الحث على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ

ابن الجوزي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْكَبِيرُ الْحَافِظُ: جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَوْزِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا بِإِنْعَامِهِ عَلَيْنَا خَيْرَ أُمَّةٍ، وَمَنَحَنَا الأَنَفَةَ مِنَ الْجَهْلِ، وَعُلُوَّ الْهِمَّةِ، وَرَزَقَنَا حِفْظَ الْقُرْآنِ وَالْعُلُومِ الْمُهِمَّةِ، وَشَرَّفَنَا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَ طَرِيقَهُ وَأَمَّهُ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَا اخْتَلَفَ ضَوْءٌ وَظُلْمَةٌ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّ أُمَّتَنَا بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، وَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَنَا يَقْرَءُونَ كُتُبَهُمْ مِنَ الصُّحُفِ، وَلا يَقْدِرُونَ عَلَى الْحِفْظِ، فَلَمَّا جَاءَ عُزَيْرٌ فَقَرَأَ التَّوْرَاةَ مِنْ حِفْظِهِ، فَقَالُوا: هَذَا ابْنُ اللَّهِ، فَكَيْفَ نَقُومُ بِشُكْرِ مَنْ خَوَّلَنَا أَنَّ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ مِنَّا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِي الأُمَمِ مِمَّنْ يَنْقُلُ عَنْ نَبِيِّهِ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ الثِّقَةُ إِلا نَحْنُ، فَإِنَّهُ يَرْوِي الْحَدِيثَ مِنَّا خَالِفٌ عَنْ سَالِفٍ، وَيَنْظُرُونَ فِي ثِقَةِ الرَّاوِي إِلَى أَنْ يَصِلَ الأَمْرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَسَائِرُ الأُمَمِ يَرْوُونَ مَا يَذْكُرُونَهُ عَنْ صَحِيفَةٍ لا يُدْرَى مَنْ كَتَبَهَا، وَلا يُعْرَفُ مَنْ نَقَلَهَا، وَهَذِهِ الْمِنْحَةُ الْعَظِيمَةُ نَفْتَقِرُ إِلَى حِفْظِهَا بِدَوَامِ الدِّرَاسَةِ، لِيَبْقَى الْمَحْفُوظُ، وَقَدْ كَانَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ سَلَفِنَا يَحْفَظُونَ الْكَثِيرَ مِنَ الأَمْرِ، فَآلَ الأَمْرُ إِلَى أَقْوَامٍ يَفِرُّونَ مِنَ الإِعَادَةِ مَيْلا إِلَى الْكَسَلِ، فَإِذَا احْتَاجَ أَحَدُهُم إِلَى مَحْفُوظٍ لَمْ

يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ تَأَمَّلْتُ عَلَى الْمُتَفَقِّهَةِ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ الدَّرْسَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، فَإِذَا مَرَّ عَلَى أَحَدِهِمْ يَوْمَانِ نَسِيَ ذَلِكَ، وَإِذَا افْتَقَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُنَاظَرَةِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَذَهَبَ زَمَانُ الأَوَّلِ ضَائِعًا، وَيُحْتَاجُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحِفْظَ لِمَا فِيهِ أَوَّلا، وَالسَّبَبُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْهُ، وَلَمَّا رَأَيْتُ الْكَسَلَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى الْمُتَشَاغِلِينَ بِالْعِلْمِ، وَضَعْتُ هَذَا الْكِتَابَ مُحَرِّضًا لَهُمْ عَلَى الاجْتِهَادِ، وَمَدْخَلا عَلَى الْكَسَلِ. وَقَدْ جَعَلْتُ هَذَا الْكِتَابَ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ: الْبَابُ الأَوَّلُ: فِي الْحَثِّ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ. الْبَابُ الثَّانِي: فِي صِفَةِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقةِ وَالْحِلْيَةِ. الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي ذِكْرِ الأَدْوِيَةِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْحِفْظِ. الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي طَرِيقِ إِحْكَامِ الْمَحْفُوظِ. الْبَابُ الْخَامِسُ: فِي ذِكْرِ الأَوْقَاتِ الَّتِي تَصِحُّ فِي تِكْرَارِ الْمَحْفُوظَاتِ. الْبَابُ السَّادِسُ: فِي الإِعْلامِ بِمَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ مِنَ الْمَحْفُوظَاتِ. الْبَابُ السَّابِعُ: فِي ذِكْرِ أَعْلامِ الْحُفَّاظِ الْمُبَرِّزِينَ.

الباب الأول في الحث على حفظ العلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْبَابُ الأَوَّلُ فِي الْحَثِّ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ أَمَّا الْمَنْقُولاتُ فِي حِفْظِ الْعِلْمِ فَكَثِيرَةٌ، وَيَكْفِي مِنْهَا قَوْلُهُ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ» . وَيَكْفِي مِنَ الْمَعْقُولاتِ: أَنَّ الْعِلْمَ يَدَّعِيهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَيَنْفِرُ مِنَ النُّسْبَةِ إِلَى الْجَهْلِ، وَالْجَاهِلُ، ,لا يَخْفَى أَنَّ ارْتِفَاعَ قَدْرِ الْعَالِمِ بِمِقْدَارِ عِلْمِهِ، فَإِنْ قَلَّ قَلَّتْ رِفْعَتُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: " يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْقَ، فَمَنْزِلُكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا "، وَلَيْسَ مَنْ حَفِظَ نِصْفَ الْقُرْآنِ كَمَنْ حَفِظَ

الْكُلَّ، وَلا مَنْ حَفِظَ مِائَةَ حَدِيثٍ كَمَنْ حَفِظَ أَلْفًا. وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْعِلْمُ إِلا مَا حُصِّلَ بِالْحِفْظِ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ: كُلُّ عِلْمٍ لا يَدْخُلُ مَعَ صَاحِبِهِ الْحَمَّامَ فَلا تَعُدُّهُ، وَأَنْشَدَ: لَيْسَ بِعِلْمٍ مَا حَوَى الْقِمَطْرُ ... مَا الْعِلْمُ إِلا مَا حَوَاهُ الصَّدْرُ وَأَنْشَدَ: رُبَّ إِنْسَانٍ مَلا أَسْفَاطَهُ ... كُتُبَ الْعِلْمِ يَعُدُّ وَيَحُطْ وَإِذَا فَتَّشْتَهُ عَنْ عِلْمِهِ ... قَالَ عِلْمِي يَا خَلِيلِي فِي السَّفَطْ فِي كَرَارِيسَ جِيَادٍ أُحْرِزَتْ ... وَبِخَطٍّ أَيِّ خَطٍّ أَيِّ خَطْ فَإِذَا قُلْتَ لَهُ: هَاتَ إِذَنْ ... حَكَّ لَحْيَيْهِ جَمِيعًا وَامْتَخَطْ

الباب الثاني في صفة من هو أهل للحفظ من حيث الصورة والحلية ومن ليس أهلا

الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْحِفْظِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ وَالْحِلْيَةِ وَمَنْ لَيْسَ أَهْلا مَتَى كَانَ شَكْلُ الرَّأْسِ غَيْرَ مُسْتَقِيمٍ دَلَّ عَلَى رَدَاءَةٍ فِي الدِّمَاغِ، وَإِذَا كَانَ الرَّأْسُ صَغِيرًا: دَلَّ عَلَى رَدَاءَةِ هَيْئَةِ الدِّمَاغِ. وَإِنْ كَانَ كَبِيرَ الرَّأْسِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى جَوْدَةِ الدِّمَاغِ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ جَوْدَةُ الشَّكْلِ، وَإِذَا كَانَتِ الرَّقَبَةُ غَلِيظَةً دَلَّتْ عَلَى قُوَّةِ الدِّمَاغِ وَوُفُورِهِ، وَإِنْ قَصُرَتْ وَدَقَّتْ فَبِالضِّدِّ. وَمَنْ بِنْيَتُهُ غَيْرُ مُتَنَاسِبَةٍ حَيَى رَدِيئًا حَتَّى فِي فَهْمِهِ وَعَقْلِهِ مِثْلَ الرَّجُلِ الْعَظِيمِ الْبَطْنِ، الْقَصِيرِ الأَصَابِعِ، الْمُسْتَدِيرِ الْوَجْهِ، الْعَظِيمِ الْقَامَةِ، الصَّغِيرِ الْهَامَةِ، اللَّحِيمِ الْجَبْهَةِ. وَإِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ مُرْتَدَّةٌ، فَصَاحِبُهَا كَسْلانُ بَطَّالٌ. وَالْحَدَقَةُ السَّوْدَاءُ دَلِيلٌ عَلَى كَسَلٍ وَبَلادَةٍ. وَإِذَا كَانَ أَنْفُهُ غَلِيظًا مُمْتَلِئًا، فَهُوَ قَلِيلُ الْفَهْمِ. وَمَنْ كَانَ نَحِيفَ الْوَجْهِ فَهُوَ فَهِمٌ، وَلَطَافَةُ الْبَطْنِ تَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ الْعَقْلِ. وَالْغَبَاوَةُ وَالْغَفْلَةُ فِي الطُّولِ أَكْثَرُ، وَاللُّطْفُ فِي النِّحَافِ وَالضِّعَافِ أَظْهَرُ، وَمَتَى تَنَاسَبَتِ الأَعْضَاءُ، وَاعْتَدَلَ الْقَوَامُ كَانَ الْعَقْلُ تَامًّا، وَالْفَهْمُ

فصل الحفظ يبدأ منذ الصغر

وَافِرًا، وَالتَّهَيُّؤُ لاكْتِسَابِ الْعُلُومِ مُمْكِنًا. وَقَدْ يَحْصُلُ هَذَا ثُمَّ يَغْلِبُ الْمِزَاجُ فَيُؤْذِي. فَإِنَّهُ مَتَى غَلَبَتِ السَّوْدَاءُ بَطُلَ الْحِفْظُ، فَإِذَا غَلَبَتِ الصَّفْرَاءُ لَمْ يُضَرَّ الْحِفْظُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: صَاحِبُ السَّوْدَاءِ لا يَحْفَظُ شَيْئًا، إِنَّمَا يَحْفَظُ صَاحِبُ الصَّفْرَاءِ. وَمَتَى كَانَ الْمِزَاجُ بَارِدًا، كَانَ صَاحِبُهُ بَلِيدًا، قَلِيلَ الْفَهْمِ. وَمِنْ عَلامَةِ رَدَاءَةِ الْمِزَاجُ بُرُودَةُ اللَّمْسِ، وَابْيِضَاضُ اللَّوْنِ، وَقِلَّةُ الشَّعْرِ مَعَ بَيَاضِهِ. وَمَتَى كَانَ الْمِزَاجُ حَارًّا يَابِسًا، دَلَّ عَلَى الذَّكَاءِ وَالذِّهْنِ وَالشَّجَاعَةِ، وَعَلامَتُهُ كَثْرَةُ الشَّعْرِ وَجُعُودَتُهُ وَسَوَادُهُ. وَالْمِزَاجُ الْمُعْتَدِلُ هُوَ الْكَامِلُ، وَصَاحِبُهُ الْفَطِنُ الْفَهِمُ، الْعَاقِلُ الشُّجَاعُ الْمُتَوَسِّطُ فِي الأُمُورِ وَعَلامَتُهُ: أَنْ يَكُونَ مَلْمَسُهُ مُعْتَدِلا، فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، وَيَكُونَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْهُزَالِ وَالسِّمَنِ. فَصْلُ الْحِفْظُ يَبْدَأُ مُنْذُ الصِّغَرِ ومتى اعْتَدَلَ الْمِزَاجُ، وَتَكَامَلَ الْعَقْلُ، أَوْجَبَ ذَلِكَ يَقَظَةُ الصَّبِيِّ مِنْ حَالِ صِغَرِهِ، فَتَرَاهُ يَطْلُبُ مَعَالِيَ الأُمُورِ، فَإِنْ طَلَبَ رِفْعَةَ الدُّنْيَا دَلَّ

