطِّفْلِ «15». والحجة لمن جمع: أنه أراد: الخمس المفروضات. والنوافل المؤكدات. وقد ذكر معنى الصلاة في براءة «16».

_ (1) هود: 20. (2) الحج: 58. (3) انظر: 162. (4) الحج 59. (5) انظر: 122. (6) الحج: 62. (7) لقمان: 30 (8) العنكبوت: 42. (9) المؤمن: 20. (10) انظر: 82 عند قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، وهي قراءة مكرّرة أكثر من مرّة في الكتاب. (11) المؤمنون: 8. (12) المؤمنون: 8. (13) النساء: 58. (14) المؤمنون: 9. (15) النور: 31. (16) انظر: 177.

قوله تعالى: فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً «1». يقرأ بالتوحيد والجمع على ما ذكرنا في قوله: (صلواتهم). قوله تعالى: سَيْناءَ «2» يقرأ بكسر السين وفتحها وهما لغتان. وأصله: (سرياني). فالحجة لمن كسر: قوله تعالى: وَطُورِ سِينِينَ «3». والحجة لمن فتح: أنه يقول: لم يأت عن العرب صفة في هذا الوزن إلّا بفتح أولها، كقولهم: (حمراء) و (صفراء) فحملته على الأشهر من ألفاظهم. ومعناه: ينبت الثمار. قوله تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ «4». يقرأ بضم التاء وكسر الباء، وبفتح التاء وبضم الباء. فالحجة لمن ضم التاء: أنه أراد: تخرج الدهن، ولم يتعدّ بالباء، «5» لأن أصل النبات: الإخراج. والحجة لمن فتح التاء: أنه أراد: أن نباتها بالدّهن، وهو كلام العرب إذا أثبتوا الألف في الماضي خزلوا الباء، وإذا خزلوا الألف أثبتوا الباء. وعلة ذلك أنّ (نبت) فعل لا يتعدّى إلا بواسطة، فوصلوه بالباء، ليتعدّى. و (أنبت) فعل يتعدّى بغير واسطة، فغنوا عن الباء فيه. قوله تعالى: نُسْقِيكُمْ «6» بضم النّون وفتحها. وقد ذكرت علّته في النحل «7». قوله تعالى: مُنْزَلًا مُبارَكاً «8». يقرأ بضم الميم، وفتحها، على ما تقدم من ذكر العلّة فيه «9».

_ (1) المؤمنون: 14. (2) المؤمنون: 20. (3) التين: 2. (4) المؤمنون: 20. (5) والباء على هذه القراءة زائدة قال أبو عبيدة في المجاز: ومن مجاز ما يزاد في الكلام من حروف الزوائد: «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً. فَما فَوْقَها»، «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ». «وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ». «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ مجاز هذا أجمع إلقاؤهنّ. انظر: مجاز القرآن: 11 لأبي عبيدة معمر بن المثنى. (6) المؤمنون: 21. (7) انظر: 212. (8) المؤمنون: 29. (9) انظر: 122.

قوله تعالى: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ «1». يقرأ بالإضافة والتنوين. وعلته مستقصاة في (هود) «2». قوله تعالى: تَتْرا «3». يقرأ بالتنوين وتركه. فالحجة لمن نوّن: أنه جعله مصدرا من قولك: وتر يتر وترا، ثم أبدل من الواو تاء، كما أبدلوها في (تراث) ودليل ذلك كتابتها في السواد بألف، وكذلك الوقوف عليه بألف. ولا تجوز الإمالة فيه إذا نوّن وصلا ولا وقفا، لأنه جعل الألف فيه ألف إلحاق، كما جعلوها في (أرطى) «4» و (معزى). والحجة لمن لم ينوّن: أنه جعلها ألف التأنيث، كمثل (سكرى) ففي هذه القراءة تجوز فيها الإمالة، والتفخيم وصلا ووقفا. قوله تعالى: زُبُراً «5». يقرأ بضم الباء وفتحها. وقد ذكرت علته «6». قوله تعالى: نُسارِعُ لَهُمْ «7»، أماله الكسائي لمكان كسرة الراء، وفخّمه الباقون. قوله تعالى: إِلى رَبْوَةٍ «8» يقرأ بضم الراء وفتحها، وقد ذكرت علته في البقرة «9». قوله تعالى: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ «10» يقرأ بفتح الهمزة وكسرها، وبتخفيف النون وتشديدها مع الفتح. فالحجة لمن فتح: أنه ردّه على قوله: (أني بما تعلمون عليم) وبأن هذه أو لأن هذه «11». والحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند قوله: (عليم) ثم

_ (1) المؤمنون: 27. (2) انظر: 186. (3) المؤمنون: 44. (4) الأرطى: شجر: نوره كنوز الخلاف، وثمره، كالعنّاب، تأكله الإبل غضة، وعروقه حمر. الواحدة أرطاة، ألفه للإلحاق. انظر: القاموس: الأرطى. (5) المؤمنون: 53. (6) انظر: 128. (7) المؤمنون: 56. (8) المؤمنون: 51. (9) انظر: 102. (10) المؤمنون: 52. (11) في كتاب سيبويه: 1: 464 وسألته عن قوله جلّ ذكره: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً فقال: (إنما هو على حذف اللام، كأنه قال: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة ثم قال سيبويه: ولو قرءوها: وإن هذه امتكم امة واحدة كان جيّدا).

استأنف إنّ فكسرها. وقد ذكرت العلة في تشديد النون وتخفيفها في (هود) «1». قوله تعالى: تَهْجُرُونَ «2». يقرأ بفتح التاء وضم الجيم. وبضم التاء وكسر الجيم. فالحجة لمن فتح التاء: أنه أراد به: هجران المصادمة، لتركهم سماع القرآن والإيمان به. والحجة لمن ضم: أنه جعله من قولهم: أهجر المريض إذا أتى بما لا يفهم عنه، ولا تحته معنى يحصّل، لأنهم كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، وتكلّموا بالفحش، وهذوا، وسبّوا فقال الله عز وجل: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ «3». قيل: بالقرآن، وقيل: بالبيت العتيق. قوله تعالى: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ «4» في الثلاثة مواضع «5»: فالأولى، لا خلف فيها. والأخريان تقرءان بلام الإضافة والخفض، وبطرحها والرفع. فالحجة لمن قرأهما بلام الإضافة: أنه ردّ آخر الكلام على أوله، فكأنه قال: هي (لله). ودليلهم: أنهما في الإمام بغير ألف. والحجة لمن قرأهما بالألف: أنه أراد بهن: الله. قل: هو الله، وترك الأولى مردودة على قوله: لمن الأرض؟ قل: لله. والأمر بينهما قريب، ألا ترى لو سأل سائل: من ربّ هذه الضّيعة؟ فإن قلت: فلان، أردت: ربّها، وإن قلت: لفلان أردت هي لفلان. وكلّ صواب، ومن كلام العرب. قوله تعالى: خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ «6» مذكور بعلله في الكهف «7»، ولا خلف في الثانية أنها بالألف، لأنها به مكتوبة في السواد. قوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ «8» يقرأ بالرفع والخفض. فالرّفع بالابتداء، والخفض بالرّدّ على قوله: سُبْحانَ اللَّهِ «9» عالم الغيب. قوله تعالى: غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا «10». يقرأ بكسر الشين من غير ألف، وبفتح الشين وإثبات الألف. وكلاهما مصدران، أو اسمان مشتقّان من الشقاء. فأمّا الشّقاوة، فكقولهم: سلم سلامة. وأما الشّقوة فكقولهم: فديته فدية. قوله تعالى: سِخْرِيًّا «11» يقرأ بكسر السين وضمّها. فالحجة لمن كسر: أنه أخذه

_ (1) انظر: 191 عند قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ ... (2) المؤمنون: 67. (3) المؤمنون: 67. (4) المؤمنون: 85. (5) المؤمنون: 85: 87: 89. (6) المؤمنون: 72. (7) انظر: 231. (8) المؤمنون: 92. (9) المؤمنون: 91. (10) المؤمنون: 106. (11) المؤمنون: 110.

ومن سورة النور

من (السّخريّا) «1». والحجة لمن ضم: أنه أخذه من (السّخرة) «2». وكذلك التي في (صاد) «3»، فأما التي في الزخرف «4» فبالضم لا غير. قوله تعالى: أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ «5». يقرأ بفتح الهمزة، وكسرها. فالحجة لمن فتح أنه أراد: الاتصال بقوله: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا «6» لأنهم. والحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند قوله: (بما صبروا) ثم ابتدأ إنّ فكسرها. قوله تعالى: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ «7» قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ «8» يقرءان بإثبات الألف، وحذفها وبالحذف في الأول والإثبات في الثاني. فالحجة لمن أثبت: أنه أتى به على الخبر. والحجة لمن حذف: أنه أتى به على الأمر. ويقرءان أيضا بالإدغام للمقاربة وبالإظهار على الأصل. قوله تعالى: وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ «9» يقرأ بضم التاء على معنى: تردون، وبفتحها على معنى: تصيرون. ومن سورة النور قوله تعالى: وَفَرَضْناها «10». يقرأ بتشديد الراء وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: بيّنّاها وفصّلناها، وأحكمناها فرائض مختلفة، وآدابا مستحسنة. قال (الفراء) «11»: وجه التشديد: أن الله تعالى فرضه عليه وعلى من يجيء بعده، فلذلك شدّده. والحجة لمن خفف: أنه جعل العمل بما أنزل في هذه السورة لازما لجميع المسلمين

_ (1) قال في القاموس: مادة: سخر: سخره: كمنعه سخريّا بالكسر، ويضم: كلّفه ما لا يريد وقهره. (2) وفي القاموس: سخر منه وبه، كفرح سخرا وسخرا، وسخرة هزئ، كاستسخر. (3) ص 63. (4) الزخرف: 32. (5) المؤمنون: 111. (6) المؤمنون: 111. (7) المؤمنون: 112. (8) المؤمنون: 114. (9) المؤمنون: 115. (10) النّور: 1. (11) الفرّاء: 60.

لا يفارقهم أبدا ما عاشوا فكأنه مأخوذ من (فرض القوس) وهو الحز لمكان الوتر. قوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ «1». يقرأ بإسكان الهمزة وفتحها، وهي مصدر في الوجهين. فالحجة لمن أسكن: أنه حذا بها: طرف يطرف طرفا. والحجة لمن فتح: أنه حذا بها: كرم يكرم كرما، وأدخل الهاء دلالة على المرة الواحدة. ومعنى الرأفة: رقّة القلب، وشدّة الرحمة. قوله تعالى: أَرْبَعُ شَهاداتٍ «2» يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعله خبرا لقولهم: فشهادة أحدهم. والحجة لمن نصب: أنه أضمر فعلا له معناه فشهادة أحدهم أن يشهد أربع شهادات. فإن قيل: فالشهادة الأولى واحدة والثانية أربع، فقل: معناها معنى الجمع، وإن كانت بلفظ الواحد كما تقول: صلاتي خمس وصيامي عشر. قوله تعالى: وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ «3» وأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها «4» يقرءان بتشديد أنّ ونصب اللعنة، والغضب إلّا ما قرأ به (نافع) «5» من التخفيف والرفع للّعنة وجعله (غضب) فعلا ماضيا، والله تعالى رفع به. فالحجة لمن شدد ونصب: أنه أتى بالكلام على أصل ما بني عليه. والحجة لمن خفف: (أنّ) ورفع بها ما قدمناه آنفا «6»، وهو الوجه. ولو نصب لجاز. قوله تعالى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ «7». يقرأ بالإدغام والإظهار. فالحجة لمن أدغم مقاربة الحرفين في المخرج. والحجة لمن أظهر: أنه أتى به على الأصل، إلّا ما روي عن (ابن كثير) من تشديد التاء وإظهار الذال، وليس ذلك بمختار في النحو لجمعه بين ساكنين. قوله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ «8». يقرأ بالتاء والياء. فالحجة لمن قرأه بالياء قال:

_ (1) النّور: 2. (2) النور: 6. (3) النور: 7. (4) النور: 9. (5) انظر: 61. (6) انظر: 191 عند قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ. (7) النور: 15. (8) النور: 24

اللّسان مذكّر، فذكرت الفعل كما أقول: يقوم الرجال، والحجة لمن قرأ بالتاء: أنه أتى به على لفظ الجماعة، واللسان يذكر فيجمع (ألسنة) ويؤنث فيجمع (ألسن) «1» فأما قوله: إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها ... من علو لا عجب فيها ولا سخر «2» فإنه أراد باللسان هاهنا: الرّسالة. قوله تعالى: غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ «3» يقرأ بالنصب والخفض. فالحجة لمن قرأه بالنصب: أنه استثناه، أو جعله حالا. والحجة لمن خفض: أنه جعله وصفا للتابعين. والإربة: الكناية عن الحاجة إلى النساء. ومنه (وكان أملككم «4» لاربه) أي لعضوه القاضي للحاجة. قوله تعالى: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ «5» يقرأ وما أشبهه من النداء بهاء التنبيه بإثبات الألف وطرحها، وإسكان الهاء. فالحجة لمن أثبت: أنها عنده (هذا) التي للإشارة، طرح منها (ذا) فبقيت الهاء التي كانت للتنبيه، فإثبات الألف فيها واجب، والدليل على ذلك قوله: * ألا أيّ هذا المنزل الدارس اسلم «6» * فأتى به تامّا على الأصل. والحجة لمن حذف، وأسكن الهاء: أنه اتّبع خطّ السّواد واحتج بأن النداء مبني على الحذف، وإنما فتحت الهاء لمجيء ألف بعدها فلما ذهبت الألف

_ (1) اللّسان: جارحة الكلام، وقد يكنّى به عن الكلمة فيؤنث حينئذ. فمن ذكره قال: ثلاثة ألسنة مثل: حمار وأحمرة، ومن أنث قال: ثلاث ألسن: مثل ذراع وأدرع. (2) تتفق رواية خزانة الأدب مع رواية ابن خالويه، ولكنه في (الأصمعيات) جاء على هذه الصورة: قد جاء من عل أنباء أنبّؤها ... إليّ لا عجب منها ولا سخر وروي علو مثلث الواو. والبيت مطلع قصيدة لأعشى باهلة، ويكنى: أبا قحفان واسمه عامر بن الحرث بن رباح ابن أبي خالد بن ربيعة. انظر: خزانة الأدب للبغدادي 3: 135. الأصمعيات: 89 تثقيف اللسان، وتلقيح الجنان: 144. وشرح المفصّل لابن يعيش 4: 90. (3) النّور: 31. (4) انظر: (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 1: 36). (5) النور: 31. (6) انظر: بيت الكتاب 1: 308 وشرح المفصل 2: 7.

عادت الهاء إلى السكون، وإنما يوقف على مثل هذا اضطرارا لا اختيارا. قوله تعالى: كَمِشْكاةٍ «1» يقرأ بالتفخيم إلّا ما روي عن (الكسائي) من إمالته وقد ذكر الاحتجاج في مثله آنفا «2». قوله تعالى: دُرِّيٌّ «3» يقرأ بكسر الدال والهمز والمدّ، وبضمّها والهمز والمدّ، وبضمها وتشديد الياء. فالحجة لمن كسر وهمز: أنه أخذه من الدّر وهو: الدّفع في الانقضاض وشدّة الضوء. وكسر أوله تشبيها بقولهم: سكّيت: أي كثير السكوت. والحجة لمن ضمّ أوّله أنه شبّهه ب «مرّيق» «4» وإن كان عجميّا، والحجة لمن ضمّ وشدد: أنه نسبه إلى الدّر لشدة ضوئه. قوله تعالى: اسْتَوْقَدَ «5». يقرأ بالتاء والتشديد، وبالياء والتاء والتخفيف، والرّفع. فالحجة لمن قرأه بالتشديد: أنه جعله فعلا ماضيا أخبر به عن الكوكب، وأخذه من التّوقّد. والحجة لمن قرأه بالتاء والرفع: أنه جعله فعلا للزجاجة. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله فعلا للكوكب، وكلاهما فعل لما لم يسمّ فاعله، مأخوذان من الإيقاد. قوله تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها «6». يقرأ بفتح الباء وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا لما لم يسمّ فاعله ورفع (الرجال) بالابتداء، والخبر (لا تلهيهم). والحجة لمن كسر: أنه جعله فعلا للرجال فرفعهم به، وجعل ما بعدهم وصفا لحالهم. قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ «7». يقرأ بإثبات الألف وخفض (كل). وبحذفها ونصب كل. فالحجة لمن أثبتها أنه أراد: الإخبار عن الله تعالى باسم الفاعل فخفض ما بعده بالإضافة لأنه بمعنى ما قد مضى وثبت. والحجة لمن حذف: أنه أخبر عن الله تعالى بالفعل الماضي ونصب ما بعده بتعدّيه إليه.

_ (1) النور: 35. (2) انظر: 72. (3) النور: 35. (4) في القاموس: وكوكب درّيء كسكين، ويضم (وليس فعّيل سواه ومرّيق): متوقّد متلألئ. (5) النّور: 35. (6) النّور: 36. (7) النّور: 45

قوله تعالى: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ «1» يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت علته فيما مضى «2». قوله تعالى: وَيَتَّقْهِ «3» يقرأ بكسر القاف وإسكان الهاء، وبإسكان القاف وكسر الهاء بياء وباختلاس حركة الهاء. فالحجة لمن كسر القاف وأسكن: أن الهاء لما اختلطت بالفعل اختلاطا لا تنفصل منه في حال ثقلت الكلمة لجمعها فعلا، وفاعلا، ومفعولا فخفف بالإسكان. والحجة لمن كسر الهاء وأتبعها ياء: أنه كسر الهاء لمجاورة كسرة القاف، وقوّاها بالياء إشباعا لكسرتها. والحجة لمن حذف الياء واختلس الحركة أن الأصل كان قبل الجزم (يتقيه) فلما سقطت الياء للجزم بقيت الهاء على ما كانت عليه. والحجة لمن أسكن القاف وكسر الهاء: أنه كره الكسر في القاف لشدتها، وتكريرها، فأسكنها تخفيفا أو أسكن القاف والهاء معا، فكسر الهاء لالتقاء الساكنين، أو توهّم أن الجزم وقع على القاف لأنها آخر حروف الفعل، ثم أتى بالهاء ساكنة بعدها، فكسر لالتقاء الساكنين، والدليل على توهّمه ذلك قول الشاعر: ومن يتّق فإنّ الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغاد «4» قوله سبحانه: سَحابٌ ظُلُماتٌ «5». يقرءان معا بالتنوين والرفع. وبرفع الأول وإضافة الثاني إليه، وبرفع الأول وتنوينه وخفض الثاني. والحجة لمن نوّنهما ورفعه: أنّه رفع (السحاب) بالابتداء، والخبر (من فوقه) و (ظلمات) تبيين لقوله: (موج من فوقه موج من فوقه سحاب) فهذه ثلاث ظلمات. وحقيقة رفعها على البدل. والحجة لمن أضاف: أنه جعل الظّلمات غير السحاب فأضافه كما تقول ماء مطر. والحجة لمن نوّن وخفض: أنه رفع قوله: (سحاب) بالابتداء وخفض (الظلمات) بدلا من قوله (أو كظلمات).

_ (1) النّور: 55. (2) انظر: 161. (3) النّور: 52. (4) المؤتاب: اسم فاعل من ائتاب، افتعل من الأوب. والغادي: اسم فاعل من غدا يغدو- انظر: (شواهد الشافية لابن الحاجب 2: 299. والخصائص لابن جني 1: 333، 337. والمحتسب لابن جني 1: 361). (5) النّور: 40.

ومن سورة الفرقان

قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ. يقرأ بالياء والتاء وكسر السين وفتحها. وقد ذكرت علله في آل عمران «1». قوله تعالى: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ «2». يقرأ بالنصب [والرفع] «3» على ما ذكرناه آنفا «4». قوله تعالى: اسْتَخْلَفَ «5». يقرأ بضم التاء وكسر اللام. وبفتحهما. فالحجة لمن ضم: أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله (والذين) في موضع رفع. والحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا لله عز وجل لتقدمه في اول الكلام، و (الّذين) في موضع نصب. قوله تعالى: ثَلاثُ عَوْراتٍ «6» يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه ابتدأ فرفعه بالابتداء، والخبر (لكم)، أو رفعه لأنه خبر ابتداء محذوف، معناه: هذه الأوقات ثلاث عورات لكم. والحجة لمن نصب: أنه جعله بدلا من قوله ثَلاثَ مَرَّاتٍ «7». ومن سورة الفرقان قوله تعالى: يَأْكُلُ مِنْها «8» يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أقرد الرّسول بذلك. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أخبر عنهم بالفعل على حسب ما أخبروا به عن أنفسهم. قوله تعالى: وَيَجْعَلْ لَكَ «9». يقرأ بالجزم والرفع. فالحجة لمن جزم: أنه ردّه على معنى قوله: (جعل لك) لأنه جواب الشرط وإن كان ماضيا فمعناه: الاستقبال. والحجة لمن استأنفه: أنه قطعه من الأول فاستأنفه.

_ (1) انظر 116. (2) النّور: 51. (3) في الأصل: والخفض والصّواب أن يقال (والرّفع) لأنه لا وجه لخفض (قول) بعد كان وقد قال العكبري في هذه الآية: (قول المؤمنين). يقرأ بالنصب والرفع: (العكبري 2: 158). (4) انظر: 103 عند قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً. (5) النّور: 55. (6) النّور: 58. (7) النّور: 58. (8) الفرقان: 8. (9) الفرقان: 10.

قوله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ «1»، فَيَقُولُ «2». يقرءان بالياء والنون على ما تقدم من الغيبة والإخبار عن النفس «3». قوله تعالى: مَكاناً ضَيِّقاً «4». يقرأ بالتشديد والتخفيف فقيل: هما لغتان: وقيل: أراد: التشديد فخفف. وقيل الضيّق «5» فيما يرى ويحدّ، يقال بيت ضيّق، وفيه ضيق. والضيّق فيما لا يحد ولا يرى، يقال: صدر ضيّق وفيه ضيق. قوله تعالى: تَشَقَّقُ السَّماءُ «6». يقرأ بالتشديد والتخفيف، وقد تقدم القول فيه آنفا «7». قوله تعالى: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ «8». يقرأ بنون واحدة، وتشديد الزاي، ورفع الملائكة. وبنونين وتخفيف الزاي، ونصب الملائكة. فالحجة لمن شدّد ورفع: أنه جعله فعل ما لم يسمّ فاعله ماضيا فرفع به، ودليله قوله: (تنزيلا) لأنه من نزّل كما كان قوله تعالى: تَقْتِيلًا «9» من قتّل. والحجة لمن قرأه بنونين: أنه أخذه من: (أنزلنا) فالأولى نون الاستقبال، والثانية نون الأصل. وهو من إخبار الله تعالى عن نفسه، ولو شدّد الزاي مع التنوين لوافق ذلك المصدر. قوله تعالى: يا وَيْلَتى «10». يقرأ بالإمالة والتفخيم. فالحجة لمن أمال: أنه أوقع الإمالة على الألف فأمال لميل الألف. والحجة لمن فخم: أنه أتى به على الأصل وأراد فيه النّدبة، فأسقط الهاء وبقي الألف على فتحها. قوله تعالى: أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً «11». يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد ذكر في البقرة «12».

_ (1) الفرقان: 17. (2) الفرقان: 17. (3) انظر: 137. (4) الفرقان: 13. (5) قال الفراء: الضيّق ما يكون في الذي يتسع ويضيق مثل الدار والثوب، والضيّق: ما ضاق عنه صدرك. أنظر: (اللسان). (6) الفرقان: 25. (7) انظر: 161 عند قوله تعالى: تَلْقَفُ!!. (8) الفرقان: 25. (9) الأحزاب: 61. (10) الفرقان: 28. (11) الفرقان: 48. (12) انظر: 91.

ويقرأ بالياء والنون وبالضم والإسكان «1». وقد ذكر في الأعراف «2». قوله تعالى: لِيَذَّكَّرُوا «3». يقرأ بتشديد الذال وفتحها. وبتخفيفها وإسكانها «4». والحجة لمن شدّد: أنه أراد ليتعظوا. ودليله: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ «5». والحجة لمن خفف: أنه أراد بذلك: الذّكر بعد النسيان. قوله تعالى: لِما تَأْمُرُنا «6» يقرأ بالتاء والياء على ما ذكرناه في معنى المواجهة والغيبة. قوله تعالى: سِراجاً «7» يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه أراد: الشمس لقوله بعدها: (وقمرا). والحجة لمن جمع: أنه أراد: ما أسرج وأضاء من النجوم، لأنها مع القمر تظهر وتضيء. قوله تعالى: وَلَمْ يَقْتُرُوا «8». يقرأ بفتح الياء وكسر التاء وضمها، وبضمّ الياء وكسر التاء. فالحجة لمن فتح الياء وكسر التاء: أنه أخذه من قتر يقتر مثل: ضرب يضرب. ومن ضم التاء أخذه من قتر يقتر مثل: خرج يخرج. والحجة لمن ضم الياء وكسر التاء أنه أخذه من: أقتر يقتر. وهما لغتان: معناهما: قلة الإنفاق. قوله تعالى: يُضاعَفْ «9». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبحذفها والتشديد وقد ذكرت علته فيما سلف «10». ويقرأ بالرفع والجزم. فالحجة لمن رفع: أنه لما اكتفى الشرط بجوابه كان ما أتى بعده مستأنفا فرفعه. والحجة لمن جزم أنه لما اتصل بعض الكلام ببعض جعلت (يضاعف) بدلا من قوله: يَلْقَ «11» فجزمته، ورددت عليه (ويخلد) بالجزم عطفا بالواو. قوله تعالى: فِيهِ مُهاناً «12». يقرأ بكسر الهاء وإلحاق ياء بعدها. وباختلاس الحركة من غير ياء. وقد تقدّم القول فيه بما يغني عن إعادته «13». قوله تعالى: وَذُرِّيَّاتِنا «14». يقرأ بالجمع والتوحيد. فالحجة لمن جمع: أنه ردّ أول

_ (1) يقصد: (بشرا). (2) انظر 157. (3) الفرقان: 50. (4) وضم الكاف مخففة أيضا. (5) الغاشية: 21. (6) الفرقان: 60. (7) الفرقان: 61. (8) الفرقان: 67. (9) الفرقان: 69. (10) انظر: 98. (11) الفرقان: 68. (12) الفرقان: 69. (13) انظر: 71 عند قوله تعالى: مَشَوْا فِيهِ. (14) الفرقان: 74.

الكلام على آخره، وزواج بين قوله: (أزواجنا) و (ذرياتنا). والحجة لمن وحّد: أنه أراد به الذرية، وإن كان لفظها لفظ التوحيد فمعناها معنى الجمع. ودليله قوله بعد ذكر الأنبياء: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ «1». قوله تعالى: وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً «2». يقرأ بتشديد القاف وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه أراد تكرير تحية السّلام عليهم مرة بعد أخرى. ودليله قوله: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً «3». والحجة لمن خفف: أنه جعله من اللّقاء لا من التّلقّي كقوله: لقيته ألقاه، ويلقاه مني ما يسرّه. من سورة الشعراء قوله تعالى: طسم «4». يقرأ بالتفخيم، والإمالة، وبينهما. وقد ذكرت علته في مريم «5» قوله: سين ميم، يقرأ بالإظهار والإدغام. فالحجة لمن أدغم: أنه أجراه على أصل ما يجب في الإدغام عند الاتصال. والحجة لمن أظهر: أن حروف التهجّي مبنيّة على قطع بعضها من بعض، فكأن الناطق بها واقف عند تمام كل حرف منها. قوله تعالى: إِنَّ مَعِي رَبِّي «6». يقرأ بفتح الياء وإسكانها. فالحجة لمن فتحها: أنها اسم على حرف واحد، اتصلت بكلمة على حرفين «7» فقويت بالحركة. والحجة لمن أسكن: أنه خفف، لأنّ حركة الياء ثقيلة. قوله تعالى: لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ «8». يقرأ بإثبات الألف، وحذفها. فالحجة لمن أثبت: أنه أتى به على أصل ما أوجبه القياس في اسم الفاعل كقولك: علم فهو عالم. والحجة لمن حذف الألف: أنه قد جاء اسم الفاعل على فعل كقولك: حذر، ونحر وعجل. وقد فرق بينهما بعض أهل العربية، فقيل: رجل حاذر فيما يستقبل، لا في وقته، ورجل حذر: إذا كان الحذر لازما له كالخلقة. قوله تعالى: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ «9». الخلف في الوقف عليه. فوقف (حمزة)

_ (1) آل عمران: 34. (2) الفرقان: 75. (3) الإنسان: 11. (4) الشعراء: 1. (5) انظر: 234 (6) الشعراء: 62. (7) وهي كلمة: «مع». (8) الشعراء: 56. (9) الشعراء: 61.

(تري) بكسر الراء ومدّ قليل، لأن من شرطه حذف الهمز في الوقف فكان المدّ إشارة إليها ودلالة عليها «1». ووقف (الكسائي) بالإمالة والتمام. ووقف الباقون بالتفخيم والتمام على الأصل، فإن كانت الهمزة للتأنيث أشير إليها في موضع الرفع وحذفت في موضع النصب. قوله تعالى: إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ «2». يقرأ بفتح الخاء وضمها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر من قولهم: خلق، واختلق بمعنى: كذب. والحجة لمن ضم: أنه أراد: عادة الأولين ممّن تقدم. قوله تعالى: فارِهِينَ «3». يقرأ بإثبات الألف وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد حاذقين بما يعملونه. والحجة لمن حذفها: أنه أراد: أشرين، بطرين. قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «4». يقرأ بالتشديد ونصب الروح وبالتخفيف والرفع. فالحجة لمن شدّد: أنه جعل الفعل لله عز وجل. ودليله قوله: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ «5». والحجة لمن خفف: أنه جعل الفعل لجبريل عليه السلام، فرفعه بفعله. فأمّا قوله: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ «6»، فالتشديد لا غير، لاتصال الهاء باللام وحذف الباء. قوله تعالى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً «7» يقرأ بالياء والنصب. وبالتاء والرفع. فالحجة لمن رفع الآية: أنه جعلها اسم كان، والخبر (أن يعلمه). والحجة لمن نصب: أنه جعل: (الآية) الخبر، والاسم (أن يعلمه)، لأنه بمعنى (علم علماء بني إسرائيل) فهو أولى بالاسم لأنه معرفة، والآية نكرة. وهذا من شرط (كان) إذا اجتمع فيها معرفة ونكرة كانت المعرفة بالاسم أولى من النكرة.

_ (1) قال الدّاني: حمزة قرأ بإمالة فتحة الرّاء في الوصل، وإذا وقف أتبعها الهمزة فأمالها، مع جعلها بين بين على أصله، فتصير بين ألفين ممالتين، الأولى: أميلت لإمالة فتحة الراء، والثانية: أميلت لإمالة فتحة الهمزة. انظر: (التيسير في القراءات السبع: 165). (2) الشعراء: 137. (3) الشعراء: 149. (4) الشعراء: 193. (5) الشعراء: 192. (6) البقرة: 97. (7) الشّعراء: 197.

ومن سورة النمل

ومعنى الآية: أو لم يكن علم علماء بني إسرائيل لمحمّد عليه السّلام في الكتب المنزلة إلى الأنبياء قبله أنه نبيّ آية بيّنة ودلالة ظاهرة، ولكن لما جاءهم ما كانوا يعرفون كفروا به على عمد لتأكد الحجّة عليهم. قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ «1». يقرأ بالفاء والواو على حسب ما ثبت في السّواد. فالحجة لمن قرأ بالفاء: أنه جعله جوابا لقوله تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ «2» فتوكل: والحجة لمن قرأه بالواو: أنه جعل الجواب في قوله «فقل» ثم ابتدأ قوله: وتوكّل بالواو مستأنفا. ومعنى التوكل: قطع جميع الآمال إلّا منه، وإزالة الرغبة عن كلّ إلّا عنه. قوله تعالى: يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ «3». يقرأ بتشديد التاء وفتحها. وبالتخفيف وإسكانها. وقد تقدم من القول في علل ذلك ما يغني عن إعادته «4». ومن سورة النمل قوله تعالى: بِشِهابٍ قَبَسٍ «5». يقرأ بالتنوين، والإضافة. فالحجة لمن أضاف: أنه جعل الشّهاب غير القبس، فأضافه، أو يكون أراد: بشهاب من قبس فأسقط (من) وأضاف، أو يكون أضاف، والشهاب هو القبس، لاختلاف اللفظين، كما قال تعالى: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ «6». والحجة لمن نوّن: أنه جعل القبس نعتا لشهاب فأعربه بإعرابه. وأصل الشهاب: كلّ أبيض نوريّ. قوله تعالى: وَبُشْرى «7». يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة لمكان الياء. ومثله فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ «8». يقرأ بالتفخيم والإمالة. فأما كسر الراء والهمزة فتسمى إمالة الإمالة. قوله تعالى: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ «9». وَما لِيَ لا أَعْبُدُ «10» في (يس) يقرءان بالتحريك والإسكان. فالحجة لمن فتح: أن كل اسم مكنّى كان على حرف واحد مبني على حركة: (كالتاء) في قمت، و (الكاف) في ضربك، فكذلك الياء. والحجة لمن أسكن: أن

_ (1) الشّعراء: 217. (2) الشّعراء: 216. (3) الشعراء: 244. (4) انظر: 161 عند قوله تعالى: تَلْقَفُ. (5) النمل: 7. (6) يوسف: 109. (7) النمل: 2. (8) القصص: 31. (9) النمل: 20. (10) يس: 22.

الحركة على الياء ثقيلة، فأسكنها تخفيفا، وهذا لا سؤال فيه، وإنما السؤال على (أبي عمرو) لأنه أسكن في (النّمل) وحرك في (يس). وله في ذلك ثلاث حجج: إحداهن: ما حكى عنه: أنه فرّق بين الاستفهام في (النمل)، وبين الانتفاء في (يس). والثانية: أنه أتى باللغتين ليعلم جوازهما. والثالثة: أن الاستفهام يصلح الوقف عليه فأسكن له الياء كقولك ما لي؟ وما لك؟ والانتفاء يبنى على الوصل من غير نيّة وقوف، فحرّكت الياء لهذا المعنى. قوله تعالى: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ «1». يقرأ بإظهار النّونين، وبالإدغام. فالحجة لمن أظهر: أنه أتى باللّفظ على الأصل، لأن الأولى: نون التأكيد مشددة، والثانية: مع الياء اسم المفعول به. والحجة لمن أدغم: أنه استثقل الجمع بين ثلاث نونات متواليات، فخفف بالإدغام وحذف إحداهن، لأن ذلك لا يخل بلفظ ولا يحيل معنى. والسلطان هاهنا: الحجّة. قوله تعالى: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ «2» يقرأ بضم الكاف إلا ما روي عن (عاصم) من فتحها، وهما لغتان، والاختيار عند النحويين الفتح لأنه لا يجيء اسم الفاعل من فعل يفعل بالضمّ إلّا على وزن: (فعيل) إلا الأقل: كقولهم: «حامض»، و (فاضل). قوله تعالى: مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ «3». يقرأ بالإجراء والتنوين. وبترك الإجراء والفتح من غير تنوين، وبإسكان الهمزة. فالحجة لمن أجراه أنه جعله اسم جبل أو اسم أب للقبيلة. والحجة لمن لم يجره: أنه جعله اسم أرض، أو امرأة فثقل بالتعريف والتأنيث. والحجة لمن أسكن الهمزة: أنه يقول: هذا اسم مؤنث، وهو أثقل من المذكّر، ومعرفة، وهو أثقل من النكرة، ومهموز، وهو أثقل من المرسل، فلما اجتمع في الاسم ما ذكرناه من الثقل خفّف بالإسكان. وسئل «أبو عمرو» عن تركه صرفه فقال: هو اسم لا أعرفه، وما لم تعرفه العرب لم تصرفه. قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا «4». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه

_ (1) النمل: 21. (2) النمل: 22. (3) النمل: 22. (4) النمل: 25.

