الجوهرة النيرة على مختصر القدوري

الحدادي

مقدمة

[مُقَدِّمَة] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَمَلَائِكَةِ اللَّهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ الصَّحَابَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَعَنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ. (وَبَعْدُ) فَهَذَا شَرْحٌ لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ جَمَعْتُهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَصَرَةٍ وَعِبَارَاتٍ ظَاهِرَةٍ تَشْمَلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَعَانِي وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْضَحْتُهُ لِذَوِي الْأَفْهَامِ الْقَاصِرَةِ وَالْهِمَمِ الْمُتَقَاصِرَةِ وَسَمَّيْتُهُ (الْجَوْهَرَةَ النَّيِّرَةَ) وَاسْتَعَنْتُ فِي ذَلِكَ بِمَنْ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ سُبْحَانَهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.

كتاب الطهارة

[كِتَابُ الطَّهَارَةِ] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (كِتَابُ الطَّهَارَةِ) الْكِتَابُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْجَمْعُ يُقَالُ كَتَبْت الشَّيْءَ أَيْ جَمَعْته وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ وَهِيَ جَمْعُ الْحُرُوفِ بَعْضِهَا إلَى

بَعْضٍ، فَقَوْلُهُ كِتَابُ الطَّهَارَةِ أَيْ جَمْعُ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّمْلِ وَالْإِحَاطَةِ وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ هُمَا مُتَغَايِرَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالْإِحَاطَةُ أَعَمُّ مِنْ الشَّمْلِ؛ لِأَنَّ الشَّمْلَ هُوَ جَمْعُ الْمُتَفَرِّقِ يُقَالُ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ أَيْ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أَمْرِهِ وَالْإِحَاطَةُ مَا أَحَاطَ بِالشَّيْءِ بَعْدَ جَمْعِهِ فَهِيَ جَامِعَةٌ لِلشَّمْلِ مُحِيطَةٌ بِهِ فَمِثَالُ الشَّمْلِ مَا قَالُوا فِي كَلِمَةِ الْجَمِيعِ إنَّهَا تُوجِبُ الِاجْتِمَاعَ دُونَ الِانْفِرَادِ كَمَا إذَا قَالَ الْأَمِيرُ لِلْجُنْدِ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَدَخَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فَإِنَّ لَهُمْ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ لَا غَيْرُ، بَيْنَهُمْ جَمِيعًا، وَمِثَالُ الْإِحَاطَةِ إذَا قَالَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنِ فَلَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَدَخَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونُ لَهُمْ مِائَةٌ فَبَانَ لَك أَنَّ كَلِمَةَ الْجَمِيعِ لِلشَّمْلِ دُونَ الْإِحَاطَةِ وَكَلِمَةَ كُلٍّ لِلشَّمْلِ وَالْإِحَاطَةِ، وَالطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ النَّظَافَةُ وَعَكْسُهَا الدَّنَسُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ وَعَكْسُهَا الْحَدَثُ وَيُقَالُ أَيْضًا عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَسٍ حَتَّى يُسَمَّى الدِّبَاغُ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةً وَأَعَمُّ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ عِبَارَةٌ عَنْ إيصَالِ مُطَهِّرٍ إلَى مَحَلٍّ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ أَوْ يُنْدَبُ إلَيْهِ وَالْمُطَهِّرُ هُوَ الْمَاءُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالصَّعِيدُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالطَّهَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حَقِيقِيَّةٌ وَهِيَ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَحُكْمِيَّةٌ وَهِيَ التَّيَمُّمُ، وَالطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَفِيفَةٌ كَالْوُضُوءِ وَغَلِيظَةٌ كَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَإِنَّمَا بَدَأَ الشَّيْخُ بِالْخَفِيفَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَغْلَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، بَدَأَ بِهَا تَبَرُّكًا وَدَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهِ وَمِنْ أَسْرَارِهَا أَنَّهَا تَشْمَلُ عَلَى سَبْعَةِ فُصُولٍ كُلُّهَا مُثَنًّى طَهَارَتَانِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَمُطَهِّرَانِ الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ وَحُكْمَانِ الْغُسْلُ وَالْمَسْحُ وَمُوجِبَانِ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ وَمُبِيحَانِ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَكِنَايَتَانِ الْغَائِطُ وَالْمُلَامَسَةُ وَكَرَامَتَانِ تَطْهِيرُ الذُّنُوبِ وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ وَإِتْمَامُهَا مَوْتُهُ شَهِيدًا، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْوُضُوءِ مَاتَ شَهِيدًا» وَفِي الْآيَةِ إضْمَارُ الْحَدَثِ أَيْ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْوُضُوءِ {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] وَفِي الْجَنَابَةِ {وَإِنْ كُنْتُمْ} [المائدة: 6] ؛ لِأَنَّ إذَا تَدْخُلُ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ تَدْخُلُ عَلَى أَمْرٍ رُبَّمَا كَانَ وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ مُلَازِمٌ وَالْجَنَابَةُ لَيْسَتْ بِمُلَازِمَةٍ فَإِنَّهَا قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ. (قَوْلُهُ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] الْغُسْلُ هُوَ الْإِسَالَةُ وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ قِصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ طُولًا وَمِنْ شَحْمَةِ الْأُذُنِ إلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ عَرْضًا حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْعَذَارِ وَالْأُذُنِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ وَإِنْ غَسَلَ وَجْهَهُ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ حَاجِبَيْهِ أَجْزَأَهُ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ وَاجْتَمَعَ رَمَصُهَا فِي جَانِبِ الْعَيْنِ وَالْمُؤْقِ وَاللِّحَاظِ وَجَبَ عَلَيْهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَآقِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الرَّمَصُ وَسَخُ الْعَيْنِ وَمُؤْقُ الْعَيْنِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَجَمْعُهُ آمَاقٍ وَاللِّحَاظُ بِفَتْحِ اللَّامِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأُذُنَ. (قَوْلُهُ: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] أَيْ مَعَ الْمَرَافِقِ وَوَاحِدُهَا مِرْفَقٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَعَكْسُهُ الْمَفْصِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَرَافِقِ فَإِنْ عَكَسَ جَازَ، كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَيَجِبُ غَسْلُ مَا كَانَ مُرَكَّبًا عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَصَابِعِ الزَّائِدَةِ وَالْكَفِّ الزَّائِدِ فَإِنْ تَلِفَ الْعُضْوُ غُسِلَ مَا يُحَاذِي مَحَلَّ الْفَرْضِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا فَوْقَهُ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَجِينُ فِي الظُّفْرِ يَمْنَعُ تَمَامَ الطَّهَارَةِ وَالْوَسَخُ وَالدَّرَنُ لَا يَمْنَعُ وَكَذَا التُّرَابُ وَالطِّينُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ وَالْخِضَابُ إذَا تَجَسَّدَ يَمْنَعُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقِشْرَةُ الْقُرْحَةِ إذَا ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهَا لَا يَمْنَعُ. (قَوْلُهُ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] الْمَسْحُ هُوَ الْإِصَابَةُ فَلَوْ كَانَ شَعْرُهُ طَوِيلًا فَمَسَحَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ تَحْتِ أُذُنِهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ فَوْقِهَا جَازَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ رَأْسِهِ مَحْلُوقًا فَمَسَحَ عَلَى غَيْرِ الْمَحْلُوقِ جَازَ وَإِنْ أَصَابَ رَأْسَهُ مَاءُ الْمَطَرِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَسْحِ سَوَاءٌ مَسَحَهُ أَوْ لَا، وَإِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ، وَإِنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ أَخَذَهُ مِنْ لِحْيَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَإِنْ مَسَحَهُ بِبَلَلٍ فِي كَفِّهِ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ جَازَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] قُرِئَ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْوَجْهِ وَالْأَيْدِي تَقْدِيرُهُ فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَقُرِئَ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالْخَفْضِ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ وَمَذْهَبُ الرَّوَافِضِ أَنَّ الْأَرْجُلَ مَمْسُوحَةٌ احْتِجَاجًا بِقِرَاءَةِ الْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الرُّءُوسِ، قُلْنَا الْخَفْضُ إنَّمَا هُوَ الْمُجَاوَرَةُ وَالِاتِّبَاعُ لَفْظًا لَا مَعْنًى، وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] بِالْخَفْضِ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة: 20] {وَلَحْمِ طَيْرٍ} [الواقعة: 21] وَفِي الْكَشَّافِ لَمَّا كَانَتْ الْأَرْجُلُ تُغْسَلُ بِصَبِّ الْمَاءِ وَذَلِكَ مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ عُطِفَتْ عَلَى الْمَسْمُوحِ لَا لِتُمْسَحَ وَلَكِنْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَادِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَرَافِقَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ وَاحِدًا مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلِكُلِّ يَدٍ مِرْفَقٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ جُمِعَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] وَلَمْ يَقُلْ قَلْبَاكُمَا وَمَا كَانَ اثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ فَلَمَّا قَالَ إلَى الْكَعْبَيْنِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ. (قَوْلُهُ فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ) الْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَطْعُ، وَالتَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] أَيْ قَدَّرْنَاهَا وَقَطَعْنَا الْأَحْكَامَ فِيهَا قَطْعًا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ حُكْمٍ مُقَدَّرٍ لَا يَحْتَمِلُ زِيَادَةً وَلَا نُقْصَانًا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ حَتَّى إنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَيُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا. (قَوْلُهُ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَمَّاهَا ثَلَاثَةً وَهِيَ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ جُعِلَا فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الدِّيَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الرَّأْسِ) إنَّمَا أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ وَالْأَعْضَاءُ مَغْسُولَةٌ فَلَمَّا كَانَتْ مُتَّفِقَةً فِي الْغَسْلِ جَمَعَ بَيْنَهَا فِي الذِّكْرِ. (قَوْلُهُ وَالْمِرْفَقَانِ وَالْكَعْبَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ) قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ الْمَرَافِقُ وَالْكَعْبَانِ غَايَةُ إسْقَاطٍ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ {وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] يَتَنَاوَلُ كُلَّ الْأَيْدِي إلَى الْمَنَاكِبِ فَلَمَّا قَالَ إلَى الْمَرَافِقِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ فَبَقِيَ الْغَسْلُ ثَابِتًا فِي الْيَدِ مَعَ الْمَرَافِقِ وَفِي بَابِ الصَّوْمِ لَيْسَتْ الْغَايَةُ غَايَةَ إسْقَاطٍ وَإِنَّمَا هِيَ غَايَةُ امْتِدَادِ الْحُكْمِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِمْسَاكِ سَاعَةً فَهِيَ غَايَةُ إثْبَاتٍ لَا غَايَةُ إسْقَاطٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَايَاتِ أَرْبَعٌ: غَايَةُ مَكَان، وَغَايَةُ زَمَانٍ، وَغَايَةُ عَدَدٍ، وَغَايَةُ فِعْلٍ، فَغَايَةُ الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ وَغَايَةُ الزَّمَانِ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وَكِلَاهُمَا لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمُغَيَّا وَغَايَةُ الْعَدَدِ لَهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ وَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وَهِيَ لَا تَدْخُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ وَغَايَةُ الْفِعْلِ بِالْمَنْطُوقِيَّة السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا إنْ نَصَبْت السِّينَ دَخَلَتْ وَتَكُونُ حَتَّى بِمَعْنَى الْوَاوِ وَعَاطِفَةً، وَإِنْ خَفَضْتهَا لَمْ تَدْخُلْ وَتَكُونُ حَتَّى بِمَعْنَى إلَى، وَإِنَّمَا قَالَ يَدْخُلَانِ فِي الْغَسْلِ وَلَمْ يَقُلْ بِفَرْضِ غَسْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَدْخُلَانِ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُ فَرْضِيَّةِ غَسْلِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَالْمَفْرُوضُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ) وَهُوَ رُبُعُ الرَّأْسِ وَالنَّاصِيَةُ هِيَ الشَّعْرُ الْمَائِلُ إلَى نَاحِيَةِ الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسُ أَرْبَعُ قِطَعٍ النَّاصِيَةُ وَالْقَذَالُ وَالْفَوْدَانِ، فَقَوْلُهُ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ أَيَّ الْجَوَانِبِ شَاءَ مِنْ الرَّأْسِ بِمِقْدَارِهَا وَإِنَّمَا قَالَ وَالْمَفْرُوضُ وَلَمْ يَقُلْ وَالْفَرْضُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ مِقْدَارًا لَا مَقْطُوعًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْقَطْعُ حَتَّى إنَّهُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُ هَذَا الْمِقْدَارِ وَالتَّقْدِيرُ بِمِقْدَارِ النَّاصِيَةِ هُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَفِي رِوَايَةٍ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ وَلَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ يُرِيدُ مَسْحَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَسْحِ وَلَا يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْمَسْحِ وَكَذَا الْخُفُّ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ إلَى آخِرِهِ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ سِتُّ فَوَائِدَ

سنن الطهارة

أَحَدُهَا جَوَازُ دُخُولِ مِلْكِ الْغَيْرِ الْخَرَابِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ سُبَاطَةُ قَوْمٍ وَالسُّبَاطَةُ قِيلَ هِيَ الدَّارُ الْخَرَابُ، وَقِيلَ هِيَ الْكُنَاسَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَهِيَ الْقُمَامَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَوْضِعُ إلْقَائِهَا، وَأَمَّا الْكُنَاسَةُ بِالْكَسْرِ فَهِيَ الْمِكْنَسَةُ وَالثَّانِيَةُ جَوَازُ الْبَوْلِ فِي دَارِ غَيْرِهِ الْخَرَابِ دُونَ الْغَائِطِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ تُنَشِّفُهُ الْأَرْضُ فَلَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْبَوْلَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْوُضُوءَ بَعْدَهُ مُسْتَحَبٌّ، وَالْخَامِسَةُ تَقْدِيرُ مَسْحِ الرَّأْسِ بِالنَّاصِيَةِ، وَالسَّادِسَةُ ثُبُوتُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ هَكَذَا مُطَوَّلًا وَالْحَاجَةُ إنَّمَا هِيَ إلَى مَسْحِ النَّاصِيَةِ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى صِدْقِ الرَّاوِي وَإِتْقَانِهِ لِلْحَدِيثِ. [سُنَنُ الطَّهَارَةِ] (قَوْلُهُ: وَسُنَنُ الطَّهَارَةِ) السُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الطَّرِيقَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُرْضِيَةً أَوْ غَيْرَ مُرْضِيَةٍ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ ثَوَابُهَا وَثَوَابُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيُؤْجَرُ الْعَبْدُ عَلَى إتْيَانِهَا وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهَا وَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْقَوْلِيَّ وَالْفِعْلِيَّ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السُّنَّةُ مَا يَكُونُ تَارِكُهَا فَاسِقًا وَجَاحِدُهَا مُبْتَدِعًا وَالنَّفَلُ مَا لَا يَكُونُ تَارِكُهُ فَاسِقًا وَلَا جَاحِدُهُ مُبْتَدِعًا. (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا) يَعْنِي إلَى الرُّسْغِ وَهُوَ مُنْتَهَى الْكَفِّ عِنْدَ الْمَفْصِلِ وَيَغْسِلُهُمَا قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ كَفَّيْهِ أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ) أَيْ إدْخَالِ أَحَدِهِمَا وَيُسَنُّ هَذَا الْغَسْلُ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ) هَذَا شَرْطُ وِفَاقٍ لَا قَصْدٍ حَتَّى إنَّهُ سَنَّهُ لِلْمُسْتَيْقِظِ وَغَيْرِهِ وَسُمِّيَ مُتَوَضِّئًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ سُمِّيَ بِاسْمِهِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» سَمَّاهُمْ مَوْتَى لِقُرْبِهِمْ مِنْهُمْ، وَسَوَاءٌ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَوَاجِبٌ. (قَوْلُهُ: وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ) الْكَلَامُ فِيهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَيْفِيَّتِهَا وَصِفَتِهَا وَوَقْتِهَا أَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَبِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّسْمِيَةِ هُنَا مُجَرَّدُ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا التَّسْمِيَةُ عَلَى التَّعْيِينِ وَأَمَّا صِفَتُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَقَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَ لِلِاسْتِنْجَاءِ سَمَّى قَبْلَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَإِنْ كَشَفَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ سَمَّى بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكُ بِهَا لِسَانَهُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَالَ الِانْكِشَافِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَتَى بِهَا مَتَى ذَكَرَهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوُضُوءُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَوَقْتُهُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَيَسْتَاكُ أَعَالِيَ الْأَسْنَانِ

وَأَسَافِلَهَا وَيَسْتَاكُ عَرْضَ أَسْنَانِهِ وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا اسْتَعْمَلَ خِرْقَةً خَشِنَةً أَوْ أُصْبُعَهُ السَّبَّابَةَ مِنْ يَمِينِهِ ثُمَّ السِّوَاكُ عِنْدَنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ إذَا تَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ بِسِوَاكٍ وَبَقِيَ عَلَى وُضُوئِهِ إلَى الْعَصْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ كَانَ السِّوَاكُ الْأَوَّلُ سُنَّةً لِلْكُلِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ السِّوَاكَ لِلظُّهْرِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَاكَ حَتَّى يُدْرِكَ فَضِيلَتَهُ وَتَكُونَ صَلَاتُهُ بِسِوَاكٍ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) هُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فَرْضَانِ وَكَيْفِيَّتُهُمَا أَنْ يُمَضْمِضَ فَاهُ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ كَذَلِكَ فَلَوْ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَا يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ. وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ يَصِيرُ آتِيًا بِهَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قِيلَ لَا يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْمَضْمَضَةِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِنْشَاقِ ثَلَاثًا يَعُودُ بَعْضُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَى الْكَفِّ وَفِي الْمَضْمَضَةِ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا سُنَّةٌ إذَا كَانَ غَيْرَ صَائِمٍ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ الْغَرْغَرَةُ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَجْذِبَ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى مَا اسْتَدَّ مِنْ أَنْفِهِ وَلَوْ تَمَضْمَضَ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ وَلَمْ يَمُجَّهُ أَجْزَأَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُلْقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ. (قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَة وَيَمْسَحُ بَاطِنَهُمَا وَظَاهِرَهُمَا وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ سَبَّابَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ وَهُمَا ثُقْبَا الْأُذُنَيْنِ وَيُدِيرَهُمَا فِي زَوَايَا أُذُنَيْهِ وَيُدِيرَ إبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ قِيلَ سُنَّةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَيَمْسَحُهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ. وَفِي النِّهَايَةِ يَمْسَحُهُمَا بِظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ وَمَسْحُ الْحُلْقُومِ بِدْعَةٌ. (قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ) أَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ فَمُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ سُنَّةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَكَيْفِيَّةُ تَخْلِيلِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقِ اللِّحْيَةِ مَكْسُورَةُ اللَّامِ وَجَمْعُهَا لُحًى وَلِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَاللَّحْيُ بِفَتْحِ اللَّامِ عَظْمُ الْفَكِّ وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ وَجَمْعُهُ لُحًى وَلِحًى بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَأَمَّا تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ فَسُنَّةٌ إجْمَاعًا وَتَخْلِيلُهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقُ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَلِّلَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخْلِيلُ سُنَّةً بَعْدَ وُصُولِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ فَهُوَ وَاجِبٌ وَكَيْفِيَّةُ التَّخْلِيلِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَهُ بِإِبْهَامِهَا وَيَبْدَأَ بِإِبْهَامِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَخْتِمَهُ بِخِنْصَرِهَا، وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّخْلِيلِ اسْتِيفَاءُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَصَابِعِ، وَأَمَّا اللِّحْيَةُ فَدَاخِلُ الشَّعْرِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْفَرْضِ بَلْ الْفَرْضُ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي أَوْ الْغَدِيرِ وَغَمَسَ رِجْلَيْهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يُخَلِّلْ الْأَصَابِعَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ: وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ إلَى الثَّلَاثِ) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ اكْتَفَى بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، وَقِيلَ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ وَالسُّنَّةُ تَكْرَارُ الْغَسَلَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ الطَّهَارَةَ) الْمُسْتَحَبُّ مَا كَانَ مَدْعُوًّا إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ وَفِي إتْيَانِهِ ثَوَابٌ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ وَالْكَلَامُ فِي النِّيَّةِ فِي أَرْبَعَةِ

مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا وَوَقْتِهَا وَمَحَلِّهَا أَمَّا صِفَتُهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ نَوَيْتُ أَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَوَيْت رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ نَوَيْت اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ نَوَيْت الطَّهَارَةَ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فَعِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَأَمَّا مَحَلُّهَا فَالْقَلْبُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ ثُمَّ النِّيَّةُ إنَّمَا هِيَ فَرْضٌ لِلْعِبَادَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ هُوَ النِّيَّةُ وَالْوُضُوءُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْعِبَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهُ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَانَ مَكْرُوهًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّمَا كَانَتْ النِّيَّةُ فَرْضًا فِي التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَمْ يُعْقَلْ مُطَهِّرًا فَلَا يَكُونُ مُزِيلًا لِلْحَدَثِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَعْنَى التَّعَبُّدِ وَمِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةُ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَمُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقَعُ قُرْبَةً بِدُونِ النِّيَّةِ لَكِنَّهُ يَقَعُ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ لِوُقُوعِهِ طَهَارَةً بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُطَهِّرِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ إلَّا فِي حَالَةِ إرَادَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ وَقَعَ التُّرَابُ عَلَى أَعْضَائِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ عَلِمَ نِسْيَانًا التَّيَمُّمُ لَمْ يَكُنْ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ) الِاسْتِيعَابُ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ اسْتَوْعَبَ كَذَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا وَالِاسْتِيعَابُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَضَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ ثَلَاثَ أَصَابِعَ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَلَا يَضَعُ الْإِبْهَامَ وَلَا السَّبَّابَةَ وَيُجَافِي بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى الْقَفَا ثُمَّ يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَى مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ بِإِبْهَامَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا بِمُسَبِّحَتَيْهِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَمْسَحُ رَقَبَتَهُ بِظَهْرِ الْيَدَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَيُرَتِّبُ الْوُضُوءَ) التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُسِيءُ بِتَرْكِهِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ فَضِيلَةٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ فِي كَوْنِ التَّرْتِيبِ فِيهِمَا سُنَّةً. (قَوْلُهُ: فَيَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِ) وَهُوَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْمُوَالَاةُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فَرْضٌ وَالْمُوَالَاةُ هِيَ التَّتَابُعُ وَحَدُّهُ أَنْ لَا يَجِفَّ الْمَاءُ عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ فِي زَمَانٍ مُعْتَدِلٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالرِّيَاحِ فَإِنَّ الْجَفَافَ يُسْرِعُ فِيهِمَا لَا بِشِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنَّ الْجَفَافَ يُبْطِئُ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا اسْتِوَاءُ حَالَةِ الْمُتَوَضِّئِ فَإِنَّ الْمَحْمُومَ يُسَارِعُ الْجَفَافُ إلَيْهِ لِأَجْلِ الْحُمَّى وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ فِي الْوُضُوءِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِعُذْرِ فَرْغِ مَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ انْقَلَبَ الْإِنَاءُ فَذَهَبَ لِطَلَبِ الْمَاءِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهَكَذَا إذَا فَرَّقَ فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ. (قَوْلُهُ: وَبِالْمَيَامِنِ) أَيْ يَبْدَأُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَبِالرِّجْلِ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَهُوَ فَضِيلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَيَامِينِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي لُبْسِ نَعْلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ مَسْحَ الْأُذُنِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَمَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لَكِنَّا نَقُولُ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ يُغْسَلَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَيَبْدَأُ فِيهِمَا بِالْمَيَامِينِ، وَأَمَّا الْأُذُنَانِ فَيُمْسَحَانِ مَعًا بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا لِكَوْنِ ذَلِكَ أَسْهَلَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ وَلَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأُذُنِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْيُسْرَى كَمَا فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْخَدَّيْنِ بِالْأُذُنَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ عُضْوَانِ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ شَرَعَ الْآنَ فِي بَيَانِ مَا يَنْقُضُهُ وَالنَّقْضُ مَتَى أُضِيفَ إلَى الْأَجْسَامِ يُرَادُ بِهِ إبْطَالُ تَأْلِيفِهِمَا وَمَتَى أُضِيفَ إلَى غَيْرِهَا يُرَادُ بِهِ إخْرَاجُهُ عَمَّا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَالْمُتَوَضِّئُ هَا هُنَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ فَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ بِالْحَدَثِ انْتَقَضَتْ صِفَتُهُ وَخَرَجَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ) وَهُمَا الْفَرْجَانِ وَمِنْ دَأْبِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُتَّفَقِ فِيهِ ثُمَّ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مُتَّفَقٌ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَقَدَّمَهُ لِذَلِكَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ خُرُوجُ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْقَيْءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ وُضِعَتْ لِعُمُومِ الْأَفْرَادِ فَتَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَ الْمُعْتَادِ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالدُّرَدِ وَالْحَصَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ قُلْنَا نَعَمْ إلَّا الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ الذَّكَرِ

وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْفَضَاةُ وَهِيَ الَّتِي مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدٌ فَيَخْرُجُ مِنْهَا رِيحٌ مُنْتِنَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ فَتَنْقُضُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْفَرْجِ فَلَا تَنْقُضُ، وَالْأَصْلُ تَيَقُّنُ الطَّهَارَةِ وَالنَّاقِضُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهَا بِالشَّكِّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ لِإِزَالَةِ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْفَرْجِ فَنَاقِضَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ) وَكَذَلِكَ الصَّدِيدُ وَهُوَ مَاءُ الْجُرْحِ الْمُخْتَلِطِ بِالدَّمِ قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ الْمُدَّةُ فَتَكُونُ فِيهِ صَفْوَةٌ وَقَيَّدَ بِالْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبَلَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّجَاوُزُ. وَقَالَ زُفَرُ الدَّمُ وَالْقَيْحُ يَنْقُضَانِ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَنْقُضَانِ، وَإِنْ تَجَاوَزَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ خَرَجَا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَرَجَا بِالْمُعَالَجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَاخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ النَّقْضُ وَقَيَّدَ بِالدَّمِ وَالْقَيْحِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ خَيْطٌ لَا مَائِعٌ وَأَمَّا الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ إنْ كَانَ صَافِيًا لَا يَنْقُضُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْمَاءُ الصَّافِي إذَا خَرَجَ مِنْ النَّفْلَةِ لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أَنْفِهِ فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ إنْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ قَصَبَةِ الْأَنْفِ نُقِضَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْزِلْ مِنْهَا لَمْ يُنْقَضْ وَلَوْ عَضَّ شَيْئًا فَوَجَدَ فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ أَوْ اسْتَاكَ فَوَجَدَ فِي السِّوَاكِ أَثَرَ الدَّمِ لَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّيَلَانُ وَلَوْ تَخَلَّلَ بِعُودٍ فَخَرَجَ الدَّمُ عَلَى الْعُودِ لَا يُنْقَضُ إلَّا أَنْ يَسِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الرِّيقِ وَلَوْ اسْتَنْثَرَ فَسَقَطَ مِنْ أَنْفِهِ كُتْلَةُ دَمٍ لَا يُنْقَضُ وَإِنْ قَطَرَتْ قَطْرَةُ دَمٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ. (قَوْلُهُ: فَتَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ) حَدُّ التَّجَاوُزِ أَنْ يَنْحَدِرَ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ وَأَمَّا إذَا عَلَا وَلَمْ يَنْحَدِرْ لَا يَنْقُضُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَصَارَ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ نَقَضَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمَادًا فَتَشَرَّبَ مِنْهُ ثُمَّ خَرَجَ فَجَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا وَلَوْلَاهُ لَتَجَاوَزَ نَقَضَ وَكَذَا لَوْ كَانَ كُلَّمَا خَرَجَ مَسَحَهُ أَوْ أَخَذَهُ بِقُطْنَةٍ مِرَارًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ لَسَالَ نَقَضَ وَلَوْ سَالَ الدَّمُ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَالْأَنْفُ مَسْدُودَةٌ نَقَضَ وَلَوْ رَبَطَ الْجُرْحَ فَابْتَلَّ الرِّبَاطُ إنْ نَفَذَ الْبَلَلُ إلَى الْخَارِجِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ الرِّبَاطُ ذَا طَاقَيْنِ فَنَفَذَ الْبَعْضُ إلَى الْبَعْضِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أُذُنَيْهِ قَيْحٌ أَوْ صَدِيدٌ إنْ تَوَجَّعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ وَاخْتَلَطَ بِالرِّيقِ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ أَوْ كَانَا سَوَاءً نَقَضَ، وَإِنْ كَانَ الرِّيقُ غَالِبًا لَا يَنْقُضُ وَعَلَى هَذَا إذَا ابْتَلَعَ الصَّائِمُ الرِّيقَ وَفِيهِ الدَّمُ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَصَّ الْقُرَادُ عُضْوَ إنْسَانٍ فَامْتَلَأَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَنْقُضُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا نَقَضَ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ جُرْحِهِ دُودَةٌ لَا يَنْقُضُ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنْ سَقَطَتْ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ الْجُرْحِ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ لَا يَنْقُضُ وَهَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا لَا يَكُونُ حَدَثًا لَا يَكُونُ نَجِسًا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْجَامِدَاتِ كَالثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ وَالْحَصِيرِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَصَابَ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا الْقَيْءُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) يَعْنِي يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الرَّأْسِ إلَى مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ نَقَضَ الْوُضُوءَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ حُكْمُ التَّطْهِيرِ عَنْ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ وَبَاطِنِ الْجُرْحِ وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ دَخَلَ تَحْتَهُ بَاطِنُ الْعَيْنِ وَبَاطِنُ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ تَطْهِيرُهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّطْهِيرِ فِيهِ مُمْكِنَةٌ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَدْ رَفَعَهُ الشَّارِعُ لِلضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَيْءُ إذَا مَلَأ الْفَمَ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ مَلَأَ الْفَمَ. وَقَالَ زُفَرُ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ

وَالْقَيْءُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ مَاءٌ وَطَعَامٌ وَدَمٌ وَمِرَّةٌ وَبَلْغَمٌ فَفِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ يَنْقُضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَلَا يَنْقُضُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَغَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ مَلَأَ الْفَمَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَالْخِلَافُ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ أَمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطٌ وَأَمَّا الدَّمُ إذَا كَانَ غَلِيظًا جَامِدًا غَيْرَ سَائِلٍ لَا يَنْقُضُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ فَإِنْ كَانَ ذَائِبًا نَقَضَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْقُضُ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ، وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالْخِلَافُ فِي الْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ، وَأَمَّا النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَنَاقِضٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ شَرِبَ مَاءً فَقَاءَهُ صَافِيًا نُقِضَ وُضُوءُهُ. كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَإِنْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ لَمَلَأَ الْفَمَ فَالْمُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ اتِّحَادُ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ وَتَفْسِيرُ اتِّحَادِ السَّبَبِ إذَا قَاءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ فَهُوَ مُتَّحِدٌ، وَإِنْ قَاءَ ثَانِيًا بَعْدَ سُكُونِ النَّفْسِ فَهُوَ مُخْتَلِفٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مَسْأَلَةٌ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهِيَ إذَا نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ أُصْبُعِ النَّائِمِ ثُمَّ أَعَادَهُ فَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ النَّوْمَةَ الْأُولَى حَتَّى إنَّهُ لَوْ اسْتَيْقَظَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهُ فِي أُصْبُعِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ حَتَّى إنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ نَزَعَ خَاتَمًا مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَهُ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهُ فِي النَّوْمَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَبَهَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى نَامَ لَمْ يَبْرَأْ بِالرَّدِّ إلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى النَّائِمِ وَقَدْ وُجِدَ وَهُنَا لَمَّا اسْتَيْقَظَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مُسْتَيْقِظٍ فَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى نَائِمٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظَتُهُ فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَرَدَّهُ وَهُوَ نَائِمٌ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَالسَّبَبِ. (قَوْلُهُ: وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا) الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ النَّاقِضُ الْحَقِيقِيُّ وَهَذَا النَّاقِضُ الْحُكْمِيُّ وَهَلْ النَّوْمُ حَدَثٌ أَمْ لَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدَثًا اسْتَوَى وُجُودُهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ الْحَدَثُ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ، وَقَوْلُهُ وَالنَّوْمُ مُضْطَجِعًا هَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ أَيْضًا وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْقُضُ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُتَّكِئًا) أَيْ عَلَى أَحَدِ وِرْكَيْهِ فَهُوَ كَالْمُضْطَجِعِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ) الِاسْتِنَادُ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّيْءِ، وَلَوْ وَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَامَ لَمْ يُنْقَض وُضُوءُهُ إذَا كَانَ مُثْبِتًا مَقْعَدَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يُنْقَضُ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونُ) الْإِغْمَاءُ آفَةٌ تَعْتَرِي الْعَقْلَ وَتَغْلِبُهُ وَالْجُنُونُ آفَةٌ تَعْتَرِي الْعَقْلَ وَتَسْلُبُهُ، وَيُقَالُ الْإِغْمَاءُ آفَةٌ تُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا تُزِيلُ الْحِجَا وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْجُنُونُ آفَةٌ تُزِيلُ الْحِجَا وَلَا تُزِيلُ الْقُوَى وَهُمَا حَدَثَانِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَكَذَا السُّكْرُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَيْضًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَالسَّكْرَانُ هُوَ الَّذِي تَخْتَلُّ مِشْيَتُهُ وَلَا يَعْرِفُ الْمَرْأَةَ مِنْ الرَّجُلِ، وَقَوْلُهُ وَالْجُنُونُ بِالرَّفْعِ وَلَا يَجُوزُ خَفْضُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُهُ وَيَجُوزُ خَفْضُهُ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَهْقَهَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) سَوَاءٌ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَمْ تَبْدُ وَسَوَاءٌ قَهْقَهَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا مُتَوَضِّئًا أَوْ مُتَيَمِّمًا وَلَا يَبْطُلُ طَهَارَةُ الْغُسْلِ وَالْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجَارِهِ وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جَارِهِ وَهُوَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَهُوَ لَا يُفْسِدُهُمَا جَمِيعًا وَقَهْقَهَةُ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ وَقَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ إجْمَاعًا وَتُفْسِدُ صَلَاتَهُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَالْبَاقِي فِي الْحَدَثِ إذَا جَاءَ مُتَوَضِّئًا وَقَهْقَهَ فِي الطَّرِيقِ تُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَإِذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَصَلَّى وَقَهْقَهَ لَا يَبْطُلُ الْغُسْلُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ طَهَارَةُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ، وَقَوْلُهُ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ إذَا قَهْقَهَ فِيهِمَا لَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ

وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَسَجْدَتُهُ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَصَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يَحْنَثُ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) يَعْنِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُنَّتَانِ. (قَوْلُهُ وَغَسْلُ سَائِرِ الْبَدَنِ) السَّائِرُ الْبَاقِي وَمِنْهُ السُّؤْرُ الَّذِي يُبْقِيهِ الشَّارِبُ وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْغَدِيرِ الْعَظِيمِ أَوْ الْمَاءِ الْجَارِي انْغِمَاسَةً وَاحِدَةً وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ وَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَوْ اغْتَسَلَ الْأَقْلَفُ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهَا خِلْقَةٌ وَلَوْ اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ وَتَحْتَ أَظْفَارِهَا عَجِينٌ قَدْ يَبِسَ وَجَفَّ وَلَمْ يَصِل الْمَاءُ إلَى تَحْتُ وَجَبَ عَلَيْهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهَا وَسَخٌ فَإِنَّهُ يُجْزِيهَا مِنْ غَيْرِ إزَالَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ قِشْرُ سَمَكٍ أَوْ خُبْزٍ مَمْضُوغٍ مُتَلَبِّدٍ وَجَبَ إزَالَتُهُ، وَكَذَا الْخِضَابُ الْمُتَجَسِّدُ وَالْحِنَّاءُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْغُسْلَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ وَهُوَ الْغُسْلُ مِنْ الْإِيلَاجِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَالثَّانِي الْغُسْلُ مِنْ الْإِنْزَالِ عَنْ شَهْوَةٍ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ إتْيَانِ بَهِيمَةٍ أَوْ مُعَالَجَةِ الذَّكَرِ بِالْيَدِ أَوْ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالثَّالِثُ الْغُسْلُ مِنْ الْحَيْضِ وَالرَّابِعُ الْغُسْلُ مِنْ النِّفَاسِ وَأَرْبَعَةٌ مِنْهُ سُنَّةٌ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَغُسْلُ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامَ حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ وَغُسْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَغُسْلَانِ وَاجِبَانِ غُسْلُ الْمَوْتَى وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي الْمُغَلَّظَةِ وَرُبُعِ الثَّوْبِ فِي الْمُخَفَّفَةِ وَغُسْلٌ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ غُسْلُ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ إذَا أَسْلَمَا وَالصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ إذَا أَدْرَكَا بِالسِّنِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ. (قَوْلُهُ: وَسُنَّةُ الْغُسْلِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ وَفَرْجَهُ) سَمَّاهُ مُغْتَسِلًا؛ لِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الِاغْتِسَالِ كَمَا قُلْنَا إذَا اسْتَيْقَظَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمِهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّيَّةِ بِقَلْبِهِ وَيَقُولَ بِلِسَانِهِ نَوَيْتُ الْغُسْلَ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ ثُمَّ يَسْتَنْجِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ (قَوْلُهُ: وَيُزِيلُ نَجَاسَةً إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ مُعَرَّفًا بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ إلَّا أَنَّ النَّكِرَةَ أَحْسَنُ وَإِنَّمَا قَالَ إنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ وَلَمْ يَقُلْ إذَا كَانَتْ؛ لِأَنَّ إنْ تَدْخُلُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَإِذَا تَدْخُلُ عَلَى أَمْرٍ كَائِنٍ أَوْ مُنْتَظَرٍ لَا مَحَالَةَ وَالنَّجَاسَةُ قَدْ تُوجَدُ وَقَدْ لَا تُوجَدُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ إلَّا رِجْلَيْهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِسَالَةَ تُعْدِمُ الْمَسْحَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْسَحُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا رِجْلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ قَبْقَابٍ أَوْ حَجَرٍ لَا يُؤَخِّرُ غَسْلَهُمَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجِبُ أَنْ يُوصِلَ الْمَاءَ إلَى جَمِيعِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ وَمَعَاطِفِ بَدَنِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَهُوَ عَلَى جَنَابَتِهِ حَتَّى يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ ضَيِّقٌ حَرَّكَهُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِلْ فَالتَّخْلِيلُ فَرْضٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ) هَذَا إذَا كَانَ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ غَسَلَهُمَا عَقِيبَ مَسْحِ رَأْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا. وَلَوْ تَقَاطَرَ الْمَاءُ فِي وَقْتِ الْغَسْلِ فِي الْإِنَاءِ إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْسَدَهُ، وَحَدُّ الْقَلِيلِ مَا لَا يَنْفَرِجُ مَاءُ الْإِنَاءِ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَلَا يَسْتَبِينُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَهُوَ قَلِيلٌ وَإِلَّا فَهُوَ