فصل تربية الصبي على الحفظ

عَلَى قُصُورِ فَهْمِهِ، لأَنَّ مَنِ اسْتَحْضَرَ عَقْلَهُ، دَلَّهُ عَلَى خَالِقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ وَامْتِثَالُ أَوَامِرِهِ، فَطَلَبَ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لا يَقْرُبُ إِلا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَجَدَّ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ آمِرٍ، وَلا مُحَرِّضٍ فَتَرَاهُ يَطْلُبُ الْغَايَةَ فِي الْعِلْمِ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِ الأَمْرُ إِلَى الزُّهْدِ فِي الْفَانِي، وَتَحْصِيلِ كُلِّ مَا يُمْكِنُ مِنَ الْفَضَائِلِ، ثُمَّ يَتَرَقَّى إِلَى مَحَبَّةِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، وَمَنْ كَمُلَ وُفِّقَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51] . فَهَذِهِ صِفَةُ الْغَايَةِ، وَذَلِكَ لا يَحْتَاجُ إِلَى مُحَرِّضٍ؛ لأَنَّ هِمَّتَهُ تَمْشِي بِهِ، وَهُوَ قَاعِدٌ، ثُمَّ يَتَفَاوَتُ الصِّبْيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى مُحَرِّضٍ، وَهُمُ الأَكْثَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تُنَبِّهُهُ بِأَيْسَرَ تَنْبِيهٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْعَبُ مَعَهُ الرَّائِضُ، وَجَبْلَتُهُ لا تَقْبَلُ الرِّيَاضَةَ. فَصْلُ تَرْبِيَةُ الصَّبِيِّ عَلَى الْحِفْظِ وَمَتَى اعْتَدَلَ الْمِزَاجُ وَتَكَامَلَ الْعَقْلُ، أَوْجَبَ ذَلِكَ يَقَظَةَ الصَّبِيِّ، فَمَنْ رُزِقَ وَلَدًا، فَلْيَجْتَهِدْ مَعَهُ، وَالتَّوْفِيقُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَوِّدَهُ النَّظَافَةَ وَالطَّهَارَةَ مِنَ الصِّغَرِ، وَيُثَقِّفَهُ بِالآدَابِ فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَ سِنِينَ أَخَذَهُ بِحِفْظِ الْعِلْمِ، وَسَنُبَيِّنُ فِيمَا بَعْدُ تَرْتِيبَ الْمَحْفُوظَاتِ، فَإِنَّ الْحِفْظَ فِي الصِّغَرِ نَقْشٌ فِي حَجَرٍ، وَمَتَى بَلَغَ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ تَحُثُّهُ عَلَى اكْتِسَابِ الْعِلْمِ بَعْدُ فَلا فَلاحَ لَهُ.

الباب الثالث في الأدوية المعينة على الحفظ

الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الأَدْوِيَةِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْحِفْظِ اعْلَمْ أَنَّ نِسْيَانَ الْمَحْفُوظِ مِنْ أَمْرَاضِ الدِّمَاغِ، وَذَلِكَ يَكُونُ غَالِبًا مِنْ سُوءِ مِزَاجٍ بَارِدٍ رَطْبٍ، يُرَطِّبُ الدِّمَاغَ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ كُلِّ مَا يُوَلِّدُ خَلْطًا بَلْغَمِيًّا وَفِيهِ تَبْخِيرٌ، وَيَتَوَلَّدُ كَثِيرًا مِنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَاللَّحْمِ، وَكَثْرَةِ أَكْلِ الْفَوَاكِهِ. وَسَبَبُ فَسَادِ الذِّكْرِ الْبَرْدُ فَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ فَصَاحِبُهُ لا يَحْفَظُ مَا يُطْبَعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ يَبُوسِهِ فَإِنَّهُ لا يَحْفَظُ الأُمُورَ الْمَاضِيَةَ دُونَ الْحَادِثَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ يُبْسٍ مَعَ حَرٍّ كَانَ مَعَ اخْتِلاطِ الذِّهْنِ، وَأَكْثَرُ مَا يُعَرِّضُ النِّسْيَانَ عَنْ بَرْدٍ وَرُطُوبَةٍ. وَقَدْ يَكُونُ عَنْ يُبْسٍ مُفْرِطٍ يُخَفِّفُ الدِّمَاغَ وَيَجْعَلُهُ كَالصَّخْرَةِ الَّتِي لا تَقْبَلُ أَنْ يَنْطَبِعَ فِيهَا شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَقُولُ إِبْلِيسُ: مَا لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِ النِّعَمِ يَنْسُونَ الْمَعْبُودَ. وَقَدْ يُورِثُ النِّسْيَانَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لِخَاصَّتِهَا مِثْلُ الْحِجَامَةِ فِي النُّقْرَةِ، وَأَكْلِ الْكُزْبَرَةِ الرَّطِبَةِ، وَالتُّفَّاحِ الْحَامِضِ، وَالْمَشْيِ بَيْنَ جَمَلَيْنِ مَقْطُورَيْنِ، وَكَثْرَةِ الْهَمِّ وَقِرَاءَةِ أَلْوَاحِ الْقُبُورِ، وَالنَّظَرِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَالْبَوْلِ فِيهِ، وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَصْلُوبِ، وَنَبْذِ الْقَمْلِ، وَأَكْلِ سُؤْرِ الْفَأْرِ. قَالَ

فصل في ذكر مطاعم تستعمل للحفظ

الزُّهْرِيُّ: التُّفَّاحُ يُورِثُ النِّسْيَانَ. فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَطَاعِمَ تُسْتَعْمَلُ لِلْحِفْظِ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَيْكُمْ بِالرُّمَّانِ الْحُلْوِ فَإِنَّهُ صُلُوحُ الْمَعِدَةِ، وَشَكَا إِلَيْهِ رَجُلٌ النِّسْيَانَ فَقَالَ: عَلَيْكَ «بِاللُّبَانِ» فَإِنَّهُ يُشَجِّعُ الْقَلْبَ وَيُذْهِبُ النِّسْيَانَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَلْقُ الْقَفَا يَزِيدُ فِي الْحِفْظِ. وَقَالَ أَيْضًا: خُذْ مِثْقَالا مِنْ كُنْدُرٍ، وَمِثْقَالا مِنْ سُكَّرٍ، فَدُقَّهُمَا جَيِّدًا ثُمَّ اقْمَحْهُمَا عَلَى الرِّيقِ فَإِنَّهُ «جَيِّدٌ» لِلنِّسْيَانِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عَلَيْكَ بِالْعَسَلِ فَإِنَّهُ جَيِّدٌ لِلْحِفْظِ. وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْفَظَ الْحَدِيثَ فَلْيَأْكُلِ الزَّبِيبَ. وَقَالَ الْجِعَابِيُّ: كُنْتُ بَلِيدَ الْحِفْظِ فَقَالَ لِي الأَطِبَّاءُ: كُلِ الْخُبْزَ

بِالْحِلابِ، فَأَكَلْتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِالْغَدَايَاتِ وَالْعَشَايَاتِ لا آكُلُ غَيْرَهُ، فَصَفِيَ ذِهْنِي، وَصِرْتُ حَافِظًا حَتَّى صِرْتُ أَحْفَظُ فِي يَوْمٍ ثَلاثَ مِائَةِ حَدِيثٍ. وَمِمَّا وَصَفَهُ الْمُطَبِّبُونَ لِلْحِفْظِ: وَجٌّ وَعُودٌ وَإِهْلِيلَجٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَقَدْ نَقُولُ فِي حَقِّ مَنْ يوثق بِرُطُوبَاتِهِ وَبَرْدِهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ زَنْجَبِيلَ وَمَصْطَكًا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ثُلُثُهُ يُدَقُّ وَيُعْجَنُ بِرَطْلِ عَسَلٍ. صِفَةٌ أُخْرَى: فُلْفُلٌ أَبْيَضُ، وَزَعْفَرَانُ، وَمراجرا سَوَاءَ يُعْجَنُ، وَيُتَنَاوَلُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمٍ. صِفَةٌ أُخْرَى: ثَلاثُونَ دِرْهَمًا كُنْدُرًا، وَعَشَرَةٌ فُلْفُلا: يُدَقَّانِ، وَيُقْمَحُ كُلُّ يَوْمٍ مِنْهُمَا مِثْقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

الباب الرابع في بيان طريق أحكام المحفوظ

الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ طَرِيقِ أَحْكَامِ الْمَحْفُوظِ الطَّرِيقُ فِي أَحْكَامِهِ كَثْرَةُ الإِعَادَةِ، وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي ذَلِكَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَثْبُتُ مَعَهُ الْمَحْفُوظُ مَعَ قِلَّةِ التَّكْرَارِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لا يَحْفَظُ إِلا بَعْدَ التَّكْرَارِ الْكَثِيرِ. فَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يُعِيدَ بَعْدُ الْحِفْظَ، لِيَثْبُتَ مَعَهُ الْمَحْفُوظُ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدَّ تَفَصِيًّا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهَا» . وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: يُعِيدُ الدَّرْسَ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ إلكيا يُعِيدُ سَبْعِينَ مَرَّةً. وَقَالَ لَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ

الْفَقِيهُ: لا يَحْصُلُ الْحِفْظُ إِلَيَّ حَتَّى يُعَادَ خَمْسِينَ مَرَّةً. وَحَكَى لَنَا الْحَسَنُ: أَنَّ فَقِيهًا أَعَادَ الدَّرْسَ فِي بَيْتِهِ مِرَارًا كَثِيرَةً، فَقَالَتْ لَهُ عَجُوزٌ فِي بَيْتِهِ قَدْ وَاللَّهِ حَفِظْتُهُ أَنَا. فَقَالَ: أَعِيدِيهِ فَأَعَادَتْهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ. قَالَ: يَا عَجُوزُ، أَعِيدِي ذَلِكَ الدَّرْسَ، فَقَالَتْ: مَا أَحْفَظُهُ. قَالَ: إِنِّي أُكَرِّرُ عَدَّ الْحِفْظِ لِئَلا يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكِ.

الباب الخامس في ذكر الأوقات التي يكرر فيها المحفوظات

الْبَابُ الْخَامِسُ فِي ذِكْرِ الأَوْقَاتِ الَّتِي يُكَرَّرُ فِيهَا الْمَحْفُوظَاتُ يَنْبَغِي لِمَنْ يُرِيدُ الْحِفْظَ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِهِ فِي وَقْتِ جَمْعِ الْهَمِّ، وَمَتَى رَأَى نَفْسَهُ مَشْغُولَ الْقَلْبِ تَرَكَ التَّحَفُّظَ، وَيَحْفَظُ قَدْرَ مَا يُمْكِنُ فَإِنَّ الْقَلِيلَ يَثْبُتُ وَالْكَثِيرُ لا يَحُصُلْ. وَقَدْ مُدِحَ الْحِفْظُ فِي السَّحَرِ لِمَوْضِعِ جَمْعِ الْهَمِّ، وَفِي الْبَكَرِ، وَعِنْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ وَلا بِحَضْرَةِ خَضْرٍ لِئَلا يَشْتَغِلَ الْقَلْبُ وَالأَنَاظِرُ الْعَالِيَةُ أحمد مِنَ السَّافِلَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُرِيحَ نَفْسَهُ مِنَ الْحِفْظِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالْبِنَاءِ الَّذِي يُرَاحُ لِيَسْتَقِرَّ.