جعله حرفا ناصبا للفعل «ولا» للنفي، وأسقط النون علامة للنصب. ومعناه: وزيّن لهم الشيطان ألّا يسجدوا لله. والحجة لمن خفف: أنه جعله تنبيها واستفتاحا للكلام، ثم نادى بعده فاجتزأ بحرف النداء من المنادى «1» لإقباله عليه وحضوره، فأمرهم حينئذ بالسجود. وتلخيصه: ألا يا هؤلاء اسجدوا لله، والعرب تفعل ذلك كثيرا في كلامها. قال الشاعر: ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك القطر «2» أراد: يا هذه اسلمي. ودليله أنه في قراءة عبد الله (هلّا يسجدون). وإنما تقع (هلّا) في الكلام تحضيضا على السّجود. قوله تعالى: وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ «3». يقرءان بالياء والتاء وقد تقدّم ذكر علله فيما مضى. قوله تعالى: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ «4». يقرأ بإدغام النون في النون والتشديد وإثبات الياء وصلا ووقفا، وبإظهار النونين وإثبات الياء وصلا. وبحذفها مع الإظهار وصلا ووقفا. وقد ذكرت علله في نظائره مقدمة «5». قوله تعالى: فَما آتانِيَ اللَّهُ «6». يقرأ بالمدّ والقصر، وإثبات الياء وفتحها، وإسكانها وحذفها، وبالإمالة والتفخيم. فالحجة لمن مدّ: أنه جعله من الإعطاء وبه قرأت الأئمة. والحجة لمن قصر: أنه جعله من المجيء. ومن أثبت الياء وفتحها كره إسكانها، فتذهب لالتقاء الساكنين. والحجة لمن حذفها: أنه اجتزأ بالكسرة منها. وقد تقدّم القول في الاحتجاج لمن فخّم وأمال.

_ (1) قال ابن مالك: ومن حذف المنادى المأمور، قوله تعالى: «في قراءة الكسائي «ألا يا اسجدوا» أراد: ألا يا هؤلاء اسجدوا. انظر: (شواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك: 6). (2) قال في الدّرر اللوامع: حذف المنادى قبل الدعاء وجوبا عند ابن مالك، وميّ اسم امرأة. منهلّا: سائلا. جرعاء: هي جرعاء مالك: بلد قريبة من حزوى ببلاد نجد. والبيت من قصيدة لذي الرمّة انظر: (الدرر 2: 3 وحاشية الصبان 1: 37 - وشروح سقط الزائد، القسم الرابع: 1528). (3) النمل: 25. (4) النمل: 36. (5) انظر: 143 عند قوله تعالى: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ. و: 169 عند قوله تعالى: ثُمَّ كِيدُونِ. (6) النمل: 36.

قوله تعالى: وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها «1». قرأه الأئمة بإرسال الألف إلا ما قرأه ابن كثير بالهمز مكان الألف. وله في ذلك وجهان. أحدهما: أن العرب تشبه ما لا يهمز بما يهمز فتهمزه تشبيها به كقولهم: حلّات السّويق «2»، وإنما أصله في قولهم: حلّات الإبل عن الحوض: إذا منعتها من الشرب. والآخر: أن العرب تبدل من الهمز حروف المد واللين فأبدل (ابن كثير) من حروف المدّ واللين همزة تشبيها بذلك. فأمّا همزه في (صاد) لقوله بِالسُّوقِ «3» فقيل: كان أصله سئوق على ما يجب في جمع (فعل) «4» فلما اجتمع واوان الأولى مضمومة همزها، واجتزأ بها من الثانية فحذفها. قوله تعالى: لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ «5» يقرءان بالتاء والنون. فالحجة لمن قرأه بالتاء «6»: أنه أراد به: كأن مخاطبا خاطبهم فقال: تحالفوا من القسم لتبيّتنّه، ثم لتقولنّ، فأتى بالتاء دلالة على خطاب الحضرة، وأسقطت نون التأكيد، واو الجمع، لالتقاء الساكنين. قوله تعالى: مَهْلِكَ أَهْلِهِ «7». يقرأ بضم الميم وفتحها وبكسر اللام وفتحها. وقد أتينا على علله في الكهف «8». قوله تعالى: أَنَّا دَمَّرْناهُمْ «9». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه استأنفها بعد تمام الكلام. والحجة لمن فتحها: أنه جعلها متّصلة بالأول من وجهين: أحدهما: أنه جعلها وما اتصل بها خبر كان. والآخر: أنه وصلها بالباء، ثم أسقطها فوصل الفعل إليها.

_ (1) النمل: 44. (2) السويق: ما يعمل من الحنطة والشعير، فهمزوا غير مهموز لأنه من الحلواء. (3) ص: 33. (4) فعول: يطرد في اسم على فعل بفتح فكسر، ككبد وكبود وفي فعل اسما ثلاثيّا ساكن العين، مثلث الفاء. نحو: كعب وكعوب، ويحفظ في فعل بفتحتين. كأسد وأسود، وذكر وذكور، وشجن وشجون. (5) النمل: 49. (6) التاء الفوقية مضمومة بعد اللام، وكذلك ضم التاء التي بعد الياء التحتية. (7) النمل: 49. (8) انظر: 227. (9) النمل: 51.

قوله تعالى: أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ «1». يقرأ بهمزة وياء. وبالمدّ وغير المدّ، وبهمزتين. وقد ذكرت علله محكمة فيما سلف «2». قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ «3» قَدَّرْناها يقرأ بتشديد الدال وتخفيفها. وقد تقدّم القول فيه «4». قوله تعالى: قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «5». يقرأ بالتاء والياء «6»، وبالتشديد والتخفيف. وقد ذكر آنفا. قوله تعالى: بَلِ ادَّارَكَ «7». يقرأ بقطع الألف وإسكان الدال، وبوصل الألف وتشديد الدّال، وزيادة ألف بين الدال والراء. فالحجة لمن قطع الألف: أنه جعله ماضيا من الأفعال الرّباعية. ومنه قوله إِنَّا لَمُدْرَكُونَ «8». والحجة لمن وصل وشدّد، وزاد ألفا: أن الأصل عنده: (تدارك) ثم أسكن التاء وأدغمها في الدّال، فصارتا دالا شديدة ساكنة فأتى بألف الوصل، ليقع بها الابتداء، وكسر لام (بل) لذهاب ألف الوصل في درج الكلام، والتقائها مع سكون الدّال، ومثله: فَادَّارَأْتُمْ فِيها «9»، قالوا: اطَّيَّرْنا بِكَ «10»، وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها «11». قوله تعالى: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا «12» مذكور فيما تقدم «13». فأمّا قوله: أَإِنَّا «14» يقرأ بالاستفهام والإخبار. فالحجة لمن استفهم: أنه أراد أإنا

_ (1) النمل: 55. (2) انظر: 161. (3) النمل: 57. (4) انظر ص: 207 عند قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا. (5) النمل: 62. (6) في الأصل: (والهاء) وهو تحريف قرأ أبو عامر وهشام بالياء والباقون بالتاء. (7) النمل: 66. (8) الشعراء: 61. (9) البقرة: 72. (10) النمل: 47. (11) يونس: 24. (12) النمل: 67. (13) انظر: 161. (14) النمل: 67.

بهمزتين فقلب الثانية ياء لانكسارها تخفيفا لها. والحجة لمن أخبر أنه أراد: إننا، فاستثقل الجمع بين ثلاث نونات فحذف إحداهن تخفيفا ثم أدغم النون في النّون للماثلة. والحجة لمن أظهر النونات في الإخبار أنه أتى بالكلام على أصله ووفّاه ما أوجبه المعنى له. فأمّا الاسم المكنّى ففي موضع نصب بإنّ في كل الوجوه. قوله تعالى: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ «1». يقرأ بالياء مفتوحة، ورفع (الصمّ) وبالتاء مضمومة ونصب (الصمّ)، وقد بيّن الوجه في ذلك مشروحا في سورة (الأنبياء) «2». فإن قيل: فأي حجة تثبت عليهم إذا كانوا صمّا؟ فقل: هذا مثل: وإنما نسبوا إلى الصمم لأن الرسول عليه السّلام لما وعظهم، فتكبّروا عن الوعظ، ومجّته آذانهم، ولم ينجح فيهم، كانوا بمنزلة من لم يسمع، ألا ترى إلى قول الشاعر: * أصم عما ساءه سميع «3» * قوله تعالى: وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ «4» يقرأ بفتح الضاد وكسرها وقد ذكر فيما سلف «5». قوله تعالى: بِهادِي الْعُمْيِ «6». يقرأ بالياء واسم الفاعل مضافا، وخفض «العمي» وبالتاء «7» مكان الباء علامة للمضارعة، ونصب «العمي». فالحجة لمن أدخل الباء: أنه شبه «8» (ما) بليس فأكّد بها الخبر، فإن أسقط الباء كان له في الاسم الرفع والنصب. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعله فعلا مضارعا لاسم الفاعل، لأنه ضارعه في الإعراب، وقام مقامه في الحال، فأعطي الفعل بشبهه الإعراب «9»، وأعطي اسم الفاعل بشبهه الإعمال.

_ (1) النمل: 80. (2) انظر: 48. (3) اللسان: مادة: صمم سمع، وانظر: (جمهرة الأمثال: 36). (4) النمل: 70. (5) انظر: 150. (6) النمل: 81. (7) المراد بتاء فوقية مفتوحة، وإسكان الهاء ونصب (العمى). وهي قراءة حمزة: انظر: (التيسير: 169). (8) في قوله تعالى: وَما أَنْتَ بِهادِي الخ .. الآية نفسها. (9) في رأي ابن مالك أن هذا ليس هو العلة في إعراب الفعل المضارع، وإنما العلة في إعرابه قبوله لصيغة واحدة، ومعان مختلفة، ولا يميزها إلا الإعراب تقول: ما أحسن زيد فيحتمل: النفي بها والتعجب، والاستفهام، فإن أردت الأول: رفعت زيدا، أو الثاني نصبته، أو الثالث جررته، فلا بد أن تكون هذه العلة هي الموجبة لإعراب المضارع فإنك تقول: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، فيحتمل النهي عن كل منهما على انفراده، وعن الجمع بينهما، وعن الأول فقط، والثاني مستأنف، ولا يبين ذلك إلّا بالإعراب، بأن تجزم الثاني إذا أردت الأول،

والفعل هاهنا مرفوع باللفظ في موضع نصب بالمعنى. «والعمي» منصوبون بتعدّيه إليهم. وعلى هذا تأتي الحجة في سورة «الرّوم» «1» إلّا في الوقف، فإن الوقف هاهنا بالياء، وفي الرّوم بغير ياء اتّباعا لخطّ السّواد «2». قوله تعالى: تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ «3». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند قوله: «تكلمهم» ثم ابتدأ (إن) مستأنفا، فكسر. والحجة لمن فتح: أنه أعمل «تكلّمهم» في «أن» بعد طرح الخافض، فوصل الفعل إليها، فموضعها على هذا نصب بتعدّي الفعل إليها في قول البصريين، ونصب بفقدان الخافض في قول: «الفرّاء» وخفض في قول: (الكسائي) وإن فقد الخافض. قوله تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ «4». يقرأ بالمدّ وضم التاء، وبالقصر وفتح التاء، فالحجة لمن مدّ: أنه جعله جمعا سالما ل (آت) وأصله: آتونه، فسقطت النون لمعاقبة الإضافة، فالهاء في موضع خفض. والحجة لمن قصر: أنه جعله فعلا ماضيا بمعنى: جاء، والواو دالة على الجمع والرفع والتذكير، والهاء في موضع نصب بتعدّي الفعل إليها. فإن قيل: لم اختص ما يعقل بجمع السلامة دون ما لا يعقل؟ فقل: لفضيلة ما يعقل على ما لا يعقل فضّل في اللفظ بهذا الجمع «5»، كما فضل بالأسماء الأعلام في المعنى، وحمل ما لا يعقل في الجمع على مؤنث ما يعقل، لأن المؤنث العاقل فرع على المذكّر، والمؤنث ممّا لا يعقل فرع على المؤنث العاقل، فتجانسا بالفرعية، فاجتمعا في لفظ الجمع بالألف والتاء. قوله تعالى: بِما تَفْعَلُونَ «6». يقرأ بالتاء والياء على ما قدّمناه من مشاهدة الحضرة والغيبة. قوله تعالى: مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ «7». يقرأ بالتنوين والنصب، وبالإضافة وكسر الميم،

_ وتنصبه إن أردت الثاني، وترفعه إن أردت الثالث. انظر: (الاقتراح للسيوطي: 62). (1) الرّوم آية: 53 آي: أن أوجه الإعراب المذكورة هنا تكون هناك. (2) لأن خط المصحف في الروم بغير ياء. (3) النمل: 82. (4) النمل: 87. (5) أي بجمع السلامة. (6) النمل: 88. (7) النمل: 89.

ومن سورة القصص

وفتحها معا. وقد ذكر بجميع علله في آخر المائدة «1» بما يغني عن إعادة القول فيه. قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «2». يقرأ بالياء والتاء. وقد ذكرت علله في عدة مواضع. ومن سورة القصص قوله تعالى: وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما «3». يقرأ بالنون والنصب. وبالياء والرفع. فالحجة لمن قرأه بالنون والنصب: أنه ردّه على قوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ «4» و «أن نرى» فأتى بالكلام على سنن واحد، ونصب «فرعون» ومن بعده بتعدّي الفعل إليهم، والله هو الفاعل بهم عز وجل، لأنه بذلك أخبر عن نفسه. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه استأنف الفعل بالواو، ودلّ بالياء على الإخبار عن (فرعون) ونسب الفعل إليه فرفعه به، وعطف من بعده بالواو عليه. قوله تعالى: وَحَزَناً «5». يقرأ بضم الحاء وإسكان الزاي وبفتحهما معا. وقد تقدّمت الحجة فيه فيما سلف مستقصاة «6». قوله تعالى: حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ «7» يقرأ بفتح الياء وضم الدّال، وبضم الياء وكسر الدّال، وبإشمام الصّاد الزّاي، وخلوصها صادا. فالحجة لمن ضمّ الياء: أنه جعله فعلا هم فاعلوه يتعدّى إلى مفعول. معناه: حتى يصدر الرعاء مواشيهم. والحجة لمن فتح الياء: أنه جعله فعلا لهم غير متعدّ إلى غيرهم. والحجة لمن أشم الصّاد الزاي: أنه قرّبها بذلك من الدّال لسكون الصاد ومجيء الدّال بعدها. والرعاء بكسر الراء والمد: جمع راع. وفيه وجهان آخران: راعون على السلامة، ورعاة على التكسير، وهو جمع مختص به الاسم المعتل فأصله عند البصريين: (رعية)

_ (1) انظر: 136 عند قوله تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ. (2) النمل: 93. (3) القصص: 6. (4) القصص: 5. (5) القصص: 8. (6) انظر: 116. (7) القصص: 23.

انقلبت ياؤه ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها. وأصله عند الكوفيين رعى «1» فحذفوا حرفا كراهة للتشديد وألحقوا الهاء عوضا مما حذفوا فانقلبت الياء ألفا، لأن ما قبل الهاء لا يكون إلّا مفتوحا. قوله تعالى: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ «2». يقرأ بكسر الجيم، وفتحها، وضمّها. وهن لغات كما قالوا في اللبن: رغوة ورغوة، ورغوة، والكسر أفصح. ومعنى الجذوة: عود في رأسه نار. قوله تعالى: مِنَ الرَّهْبِ «3». يقرأ بضم الراء، وفتحها، وبفتح الهاء وإسكانها فقيل: هن لغات. ومعناهن: الفزع. و «الجناح» «4» من الإنسان: اليد. والمعنى: إنه لما ألقى العصا، فصارت جانا فزع منها، فأمر بضم يده إلى أضلاعه ليسكّن من روعه. وقيل الرّهب: هاهنا «الكمّ» «5» تقول العرب: أعطني ما في رهبتك: فإن صح ذلك فإسكانه غير واجب، لأن العرب تسكّن المضموم والمكسور، ولا تسكن المفتوح، ألا ترى إلى حكاية «الأصمعي» «6» عن «أبي عمرو» وقال: قلت له: أنت تميل في قراءتك إلى التخفيف فلم لم تقرأ: «يدعوننا رغبا ورهبا» بالإسكان؟ فقال لي: ويلك! أجمل أخف أم جمل؟. قوله تعالى: فَذانِكَ بُرْهانانِ «7». يقرأ بتشديد النون، وتخفيفها. قد ذكرت علله في سورة النساء «8». فأما البرهانان: فاليد البيضاء من غير سوء أي من غير برص، والعصا المنقلبة جانّا.

_ (1) وذهب أبو حنيفة إلى أن رعىّ: جمع رعاة، لأن (رعاة) وإن كان جمعا، فإنّ لفظه لفظ الواحد، فصار ك (مهاة)، ومهى. انظر: (لسان العرب: رعى). (2) القصص: 29. (3) القصص: 32. (4) في قوله تعالى: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ آية: 32. (5) القاموس: الرهب بالتحريك: الكم. (6) انظر: 205. (7) القصص: 32. (8) انظر: 121.

وأما قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ «1» فقيل خمس في الأعراف، قوله: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ «2» واليد، والعصا، وحلّ عقد لسانه، وفلق البحر له، ولأمته. قوله تعالى: رِدْءاً يُصَدِّقُنِي «3». يقرأ بإسكان الدّال وتحقيق الهمزة، وبفتح الدّال وتخفيف الهمزة. فالحجة لمن حقّق: أنه أتى بالكلام على أصله. ومعناه: العون. والحجة لمن خفّف: أنه نقل حركة الهمزة إلى الدّال فحرّكها وليّن الهمزة تخفيفا. فأما يصدقني فأجمع على جزمه خمسة من الأئمة جوابا للطلب. ورفعه (حمزة) و (عاصم). ولهما فيه وجهان: أحدهما: أنهما جعلاه صلة «4» للنكرة. والثاني: أنهما جعلاه حالا من الهاء. وقد ذكر ذلك مشروحا في أول سورة مريم «5». قوله تعالى: وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ «6». يقرأ بإثبات الواو وحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه ردّ بها القول على ما تقدّم من قولهم. والحجة لمن حذفها: أنه جعل قول موسى منقطعا من قولهم. قوله تعالى: وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ «7». يقرأ بالياء والتاء. والحجة فيه ما قدمناه في أمثاله. قوله تعالى: لا يُرْجَعُونَ «8» يقرأ بضم الياء على معنى يردّون. وبفتحها على معنى يصيرون. قوله تعالى: سِحْرانِ تَظاهَرا «9». يقرأ بإثبات الألف وطرحها. فالحجة لمن أثبتها: أنهم كنوا بذلك عن (موسى) و (محمّد) عليهما السلام. والحجة لمن طرحها: أنه أراد: كنايتهم بذلك عن التّوراة: والفرقان. قوله تعالى: يُجْبى إِلَيْهِ «10». يقرأ بالياء والتاء على ما بيناه آنفا.

_ (1) الإسراء: 101. (2) الأعراف: 133. (3) القصص: 34. (4) المراد بها صفة للنكرة. (5) أنظر: 234 عند قوله تعالى: وَلِيًّا يَرِثُنِي. (6) القصص: 37. (7) القصص: 37، وفي الأصل من غير واو. (8) القصص: 39. (9) القصص: 48. (10) القصص: 57.

ومن سورة العنكبوت

قوله تعالى: لَخَسَفَ «1» يقرأ بضم الخاء دلالة على بناء ما لم يسمّ فاعله. وبفتحها دلالة على الإخبار بذلك عن الله عز وجل. ومعنى قوله: وَيْكَأَنَّهُ «2»: ألم تر أنه؟ وفيها وجهان: فأهل البصرة يختارون الوقف على (وي)، لأنها عندهم كلمة حزن ثم يبتدئون: (كأنه) وأهل الكوفة يختارون وصلها لأنها عندهم كلمة واحدة، أصلها: ويلك أنّه»، فحذفت اللام، ووصلت بقوله: أنّه. ومن سورة العنكبوت قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ «3». يقرأ: «يروا» بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد: معنى المواجهة بالخطاب لما أنكروا البعث والنشور. فقيل لهم: فإنكاركم لابتداء الخلق أولى بذلك. فإمّا أن تنكروهما جميعا أو تقرّوا بهما جميعا. والحجة لمن قرأه بالياء فعلى طريق الغيبة والبلاغ لهم. فأما قوله: يبدئ فيقرأ بضم الياء وكسر الدال، وبفتح الياء والدّال معا. فالحجة لمن ضم: أنه أخذه من «أبدأ»، ومن فتح أخذه من «بدأ» وهما: لغتان. قوله تعالى: النَّشْأَةَ «4». يقرأ بالمدّ والقصر، والهمز فيهما، والقول في ذلك كالقول في رَأْفَةٌ «5» فإسكانها كقصرها، وحركتها كمدّها، وهي في الوجهين مصدر. قوله تعالى: مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ «6» يقرأ بالإضافة والرفع معا والنصب. وبالتنوين والرفع معه والنّصب. فالحجة لمن رفع مع الإضافة: أنه جعل: (إنّما) «7» كلمتين منفصلتين (إنّ) الناصبة و (ما) بمعنى الذي (واتخذتم) صلة (ما) وفي (اتخذتم) (ها) محذوفة تعود على الذي، و (أوثانا) مفعول به (ومودة) خبر إنّ. وتلخيصه: إن الذي اتخذتموه أوثانا مودّة بينكم. ومثله قول الشاعر:

_ (1) القصص: 82. (2) القصص: 82. (3) العنكبوت: 19. (4) العنكبوت: 20. (5) النور: 2. (6) العنكبوت: 25. (7) في قوله تعالى: وَقالَ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ، آية: 25.

ذريني إنّما خطئي وصوبي ... عليّ، وإنّما أهلكت مال «1» وله في الرفع وجه آخر: أن يرفع قوله: (مودة) بالابتداء، لأن الكلام قد تمّ عند قوله: (أوثانا). وقوله: (في الحياة الدنيا) الخبر. والحجة لمن نصب أنه جعل (المودة) مفعول (اتخذتم)، سواء أضاف أو نوّن؟ وجعل (إنما) كلمة واحدة، أو جعل (المودة) بدلا من (الأوثان). ومن نصب (بينكم) مع التنوين جعله ظرفا، ومن خفضه مع الإضافة جعله اسما بمعنى (وصلكم) وقد ذكر ذلك في الأنعام «2». قوله تعالى: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ. إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ «3»، أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ «4» يقرءان معا بالاستفهام. ويقرأ الأول بالإخبار، والثاني بالاستفهام، وبتحقيق الهمزتين معا. وبتحقيق الأولى، وتليين الثانية. وقد تقدّم من القول في تعليله ما يغني عن إعادته «5». قوله تعالى: لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ «6»، وإِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ «7» يقرءان بالتشديد والتخفيف. وبتشديد الأول، وتخفيف الثاني. فالحجة في ذلك كله ما قدمناه من أخذ المشدّد من «نجّى» وأخذ المخفف من «أنجى». ومثله قوله: إِنَّا مُنْزِلُونَ «8» يقرأ بالتشديد والتخفيف. قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ «9». يقرأ بالياء والتاء على ما قدمناه من القول في أمثاله. قوله تعالى: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ «10» يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه اجتزأ بالواحد من الجمع لأنه ناب عنه وقام مقامه. والحجة لمن جمع: أنه أتى باللفظ

_ (1) في الأصل: «ما لي» بالياء ولعله تحريف من الناسخ لآن البيت روي مرفوع اللام من قصيدة لابن غلفاء وقبله: ألا قالت أمامة يوم غول ... تقطّع بابن غلفاء الحبال انظر: (الدرر اللوامع 2: 69، 71 (فرائد القلائد: 318). (2) انظر: 145. (3) العنكبوت: 28. (4) العنكبوت: 29. (5) انظر: 161 عند قوله تعالى: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً. (6) العنكبوت: 32. (7) العنكبوت: 33. (8) العنكبوت: 34. (9) العنكبوت: 42. (10) العنكبوت: 50.

على حقيقته، ودليله قوله بعد ذلك: «إنما الآيات عند الله». قوله تعالى: وَيَقُولُ ذُوقُوا «1». يقرأ بالنون والياء، وهما إخبار عن الله عز وجل، فالنّون إخباره تعالى عن نفسه، والياء إخبار نبيّه عليه السلام عنه. قوله تعالى: يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا «2» هاهنا يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا في الزمر «3» يقرءان بإثبات الياء وحذفها. فالحجة لمن أثبت: أنه أتى بالكلام على أصله، لأن أصل كلّ (ياء) الإثبات، والفتح لالتقاء الساكنين. والحجة لمن أسكنها وحذفها لفظا: أنه اجتزأ بالكسرة منها وحذفها، لأن بناء النداء على الحذف، والاختيار لمن حرّك الياء بالفتح أن يقف بالياء، لأنها ثابتة في السّواد. فأما قوله: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ «4» فيأتي في موضعه، إن شاء الله. قوله تعالى: إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ «5». أجمع القراء على إسكانها إلا «ابن عامر» فإنه فتحها على الأصل. قوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ «6» يقرأ بالتاء والياء على ما قدّمناه من القول في أمثاله. قوله تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ «7» يقرأ بالنون، والباء، وبالنون والثاء «8» ومعناهما قريب. فالحجة لمن قرأ بالنون والباء: أنه أراد: لننزلنهم من الجنة غرفا، ودليله قوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ «9». والحجة لمن قرأ بالنون والثاء: أنه أراد: النزول والإقامة. ومنه قوله: وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ «10».

_ (1) العنكبوت: 55. (2) العنكبوت: 56. (3) الزّمر: 53. (4) الزخرف: 68. (5) العنكبوت: 56. (6) العنكبوت: 57. (7) العنكبوت: 58. (8) في الأصل: «والتاء» وهو تحريف. وقد قرأ حمزة والكسائي لنثوينهم بالثاء الساكنة من غير همز انظر: (التيسير 174). (9) الحشر: 9 وفي الأصل: «من قولهم»، وهو تحريف. (10) القصص: 45.

ومن سورة الروم

قوله تعالى: وَلِيَتَمَتَّعُوا «1» يقرأ بإسكان اللام وكسرها. فالحجة لمن أسكن: أنه جعلها لام وعيد في لفظ الأمر كقوله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ «2». ولمن كسر وجهان: أحدهما: أن تكون لام الوعيد أجراها على أصلها، فكسرها مع الواو. والآخر: أن تكون لام كي، مردودة بالواو على قوله لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ «3» فيكون الفعل بها منصوبا، وبالأولى مجزوما. ومن سورة الروم قوله تعالى: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا «4» يقرأ بنصب (عاقبة) ورفع (السوأى) وبرفع (عاقبة) ونصب (السوأى) وبالتفخيم في (السوأى) والإمالة على ما قدّمناه من الاحتجاج في أمثاله. ووزن: (السوأى) فعلى من السّوء، وهي هاهنا: العذاب. وقوله: (أن كذبوا) في موضع نصب، لأنه مفعول له. معناه: لكذبهم. قوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ «5» يقرأ بالياء والتاء، والفتح والضم. وقد تقدم ذكر معناه «6». قوله تعالى: لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ «7». يقرأ بفتح اللام وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه جعله جمع (عالم) والعالم يحتوي على كل المخلوقات من إنس، وجانّ، وجماد، وحيوان. والحجة لمن كسر: أنه جعله جمع (عالم) لأن العالم أقرب إلى الاعتبار من الجاهل- ودليله قوله: وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ «8». فإن قيل: فما وجه دخول الحيوان والجماد في جملة من يعتبروهما لا يعقلان ذلك؟ فقل: إن اللفظ وإن كان عاما، فالمراد به الخاص ممن يعقل. ودليله قوله تعالى: وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ «9». جاء التفسير: أنه أراد: عالم أهل زمانكم من الرّجال والنساء.

_ (1) العنكبوت: 66. (2) فصلت: 40. (3) العنكبوت: 66. (4) الروم: 10. (5) الروم: 11 وفي الأصل «إلينا» وهو تحريف. (6) انظر: 259. (7) الروم: 22. (8) العنكبوت: 43. (9) الأعراف: 140.

قوله تعالى: وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ «1». يقرأ بفتح التاء، وضمّ الراء. وبضمّ التاء وفتح الراء. فالحجة لمن فتح التاء: أنه جعل الفعل لهم. والحجة لمن ضم: أنه جعله لما لم يسم فاعله. قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً «2». يقرأ بالمدّ من الإعطاء، ودليله إجماعهم على مدّ قوله بعده: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ «3» إلّا ما روي عن (ابن كثير) من القصر يريد به معنى المجيء. قوله تعالى: لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ «4». أجمع القرّاء على قراءته بالياء، وفتح الواو، لأنه فعل مضارع، دخلت عليه لام كي و (الرّبا) فاعله إلّا ما انفرد به (نافع) من التاء في موضع الياء مضمومة وإسكان الواو، لأنه جعل التاء دليلا للخطاب. وضمها لأنها من أربى. وأسكن الواو لأنها للجمع، وجعل علامة النصب سقوط النّون. وحمله على ذلك كتابتها في السّواد بألف بعد الواو. قوله تعالى: كِسَفاً «5» يقرأ بإسكان السين وفتحها. وقد ذكرت علته في سورة بني إسرائيل «6». قوله تعالى: إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ «7». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه اكتفى بالواحد من الجمع، لنيابته عنه. ودليله قوله: هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي «8» ولم يقل آثاري. والحجة لمن جمع: أنه أراد به: أثار المطر في الأرض مرّة بعد مرّة، والمراد بهذا من الله عز وجل تعريف من لا يقرّ بالبعث، ولا يوقن بحياة، بعد موت، فأراهم الله تعالى إحياء بعد موت، ليعرفوا ما غاب عنهم بما قد شاهدوه عيانا، فتكون أبلغ في الوعظ لهم، وأثبت للحجة عليهم. قوله تعالى: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ «9» يقرأ بفتح التاء والرفع وبضمها والنصب وقد ذكرت علله آنفا «10»؟

_ (1) الروم: 19. (2) الروم: 39. (3) الروم: 39. (4) الروم: 39. (5) الروم: 48. (6) انظر: 220. (7) الروم: 50. (8) طه: 84. (9) الروم: 52. (10) انظر: 275.

ومن سورة لقمان

قوله تعالى: مِنْ ضَعْفٍ «1» يقرأ بضم الضاد وفتحها. وقد ذكر وجهه في الأنفال «2» قوله تعالى: لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ «3» يقرأ بالياء والتاء على ما ذكر في أمثاله. قوله تعالى: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا «4» أجمع القرّاء فيه على الياء إلّا ما رواه «قنبل» عن «ابن كثير» بالنون. يخبر بذلك الله عز وجل عن نفسه بنون الملكوت. ومن سورة لقمان قوله تعالى: هُدىً وَرَحْمَةً «5» أجمع القراء على نصبهما على الحال. أو القطع من «الآيات» لأنها معرفة (والهدى) و (الرحمة) نكرتان، وقد تمّ الكلام دونهما إلّا ما قرأه (حمزة) بالرفع وله في ذلك وجوه: أحدها: أن يكون (هدي) مرفوعة بالابتداء، و (رحمة) معطوفة عليها و (للمحسنين) الخبر. والثاني: أن يكون بدلا من قوله: آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ هُدىً وَرَحْمَةً، لأن (آيات الكتاب) كذلك هي، أو يكون أضمر لها مثل ما أظهر للآيات، فرفعها بذلك، لأن الآيات جامعة للهدى والرحمة. قوله تعالى: وَيَتَّخِذَها «6» يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه ردّه على قوله: يَشْتَرِي «7». والوجه أن يضمر لها (هو) لأن الهاء والألف كناية عن (السبيل). والحجة لمن نصب: أنه ردّه على قوله: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وليتّخذها هزوا. قوله تعالى: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ «8»، يا بُنَيَّ إِنَّها «9» يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ «10» يقرأن بالتشديد وكسر الياء، وفتحها، وبالتخفيف والإسكان. فالحجة لمن شدّد وكسر: أنه أراد: يا بنييّ بثلاث ياءات: الأولى: ياء التصغير. والثانية: أصليّة، وهي لام الفعل. والثالثة: ياء الإضافة إلى النفس، فحذف الأخيرة اجتزاء بالكسر منها، وتخفيفا للاسم لما اجتمع فيه ثلاث ياءات.

_ (1) الروم: 54. (2) انظر: 172. (3) الروم: 57. (4) الروم: 41. (5) لقمان: 3. (6) لقمان: 6. (7) لقمان: 6. (8) لقمان: 13. (9) لقمان: 16. (10) لقمان: 1.

ولمن فتح الياء مع التشديد وجهان: أحدهما: أنه أراد: يا بنياه، فرخّم، فسقطت الألف والهاء للترخيم، لأنهما زائدتان، فالألف زيدت لبعد الصوت، والهاء للسكت، فبقي الاسم على الفتح الذي كان عليه قبل الترخيم. والثاني: أنه شبّه هذه الياء لما رآها مشدّدة ومعها ياء الإضافة بياء الاثنين إذا أضيفت إليها، ففتحها كما فتحوا قوله: إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ «1». فإن قيل: فما الفرق بين قولك: (ابنتي) وبين قولك (يا بني)، وكلاهما مضاف إلى النفس بالياء الشديدة؟ فقل: الفرق بينهما لطيف فاعرفه، وذلك أن الياء في قولك: ابنتيّ ساكنة طبعا لأنها بدل من الألف التي لا يمكن الحركة فيها بوجه، ثم يدخل ياء الإضافة لأن النون تذهب لمعاقبتها لها. والأصل في ياء الإضافة: الحركة، فكان الفتح أولى بها ففتحت لذلك، وأدغمت فيها ياء التثنية لسكونها، فهذا وجه الفتح في الياء، المضاف إليها التثنية. وأمّا وجه كسر الياء في قولك: يا بنيّ: فإن وزن «ابن» كوزن «حصن» فإذا قلت في التصغير: حصين كان كقولك: بنيّ، فاجتمع فيه ياء التصغير وياء الأصل التي هي لام الفعل، وكان الإعراب عليها جاريا كما جرى على النون من (حصين)، ثم دخلت عليها ياء الإضافة فاجتذبت الياء الشديدة لقوتها إلى الكسر، لأن من شرطها أن تزيل الاعراب عمّا وليته وتردّه إلى الكسر، كقولك: «حصيني» فتسقط ياء الإضافة في «بنيّ» لكثرة الياءات فتبقى «2» كقولك «حصين» بكسر النون وسقوط الياء. فأنت الآن تعلم ضرورة أن الياء من (حصين) ساكنة وهي ياء التصغير. ومثلها في قولك: (بني)، والنون المكسورة في قولك: (حصين) مثلها ياء الأصل في (بنيّ) وهي مكسورة كالنّون، لتدل بالكسر على ياء الإضافة الساقطة. فهذا تلخيص الفرق بين ياء الإضافة في التصغير والتثنية، والدّلالة على فتح الياء في التثنية، وكسرها في التصغير. وأمّا الحجة لمن خفف الياء وأسكن: فإنه صغّر، ولم يضف، فلما اجتمع في آخر الاسم ياءان حذف إحداهما وبقّى الأولى، وهي ياء التصغير على سكونها، فأجحف بالاسم. ولو أتى به منادى على أصل المواجهة لقال: يا بنيّ لأنه نداء مفرد.

_ (1) القصص: 27. (2): أي بنيّ.

