الحب في الله

عبد الكريم الحميد

الحب في الله عبد الكريم بن صالح الحميد حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1413 هـ - 1992 م مكتبة المغني ص. ب 5747 الرياض 11432 هاتف: 4257019

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ. فطر الله الإنسان على محبته وطلبه وإرادته، وأنزل الشرائع على رسله لتكميل ما في الفطرة من هذه المحبة والطلب والإرادة. فما دامت الفطرة سليمة فلا بد أن تعمل عملها بأن نتعلق بمُتعلقها، كما يعمل السمع والبصر عملهما ما داما على سلامة الخلقة بتعلقهما بالمسموع والمبصَر. وإنه لمن عظيم عناية الله ولطفه بهذا المخلوق أن فطره على محبته؛ لأنه ليس في المخلوقات بأسرها ما يسد فاقته وفقره الذاتي حتى ولا نعيم الجنة المخلوق فمهما يحصل له من ذلك فحاجته إلى ربه أجل من أن يبلغها الوصف أو يحيط بها الخيال.

وهذا والله غاية التكريم ونهاية التشريف، أن يكون متعلق روح الإنسان إلهه الحق سبحانه وتعالى .. فتأمل كيف لم يجعل لك إلهك غاية سواه ولا محبوباً دونه. والحاجة والفاقة والفقر الذي في المخلوق لخالقه ليس فقط لأنه خلقه وهو الذي يرزقه، بل وهو القيوم بشأنه كله، وتأمل هذا الأثر «لو لم أخلق جنة ولا ناراً ألم أكن أهلاً أن أعبد» (¬1). قال ابن القيم رحمه الله: «فأخبر سبحانه أنه إنما فطر عباده على الحنيفية المتضمنة لكمال حبه والخضوع له، والذل له وكمال طاعته وحده دون غيره، وهذا من الحق الذي خلقت له وبه قامت السماوات والأرض وما بينهما، وعليه قام ¬

_ (¬1) ذكره ابن القيم في مفتاح دار السعادة ج2 ص87.

العالم ولأجله خلقت الجنة والنار، ولأجله أرسل رسله وأنزل كتبه، ولأجله أهلك القرون التي خرجت عنه وآثرت غيره». فكونه سبحانه أهلاً لأن يُعبد ويُحب ويُحمد ويُثني عليه أمر ثابت له لذاته، فلا يكون إلا كذلك، كما أنه الغني القادر الحي القيوم السميع البصير، فهو سبحانه الإله الحق المبين .. والإله هو الذي يستحق أن يؤله محبة وتعظيماً وخشيةً وخضوعاً وتذللاً وعبادة، فهو الإله الحق ولو لم يخلق خلقه، وهو الإله الحق ولو لم يعبدوه، فهو المعبود حقًّا الإله حقًّا المحمود حقًّا، ولو قدر أن خلقه لم يعبدوه ولم يحمدوه ولم يألهوه، فهو الله الذي لا إله إلا هو قبل أن يخلقهم وبعد أن خلقهم، وبعد أن يفنيهم لم يَستحدث بخلقه لهم لا بأمره إياهم استحقاق الإلهية والحمد، بل الإلهية وحمده ومجده وغناه أوصاف ذاتية له، يستحيل مفارقتها له، كحياته ووجوده وقدرته وعلمه وسائر صفات كماله .. فأولياؤه وخاصته وحزبه لما شهدت

عقولهم وفطرهم أنه أهل أن يعبد وإن لم يرسل إليهم رسولاً، ولم ينزل عليه كتاباً، ولو لم يخلق جنة ولا ناراً، علموا أنه لا شيء في العقول والفطر أحسن من عبادته ولا أقبح من الإعراض عنه. وجاءت الرسل، وأنزلت الكتب لتقرير ما استودع سبحانه في الفطر والعقول من ذلك وتكميله وتفصيله وزيادته حسناً إلى حسنه. فاتفقت شريعته وفطرته وتطابقاً وتوافقاً، وظهر أنهما من مشكاة واحدة، فعبدوه وأحبوه ومجَّدوه وحمدوه بداعي الفطرة وداعي الشرع وداعي العقل، فاجتمعت لهم الدواعي، ونادتهم من كل جهة، ودعتهم إلى وليهم وإلههم وفاطرهم، فأقبلوا إليه بقلوب سليمة، لم يعارض خبره عندها شبهة توجب ريباً وشكًّا، ولا أمره شهوة توجب رغبتها عنه وإيثارها سواه، فأجابوا دواعي المحبة والطاعة إذ نادت بهم حي على الفلاح. وبذلوا أنفسهم في مرضاة مولاهم