الباب السادس في الإعلام بما ينبغي تقديمه من المحفوظات

الْبَابُ السَّادِسُ فِي الإِعْلامِ بِمَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ مِنَ الْمَحْفُوظَاتِ أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ مُقَدِّمَةٌ فِي الاعْتِقَادِ تَشْتَمِلُ عَلَى الدَّلِيلِ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَيُذْكَرُ فِيهَا مَا لا بُدَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَعْرِفُ الْوَاجِبَاتِ ثُمَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَمَاعَ الْحَدِيثِ. وَلا بُدَّ مِنْ حِفْظِ مُقَدِّمَةٍ فِي النَّحْوِ يَقُومُ بِهَا اللِّسَانُ، وَالْفِقْهُ عُمْدَةُ الْعُلُومِ، وَجَمْعُ الْعُلُومِ مَمْدُوحٌ إِلا أَنَّ أَقْوَامًا أَذْهَبُوا الأَعْمَارَ فِي حِفْظِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِهَا غَرِيبُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَمَا يُفَضَّلُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ غَيْرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَهَمُّ مِنْهُ. وَإِنَّ أَقْوَامًا أَذْهَبُوا أَزْمَانَهُمْ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ فَاشْتَغَلُوا بِمَا غَيْره أَصْلَح مِنْهُ مِنَ الشَّوَاذِّ الْمَهْجُورَةِ، وَالْعُمْرُ أَنْفَسُ مِنْ تَضْيِيعِهِ فِي هَذَا. وَإِنَّ أَقْوَامًا أَذْهَبُوا أَعْمَارَهُمْ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ إِلا أَنَّ تَقْدِيمَ غَيْرِ ذَلِكَ أَهَمُّ. فَنَرَى أَكْثَرَ هَؤُلاءِ الْمَذْكُورِينَ لا يَعْرِفُونَ الْفِقْهَ الَّذِي هُوَ أَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَتَى أَمْعَنَ طَالِبُ الْحَدِيثِ فِي السَّمَاعِ وَالْكِتَابَةِ ذَهَبَ زَمَانُ الْحِفْظِ، وَإِذَا عَلَتِ السِّنُّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِفْظِ الْمُهِمِّ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ شَرَفَ الْفِقْهِ فَانْظُرْ إِلَى مَرْتَبَةِ الأَصْمَعِيِّ فِي اللُّغَةِ، وَسِيبَوَيْهِ فِي النَّحْوِ، وَابْنِ مَعِينٍ فِي

مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، كَمْ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَرْتَبَةِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْفِقْهِ. ثُمَّ لَوْ حَضَرَ شَيْخٌ مُسِنٌّ لَهُ إِسْنَادٌ لا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ الْفِقْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ شَابٌّ مُتَفَقِّهٌ فَجَاءَتْ مَسْأَلَةٌ: سَكَتَ الشَّيْخُ، وَتَكَلَّمَ الشَّابُّ، وَهَذَا يَكْفِي فِي فَضْلِ الْفِقْهِ. وَلَقَدْ تَشَاغَلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِعُلُومِ الْحَدِيثِ، وَأَعْرَضُوا عَنِ الْفِقْهِ، فَلَمَّا سُئِلُوا عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الأَحْكَامِ افْتُضِحُوا. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرْقَانِيَّ يَقُولُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ الْفَقِيهُ: كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بْنِ صَاعِدٍ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: أَيُّهَا الشَّيْخُ مَا تَقُولُ فِي بِئْرٍ سَقَطَتْ فِيهَا

دَجَاجَةٌ فَمَاتَتْ؟ هَلِ الْمَاءُ طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ؟ فَقَالَ يَحْيَى: وَيْحَكِ كَيْفَ سَقَطَتِ الدَّجَاجَةُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَتْ: لَمْ تَكُنْ مُغَطَّاةً، فَقَالَ: أَلا غَطَّيْتِهَا حَتَّى لا يَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ. قَالَ الأَبْهَرِيُّ: قُلْتُ: يَا هَذِهِ إِنْ كَانَ الْمَاءُ تَغَيَّرَ وَإِلا فَهُوَ طَاهِرٌ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ وَهُوَ يُحَدِّثُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مِقْدَارُ أَلْفِ نَفْسٍ، فَقَالَتْ: بِصدقة أزاري فَقَالَ: بِكَمِ اشْتَرَيْتِهِ. قَالَتْ: بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا. فَلَمَّا مَرَّتْ قَالَ: آه، آه أَمَرْنَاهَا بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَلَوِ اتَّسَعَ الْعُمُرُ لأَمَرْتُكَ بِاسْتِقْصَاءِ كُلِّ عِلْمٍ إِذِ الْكُلُّ مَمْدُوحٌ، فَلَمَّا قَصُرَ الْعُمُرُ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُهِمِّ وَالأَفْضَلِ.

الباب السابع في ذكر الحفاظ المبرزين

الْبَابُ السَّابِعُ فِي ذِكْرِ الْحُفَّاظِ الْمُبْرَزِينَ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْحِفْظِ لَمْ أَتَشَاغَلْ فِيهِ بِالإِسْنَادِ، وَلَمْ أُطِلْ، وَهَأَنَذَا أَذْكُرُ الْحُفَّاظَ الْمُبْرَزِينَ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فَإِنْ ذَكَرْتُ لأَحَدِهِمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِفْظِ مُخْتَصَرًا، فَفِي ذِكْرِهِمْ وَالإِشَارَةِ إِلَى مَا حَفِظُوا تَحْرِيضٌ وَحَثٌّ لِلْمُجْتَهِدِ، وَتَوْبِيخٌ لِلْمُتَكَاسِلِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

حرف الألف

حَرْفُ الأَلِفِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: كَتَبَ أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاعِظُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارَ يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قِيلَ: لأَبِي زُرْعَةَ: مَنْ رَأَيْتَ مِنَ الْمَشَايِخِ الْمُحَدِّثِينَ أَحْفَظَ؟ قَالَ: أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حُزِرَتْ كُتُبُهُ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَبَلَغَتِ اثْنَيْ عَشَرَ حَمْلا وَعَدْلا، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ كِتَابٍ مِنْهَا حَدِيثُ فُلانٍ، وَلا فِي بَطْنِهِ حَدَّثَنَا فُلانٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَحْفَظُهُ مِنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ.

أحمد بن أبي خيثمة

أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: ذَاكَرْتُهُ، وَأَخَذْتُ عَلَيْهِ الأَبْوَابَ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْبَرْمَكِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلالُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ: قَالَ لِي أَبِي: خُذْ أَيَّ كِتَابٍ شِئْتَ مِنْ كُتُبِ وَكِيعٍ، مِنَ الْمُصَنّفِ، فَإِنْ شِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْكَلامِ، حَتَّى أُخْبِرَكَ بِالإِسْنَادِ، وَإِنْ شِئْتَ بِالإِسْنَادِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِالْكَلامِ. أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ الْمُتَفَنِّنِينَ، أَخَذَ عِلْمَ النَّسَبِ عَنْ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَأَيَّامَ النَّاسِ عَنِ الْمَدَائِنِيِّ، وَصَنَّفَ تَارِيخًا كَبِيرًا كَثِيرَ الْفَوَائِدِ. أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ كَانَ عَالِمًا حَافِظًا. وَقَالَ: طَلَبْتُ الْعَرَبِيَّةَ وَاللُّغَةَ وَلِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً،

أحمد بن محمد بن هانئ «أبو بكر الأثرم»

وَابْتَدَأْتُ بِالنَّظَرِ فِي حُدُودِ الْفَرَّاءِ، وَسِنِّي ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَبَلَغْتُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَمَا بَقِيَ عَلَيَّ مَسْأَلَةٌ لِلْفَرَّاءِ، وَلا شَيْءٌ مِنْ كُتُبِهِ إِلا وَقَدْ حَفِظْتُهُ، وَسَمِعْتُ مِنَ الْقَوَارِيرِيِّ مِائَتَيْ حَدِيثٍ. أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ «أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ» سَمِعَ عَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ وَأَبَا نُعَيْمٍ وَغَيْرَهُمَا. وَصَحِبَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَذْهَبِهِ مُشْتَغِلا بِهِ، وَكَانَ غَزِيرَ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ، كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، يَقُولُ عَنْهُ: كَانَ أَحَدَ أَبَوَيِ الأَثْرَمِ جِنِّيًّا، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الأَصْفَهَانِيُّ: الأَثْرَمُ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَأَتْقَنُ. أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ «أَبُو عَمْرٍو الْخَفَّافُ» سَمِعَ ابْنَ رَاهُوَيْهِ وَغَيْرَهُ، وَكَانَ يُذَاكِرُ بِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَيصدقُ خَمْسَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ «أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ» سَمِعَ ابْنَ رَاهُوَيْهِ، وَقُتَيْبَةَ بْنَ سَعْدٍ، وَعَلِيَّ بْنَ حُجْرٍ، وَأَبَا كُرَيْبٍ،

أحمد بن إسحاق بن البهلول «أبو جعفر التنوخي القاضي»

وَكَانَ إِمَامًا فِي الْحَدِيثِ ثَبَتًا مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ. أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ «أَبُو جَعْفَرٍ التَّنُوخِيُّ الْقَاضِي» سَمِعَ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَرَوَى عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَكَانَ ثِقَةً حَافِظًا لِلسِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ وَالشِّعْرِ وَالنَّحْوِ، وَحَضَرَ يَوْمًا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ فَبَزَّهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ. أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ «أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ» كَانَ وَاحِدَ عَصْرِهِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: حَيَاةُ أَبِي حَامِدٍ تَحْجِزُ بَيْنَ النَّاسِ وَالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ «أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ» سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ الْحُفَّاظِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِنْ زَمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

أحمد بن محمد بن دوست العلاف

مَسْعُودٍ إِلَى زَمَنِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عُقْدَةَ أَحْفَظُ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ عُقْدَةَ: وَدَخَلَ الْبَرْدِيجِيُّ الْكُوفَةَ، فَزَعَمَ أَنَّهُ أَحْفَظَ مِنِّي، فَقُلْتُ: لا تُطَوِّلْ! نَتَقَدَّمُ إِلَى دُكَّانِ وَرَّاقٍ، وَنَضَعُ الْقَبَّانَ وَتَزِنُ مِنَ الْكُتُبِ مَا شِئْتَ، ثُمَّ تُلْقِي عَلَيْنَا فَنَذْكُرُهَا؛ فَبَقِيَ، وَكَانَ بَعْضُ الْهَاشِمِيِّينَ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُقْدَةَ فَقَالَ: أَنَا أُجِيبُ فِي ثَلاثِ مِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، وَأُذَاكِرُ بِالأَسَانِيدِ وَبَعْضِ الْمُتُونِ وَالْمَرَاسِيلِ وَالْمَقَاطِيعِ. وَانْتَقَلَ ابْنُ عُقْدَةَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ فَكَانَتْ كُتُبُهُ سِتَّ مِائَةِ حِمْلٍ. أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دُوسْتَ الْعَلافُ سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ بِالنَّقْلِ، وَحِفْظٌ وَافِرٌ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ. قَالَ: قَالَ لِي حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ، قُلْتُ لِخَالِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دُوسْتَ: أَرَاكَ تُمْلِي الْمَجَالِسَ مِنْ حِفْظِكَ، فَلِمَ لا تُمْلِي مِنْ كِتَابِكَ؟ فَقَالَ لِي: انْظُرْ فِيمَا أَمْلَيْتُ فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ لَمْ أُمْلِ مِنْ حِفْظِي، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُ صَوَابًا فَمَا الْحَاجَةُ إِلَى الْكِتَابِ. أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ «أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي»

أحمد بن محمد «أبو بكر البرقاني»

كَانَ لَهُ ذَكَاءٌ وَفِطْنَةٌ، وَحِفْظٌ جَيِّدٌ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَلَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَرَّاقٌ كَانَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ الْمُتَنَبِّي، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ هَذَا الْفَتَى، كَانَ الْيَوْمَ عِنْدِي، وَقَدْ أَحْضَرَ رَجُلٌ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الأَصْمَعِيِّ نَحْوَ ثَلاثِينَ وَرَقَةً لِيَبِيعَهُ، فَأَخَذَ يَنْظُرُ فِيهِ طَوِيلا، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا هَذَا أُرِيدُ بَيْعَهُ، وَقَدْ قَطَعْتَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ حِفْظَهُ فَهَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَكُونُ بَعْدَ شَهْرٍ. فَقَالَ لَهُ: فَإِنْ كُنْتُ قَدْ حَفِظْتُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَمَا لِي عَلَيْكَ؟ قَالَ: أَهِبُ لَكَ الْكِتَابَ، قَالَ: فَأَخَذَ الدِّفْتَرَ مِنْ يَدِهِ فَأَقْبَلَ يَتْلُوهُ إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ اسْتَلَبَهُ فَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ، فَقَامَ صَاحِبُهُ فَتَعَلَّقَ بِهِ، وَطَالَبَ بِالثَّمَنِ فَقَالَ: مَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ قَدْ وَهَبْتَهُ لِي، فَمَنَعْنَاهُ مِنْهُ. وَقُلْنَا لَهُ: أَنْتَ اشْتَرَطْتَ عَلَى نَفْسِكَ هَذَا لِلْغُلامِ فَتَرَكَهُ عَلَيْهِ. أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ «أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ» رَحَلَ إِلَى الْبِلادِ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ، وَسَمِعَ، وَكَانَ ثِقَةً وَرِعًا مُتْقِنًا مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ.