قوله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ «1» يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبحذفها والتشديد. وقد ذكر في أمثاله ما يغني عن إعادته. ومعنى قوله لا تصاعر خدك: أي لا تمل بوجهك ولا تعرض تكبرا. وأصله من «الصّعر» وهو؛: داء يصيب البعير، فيلتوي له عنقه. قوله تعالى: إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ «2» أجمع القراء على نصب (مثقال) إلا (نافعا) فإنه رفعه. والحجة له: أنه جعل (كان) ممّا حدث ووقع، ولا خبر لها إذا كانت كذلك. قوله تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ «3» يقرأ بالجمع والإضافة، وبالتوحيد «4». فالحجة لمن جمع: أنه أراد بذلك جميع النعم التي ينعم الله بها على عباده. ودليله قوله: شاكِراً لِأَنْعُمِهِ «5» فالهاء هاهنا: كناية عن اسم الله عز وجل. والحجة لمن وحّد: أنه أراد نعمة الإسلام، لأنها جامعة لكل النّعم، وما سواها يصغر في جنبها. فالهاء هاهنا علامة للتأنيث. فأمّا قوله: (ظاهرة وباطنة) فالظاهرة: نعمة الإسلام، والباطنة: ستر الذنوب. قوله تعالى: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ «6» يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه ردّه على (ما) «7» قبل دخول (إنّ) عليها أو استأنفه بالواو كما قال: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ «8». والحجة لمن نصب: أنه رده على اسم (إن). فإن قيل: فإن من شرط أبي عمرو أن يرفع المعطوف على (إنّ) بعد تمام الخبر كقوله: وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها «9» فقل: حجته في ذلك: أن (لو) تحتاج إلى جواب يأتي بعد الابتداء والخبر فكان المعطوف عليها كالمعطوف على (إن) قبل تمام خبرها. والدليل على ذلك أن تمام الخبر هاهنا في قوله: ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ «10» وهذا أدلّ

_ (1) لقمان: 18. (2) لقمان: 16. (3) لقمان: 20. (4) أي بإسكان العين، وبعد الميم تاء منونة منصوبة على التأنيث والإفراد. (5) النحل: 121. (6) لقمان: 27. (7) في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ آية: 27. (8) آل عمران: 154. (9) الجاثية: 32 بعد قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. (10) لقمان: 27.

ومن سورة السجدة

دليل على دقة تمييز أبي عمرو ولطافة حذقه بالعربية. قوله تعالى: بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ «1» إجماع القراء على التاء إلا ما رواه (عياش) «2» عن أبي عمرو بالياء، ولم يروه (اليزيدي) «3». ومن سورة السجدة قوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ «4». يقرأ بإسكان اللام وفتحها. فالحجة لمن أسكن: أنه أراد: الذي جعل عباده يحسنون خلق كل شيء. ويحتمل أن يكون أراد: المصدر فكأنه قال: الذي أحسن كل شيء خلقا وابتداء. والحجة لمن فتح: أنه أراد: الفعل الماضي، والهاء المتصلة به في موضع نصب، لأنها كناية عن مفعول به. ومعناه: أنه أحسن خلق كل شيء خلقه، فكوّنه على إرادته، ومشيئته، فله في كل شيء صنعة حسنة تدل بآثارها على وحدانيّته وحكمته. ودليل ذلك قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها «5» وعليها الحسن والقبيح. قوله تعالى: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا يقرأ بالاستفهام والإخبار. وقد تقدم ذكره «6». قوله تعالى: ما أُخْفِيَ لَهُمْ «7»: أجمع القرّاء على فتح الياء إلا حمزة فإنه أسكنها. فالحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا ماضيا لما لم يسم فاعله وألفه ألف قطع «8». والحجة لحمزة أنه جعله إخبارا عن المتكلّم، فأسكن الياء علامة للرفع «9».

_ (1) لقمان: 29. (2) عيّاش بن محمد، أبو الفضل، الجوهري، البغدادي، روى عنه القراءة عبد الواحد بن عمر ومحمد بن يونس المطرز، ومحمد بن عيسى بن بندار وابن شنبوذ مات سنة تسع وتسعين ومائتين. انظر: (غاية النهاية في طبقات القراء: 1: 607). (3) أبو محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوى المقرئ النحوي اللغوي صاحب أبي عمرو بن العلاء البصري. كان عالما باللغات وتوفي بخراسان سنة 102 هـ. انظر: (الكني والألقاب 3: 254، والبغية: 414. مطبعة السعادة). (4) السجدة: 7. (5) الكهف: 7. (6) انظر: 161. (7) السجدة: 17. (8) وفي هذه الحالة تكون «ما» استفهاما وموضعها رفع بالابتداء، «وأخفي لهم» خبره على قراءة من فتح الياء، انظر: (العكبري 2: 190) (9) وفي هذه الحالة تكون «ما» في موضع نصب بأخفى، (المراجع السابق والصفحة).

ومن سورة الأحزاب

قوله تعالى: لَمَّا صَبَرُوا «1» يقرأ بفتح اللام والتشديد، وبكسرها والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: حين صبروا ووقت صبروا. ودليله قولك: (ولّاك السّلطان لما صبرت). والحجة لمن خفف أنه أراد: لصبرهم، لأنه جعل (ما) مع صلتها بمعنى المصدر، و (ما) في قراءة من شدّد في موضع نصب على الظرف. ومن سورة الأحزاب قوله تعالى: بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً «2» يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه أتبع آخر الكلام أوله، ودليله قوله: وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ «3» إن الله كان بما يعملون خبيرا. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعله خطابا من الرّسول عليه السلام لهم في حال الحضور. قوله تعالى: اللَّائِي «4» يقرأ بهمزة مكسورة من غير ياء، وبكسرة الياء من غير همز ولا إتمام ياء، وبهمزة مكسورة ممدودة. وهذه كلها لغات في جمع (التي). فالحجة لمن همز وكسر من عير ياء: أنه اجتزأ بالهمزة من الياء. والحجة لمن كسر من غير همز ولا ياء: أنه خفف الاسم، وجمع بين ساكنين. وسهل ذلك عليه أن الأول حرف مدّ ولين، فالمدّ الذي فيه يقوم مقام الحركة. والحجة لمن همز ومدّ: أنه أتى بالكلمة على أصل ما وجب لها. قوله تعالى: تُظاهِرُونَ «5» يقرأ بإثبات الألف وتشديد الظاء، وبالتخفيف مع فتح التاء وضمها، وبحذف الألف وتشديد الظاء. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: تتظاهرون فأسكن التاء الثانية، وأدغمها في الظاء فشدّد لذلك. والحجة لمن خفف وضم التاء: أنه أخذه من (ظاهر) ثم (تظاهرون) .. ولمن فتح: أنه أراد: (تتظاهرون) فأسقط إحدى التاءين. وقد ذكر الخلف في أيهما الساقط «6» والحجة لمن حذف الألف وشدّد الظاء: أنه أخذه من (تظّهّر)، ثم تتظهّرون، فأسكن التاء وأدغمها في الظاء فشددها. وبقيت

_ (1) السجدة: 24. (2) الأحزاب: 2. (3) الأحزاب: 1. (4) الأحزاب: 4. (5) الأحزاب: 4. (6) انظر: 84.

الهاء على ما كانت عليه من التشديد. ومعناه: أن الرجل كان في الجاهلية إذا قال لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي حرمت عليه. فجعل الله فيها على المسلم الكفّارة. قوله تعالى: الظُّنُونَا «1» والرَّسُولَا «2» والسَّبِيلَا «3» يقرأن بإثبات الألف وصلا ووقفا، وبحذفها وصلا ووقفا، وبإثباتها وقفا وطرحها وصلا. فالحجة لمن أثبتها وصلا ووقفا: أنه اتبع خط المصحف، لأنها ثابتة في السّواد، وهي مع ذلك مشاكلة لما قبلها من رءوس الآي. وهذه الألفات تسمى في رءوس أبيات الشعر قوافي، وترنّما وخروجا «4». والحجة لمن طرحها: أن هذه الألف إنما تثبت عوضا من التنوين في الوقف، ولا تنوين مع الألف واللام في وصل ولا وقف. والحجة لمن أثبتها وقفا وحذفها وصلا: أنه اتبع الخطّ في الوقف، وأخذ بمحض القياس في الوصل، على ما أوجبته العربية فكان بذلك غير خارج من الوجهين. قوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً «5» يقرأ بالياء والتاء على ما ذكرنا في أول السورة. قوله تعالى: لا مُقامَ لَكُمْ «6» يقرأ بضم الميم وفتحها. وقد تقدم ذكر الاحتجاج عليه آنفا «7». قوله تعالى: لَآتَوْها «8» يقرأ بالمدّ من الإعطاء وبالقصر من المجيء. وقد ذكر فيما مضى «9». قوله تعالى: أُسْوَةٌ «10» يقرأ بكسر الهمز وضمها. وهما لغتان كما قالوا: رشوة ورشوة. قوله تعالى: يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ «11» يقرأ بتشديد العين وفتحها، وكسرها، و (يضاعف) بالياء والنون، وإثبات الألف، والتخفيف. فالحجة لمن قرأه بالياء والتشديد مع الفتح:

_ (1) الأحزاب: 10. (2) الأحزاب: 66. (3) الأحزاب: 67. (4) في القاموس: الخروج بالضم: الألف التي بعد الصلة في الشعر (5) الأحزاب: 9. (6) الأحزاب: 13. (7) انظر: 239. (8) الأحزاب: 14. (9) انظر 97 عند قوله تعالى: ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ. (10) الأحزاب: 21. (11) الأحزاب: 30.

أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله، وحذف الألف لقوله: (ضعفين) «1». ودليله قول العرب: ضعّفت لك الدّرهم مثليه. والحجة لمن قرأه بالنون والتشديد وكسر العين: أنه جعله فعلا أخبر به عن الله تعالى كإخباره عن نفسه، ونصب (العذاب) بوقوع الفعل عليه، كما رفعه في الأول بما لم يسم فاعله. والحجة لمن خفف وأثبت الألف مع الياء: أنه أخذه من: ضوعف يضاعف، وهو فعل ما لم يسمّ فاعله. والحجة لمن قرأه بالنون وإثبات الألف مع التخفيف: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه. قوله تعالى: وَتَعْمَلْ صالِحاً «2» يقرأ بالتاء والياء. فالتاء على المعنى لأنه اسم لمؤنث. والياء للفظ (من) لأنه مذكر لفظا و (من) تكون اسما لواحد، وجمع، ولمذكّر، ومؤنث. قوله تعالى: نُؤْتِها أَجْرَها «3» يقرأ بالنون والياء. فالحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه جعله من إخبار رسوله عنه. قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ «4» يقرأ بكسر القاف وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعله من الوقار. والحجة لمن فتح: أنه جعله من الاستقرار. قوله تعالى: أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ «5» يقرأ بالياء والتاء. وقد ذكر الوجه في ذلك آنفا. قوله تعالى: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ «6» يقرأ بكسر التاء وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه أراد: اسم الفاعل من قولك: ختم النبيين فهو خاتمهم. ودليله قراءة (عبد الله) وختم النبيّين. والحجة لمن فتح: أنه أخذه من الخاتم الملبوس، لأنه جمال. وفيه أربع لغات: خاتم وخاتم وخاتام، وخيتام. قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ «7» يقرأ بالتاء مضمومة، وإثبات الألف «8»، وبفتح التاء وطرح الألف، وقد ذكرت علله في البقرة مستقصاة «9».

_ (1) الآية نفسها. (2) الأحزاب: 31. (3) الأحزاب: 31. (4) الأحزاب: 33. (5) الأحزاب: 36. (6) الأحزاب: 40. (7) الأحزاب: 49. (8) أي بعد الميم. (9) انظر: 98 عند قوله تعالى: ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ.

ومن سورة سبأ

قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ «1». يقرأ بتحقيق الهمزة، وإعراب الياء، وبحذفه وإرسال الياء. وقد ذكر «2». قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ «3»، إجماع القراء على الياء، إلّا ما روي عن أبي عمرو من التاء فيه، يريد: لا يحل لك شيء من النساء «4». قوله تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ «5» يقرأ بإشباع الضمة، وإلحاقها واوا، وباختلاس حركة الضم فيها. وقد مضى القول فيه مع أمثاله «6» قوله تعالى: إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا «7» يقرأ بالجمع، ويجمع الجمع. فالحجة لمن قرأه بالجمع: أنه لما جاء بعده (كبراء) وهو جمع (كبير) وجب أن يكون الذي قبله (سادة) وهو جمع (سيّد)، ليوافق الجمع في المعنى. والحجة لمن قرأه بجمع الجمع «8». أن السادة كانوا فيهم أكبر من الكبراء، فأبانوهم منهم بجمع يتميزون به عنهم. قوله تعالى: وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً «9» بالثاء والباء وقد ذكرت علله في البقرة «10» ومن سورة سبأ قوله تعالى: عالِمِ الْغَيْبِ «11» يقرأ «علّام الغيب» و «عالم الغيب» بالخفض وعالم بالرفع. فالحجة لمن خفض: أنه جعله وصفا لقوله: (بلى وربي) «12» لأنه مخفوض بواو القسم. فأما علّام فهو أبلغ في المدح من عالم وعليم. ودليله قوله في آخرها: «قُلْ إِنَّ رَبِّي

_ (1) الأحزاب: 51. (2) انظر: 159 عند قوله تعالى: أَرْجِهْ وَأَخاهُ. (3) الأحزاب: 52. (4) انظر: التيسير: 179. (5) الأحزاب: 53. (6) انظر: 71. (7) الأحزاب: 67 (8) أي سادات بألف بعد الدّال مع كسر التاء، وهي قراءة ابن عامر: (التيسير ص: 179). (9) الأحزاب: 68. (10) انظر: 96 عند قوله تعالى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ. (11) سبأ: 3. (12) الآية نفسها.

يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ «1». وقيل: بل شدد دلالة على التكثير، لأنه مضاف إلى جمع. والحجة لمن قرأه بالرفع: أنه جعله خبر ابتداء محذوف، معناه: هو عالم الغيب. قوله تعالى: لا يَعْزُبُ «2» يقرأ بضم الزاي وكسرها وقد ذكر «3». قوله تعالى: مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ «4» يقرأ بالخفض والرفع. فالحجة لمن خفض: أنّه جعله وصفا للرجز. والحجة لمن رفع: أنه جعله وصفا لقوله: (لهم عذاب). ومعنى: (أليم): مؤلم موجع. قوله تعالى: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ «5»، أَوْ نُسْقِطْ «6» يقرءان بالنون والياء. فالحجة لمن قرأ بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن ذاته. والحجة لمن قرأ بالياء: أنه جعله من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل. واتفق القراء على إظهار الفاء عند (الباء) «7» إلا ما قرأه (الكسائي) مدغما. وحجته: أن مخرج الباء من الشفتين، ومخرج الفاء من باطن الشفة السفلى، وأطراف الثنايا العلى، فاتفقا في المخرج للمقاربة إلا أن في الفاء تفشيا يبطل الإدغام. فأما إدغام الباء في الفاء فصواب. قوله تعالى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ «8» اتفاق القراء على نصب الريح إلا ما رواه «أبو بكر» «9» عن «عاصم» بالرفع. فالحجة لمن نصب: إضمار فعل معناه: وسخرنا لسليمان الريح «10». فأما الحجة «لعاصم» فإنه رفعه بالابتداء «ولسليمان» الخبر.

_ (1) سبأ: 48. (2): 3. (3) انظر: 157. (4) سبأ: 5. (5) سبأ: 9. (6) سبأ: 9. (7) في قوله تعالى: نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ. (8) سبأ: 12. (9) انظر: 82. (10) يرد بهذه الآية أبو عمرو بن العلاء على عيسى بن عمر، لأن عيسى كان يقرأ «يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ» على النداء، وقال أبو عمرو: لو كانت على النداء لكانت رفعا ولكنها على إضمار: «وَسَخَّرْنا» الطير لقوله على أثر هذا: «وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ» أي سخرنا الريح. انظر: (طبقات الشعراء لابن سلام 14) المطبعة المحمودية.

قوله تعالى: كَالْجَوابِ «1» اتفق القرّاء على حذف الياء في الوقف إلا (ابن كثير) فإنه أثبتها على الأصل. قوله تعالى: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ «2» يقرأ بالهمز وتركه. فالحجة لمن همز: أنه أتى باللفظ على أصل الاشتقاق، لأن العصا سميت بذلك، لأن الراعي ينسئ بها الإبل عن الحوض أي يؤخرها. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أراد التخفيف. قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ «3». يقرأ (سبأ) بالإجراء وتركه. وقد ذكرت علله في سورة النمل «4». و (في مساكنهم) يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحد: أنه اجتزأ بالتوحيد من الجمع. والحجة لمن جمع: أنه جعل كل موضع منهما مسكنا. قوله تعالى: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ «5». أجمع القراء فيه على التنوين إلا (أبا عمرو) فإنه أضاف. فالحجة لمن نوّن: أنه جعل (الخمط) و (الأثل) بدلا من الأكل، وهو هو في المعنى، ولذلك كرهوا إضافته، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه. والحجة لأبي عمرو: أنه جعل الأكل أشياء كثيرة، و (الخمط) جنسا من المأكولات، فأضاف كما يضيف الأنواع إلى الأجناس. و (الخمط): ثمر الأراك فأمّا (أكل) فيقرأ بضم الكاف على الأصل وإسكانها تخفيفا. قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ «6». أجمع القراء على ضم الفاء دلالة على بناء ما لم يسم فاعله إلا (ابن عامر) فإنه فتحها دلالة على بناء الفعل للفاعل وهو الله عز وجل «7». ومعنى ذلك: أن الملائكة لما سمعت صليل الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى عليه السلام، فزعت له خوفا من قيام الساعة فقالوا: ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ «8» فأجيبوا قالُوا الْحَقَّ «9» أي: قال ربكم: الحق.

_ (1) سبأ: 13. (2) سبأ: 14. (3) سبأ: 15. (4) انظر: 270. (5) سبأ: 16. (6) سبأ: 23. (7) وتقرأ بفتح الفاء والزاي مشددة انظر: (شرح ابن القاصح على الشاطبية: 283). (8) سبأ: 23. (9) سبأ: 23

قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ «1». يقرأ بالياء وفتح الزاي. وبالنون وكسر الزاي. فالحجة لمن قرأه بالياء والفتح: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله فرفع لذلك الكفور. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعل الفعل لله عز وجل وعدّاه إلى (الكفور) فنصبه به «2». و (هل) يجيء في الكلام على أربعة أوجه: يكون جحدا كقوله: (وهل يجازى إلا الكفور). ودليل ذلك مجيء التحقيق بعدها. وتكون استفهاما كقوله: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ «3». ويكون أمرا كقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «4». ويكون بمعنى «قد» كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ «5». قوله تعالى: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا «6». يقرأ بتشديد العين وكسرها من غير ألف، وبالتخفيف وإثبات الألف بين الباء والعين. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: التكرير يعني بعد بعد وهو ضد: القرب. والحجة لمن أدخل الألف وخفف: أنه استجفى أن يأتي بالعين مشددة فأدخل الألف، وخفف، كقوله تعالى: عَقَّدْتُمُ «7» و (عاقدتم). وقد ذكرت علله هناك بأبين من هذا، وهما في حال التشديد والتخفيف عند الكوفيين مجزومان بلام مقدرة، حذفت مع حرف المضارعة. وعند البصريين مبنيا على معنى الطّلب بلفظ الأمر على ما وجب للفعل في الأصل. قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ «8». يقرأ بتشديد الدّال وتخفيفها. ومعناهما قريب وذلك أن إبليس لعنه الله قال: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ «9» ظانا لذلك،

_ (1) سبأ: 17. (2) قال ابن قتيبة في معرض وجوه الخلاف في القراءات: إنه قد يكون الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركة بنائها بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها نحو قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ وهل يجازي إلّا الكفور. انظر: (تأويل مشكل القرآن 28، 29). (3) الشعراء: 72 (4) المائدة: 91 (5) الإنسان: 1 (6) سبأ: 19. (7) المائدة 89. (8) سبأ: 20. (9) النساء: 119.

لا متيقنا فلما تابعه عليه من سبقت له الشقوة عند الله عز وجل صدّق ظنّه عليهم. قوله تعالى: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ «1». يقرأ بضم الهمزة دلالة على ما لم يسم فاعله، ونصبها إخبارا بالفعل عن الله عز وجل. قوله تعالى: وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ «2». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه اجتزأ بالواحد عن الجمع كقوله تعالى: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها «3» يريد به الملائكة. والحجة لمن جمع قوله تعالى: لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ «4». وكلّ صواب اللفظ، قريب المعنى. قوله تعالى: وَأَنَّى لَهُمُ «5» يقرأ بالتفخيم على الأصل، وبالإمالة لمكان الياء، وبين بين، تعديلا بين اللغتين. قوله تعالى: التَّناوُشُ «6». يقرأ بتحقيق الهمزة وإبداله. فالحجة لمن همز: أنه أراد: التباعد. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أراد: التناول. وأنشد (لرؤبة) «7» في الهمز الذي هو بمعنى البعد قوله: كم ساق من دار امرئ جحيش ... إليك ناش القدر النّئوش «8» وأنشد لغيره في ترك الهمز الذي هو بمعنى: التناول قوله: فهي تنوش الحوض نوشا من علا ... نوشا به تقطع أجواز الفلا «9»

_ (1) سبأ: 23. (2) سبأ: 37. (3) الحاقة: 17. (4) الزمر: 20. (5) سبأ: 52. (6) سبأ: 52. (7) انظر: 119. (8) البيت من قصيدة، يمدح بها الحارث أوّلها: عاذل قد أطعت بالترقيش ... إليّ سرا فاطرقي، وميشي انظر: (ديوان رؤية بن العجاج 3: 77 من مجموع أشعار العرب). وانظر: (لسان العرب مادة: جحش). الجحيش: الشق والناحية. ورجل جحيش المحلّ: إذا نزل ناحية عن الناس ولم يختلط بهم. النأش: الأخذ والبطش. والنئوش: القوي القلب (9) لعيلان بن حريث كما جاء في اللسان، والضمير للإبل، من علا: أي من فوق يريد أن الإبل، عالية الأجسام.

من سورة فاطر قوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ «1». يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه أراد: هل غير الله من خالق أو يجعله نعتا لخالق قبل دخول (من) أو يجعل (هل) بمعنى (ما) و (غيرا) بمعنى: إلّا كقوله: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ «2». والحجة لمن خفض: أنه جعله نعتا لخالق، أراد: هل من خالق غير الله يرزقكم. قوله تعالى: كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ «3». يقرأ بضم الياء وفتح الزاي والرفع، وبالنون مفتوحة وكسر الزاي والنصب. فالحجة لمن ضم: أنه دلّ بالفعل على بنائه لما لم يسمّ فاعله، فرفع ما أتى بعده به. والحجة لمن قرأه بالنون والفتح: أنه أراد: حكاية ما أخبر الله عز وجل عن نفسه، ونصب قوله: (كل كفور) بتعدّي الفعل إليه. قوله تعالى: يَدْخُلُونَها «4». يقرأ بفتح الياء وضم الخاء، وبضم الياء وفتح الخاء. فالحجة لمن قرأه بفتح الياء: أنه جعل الدخول فعلا لهم، والتّحلية إلى غيرهم ففرّق بين الفعلين لهذا المعنى. والحجة لمن قرأه بضم الياء: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله وزاوج بذلك بين هذا الفعل وبين قوله: يدخلونها، ويحلون، ليشاكل بذلك بين اللفظين. قوله تعالى: وَلُؤْلُؤاً «5». يقرأ بالهمز، وتركه، وبالنصب والخفض. وقد ذكر بجميع وجوهه في سورة الحج «6». قوله تعالى: فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ «7». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: قوله

_ طويلة الأعناق، وهذا النوش الذي ترتوي به يعينها على قطع الفلوات. والأجواز: الوسط: انظر: (معاني القرآن للفراء 2: 365. اللسان: مادة: نوش. شرح المفصل 4: 89. والكتاب لسيبويه 2: 23). (1) فاطر: 3. (2) الأعراف: 59. (3) فاطر: 36. (4) فاطر: 33. (5) فاطر: 33 (6) انظر: 252 (7) فاطر: 40

ومن سورة يس

فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ «1». والحجة لمن قرأه بالجمع أنه وجده مكتوبا في السّواد بالتاء فأخذ بما وجده في الخط. وفرق بينهما بعض أهل النظر بفرقان مستحسن: فقال من وحّد، أراد: الرسول عليه السلام ودليله: قوله تعالى: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ «2». ومن جمع أراد: القرآن، ودليله: قوله تعالى: وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ «3». قوله تعالى: وَمَكْرَ السَّيِّئِ «4» أجمع القراء فيه على كسر الياء وخفض الهمزة إلّا ما قرأه (حمزة) بوقف الهمزة كالجزم في الفعل، وإنما فعل ذلك تخفيفا للحرف لاجتماع الكسرات وتواليها مع الهمزة، كما خفّف (أبو عمرو) في قوله: بارِئِكُمْ «5». فإن قيل: فهلّا فعل في الثاني «6» كما فعل في الأول؟ فقل: لم تتوال الكسرات في الثاني، كما توالت في الأوّل، لأنه لما انضمت الهمزة للرفع زال الاستثقال، فأتى به على أصل ما أوجبه الإعراب له من الرفع. فاعرف حجته في ذلك فقد نسب إلى الوهم. ومن سورة يس قوله تعالى: يس وَالْقُرْآنِ «7». يقرأ بإدغام النون في الواو وإظهارها. فالحجة لمن أدغم: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن أظهر: أن حروف التهجي ليست كغيرها لأنها ينوى بها الوقف على كلّ حرف منها، فكأنه بذلك منفرد مما بعده. فإن قيل: فيلزم من أدغم النون هاهنا في الواو أن يدغم في قوله ن وَالْقَلَمِ «8» فقل: هذا لا يلزم، لأن الياء «9» أخفّ من الواو «10» وأسهل في اللفظ. وقد ذكرت الإمالة والتفخيم فيما تقدم «11». قوله تعالى: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ «12». يقرأ برفع اللّام ونصبها. فالحجة لمن رفع:

_ (1) الأنعام: 157. (2) البيّنة: 1، 2. (3) البقرة: 185. (4) فاطر: 43. (5) البقرة: 54. (6) أي في «بارئكم». (7) يس: 1، 2. (8) القلم: 1. (9) أي: الياء في (سين) من (يس). (10) أخف من الواو في (نون) (11) انظر: 234 في أول سورة مريم. (12) يس: 5.

أنه جعله خبر ابتداء محذوف. معناه: هذا تنزيل العزيز. والحجة لمن نصب: أنه أراد المصدر كما قال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ «1». قوله تعالى: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا «2». يقرءان بضم السين وفتحها. وقد ذكرت علله في الكهف «3». قوله تعالى: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ «4». أجمع القراء على تشديد الزّاي فيه إلّا ما رواه (أبو بكر) عن (عاصم) من التخفيف. فمعنى التشديد: قوّينا ومنه: أعزّك الله. ومعنى التخفيف: غلبنا ومنه: «من عزّ بزّ» أي من غلب: أخذ السّلب. قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ «5». يقرأ بهمزتين محققتين، وبهمزة وياء. وقد ذكر فيما مضى «6». قوله تعالى: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ «7». يقرأ بإثبات الهاء وطرحها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب، لأن الهاء عائدة على (ما) في صلتها، لأنها من أسماء النواقص التي تحتاج إلى صلة وعائد. والحجة لمن حذفها: أنه لما اجتمع في الصلة فعل وفاعل ومفعول خفف الكلمة بحذف المفعول، لأنه فضلة في الكلام. قوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ «8». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه ابتدأه وجعل ما بعده خبرا عنه، والهاء عائدة عليه وبها صلح الكلام. والحجة لمن نصب: أنه أضمر فعلا فسّره ما بعده فكأنه في التقدير: وقدّرنا القمر قدّرناه. فإن تقدم قبل الاسم حرف هو بالفعل أولى، وتأخر بعده ما له صدر الكلام كالأمر والنهي. والاستفهام كان وجه الكلام النصب، لأنك بالفعل تأمر وعنه تنهي، وتستفهم ودليل ذلك إجماع القرّاء على نصب قوله: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ «9». والرفع عند النحويين جائز، وإن كان ضعيفا. قوله تعالى: وَهُمْ يَخِصِّمُونَ «10» يقرأ بإسكان الخاء والتخفيف، وبتشديد الصاد

_ (1) النمل: 88. (2) يس: 9. (3) انظر ص: 231. (4) يس: 14. (5) يس: 19. (6) انظر: 161. (7) يس: 35. (8) يس: 39. (9) القمر: 24. (10) يس: 49.

أيضا مع الإسكان، وبفتح الياء والخاء وكسر الصاد والتشديد، وبفتح الياء وكسر الخاء والصاد. وبكسر الياء والخاء والصاد. وقد ذكرت علله مستقصاة في نظائره «1». قوله تعالى: فِي شُغُلٍ «2». يقرأ بضمتين متواليتين، وبضم الشين وإسكان الغين. فقيل هما لغتان فصيحتان. وقيل: الأصل: الضم، والإسكان: تخفيف. وقيل معنى شغلهم: افتضاض الأبكار. وقيل: استماع النّغم والألحان. قوله تعالى: فِي ظِلالٍ «3» يقرأ بضم الظاء وفتح اللام من غير ألف بين اللامين وبكسر الظاء وألف بين اللامين. فالحجة لمن ضم الظاء: أنه جعله جمع (ظلّة). ودليله قوله تعالى: فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ «4». والحجة لمن كسر الظاء: أنه جعله جمع (ظل وهو ما ستر من الشمس في أول النهار إلى وقت الزوال. وما ستر بعد ذلك فهو فيء، لأنه ظلّ فاء من مكان إلى مكان أي: رجع. ودليله قوله تعالى: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ «5». قوله تعالى: وَأَنِ اعْبُدُونِي «6» يقرأ بضم النون وكسرها. وقد تقدم القول فيه آنفا «7» فأما الياء فثابتة وصلا ووقفا، لأنها مكتوبة في السّواد. قوله تعالى: جِبِلًّا كَثِيراً «8». يقرأ بضم الجيم والباء «9». وبإسكانها مع التخفيف، وبكسر الجيم والباء وتشديد اللام. وكلها لغات، معناها: الخلقة والطّبع، وما جبل الإنسان عليه. قوله تعالى: نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ «10». يقرأ بضم النون والتشديد، وبفتحها والتخفيف فقيل: هما لغتان بمعنى واحد. وقيل معنى التشديد: التكثير والترداد. ومعنى التخفيف: المرة الواحدة. وفرق (أبو عمرو) بينهما فقال: نكّست الرجل عن دابته بالتشديد،

_ (1) انظر: 161. (2) يس: 55. (3) يس: 56. (4) البقرة: 210. (5) الواقعة: 30. (6) يس: 61. (7) قرأ البصري وعاصم، وحمزة، بكسر النون، وصلا،، والباقون بالضم: (غيث النفع: 227). (8) يس: 62. (9) وتخفيف اللام أيضا، وهي قراءة ابن كثير، والأخوان. انظر: (غيث النفع: 227). (10) يس: 68.

ومن سورة والصافات

ونكس في مرضه ردّ فيه. ومعناه: نعيده إلى أرذل العمر يريد به: الهرم. قوله تعالى: أَفَلا يَعْقِلُونَ «1» يقرأ بالياء والتاء على ما قدّمناه. قوله تعالى: أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ «2». يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد تقدّم الاحتجاج في نظائره بما يغني عن إعادته ومثله: لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ «3» ومكاناتهم. قوله تعالى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا «4». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: قوله وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ «5». والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعله عليه السلام مخاطبا. ووجه الياء أن يكون للقرآن، لقوله تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ «6». قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ «7» يقرأ بالرفع والنصب. وقد ذكر وجه ذلك «8». ومن سورة والصافات قوله تعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً «9». يقرأن بإدغام التاء في الصّاد والزاي والذال، وإظهارها. فالحجة لمن أدغم قرب مخرج التاء منهن. والحجة لمن أظهر: أن التاء متحركة والألف ساكنة قبلها فالإظهار أحسن من الجمع بين ساكنين. فإن قيل: ما وجه قوله فَالتَّالِياتِ ذِكْراً ولم يقل (تلوا) كما قال (صفّا) و (زجرا)؟ فقل: إنّ (تلوت) له في الكلام معنيان: تلوت الرجل. معناه: اتّبعته، وجئت بعده. ودليله قوله: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها «10». وتلوت القرآن: إذا قرأته. فلما التبس لفظهما أبان الله عز وجل بقوله (ذكرا): أنّ المراد هاهنا: التّلاوة لا الاتباع. فإن قيل: ما وجه التأنيث في هذه الألفاظ؟ فقل: ليدل بذلك على معنى الجمع. وقيل: التاليات هاهنا: جبريل وحده، كما قال في قوله: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ «11». قوله تعالى: بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ «12». يقرأ بالتنوين والنصب والخفض معا، وبترك

_ (1) يس: 68. (2) يس: 41. (3) يس: 67. (4) يس: 70. (5) يس: 69. (6) الأنعام: 19. (7) يس: 82. (8) انظر: 88. (9) الصافات: 1، 2، 3. (10) الشمس: 2. (11) آل عمران: 39. (12) الصافات: 6.

التنوين والإضافة. فالحجة لمن نوّن ونصب: أنه عند أهل البصرة شبيه بالمصدر، لأن المصدر عندهم إذا نوّن عمل الفعل، وكذلك إذا أضيف إلى الفاعل أو المفعول. وهو عند أهل الكوفة منصوب بمشتق من المصدر. والحجة لمن نون وخفض: أنه أبدل: (الكواكب) من الزينة لأنها هي الزينة وهذا يدل الشيء من الشيء، وهو هو في المعنى. والحجة لمن حذف التنوين، وأضاف: أنه أتى بالكلام على أصل ما وجب له، لأن الاسم إذا ألفى الاسم بنفسه ولم يكن الثاني وصفا للأول ولا بدلا منه ولا مبتدأ بعده أزال التنوين وعمل فيه الخفض، لأن التنوين معاقب للإضافة، فلذلك لا يجتمعان في الاسم. قوله تعالى: لا يَسَّمَّعُونَ «1». يقرأ بتشديد السين والميم، وبإسكان السين والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد يتسمعون، فأسكن التاء وأدغمها في السين فصارتا سينا مشددة. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من سمع يسمع. ومعناه: أنّ الشياطين كانت تسرق السمع من السماء فتلقيه إلى أوليائها من الإنس قبل مولد محمد عليه السلام فتبديه، فلما ولد صلى الله عليه رجموا بالنجوم، فامتنعوا من الاستماع، وهذا من أدلّ دليل على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: بَلْ عَجِبْتَ «2». يقرأ بضم التاء وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه من إخبار الله تعالى عن نفسه. ودليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجب ربكم من ألّكم وقنوطكم «3». فالعجب من الله عز وجل إنكار لأفعالهم: من إنكارهم البعث، وسخرياتهم من القرآن، وازدرائهم بالرسول جرأة على الله، وتمرّدا، وعدوانا، وتكبّرا. فهذا العجب من الله عز وجل. والفرق بينه وبين عجب المخلوقين: أنّ المخلوق لا يعجب إلا عند نظره إلى ما لم يكن في علمه، ولا جرت العادة بمثله فبهره ما رأى من ذلك فيتعجب من ذلك. وقد جاء في القرآن ما يقارب معنى ذلك كقوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ «4»، وكقوله:

_ (1) الصافات: 8. (2) الصافات: 12. (3) أخرجه أبو عبيد في الغريب، عن محمد بن عمر،. ويرفعه: والألّ: رفع الصوت بالدعاء. انظر: (الكافي الشّافي في تخريج أحاديث الكشاف 4:، 37). (4) آل عمران: 54.