الحق بذل أخي السماح. وحملوا عند الوصول إليه مسراهم، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح. فدينهم دين الحب وهو الدين الذي لا إكراه فيه. وسيرهم سير المحبين وهو الذي لا وقفة تعتريه. إني أدين بدين الحب ويحكموا ... فذاك ديني ولا إكراه في الدين ومن يكن دينه كرهاً فليس له ... إلا العناء وإلا السير في الطين وما استوى سير عبد في محبته ... وسير خال من الأشواق في دين فقل لغير أخي الأشواق ويحك قد ... غبنت حظك لا تغتر بالدون نجائب الحب تعلو بالمحب إلى ... أعلى المراتب فوق السلاطين وأطيب العيش في الدارين قد رغبت ... عنه التجار فباعت بيع مغبون

أصل العبادة هو المحبة

فإن ترد علمه فاقرأه ويحك في ... آيات طه وفي آيات ياسين انتهى (¬1). إذا تبين هذا وأن أصل العبادة هو المحبة، وأن محبوب أولياء الله لا يشبه غيره ولا يماثله، بل ولا يدانيه ولا يقاربه، مهما كان ذلك الغير، علم أن الحب فيه لا يشابهه غيره ولا يماثله كذلك البغض فيه .. وهذا لابد فيه من معرفة بالله خاصة تثمر الشعور به حيث أن المحبة تابعة للشعور بالمحبوب. وليس الكلام في هذا وإنما في فروعه التي تتفرع منه مثل المحبة في الله، فما دامت الفطرة سليمة قد كملت بالشرعة المستقيمة، فلابد من وجود الحب في الله فيها لا يتصور خلوها منه .. لكن الفساد يعرض للفطرة ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة ج2 ص87.

فيحرفها عما جُبِلَت عليه، فتحب وتبغض على مقتضى الهوى الذي انحرفتا معه ومالت. والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك .. وإنما صار ذلك أوثق عرى الإيمان لأنه من أصح علامات وجوده في القلب، وبقدر قوته وضعفه تكون قوة الحب في الله والبغض فيه. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: «مَا تَحَابَّ رَجُلَانِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا كَانَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ» (¬1). وإنما صار الأشد محبة هو الأفضل؛ لأنه أفضل في الإيمان الذي تفرعت منه هذه المحبة .. وقد قيل في المحبة في الله أنه لا يزيدها البر ولا ينقصها الجفاء. هذه حقيقتها فتأمل. ¬

_ (¬1) الزهد للإمام أحمد ص379.

وهذا مما يدل على صدقها وسلامتها من الشوائب .. ولقد كثر في وقتنا المدَّعون للمحبة في الله. والناس لا يعطون بدعواهم فحتى لا تخدع وتغتر انظر في حبهم في الله، فإن كان كالثمرة والنتيجة للبغض فيه فنعم، وإلا فهو دعوى لا يغتر بها بصير بدينه لكنها تروج على العميان؛ لأنه لا ولاء إلا ببراء .. وتأمل كلمة التوحيد فالنفي فيها قبل الإثبات وهو متضمن للبغض والمعاداة .. فإياك أن تصدق من ادعى المحبة في الله وهو لا يبغض فيه، فملة إبراهيم لا تقوم على ساق واحدة ولا تنظر بعين واحدة. وإذا أردت أن تعرف حقيقة ذلك فانظر في الأصل وهو أن الأمر بالمعاصي والكفر هو الشيطان، والإنسان العاصي أطاع أمره فصار فيه من موالاته بحسبه، فإن كان كافراً فموالاته للشيطان كاملة، وإن كان عاصياً فبقدر معصيته تكون موالاته له.

والله عز وجل أمرنا باتخاذ الشيطان عدوًّا بعد أن أخبرنا بعداوته لنا فقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} فلابد من بغضه في القلب ومعاداته عبودية لله، ويتبع ذلك بغض كل ما يأمر به وهو لا يأمر إلا بما يستحق أن يبغض حتى ولو لم يأمر به لأنه في نفسه بغيض. كذلك فقد أخبرنا ربنا بعداوته له. والعاصي أطاع الشيطان في أمره فيبغض لأجل هذا النصيب الذي أطاعه فيه. كذلك فإنه لابد من المعرفة بحقيقة المحبة، وأنها موافقة الحبيب. ومعلوم أنه حتى في المحبة الباطلة بين الناس لابد من ذلك يعني الموافقة، ولذلك فإن الإنسان إذا رأى من يدعي محبته يوالي عدوه عرف أن محبته كاذبة، هذا يعرفه كل أحد. قال ابن القيم رحمه الله: أتحب أعداء الحبيب وتدّعي ... حبًّا له ما ذاك في الإمكان