موجبات الغسل

كَثِيرٌ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُضَ ضَفَائِرَهَا فِي الْغُسْلِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ) وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ النَّقْضُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ وَفِي تَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ النَّقْضُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي حَقِّهِ، وَلَوْ أَلْزَقَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا بِالطِّيبِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ وَجَبَ عَلَيْهَا إزَالَتُهُ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى أُصُولِهِ فَإِنْ احْتَاجَتْ الْمَرْأَةُ إلَى شِرَاءِ الْمَاءِ لِلِاغْتِسَالِ مِنْ الْجَنَابَةِ إنْ كَانَتْ غَنِيَّةً فَثَمَنُهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَعَلَى الزَّوْجِ، وَقِيلَ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَدَعَهَا تَذْهَبُ إلَى الْمَاءِ أَوْ تَنْقُلَهُ أَنْتَ إلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلشُّرْبِ وَأَمَّا ثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَعَلَى الزَّوْجِ إجْمَاعًا وَثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ إنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَعَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا دُونَ الِاغْتِسَالِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُحْتَاجَةَ إلَيْهِ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ. [مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ] (قَوْلُهُ: وَالْمَعَانِي الْمُوجِبَةُ لِلْغُسْلِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ إلَى آخِرِهِ) هَذِهِ الْمَعَانِي مُوجِبَةٌ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْغُسْلِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُضُهُ فَكَيْفَ تُوجِبُهُ وَإِنَّمَا سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَأَمَّا هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ فَشُرُوطٌ وَلَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ وَالْمَنِيُّ خَاثِرٌ أَبْيَضُ يَنْكَسِرُ مِنْهُ الذَّكَرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَيُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَرَائِحَتُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ وَعِنْدَ يُبْسِهِ كَرَائِحَةِ الْبَيْضِ. (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ) هَذَا بِإِطْلَاقِهِ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا سَبَبَ الْغُسْلِ خُرُوجَهُ عَنْ شَهْوَةٍ وَلَمْ يَجْعَلَا الدَّفْقَ شَرْطًا حَتَّى إنَّهُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ وَجَبَ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ الشَّهْوَةُ أَيْضًا عِنْدَ خُرُوجِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ أَيْ نَزَلَ مُتَتَابِعًا وَلَوْ احْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَانْفَصَلَ الْمَنِيُّ مِنْهُ بِشَهْوَةٍ فَلَمَّا قَارَبَ الظُّهْرَ شَدَّ عَلَى ذَكَرِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ تَرَكَهُ فَسَالَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَجَبَ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَكَذَا إذَا اغْتَسَلَ الْمُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ أَوْ يَنَامَ ثُمَّ خَرَجَ بَاقِي الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْغُسْلِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْبَوْلِ أَوْ النَّوْمِ لَا يُعِيدُ إجْمَاعًا، وَلَوْ اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ ذَكَرِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ الِاحْتِلَامَ فَإِنْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا قَبْلَ النَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إنْ كَانَ مَنِيًّا وَجَبَ الْغُسْلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ وَدْيًا لَا يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مَذْيًا وَجَبَ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَوْ لَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا تَيَقَّنَ الِاحْتِلَامَ. (قَوْلُهُ: وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) أَيْ مَعَ تَوَارِي الْحَشَفَةِ فَإِنَّ تَيَقُّنَ مُلَاقَاةِ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ تَوَارٍ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْمُرَادُ بِالْتِقَائِهِمَا مُحَاذَاتُهُمَا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ كُلِّهَا وَفِي قَوْلِهِ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَبِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ، كَمَا قَالَ حَافِظُ الدِّينِ فِي الْكَنْزِ كَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَيْسَ هُنَاكَ خِتَانَانِ يَلْتَقِيَانِ وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ يَجِبُ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّكَرِ. (قَوْلُهُ: وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَا دَامَ بَاقِيَيْنِ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِانْقِطَاعِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ بِالِانْقِطَاعِ لَا غَيْرُ فَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَعَامَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ بِالِانْقِطَاعِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَفَائِدَتُهُ إذَا انْقَطَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ تَأْثَمُ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لَا تَأْثَمُ وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ وَلَوْ أَجْنَبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ حَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْغُسْلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَفَائِدَتُهُ أَنَّهَا إذَا حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ هَذِهِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ حَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ بَعْدَ الطُّهْرِ حَنِثَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَحْنَثُ، وَإِنْ

الأغسال المسنونة

اغْتَسَلَتْ قَبْلَ أَنْ تُطَهِّرَهُ مِنْ الْحَيْضِ حَنِثَتْ إجْمَاعًا. [الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ] (قَوْلُهُ: «وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ» ) سَوَاءٌ كَانَ إحْرَامَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَكَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِلْيَوْمِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ لِلْيَوْمِ وَفَائِدَتُهُ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَمْ يُحْدِثْ حَتَّى صَلَّى الْجُمُعَةَ يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ لَا وَكَذَا إذَا اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَكُونُ آتِيًا بِهَا عِنْدَ الْحَسَنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَنَالُ فَضِيلَةَ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ تَنَالُهَا وَالْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَغَسْلُ الْمَيِّتِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ بِفَتْحِهَا وَضَابِطُهُ أَنَّك إذَا أَضَفْت إلَى الْمَغْسُولِ فَتَحْتَ وَإِذَا أَضَفْت إلَى غَيْرِهِ ضَمَمْتَ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ غُسْلٌ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ) الْمَذْيُ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْوَدْيُ مَاءٌ أَصْفَرُ غَلِيظٌ يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ وَكِلَاهُمَا بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَقَوْلُهُ وَفِيهِمَا الْوُضُوءُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُسْتُفِيدَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ فَلِمَ أَعَادَهُمَا قُلْنَا إنَّمَا دَخَلَا هُنَاكَ ضِمْنًا لَا قَصْدًا وَمِنْ الْأَشْيَاءِ مَا يَدْخُلُ ضِمْنًا وَلَا يَدْخُلُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا فَإِنْ قُلْت وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْوُضُوءُ مِنْ الْوَدْيِ وَهُوَ قَدْ وَجَبَ بِالْبَوْلِ السَّابِقِ قُلْت يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ إذَا أَوْدَى يَتَوَضَّأُ وَيَكُونُ وُضُوءُهُ مِنْ الْوَدْيِ خَاصَّةً وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ بَالَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَوْدَى فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْوَدْيِ. (قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْأَحْدَاثِ إلَى آخِرِهِ) طَهَارَةُ الْأَحْدَاثِ هِيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ الْأَحْدَاثِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ) وَلَمْ يَقُلْ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْمِيَاهُ أَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتَضَيَّقْ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَيْسَ هُوَ عَلَى التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُزِيلًا لِلْأَحْدَاثِ كَانَ مُزِيلًا لِلْأَنْجَاسِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَمَاءُ الْبِحَارِ) إنَّمَا قَالَ وَمَاءُ الْبِحَارِ وَلَمْ يَقُلْ وَالْبِحَارُ رَدًّا لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ حَتَّى حَكَى جَابِرٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالثَّمَرِ) بِالْقَصْرِ عَلَى أَنَّ مَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ بِمَعْنَى الْمُمَدَّدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ هُوَ الْمَوْصُولُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالِاعْتِصَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَالَ بِنَفْسِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ إلَّا أَنَّ الْحَلْوَانِيَّ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَاءُ الشَّجَرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ أَوْ بِالْأَوْصَافِ فَفِي الْهِدَايَةِ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ اللَّوْنَ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْأَجْزَاءَ وَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالْأَوْصَافِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْمُخَالِطَ إذَا كَانَ مَائِعًا فَمَا دُونَ النِّصْفِ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ النِّصْفَ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْأَوْصَافَ إنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَةَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ غَيَّرَ وَاحِدًا جَازَ وَإِنْ غَيَّرَ اثْنَيْنِ فَكَذَا لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مَائِعًا جِنْسُهُ جِنْسُ الْمَاءِ كَمَا الدُّبَّاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُهُ غَيْرَ جِنْسِ الْمَاءِ كَاللَّبَنِ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَوْصَافِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّيْخُ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ فَغَيَّرَ أَحَدَ

أَوْصَافِهِ. (قَوْلُهُ: فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ) وَطَبْعُهُ الرِّقَّةُ وَالسَّيَلَانُ وَتَسْكِينُ الْعَطَشِ. (قَوْلُهُ: كَالْأَشْرِبَةِ) أَيْ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الثِّمَارِ كَشَرَابِ الرُّمَّانِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ رَاعَى فِي هَذَا صُنْعَهُ اللَّفَّ وَالنَّشْرَ، فَقَوْلُهُ اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ لَفٌّ وَكَذَا بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَفٌّ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ كَالْأَشْرِبَةِ تَفْسِيرٌ لِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ، وَقَوْلُهُ كَالْخَلِّ إنْ كَانَ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ فَهُوَ مِمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ إنْ كَانَ خَالِصًا فَهُوَ مِمَّا اُعْتُصِرَ مِنْ الثَّمَرِ وَقَوْلُهُ وَالْمَرَقُ تَفْسِيرٌ لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] ، فَقَوْلُهُ {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص: 73] ، رَاجِعٌ إلَى اللَّيْلِ {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] رَاجِعٌ إلَى النَّهَارِ. (قَوْلُهُ: وَمَاءُ الْبَاقِلَاءِ) الْمُرَادُ الْمَطْبُوخُ بِحَيْثُ إذَا بَرَدَ ثَخُنَ، وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ، وَالْبَاقِلَاءُ هُوَ الْفُولُ إذَا شَدَّدْت اللَّامَ قَصَرْت وَإِذَا خَفَّفْتهَا مَدَدْتَ الْوَاحِدَةُ بَاقِلَّاةٌ وَبَاقِلَاةٌ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ (قَوْلُهُ: وَمَاءُ الزَّرْدَجِ) ذَكَرَهُ مِنْ قَسِيمِ الْمَرَقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قِسْمٌ مِنْهُ وَمَاءُ الذَّرْدَجِ هُوَ مَاءُ الْعُصْفُرِ الْمَنْقُوعِ فَيُطْرَحُ وَلَا يُصْبَغُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ) الْأَوْصَافُ ثَلَاثَةٌ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ فَإِنْ غَيَّرَ وَصْفَيْنِ فَعَلَى إشَارَةِ الشَّيْخِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ تَغَيَّرَتْ أَوْصَافُهُ الثَّلَاثَةُ بِوُقُوعِ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ فِيهِ فِي وَقْتِ الْخَرِيفِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْمَيْدَانِيُّ يَجُوزُ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ مَغْلُوبًا كَانَ مُقَيَّدًا (قَوْلُهُ: كَمَاءِ الْمَدِّ) هُوَ السَّيْلُ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِغُثَاءٍ وَأَشْجَارٍ وَأَوْرَاقٍ وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطُولِ الزَّمَانِ أَوْ بِالطُّحْلُبِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الَّذِي يَخْتَلِطُ بِهِ الْأُشْنَانُ وَالصَّابُونُ وَالزَّعْفَرَانُ) لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ بَاقٍ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاخْتِلَاطُ الْقَلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَطَ الزَّاجُّ بِالْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ فَهُوَ عَلَى هَذَا. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ) وَكَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْجَارِي أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَالْغَدِيرِ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا) أَيْ قَلِيلًا كَالْآبَارِ وَالْأَوَانِي أَوْ كَثِيرًا كَالْغَدِيرِ فَيَنْجُسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِحِفْظِ الْمَاءِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَقَالَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» ) أَيْ الرَّاكِدِ «وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» ) إنَّمَا قَالَ أَمَرَ وَهُوَ نَهْيٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْمُسْتَعْمَلَ بِالْبَوْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ فِيهِ كَالْبَوْلِ فِيهِ فَيُجَابُ عَنْهُ أَنَّ صَاحِبَ الْجَنَابَةِ لَا يَخْلُو بَدَنُهُ

عَنْ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ عَادَةً وَالْعَادَةُ كَالْمُتَيَقَّنِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسَنَّ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» ) يَعْنِي فِي مَكَان طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ) حَدُّ الْجَارِي مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةٍ وَلَوْ جَلَسَ النَّاسُ صُفُوفًا عَلَى شَطِّ نَهْرٍ وَتَوَضَّئُوا مِنْهُ جَازَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْمَاءِ الْجَارِي يَغْتَسِلُ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ جَنَابَةٍ هَلْ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ أَسْفَلَ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ) الْأَثَرُ هُوَ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ دَابَّةً مَيِّتَةً إنْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ نِصْفِهَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَقَلِّهَا وَأَكْثَرُهُ يَجْرِي عَلَى مَكَان طَاهِرٍ وَلِلْمَاءِ قُوَّةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ وَشَرْحُ ابْنِ أَبِي عَوْفٍ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً كَدَابَّةٍ مَيِّتَةً لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِمَّا قَرُبَ مِنْهَا وَيَجُوزُ مِمَّا بَعْدَهُ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ أَسْفَلِهَا أَصْلًا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَتْ الْمَيِّتَةُ شَاغِلَةً لِبَعْضِ النَّهْرِ جَازَ الْوُضُوءُ مِمَّا بَعُدَ وَلَا يَجُوزُ مِمَّا قَرُبَ، وَيُعْرَفُ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ صَبْغٌ فَمَا بَلَغَ الصَّبْغُ مِنْ جِرْيَةِ الْمَاءِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الطَّهَارَةُ وَيَصِحُّ مِمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ شَاغِلَةً لِكُلِّ النَّهْرِ أَوْ لِأَكْثَرِهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ مِمَّا سَفَلَ مِنْهَا أَصْلًا وَيَصِحُّ مِنْ أَعْلَاهَا، وَإِنْ شَغَلَتْ نِصْفَ النَّهْرِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ (قَوْلُهُ: وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ إلَى آخِرِهِ) التَّحْرِيكُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ بِالِاغْتِسَالِ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَا بِالتَّوَضُّؤِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْغُدْرَانِ أَشَدُّ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى التَّوَضُّؤِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ غَالِبًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَدْنَى مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَرَكَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالتَّوَضُّؤِ، وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى التَّوَضُّؤِ أَكْثَرُ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِاغْتِسَالِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ أَوْلَى، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي الْغَدِيرِ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِالْمِسَاحَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ طُولًا فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً فِي الْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّينَ وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبْضَاتٍ وَهُوَ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَبْضَةٍ فَإِنْ كَانَ الْغَدِيرُ مُثَلَّثًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جَانِبٍ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَمِسَاحَتُهُ أَنْ تَضْرِبَ جَوَانِبَهُ فِي نَفْسِهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدًا وَثَلَاثِينَ وَجُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ ذِرَاعٍ وَتَأْخُذَ ثُلُثَ ذَلِكَ وَعُشْرَهُ فَهُوَ الْمِسَاحَةُ فَثُلُثُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى التَّقْرِيبِ يَكُونُ سَبْعَةً وَسَبْعِينَ وَعُشْرُهُ عَلَى

التَّقْرِيبِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَبْلُغُ عُشْرَ ذِرَاعٍ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا اُعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ قُطْرُهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَدَوْرُهُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا فَمِسَاحَتُهُ أَنْ يُضْرَبَ نِصْفُ الْقُطْرِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَعُشْرٌ فِي نِصْفِ الدَّوْرِ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ، وَأَمَّا حَدُّ الْعُمْقِ فَالْأَصَحُّ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ الْأَرْضُ بِالِاغْتِرَافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقِيلَ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ، وَقِيلَ مِقْدَارُ شِبْرٍ (قَوْلُهُ: جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْأُخَرِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَنَجُّسِ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ سَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً أَوْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعِرَاقِيِّينَ وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْبَلْخِيِّينَ إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً فَكَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ) لِاتِّسَاعِهِ وَتَبَاعُدِ أَطْرَافِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ) أَيْ دَمٌ سَائِلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ يُسَمَّى نَفْسًا قَوْلُ الشَّاعِرِ: تَسِيلُ عَلَى حَدِّ السُّيُوفِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِ السُّيُوفِ تَسِيلُ (قَوْلُهُ: إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ) تَقْيِيدُهُ بِالْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَطَّرِدُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّنَجُّسِ فِيهِ لِعَدَمِ الدَّمِ لَا لِلْمَعْدِنِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ خَارِجَ الْمَاءِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِيهِ لَا يُنَجِّسُهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقَارِبِ) الْبَقُّ كِبَارُ الْبَعُوضِ، وَقِيلَ الْكَتَّانُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الذُّبَابَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ وَالزَّنَابِيرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الذُّبَابَ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالزَّنَابِيرُ أَجْنَاسٌ شَتَّى وَسُمِّيَ ذُبَابًا؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا ذُبَّ آبَ أَيْ كُلَّمَا طُرِدَ رَجَعَ. (قَوْلُهُ: وَمَوْتُ) (مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ) إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِوَالِدِهِ وَمَثْوَاهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ أَوْجَبَ التَّنَجُّسَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يَعِيشُ فِيهِ عَمَّا يَتَعَيَّشُ فِيهِ وَلَا يَتَنَفَّسُ فِيهِ كَطَيْرِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَاءِ إذْ لَوْ مَاتَ فِي غَيْرِهِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ، وَقِيلَ لَا يُفْسِدُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: كَالسَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ) قَدَّمَ السَّمَكَ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُفْسِدُهُ إلَّا السَّمَكَ وَالسَّرَطَانَ وَعَقْرَبَ الْبَحْرِ وَالسَّرَطَانُ هُوَ الْعِقَامُ وَالضِّفْدَعُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَنَاسٌ يَفْتَحُونَهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) قَيَّدَ بِالْأَحْدَاثِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْأَنْجَاسَ وَسَوَاءٌ تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ مِنْ جَنَابَةٍ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَتِهِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، حَتَّى لَوْ أَصَابَ الثَّوْبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ يَسِيرِهِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بَلْخِي وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ لِلْأَحْدَاثِ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا فِي كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَعْمَلُ كُلُّ مَاءٍ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ

وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ لَا غَيْرُ، فَقَوْلُهُ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ بِأَنْ تَوَضَّأَ مُتَبَرِّدًا أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا الْوُضُوءَ أَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ مِنْ وَسَخٍ أَوْ تُرَابٍ وَهُوَ فِي هَذَا كُلِّهِ مُحْدِثٌ وَقَوْلُهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ بِأَنْ تَوَضَّأَ وَهُوَ طَاهِرٌ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَنَوَى الْقُرْبَةَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا وَإِذَا تَوَضَّأَ الطَّاهِرُ وَلَمْ يَنْوِهَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا، وَإِذَا تَوَضَّأَ الطَّاهِرُ وَنَوَاهَا صَارَ مُسْتَعْمَلًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ أَوْ يَرْفَعَ بِهِ الْحَدَثَ وَالرَّابِعَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ وَهِيَ مَا إذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وَلَمْ يَنْوِهَا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَلَوْ كَانَ جُنُبًا وَاغْتَسَلَ لِلتَّبَرُّدِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلُهُ فِي الْبَدَنِ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ غُسَالَةِ الْجَمَادَاتِ كَالْقُدُورِ وَالْقِصَاعِ وَالْحِجَارَةِ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا. وَكَذَا إذَا غَسَلَ ثَوْبًا مِنْ الْوَسَخِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا وَإِذَا غَسَلَ يَدَهُ لِلطَّعَامِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ كَانَ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ تَقَرُّبٌ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» يَعْنِي الْجُنُونَ، وَقِيلَ لِلطَّعَامِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَمِنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) الْإِهَابُ الْجِلْدُ الَّذِي لَمْ يُدْبَغْ فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ أَدِيمًا وَكُلُّ جِلْدٍ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَمَا لَا فَلَا،. وَفِي الْهِدَايَةِ مَا طَهُرَ بِالدِّبَاغِ طَهُرَ بِالذَّكَاةِ وَكَذَا لَحْمُهُ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا. وَفِي الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ. وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ نَجِسَ السُّؤْرِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ بِالذَّكَاةِ إذَا وُجِدَتْ الذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ بِأَنْ كَانَ الْمُذَكِّي مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ بِالتَّسْمِيَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مَجُوسِيًّا فَلَا بُدَّ فِي الْجِلْدِ مِنْ الدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ أَمَانَةٌ لَا ذَكَاةٌ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَقَمِيصُ الْحَيَّةِ طَاهِرٌ كَذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَجِلْدُهَا نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهَا وَقَوْلُهُ دُبِغَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الدَّابِغُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوَ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً وَجِلْدُ الْكَلْبِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَطْهُرُ وَفِي رِوَايَةٍ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَالدِّبَاغُ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ كَالشَّبِّ وَالْقَرَظِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَحُكْمِيٌّ كَالشَّمْسِ وَالتُّرَابِ فَإِنْ عَاوَدَ الْمَدْبُوغَ بِالْحُكْمِ الْمَاءُ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَعُودُ نَجِسًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَعُودُ نَجِسًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ) وَكَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَنْ يَلْبَسَهُ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَطْهِيرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَلِمَ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا قِيلَ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ دَلَالَةٌ عَلَى طَهَارَةِ جِلْدِ الْكَلْبِ بِالدِّبَاغِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَكَمَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ فَكَذَا بِالذَّكَاةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إهَانَةٍ وَفِي مَوْضِعِ الْإِهَانَةِ يُقَدَّمُ الْمُهَانُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج: 40] ، فَقَدَّمَ الصَّوَامِعَ وَالْبِيَعَ عَلَى الْمَسَاجِدِ لِأَجْلِ ذِكْرِ الْهَدْمِ؛ لِأَنَّهُ إهَانَةٌ الْبِيَعُ جَمْعُ بِيعَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهِيَ لِلنَّصَارَى وَالصَّوَامِعُ لِلصَّابِئِينَ وَالصَّلَوَاتُ كَنَائِسُ الْيَهُودِ وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ صَلَوَاتٍ وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ وَعِظَامُهُ نَجِسَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِهِ وَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرَانِ) أَرَادَ مَا سِوَى الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ وَرَخَّصَ فِي شَعْرِهِ لِلْخَرَّازِينَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَهُ أَيْضًا لَهُمْ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَالرِّيشُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالْقَرْنُ وَالْخُفُّ وَالظِّلْفُ وَالْحَافِرُ كُلُّ هَذِهِ طَاهِرَةٌ مِنْ الْمَيْتَةِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّعْرُ مَحْلُوقًا أَوْ مَجْزُورًا فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْتُوفًا فَهُوَ نَجِسٌ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَجَاسَةِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَظُفْرِهِ وَعَظْمِهِ رِوَايَتَانِ فَبِنَجَاسَتِهِ أَخَذَ الْمَاتُرِيدِيُّ وَبِطَهَارَتِهِ أَخَذَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا نَجِسٌ، وَعِنْدَ مَالِكٍ عَظْمُهَا نَجِسٌ وَشَعْرُهَا طَاهِرٌ وَلَمْ يَذْكُرْ

الشَّيْخُ بَيْضَ الْمَيْتَةِ وَلَبَنَهَا فَنَقُولُ الدَّجَاجَةُ إذَا مَاتَتْ وَخَرَجَتْ مِنْهَا بَيْضَةٌ بَعْدَ مَوْتِهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ يَحِلُّ أَكْلُهَا عِنْدَنَا سَوَاءٌ اشْتَدَّ قِشْرُهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ اشْتَدَّ قِشْرُهَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ فَهِيَ نَجِسَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَإِنْ مَاتَتْ شَاةٌ فَخَرَجَ مِنْ ضَرْعِهَا لَبَنٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ طَاهِرٌ يَحِلُّ شُرْبُهُ وَلَا يَتَنَجَّسُ الْوِعَاءُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهُ الْمَوْتُ إلَّا أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِنَجَاسَةِ الْوِعَاءِ فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ نَجِسٌ فَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، وَإِنْ مَاتَ جَدْيٌ فَمِنْفَحَتُهُ طَاهِرَةٌ يَجُوزُ أَكْلُ مَا فِي جَوْفِهَا سَوَاءٌ كَانَ مَائِعًا أَوْ جَامِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مَائِعًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا وَغُسِلَ جَازَ أَكْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالْإِنْفَحَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً كَرِشُ الْجَدْيِ مَا لَمْ يَأْكُلْ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا) (وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ) أَيْ مَائِعَةٌ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ (قَوْلُهُ: نُزِحَتْ) يَعْنِي الْبِئْرَ وَالْمُرَادُ مَاؤُهَا ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ بِهِ الْحَالَ كَمَا يُقَالُ جَرَى النَّهْرُ وَسَالَ الْمِيزَابُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] (قَوْلُهُ: وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ الْوَحْلُ وَالْأَحْجَارُ وَالدَّلْوُ وَالرَّشَا وَيَدُ النَّازِحِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ عُصْفُورٌ أَوْ صَعْوَةٌ أَوْ سُودَانِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ) إنَّمَا يَكُونُ النَّزَحُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَأْرَةِ أَمَّا مَا دَامَتْ فِيهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِنْ النَّزَحِ. (قَوْلُهُ أَوْ سَامٌّ أَبْرَصُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْوَزَغُ الْكَبِيرُ وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فَإِنْ شِئْتَ أَعْرَبْتَ الْأَوَّلَ وَأَضَفْتَ إلَى الثَّانِي، وَإِنْ شِئْت بَنَيْت الْأَوَّلَ عَلَى الْفَتْحِ وَأَعْرَبْت الثَّانِيَ بِإِعْرَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ، وَإِنْ شِئْت بَنَيْتهمَا جَمِيعًا عَلَى الْفَتْحِ مِثْلُ خَمْسَةَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ عِشْرِينَ دَلْوًا إلَى ثَلَاثِينَ) الْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَالْعَشَرَةُ بِطُرُقِ الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْفَأْرَةُ هَارِبَةً مِنْ الْهِرَّةِ وَلَا مَجْرُوحَةً أَمَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ، وَإِنْ خَرَجَتْ حَيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً وَكَذَا الْهِرَّةُ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ الْكَلْبِ أَوْ مَجْرُوحَةً يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ وَالدَّمَ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ وَحُكْمُ الْفَأْرَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ كَالْوَاحِدَةِ وَالْخَمْسِ كَالْهِرَّةِ إلَى التِّسْعِ وَالْعَشْرِ كَالْكَلْبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثُ كَالْهِرَّةِ وَالسِّتُّ كَالْكَلْبِ إلَى التِّسْعِ، وَكَذَلِكَ الْعُصْفُورُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا فَأْرَتَانِ فَكَفَأْرَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْهِرَّتَيْنِ يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ إجْمَاعًا وَمَا كَانَ بَيْنَ الْفَأْرَةِ وَالْهِرَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْفَأْرَةِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْهِرَّةِ وَالْكَلْبِ كَالْهِرَّةِ وَهَكَذَا أَبَدًا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَصْغَرِ وَلَوْ أَنَّ هِرَّةً أَخَذَتْ فَأْرَةً فَوَقَعَتَا جَمِيعًا فِي الْبِئْرِ إنْ كَانَتْ الْهِرَّةُ حَيَّةً وَالْفَأْرَةُ مَيِّتَةً نُزِحَ عِشْرُونَ، وَإِنْ كَانَتَا مَيِّتَتَيْنِ أَجْزَأَهُمْ نَزْحُ أَرْبَعِينَ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، وَإِنْ كَانَتَا حَيَّتَيْنِ أُخْرِجَتَا وَلَا يُنْزَحُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ مَجْرُوحَةً أَوْ بَالَتْ نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ وَهَلْ تَطْهُرُ الْبِئْرُ بِالدَّلْوِ الْأَخِيرِ إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْمَاءِ أَوْ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالِانْفِصَالِ عَنْ الْمَاءِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا أَخَذَ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجِسٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ، وَلَوْ نَضَبَ مَاءُ الْبِئْرِ وَجَفَّتْ بَعْدَ وُقُوعِ الْفَأْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا قَبْلَ النَّزْحِ ثُمَّ عَادَ لَمْ تَطْهُرْ إلَّا بِالنَّزْحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ حَتَّى لَوْ صَلَّى رَجُلٌ فِي قَعْرِهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَضَبَ الْمَاءُ وَلَمْ يَجِفَّ أَسْفَلُهَا حَتَّى عَاوَدَهَا الْمَاءُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّزْحِ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ نَضَبَ الْمَاءُ أَيْ غَارَ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ وَجَبَ فِي الْبِئْرِ نَزْحُ عِشْرِينَ فَنُزِحَ عَشْرٌ وَنَفِدَ الْمَاءُ وَنَبَعَ غَيْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُمْ عَشَرَةٌ أُخْرَى تَتْمِيمًا لِلْوَظِيفَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحْتَاجُ إلَى نَزْحِ شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَشَدَّ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى

وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْمُتَابَعَةُ فِي النَّزْحِ أَمْ لَا عِنْدَنَا لَا يُشْتَرَطُ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ يُشْتَرَطُ (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ كُبْرِ الْحَيَوَانِ وَصِغَرِهِ إلَى آخِرِهِ) الْكُبْرُ بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ لِلْجُثَّةِ وَكَذَا الصِّغَرُ بِضَمِّ الصَّادِ وَتَسْكِينِ الْغَيْنِ وَأَمَّا بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَبِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ فَلِلسِّنِّ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ كَبِيرًا أَوْ الْبِئْرُ كَبِيرَةً فَالْعَشَرَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَالِاسْتِحْبَابُ دُونَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا وَالْآخَرُ كَبِيرًا فَخَمْسٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَخَمْسٌ دُونَهَا فِي الِاسْتِحْبَابِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا حَمَامَةٌ أَوْ دَجَاجَةٌ أَوْ سِنَّوْرٌ نُزِحَ مِنْهَا مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ دَلْوٍ إلَى سِتِّينَ) إضْعَافًا لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فِي الْفَأْرَةِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خَمْسُونَ دَلْوًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ إضْعَافًا لِلْوُجُوبِ دُونَ الِاسْتِحْبَابِ الدَّجَاجَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهُوَ شَاذٌّ وَأَمَّا ضَمُّهَا فَخَطَأٌ وَفِي السِّنَّوْرَيْنِ وَالدَّجَاجَتَيْنِ وَالْحَمَامَتَيْنِ يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ آدَمِيٌّ نُزِحَ جَمِيعُ مَائِهَا) مَوْتُ الْكَلْبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ حَيًّا يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ سُؤْرُهُ نَجِسٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَجِبُ نَزْحُ الْكُلِّ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا وَمَنْ سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ إذَا خَرَجَ حَيًّا فَالْمَاءُ مَكْرُوهٌ يُنْزَحُ مِنْهُ عَشْرُ دِلَاءٍ وَالشَّاةُ إذَا خَرَجَتْ حَيَّةً وَلَمْ تَكُنْ هَارِبَةً مِنْ السَّبُعِ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ هَارِبَةً يُنْزَحُ كُلُّ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: وَعَدَدُ الدِّلَاءِ يُعْتَبَرُ بِالدَّلْوِ الْوَسَطِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلْآبَارِ) وَالْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بِئْرٍ بِدَلْوِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا دَلْوٌ يُتَّخَذُ لَهَا دَلْوٌ يَسَعُ صَاعًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ نُزِحَ مِنْهَا بِدَلْوٍ عَظِيمٍ قَدْرُ مَا يَسَعُ مِنْ الدَّلْوِ الْوَسَطِ وَاحْتُسِبَ بِهِ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ قِلَّةِ التَّقَاطُرِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَكْرَارِ النَّزْحِ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ أَسْفَلِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهَا فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْجَارِي وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِنَزْحِ الدَّلْوِ الْعَظِيمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قُلْنَا مَعْنَى الْجَرَيَانِ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِدُونِ النَّزْحِ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ انْتَفَخَ الْحَيَوَانُ فِيهَا أَوْ تَفَسَّخَ نُزِحَ جَمِيعُ مَائِهَا صَغِيرًا كَانَ الْحَيَوَانُ أَوْ كَبِيرًا) وَكَذَا إذَا تَمَعَّطَ شَعْرُهُ الِانْتِفَاخُ أَنْ تَتَلَاشَى أَعْضَاؤُهُ وَالتَّفَسُّخُ أَنْ تَتَفَرَّقَ عُضْوًا عُضْوًا وَلَوْ قُطِعَ ذَنَبُ الْفَأْرَةِ وَأُلْقِيَ فِي الْبِئْرِ نُزِحَ جَمِيعُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ رُطُوبَةٍ فَإِنْ جُعِلَ عَلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ شَمْعَةٌ لَمْ يَجِبْ إلَّا مَا فِي الْفَأْرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ مَعِينًا لَا تُنْزَحُ وَقَدْ وَجَبَ نَزْحُ مَا فِيهَا أَخْرَجُوا مِقْدَارَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ) وَفِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ سِتَّةُ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَحَدُهُمَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ أَصْحَابِ الْبِئْرِ إذَا قَالُوا بَعْدَ النَّزْحِ مَا كَانَ فِي بِئْرِنَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَالثَّانِي يَنْزِلُ الْبِئْرَ رَجُلَانِ لَهُمَا مَعْرِفَةٌ بِأَمْرِ الْمَاءِ وَيَقُولَانِ بَعْدَ النَّزْحِ مَا كَانَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَبَرَ قَوْلَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجْهَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا يُحْفَرُ حَفِيرَةٌ لِقَدْرِ طُولِ الْمَاءِ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ وَتُجَصَّصُ بِحَيْثُ لَا يَنْشَفُ وَيُصَبُّ فِيهَا مَا يُنْزَحُ مِنْهَا حَتَّى تَمْتَلِئَ، وَالثَّانِي يُجْعَلُ فِيهَا قَصَبَةٌ وَيُجْعَلُ لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةٌ فَيُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ فَيُنْزَحُ لِكُلِّ

قَدْرٍ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا فِي الْمَتْنِ وَالثَّانِي مَا بَيْنَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَكَأَنَّهُ بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي آبَارِ بَلَدِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَالْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِنَزْحِ مِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ وَلَا يُكْتَفَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: وَإِذَا وُجِدَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَى آخِرِهِ) مَيْتَةٌ بِالتَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ بِالتَّشْدِيدِ يُطْلَقُ عَلَى الْحَيِّ قَالَ اللَّهُ {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30] أَيْ سَتَمُوتُ وَمَا قَدْ مَاتَ يُقَالُ لَهُ مَيْتٌ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ الشَّاعِرُ: وَمَنْ يَكُ ذَا رُوحٍ فَذَلِكَ مَيِّتٌ ... وَمَا الْمَيْتُ إلَّا مَنْ إلَى الْقَبْرِ يُحْمَلُ (قَوْلُهُ: إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا) أَيْ وَهُمْ مُحْدِثُونَ (قَوْلُهُ: وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا) أَيْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ نَجَاسَةٍ، أَمَّا إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا كَذَا أَفَادَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَارَّ صَارَ مَشْكُوكًا فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَإِذَا كَانُوا مُحْدِثِينَ بِيَقِينٍ لَمْ يَزُلْ حَدَثُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَإِذَا كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمَاءٍ مَشْكُوكٍ فِي نَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْإِصَابَةِ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ بِمَرْأَى بَصَرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا عَلِمَ أَنَّهَا أَصَابَتْهُ لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّهَا غَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِهِ، وَلَوْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَعَادَ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَتْ) وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى رَأَى طَائِرًا فِي مِنْقَارِهِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ أَلْقَاهَا فِي بِئْرٍ فَرَجَعَ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَةِ الْبِئْرِ فِيمَا مَضَى وَفِي شَكٍّ مِنْ نَجَاسَتِهَا الْآنَ فَلَا يَزُولُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ قَدْ زَالَ هَذَا الشَّكُّ بِيَقِينِ النَّجَاسَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَلِأَنَّ لِلْمَوْتِ سَبَبًا ظَاهِرًا وَهُوَ الْوُقُوعُ فِي الْمَاءِ فَيُحَالُ بِالْمَوْتِ عَلَيْهِ وَعَدَمُ الِانْتِفَاخِ فِي الْمَاءِ دَلِيلُ قُرْبِ الْعَهْدِ فَقُدِّرَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالِانْتِفَاخُ دَلِيلُ التَّقَادُمِ فَقُدِّرَ بِالثَّلَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَسَّخُ. (قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ) السُّؤْرُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ سُؤْرٌ طَاهِرٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسُؤْرٌ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ وَسُؤْرٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسُؤْرٌ مَكْرُوهٌ وَسُؤْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ أَمَّا الطَّاهِرُ فَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْكَافِرُ إلَّا سُؤْرَ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَنْ دَمِيَ فَاهُ إذَا شَرِبَ عَلَى فَوْرِهِمَا فَإِنَّهُ نَجِسٌ فَإِنْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مِرَارًا طَهُرَ فَمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَكَذَا سُؤْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ كَلَبَنِهِ إلَّا الْإِبِلَ الْجَلَّالَةَ وَهِيَ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِنَّ سُؤْرَهَا مَكْرُوهٌ فَإِنْ كَانَتْ تُخْلَطُ وَأَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا النَّجِسُ فَسُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ إلَّا أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ خِلَافُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْهُ سَبْعًا عِنْدَهُ عَلَى طَرِيقِ الْعِبَادَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ النَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ) قَدَّمَ الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ لِمُوَافَقَةِ الشَّافِعِيِّ لَنَا فِيهِمَا وَأَخَّرَ السِّبَاعَ لِمُخَالَفَتِهِ لَنَا فِيهَا وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ مَا يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَالسُّؤْرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هُوَ سُؤْرُ السِّبَاعِ فَعِنْدَنَا هُوَ نَجِسٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ طَاهِرٌ لَنَا أَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْأَلْبَانِ وَاللَّحْمِ، وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ سُؤْرِهَا فَكَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا كَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَالْخَنَازِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ «سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَوَاتِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ فَقَالَ لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَنَا شَرَابٌ وَطَهُورٌ» فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْكَثِيرِ أَلَا تَرَاهُ ذَكَرَ الْكِلَابَ وَسُؤْرُهَا نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ نَجَاسَةَ سُؤْرِ السِّبَاعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ خَفِيفَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا

غَلِيظَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَفِيفَةٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَمَّا السُّؤْرُ الْمَكْرُوهُ فَهُوَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ كَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَهِيَ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا كَالصَّقْرِ وَالْبَازِ وَالْعُقَابِ وَالْغُرَابِ الْأَسْوَدِ وَالْحَدَأَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْهِرَّةِ) أَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِهَا فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَهَلْ كَرَاهِيَتُهُ عِنْدَهُمَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيَةٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ كَرَاهِيَتُهُ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْقُرْبِ مِنْ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَقِيلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِسُؤْرِهَا عِنْدَهُمَا إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ لَا يُكْرَهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسًا نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ بِالطَّوْفِ أَسْقَطَتْ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» فَإِنْ لَحِسَتْ الْهِرَّةُ عُضْوَ إنْسَانٍ يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا إذَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ يُكْرَهُ أَكْلُ بَاقِيهِ قَالَ فِي الْكَامِلِ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَدَلِهِ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ فَأْرَةً وَشَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ إلَّا إذَا مَكَثَتْ سَاعَةً لِغَسْلِ فَمِهَا بِلُعَابِهَا (قَوْلُهُ: وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ) لِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَاتِ إذْ لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمِهَا لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الطَّهَارَةُ نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا وَلَوْ حُبِسَتْ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ وَأَمَّا كَرَاهَةُ سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَلِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ عَادَةً فَأَشْبَهَتْ الدَّجَاجَةَ الْمُخَلَّاةَ فَلَوْ حُبِسَتْ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ لَحْمٌ وَالْعَظْمُ طَاهِرٌ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا نَجِسًا نَظَرًا إلَى اللَّحْمِ كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ قِيلَ إنَّهَا تَشْرَبُ بِمَنَاقِيرِهَا وَالسِّبَاعُ بِأَلْسِنَتِهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ بِلُعَابِهَا وَلِأَنَّ سِبَاعَ الطَّيْرِ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الضَّرُورَةُ فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ فَتَشْرَبُ فَلَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْأَوَانِي عَنْهَا. (قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا) وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنْ الْأَسْآرِ وَهَلْ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ أَوْ فِي طَهُورِيَّتِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَكَانَ طَهُورًا وَبِهَذَا قَطَعَ الصَّيْرَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَفْرِيعُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْعِرْقَ وَاللُّعَابَ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ مَا لَمْ يُفْحِشْ لِلضَّرُورَةِ وَأَنَّ لَبَنَهُ نَجِسٌ حَتَّى لَوْ أَصَابَ الثَّوْبُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَلَا يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ طَاهِرًا وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَفْرِيعُهُ عِنْدَهُمْ أَنَّ لَبَنَهُ وَعِرْقَهُ طَاهِرٌ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي الْوَجِيزِ وَهَلْ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ النَّجِسَ وَلَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ. وَفِي الْهِدَايَةِ لَبَنُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ وَكَذَا عَرَقُهُ طَاهِرٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَمَّا عَرَقُهُ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا لَبَنُهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الرِّوَايَةُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ نَجَاسَتُهُ أَوْ تَسْوِيَةُ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ فِيهِ وَلَمْ يُرَجِّحْ جَانِبَ الطَّهَارَةِ أَحَدٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْمُحِيطِ لَبَنُ الْأَتَانِ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَعَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَرَقُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَسُؤْرُ الْبَغْلِ مِثْلُ سُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ مِنْ الْخَيْلِ وَأَبَاهُ مِنْ الْحَمِيرِ فَكَانَ كَسُؤْرِ فَرَسٍ خُلِطَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا تَوَضَّأَ بِهِمَا وَتَيَمَّمَ وَأَيَّهُمَا قَدَّمَهُ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَاجِبُ الِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ وَلَنَا أَنَّ الْمَطَرَ أَحَدُهُمَا فَيُفِيدُ الْجَمْعَ دُونَ التَّرْتِيبِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ يُفِيدُ الْجَمْعَ أَيْ لَا تَخْلُو الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ أَيْضًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ فِي حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى فِي رَجُلٍ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ حِمَارٍ قَالَ