أحمد بن علي بن ثابت الخطيب

أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ الْكُتُبَ الْحِسَانَ الْبَعِيدَةَ الْمَثَلِ، وَبِهِ خُتِمَ الْحُفَّاظُ. إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَمَذَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَحْكِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الدِّينَوَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نُذَاكِرُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحُسَيْنِ فَيُذَاكِرُنَا بِالْقِمَطْرِ، وَكَانَ يُذَاكِرُ بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ: عِنْدِي مِنْهُ قِمَطْرٌ. إِبْرَاهِيمُ بْنُ أورمَةَ الأَصْبَهَانِيُّ كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ.

إسماعيل بن يوسف «أبو علي الديلمي»

إِسْمَاعِيلُ بْنُ يُوسُفَ «أَبُو عَلِيٍّ الدَّيْلَمِيُّ» كَانَ أَحَدَ الْعُبَّادِ حَافِظًا لِلْحَدِيثِ. كَانَ يَحْفَظُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَيُذَاكِرُ بِسَبْعِينَ أَلْفِ حَدِيثٍ. إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدُوَيْهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ خَشْرَمٍ، يَقُولُ: كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ يُمْلِي عَلَيَّ سَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ حِفْظًا. أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ حسْنُوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو زَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ يَقُولُ: أَعْرِفُ مَكَانَ

مِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَأَحْفَظُ مِنْهَا سَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِي صَحِيحَةً، وَأَحْفَظُ أَرْبَعَةَ آلافِ حَدِيثٍ مُزَوَّرَةً. فَقِيلَ: مَا مَعْنَى الْمُزَوَّرَةِ؟ قَالَ: إِذَا مَرَّ بِي مِنْهَا حَدِيثٌ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَلَيْتُهُ مِنْهَا فَلْيًا.

حرف الباء

حَرْفُ الْبَاءِ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ كَانَ إِذَا طَلَبَ الْمُتَفَقِّهُ مِنْهُ الدَّرْسَ أَلْقَى عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ غَيْرِ مُطَالَعَةٍ، وَلا مُرَاجَعَةٍ لِكِتَابٍ. وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعَدْتُهَا فِي بُرْجٍ مِنْ حِصْنِ بُخَارَى أَرْبَعَ مِائَةِ مَرَّةٍ. وَلَيْسَ فِي حَرْفِ التَّاءِ وَالثَّاءِ مُبَرَّزٌ مَشْهُورٌ بِالْحِفْظِ.

حرف الجيم

حَرْفُ الْجِيمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ طَافَ الْبِلادَ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَلَقِيَ الأَعْلامَ، وَحَدَّثَ عَنْ هُدْبَةَ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَقُتَيْبَةَ، وَكَانَ ثِقَةً حُجَّةً حَافِظًا، وَأَمْلَى بِبَغْدَادَ، وَكَانَ الَّذِينَ يَسْتَمْلُونَ ثَلاثَ مِائَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ، وَحزر فَكَانُوا ثَلاثِينَ أَلْفًا، وَكَانَ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ نَحْوَ عَشَرَةِ آلافِ إِنْسَانٍ.

حرف الحاء

حَرْفُ الْحَاءِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ «أَبُو عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ» الْحَافِظُ، رَحَلَ الْبِلادَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ، وَسَمِعَ مِنْ هُدْبَةَ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: الْمَعْمَرِيُّ: بِأُمِّهِ أُمِّ الْحَسَنِ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ صَاحِبِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ، وَلَهُ التَّصَانِيفُ. الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ «أَبُو الْعَبَّاسِ النَّسَوِيُّ» رَحَلَ الْبِلادَ، وَسَمِعَ بِخُرَاسَانَ: ابْنَ رَاهُوَيْهِ، وَقُتَيْبَةَ، وَعَلِيَّ بْنَ حُجْرٍ، وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَحْمَدَ، وَيَحْيَى، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَبِالْبَصْرَةِ: مِنْ هُدْبَةَ، وَشَيْبَانَ، وَبِالْكُوفَةِ مِنْ: أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، وَبِالْحِجَازِ: مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَبِمِصْرَ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ وَحَرْمَلَةَ، وَبِالشَّامِ مِنْ: صَفْوَانَ بْنِ صُلْحٍ، وَالْمُسَيَّبِ بْنِ وَاضِحٍ، وَآخَرِينَ. وَصَنَّفَ الْمُسْنَدَ الْكَبِيرَ، وَالْجَامِعَ، وَالْمُعْجَمَ.

الحسين بن محمد بن حاتم بن يزيد «الملقب بعبيد العجل»

تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي ثَوْرٍ، وَأَخَذَ الأَدَبَ عَنْ أَصْحَابِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ، وَكَانَتِ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِ بِخُرَاسَانَ. الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ يَزِيدَ «الْمُلَقَّبُ بِعُبَيْدٍ الْعِجْلِ» سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ ثِقَةً مُتْقِنًا فِي الْحِفْظِ خُصُوصًا فِي الْمُسْنَدِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ إِجَازَةً، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَدِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، يَقُولُ: كُنَّا نَحْضُرُ مَعَ عُبَيْدٍ عِنْدَ الشُّيُوخِ وَهُوَ شَابٌّ، فَيَنْتَخِبُ لَنَا، فَإِذَا أَخَذَ الْكِتَابَ بِيَدِهِ طَارَ مَا فِي رَأْسِهِ فَنُكَلِّمُهُ فَلا يُجِيبُنَا فَإِذَا خَرَجْنَا قُلْنَا لَهُ: كَلَّمْنَاكَ فَلَمْ تُجِبْنَا؟ ! قَالَ: إِذَا أَخَذْتُ الْكِتَابَ بِيَدِي يَطِيرُ عَنِّي مَا فِي رَأْسِي، فَيَمُرُّ بِي حَدِيثُ الصَّحَابِيِّ، فَكَيْفَ أُجِيبُكُمْ، وَأَنَا أَحْتَاجُ أَنْ أُفَكِّرَ فِي مُسْنَدِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ، مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، هَلِ الْحَدِيثُ فِيهِ أَمْ لا؟ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ خِفْتُ أَنْ أَزَلَّ فِي الانْتِخَابِ، وَأَنْتُمْ شَيَاطِينُ، قَدْ قَعَدْتُمْ حَوْلِي، تَقُولُونَ: لِمَ انْتَخَبْتَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَهَذَا حَدِيثُ فُلانٍ.

الحسين بن علي بن يزيد «أبو علي النيسابوري»

الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ «أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ» رَحَلَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ إِلَى الآفَاقِ وَأَكْثَرَ الْكِتَابَةَ وَالتَّصْنِيفَ، وَكَانَ وَاحِدَ دَهْرِهِ فِي الْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ وَالْوَرَعِ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: إِمَامٌ مُهَذَّبٌ. الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ لِي الأَزْهَرِيُّ: كُنْتُ أَحْضُرُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ أَجْزَاءٌ كِبَارٌ، فَأَنْظُرُ فِي بَعْضِهَا، فَيَقُولُ لِي: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، تَذْكُرُ لِي مَتْنَ مَا تُرِيدُ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ، حَتَّى أُخْبِرَكَ بِإِسْنَادِهِ، أَوْ تَذْكُرُ لِي إِسْنَادَهُ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِمَتْنِهِ؟ فَكُنْتُ أَذْكُرُ لَهُ الْمُتُونَ فَيُخْبِرُنِي بِالأَسَانِيدِ مِنْ حِفْظِهِ، وَفَعَلْتُ هَذَا مِرَارًا كَثِيرَةً. لَيْسَ فِي حَرْفِ الْخَاءِ وَمَا بَعْدَهَا مُشْتَهِرٌ بِالْحِفْظِ إِلَى حَرْفِ السِّينِ.

حرف السين

حَرْفُ السِّينِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَيُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَعْرُوفٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَهْمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَخْبَرَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِكُلِّ قَضَاءٍ قَضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنِّي. سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الأَعْمَشُ كَانَ أَقْرَأَ النَّاسِ لِلْقُرْآنِ، وَأَعْرَفَهُمْ بِالْفَرَائِضِ، وَأَحْفَظَهُمْ لِلْحَدِيثِ وَأَوْثَقَهُمْ.

سليمان بن داود الطيالسي

سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَ عَنْ شُعْبَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. وَكَانَ مُكْثِرًا حَافِظًا ثَبَتًا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: كَانَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ كَثِيرَ الْحِفْظِ، شَرِبَ الْبَلاذُرَ، هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، فَجُذِمَ أَبُو دَاوُدَ، وَبُرِصَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَحَفِظَ أَبُو دَاوُدَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَحَفِظَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَشَرَةَ آلافِ حَدِيثٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ شَبَّةَ يَقُولُ: كَتَبُوا عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَلَيْسَ مَعَهُ كِتَابٌ. سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ «أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ» كَانَ عَالِمًا مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَتَبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ

سليمان بن أحمد الطبراني

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَ مِائَةِ أَلْفَ حَدِيثٍ، انْتَخَبْتُ مِنْهَا مَا تَضَمَّنَتْهُ السُّنَنُ. جَمَعْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ آلافٍ وَثَمَانِ مِائَةِ حَدِيثٍ. سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْكِبَارِ، وَلَهُ التَّصَانِيفُ الْحِسَانُ. . . سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الأَعْلامِ، كَانَ مُقَدّمًا فِي الْحِفْظِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: لَمْ أَرَ أَحَدًا أَحْفَظَ مِنْ سُفْيَانَ.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْفَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّلْحِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ حُبَاشٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: مَا اسْتُودِعَتْ أُذُنِي شَيْئًا قَطُّ إِلا حَفِظْتُهُ، حَتَّى إِنِّي أَمُرُّ بِكَذَا ـ كَلِمَةً قَالَهَا ـ فَأَسُدُّ أُذُنِي مَخَافَةَ أَنْ أَحْفَظَهَا، وَيَقُولُ فِي رِوَايَةٍ: أَمُرُّ بِالْحَايِكِ يُغَنِّي فَأَسُدُّ أُذُنِي.

حرف الشين

حَرْفُ الشِّينِ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ كَانَ حَافِظًا لِلْحَدِيثِ، لَمْ نَرَ أَعْلَمَ مِنْهُ بِالشِّعْرِ.

حرف الصاد

حَرْفُ الصَّادِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ «أَبُو عَلِيٍّ الأَسَدِيُّ» يُلَقَّبُ «جَزَرَةَ» لأَنَّهُ قَرَأَ فِي حَدَاثَتِهِ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ، كَانَ لأَبِي أُمَامَةَ خَرَزَةٌ يُرْقَى بِهَا الْمَرِيضُ، فَصَحَّفَهَا فَقَالَ «جَزَرَةً» فَلُقِّبَ بِذَلِكَ. وَلَقِيَ الأَشْيَاخَ بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ وَبَغْدَادَ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ. وَلَيْسَ فِي حَرْفِ الضَّادِ مُشْتَهِرٌ بِالْحِفْظِ

حرف الطاء

حَرْفُ الطَّاءِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَرْبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: سَمِعْتُ مَعْمَرًا يَقُولُ: اجْتَمَعْتُ أَنَا وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا شَيْخٌ، فَأَمْلَى عَلَيْنَا: أَرْبَعَةَ آلافِ حَدِيثٍ، عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، فَمَا أَخْطَأَ إِلا فِي مَوْضِعَيْنِ، لَمْ يَكُنِ الْخَطَأُ مِنَّا وَلا مِنْهُ، إِنَّمَا الْخَطَأُ مِنْ فَوْقِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو. ـ لَيْسَ فِي حَرْفِ الظَّاءِ أَحَدٌ مُشْتَهِرٌ بِالْحِفْظِ.