فتأمل ما تجده في نفسك من النفرة والبغض لمن عادى صاحبك وأبغضه «والله ورسوله أحق أن يرضوه». والرب سبحانه تعالى، كما أنه يحب من أطاعه فهو يبغض من عصاه، فلماذا نعطل هذا الجانب والموافق فيه إذا أقررنا بالجانب الأول والموافقة فيه؟. أو نقول: إن الرب يحب ولا يبغض أو نقول: يبغض ولكن لا نوافقه في بغضه. فقد علمنا أن هذا ايصلح حتى مع الخلق كما تقدم. ويكفي في هذا كله قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية. فالآية تشمل الكفار والعصاة فيما دون الكفر لكن للكفار أعظم المعاداة والبغض وللعصاة نصيبهم بقدر محاداتهم لله ولرسوله. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك. ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن

من أحب في الله

كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا» (¬1). قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله على كلام ابن عباس قوله: «من أحب في الله» أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك .. قوله: «وأبغض في الله» أي أبغض من كفر بالله وأشرك به وفسق عن طاعته لأجل ما فعلوه مما يسخط الله وإن كانوا أقرب الناس إليه كما قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية .. قوله: «ووالى في الله» هذا والذي قبله من لوازم محبة العبد لله تعالى، فمن أحب الله تعالى أحب فيه ووالى أولياءه وعادى أهل معصيته وأبغضهم وجاهد أعداءه ونصر أنصاره، وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة ¬

_ (¬1) فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص 344.

عليها، وبكمالها يكمل توحيد العبد، ويكون ضعفها على قدر ضعف محبة العبد لربه، فمقل ومستكثر ومحروم». تأمل قول الشيخ عبد الرحمن رحمه الله: «ولما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها إلى قوله: ومحروم. فهو يقصد بالأعمال المترتبة عليها الحب في الله والموالاة فيه، والبغض في الله والمعاداة فيه، بخلاف كثير من أهل الوقت حيث يصفون من قام بشيء من المعاداة في الله والبغض فيه بأشنع الأوصاف». ثم قال الشيخ عبد الرحمن رحمه الله على قول ابن عباس رضي الله عنهما: «وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً» قال: أي لا ينفعهم بل يضرهم كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} فإذا كانت البلوى قد عمت بهذا من زمن ابن عباس خير

القرون، فما زاد الأمر بعد ذلك إلا شدة حتى وقعت الموالاة على الشرك والبدع والفسوق والعصيان. وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ» وقد كان الصحابة رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار في عهد نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، يؤثر بعضهم بعضاً على نفسه محبة في الله وتقرباً إليه كما قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «لقد رأيتنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما من أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم» رواه ابن ماجة انتهى المطلوب. فقد تبين أن دعوى المحبة بلا بغض خداع وغرور من الشيطان، والصحيح أنه لو كان في قلب مدعي المحبة بغض لمعصية العاصي ونفره منها لأبغضه ونفر منه، ووجد وحشة بينه وبينه. لكن في الغالب تجده

مشاركاً له في مثل معصيته بالمقدار أو يزيد عليه، لكن تكون معصيته من نوع آخر، ولو لم يكن فيه إلا تركه بغض ما يبغض الله. قال يوسف بن أسباط: «وسمعت سفيان الثوري يقول: إذا أحببت الرجل في الله ثم أحدث حدثاً في الإسلام فلم تبغضه عليه فلم تحبه في الله .. وهذا مما توزن به المحبة في الله، فهو ميزان صادق لا الدعاوي العارية من الحقائق، ولا الآراء الفاسدة والشقائق. فرحم الله سلفنا الصالحين كم خلّفوا لنا من فوائد جليلة وآثار جميلة، لو عرفنا قدرها ما احتجنا إلى رأي فلان وفلان. ومن ليس على طريقهم في الهدى والإيمان والمتابعة والإحسان». وقال عثمان بن أبي صفية: «إذا واخيت الرجل في الله فأحدث حدثاً فلم أجانبه لم تكن مؤاخاتي في الله». تأمل بأي شيء وزن محبته.