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ «1»، وكقوله: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «2»، فالمكر من الله والاستهزاء والمحبة على غير ما هي من الخلق وبخلافها، فكذلك العجب منه بخلاف ما هو من المخلوقين، لأنها منه على طريق المجازاة بأفعالهم وإتيان اللفظ مردودا على اللفظ. والحجة لمن فتح: أنه جعل التاء للنبي صلى الله عليه وسلم. ومعناه: بل عجبت يا محمد من وحي الله إليك، وهم يسخرون. قوله تعالى: وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ «3» يقرأ هاهنا وفي الواقعة «4» بكسر الزّاي وفتحها. فالحجة لمن قرأه بالكسر: أنه أراد: لا ينفد شرابهم. والحجة لمن فتح: أنه أراد: لا تزول عقولهم إذا شربوها بالسّكر. وفرّق (عاصم) بينهما فقرأها هنا بالفتح، وفي (الواقعة) بالكسر فقيل: إنه جمع بين اللغتين ليعلم بجوازهما. وفرّق بعضهم بين ذلك فقال: إنما فتح هاهنا لقوله: لا فِيها غَوْلٌ «5» وهو كلّ ما اغتال الإنسان فأهلكه وذهب بعقله. وكسر في الواقعة لأن الله تعالى وصف الجنة، وفاكهتها وجعل شرابها من معين، والمعين لا ينفد، فكان ذهاب العقل في (الصافات) أشبه، ونفاد الشراب في (الواقعة) أشكل. قوله تعالى: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ «6». إجماع القراء على فتح الياء إلّا ما قرأه (حمزة) من ضمها. فمن فتح، أخذه من: زفّ يزفّ. ومن ضم أخذه من: أزفّ يزف. وهما لغتان معناهما: الإسراع في المشي. قوله تعالى: ماذا تَرى «7» يقرأ بفتح التاء، وإمالة الراء، وتفخيمها. وبضم التاء وكسر الراء بياء الإمالة فالحجة لمن فتح التاء: أنه أراد به: معنى الرّويّة، والرأي. وقد ذكر وجه الإمالة والتفخيم فيما سلف. والحجة لمن ضمّ وكسر الراء: أنه أراد به المشورة، والأصل فيه: (ترائي) فنقل كسرة الهمزة إلى الرّاء، وحذف الهمزة لسكونها

_ (1) البقرة: 15. (2) آل عمران: 31. (3) الصافات: 47. (4) الواقعة: 19. (5) الصافات: 47. (6) الصافات: 94. (7) الصافات: 102.

وسكون الياء. واشتقاق المشورة من قولهم: «شرت» العسل إذا أخرجته من الخليّة ومعناه: استخراج الرأي. قوله تعالى: وَإِنَّ إِلْياسَ «1». أجمع القراء على فتح النون وقطع الألف بعدها إلا (ابن عامر) فإنه وصلها. فالحجة لمن قطع: أنه شاكل بهذه الألف، أخواتها في أوائل الأسماء الأعجمية. والحجة لمن وصلها: أنها الداخلة مع اللام للتعريف، فكان الاسم عنده قبل دخولها عليه (ياس). قوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ «2» يقرأ بكسر الهمزة وقصرها وإسكان اللام بعدها، وبفتح الهمزة ومدّها وكسر اللام بعدها. فالحجة لمن كسر الهمزة: أنه أراد. (إلياس) فزاد في آخره الياء والنون، ليساوي به ما قبله من رءوس الآي، ودليله ما قرأه (ابن مسعود) «3»: «سلام على إدراسين» يريد: إدريس. والحجة لمن فتح الهمزة: أنه جعل اسمين: أحدهما: مضاف إلى الآخر. معناه: سلام على آل محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم، لأنه قيل في تفسير قوله يس: يريد يا محمد. واختلف الناس في قولهم: آل محمد، فقيل معناه: من آل إليه بنسب أو قرابة. وقيل من كان على دينه، ودليله قوله تعالى: وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ «4». وقيل آله: أصحابه، وأهله، وذريته. فأما أهل صناعة النحو فأجمعوا: أن الأصل في (آل) (أهل) فقلبت الهاء همزة ومدّت ودليلهم على صحة ذلك: أنك لو صغّرت آلا لقلت: أهيلا ولم تقل: أويلا لأنهم صغّروه على أصله لا على لفظه. وقال حذّاق النحويين: الحجة لمن قرأ: (إدراسين) و (إلياسين) فإنما جمع، لأنه أراد بذلك: اسم النبي صلى الله عليه وسلم وضمّ إليه من تابعه على دينه كما قالوا: (المسامعة) و (المهالبة) «5».

_ (1) الصافات: 123. (2) الصافات: 130. (3) انظر: 72. (4) البقرة: 50، الأنفال: 54. (5) قال في القاموس:، المهلب أبو «المهالبة» والمسمع كمنبر: الأذن جمع مسامع، وأبو قبيلة: وهم المسامعة.

ومن سورة ص

قوله تعالى: اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ «1» يقرأ بالنصب والرفع. فالحجة لمن نصب: أنه جعله بدلا من قوله: وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ «2»، الله ربكم ورب آبائكم الأولين، يحتمل أن يكون أضمر فعلا كالذي أظهر فنصب به، أو أضمر (أعني) فإن العرب تنصب بإضماره مدحا وتعظيما. والحجة لمن رفع: أنه أضمر اسما ابتدأ به، وجعل اسم الله تعالى خبرا له، لأن الكلام الذي قبله قد تم فكأنه قال: هو الله ربكم. ودليله قوله: سُورَةٌ أَنْزَلْناها «3» وبَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ «4» يريد بهما، هذه سورة وهذه براءة من الله. أو يبتدئ باسم الله عز وجل مستأنفا له، فيرفعه ويجعل قوله (ربكم) الخبر ويعطف عليه ما بعده. ومن سورة ص قوله تعالى: ما لَها مِنْ فَواقٍ «5». يقرأ بضم الفاء وفتحها. فقيل: هما لغتان بمعنى واحد. وقيل: من ضمّ أراد: قدر ما بين الحلبتين للناقة. ومن فتح أراد: من راحة. قوله تعالى: بِالسُّوقِ «6» إسكان الواو إجماع، إلّا ما روي عن (ابن كثير) من الهمز، وقد ذكر آنفا «7». قوله تعالى: بِنُصْبٍ «8». أجمع القرّاء على ضم النون، إلا ما رواه (حفص) «9» عن (عاصم) بالفتح وهما لغتان. معناهما: ما يصيب البدن من تعب الضرّ، وألم الوجع. ومعنى العذاب هاهنا: ذهاب المال والولد.

_ (1) الصافات: 126. (2) الصافات: 125. (3) النور: 1. (4) التوبة: 1. (5) ص: 15. (6) ص: 33. (7) انظر: 272 عند قوله تعالى: وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها. (8) ص: 41. (9) انظر: 61. هذا ورواية حفص في المصحف الذي بين أيدينا لا تخرج عن إجماع القراء.

فإن قيل: ما وجه مدحه بالصبر وقد شكا بهذا القول؟ فقل: إن شكواه هاهنا على طريق الاستغاثة بالله، والسؤال له، وإنما وجه الذم أن يشكو إلى مخلوق مثله لا يملك له ضرّا ولا نفعا. ودليل ذلك قول يعقوب عليه السلام إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ «1»، لأن كل غني فقير إليه وكل قوي ضعيف لديه ولم يعط أحد الاسترجاع عند المصائب إلّا نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته، ودليل ذلك قول يعقوب لما تولى عن أولاده: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ «2». قوله تعالى: وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ «3». إسكان الياء إجماع إلّا ما رواه (حفص) عن (عاصم) بالفتح لقلة الاسم وكذلك قوله: وَعَزَّنِي «4» بالتشديد إجماع إلّا ما رواه أيضا عنه بالتشديد وإثبات الألف «5». وهما لغتان معناهما: غالبتني وغلبتني. قوله تعالى: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ «6». يقرأ بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مضمومة. وبهمزة واحدة، وبهمزة وواو بعدها. ومثله: أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا «7». فالحجة لمن أثبت الهمزتين: أنه أتى بالكلام على أصله ووفّاه ما أوجبه القياس له، الأولى همزة الاستفهام، والثانية ألف القطع. والحجة لمن قرأه بهمزة واحدة: أنه أخبر ولم يستفهم. والحجة لمن قرأه بهمزة، وواو: أنه حقّق الأولى وخفّف الثانية وكانت مضمومة فصارت في اللفظ واوا. قوله تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ «8». إجماع القراء على لفظ الجمع إلّا ما قرأه ابن كثير من التوحيد. فالحجة لمن جمع: أنه أتى بالكلام على ما أوجب له من تفصيل الجمع بعده «9». والحجة لمن وحّد: أنّه اجتزأ بلفظ الواحد من الجمع لدلالة ما يأتي عليه.

_ (1) يوسف: 86. (2) يوسف: 84. (3) ص: 23. (4) ص: 23. (5) والمصحف الذي بين أيدينا وهو رواية حفص، خلا من رواية التشديد، وإثبات الألف ولم يخرج عن الإجماع. (6) ص: 8. (7) القمر: 25. (8) ص: 45. (9) أعني إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب (في الآية نفسها).

قوله تعالى: بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «1». يقرأ بالتنوين، والإضافة. فمن نوّن أبدل (ذكرى) من (خالصة) وموضعها على هذا خفض، ومن حذف التنوين أضاف لاختلاف اللفظ كقوله: وَلَدارُ الْآخِرَةِ «2» ولا يبين فيها إعراب لحلول ألف التأنيث فيها طرفا، ولم يأت على بنائها إلّا (شعري) اسم نجم. قوله تعالى: هذا ما تُوعَدُونَ «3». يقرأ هاهنا بالياء والتاء. فالتّاء لمعنى مخاطبة الحاضر، والياء للإخبار عن الغائبين، وقد شرحت علله في مواضعه «4». قوله تعالى: وَغَسَّاقٌ «5» يقرأ بتشديد السين وتخفيفها هاهنا، وفي عَمَّ يَتَساءَلُونَ «6» وهما لغتان «7»، وقيل: معناه: شراب قاتل ببرده ونتنه. وقيل: ما يسيل من صديد أهل النار. قوله تعالى: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ «8». إجماع القراء على فتح الهمزة والتوحيد «9» إلا ما قرأه «أبو عمرو» من ضمّها دلالة على الجمع. فالحجة لمن قرأه بالتوحيد قوله تعالى: مِنْ شَكْلِهِ، ولم يقل من شكلهم. والحجة لمن جمع: أنه شاكل بالجمع بينه وبين قوله (أزواج) ولم يقل (زوج)، وهما في الوجهين لا ينصرفان، لأن (آخر) وزنه (أفعل) ففيه علتان: (الصفة) و (مثال الفعل) و (أخر): وزنه (فعل) ففيه علتان: (الجمع) و (العدل). ووجه عدله: أن أصله أن يعرّف بالألف واللام، فلما عرّف بغيرهما تركوا صرفه. ومثله: (سحر)

_ (1) ص: 46 (2) يوسف: 109. (3) ص: 53. (4) انظر: 82 عند قوله تعالى وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. (5) ص: 57. (6) النبأ: 25. (7) قرأ بالتخفيف عامة، قراء الحجاز والبصرة، وبعض الكوفيين والشّام، وقالوا: هو اسم موضوع للمصدر، وبالتشديد قرأ عامة قراء الكوفة، ووجهوه إلى أنه صفة من قولهم: غسق يغسق غسوقا إذا سال. انظر: (الطبري: 23: 113). (8) ص: 58. (9) وذلك في قوله تعالى: وَآخَرُ.

إذا أردت به سحر يومك بعينه لم تصرفه، لأنه معدول عن مثل ذلك. قوله تعالى: مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ «1». يقرأ بقطع الألف ووصلها. فالحجة لمن قطع أنه: جعلها ألف الاستفهام، دخلت على ألف الوصل، فسقطت لدخولها. ولمن وصل وجهان: أحدهما: أنه أخبر بالفعل ولم يدخل عليه استفهاما. والثاني: أنه طرح ألف الاستفهام لدلالة قوله أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ «2» عليها. وهذا من كلام العرب، قال امرؤ القيس: تروح من الحيّ أم تبتكر ... وماذا يضيرك لو تنتظر «3» أراد: أتروح، فحذف الألف. ويحتمل أن يكون حذف الألف لتقدّم الاستفهام في قوله: ما لَنا لا نَرى رِجالًا «4». قوله تعالى: سِخْرِيًّا «5». يقرأ بضم السين وكسرها. وقد ذكر فيما سلف. قوله تعالى: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ «6». يقرءان بالنصب معا، وبرفع الحق الأول، ونصب الثاني. فالحجة لمن نصبهما: أنه أراد في الأول الإغراء. معناه: فاتبعوا الحق، وأعمل الفعل المؤخر في الثاني. والحجة لمن رفع الأول: أنه أضمر له ما يرفعه. يريد: فهذا الحق، ونصب الثاني بالفعل المؤخر، أو يكون أراد: فأنا الحق، وأقول: الحق، فأقام الفاء في الأول مقام (أنا) وهذا بعيد.

_ (1) ص: 62، 63. (2) ص: 63. (3) رواية المفضل، من نسخة الطوسي: تروح من الحيّ أم تبتكر ... وماذا عليك بأن تنتظر من قصيدة مطلعها: أحار بن عمرو كأني خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر انظر: (ديوان امرئ القيس: 154). (4) ص: 62. (5) ص: 63. (6) ص: 84.

ومن سورة الزمر

ومن سورة الزّمر قوله تعالى: يَرْضَهُ لَكُمْ «1». يقرأ بضم الهاء وإثبات واو بعدها. وباختلاس الضمة من غير واو، والهاء بالإسكان. فالحجة لمن أشبع، الهاء ولفظ الواو: أنه لما ذهبت الألف من يرضى علامة للجزم، أتت الهاء وقبلها فتحة فردّ حركتها إلى ما كان لها في الأصل، وأتبعها الواو تبيينا للحركة، وشاهد ذلك قول ذي الرمة: كأنّه كوكب في إثر عفرية ... مسوّم في سواد الليل منقضب «2» والحجة لمن اختلس: أن الأصل عنده: (يرضاه لكم) فلما حذفت الألف للجزم بقيت الهاء على الحركة التي كانت عليها قبل حذف الألف وأنشد: له زجل كأنّه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير «3» والحجة لمن أسكن: أنه لما اتصلت الهاء بالفعل اتصالا لا يمكن انفصالها منه توهّم أنها آخر الفعل، فأسكنها تخفيفا، ليدل بذلك على الجزم. فأما الهاء في قوله: (يرضه لكم، فكناية عن الشكر لقوله: أوّلا (وإن تشكروا) فالشكر من العبد: رضاه بما قسم الله له، والثناء عليه بما أولاه، والشكر من الله تعالى: الزيادة في النعم، وجزيل الثواب. قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ «4». يقرأ بتشديد الميم وتخفيفها. فالحجة لمن شدّد: أنه ردّه على قوله: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا «5» فكأنه قال: أهذا خير أمن هو قانت؟ أي:

_ (1) الزّمر: 7. (2) في إثر عفرية: أي شيطان، مسوّم: معلم. وتقدير البيت: كأن الثور كوكب مسوم، منقضب في إثر عفرية في سواد الليل. انظر: (ديوان ذي الرمة: 27). (3) الزّجل: صوت فيه حنين وترنّم. الحادي: سائق الإبل. الوسيقة: أنثاه التي يضمها ويجمعها، وهي من قولهم: وسقت الشيء: أي جمعته. والبيت منسوب إلى الشمّاخ. والمعنى: أن الحمار الوحشي الذي يصفه يشبه صوته بأتانه إذا صوّت بها صوت حادي الإبل أو صوت مزمار. انظر: الدّرر اللوامع 1: 34، الموشح: 146، ديوان الشماخ: 36، الخصائص لابن جني 1: 127، الكتاب 1: 11. (4) الزّمر: 9. (5) الزّمر: 8.

مصلّ. والقانت في اللغة: (الداعي)، (والساكت) «1»، و (المصلّي)، وهو هاهنا: المصلي لقوله: (ساجدا) و (قائما). والحجة لمن خفف: أنه أقام الألف مقام حرف النداء، فكأنه قال: يا من هو قانت، وهو مشهور في كلام العرب، لأنها تنبه المنادي بخمس أدوات وهن: يا زيد، وأيا زيد، وهيا زيد، وأي زيد، وأزيد. قوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ «2». يقرأ بحذف الياء، وإثباتها وفتحها. فالحجة لمن حذف: أنها لما سقطت لالتقاء الساكنين خطّا سقطت لفظا. والحجة لمن أثبتها: أنه إنما تسقط ياء الإضافة في النداء لكثرة الحذف فيه والاستعمال. فأمّا في غيره فلا، وفتحها لالتقاء الساكنين. فإن قيل: فما معنى قوله: فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ «3»؟ وليس فيه إلّا حسن، فقل: إن الله ذكر الطاعة في كتابه، وأمر بها، ووصف الجنة، ورغّب فيها، وذكر المعصية، ونهى عنها، والنار، وحذر منها، فإذا: تلا القارئ كتاب ربه تبع الطاعة فعمل بها، وارتاح إلى الجنة فتقرب منها. فهذا معنى: أحسنه. قوله تعالى: وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ «4». يقرأ بإثبات الألف، وكسر اللام، وبحذفها وفتح اللام. فالحجة لمن أثبتها: أنه أراد به: خالصا لا شركة فيه. والحجة لمن حذفها: أنه أراد: المصدر من قولك سلم سلما كما تقول حذر حذرا. وليس بمعنى الصّلح الذي هو ضد الحرب، لأنه لا وجه لذلك هاهنا، لأن هذا مثل، ضربه الله للكافر المعاند «5». (ومعنى) «6»: شركاء متشاكسين: أي: متنازعين مختلفين- وللمؤمن الذي عبد إلها واحدا «7». قوله تعالى: بِكافٍ عَبْدَهُ «8». يقرأ بالتوحيد والجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه

_ (1) في الأصل «والساكت» ولعلها محرّفة من «الساكن» ويقصد به الخضوع والخشوع. (2) الزمر: 17، 18. (3) الزمر: 18. (4) الزمر: 29. (5) في الأصل «العابد» وهو تحريف. (6) زيادة يقتضيها الأسلوب. (7) أي ومثل ضربه الله للمؤمن الخ ... (8) الزمر: 36.

قصد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. ودليله قوله تعالى مخاطبا له: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ «1» يعني الأصنام. والحجة لمن جمع: أنه أراد بذلك: كفاية الله لجميع أنبيائه، لأن كل أمة قد كادت نبيها، كما كيد محمد عليه السلام، فدخل في الجملة معهم. ودليله قوله تعالى: حكاية عن قوم هود إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ «2». قوله تعالى: هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ «3». ومُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ «4» يقرءان بالتنوين والنصب، وبحذف التنوين والخفض. فالحجة لمن نوّن: أنه أراد: الحال والاستقبال، ولمن أضاف: أنه أراد: ما ثبت ومضى. وقد ذكر هذا فيما مضى بأبين «5» من هذا الشرح. قوله تعالى: الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ «6». يقرأ بضم القاف وفتح الياء ورفع الموت. وبفتح القاف وإسكان الياء، ونصب الموت. فالحجة لمن ضم القاف: أنه دل بذلك على بناء الفعل لما لم يسم فاعله وفتح الياء لكسرة (الضاد) قبلها ورفع (الموت)، لأنه قام مقام الفاعل. والحجة لمن فتح: أنه أخبر بالفعل عن الله تعالى لتقدّم اسمه في قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ «7» وأسكن الياء للفتحة قبلها، ونصب الموت بتعدّي الفعل إليه. قوله تعالى: بِمَفازَتِهِمْ «8» يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد ذكر في نظائره من العلل ما يغني عن إعادته «9». قوله تعالى: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا «10». يقرأ بحذف الياء. وإثباتها. فالحجة لمن حذف أنه: استعمل الحذف في النداء لكثرة دوره في الكلام. والحجة لمن أثبت: أنه أتى به على الأصل. وقيل: هذه أرجى آية في كتاب الله لمن يئس من التوبة. وقيل: بل قوله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ «11». وقيل: بل قول إبراهيم وَلكِنْ

_ (1) الزمر: 36. (2) هود: 54. (3) الزمر: 38. (4) الزمر: 38. (5) انظر 134: عند قوله تعالى: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ. (6) الزمر: 42. (7) الزمر: 42. (8) الزمر: 61. (9) انظر: 105 عند قوله تعالى: وَكُتُبِهِ. (10) الزمر: 53. (11) الرعد: 6.

لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي «1» فقيل: بتحقيق الإجابة. وقيل: بل بالعيان، لأن المخبر ليس كالمعاين. قوله تعالى: تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ «2». يقرأ بإدغام النون وتشديدها، وبالتخفيف وإظهارها وبتحريك الياء وإسكانها. وقد تقدم من الاحتجاج في ذلك ما فيه كفاية «3» قوله تعالى: فُتِحَتْ أَبْوابُها «4» وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «5» يقرءان بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: تكرير الفعل، لأن كل باب منها فتح. ودليله: إجماعهم على التشديد في قوله: وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ «6» ومفتحة لهم الأبواب «7». والحجة لمن خفف: أنه دل بذلك على فتحها مرّة واحدة، فكان التخفيف أولى، لأن الفعل لم يتردد، ولم يكثر. فإن قيل: فما وجه دخول الواو في إحداهما دون الآخر؟ فقل: فيه غير وجه. قال قوم: هي زائدة، فدخولها وخروجها واحد كما يزاد غيرها من الحروف. وقال آخرون: العرب تعدّ من واحد إلى سبعة وتسميه «عشرا» ثم يأتون بهذه الواو فيسمونها «واو العشر» ليدلوا بذلك على انقضاء عدد، وذلك في مثل قوله تعالى: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ «8» فلما سمّي سبعة أتى بعد ذلك بالواو، ومثله قوله: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ «9»، ومثله قوله تعالى في صفة الجنة وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «10»، لأن للجنة ثمانية أبواب، وللنار سبعة «11».

_ (1) البقرة: 260. (2) الزمر: 64. (3) انظر مثلا: 143 عند قوله تعالى: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ. (4) الزمر: 71. (5) الزمر: 73. (6) يوسف: 23. (7) ص: 50. (8) التوبة: 112. (9) الكهف: 22. (10) الزمر: 73. (11) قال ابن القيم: وهذا في غاية البعد، ولا دلالة في اللفظ على الثمانية حتى تدخل الواو لأجلها بل هذا من باب حذف الجواب بنكتة بديعة، وهي أنّ تفتيح أبواب النار كان حال موافاة أهلها ففتحت في وجوههم، لأنه أبلغ في مفاجأة المكروه. وأما الجنة: وهي مأدبة الله، فقد استدعاهم إليها مفتحة الأبواب وأتى بالواو العاطفة هاهنا الدّالة على أنها جاءوها بعد ما فتحت أبوابها انظر: (بدائع الفوائد 3 - 54، 55). وفي رأي ابن جني أنّ الواو هنا زائدة، مخرجة عن العطف. وزيادة الواو أمر لا يثبته البصريون: (الخصائص

ومن سورة المؤمن

وقال أبو العباس (المبرد): إذا وجدت حرفا في كتاب الله عز وجل له معنى حسن لم أجعله ملغى، ولكن التقدير: حتى إذا جاءوها وصلوا، وفتحت لهم، أبوابها. ومثله، فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ «1» معناه- والله أعلم- أذعن لأمر الله. ومن سورة المؤمن قوله تعالى: حم «2» يقرأ بتفخيم الحاء، وإمالتها، وبين ذلك وقد تقدّم القول فيه عند ذكر حروف المعجم فيما سلف. فإن قيل: فما موضع (حم) من الإعراب؟ فقل: قال قوم: موضع (حم) نصب بإضمار فعل معناه: (اتل) أو (اقرأ) حم. وقيل موضعها خفض بالقسم إلا أنّها لا تنصرف، وما لا ينصرف، فالنصب أولى به من الخفض، لأنه مشبّه بالفعل فمنع ما لا يكون إعرابا في الفعل وهو الخفض. قال الكميت: وجدنا لكم في آل حاميم- آية ... تأوّلها منا تقيّ ومعرب «3» وقيل هي اسم للسورة ودليل عليها. قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ «4» بالتاء والياء. وقد تقدم القول فيه آنفا «5». قوله تعالى: يَوْمَ التَّلاقِ «6» ويَوْمَ التَّنادِ «7» يقرءان بإثبات الياء وصلا، وبحذفها وقفا. وبإثباتها وصلا ووقفا، وبحذفها وصلا ووقفا، وقد تقدّمت الحجة في أمثاله

_ 2: 462). وفي رأي أبي إسحاق الزجاج في رواية عن محمد بن يزيد أنّ الجواب محذوف وأن المعنى: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها: سلام عليكم طبتم فأدخلوها خالدين سعدوا. (أمالي ابن الشجري 1: 358، المسألة: 42). (1) الصافات: 103. (2) المؤمن: 1. (3) لسان العرب. مادة: عرب: قال: أنشده سيبويه: معرّب بدون واو العطف، كمكلّم. واتفق الأزهري مع ابن خالويه في رواية البيت: تقيّ ومعرب. ومعرب، أي مفصح بالحق لا يتوقاهم. والخطاب في هذا لبني هاشم، حين ظهروا على بنى أمية. وانظر: (الكتاب، 2: 30). (4) المؤمن: 20. (5) كثر ذلك في مواضع عديدة من كتابه. انظر: 82 وغيرها. (6) المؤمن: 15. (7) المؤمن: 32.

بما يدل عليه «1». ومعنى التلاق: التقاء السماء والأرض. ومعنى التناد: قيل: تناديهم من قبورهم. وقيل: ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب الأعراف. قوله تعالى: أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً «2». يقرأ بالهاء في (منهم) ونصب (أشد) بعده إلّا ما قرأه (ابن عامر) بالكاف في موضع الهاء ورفع (أشدّ). وليس في نصب (أشد) خلاف بين الناس ورفع ذلك لحن. فالحجة لمن قرأه بالهاء: أنه أتى بالكلام على سياقه. ودليله قوله: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ «3». ونصب (أشد)، لأنه جعله الخبر (لكان) السابقة وجعل (هم) فاصلة عند البصريين وعمادا عند الكوفيين، ليفرّق بذلك بين الوصف لاسم (كان) وبين الخبر كقولك: كان زيد الظريف قائما في الوصف، وكان زيد هو الظريف في الخبر، ودليل ذلك قوله تعالى: إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ «4». فإن قيل: فإنّ الفاصلة لا تدخل على خبر كان إلا إذا كان معرفة فقل: إن (أفعل) متى وصل ب (من) كان معرفة. والحجة لمن قرأه بالرفع والكاف: أنه جعل (هم) اسما مبتدأ و (أشد) الخبر، فرفعهما وجعلهما جملة في موضع نصب بخبر (كان)، فأما الكاف: فحجته فيها أن العرب ترجع من الغيبة في الخطاب إلى الحضرة. ودليله قوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «5». وقد تقدّم من هذا ما يستدل به على معناه. قوله تعالى: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ «6». يقرأ بأو، وبالواو، وبضم الياء وفتحها، وبنصب (الفساد) ورفعه. فالحجة لمن قرأ بأو: أنه جعل الحرف لأحد الحالين على طريق الشك أو الإباحة لأن ل (أو) في الكلام أربعة أوجه: الشك، والإباحة، والتخيير، وإيجاب أحد الشيئين منهما كقوله: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ «7». «8» والحجة لمن قرأ بالواو: أنه جعل الحرف للحالين معا فاختار الواو، لأنها جامعة بين الشيئين،

_ (1) انظر: 169، 218. (2) المؤمن: 21. (3) المؤمن: 21. (4) الأعراف: 113. (5) يونس: 22. (6) المؤمن: 26. (7) الصافات: 147. (8) (أو): في هذه الآية على بابها دالة على أحد الشيئين: إمّا مائة ألف بمجرّدها، وإمّا مائة ألف مع زيادة، والمخبر في كل هذا لا يشك. (بدائع الفوائد 1: 198).

لأنه جمع بها هاهنا بين التبديل وبين ظهور الفساد. والحجة لمن ضم الياء: أنه ردّ الكلام على أوله وأتى به على سياقه، فأضمر الفاعل فيه كما أضمره في قوله: أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ «1» فنصب (الفساد) بتعدّي الفعل إليه. والحجة لمن فتح الياء: أنه قطع الفساد وظهوره من التبديل، فأفرده بفعله، ورفعه به. ومعناه: فإن يبدّل دينكم ظهر في الأرض الفساد قوله تعالى: إِنِّي عُذْتُ «2». يقرأ بإدغام الذال في التاء لقرب المخرج. وبإظهار الذال على الأصل، لأن الحرفين غير متجانسين. قوله تعالى: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ «3». إجماع القراء هاهنا على الإضافة إلا (أبا عمرو) فإنه نوّن (القلب). فالحجة لمن أضاف: أنه جعل القلب خلفا من اسم محذوف «4»، فأقامه مقامه عند الكوفيين. وهو عند البصريين صفة قامت مقام الموصوف. ومعناه عندهم «5»: على كل قلب رجل متكبّر. أو يريد به: التقديم والتأخير، كما حكى عن بعض فصحاء العرب: أن فلانا لممّن يرجّل شعره كل يوم جمعة أراد كلّ يوم جمعة فقدّم وأخر. والحجة لأبي عمرو: أنه جعل الفعل للقلب لأنه ملك البدن ومستقر الكبر، لأن الكبر إذا سكنه تكبّر له صاحبه، ودليل ذلك قوله فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ «6»، لأن الأعناق إذا ذلت وخضعت ذل لذلك وخضع أربابها. ومعنى تكبّر القلب: قسوته، لأنه إذا قسا ترك الطاعة. والجبار في اللغة: الذي يقتل على الغضب ودليله قوله: بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ «7». فإن قيل: فقد مدح الله نفسه بهذا الاسم الذي ذم به خلقه. فقل: موضع المدح لله تعالى أنه أجبر عباده على ما أراد منهم وأحياهم وأماتهم فهي صفة لا تليق إلا به ومدح لا يجب إلا له فإذا اكتسى ذلك من لا يجب له كان مذموما به.

_ (1) المؤمن: 26. (2) المؤمن: 27. (3) المؤمن: 35. (4) أي على كل ذي قلب متكبر، تجعل الصفة لصاحب القلب. انظر: (الكشاف للزمخشري 4: 167). (5) في الأصل «عندهما»، والأنسب أن يكون كما ذكرت لأن الضمير راجع إلى البصريين وهم جمع. (6) الشعراء: 4. (7) الشعراء: 130.

ولم يأت «فعّال» من «أفعل» إلّا في ثلاثة أفعال: قالوا: أجبر فهو جبّار، وأدرك فهو درّاك، وأسأر فهو سآر. قوله تعالى: فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى «1». أجمع القراء على رفعه عطفا على قوله: أَبْلُغُ «2» إلا ما روى (حفص) عن عاصم بالنصب لأنه جعل الفاء فيه جوابا للفعل، فنصب بها تشبيها ل (لعل) بليت، لأن (ليت) في التّمنّي أخت (لعلّ) في الترجّي. ومثله ما رواه عنه أيضا في (عبس): فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى «3». قوله تعالى: وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ «4». يقرأ بضم الصاد وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه دل بالضم على بناء ما لم يسمّ فاعله، وعطفه على قوله: وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ «5». والحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لفرعون، فاستتر اسمه فيه لتقدمه قبل ذلك. وفيه حجة لأهل السنة. قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ «6». يقرأ بقطع الألف ووصلها. فالحجة لمن قطع: أنه جعله أمرا من الله عز وجل للزّبانية، فنصب آل فرعون بتعدّي الفعل إليهم، لأن دخول النار ليس مما يختارونه ولا ذلك إليهم، وإنما يكرهون عليه. والحجة لمن وصل: أنه جعل الفعل حكاية عما يقال لهم، وأضمر القول هاهنا كما أضمر في قوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ «7» يريد «والله أعلم». فيقال لهم: أفلم، ونصب (آل فرعون) على هذه القراءة بالنداء المضاف كما قال تعالى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا «8» يريد- والله أعلم- يا ذريّة من حملنا مع نوح. قوله تعالى: يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ «9». يقرأ بضم الياء وفتح الخاء، وبفتح الياء وضم الخاء.

_ (1) المؤمن: 37. (2) المؤمن: 36. (3) عبس: 4. (4) المؤمن: 37. (5) الآية نفسها. (6) المؤمن: 46. (7) الجاثية: 31. (8) الاسراء: 3. (9) المؤمن: 40.

ومن سورة حم السجدة (فصلت)

فالحجة لمن ضم: أنه أتى بالفعل على بناء ما لم يسم فاعله ليقربه من قوله: يُرْزَقُونَ «1» فيتفقا بلفظ واحد في بنائهما. والحجة لمن فتح الياء أنه أراد: أنهم إذا أدخلوا دخلوا فنسب الدخول إليهم. ودليله قوله تعالى: وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ «2» وإنما الله أماتهم لقوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا «3» فنسب الفعل إليهم على هذا الوجه سعة ومجازا ومثله سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ «4» يقرأ بضم الياء وفتحها. ومعنى داخرين: صاغرين. قوله تعالى: لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ «5». يقرأ بالتاء دلالة على تأنيث المعذرة، وبالياء للحائل بين الفعل والاسم، أو لأن تأنيث الاسم ليس بحقيقي. قوله تعالى: ما تَتَذَكَّرُونَ «6». يقرأ بالياء والتاء. ويقرأ بتاءين. فالحجة لمن قرأه بالياء والتاء: أنه جعل الياء دلالة على الاستقبال وعلامة للغيبة، والتاء داخلة على فعّل لتدل على استفادة الذكر شيئا بعد شيء كما تقول: تحفّظت القرآن، وتنجّزت حوائجي. والحجة لمن قرأه بالتاءين: أنه دلّ بالأولى على الاستقبال والحضور، وبالثانية على ما قدمناه، و (قليلا) ينتصب بقوله: (يتذكرون)، والوقف تام على قوله عز وجل: (ولا المسيء). ثم يبتدئ بما بعده. ومن سورة حم السجدة (فصّلت) قوله تعالى: فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ «7» بقرأ بإسكان الحاء وكسرها. فالحجة لمن أسكن: أنه أراد: جمع (نحس) ودليله قوله تعالى: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ «8». ويحتمل أن يكون أراد كسر الحاء، فأسكنها تخفيفا. والحجة لمن كسر: أنه جعله جمعا للصفة من قول العرب: هذا يوم نحس، وزن: هذا رجل هرم.

_ (1) المؤمن: 40. (2) آل عمران: 91. (3) النجم: 44. (4) المؤمن: 60. (5) المؤمن: 52. وفي الأصل «الذين ظلموا» وهو تحريف (6) المؤمن: 58. (7) فصلت: 16. (8) القمر: 19.

قال الشاعر: أبلغ جذاما ولخما أنّ إخوتهم ... طيّا وبهراء قوم نصرهم نحس «1» قوله تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ «2». يقرأ بالياء والرفع، وبالنون والنصب. فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه أراد الإخبار بفعل ما لم يسمّ فاعله. فرفع الإسم به. والحجة لمن قرأ بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه فنصب الاسم بتعدي الفعل إليه. قوله تعالى: مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها «3». يقرأ بالتوحيد، والجمع. وقد ذكر من الحجة في أمثاله ما يغني عن إعادة قول فيه «4». قوله تعالى: ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ «5». يقرأ بهمزتين محققتين، وبهمزة ومدّة بعدها. فالحجة لمن حقق: أنه أتى بالكلام على واجبه، لأن الهمزة الأولى للإنكار لقولهم، والتوبيخ لهم. والثانية ألف قطع. والحجة لمن أبدل من ألف القطع مدّة: أنه استثقل الجمع بين همزتين، فخفّف إحداهما بالمدّ. ومعناه: لو فعلنا هذا لقالوا: أقرآن أعجمي ونبيّ عربي؟ هذا محال. والفرق بين الأعجميّ والعجميّ: أن الأعجميّ الذي لا يتكلم بالعربية وإن كان عربي الأصل، والعجميّ: منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا. قوله تعالى: أَرِنَا الَّذَيْنِ «6». يقرأ بكسر الراء باختلاس «7» حركتها وبإسكانها «8». وقد ذكر فيما مضى «9». قوله تعالى: وَنَأى بِجانِبِهِ مذكور في بني إسرائيل بوجوه القراءة فيه وشرح علله «10».

_ (1) اللسان: مادة: نحس. (2) فصلت: 19. (3) فصلت: 47. (4) انظر: 82. (5) فصلت: 44. (6) فصلت: 29. (7) قراءة أبي عمرو. (8) قراءة ابن كثير، وابن عامر، وأبي شعيب. انظر: التيسير ص 193. (9) انظر: 142 - 143 (10) انظر: 220.