باب التيمم

يُهْرِيقُهُ حَتَّى يَصِيرَ عَادِمًا لِلْمَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ فَعَرَضَ قَوْلَهُ عَلَى أَبِي قَاسِمٍ الصَّفَّارِ فَقَالَ هُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ. وَفِي النَّوَادِرِ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً طَاهِرًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ الْمَاءُ وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُطَهَّرًا فَقَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ لَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَسُؤْرُ الْفَرَسِ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولُ اللَّحْمِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا طَاهِرٌ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ لِإِظْهَارِ شَرَفِهِ لَا لِنَجَاسَتِهِ وَأَمَّا سُؤْرُ الْفِيلِ فَنَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ ذُو نَابٍ وَكَذَا سُؤْرُ الْقِرْدِ نَجِسٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ سَبُعٌ وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُ سُؤْرِهِ. وَعَرَقُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَلُعَابُهُمَا إذَا وَقَعَا فِي الْمَاءِ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَلَكِنْ إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ بِهِ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ، وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهِمَا أَوْ عَرَقِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ فَحُشَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَمْنَعُ إذَا فَحُشَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَعِرْقُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ طَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّيَمُّمِ] (بَابُ التَّيَمُّمِ) لَمَّا بَيَّنَ الشَّيْخُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا مِنْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَمَا يَنْقُضُهَا عَقَّبَهَا بِخَلَفِهَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ أَبَدًا يَقْفُوا الْأَصْلَ أَيْ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ وَالتَّيَمُّمُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّيَمُّمُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَالتَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] أَيْ لَا تَقْصِدُوا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ طَاهِرٍ وَفِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَقِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدٍ إلَى الصَّعِيدِ لِلتَّطْهِيرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى اشْتَرَطَ اسْتِعْمَالَ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَالتَّيَمُّمُ بِالْحَجَرِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اسْتِعْمَالُ جُزْئِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ مُسَافِرٌ) الْمُرَادُ مِنْ الْوُجُودِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى رَأْسِ بِئْرٍ بِغَيْرِ دَلْوٍ أَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ عَيْنٍ وَعَلَيْهَا عَدُوٌّ أَوْ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْوُصُولَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ وَاجِدًا وَالْمُرَادُ أَيْضًا مِنْ الْوُجُودِ مَا يَكْفِي لِرَفْعِ حَدَثِهِ وَمَا دُونَهُ كَالْمَعْدُومِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا بِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا إذَا خَافَ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ كِلَابِهِ لِمَاشِيَتِهِ أَوْ صَيْدِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَكَذَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِلْعَجْنِ دُونَ اتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ رَفِيقَهُ الْمُخَالِطَ لَهُ أَوْ آخَرَ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَدَّمَ الْمُسَافِرَ عَلَى الْمَرِيضِ وَفِي الْقُرْآنِ تَقْدِيمُ الْمَرِيضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] ، قِيلَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْمُسَافِرِ أَمَسُّ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَأَغْلَبُ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ أَكْثَرُ مِنْ الْمَرْضَى وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي الْقُرْآنِ الْمَرِيضَ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ وَشُرِعَتْ الرُّخْصَةُ مَرْحَمَةً لِلْعِبَادِ وَالْمَرِيضُ أَحَقُّ بِالْمَرْحَمَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ تَقْدِيرُهُ أَوْ فِي خَارِجِ الْمِصْرِ أَيْ فِي مَكَان خَارِجَ الْمِصْرِ وَسَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ خَارِجَ الْمِصْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِلِاحْتِطَابِ أَوْ لِلِاحْتِشَاشِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ سِوَى الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: خَوْفُ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ صَلَاةِ الْعِيدِ، أَوْ خَوْفِ الْجُنُبِ مِنْ الْبَرْدِ وَعَنْ السُّلَمِيِّ جَوَازُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ نَحْوُ الْمِيلِ أَوْ أَكْثَرُ) التَّقْيِيدُ بِالْمِصْرِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْمُرَادُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمِيلِ هُوَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْأَذَانَ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَاءُ أَمَامَهُ فَمِيلَانِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ يَمِينَهُ أَوْ يَسَارَهُ فَمِيلٌ. وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَصِلُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ، وَإِنْ قَرُبَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا حَسَنٌ جِدًّا وَالْمِيلُ أَلْفُ خُطْوَةٍ لِلْبَعِيرِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ فَإِنْ قِيلَ مَا الْحَاجَةُ

والتيمم ضربتان

إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرُ وَقَدْ عُلِمَ جَوَازُهُ مَعَ قَدْرِ الْمِيلِ قِيلَ؛ لِأَنَّ الْمَسَافَةَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالْجَزْرِ وَالظَّنِّ فَلَوْ كَانَ فِي ظَنِّهِ نَحْوُ الْمِيلِ أَوْ أَقَلُّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِي ظَنِّهِ نَحْوُ الْمِيلِ أَوْ أَكْثَرُ جَازَ حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مِيلٌ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا أَنَّهُ مَرِيضٌ إلَى آخِرِهِ) الْمَرِيضُ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ أَحَدُهُمَا إذَا كَانَ يَسْتَضِرُّ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ كَمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ حُمَّى أَوْ جِرَاحَةٌ يَضُرُّهُ الِاسْتِعْمَالُ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا، وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ إلَّا الْحَرَكَةُ إلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ الْمَاءُ كَالْمَبْطُونِ وَصَاحِبِ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا إجْمَاعًا، وَإِنْ وَجَدَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَانُ بِهِ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ أَوْ لَا وَأَهْلُ طَاعَتِهِ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ أَجِيرُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي التَّأْسِيسِ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا، وَالثَّالِثَةُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا عَلَى التَّيَمُّمِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلِّي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي تَشَبُّهًا وَيُعِيدُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَوَجَدَ التُّرَابَ الطَّاهِرَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَنَا وَأَعَادَ إذَا خَلَصَ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُصَلِّي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ خَافَ الْجُنُبُ إنْ اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ أَوْ يُمْرِضَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ) هَذَا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي الْمِصْرِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَقَيَّدَ بِالْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ فِي مِصْرٍ إذَا خَافَ مِنْ التَّوَضُّؤِ الْهَلَاكَ مِنْ الْبَرْدِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. [وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ] (قَوْلُهُ: وَالتَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ) وَهَلْ الضَّرْبَتَانِ مِنْ التَّيَمُّمِ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ نَعَمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ. وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَا وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا ضَرَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ أَوْ نَوَى بَعْدَ الضَّرْبِ فَعِنْدَ ابْنِ شُجَاعٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ التَّيَمُّمِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَيُنْتَقَضُ وَعِنْدَ الْإِسْبِيجَابِيِّ يَجُوزُ كَمَنْ مَلَأَ كَفَّهُ مَاءً لِلْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْوَجْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ (قَوْلُهُ: يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى ذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُهُ إلَى الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ مُلَوِّثٌ وَلَيْسَ بِطَهَارَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا عُرِفَ مُطَهِّرًا شَرْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى كَثْرَةِ التَّلْوِيثِ إذَا كَانَ الْمُرَادُ قَدْ حَصَلَ بِمَرَّةٍ، وَقَوْلُهُ بِإِحْدَاهُمَا إشَارَةٌ إلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ، وَقَوْلُهُ يَمْسَحُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ذَرَّ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَمْسَحْهُ لَمْ يَجُزْ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِيعَابُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَسْحُ اللِّحْيَةِ وَلَا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ وَلَوْ مَسَحَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدِ الْأُولَى وَيُعِيدُ الضَّرْبَ لِلْيَدِ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ الْمَسْحَ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَعَنْ قَوْلِ مَالِكٍ حَيْثُ يَكْتَفِي بِهِ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعَيْنِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ الِاسْتِيعَابِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ الْأَكْثَرَ جَازَ فَإِذَا قُلْنَا بِالِاسْتِيعَابِ وَجَبَ نَزْعُ الْخَاتَمِ وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَفِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيعَابِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقِيَامَةِ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَسُنَّةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ الضَّرْبِ وَيُقْبِلَ بِيَدَيْهِ وَيُدْبِرَ ثُمَّ يَنْفُضَهُمَا عِنْدَ الرَّفْعِ نَفْضَةً وَاحِدَةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَفْضَتَيْنِ، وَيَفْعَلُ فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَلَطَّخَ بِالتُّرَابِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَسْحُ دُونَ التَّلْوِيثِ وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَيَرْفَعَهُمَا وَيَنْفُضَهُمَا حَتَّى يَتَنَاثَرَ التُّرَابُ وَيَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ يَضْرِبَ أُخْرَى وَيَنْفُضَهُمَا وَيَمْسَحَ بِبَاطِنِ أَرْبَعِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى ظَاهِرَ كَفِّهِ الْيُمْنَى مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ بِبَاطِنِ كَفِّهِ الْيُسْرَى بَاطِنَ ذِرَاعِهِ الْيُمْنَى إلَى الرُّسْغِ، وَيُمِرُّ بِبَاطِنِ إبْهَامِهِ الْيُسْرَى عَلَى ظَاهِرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَفْعَلُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَانَ التَّيَمُّمُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ خَاصَّةً؟ قِيلَ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ وَالرَّأْسُ مَمْسُوحٌ وَالرِّجْلَانِ فَرْضُهُمَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّيَمُّمُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِعْلًا وَنِيَّةً وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ إنْ كَانَ لِلْحَدَثِ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ لِلْجَنَابَةِ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّمْيِيزِ بَلْ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ أَوْ

اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَكَذَا التَّيَمُّمُ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) وَهُوَ مَا إذَا طُبِعَ لَا يَنْطَبِعُ وَلَا يَلِينُ وَإِذَا أُحْرِقَ لَا يَصِيرُ رَمَادًا (قَوْلُهُ: كَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ إلَى آخِرِهِ) قَدَّمَ التُّرَابَ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَكَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحِصَارِ وَالْآجُرِّ الْمَدْقُوقِ وَالْخَزَفِ الْمَدْقُوقِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ طِينٍ خَالِصٍ، وَأَمَّا إذَا خَالَطَهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَكَانَ الْمُخَالِطُ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ خَاصَّةً) وَلَهُ فِي الرَّمْلِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَالْخِلَافُ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ أَمَّا إذَا عُدِمَ، فَقَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا وَلَوْ تَيَمَّمَ عَلَى حَجَرٍ أَمْلَسَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى حَائِطٍ أَوْ عَلَى مَوْضِعٍ نَدِيٍّ مِنْ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ بِالْمِلْحِ إنْ كَانَ مَائِيًّا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ جَبَلِيًّا جَازَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَالْفَتَاوَى. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي لَا يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الطِّينَ فَإِنَّهُ يُلَطِّخُ بِهِ طَرَفَ ثَوْبِهِ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى يَجِفَّ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ الْيَابِسَ أَوْ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّيَمُّمُ وَفِي الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ الرَّطْبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ بِيَدَيْهِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِالطِّينِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا لَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ كَالدَّقِيقِ وَالرَّمَادِ إنْ كَانَ التُّرَابُ هُوَ الْأَكْثَرَ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ أَقَلَّ لَا يَجُوزُ وَلَوْ حُبِسَ فِي السِّجْنِ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ مَاءً وَلَا تُرَابًا طَاهِرًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ» وَالطَّهُورُ هُوَ الْمَاءُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالتُّرَابُ عِنْدَ عَدَمِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي ثُمَّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَبْسِ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَوَجَدَ التُّرَابَ الطَّاهِرَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يُعِيدُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ كَمَنْ قَيَّدَ رَجُلًا حَتَّى صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إجْمَاعًا وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ فِي الْحَبْسِ بِالتُّرَابِ الطَّاهِرِ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جُوِّزَ لَهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ. (قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ فَرْضٌ فِي التَّيَمُّمِ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْوُضُوءِ) . وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي وَصْفِهِ وَلَنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ هُوَ الْقَصْدُ وَالْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ وَهِيَ النِّيَّةُ فَلَا يُمْكِنُ فَصْلُ التَّيَمُّمِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِغَسْلٍ وَمَسْحٍ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ فَافْتَرَقَا، وَإِنْ شِئْت قُلْت إنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّطْهِيرِ، وَالتُّرَابُ مُلَوِّثٌ فَلَمْ يَكُنْ طَهَارَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ لِلنَّافِلَةِ أَوْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةَ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ مِنْ الْقِرَاءَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَلَوْ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ أَوْ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَوْ لِلْأَذَانِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَمْ يَحْصُلْ لِلصَّلَاةِ وَلَا لِجُزْءٍ مِنْهَا وَلَوْ تَيَمَّمَ كَافِرٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ مُتَيَمِّمًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مُتَيَمِّمٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً قُلْنَا هُوَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ هَذَا الْكَافِرُ يُرِيدُ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لَا يَكُونُ مُتَيَمِّمًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ فَكَانَ وُجُودُ النِّيَّةِ كَعَدَمِهَا وَالْإِسْلَامُ يَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْكَافِرُ لَا يُرِيدُ الْإِسْلَامَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ مُتَوَضِّئٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ فِي الْوُضُوءِ وَعِنْدَنَا الْوُضُوءُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فَصَارَ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ وَخَلَفٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا رُؤْيَةُ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ) رُؤْيَةُ الْمَاءِ غَيْرُ نَاقِضَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَارِجٍ

نَجِسٍ فَلَمْ يَكُنْ حَدَثًا وَإِنَّمَا النَّاقِضُ الْحَدَثُ السَّابِقُ وَإِنَّمَا أَضَافَ الِانْتِقَاضَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّاقِضِ السَّابِقِ يَظْهَرُ عِنْدَهَا فَأُضِيفَ إلَيْهَا مَجَازًا وَالْمُرَادُ رُؤْيَةُ مَا يَكْفِي لِرَفْعِ حَدَثِهِ أَمَّا لَوْ رَأَى مَا لَا يَكْفِيهِ أَوْ يَكْفِيهِ إلَّا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ أَوْ لِلْعَجْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ تَيَمُّمُهُ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ هِيَ الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الَّذِي هُوَ غَايَةٌ لِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ، وَخَائِفُ الْعَدُوِّ أَوْ السَّبُعِ عَاجِزٌ غَيْرُ قَادِرٍ حُكْمًا وَلَوْ مَرَّ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ إنْ كَانَ نَائِمًا لَمْ يُنْقَضْ تَيَمُّمُهُ، وَإِنْ مَرَّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ إلَيْهِ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ لَمْ يُنْتَقَضْ أَيْضًا وَفِي الْفَتَاوَى إذَا مَرَّ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ أَوْ مَرَّ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا وَهُوَ نَائِمٌ وَإِلَّا فَقَدْ يَنْقُضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا مَرَّ بِالْمَاءِ وَهُوَ نَائِمٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْتَقَضُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالنَّائِمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَادِرٌ تَقْدِيرًا وَخَائِفُ السَّبُعِ عَاجِزٌ حُكْمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْخَائِفِ أَنَّ النَّوْمَ فِي حَالَةِ السَّفَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشْعُرُ بِالْمَاءِ نَادِرٌ خُصُوصًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَخَلَّلُهُ الْيَقِظَةُ الْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نَوْمُهُ كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ) الصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ وقَوْله تَعَالَى {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ طَاهِرًا وَلَوْ تَيَمَّمَ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَتَيَمَّمَ آخَرُ بَعْدَهُ مِنْهُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُكْسِبُ التُّرَابَ الِاسْتِعْمَالَ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَجِدَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ) وَهَلْ يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ أَوْ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ وَقَالَ غَيْرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طَمَعٍ فَإِلَى آخِرِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يُؤَخِّرْ وَيَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُصَلِّي (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَرْجُو) أَيْ يَطْمَعُ قَالَ الْإِمَامُ حَافِظُ الدِّينِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا أَفْضَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ قَدْ ثَبَتَ بِصَرِيحِ أَقْوَالِ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ مُطْلَقًا وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ فَكَيْفَ يُتْرَكُ هَذَا الصَّرِيحُ بِالْمَفْهُومِ وَيُجَابُ لِحَافِظِ الدِّينِ أَنَّ الصَّرِيحَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ فَضِيلَةً كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ فَائِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يُصَلِّي بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» فَجَعَلَ الطَّهَارَةَ مُمْتَدَّةً إلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلنَّافِلَةِ جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرِيضَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا جَازَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلصَّحِيحِ فِي الْمِصْرِ إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي) قَيَّدَ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَرِيضِ لَا يَتَقَيَّدُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَقَيَّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْمَفَازَةِ عَدَمُ الْمَاءِ قَوْلُهُ وَالْوَلِيُّ غَيْرُهُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِعَادَةَ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي النَّوَادِرِ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا وَكَذَا إذَا كَانَ إمَامًا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْشَى فَوَاتَهَا فَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَصَلَّى لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِعَادَةُ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ هَذَا التَّيَمُّمِ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَيَمَّمُ ثَانِيًا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّوَضُّؤِ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا تَمَكَّنَ بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ ثُمَّ فَاتَ التَّمَكُّنُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ حَضَرَ صَلَاةَ الْعِيدِ فَخَشِيَ إنْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الْعِيدِ) يَعْنِي جَمِيعًا أَمَّا

إذَا كَانَ يُدْرِكُ بَعْضَهَا لَمْ يَتَيَمَّمْ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَفُوتُ فِيهِ الْأَدَاءُ لَا إلَى خَلَفٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَمَا يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَالْجُمُعَةِ وَخَشْيَةِ فَوَاتِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَافَ مَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ إذَا اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ فَاتَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّ لَهَا خَلَفًا وَهُوَ الظُّهْرُ (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ صَلَّاهَا وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ أَرْبَعًا) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَرْبَعًا، وَإِنْ كَانَ الظُّهْرُ لَا مَحَالَةَ أَرْبَعًا لِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ إذْ الْجُمُعَةُ خَلَفٌ عَنْ الظُّهْرِ عِنْدَنَا فَتَرِدُ الشُّبْهَةُ عَلَى السَّامِعِ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَأَزَالَ الشُّبْهَةَ بِقَوْلِهِ أَرْبَعًا. وَكَذَا لَا يَتَيَمَّمُ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَخَافَ إنْ تَوَضَّأَ فَاتَ الْوَقْتُ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَلَكِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّيهَا فَائِتَةً) لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى الْخَلَفِ وَهُوَ الْقَضَاءُ. (قَوْلُهُ: وَالْمُسَافِرُ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعِيدُ) قَيَّدَ بِالْمُسَافِرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ حَمْلَ الْمَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُسَافِرِ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَنَّ مَاءَهُ قَدْ فَنِيَ فَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي رَحْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهِ أَوْ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَسِيَهُ وَتَيَمَّمَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى فَلَا يُعْتَبَرُ نِسْيَانُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مُؤَخَّرَةِ الدَّابَّةِ وَهُوَ سَائِقُهَا أَوْ فِي مُقَدَّمِهَا وَهُوَ قَائِدُهَا أَوْ رَاكِبُهَا لَا يَجُوزُ تَيَمُّمُهُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَ الْمَاءَ) يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيُعِيدُ إجْمَاعًا وَسَوَاءٌ ذَكَرَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ وَوَضَعَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا صَلَّى وَمَعَهُ مَاءٌ فِي رَحْلِهِ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَذَكَرَ بِلَفْظِ الْعِلْمِ وَهُنَا ذَكَرَ بِلَفْظِ النِّسْيَانِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فِيمَا إذَا وَضَعَ الْمَاءَ غَيْرُهُ فِي رَحْلِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فَعَلَى وَضْعِ الشَّيْخُ يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ نِسْيَانٌ وَعَلَى وَضْعِ كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخِلَافِ وَقَيَّدَ بِنِسْيَانِ الْمَاءِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا نَسِيَ ثَوْبَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الِاتِّفَاقِ أَنَّهُ يُعِيدُ فَفَرْضُ السَّتْرِ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ وَالطَّهَارَةُ إلَى خَلَفٍ وَهُوَ التَّيَمُّمُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً أَنْ يَطْلُبَ الْمَاءَ) هَذَا فِي الْفَلَوَاتِ أَمَّا فِي الْعُمْرَانَاتِ يَجِبُ الطَّلَبُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْفَلَوَاتِ وَهَذَا الْقَوْلُ يَتَضَمَّنُ مَا إذَا شَكَّ وَمَا إذَا لَمْ يَشُكَّ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِيمَا إذَا شَكَّ يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّلَبُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَمِقْدَارُهَا مَا بَيْنَ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَشُكَّ يَتَيَمَّمُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَكَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ، وَقَوْلُهُ بِقُرْبِهِ حَدُّ الْقُرْبِ مَا دُونَ الْمِيلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْمُسَافِرِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَيَطْلُبُ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَيَسَارِهِ قَالَ إنْ طَمِعَ فِيهِ فَلْيَفْعَلْ وَلَا يَبْعُدُ فَيَضُرُّ بِأَصْحَابِهِ إنْ انْتَظَرُوهُ وَبِنَفْسِهِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ، وَقِيلَ يَطْلُبُ مِقْدَارَ مَا يَسْمَعُ صَوْتَ أَصْحَابِهِ وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَطْلُبَهُ) وَيَكُونُ طَلَبُهُ مِقْدَارَ الْغَلْوَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَبْلُغُ مِيلًا وَلَوْ بَعَثَ مَنْ يَطْلُبُهُ كَفَاهُ عَنْ الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَصَلَّى ثُمَّ طَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ طَلَبَهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَيَمَّمَ) أَمَّا وُجُوبُ الطَّلَبِ، فَقَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ مِلْكِ الْغَيْرِ ذُلٌّ عِنْدَ الْمَنْعِ وَتَحَمُّلٌ مِنْهُ عِنْدَ الدَّفْعِ وَعِنْدَهُمَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ أَيْضًا، وَإِنْ شَكَّ

باب المسح على الخفين

وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَتَفْرِيعُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَجِبْ الطَّلَبُ وَتَيَمَّمَ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ أُبِيحَ لَهُ أَوْ بُذِلَ لَهُ الثَّوْبُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ وَصَلَّى لَا يَجُوزُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي فَصْلِ الْمَاءِ دُونَ الثَّوْبِ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالسَّتْرِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ عَارِيَّةٌ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ وَلَوْ مَلَكَ ثَمَنَ الثَّوْبِ هَلْ يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا، وَإِنْ مَلَكَ ثَمَنَ الْمَاءِ يُكَلَّفُ شِرَاءَهُ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً وَيُكَلَّفُ شِرَاءَ الثَّوْبِ كَمَا يُكَلَّفُ شِرَاءَ الْمَاءِ وَتَفْرِيعُ قَوْلِهِمَا فِي وُجُوبِ الطَّلَبِ إذَا شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ وَأَعْطَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَإِنْ مَنَعَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعِيدُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ فَصَلَّى ثُمَّ أَعْطَاهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الدَّفْعُ إلَيْهِ فَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ فَمَنَعَهُ أَعَادَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعِيدُ، وَلَوْ رَأَى رَجُلًا مَعَهُ مَاءٌ فَلَمْ يَسْأَلْهُ فَصَلَّى ثُمَّ أَعْطَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَلَوْ سَأَلَهُ فَمَنَعَهُ فَصَلَّى ثُمَّ سَأَلَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ فَأَعْطَاهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ تَيَمَّمَ) لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَلَوْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِثَمَنٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَحَمُّلُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَقِيلَ الضِّعْفُ، وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) الْمَسْحُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِصَابَةُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رُخْصَةٍ مُقَدَّرَةٍ جُعِلَتْ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا وَعَقَّبَهُ بِالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةُ مَسْحٍ أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ غَسْلٍ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ بِوَضْعِ اللَّهِ وَهَذَا بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَكَانَ التَّيَمُّمُ أَقْوَى أَوْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْكُلِّ وَهَذَا بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا بِالسُّنَّةِ لَا غَيْرُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) إنَّمَا قَالَ جَائِزٌ وَلَمْ يَقُلْ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَلَمْ يَقُلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ جَوَازَهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَانَ أَفْضَلَ ثُمَّ قَالَ بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَشْمَلُ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِهِمَا، وَفِي قَوْلِهِ بِالسُّنَّةِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَسْحَ ثُبُوتُهُ بِالْقُرْآنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ وَقَوْلُهُمْ هَذَا فَاسِدٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ) يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ (قَوْلُهُ: إذَا لَبِسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ وَقْتَ اللُّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَكْمَلَ بَقِيَّةَ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يُصَادِفَ الْحَدَثُ طَهَارَةً كَامِلَةً. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا» (قَوْلُهُ: ابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ) يَعْنِي مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ إلَى مِثْلِهِ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَإِلَى مِثْلِهِ فِي الثَّلَاثِ لِلْمُسَافِرِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ) هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ وَلَوْ مَسَحَ بِرَاحَتِهِ جَازَ وَقَوْلُهُ خُطُوطًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ بِالتَّكْرَارِ يَنْعَدِمُ الْخُطُوطُ وَصُورَةُ الْمَسْحِ أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَمُدَّهُمَا جَمِيعًا إلَى السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَيُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ وَأَمَّا الْمَفْرُوضُ فَمِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ سَوَاءٌ مَسَحَ بِالْأَصَابِعِ أَوْ خَاضَ

فِي الْمَاءِ أَوْ أَصَابَ خُفَّيْهِ مَاءُ الْمَطَرِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ وَكَذَا لَوْ مَسَحَ بِعُودٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ السَّاقِ إلَى الْأَصَابِعِ أَوْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا مَا عَرَضَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَسْنُونٍ وَكَذَا إذَا مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ مَوْضُوعَةً غَيْرَ مَمْدُودَةٍ يُجْزِئُهُ وَلَوْ مَشَى عَلَى الْحَشِيشِ الْمُبْتَلِّ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْمَطَرِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ لَا يُجْزِئُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ، وَلَوْ مَسَحَ بِظَاهِرِ كَفَّيْهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ مَسَحَ عَلَى بَاطِنِ خُفَّيْهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْعَقِبِ أَوْ مِنْ جَوَانِبِهَا لَا يُجْزِئُهُ (قَوْلُهُ: يَبْتَدِئُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ وَيَكْفِيهِ الْمَسْحُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ بَدَأَ مِنْ السَّاقِ إلَى الْأَصَابِعِ جَازَ (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ ذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ) وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِهَا يَقَعُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ) يُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَالْأَوَّلُ فِي مَوْضِعٍ وَالثَّانِي فِي مَوَاضِعَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخُرُوقَ تُجْمَعُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلَا تُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلْكُلِّ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرَ النَّجَاسَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ الْخَرْقُ الْيَسِيرُ يَمْنَعُ الْمَسْحَ وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ غَسْلُ الْبَادِي يَجِبُ غَسْلُ الْبَاقِي قُلْنَا الْخِفَافُ لَا تَخْلُو عَنْ يَسِيرِ خَرْقٍ عَادَةً فَيَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ وَتَخْلُو عَنْ الْكَبِيرِ فَلَا حَرَجَ وَالْكَبِيرُ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْهُ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ (قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ مِنْهُ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ) يَعْنِي أَصْغَرَهَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَصْلُ الرِّجْلِ، وَالْقَدَمُ تَبَعٌ لَهَا وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ مَنْ قَطَعَ أَصَابِعَ رِجْلِ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الدِّيَةِ وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا فَقَامَتْ مَقَامَ الْكُلِّ وَاعْتِبَارُ الْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ يَبْدُو قَدْرُ ثَلَاثَ أَنَامِلَ وَأَسَافِلُهَا مَسْتُورَةٌ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يُمْنَعُ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يُمْنَعُ حَتَّى يَبْدُوَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بِكَمَالِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالْأَنَامِلُ هِيَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ فَإِنْ ظَهَرَتْ الْإِبْهَامُ وَالْأُخْرَى مَعَهَا مَنَعَتَا الْمَسْحَ؛ لِأَنَّهُمَا يُسَاوِيَانِ الثَّلَاثَ. وَفِي مُشْكِلِ الْقُدُورِيِّ إذَا كَانَتْ الْإِبْهَامُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ وَظَهَرَتْ لَا تَمْنَعُ وَإِذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ بِأَصَابِعِ غَيْرِهِ وَكُبْرُ الْقَدَمِ دَلِيلٌ عَلَى كُبْرِهَا وَصِغَرُهَا دَلِيلٌ عَلَى صِغَرِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ) وَلَوْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ تَبْدُو مِنْ الْخَرْقِ حَالَةَ الْمَشْيِ وَلَا تَبْدُو حَالَ وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ جَازَ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَرْقُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبِ أَمَّا إذَا كَانَ فَوْقَهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَبُرَ وَشَرَائِطُ الْخُفِّ الَّذِي يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِلْقَدَمِ مَعَ الْكَعْبِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُتَخَرِّقِ وَأَنْ يَكُونَ مَشْغُولًا بِالرِّجْلِ احْتِرَازًا عَنْ مَقْطُوعِ الْأَصَابِعِ إذَا لَبِسَهُ وَصَارَ بَعْضُ الْخُفِّ خَالِيًا مِنْ مُقَدَّمِهِ فَمَسَحَ عَلَى الْخَالِي لَا يَجُوزُ وَإِنْ يُمْكِنْ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا جَعَلَ لَهُ خُفًّا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ زُجَاجٍ أَوْ خَشَبٍ وَأَنْ يَنْقَطِعَ بِهِ مَسَافَةَ السَّفَرِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَفَّ عَلَى رِجْلَيْهِ خِرْقَةً لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَتَكَرَّرُ عَادَةً فَلَا حَرَجَ فِي النَّزْعِ بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ. (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا نَزْعُ الْخُفِّ) أَيْ بَعْدَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ الْأُولَى لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْخُفُّ وَحُكْمُ النَّزْعِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ، وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا بَقِيَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ فِي مَحَلِّ الْمَسْحِ بَقِيَ حُكْمُ الْمَسْحِ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْفَرْضِ فِي مُسْتَقَرِّهِ (قَوْلُهُ: وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَكَذَا نَزْعُ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ (قَوْلُهُ: وَمُضِيُّ الْمُدَّةِ) هَذَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يُنْتَقَضْ مَسْحُهُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ حَتَّى إذَا انْقَضَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ هُنَا إلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ فَلَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ تَيَمَّمَ وَلَا حَظَّ لِلرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فَلِهَذَا كَانَ الْمُضِيُّ عَلَى صَلَاتِهِ أَوْلَى، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَكَذَلِكَ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَكَانَ يَخَاف الضَّرَرَ مِنْ الْبَرْدِ إذَا نَزَعَهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ كَانَ الْخُفُّ ذَا طَاقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ عَلَى مَا ظَهَرَ تَحْتَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ

المسح على الجوربين

خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَصَلَّى) وَكَذَا إذَا نَزَعَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ يَسْرِي الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُعِيدُ شَيْئًا مِنْ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ) وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ يُصَلِّي وَلَا يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَسَحَ تَمَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ مَسْحَ الْمُسَافِرِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَقْتِ آخِرُهُ كَالصَّلَاةِ إذَا سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَصِيرُ فَرْضُهُ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ أَقَامَ فِيهِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُسَافِرٌ ثُمَّ أَقَامَ) يَعْنِي دَخَلَ مِصْرَهُ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فَإِنْ كَانَ مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ لَزِمَهُ نَزْعُ خُفَّيْهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَدَتْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ) الْجُرْمُوقُ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ إلَّا أَنَّ سَاقَهُ أُقْصَرُ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُفِّ حَدَثٌ كَمَا إذَا لَبِسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُنْتَقَضَ الطَّهَارَةُ الَّتِي لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ وَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَسْحُ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْخُفِّ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْجُرْمُوقُ لَوْ انْفَرَدَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. [الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ] (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِمَا فِي الْعَادَةِ فَأَشْبَهَا اللِّفَافَةَ، وَأَمَّا إذَا كَانَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ أَمْكَنَ ذَلِكَ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا كَالْخُفَّيْنِ، وَالْمُجَلَّدُ هُوَ أَنْ يُوضَعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، وَالْمُنَعَّلُ هُوَ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى أَسْفَلِهِ جِلْدَةٌ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ لَا يَشِفَّانِ) حَدُّ الثَّخَانَةِ أَنْ يَقُومَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْبَطَ بِشَيْءٍ، وَقَوْلُهُ لَا يَشِفَّانِ أَيْ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُمَا مِنْ بَشَرَةِ الرِّجْلِ مِنْ خِلَالِهِ وَيَنْشُفَانِ خَطَأٌ، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا فِي آخِرِ عُمُرِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعِ وَالْقُفَّازَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالرُّخْصَةُ إنَّمَا هِيَ لِرَفْعِ الْحَرَجِ الْقَلَنْسُوَةُ شَيْءٌ تَجْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ عَلَى رُءُوسِهِمْ أَكْبَرُ مِنْ الْكُوفِيَّةِ وَالْبُرْقُعُ شَيْءٌ تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى وَجْهِهَا يَبْدُو مِنْهُ الْعَيْنَانِ

المسح على الجبائر

وَالْقُفَّازَيْنِ شَيْءٌ يُجْعَلُ عَلَى الذِّرَاعَيْنِ يُحْشَى قُطْنًا لَهُ أَزْرَارٌ يُلْبَسَانِ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ. [الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ] (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ) الْجَبَائِرُ عِيدَانُ يُجْبَرُ بِهَا الْكَسْرُ وَأَجْرَى الْحُكْمَ فِيمَا إذَا شَدَّهَا بِخِرْقَةٍ أَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ الْعِلْكَ أَوْ الدَّوَاءَ مَجْرَى ذَلِكَ وَالْحَدَثُ وَالْجُنُبُ فِي مَسْحِ الْجَبِيرَةِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) اعْلَمْ أَنَّهَا تُخَالِفُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ يُكْتَفَى بِغَسْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا سَقَطَ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. وَالثَّانِي إذَا سَقَطَتْ عَلَى غَيْرِ بُرْءٍ شَدَّهَا مَرَّةً أُخْرَى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ مَسْحَهَا لَا يَتَوَقَّفُ. وَالرَّابِعُ إذَا شَدَّهَا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ إنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إذَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْجِرَاحَةِ يَضُرُّهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَكُونُ تَبَعًا لِلْمَجْرُوحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ شَدُّ الْجَبِيرَةِ عَلَى الْجُرْحِ خَاصَّةً وَعَلَى هَذَا عِصَابَةُ الْمُقْتَصَدُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى جَمِيعِ الْعِصَابَةِ مَا لَمْ يَنْسَدَّ فَمُ الْعِرْقِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَمْ يَبْطُلْ الْمَسْحُ) لِأَنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ فَلَوْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَاسْتَقَلَّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ كَالتَّيَمُّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ سُقُوطُهَا عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ بَاقٍ لِبَقَاءِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ وَهُوَ غَيْرُ الصَّلَاةِ شَدَّهَا مَرَّةً أُخْرَى وَيُصَلِّي وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْمَسْحِ سَوَاءٌ شَدَّهَا بِتِلْكَ الْجَبَائِرِ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ [بَابُ الْحَيْضِ] (بَابُ الْحَيْضِ) لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا مِنْ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا أَصْلًا وَخَلَفًا ذَكَرَ عَقِيبَهُ حُكْمَ الْأَحْدَاثِ الَّتِي يَقِلُّ وُجُودُهَا وَهُوَ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَدَّمَ ذِكْرَ الْحَيْضِ عَلَى النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْهُ وَالْحَيْضُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْفَرْجِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ آدَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى قَالُوا حَاضَتْ الْأَرْنَبَةُ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا الدَّمُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ دَمٍ مَخْصُوصٍ أَيْ دَمِ بَنَاتِ آدَمَ مِنْ مَخْرَجٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَوْضِعُ الْوِلَادَةِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ احْتِرَازًا عَنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَانِهِ يَمْتَدُّ مُدَّةً مَخْصُوصَةً أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشْرِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الثَّلَاثِ وَيُقَالُ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا أَيْضًا هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ رَحِمِ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الدَّاءِ وَالصِّغَرِ، فَقَوْلُهُمْ " سَلِيمَةٍ مِنْ الدَّاءِ " احْتِرَازٌ مِنْ الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) يَجُوزُ فِي ثَلَاثَةٍ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَالرَّفْعُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ إضْمَارِ تَقْدِيرِهِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ دَمٌ لَا أَيَّامٌ وَالنَّصْبُ عَلَى الظَّرْفِ وَقَوْلُهُ وَلَيَالِيهَا لَا يُشْتَرَطُ ثَلَاثُ لَيَالٍ بَلْ إذَا رَأَتْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيْلَتَيْنِ كَانَ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِيِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى مَا إذَا رَأَتْهُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثِ لَيَالٍ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ لَا يَكْمُلُ إلَّا إلَى مِثْلِهِ مِنْ الرَّابِعِ فَيَدْخُلُ ثَلَاثُ لَيَالٍ، وَأَمَّا لَوْ رَأَتْهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِنْدَ الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ حَيْضًا وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيْلَتَانِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلُّهُ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ اعْتِبَارًا لِلْأَكْثَرِ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ مَعْنًى إذْ الدَّمُ لَا يَسِيلُ عَلَى الْوِلَاءِ (قَوْلُهُ فَمَا نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» (قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) لِمَا رَوَيْنَا. (قَوْلُهُ: وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ) سَوَاءٌ رَأَتْ الْكُدْرَةَ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا فَهُوَ