ومن كيد الشيطان ومكره لإبطال الغضب لله أن يصوره للإنسان بصورة منفرة للغاية، ويصور من قام به بأشنع الصور، وأنه جاف جاهل مفرق بين الناس، وأنه سيء الخلق ضيق العقل، ونحو ذلك من التشنيع وقد قال تعالى: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} فإذا لم تكن المحبة والموالاة لأولياء الله والبغض والمعاداة لأعداء الله وقعت الفتنة والفساد الكبير، كما ذكرنا ربنا عز وجل، فهذا لابد منه ولاشك فيه {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}. وتارك البغض في الله أتاه الشيطان من جهة حسن الخلق. وحسن الخلق والرحمة ونحو ذلك هو بغض ما يبغضه الله ورسوله، ومن آثار ذلك الطيبة أن يستشعر العاصي بمخالفته، وإلا كيف يستشعر بذلك إذا لم ير جفوة من صديق، وتغيراً من صاحب وحبيب. فهذا كالمنبه والمحذر له. قال السفاريني: «وكم إمام هجر لله خدنا كان أعز

عليه لولا انتهاكه لمحارم مولاه من روحه فصار بذلك كالجماد» (¬1). وهذا هو حسن الخلق المقتبس من مشكاة النبوة لا الآراء والأهواء التي يظنها صاحبها عقلاً وديناً وهي ظلم وجهل. ولو رأيت شخصاً عزيزاً عليك يسير في طريق محفوظة بالمخاوف والمخاطر، وهو قد يعرف أن الطريق كذلك، وقد لا يعرف، وقد تكون معرفته بذلك ضعيفة فهو إذا لم ير الجد منك والتغير يتساهل ولا يبالي؛ حيث لم يشعر منك بتغير يناسب الحال. فهل نصحته أو غششته ببرودة قلبك؟. ومعلوم أن العاصي مطيع للشيطان وهو أعدى أعدائه يقوده إلى كل هلكة وعطب بزمام هواه ¬

_ (¬1) غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب ج1 ص 221.

ومغضب للرحمن، وقد توعده إذا أغضبه بعذاب لا يطاق، وأنت أسير عدوه صريع هواه، وأنت بارد القلب، فهل يدل هذا على شفقة ورحمة أو حسن خلق بوجه من الوجوه أو يدل على ضد ذلك فهو رأي فاسد طلب صاحبه السلامة فوقع في موجب العتب والملامة. فتأمل حكمة الحكيم ورحمة الرحيم، وأن وزن أمور الشريعة بالرأي والعقل مزلة ومضلة، ورضي الله عن أمير المؤمنين علي حيث قال: «لو أن الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه .. » يقصد رضي الله عنه أن أسفل الخف هو الذي يباشر الأرض فيعلق به ما يُستقذر فيكون مسحه أولى من أعلاه الذي لا يباشر الأرض، ومع هذا أمر الشارع بمسح أعلاه دون أسفله؛ لأن الدين ليس بالرأي. وكما صوّر الشيطان البغض في الله والغيرة إذا انتهكت محارمه بتلك الصورة الشنيعة، فإنه يصور

المداهنة بحسن الخلق واللطافة والأدب وتأليف الناس ونحو ذلك من العبارات الخادعة. قال سفيان الثوري: «إذا أثنى على الرجل جيرانه أجمعون فهو رجل سوء قالوا له: كيف ذلك؟ قال: يراهم يعملون بالمعاصي فلا يغير عليهم ويلقاهم بوجه طليق» (¬1). وهذا أيضاً مما يبين أن الدين ليس بالرأي؛ لأن رأي أكثر الخلق أن ثناء الجيران كلهم على جارهم مطلوب ومرغوب فيه، بل ومن الصفات الحميدة في الرجل وهو كما ترى في كلام العلماء، وتأمل قوله: يلقاهم بوجه طلق فإنه من المتقرر عند السلف أنه لا يلقى العاصي بوجه طلق ولا يفعل ذلك إلا المداهن. وقد فهم أهل الوقت حسن الخلق بمفهوم يناسب ¬

_ (¬1) الحلية لأبي نعيم.