ومن سورة حم عسق (الشورى)

ومن سورة حم عسق (الشورى) قوله تعالى: عسق «1». أجمع القراء على إدغام النون في القاف، وبينهما متباعد في المخرج، وأظهر «حمزة» النون عند الميم في طسم «2». فالحجة في الإظهار: أنّ الميم قد أفردت من السين في أول سورة (النّمل)، وألحقت بها في أول (الشعراء) و (القصص) فبيّن «3» فيهما ليعلم أن الميم زائدة على هجاء السين، ولم تنفرد السين من القاف فيحتاج في ذلك إلى فصل، فبنى فيه الكلام على الأصل «4»، والنون تدغم عند الميم وتخفى عند القاف، والمخفي بمنزلة المظهر، فلما ثقل عليه التشديد وكرهه في (طسم) أظهر، ولما كان المخفي بمنزلة المظهر لم يحتج إلى إظهار ثان. قوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ «5». يقرأ بكسر الحاء وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعله فعلا لله عز وجل فرفع لفظ الاسم بفعله. والحجة لمن فتحها: أنه جعل الفعل مبنيا لما لم يسمّ فاعله، ورفع اسم الله تعالى بدلا من الضمير الذي في الفعل، أو بإعادة فعل مضمر، أو بإضمار اسم مبتدأ يكون اسم الله تعالى خبرا له. قوله تعالى: يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ «6». يقرأ بالياء والتاء فيه، وفي «تكاد» والنون مع التاء، والياء والتخفيف، وبالتاء في مكان النون بعد التاء، والياء والتشديد. وتقدّم شرح جميع علل ذلك في سورة مريم بما يغني عن إعادة قول فيه «7». قوله تعالى: وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ «8» يقرأ بالتاء والياء على ما قدّمناه في أمثاله. قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ «9». اتفقت المصاحف على حذفها خطّا. واختلف القرّاء في اللفظ بها.

_ (1) الشورى: 2. (2) الشعراء: 1. (3) بيّن: أظهر. (4) في الأصل من غير أداة التعريف. (5) الشورى: 3. (6) الشورى: 5. (7) انظر: 239. (8) الشورى: 25. (9) الشورى: 32.

فمنهم من أثبتها وصلا ووقفا، واحتج: أنه إنما كان حذفها لمقارنة التنوين فلما زال التنوين بدخول الألف واللام عادت إلى أصلها. ومنهم من حذفها وقفا وأثبتها وصلا ليكون متبعا للخط وقفا، وللأصل وصلا. ومنهم من حذفها وقفا ووصلا. واحتج بأن النكرة الأصل، والمعرفة فرع عليها، فلما حذفت الياء في النكرة لمقارنة التنوين، ثم لما دخلت الألف واللام دخلتا على شيء قد حذف أصلا، فلم يعيداه لأن الأصل أقوى من الفرع. قوله تعالى: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ «1». يقرأ بالنصب والرفع. فالحجة لمن نصب: أنه صرفه عن المجزوم، والنّصب بالواو عند الكوفيين، وبإضمار «أن» عند البصريين. ودليل ذلك قوله تعالى: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ «2» بالنصب والحجة لمن رفع: أنه استأنف بالواو لتمام الشرط والجزاء بابتدائه وجوابه. قوله تعالى: كَبائِرَ الْإِثْمِ «3». يقرأ بالتوحيد والجمع،. فالحجة لمن وحّد: أنه أراد: به الشرك بالله فقط، لأن الله تعالى أوجب على نفسه غفران ما سواه من الذنوب، ولذلك سماه ظلما عظيما. والحجة لمن جمع: أنه أراد بذلك: الشرك، والقتل، والزّنا، والقذف، وشرب الخمر، والفرار من الزّحف، وعقوق الوالدين، فذلك سبع. وقال: «ابن عباس» «4»: هي إلى سبعين أقرب منها إلى سبع. وقيل: هي من أول «النساء» إلى قوله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ وإذا ثبت أنّ أكبر المعاصي الشرك بالله، فأكبر الطاعات الإيمان بالله، وهو: الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب. وقيل: أكبر من الشرك ما ادّعاه فرعون لنفسه من الربوبية. وقيل: إذا اجتمعت صغائر الذنوب صارت كبيرة. قوله تعالى: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ «5». يقرءان بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه استأنف ب (أو) فخرج من النصب إلى الرفع. والحجة لمن نصب أنه عطفه على معنى قوله: (إلّا وحيا)، لأنه بمعنى: أن يوحي. إليه أو يرسل رسولا، فيوحى، فيعطف

_ (1) الشورى: 35. (2) آل عمران: 142. (3) الشورى: 37. (4) انظر: 242. (5) الشورى: 51.

ومن سورة الزخرف

بعضا على بعض ب (أو) وبالفاء. ومعنى قوله: (إلّا وحيا) يريد: إلهاما، أو من وراء حجاب، كما كلّم موسى، أو يرسل رسولا يريد به: جبريل صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع النبيين والملائكة والمقرّبين. ومن سورة الزخرف قوله تعالى: أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ «1». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه قدّر «أن» تقدير «إذ» ودليله قوله: أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى «2» يريد: إذ جاءه الأعمى، وقدّر (كنتم) بعده تقدير الفعل الماضي لفظا ومعنى، وموضع (أن) على هذا نصب وخفض، وقد ذكر. والحجة لمن كسر: أنه جعل أن (إن) حرف شرط، وجعل الفعل بمعنى المستقبل، وحذف الجواب علما بالمراد. قوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ «3». يقرأ بفتح الياء وإسكان النون والتخفيف، وبضم الياء وفتح النون والتشديد. فالحجة لمن خفف: أنه جعل الفعل من قولهم: نشأ الغلام فهو ناشئ. والحجة لمن شدّد: أنه جعل الفعل لمفعول به لم يسمّ فاعله. ودليله قوله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً «4». فأنشأت، ونشأت بمعنى واحد. قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ «5». يقرأ بالباء والألف جمع «عبد» وبالنون من غير ألف على أنه ظرف. فالحجة لمن قرأه بالجمع: أن الملائكة عباد الله. ودليل ذلك قوله: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ «6». والحجة لمن قرأه بالنون على معنى الظرف. قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ «7». والجمع هاهنا أولى، لأن الله عز وجل إنما أكذبهم في قولهم: إن الملائكة بناته بأن عرفهم أنهم عباده، لا بناته.

_ (1) الزخرف: 5. (2) عبس: 2. (3) الزخرف: 18. (4) الواقعة: 35. (5) الزخرف: 19. (6) النساء: 172. (7) الأعراف: 206.

قوله تعالى: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ «1». يقرأ بفتح الهمزة والشين، وبضمها وإسكان الشين. فالحجة لمن فتح: أنه جعل الألف للتوبيخ، وأخذ الفعل من شهد يشهد، فجعله فعلا لفاعل. والحجة لمن ضم: أن جعله فعل ما لم يسمّ فاعلة. ودليله قوله تعالى: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ «2» التي ينظرون، ولا خلق الأرض التي يمشون عليها، ولا خلق أنفسهم. وهذا من أوكد الحجج عليهم، لأن من لم يشهد خلق ما يعاينه ويقرب منه، فكيف يعرف خلق ما بعد منه، وغاب عنه.؟ قوله تعالى: قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ «3». يقرأ بألف بين القاف واللام على الإخبار، وطرح الألف، على طريق الأمر. وقد تقدّمت الحجة في نظائره بما فيه كفاية. قوله تعالى: لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ «4». يقرأ بفتح السين وإسكان القاف على التوحيد. وبضمهما على الجمع. فالحجة لمن وحّد: أنه أراد: أعلاهم وأظلّهم ودليله قوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ «5». والحجة لمن جمع: أنه وافق بذلك بين اللفظين في قوله: مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ «6». قوله تعالى: لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا «7». يقرأ بتشديد الميم وتخفيفها. وقد ذكرت علله فيما مضى «8». قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاءَنا «9». يقرأ بالتوحيد وبالتثنية. فالحجة لمن وحّد: أنه أفرد «العاشي» عن ذكر الرحمن بالفعل. ودليله توحيد الفعل بعده في قوله: قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ «10». والحجة لمن قرأه بالتثنية: أنه أراد: والشيطان المقيّض له الذي قارنه، لأنهما جميعا جاءا، فكان الخطاب من أحدهما بعد المجيء «11». وأراد بالمشرقين هاهنا: بعد ما بين المشرق والمغرب، فأتى بالأشهر من الاسمين. قوله تعالى: أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ «12». إجماع القرّاء على إثبات الألف بين السين والواو إلّا ما رواه (حفص) عن (عاصم) من حذفها وإسكان السين. فالحجة لمن أثبت الألف:

_ (1) الزخرف: 19. (2) الكهف: 51. (3) الزخرف: 24. (4) الزخرف: 33. (5) النحل: 26. (6) الزخرف: 33. (7) الزخرف: 35. (8) انظر: 191. (9) الزخرف: 38. (10) الزخرف: 38. (11) في قوله تعالى: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ. (12) الزخرف: 53.

أنه أراد: جمع الجمع. والحجة لمن حذفها أنه أراد: الجمع فقط، فأما القرق بين السّوار والأسوار فالسّوار لليد، والأسوار من أساورة الفرس. قوله تعالى: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً «1». يقرأ بفتح السين واللام وبضمهما. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: جمع «سالف». والحجة لمن ضم: أنه أراد: جمع «سليف». قوله تعالى: يَصِدُّونَ «2». يقرأ بكسر الصاد وضمها. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: يعدلون ويعرضون، ودليله قوله: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ «3». والحجة لمن كسر: أنه أراد: يصيحون، ودليله على ذلك مجيء «منه» قبلها ولو كانت بمعنى الإعراض لجاءت معها «عن» كقوله: أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ «4». وقيل: كسر الصاد، وضمها، وإدخال الألف في أول الفعل وإخراجها بمعنى واحد. قوله تعالى: يا أَيُّهَا السَّاحِرُ «5». يقرأ بطرح الألف والوقوف على الهاء ساكنة، وبإثبات الألف والوقوف عليها. وقد تقدّم القول في علله آنفا. فإن قيل: لم نحلوه: اسم السّحر، وقد سألوه الدعاء لهم؟ فقل: في ذلك جوابان، أحدهما: أن السّحر في اللغة: دقّة العلم بالشيء، ولطافة النّظر، وحسن العبارة بأطرف الألفاظ. ومنه قولهم: فلان يسحر بكلامه، ويسمون هذا الضرب: السّحر الحلال. والثاني: أنهم خاطبوه بما كان قد تقدّم له عندهم من تشبيهه بالساحر، لأن الأغلب عليهم كان السحر في زمانه. قوله تعالى: أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ «6». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند قوله «إِذْ ظَلَمْتُمْ» ثم استأنف (إنكم) فكسرها. والحجة لمن فتح: أنه جعل آخر الكلام متّصلا بأوله «7» فكأنه قال: ولن ينفعكم اليوم

_ (1) الزخرف: 56. (2) الزخرف: 57. (3) الأنعام: 35. (4) المائدة: 42. (5) الزخرف: 49. (6) الزخرف: 39. (7) إذ في قوله تعالى: إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ إلخ .. مشكلة، لأنها ظرف زمان ماض، واليوم المذكور ليس بماض. وقال ابن جني في مساءلته أبا عليّ: راجعته فيها مرارا، فآخر ما حصل منه: أن الدنيا والآخرة متصلتان وهي

اشتراككم في العذاب إذ ظلمتم أنفسكم في الدنيا فيكون موضع «أنكم» هاهنا رفعا، والكاف والميم في موضع نصب. قوله تعالى: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ «1». يقرأ بإثبات الياء وحذفها. وقد تقدم ذكره «2». قوله تعالى: وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ «3». يقرأ بالاستفهام على طريق التوبيخ، وبالإخبار. وقد ذكرت علل ذلك فيما سلف «4». قوله تعالى: ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ «5». يقرأ بإثبات هاء «6» بعد الباء وبحذفها. فالحجة لمن أثبتها: أنه أظهر مفعول تشتهي، لأنه عائد على «ما». والحجة لمن حذفها: أنه لما اجتمع في كلمة واحدة فعل وفاعل ومفعول خفّفها بطرح المفعول لأنه فضلة في الكلام. قوله تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ «7». يقرأ بالياء والتاء على ما قدمناه في أمثاله «8». فأما ضم أوله فإجماع. قوله تعالى: وَقِيلِهِ يا رَبِّ «9». يقرأ بالنصب والخفض «10». فالحجة لمن نصب: أنه عطفه على قوله: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ «11» وقيله. والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله: وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ «12»، وعلم قيله.

_ سواء في حكم الله تعالى وعلمه فتكون إذ بدلا من اليوم حتى كأنها مستقبلة أو كأنّ اليوم ماض. انظر: (إملاء ما من به الرحمن للعكبري 2: 228). (1) الزخرف: 68. (2) انظر: 310. (3) الزخرف: 58. (4) انظر: 161. (5) الزخرف: 71. (6) المراد: هاء الضمير مذكرا بعد الياء. (7) الزخرف: 85. (8) انظر: 82. (9) الزخرف: 88. (10) أي بكسر اللام والهاء، أو نصبها وضم الهاء. (11) الزخرف: 80. (12) الزخرف: 85.

ومن سورة الدخان

قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ «1» يقرأ بالياء والتاء على ما تقدّم من القول في أمثاله. ومن سورة الدخان قوله تعالى: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «2». يقرأ بالرفع والخفض هاهنا وفي الْمُزَّمِّلُ «3» وعَمَّ يَتَساءَلُونَ «4». فالحجة لمن خفض: أنه جعله بدلا من الاسم الذي قبله. والحجة لمن رفع: أنه جعله مبتدأ، أو خبرا لمبتدإ، أو أبدله من قوله: هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «5» ربّ. قوله تعالى: فَاعْتِلُوهُ «6». يقرأ بكسر التاء وضمّها وهما لغتان: كقوله: يَعْرِشُونَ «7»، يَعْكُفُونَ «8». وقد ذكرت علله فيما مضى. قوله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ «9». يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل تمام الكلام عند قوله «ذق»، وابتدأ إن بالكسر. والحجة لمن فتحها: أنه أراد: حرف الخفض فحذفه، ففتح لذلك. وقيل معنى قوله: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ «10» يريد: عند نفسك، فأما عندنا فلا. وقيل: هو كناية من الله عز وجلّ بأحسن الألفاظ. والمراد به: السفيه الأحمق، أو الذليل كقول قوم شعيب له: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ «11». قوله تعالى: يَغْلِي فِي الْبُطُونِ «12». يقرأ بالياء ردا على «المهل»، وبالتاء ردّا على «الشجرة». والأثيم هاهنا: أبو جهل. قوله تعالى: فِي مَقامٍ أَمِينٍ «13». يقرأ بضم الميم وفتحها. وقد ذكر معنى ذلك بما فيه كفاية «14».

_ (1) الزخرف: 89. (2) الدخان: 7. (3) المزمل: 9. (4) النبأ: 37. (5) الدخان: 6. (6) الدخان: 47. (7) الأعراف: 137. (8) الأعراف: 138. (9) الدخان: 49. (10) الآية نفسها. (11) هود: 87. (12) الدخان: 45. (13) الدخان: 51. (14) انظر: 239.

ومن سورة الجاثية

ومن سورة الجاثية قوله تعالى: وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ «1» وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ «2». يقرءان بالرفع والنصب. ودليل النصب فيه كسرة التاء. فالحجة لمن رفع: أنه جعل: الآيات مبتدأة، وما تقدم من الصفة وما تعلقت به خبرا عنها. ولمن نصب وجهان: أحدهما: العطف على الأول وفيه ضعف «3» عند النحويين، لأنه عطف على «معمولي» عاملين مختلفين على (إن) وهي تنصب، وعلى (في) وهي تخفض. والثاني: أن تبدل الآيات الثانية من الأولى، ويعطف بالثالثة على الثانية. وإن اختلفت «الآيات» فكانت إحداهن في السماء، والأخرى في الأرض فقد اتّفقا في أنهما خلق لله عزّ وجل. قوله تعالى: وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ «4». يقرأ بالياء والتاء على ما قدّمناه في أمثاله. قوله تعالى: لِيَجْزِيَ قَوْماً «5». يقرأ بالياء إخبارا من الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربّه، وبالنون إخبارا من الله عزّ وجلّ عن نفسه. قوله تعالى: لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ «6». يقرأ برفع الميم، وخفضها. وقد تقدّم ذكر العلة فيه «7». قوله تعالى: سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ «8». يقرأ بالنصب والرفع. فالحجة لمن نصب: أنه عدّى إليه قوله: أَنْ نَجْعَلَهُمْ سواء. والحجة لمن رفع: أنه جعل قوله كَالَّذِينَ

_ (1) الجاثية: 4. (2) الجاثية: 5. (3) البصريون يمنعون العطف على معمولي عاملين مختلفين، وتأول البصريون الآيتين على أن آيات» جيء بها توكيدا للآيات الأولى حتى كأنه قيل: آيات آيات. وعند الفراء، وبعض الكوفيين: يجوز العطف على معمولي العاملين مطلقا مستدلّين بهذه الآيات. انظر (شرح الكافية لابن الحاجب: 59: 60). (4) الجاثية: 6. (5) الجاثية: 14. (6) الجاثية: 11. (7) انظر: 292. (8) الجاثية: 21.

ومن سورة الأحقاف

آمَنُوا «1» هو المفعول الثاني ورفع «سواء» بالابتداء و «محياهم» الخبر. وقد يجوز لمن جعل كَالَّذِينَ آمَنُوا المفعول الثاني أن ينصب سواء على الحال، ويقف عليه. قوله تعالى: وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً «2». يقرأ بكسر الغين وإثبات الألف، وبفتحها وحذف الألف. فالحجة لمن كسر الغين: أنه جعله مصدرا مجهولا كقولك: «الولاية» و «الكفاية». والحجة لمن فتح الغين: أنه جعله كالخطفة والرّجعة. وقال بعض أهل النظر: إنما قال: غشاوة لاشتمالها على البصر بظلمتها فهي في الوزن مثل: الهداية. قوله تعالى: وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها «3». إجماع القرّاء على الرفع إلا (حمزة) فإنه قرأه بالنصب. فالحجة لمن رفع: أن من شرط «إنّ» «4» إذا تمّ خبرها قبل العطف عليها كان الوجه الرفع. ودليله قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ «5». فأما حجة (حمزة) فإنه عطف بالواو لفظ «الساعة» لأنها من تمام حكاية قولهم. وعلى ذلك كان الجواب لهم في قوله: قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ «6». قوله تعالى: فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ «7». يقرأ بفتح الياء وضمّها. وقد ذكر. ومن سورة الأحقاف قوله تعالى: بِوالِدَيْهِ حُسْناً «8». يقرأ بضم الحاء من غير ألف، وبألف قبل الحاء وإسكانها، وألف بعد السّين، وهما مصدران. فالأول من: حسن يحسن حسنا. والثاني: من: أحسن يحسن إحسانا. قوله تعالى: لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا «9». يقرأ بالياء والتاء، فالياء عز وجل، أو للنبيّ عليه السّلام، أو للقرآن، والتاء للنبي خاصة. قوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً «10». يقرءان بضم الكاف وفتحها. وقد تقدم ذكره «11».

_ (1) الجاثية: 21. (2) الجاثية: 23. (3) الجاثية: 32. (4) من قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ الآية نفسها. (5) التوبة: 3. (6) الجاثية: 32. (7) الجاثية: 35. (8) الأحقاف: 15. (9) الأحقاف: 12. (10) الأحقاف: 15. (11) انظر: 122.

قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ «1». يقرءان بالياء مضمومة ورفع «أحسن» بما لم يسم فاعله، وبالنون مفتوحة فيهما ونصب: «أحسن» على أنه إخبار من الفاعل عن نفسه. قوله تعالى: أُفٍّ لَكُما «2» مذكور بعلله في بني إسرائيل «3». قوله تعالى: وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ «4». يقرأ بالياء والنون على ما تقدّم «5». قوله تعالى: لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ «6». يقرأ بفتح التاء، ونصب «مساكنهم» وبضم التاء ورفع «مساكنهم». فالحجة لمن فتح التاء ونصب: أنه جعل الخطاب للرسول عليه السلام ونصب «مساكنهم» بتعدّي الفعل إليه. والحجة لمن ضم: أنه دلّ بذلك على بناء ما لم يسم فاعله ورفع الاسم بعده، لأن الفعل صار حديثا عنه. قوله تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ «7». يقرأ بهمزة واحدة مقصورة كلفظ الأخبار. معناه: «ويوم يعرض الذين كفروا على النار» فيقال: «أذهبتم» أو يريد به: التوبيخ، ثم يحذف الألف، ويقتصر منها على الهمزة الباقية. وانفرد (ابن كثير) بقراءة هذا الحرف بهمزة ومدّة، فالأولى ألف التوبيخ، والمدة عوض من ألف القطع، واللفظ بالألف كلفظ الاستفهام. وكل لفظ استفهام ورد في كتاب الله عزّ وجلّ فلا يخلو من أحد ستة أوجه: إمّا أن يكون توبيخا، أو تقريرا، أو تعجّبا، أو تسوية، أو إيجابا، أو أمرا. فأمّا استفهام صريح فلا يقع من الله تعالى في القرآن، لأن المستفهم مستعلم ما ليس عنده، طالب للخبر من غيره، والله عالم بالأشياء قبل كونها. فالتوبيخ: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ «8» والتقرير:

_ (1) الأحقاف: 16. (2) الأحقاف: 17. (3) انظر: 215. (4) الأحقاف: 19. (5) انظر: 96. (6) الأحقاف: 25. (7) الأحقاف: 20. (8) الزخرف: 20.

ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم

أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ «1» والتعجّب: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ «2» والتّسوية سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ «3». والإيجاب كقوله: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها «4». والأمر: أَأَسْلَمْتُمْ «5». فعلى هذا يجري ما في كتاب الله فاعرف مواضعه. ومن سورة محمّد صلى الله عليه وسلّم هذه السورة أول المفصل. وإنّما سمّي مفصّلا لكثرة تفصيل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بين سوره. قوله تعالى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ «6». يقرأ بالتشديد والتخفيف وضم القاف، وبإثبات ألف بين القاف والتاء مع فتح القاف. فالحجة لمن خفّف أو شدّد: أنه دلّ بضم القاف على بناء الفعل لما لم يسم فاعله. والحجة لمن أثبت الألف وفتح القاف: أنه دل بذلك على بناء الفعل لهم. والكنايتان في موضع رفع «7». قوله تعالى: غَيْرِ آسِنٍ «8». يقرأ بالمدّ على وزن فاعل. وبالقصر على وزن فعل. فالحجة لمن قرأه بالمد: أنه أخذه من قولهم: أسن الماء يأسن فهو آسن، كما تقول: خرج يخرج فهو خارج. والحجة لمن قصر: أنه أخذه من قولهم: أسن الماء يأسن فهو أسن كما تقول: حذر يحذر فهو حذر، وهرم يهرم فهو هرم. والهمزة فيهما معا همزة أصل. قوله تعالى: وَأَمْلى لَهُمْ «9». يقرأ بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء. وبفتح الهمزة واللام وإسكان الياء. فالحجة لمن ضم الهمزة: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسم فاعله، لأنه جعل «التسويل» «10» للشيطان، و «الإملاء» لغيره. والحجة لمن فتح الهمزة: أنه

_ (1) المائدة: 116. (2) البقرة: 28. (3) البقرة: 6. (4) البقرة: 30. (5) آل عمران: 20. (6) محمد: 4. (7) واو الجماعة، في حالتي البناء للفاعل، والبناء للمفعول. (8) محمّد: 15. (9) محمد: 25. (10) في قوله تعالى: سَوَّلَ لَهُمْ آية 25.

ومن سورة الفتح

جعل الفعل مبنيا للفاعل، فكأنه قال: الشيطان سوّل لهم، والله أملى لهم. قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ «1». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: جمع «سرّ». والحجة لمن كسر: أنه أراد: المصدر. وقد ذكرنا العلة في فتح همزة الجمع وكسر همزة المصدر ذكرا يغني عن إعادته. قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ «2» وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «3». يقرءان بالياء والنون. فالحجة لمن قرأ بالياء: أنه جعله من إخبار النبي عن الله عزّ وجلّ. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعله من إخبار الله عزّ وجلّ عن نفسه. فإن قيل: فما وجه قوله «حَتَّى نَعْلَمَ» وعلمه سابق لكون الأشياء؟ فقل: الإخبار عنه، والمراد بذلك: غيره ممن لا يعلم، وهذا من تحسين اللفظ ولطافة الرد. قوله تعالى: وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ «4». يقرأ بفتح السين وكسرها وقد تقدّم القول فيه «5». ومن سورة الفتح قوله تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ «6». يقرأ ذلك بالياء على طريق الغيبة، وبالتاء دلالة على المخاطبة. قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ «7». يقرأ بضم السّين وفتحها. فالحجة لمن ضمّ: أنه أراد: «الإثم» أو «الشّرّ» أو «الفساد». والحجة لمن فتح: أنه أراد: المصدر. قوله تعالى: فَسَيُؤْتِيهِ «8». يقرأ بالياء والنون. وقد تقدّم القول في أمثاله «9». قوله تعالى: بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ «10». إجماع القرّاء على كسر الهاء، لمجاورة الياء إلا

_ (1) محمد: 26. (2) محمد: 31. (3) محمد: 31. (4) محمد: 35. (5) انظر: 95. (6) الفتح: 9. (7) الفتح: 6. (8) الفتح: 10. (9) انظر: 96. (10) الفتح: 10.

ومن سورة الحجرات

ما رواه (حفص) عن (عاصم) من ضمّها على أصل ما يجب من حركتها بعد الساكن. قوله تعالى: إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا «1». يقرأ بضم الضاد وفتحها. وقد تقدّم ذكر علّتها «2». قوله تعالى: بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً «3». إجماع القراء على الياء بمعنى الغيبة إلّا ما اختاره (أبو عمرو) من التاء بمعنى الحضرة. قوله تعالى: أَخْرَجَ شَطْأَهُ «4». يقرأ بإسكان الطاء وفتحها. والحجة فيه كالحجة في قوله رَأْفَةٌ «5» في إسكانها وتحريكها. ومعناه: فراخ الزرع. قوله تعالى: فَآزَرَهُ «6». يقرأ بالمدّ والقصر، فالمد بمعنى: أفعله، والقصر: بمعنى فعله، فالألف في الممدود قطع، وفي المقصور أصل. قوله تعالى: عَلى سُوقِهِ «7». يقرأ بالهمز وتركه. وقد تقدّم ذكر علته فيما مضى «8». والله أعلم. ومن سورة الحجرات قوله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ «9». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على اللفظ لا على المعنى. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه ردّه على المعنى، لا على اللفظ. قوله تعالى: لا يَلِتْكُمْ «10». يقرأ بالهمز «11» وتركه. فالحجة لمن همز: أنه أخذه:

_ (1) الفتح: 11. (2) انظر: 88. (3) الفتح: 24. (4) الفتح: 29. (5) النور: 2. (6) الفتح: 29. (7) الفتح: 29. (8) انظر: 272 عند قوله تعالى: وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها. (9) الحجرات: 10. (10) الحجرات: 14. (11) قراءة أبي عمرو بهمزة ساكنة بعد الياء، وإذا خفف أبدلها ألفا. (انظر: التيسير: 202).

ومن سورة ق

من ألت يألت. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أخذه: من «لات» يليت. ومعناهما: لا ينقصكم. قوله تعالى: لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً «1». يقرأ بالتّشديد والتخفيف. وقد تقدّم القول فيه، ومعناه: إن ذاكر أخيه بالسوء في غيبته، وهو لا يحس به كآكل لحمه ميتا. قوله تعالى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «2». إجماع القرّاء على التاء خطابا للحاضرين إلّا (ابن كثير) فإنه قرأه بالياء على معنى: الغيبة. ومن سورة ق قوله تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ «3». يقرأ بالياء إخبار من الرسول عن الله عزّ وجلّ وبالنون إخبار من الله تعالى عن نفسه عزّ وجلّ. ونصب «يوم» يتوجه على وجهين: أحدهما: بقوله ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ «4» يوم نقول، أي: في يوم قولنا. والثاني: بإضمار فعل، معناه: «واذكر» يوم نقول. فأما قول جهنم، فعند أهل السنة بآلة وعقل يركّبه الله فيها على الحقيقة. وعند غيرهم، على طريق المجاز، وأنها لو نطقت لقالت ذلك. قوله تعالى: وَأَدْبارَ السُّجُودِ «5». يقرأ بفتح الهمزة على الجمع، وبكسرها على المصدر. قوله تعالى: الْمُنادِ «6» يقرأ بالياء وحذفها على ما تقدّم من «7» القول في نظائره. والمنادى هاهنا: إسرافيل. والمكان القريب: بيت المقدس. قوله تعالى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ «8» يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد:

_ (1) الحجرات: 12. (2) الحجرات: 18. (3) ق: 30. (4) ق: 29. (5) ق: 40. (6) ق: 41. (7) انظر: 204 عند قوله تعالى: دُعائِي. (8) ق: 44.

ومن سورة الذاريات

أنه أراد: تتشقق، فأسكن التاء الثانية وأدغمها في الشين فشدّد لذلك. والحجة لمن خفف: أنه أراد أيضا: تتشقق، فحذف إحدى التاءين تخفيفا. قوله تعالى: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ «1». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أنه دلّ بذلك على مداومة الفعل وتكراره. والحجة لمن خفف: أنه أراد المرة الواحدة. وأصله: التطواف في البلاد. ومن سورة الذّاريات قوله تعالى: لَحَقٌّ مِثْلَ ما «2». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعله صفة للحق. والحجة لمن نصب: أنه بناه مع «ما» بناء «لا رجل عندك». فإن قيل: كيف جعل نطقهم حقّا، وهم كفرة؟ فقل: معناه: إنه لحق مثل نطقكم، كما تقول: إنه لحقّ كما أنك هاهنا. قوله تعالى: الصَّاعِقَةُ «3». يقرأ بإثبات الألف بين الصاد والعين، وحذفها. فالحجة لمن أثبت: أنه أراد: الاسم من الفعل. والحجة لمن حذف: أنه أراد: المصدر أو المرّة من الفعل. قوله تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ «4». يقرأ بالنصب والخفض. فالحجة لمن نصب: أنه ردّه على قوله: فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ «5»، أي: وأغرقنا قوم نوح، أو أهلكنا قوم نوح. والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله: وَفِي ثَمُودَ «6».

_ (1) ق: 36. (2) الذاريات: 23. (3) الذاريات: 44. (4) الذاريات: 46. (5) الذاريات: 40. (6) الذاريات: 43.

ومن سورة والطور

ومن سورة والطّور قوله تعالى: وَأَتْبَعْناهُمْ «1». يقرأ بالنّون والألف، وبالتّاء في موضع النون، وحذف الألف. ذُرِّيَّتُهُمْ «2» يقرأ بالتوحيد والجمع فيهما، «3» وبالرفع في الأولى والنصب. فالحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعله فعلا للذريّة سواء أفرد، أو جمع، فرفعها بفعلها. والحجة لمن قرأ بالنون: أنه جعل الفعل لله تعالى فنصب «الذريّة» في الإفراد والجمع لتعدّي الفعل إليها. فأما الذريّة الثانية فلا خلف في نصبها بقوله: (ألحقنا). فالحجة لمن وحّد أنه اجتزأ بالواحد من الجمع، وعلامة النصب فيه فتحة التاء. والحجة لمن جمع: أنه أتى باللفظ على ما أوجبه المعنى. وعلامة النصب في الجمع كسرة التاء، لأنها نابت في جمع المؤنث مناب الياء في جمع المذكر، فاعتدل النصب والخفض في جمع المؤنث بالكسر، كما اعتدل في جمع المذكر بالياء. وأصل «ذريّة» في الوزن «فعلولة» «4» من «الذّر» فقلبوا من الواو ياء وأدغموها في الياء، فصارت في وزن «فعليّة» «5». ومعنى الآية: أن الله تعالى يبلغ الولد في الجنة مرتبة والده، وإن لم يستحقها بعمله، ويبلغ الوالد في الجنة مرتبة ولده، وإن لم يستوجبها بعمله إذا تساويا في الدخول إليها نسأل الله فوزا بها برحمته وفضله. ودليله قوله تعالى: آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً «6». قوله تعالى: وَما أَلَتْناهُمْ «7». أجمع القرّاء على فتح اللام إلّا ما قرأ به (ابن كثير)

_ (1) الطّور: 21. (2) الطّور: 21. (3) أي في قوله تعالى: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ. وفي قوله تعالى: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. (4) في الأصل: فعولة ولا وجه له، والصواب إذا لم تكن مهموزة الأصل أن يكون أصلها ذرورة على وزن فعلولة، ولكن التضعيف لما كثر أبدل الراء الأخيرة ياء. ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذريّة. (5) في الأصل: فعليّة، والصواب: أن تكون فعليّة (اللسان ذرر). (6) النساء: 11. (7) الطّور: 21.

من كسرها. وقد علّل ذلك في الحجرات «1». قوله تعالى: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ «2». يقرأ بالنصب وطرح التنوين، والرفع والتنوين. فالحجة لمن نصب: أنه بنى الاسم مع «لا» كبناء «خمسة عشر» فحذف التنوين، وبناه على الفتح. والحجة لمن رفع: أنه لم يعمل «لا» وأعمل معنى «الابتداء» وجعل الظرف الخبر. ومعنى يتنازعون هاهنا: يتعاطون ويتداولون. ومنه قول الأخطل: نازعته طيّب الراح الشّمول وقد ... صاح الدّجاج وحانت وقعة السّاري «3» قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ «4». يقرأ بفتح الهمزة وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: حرف الجر، فلما حذفه تعدى الفعل فعمل. والحجة لمن كسر: أنه جعل تمام الكلام عند قوله: «ندعوه»، ثم ابتدأ «إن» بالكسر على ما أوجبه الابتداء لها. قوله تعالى: يُصْعَقُونَ «5». يقرأ بفتح الياء وضمّها. فالحجة لمن فتح: أنه جعل الفعل لهم، ولم يعدّه إلى غيرهم، فالواو ضمير الفاعلين، والنّون علامة رفع الفعل. والحجة لمن ضم: أنه جعل الفعل لما لم يسمّ فاعله، فرفع المفعول بذلك. فإن قيل: ما وجه رفع المفعول هاهنا بعد ما كان النصب أولى به؟ فقل: لأنه أشبه الفاعل في المعنى، لأن الفعل الذي كان حديثا عن الفاعل صار حديثا عن المفعول، فقام مقامه، فأعرب بإعرابه. فإن قيل: فعلامة الإعراب إنما تقع في آخر الفعل بغير حائل، كوقوعها على آخر حروف الاسم، فلم جعلت النون في الفعل المضارع إعرابا، وقد حالت الألف والواو بينهما

_ (1) انظر: 331. (2) الطور: 23. (3) من قصيدة أولها: تغيّر الرّسم من سلمى بأحفار ... واقفرت من سليمى دمنة الدّار والدجاج هنا: الديوك: يريد وقت السحر، لأنه يقال للديك: هذا دجاجة، فإن أردت الأنثى قلت: هذه. (وقعة): يقال: وقعت الإبل إذا بركت. انظر: (ديوان الأخطل: 16). وانظر أيضا: الشعر والشعراء: 483). (4) الطور: 28. (5) الطور: 45.

ومن سورة النجم

وبين الفعل؟ فقل: لأنه لما كنّى عن الفاعل في الفعل مثنّى ومجموعا اختلط بالفعل اختلاطا لا يمكن فصله فصار كبعض حروفه، فكأنك لم تحل بين الفعل وعلامة الرفع بشيء. قوله تعالى: أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ «1». يقرأ بالصاد والسين، وإشمام الزّاي هاهنا وفي الْغاشِيَةِ «2». وقد ذكرت علل ذلك فيما سلف «3». ومعنى المصيطر: المسلّط، فأمّا لفظ مسيطر، ومبيقر، ومبيطر «4»، ومهيمن «5»، وكميت «6»، وثريّا «7» فمصغّرات جاءت عن العرب لا مكبّر لهن، فاعرفهن. ومن سورة النجم قوله تعالى: إِذا هَوى «8»، وغَوى «9»، وما أشبه ذلك من أواخر آي هذه السورة. يقرأ بالإمالة والتفخيم وبين ذلك. وقد ذكرت وجوه علله، وعلل رَأى «10» فيما تقدم، فأغني ذلك عن الإعادة «11» قوله تعالى: أَفَتُمارُونَهُ «12». يقرأ بضم التاء وإثبات ألف بين الميم والراء، وبفتح التاء وحذف الألف. فالحجة لمن أثبت: أنه أراد: «أفتجادلونه». ووزنه: «تفاعلونه» من المماراة. والمجادلة بالباطل. ومنه قوله عليه السّلام: «لا تماروا بالقرآن فإن مراء فيه كفر» «13». والحجة لمن حذفها: أنه أراد: «أفتجحدونه».