حرف العين

حَرْفُ الْعَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ حَافِظًا ثَبَتًا، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: ابْنِي مَحْظُوظٌ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْقَاضِي وَيُعْرَفُ بِعَبْدَانَ. حَدَّثَ عَنْ هُدْبَةَ، وَكَامِلِ بْنِ طَلْحَةَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ، يَقُولُ: كَانَ عَبْدَانُ يَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ «أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ»

عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي

مُحَدِّثُ الْعِرَاقِ، وَابْنُ إِمَامِهَا، رَحَلَ بِهِ أَبُوهُ، فَطَافَ بِهِ الآفَاقَ فَسَمِعَ وَجَمَّعَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي الأَزْهَرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ يَقُولُ: خَرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ إِلَى سِجِسْتَانَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ، فَأَبَى وَقَالَ: لَيْسَ مَعِي كِتَابٌ، فَقَالُوا لَهُ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ وَكِتَابٌ؟ قَالَ: فَأَثَارُونِي فَأَمْلَيْتُ عَلَيْهِمْ ثَلاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ مِنْ حِفْظِي، فَلَمَّا قَدِمْتُ بَغْدَادَ، قَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: مَضَى فَلَعِبَ بِالنَّاسِ ثُمَّ فَيَّجُوا فَيْجًا اكْتَرَوْهُ بِسِتَّةِ دَنَانِيرَ إِلَى سِجِسْتَانَ لِيَكْتُبَ لَهُمُ النُّسْخَةَ، فَكَتَبْتُ، وَجِيءَ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَعُرِضَتْ عَلَى الْحُفَّاظِ، فَخَطَّئُونِي فِي سِتَّةِ أَحَادِيثَ، مِنْهَا ثَلاثَةٌ حَدَّثْتُ بِهَا كَمَا حُدِّثْتُ، وَثَلاثَةُ أَحَادِيثَ أَخْطَأْتُ فِيهَا. تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ، فَصُلِّيَ عَلَيْهِ ثَمَانِينَ مَرَّةً، وَحُزِرَ الْجَمْعُ فَزَادَ عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ أَلْفٍ. عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ سَمِعَ الْكَثِيرَ وَصَنَّفَ، وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ.

عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد «أبو زرعة الرازي»

رَوَى عَنْ سَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ شَيْخًا لا يَرْوِي عَنْهُمْ غَيْرَهُ لِطُولِ عُمْرِهِ. عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَزِيدَ «أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ» كَانَ إِمَامًا مُتْقِنًا، حَافِظًا غَزِيرَ الْحِفْظِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا جَاوَزَ الْجِسْرُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَدْ حَفِظَ سِتَّ مِائَةِ أَلْفٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو حَاتِمٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ بِخَطِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارَ، يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّيْرَفِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ التُّسْتَرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ: إِنَّ فِي بَيْتِي مَا كَتَبْتُهُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً، وَلَمْ أُطَالِعْهُ مُنْذُ كَتَبْتُهُ، وَإِنِّي أَعْلَمُ فِي أَيِّ كِتَابٍ هُوَ، فِي أَيَّةِ وَرَقَةٍ هُوَ، فِي أَيِّ صَفْحٍ هُوَ، فِي أَيِّ سَطْرٍ هُوَ، وَمَا سَمِعَ أُذُنِي شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ إِلا وَعَاهُ قَلْبِي، فَإِنِّي كُنْتُ أَمْشِي فِي سُوقِ بَغْدَادَ فَأَسْمَعُ مِنَ الْغُرَفِ صَوْتَ الْمُغَنِّيَاتِ فَأَضَعُ أُصْبُعِي فِي أُذُنِي مَخَافَةَ أَنْ يَعِيَهُ قَلْبِي. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله «أبو عبد الله الختلي»

أَحْمَدَ السُّوذَرْجَانِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهْ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ حَمْكَوَيْهِ يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلاقِ: أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيَّ يَحْفَظُ مِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ هَلْ حَنَثَ؟ فَقَالَ: لا. ثُمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ: أَحْفَظُ مِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ، كَمَا يَحْفَظُ الإِنْسَانُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَفِي الْمُذَاكَرَةِ ثَلاثُ مِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُتُّلِيُّ» سَمِعَ الْبَاغَنْدِيَّ وَابْنَ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرَهُمَا. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: دَخَلَ إِلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُتُّلِيُّ، إِلَى الْبَصْرَةِ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِهِ، فَحَدَّثَ شُهُورًا إِلَى أَنْ لَحِقَتْهُ كُتُبُهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَدَّثْتُ بِخَمْسِينَ أَلْفِ حَدِيثٍ مِنْ حِفْظِي إِلَى أَنْ لَحِقَتْنِي كُتُبِي. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ

عبد الملك بن قريب الأصمعي

رَوَى عَنِ الأَئِمَّةِ: الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَالْحَمَّادَيْنِ. وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ. قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: لَوْ أَنِّي حَلَفْتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، لَحَلَفْتُ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: مَا رَأَيْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِتَابًا قَطُّ، وَكُلُّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ سَمِعْتُهُ حِفْظًا. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا حَمْدُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيَّ يَقُولُ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ حِفْظًا. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ بَكْرٍ الأَنْدَلُسِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، يَغْفِرُ لَكَ ذَنْبًا، أَوْ تَحْفَظُ حَدِيثًا؟ قَالَ: أَحْفَظُ حَدِيثًا. عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُرَيْبٍ الأَصْمَعِيُّ

سَمِعَ ابْنَ عَوْفٍ، وَشُعْبَةَ، وَالْحَمَّادَيْنِ. وَكَانَ حَافِظًا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَلاءِ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَامِدٍ الْبَلْخِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ شَبَّةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الأَصْمَعِيَّ يَقُولُ: أَحْفَظُ سِتِّينَ أَلْفَ أُرْجُوزَةٍ قَالَ: التَّمِيمِيُّ وَحَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ السَّكُونِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي مُوسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَيْنَاءِ. قَالَ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ كَمْ كِتَابُكَ فِي الْخَيْلِ؟ قُلْتُ: جُزْءٌ وَاحِدٌ، فَسَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: خَمْسُونَ جُزْءًا، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الْكِتَابَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِإِحْضَارِ فَرَسٍ فَقَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ: اقْرَأْ كِتَابَكَ حَرْفًا حَرْفًا، وَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَوْضِعٍ مَوْضِعٍ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَيْسَ أَنَا بَيْطَارًا، وَإِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ أَخَذْتُهُ وَسَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ،

فَأَلِفْتُهُ، فَقَالَ: يَا أَصْمَعِيُّ قُمْ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَوْضِعٍ مَوْضِعٍ مِنَ الْفَرَسِ، فَقُمْتُ فَحَسَرْتُ عَنْ ذِرَاعِي وَسَاقِي، ثُمَّ وَثَبْتُ، فَأَخَذْتُ بِأُذُنِ الْفَرَسِ، ثُمَّ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى نَاصِيَتِهِ، فَجَعَلْتُ أَقْبِضُ مِنْهُ بِشَيْءٍ شَيْءٍ وَأَقُولُ: هَذَا اسْمُهُ كَذَا، وَأَنْشُدُ فِيهِ، حَتَّى بَلَغْتُ حَافِرَهُ لَيْسَ بِالْفَرَسِ، فَكُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَغِيظَ أَبَا عُبَيْدَةَ رَكِبْتُ الْفَرَسَ وَأَتَيْتُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَنَقَلْتُ مِنْ خَطِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْمَرْزُبَانِيِّ. قَالَ حَكَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ، وَبِحَضْرَتِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ: الأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَصَاحِبُ الْحَسَنِ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الرِّقَاعَ إِلَى أَنْ وَقَّعَ فِي خَمْسِينَ رُقْعَةً فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: تَذَاكَرُوا الْعِلْمَ، فَتَكَلَّمَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَالأَصْمَعِيُّ، وَالْهَيْثَمُ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، فَالْتَجَّ الْمَجْلِسُ بِالْمُذَاكَرَةِ، إِلَى أَنْ بَلَغُوا إِلَى ذِكْرِ الْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، فَأَخَذُوا فِي الزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَشُعْبَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَا حَاجَتُنَا إِلَى قَوْمٍ، وَمَا نَدْرِي أَصَدَقَ الْخَبَرُ عَنْهُمْ أَمْ كَذَبَ؟ وَبِالْحَضْرَةِ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَا

أُنْسِيَ شَيْئًا قَطُّ، وَأَنَّهُ مَا يَحْتَاجُ أَنْ يُعِيدَ نَظَرَهُ فِي دِفْتَرِهِ، إِنَّمَا هِيَ نَظْرَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ قَدْ حَفِظَ مَا فِيهِ. يُعَرِّضُ بِالأَصْمَعِيِّ فَقَالَ الْحَسَنُ: نَعَمْ وَاللَّهِ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ إِنَّكَ لَتَجِيءُ مِنْ هَذَا بِمَا يُنْكَرُ جِدًّا. فَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: نَعَمْ أَحْتَاجُ أَنْ أُعِيدَ النَّظَرَ فِي دِفْتَرٍ، وَمَا أُنْسِيتُ شَيْئًا قَطُّ. فَقَالَ الْحَسَنُ: فَنَحْنُ نُجَرِّبُ هَذَا الْقَوْلَ: يَا غُلامُ الدِّفْتَرَ الْفُلانِيَّ فَإِنَّهُ جَامِعٌ لِكَثِيرٍ مِمَّا أَسْنَدْنَاهُ وَحَدَّثْنَاهُ، فَمَضَى الْغُلامُ لِيُحْضِرَ الدِّفْتَرَ، فَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَأَنَا أُرِيكَ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا! أَنَا أُعِيدُ الْقَصَصَ الَّتِي مَرَّتْ بِأَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا وَتَوْقِيعَاتِكَ فِيهَا كُلَّهَا، وَأَمْتَحِنُ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَقَدْ كَانَ عَارَضَ بِتِلْكَ التَّوْقِيعَاتِ فِي وَقْتِ ذَلِكَ مَنْ حَضَرُوا، لِيَنْصَحُوا، فَاسْتَدْعَى الْحَسَنُ الْقَصَصَ، قَالَ الأَصْمَعِيُّ: الْقِصَّةُ الأُولَى لِفُلانٍ، قِصَّتُهُ كَذَا وَكَذَا، وَقَّعْتَ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى أَتَى عَلَى سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ قِصَّةً، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: حَسْبُكَ السَّاعَةَ، وَاللَّهِ تَقْتُلُكَ الْجَمَاعَةُ بِأَعْيُنِهَا. يَا غُلامُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلامُ أَنِ احْمِلُوهَا مَعَهُ، وَقَالَ: تُنْعِمُ بِالْحَامِلِ كَمَا أَنْعَمْتَ بِالْمَحْمُولِ؟ ، فَقَالَ: هُمْ لَكَ وَلَسْتَ تَنْتَفِعُ بِهِمْ، وَقَدِ اشْتَرَيْتُهُمْ مِنْكَ بِعَشْرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ فَحُمِلَتْ مَعَهُ الدَّرَاهِمُ وَانْصَرَفَ الْبَاقُونَ بِالْخَيْبَةِ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ صَخْرٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْفٍ، أَخْبَرَنَا

مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الأَنْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَيَانٍ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا بِالْجَبَّانِ بِالْبَصْرَةِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، وَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ وَاضِعَةٍ يَدَهَا عَلَى قَبْرٍ، وَهِيَ تَقُولُ بِصَوْتٍ حَزِينٍ قَرِحٍ: هَلْ خَبَّرَ الْقَبْرُ سَائِلِيهِ ... أَمْ قُرَّ عَيْنًا بِزَائِرِيهِ أَمْ هَلْ تَرَاهُ أُحَاطَ عِلْمًا ... بِالْجَسَدِ الْمُسْتَكِنِّ فِيهِ لَوْ يَعْلَمُ الْقَبْرُ مَنْ يُوَارِي ... تَاهَ عَلَى كُلِّ مَا يَلِيهِ يَا جَبَلا كَانَ ذَا امْتِنَاعٍ ... وَرُكْنَ عِزٍّ لِمَنْ يَلِيهِ وَنَخْلَةً طَلْعُهَا نَضِيدٌ ... يَقْرُبُ مِنْ كَفِّ مُجْتَنِيهِ وَيَا مَرِيضًا عَلَى فِرَاشٍ ... تُؤْذِيهِ أَيْدِي مُمْرِضِيهِ وَيَا صَبُورًا عَلَى بَلاءٍ ... كَانَ بِهِ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ يَا مَوْتُ لَوْ تَقْبَلُ افْتِدَاءً ... كُنْتُ بِنَفْسِي سَأَفْتَدِيهِ يَا مَوْتُ مَاذَا أَرَدْتَ مِنِّي ... حَقَّقْتَ مَا كُنْتُ أَتَّقِيهِ مَوْتٌ رَمَانِي بِفَقْدِ إِلْفِي ... أَذُمُّ دَهْرِي وَأَشْتَكِيهِ آمَنَكَ اللَّهُ كُلَّ رَوْعٍ ... وَكُلَّ مَا كُنْتَ تَتَّقِيهِ قَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَقُلْتُ لَهَا: يَا جَارِيَةُ أَعِيدِي عَلَيَّ لَفْظَكِ، قَالَتْ: أَوَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنِّي، فَأَنْشَدْتُهَا شِعْرَهَا عَنْ آخِرِهِ، فَقَامَتْ تَنْفُضُ ثِيَابَهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِي عِبَادِكَ الأَصْمَعِيُّ فَهُوَ ذَا هُوَ.