حالهم وهو ألا تغضب مهما حصل، فإن غضبت فأنت سيء الخلق، اللهم إلا إذا كان غضبك من أجل دنياك فاغضب وأقم الدنيا وأقعدها، أما إذا كان لله فيا ويلك من كل لقب شنيع. وحسن الخلق مطلوب شرعاً وعرفاً، ومن توفيق الله للعبد أن يكون حسن الخلق، لكن الشأن بمعنى هذه الصفة، هل معناها ألا تغضب ولا تبغض فيه ولا تمعر؛ إذ انتهكت محارم الله بدعوى أنك حسن الخلق. هذا مفهوم سيء، ويلزم منه أن من غضب لله وأبغض فيه وتمعر وجهه إذا انتهكت محارم الله أنه سيء الخلق، وهذا يأتي على أنبياء الله ورسله وأوليائه؛ لأن سِيْرهم وأحوالهم في بغضهم في الله وغضبهم إذا انتهكت محارمه معرفوة. وقد قال الأوزاعي رحمه الله: «عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن

زخرفوا لك القول» (¬1). والحقيقة أن حسن الخلق هو فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي له الكمال من هذه الصفة، ومع هذا لا يقوم لغضبه شيء إذا انتهكت محارم الله، ويتغير وجهه للأمر المنكر، ويبغض في الله ويهجر في الله مع أنه لا ينتصف لحق نفسه. والذي ذكره أهل العلم من أن الشخص الواحد يجتمع فيه موجب الحب والبغض، فيكون فيه طاعة ومعصية وسنة وبدعة وبر وفجور، فيَحب من وجه ويبغَض من وجه، قالوا هذا بياناً لمذهب أهل السنة للتفريق بينهم وبين الخوارج الذين لا يجعلون الشخص الواحد إلا موجباً للذم والبغض الذي يترتب عليه العقاب، أو موجبا للمحبة والثناء الذي يترتب ¬

_ (¬1) جامع بيان العلم وفضله.

عليه الثواب، فهذا لا يعكر على البغض في الله والهجر الديني؛ لأن العلماء الذين يعتقدون هذا الاعتقاد يبغضون ويهجرون وتتمعر وجوههم للمنكر مع اعتقادهم القاعدة السابقة، لكن قصدهم بكلمة يحب بقدر ما فيه من الخير يعني لا يكون له البغض الكامل كالكافر والعاصي في مذهب الخوارج. وسوف أذكر فيما بعد إن شاء الله أمثلة تبين ما كان عليه الأئمة وسلف الأمة الصحابة، فمن بعدهم كذلك ما ذكره العلماء من أن الهجر يكون بحسب الأحوال، ليس معناه كما يفهم أهل الوقت؛ حيث يكون الواحد منهم فارغ القلب من الغضب لله والغيرة على محارمه، بارد الهمة وكأن شيئاً لم يحصل، بدعوى وحجة أن الهجر يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص. فإذا لم تهجر بلسانك هل هجرت صاحب المنكر بلقلبك وفارقت، وذلك أن تجد نفرة ووحشة من المنكر وأهله وبغضه حقيقة لا

تستطيع دفعها عن قلبك، والأثر يدل على المسير والبعرة تدل البعير. قال ابن القيم رحمه الله: «وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة بل القيام مع ذلك بالأمور المحبوبة لله. وأكثر المتدينين لا يعبأون إلا بما شاركهم فيه عموم الناس. وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لله ورسوله وعباده ونصرة الله ورسوله وكتابه ودينه فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم، فضلاً عن أن يريدوها، أو أن يفعلوها. وأقل الناس ديناً وأمقتهم عند الله من ترك هذه الواجبات، وإن زهد في الدنيا جميعها، وقلَّ أن يُرى فيهم من يحمرُّ وجهه ويتمعر في الله ويغضب لحرماته، ويبذل عرضه لنصرة دينه .. وأصحاب الكبائر أحسن حالاً عند الله من هؤلاء. انتهى .. » (¬1). ¬

_ (¬1) هداية الطريق: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.

والجاهل لو سئل عن عز الإسلام وظهوره لقاسه بكثرة المساجد والمصلين والحجاج، ولكن نظر أهل العلم إلى غير هذا قال ابن عقيل: (¬1) «إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم بلبيك، وإنما انظر إلى ماوطأتهم أعداء الشريعة .. » انتهى. والمواطأة هي المعاداة والبغض ونحو ذلك .. والأصل في هجر أهل المعاصي هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - كعباً وصاحبيه، وأمره أصحابه بهجرهم لتخلفهم عنه في غزوة تبوك، كما ورد في الصحيحين. كذلك فقد هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهراً من أجل كلام أغضبه، وهجرت عائشة ابن اختها عبد الله بن الزبير مدة (¬2). ¬

_ (¬1) غذاء الألباب ج1 ص231. (¬2) صحيح البخاري.