_ (1) الطور: 37. (2) الغاشية: 22. (3) انظر: 62 عند قوله تعالى: الصِّراطَ. (4) من صنعته البيطرة، والبيطرة: معالجة الدواب. (5) هيمن على كذا: صار رقيبا عليه وحافظا. والمهيمن من أسماء الله تعالى. (6) الكميت من الخيل بين الأسود والأحمر. (7) الثّريا: النجم. (8) النجم: 1. (9) النجم: 2. (10) النجم: 11. (11) انظر: 78 عند قوله تعالى: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً. (12) النجم: 12. (13) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الجزري 4: 322. وفي الأصل: فإن مراء (به).

قوله تعالى: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى «1». يقرأ بالقصر من غير همز، وبالمدّ والهمز. فالحجة لمن قصر: أن الأصل فيها: منوة، فلمّا تحرّكت الواو وقبلها فتحة انقلبت ألفا، وذلك حقّها وقياسها. والحجة لمن مدّ: أنه جعل الألف زائدة لا منقلبة، وأتى بالهمزة بعدها لئلا يجمع بين ألفين، «فاللات» اسم صنم كان ل «ثقيف» «2»، و «العزى»: اسم «سمرة» «3». كانت ل «غطفان» «4» و «مناة»: اسم صخرة كانت ل «خزاعة» «5». فأمّا الوقف على «اللات» فبالتاء إجماع إلّا ما تفرد به (الكسائي) من الوقوف عليها بالهاء. والاختيار التاء، لأن الله تعالى لما منعهم أن يحلفوا بالله، قالوا: «اللات» ولما منعهم أن يحلفوا «بالعزيز» قالوا: «العزّى». قوله تعالى: قِسْمَةٌ ضِيزى «6». يقرأ بالهمز «7»، وتركه. وهما لغتان: ضأز، وضاز. ومعناهما: جار. والأصل: ضم الضّاد. فلو بقّوها على الضم، لانقلبت الياء واوا فكسروا الضاد، لتصبح الياء كما قالوا في جمع أبيض: بيض، لتصح الياء. فأما من كسر أوّلها وهمز فإن كان أراد: أن يجعلها اسما ك «ذكرى» و «شعرى» فقد أصاب، وإن كان جعلها وصفا فلا وجه لذلك، لأنه لم يأت عن العرب وصف لمؤنث على وزن فعلى بكسر الفاء. قوله تعالى: كَبائِرَ الْإِثْمِ «8». يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد ذكرت وجوهه في عسق «9».

_ (1) النجم: 20. (2) ثقيف: قبيلة منازلها في جبل الحجاز، بين مكّة والطائف، وعلى الأصح بينه وبين جبال الحجاز وتنقسم إلى بطون عدة. انظر: معجم قبائل العرب: 1 - 147. (3) السّمرة بضم الميم: من شجر الطّلح. (4) غطفان بن سعد: بطن من حرام بن جذام بن كهلان، من القحطانية وهم: بنو غطفان بن سعد بن مالك بن جذام. انظر: (معجم قبائل العرب: 3 - 889). (5) خزاعة: قبيلة من الأزد من القحطانية وهم: بنو عمرو بن ربيعة: كانوا بأنحاء مكة في مرّ الظهران وما يليه. من جبالهم: الأبواء، والشام. ومن مياههم: بيضان، الوتيرة، المريسيع، وفيهم بطون كثيرة. انظر: (معجم قبائل العرب: 1 - 238). (6) النجم: 22. (7) وهي قراءة ابن كثير، «ضئزى» (التيسير: 204). (8) النجم: 32. (9) انظر: 319.

ومن سورة القمر

قوله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى «1». يقرأ بالتنوين مكسورا، وإسكان اللام وهمزة بعدها، وبطرح التنوين والهمزة وتشديد اللّام «2». فالحجة لمن نوّن وأسكن اللام، وحقّق الهمزة: أنه أتى بالكلام على أصله، ووفّى اللفظ حقيقة ما وجب له، وكسر التنوين لالتقاء الساكنين. والحجة لمن حذف التنوين والهمزة وشدّد اللام: أنه نقل حركة الهمزة إلى اللام الساكنة قبلها ثم حذفها، فالتقى سكون التنوين وسكون اللام، فأدغم التنوين في اللام فالتشديد من أجل ذلك. ومثله من كلامهم: «زياد العجم» «3» وروي عن (نافع): الإدغام وهمزة الواو، فإن صحّ ذلك عنه فإنما همز ليدل بذلك على الهمزة التي كانت في الكلمة قبل الإدغام. قوله تعالى: وَثَمُودَ فَما أَبْقى «4». يقرأ بالإجراء وتركه. وقد تقدّم القول في علة ذلك وغيره من الأسماء الأعجمية «5». ومن سورة القمر قوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ «6» ومُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ «7». يقرءان بإثبات الياء وحذفها. وقد ذكرت علله. ومعنى مهطعين: مسرعين. قوله تعالى: إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ «8». يقرأ بضم الكاف وإسكانها. والاختيار الضم لموافقة رءوس الآي، ولأنه الأصل، وإن كان الإسكان تخفيفا. قوله تعالى: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ «9». يقرأ بضم الخاء وتشديد الشين من غير ألف، وبفتح الخاء وألف بعدها، وتخفيف الشين وكسرها. فالحجة لمن ضم الخاء وحذف الألف: أنه أراد: جمع التكسير على خاشع فقال: خشّع كما قال تعالى في جمع راكع: وَالرُّكَّعِ

_ (1) النجم: 50. (2) وهي قراءة نافع وأبي عمرو: بضم اللام بحركة الهمزة وإدغام النون فيها. (التيسير: 204). (3) أصله: زياد الأعجم. (4) النجم: 51. (5) انظر: 188. (6) القمر: 6. (7) القمر: 8. (8) القمر: 6. (9) القمر: 7.

ومن سورة الرحمن

السُّجُودِ «1». والحجة لمن فتح الخاء وأثبت الألف: أنه أراد باللفظ: التوحيد، وبالمعنى: الفعل؛ للمضارعة التي بينهما، لأن ما بعده مرتفع به كما قال الشاعر: وشباب حسّن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معدّ «2» فأما النصب في قوله خاشعا وخشّعا فعلى الحال. قوله تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ «3». يقرأ بالتخفيف إجماع إلّا ما اختاره (ابن عامر) من التشديد فوجه التخفيف: أن الفتح إنما كان في وقت واحد. ووجه التشديد: أن التفتح من السماء كان كالتّفجير من الأرض شيئا بعد شيء، ودام وكثر. قوله تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَداً «4». يقرأ بالتاء والياء. وقد تقدّم القول فيه. و (غد) هاهنا يوم القيامة وإنما كنى عنه ب «غد» لقوله عز وجل: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ «5» عند الله تعالى من ذلك. ومن سورة الرحمن قوله تعالى: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ «6». إجماع القرّاء على الواو إلا (ابن عامر) فإنه قرأه بألف والنصب. فالحجة لمن قرأه بالواو: أنه ردّه على قوله: فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ «7» وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ. والحجة لمن قرأه بالألف والنصب: أنه ردّه على قوله: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ وأنبت الحب ذا العصف. قوله تعالى: وَالرَّيْحانُ «8». يقرأ بالرفع والخفض، فوجه الرفع بالرّدّ على قوله: والحبّ والريحان. ووجه الخفض بالردّ على قوله: ذو العصف والرّيحان، لأن العصف: التبن، والريحان: ما فيه من الرزق، وهو: الحبّ.

_ (1) البقرة: 125، الحج: 26. (2) انظر: شروح سقط الزند: 982. (3) القمر: 11. (4) القمر: 26. (5) النحل: 77. (6) الرحمن: 12. (7) الرحمن: 11. (8) الرحمن: 12.

قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا «1». يقرأ بفتح الياء وضم الراء، وبضم الياء وفتح الراء. فالحجة لمن فتح الياء: أنه جعل الفعل للؤلؤ والمرجان. والحجة لمن ضم الياء: أنه دل بذلك وبفتح الراء على بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله. قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ «2». يقرأ بالنون مفتوحة وضم الراء، وبالياء مضمومة وفتح الراء. وقد تقدّم القول في أمثاله ما يدل عليه. فأمّا ضم الراء وفتحها مع النون فلغتان فصيحتان، فأمّا الضم فعلى الأصل، وأمّا الفتح، فلأجل الحرف الحلقي. والفراغ هاهنا: القصد. قال جرير «3»: الآن وقد فرغت إلى نمير ... فهذا حين كنت لها عذابا «4» فأما الفراغ من الشغل فوجهه غير هذا الذي ذكرناه. قوله تعالى: الْمُنْشَآتُ «5». يقرأ بفتح الشين وكسرها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد: اسم المفعول الذي لم يسم فاعله. والحجة لمن كسر: أنه أراد بذلك: اسم الفاعل كما تقول: أكرمن فهن مكرمات. وهن: السفن. والأعلام هاهنا: الجبال، واحدها: علم. قوله تعالى: شُواظٌ «6» يقرأ بضم الشين وكسرها. وهما لغتان والمراد بهما: اللهب الذي لا دخان فيه. قوله تعالى: وَنُحاسٌ «7». يقرأ بالرفع والخفض «8». فالحجة لمن رفع: أنه ردّه على

_ (1) الرحمن: 22. (2) الرحمن: 31. (3) جرير بن عطية بن الخطفي، واسمه حذيفة، والخطفي لقبه. كان من فحول الشعراء، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وكانت وفاته في سنة إحدى عشرة ومائة: انظر: (وفيات الأعيان: 1 - 286). (4) لم أعثر على هذا البيت في (ديوان جرير). (5) الرحمن: 24. (6) الرحمن: 35. (7) الرحمن: 35. (8) في رأي أبي جعفر النحاس: أن الرفع أبين في العربية لأنه لا إشكال فيه، ويكون معطوفا على «شواظ» وإن خفضت عطفته على نار، واحتاج إلى الاحتيال وذلك أن أكثر أهل التفسير، منهم ابن عباس يقولون: الشواظ: اللهب. والنحّاس: الدخان. فإذا خفضت، فالتقدير: شواظ من نار ومن نحاس، والشواظ لا يكون من النحاس،

ومن سورة الواقعة

قوله: «شواظ، ونحاس». والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله «من نار ونحاس». والنحاس هاهنا: الدخان. قوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ «1». يقرأ بضم الميم وكسرها، وهما لغتان معناهما: الافتضاض للابكار، وهذا دليل على أن الجنّ تنكح. قوله تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ «2». إجماع القرّاء هاهنا على الياء إلّا ما تفرّد به (ابن عامر) فيه من الواو، لأنه جعله وصفا للاسم، وجعله الباقون وصفا لقوله: «ربك» والوصف تابع للموصوف كالبدل، والتوكيد، وعطف البيان. ومن سورة الواقعة قوله تعالى: وَحُورٌ عِينٌ «3». يقرأ بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه قال: الحور لا يطاف بهن، فقطعهنّ من أول الكلام، وأضمر لهن رافعا معناه: ومع ذلك حور عين. والحجة لمن خفض: أنه أشركهن في الباء الداخلة في قوله: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ «4» بكأس من معين وبحور عين، فقطعهن بالواو. ولم يفرق بين أن يطاف به، وبين أن يطوف بنفسه. قوله تعالى: عُرُباً «5». إجماع القراء على ضم الراء إلّا ما تفرّد به «حمزة» و «أبو بكر» عن «عاصم» من إسكانها. فالحجة لمن ضم: أنه أتى بالكلمة على أصلها ووفّاها ما أوجبه القياس لها، لأنها جمع «عروب» وهي: الغنجة «6» المحبة لزوجها. والحجة لمن أسكن: أنه استثقل الجمع بين ضمتين متواليتين، فخفف بإسكان إحداهما.

_ أن اللهب لا يكون من الدخان، إلا على حيلة واعتذار. والذي في ذلك من الحيلة: هو قول أبي العباس محمد بن يزيد أنه لما كان اللهب والدخان جميعا من النار كان كلّ واحد منهما مشتملا على الآخر. انظر: (إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس 3 ورقة 316). مخطوط. (1) الرحمن: 74. (2) الرحمن: 78. (3) الواقعة: 22. (4) الواقعة: 17، وفي الأصل: «يطاف عليهم». (5) الواقعة: 37. (6) الغنجة: بفتح النون وكسرها، وهي المرأة حسنة الدّل «اللسان: غنج».

ومن سورة الحديد

قوله تعالى: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا «1»، يقرأ بالاستفهام والإخبار وقد تقدّم ذكره «2». قوله تعالى: بِمَواقِعِ النُّجُومِ «3». يقرأ بالجمع والتوحيد. وقد ذكرت علله فيما سلف «4». والاختيار هاهنا: الجمع، لأنه يراد به: مواقع نجوم القرآن، ونزوله نجوما من السماء الدنيا على محمّد عليه السلام. قوله تعالى: شُرْبَ الْهِيمِ «5» يقرأ بفتح الشين وضمها. فالحجة لمن فتح: أنه أراد به: المصدر. والحجة لمن ضم: أنه أراد: الاسم. وقيل هما لغتان، معناهما واحد. والهيم: جمع أهيم، وهيماء. وهن: العطاش. قوله تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ «6» أجمع القراء على التشديد للدّال إلّا (ابن كثير) فإنه خفف. وقد ذكر الفرق بينهما «7». ومن سورة الحديد قوله تعالى: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ «8». يقرأ بفتح الهمزة ونصب ميثاقكم، وبضم الهمزة ورفع ميثاقكم. فالحجة لمن فتح: أنه جعله فعلا لفاعل فنصب «ميثاقكم» بتعدّي الفعل إليه. والحجة لمن ضمّ: أنه بنى الفعل لما لم يسمّ فاعله، فدلّ بالضمة عليه، ورفع «ميثاقكم» باسم ما لم يسم فاعله. والألف في الوجهين ألف أصل. قوله تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى «9» يقرأ بالنصب والرفع. فالحجة لمن نصب

_ (1) الواقعة: 47. (2) انظر: 161 عند قوله تعالى: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً. (3) الواقعة: 75. (4) انظر: 104 - 105 عند قوله تعالى: وَكُتُبِهِ وقوله: فَرِهانٌ. (5) الواقعة: 55. (6) الواقعة: 60. (7) انظر: 207: عند قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا. (8) الحديد: 8. (9) الحديد: 10.

«كلا»: أنه أعمل فيه «وعد» مؤخرا كما يعملها مقدّما. والحجة لمن رفع: أنه ابتدأ «كلّا» وجعل الفعل بعده خبرا عنه، وعدّاه إلى الضمير بعده. يريد: وكل وعده الله الحسنى، ثم خزل الهاء تخفيفا لأنها كناية عن مفعول، وهو فضلة في الكلام. قال الشاعر: ثلاث كلّهنّ قتلت عمدا ... فأخزى الله رابعة تعود «1» أراد: قتلتهنّ. قوله تعالى: فَيُضاعِفَهُ «2». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبحذفها والتشديد. فالحجة لهما مذكورة فيما تقدم «3». قوله تعالى: انْظُرُونا «4» يقرأ بوصل الألف، وضم الظّاء، وبقطعها وكسر الظاء. فالحجة لمن وصل: أنه جعله من الانتظار. والحجة لمن قطع: أنه جعله بمعنى التأخير. قوله تعالى: وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ «5». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكر فيما مضى «6» قوله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ «7». يقرءان بتشديد الصاد وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: المتصدقين فأسكن التاء وأدغمها في الصاد، فالتشديد لذلك. والحجة لمن خفف: أنه حذف التاء تخفيفا واختصارا. قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ «8» «9». يقرأ بإثبات «هو». بين الاسم والخبر، وبطرحه. فالحجة لمن أثبته: أنه جعله فاصلة عند البصريين وعمادا عند الكوفيين، ليفصل بين النعت والخبر، وله وجه آخر في العربية، وهو: أن يجعل «هو» اسما مبتدأ «والغنيّ» خبر، فيكونا جملة في موضع رفع خبر إنّ، ومثله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ «10».

_ (1) قال الأعلم: استشهد به سيبويه على رفع «كل» مع حذف الضمير. من الفعل. وقال البغدادي: هذا البيت (2) لا يعرف ما قبله، ولا ما بعده ولا قائله. انظر: (الخزانة 1: 177، والكتاب 1: 44). (3) الحديد: 11. (4) انظر: 98. (5) الحديد: 13. (6) الحديد: 16. (7) انظر: 84. (8) الحديد: 18. (9) الحديد: 24. (10) الكوثر: 3.

ومن سورة المجادلة

وما ورد عليك من أمثال هذا، فأجره على أحد هذين الوجهين. والحجة لمن طرحه. أنه جعل «الغنيّ» خبر «إنّ» بغير فاصلة و «الحميد» نعتا له. قوله تعالى: لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ «1». أجمع القراء فيه على الياء إلا (ابن عامر) فإنه قرأه بالتّاء. وقد ذكرت علله فيما تقدم «2». قوله تعالى: بِما آتاكُمْ «3» بالمدّ والقصر. فالحجة لمن مدّ وهو الأكثر: أنه جعله من الإعطاء. والحجة لمن قصر وهو اختيار (أبي عمرو): أنه لما تقدّم قبله: «ما فاتَكُمْ» ردّ عليه ولا تفرحوا بما جاءكم، لأنه بمعناه أليق. ومن سورة المجادلة قوله تعالى: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ «4» مذكوران بوجوه قراءاتهما، وعللهما في سورة الأحزاب «5». قوله تعالى: يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ «6». يقرأ بالنون قبل التاء وطرح الألف «7»، وبالتاء قبل النون وإثبات الألف. فالأول، وزنه: يفتعلون. والثاني وزنه: يتفاعلون، وكلاهما من المناجاة. ومعناها: الحديث والكلام. قوله تعالى: فِي الْمَجالِسِ «8». أجمع القراء فيه على التوحيد إلّا (عاصما) فإنه قرأه بالجمع. فالحجة في التوحيد: أنه أريد به: في مجلس النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيكون الخطاب خاصّا للصحابة. والحجة في الجمع: أنه أريد به: مجلس العلم والذّكر، فيكون الخطاب عامّا لكافة المؤمنين.

_ (1) الحديد: 15. (2) انظر: 96 عند قوله تعالى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ. (3) الحديد: 23. (4) المجادلة: 2. (5) انظر: 288. (6) المجادلة: 8. (7) هي قراءة حمزة: ينتجون على وزن «ينتهون»: التيسير: 209. (8) المجادلة: 11.

ومن سورة الحشر

قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا «1». يقرأ بضم الشين وكسرها وهما لغتان، مثل يلمزون، ويلمزون، وقد ذكر «2». وأصل النشوز: التحرّك، والارتفاع، والتحوّل. ومن سورة الحشر قوله تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ «3» يقرأ بإسكان الخاء والتخفيف، وبفتحها والتشديد. فالحجة لمن خفف: أنه أراد: يرحلون ويخلونها. تقول العرب: أخربنا المنزل إذا هم ارتحلوا عنه، وإن كان صحيحا. والحجة لمن شدّد: أنه أراد: يهدمونها، وينقضونها تقول العرب: خرّبنا المنزل إذا هم هدموه وإن كانوا فيه مقيمين. قوله تعالى: أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ «4». يقرأ بكسر الجيم وإثبات الألف بين الدال والراء على التوحيد، وبضم الجيم والدال وحذف الألف على الجمع. ومعناه: من وراء حائط. وقد ذكرت علل التوحيد والجمع «5». ومن سورة الممتحنة قوله تعالى: يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ «6». يقرأ بضم الياء وفتح الصّاد، وبفتح الياء وكسر الصاد، وبالتشديد فيهما والتخفيف. فالحجة لمن فتح الياء وكسر الصاد وخفف: أنه أراد: يفصل الله بينكم. ودليله قوله: وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ «7». والحجة لمن قرأه بضم الياء وفتح الصاد والتخفيف: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله، وكذلك القول في التشديد فابنه عليه. قوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا «8». إجماع القراء على التخفيف إلّا ما انفرد به (أبو عمرو) من التشديد. وقد ذكر الاحتجاج في ذلك بما يغني عن إعادته «9».

_ (1) المجادلة: 11. (2) انظر: 100 عند قوله تعالى: كَيْفَ نُنْشِزُها. (3) الحشر: 2. (4) الحشر: 14. (5) انظر: 105، 148 (6) الممتحنة: 3. (7) الأنعام: 57. (8) الممتحنة: 10. (9) انظر: 166 عند قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ.

ومن سورة الصف

قوله تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ «1». يقرأ بضم الهمزة وكسرها. وقد تقدّم ذكر علل ذلك في سورة الأحزاب «2». ومن سورة الصف قوله تعالى: مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ «3». يقرأ بفتح الياء وإسكانها. فالحجة لمن فتح: التقاء الساكنين: سكونها، وسكون السين. والحجة لمن أسكنها: استثقال الحركة فيها. وأحمد هاهنا: نبينا صلى الله عليه وسلم. ومن الأنبياء من له اسمان أتى بهما القرآن خمسة «محمد وأحمد»، و «إسرائيل ويعقوب»، و «ذو النون ويونس»، و «عيسى والمسيح»، و «إلياس وذو الكفل». قوله تعالى: مُتِمُّ نُورِهِ «4». يقرأ بالتنوين والنصب، وبحذف التنوين والخفض. وقد ذكرت علته في غير موضع «5». قوله تعالى: تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «6». إجماع القراء على التخفيف إلّا (ابن عامر) فإنه شدّد. ومعناهما قريب. وهما لغتان. فالدليل على التخفيف قوله: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ «7»، والدليل على التشديد قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ «8». قوله تعالى: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ «9» يقرأ بالتنوين على أنه نكرة «10». وبطرح التنوين وإضافته إلى اسم الله تعالى على أنه معرفة.

_ (1) الممتحنة: 4. (2) انظر: 289. (3) الصف: 6. (4) الصف: 8. (5) انظر: 83 عند قوله تعالى: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ. (6) الصف: 10. (7) الأعراف: 165. (8) الصافات: 76. وفي الأصل: «فنجيناه» وهو تحريف. (9) الصف: 14. (10) القراء ما عدا الكوفيين وابن عامر يقرءون بالتنوين ولام مكسورة في أول اسم الله عز وجل. (انظر التيسير: 210).

ومن سورة الجمعة

ومن سورة الجمعة لا خلف فيها إلا التفخيم والإمالة في قوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً «1». وقد ذكر «2». ومن سورة (المنافقون) قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ «3». يقرأ بإسكان الشين وضمها. فالحجة لمن أسكن: أنه شبهه في الجمع: ببدنة وبدن، ودليله قوله: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ «4» أو يكون أراد الضم، فأسكن تخفيفا. والحجة لمن ضم الشين: أنه أراد جمع الجمع كقولهم: ثمار وثمر. قوله تعالى: لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ «5». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت علله «6». ومعناه: حرّكوها كالمستهزءين بالقرآن. قوله تعالى: وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ «7». يقرأ بإثبات الواو والنصب، وبحذفها والجزم. والإجماع على الجزم إلا ما تفرّد به (أبو عمرو) من النصب. فالحجة لمن جزم: أنه ردّه على موضع الفاء وما اتصل بها قبل دخولها على الفعل، لأن الأصل كان «لولا أخرتني أتصدّق وأكن» كما قال الشاعر: فأبلوني بليّتكم لعلّي ... أصالحكم وأستدرج نويّا «8»

_ (1) الجمعة: 5. (2) انظر: ظواهر الإمالة: 42، 45، 81، 119. (3) المنافقون: 4. (4) الحج: 36. (5) المنافقون 5. (6) انظر: 127 عند قوله تعالى: وَإِنْ تَلْوُوا. (7) المنافقون: 10. (8) نسبة ابن جني في الخصائص إلى أبي داود، ونسبة ابن هشام في المغنى 2: 97 إلى الهذلي. وفي حاشية اللسان: فسره الدسوقي فقال: أبلوني: أعطوني. والبلية: الناقة تعقل على قبر صاحبها الميت بلا طعام ولا شراب حتى تموت. ونويّ بفتح الواو كهويّ، وأصله: نواي كعصاي قلبت الألف ياء على لغة هذيل. انظر: اللسان: مادة: علل. والخصائص: 1: 176. ومعاني القرآن للفراء 1: 88. ومغنى ابن هشام 2: 97. وشرح شواهد المغنى للبغدادي الشاهد: 669.

ومن سورة التغابن

فجزم و «استدرج» عطفا على موضع «أصالحكم» قبل دخول (لعل) عليه، ومعناه: فأبلوني بليّتكم أصالحكم. والحجة لمن نصب: أنه ردّه على قوله «أصدق» «1» لأن معنى «لولا» هاهنا معنى: «هلا» وهي للاستفهام والتحضيض، والجواب في ذلك بالفاء منصوب وفيما شاكله من الأمر والنهي، والتمنّي، والجحد، والعرض، فعطف لفظا على لفظ، ليكون الكلام فيه من وجه واحد. فاعرف ذلك إن شاء الله. ومن سورة التغابن قوله تعالى: يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ «2». يقرءان بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: تقديم اسم الله عز وجل في أول الكلام عند قوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ «3». والحجة لمن قرأه بالنون: أن الله تعالى أخبر بذلك عن نفسه. قوله تعالى: يُضاعِفْهُ «4». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبحذفها والتشديد. وقد تقدّم ذكر العلة فيه فأغنى عن إعادته «5». ومن سورة الطّلاق قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ «6». يقرأ بكسر الياء وفتحها، وقد ذكر في النساء «7». قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ «8». يقرأ بالتنوين والنصب. وبحذفه والإضافة. وقد ذكر «9».

_ (1) يقول السمين الحلبي: «وقرأ أبو عمرو: «فأصدق وأكون» بنصب الفعل مطلقا على «فأصدق» وفأصدق منصوب على جواب التمني من قوله: «لَوْلا أَخَّرْتَنِي» انظر: «إعراب القرآن للسمين ج 8 مخطوط. (2) التغابن: 9. (3) التغابن: 9. (4) التغابن: 17. (5) انظر: 98. (6) الطلاق: 1. (7) انظر: 121. (8) الطلاق: 3. (9) انظر: 82. عند قوله تعالى: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ.

ومن سورة التحريم

قوله تعالى: وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً «1». يقرأ بضم الكاف وإسكانها على ما قدمناه من القول في سورة (القمر) «2». والاختيار هاهنا: الإسكان، وهناك: التحريك، ليوفق بذلك ما قبله من رءوس الآي. قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ «3». يقرأ بالهمز والتشديد للياء بعد الهمز، وبألف ممدودة قبل الهمزة ونون ساكنة بعدها. ومعناها: معنى كم. وقد ذكرنا الحجة فيها فيما مضى «4». قوله تعالى: يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ «5». يقرأ بالياء والنون. وقد تقدم القول في أمثاله بما يدل عليه. ومن سورة التحريم قوله تعالى: عَرَّفَ بَعْضَهُ «6». يقرأ بتشديد الراء وتخفيفها. فالحجة لمن خفف: أنه أراد: عرف بعضه من نفسه وغضب بسببه، وجازى عليه بأن طلق «حفصة» «7» تطليقة لاذاعتها ما ائتمنها عليه من سرّه. والعرب تقول لمن يسيء إليها: أما والله لأعرفنّ لك ذلك. والحجّة لمن شدّد: أنه أراد: ترداد الكلام في محاورة التعريف فشدّد لذلك. ومعناه: عرف بعض الحديث وأعرض عن بعضه. واحتج بأنه لو كان مخفّفا لأتى بعده بالإنكار، لأنه ضده لا بالإعراض. قوله تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ «8». يقرأ بتشديد الظاء وتخفيفها. وقد ذكرت علل ذلك في عدة مواضع، فأغنى عن الإعادة «9».

_ (1) الطلاق: 8. (2) انظر: 337. (3) الطلاق: 8. (4) انظر: 114. (5) الطلاق: 11 (6) التحريم: 3. (7) حفصة: بنت عمر بن الخطاب وهي من امهات المؤمنين. انظر: (الإصابة: 8 - 51). (8) التحريم: 4. (9) انظر: 278.

ومن سورة الملك

قوله تعالى: تَوْبَةً نَصُوحاً «1». يقرأ بضم النون وفتحها. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: المصدر من قولهم: نصح نصوحا كما قالوا: صلح صلوحا. والحجة لمن فتح: أنه جعله صفة للتوبة وحذف الهاء، لأنها معدولة عن أصلها، لأن الأصل فيها ناصحة، فلما عدلت من فاعل إلى فعول حذفت الهاء منها دلالة على العدل. والتوبة النصوح: التي يعتقد فاعلها أنه لا يعاود فيما تاب منه أبدا. قوله تعالى: أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً «2». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت وجوه علله في سورة الكهف «3». قوله تعالى: وَكُتُبِهِ وَكانَتْ «4» يقرأ بالتوحيد والجمع. وقد ذكرت علله فيما تقدم «5». فإن قيل ما وجه قوله تعالى: مِنَ الْقانِتِينَ «6» ولم يقل من القانتات فقل: أراد من القوم القانتين. ومعنى القانت هاهنا: المطيع، وفي غير هذا: الساكن، والداعي، والمصلي. ومعنى التذكير في قوله: «فَنَفَخْنا فِيهِ» أراد في جيب درعها «7» فذكّر للمعنى. ومن سورة الملك قوله تعالى: مِنْ تَفاوُتٍ «8». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبحذفها والتشديد. فالحجة لمن أثبت الألف وخفف: أنه جعله مصدرا لقولهم: تفاوت الشيء تفاوتا. والحجة لمن حذفها وشدّد: أنه أخذه من تفوّت الشيء تفوّتا مثل تكرّم تكرّما. وقيل: هما لغتان بمعنى واحد كقولهم: تعاهد وتعهّد. ومعناهما: الاختلاف. قوله تعالى: هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ «9» وفَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ «10» يقرءان بالإدغام

_ (1) التحريم: 8. (2) التحريم: 5. (3) انظر: 229 عند قوله تعالى: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما. (4) التحريم: 12. (5) انظر: 105 عند قوله تعالى: وَكُتُبِهِ. (6) التحريم: 12. (7) درع المرأة: قميصها. (8) الملك: 3. (9) الملك: 3. (10) الحاقة: 8.

ومن سورة ن (القلم)

والإظهار. وقد ذكرت علله فيما تقدم «1». فإن قيل: فإن (أبا عمرو) لم يدغم من أمثال هذين سواهما فقل: أحبّ أن يعرف جواز اللغتين، ليعلمك أنهما مستعملتان. قوله تعالى: أَأَمِنْتُمْ «2» يقرأ بهمزتين وبهمزة ومدة. وقد تقدمت العلة في ذلك آنفا «3». قوله تعالى: فَسُحْقاً «4». يقرأ بضم الحاء وإسكانها، وقد تقدم ذكره «5». فأما نصبه ففيه وجهان: أحدهما: بالدعاء، يريد به: ألزمهم الله ذلك. والآخر: على المصدر وإن لم يتصرف من فعل كقولك: سقيا ورعيا وويحا وويلا. ولو رفع لجاز رفعه. يريد: ثبت لهم ذلك ولزمهم. ومنه قول الشاعر: * فترب لأفواه الوشاة وجندل «6» * قوله تعالى: إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ «7». يقرءان بالفتح معا والإسكان، وبإسكان الأولى وفتح الثانية على ما قدّمناه من القول في أمثاله «8». قوله تعالى: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «9». يقرأ بالتاء على معنى المخاطبة، وبالياء على معنى الغيبة. ومن سورة ن (القلم) قوله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ «10». يقرأ بالإدغام والإظهار. وقد تقدّم ذكر علله في يس «11».

_ (1) انظر: 77. (2) الملك: 16. (3) انظر: 161. (4) الملك: 11. (5) انظر: 85. (6) قال الشنقيطي: الشاهد فيه رفع: «ترب» و «جندل» ولم أعثر على قائله. انظر: (الدّرر اللوامع 1: 166، شروح سقط الزند: 1166، 1883. والكتاب لسيبويه. 1: 155. (7) الملك: 28. (8) انظر: 267. (9) الملك: 29. (10) القلم: 1. (11) انظر: 297.

ومن سورة الحاقة

قوله تعالى: أَنْ كانَ ذا مالٍ «1». يقرأ بهمزتين، وبهمزة ومدة، وبهمزة واحدة على لفظ الإخبار. وقد ذكرت علله فيما سلف «2». قوله تعالى: لَيُزْلِقُونَكَ «3». يقرأ بضم الياء وفتحها. فالحجة لمن ضمّ: أنه مأخوذ من فعل رباعي. والحجة لمن فتح: أنه مأخوذ من فعل ثلاثي. ومعناهما: ليصيبونك بأبصارهم لا بأعينهم. وكان أحدهم إذا أراد ذلك من شيء تجوّع له ثلاثا ثم مرّ عليه متعجّبا منه فبلغ ما يريده، ففعلوا ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، فوقاه الله شرهم. قوله تعالى: عَنْ ساقٍ «4». يقرأ بألف إجماع إلّا ما روى من الهمز عن (ابن كثير). ومن سورة الحاقة قوله تعالى: وَمَنْ قَبْلَهُ «5». يقرأ بكسر القاف وفتح الباء، وبفتح القاف وسكون الباء. فالحجة لمن كسر القاف: أنه جعلها بمعنى «عنده» و «معه». والحجة لمن فتحها: أنه أراد: ومن تقدّمه من أهل الكفر والضلال. قوله تعالى: لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ «6». يقرأ بالياء والتاء فأما قوله: خافية فقيل: أراد: نفس خافية، وقيل: أراد: فعلة خافية. قوله تعالى: قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ «7»، قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «8» يقرءان بالياء والتاء و «قليلا» منصوب بما بعده. فإن قيل: ما هذا الإيمان القليل وهم في النار؟! قيل: إقرارهم بأن الله تعالى خلقهم، فهذا إيمان، وكفرهم بنبوة محمد عليه السلام أبطل إيمانهم بالله عز وجلّ، وأوجب النّار لهم.

_ (1) القلم: 14. (2) انظر: 161 عند قوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ. (3) القلم: 51. (4) القلم: 42. (5) الحاقة: 9. (6) الحاقة: 18. (7) الحاقة: 41. (8) الحاقة: 42.

ومن سورة السائل (المعارج)

ومن سورة السائل (المعارج) قوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ «1». يقرءان بإثبات الهمز وطرحه. فالحجة لمن همز: أنه أتى به على الأصل. والحجة لمن ترك الهمز: أنه أراد: التخفيف، ويحتمل أن يكون أراد الفعل الماضي من «السيل» فلم يهمزه، وهمز الاسم، لأنه جعله اسم الفاعل أو اسم واد في جهنم كما قال تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا «2» فيكون الباء في القراءة الأولى بمعنى: «عن» وفي الثانية بمعنى: «الباء» لإيصال الفعل فأما همز «سائل» فواجب من الوجهين. قوله تعالى: نَزَّاعَةً لِلشَّوى «3» يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعله بدلا من «لظى» أو أضمر لها ما يرفعها به. والحجة لمن نصب: أنه نصب على الحال أو القطع. ومعناه: أنّ «لظى» معرفة و «نزاعة» نكرة، وهما جنسان، فلمّا لم تتبع النكرة المعرفة في النعت قطعت منها فنصبت. ومعنى الحال: أنها وصف هيئة الفاعل والمفعول في حال اتصال الفعل طال أو قصر. ودليلها: إدخال «كيف» على الفعل والفاعل فيكون الحال الجواب كقولك: كيف أقبل زيد؟ فتقول: ماشيا أو راكبا وما أشبه ذلك. فأما الشّوى: فالأطراف، وجلدة الرأس. قوله تعالى: لِأَماناتِهِمْ «4» وبِشَهاداتِهِمْ «5». يقرءان بالتوحيد والجمع. وقد ذكرت علله في المؤمنين «6». قوله تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ «7». يقرأ بضم الياء وفتحها. وقد ذكرت علله في غير موضع. قوله تعالى: إِلى نُصُبٍ «8» يقرأ بضم النون وفتحها، وإسكان الصاد وضمّها.