عبد الغني بن سعيد

عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ، كَانَ غَزِيرَ الْحِفْظِ. قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَا لَقِيتُهُ مَرَّةً إِلا وَرَجَعْتُ عَنْهُ بِفَائِدَةٍ، وَكَانَ كَأَنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ. عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ الشَّيْبَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ خَشْرَمٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ إِلا وَأَنَا أَحْفَظُهَا، وَلا حَدَّثَنِي رَجُلٌ

عاصم بن علي «أبو الحسن الواسطي»

بِحَدِيثٍ وَأَحْبَبْتُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيَّ. عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ «أَبُو الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ» حَدَّثَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعْبَةَ، رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ، وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْقِطَاتِ، وَيَرْكَبُ مُسْتَمْلِيهِ نَخْلَةً مُعْوَجَّةً فَيَسْتَمْلِي عَلَيْهَا فَقَالَ يَوْمًا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَأَعَادَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَالنَّاسُ لا يَسْمَعُونَ، وَحُزِرَ الْجَمْعُ فَكَانُوا مِائَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا. عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَمِعَ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ، وَهُشَيْمًا، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، وَكَانَ الْمُقَدَّمَ عَلَى حُفَّاظِ وَقْتِهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي إِلا عِنْدَ ابْنِ الْمَدِينِيِّ. عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ فَرِيدَ وَقْتِهِ فِي الْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، وَمَعْرِفَةِ النَّقْلِ، سَأَلَهُ يَوْمًا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ، عَنْ حَدِيثٍ فَأَجَابَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الْفَتْحِ لَيْسَ بَيْنَ

علي بن محمد بن أبي الفهم «أبو القاسم التنوخي»

الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مَنْ يَعْرِفُ هَذَا غَيْرِي. وَكَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُمْلِي عِلَلَ الْحَدِيثِ فَجَمَعَ ذَلِكَ الْبَرْقَانِيُّ وَرَتَّبَهُ عَلَى الْمُسْنَدِ، وَهُوَ كِتَابُ الْعِلَلِ الْمَعْرُوفُ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي الأَزْهَرِيُّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ، حَضَرَ فِي حَدَاثَتِهِ، مَجْلِسَ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ، فَجَعَلَ يَنْسَخُ جُزْءًا كَانَ مَعَهُ، وَإِسْمَاعِيلُ يُمْلِي، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: لا يَصِحُّ سَمَاعُكَ، وَأَنْتَ تَنْسَخُ، فَقَالَ الدَّرَاقُطْنِيُّ: فَهْمِي لِلإِمْلاءِ غَيْرُ فَهْمِكَ، ثُمَّ قَالَ: تَحْفَظُ كَمْ أَمْلَى الشَّيْخُ مِنْ حَدِيثٍ إِلَى الآنَ؟ قَالَ: لا، فَقَالَ أَمْلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، فَعَدَّدْتُ الأَحَادِيثَ، فَكَانَتْ كَمَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: الْحَدِيثُ الأَوَّلُ: عَنْ فُلانٍ عَنْ فُلانٍ، وَمَتْنُهُ كَذَا، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ فُلانٍ عَنْ فُلانٍ، وَمَتْنُهُ كَذَا، وَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ أَسَانِيدَ الأَحَادِيثِ، وَمُتُونَهَا، عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الإِمْلاءِ، حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْهُ. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَهْمِ «أَبُو الْقَاسِمِ التَّنُوخِيُّ»

جَدُّ أَبِي الْقَاسِمِ التَّنُوخِيِّ، الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا التَّنُوخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي ـ وَلِي إِذْ ذَاكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ـ يُنْشِدُ بَعْضَ قَصِيدَةِ دِعْبِلٍ الطَّوِيلَةِ الَّتِي يَفْخَرُ فِيهَا بِالْيَمَنِ وَيُعَدِّدُ مَنَاقِبَهُمْ وَيَرُدُّ عَلَى الْكُمَيْتِ فِيهَا فَخْرَهُ بِنِزَارٍ، وَأَوَّلُهَا: أَفِيقِي مِنْ مَلامِكِ يَا ظَغِينَا ... كَفَاكِ اللَّوْمُ مَرَّ الأَرْبَعِينَا : وَهِيَ نَحْوُ سِتِّ مِائَةِ بَيْتٍ، فَاشْتَهَيْتُ حِفْظَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَفَاخِرِ الْيَمَنِ أَهْلِي، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، ادْفَعْهَا إِلَيَّ حَتَّى أَحْفَظَهَا، فَدَافَعَنِي، فَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَأَنِّي بِكَ تَأْخُذُهَا، فَتَحْفَظُ مِنْهَا خَمْسِينَ بَيْتًا، أَوْ مِائَةَ بَيْتٍ، وَتَرْمِي بِالْكِتَابِ، فَقُلْتُ: ادْفَعْهَا إِلَيَّ، فَأَخْرَجَهَا وَسَلَّمَهَا إِلَيَّ، فَدَخَلْتُ حُجْرَةً كَانَتْ بِرَسْمِي مِنْ دَارِهِ، وَخَلَوْتُ فِيهَا وَلَمْ أَتَشَاغَلْ يَوْمِي وَلَيْلَتِي بِشَيْءٍ عَنْ حِفْظِهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ، كُنْتُ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ جَمِيعِهَا وَأَتْقَنْتُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ غُدْوَةً عَلَى رَسْمِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: هيه! كَمْ حَفِظْتَ مِنْ قَصِيدَةِ دِعْبِلٍ؟ فَقُلْتُ: قَدْ حَفِظْتُهَا بِأَسْرِهَا، فَغَضِبَ وَقَدْ رَآنِي قَدْ كَذَّبْتُهُ، فَقَالَ هَاتَهَا، فَأَخْرَجْتُ الدِّفْتَرَ مِنْ كُمِّي، فَفَتَحَهُ، وَنَظَرَ فِيهِ، وَأَنَا أُنْشِدُ، إِلَى أَنْ مَضَيْتُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ بَيْتٍ، فَصَفَحَ مِنْهَا عِدَّةَ أَوْرَاقٍ، وَقَالَ: أَنْشِدْ مِنْ هَاهُنَا، فَأَنْشَدْتُهُ إِلَى آخِرِهَا، فَهَالَهُ مَا رَآهُ مِنْ حُسْنِ حِفْظِي فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَقَبَّلَ

رَأْسِي وَعَيْنِي وَقَالَ: بِاللَّهِ يَا بُنَيَّ لا تُخْبِرُ بِهَذَا أَحَدًا، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْعَيْنَ. وَقَالَ أَيْضًا: حَفِظَنِي أَبِي، وَقَدْ حَفِظْتُ بَعْدَهُ مِنْ شِعْرِ أَبِي تَمَّامٍ، وَالْبُحْتُرِيِّ، سِوَى مَا كُنْتُ أَحْفَظُهُ لِغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُحْدِثِينَ وَالْقُدَمَاءِ مِائَتَيْ قَصِيدَةٍ، وَقَالَ: كَانَ أَبِي وَشُيُوخُنَا بِالشَّامِ يَقُولُونَ: مِنْ حَفِظَ لِلطَّائِيَّيْنِ أَرْبَعِينَ قَصِيدَةً وَلَمْ يَقُلِ الشِّعْرَ فَهُوَ حِمَارٌ فِي مِسْلاخِ إِنْسَانٍ. فَقُلْتُ الشِّعْرَ وَسِنِّي دُونَ الْعِشْرِينَ. ـ لَيْسَ فِي حَرْفِ الْغَيْنِ مُشْتَهِرٌ بِالْحِفْظِ.

حرف الفاء

حَرْفُ الْفَاءِ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ «أَبُو نُعَيْمٍ» سَمِعَ الأَعْمَشَ وَخَلْقًا كَثِيرًا، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَكَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحِفْظِ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْجَرَّاحِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ: خَرَجْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى، فَقَالَ يَحْيَى لأَحْمَدَ: أُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِرَ أَبَا نُعَيْمٍ فَقَالَ: لا تُرِدْ فَالرَّجُلُ ثِقَةٌ، فَقَالَ: لا بُدَّ لِي، فَأَخَذَ وَرَقَةً، فَكَتَبَ فِيهَا ثَلاثِينَ حَدِيثًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَجَعَلَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ عَشَرَةٍ مِنْهَا حَدِيثًا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ جَاءُوا إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ فَقَرَأَ يَحْيَى عَشَرَةً وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِتٌ ثُمَّ قَرَأَ الْحَادِي عَشَرَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَيْسَ مِنْ حَدِيثِي، اضْرِبْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الثَّانِي، وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِتٌ، فَقَرَأَ الْحَدِيثَ الثَّانِي، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ حَدِيثِي فَاضْرِبْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الثَّالِثَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ سَاكِتٌ، ثُمَّ قَرَأَ الْحَدِيثَ الثَّالِثَ، فَتَغَيَّرَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَانْقَلَبَتْ عَيْنَاهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى يَحْيَى، فَقَالَ: أَمَّا هَذَا ـ وَذِرَاعُ أَحْمَدَ بِيَدِهِ ـ فَأَوْرَعُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ هَذَا، وَأَمَّا هَذَا ـ يُرِيدُنِي ـ فَأَقَلُّ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا، وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِكَ يَا

فَاعِلُ، ثُمَّ أَخْرَجَ رِجْلَهُ، فَرَفَسَ يَحْيَى، فَرَمَى بِهِ، فَقَالَ: يَحْيَى: وَاللَّهِ، لَرَفْسَتُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَفَرِي.

حرف القاف

حَرْفُ الْقَافِ قَتَادَةُ بْنُ دُعَامَةَ «أَبُو الْخَطَّابِ السَّدُوسِيّ» أَسْنَدَ عَنْ أَنَسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، وَحَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ، وَكَانَ يُرْسِلُ الْحَدِيثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قِلابَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ، وَسَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَأَكْثَرَ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: أَكُلُّ مَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ تَحْفَظُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَأَلْتُكَ عَنْ كَذَا، فَقُلْتَ كَذَا، وَعَنْ كَذَا، فَقُلْتَ كَذَا وَعَنْ كَذَا، فَقُلْتَ كَذَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِثْلَكَ. وَكَانَ يَقُولُ: مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ شَيْئًا قَطُّ إِلا وَعَاهُ قَلْبِي. ـ لَيْسَ فِي حَرْفِ الْكَافِ وَاللامِ مُشْتَهِرٌ بِالْحِفْظِ.