أسماء من كان يزجر بالهجر من الصحابة والتابعين

وهجر جماعة من الصحابة جماعة «وماتوا متهاجرين رضي الله عنهم أجمعين .. وقد هجر ابن عمر رضي الله عنهما ابناً له إلى أن مات» (¬1). وقد جمع بعض أهل العلم أسماء من كان يزجر بالهجر من الصحابة والتابعين فمن بعدهم فذكر منهم: عائشة وحفصة وحفص بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن المسيب وطاووساً ووهب بن منبه والحسن البصري وابن سيرين وسفيان الثوري وغيرهم. أخرج مسلم في صحيحه أن قريباً لعبد الله بن معقل خذف فنهاه فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف، وقال: «إنها لا تصيد صيداً ولا تنكئ عدواً، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين» ¬

_ (¬1) غذاء الألباب ج1 ص221.

قال: فعاد. فقال: أحدثك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ثم عدت تخذف ما أكملك أبداً. قال النووي في شرح مسلم: «في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا. وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره». وقال الخطابي في معالم السنن في حديث كعب بن مالك «ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا أيها الثلاثة» قال: فيه من العلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث إنما هو فيما يكن بينهما من قبل عتب وموجدة، أو لتقصير يقع في حقوق العشرة ونحوها، دون ما كان من ذلك في حق الدين

فإن هجرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على مر الأوقات والأزمان، ما لم يظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق. انتهى». قال ابن عبد البر رحمه الله: «وأجمعوا على جواز الهجران فوق ثلاث لمن خاف من مكالمته ما يدخل منه على نفسه مضرة في دينه أو دنياه فقد رخص له في مجانبته وبعده» انتهى (¬1). رأى ابن مسعود رضي الله عنه رجلاً يضحك في جنازة فقال: «تضحك في جنازة والله لا أكلمك أبداً» (¬2). قال الإمام شمس الدين ابن مفلح: «يسن هجر من هجر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية وقيل: ¬

_ (¬1) الزجر بالهجر ص22. (¬2) الزجر بالهجر ص25 وغذاء الألباب ج1 ص228.

يجب إن ارتدع به وإلا كان مستحباً. وقيل: يجب هجره مطلقاً. وقيل: ترك السلام على من هجر بالمعاصي حتى يتوب منها فرض كفاية» (¬1). قال القاضي أبو حسن في التمام: «لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة، وظاهر إطلاقه لا فرق بين المجاهر وغيره في المبتدع والفاسق، فينبغي لك إن كنت متبعاً سنن من سلف أن كل من جاهر بمعاصي الله لا تعاضده ولا تساعده ولا تقاعده ولا تسلم عليه بل اهجره». قال ابن عبد القوي في منظومة الآداب: ج1 ص220. وهجران من أبدى المعاصي سنة ... وقد قيل إن يردعه أوجب وأكِّد ¬

_ (¬1) الزجر بالهجر ص28.

وقيل على الإطلاق ما دام معلناً ... ولاقِهْ بوجهٍ مُكفهِرٍّ مُزَبَّدِ قال ابن عقيل في الفنون: الصحابة رضي الله عنهم آثروا فراق أنفسهم لأجل مخالفتها للخالق سبحانه وتعالى فهذا يقول: زنيت فطهرني ونحن لا نسخو أن نقاطع أحداً فيه لمكان المخالفة (¬1). قال شيخ الإسلام: المستتر بالمنكر ينكر عليه ويستر عليه فإن لم ينته فعل ما ينكف به إذا كان أنفع به في الدين، وأن المظهر للمنكر يجب الإنكار عليه علانية ولا تبقى له غيبة، ويجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتاً إذا كان فيه كف لأمثاله فيتركوا تشييع جنازته» انتهى (¬2). ¬

_ (¬1) غذاء الألباب ج1 ص223. (¬2) غذاء الألباب ج1 ص224.

وقد ذكر العلماء أن الستر المندوب إليه في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من ستر مسلماً ستره الله عز وجل يوم القيامة» أن المراد بذلك الستر على ذوي الهيئات. قال محمد بن أبي الحارث: «سألت أبا عبد الله (يعني أحمد بن حنبل) عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه. قال يأمره فإن لم يقبل يجمع عليه الجيران ويهول عليه» (¬1). قال السفاريني: «كان لأنس بن مالك رضي الله عنه امرأة في خُلُقها سوء فكان يهجرها السنة والأشهر فتتعلق بثوبه فتقول: أنشدك بالله يا ابن مالك أنشدك بالله با ابن مالك فما يكلمها» (¬2). ¬

_ (¬1) غذاء الألباب ج1 ص227. (¬2) غذاء الألباب ج1 ص228.