_ (1) المعارج: 1. (2) مريم: 59. (3) المعارج: 16. (4) المعارج: 32. (5) المعارج: 33. (6) انظر: 255 عند قوله تعالى: لِأَماناتِهِمْ. (7) المعارج: 43. (8) المعارج: 43.

ومن سورة نوح عليه السلام

فالحجة لمن قرأه بضمتين: أنه أراد: جمع «نصب» و «نصب» كرهن ورهن. والحجة لمن فتح: وأسكن: أنه جعله ما نصب لهم كالعلم أو الغاية المطلوبة. ومعنى يوفضون: يسرعون. ومن سورة نوح عليه السلام قوله تعالى: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ «1». يقرأ بضم النون وكسرها. وقد ذكر فيما تقدم «2». قوله تعالى: مالُهُ وَوَلَدُهُ «3». يقرأ بضم الواو وإسكان اللام، وبفتحهما معا، فالمفتوح واحد، والضم جمع، كما قالوا: أسد وأسد. وقيل: هما لغتان في الواحد كما قالوا: عدم وعدم. ومنه المثل «ولدك من دمّى عقبيك» «4» أي من ولدته. قوله تعالى: وَدًّا «5». يقرأ بفتح الواو والضمّ. وهما لغتان في اسم الصنم. وقيل الضمّ في المحبة، والفتح في اسم الصنم. قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ «6» إجماع القراء على جمع السلامة إلّا (أبا عمرو) فإنه قرأه «خطاياهم» على جمع التكسير وقال: إنّ قوما كفروا ألف سنة لم يكن لهم إلّا خطيّات «7» بل خطايا. واحتج أصحاب القراءة الأولى بأن الألف والتاء قد تأتي على الجمع القليل والكثير. ودليله قوله تعالى: ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ «8» ولا يقال: هذا جمع قليل. قوله تعالى: دُعائِي إِلَّا «9». يقرأ بالمدّ، وفتح الياء وإسكانها. ومثله الياء في بَيْتِيَ «10».

_ (1) نوح: 3. (2) انظر: 92 عند قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ. (3) نوح: 21. (4) مجمع الأمثال 2: 363. (5) نوح: 23. (6) نوح: 25. (7) لأن جمع المؤنث السالم من جمع، القلة. (8) لقمان: 27. (9) نوح: 6. (10) نوح: 28.

ومن سورة الجن

ومن سورة الجن قوله تعالى: أَنَّهُ اسْتَمَعَ «1» وأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا «2» وأَنَّ الْمَساجِدَ «3» وأَنَّهُ لَمَّا قامَ «4». هذه الأربعة تقرأ بالفتح، وباقي ما قبلها «5» بالكسر. فالفتح بالعطف على قوله قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ، والكسر بالعطف على قوله: فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا «6». فأما إذا جاءت «أنّ» بعد الفاء التي في جواب الشرط كانت بالكسر لا غير. قوله تعالى: نَسْلُكُهُ «7» يقرأ بالياء والنون. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على قوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ ربه. والحجة لمن قرأه بالنون: أنه أراد به: إخبار الله تعالى عن نفسه عز وجل. قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي «8». يقرأ بإثبات الألف على وجه الإخبار «9» وبطرحها على الأمر. فالحجة لمن أثبت: أنه أراد: الأمر أولا، فلما فعل أخبر بذلك عنه. والحجة لمن طرحها: أنه أتى بلفظ ما خاطبه الله به من الأمر له. قوله تعالى: لِبَداً «10» يقرأ بكسر اللام، وضمّها. فالحجة لمن كسر: أنه جعله جمع لبدة ولبد كما قالوا قربة وقرب. والحجة لمن ضم: أنه جعله جمع لبدة ولبد، كما قالوا: غرفة وغرف. ومعناهما: اجتماع الجنّ على أكتاف النبي صلى الله عليه وسلم لاستماع القرآن. وهو مأخوذ من الشّعر المتكاثف بين كتفي الأسد. ومن سورة المزمل قوله تعالى: هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً «11». يقرأ بكسر الواو، وفتح الطّاء والمدّ، وبفتح الواو وإسكان الطّاء والقصر. فالحجة لمن مدّ: أنه جعله مصدر: واطأ يواطئ مواطأة. ووطاء ومعناه: يواطئ السمع القلب، لأن صلاة الليل أثقل من صلاة النهار، لما يغشى الإنسان من النعاس. ومعناه: أشد مكابدة. ومنه قوله عليه السلام (اللهم أشدد وطأتك على مضر) «12».

_ (1) الجن: 1. (2) الجن: 16. (3) الجن: 18. (4) الجن: 19. (5) أي المواضع التي دخلت عليها أن في السورة. (6) الجن: 1. (7) الجن: 17. (8) الجن: 20. (9) في «قال». (10) الجن: 19. (11) المزمّل: 6. (12) انظر: «النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 5: 200.

ومن سورة المدثر

قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ «1». يقرأ بالرفع والخفض. وقد ذكر في الدخان «2» قوله تعالى: وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ «3». يقرءان بالنصب والخفض. فالحجة لمن نصب: أنه أبدله من قوله: تَقُومُ أَدْنى «4» أو أضمر له فعلا مثله. والحجة لمن خفض: أنه ردّه على قوله: مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ «5». ومن سورة المدّثّر قوله تعالى: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ «6». يقرأ بكسر الراء وضمّها. فمن كسر، أراد: الشرك. ومن ضمّ: أراد اسم الصنمين: «إساف» و (نائلة). وقيل: «الرّجز» بالكسر: العذاب، لأنه عن الشرك يكون. وقيل: أصل الزاي في الرجز السين، كما تقول العرب: «الأزد» و «الأسد». فأما الرّجس: فما يعاف من المطعم والمشرب والمعبودات من دون الله عزّ وجلّ. قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ «7». يقرأ بإسكان الذّال، وقطع الألف بعدها وبفتح الذّال والوقوف على الألف بعدها، وحذف الهمزة من «أدبر». فالحجة لمن قرأه بقطع الألف. أنه زواج بذلك بين لفظ «أدبر» و «أسفر». والحجة لمن حذف الهمزة: أنه أراد به: معنى: ولّى وذهب. والعرب تقول: أدبر عنّي أي ولّى، ودبر: جاء خلفي. وقيل: هما لغتان بمعنى واحد: أدبر ودبر، وأقبل وقبل. قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ «8». يقرأ بكسر الفاء وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الفعل لها. وأنشد: اربط حمارك إنّه مستنفر ... في إثر أحمرة عمدن لغرّب «9» *

_ (1) المزمل: 9. (2) انظر: 324. (3) المزمل: 20. (4) المزمل: 20. (5) المزمل: 20. (6) المدثر: 5. (7) المدثر: 33. (8) المدثّر: 50. (9) في تفسير الطبري 29: 168. مطبعة عيسى الحلبي: أمسك مكان «اربط». وتتفق رواية اللسان مع رواية

ومن سورة القيامة

فلا يجوز فتح الفاء هاهنا، لأن الفعل له ولم يفعل ذلك أحد به. والحجة لمن فتح: أنه جعلهن مفعولا بهن، لم يسم فاعلهن. وسمع أعرابي قارئا يقرأ: «كأنهن حمر مستنفرة» بفتح الفاء فقال: طلبها قسورة فلما سمع «فرت من قسورة» قال: مستنفرة إذن. فالقسورة: الرّماة. والقسورة: الأسد، فأما قول امرئ القيس: وعمرو بن درماء الهمام إذ مشى ... بذي شطب عضب كمشية قسورا «1» فإنه أراد: «قسورة» ثم رخم الهاء. وأتى بألف القافية. قوله تعالى: كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ «2». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء: أنه ردّه على قوله: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ «3». والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه جعلهم مخاطبين فدلّ عليهم بالتاء. قوله تعالى: وَما يَذْكُرُونَ «4». يقرأ بالياء إجماعا إلّا ما تفرّد به (نافع) من التاء على معنى الخطاب. فأما تخفيفه فإجماع. ومن سورة القيامة قوله تعالى: لا أُقْسِمُ «5». يقرأ بالمدّ والقصر. فالحجة لمن مدّ: أنه أراد: دخول (لا) على (أقسم) وفي دخولها غير وجه: قال قوم: هي زائدة صلة للكلام، والتقدير: أقسم بيوم القيامة.

_ ابن خالويه. وتتفق رواية أبي حيان في البحر مع رواية الطبري. وغرّب بضم أوله، وتشديد ثانيه وفتحة موضع تلقاء «السّتار». وقال علقمة بن عبدة: لليلى،، فلا تبلى نصيحة بيننا ... ليالي حلّوا بالسّتار فغرّب انظر: (البحر المحيط لأبي حيان: 3808، ومعجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 3: 994). (1) قال في اللسان: القسورة اسم جامع للرّماة، ولا واحد له من لفظه. وقال ابن الأعرابي: القسورة: الرّماة. والقسورة: الأسد (اللسان: مادة: قسر) وعمرو بن درماء: هو: عمرو بن عدي، ودرماء: أمّه ونسب إليها. ذو شطب: سيف فيه جزور. العضب: القاطع. القسور: الأسد (ديوان امرئ القيس: 349). (2) المدثر: 53. (3) المدثر: 52. (4) المدثر: 56. (5) القيامة: 1.

وقال من يردّ ذلك: العرب لا تزيد (لا) في أول الكلام، ولكنها هاهنا ردّ لقول من أنكر البعث، وكفر بالتنزيل، فقيل له: (لا) ليس كما تقول: أقسم بيوم القيامة. والحجة لمن قصر: أنه جعلها لام التأكيد، دخلت على «أقسم». والاختيار لجاعلها لام التأكيد، أن يدخل عليها النون الشديدة كقوله: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً «1». واحتجّ أن الله عزّ وجلّ أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة. قوله تعالى: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ «2». إجماع القراء على كسر الراء إلا (نافعا) فإنه فتحها. فالحجة لمن كسر: أن الكسر لا يكون إلّا في التحيّر. وأنشد: لما أتاني ابن صبيح طالبا ... أعطيته عيساء منها فبرق «3» أي تحيّر. فأما الفتح فلا يكون إلا الضّياء وظهوره كقولهم: برق الصبح والبرق إذا لمعا وأضاءا. وقال أهل اللغة: برق، وبرق، فهما بمعنى واحد، وهو: تحيّر الناظر عند الموت،. والعرب تقول: «لكل داخل برقة»: أي دهشة وحيرة. قوله تعالى: بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَتَذَرُونَ «4» يقرءان بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأهما بالياء: أنه ردّهما على معنى قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ «5» لأنه بمعنى: الناس. والحجة لمن قرأهما بالتاء: أنه أراد،: قل لهم يا محمد: بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة. قوله تعالى: مَنْ راقٍ «6» أجمع القراء على قراءتها بالوصل، والإدغام إلّا ما رواه (حفص) عن «عاصم» بقطعها، وسكتة عليها، ثم يبتدئ: «راق». ومعنى راق: فاعل من الرقية. وقيل من: الرقيّ بالروح إلى السماء. وكان أبو بكر بن مجاهد «7» رضي الله عنه يقرأ بهذه السورة في صلاة الصبح، فيتعمّد الوقف على الياء من قوله: «التراقي» ويبين الياء.

_ (1) النّمل: 21. (2) القيامة: 7. (3) في الطبري: «راعيا» مكان «طالبا» وقد ضبط المحقق الكلمة الأخيرة من البيت «فبرق» بفتح الرّاء. (4) القيامة 20، 21. (5) القيامة: 13. (6) القيامة: 27. (7) أحمد بن موسى بن العباس. انظر: (غاية النهاية 1 - 142).

ومن سورة الإنسان

قوله تعالى: مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى «1» أجمع القراء فيه على التاء ردا على المعنى «2» إلّا ما رواه (حفص) عن عاصم» بالياء ردّا على «النطفة» «3».، ومثله، يَغْشى طائِفَةً «4» ويَغْلِي «5» بالياء والتاء. ومن سورة الإنسان قوله تعالى: سَلاسِلَ «6». يقرأ بالتنوين وتركه. فالحجة لمن نوّن: أنه شاكل به ما قبله من رءوس الآي، لأنها بالألف، وإن لم تكن رأس آية، ووقف عليهما، بالألف «7». والحجة لمن ترك التنوين: قال: هي على وزن «فعالل». وهذا الوزن لا ينصرف إلا في ضرورة شاعر، وليس في القرآن ضرورة، وكان أبو عمرو يتبع السّواد في الوقف، فيقف بالألف، ويحذف عند الإدراج. قوله تعالى: كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا «8» يقرءان معا بالتنوين، وبالألف في الوقف، وبطرح التنوين فيهما، والوقف على الأول وعلى الثاني بغير ألف، إلا ما روي عن «حمزة» أنه كان يقف عليهما بغير ألف. فالحجة لمن قرأهما بالتنوين: أنه نوّن الأولى، لأنها رأس آية، وكتابتها في السواد بألف وأتبعها الثانية لفظا لقربها منها وكراهية للمخالفة بينهما، وهما «سيّان» كما قال الكسائي: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ «9»، فصرف الثاني لقربه من الأول «10» والحجة لمن ترك التنوين: أنه أتى بمحض قياس العربية، لأنه

_ (1) القيامة: 37. (2) لأن المني نطفة تمنى. (3) لأن النطفة الماء انظر هذا الموضع في: (إعراب القرآن للعكبري 2: 275). (4) آل عمران: 154. (5) الدخان: 45. (6) الإنسان: 4. (7) إن صرف ما لا ينصرف يجيء لغير ضرورة، بل إن المقام البلاغي قد يتطلب ذلك وقد جاء في أفصح كلام عربي منثور، نقل إلينا تنوين سلاسل لغير ما حاجة لأن الثقل، خصوصية في اللفظ يدركها الذوق، ولو ترك قارئ التنوين في الآية لاختل أيضا حسن الرصف كما لا يخفى على ذي ذوق. انظر: (فلسفة اللغة العربية وتطورها: 151 لجبر ضومط. (8) الإنسان: 15، 16. (9) هود: 68. (10) وقد قال أبو القاسم الزجاجي:

على وزن فواعيل. وهذا الوزن نهاية الجمع المخالف لبناء الواحد، فهذا ثقل، وهو مع ذلك جمع والجمع فيه ثقل ثان، فلما اجتمع فيه ثقلان منعاه من الصّرف. فأمّا الوقف عليه في هذه القراءة بالألف فاتّباع للخط، ولأن من العرب من يقول: رأيت عمرا، فيقف على ما لا ينصرف بالألف. ولزم حمزة القياس وصلا ووقفا. وأراد بقوله: مِنْ فِضَّةٍ «1» صفاء لونها، وأنها تؤدّي ما داخلها كما يؤدّي الزّجاج. قوله تعالى: عالِيَهُمْ «2». يقرأ بفتح الياء وسكونها. فالحجة لمن فتح: أنه جعله ظرفا من المكان، لأن الثاني فيه غير الأول كما تقول: فوقك السّقف، وأمامك الخير. والحجة لمن أسكن: أنه جعله اسما وأراد به: أنّ الأول هو الثاني كما تقول: فوقك رأسك، وأمامك طهرك، فهذا فرق ما بين الظّرف والاسم في هذا القبيل وما أشبهه. فمن فتح الياء ضم الهاء، ومن أسكنها كسر الهاء. قوله تعالى: خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ «3». يقرءان بالرفع والخفض. فالحجة لمن رفع: أنه جعل «الخضر» نعتا للثياب، وعطف «الإستبرق» عليها ودليله قوله يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً «4» على النعت. والحجة لمن خفض: أنه جعل «الخضر» نعتا للسندس «5»، وجعل «الإستبرق» عطفا على سندس. وأصله بالعجمية «استبره»، فعرّبته العرب، فقالت: استبرق، وهو: الديباج الغليظ. قوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ «6». يقرأ بالياء والتاء. وقد تقدّم ذكره فيما سلف.

_ وكثير من العرب، لا يمتنع من صرف شيء في ضرورة شعر ولا غيره، .. وعلى هذه اللغة قرئ «قواريرا من فضة» «بتنوينها جميعا،، فإذا نوّن فإنما يردّ إلى أصله. انظر: (الأمالي: لأبي القاسم الزجاجي: 55) مطبعة الاستقامة. (1) الإنسان: 16. (2) الإنسان: 21. (3) الإنسان: 21. (4) الكهف: 31. (5) في الأصل نعتا للثياب، (وهذا تحريف). (6) الإنسان: 30.

ومن سورة المرسلات

ومن سورة المرسلات قوله تعالى: عُذْراً أَوْ نُذْراً «1». يقرءان بضم الذّالين، وإسكانهما، وبإسكان الذال الأولى وضم الثانية. فالحجة لمن ضم: أنه أراد: جمع «عذير» و «نذير». ودليله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ «2». والحجة لمن أسكن الأولى وحرك الثانية: أنه أتى باللغتين ليعلم جوازهما، وإجماعهم على تخفيف الأولى يوجب تخفيف الثانية. قوله تعالى: أُقِّتَتْ «3» يقرأ بالهمزة وبالواو. فالحجة لمن همز: أنه استثقل الضمة على الواو، فقلبها همزة كما يستثقلون كسرها فيقلبونها همزة في قولهم «وشاح» و «إشاح» والقلب شائع في كلامهم. والحجة لمن قرأ بالواو: أنه أتى بالكلام على أصله، لأن وزن «وقّتت» «فعّلت» من الوقت. ودليله قوله تعالى: وَوُفِّيَتْ «4» بالواو إجماع. قوله تعالى: فَقَدَرْنا «5» بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن خفّف: أنه أتى بالفعل على ما أتى به اسم الفاعل بعده في قوله: «القادرون» لأن وزن اسم الفاعل من فعل «فاعل» ومن أفعل «مفعل» ومن فعّل «مفعّل» ومن فعل «فعيل» ومن فعل «فعل». والحجة لمن شدد: أنه أتى باللغتين معا. ودليله قوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ «6»، ولم يقل مهّلهم. والعرب تقول: قدرت الشيء مخفّفا بمعنى: قدّرته مشدّدا. قوله تعالى: كَأَنَّهُ جِمالَتٌ «7». يقرأ «جمالة» بلفظ الواحد، و «جمالات» بلفظ الجمع. فالحجة لمن قرأه بلفظ الواحد: أنه عنده بمعنى الجمع لأنه منعوت بالجمع في قوله: «صفر». والحجة لمن قرأه جمالات: أنه أراد به: جمع الجمع كما قالوا: رجال ورجالات. والهاء في قوله: «كأنه» كناية عن الشرر. و «القصر» هاهنا، قيل: شبه

_ (1) المرسلات: 6. (2) القمر: 5. (3) المرسلات: 11. (4) آل عمران: 25. (5) المرسلات: 23. (6) الطارق: 17. (7) المرسلات: 33.

ومن سورة عم يتساءلون

الشرر في عظمه بالقصر المبنىّ، وقيل: كأصول الشجر العظام، والصّفر هاهنا: السّود. فأمّا في البقرة «فصفر» لقوله: فاقِعٌ لَوْنُها «1». ومن سورة عمّ يتساءلون قوله تعالى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ في الموضعين «2». يقرءان بالياء، إلّا ما رواه «ابن مجاهد» عن «ابن عامر» من التاء. والاختيار الياء، لقوله تعالى: الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ «3» ولم يقل: أنتم. قوله تعالى: وَفُتِحَتِ السَّماءُ «4» يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكر وجه ذلك في الزمر «5». وقوله تعالى: وَغَسَّاقاً «6» يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد ذكرت علته في لَبِالْمِرْصادِ «7». قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها «8». يقرأ بإثبات الألف إلا «حمزة» فإنه حذفها. فالحجة لمن أثبت أنه أتى به على القياس كقولهم: عالم وقادر. والحجة لمن حذف: أنه أتى به على وزن فرح وحذر. ومعنى اللّبث: طول الإقامة. قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً «9». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: المصدر من قوله: «وكذّبوا» وهو على وجهين: تكذيبا وكذّابا، فدليل الأولى قوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً «10»، ودليل الثاني: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً «11» والحجة لمن خفف: أنه أراد: المصدر من قولهم: كاذبته مكاذبة وكذابا، كما قالوا: قاتلته مقاتلة وقتالا.

_ (1) البقرة: 69. (2) النبأ: 4، 5 (3) النبأ: 3، وفي الأصل: «الذين هم مختلفون» وهو تحريف. (4) النبأ: 19. (5) انظر: 311. (6) النبأ: 25. (7) انظر: 306 (8) النبأ: 23. (9) النبأ: 35. (10) النساء: 164. (11) النبأ: 28.

ومن سورة النازعات

قوله تعالى: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ «1» يقرأ «ربّ» و «الرحمن» بالرفع والخفض فيهما، وبخفض «رب» ورفع «الرحمن». فالحجة لمن رفعهما: أنه استأنفهما مبتدئا ومخبرا فرفعهما. والحجة لمن خفضهما: أنه أبدلهما من قوله تعالى: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ «2» ربّ السموات والأرض الرّحمن، والحجة لمن خفض الأول: أنه جعله بدلا، ورفع الثاني مستأنفا، والخبر قوله: «لا يملكون منه»، لأن الهاء التي في «منه» عائدة عليه. ومن سورة النازعات قوله تعالى: أَإِذا كُنَّا عِظاماً «3» مذكور في نظائره «4». قوله تعالى: نَخِرَةً «5». يقرأ بإثبات الألف وحذفها، فالحجة لمن أثبت: أنه أراد: عظاما عارية من اللحم مجوّفة. والحجة لمن حذف: أنه أراد: بالية، قد صارت ترابا. وقيل هما لغتان: مثل: طمع، وطامع. والأجود إثبات الألف ليوافق اللفظ ما قبلها وبعدها من رءوس الآي. قوله تعالى: طُوىً اذْهَبْ «6». يقرأ بالتنوين، وكسره لالتقاء الساكنين. وبحذف التنوين، وإسكان الياء. وقد ذكرت علله في سورة «طه» مستقصاة «7». قوله تعالى: إِلى أَنْ تَزَكَّى «8». يقرأ بالتشديد والتخفيف على ما ذكرناه في نظائره. ومعنى التخفيف هاهنا: أن يكون زاكيا. ومعنى التشديد: أن يتفعل من الزكاة أي يتصدق. وموسى لا يدعو فرعون مع علمه بكفره إلى أن يتصدق «9». ودليله قوله: أقتلت نفسا زاكية «10» وزكية، ولم يقل: متزكية «11». قوله تعالى: أَإِنَّا «12» يقرأ بهمزتين محققتين وتشديد النون، وبهمزة وياء ونون مشددة وبهمزة ونونين، الأولى: مشددة. وقد ذكرت علله فيما سلف بما يغني عن إعادة قول فيه في هذا الموضع «13».

_ (1) النبأ: 37. (2) النبأ: 36. (3) النازعات: 11. (4) انظر: 161. (5) النازعات: 11. (6) النازعات: 16، 17. (7) انظر: 230. (8) النازعات: 18 (9) دفاع ابن خالويه عن قراءة التخفيف. (10) الكهف: 74. (11) لأن «متزكّية» فعلها زكّى، وهو رباعي. (12) النازعات: 10. (13) انظر: 161.

ومن سورة عبس

ومن سورة عبس قوله تعالى: فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى «1» الرفع فيه إجماع إلّا ما روى من نصبه عن «عاصم» وقد ذكر في سورة الْمُؤْمِنُ «2». قوله تعالى: فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى «3». يقرأ بالتشديد والتخفيف. وقد تقدّم ذكر علته «4». ومعناه: فتتعرض له. ومعنى تلهّى: تعرض عنه. قوله تعالى: أَنَّا صَبَبْنَا «5» يقرأ بكسر الهمزة وفتحها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الكلام تامّا عند قوله: «إلى طعامه». ثم استأنف فكسرها للابتداء بها. والحجة لمن فتح: أنه أراد: إعادة الفعل، وإدخال حرف الخفض. و «الحدائق»: جمع حديقة وهي: البساتين و «الغلب»: الملتفة بالشجر والنبات، و «الأب»: المرعى. ومن سورة التكوير قوله تعالى: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ: «6»، يقرأ بالتخفيف والتشديد، فالحجة لمن خفّف: أنه أراد به: ملئت مرّة واحدة ودليله قوله: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ «7» والحجة لمن شدّد: أنه أراد: أنها تفتح، فيفضي بعضها إلى بعض، فتصير بحرا واحدا. والفرق بين الخلف في هذا، والاتّفاق على تخفيف: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ «8»: أن حشر الوحوش إنما هو موتها وفناؤها، أو حشرها لتقتص لبعضها من بعض، ثم يقال لها كوني ترابا والتشديد إنما هو للمداومة، وتكرير الفعل. ولا وجه لذلك في حشر الوحوش. قوله تعالى: نُشِرَتْ «9». يقرأ بالتّشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: نشر كلّ صحيفة منها، فقد دام الفعل وتكرّر ودليله قوله: أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً «10».

_ (1) عبس: 4. (2) انظر 315: عند قوله تعالى: فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وفي الأصل: «المؤمنين» وهو تحريف. (3) عبس: 6. (4) انظر ص: 245 عند قوله تعالى: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي. (5) عبس: 25. (6) التكوير: 6. (7) الطور: 6. (8) التكوير: 10. (9) التكوير: 10. (10) المدثر: 52.

ومن سورة الانفطار

والحجة لمن خفّف أنه أراد: نشرها مرّة واحدة. ودليله قوله: فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ «1». والحجة في قوله: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ «2» كالحجة فيما تقدم. قوله تعالى: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ «3». يقرأ بالضاد، والظاء، فوجه الضاد: يراد به: ما هو بخيل، ووجه الظّاء يراد به: ما هو بمتّهم. والغيب هاهنا: ما غاب عن المخلوقين، واستتر مما أوحى الله عز وجل إليه وأعلمه به. وأما قوله: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ «4» قيل بالله عز وجل، وقيل بما غاب عنهم مما أنبأهم به الرسول عليه السلام من أمر الآخرة والبعث والنشور. وقيل بيوم القيامة. والغيب عند العرب: الليل لظلمته، وستره كلّ شيء بها. ومن سورة الانفطار قوله تعالى: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ «5». وما أشبهها مما أخبر فيه عن مستقبل بلفظ الماضي فمعناه: أنه كائن عنده لا محالة، وواقع لا شكّ فيه. والفعل الماضي يأتي بلفظه ومعناه الاستقبال في ثلاثة مواضع: فيما أخبر الله عز وجل به، وفي الشّرط، وفي الدعاء، فما أتاك في هذه الثلاثة بلفظ الماضي فمعناه: الاستقبال ودليله واضح بيّن. قوله تعالى: فَعَدَلَكَ «6» يقرأ بالتشديد والتخفيف فوجه التشديد فيه: قوّمك وساوى بين ما ازدوج من أعضائك، ووجه التخفيف: أنه صرفك إلى أيّ صورة شاء: من طويل، وقصير وحسن، وقبيح. فأمّا قوله: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ «7» فمعناه: أن النطفة إذا قامت أربعين يوما صارت علقة أربعين يوما، ومضغة أربعين يوما، ثم يرسل الله تعالى إليها ملكا معه تراب من تربة العبد، فيعجنه بها، ثم يقول يا رب: طويل أم قصير؟ غني

_ (1) الطور: 3. (2) التكوير: 12. (3) التكوير: 24. (4) البقرة: 3. (5) الانفطار: 1. (6) الانفطار: 7. (7) آل عمران: 6.

ومن سورة المطففين

أم فقير؟ شقيّ أم سعيد؟. فهذا معنى قوله: «كيف يشاء». قوله تعالى: وَما أَدْراكَ «1». يقرأ بالإمالة والتفخيم، وبين ذلك. وقد ذكرت الحجة «2» فيه. وما كان في كتاب الله تعالى من قوله: وَما أَدْراكَ فقد أدراه، وما كان فيه من قوله: وَما يُدْرِيكَ فلم يدره بعد. قوله تعالى: فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ «3». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعله بدلا من اليوم الأول، وأضمر له «هو» إشارة إلى ما تقدّم وكناية عنه، فرفعه به. والحجة لمن نصب: أنه جعله ظرفا للدين، والدّين: الجزاء. فإن قيل: فما معنى قوله: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «4»، وكل الأمور له تعالى في ذلك اليوم وغيره؟ فقل: لما كان الله تعالى قد استخلف قوما فيما هو ملك له، ونسب الملك إليهم مجازا عرّفهم أنه لا يملك يوم الدين أحد، ولا يستخلف فيه من عباده سواه. ومن سورة المطفّفين قوله تعالى: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ «5». اتفق القرّاء على إدغام اللّام في الراء، لقربها منها في المخرج إلّا ما رواه (حفص) عن (عاصم) من وقوفه على اللام وقفة خفيفة ثم يبتدئ «ران على قلوبهم» ليعلم بانفصال اللام من الرّاء، وأن كل واحدة منهما كلمة بذاتها فرقا بين ما ينفصل من ذلك فيوقف عليه، وبين ما يتصل فلا يوقف عليه كقولك: «الرحمن الرحيم». فأمّا الإمالة فيه والتفخيم فقد ذكرت علل ذلك في عدة مواضع «6». قوله تعالى: خِتامُهُ مِسْكٌ «7». إجماع القرّاء فيه على كسر الخاء وكون التاء قبل

_ (1) الانفطار: 17. (2) انظر: 180 عند قوله تعالى: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ. (3) الانفطار: 19. (4) الانفطار: 19. (5) المطففين: 14. (6) انظر: 68. عند قوله تعالى: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وغيرها. (7) المطففين: 26.

ومن سورة الانشقاق

الألف. يراد به: آخر شرابهم مسك، أي: مختوم بمسك. والختام: اسم ما يطبع عليه الخاتم من كل مختوم عليه إلّا ما اختاره «الكسائي»: من فتح الخاء، وتأخير التاء مفتوحة بعد الألف. يريد به: آخر الكأس التي يشربونها مسك، كما تقول: خاتمته مسك. وكسر التاء أيضا جائز. وقد ذكر في الأحزاب «1». قوله تعالى: إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ «2» يقرأ بالإمالة والتفخيم. وقد ذكر مع نظائره «3». قوله تعالى: فَكِهِينَ «4» يقرأ بإثبات الألف، وحذفها والحجة فيه كالحجة في قوله: فارِهِينَ «5» ولابِثِينَ «6». والمعنى فيه: معجبين. ومنه الفكاهة، وهي المزاح والدعابة. ومن سورة الانشقاق قوله تعالى: وَيَصْلى سَعِيراً «7». يقرأ بضم الياء وفتح الصّاد وتشديد اللام، وبفتح الياء وإسكان الصاد وتخفيف اللام. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد بذلك: دوام العذاب عليهم. ودليله قوله: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ «8» لأن وزنها: «تفعلة»، وتفعلة لا تأتي إلا مصدرا ل «فعّلته» بتشديد العين كقولك: عزّيته تعزية. والحجة لمن خفف: أنه أخذه من: صلى يصلي فهو صال. ودليله قوله تعالى: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ «9». والسعير في اللغة: شدّة حرّ النار، وسرعة توقّدها. فأما قوله: زِدْناهُمْ سَعِيراً «10»، فقيل: وقودا وتلهّبا. وقيل: قلقا كالجنون.

_ (1) انظر: 290 عند قوله تعالى: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ. (2) المطففين: 18. (3) انظر: 66 ومواضع الإمالة والتفخيم المتكرّرة في الكتاب. (4) المطففين: 31. (5) الشعراء: 149. (6) النبأ: 23. (7) الانشقاق: 12. (8) الواقعة: 94. (9) الصافات: 163. (10) الإسراء: 97.

ومن سورة البروج

قوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ «1». يقرأ بضم الباء وفتحها. فالحجة لمن قرأه بالضم: أنه خاطب بالفعل جمعا. وأصله: لتركبونّ، فذهبت الواو لسكونها، وسكون النون المدغمة، فبقيت الباء على أصلها الذي كانت عليه. والحجة لمن قرأه بالفتح: أنه أفرد النبي عليه السلام بالخطاب، وأراد به: لتركبنّ يا محمد طبقا من أطباق السماء بعد طبق، ولترتقينّ حالا بعد حال. وهذه اللام دخلت للتأكيد، أو لجواب قسم مقدّر، والنون للتأكيد أيضا. وهي تدخل في الفعل ثقيلة، وخفيفة في مواضع قد ذكرت في يونس «2». وكان المحمدان «ابن مجاهد» «3» و «ابن الأنباري» «4» يتعمّدان الوقف إذا قرآ بهذه السورة في صلاة الصبح على قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ «5» ثم يبتدئان بقولك: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فسئلا عن ذلك فقالا: الاستثناء هاهنا منقطع مما قبله، غير متّصل به، وإنما هو بمعنى «لكن» الذين آمنوا. وإذا كان الاستثناء منقطعا مما قبله كان الابتداء مما يأتي بعده وجه الكلام. ومن سورة البروج قوله تعالى: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ «6». يقرأ بكسر الدال وضمّها. فالحجة لمن قرأه بالخفض: أنه جعله وصفا «للعرش» ومعنى «المجيد»: الرفيع. ودليله قوله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ «7». والحجة لمن قرأه بالرفع: أنه جعله نعتا لله عز وجل مردودا على قوله: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ «8» المجيد ذو العرش، فأخره ليوافق رءوس الآي. ودليله

_ (1) الانشقاق: 19. (2) انظر: 183، عند قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعانِّ. (3) أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي، الحافظ، الأستاذ: أبو بكر بن مجاهد البغدادي، شيخ الصنعة، وأوّل من سبّع السّبعة. ولد سنة 245 ببغداد، وتوفي يوم الأربعاء وقت الظهر في العشرين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة رحمه الله تعالى (غاية النهاية: 1 - 142). (4) انظر: 215. (5) الانشقاق: 24. (6) البروج: 15. (7) غافر: 15. (8) البروج: 14.

ومن سورة الطارق

قوله: إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «1». وأمّا قوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ «2» فلا خلاف في رفعه. قوله تعالى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «3» إجماع القرّاء على قراءته بالخفض إلّا ما اختاره «نافع» من الرفع فيه، والعلّة في الوجهين كالعلة في «المجيد». ومن سورة الطارق قوله تعالى: لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ «4». يقرأ بتشديد الميم وتخفيفها. فالحجة لمن شدّد: أنه جعل إن بمعنى «ما» الجاحدة، وجعل «لمّا» بمعنى «إلّا» للتحقيق، والتقدير: ما كل نفس إلّا عليها حافظ من الله تعالى. والحجة لمن خفّف: أنه جعل «إن» خفيفة من الثقيلة وجعل «ما» صلة مؤكدة والتقدير: إن كلّ نفس لعليها حافظ. ولإن المكسورة الخفيفة أقسام: تكون خفيفة من الشديدة، وبمعنى ما، وحرف شرط، وزائدة، وبمعنى إذ، وبمعنى قد، وبمعنى لم. ولأن المخففة المفتوحة أقسام أيضا: تكون خفيفة من الشديدة، وحرفا ناصبا للفعل المضارع، وتكون زائدة، وتكون بمعنى: أي. ومن سورة الأعلى كل ما كان من أواخر آي هذه السورة فإنه يقرأ بالإمالة والتفخيم، وبين ذلك وقد ذكرت علله فيما سلف «5». قوله تعالى: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى «6». يقرأ بالتشديد والتخفيف. فالحجة لمن شدد: قوله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً «7». والحجة لمن خفف: أنه طابق بين اللفظين فجعل «قدر» ك «هدى». وقيل، معناه: فهدى وأضل، فحذف «أضل» للدلالة عليه، ولموافقة رءوس الآي كما قال: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ «8» يريد:

_ (1) هود: 73. (2) البروج: 21. (3) البروج: 22. (4) الطارق: 4. (5) انظر: 71 عند قوله تعالى: بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ. (6) الأعلى: 3 (7) الفرقان: 2. (8) ق: 17.