حرف الميم

حَرْفُ الْمِيمِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ «أَبُو بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ» أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُعَمَّرِ الْمُبَارَكُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِزْقٍ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ، مَا اسْتَعَدْتُ حَدِيثًا قَطُّ، وَلا شَكَكْتُ فِي حَدِيثٍ إِلا حَدِيثًا وَاحِدًا فَسَأَلْتُ صَاحِبِي فَإِذَا هُوَ كَمَا حَفِظْتُ. مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى: مَا كَتَبْتُ عَنْ أَحَدٍ أَحْفَظَ مِنْهُ. مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ

مَهَرَ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَرُزِقَ الْحِفْظُ لَهُ، وَالْمَعْرِفَةُ، وَكَتَبَ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ، وَكَانَ يَخْتَلِفَ إِلَى مَشَايِخِ الْبَصْرَةِ وَلا يَكْتُبُ، فَسَأَلُوهُ: لِمَ لا تَكْتُبُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا سَمِعَ مِنْ حِفْظِهِ، وَكَانَ يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ حَدِيثٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ السَّاحِلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بْنَ عَدِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخَ يَحْكُونَ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ، قَدِمَ بَغْدَادَ، فَسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مِائَةِ حَدِيثٍ، فَقَلَبُوا مُتُونَهَا، وَأَسَانِيدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ آخَرَ، وَإِسْنَادَ هَذَا الْمَتْنِ لِمَتْنٍ آخَرَ، وَدَفَعُوهَا إِلَى عَشَرَةِ أَنْفُسٍ، فَابْتَدَرَ رَجُلٌ مِنَ الْعَشَرَةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ، فَقَالَ: لا أَعْرِفُهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ آخَرَ، فَقَالَ: لا أَعْرِفُهُ، فَمَا زَالَ يُلْقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْعَشَرَةِ، وَالْبُخَارِيُّ يَقُولُ: لا أَعْرِفُهُ، وَكَانَ بَعْضُ الْفُهَمَاءِ يَقُولُ: الرَّجُلُ فَهْمٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ. ثُمَّ ابْتَدَرَ رَجُلٌ آخَرُ، فَسَأَلَهُ عَنِ الأَحَادِيثِ، وَهُوَ يَقُولُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ: لا أَعْرِفُهُ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ الثَّالِثُ، ثُمَّ الرَّابِعُ، إِلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ، وَالْبُخَارِيُّ لا يَزِيدُهُمْ عَلَى لا أَعْرِفُهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا، الْتَفَتَ إِلَى الأَوَّلِ،

محمد بن مسلم بن وارة

فَقَالَ: أَمَّا حَدِيثُكَ الأَوَّلُ، فَهُوَ كَذَا، وَحَدِيثُ الثَّانِي كَذَا، وَحَدِيثُ الثَّالِثُ كَذَا، وَالرَّابِعُ، حَتَّى أَتَى عَلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ، فَرَدَّ كُلَّ مَتْنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ، وَكُلَّ إِسْنَادٍ إِلَى مَتْنِهِ، وَفَعَلَ بِالآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالْحِفْظِ وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْفَضْلِ. مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ كَانَ حَافِظًا فَهْمًا، وَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ لا يَقُومُ لأَحَدٍ، وَلا يُجْلِسُ أَحَدًا فِي مَكَانِهِ إِلا ابْنَ وَارَةَ. مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ «أَبُو حَاتِمٍ» أَحَدُ الأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ، الْعَارِفِينَ بِعِلَلِ الْحَدِيثِ، وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ، وَقَالَ: خَرَجْتُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ فَأَحْصَيْتُ أَحْصَيْتُ أَنِّي مَشَيْتُ عَلَى قَدَمَيَّ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ فَرْسَخٍ، وَقُلْتُ عَلَى بَابِ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ: مَنْ أَغْرَبَ عَلَيَّ حَدِيثًا مُسْنَدًا، صَحِيحًا، لَمْ أَسْمَعْ بِهِ، فَلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ، وَقَدْ حَضَرَ أَبُو زُرْعَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ مُرَادِي أَنْ يُلْقِيَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَسْمَعْ بِهِ، لِيَقُولَ: هُوَ عِنْدَ فُلانٍ، فَأَذْهَبُ وَأَسْمَعُهُ، وَكَانَ مُرَادِي أَنْ أَسْتَخْرِجَ مِنْهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدِي، فَمَا تَهَيَّأَ لأَحَدٍ أَنْ يُغْرِبَ عَلَيَّ حَدِيثًا. مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ «أَبُو عَبْدِ اللَّهِ»

محمد بن جرير «أبو جعفر الطبري»

سَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَاسْتَعَانَ بِهِ أَبُوهُ فِي تَصْنِيفِ كِتَابِ التَّارِيخِ، وَكَانَ الْقَاضِي ابْنُ كَامِلٍ يَقُولُ: أَرْبَعَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ لِقَاءَهُمْ: أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، وَالْبَرْبَرِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالْمَعْمَرِيُّ. فَمَا رَأَيْتُ أَفْهَمَ مِنْهُمْ وَلا أَحْفَظَ. مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ «أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ» سَمِعَ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَجَمَعَ عُلُومًا جَمَّةً فِي كُلِّ فَنٍّ، وَلَهُ التَّصَانِيفُ الْكِبَارُ، وَكَانَ غَزِيرَ الْحِفْظِ. مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ طَافَ الْبِلادَ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحُفَّاظِ الْمُبَرَّزِينَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِهِ، مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ

محمد بن نصر «أبو عبد الله المروزي»

رَحَلَ إِلَى الْبِلادِ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ. كَانَ يَقُولُ: أَنَا أُجِيبُ فِي ثَلاثِ مِائَةِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَحُبِّبَ إِلَيَّ الْحَدِيثُ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ، فَلَمْ أَقُلْ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ لِي، وَإِنَّمَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه: أَيُّمَا أَثْبَتُ فِي الْحَدِيثِ: مَنْصُورٌ أَوِ الأَعْمَشُ؟ فَقَالَ لِي: مَنْصُورٌ، مَنْصُورٌ. وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ خَيْرُونَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُهْتَدِي، عَنْ أَبِي حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاغَنْدِيِّ، فَافْتَتَحَ الصَّلاةَ ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٌ، فَقِيلَ لَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ الأُبَلِّيُّ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ «أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ» سَمِعَ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ فِي الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ وَصَنَّفَ التَّصَانِيفَ الْكَثِيرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِاخْتِلافِ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الأَحْكَامِ وَكَانَ كَثِيرَ الصَّلاةِ كَرِيمًا. مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ «أَبُو بَكْرٍ الأَنْبَارِيُّ»

سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِحِفْظِهِ الْمَثَلُ. كَانَ يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ لا مِنْ كِتَابٍ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ ثَلاثَ مِائَةِ أَلْفَ بَيْتٍ مِنَ الشَّوَاهِدِ فِي الْقُرْآنِ، وَمَرِضَ فِي زَمَنِ أَبِيهِ فَقَلِقَ أَبُوهُ، وَقَالَ: كَيْفَ لا أَقْلَقُ لِعِلَّةِ مَنْ يَحْفَظُ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ الصَّنَادِيقِ مِنَ الْكُتُبِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ تَفَاسِيرِ الْقُرْآنِ بِأَسَانِيدِهَا. وَقَدْ أَمْلَى مِنْ حِفْظِهِ غَرِيبَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ وَرَقَةٍ، وَكِتَابَ شَرْحِ الْكَافِي، وَهُوَ أَلْفُ وَرَقَةٍ، وَكِتَابَ الأَضْدَادِ، أَلْفُ وَرَقَةٍ، وَالْجَاهِلِيَّاتِ، سَبْعُ مِائَةِ وَرَقَةٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَرَأَى جَارِيَةً تُبَاعُ، فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ، فَدَخَلَ إِلَى الرَّاضِي بِاللَّهِ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَأَخْبَرَهُ بِرُؤْيَةِ الْجَارِيَةِ فَاشْتَرَاهَا الْخَلِيفَةُ، وَبَعَثَهَا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ رَآهَا فَقَالَ: اصْعَدِي إِلَى فَوْق لأَسْتَبْرِئَكِ، ثُمَّ جَلَسَ يَطْلُبُ مَسْأَلَةً فَاشْتَغَلَ قَلْبُهُ، فَقَالَ لِلْخَادِمِ: امْضِ بِهَا إِلَى النَّخَّاسِ. فَقَالَتْ: عَرِّفْنِي ذَنْبِي؟ فَقَالَ: مَا لَكِ ذِنْبٌ غَيْرَ أَنَّكِ شَغَلْتِينِي عَنْ عِلْمِي. فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّاضِي، فَقَالَ: لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ فِي قَلْبِ أَحَدٍ أَحْلَى مِنْهُ فِي صَدْرِ هَذَا. وَكَانَ إِذَا حَضَرَ عِنْدَ الرَّاضِي، شُوِيَتْ لَهُ قَلِيَّةٌ يَابِسَةٌ، وَيَأْكَلُهَا وَلا يَشْرَبُ مَاءً إِلَى الْعَصْرِ، وَلا يَقْرُبُ الْمَاءَ كُلَّ ذَلِكَ لأَجْلِ حِفْظِهِ،

محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم «أبو عمر»

فَلَمَّا مَرِضَ هُوَ مَرَضَ الْمَوْتِ، فَأَكَلَ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ يَشْتَهِي، وَدَخَلَ عَلَيْهِ الطَّبِيبُ، فَنَظَرَ إِلَى مَائِهِ، وَقَالَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَكَلُّفِكَ أَمْرًا لا يُطِيقُهُ النَّاسُ، فَلَمَّا خَرَجَ تَبِعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: هُوَ تَالِفٌ، وَمَا فِيهِ حِيلَةٌ، فَدَخَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ: مَا الَّذِي كُنْتَ تَفْعَلُهُ حَتَّى اسْتَدَلَّ الطَّبِيبُ عَلَى حَالِكَ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أَدْرُسُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ أَلْفَ وَرَقَةٍ. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ «أَبُو عُمَرَ» اللُّغَوِيُّ الزَّاهِدُ، غُلامُ ثَعْلَبٍ، سَمِعَ الْكَثِيرَ وَحَفِظَ مِنَ اللُّغَةِ الْكَثِيرَ، أَمْلَى مِنْ حِفْظِهِ ثَلاثِينَ أَلْفَ وَرَقَةِ لُغَةٍ، وَلِسَعَةِ حِفْظِهِ اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَكَى رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحَسّنِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا عُمَرَ الزَّاهِدَ كَانَ يُؤَدِّبُ وَلَدَ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ، فَأَمْلَى يَوْمًا عَلَى الْغُلامِ نَحْوًا مِنْ ثَلاثِينَ مَسْأَلَةً فِي اللُّغَةِ، وَذَكَرَ غَرِيبَهَا، وَخَتَمَهَا بِبَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ. وَحَضَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ، وَابْنُ الأَنْبَارِيِّ، وَابْنُ مِقْسَمٍ، عِنْدَ أَبِي عُمَرَ الْقَاضِي، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْمَسَائِلَ، فَمَا عَرَفُوا مِنْهَا شَيْئًا،

محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال الأصبهاني

وَأَنْكَرُوا الشِّعْرَ! فَقَالَ لَهُمُ الْقَاضِي: مَا تَقُولُونَ فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: أَنَا مَشْغُولٌ بِتَصْنِيفِ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ، وَلَسْتُ أَقُولُ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ مِثْلَ ذَلِكَ لاشْتِغَالِهِ بِالْقِرَاءَاتِ، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ مَوْضُوعَاتِ أَبِي عُمَرَ، وَلا أَصْلَ لَهَا وَلا لِشَيْءٍ مِنْهَا فِي اللُّغَةِ، وَانْصَرَفُوا. فَبَلَغَ أَبَا عُمَرَ ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ مَعَ الْقَاضِي، وَسَأَلَهُ إِحْضَارَ دَوَاوِينِ جَمَاعَةٍ مِنْ قُدَمَاءِ الشُّعَرَاءِ عَيَّنَهُمْ لَهُ، فَفَتَحَ الْقَاضِي خَزَانَتَهُ، وَأَخْرَجَ لَهُ تِلْكَ الدَّوَاوِينَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو عُمَرَ يَعْمِدُ إِلَي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، وَيُخْرِجُ لَهَا شَاهِدًا مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الدَّوَاوِينِ، وَيَعْرِضُهُ عَلَى الْقَاضِي حَتَّى اسْتَوْفَى جَمِيعَهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ أَنْشَدَهُمَا ثَعْلَبٌ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي، وَكَتَبَهُمَا الْقَاضِي بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ كِتَابِ الْقَاضِي الْفُلانِيِّ: فَلَمَّا أَحْضَرَ الْقَاضِي الْكِتَابَ، فَوَجَدَ الْبَيْتَيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَطِّهِ، كَمَا ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ، وَانْتَهَتِ الْقِصَّةُ إِلَى ابْنِ دُرَيْدٍ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا عُمَرَ بِلَفْظِهِ حَتَّى مَاتَ. مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَسَّالُ الأَصْبَهَانِيُّ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ السُّوذَرْجَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَنْدَهْ يَقُولُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ لَمْ أَرَ فِيهِمْ أَتْقَنَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ الْعَسَّالِ.