وعن الحسن أنه قيل له: «إن ابنك أكل طعاماً حتى كاد يقتله. قال: لو مات ما صليت عليه» (¬1). وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له جار رافضي يُسلم عليه؟ قال: «لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه» (¬2). وذكر السفاريني في شرح منظومة الآداب أنه لا يتأتى هجر المبتدع مع تسليم الهاجر عليه. قال: بل عليه أن يصرم كلامه، ويترك سلامه، فلا يبدأه بالسلام وإن بدأه المبتدع لا يرد عليه ولا احتشام، فإن اتباع السنة أولى. وامتثال الشريعة أحق وأعلى، فإن سلم عليه لم يكن له هاجراً. ولا عن مودته وصحبته نافراً. ¬

_ (¬1) غذاء الألباب ج1 ص228. (¬2) غذاء الألباب ج1 ص231.

قال الإمام أحمد: إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» (¬1). قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله في قصيدة له: ألسنا إذا ما جاءنا متضمخ ... بأوضار أهل الشرك من كل ظالم نهش إليهم بالتحية والثنا ... ونهرع في إكرامهم بالولائم وقد بري المعصوم من كل مسلم ... يقيم بدار الكفر غير مصارم ولا مظهر للدين بين ذوي الردى ... فهل كان منا هجر أهل الجرائم ¬

_ (¬1) غذاء الألباب ج1 ص232.

ولكنما العقل المعيشي عندنا ... مسالمة العاصين من كل آثم فيا محنة الإسلام من كل جاهل ... ويا قلة الأنصار من كل عالم قال شيخ الإسلام في الفتاوى المصرية: «من أظهر المنكر وجب الإنكار عليه، وأن يهجر ويذم على ذلك فهذا معنى قولهم: "مَن ألقى جلبات الحياء فلا غيبة له" بخلاف من كان مستتراً بذنبه مستخفياً فإن هذا يستر عليه لكن ينصح سراً، يهجره من عرف حاله حتى يتوب، ويذكر أمره على وجه النصيحة» انتهى. قال ابن المبارك: «إياك أن تجلس مع صاحب بدعة قال الحارث: أكلت عند صاحب بدعة أكلة فبلغ ذلك ابن المبارك فقال: لا كلمتك ثلاثين يوماً». وروى محمد بن وضاح بإسناده عن إبراهيم أنه قال: لا تجالسوا أصحاب البدع ولا تكلموهم فإني أخاف أن ترتد قلوبكم.

وروى أيضاً بإسناده عن سفيان الثوري أنه قال: «من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار، وإما أن يقول: والله ما أبالي ما تكلموه، وإني واثق بنفسي فمن أمِن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه». وعن الأوزاعي قال: «كان أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم وتشمئز منهم قلوبهم ويحذرون الناس بدعتهم». وقال الفضيل: من جلس مع صاحب بدعة لم يؤت الحكمة. عن محمد بن سهل البخاري قال: كنا عند الفريابي فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل: لو حدثتنا كان أعجب إلينا فغضب، وقال: كلامي في أهل البدع أحب إلي من عبادة ستين سنة. رُفع إلى عمر بن عبد العزيز أقوام يشربون الخمر فأمر بجلدهم الحد فقيل: إن فيهم صائماً فقال:

ابدأوا بالصائم فاجلدوه، ألم يسمع قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} وقوله تعالى: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}. فنهى سبحانه عن القعود مع الظالمين فكيف بمعاشرتهم، أم كيف بمخادنتهم. ذكره شيخ الإسلام في مجموعة الفتاوى ج32 ص254. وقال الإمام أحمد رحمه الله في كتاب الزهد: في وصية عيسى بن مريم عليه السلام: يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله عز وجل ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالمقت لهم والتمسوا رضاه بسخطهم. قالوا يا نبي الله فمن نجالس؟ قال: جالسوا من يزيد في أعمالكم منطقه ومن تذكركم بالله رؤيته، ويزهدكم في دنياكم عمله. قال شيخ الإسلام: «وهكذا السنة في مقارنة

الظالمين والزناة وأهل البدع والفجور وسائر المعاصي لا ينبغي لأحد أن يقارنهم، ولا يخالطهم إلا على وجه يسلم به من عذاب الله عز وجل، وأقل ذلك أن يكون منكراً لظلمهم ماقتاً لهم شانئاً ما هم فيه بحسب الإمكان كما في الحديث "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». ج15 ص324. عبد الكريم بن صالح الحميد 1412 هجرية