ومن سورة الغاشية

قعيدان. وقيل: قدر الذكر للأنثى وهداه لإتيانها. قوله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ «1» يقرأ بالياء والتاء وبالإظهار والإدغام، وقد ذكر ذلك فيما مضى، وأوضحت الحجة فيه بما يغنى عن إعادته هاهنا «2» ومن سورة الغاشية قوله تعالى: تَصْلى ناراً حامِيَةً «3». يقرأ بضم التاء وفتحها. فالحجة لمن قرأه بالضم: أنه طابق بذلك بين لفظه ولفظ قوله: «يسقى». والحجة لمن فتح: أنه أتى بالفعل على أصله وبناه لفاعله. قوله تعالى: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً «4» يقرأ بالتاء والياء، وضمّها والرفع، ويقرأ بالتاء مفتوحة والنصب. فالحجة لمن قرأه بضم الياء والتاء: أنه جعله مبنيّا لما لم يسمّ فاعله، ورفع الاسم بعده. والحجة لمن قرأه بفتح التاء: أنه قصد النبيّ صلى الله عليه وسلم بالخطاب، ونصب: «لاغية» بتعدّي الفعل اليها. قوله تعالى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ «5» يقرأ بالصاد، والسين، وإشمام الزاي. وقد ذكرت علل ذلك في الطور «6». ومن سورة الفجر قوله تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ «7». يقرأ بفتح الواو وكسرها. فالحجة لمن كسر: أنه جعل الشفع: الزوج، وهما آدم وحواء. والوتر: الفرد، وهو: الله عز وجل: وقيل: بل الشفع: ما ازدوج من الصلوات، كالغداة، والظهر، والعصر. والوتر: ما انفرد منها كصلاة المغرب وركعة الوتر. والحجة لمن فتح: أنه طابق بين لفظ الشفع ولفظ الوتر. وقيل الفتح والكسر، فيه- إذا كان بمعنى الفرد- لغتان فصيحتان فالفتح لأهل الحجاز،

_ (1) الأعلى: 16. (2) انظر: 84 عند قوله تعالى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ. (3) الغاشية: 4. (4) الغاشية: 11. (5) الغاشية: 22. (6) انظر: 335. (7) الفجر: 3.

والكسر لتميم، فأمّا من التّرة والذحل فبالكسر لا غير. وهو: المطالبة بالدم ولا يستعمل في غيره قوله تعالى: إِذا يَسْرِ «1». يقرأ بإثبات الياء وصلا ووقفا، وبحذفها كذلك وبإثباتها وصلا وحذفها وقفا. وقد تقدّم «2» الاحتجاج لذلك بما يغني عن إعادته هاهنا. ومثله قوله بِالْوادِ «3». قوله تعالى: فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ «4». يقرأ بتشديد الدال وتخفيفها. وقد تقدّمت «5» الحجة في ذلك مستقصاة في غير موضع. قوله تعالى: أَكْرَمَنِ «6» وأَهانَنِ «7». يقرأ بإثبات الياء فيهما وصلا، وحذفها وقفا، وإسكان النون من غير كسر. واحتج قارئ ذلك بقول الأعشى: ومن شانئ ظاهر غمره ... إذا ما انتسبت له أنكرن «8» قوله تعالى: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ «9» الْيَتِيمَ «10»، وَلا تَحَاضُّونَ «11» وتَأْكُلُونَ «12» وَتُحِبُّونَ «13» يقرأن كلهن بالياء والتاء إلّا ما قرأه أهل الكوفة «وَلا تَحَاضُّونَ» بزيادة ألف بين الحاء والضاد. فالحجة لمن قرأه بالياء أنه ردّه على ما قبله. والحجة لمن قرأه بالتاء:

_ (1) الفجر: 4. (2) انظر: 218 عند قوله تعالى: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ. و 204 عند قوله تعالى: وَتَقَبَّلْ دُعاءِ. (3) النازعات: 16. (4) الفجر: 16. (5) انظر: 207 عند قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا وغيرها. (6) الفجر: 15. (7) الفجر: 16. (8) ومن رواية أخرى: «ومن شانئ كاسف وجهه» وهي رواية الديوان. الشانى: المبغض، والغمر بالكسر: الحقد والغل. انظر: إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه: 211. شرح المفصل 4: 83. انظر: ديوان الأعشى الكبير: 2. (9) في الأصل: «كلا بل تكرمون»، وهو تحريف. (10) الفجر: 17. (11) الفجر: 18. (12) الفجر: 19. (13) الفجر: 20.

ومن سورة البلد

أنه دلّ بذلك على أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاطبهم به. والحجة للكوفيين في زيادة الألف: قرب معنى: فاعلته من فعلته. قوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ «1» وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ «2». يقرءان بكسر الذال والثاء وفتحهما. فالحجة لمن كسرهما: أنه جعلهما، فعلين لفاعل هو الله عز وجل. ومعناه: لا يعذّب عذاب الله أحد ولا يوثق وثاق الله أحد كما كانوا يعهدون في الدنيا. فالهاء كناية عن الله عز وجل في موضع خفض. والحجة لمن فتح: أنه جعلهما فعلين لم يسم فاعلهما، ورفع: «أحدا» لأنه أقامه مقام الفاعل. والهاء في موضع خفض لأنها للمعذّب. ومن سورة البلد قوله تعالى: فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ «3». يقرءان بالرّفع، لأنهما مصدران، فالأوّل مضاف فحذف التنوين منه لمكان الإضافة، والثاني مفرد، فثبت التنوين فيه لمكان الإفراد. ويقرءان بالفتح، لأنهما فعلان ماضيان. فالحجة لمن جعلهما مصدرين، معناه عنده: فاقتحام العقبة- وهي: الصراط- فكّ رقبة، أو إطعام في يوم ذى مسغبة- وهي المجاعة- يتيما، ثم علق ذلك بشرط الإيمان. وفي نصب «اليتيم» هاهنا خلف بين النحويين. قال البصريون: المصدر إذا دخله التنوين أو الألف واللام عمل عمل الفعل بمعناه، لأنه أصل للفعل، والفعل مشتقّ منه، مبنيّ للأزمنة الثلاثة فهو يعمل بالمعنى عمل الفعل باللفظ. وقال الكوفيون: المصدر إذا نوّن أو دخلت عليه الألف واللام لم يعمل في الأسماء، لأنه قد دخل في جملة الأسماء، وحصل في حيّزها. والاسم لا يعمل في الاسم نصبا. فقيل لهم: فبم تنصبون «يَتِيماً» هاهنا؟ فقالوا بمشتق من المصدر، وهو الفعل، ويكون قوله: «مِسْكِيناً» معطوفا على قوله: «يَتِيماً». والحجة لمن فتحهما: أنه بناهما بناء الفعل الماضي وجعل فاعلهما الْإِنْسانَ «4» المقدّم ذكره. و «الرقبة» و «اليتيم» منصوبان بتعدّي

_ (1) الفجر: 25. (2) الفجر: 26. (3) البلد: 13، 14. (4) في قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ آية: 4.

ومن سورة: «والشمس»

الفعل إليهما. والمقربة: هاهنا القرابة أتى بها بهذا اللفظ لمكان «مسغبة» و «متربة». قوله تعالى: عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ «1» هاهنا وفي «الهمزة» يقرءان بتحقيق الهمز وحذفه. فالحجة لمن حقق الهمز: أنه أخذه: من آصدت النار فهي مؤصدة. والحجة لمن حذف الهمز: أنه أخذه: من أوصدت النار فهي موصدة، إلّا أن «حمزة» إذا وصل همز، وإذا وقف لم يهمز. وهما لغتان فصيحتان معناهما: أغلقت عليهم فهي مغلقة، و «المشأمة»: الشمال هاهنا، وفي الواقعة «2» بلغة بني غطيف «3». ومن سورة: «والشمس» ما كان في أواخر آيات هذه السورة يقرأ بالإمالة والتفخيم، وبينهما إلّا ما تفرّد به «حمزة» من إمالة ذوات الياء، وتفخيم ذوات الواو. ولم يفرّق الباقون بينهما، لمجاورة ذوات الواو ذوات الياء هاهنا، وفيما شاكله من أمثاله. وقد ذكرت الحجة فيه «4». قوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ «5» يقرأ بالإدغام، والإظهار. وقد ذكرت علل ذلك فيما مضى «6». قوله تعالى: وَلا يَخافُ عُقْباها «7». يقرأ بالواو والفاء. فالحجة لمن قرأه بالواو: أنه انتهى بالكلام عند قوله: فَسَوَّاها «8» إلى التمام، ثم استأنف بالواو، لأنه ليس من فعلهم ولا متصلا بما تقدم لهم. والحجة لمن قرأه بالفاء: أنه أتبع الكلام بعضه بعضا، وعطف آخره على أوله شيئا فشيئا فكانت الفاء بذلك أولى، لأنها تأتي بالكلام مرتبا ويجعل الآخر بعد الأول. ومعنى قوله: فَدَمْدَمَ «9» أي فهدم. ومعنى: «فسواها»: أي سوّى بيوتهم قبورهم، «وعقباها» يريد: عاقبة أمرها. يريد. بالهاء والألف: يخاف عقبى من أهلك فيها.

_ (1) البلد: 20. (2) آية: 9. (3) بنو غطيف: غطيف بن حارثة: قبيلة من طيء «معجم القبائل العربية». (3 - 889). (4) انظر: 71 عند قوله تعالى: بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ. (5) الشمس: 11. (6) انظر: 100 عند قوله تعالى: (كم لبث). (7) الشمس: 15. (8) الشمس: 14. (9) الشمس: 14.

ومن سورة:

ومن سورة: والضّحى، لأن سورة (والليل) لا خلاف فيها إلا الإمالة والتفخيم قوله تعالى: وَالضُّحى «1». قسم. وكان ابن كثير يكبّر من أول هذه السورة إلى أن يختم فيقول إذا انقضت السورة: الله أكبر، بسم الله الرحمن الرحيم، إلى آخر القرآن. وحجته في ذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك ووجهه: أنّ الوحي أبطأ عنه أربعين صباحا فقال كفار قريش ومنافقوها: قلاه ربه، وودّعه الناموس، فأهبط الله عز وجل عليه جبريل عليه السلام فقال له: يا محمّد: السلام عليك، فقال: وعليك السّلام، فقال صلى الله عليه وسلّم سرورا بموافاة جبريل وإبطال قول المشركين: الله أكبر، فقال جبريل: اقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «2»، ثم عدد عليه انعامه، وذكّره إحسانه، وأدّبه بأحسن الآداب. ومن سورة العلق قوله تعالى: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى «3». يقرأ بفتح الراء وكسر الهمزة، وبكسرهما معا، وبفتحهما معا. وقد ذكرت علل ذلك قبل، «4». وروى (قنبل) هذا الحرف عن ابن كثير «رأه» بفتح الراء والهمزة، والقصر على وزن: رعه «5». قال ابن مجاهد: لا وجه له، لأنه حذف لام الفعل التي كانت مبدلة من الياء «6». وقال بعض أهل النظر: أحسن أحوال ابن كثير: أن يكون قرأ هذا الحرف بتقديم الألف التي بعد الهمزة، وتأخير الهمزة إلى

_ (1) الضحى: 1. (2) الضحى: 1، 2، 3. (3) العلق: 7. (4) انظر: 142. (5) ابن مجاهد روي عن قنبل «أن رآه استغنى» بقصر همزة رآه، أي بحذف الألف التي بين الهمزة والهاء فيصير بوزن «رعه». انظر: شرح ابن القاصح على الشاطبية: 313. والتيسير ص: 224. (6) يقول ابن القاصح: إن ابن مجاهد، روى القصر ولم يأخذ به، قال في كتاب السبعة: قرأت على قنبل: «أن رأه» قصرا بغير ألف بعد الهمزة، وهو غلط. وقال السّخاوي ناقلا عن الشاطبي: رأيت أشياخنا يأخذون فيه بما يثبت عن قنبل من القصر، خلاف ما اختاره ابن مجاهد. انظر: (شرح ابن القاصح 313). وقال أبو حيّان في البحر: ينبغي أن لا يغلطه، بل يتطلب له وجها، وقد حذف الألف في نحو من هذا قال:

ومن سورة القدر

موضع الألف، ثم خفف الهمزة، فحذف الألف، لالتقاء الساكنين فبقي «راه» بألف ساكنة غير مهموزة، إلّا أنّ الناقل لذلك عنه لم يضبط لفظه به، هذه لغة مشهورة للعرب يقولون في «رءاني» «راءني» وفي «سأاني ساءني». قال شاعر هذه اللغة: أو وليد معلّل راء رؤيا ... فهو يهذي بما رأى في المنام «1» ومن سورة القدر قوله تعالى: حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ «2». أجمع القراء على فتح اللام إلّا «الكسائي» فإنه قرأها بالكسر. فالحجة لمن فتح: أنه أراد بذلك: المصدر. ومعناه: حتى طلوع الفجر. والحجة لمن كسر: أنه أراد: الاسم أو الموضع. وقد شرح فيما تقدم «3» بأبين من هذا. و (حتى) هاهنا: بمعنى إلى. ومن سورة القيمة قوله تعالى: خَيْرُ الْبَرِيَّةِ «4» وشَرُّ الْبَرِيَّةِ «5». يقرءان بتحقيق الهمز والتعويض منه مع التليين. فالحجة لمن حقّق الهمز: أنه أخذه: من برأ الله الخلق. ودليله قوله: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ «6» والحجة لمن ترك الهمز وشدد: أنه أراد: الهمز فحذفه وعوّض التشديد منه، أو يكون أخذ ذلك من «البرى» وهو: التراب كما قيل: * بفيك من سار إلى القوم البرى «7» *

_ وصّاني العجاج فيما وصّني. يريد: وصّاني، فحذف الألف، وهي لام الفعل. انظر: (البحر المحيط 8: 493). (1) انظر تفسير الطبري 15/ 153 الطبعة الثانية. (2) القدر: 5. (3) انظر: 122 عند قوله تعالى: مُدْخَلًا كَرِيماً. (4) القيّمة: 7. (5) القيّمة: 6. (6) الحشر: 24. (7) هذا رجز لمدرك بن حصن الأسدي. انظر: الصّحاح للجوهري: مادة بري وتحقيق أحمد عبد الغفور عطار على الصحاح). وانظر أيضا: (المقصور والممدود لابن ولّاد: 13): مطبعة السعادة: طبعة أولى.

ومن سورة الزلزلة

ومن سورة الزلزلة قوله تعالى: خَيْراً يَرَهُ وشَرًّا يَرَهُ «1» بإشباع الضمة واختلاسها. وقد ذكر في آل عمران «2». ومن سورة القارعة قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ «3». يقرأ بإثبات الهاء وحذفها. وعلله مذكورة في الأنعام «4». ومن سورة التكاثر قوله تعالى: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ «5». يقرأ بفتح التاء وضمّها. فالحجة لمن فتح: أنه دل بذلك على بناء الفعل لهم فجعلهم به فاعلين. والحجة لمن ضم: أنه دلّ بذلك على بناء الفعل لما لم يسم فاعله، والأصل في الفعل «لترأيونّ» على وزن: «لتفعلون» فنقلوا فتحة الهمزة إلى الراء، وهي ساكنة، ففتحوها، وحذفوا الهمزة تخفيفا، فبقيت الياء مضمومة، والضم فيها مستثقل، فحذفوا الضمة عنها فبقيت: ساكنة، وواو الجمع ساكنة، فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين، فالتقى حينئذ ساكنان: واو الجمع، والنون المدغمة، فحذفوا الواو لالتقائهما. فأمّا قوله: ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ «6» فبفتح التاء لا خلاف بينهم فيه. ومن سور الهمزة قوله تعالى: الَّذِي جَمَعَ مالًا «7». يقرأ بتشديد الميم وتخفيفها. فالحجة لمن شدد: أنه أراد: تكرار الفعل ومداومة الجمع. والحجة لمن خفف: أنه أراد: جمعا واحدا لمال واحد.

_ (1) الزلزلة: 7، 8. (2) انظر: 111 عند قوله تعالى: يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ. (3) القارعة: 10. (4) انظر: 145 عند قوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ. (5) التكاثر: 6. (6) التكاثر: 7. (7) الهمزة: 2.

ومن سورة قريش

قوله تعالى: مُؤْصَدَةٌ «1». يقرأ بالهمز وتركه. وقد ذكرت علّته في سورة البلد «2». قوله تعالى: فِي عَمَدٍ «3» يقرأ بضم العين والميم، وفتحهما. فالحجة لمن ضم: أنه جعله جمع «عماد» فقال: عمد. ودليله: جدار. جدر. والحجة لمن فتح: أنه جعله جمع. «عمود» فقال: عمد، كما قالوا: أديم وأدم، وأفيق وأفق «4». فإن قيل: فإن ذلك بالواو، وهذان بالياء فكيف اتفقا؟ فقل: لاتفاق حروف المد واللين في موضع واحد. ألا ترى أنّك تقول: فراش وفرش، وعمود وعمد، وسرير وسرر، فيتفق لفظ الجمع وإن كانت أبنية الواحد مختلفة لاتفاق حروف المدّ واللين في موضع واحد. ومن سورة قريش قوله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ «5». اتفق القرّاء على كسر اللام، وهمزة مكسورة بعدها وياء بعد الهمزة إلّا «ابن عامر» فإنه قرأ بلام مكسورة، وهمزة بعدها مقصورة من غير ياء ولا مدّ، فالأصل عند من همز ومدّ: «لائلاف» قريش: «لعفلاف» «6» قريش، فجعل الهمزة الساكنة ياء لانكسار ما قبلها، ثم ليّنها فالمدّ فيها لذلك، كما قالوا: إيمان في مصدر آمن. والحجة لمن قصر أنه أراد أيضا: لإيلاف قريش، فحذف المدة تخفيفا، لمكان ثقل الهمزة فبقي على وزن: لعلاف «7» قريش. فأما إيلافهم فلا خلف في همزة ومده. وأما اللام فقيل: هي لام التعجب. ومعناها: اعجب يا محمد لإيلاف الله عز وجل لقريش رحلتهم في الشتاء ورحلتهم في الصيف، لأن الله كفاهم ذلك وجبى إليهم ثمرات كل شيء. وقيل: لام إضافة وصلت آخر: أَلَمْ تَرَ «8» بأول: «لإيلاف»، فكأنه قال: فجعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش.

_ (1) الهمزة: 8. (2) انظر: 372. (3) الهمزة: 9. (4) الأفيق: الجلد بعد دبغه، وجمعه: أفق. (5) قريش: 51. (6) يقصد على وزن «لعلاف» وقد عبّر عن الهمزة بالعين لقربها من المخرج. (7) في الأصل «لعفلف» وهو تحريف. انظر: النشر في القراءات العشر 2: 386. والبحر: 415. وتفسير القرطبي 20: 201، واللسان: مادة: ألف. فقد تناولت هذه المراجع القراءات في هذا الموضع في إسهاب. (8) الفيل: 1.

ومن سورة أرأيت (الماعون)

وقيل: هي متصلة بقوله: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ «1» لإيلافه لهم ذلك، على معنى التقديم والتأخير. وكلّ حسن محتمل. ومن سورة أرأيت (الماعون) قوله تعالى: أَرَأَيْتَ «2» يقرأ بتحقيق الهمزتين، وبتحقيق الأولى وتليين الثانية، وبتحقيق الأولى وحذف الثانية. فالحجة لمن حققهما: أنه أتى باللفظ على الأصل. والحجة لمن ليّن الثانية أنه كره حذفها فأبقى دليلا عليها. والحجة لمن حذف الثانية أنه اجترأ بهمزة الاستفهام من همزة الأصل، لأنها في الفعل المضارع ساقطة بإجماع. ومن سورة الكافرون قوله تعالى: وَلِيَ دِينِ «3». يقرأ بحركة الياء إلى الفتح، وسكونها. فالحجة لمن حركها: أنها حرف واحد اتصلت بحرف مكسور، فقويت بالحركة لأنها اسم. والحجة لمن أسكن: أنها ياء إضافة اتصلت بلام مكسورة، وحركتها تثقل فخففت بالإسكان. ومن سورة تبّت قوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «4». يقرأ بإسكان الهاء وفتحها. وهما لغتان كما قالوا: وهب ووهب، ونهر ونهر، والاختيار الفتح، لموافقة رءوس الآي. فأما «ذات لهب» «5» فلا خلف في تحريكه. قوله تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ «6». يقرأ بالرفع والنصب. فالحجة لمن رفع: أنه جعله خبر الابتداء. والحجة لمن نصب: أنه أراد: الذم. والعرب تنصب بالذم والمدح، والترحّم بإضمار «أعني». ومعناه: أنها كانت تمشي بالنميمة فذمّت بذلك.

_ (1) قريش: 3. (2) الماعون: 1. (3) الكافرون: 6. (4) المسد: 1. (5) المسد: 3. (6) المسد: 4.

ومن سورة الإخلاص

ومن سورة الإخلاص معنى قوله في أول هذه السورة قُلْ «1» وما شاكلها: أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم على نبيه بلسان جبريل عليهما السلام، فحكى لفظه فقال: إن جبريل قال لي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. قوله تعالى: كُفُواً أَحَدٌ «2» يقرأ بضم الكاف والفاء والهمز، وطرحه. وبضم الكاف وإسكان الفاء والهمز. وقد ذكرت علله في البقرة ذكرا يغني عن إعادته هاهنا «3». ومن سورة الفلق لا خلاف فيا إلّا ما رواه «أحمد بن موسى» عن «أبي عمرو» حاسِدٍ «4» بالإمالة، والمشهور عنه التفخيم. ومن سورة الناس لا خلف فيها إلّا ما رواه «الحلواني» «5» عن «أبي عمر» «6» عن «الكسائي»: أنه أمال «النّاس» في الخفض دون غيره.

_ (1) الإخلاص: 1. (2) الإخلاص: 4. (3) انظر: 64. (4) الفلق: 5. (5) أحمد بن يزيد بن أزداذ الأستاد أبو الحسن الحلواني إمام كبير، عارف صدوق، متقن، ولد سنة ست وستين ومائتين، وتوفي سنة نيف وخمسين ومائتين. قال ابن الجزري: وأحسب أنه توفي سنة نيف وخمسين ومائتين انظر: غاية النهاية: 1 150. (6) هو حفص بن عمر، أبو عمر الدوري انظر: 82 وغاية النهاية 1 - 255.

مراجع التحقيق

مراجع التحقيق أولا: المخطوطات: 1 - إعراب القرآن: أبو جعفر النحاس، مخطوط رقم 178 تفسير- دار الكتب المصرية. 2 - إعراب القرآن: المنسوب خطأ إلى الزجاج مخطوط رقم 528 تفسير دار الكتب المصرية. 3 - إعراب القرآن: للسفاقسي مخطوط رقم 222 - تفسير- دار الكتب المصرية. 4 - إعراب القرآن: للسّمين الحلبي مخطوط رقم 107 - تفسير- دار الكتب المصرية. 5 - البيان في غريب إعراب القرآن: لابن الأنباري مخطوط رقم 644 - تفسير- دار الكتب المصرية. 6 - الحجة: أبو علي الفارسي: مصور رقم 462 - قراءات- دار الكتب المصرية ومخطوط رقم 15953 - ب دار الكتب المصرية. 7 - ديوان أبي رؤبة مع شرحه: عبد الله العجاج: رقم 517 أدب- دار الكتب المصرية. 8 - ديوان الشمّاخ، رقم 548 ب، دار الكتب المصرية. 9 - رسالة فيما يجب على القارئ أن يعلمه فى مخارج الحروف نقلها عبد الرحمن بن محمد الكيالطي: مخطوط رقم 21347 ب- دار الكتب المصرية. 10 - الريح: ابن خالويه: رقم 5252 - هـ دار الكتب المصرية. 11 - شرح ديوان ذى الرمة، رقم 3 م أدب- دار الكتب المصرية. 12 - شرح ديوان أبي فراس الحمداني: ابن خالويه: نسخة مصورة رقم 15990 - دار الكتب المصرية. 13 - شرح شواهد المغنى: عبد القادر البغدادي: نحو ش رقم 2 - دار الكتب المصرية.

ثانيا: المطبوعات

القراءات: ابن خالويه 52 - قراءات- الجامعة العربية. 14 - الكشف عن وجوه القراءات مكّى بن أبي طالب: 19982 ب- دار الكتب المصرية. 15 - المسائل الحلبية: أبو علي الفارسيّ- 266 - نحو تيمور- دار الكتب المصرية. ثانيا: المطبوعات 16 - الإتقان: السيوطيّ. طبع الحلبي- طبعة ثالثة. 17 - أساس البلاغة: الزمخشري. مطابع الشعب. 18 - أسباب نزول القرآن: النيسابوري: تحقيق أحمد صقر، طبع عيسى الحلبي. 19 - أسد الغابة في معرفة الصحابة: أبو الحسن علي بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير طبع 1286 هـ. 20 - الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر، مطبعة السعادة. 21 - الأصمعيات: تحقيق الأستاذين هارون، وأحمد شاكر- دار المعارف. 22 - الأصوات اللغوية: الدكتور إبراهيم أنيس، مطبعة نهضة مصر. 23 - إعراب ثلاثين سورة: ابن خالويه، طبع دار الكتب. 24 - الأغاني: أبو الفرج الأصفهاني، مطبعة التقدم. 25 - الاقتراح: جلال الدين السيوطي، مطبعة دار المعارف النظامية. 26 - أمالي ابن الشجري: طبع الهند: الطبعة الأولى 1324 هـ. 27 - الأمالي: لأبي علي القالي، طبع دار الكتب 1926 م. 28 - الأمالي: لأبي القاسم الزجاجي، مطبعة الاستقامة. 29 - الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي: تحقيق: أحمد أمين- أحمد الزين. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. 30 - إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات: أبو البقاء العكبري، مطبعة الحلبي. 31 - إنباه الرواة: القفطي: تحقيق الأستاذ: أبو الفضل، مطبعة دار الكتب. 32 - الانتصاف: أحمد المنير- مطبعة الاستقامة. 33 - الإنصاف في مسائل الخلاف: ابن الأنباري: تحقيق محمد محيى الدين، مطبعة السعادة- الطبعة الرابعة. 34 - البحر المحيط- أبو حيان الأندلسي- مطبعة السعادة.

35 - بدائع الفوائد، ابن القيم الجوزية- إدارة الطباعة المنيرية. 36 - بديع القرآن، ابن أبي الأصبع المصري- تحقيق دكتور خفني شرف- مطبعة نهضة مصر. 37 - بغية الوعاة، جلال الدين السيوطي- مطبعة السعادة. 38 - البيان والتبيين، الجاحظ- تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون- مطبعة الخانجي 1961 م. 39 - تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي- مطبعة السعادة. 40 - تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: ترجمة المرحوم الدكتور عبد الحليم النجار دار المعارف. 41 - تأويل مشكل القرآن: ابن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة الحلبي. 42 - تثقيف اللسان، وتلقيح الجنان: ابن مكي الصقلي: تحقيق الدكتور عبد العزيز مطر. طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 43 - تفسير التحرير والتنوير: الشيخ محمد طاهر بن عاشور: مطبعة عيسى الحلبي. 44 - تفسير القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري- مطبعة دار الكتب. 45 - التنبيه في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي- مطبعة دار الكتب العربية. 46 - تهذيب التهذيب: ابن حجر. 47 - التيسير في القراءات السبع لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني، تصحيح أوتو برتزل مطبعة استانبول. 48 - جامع البيان في تفسير القرآن: الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المطبعة الأميرية. 49 - جمهرة الأمثال: أبو هلال العسكري- طبع بمباي سنة 1306 هـ. 50 - جمهرة اللغة: أبو بكر محمد بن الحسين بن دريد- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية 1345 هـ. 51 - حاشية ابن جماعة على شرح شافية ابن الحاجب- مطبعة دار الطباعة العامرة. 52 - حاشية الخضري على ابن عقيل- طبع عيسى الحلبي. 53 - حاشية الصبّان على الأشموني- طبع عيسى الحلبي. 54 - الحيوان: الجاحظ: تحقيق الأستاذ هارون- مطبعة الحلبي.

55 - خزانة الأدب: البغدادي- المطبعة الأميرية. خزانة الأدب: البغدادي- تحقيق الأستاذ هارون دار الكاتب العربي. 56 - الخصائص: ابن جنى- طبع دار الكتب. 57 - الدرر اللّوامع على همع الهوامع: أحمد بن الأمين الشنقيطي: مطبعة كردستان العلمية 1328 هـ. 58 - ديوان الأخطل: مطبعة الآباء اليسوعيين، بيروت 1891 م. 59 - ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: شرح الدكتور محمد حسين. 60 - ديوان امرئ القيس: تحقيق: محمد أبي الفضل- دار المعارف. 61 - ديوان حسان بن ثابت- طبع ليدن، 1910. 62 - ديوان رؤبة بن العجاج: تصحيح وليم بن الورد البروسي طبع مدينة ليسيغ 1930. 63 - ديوان شعر ذي الرمة: تصحيح كارليل هنري: طبع على نفقة كلية كمبردج. 64 - رسالة حمزة: محمد عبد الله مندور: المطبعة المحمودية. 65 - رسالة الغفران: أبو العلاء المعري- تحقيق بنت الشاطئ- دار المعارف. 66 - شذرات الذهب: ابن العماد- طبع 1350 هـ. 67 - شذور الذهب: ابن هشام، تحقيق الأستاذ محيى الدين- مطبعة مصطفى محمد. 68 - شرح الأشموني: علي بن محمد الأشموني- مطبعة عيسى الحلبي. 69 - شرح الجاربردي على الشافية لابن الحاجب- مطبعة دار الطباعة العامرة. 70 - شرح الشافية- رضى الدين الأسترآباذي: تحقيق الأساتذة: محمد نور الحسن محمد الزفزاف- محمد محيى الدين: مطبعة حجازي. 71 - شرح ابن عقيل- مطبعة عيسى الحلبي. 72 - شرح ابن القاصح على الشاطبية: المطبعة العثمانية طبعة أولى عام 1304 هـ. 73 - شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات: أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون. 74 - شرح الكافية لابن الحاجب- دار الطباعة العامرة 1318 هـ. 75 - شرح المفصل: ابن يعيش- دار الطباعة المنيرية. 76 - شروح سقط الزند: لجنة إحياء آثار أبي العلاء- مطبعة دار الكتب. 77 - الشعر والشعراء: أبو محمد عبد الله مسلم بن قتيبة الدينوري- مطبعة مصطفى محمد- طبعة ثانية.

78 - شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح: ابن مالك، تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي. مطبعة لجنة البيان العربي. 79 - شواهد الشافية: رضى الدين الأسترآباذي: شرح عبد القادر البغدادي. تحقيق الأساتذة: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محيى الدين- مطبعة حجازي. 80 - الصحاح: الجوهري. 81 - صفة الصفوة: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي الجوزي. دائرة المعارف العثمانية 1355 هـ. 82 - طبقات فحول الشعراء: محمد بن سلام الحجمي: تحقيق محمود محمد شاكر. دار المعارف. 83 - ظهر الإسلام: أحمد أمين. 84 - العقد الفريد: أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي. تحقيق أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري- مطبعة لجنة التأليف. 85 - العميد في علم التجويد: محمود بسه- مطبعة الإمام. 86 - غاية النهاية في طبقات القراء: ابن الجزري- نشر برجستراسر- مطبعة السعادة. 87 - غرائب القرآن، نظام الدين: الحسين النيسابوري، المطبعة الأميرية. 88 - غيث النفع في القراءات السبع: علي النوري السفاقسي- المطبعة العثمانية 1304 هـ. 89 - الفائق في غريب الحديث: الزمخشري- مطبعة الحلبي. 90 - فرائد القلائد: أبو محمد محمود بن المرحوم الشيخ شهاب الدين العيني- المطبعة الكاستيلية الزاهرة- 1297 هـ. 91 - فصيح ثعلب: تحقيق عبد المنعم الخفاجي: المطبعة النموذجية- الطبعة الأولى. 92 - فلسفة اللغة العربية وتطورها: جبر ضومط- مطبعة المقتطف. 93 - فهرس المخطوطات: دار الكتب. 94 - فهرس مخطوطات الجامعة العربية. 95 - الفهرست: ابن النديم- مطبعة الاستقامة. 96 - قاموس الأمكنة والبقاع: علي بهجت- مطبعة التقدم. 97 - القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: د. عبد العال سالم مكرم. دار المعارف.

98 - القصائد الهاشميات: الكميت بن زيد، تصحيح: محمد شاكر الخياط النابلسي- مطبعة الموسوعات. 99 - الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف: الحافظ بن حجر العسقلاني. مطبعة الاستقامة. 100 - الكامل في اللغة والأدب: المبرد: تحقيق الدكتور زكي مبارك: مطبعة مصطفى الحلبي. 101 - الكتاب: سيبويه: المطبعة الأميرية. 102 - كشف الظنون: حاجي خليفة. 103 - كنز الحقائق: المناوي- المطبعة العامرية العثمانية- عام 1305 هـ. 104 - الكني والألقاب: عباس القمى- المطبعة الحيدرية- النجف. 105 - لسان العرب: ابن منظور- المطبعة الأميرية. 106 - ليس في كلام العرب: ابن خالويه. 107 - مجاز القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى: تحقيق محمد فؤاد سزكين- مطبعة الخانجي 1954 م. 108 - مجمع الأمثال: أبو الفضل أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الميداني: تحقيق: محمد محيى الدين: مطبعة السعادة. 109 - مجلة معهد المخطوطات العربية. 110 - مجموع أشعار العرب: تحقيق: وليم بن الورد البروسي: طبع مدينة ليسيغ سنة 1903 م. 111 - المحتسب: ابن جنى: تحقيق الأساتذة: علي النجدي، وعبد الفتاح شلبي والمرحوم عبد الحليم النجار- مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. 112 - المختصر في أخبار البشر: أبو الفداء. 113 - مختصر في شواذ القراءات: ابن خالويه: نشر برجستراسر- المطبعة الرحمانية 114 - المزهر: السيوطي: مطبعة مصطفى الحلبي. 115 - مصادر الشعر الجاهلي: د. ناصر الدين الأسد- دار المعارف. 116 - معاني القرآن: أبو زكرياء الفراء: تحقيق الأستاذين: أحمد يوسف نجاتي، محمد علي النجار- مطبعة دار الكتب. 117 - معجم الأدباء: ياقوت الحموي- مطبعة الحلبي. 118 - معجم البلدان: ياقوت الحموي- طبع طهران

119 - معجم قبائل العرب: عمر رضا كحالة- المطبعة الهاشمية- دمشق. 120 - المعجم الكبير: مجمع اللغة العربية- القاهرة. 121 - معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: عبد الله بن عبد الله بن عبد العزيز البكري. تحقيق: مصطفى السقا- مطبعة لجنة التوليف والترجمة والنشر. 122 - المعجم المفهرس- لألفاظ الحديث النبوي- طبع أوربا. 123 - المعجم الوسيط: المجمع اللغوي- القاهرة. 124 - المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم: أبو منصور الجواليقي. 125 - المغنى: ابن هشام- مطبعة عيسى الحلبي. 126 - مفاتيح الغيب: محمد الرازي: المطبعة الخيرية عام 1308 هـ. 127 - المفضليات: محمد الأنباري الكبير: تحقيق: الأستاذين مبد السلام هارون وأحمد محمد شاكر- طبعة ثالثة: دار المعارف. 128 - الموشح: أبو عبد الله محمد بن عمر المرزباني- مطبعة نهضة مصر. 129 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: الذهبي. 130 - نزهة الألباء: ابن الأنباري- طبع 1294 هـ. 131 - النشر في القراءات العشر: ابن الجزري: تحقيق محمد محمود دهمان- طبع دمشق. 132 - النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن الأثير. تحقيق الأستاذين: محمود الطناحي- طاهر أحمد الزواوي- مطبعة الحلبي. 133 - همع الهوامع شرح جامع الجوامع: جلال الدين السيوطي مطبعة السعادة.- طبعة أولى 1327 هـ. 134 - وفيات الأعيان: ابن خلكان.

§1/1