محمد بن سالم «أبو بكر الجعابي»

مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ «أَبُو بَكْرٍ الْجِعَابِيُّ» حَدَّثَ عَنْ يُوسُفَ الْقَاضِي، وَجَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ، وَكَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ الْمُجَوِّدِينَ، صَحِبَ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ عُقْدَةَ، وَعَنْهُ أَخَذَ الْحِفْظَ. وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرْبَنْدِيُّ: قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْجِعَابِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ الرَّقَّةَ وَكَانَ لِي ثَمَّ قِمَطْرَانِ كُتُبًا فَأَنْفَذْتُ غُلامِي إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كُتُبِي عِنْدَهُ فَرَجَعَ الْغُلامُ مَغْمُومًا فَقَالَ: ضَاعَتِ الْكُتُبُ، فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّ لا تَغْتَمَّ فَإِنَّ فِيهَا مِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ لا يُشْكَلُ عَلَيَّ مِنْهَا حَدِيثٌ لا إِسْنَادًا وَلا مَتْنًا. أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا شَاهَدْنَا أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الْجِعَابِيِّ، وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: يَحْفَظُ مِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَيُجِيبُ فِي مِثْلِهَا، إِلا أَنَّهُ كَانَ يُفَضِّلُ الْحِفَاظَ، بِأَنَّهُ كَانَ يَسُوقُ الْمُتُونَ بِأَلْفَاظِهَا، وَكَانَ يَزِيدُ عَلَى الْحُفَّاظِ، بِحِفْظِ الْمَقْطُوعِ، وَالْمُرْسَلِ، وَالْحِكَايَاتِ، وَكَانَ إِمَامًا فِي الْمَعْرِفَةِ بِعِلَلِ الْحَدِيثِ، وَثِقَاتِ الرِّجَالِ، مِنْ مُعَدِّلِيهِمْ، وَضُعَفَائِهِمْ، وَمَوَالِيدِهِمْ، وَوَفَاتِهِمْ، وَانْتَهَى هَذَا الأَمْرُ إِلَيْهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي زَمَنِهِ مَنْ يَتَقَدَّمُهُ فِي الدُّنْيَا.

محمد بن الحسين «أبو الفتح الأزدي»

أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا عُمَرَ الْقَاسِمَ بْنَ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجِعَابِيَّ يَقُولُ: أَحْفَظُ أَرْبَعَ مِائَةِ أَلْفَ حَدِيثٍ، وَأُذَاكِرُ بِسِتِّ مِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ. مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ «أَبُو الْفَتْحِ الأَزْدِيُّ» رَوَى عَنْ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ. مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ «أَبُو الْحُسَيْنِ» الْحَافِظُ، سَافَرَ الْبِلادَ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ إِمَامًا مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ، كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُعَظِّمُهُ وَلا يَسْتَنِدُ بِحَضْرَتِهِ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ ثِقَةً أَمِينًا حَسَنَ الْحِفْظِ، انْتَهَى إِلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَحِفْظُهُ وَعِلْمُهُ. أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي الصُّورِيُّ، حَدَّثَنِي بَعْضُ الشُّيُوخِ: أَنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسَ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ مَعْرُوفٍ، فَدَخَلَ أَبُو الْفَضْلِ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُظَفَّرِ حَاضِرًا فَقَامَ عَنْ

محمد بن إسحاق بن منده «أبو عبد الله الأصبهاني»

مَكَانِهِ، وَأَجْلَسَ أَبَا الْفَضْلِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ مَعْرُوفٍ يَعْرِفُ أَبَا الْفَضْلِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُظُفَّرِ، وَقَالَ: أَيُّهَا الْقَاضِي هَذَا الشَّيْخُ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ مُحَدِّثٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُظَفَّرِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالِدُ هَذَا الشَّيْخِ، وَحَدَّثَنَا فُلانٌ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَحَدَّثَنَا فُلانٌ عَنْ جَدِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، وَلَمْ يَزَلْ يَرْوِي لِكُلِّ وَاحِدٍ، مِنْ آبَاءِ أَبِي الْفَضلِ حَدِيثًا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْدَهْ «أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيُّ» سَافَرَ الْبِلادَ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ وَصَنَّفَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُقْرِئِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ بْنَ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ يَقُولُ: كُنْتُ أَسمَعُ أَبَا الْعَبَّاسِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْحَافِظَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ، وَسَأَلْتُهُ يَوْمًا: كَمْ يَكُونُ سَمَاعُ الشَّيْخِ؟ فَقَالَ: يَكُونُ خَمْسَةَ آلافٍ مِنْ. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ» كَتَبَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ.

محمد بن أحمد «أبو الفتح بن أبي الفوارس»

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ «أَبُو الْفَتْحِ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ» سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَتَبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُجَوِّدِينَ الصَّالِحِينَ. مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ «أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ» سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ الْمُبَرّزِينَ الْوَرِعِينَ وَكَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَمِنْهُ اسْتَفَادَ الْخَطِيبُ أَكْثَرَ كُتُبِهِ. مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْمُبَرّزِينَ، صَنَّفَ الصَّحِيحَ مِنْ ثَلاثِ مِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ مَسْمُوعَةٍ. مُوسَى بْنُ هَارُونَ «أَبُو عِمْرَانَ» سَمِعَ أَحْمَدَ وَيَحْيَى وَغَيْرَهُمَا، وَكَانَ إِمَامَ عَصْرِهِ فِي الْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَكَانَ شَدِيدَ الْوَرَعِ.

المعافى بن زكريا الجريري

أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: سَمِعْتُ الصُّورِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْغَنِيِّ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَحْسَنُ النَّاسِ كَلامًا عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ فِي وَقْتِهِ، وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ فِي وَقْتِهِ، وَعَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي وَقْتِهِ. الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجُرَيْرِيُّ كَانَ غَزِيرَ الْعِلْمِ، عَارِفًا بِفُنُونِهِ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَافِيُّ يَقُولُ: إِذَا حَضَرَ الْمُعَافَى فَقَدْ حَضَرَتِ الْعُلُومُ كُلُّهَا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لأَعْلَمِ النَّاسِ لَوَجَبَ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْمُعَافَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ أَنَّ الْمُعَافَى حَضَرَ فِي دَارِ بَعْضِ الرُّؤَسَاءِ، وَكَانَ هُنَاكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ، فَقَالُوا لَهُ: فِي أَيِّ نَوْعٍ مِنَ الْعُلُومِ نَتَذَاكَرُ؟ فَقَالَ الْمُعَافَى لِذَلِكَ الرَّئِيسِ: خَزَانَتُكَ قَدْ جَمَعَتْ أَنْوَاعَ الْعُلُومِ، وَأَصْنَافَ الأَدَبِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَبْعَثَ بِالْغُلامِ إِلَيْهَا، وَتَأْمُرَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهَا، فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى أَيِّ كِتَابٍ قَرُبَ مِنْهَا، فَيَحْمِلُهُ، ثُمَّ نَفْتَحُهُ، وَنَنْظُرُهُ فِي أَيِّ نَوْعٍ هُوَ، فَنَتَذَاكَرُهُ وَنَتَجَارَى فِيهِ. قَالَ ابْنُ رَوْحٍ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعَافَى كَانَ لَهُ أَنَسٌ بِسَائِرِ الْعُلُومِ. ـ وَلَيْسَ فِي حَرْفِ النُّونِ وَالْوَاوِ مُشْتَهِرٌ بِالْحِفْظِ.

حرف الهاء

حَرْفُ الْهَاءِ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ الْوَاسِطِيُّ: سَمِعَ الزُّهْرِيَّ وَغَيْرَهُ، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: كَانَ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ أَرْبَعَةً، هُشَيْمٌ شَيْخُهُمْ. قَالَ هُشَيْمٌ: كُنْتُ أَحْفَظُ فِي الْمَجْلِسِ مِائَةَ حَدِيثٍ وَلَوْ سُئِلْتُ عَنْهَا بَعْدَ شَهْرٍ لأَجَبْتُ. هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ صَاحِبُ النّسبِ، حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ؛ رَوَى عَنْهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَكَانَ حَافِظًا. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: حَفِظْتُ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ أَحَدٌ، وَنَسِيتُ مَا لَمْ يَنْسَهُ أَحَدٌ، كَانَ لِي عَمٌّ، يُعَاتِبُنِي عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ، فَدَخَلْتُ بَيْتَنَا، وَحَلَفْتُ أَنْ لا أَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى أَحْفَظَ الْقُرْآنَ، فَحَفِظْتُهُ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَنَظَرْتُ يَوْمًا فِي الْمِرْآةِ، فَقَبَضْتُ عَلَى لِحْيَتِي، لآخُذَ مَا دُونَ الْقَبْضَةِ، فَأَخَذْتُ مَا فَوْقَ الْقَبْضَةِ.

هبة الله بن الحسين بن منصور «ابن القاسم اللالكائي»

هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ «ابْنُ الْقَاسِمِ اللالِكَائِيُّ» سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَصَنَّفَ , وَكَانَ أَحَدَ الْحُفَّاظِ الْمَوْجُودِينَ.

حرف الياء

حَرْفُ الْيَاءِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ سَمِعَ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشَ، وَسُفْيَانَ، وَغَيْرَهُمْ. رَوَى عَنْهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَعَفَّانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مِثْلَهُ، لا وَاللَّهِ مَا أَدْرَكْنَا مِثْلَهُ، مَا كَانَ أَضْبَطَهُ، وَأَشَدَّ تَفُقُّهِهِ. يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ لِلْحَدِيثِ، وَالثِّقَاتِ. رَوَى عَنْهُ الأَكَابِرُ: الْبَغَوِيُّ، وَالْجِعَابِيُّ، وَابْنُ الْمُظَفَّرِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ. يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ «أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي» كَانَ يُعْرَفُ بِحِفْظِ الْحَدِيثِ، يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْمُحَدِّثِ، يَتَحَفَّظُ خَمْسِينَ سِتِّينَ حَدِيثًا، فَيَقُومُ فَيُمْلِيهَا عَلَى النَّاسِ. يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ

سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، وَحُمَيْدًا الطَّوِيلَ، فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَكَانَ ثِقَةً ثَبَتًا حَافِظًا. حَدَّثَ بِبَغْدَادَ فَحُزِرَ مَجْلِسُهُ بِسَبْعِينَ أَلْفًا، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا قَطُّ أَحْفَظَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا الأَزْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ الْخَلالُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الطَّيِّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَارُونَ الْمُسْتَمْلِي يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكَ فِي حَدِيثِكَ، فَدَخَلَ هَارُونُ، فَقَالَ: يَا هَارُونُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيَّ فِي حَدِيثِي، فَاجْهَدْ جَهْدَكَ، لا رَعَى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ رَعَيْتَ، أَحْفَظُ ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، لا أَقَامَنِي اللَّهُ إِنْ كُنْتُ لا أَقُومُ بِحَدِيثِي. آخِرُ كِتَابِ الْحُفَّاظِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

§1/1