نشكو إليك ولا لغيرك نلتجي

بسم الله الرحمن الرحيم [نشكو إليك ولا لغيرك نلتجي] نشكو إليك ولا لغيرك نلتجي ... خابتْ مقاصد مَن سِواك تيمّموا أنت المؤمَّل أنت كل رجائنا ... ما دُون بابك ملجَأٌ يُتَيمَّم يا من يُغيث وكلُّ عُسْرٍ عندهُ ... قد خُفَّ في يُسْرَين جودُك أعظم نشكو إليك الدين نرجو نصره ... فلقد أصاب الدين كسْرٌ مُؤلم في كل يومٍ ضعفهُ مُتَحَقِّقٌ ... يشهدْهُ عالِمنا ومَنْ لا يعلم ما زال يحدث كل وقت حادثٌ ... يُنْسيه تابِعُهُ بِهَوْلٍ أعظم فِتَنٌ تَوَالَتْ طَبَّقت بِظلامها ... ليلٌ طويلٌ والظلامُ مُخَيَّمُ

حتى الطُّغاةُ تمتَّعوا بكرامةٍ ... جهرًا نَراهم يُكْرَموا ويُعَظَّموا بُغض العصاة وِرَاثَةٌ نَبَوِيَّةٌ ... والكافرين براءةُ لك مِنْهُمُوا الحبُّ أوثقُ عروةٍ في ديننا ... والبُغضُ أيضًا مثلهُ مُتَحَتِّمُ البغض دِينٌ والمحبةُ مثلهُ ... ما قَامَ دينٌ دُون هذا المَعْلَم الدّين فرْقٌ ثمَّ أنتَ مع الذي ... أَحْبَبْتَ فاخْتَرْ ما تشاءُ سَتَعْلَم احذَرْ مُداهنَةَ العُصاة فأنها ... تَجْعَلْك لَوْ لَم تَعْصِ ربك مِنْهُمو قال المسيحُ تَحبَّبُوا لإلِهكم ... في بُغْض مَنْ يَعصيهِ فهوَ مُذَمَّم وبِمَقْتِهِمْ فَتقرَّبوا لِمَلِيكِكُم ... أرضوهُ في إسخاطهمْ كَيْ تَغْنَموا

أَوَ ما سمِعتَ خليفَة هو راشدٌ ... فاروقُ دين الله ذاك الأكرم قدْ قَالَ لَسْتُ مُعِزُّ مَنْ هُوَ كَافرٌ ... والله حَتَّمَ ذلَّهُم كيْ يُعْلَموا كلاَّ ولَسْتُ بِمُكْرم لهمو وقَدْ ... كُتبَ الهوان عَليْهُمُو مَنْ يَحْكُم واللهُ أقْصَاهُمْ فلَسْتُ بِمُدْنِي ... لَهُمُو فهذا الحقُّ يا مَنْ يفهم بُعْدًا لأعداءِ الإله وخيْبَةً ... لِمُجلِّهمْ ولِمَنْ لهمْ هو مُكْرم أوْ ما قرأتَ كلامَ ربكَ إنه ... يكفيكَ بل يشفيكَ بلْ هو مغنم أوْ ما نهاك اللهُ عن أعدائِه ... لَوْ كان والدك المُفدَّى مِنْهمو لا تركنوا للظالمين تَمسَّكُمْ ... نارُ الجحيمِ وبِئْسَ دار المُجرِم

لَو كان صاحبك العزيزُ مُعَادِيًا ... قومًا وأنتَ لهمْ تَوَدُّ وتُكْرِم لَجَفَاكَ زهْدًا في مَوَدَّتك التي ... أوْلَيْتَها الأعدَاءَ دُون تَحَشُّم هذا الصديقُ يغارُ لَمَّا خُنْتَهُ ... فاللهُ أولى مِنهُ بل هو أعظَم إنْ كان دينك تابِعٌ لِمُحَمَّدٍ ... فالحقُّ أبْلَجُ ليس يخفى مسلم هذا الذي أمر النبيُّ بِهِ فما ... بعد الضياء سوى الطريق المظْلِم إن كان أُسْوَتُكَ الخليل فإنهُ ... مُتَبَرِّءً مِن قومِه مُسْتَعْصِم عاداهُمو والبُغْض أظهرَ والبرا ... هذا هو الدين الحنيفُ الأقوَم هذا هو النهجُ القويمُ وغيرُه ... نهجُ الضَّلالةِ ليسَ فيه تَوَهُّم

وعلى النبيِّ صلاةُ ربّي دائمًا ... يا قومنا صلّوا عليهِ وسَلِّمُوا عبد الكريم بن صالح الحميد

§1/1