حَيْضٌ عِنْدَهُمَا تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ رَأَتْهَا فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا لَمْ تَكُنْ حَيْضًا وَإِنْ رَأَتْهَا فِي آخِرِ أَيَّامِهَا كَانَتْ حَيْضًا فَهِيَ عِنْدَهُ لَا تَكُونُ حَيْضًا إلَّا إذَا تَأَخَّرَتْ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْكُدْرَةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّافِي فَإِذَا تَقَدَّمَهَا دَمٌ أَمْكَنَ جَعْلُهَا حَيْضًا تَبَعًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا دَمٌ فَلَوْ جَعَلْنَاهَا حَيْضًا كَانَتْ مَتْبُوعَةً لَا تَبَعًا وَهُمَا يَقُولَانِ مَا كَانَ حَيْضًا فِي آخِرِ أَيَّامِهَا كَانَ حَيْضًا فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا كَالْحُمْرَةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ إنَّ خُرُوجَ الْكُدْرَةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّافِي إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مَخْرَجُهُ مِنْ أَعْلَاهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَسْفَلِهِ فَالْكُدْرَةُ تَخْرُجُ قَبْلَ الصَّافِي وَهُنَا الْمَخْرَجُ مِنْ أَسْفَلَ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَتَخْرُجُ الْكُدْرَةُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا (قَوْلُهُ: حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا) قِيلَ هُوَ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْمُخَاطَ يَخْرُجُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْحَيْضِ، وَقِيلَ هُوَ الْقُطْنُ الَّذِي تَخْتَبِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا إذَا خَرَجَ أَبْيَضَ فَقَدْ طَهُرَتْ. (قَوْلُهُ: وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ ثُمَّ سَقَطَتْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اخْتَلَفَ فِيهَا الْأُصُولِيُّونَ وَهِيَ أَنَّ الْأَحْكَامَ هَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْحَائِضِ أَمْ لَا فَاخْتَارَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ وَالسُّقُوطُ بِعُذْرِ الْحَرَجِ، قَالَ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ أَصْلٌ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ عُشْرَ أَرْضِهِ وَخَرَاجَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامُ الشَّيْخِ بِنَاءً عَلَى هَذَا. وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ كُنَّا عَلَى هَذَا مُدَّةً ثُمَّ تَرَكْنَاهُ وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ) إنَّمَا قَالَ فِي الصَّوْمِ يَحْرُمُ وَفِي الصَّلَاةِ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الصَّوْمِ وَاجِبٌ فَلَا يَلِيقُ ذِكْرُ السُّقُوطِ فِيهِ وَالصَّلَاةُ لَا تُقْضَى فَحَسُنَ ذِكْرُ السُّقُوطِ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ) لِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ مَشَقَّةً؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَيَكُونُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسُونَ صَلَاةً وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً فَلَا يَلْحَقُهَا فِي قَضَائِهِ مَشَقَّةٌ. (قَوْلُهُ) : (وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) وَكَذَا الْجُنُبُ أَيْضًا وَسَطْحُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَا يَحِلُّ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ (قَوْلُهُ) : (وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) فَإِنْ قِيلَ الطَّوَافُ لَا يَكُونُ إلَّا بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقَدْ عُرِفَ مَنْعُهُمَا مِنْهُ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الطَّوَافِ، قِيلَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا جَاءَهَا الْحَيْضُ بَعْدَمَا دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ وَقَدْ شَرَعَتْ فِي الطَّوَافِ أَوْ تَقُولُ لَمَّا كَانَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَصْنَعَ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ مِنْ الْوُقُوفِ وَغَيْرِهِ رُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الطَّوَافُ أَيْضًا كَمَا جَازَ لَهَا الْوُقُوفُ وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ) : (وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ تَأَدُّبًا وَتَخَلُّقًا وَاقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] ، وَإِنْ أَتَاهَا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ وَإِنْ أَتَاهَا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، وَقِيلَ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَنِصْفُ دِينَارٍ وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ وَحْدَهُ أَوْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ دُونَهَا وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ، وَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَيُضَاجِعَهَا وَيَسْتَمْتِعَ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا مَا خَلَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْتَمْتِعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا وَيَجْتَنِبُ شِعَارَ الدَّمِ لَا غَيْرُ وَهُوَ مَوْضِعُ خُرُوجِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَكْتُمَ الْحَيْضَ عَلَى زَوْجِهَا لِيُجَامِعَهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ، وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ أَنَّهَا حَائِضٌ مِنْ غَيْرِ حَيْضٍ لِتَمْنَعَهُ مُجَامَعَتَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْغَائِصَةَ وَالْمُغَوِّصَةَ» فَالْغَائِصَةُ الَّتِي لَا تُعْلِمُ زَوْجَهَا أَنَّهَا حَائِضٌ فَيُجَامِعُهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالْمُغَوِّصَةُ هِيَ الَّتِي تَقُولُ لِزَوْجِهَا إنَّهَا حَائِضٌ وَهِيَ طَاهِرَةٌ حَتَّى لَا يُجَامِعَهَا، وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَحَرَامٌ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] ، أَيْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِتَجَنُّبِهِ فِي الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ، «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَعْجَازِهِنَّ حَرَامٌ» وَقَالَ «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا» ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ وَمَتَى شِئْتُمْ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَقْلِبَاتٍ وَبَارِكَاتٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي الْفَرْجِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الزَّوْجَةَ حَرْثًا فَإِنَّهَا لِلْوَلَدِ كَالْأَرْضِ لِلزَّرْعِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْفَرْثِ لَا مَوْضِعُ الْحَرْثِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْرَأْ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَلِأَنَّهُ

يُبَاشِرُ الْقُرْآنَ بِعُضْوٍ يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِرَاءَةُ حَالَةَ الْوَطْءِ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ وَمَا دُونَهَا سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَجُوزُ لَهُمْ مَا دُونَ الْآيَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالُوا إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِمَا دُونَ الْآيَةِ الْقِرَاءَةَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ الشُّكْرَ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ عِنْدَ الْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ، قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَا يَجُوزُ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ إذَا كَانَ مُبَاشِرَ اللَّوْحِ وَالْبَيَاضِ وَإِنْ وَضَعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَكَتَبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَكْتُوبِ لَا بَأْسَ بِهِ وَأَمَّا التَّهَجِّي بِالْقُرْآنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كَانَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ مُعَلِّمَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُلَقِّنَ الصِّبْيَانَ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَلَا تُلَقِّنُهُمْ آيَةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى التَّعْلِيمِ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهِ وَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يُسَبِّحُوا اللَّهَ وَيُهَلِّلُوهُ. (قَوْلُهُ) : (وَلَا يَجُوزُ لِمُحْدِثٍ مَسُّ الْمُصْحَفِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْجُنُبَ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِرَاءَةِ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْمَسِّ فَإِذَا لَمْ تَجُزْ لَهُمْ الْقِرَاءَةُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ لَهُمْ الْمَسُّ أَوْلَى الْفَرْقُ فِي الْمُحْدِثِ بَيْنَ الْمَسِّ وَالْقِرَاءَةِ أَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ الْيَدَ دُونَ الْفَمِ وَالْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْيَدَ وَالْفَمَ أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ وَالْفَمِ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضَانِ وَفِي الْحَدَثِ إنَّمَا يُفْرَضُ غَسْلُ الْيَدِ دُونَ الْفَمِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ بِغِلَافِهِ أَوْ بِعَلَّاقَتِهِ) وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ أَيْ مُتَبَاعِدًا بِأَنْ يَكُونَ شَيْئًا ثَالِثًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَالْمَمْسُوسِ كَالْجِرَابِ وَالْخَرِيطَةِ دُونَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشَرَّزِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الْإِسْبِيجَابِيِّ الْغِلَافُ هُوَ الْجِلْدُ الْمُتَّصِلُ بِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُحْدِثِ الْمَسُّ فَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ أَصَابِعِهِ عَلَى الْوَرَقِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ عِنْدَ التَّقْلِيبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّ شَيْءٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ لَوْحٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَ آيَةً تَامَّةً وَكَذَا كُتُبُ التَّفْسِيرِ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْقُرْآنِ مِنْهَا وَلَهُ أَنْ يَمَسَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ تَبَعٌ لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَحْدَاثَ ثَلَاثَةٌ حَدَثٌ صَغِيرٌ وَحَدَثٌ وَسَطٌ وَحَدَثٌ كَبِيرٌ فَالصَّغِيرُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ لَا غَيْرُ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْقَيْءِ إذَا مَلَأَ الْفَمَ وَخُرُوجُ الدَّمِ وَالْقَيْحِ مِنْ الْبَدَنِ إذَا تَجَاوَزَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَالْحَدَثُ الْوَسَطُ هُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَدَثُ الْكَبِيرُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَتَأْثِيرُ الْحَدَثِ الصَّغِيرِ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَةِ الطَّوَافِ، وَالْحَدَثُ الْأَوْسَطُ تَأْثِيرُهُ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْحَدَثِ الْكَبِيرِ تَأْثِيرُهُ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَكَرَاهَةِ الطَّلَاقِ وَلَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَحِلُّ الْعَيْنَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا فَإِنْ قُلْت فَلَوْ تَمَضْمَضَ الْجُنُبُ فَقَدْ ارْتَفَعَ حَدَثُ الْفَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ لَهُ التِّلَاوَةُ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ وَكَذَا إذَا غَسَلَ الْمُحْدِثُ يَدَيْهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمَسُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ) لِأَنَّ الدَّمَ يَدُرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ تَارَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ، وَقَوْلُهُ كَامِلَةً يُحْتَرَزُ عَمَّا إذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ كَصَلَاةِ الضُّحَى وَالْعِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَطْءُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَهَذَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ لِعَادَتِهَا أَمَّا إذَا كَانَ لِدُونِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا انْقَطَعَ دُونَ عَادَتِهَا فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي آخِرِ حَيْضَةٍ مِنْ عِدَّتِهَا بَطَلَتْ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا فَيُؤْخَذُ لَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالِاحْتِيَاطِ. وَفِي النِّهَايَةِ إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَانْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى الْعَادَةِ أَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُهُ هُنَا اسْتِحْبَابٌ لَا إيجَابٌ

وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ دُونَ الْعِدَّةِ فَتَأْخِيرُ الْغُسْلِ إلَى الْوَقْتِ إيجَابٌ وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمُسَافِرَةِ وَلَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا حَتَّى إنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا وَلَكِنْ فِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ خِلَافٌ فَعِنْدَهُمَا لَا تَنْقَطِعُ مَا لَمْ تُصَلِّ بِالتَّيَمُّمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَنْقَطِعُ بِالتَّيَمُّمِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَفِي شَرْحِهِ إذَا تَيَمَّمَتْ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا حَتَّى تُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا الْحَيْضُ بَعْدَمَا شَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَسَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ أَمْ لَا. وَقَالَ زُفَرُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ وَجَبَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا إذَا حَاضَتْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَمْ تُصَلِّ فَعَلَيْهَا قَضَاؤُهَا، وَلَوْ شَرَعَتْ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ أَوْ صَوْمِ النَّفْلِ ثُمَّ حَاضَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ جَازَ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَكَذَا انْقِطَاعُ النِّفَاسِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ حُكْمُهُ عَلَى هَذَا ثُمَّ الِانْقِطَاعُ عَلَى الْعَشَرَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ وَإِذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ. (قَوْلُهُ: وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَالدَّمِ الْجَارِي) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَبْدَأُ الْحَيْضَ بِالطُّهْرِ وَيَخْتِمُهُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ دَمٌ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إذَا انْتَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَفْصِلُ وَهُوَ كَدَمٍ مُسْتَمِرٍّ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا نَظَرَتْ إنْ كَانَ الطُّهْرُ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ الدَّمَانِ أَكْثَرُ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الدَّمَانِ فِي الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَفْصِلُ أَيْضًا وَهُوَ كَدَمٍ مُسْتَمِرٍّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ أَوْجَبَ الْفَصْلَ ثُمَّ تَنْظُرُ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا جُعِلَ حَيْضًا وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةً، وَإِنْ كَانَ فِي كِلَاهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا كَانَ كُلُّهُ اسْتِحَاضَةً وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ الْحَيْضَ بِالطُّهْرِ وَلَا يَخْتِمُهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ دَمٌ أَوْ بَعْدَهُ دَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ. وَفِي الْوَجِيزِ الْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْفَتَاوَى الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَسْهِيلًا عَلَى النِّسَاءِ. وَالْأَصْلُ عِنْدَ زُفَرَ أَنَّهَا رَأَتْ مِنْ الدَّمِ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ، وَهُوَ كَدَمٍ مُسْتَمِرٍّ وَإِذَا لَمْ تَرَ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إذَا نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا فَصَلَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ الدَّمَانِ أَكْثَرُ مِنْهُ ثُمَّ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا نَظَرَ مُحَمَّدٌ بَيَانُ هَذِهِ الْأُصُولِ امْرَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ سَاعَةً دَمًا فَهُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَيَكُونُ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ كَدَمٍ مُسْتَمِرٍّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ لَا يَكُونُ مِنْهُ حَيْضًا أَمَّا عِنْدَ زُفَرَ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَرَ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الطُّهْرُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّمَيْنِ وَلَيْسَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا. وَكَذَا عِنْدَ الْحَسَنِ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ يَوْمًا دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا أَوْ يَوْمَيْنِ دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَ زُفَرَ فَلِأَنَّهَا رَأَتْ فِي مُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الدَّمَيْنِ وَلَيْسَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا، وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَسِتَّةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ الثَّلَاثَةُ تَكُونُ حَيْضًا مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَمِنْ آخِرِهَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَمَا بَقِيَ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَوْ رَأَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ

دم الاستحاضة

فَلِأَنَّ الطُّهْرَ مِثْلُ الدَّمَيْنِ فَلَا يُفْصَلُ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يُفْصَلُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَجُعِلَتْ الْأَرْبَعَةُ حَيْضًا تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَذَلِكَ كُلُّهُ اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهَا حَيْضٌ وَيَوْمَانِ اسْتِحَاضَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ أَكْثَرُ مِنْ الدَّمَيْنِ اللَّذَيْنِ رَأَتْهُمَا فِي الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الدَّمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ سِتَّةُ أَيَّامٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا فِي الْأَصْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الدَّمَانِ فِي الْعَشَرَةِ وَصُورَةُ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَخَتْمِهِ بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مَا إذَا كَانَ عَادَتُهَا عَشَرَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ مَرَّةً قَبْلَ عَشَرَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَطَهُرَتْ عَشْرَتَهَا كُلَّهَا ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَهَا يَوْمًا دَمًا فَأَيَّامُهَا الْعَشَرَةُ حَيْضٌ كُلُّهَا وَالدَّمُ الَّذِي رَأَتْهُ فِي الْيَوْمَيْنِ اسْتِحَاضَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) يَعْنِي الطُّهْرَ الَّذِي يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهِ حَيْضًا بِانْفِرَادِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ أَقَلُّهُ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِاشْتِمَالِ الشَّهْرِ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَادَةً وَقَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَبَقِيَ الطُّهْرُ تِسْعَةَ عَشَرَ قُلْنَا مُدَّةُ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَعُودُ بِهَا مَا كَانَ يَسْقُطُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ الْحَيْضِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ السَّفَرِ (قَوْلُهُ: وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ مَا دَامَتْ طَاهِرَةً فَإِنَّهَا تَصُومُ وَتُصَلِّي، وَإِنْ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ جَمِيعَ عُمُرِهَا. [دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ] (قَوْلُهُ: وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ هُوَ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ) لَيْسَ هَذَا حَصْرًا لِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ بَلْ لِبَيَانِ بَعْضِهِ فَإِنَّ الْحَامِلَ لَوْ رَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثًا أَوْ عَشْرًا أَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى الْعَادَةِ حَتَّى جَاوَزَ الْعَشَرَةَ أَوْ زَادَ النِّفَاسُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَكُلُّ ذَلِكَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ أَحْمَرُ رَقِيقٌ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ وَدَمُ الْحَيْضِ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ نَتِنُ الرَّائِحَةِ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ حُكْمُ دَمِ الرُّعَافِ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَلَا الصَّوْمَ وَلَا الْوَطْءَ) وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الصَّلَاةَ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ الصَّوْمَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَحْوَجُ إلَى الطَّهَارَةِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلِلْمَرْأَةِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) وَفَائِدَةُ رَدِّهَا أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَادَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ) يُرِيدُ عَشَرَةً مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ وَيُجْعَلُ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهَا عَادَةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُؤْخَذُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالرَّجْعَةِ بِالْأَقَلِّ، وَفِي الزَّوَاجِ بِالْأَكْثَرِ وَلَا يَطَؤُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَمْضِيَ الْعَشَرَةُ. وَقَالَ زُفَرُ يُؤْخَذُ لَهَا بِالْأَقَلِّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالرُّعَافُ الدَّائِمٌ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ وَاسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ (قَوْلُهُ: فَيُصَلُّونَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ مَا شَاءُوا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ) وَكَذَا النُّذُورُ وَالْوَاجِبَاتُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَإِذَا كَانَ بِرِجْلِهِ جُرْحٌ إذَا قَامَ سَالَ وَإِذَا قَعَدَ لَمْ يَسِلْ أَوْ كَانَ

دم النفاس

إذَا قَامَ سَلُسَ بَوْلُهُ وَإِذَا قَعَدَ اسْتَمْسَكَ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا إذَا قَامَ عَجَزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَإِذَا قَعَدَ قَرَأَ جَازَ أَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَ مَعَهَا ثَوْبٌ صَغِيرٌ لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا قَائِمَةً وَيَسْتُرُهُ قَاعِدَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ قَاعِدَةً، وَإِذَا كَانَ جُرْحُهُ إذَا قَامَ أَوْ قَعَدَ سَالَ وَإِذَا اسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، وَلَوْ كَانَ جُرْحُهُ يَسِيلُ عَلَى ثَوْبِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ إنْ كَانَ يُصِيبُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَكُلَّمَا غَسَلَهُ عَادَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَسْلَهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فَجَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْسِلَهُ. وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّي مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَعَهُ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ فَكَانَ الْإِمَامُ صَاحِبَ عُذْرَيْنِ وَالْمُؤْتَمُّ صَاحِبَ عُذْرٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لَا يُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ وَجُرْحٌ لَا يُرْقَأُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمُؤْتَمُّ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ بَطَلَ وُضُوءُهُمْ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْطُلُ بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. وَقَالَ زُفَرُ بِالدُّخُولِ لَا غَيْرُ وَفَائِدَتُهُ إذَا تَوَضَّأَ الْمَعْذُورُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الزَّوَالِ وَكَذَا إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَلَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دُخُولُ وَقْتٍ لَا خُرُوجُ وَقْتٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ يُنْتَقَضُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ عَلَيْهِمْ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ لِصَلَاةٍ أُخْرَى) فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ الِاسْتِئْنَافِ وَبُطْلَانُ الْوُضُوءِ مُسْتَلْزَمٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ، قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ الْوُضُوءُ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَلَا يَبْطُلُ لِحَقِّ صَلَاةٍ أُخْرَى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاسْتِئْنَافُ لِتِلْكَ الْأُخْرَى كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِلْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ وَبَقَاءِ طَهَارَتِهَا لِلنَّوَافِلِ، وَكَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُتَيَمِّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمِصْرِ لِبَقَاءِ تَيَمُّمِهِ فِي جِنَازَةٍ أُخْرَى لَوْ حَضَرَتْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهٍ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَتَبْطُلُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْوُضُوءِ بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ. [دَمُ النِّفَاسِ] (قَوْلُهُ: وَالنِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ) وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ بِالدَّمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ وَهُوَ الْوَلَدُ يُقَالُ فِيهِ نَفِسَتْ وَنُفِسَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا وَلَدَتْ، وَأَمَّا فِي الْحَيْضِ فَلَا يُقَالُ إلَّا نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ: وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ أَوْ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي حَالِ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ اسْتِحَاضَةٌ) وَإِنْ بَلَغَ نِصَابَ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ؛ لِأَنَّ فَمَ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ بِالْوَلَدِ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ إنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الرَّحِمِ بِخِلَافِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ لَا مِنْ الرَّحِمِ، وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا دَمَ الْحَامِلِ حَيْضًا أَدَّى إلَى اجْتِمَاعِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ دَمًا قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَجُعِلَ حَيْضًا فَوَلَدَتْ وَرَأَتْ الدَّمَ صَارَتْ نُفَسَاءَ فَتَكُونُ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَمَا تَرَاهُ فِي حَالِ وِلَادَتِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَلَدِ) يَعْنِي قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ اسْتِحَاضَةٌ حَتَّى إنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، وَلَوْ لَمْ تُصَلِّ كَانَتْ عَاصِيَةً وَصُورَةُ صَلَاتِهَا أَنْ تَحْفِرَ لَهَا حَفِيرَةً فَتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتُصَلِّي حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْوَلَدِ. (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ أَنَّ الْحَيْضَ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ مِنْ الرَّحِمِ إلَّا بِالِامْتِدَادِ ثَلَاثًا وَفِي النِّفَاسِ تَقَدُّمُ الْوَلَدِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الرَّحِمِ فَأَغْنَى عَنْ الِامْتِدَادِ، وَقَوْلُهُ لَا حَدَّ لَهُ يَعْنِي فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ أَمَّا إذَا احْتَجَّ إلَيْهِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ حَدُّ مِقْدَارٍ بِأَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إذْ لَوْ كَانَ أَقَلَّ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ فَيَكُونُ الدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَالنِّفَاسُ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْحَيْضِ

فَزَادَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ لَا حَدَّ لَهُ فَعَلَى هَذَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ نِفَاسٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ فَذَلِكَ أَرْبَعُونَ ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ ثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ مَعَ أَرْبَعِينَ فَذَلِكَ مِائَةُ يَوْمٍ وَإِنَّمَا أَخَذَ لَهَا بِأَكْثَرِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ لَهَا بِأَقَلِّ الطُّهْرِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ لَهَا فِي الْحَيْضِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ وَتَخْرِيجُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ تِسْعَةُ أَيَّامٍ وَطُهْرَانِ ثَلَاثُونَ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ وَتَخْرِيجُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُ سَاعَةٌ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ تِسْعَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ طُهْرَانِ. (قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سِتُّونَ يَوْمًا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الرَّحِمَ يَكُونُ مَسْدُودًا بِالْوَلَدِ فَيَمْنَعُ خُرُوجَ دَمِ الْحَيْضِ وَيَجْتَمِعُ الدَّمُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْفَخُ الرُّوحُ فِي الْوَلَدِ وَيَتَغَذَّى بِدَمِ الْحَيْضِ إلَى أَنْ تَلِدَهُ أُمُّهُ فَإِذَا وَلَدَتْهُ خَرَجَ ذَلِكَ الدَّمُ الْمُجْتَمَعُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَغَالِبُ مَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَرْبَعِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةً كَانَ الدَّمُ الَّذِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ سِتِّينَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَاوَزَ الدَّمُ الْأَرْبَعِينَ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي النِّفَاسِ رُدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا) سَوَاءٌ كَانَ خُتِمَ مَعْرُوفُهَا بِالدَّمِ أَوْ بِالطُّهْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثِينَ فَرَأَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا وَطَهُرَتْ عَشْرًا ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ دَمًا حَتَّى جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَعْرُوفِهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ حَصَلَ خَتْمُهَا بِالطُّهْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِفَاسًا عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتِمُهُ بِالطُّهْرِ ثُمَّ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ دَمَيْ النِّفَاسِ لَا يَفْصِلُ، وَإِنْ كَثُرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوُ مَا إذَا وَلَدَتْ فَرَأَتْ سَاعَةً دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ ثُمَّ رَأَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ دَمًا فَالْأَرْبَعُونَ كُلُّهَا نِفَاسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا لَمْ يَفْصِلْ وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا فَصَلَ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ نِفَاسًا وَالْآخَرُ حَيْضًا إنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ احْتِيَاطًا وَيَبْطُلُ صَوْمُهَا إنْ كَانَتْ صَائِمَةً؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَلَدِ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ دَمٍ فِي الْغَالِبِ وَالْغَالِبُ كَالْمَعْلُومِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي الْفَتَاوَى الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَيَجِبُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهَذَا خَارِجٌ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَابْتِدَاءُ نِفَاسِهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا فَأَخَذَ لَهَا بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنِفَاسُهَا مَا خَرَجَ مِنْ الدَّمِ عَقِيبَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا هَلْ يَكُونُ بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ قَالَ هَذَا لَا يَكُونُ قَالَ فَإِنْ كَانَ قَالَ لَا نِفَاسَ لَهَا مِنْ الثَّانِي، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي يُوسُفَ وَلَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَقْتَ أَنْ تَضَعَ الْوَلَدَ الثَّانِيَ وَتُصَلِّي؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ، وَقَدْ مَضَتْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا نِفَاسٌ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ نِفَاسُهَا مَا خَرَجَ مِنْ الدَّمِ عَقِيبَ الْوَلَدِ الثَّانِي) ؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ فَلَا تَكُونُ نُفَسَاءَ كَمَا لَا تَحِيضُ وَلِهَذَا لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِالْأَخِيرِ إجْمَاعًا قُلْنَا الْعِدَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَالْأَوَّلُ نِفَاسٌ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْأَوَّلُ اسْتِحَاضَةٌ وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ عَادَتُهَا عِشْرِينَ فَرَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ وَبَعْدَ الثَّانِي أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْعِشْرُونَ

باب الأنجاس

الْأُولَى نِفَاسٌ وَمَا بَعْدَ الثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْعِشْرُونَ الْأُولَى اسْتِحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي مَعَهَا وَمَا بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ، وَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ عِشْرِينَ وَبَعْدَ الثَّانِي عِشْرِينَ وَعَادَتُهَا عِشْرُونَ فَاَلَّذِي بَعْدَ الثَّانِي نِفَاسٌ إجْمَاعًا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ نِفَاسٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ الْأُولَى اسْتِحَاضَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْأَنْجَاسِ] (بَابُ الْأَنْجَاسِ) الْأَنْجَاسُ جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَا اسْتَقْذَرْتَهُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ تَطْهِيرِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْحُكْمِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِأَنَّ قَلِيلَهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَسْقُطُ أَبَدًا بِالْأَعْذَارِ إمَّا أَصْلًا أَوْ خَلَفًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ) اعْلَمْ أَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ لَا تَطْهُرُ لَكِنَّ مَعْنَاهُ تَطْهِيرُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَطْهِيرِهَا إزَالَتَهَا وَإِنَّمَا قَالَ وَاجِبٌ وَلَمْ يَقُلْ فَرْضٌ كَمَا قَالَ فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَفَرْضُ الطَّهَارَةِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ ثَبَتَتْ الطَّهَارَةُ بِنَصِّ الْكِتَابِ حَتَّى إنَّهُ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَكَانُ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ) يَعْنِي مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ تَحْتَ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهَا تَفْسُدُ وَصَحَّحَهُ فِي الْعُيُونِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ مَوْضِعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ طَاهِرًا وَالْأُخْرَى نَجِسًا فَوَضَعَ قَدَمَيْهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فَإِنْ رَفَعَ الْقَدَمَ الَّتِي مَوْضِعُهَا نَجِسٌ وَصَلَّى جَازَ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمٍ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَلَوْ جَمْعًا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ مَعْنًى تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ إلَّا بِالْمَاءِ قِيَاسًا عَلَى النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ الْحَدَثُ قُلْنَا النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ لَيْسَ فِيهَا عَيْنٌ تُزَالُ فَكَانَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهَا عِبَادَةً مَحْضَةً وَالْحَقِيقِيَّةُ لَهَا عَيْنٌ فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا إزَالَةَ الْعَيْنِ بِأَيِّ طَاهِرٍ كَانَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِالسِّكِّينِ جَازَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، فَقَالَ لَا تَزُولُ النَّجَاسَةُ مِنْ الْبَدَنِ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ اعْتِبَارًا بِالْحَدَثِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّهَا تَزُولُ عَنْهُ بِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ إزَالَتُهَا بِهِ) أَيْ يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْأَدْهَانِ وَالْعَسَلِ وَهَلْ يَجُوزُ بِاللَّبَنِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ. وَفِي النِّهَايَةِ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ) إنَّمَا يُتَصَوَّرُ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ نَجِسٌ فَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَصَابَ الْخُفَّ نَجَاسَةٌ لَهَا جِرْمٌ) أَيْ لَوْنٌ وَأَثَرٌ بَعْدَ الْجَفَافِ كَالرَّوْثِ وَالسِّرْقِينَ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ (قَوْلُهُ: فَجَفَّتْ وَدُلِّكَتْ بِالْأَرْضِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهَا) وَكَذَا كُلُّ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ كَالنَّعْلِ وَشَبَهِهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ فِيمَا سِوَى الْمَنِيِّ إلَّا الْغُسْلُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ بِالرَّيِّ لِمَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ السِّرْقِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَإِنَّمَا خَصَّ الْخُفَّ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الْغَسْلُ، وَكَذَا الثَّوْبُ أَيْضًا لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغَسْلُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَتَدَاخَلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَّا بِالْغَسْلِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، وَأَمَّا الْخُفُّ فَإِنَّهُ جِلْدٌ لَا تَتَدَاخَلُ فِيهِ النَّجَاسَةُ (قَوْلُهُ: وَجَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ

خِلَافًا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَطْهُرُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَزُولُ عَنْهُ مُعْظَمُ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا لَوْ عَاوَدَهُ الْمَاءُ يَعُودُ نَجِسًا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ نَجَّسَهُ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ الشَّيْخُ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِسْبِيجَابِيِّ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنِيُّ نَجِسٌ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ طَاهِرٌ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ عَبَّاسٍ الْمَنِيُّ كَالْمُخَاطِ فَأَمِطْهُ عَنْك، وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ» وَلِأَنَّهُ أَصْلُ خِلْقَةِ الْآدَمِيِّ فَكَانَ طَاهِرًا كَالتُّرَابِ، وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ رَآهُ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ مِنْ نُخَامَةٍ إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ وَالْقَيْءِ» فَقَرَنَ الْمَنِيَّ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ نَجِسَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا قُرِنَ بِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِمَاطَةِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِهِ نَقْضُ الطَّهَارَةِ كَالْبَوْلِ ثُمَّ نَجَاسَةُ الْمَنِيِّ عِنْدَنَا مُغَلَّظَةٌ (قَوْلُهُ: يَجِبُ غَسْلُ رَطْبِهِ فَإِذَا جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ) قَيَّدَ بِالثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ عَلَى الْبَدَنِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يُمْكِنُ فَرْكُهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ كَمَا فِي الثَّوْبِ وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِهِ رَأْسُ الذَّكَرِ طَاهِرًا بِأَنْ بَالَ وَاسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَإِلَّا فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَقِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ الْمَذْيِ أَمَّا إذَا أَمْذَى قَبْلَ خُرُوجِهِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ أَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَلَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ، وَلَوْ نَفَذَ الْمَنِيُّ إلَى الْبِطَانَةِ يُكْتَفَى بِالْفَرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصِيبُهُ الْبَلَلُ وَالْبَلَلُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، ثُمَّ إذَا أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ وَعَاوَدَهُ الْمَاءُ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ نَجِسًا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَعُودُ نَجِسًا. (قَوْلُهُ: وَالنَّجَاسَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمِرْآةَ أَوْ السَّيْفَ اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِمَا) لِعَدَمِ تَدَاخُلِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا يَزُولُ بِالْمَسْحِ وَالْمَسْحُ يُخَفِّفُ وَلَا يُطَهِّرُ وَلِهَذَا قَالَ اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِمَا وَلَمْ يَقُلْ طَهُرَا بِالْمَسْحِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمَسْحُ مُطَهِّرٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ ثُمَّ نَزَلَ الْبِئْرَ عُرْيَانًا فَعِنْدَهُمَا يَنْجُسُ مَاءُ الْبِئْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَنْجُسُ. وَفِي الْمُحِيطِ السَّيْفُ وَالسِّكِّينُ إذَا أَصَابَهُمَا بَوْلٌ أَوْ دَمٌ لَا يَطْهُرَانِ إلَّا بِالْغَسْلِ وَإِنْ أَصَابَهُمَا عَذِرَةٌ إنْ كَانَ رَطْبًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا طَهُرَا بِالْحَكِّ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَطْهُرَانِ إلَّا بِالْغَسْلِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً ثُمَّ مَسَحَ السِّكِّينَ عَلَى صُوفِهَا أَوْ مَا يَذْهَبُ بِهِ أَثَرُ الدَّمِ قَالَ يَطْهُرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ اُكْتُفِيَ بِمَسْحِهِمَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ إذَا عَاوَدَهُمَا الْمَاءُ فَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَعُودُ وَاخْتِيَارُ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهَا لَا تَعُودُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَصَابَتْ الْأَرْضُ نَجَاسَةً فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى مَكَانِهَا) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مِنْهَا وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَقَيَّدَ بِالْأَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّوْبِ وَالْحَصِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَيُشَارِكُ الْأَرْضَ فِي حُكْمِهَا كُلُّ مَا كَانَ ثَابِتًا فِيهَا كَالْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالْكَلَأِ وَالْقَصَبِ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ فَإِذَا قُطِعَ الْحَشِيشُ وَالْخَشَبُ وَالْقَصَبُ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَأَمَّا الْحَجَرُ فَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ. وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ إذَا كَانَ أَمْلَسَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ، وَإِنْ كَانَ يَشْرَبُ النَّجَاسَةَ فَهُوَ كَالْأَرْضِ وَالْحَصَا بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ) التَّقْيِيدُ بِالشَّمْسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ لَوْ جَفَّتْ بِالظِّلِّ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ أَثَرُهَا) الْأَثَرُ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ وَالطَّعْمُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ وَعَاوَدَهَا الْمَاءُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا تَعُودُ نَجِسَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَعُودُ نَجِسَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا وَقَعَ مِنْ تُرَابِهَا شَيْءٌ فِي الْمَاءِ فَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ يَنْجُسُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَنْجُسُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مِنْهَا) لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَ شَرْطُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ مَعَ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ فِيهِ يَسِير النَّجَاسَةِ وَالتَّيَمُّمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَلِأَنَّ الطُّهُورَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الْخَلَّ طَاهِرٌ وَلَيْسَ بِطَهُورٍ فَكَذَا هَذِهِ الْأَرْضُ طَاهِرَةٌ غَيْرُ طَهُورٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ

الْمُغَلَّظَةِ كَالدَّمِ وَالْغَائِطِ إلَى آخِرِهِ) الْمُغَلَّظَةُ مَا وَرَدَ بِنَجَاسَتِهَا نَصٌّ وَلَمْ يَرِدْ بِطَهَارَتِهَا نَصٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ أَمْ لَا وَعِنْدَهُمَا مَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي طَهَارَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ وَفَائِدَتُهُ فِي الْأَرْوَاثِ فَإِنَّ «قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الرَّوْثِ إنَّهُ رِجْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ فَيَكُونُ عِنْدَهُ مُغَلَّظًا وَقَالَا هُوَ مُخَفَّفٌ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ خَفَّ حُكْمُهُ (قَوْلُهُ: كَالدَّمِ) يَعْنِي الْمَسْفُوحَ أَمَّا الَّذِي يَبْقَى فِي اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّكَاةِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْأَكْلِ، وَلَوْ احْمَرَّتْ مِنْهُ الْقِدْرُ، وَلَيْسَ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي الثِّيَابِ وَالْأَبْدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الْأَكْلِ وَيُمْكِنُ فِي غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ دَمُ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ طَاهِرٌ حَتَّى لَوْ طُلِيَ بِهِ الْخُفُّ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَثُرَ وَكَذَا دَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُمَّلِ وَالْبَقِّ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ وَدَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ أَكْلُهُ بِدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدَمِهِ لَا يُذَكَّى، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أُبِيحَ أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ سَفْحِهِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدِّمَاءُ تَسْوَدُّ بِهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ نَجِسٌ، وَأَمَّا دَمُ الْحَلَمِ وَالْأَوْزَاغِ فَهُوَ نَجِسٌ إجْمَاعًا وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْ مَا دَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلِهَذَا لَا يُغْسَلُ عَنْهُ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ كَانَ نَجِسًا حَتَّى إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ نَجَّسَهُ وَالدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ طَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَالْغَائِطُ وَالْبَوْلُ) قَالَ الْحَسَنُ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْوُضُوءَ وَالِاغْتِسَالَ فَهُوَ نَجِسٌ فَعَلَى هَذَا الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ وَالْمَنِيُّ وَالْوَدْيُ وَالْمَذْيُ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ نَجِسٌ وَكَذَا الْقَيْءُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ نَجِسٌ، وَأَمَّا رُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَسَائِرِ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ وَعِنْدَهُمَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ، وَمِنْ الْمُغَلَّظَةِ أَيْضًا خَرْءُ الْكَلْبِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ جَمِيعِ السِّبَاعِ وَأَبْوَالُهَا وَخَرْءُ السِّنَّوْرِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ الْفَأْرِ وَبَوْلُهُ وَخَرْءُ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَاخْتَلَفُوا فِي خَرْءِ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْغُرَابِ وَالْحَدَأَةِ وَالْبَازِي وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُغَلَّظٌ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ فَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا خَرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَطَاهِرٌ عِنْدَنَا كَالْحَمَامِ وَالْعَصَافِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَجَنَّبُونَ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِهِمْ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَجَنَّبُوهُ الْمَسَاجِدَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ: مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ) يَعْنِي الْمِثْقَالَ الَّذِي وَزْنُهُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا ثُمَّ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ بَسْطُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ، وَقِيلَ وَزْنُهُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَسْطَ فِي الرَّقِيقِ وَالْوَزْنَ فِي الثَّخِينِ (قَوْلُهُ: جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ) وَهَلْ يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَتْ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَغْسِلَ ثَوْبَهُ وَيَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ إنْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ وَيَجِدُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يَجِدُ جَمَاعَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) الْمُخَفَّفَةُ مَا وَرَدَ بِنَجَاسَتِهَا نَصٌّ وَبِطَهَارَتِهَا نَصٌّ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَدَ بِنَجَاسَتِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اسْتَنْزِهُوا الْأَبْوَالَ» وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَفِيمَا لَا يُؤْكَلُ وَالِاسْتِنْزَاهُ هُوَ التَّبَاعُدُ عَنْ الشَّيْءِ، وَوَرَدَ أَيْضًا فِي طَهَارَتِهِ نَصٌّ وَهُوَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَخَّصَ لِلْعُرَنِيِّينَ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا» . وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمَرَهُمْ بِشُرْبِهِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ حَرَامٌ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ الْيَوْمَ وَالْمُحَرَّمُ يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ إذَا عُلِمَ حُصُولُ الشِّفَاءِ بِهِ يَقِينًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ مُبَاحٌ بِقَدْرِ سَدِّ الرَّمَقِ لِعِلْمِهِ يَقِينًا بِحُصُولِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُبُعَ الثَّوْبِ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ

وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مَمْلُوءًا مِنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي رُبُعِ الثَّوْبِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ الثَّوْبِ أَيَّ ثَوْبٍ أَصَابَهُ وَكَذَا الْبَدَنُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ رُبُعُ جَمِيعِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ رُبُعُ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ كَالْكُمِّ وَالدِّخْرِيصِ وَالْفَخِذِ أَوْ الظَّهْرِ إنْ كَانَ فِي الْبَدَنُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ، وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الْفَرَسِ لَمْ يَمْنَعْ حَتَّى يَفْحُشَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ مَأْكُولٌ عِنْدَهُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ لَمْ أُحَرِّمْ لَحْمَهُ لِنَجَاسَتِهِ بَلْ إبْقَاءٍ لِظَهْرِهِ تَحَامِيًا عَنْ تَقْلِيلِ الْخَيْلِ؛ لِأَنَّ فِي تَقْلِيلِهَا قَطْعَ مَادَّةِ الْجِهَادِ فَكَانَ طَاهِرَ اللَّحْمِ حَتَّى إنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ بِالِاتِّفَاقِ فَخُفِّفَ حُكْمُ بَوْلِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ طَاهِرٌ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ فَحُشَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَأْكُولِ، وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ السُّؤْرِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمَشْكُوكِ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ فَحُشَ، وَإِنْ أَصَابَ مِنْ السُّؤْرِ النَّجَسِ يَمْنَعُ إذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَإِنْ أَصَابَهُ مِنْ لُعَابِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فَلَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَ الْأَرْوَاثِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّهَا مُغَلَّظَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ رَوْثَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ رَوْثَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَعِنْدَهُمَا كُلُّهَا مُخَفَّفَةٌ رَوْثُ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَعِنْدَ زُفَرَ رَوْثُ الْمَأْكُولِ مُخَفَّفٌ وَرَوْثُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ مُغَلَّظٌ. (قَوْلُهُ: وَتَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَجِبُ غَسْلُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ فَمَا كَانَ لَهَا عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ فَطَهَارَتُهَا زَوَالُ عَيْنِهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ وَلَوْ زَالَتْ بِمَرَّةٍ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ لَا تَطْهُرُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الزَّوَالِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَعَنْ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهَا إذَا زَالَتْ بِمَرَّةٍ تُغْسَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ مَرَّتَيْنِ إلْحَاقًا لَهَا بِغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كَمَا أَشَارَ الشَّيْخُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَا زَالَتْ الْعَيْنُ تُغْسَلُ ثَلَاثًا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا زَالَتْ الْعَيْنُ وَالرَّائِحَةُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ طَهُرَتْ، وَإِنْ زَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَتْ الرَّائِحَةُ يُغْسَلُ حَتَّى تَزُولَ الرَّائِحَةُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ وَلَا يَضُرُّ الْأَثَرُ الَّذِي يَشُقُّ إزَالَتُهُ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ فَطَهَارَتُهَا زَوَالُ عَيْنِهَا وَلَمْ يَقُلْ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ حَتَّى تَزُولَ عَيْنُهَا، قِيلَ فِي قَوْلِهِ زَوَالُ عَيْنِهَا فَوَائِدُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ وَذَلِكَ فِي طَهَارَةِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْغَسْلِ وَكَذَلِكَ الْمِرْآةُ وَالسَّيْفُ يُكْتَفَى بِمَسْحِهِمَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْغَسْلِ وَكَذَلِكَ النَّجَاسَةُ إذَا أَحْرَقَتْهَا النَّارُ وَصَارَتْ رَمَادًا، وَكَذَا الْأَرْضُ إذَا جَفَّتْ بِالشَّمْسِ فَفِي هَذَا كُلِّهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْغَسْلِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ زَوَالُ الْعَيْنِ فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا جَفَّتْ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ وَذَهَبَ أَثَرُهَا فَقَدْ زَالَتْ عَيْنُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَطْهُرُ قِيلَ قَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُطَهِّرِ بِقَوْلِهِ فَطَهَارَتُهَا فَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُطَهِّرٍ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَبْقَى مِنْ أَثَرِهَا مَا يَشُقُّ إزَالَتُهُ) تَفْسِيرُ الْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَالْأُشْنَانِ وَالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ بِالنَّارِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ غُسِلَتْ الْمُغَلَّظَةُ بِالْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ مَرْئِيَّةٌ يَزُولُ حُكْمُ الْمُغَلَّظَةِ وَيَبْقَى حُكْمُ الْمُخَفَّفَةِ وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّ الْمُخْتَارَ لَا يَزُولُ حُكْمُهَا. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَفِي شَرْحِهِ يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ إلَى الْمُخَفَّفَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَيْسَ لَهَا عَيْنٌ مَرْئِيَّةٌ فَطَهَارَتُهَا أَنْ تُغْسَلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ) لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَإِنْ غَسَلَهَا مَرَّةً وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا قَدْ زَالَتْ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَرْئِيَّةً فَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَلَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ نَجَاسَةٌ وَخَفِيَ مَكَانُهَا فَإِنَّهُ يَغْسِلُ جَمِيعَ الثَّوْبِ وَكَذَا إذَا أَصَابَ أَحَدَ

حكم الاستنجاء

الْكُمَّيْنِ نَجَاسَةٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ غَسَلَهُمَا جَمِيعًا احْتِيَاطًا. [حُكْمُ الِاسْتِنْجَاء] (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةٌ) إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَعَ سُنَنِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَسَائِرُ السُّنَنِ مَشْرُوعَةٌ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ حُكْمِيَّةٍ (قَوْلُهُ: يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ وَمَا قَامَ مَقَامَهُ) يَعْنِي مِنْ التُّرَابِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مُعْتَادًا أَمَّا إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ دَمًا لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ مَذْيًا أَوْ وَدْيًا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ أَيْضًا، وَقِيلَ إنَّمَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ إذَا كَانَ الْغَائِطُ لَمْ يَجِفَّ وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَوْضِعِهِ أَمَّا إذَا قَامَ أَوْ جَفَّ الْغَائِطُ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَاءُ؛ لِأَنَّ بِقِيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ يَزُولُ الْغَائِطُ عَنْ مَوْضِعِهِ وَيَتَجَاوَزُ مَخْرَجَهُ وَيَتَجَاوَزُ وَبِجَفَافِهِ لَا يُزِيلُهُ الْحَجَرُ وَالْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِنْجَاءُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ غَائِطٌ وَلَا بَوْلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ نَجَاسَةِ دَمِهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. (قَوْلُهُ: يَمْسَحُهُ حَتَّى يُنْقِيَهُ) صُورَتُهُ أَنْ يَجْلِسَ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ وَعَنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ فَيَبْدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَيُدِيرَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ بِالثَّانِي مِنْ مُقَدَّمِ الْيُسْرَى وَيُدِيرُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُمِرُّ الثَّالِثَ عَلَى الصَّفْحَتَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي وَيُدِيرُ بِالثَّالِثِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ فِي الشِّتَاءِ أَقْبَلَ بِالْأَوَّلِ وَأَدْبَرَ بِالثَّانِي وَأَدَارَ الثَّالِثَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّيْفِ أَدْبَرَ بِالْأَوَّلِ وَأَقْبَلَ بِالثَّانِي وَأَدَارَ الثَّالِثَ؛ لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ فِي الصَّيْفِ مُتَدَلِّيَتَانِ وَفِي الشِّتَاءِ مُرْتَفِعَتَانِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا كَيْفِيَّةَ لَهُ وَالْقَصْدُ الْإِنْقَاءُ وَالْمَرْأَةُ تَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ فِي الشِّتَاءِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْأَحْجَارُ الطَّاهِرَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَضَعُ مَا اسْتَنْجَى بِهَا عَنْ يَسَارِهِ وَيَجْعَلُ وَجْهَ الْيُسْرَى إلَى تَحْتُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِ عَدَدٌ مَسْنُونٌ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ حَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ، لَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» . (قَوْلُهُ: وَغَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ) يَعْنِي بَعْدَ الْحِجَارَةِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا، وَقِيلَ سُنَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِنْجَاءُ نَوْعَانِ بِالْحَجَرِ وَبِالْمَاءِ فَبِالْحَجَرِ سُنَّةٌ وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ أَدَبٌ وَفَضِيلَةٌ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ مَرَّةً وَيَتْرُكُونَهُ أُخْرَى وَهَذَا حَدُّ الْفَضِيلَةِ وَالْأَدَبِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّمَا كَانَ إتْبَاعُ الْمَاءِ مُسْتَحَبًّا فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَهُوَ سُنَّةٌ أَيْضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَقَالَ سُنَّةٌ قِيلَ لَهُ كَيْفَ يَكُونُ سُنَّةٌ وَالْخِيَارُ مِنْ الصَّحَابَةِ تَرَكُوهُ فَقَالَ إنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ بَعْرًا وَأَنْتُمْ تَثْلِطُونَ ثَلْطًا فَكَانَ فِي زَمَانِنَا سُنَّةً كَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فِي زَمَانِهِمْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ تَثْلِطُونَ بِكَسْرِ اللَّامِ ثَلْطًا بِسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ إخْرَاجُ الْغَائِطِ رَقِيقًا وَهَلْ يُشْتَرَطُ ذَهَابُ الرَّائِحَةِ قِيلَ نَعَمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَلْ يُسْتَعْمَلُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَجَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا الْمَائِعَ وَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَاءُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُتَجَاوِزُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَجَبَ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ بِالْمَاءِ وَيُجْزِئُهُ الْحَجَرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا تَجَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَجِبُ إزَالَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَلَكِنْ إذَا ضُمَّ مَعَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ يَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يُضَمُّ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُضَمُّ فَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَنْجِ بِحَجَرٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَانَتْ لَمْ تَتَجَاوَزْ مَخْرَجَهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَا غَيْرُ إنْ لَمْ يَسْتَنْجِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَلَى بَدَنِهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَإِنْ اسْتَنْجَى جَازَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ أَوْ بِالْمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ وَلَكِنْ مَسَحَ مَا عَلَى بَدَنِهِ بِالْحِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَلَى الْبَدَنِ لَا تَجُوزُ إزَالَتُهَا بِالْحِجَارَةِ هَذَا حُكْمُ الْغَائِطِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ إذَا تَجَاوَزَ عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ إلَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثٍ وَلَا بِرَجِيعٍ وَلَا بِطَعَامٍ وَلَا بِيَمِينِهِ) يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ وَالرَّجِيعِ وَالطَّعَامِ وَالْفَحْمِ وَالزُّجَاجِ وَالْوَرَقِ وَالْخَزَفِ وَالْقَصَبِ وَالشَّعْرِ وَالْقُطْنِ وَالْخِرْقَةِ وَعَلَفِ الْحَيَوَانِ مِثْلُ الْحَشِيشِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَنْجَى بِهَا أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ

كتاب الصلاة

أَمَّا الْعَظْمُ وَالرَّوْثُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثٍ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِأَنَّ الْعَظْمَ زَادُ الْجِنِّ وَالرَّوْثَ عَلَفُ دَوَابِّهِمْ وَيُرْوَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَهُمْ نِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ إلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ طَعَامًا وَقَالَ إنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَظْمًا إلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ لَحْمَهُ يَوْمَ أُكِلَ وَلَا رَوْثَةً إلَّا وَفِيهَا حَبُّهَا يَوْمَ أُكِلَتْ وَرُوِيَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ الْمَتَاعَ فَمَتَّعَهُمْ بِكُلِّ عَظْمٍ وَرَوْثَةٍ وَبَعْرَةٍ فَقَالُوا يُقَذِّرُهَا عَلَيْنَا النَّاسُ فَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِذَلِكَ» ، وَأَمَّا الْوَرَقُ فَقِيلَ إنَّهُ وَرَقُ الْكِتَابَةِ، وَقِيلَ وَرَقُ الشَّجَرِ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا بِالطَّعَامِ فَهُوَ إسْرَافٌ وَإِهَانَةٌ، وَأَمَّا بِالْخَزَفِ وَالزُّجَاجِ وَالْفَحْمِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَقْعَدَةِ، وَأَمَّا الرَّجِيعُ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ الْعَذِرَةُ الْيَابِسَةُ، وَقِيلَ الْحَجَرُ الَّذِي قَدْ اسْتَنْجَى بِهِ وَأَمَّا بِالْيَمِينِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ، وَأَمَّا بَاقِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَقِيلَ إنَّهَا تُورِثُ الْفَقْرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الصَّلَاةِ] (كِتَابُ الصَّلَاةِ) الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الدُّعَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيْ إنَّ دُعَاءَك وَاسْتِغْفَارَك لَهُمْ طُمَأْنِينَةٌ لَهُمْ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ مُتَغَايِرَةٍ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوَّلُ وَقْتِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي) بَدَأَ بِالْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَوَّلِهِ وَلَا فِي آخِرِهِ وَسُمِّيَ الْفَجْرَ؛ لِأَنَّهُ يَفْجُرُ الظَّلَامَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ) قَيَّدَ بِالْمُعْتَرِضِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُسْتَطِيلِ وَهُوَ الْفَجْرُ الْأَوَّلُ يَبْدُو طُولًا وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الْكَاذِبَ وَالْأُفُقُ وَاحِدُ الْآفَاقِ وَهِيَ أَطْرَافُ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ: وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِهَا. (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ) أَيْ زَالَتْ مِنْ الِاسْتِوَاءِ إلَى الِانْحِطَاطِ وَسُمِّيَ ظُهْرًا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ ظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا خِلَافَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ (قَوْلُهُ: وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى فِيءِ الزَّوَالِ) الْفَيْءُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلظِّلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ سُمِّيَ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فَاءَ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَيْ رَجَعَ وَلَا يُقَالُ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيْءٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ ظِلٌّ لَا غَيْرُ وَقَدْ يُسَمَّى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ ظِلًّا (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ) وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى الْمِثْلِ وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِثْلَيْنِ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ وَعِنْدَهُمَا بَعْدَ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ. (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا

غَرَبَتْ الشَّمْسُ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ) وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ كَمَا فِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي فِي الْأُفُقِ بَعْدَ الْحُمْرَةِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الشَّفَقَ عِبَارَةٌ عَنْ الرِّقَّةِ وَمِنْهُ الشَّفَقَةُ وَهِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَالْبَيَاضُ أَرَقُّ مِنْ الْحُمْرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاخْتِيَارُ الْمُبَرَّدِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ مِنْ الْحُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَثْبُتَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِيَقِينٍ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ الْحُمْرَةُ) وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلِأَنَّ الْغَوَارِبَ ثَلَاثَةٌ الشَّمْسُ وَالشَّفَقَانِ وَكَذَا الطَّوَالِعُ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا الْفَجْرَانِ وَالشَّمْسُ ثُمَّ الْمُتَعَلِّقُ بِالطَّوَالِعِ مِنْ دُخُولِ الْوَقْتِ وَخُرُوجِهِ هُوَ أَوْسَطُ الطَّوَالِعِ فَكَذَا الْغَوَارِبُ يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ دُخُولُ الْوَقْتِ وَخُرُوجُهُ بِأَوْسَطِهَا وَهِيَ الْحُمْرَةُ، فَقَوْلُهُمَا أَوْسَعُ لِلنَّاسِ وَقَوْلُهُ أَحْوَطُ. (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إذَا غَابَ الشَّفَقُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُ إذَا غَابَ الْبَيَاضُ وَعِنْدَهُمَا إذَا غَابَتْ الْحُمْرَةُ (قَوْلُهُ: وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ الثَّانِي) وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فِي الْقُرْآنِ مُجْمَلَةً فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114] يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَالَ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ زَوَالِهَا وَهُوَ الظُّهْرُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] أَيْ فَصَلُّوا لِلَّهِ {حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] يَعْنِي الْفَجْرَ {وَعَشِيًّا} [الروم: 18] يَعْنِي الْعَصْرَ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] يَعْنِي الظُّهْرَ وقَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} [طه: 130] يَعْنِي الْفَجْرَ {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] يَعْنِي الْعَصْرَ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [الطور: 49] يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّسْبِيحِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وقَوْله تَعَالَى {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَقَوْلُهُ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ الْوِتْرُ. (قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ وَقْتِ الْوِتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَآخِرُ وَقْتِهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ يَعْنِي إذَا غَابَ الشَّفَقُ إلَّا أَنَّ فِعْلَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى فِعْلِ الْعِشَاءِ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّذَكُّرِ وَالِاخْتِلَافُ فِي وَقْتِهَا فَرْعُ الِاخْتِلَافِ فِي صِفَتِهَا فَعِنْدَهُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ فَإِذَا كَانَ وَاجِبًا صَارَ مَعَ الْعِشَاءِ كَصَلَاةِ الْوَقْتِ وَالْفَائِتَةِ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَإِذَا كَانَ سُنَّةً شُرِعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَرَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ نَاسِيًا وَصَلَّى الْوِتْرَ بِوُضُوءٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي ثَوْبٍ وَالْوِتْرَ فِي ثَوْبٍ آخَرَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعِشَاءَ نَجِسٌ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ دُونَ الْوِتْرِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ وَاجِبَتَانِ جَمَعَهُمَا وَقْتٌ وَاحِدٌ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ وَكَالْفَائِتَةِ مَعَ الْوَقْتِيَّةِ إذَا صَلَّى الْفَائِتَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ نَاسِيًا ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ بِوُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْفَائِتَةَ وَلَا يُعِيدُ الْوَقْتِيَّةَ كَذَلِكَ الْوِتْرُ مَعَ الْعِشَاءِ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالْوِتْرَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَ الْعِشَاءِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَإِذَا أَعَادَ الْعِشَاءَ أَعَادَ مَا هُوَ تَبَعٌ لَهَا كَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ. وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ أَوْتَرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ مُتَعَمِّدًا أَعَادَهَا بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ أَوْتَرَ نَاسِيًا لِلْعِشَاءِ أَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ نَامَ وَقَامَ وَتَوَضَّأَ وَأَوْتَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَعِنْدَهُ لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْعِشَاءِ كَرَكْعَتَيْهَا، وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَرَكْعَتَيْهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ فَسَادٌ فِي الْعِشَاءِ وَحْدَهَا أَعَادَهَا وَأَعَادَ الرَّكْعَتَيْنِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا تُبْنَى عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ) الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ الْأَوْقَاتِ هُوَ أَوْقَاتُ الْجَوَازِ وَالْآنَ شَرَعَ فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِحْبَابِ

باب الأذان

وَحَدُّ الْإِسْفَارِ أَنْ يَدْخُلَ مُغَلِّسًا وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ وَيَخْتِمَ بِالْإِسْفَارِ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يَبْدَأُ بِالْإِسْفَارِ وَيَخْتِمُ بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ حَدُّ الْإِسْفَارِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَقْتٍ لَوْ صَلَّى بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ مُرَتَّلَةٍ فَإِذَا فَرَغَ لَوْ ظَهَرَ لَهُ فَسَادٌ فِي طَهَارَتِهِ أَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ وَالْإِعَادَةُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلْحَاجِّ. (قَوْلُهُ: وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ) وَحَدُّهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَدَّمَهَا (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُهَا فِي الشِّتَاءِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا فَعَلَ. (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ) هَذَا فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا وَاخْتَلَفُوا فِي التَّغَيُّرِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الشُّعَاعُ عَلَى الْحِيطَانِ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْقُرْصُ وَيَصِيرَ بِحَالٍ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ عَصْرَ يَوْمِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ) يَعْنِي فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا إلَّا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْغُرُوبَ بِغَالِبِ الظَّنِّ. (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ) وَالتَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مُبَاحٌ وَإِلَى مَا بَعْدَ النِّصْفِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الشِّتَاءِ أَمَّا فِي الصَّيْفِ فَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا لِأَجْلِ قِصَرِ اللَّيْلِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ لِمَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ اللَّيْلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَهُ فَإِنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ» (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَثِقْ إلَخْ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي أَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِالِانْتِبَاهِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْتَرَ أَوَّلَهُ وَأَوْسَطَهُ وَآخِرَهُ وَانْتَهَى وَاسْتَمَرَّ وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ وَقُبِضَ وَهُوَ يُوتِرُ بِسَحَرٍ» وَإِذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ التَّأْخِيرُ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ التَّعْجِيلُ لِمَا فِي الْعِشَاءِ مِنْ تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ الظَّلَامِ وَلِمَا فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ مَنْ تَوَهُّمِ الْوُقُوعِ فِي الْوَقْتِ الْمُكْرَهِ وَضَابِطُهُ أَنَّك تُقَابِلُ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ فَتُقَابِلُ التَّعْجِيلَ بِالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَتُؤَخِّرُ الْبَاقِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَذَانِ] (بَابُ الْأَذَانِ) الْأَذَانُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِعْلَامُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إعْلَامٍ مَخْصُوصٍ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ جُعِلَتْ عَلَمًا لِلصَّلَاةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَوْقَاتِ عَلَى الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَابٌ وَالسَّبَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِعْلَامِ إذْ الْإِعْلَامُ إخْبَارٌ عَنْ وُجُودِ الْمُعْلَمِ بِهِ فَلَا بُدَّ لِلْأَخْبَارِ مِنْ سَابِقَةِ وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَلِأَنَّ أَثَرَ الْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ الْخَوَاصِّ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْأَذَانُ إعْلَامٌ فِي حَقِّ الْعَوَامّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ أَوْ لِزِيَادَةِ مَرْتَبَةِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْإِمَامُ الْكُرْدِيُّ: حَقِيقٌ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَنَبَّهَ بِالْوَقْتِ فَإِذَا لَمْ يَتَنَبَّهْهُ بِالْوَقْتِ فَلْيُنَبِّهْهُ الْأَذَانُ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَذَانُ سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ دُونَ مَا سِوَاهَا) الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ الْأَذَانِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58] وقَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَهَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَمْ الْإِمَامَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ» فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ، وَالْأَمِينُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الضَّمِينِ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَعَا لِلْأَئِمَّةِ بِالرُّشْدِ وَدَعَا لِلْمُؤَذِّنِينَ بِالْمَغْفِرَةِ» وَالْغُفْرَانُ أَفْضَلُ مِنْ الرُّشْدِ

وَمَعْنَى قَوْلِهِ أُمَنَاءُ أَيْ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُؤَذِّنُونَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ مُشْرِفُونَ عَلَى مَوَاضِعَ عَالِيَةٍ فَيَكُونُونَ أُمَنَاءَ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا أَئِمَّةً وَلَمْ يَكُونُوا مُؤَذِّنِينَ وَهُمْ لَا يَخْتَارُونَ مِنْ الْأُمُورِ إلَّا أَفْضَلَهَا (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) أَيْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْجُمُعَةُ) فَإِنْ قِيلَ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْخَمْسِ فَلِمَ أَفْرَدَهَا وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ؟ قِيلَ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ لَهَا أَذَانَيْنِ وَلِتَتَمَيَّزَ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْعِيدَيْنِ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الْإِمَامِ وَالْمِصْرِ فَرُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهَا كَالْعِيدِ (قَوْلُهُ: دُونَ مَا سِوَاهَا) كَالْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ. (قَوْلُهُ: وَصِفَةُ الْأَذَانِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَخْ) أَيْ أَكْبَرُ مِمَّا اشْتَغَلْتُمْ بِهِ وَطَاعَتُهُ أَوْجَبُ فَاشْتَغِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاتْرُكُوا أَعْمَالَ الدُّنْيَا وَكَانَ السَّلَفُ إذَا سَمِعُوا الْأَذَانَ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ كَانُوا فِيهِ (قَوْلُهُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) أَيْ اعْلَمُوا أَنِّي غَيْرُ مُخَالِفٍ لَكُمْ فِيمَا دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] (قَوْلُهُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) مُحَمَّدٌ اسْمٌ عَرَبِيٌّ أَيْ مُسْتَغْرِقٌ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ وَالرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُتَابِعُ أَخْبَارَ الَّذِي بَعَثَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ جَاءَتْ الْإِبِلُ رُسُلًا أَيْ مُتَتَابِعَةً وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَلِيهِ ذِكْرُ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي فَهُوَ يُذْكَرُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ وَفِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَالتَّشَهُّدِ، قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ يَمْدَحُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَمٌ ... مِنْ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ وَيَشْهَدُ وَضَمَّ الْإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ مَعَ اسْمِهِ ... إذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ وَشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدٌ (قَوْلُهُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) أَيْ هَلُمُّوا إلَيْهَا (قَوْلُهُ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) أَيْ هَلُمُّوا إلَى مَا فِيهِ فَلَاحُكُمْ وَنَجَاتُكُمْ وَالْفَلَاحُ هُوَ النَّجَاةُ وَالْبَقَاءُ وَالْمُفْلِحُونَ هُمْ النَّاجُونَ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَرْجِيعَ فِيهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُرَجِّعُ وَهُوَ أَنْ يُرَجِّعَ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ سِرًّا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَافِعًا صَوْتَهُ. (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِمَا رَوَى أَنَّ «بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَذَّنَ لِلْفَجْرِ ثُمَّ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ نَائِمٌ فَقَالَ بِلَالٌ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ مَا أَحْسَنَ هَذَا اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك لِلْفَجْرِ» فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا أَيْضًا فِي أَذَانِ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ مَوْجُودٌ فِيهَا إذْ السُّنَّةُ تَأْخِيرُهَا إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَنَامُ قَبْلَهَا قِيلَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْفَجْرِ مَعْدُومٌ فِي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَنَامُونَ قَبْلَ أَذَانِ الْعِشَاءِ فِي الْغَالِبِ وَإِنَّمَا يَنَامُونَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْفَجْرِ فَإِنَّ النَّوْمَ فِيهَا قَبْلَ الْأَذَانِ وَلِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ الْفَجْرِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ مِثْلُ الْأَذَانِ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يَزِيدُ فِيهَا بَعْدَ الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً وَاحِدَةً وَيُسْتَحَبُّ مُتَابَعَةُ الْمُؤَذِّنِ فِيمَا يَقُولُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَيْ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِاَللَّهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ وَفِي قَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَقِيلَ يَقُولُ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ فَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يُتَابِعُ وَفِي قِرَاءَةِ الْفِقْهِ لَا يُتَابِعُ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ لَا يَفُوتُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِجَابَةُ بِالْقَدَمِ لَا بِاللِّسَانِ حَتَّى لَوْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يَمْشِ إلَى الْمَسْجِدِ لَا يَكُونُ مُجِيبًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ لَيْسَ عَلَيْهِ إجَابَةٌ. وَفِي الْفَوَائِدِ لَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَقْرَأُ فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى قِرَاءَتِهِ وَيَنْبَغِي لِسَامِعِ الْأَذَانِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ سِوَى الْإِجَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَتَرَسَّلُ فِي الْأَذَانِ) وَهُوَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ مِنْ غَيْرِ تَغَنٍّ وَلَا تَطْرِيبٍ مِنْ قَوْلِهِمْ عَلَى

رِسْلِك أَيْ عَلَى رِفْقِك (قَوْلُهُ: وَيَحْدُرُ فِي الْإِقَامَةِ) الْحَدْرُ الْوَصْلُ وَالسُّرْعَةُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ فَإِنْ تَرَسَّلَ فِيهِ أَوْ حَدَرَ فِيهِمَا أَوْ تَرَسَّلَ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدَرَ فِي الْأَذَانِ وَيُكْرَهُ التَّغَنِّي فِي الْأَذَانِ وَالتَّطْرِيبُ وَيُرْوَى أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّك فِي اللَّهِ فَقَالَ لَهُ وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأُبْغِضُك فِي اللَّهِ قَالَ وَلِمَ؟ قَالَ لِأَنَّك تَتَغَنَّى فِي أَذَانِك، وَرُوِيَ أَنَّ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ فَطَرَّبَ فِي أَذَانِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ) أَيْ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِعْلَامُ وَذَلِكَ يُوجَدُ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ (قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَ إلَى الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا) يَعْنِي الصَّلَاةَ فِي الْيَمِينِ وَالْفَلَاحَ فِي الشِّمَالِ وَهَلْ يُحَوِّلُ قَدَمَيْهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ لَا إلَّا إذَا كَانَ عَلَى مَنَارَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ مِنْ نَوَاحِيهَا لَا بَأْسَ أَنْ يُحَوِّلَ قَدَمَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَالْمَعْنَى بِالتَّحْوِيلِ إعْلَامُ النَّاسِ وَهُمْ فِي الْأَرْبَعِ الْجِهَاتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ قُدَّامَهُ وَوَرَاءَهُ لَكِنْ تَرَكَ التَّحْوِيلَ إلَى وَرَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَمِنْ قُدَّامِهِ قَدْ حَصَلَ الْإِعْلَامُ بِالتَّكْبِيرِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَهَلْ يُحَوِّلُ فِي الْإِقَامَةِ قِيلَ لَا؛ لِأَنَّهَا إعْلَامٌ لِلْحَاضِرِينَ بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ إعْلَامٌ لِلْغَائِبِينَ، وَقِيلَ يُحَوِّلُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مُتَّسِعًا وَيَجْعَلُ الْمُؤَذِّنُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ بِلَالًا فَعَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِنْ تَرَكَهُ لَا يَضُرُّ وَيُؤَذِّنُ قَائِمًا فَإِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ يَعْنِي إذَا كَانَ لِجَمَاعَةٍ أَمَّا إذَا أَذَّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهِ هُنَا الْإِعْلَامَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فَلَوْ أَذَّنَ الْمُسَافِرُ رَاكِبًا فَلَا بَأْسَ وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ وَيُكْرَهُ لِلْمُؤَذِّنِ طَلَبُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ فَإِنْ عَرَفَ الْقَوْمُ حَاجَتَهُ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طَلَبٍ جَازَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُون الْمُؤَذِّنُ فَاسِقًا فَإِنْ صَلَّوْا بِأَذَانِهِ أَجْزَأَهُمْ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَنِ الْأَذَانِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَهِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ وَيُعَادُ أَذَانُ أَرْبَعَةٍ الْمَجْنُونِ وَالْجُنُبِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْأَذَانِ لَا يُعَادُ أَذَانُهُ فَإِنْ أُعِيدَ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَصِحُّ الْأَذَانُ بِالْفَارِسِيَّةِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ وَأَشَارَ فِي شَرْحِهِ لِلْكَرْخِيِّ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَصَحُّ. (قَوْلُهُ: وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْوَادِي إلَى أَنْ أَيْقَظَهُمْ حَرُّ الشَّمْسِ فَلَمَّا انْتَبَهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قُومُوا ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَأَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْفَجْرَ» (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ وَكَانَ مُخَيَّرًا فِي الثَّانِيَةِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِاسْتِحْضَارِ الْغَائِبِينَ وَالرُّفْقَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِعْلَامِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَهُمْ إلَيْهِ مُحْتَاجُونَ وَهَذَا إذَا قَضَاهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا قَضَاهَا فِي مَجَالِسَ يُشْتَرَطُ كِلَاهُمَا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى وُضُوءٍ) فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ فِي الْأَذَانِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَلَيْسَ بِصَلَاةٍ فَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذَّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَهِيَ تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ فَالْأَذَانُ أَوْلَى لَكِنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَذِّنُ وَهُوَ جُنُبٌ) فَإِنْ أَذَّنَ أُعِيدَ أَذَانُهُ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ بِالْجَنَابَةِ نَقْصٌ كَبِيرٌ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْوَقْتِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ مِنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا وَيُفَارِقُ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَلْتَفِتُ فِيهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا تَحْرِيمَةَ فِيهِ وَلَا قِرَاءَةَ فَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَذِّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا) فَإِنْ فَعَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ وَهُوَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ تَجْهِيلٌ، وَأَمَّا فِي الْفَجْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَشْهَدُ لِلْمُؤَذِّنِ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ» وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعَ مُؤَذِّنًا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فَقَالَ أَمَا خَشِيتَ أَنْ يَنْقَطِعَ مُرَيْطَاؤُكَ

باب شروط صحة الصلاة

وَهُوَ عِرْقٌ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ وَالتَّثْوِيبُ فِي الْفَجْرِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَيُكْرَهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اجْتِمَاعٍ وَيَقَظَةٍ وَالْمُتَأَخِّرُونَ اسْتَحْسَنُوهُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَصِفَتُهُ فِي كُلِّ بَلَدٍ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ إمَّا بِقَوْلِهِ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ أَوْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ] (بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا) الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ الشَّيْءَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِهِ وَيُشْتَرَطُ اسْتِدَامَتُهُ ثُمَّ الشُّرُوطُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ شَرْطُ الِانْعِقَادِ لَا غَيْرُ كَالنِّيَّةِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَالْوَقْتِ وَالْخُطْبَةِ وَشَرْطُ الدَّوَامِ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالثَّالِثُ مَا شُرِطَ وُجُودُهُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَدُّمُ وَلَا الْمُقَارَنَةُ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يُقَدِّمَ الطَّهَارَةَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ مِنْ بَيَانِ الطَّهَارَتَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) أَيْ بِثَوْبٍ ضَيِّقٍ لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ أَمَّا إذَا رُئِيَ مَا تَحْتَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهَلْ السَّتْرُ شَرْطٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبُوهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَفَائِدَتُهُ إذَا صَلَّى فِي قَمِيصٍ بِغَيْرِ أَزْرَارٍ وَكَانَ لَوْ نَظَرَ رَأَى عَوْرَتَهُ مِنْ زِيقِهِ وَهُوَ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ فَعِنْدَ مَنْ قَالَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ تَفْسُدُ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ عُرْيَانًا وَلَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ السَّتْرَ شَرْطًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَوْ كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ خَفِيفَ اللِّحْيَةِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ صَلَّى فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ كَدِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ صَافِيًا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ عَوْرَتِهِ لَا يَصِحُّ وَيُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ وَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى فِيهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ صَلَّى فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَصَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَحِيحَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْعَوْرَةُ مِنْ الرَّجُلِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ) إلَى هَا هُنَا بِمَعْنَى مَعَ ثُمَّ الْعَوْرَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ: غَلِيظَةٌ كَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، وَخَفِيفَةٌ وَهِيَ مَا عَدَاهُمَا وَقَلِيلُ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَكَثِيرُهَا يَمْنَعُ وَحَدُّ الْمَانِعِ رُبُعُ عُضْوٍ فَمَا زَادَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ لَا يَمْنَعُ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَوْ جُمِعَ يَبْلُغُ رُبُعَ عُضْوٍ مَنَعَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يَمْنَعُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَانِعُ النِّصْفُ فَمَا زَادَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَا يَمْنَعُ، وَقِيلَ لَهُ فِي النِّصْفِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ جَعَلَهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَالْعُضْوُ كَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالرَّأْسِ وَالشَّعْرِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ فِي الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ مَنَعَ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَالذَّكَرُ بِانْفِرَادِهِ وَالْأُنْثَيَانِ بِانْفِرَادِهِمَا وَالدُّبُرُ بِانْفِرَادِهِ وَالْأَلْيَتَانِ بِانْفِرَادِهِمَا وَالرُّكْبَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَبَعٌ لِلْفَخِذِ فَهِيَ مَعَهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ عُضْوٌ عَلَى حِدَةٍ وَثَدْيُ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ نَاهِدَةً تَبَعٌ لِلصَّدْرِ وَإِنْ كَانَ تَدَلَّى كَانَ عُضْوًا بِانْفِرَادِهِ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ فِي اعْتِبَارِ الرُّبُعِ عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا انْكَشَفَتْ مِنْ الْغَلِيظَةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَاعْتَبَرُوهَا بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا التَّغْلِيظَ فِي الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الدُّبُرِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُ مَكْشُوفًا (قَوْلُهُ: وَالرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالسُّرَّةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَعِنْدَهُ عَوْرَةٌ (قَوْلُهُ: وَبَدَنُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ كُلُّهُ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ

الْقَدَمَ عَوْرَةٌ وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي حَقِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالْمَشْيِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَفِّ بَاطِنُهُ أَمَّا ظَاهِرُهُ فَعَوْرَةٌ وَلَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ قَدَمِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ عَوْرَةً مَنَعَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ صَلَّتْ وَرُبُعُ سَاقهَا مَكْشُوفٌ تُعِيدُ الصَّلَاةَ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا تُعِيدُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُعِيدُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَعَلَهُ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ جَعَلَهُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ وَالْحُكْمُ فِي الشَّعْرِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْفَخِذِ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاخْتَارَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ هُوَ مَا عَلَى الرَّأْسِ وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَحْوَطُ أَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَلَوْ انْكَشَفَ رُبُعُ أُذُنِهَا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ كُلُّ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا انْفَصَلَ عَنْهَا هَلْ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لَنَا النَّظَرُ إلَى رِيقِهَا وَدَمِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الذَّكَرُ الْمَقْطُوعُ مِنْ الرَّجُلِ وَشَعْرُ عَانَتِهِ إذَا حُلِقَ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَصَلَ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ (قَوْلُهُ) : (وَمَا كَانَ عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ فَهُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْأَمَةِ وَبَطْنُهَا وَظَهْرُهَا عَوْرَةٌ) وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ فِي رَقَبَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ بِمَعْنَى الْأَمَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا جَعَلَ بَطْنَهَا وَظَهْرَهَا عَوْرَةً؛ لِأَنَّهُمَا يَحِلَّانِ مَحَلَّ الْفَرْجِ بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ أَوْ بَطْنِهَا كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِفَرْجِهَا وَالظَّهْرُ هُوَ مَا قَابَلَ الْبَطْنَ مِنْ تَحْتِ الصَّدْرِ إلَى السُّرَّةِ (قَوْلُهُ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا فَارَقَتْ الْحُرَّةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَالٌ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى فَفَارَقَتْهَا فِي السَّتْرِ حَتَّى إنَّ الْأَمَةَ إذَا صَلَّتْ وَرَأْسُهَا مَكْشُوفٌ جَازَتْ صَلَاتُهَا فَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْقِنَاعَ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ صَلَاتَهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا لَزِمَهَا الْآنَ بِخِلَافِ الْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا كَانَ مَشْيُهَا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تَسْتُرْ رَأْسَهَا أَوْ سَتَرَتْهُ وَقَدْ أَدَّتْ رُكْنًا فَسَدَتْ وَالْخُنْثَى حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَكَالْأَمَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ صَلَّى مَعَهَا وَلَمْ يُعِدْ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ رُبُعُ الثَّوْبِ فَصَاعِدًا طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ صَلَّى عُرْيَانًا لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ رُبُعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَعِنْدَهُمَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا أَوْ فِيهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ مَا مَقْصُودُهُ أَيْ مِنْ أَيِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَحَدُّ عَدَمِ الْوُجُودِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِيلٌ فَصَاعِدًا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) الْمُرَادُ بِالْوُجُودِ الْقُدْرَةُ فَإِنْ أُبِيحَ لَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ الْأَصَحُّ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ: ثَوْبًا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: قَاعِدًا) صِفَةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُ، وَقَوْلُهُ يُومِئُ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ) يَعْنِي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ) يَعْنِي صَلَاتَهُ قَاعِدًا يُومِئُ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ لَا خَلَفَ لَهُ وَالْإِيمَاءُ خَلَفٌ عَنْ الْأَرْكَانِ وَلِأَنَّ السَّتْرَ فَرْضٌ وَالْقِيَامَ فَرْضٌ وَقَدْ اُضْطُرَّ إلَى تَرْكِ أَحَدِهِمَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ آكَدُهُمَا وَهُوَ السَّتْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْقِيَامُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَكَانَ السَّتْرُ أَوْلَى وَفِعْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَتْرٌ لَهُ فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ النَّافِلَةَ تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ بِالْإِيمَاءِ وَلَا تَجُوزُ بِدُونِ السَّتْرِ حَالَ الْقُدْرَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعُرْيَانِ يَعِدُهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ الثَّوْبَ إذَا صَلَّى فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ

كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَلَوْ صَلَّى رَجُلَانِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَاسْتَتَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِطَرَفٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَا لَوْ أَلْقَى أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى نَائِمٍ أَجْزَأَهُ. (قَوْلُهُ: وَيَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهِ بِنِيَّةٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ وَلَا غَيْرِهِ) وَالنِّيَّةُ هِيَ الْعِلْمُ السَّابِقُ بِالْعَمَلِ اللَّاحِقِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهَا وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَلَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ التَّحْرِيمَةِ وَاخْتَلَفُوا إلَى مَتَى قَالَ بَعْضُهُمْ إلَى مُنْتَهَى الثَّنَاءِ، وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ تُؤَدِّي إلَى وُقُوعِ الشُّرُوعِ خَالِيًا عَنْهَا فَإِنْ قِيلَ الصَّوْمُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ وَقْتِ الشُّرُوعِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ؟ قُلْنَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَوْ شُرِطَتْ النِّيَّةُ حِينَئِذٍ لَضَاقَ الْأَمْرُ، وَأَمَّا وَقْتُ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ وَقْتُ حُضُورٍ وَيَقَظَةٍ فَيُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا بِلَا مَشَقَّةٍ (قَوْلُهُ: لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ بِعَمَلٍ) يَعْنِي عَمَلًا لَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَا يَكْفِيهِ نِيَّةُ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنْوَاعٌ وَإِذَا نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي فَرْضِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَكِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَمَا يَقْبَلُ ظُهْرَ الْيَوْمِ يَقْبَلُ ظُهْرًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ ظُهْرًا فَائِتَةً، وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهُ. وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ الْوَقْتِ إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ أَمَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ إذَا صَلَّى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِخُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ كَانَ فَرْضُ الْوَقْتِ هُوَ الْعَصْرَ وَإِذَا نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ كَانَ نَاوِيًا لِلْعَصْرِ وَصَلَاةُ الظُّهْرِ لَا تَجُوزُ بِنِيَّةِ الْعَصْرِ، وَإِنْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَاعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهَا إرَادَةٌ وَالْإِرَادَةُ عَمَلُ الْقَلْبِ لَا عَمَلُ اللِّسَانِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ اللِّسَانِ يُسَمَّى كَلَامًا لَا إرَادَةً إلَّا أَنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ مَعَ عَمَلِ الْقَلْبِ سُنَّةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَشْغَلَ قَلْبَهُ بِالنِّيَّةِ وَلِسَانَهُ بِالذِّكْرِ وَيَدَهُ بِالرَّفْعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ مُطْلَقُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرَاوِيحِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةِ التَّرَاوِيحِ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ تَجُوزُ التَّرَاوِيحُ وَالسُّنَنُ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي السُّنَّةِ أَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ وَفِي الْوِتْرِ أَنْ يَنْوِيَ الْوِتْرَ، وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَدَاءُ فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ وَلَا سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَلَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ إلَّا مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَفَرَ ثُمَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَفَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا وَمَنْ كَانَ نَائِيًا عَنْهَا فَفَرْضُهُ إصَابَةُ جِهَتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ عَيْنِهَا أَيْضًا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ اشْتِرَاطُ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِلنَّائِي فَعَلَى قَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ يُشْتَرَطُ وَعَلَى الصَّحِيحِ لَا يُشْتَرَطُ، وَإِنْ صَلَّى إلَى الْحَطِيمِ أَوْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَنْوِ الْكَعْبَةَ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَفَرْضُهُ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إصَابَتِهَا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ قِبْلَةَ الْمَدِينَةِ ثَبَتَتْ مِنْ حَيْثُ النَّصُّ وَسَائِرُ الْبِقَاعِ بِالِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ خَائِفًا فَيُصَلِّيَ إلَى أَيِّ وِجْهَةٍ قَدَرَ) سَوَاءٌ كَانَ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ أَوْ كَانَ عَلَى خَشَبَةٍ فِي الْبَحْرِ إنْ انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ أَنْ يَغْرَقَ أَوْ الْمَرِيضُ لَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ يَجِدُ إلَّا أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالتَّحْوِيلِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا اجْتَهَدَ وَصَلَّى) الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ اجْتِهَادُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجِهَاتِ قِيلَ

باب صفة الصلاة

يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ لَا يَشُكَّ وَلَا يَتَحَرَّى وَجَوَابُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ وَالثَّانِي أَنْ يَشُكَّ وَلَا يَتَحَرَّى، وَجَوَابُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ إنْ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ لَا يُعِيدُ، وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ اسْتَأْنَفَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ وَالثَّالِثُ أَنْ يَشُكَّ وَيَتَحَرَّى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَوَازِ وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً إجْمَاعًا فَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يُشِيرُ إلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُصْحِيَةً لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ بِالدَّلَائِلِ فَإِذَا فَرَّطَ لَمْ يَكُنْ الْجَهْلُ عُذْرًا مِنْ الدَّلَائِلِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْقُطْبُ (قَوْلُهُ: بِحَضْرَتِهِ) حَدُّ الْحَضْرَةِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ بِهِ سَمِعَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ مَنْ يَسْأَلُهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ سُؤَالُهُ وَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ خَالَفَ رَأْيَهُ إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَكَانَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ، وَكَذَا الْأَعْمَى إذَا لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الشُّرُوعِ مَنْ يَسْأَلُهُ وَأَخْطَأَ جَازَ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْأَلُهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ اجْتَهَدَ وَبِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ الْقِبْلَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ فَرْضَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ حِينَ عَلِمَ فَلَزِمَهُ الِاسْتِدَارَةُ، وَلَوْ سَأَلَ قَوْمًا بِحَضْرَتِهِ فَلَمْ يُخْبِرْهُ حَتَّى صَلَّى بِالتَّحَرِّي ثُمَّ أَخْبَرُوهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إلَى الْقِبْلَةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ مَنْ يَسْأَلُهُ بِحَضْرَتِهِ فَصَلَّى وَأَصَابَ الْقِبْلَةَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَإِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ صَلَّى إلَى غَيْرِهَا فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] (بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ اعْلَمْ أَنَّ الْوَصْفَ كَلَامُ الْوَاصِفِ وَالصِّفَةَ هِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِ الْمَوْصُوفِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ زَيْدٌ عَالِمٌ وَصْفٌ لِزَيْدٍ لَا صِفَةٌ لَهُ وَالْعِلْمُ الْقَائِمُ بِهِ صِفَتُهُ لَا وَصْفُهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ قِيَامَ الْوَصْفِ بِالْوَاصِفِ وَقِيَامَ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ) أَيْ فَرَائِضُ نَفْسِ الصَّلَاةِ، وَالْقِيَاسُ سِتٌّ بِدُونِ الْهَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ لَكِنَّهُ قَالَ عَلَى تَأْوِيلِ الْفُرُوضِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ الصَّلَاةِ لِلْمَعْهُودِ أَيْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ. (قَوْلُهُ: التَّحْرِيمَةُ) يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ عَدَّهَا مِنْ الْفُرُوضِ لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ لِلدَّارِ فَإِنَّ الْبَابَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَهُوَ يُعَدُّ مِنْهَا وَسُمِّيَتْ تَحْرِيمَةً؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَهَا مِنْ الْكَلَامِ وَالِالْتِفَاتِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا وَفَرْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا فَسَدَتْ الْفَرِيضَةُ تَنْقَلِبُ نَفْلًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا وَفِيمَا إذَا شَرَعَ فِي الظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ زَالَتْ الشَّمْسُ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ لَا، فَإِنْ قُبِلَتْ فَقَدْ صَارَتْ الشُّرُوطُ سَبْعَةً وَالْفُرُوضُ خَمْسَةً وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْعَدَدِ فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ الطَّهَارَةُ بِأَنْوَاعِهَا وَاحِدَةٌ وَالسَّادِسُ التَّحْرِيمَةُ وَالْفُرُوضُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالسَّادِسُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالصُّنْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالطُّمَأْنِينَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ

وَالِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَامُ) يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ وَحَدُّ الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إذَا مَدَّ يَدَيْهِ لَا يَنَالُ رُكْبَتَيْهِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ وَلِلْعُذْرِ لَا تُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ فَثَبَتَتْ أَنَّهَا فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] فَالرُّكُوعُ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودُ هُوَ الِانْخِفَاضُ. (قَوْلُهُ: وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ فَرَغَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَتَكَلَّمَ أَوْ أَكَلَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ فَرَغَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَتَكَلَّمَ أَوْ أَكَلَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ) أُطْلِقَ اسْمُ السُّنَّةِ وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ السُّورَةِ إلَيْهَا وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالسُّجُودِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَاهِيًا وَقَامَ وَصَلَّى تَمَامَ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ الْمَتْرُوكَةَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا وَمِنْ الْوَاجِبَاتِ أَيْضًا الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَقِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْقُنُوتُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالْمُخَافَتَةُ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ وَلِهَذَا وَجَبَ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا وَإِنَّمَا سَمَّاهَا سُنَّةً؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ كَبَّرَ) أَيْ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. (قَوْلُهُ: كَبَّرَ) أَيْ عَظَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ (قَوْلُهُ: وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ) الرَّفْعُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَقَوْلُهُ مَعَ التَّكْبِيرَةِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا فَإِذَا اسْتَقَرَّتَا فِي مَوْضِعِ الْمُحَاذَاةِ كَبَّرَ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ كَأَنَّهُ نَبَذَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَالْيَدُ الْيُمْنَى كَالْآخِرَةِ وَالْيُسْرَى كَالدُّنْيَا؛ وَلِأَنَّ فِي الرَّفْعِ نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِمَنْزِلَةِ إثْبَاتِ الْكِبْرِيَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا تَصِحُّ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ إلَّا فِي حَالِ الْقِيَامِ أَمَّا إذَا حَنَى ظَهْرَهُ ثُمَّ كَبَّرَ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ حَذْوَ رَأْسِهِ وَقَالَ طَاوُسٍ فَوْقَ رَأْسِهِ وَأَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرْفَعُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّكْبِيرُ فِي الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا فِي الرَّفْعِ كَالرَّجُلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ بَدَلًا مِنْ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَهَلْ يُكْرَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ عِنْدَهُمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَقَوْلُهُ بَدَلًا مِنْ التَّكْبِيرِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَغَيْرُهُ بَدَلٌ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ سَاهِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَهْوٌ إلَّا فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ) هَذَا إذَا قَرَنَ اسْمَ اللَّهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ أَكْبَرُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ الِاسْمِ لَمْ يَكْمُلْ بِهِ التَّعْظِيمُ وَالثَّنَاءُ وَإِذَا

ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ فَقَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّبُّ صَحَّ دُخُولُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا مَعْنَى التَّعْظِيمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ مَعَ الِاسْمِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْظِيمِ بِذِكْرِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَلَوْ افْتَتَحَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ بِسُبْحَانَ اللَّهَ تَبَارَكَ اللَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ أَوْ لَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَلْفَاظٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ اللَّهُ كَبِيرٌ اللَّهُ الْكَبِيرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ بِغَيْرِهِ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] وَلَوْ قَالَ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ جَازَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ جَازَ وَلَوْ قَالَ الرَّحِيمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ كَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي هَذَا، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَوْ حَوْقَلَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَلَوْ افْتَتَحَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُكْرَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُجْزِئُهُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ. (قَوْلُهُ: وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى) وَقَالَ مَالِكٌ يُرْسِلُ يَدَيْهِ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلّ يَمِينه عَلَى شِمَالِهِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا كَيْفِيَّتُهُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضَعُ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ رُسْغَهُ الْيُسْرَى وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقَ بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ وَوَقْتُهُ حِينَ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَضَعُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ لِاعْتِمَادِ سُنَّةِ الْقِيَامِ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَا يُرْسِلَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ حَتَّى إنَّهُ يُرْسِلُ حَالَةَ الثَّنَاءِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يُعْتَمَدُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَيَعْتَمِدُ فِي حَالَةِ الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] . (قَوْلُهُ: وَتَبَارَكَ اسْمُك) أَيْ دَامَ خَيْرُك وَالْبَرَكَةُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْحَوَاشِي مِنْ بَرَكَةِ اسْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا جَاوَرَ جِلْدًا مُهَانًا لَا يَمَسُّ ذَلِكَ الْجِلْدَ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ (قَوْلُهُ: وَتَعَالَى جَدُّك) أَيْ عَظَمَتُك وَالْجَدُّ هُوَ الْعَظَمَةُ وَالْجَلَالُ (قَوْلُهُ: وَلَا إلَهَ غَيْرُك) الْمَشْهُورُ فِي إلَهٍ الْفَتْحُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ الْمُؤْتَمُّ الصَّلَاةَ بَعْدَمَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ بَلْ يَسْمَعُ وَيُنْصِتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَقِيلَ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ بَيْنَ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ كَلِمَةً كَلِمَةً. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) أَيْ يَلْجَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُقَالُ عُذْت بِفُلَانٍ أَيْ لَجَأْت إلَيْهِ وَسُمِّيَ الشَّيْطَانُ لِشُطُونِهِ عَنْ الْخَيْرِ أَيْ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَالشَّيْطَانُ الْبَعِيدُ وَالرَّجِيمُ بِمَعْنَى الْمَرْجُومِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ وَيَقْرُبَ مِنْهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ إنَّ التَّعَوُّذَ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِافْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْتِي بِهِ وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَقِيبَ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ وَعِنْدَهُمَا بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ لَا يَأْتِي بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ عَقِيبَ الثَّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا يَأْتِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ الْآنَ وَاخْتَارَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا الْمَعَانِي فَيَقَعُ بِهَا الْإِعْجَازُ (قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لَمَّا قَالَ يَقْرَأُ وَفَصَلَهَا عَنْ الثَّنَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَأَمْرُهُ بِالْمُخَافَتَةِ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ بَلْ هِيَ آيَةٌ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ وَلِهَذَا كُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ بِخَطٍّ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يَتَأَدَّى بِهَا فَرْضُ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ وَلَيْسَتْ بِآيَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ قَوْلَانِ وَفِي تَكْرَارِهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً وَلَا يُعِيدُهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَلَا يَقْرَؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْدَهَا لِلسُّورَةِ وَهَذَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ أَمَّا فِي

الْجَهْرِيَّةِ فَلَا يُعِيدُهَا فِيهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَرَّةً وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُسِرُّ بِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْهَرُ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَقْرَؤُهَا لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا إلَّا فِي التَّرَاوِيحِ يَفْتَتِحُ بِهَا السُّورَةَ دُونَ الْفَاتِحَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ) سُمِّيَتْ فَاتِحَةً؛ لِأَنَّهَا يُفْتَتَحُ بِهَا الْقِرَاءَةُ أَيْ يَبْدَأُ وَتُسَمَّى الْوَافِيَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَصِفُ فِي الصَّلَاةِ وَتُسَمَّى السَّبْعَ الْمَثَانِي؛ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثُمَّ قِرَاءَتُهَا لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَاتِحَةِ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا لَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالتَّعْيِينُ يَنْفِي التَّيْسِيرَ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ خِفْيَةً وَالضَّالُّونَ هُمْ النَّصَارَى وَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمْ الْيَهُودُ. (قَوْلُهُ: وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ وَيُخْفِيهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» وَإِذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ هَلْ يُؤَمِّنُ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُؤَمِّنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَغْوٌ فَلَا يُتْبَعُ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ إذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْمُقْتَدَى التَّأْمِينَ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُؤَمِّنُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُخْفِي الْإِمَامُ التَّعَوُّذَ وَالتَّشَهُّدَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ فَفِي الْأَوَّلِ يُكَبِّرُ فِي مَحْضِ الْقِيَامِ وَفِي الثَّانِي يَقْتَضِي مُقَارَنَةَ التَّكْبِيرِ مَعَ الِانْحِطَاطِ وَيَحْذِفُ الْمَدَّ فِي التَّكْبِيرِ وَلَا يُطَوِّلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا وَهُوَ كُفْرٌ وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ. وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً فَإِنْ قَالَ آللَّهُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ فَهَذَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَإِنْ تَعَمَّدْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّهُ شَكٌّ وَأَمَّا إذَا خَلَّلَ الْأَلِفَ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ إشْبَاعٌ وَلَكِنَّ الْحَذْفَ أَوْلَى وَأَمَّا إذَا مَدَّ الْهَمْزَةَ مِنْ أَكْبَرُ تُفْسِدُ أَيْضًا لِمَكَانِ الشَّكِّ وَإِنْ مَدَّ مَا بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ بِأَنْ وَسَّطَ أَلِفًا بَيْنَهُمَا قَالَ بَعْضُهُمْ يُفْسِدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُفْسِدُ وَيَجْزِمُ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الرَّفْعُ بِالْخَبَرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْآذَانُ جَزْمٌ وَالْإِقَامَةُ جَزْمٌ وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» . (قَوْلُهُ: وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَفْرِجُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَلَا إلَى الضَّمِّ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لِيَقَعَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً لِلْقِبْلَةِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يَتَكَلَّفُ لَا لِلضَّمِّ وَلَا لِلتَّفْرِيجِ (قَوْلُهُ: وَيَبْسُطُ ظَهْرَهُ وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ) رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَعْتَدِلُ فِي رُكُوعِهِ بِحَيْثُ لَوْ وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ لَمْ يُهْرَقْ» وَلَوْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ رَاكِعٌ فَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ مُنْحَنِيًا إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَلَوْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَكَعَ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ قَلِيلًا إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ إلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ أَقْرَبَ أَجْزَأَهُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ كَانَ أَحْدَبَ تَبْلُغُ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْفِضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ أَكْثَرَ مِنْ حُدُوبَتِهِ وَلَا تُجْزِئُهُ حُدُوبَتُهُ عَنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَائِمِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ. (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمَ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَهَا عَشْرًا. وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَدْنَاهُ ثَلَاثٌ وَالْأَوْسَطُ خَمْسٌ وَالْأَكْمَلُ سَبْعٌ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ فَسَمِعَ مِنْ خَلْفِهِ خَفْقَ النِّعَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْتَظِرُهُمْ خَشْيَةَ الرِّيَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ أَيْضًا زَجْرًا لَهُمْ عَنْ التَّأْخِيرِ عَنْ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الدَّاخِلُ غَنِيًّا لَمْ يَنْتَظِرْهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ انْتِظَارُهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ عَرَفَهُ لَا يَنْتَظِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَا بَأْسَ بِانْتِظَارِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ عَادَتُهُ حُضُورَ الْمَسْجِدِ وَمُلَازَمَةَ الْجَمَاعَةِ جَازَ انْتِظَارُهُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) هَذِهِ الْقَوْمَةُ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

فَرْضٌ وَقَوْلُهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ أَجَابَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَاهُ يُقَالُ سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ إذَا قَبِلَهَا (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقُولُهَا سِرًّا بَعْدَ أَنْ يَقُولَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ يَعْنِي لَمَّا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ صَارَ مُحِثًّا عَلَى التَّحْمِيدِ فَكَانَ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ فَيَأْتِي بِهِ مَعَ التَّسْمِيعِ كَالْمُنْفَرِدِ قُلْنَا الْمُنْفَرِدُ لَمَّا حَثَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ يَمْتَثِلْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لَهُ، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» وَهَذِهِ قِسْمَةٌ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَلِهَذَا لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ بِالتَّسْمِيعِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَقُولُهَا لَوَقَعَ تَحْمِيدُهُ بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمَأْمُومِ وَهَذَا خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ وَسَجَدَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ) أَمَّا الِاسْتِوَاءُ قَائِمًا فَلَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَرْضٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. (قَوْلُهُ: وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) يَعْنِي فِي حَالَةِ سُجُودِهِ. (قَوْلُهُ: وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حَذْوَ أُذُنَيْهِ) لِأَنَّ آخِرَ الرَّكْعَةِ مُعْتَبَرٌ بِأَوَّلِهَا فَكَمَا يَجْعَلُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَكَذَا فِي آخِرِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ فِي سُجُودِهِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا سَاجِدًا قَدْ عَدَلَ بِيَدَيْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ اسْتَقْبِلْ بِهِمَا الْقِبْلَةَ فَإِنَّهُمَا يَسْجُدَانِ مَعَ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ: سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَإِنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ وَحْدَهَا دُونَ الْأَنْفِ جَازَ وَكَذَا لَوْ وَضَعَ أَنْفَهُ وَبِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ لِأَجْلِ الْعُذْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُكْرَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى خَدِّهِ لَا يَجُوزُ لَا فِي حَالِ الْعُذْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَالِ الْعُذْرِ يُومِئُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْخَدِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ ثُمَّ السُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ السُّجُودُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَرْضٌ وَعَلَى الْيَدَيْنِ لَيْسَ بِفَرْضٍ. (قَوْلُهُ: وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) إنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ يُوضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ عِنْدَ السُّجُودِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْجَبْهَةِ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ السُّجُودِ أَنْ لَا يَرْفَعَ قَدَمَيْهِ فِيهِ فَإِنْ رَفَعَهُمَا فِي حَالِ سُجُودِهِ لَا تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ وَإِنْ رَفَعَ أَحَدَهُمَا قَالَ فِي الْمَرْتَبَةِ يُجْزِئُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَأَدْلَى رِجْلَيْهِ عَنْ الدُّكَّانِ عِنْدَ السُّجُودِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا عَلَى السَّرِيرِ إذَا أَدْلَى رِجْلَيْهِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ السُّجُودِ أَرْفَعَ مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ التَّفَاوُتُ مِقْدَارَ اللَّبِنَةِ أَوْ اللَّبِنَتَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَأَرَادَ اللَّبِنَةَ الْمَنْصُوبَةَ لَا الْمَفْرُوشَةَ وَحَدُّ اللَّبِنَةِ رُبُعُ ذِرَاعٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إذَا سَجَدَ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ أَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى مَا لَانَ مِنْهُ وَهُوَ الْأَرْنَبَةُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ أَجْزَأَهُ) وَكَوَّرَهَا دَوَّرَهَا يُقَالُ كَوَّرَ عِمَامَتَهُ إذَا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا وَجَدَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْقُطْنِ الْمَحْلُوجِ إنْ وَجَدَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا عَلَى الْحَشِيشِ الْمَوْضُوعِ وَالتِّبْنِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ جَازَ وَعَلَى الذُّرَةِ وَالدَّخَنِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الْجَوَالِقِ جَازَ فِي جَمِيعِهَا، كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِنْ وَضَعَ كَفَّيْهِ وَسَجَدَ عَلَيْهِمَا جَازَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ إنْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَسَجَدَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى فَاضِلِ ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِدَفْعِ الْأَذَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِدَفْعِ الْأَذَى يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَيُبْدِي ضَبْعَيْهِ) أَيْ يُظْهِرُهُمَا وَالضَّبُعُ بِالسُّكُونِ الْعَضُدُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يَفْعَلُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَفْعَلُ وَتُلْصِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذِهَا فِي السُّجُودِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ وَأَمَّا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَهِيَ كَالرَّجُلِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ) : (وَيُجَافِي بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) أَيْ يُبَاعِدُهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَخْفِضُ وَتُلْصِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذِهَا وَالْمَرْأَةُ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ تَرْفَعُ يَدَيْهَا عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ إلَى مَنْكِبَيْهَا وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيِهَا وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا وَلَا تُبْدِي ضَبْعَيْهَا وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً

فِي التَّشَهُّدِ وَلَا تَفْرِجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَتَقِفُ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ وَلَا تَجْهَرُ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهَا فِيهِ كَالرَّجُلِ (قَوْلُهُ: وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) وَكَذَلِكَ أَصَابِعُ يَدَيْهِ وَيَعْتَدِلُ فِي سُجُودِهِ وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ وَيَضُمُّ فَخِذَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَفْتَرِشْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ وَلْيَضُمَّ فَخِذَيْهِ» . (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِأَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] قَالَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» ، وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى تَسْبِيحَاتِ السُّجُودِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ أَوْ أَدْنَى كَمَالِ السُّنَّةِ، وَالْكَمَالُ أَنْ يَقُولَهَا عَشْرًا. وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَدْنَاهُ ثَلَاثَةٌ وَالْأَوْسَطُ خَمْسٌ وَالْأَكْمَلُ سَبْعٌ قَالَ الثَّوْرِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَهَا الْإِمَامُ خَمْسًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُقْتَدِي مِنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ الثَّلَاثِ أَوْ تَرَكَهُ أَصْلًا جَازَ وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ) وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَرْفَعَ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا وَتَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِهِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا رَفَعَ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ أَجْزَأَهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى حَالِ السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْجُلُوسِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: فَإِذَا اطْمَأَنَّ جَالِسًا كَبَّرَ وَسَجَدَ) الطُّمَأْنِينَةُ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِوُجُوبِهَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَعَنْ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ إذَا تَرَكَهَا سَاهِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَجِبُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا اطْمَأَنَّ سَاجِدًا كَبَّرَ وَاسْتَوَى قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ) مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْعُدُ وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: وَيَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى) أَيْ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ لَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ وَالْقُنُوتِ وَالْعِيدَيْنِ» كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا) وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا الْمَسْنُونُ فِيهِمَا التَّوَرُّكُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِثْلُ قَوْلِنَا وَفِي الثَّانِيَةِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ جَلَسَتْ عَلَى أَلْيَتِهَا الْيُسْرَى وَأَخْرَجَتْ رِجْلَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَتَضُمُّ فَخِذَيْهَا وَتَجْعَلُ السَّاقَ الْيُمْنَى عَلَى السَّاقِ الْيُسْرَى. (قَوْلُهُ: وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) يَعْنِي أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى. (قَوْلُهُ: وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) لِأَنَّهُ أَسْلَمُ مِنْ الْعَبَثِ فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَبَسَطَ أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ) وَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْقَعْدَةُ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهَا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا مُتَعَمِّدًا فَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. (قَوْلُهُ: وَيَتَشَهَّدُ) هَذَا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا التَّشَهُّدِ فَقِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ

كَالْقَعْدَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَلَا خِلَافَ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي أَنَّهُ وَاجِبٌ وَفِي شَرْحِهِ التَّشَهُّدُ مَسْنُونٌ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّشَهُّدُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ إلَى آخِرِهِ» وَمَعْنَى التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْبَقَاءُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ يَعْنِي الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالطَّيِّبَاتُ قِيلَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَعْنِي الْوَحْدَانِيَّةَ لِلَّهِ وَقِيلَ الزَّكَاةُ وَهَلْ يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى السَّكِينَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقْبِضَ أُصْبُعَهُ الْخِنْصَرَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ وَيُشِيرَ بِمُسَبِّحَتِهِ (قَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) أَيْ ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي سَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْك لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَهَذَا حِكَايَةٌ عَنْ ذَلِكَ السَّلَامِ لَا ابْتِدَاءُ سَلَامٍ وَمَعْنَى السَّلَامِ أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) فَإِنْ زَادَ إنْ كَانَ عَامِدًا كُرِهَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ الْمُوجِبَةِ لِلسَّهْوِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا زَادَ حَرْفًا وَاحِدًا وَقِيلَ إذَا زَادَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقِيلَ لَا يَجِبُ حَتَّى يَقُولَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْبُوقِ إذَا قَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا وَقِيلَ يَدْعُو وَقِيلَ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَفِي النِّهَايَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدَّعَوَاتِ وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُصَلِّي سَجْدَتَا السَّهْوِ وَبَلَغَ إلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ هَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَيَدْعُو قَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَزِيدُ عَلَى عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيُسَلِّمُ وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدَّعَوَاتِ فِي تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ يَأْتِي بِهِ قَبْلَ سُجُودِ السَّهْوِ. (قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ خَاصَّةً) وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ سُنَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ. وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ بَيَانُ الْأَفْضَلِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ جَلَسَ كَمَا يَجْلِسُ فِي الْأُولَى) هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَجْلِسُ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْقَعْدَةِ مُتَوَرِّكًا (قَوْلُهُ: وَتَشَهَّدَ) وَهُوَ وَاجِبٌ أَعْنِي التَّشَهُّدَ وَأَمَّا الْقَعْدَةُ فَهِيَ فَرْضٌ (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا عِنْدَنَا،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةُ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ فَرْضَانِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ. (قَوْلُهُ: وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ) لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعِبَادِ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الدَّعَوَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً إلَى آخِرِهِ أَوْ يَأْتِي بِمَعْنَاهُ مِثْلَ اللَّهُمَّ عَافِنِي وَاعْفُ عَنِّي وَأَصْلِحْ أَمْرِي وَاصْرِفْ عَنِّي كُلَّ شَرٍّ اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَارْحَمْنِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. (قَوْلُهُ: وَالْأَدْعِيَةَ الْمَأْثُورَةَ) يَجُوزُ نَصْبُ الْأَدْعِيَةِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظَ وَيَجُوزُ خَفْضُهَا عَطْفًا عَلَى الْقُرْآنِ وَالْمَأْثُورَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَك الْمُلْكُ كُلُّهُ وَبِيَدِك الْخَيْرُ كُلُّهُ وَإِلَيْك يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَعَنْ «أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، فَقَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي

مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» . (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) وَكَلَامُهُمْ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْهُمْ مِثْلُ اللَّهُمَّ اُكْسُنِي اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فَإِنْ دَعَا بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ النَّاسِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا يُفْسِدُهَا فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يُفْسِدَهَا مَا يُشْبِهُهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ صُنِعَ مِنْهُ فَيُتِمُّ بِهِ صَلَاتَهُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ فَكَانَ بِهَذَا الدُّعَاءِ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ لَا مُفْسِدًا لَهَا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) وَلَا يَقُولُ وَبَرَكَاتُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَالَ السَّلَامُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ لَمْ يَصِرْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَإِنْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِهَا وَيُكْرَهُ ذَلِكَ وَالْمَعْنَى بِالسَّلَامِ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ غَابَ عَنْ النَّاسِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يُكَلِّمُونَهُ وَعِنْدَ الْفَرَاغِ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَيُسَلِّمُ، وَلَوْ سَلَّمَ أَوَّلًا عَنْ يَسَارِهِ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُ عَنْ يَسَارِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْوٌ إذَا فَعَلَهُ سَاهِيًا وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّسْوِيَةِ وَتَرْكِ الْجَفَاءِ وَيَنْوِي بِالسَّلَامِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ، وَكَذَا فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُقَدِّمُ فِي النِّيَّةِ الْحَفَظَةَ لِفَضِيلَتِهِمْ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُقَدِّمُ بَنِي آدَمَ لِمُشَاهَدَتِهِمْ وَلَا يَنْوِي لِلْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا؛ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي عَدَدِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسَةٌ مِنْ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ أَمَامِهِ يُلَقِّنُهُ الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَوَاحِدٌ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُبَلِّغُهُ إلَيْهِ وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ وُكِّلَ بِالْعَبْدِ سِتُّونَ مَلِكًا، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يَذُبُّونَ عَنْهُ وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ. (قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إنْ كَانَ إمَامًا) هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَاتِرُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يُسْمِعُهُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ حَدَّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَيَكُونُ حَدُّ الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحَ الْحُرُوفِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ عِنْدَهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَأَقْصَاهُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَحَدُّ الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَالْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً دُونَ الصَّوْتِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ الَّتِي لَا يُجْهَرُ فِيهَا فَإِنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يَجْهَرُ فِيهَا بَلْ يُخَافِتُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى قَدْرِ مَا يُسْمِعُ أُذُنَيْهِ فَقَدْ أَسَاءَ. (قَوْلُهُ: وَيُخْفِي الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» وَقِيلَ صَمَّاءُ أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ وَيَجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِوُرُودِ النَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ فِيهِمَا وَمَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا

وَلَا يَتَخَيَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَالْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ) وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دُونَ الْفَرْضِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِظُهُورِ آثَارِ السُّنَنِ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْهُ قَالَ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ هِيَ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَأَنَّهَا لَا تُؤَدَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةِ الْوِتْرِ وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً إلَى صَلَاتِكُمْ أَلَا وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلِهَذَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضَافَ الزِّيَادَةَ إلَى اللَّهِ لَا إلَى نَفْسِهِ وَالسُّنَنُ تُضَافُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَذَّنْ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَاكْتَفَيْت بِآذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ) اُحْتُرِزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ) الْقُنُوتُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا وَهَلْ يَجْهَرُ بِهِ أَوْ يُخَافِتُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُخْتَارُ فِيهِ الْإِخْفَاءُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَمِنْ سُنَّةِ الْأَدْعِيَةِ الْإِخْفَاءُ وَلَا إشْكَالَ فِي الْمُنْفَرِدِ أَنَّهُ يُخَافِتُ وَأَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُخَافِتُ وَإِلَيْهِ مَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجْهَرُ؛ لِأَنَّ لَهُ شَبَهًا بِالْقِرَاءَةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الِاخْتِيَارُ الْإِخْفَاءُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» وَهَلْ يُرْسِلُ يَدَيْهِ أَوْ يَعْتَمِدُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ يُرْسِلُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَعْتَمِدُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنَّمَا مَوْضِعُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْفَتَاوَى، وَأَمَّا صُورَةُ الْقُنُوتِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ السَّنَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ. (قَوْلُهُ: وَيَقْنُتُ فِي الثَّالِثَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَهُ وَلَوْ أَنَّهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ قَنَتَ وَنَسِيَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى رَكَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقْرَأُ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَنَسِيَ السُّورَةَ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ وَيُعِيدُ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَكَذَا إذَا قَرَأَ السُّورَةَ وَنَسِيَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيُعِيدُ السُّورَةَ وَالْقُنُوتَ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ، وَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ، وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَنَسِيَ الْقُنُوتَ فَرَكَعَ إنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَعُودُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا لَا يَعُودُ وَلَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْمَسْبُوقُ يَقْنُتُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَقْنُتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يَقْضِي. (قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْوِتْرِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَسَدَتْ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَقْنُتُ) أَمَّا التَّكْبِيرُ فَلِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ مِنْ حَقِيقَةٍ إلَى شَبَهِهَا وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فَلِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ

غَيْرِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ عِنْدَنَا فِي غَيْرِ بَلِيَّةٍ فَإِنْ وَقَعَتْ الْبَلِيَّةُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا «فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ قَنَتَ فِيهَا شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ ثُمَّ تَرَكَهُ» كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا) يَعْنِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَقِفُ صِحَّتُهَا عَلَى سُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَلْ يَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذ سُورَةً لِلصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا لَا يَقْرَأُ غَيْرَهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ هِجْرَانِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ وَيَعْنِي بِذَلِكَ مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُعَيِّنَ سُورَةَ السَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا إذَا رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا وَاجِبًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِأَيِّ سُورَةٍ قَرَأَهَا وَلَكِنْ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُكْرَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانَا كَيْ لَا يَظُنَّ جَاهِلٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمَا. (قَوْلُهُ: وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يُرِيدُ مَا دُونَ الْآيَةِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3] وَمِثْلُ قَوْلِهِ {وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] ، وَلَوْ تَهَجَّى آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ فَالْفَرْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ وَهُوَ آيَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ كَلِمَتَيْنِ تَجُوزُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِثْلَ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ " ص " وَ " ن " فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يَجُوزُ بِقَوْلِهِ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] ؛ لِأَنَّهَا آيَةٌ قَصِيرَةٌ وَالْوَاجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَالْمَسْنُونُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطُوَالِ الْمُفَصَّلِ وَهُوَ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى الْبُرُوجِ، وَقِيلَ فِي الظُّهْرِ دُونَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ شُغْلٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَلَلِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِهِ وَهُوَ مِنْ الْبُرُوجِ إلَى لَمْ يَكُنْ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ وَهُوَ مِنْ إذَا زُلْزِلَتْ إلَى آخِرِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْفَجْرِ إذَا كَانَ مُقِيمًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا أَوْ الْفَاتِحَةَ وَمَعَهَا آيَةٌ أَوْ آيَتَانِ أَوْ يَقْرَأَ السُّورَةَ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةً وَفِي الْأُخْرَى سُورَةً فَوْقَهَا يُكْرَهُ، وَإِذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا قِرَاءَةُ الْآيَاتِ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى آيَةً فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَى آيَةً مِنْ سُورَةٍ فَوْقَهَا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ) كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الدِّينِ وَقَوْلُهُمَا فِي الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطٌ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ أَمْرٌ حَسَنٌ، وَفِي السَّفَرِ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَيِّ سُورَةٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ لِلسَّفَرِ أَثَرًا فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَوْ قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَيَجُوزُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا حَتَّى يَبْلُغَ آيَةً تَامَّةً لَا يَجُوزُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا مَا خَلَا الْفَجْرَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطَوِّلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُ وَفِيهِ إعَانَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ عِلْمٍ وَيَقَظَةٍ فَلَوْ تَغَافَلُوا فِي غَيْرِ الْفَجْرِ إنَّمَا يَتَغَافَلُونَ بِاشْتِغَالِ دُنْيَاهُمْ وَذَلِكَ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِمْ، وَأَمَّا غَفْلَتُهُمْ بِالنَّوْمِ فَلَيْسَ بِاخْتِيَارِهِمْ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا تَطْوِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا إطَالَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَهَذَا فِي الْفَرَائِضِ، وَأَمَّا فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ فَلَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي التَّطَوُّعِ لَا يُكْرَهُ وَفِي الْفَرَائِضِ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ أَسْتَحْسِنُ لَهُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ احْتَاجَ إلَى نِيَّتَيْنِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْمُتَابَعَةِ)

وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُتَابَعَةَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ اللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَصِيرَ مُقْتَدِيًا، وَلَوْ نَوَى حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَنْ هُوَ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ يَظُنُّهُ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو وَصَحَّ أَيْضًا وَإِذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِرَجُلٍ لَيْسَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ. وَفِي التُّحْفَةِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لَا يُؤَذَّنُ فِيهِمْ وَلَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ عَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ الذِّئْبُ الْفَارَّةَ» اسْتَحْوَذَ أَيْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ وَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ فِي حَالِ الْعُذْرِ مِثْلُ الْمَطَرِ وَالرِّيحِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَيْسَتْ الرِّيحُ عُذْرًا وَكَذَا مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ يَخَافُ أَنْ يَحْبِسَهُ غَرِيمُهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ كَانَ يَخَافُ الظُّلْمَةَ أَوْ يُرِيدُ سَفَرًا وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيَخْشَى أَنْ تَفُوتَهُ الْقَافِلَةُ أَوْ كَانَ قَيِّمًا بِمَرِيضٍ أَوْ يَخَافُ ضَيَاعَ مَالِهِ أَوْ حَضَرَ الْعِشَاءُ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إلَيْهِ وَكَذَا الْأَعْمَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَلَا يَجِبُ عَلَى مُقْعَدٍ وَلَا مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلِ وَلَا الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ، وَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَبِيٌّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ كَانَتْ جَمَاعَةً حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ وَأَمَّ صَبِيًّا يَعْقِلُ حَنِثَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ نَامَ أَوْ سَهَا أَوْ شُغِلَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَتَيْنِ بَرَاءَةً مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةً مِنْ النِّفَاقِ» . (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) أَيْ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا الشَّرِيعَةُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) يَعْنِي إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعِلْمِ وَأَحَدُهُمْ قَارِئٌ قُدِّمَ الْقَارِئُ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَوْرَعُهُمْ) لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ الْوَرَعِ وَهُوَ دَرَجَةٌ فَوْقَ التَّقْوَى؛ لِأَنَّ التَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَالْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَسَنُّهُمْ) أَيْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي السِّنِّ فَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا فَإِنْ تَسَاوَوْا فَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ) لِأَنَّ الْعَبْدَ مُسْتَخَفٌّ بِهِ وَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْهُ وَالْأَعْرَابِيَّ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَوَادِيَ وَالْجَهْلُ فِي الْأَعْرَابِ غَالِبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: 97] (قَوْلُهُ: وَالْفَاسِقِ) لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ دِينِهِ. (قَوْلُهُ: وَوَلَدِ الزِّنَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُفَقِّهُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَعْمَى) لِأَنَّهُ لَا يَتَجَنَّبُ النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ إلَّا بِغَيْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ مِنْ الْبُصَرَاءِ أَفْضَلَ مِنْهُ فَهُوَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ؛ وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَفْسَقَ أَهْلِ زَمَانِهِ حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ جَاءَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِجِنَايَاتِهَا وَجِئْنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ لَغَلَبْنَاهُمْ يَعْنِي الْحَجَّاجَ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ هَؤُلَاءِ أَوْ الِانْفِرَادُ قِيلَ أَمَّا فِي حَقِّ الْفَاسِقِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ صَلَاةِ الصَّحَابَةِ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى لِجَهْلِهِمْ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ

النَّاسَ تَكْرَهُ إمَامَتَهُمْ وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ شَارِبِ الْخَمْرِ وَآكِلِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُطَوِّلَ بِهِمْ الصَّلَاةَ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مُعَاذًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى بِقَوْمٍ فَأَطَالَ بِهِمْ الْقِيَامَ فَشَكَوْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَهَا ثَلَاثًا أَيْنَ أَنْتَ مِنْ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا» وَرُوِيَ أَنَّهُ «قَالَ صَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» وَذُكِرَ فِي الْمَصَابِيحِ «أَنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِقَوْمِهِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَافْتَتَحَهَا بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ فَقَالَ مُعَاذٌ إنَّهُ مُنَافِقٌ فَذَهَبَ الرَّجُلُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْت فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ قَالَهَا ثَلَاثًا اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَنَحْوَهُمَا» «، وَقَالَ أَنَسٌ مَا صَلَّيْت خَلْفَ أَحَدٍ أَتَمَّ وَأَخَفَّ مِمَّا صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا أَوْجَزْت يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيت عَلَى أُمِّهِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ حَالَ الْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ جَمَاعَةً) يَعْنِي بِغَيْرِ رِجَالٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ وَالتَّرَاوِيحُ، وَأَمَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُنَّ أَنْ يُصَلِّينَهَا بِجَمَاعَةٍ وَتَقِفُ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا صَلَّيْنَهَا فُرَادَى أَدَّى ذَلِكَ إلَى فَوَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْوَاحِدَةِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مِنْ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلْنَ وَقَفَتْ الْإِمَامَةُ وَسْطَهُنَّ) وَبِقِيَامِهَا وَسْطَهُنَّ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ فِي التَّوَسُّطِ تَرْكَ مَقَامِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا أَرْشَدَ الشَّيْخُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهَةً مِنْ التَّقَدُّمِ إذْ هُوَ أَسْتَرُ لَهَا؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ تَرْكِ السَّتْرِ فَرْضٌ وَالِاحْتِرَازَ عَنْ تَرْكِ مَقَامِ الْإِمَامِ سُنَّةٌ فَكَانَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ أَوْلَى فَإِذَا صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ صَلَّيْنَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِنَّ إمَامَتُهُنَّ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُنَّ، وَقَوْلُهُ وَسْطَهُنَّ هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنٌ فَهُوَ وَسْطٌ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَيَكُونُ وَسْطٌ ظَرْفًا كَقَوْلِك جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ أَيْ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنٌ فَهُوَ وَسَطٌ بِتَحْرِيكِ السِّينِ وَيَكُونُ وَسَطٌ اسْمًا لَا ظَرْفًا كَقَوْلِك جَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ، وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا عُرَاةً أَرَادُوا الصَّلَاةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا قُعُودًا بِالْإِيمَاءِ وَيَتَبَاعَدُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَقَفَ الْإِمَامُ وَسْطَهُمْ كَالنِّسَاءِ وَصَلَاتُهُمْ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهَةٌ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ) إنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ وُقُوفُهُ مُسَاوِيًا لِلْإِمَامِ وَسُجُودُهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَوْضِعِ الْقِيَامِ، وَلَوْ صَلَّى خَلْفَهُ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْكَانِ وَقَدْ وُجِدَتْ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَوَسَّطُهُمَا؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ فَقَامَ وَسْطَهُمَا قُلْنَا قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانَ ذَلِكَ لِضِيقِ الْبَيْتِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَقْتَدُوا بِامْرَأَةٍ وَلَا بِصَبِيٍّ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» أَيْ كَمَا أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَالْإِرْثِ وَجَمِيعِ الْوِلَايَاتِ وَهَلْ تَنْعَقِدُ التَّحْرِيمَةُ إذَا اقْتَدَى بِهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ لَا تَنْعَقِدُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَفِي الِاقْتِدَاءِ بِالْعُرْيَانِ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ لِلْبَالِغِينَ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ وَفِي التَّرَاوِيحِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي وَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا. (قَوْلُهُ: وَيَصُفُّ الرِّجَالَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ ثُمَّ النِّسَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» أَيْ الْبَالِغُونَ أُولُو الْعُقُولِ وَالْحَالِمُ هُوَ الْبَالِغُ سَوَاءٌ احْتَلَمَ أَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ

فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ خَنَاثَى وَقَفُوا بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ احْتِيَاطًا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ إلَى جَانِبِ رَجُلٍ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ أَفْسَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ) وَالْمَحَارِمُ كَالْأَجَانِبِ، وَهَذَا إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ يَضُرَّهُ مُحَاذَاتُهَا وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ النِّيَّةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ وَلِأَنَا لَوْ صَحَّحْنَا اقْتِدَاءَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَدَرَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ عَلَى فَسَادِ صَلَاتِهِ مَتَى شَاءَتْ بِأَنْ تَقِفَ إلَى جَانِبِهِ فَتَقْتَدِيَ بِهِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْمُحَاذَاةِ الْمُفْسِدَةِ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً احْتِرَازًا عَنْ الْمَسْبُوقِ وَأَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الشَّهْوَةِ حَالًا أَوْ مَاضِيًا وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَلَا فُرْجَةٌ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرِّجْلِ وَغِلَظُهُ غِلَظُ الْأُصْبُعِ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقُومُ فِيهِ الرَّجُلُ وَأَنْ تَتَّفِقَ الْجِهَةُ حَتَّى لَوْ اُخْتُلِفَ لَا تُفْسِدُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْكَعْبَةِ وَأَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ إمَامَتَهَا إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَدَّرَ بَعْضُهُمْ سِنَّ الْمَرْأَةِ بِسَبْعِ سِنِينَ وَقِيلَ بِتِسْعٍ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِشَيْءٍ وَالْمَجْنُونَةُ إذَا حَاذَتْهُ لَا تُفْسِدُ، وَلَوْ كَانَتْ بَالِغَةً مُشْتَهَاةً لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْهَا، وَالصَّبِيَّةُ إذَا كَانَتْ تَعْقِلُ الصَّلَاةَ وَهِيَ لَا تَشْتَهِي لَا تُفْسِدُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُكْمِ الْمُحَاذَاةِ أَنْ تُدْرِكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ بَلْ لَوْ سَبَقَهَا بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا أَدْرَكَتْ تُفْسِدُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا يَقْضِيَانِ لَا تُفْسِدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُنْفَرِدَانِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ حُضُورُ الْجَمَاعَاتِ) يَعْنِي الشَّوَابَّ مِنْهُنَّ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ الْعَجُوزُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَخْرُجُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فِتْنَةَ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ وَلَهُ أَنَّ شِدَّةَ الْغُلْمَةِ حَامِلَةٌ عَلَى الِارْتِكَابِ وَلِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْفُسَّاقَ انْتِشَارُهُمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، أَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فَهُمْ نَائِمُونَ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَفِي الْعِيدِ الْجَبَّانَةُ مُتَّسِعَةٌ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِظُهُورِ الْفِسْقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَلَا يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجُمُعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَجَعَلَهَا كَالظُّهْرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَهَا كَالْعِيدَيْنِ حَتَّى إنَّهُ يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَيْهَا بِالْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي الطَّاهِرُ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَلَا الطَّاهِرَاتُ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ بِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسٌ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلَا الْقَارِئُ خَلْفَ الْأُمِّيِّ) وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَالْأُمِّيُّ هُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ أَمَّ الْأُمِّيُّ أُمِّيِّينَ جَازَ وَإِنْ أَمَّ قَارِئِينَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ خَلْفَهُ قَارِئًا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ وَفِي الْكَرْخِيِّ إنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالنِّيَّةِ لِإِمَامَةِ الْقَارِئِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ لَا تَفْسُدُ كَالْمَرْأَةِ، وَلَوْ افْتَتَحَ الْأُمِّيُّ ثُمَّ أَتَى الْقَارِئُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ وَالْقَارِئُ يُصَلِّي فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى وَحْدَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَمَّ قَارِئِينَ وَأُمِّيِّينَ فَصَلَاةُ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيِّينَ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا صَلَاتَهُمْ بِقِرَاءَةٍ بِأَنْ يَقْتَدُوا بِقَارِئٍ وَعِنْدَهُمَا صَلَاتُهُ، وَصَلَاةُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ جَائِزَةٌ وَلَوْ صَلَّى الْأُمِّيُّ وَحْدَهُ وَالْقَارِئُ وَحْدَهُ جَازَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْأُمِّيِّ بِالْأَخْرَسِ لَا يَأْتِي بِالتَّحْرِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا الْمُكْتَسِي خَلْفَ الْعُرْيَانِ) وَلَا تَنْعَقِدُ التَّحْرِيمَةُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَلَوْ أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ فَصَلَاةُ الْعَارِي وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا صَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَبِأَصِحَّاءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ قَارِئِينَ وَأُمِّيِّينَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَارِيَ وَالْمَجْرُوحَ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا صَلَاتَهُمْ بِثِيَابٍ وَلَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ اقْتَدَوْا بِصَحِيحٍ وَلَابِسٍ وَالْأُمِّيُّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ بِأَنْ

يَقْتَدِيَ بِقَارِئٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْمَاسِحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْغَاسِلِينَ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ لَا تَقِفُ عَلَى الضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعُ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْقَائِمُ خَلْفَ الْقَاعِدِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقَاعِدُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ فَاقْتَدَى بِهِ قَائِمٌ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى غَيْرُ مَعْذُورٍ بِمَعْذُورٍ فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى وَالنَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَهُمَا إنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَصْحَابِهِ كَانَ فِيهَا قَاعِدًا وَهُمْ قَائِمُونَ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مُشَارَكَةُ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ فِي الْقِيَامِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ كَبَّرَ قَائِمًا وَرَكَعَ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْقِيَامِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ خَلْفَ الْمُومِئِ) وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا زُفَرَ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ ذَلِكَ قَالَ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ بَدَلٌ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ فَكَذَا هَذَا قُلْنَا الْإِيمَاءُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ وَبَعْضُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ فَلَوْ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَانَ مُقْتَدِيًا فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ دُونَ الْبَعْضِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُصَلِّي الْمُومِئُ لِاسْتِوَائِهِمَا إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَالْمُقْتَدِي قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ تَشْتَمِلُ عَلَى صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَزِيَادَةً فَصَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِخِلَافِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ قَوِيٍّ عَلَى ضَعِيفٍ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ إذَا جَوَّزْتُمْ صَلَاةَ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ فَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ عَلَى الْمُقْتَدِي فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَهِيَ عَلَى الْإِمَامِ نَفْلٌ فَكَانَ فِيهَا اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ قُلْنَا لَمَّا اقْتَدَى بِهِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ قِرَاءَةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَلَا نَافِلَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ) لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ شَرِكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ وَسَوَاءٌ تَغَايَرَ الْفَرْضَانِ اسْمًا أَوْ صِفَةً كَمُصَلِّي ظُهْرِ أَمْسِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي ظُهْرَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَتْهُمْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اقْتِدَاءُ الْمُقْتَدِي هَلْ يَكُونُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا فَفِي الْخُجَنْدِيِّ نَعَمْ. وَفِي الزِّيَادَاتِ وَالنَّوَادِرِ لَا يَكُونُ تَطَوُّعًا وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءً لِلْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْمُتَنَفِّلُ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ) لِأَنَّ فِيهِ بِنَاءَ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ فَجَازَ وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي حَائِطٌ مُنِعَ الِاقْتِدَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ قَصِيرًا مِقْدَارَ الذِّرَاعِ أَوْ الذِّرَاعَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ مَفْتُوحٌ أَوْ نَقْبٌ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْإِمَامِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ مُغْلَقٌ أَوْ نَقْبٌ صَغِيرٌ لَوْ أَرَادَ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ لَا يُمْكِنُهُ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إذَا لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ حَالُ إمَامِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي أَقْصَى الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي الْمِحْرَابِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ وَإِنْ اتَّسَعَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إمَامِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَعَادَ الصَّلَاةَ) وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ إمَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ أَحْدَثَ ثُمَّ صَلَّى فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ وَالثَّانِي أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَهُ صَلَّيْت بِك وَأَنَا مُحْدِثٌ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ

وَيُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَعْبَثَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ) الْعَبَثُ هُوَ كُلُّ لَعِبٍ لَا لَذَّةَ فِيهِ فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ لَذَّةٌ فَهُوَ لَعِبٌ وَكُلُّ عَمَلٍ مُفِيدٍ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرِقَ فِي صَلَاتِهِ فَسَلَتَ الْعَرَقَ عَنْ جَبْهَتِهِ» ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ فَيُكْرَهُ وَالْعَبَثُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصَّوْمِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» . وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» أَيْ شُغْلًا لِلْمُصَلِّي بِأَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِغَيْرِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَكَّ جَسَدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مِرَارًا وَبَيْنَ كُلِّ مَرَّتَيْنِ فُرْجَةٌ أَمَّا إذَا فَعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَفْسُدُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا حَكَّ جَسَدَهُ ثَلَاثًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَكِّ هَلْ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أَوْ الذَّهَابُ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أُخْرَى. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَلِّبُ الْحَصَى إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ السُّجُودُ عَلَيْهِ فَيُسَوِّيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ وَأَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ عَبَثٍ «، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي ذَرٍّ مَرَّةً يَا أَبَا ذَرٍّ وَإِلَّا فَذَرْ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ سَجْعًا وَهُوَ سَأَلَ أَبُو ذَرٍّ خَيْرَ الْبَشَرِ عَنْ تَسْوِيَةِ الْحَجَرِ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً وَإِلَّا فَذَرْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ) وَهُوَ أَنْ يَغْمِزَهَا أَوْ يَمُدَّهَا حَتَّى تُصَوِّتَ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي» «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الضَّاحِكُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُلْتَفِتُ وَالْمُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ» . (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَخَصَّرُ) أَيْ لَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْيَهُودِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَضْعِ الْمَسْنُونِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ الْمُصَابِ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ حَالَةٌ يُنَاجِي فِيهَا الْعَبْدُ رَبَّهُ فَهِيَ حَالَةُ الِافْتِخَارِ لَا حَالَةُ إظْهَارِ الْمُصِيبَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُسْدِلُ ثَوْبَهُ) وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَهُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمَيْهِ أَوْ يَضَعَ الرِّدَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى بَعْضِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَعْقِصُ شَعْرَهُ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَهُ وَيَعْقِدَهُ فِي مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ سَاجِدٍ عَاقِصٍ شَعْرَهُ فَحَلَّهُ حَلًّا عَنِيفًا وَقَالَ إذَا طَوَّلَ أَحَدُكُمْ شَعْرَهُ فَلْيُرْسِلْهُ لِيَسْجُدَ مَعَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ) وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ لَا أَكُفُّ ثَوْبًا وَلَا أَعْقِصُ شَعْرًا» . (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْتَفِتُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إيَّاكُمْ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ» وَالِالْتِفَاتُ الْمَكْرُوهُ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَجْهُهُ عَنْ وِجْهَةِ الْقِبْلَةِ، وَأَمَّا إذَا الْتَفَتَ بِصَدْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ نَظَرَ بِمُؤْخِرِ عَيْنِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ لَا يُكْرَهُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ» مُؤْقُ الْعَيْنِ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَاللِّحَاظُ طَرَفُهَا مِمَّا يَلِي الْأُذُنَ، وَمُؤْخِرُ عَيْنَيْهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ مُخَفَّفًا طَرَفُهَا الَّذِي يَلِي الصُّدْغَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَالِالْتِفَاتِ وَأَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُدَبِّحَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ تَدْبِيحَ الْحِمَارِ» وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَمَايَلَ عَلَى يُمْنَاهُ أَوْ يُسْرَاهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْعِي) وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ عَقِبَيْهِ وَيَجْلِسَ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَالْكَلْبِ إلَّا أَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ فِي نَصْبِ الْيَدَيْنِ وَإِقْعَاءَ الْآدَمِيِّ فِي نَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى صَدْرِهِ،. وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ نَصْبًا وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَفْتَرِشَ ذِرَاعَيْهِ «لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَهَانِي خَلِيلِي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ ثَلَاثٍ أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ» وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَمَطَّى أَوْ يَتَثَاوَبَ فَإِنْ غَلَبَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَظَمَ وَجَعَلَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَدْخُلَ فِي حَلْقِهِ شَيْءٌ مِنْ الْهَوَامِّ وَيُكْرَهُ أَنْ يُغْمِضَ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ إلَّا إذَا تَثَاوَبَ فَلَهُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ بِلِسَانِهِ وَلَا بِيَدِهِ) فَإِنْ رَدَّهُ بِلِسَانِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا إذَا صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ تَفْسُدُ أَيْضًا وَإِنْ أَشَارَ بِرَدِّ السَّلَامِ بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ

بِأُصْبُعِهِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُصَلِّي وَالْجَالِسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَرَبَّعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تُرْكُ سُنَّةِ الْقُعُودِ فَإِنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَعْذَارَ تُؤَثِّرُ فِي فُرُوضِ الصَّلَاةِ فَكَذَا فِي هَيْئَتِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ) فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أَكَلَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يُنَافِي الصَّلَاةَ وَحَالَةُ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ، قَالَ فِي الْغَايَةِ مَا أَفْسَدَ الصَّوْمَ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ وَمَا لَا فَلَا حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ مِنْ طَعَامٍ فَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ دُونَ الْحِمَّصَةِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرِيقِهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَصَاعِدًا أَفْسَدَ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، وَلَوْ ابْتَلَعَ دَمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلرِّيقِ وَإِنْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً أَفْسَدَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُفْسِدُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ غَلَبَهُ انْصَرَفَ) السَّبْقُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَقَصْدِهِ وَالْغَلَبَةُ بِعِلْمِهِ لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهِ، وَلَوْ عَطَسَ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ تَنَحْنَحَ أَوْ سَعَلَ فَخَرَجَ بِقُوَّتِهِ رِيحٌ فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي هُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ: انْصَرَفَ) أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً قَدْرَ مَا يُؤَدِّي رُكْنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِذَا انْصَرَفَ يُبَاحُ لَهُ الْمَشْيُ وَالِاغْتِرَافُ مِنْ الْإِنَاءِ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَغَسْلُ النَّجَاسَةِ وَالِاسْتِنْجَاءُ إذَا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ عَوْرَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ تَحْتِ الْقَمِيصِ، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً فِي مَكَان وَجَاوَزَهُ إلَى مَكَان آخَرَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَشْيٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ إمَامًا اسْتَخْلَفَ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ) كَيْفِيَّةُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَجُرَّهُ بِثَوْبِهِ إلَى الْمِحْرَابِ ثُمَّ الْمُصَلِّي لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ إمَامًا أَمَّا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ عَادَ إلَى مُصَلَّاهُ وَالْأَفْضَلُ الْعَوْدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقْتَدِيًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى مَكَانِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَيَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ إمَامًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ وَعَادَ إلَى مُصَلَّاهٌ صَارَ مَأْمُومًا وَالْإِمَامُ هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ الْإِمَامَةِ وَصَارَ مُؤْتَمًّا، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الثَّانِي مَكَانَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا وَقَوْلُهُ وَبَنَى مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْ الْبِئْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ آخَرُ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَبْنِي مَعَ الِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ، وَلَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ عَمْدٌ وَهُوَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَإِنْ مَلَأَ الْإِنَاءَ وَحَمَلَهُ بِيَدَيْنِ لَا يَبْنِي وَإِنْ حَمَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بِيَدَيْنِ عَمَلٌ كَثِيرٌ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ) تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْكُلِّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ قَطْعًا وَأَمَّا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ إنْ كَانَا يَجِدَانِ جَمَاعَةً فَالِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَا لَا يَجِدَانِ فَالْبِنَاءُ أَفْضَلُ صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَصُحِّحَ هَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ الِاسْتِئْنَافُ وَفِي الْكَرْخِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَتَكَلَّمَ وَيَسْتَأْنِفَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضَهُ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ وَلَا اخْتِلَافٍ فَهُوَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ قَهْقَهَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا) لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ يَنْدُرُ وُجُودُهَا فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَكَذَا الْقَهْقَهَةُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هِيَ أَفْحَشُ مِنْ الْكَلَامِ عِنْدَ الْمُنَاجَاةِ حَتَّى نَقَضَتْ الْوُضُوءَ ثُمَّ سَوَّى بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ فِي الْكَلَامِ فَفِي الْقَهْقَهَةِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) يَعْنِي كَلَامًا يُعْرَفُ فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ سَوَاءٌ حَصَلَتْ بِهِ حُرُوفٌ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ قَالَ مَا يُسَاقُ بِهِ الْحِمَارُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ أَنَّ فِي صَلَاتِهِ أَوْ تَأَوَّهَ أَوْ

بَكَى فَارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ أَيْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ إنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ وَالْبُكَاءُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: 109] أَيْ يَخِرُّونَ سُجُودًا عَلَى الْوُجُوهِ يَكُونُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذْقَانِ الْوُجُوهُ «وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَيُسْمَعُ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ كُنْت أُصَلِّي خَلْفَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَاةَ الصُّبْحِ وَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ حَتَّى إذَا بَلَغَ قَالَ إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ سَمِعْت نَشِيجَهُ وَأَنَا آخِرَ الصُّفُوفِ، الْأَزِيزُ غَلَيَانُ الْقِدْرِ وَالْمِرْجَلُ الْقِدْرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ قَطَعَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْجَزَعِ وَالتَّأَسُّفِ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَنِينُ مِنْ الْوَجَعِ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ نَفَخَ التُّرَابَ عَنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَسْمُوعٍ لَا يُفْسِدُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا أَفْسَدَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ تَنَحْنَحَ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَحَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ نَحْوَ أَخْ أَخْ بِالْفَتْحِ أَوْ الضَّمِّ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا بِأَنْ اجْتَمَعَ الْبَلْغَمُ فِي حَلْقِهِ فَهُوَ عَفْوٌ كَالْعُطَاسِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ. وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ الْقِرَاءَةِ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَإِنْ قَبَّلَتْ الْمُصَلِّي امْرَأَتُهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهَا هُوَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَبَّلَهَا هُوَ فَسَدَتْ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ هِيَ تُصَلِّي فَقَبَّلَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ تَوَضَّأَ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَضُّؤِ لِيَأْتِيَ بِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يُنَافِي الصَّلَاةَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْبِنَاءُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْإِمَامُ إذَا قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا وَخَلْفَهُ لَاحِقُونَ وَمَسْبُوقُونَ فَهَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالسَّلَامُ وَالْكَلَامُ وَالْقِيَامُ فَفِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا صَلَاةُ الْكُلِّ تَامَّةٌ فِي السَّلَامِ وَالْقِيَامِ وَالْكَلَامِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ تَامَّةٌ وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ فَفَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي تُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْقَهْقَهَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ جَوَازًا وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَكَذَا صَلَاتُهُمْ فَصَارَ كَالسَّلَامِ وَالْكَلَامِ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ الْقَوْمَ يَذْهَبُونَ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ وَإِنْ سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَلِّمُوا؛ لِأَنَّ السَّلَامَ وَالْكَلَامَ مَنْهِيَّانِ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْحَدَثَ مُفْسِدَانِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ بِأَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ أَمَّا إذَا سَبَقَهُ فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ فَوَجَدَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَسْتَقْبِلُ وَلَا يَبْنِي، وَقَوْلُهُ بَطَلَتْ هَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا أَوْ كَانَ مَعَ أَخِيهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَمَّا لَوْ رَآهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ لَا تَبْطُلُ وَيَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ وَطَلَبَهُ فَأَعْطَاهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَاسْتَأْنَفَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ رَآهُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ إلَى آخِرِهِ) الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْخُرُوجُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِفِعْلٍ هُوَ قُرْبَةٌ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَمَا تَأَدَّى بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ إنَّ فُرُوضَ الصَّلَاةِ تَتَأَدَّى بِالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ؛ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَوْ أَرَادَ اسْتِدَامَةَ

باب قضاء الفوائت

التَّحْرِيمَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا مُنِعَ مِنْ الْبَقَاءِ عَلَى الْقُعُودِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مَاسِحًا فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ) حَتَّى لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَاسِحٌ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَلَى الشُّرُوعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِمَا. (قَوْلُهُ: فَانْقَضَتْ مُدَّةُ مَسْحِهِ) هَذَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْهُ أَوْ كَانَ بِحَالٍ إذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ خَافَ التَّلَفَ عَلَى رِجْلَيْهِ لَمْ تَفْسُدْ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ) يُحْتَرَزُ بِهِ مِمَّا إذَا كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَصِحُّ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ خَلْعُهُ بِعَمَلٍ رَفِيقٍ بِأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ وَاسِعًا لَا يَحْتَاجُ فِي نَزْعِهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ) (كَانَ أُمِّيًّا فَتَعَلَّمَ سُورَةً) أَيْ تَذَكَّرَهَا أَوْ سَمِعَ مَنْ يَقْرَأُ سُورَةً أَوْ آيَةً فَحَفِظَهَا أَمَّا إذَا تَعَلَّمَ مُتَلَقِّنًا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَتَصِحُّ إجْمَاعًا وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مَأْمُومًا لَا تَبْطُلُ إجْمَاعًا، وَلَوْ تَعَلَّمَهَا وَهُوَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ عُرْيَانًا فَوَجَدَ ثَوْبًا) يَعْنِي بِالْمِلْكِ أَمَّا بِالْإِبَاحَةِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّيَمُّمِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً فَائِتَةً قَبْلَ هَذِهِ) وَلَوْ كَانَتْ وِتْرًا وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَهِيَ فِي حَيِّزِ التَّرْتِيبِ لَمْ تَبْطُلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ الْقَارِئُ فَاسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا) قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقُرْصِ بَلْ إذَا رَأَى الشُّعَاعَ الَّذِي لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جَبَلٌ يَمْنَعُهُ لَرَأَى الْقُرْصَ كَمَا فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهَا تُبْطِلُ صَلَاتَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمَا إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الْجَبِيرَةِ فَسَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ) وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَأُعْتِقَتْ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ أَوْ كَانَ صَاحِبَ الْعُذْرِ فَانْقَطَعَ عُذْرُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا وَلَوْ عَرَضَ هَذَا كُلُّهُ بَعْدَمَا عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ يَعْنِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ إجْمَاعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا صَحِيحَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ وَعِنْدَهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَإِنْ اعْتَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَعْدَمَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالسَّلَامِ يَخْرُجُ مِنْ التَّحْرِيمَةِ وَلِهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْمُسَافِرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَذَا إذَا سَلَّمَ إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ التَّحْرِيمَةِ يَحْصُلُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَهِيَ إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي الْجُمُعَةِ وَفِيمَا عَدَاهَا لَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» قُلْنَا مَعْنَاهُ قَارَبَتْ التَّمَامَ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ لَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] (بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْأَدَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ خَلَفُهُ إذْ الْأَدَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ وَالْقَضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ وَالتَّسْلِيمُ لِمِثْلِ الْوَاجِبِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ

عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمَضْمُونَاتِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْأَدَاءُ يَجُوزُ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ إجْمَاعًا وَفِي الْقَضَاءِ بِلَفْظِ الْأَدَاءِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنَّمَا قَالَ قَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَلَمْ يَقُلْ قَضَاءُ الْمَتْرُوكَاتِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَمْدًا بَلْ تَفُوتُهُ بِاعْتِبَارِ غَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفَوَائِتَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَقَالَ فِي الْحَجِّ بَابُ الْفَوَاتِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ قَضَاهَا إذَا ذَكَرَهَا) ، وَكَذَا إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا فِسْقًا أَوْ مَجَانَةً أَيْ قِلَّةَ مُبَالَاةٍ يَجِبُ الْقَضَاءُ أَيْضًا لَكِنْ لِلْمُسْلِمِ عَقْلٌ وَدِينٌ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ التَّفْوِيتُ قَصْدًا فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّفْوِيتِ لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ وَحَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمَهَا عَلَى صَلَاةِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ صَلَاةِ الْوَقْتِ عَلَى الْفَائِتَةِ ثُمَّ يَقْضِيهَا) التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَفَرْضِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا شَرْطٌ مُسْتَحَقٌّ وَيُسْقِطُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ ضِيقُ الْوَقْتِ وَالنِّسْيَانُ وَدُخُولُ الْفَوَائِتِ فِي حَيِّزِ التَّكْرَارِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ صَلَاةِ الْوَقْتِ فَيُقَدِّمَ صَلَاةَ الْوَقْتِ عَلَى الْفَائِتَةِ) فَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ لَجَازَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ وُصُولُ الْوَقْتِيَّةِ عَنْ الْفَوَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ لَهَا بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا فِيهِ» ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَلَاةِ الْوَقْتِيَّةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ يَتَّسِعُ لَهُمَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَنَفَّلَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْ صَلَاةِ الْوَقْتِ خَاصَّةً وَالنَّهْيُ إذَا اخْتَصَّ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ اقْتَضَى الْفَسَادَ، وَأَمَّا فِي حَالِ ضِيقِ الْوَقْتِ فَالنَّهْيُ عَنْ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَأْخِيرِ الْوَقْتِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَنَفَّلَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ نُهِيَ عَنْهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَالنَّهْيُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَمْ يَقْتَضِ الْفَسَادَ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوْلَى فِي حَالِ ضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَقْتِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْفَائِتَةِ فَاتَتْهُ الْوَقْتِيَّةُ فَيَصِيرَانِ جَمِيعًا فَائِتَتَيْنِ فَإِذَا بَدَأَ بِالْوَقْتِيَّةِ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فَائِتَةً فَلَأَنْ يُصَلِّيَ إحْدَاهُمَا وَقْتِيَّةً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فَائِتَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا افْتَتَحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ وَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَلَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي حَالِ ضِيقِ الْوَقْتِ فَلَمَّا صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَالْقِيَاسُ أَنْ تُفْسِدَ الْعَصْرَ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يَمْضِيَ فِيهَا ثُمَّ يَقْضِيَ الظُّهْرَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ وَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ بَعْدَمَا احْمَرَّتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ وَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ الْوَقْتُ الْمَكْرُوهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الْعَصْرَ ثُمَّ يَفْتَتِحَ الْعَصْرَ ثَانِيًا ثُمَّ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ افْتَتَحَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ وَأَطَالَهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَلَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى صَلَاتِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ) أَيْ عِنْدَ قِلَّةِ الْفَوَائِتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُغِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ مُرَتِّبًا ثُمَّ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَهَذَا أَمْرٌ بِالتَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ صَلُّوا كَمَا أُصَلِّي أَوْ كَمَا صَلَّيْت؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ كَمَا صَلَّى فِي الْخُشُوعِ، وَالْأَرْبَعُ صَلَوَاتٍ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَقَضَاهُنَّ بَعْدَ هَوًى مِنْ اللَّيْلِ أَيْ طَائِفَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهِيَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتِّ صَلَوَاتٍ) مُرَادُهُ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَدَخَلَ وَقْتُ السَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ السَّابِعَةِ وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ بِدُخُولِ السَّابِعَةِ لَا تَزِيدُ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتٍّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّابِعَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْأَغْلَبِ عَلَى الْكُلِّ فَإِنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ خُرُوجَ السَّادِسَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِدُخُولِ السَّابِعَةِ وَعِنْدَ دُخُولِ السَّابِعَةِ تَحَقُّقُ فَوَاتِ السِّتِّ وَالسَّابِعَةِ بِعَرَضِيَّةِ أَنْ تَفُوتَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ عَلَى

باب الأوقات التي تكره فيها الصلاة

السِّتِّ بِالْوِتْرِ وَمَتَى قَضَى الْفَوَائِتَ إنْ قَضَاهَا بِجَمَاعَةٍ وَكَانَتْ يُجْهَرُ فِيهَا جَهَرَ الْإِمَامُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ قَضَاهَا وَحْدَهُ يَتَخَيَّرُ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ عَادَ التَّرْتِيبُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعُودُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَفْصٍ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَوَاشِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا قَضَاهَا مُرَتِّبًا عَادَ التَّرْتِيبُ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهَا مُرَتِّبًا لَمْ يُعِدْ بَيَانُهُ إذَا تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ وَقَضَاهَا إلَّا صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى وَقْتِيَّةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْبَاقِي قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو جَعْفَرٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَإِلَيْهِ مَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْهِدَايَةِ عَوْدُ التَّرْتِيبِ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ أَدَّى بَعْضَ الْعَصْرِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ صَلَاتَانِ قَبْلَهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ يُتِمُّهَا وَطَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي هَذَا وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لِلْقَضَاءِ وَالْمُسْقِطُ لِلتَّرْتِيبِ مِنْ الضِّيقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْغُرُوبِ وَصَارَ الْوَقْتُ وَاسِعًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ افْتِتَاحِهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَالْعَارِي إذَا وَجَدَ الثَّوْبَ، وَمَا ذَكَرَهُ عِيسَى هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنَّ مُحَمَّدًا اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَ مُؤَدِّيًا جَمِيعَ الْعَصْرِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، وَلَوْ أَتَمَّهَا كَانَ مُؤَدِّيًا لَهَا فِي وَقْتِهَا فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ عِنْدَ الضِّيقِ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ التَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَتَى سَقَطَ فِي صَلَاةٍ لَا يَعُودُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ فَهُنَاكَ التَّرْتِيبُ غَيْرُ سَاقِطٍ لَكِنْ تَعَذَّرَ لِلْجَهْلِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ بَقِيَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ الْعُذْرُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ احْتِيَاطًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ رَأْيٌ عَمِلَ عَلَى غَالِبِ رَأْيِهِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَنْوِي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الثَّلَاثَ عَدَدُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدَّى رَكْعَتَيْنِ وَخَرَجَ مِنْهَا إلَى صَلَاةٍ أُخْرَى بِانْتِقَالِهِ وَكَذَا فِي الْمَغْرِبِ وَبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ صَلَّى الْفَجْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ فَصَلَاةُ الْفَجْرِ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى الْفَجْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَعِنْدَهُمَا صَلَاةُ الْفَجْرِ تَامَّةٌ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوِتْرِ فَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا كَانَ التَّرْتِيبُ شَرْطًا وَعِنْدَهُمَا كَانَ سُنَّةً فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا فَسَدَ فَرْضُ الْفَجْرِ هَلْ تَفْسُدُ سُنَّتُهُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى لَا تَفْسُدُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَنْظُومَةِ فَقَالَ وَالْوِتْرُ فَرْضٌ وَيُرَى بِذِكْرِهِ ... فِي فَجْرِهِ فَسَادُ فَرْضِ فَجْرِهِ فَقَيَّدَ بِفَسَادِ فَرْضٍ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ] (بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْبَابَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ الْعَوَارِضِ فَأَشْبَهَ الْفَوَاتَ فَتَجَانُسُ الْبَابَانِ وَحُجَّةُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأَوْقَاتَ الَّتِي تُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُصَلِّي مِنْ صَلَاتِهِ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ تَقَعُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ جَانِبِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا لَقَّبَ الْبَابَ بِالْكَرَاهَةِ ثُمَّ بَدَأَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْأَغْلَبَ وَالْمَكْرُوهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ أَعَمُّ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ فَالْكَرَاهَةُ فِيهِ حَاصِلَةٌ أَيْضًا كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْمَكْرُوهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَالْكَرَاهَةُ ثَابِتَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَيْسَ عَدَمُ الْجَوَازِ ثَابِتًا فِي الْكَرَاهَةِ وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مِثْلُ تَسْمِيَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَإِنْ انْخَرَطَ فِيهِ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ قِيَامِهَا فِي الظَّهِيرَةِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا) يَعْنِي قَضَاءَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْفَائِتَةِ عَنْ وَقْتِهَا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِالتِّلَاوَةِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ

وَالْوِتْرِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الْفَرَائِضُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ حَتَّى أَنَّهُ يَجُوزُ عَصْرَ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ نَاقِصًا لِنُقْصَانِ سَبَبِهِ، فَقَوْلُهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَرَادَ مَا سِوَى النَّفْلِ. وَفِي الْمُشْكِلِ قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ ذَكَرَهُ مُعَرَّفًا بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ وَهُمَا لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّطَوُّعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ هُنَا لِلْمَعْهُودِ وَهُوَ الْفَرْضُ فَيَنْصَرِفُ عَدَمُ الْجَوَازِ إلَيْهِ فَقَطْ فَنَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ النَّفَلُ فَمَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا شَرْعًا أَمَّا لَوْ شَرَعَ فِيهَا وَفَعَلَهَا جَازَ وَإِنْ شَرَعَ فِيهَا وَقَطَعَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ أَصْلًا (قَوْلُهُ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) حَدُّ الطُّلُوعِ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ. وَفِي الْمُصَفَّى مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَى النَّظَرِ إلَى قُرْصِ الشَّمْسِ فَهِيَ فِي الطُّلُوعِ لَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ تُبَاحُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ وَلَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ) هَذَا إذَا وَجَبَتَا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ وَأُخِّرَتَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعًا أَمَّا لَوْ وَجَبَتَا فِي هَذَا الْوَقْتِ وَأُدِّيَتَا فِيهِ جَازَ؛ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ نَاقِصَةً كَمَا وَجَبَتْ إذْ الْوُجُوبُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَالتِّلَاوَةِ فَإِنْ قُلْت مَا الْأَفْضَلُ الْأَدَاءُ أَوْ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ قُلْت أَمَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَالْأَفْضَلُ الْأَدَاءُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ وَقَالَ ثَلَاثٌ لَا يُؤَخَّرْنَ جِنَازَةٌ أَتَتْ وَدَيْنٌ وَجَدْت مَا تَقْضِيهِ وَبِكْرٌ وُجِدَ لَهَا كُفْءٌ» وَأَمَّا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَالْأَفْضَلُ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى التَّرَاخِي وَفِي الْهِدَايَةِ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الْكَرَاهَةُ حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا فِيهِ أَوْ تَلَا سَجْدَةً فِيهِ وَسَجَدَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ نَاقِصَةً كَمَا وَجَبَتْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةٍ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْت لِمَ أُلْحِقَتْ هُنَا بِالصَّلَاةِ وَلَمْ تُلْحَقْ بِهَا فِي الْقَهْقَهَةِ مَعَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» قُلْت: عَدَمُ الْإِلْحَاقِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ لِلْعَهْدِ وَإِنَّمَا الصَّلَاةُ الْمَعْهُودَةُ هِيَ ذَاتُ التَّحْرِيمَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا تَتَنَاوَلُ السُّجُودَ مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمَةٍ، وَأَمَّا هُنَا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَيْ لَا يَقَعَ التَّشَبُّهُ بِالصَّلَاةِ بِمَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَبِالسُّجُودِ يَحْصُلُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ أَيْضًا فَكُرِهَ. (قَوْلُهُ: إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ وَذَلِكَ الْجُزْءُ الْقَائِمُ مِنْ الْوَقْتِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَقَدْ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ وَلَوْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَسَدَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا غَرَبَتْ عَلَى مُصَلِّي الْعَصْرِ حَيْثُ لَا تَفْسُدُ وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا غَرَبَتْ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا فِي وَقْتٍ وَأَمَّا إذَا طَلَعَتْ فَقَدْ خَرَجَ لَا إلَى وَقْتٍ، بَلْ هُوَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ فَفَسَدَتْ وَلَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجِبُ قَطْعُهَا وَقَضَاؤُهُمَا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ قَطْعُهَا وَلَوْ مَضَى فِيهَا خَرَجَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ وَلَا يَجِبُ سِوَاهُ فَإِنْ قَطَعَهَا وَأَدَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا إذَا دَخَلَ فِي التَّطَوُّعِ عِنْدَ قِيَامِ الظَّهِيرَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ عِنْدَ الْغُرُوبِ، قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَ وَيَقْضِيَ فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ وَمَضَى عَلَيْهِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ كَيَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ فَهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الصَّلَاةُ تَقَعُ أَوَّلًا بِالتَّحْرِيمَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا فَانْعَقَدَتْ فِي غَيْرِ نَهْيٍ وَالدُّخُولُ فِي الصَّوْمِ يَقَعُ عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ إذْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّوْمِ صَوْمٌ فَوَقَعَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْوُجُوبُ. (قَوْلُهُ: وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا) يَعْنِي إذَا احْمَرَّتْ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاةً فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ صَلَّاهَا فِيهَا خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَلَوْ صَامَهَا فِيهِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يُجْزِئُهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى فَهَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ هُمَا يَقُولَانِ نَذَرَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ

باب النوافل

وَلَنَا أَنَّ النَّهْيَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ لَكِنَّهُ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ. وَفِي فَتَاوَى صَاعِدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ مَنْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ يُؤْمَرُ بِالْقَطْعِ ثُمَّ بِالْقَضَاءِ أَمَّا لَوْ دَخَلَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْعَصْرَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ يُؤْمَرُ بِالْإِتْمَامِ، وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأَفْسَدَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُهُ وَلَوْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا فَقَطَعَهَا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الَّذِي اقْتَدَى بِهِ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ فِي بَابِ السَّهْوِ، وَفِي النِّهَايَةِ يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي الْقَضَاءُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) يَعْنِي قَصْدًا أَمَّا لَوْ قَامَ فِي الْعَصْرِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سَاهِيًا أَوْ فِي الْفَجْرِ لَا يُكْرَهُ وَيُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يُضِيفُ رَكْعَةً فِي الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بَعْدَهُمَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ أَفْسَدَهَا وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ وَيَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ وَيُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ) وَلَا يُصَلِّي فِيهِمَا الْمَنْذُورَ وَلَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَلَا مَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) فَإِنْ قُلْت هُمَا وَاجِبَتَانِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَوُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْتِيَ بِهِمَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ قُلْت إنَّا عَرَفْنَا كَرَاهَتَهُمَا بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَافَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِذِي طُوًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ رَكْعَتَانِ مَقَامُ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَخَّرَهُمَا إلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَمَا وَجَبَ مُضَافًا إلَى الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ كَالْمَنْذُورَةِ وَالنَّفَلِ الَّذِي يُفْسِدُهُ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُمَا بِفِعْلِهِ وَهُوَ شُرُوعُهُ فِي الطَّوَافِ فَإِنْ قُلْت وُجُوبُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِفِعْلِهِ وَهُوَ التِّلَاوَةُ قُلْت الْوُجُوبُ فِيهَا لِعَيْنِهِ وَفِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوُجُوبُ فِيهَا لِغَيْرِهِ أَيْ لِغَيْرِ الْوَقْتِ وَهُوَ خَتْمُ الطَّوَافِ وَصِيَانَةُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ النَّهْيُ عَمَّا سِوَاهُمَا لِحَقِّ الْفَجْرِ لَا لِخَلَلٍ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لَهُمَا حَتَّى لَوْ نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ عَنْهُمَا فَقَدْ مُنِعَ عَنْ تَطَوُّعٍ آخَرَ لِيَبْقَى جَمِيعَ الْوَقْتِ كَالْمَشْغُولِ بِهِمَا لَكِنَّ صَلَاةَ فَرْضٍ آخَرَ فَوْقَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَجَازَ أَنْ يَصْرِفَ الْوَقْتَ إلَيْهِ. وَفِي التَّجْنِيسِ مَنْ صَلَّى تَطَوُّعًا فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ الْإِتْمَامُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا عَنْ قَصْدٍ قَالَ فِي الْفَتَاوَى وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى أَدَاءِ الْمَغْرِبِ مُسْتَحَبٌّ فَكَانَ النَّهْيُ لِئَلَّا يَكُونَ النَّفَلُ شَاغِلًا عَنْ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ لَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَكَذَا النَّفَلُ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ يُكْرَهُ لِئَلَّا يَتَشَاغَلَ عَنْ سَمَاعِهَا إلَّا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ النَّوَافِلِ] (بَابُ النَّوَافِلِ) النَّفَلُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْغَنِيمَةُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ الْجِهَادُ وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ وَسُمِّيَ وَلَدُ الْوَلَدِ نَافِلَةً؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مَسْنُونٍ وَكُلُّ سُنَّةٍ نَافِلَةٌ وَلَيْسَ كُلُّ نَافِلَةٍ سُنَّةً فَلِهَذَا لَقَّبَهُ بِالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى السُّنَنِ. وَفِي النِّهَايَةِ لَقَّبَهُ بِالنَّوَافِلِ وَفِيهِ ذِكْرُ السُّنَنِ لِكَوْنِ النَّوَافِلِ أَعَمَّ كَمَا لَقَّبَ الْأَوْقَاتَ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ النَّفَلُ شُرِعَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ عَلَتْ

رُتْبَتُهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ حَتَّى أَنَّ أَحَدًا لَوْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ لَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) بَدَأَ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِ السُّنَنِ وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَدَعْهَا فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَقَالَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ «هُمَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ، وَقَالَ «صَلُّوهَا وَلَوْ طَرَقَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَقَدَّمَ فِي الْمَبْسُوطِ سُنَّةَ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلظُّهْرِ وَالظُّهْرُ أَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ. وَقِيلَ إنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَخَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الصَّفِّ وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ إذَا خَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ مِنْ الْفَرْضِ وَيُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي السُّنَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الصَّفِّ أَوْ فِي الصَّفِّ إنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا غَيْرَهُ، وَأَشَدُّ الْكَرَاهَةِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ إذَا كَانَ يَجِدُ مَوْضِعًا غَيْرَهُ وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْأَدَاءُ فِي الْبَيْتِ وَكَذَا سَائِرُ السُّنَنِ إلَّا التَّرَاوِيحَ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ بَيَانِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إذَا فَاتَتْ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا تُقْضَى عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُقْضَى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ إلَى قَبْلِ قِيَامِ الظَّهِيرَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا تُقْضَى إلَّا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ سَوَاءٌ قَضَى الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ إلَى الزَّوَالِ وَفِيمَا بَعْدَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يَقْضِي الْفَرْضَ وَحْدَهُ وَقِيلَ يَقْضِي السُّنَّةَ مَعَهُ، وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا فَلَا تُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحْدَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ) يَعْنِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَّ مُؤَكَّدَاتٌ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوًا مِنْ عَشْرِ آيَاتٍ وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَإِنْ أَدَّاهُنَّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِنَّ مِنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ وَالْفَرْضُ أَرْبَعٌ فَكَذَا النَّفَلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَجْرَ لَمَّا كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ كَانَ نَفْلُهُ مِثْلَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ الظُّهْرِ شَرَعَ رَكْعَتَيْنِ تَيْسِيرًا وَالْجُمُعَةُ أَصْلُهَا أَرْبَعٌ وَبِسَبَبِ الْخُطْبَةِ عَادَتْ إلَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ النَّفَلُ أَرْبَعًا عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ فَإِنْ تَرَكَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْأُولَى خَشْيَةَ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْضِيهَا بَعْدَ الْفَرْضِ وَيَقْضِيهَا قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقَدِّمُ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَيَنْوِي الْقَضَاءَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي النَّوَادِرِ يَبْدَأُ بِالرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِالْأَرْبَعِ ثُمَّ يَنْوِي الْقَضَاءَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا مُبْتَدَأً فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَفِي الْحَقَائِقِ يُقَدِّمُ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْأَرْبَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَةِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ مَقَالَاتِ مُحَمَّدٍ، وَالسُّنَّةُ الْأُولَى مِنْ الظُّهْرِ إذَا فَاتَتْ فَقَبْلَ شَفْعِهَا لَهَا الْقَضَاءُ أَيْ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ. وَفِي الْمُصَفَّى اخْتَلَفُوا فِي قَضَاءِ الْأَرْبَعِ هَلْ هُوَ نَفْلٌ مُبْتَدَأٌ أَوْ سُنَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ نَفْلٌ مُبْتَدَأٌ يَقْضِيهَا بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا سُنَّةٌ يَقْضِيهَا قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ إلَّا أَنَّ إحْدَاهُمَا فَائِتَةٌ فَيَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ. (قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا) وَهُمَا مُؤَكَّدَتَانِ. (قَوْلُهُ: وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ) وَهُنَّ مُسْتَحَبَّاتٌ وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ» ؛ وَلِأَنَّ الْعَصْرَ لَمَّا كَانَتْ أَرْبَعًا قُدِّرَتْ النَّافِلَةُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) وَهُمَا مُؤَكَّدَتَانِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطِيلَ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] وَفِي الثَّانِيَةِ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] » (قَوْلُهُ: وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْعِشَاءِ) وَهُنَّ مُسْتَحَبَّاتٌ. (قَوْلُهُ: وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ) قِيلَ إنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ أَمَّا إذَا صَلَّاهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي الْأَرْبَعَ كُلَّهَا جَبْرًا لِذَلِكَ النَّقْصِ وَلَا يَتَخَيَّرُ وَأَرْبَعًا قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ

أَبُو يُوسُفَ أَرْبَعًا قَبْلَهَا وَسِتًّا بَعْدَهَا وَفِي الْكَرْخِيِّ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْمَنْظُومَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ اثْنَتَيْنِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ثُمَّ رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَصَحُّ أَنَّ أَقْوَاهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ ثُمَّ الْأَرْبَعُ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَاَلَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ وَاَلَّتِي بَعْدَ الْمَغْرِبِ سَوَاءٌ فَإِنْ قِيلَ لَك لِمَا شُرِعَ بَعْضُ النَّوَافِلِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَبَعْضُهَا بَعْدَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي بَعْدَ الْفَرْضِ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قَطْعًا لِطَمَعِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَقُولُ مَنْ لَمْ يُطِعْنِي فِي تَرْكِ مَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ كَيْفَ يُطِعْنِي فِي تَرْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرْضَ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ» ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا تَنَفَّلَ فِي مَكَانِهِ ظَنَّ الدَّاخِلُ أَنَّهُ فِي الْفَرْضِ فَيَقْتَدِي بِهِ وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ حَتَّى لَا تَتَشَوَّشَ الصُّفُوفُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ) يَعْنِي أَقَلَّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي اللَّيْلِ بِثَمَانِي رَكَعَاتٍ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ثُمَّ قَالَ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَطَالَ قِيَامَ اللَّيْلِ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . (قَوْلُهُ: وَنَوَافِلُ النَّهَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا) وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا نَافِلَةُ اللَّيْلِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ) يَعْنِي إنْ شَاءَ صَلَّى بِاللَّيْلِ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ سِتًّا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ ثَمَانِيًا بِتَسْلِيمَةٍ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَيْلًا وَنَهَارًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَفْضَلُ فِي اللَّيْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَثْنًى مَثْنًى وَفِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا مَثْنًى مَثْنًى وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ لَهُمَا الِاعْتِبَارُ بِالتَّرَاوِيحِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ تَحْرِيمَةٍ وَتَسْلِيمَةٍ وَدُعَاءٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَدْوَمُ تَحْرِيمَةً فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَشَقَّةً وَأَزْيَدَ فَضِيلَةً، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَعَلَى الْعَكْسِ يَخْرُجُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا فِي التَّرَاوِيحِ فَإِنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَيُرَاعَى فِيهَا التَّيْسِيرُ. (قَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ) (الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَالزِّيَادَةُ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَمُوجِبُ الْعَقْدِ فِي التَّطَوُّعِ رَكْعَتَانِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الشَّفْعُ الثَّانِي بِالْقِيَامِ إلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ كَصَلَاةٍ عَلَى حِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً وَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ اسْتَفْتَحَ كَمَا يَسْتَفْتِحُ عَقِيبَ التَّحْرِيمَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ أَوْ السِّتِّ أَوْ الثَّمَانِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ يَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَلْزَمُهُ مَا نَوَى وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ يَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا وَإِنْ قَالَ نِصْفَ رَكْعَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ وَإِذَا لَزِمَتْهُ رَكْعَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَكُونُ وِتْرًا وَلَوْ قَالَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ بِوُضُوءٍ تَصْحِيحًا لِلنَّذْرِ وَلَوْ قَالَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ وَأَمَّا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَهِيَ عِبَادَةٌ كَصَلَاةِ الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ. (قَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَةُ فِي الْفَرَائِضِ وَاجِبَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ) أَيْ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ فِي حَقِّ الْعَمَلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرْضٌ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَكُلُّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ» وَقَالَ مَالِكٌ فُرِضَ فِي ثَلَاثٍ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا فِي الثَّانِيَةِ اسْتِدْلَالًا بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُمَا يَتَشَاكَلَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَيُفَارِقَانِهِمَا فِي حَقِّ السُّقُوطِ وَصِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ وَفِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فَلَا يَلْحَقَانِ بِهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» فَهُوَ شَاهِدٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا وَالصَّلَاةُ مَتَى ذُكِرَتْ مُطْلَقَةً

لَا تَنْصَرِفُ إلَى رَكْعَةٍ وَإِنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى صَلَاةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ رَكْعَتَانِ عُرْفًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَمْ يَقُلْ صَلَاةً فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا صَلَّى رَكْعَةً. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ) يَعْنِي مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ ثَلَاثُ تَسْبِيحَاتٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا الْفَاتِحَةَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنْ شَاءَ قَرَأَ يَعْنِي الْفَاتِحَةَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ يَعْنِي ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ يَعْنِي مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ ثَلَاثُ تَسْبِيحَاتٍ فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُسَبِّحْ كَانَ مُسِيئًا إنْ تَعَمَّدَ السُّكُوتَ، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَهْوٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ السُّكُوتَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِإِسَاءَةٍ وَعِنْدَهُمَا إسَاءَةٌ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ كَرَاهَةٌ وَالْكَرَاهَةُ أَفْحَشُ مِنْ الْإِسَاءَةِ فَالْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ وَالتَّسْبِيحُ مُبَاحٌ وَالسُّكُوتُ إسَاءَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْقُرَّاءُ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَفِي جَمِيعِ الْوِتْرِ) أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَلِهَذَا يَسْتَفْتِحُ فِيهَا وَيَتَعَوَّذُ وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِوُجُودِ عَلَامَةِ الْأَمْرَيْنِ فَاحْتَاطُوا لَهُ بِإِيجَابِ الْقِرَاءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا وَلَا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ مِنْهُ وَلَا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُكْمِلُ تَشَهُّدَهُ الْأَوَّلَ لِشَبَهِهِ بِالْفَرْضِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا قَضَاهَا) هَذَا إذَا دَخَلَ فِيهَا قَصْدًا أَمَّا سَاهِيًا كَمَا إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا يَقْضِيهَا ثُمَّ أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا رَكْعَتَانِ وَإِنْ نَوَى مِائَةَ رَكْعَةٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَقَوْلُهُ أَفْسَدَهَا سَوَاءٌ فَسَدَتْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَرَى الْمَاءَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَكَالْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ فِي التَّطَوُّعِ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْفَرْضِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَعَدَ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَالْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فَيَكُونُ مَلْزُومًا وَهَذَا إذَا أَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا بِأَنْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا أَمَّا إذَا أَفْسَدَهَا قَبْلَ الْقِيَامِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي اعْتِبَارًا لِلشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَقَعَدَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْعُدْ وَأَفْسَدَ الْأُخْرَيَيْنِ لَزِمَهُ قَضَاءُ أَرْبَعٍ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا) وَهُوَ احْتِيَاطٌ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إنَّ الزَّوْجَ لَوْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ أَوْ أُخْبِرَتْ بِشُفْعَةٍ لَهَا فَأَتَمَّتْ أَرْبَعًا لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهَا وَلَا خِيَارُهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ وَالْكَرْخِيِّ إنْ سَلَّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ أَتَمَّتْ الْأَرْبَعَ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ صَلَاةٌ أُخْرَى وَإِذَا كَانَتْ فِي أَرْبَعِ الظُّهْرِ الْأُولَى لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا بِانْتِقَالِهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَعَادَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَرْبَعًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا يَرْفَعُ التَّحْرِيمَةَ وَلَا يَمْنَعُ الدُّخُولَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْفَعُ التَّحْرِيمَةَ وَيُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ إذَا فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَالشَّفْعُ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ حَتَّى يَأْتِيَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ بِقِرَاءَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ إذَا صَحَّ يَلْزَمُهُ الشَّفْعُ الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ ثَمَانِ مَسَائِلَ أَحَدُهُمَا إذَا صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا فَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ مِنْ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا فَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ ارْتَفَعَتْ التَّحْرِيمَةُ وَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ تَفْسُدْ التَّحْرِيمَةُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ

بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ مَا لَمْ يَأْتِ بِرَكْعَةٍ مَعَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَالثَّانِيَةُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ فَلَزِمَهُ الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَأَفْسَدَهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ، وَالثَّالِثَةُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يَكُونُ الْأُخْرَيَانِ صَلَاةً عِنْدَهُمَا نَعَمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَوْ قَهْقَهَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ، وَالرَّابِعَةُ إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ أَرْبَعٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَكْعَتَيْنِ أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَقُولُ فَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وُجِدَ مِنْهُ رَكْعَةٌ بِقِرَاءَةٍ ثُمَّ فَسَدَتْ بَعْدُ. وَالْخَامِسَةُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَالسَّادِسَةُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَالْأُولَيَانِ فَسَدَتَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْأُخْرَيَانِ صَلَاةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالسَّابِعَةُ إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَرْبَعٌ وَالثَّامِنَةُ إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ أَرْبَعٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَنَوَى بِهِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ عُقِدَتْ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَكُونُ بَعْضُهَا قَضَاءً وَبَعْضُهَا أَدَاءً قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَبْطُلْ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي ثُمَّ فَسَادُهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا يُفْسِدُ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَالَ وَهَذَا إذَا قَعَدَ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ أَرْبَعٍ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الثَّانِي يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَبَانَ لَك مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِ الْمَسَائِلِ أَنَّ أَرْبَعًا مِنْهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهُنَّ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَالْأُخْرَيَيْنِ فَفِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ إجْمَاعًا وَأَرْبَعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ يَقْضِي أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَكْعَتَيْنِ وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَرْبَعًا. (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» أَيْ فِي حَقِّ الْأَجْرِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا لِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلَا لِحَالَةِ الْعُذْرِ وَلَا لِحَالَةِ غَيْرِ الْعُذْرِ فَمَا وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى مَا ادَّعَيْتُمُوهُ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ قِيلَ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ قَاعِدًا مُسَاوِيَةٌ لِصَلَاةِ الْقَائِمِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْأَجْرِ فَلَمْ يَبْقَ حِينَئِذٍ إلَّا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ قَاعِدًا بِدُونِ الْعُذْرِ فَهُوَ عَلَى نِصْفِ الْأَجْرِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ، وَإِنَّمَا جَازَتْ النَّافِلَةُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ وَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْ هَذَا الْخَيْرِ الْمَوْضُوعِ وَقُيِّدَ بِالنَّافِلَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ قِيلَ كَيْفَ شَاءَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَمَا يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّذْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُلْزَمٌ ثُمَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَذَا إذَا شَرَعَ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَهُ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ جَازَ فَالْبَقَاءُ أَوْلَى بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ نَصًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يُنَصَّ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشُّرُوعِ وَالنَّذْرِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا فَصَامَ الْبَعْضَ وَمَرِضَ فَأَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ

باب سجود السهو

وَفِي الشُّرُوعِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ وَكَذَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ مَاشِيًا وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ مَاشِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ كَذَا هُنَا فَإِنْ قِيلَ إذَا افْتَتَحَهَا هَلْ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ شُرُوعِهِ قَائِمًا كَمَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي الثَّانِيَةِ قِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ وَصْفِهِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَلَمْ يَقُلْ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَلْزَمُهُ قَائِمًا؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْجَبَهُ قَائِمًا وَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَقُومَ فَقَامَ وَصَلَّى مَا بَقِيَ جَازَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَتَنَفَّلُ عَلَى دَابَّتِهِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إيمَاءً) لِأَنَّ النَّافِلَةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ مَشْرُوعٍ عَلَى حَسَبِ النَّشَاطِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْقَافِلَةُ أَوْ يَنْقَطِعُ هُوَ عَنْ الْقَافِلَةِ وَكِلَاهُمَا ضَرَرٌ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي التَّنَفُّلِ عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ إلَّا حِفْظُ اللِّسَانِ مِنْ فُضُولِ الْكَلَامِ لَكَانَ كَافِيًا وَقُيِّدَ بِالنَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ أَنْ يَخَافَ مِنْ النُّزُولِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ كَانَ فِي طِينٍ أَوْ رَدْغَةٍ لَا يَجِدُ عَلَى الْأَرْضِ مَكَانًا جَافًّا أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا لَوْ نَزَلَ لَا يُمْكِنُهُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ فَتَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَكَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ عَنْ الرَّاكِبِ يَسْقُطُ عَنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الرَّدْغَةُ بِالتَّحْرِيكِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ وَالطِّينُ الْوَحَلُ الشَّدِيدُ وَكَذَا الرَّدْغَةُ بِالتَّسْكِينِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ رَدْغٌ وَرِدَاغٌ وَالْوَحَلُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الطِّينُ الرَّقِيقُ وَبِتَسْكِينِ الْحَاءِ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ نَوَافِلُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ سَائِرِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَيَنْفِي الْجَوَازَ فِي الْمِصْرِ وَحَدُّ خَارِجِ الْمِصْرِ قِيلَ قَدْرُ الْمِيلِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ قَدَّرُوهُ بِمُصَلَّى الْعِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لَهُمَا أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ إنَّمَا جُوِّزَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالنُّزُولِ يَنْقَطِعُ عَنْ الْقَافِلَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الْمِصْرِ (قَوْلُهُ: تَنَفَّلَ) يُحْتَرَزُ عَنْ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ سَائِرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَلَا وَلَوْ صَلَّى الْفَرْضَ عَلَى بَعِيرٍ قَائِمٍ لَا يَسِير لَا يَجُوزُ وَلَوْ صَلَّى عَلَى عِجْلٍ قَائِمٍ لَا يَسِير جَازَ وَلَا يُشْبِهُ الْحَيَوَانَ الْعِيدَانُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالذَّخِيرَةِ إذَا صَلَّى الْفَرْضَ فِي شِقِّ مَحْمَلٍ عَلَى دَابَّةٍ وَرَكَزَ تَحْتَ الْمَحْمَلِ خَشَبَةً حَتَّى صَارَ قَرَارُ الْمَحْمَلِ عَلَيْهَا جَازَ وَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ خَارِجَ الْمِصْرِ رَاكِبًا ثُمَّ دَخَلَ الْمِصْرَ رَاكِبًا بَطَلَتْ تَحْرِيمَتُهُ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ يُتِمُّهَا عَلَى الدَّابَّةِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَهُ وَقِيلَ يَنْزِلُ وَيُتِمُّهَا نَازِلًا، وَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ يَبْنِي وَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نَازِلًا ثُمَّ رَكِبَ يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَعِنْد زُفَرَ يَبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ (قَوْلُهُ: إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ بِهِ) فَإِنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ الدَّابَّةُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَقَوْلُهُ يُومِئُ إيمَاءً وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَاشِي أَنْ يُصَلِّيَ أَيْنَ كَانَ وَجْهُهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ فَاعِلٌ لِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ فِي حَالَةِ السِّبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَشْيِ وَإِذَا كَانَ عَلَى سَرْجِ الدَّابَّةِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ لُعَابِ الْحِمَارِ أَمَّا إذَا كَانَ دَمًا أَوْ عَذِرَةً أَوْ بَوْلًا لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ، وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا وَجَوَّزَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَفِي شَرْحِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ فِي السَّرْجِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِغَسْلِهَا كَذَلِكَ هَذَا. [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) لَمَّا انْتَهَى ذِكْرُ الْأَدَاءِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَالْقَضَاءِ شَرَعَ فِي جَبْرِ نُقْصَانِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا ذَكَرَ

النَّوَافِلَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا جَبْرًا لِنُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْفَرَائِضِ فَلِهَذَا ذَكَرَ السَّهْوَ عَقِيبَ النَّوَافِلِ لِكَوْنِهِ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَكَانَ بَعْدَ الْجَمِيعِ وَهُوَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالسَّهْوُ وَالنِّسْيَانُ ضِدُّ الذِّكْرِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ عُزُوبُ الشَّيْءِ عَنْ النَّفْسِ بَعْدَ حُضُورِهِ وَالسَّهْوُ قَدْ يَكُونُ عَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ بِهِ عَالِمًا وَعَمَّا لَا يَكُونُ عَالِمًا بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُجُودُ السَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ) سَوَاءٌ (بَعْدَ السَّلَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَبْلَ السَّلَامِ فِيهِمَا وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لِلنُّقْصَانِ فَقَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ لِلزِّيَادَةِ فَبَعْدَ السَّلَامِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ عِنْدَنَا قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ وَلَكِنْ لَا يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ؛ لِأَنَّ الْأَقْوَى لَا يَرْتَفِعُ بِالْأَدْنَى بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ فَتَرْفَعُهَا وَقَوْلُهُ يُسَلِّمُ أَيْ يَأْتِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمَنْ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي الْفَجْرِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَّتْ الشَّمْسُ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ سَقَطَتَا عَنْهُ وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْسُ وَفِي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ يَعْنِي بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرَ الصَّلَاةِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يَدْعُو فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَخْرُجُ خُرُوجًا مَوْقُوفًا ثُمَّ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ عَادَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فَاقْتِدَاؤُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُمَا إنْ عَادَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ، وَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَسَقَطَ عَنْهُ السَّهْوُ إجْمَاعًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ، وَكَذَا إذَا قَهْقَهَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْقَعْدَةُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَا لِيَقَعَ خَتْمُ الصَّلَاةِ بِهَا حَتَّى لَوْ قَامَ وَتَرَكَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالسَّهْوُ يَلْزَمُهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا لَيْسَ مِنْهَا) فِي قَوْلِهِ يَلْزَمُهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَكَانَ وَاجِبًا كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِتَأْخِيرِهِ أَوْ بِتَغْيِيرِ رُكْنٍ سَاهِيًا، وَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِهَا اُحْتُرِزَ عَنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَتَقْلِيبِ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا أَوْ مُفْسِدًا فَإِنْ قُلْت مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ مِنْهَا إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّائِدَ لَيْسَ مِنْهَا قُلْت اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا أَطَالَ الْقِيَامَ أَوْ الْقُعُودَ فَإِنَّهُ زَادَ فِيهَا فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ فَرْضٌ فَإِنْ قُلْت لِمَ وَجَبَ السَّهْوُ عِنْدَ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةُ ضِدُّ النُّقْصَانِ قُلْتُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا نُقْصَانٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَهُ سِتُّ أَصَابِعَ كَانَ لَهُ رَدُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ رَدُّهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَاعْلَمْ أَنَّ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ يُجْبِرَانِ النُّقْصَانَ وَيُرْضِيَانِ الرَّحْمَنَ وَيُرْغِمَانِ الشَّيْطَانَ فَلِهَذَا هُمَا وَاجِبَتَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا) أَيْ فِعْلًا وَاجِبًا عُرِفَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ كَالْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ قَامَ فِي مَوْضِعِ الْقُعُودِ أَوْ تَرَكَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِعْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَهَا عَنْ الْأَذْكَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ

كَمَا إذَا سَهَا عَنْ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَسْبِيحَاتِهِمَا إلَّا فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْقُنُوتُ وَالتَّشَهُّدُ وَالْقِرَاءَةُ وَتَأْخِيرُ السَّلَامِ عَنْ مَوْضِعِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ أَكْثَرَهَا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: وَالْقُنُوتَ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْقُنُوتِ (قَوْلُهُ: أَوْ التَّشَهُّدَ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ: أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) أَوْ الْبَعْضَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ يَجِبُ السَّهْوُ وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ السُّورَةَ وَلَوْ قَرَأَ فِيهِمَا الْفَاتِحَةَ ثُمَّ السُّورَةَ ثُمَّ الْفَاتِحَةَ سَاهِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَهْوٌ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَرَّتَيْنِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ سَاهِيًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَةَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، وَلَوْ صَلَّى بِسُورَةِ السَّجْدَةِ فَلَمَّا سَجَدَ قَامَ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ سَاهِيًا ثُمَّ قَرَأَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ) لِأَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُخَافَتَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا خَافَتَ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَإِنْ جَهَرَ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَيُمْكِنُ عَنْ الْكَثِيرِ وَمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ. وَفِي النَّوَادِرِ إذَا جَهَرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّهْوُ. (قَوْلُهُ: وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ لَازِمَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ) لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِلْإِمَامِ وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابِعًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ) لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ وَإِنْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ الْأَصْلُ تَبَعًا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ إلَى حَالِ الْقُعُودِ أَقْرَبُ) يَعْنِي بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا يَعُودُ وَإِنْ اسْتَتَمَّ لَا يَعُودُ وَصَحَّحَ هَذَا صَاحِبُ الْحَوَاشِي (قَوْلُهُ: عَادَ فَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ) لِأَنَّ مَا قَرُبَ إلَى الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الْمِصْرِ يَأْخُذُ حُكْمَ الْمِصْرِ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ سُجُودَ السَّهْوِ هَهُنَا. وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَمَا إذَا لَمْ يَقُمْ. وَفِي النِّهَايَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَوُجِدَ بِخَطِّ الْمَكِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ إلَى حَالِ الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يُعِدْ) لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ مَعْنًى (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ فَلَوْ عَادَ هُنَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا إذَا عَادَ بَعْدَمَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْقَعْدَةَ الْأُولَى وَاجِبَةٌ فَلَا يَتْرُكُ الْفَرْضَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا بِمَا إذَا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الْقِيَامَ وَهُوَ فَرْضٌ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فَقَدْ تَرَكَ الْفَرْضَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ قِيلَ كَانَ الْقِيَاسُ هُنَاكَ أَيْضًا أَنْ لَا يَتْرُكَ الْقِيَامَ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَامَ بِالْأَثَرِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَسْجُدُونَ وَيَتْرُكُونَ الْقِيَامَ لِأَجْلِهَا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ

سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إظْهَارُ التَّوَاضُعِ وَمُخَالَفَةُ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ السُّجُودِ فَجَوَّزَ تَرْكَ الْقِيَامِ تَحْقِيقًا لِمُخَالَفَتِهِمْ، وَهَذَا فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ أَمَّا فِي النَّفْلِ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْ غَيْرِ قَعْدَةٍ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَلَوْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِسَجْدَةٍ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ رَجَعَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ وَأَلْغَى الْخَامِسَةَ) أَيْ تَرَكَهَا؛ لِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ إلَى الْقَعْدَةِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ مَا لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ مَحَلٌّ لِلرَّفْضِ (قَوْلُهُ: وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا وَهُوَ الْقَعْدَةُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ) يَبْطُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ وَعِنْد مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهَا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السُّجُودِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لِيَتَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ وَهُوَ السُّجُودُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: وَتَحَوَّلَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا) هَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَتَحَوَّلُ نَفْلًا بَلْ تَبْطُلُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إذَا فَسَدَتْ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ وَإِذَا بَطَلَتْ عِنْدَهُ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى قَالَ: لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَبْطُلْ تَصِيرُ تَطَوُّعًا وَتَرْكُ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي التَّطَوُّعِ مُفْسِدٌ عِنْدَهُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَرْكُ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُفْسِدُ فَبَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ فَيُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى حَتَّى يَصِيرَ مُتَنَفِّلًا بِسِتٍّ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَشْفَعَ الْخَامِسَةَ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ شُرِعَ شَفْعًا لَا وِتْرًا وَهَذَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَفِي قَاضِي خَانْ إلَّا الْفَجْرَ فَإِنَّهُ لَا يُضِيفُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مَكْرُوهٌ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ أَعْنِي الْخَامِسَةَ وَالسَّادِسَةَ يَلْزَمُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ نَفْلًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ الْإِحْرَامُ حِينَ فَسَدَ الْفَرْضُ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ وَالْمَظْنُونُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الضَّمُّ ثُمَّ إذَا ضَمَّ هَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عِنْدَهُمَا الْأَصَحُّ لَا يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ يَظُنُّهَا الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَادَ إلَى الْقُعُودِ مَا لَمْ يَسْجُدْ فِي الْخَامِسَةِ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنْ سَلَّمَ قَائِمًا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ عَادَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) فَإِنْ قُلْت هَلْ ضَمَّ الْأُخْرَى عَلَى الْإِيجَابِ أَمْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قُلْت ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ ثُمَّ إذَا أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ لَفْظَةَ السَّلَامِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ سَهْوَهُ وَقَعَ فِي الْفَرْضِ وَقَدْ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى النَّفْلِ وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ انْتِقَالَهُ إلَى النَّفْلِ بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ السَّهْوِ كَأَنَّهُمَا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ أَحَدٌ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْفَرْضِ لَمَّا لَمْ يَنْقَطِعْ عِنْدَهُ صَارَ الْمُقْتَدِي شَارِعًا فِي الْكُلِّ فَلَزِمَهُ مَا أَدَّى الْإِمَامُ بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ أَدَّى سِتًّا وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْفَرْضِ فَإِنْ أَفْسَدَ الْمُقْتَدِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) وَهَذَا السُّجُودُ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ فِي النَّفْلِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِدُخُولِهِ فِيهِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلنَّقْصِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الْفَرْضِ وَهُوَ خُرُوجُهُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ اقْتَدَى بِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْمُقْتَدِي قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحْكَمَ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَإِنَّمَا النُّقْصَانُ فِي النَّفْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي سِتًّا؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى

باب صلاة المريض

بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَالرَّكْعَتَانِ لَهُ نَافِلَةٌ) وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمَا مَظْنُونَتَانِ وَالْمَظْنُونُ نَاقِصٌ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ يَعْرِضُ لَهُ كَثِيرًا بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ إنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) الشَّكُّ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَالظَّنُّ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ وَجِهَةُ الصَّوَابِ أَرْجَحُ، وَالْوَهْمُ تَسَاوِي الْأَمْرَيْنِ وَجِهَةُ الْخَطَأِ أَرْجَحُ. (قَوْلُهُ: أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ) قِيلَ فِي عُمُرِهِ وَقِيلَ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ السَّهْوُ مِنْ عَادَتِهِ، وَفَائِدَتُهُ إذَا سَهَا فِي صَلَاتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ ثُمَّ وَقَفَ سِنِينَ ثُمَّ سَهَا عَلَى قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ وَإِنَّمَا حَصَلَ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْعَادَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَعَلَى الْعِبَارَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) وَهُوَ الْأَقَلُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] (بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ عَقِيبَ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ إلَّا أَنَّ السَّهْوَ أَكْثَرُ فَكَانَ أَهَمَّ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ فَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ مِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ ثُمَّ إضَافَتُهُ إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ كَقِيَامِ زَيْدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمَرِيضِ الْقِيَامُ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمَرَضِ الَّذِي يُبِيحُ لَهُ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَقِيلَ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ إذَا قَامَ سَقَطَ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ دُونَ تَمَامِهِ أُمِرَ بِأَنْ يَقُومَ مِقْدَارَ مَا يَقْدِرُ فَإِذَا عَجَزَ قَعَدَ حَتَّى لَوْ قَدَرَ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا لِلتَّحْرِيمَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ يَعْنِي لِلْقِرَاءَةِ أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ لِبَعْضِ الْقِرَاءَةِ دُونَ تَمَامِهَا فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا وَيَقْرَأَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدَ إذَا عَجَزَ فَقَوْلُهُ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ يَعْنِي جَمِيعَهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مُتَّكِئًا لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ فَيَقُومُ مُتَّكِئًا. (قَوْلُهُ: صَلَّى قَاعِدًا) يَعْنِي يَقْعُدُ كَيْفَ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ أَوْ إلَى إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُهُ مُضْطَجِعًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَوْمَأَ إيمَاءً) أَوْمَأَ بِالْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ) لِأَنَّ الْإِيمَاءَ قَامَ مَقَامَهُمَا فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ) فَإِنْ رَفَعَ إنْ وَجَدَ الْإِيمَاءَ جَازَ وَيَكُونُ مُسِيئًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَ بِجَبْهَتِهِ قُرُوحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَيْهَا لَمْ يُجْزِهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ

وَجَعَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) يَعْنِي بَعْدَ أَنْ تُوضَعَ وِسَادَةٌ تَحْتَ رَأْسِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِلْقَاءَ يَمْنَعُ الْإِيمَاءَ مِنْ الْأَصِحَّاءِ فَكَيْفَ مِنْ الْمَرْضَى فَإِنْ صَلَّى مُضْطَجِعًا فَنَامَ فِيهَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَلْقَى عَلَى جَنْبِهِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ جَازَ) يَعْنِي عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلْقَاءَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ إذَا بَلَغَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُفِيقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَسْقُطُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَقَدَمَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ لَا يَقْضِي إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ قَضَى إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَقَلَّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَزْدَوِيِّ الصَّغِيرِ وَقَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ وَلَا بِقَلْبِهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ) . وَقَالَ زُفَرُ يُومِئُ بِقَلْبِهِ فَإِذَا صَحَّ أَعَادَ، وَقَالَ الْحَسَنُ يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ وَقَلْبِهِ وَيُعِيدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ أَعَادَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ إيمَاءً) فَإِنْ أَوْمَأَ قَائِمًا جَازَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا أَرَادَ أَنْ يُومِئَ لِلرُّكُوعِ أَوْمَأَ قَائِمًا وَيُومِئُ لِلسُّجُودِ قَاعِدًا وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا بِالْكُلِّ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ قَائِمًا لَا يُجْزِئُهُ وَلِلرُّكُوعِ يُجْزِئُهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى الصَّحِيحُ بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا وَحَدَثَ بِهِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ أَتَمَّهَا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقُعُودَ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ بِنَاءَ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى. (قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِمَرَضٍ بِهِ ثُمَّ صَحَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْقَاعِدَ يَؤُمُّ الْقَائِمَ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ صَلَاةَ الْقَائِمِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْقَاعِدِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْقَائِمَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ الْقَاعِدِ فَكَذَا لَا يَبْنِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ) هَذَا إذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَمَا رَكَعَ وَسَجَدَ أَمَّا إذَا قَدَرَ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ الْأَدَاءِ صَحَّ لَهُ الْبِنَاءُ كَذَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ. وَقَالَ زُفَرُ يَبْنِي فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَصْلِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ الرَّاكِعُ بِالْمُومِئِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَمَا دُونَهَا قَضَاهَا إذَا صَحَّ) وَإِنْ فَاتَهُ بِالْإِغْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ الْأَعْذَارَ أَنْوَاعٌ مُمْتَدَّةٌ جِدًّا كَالصِّبَا وَتَسْقُطُ بِهِ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا وَقَاصِرٌ جِدًّا كَالنَّوْمِ لَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْإِغْمَاءُ فَإِنْ امْتَدَّ أُلْحِقَ بِالْمُمْتَدِّ جِدًّا وَإِنْ لَمْ يَمْتَدَّ أُلْحِقَ بِالْقَاصِرِ جِدًّا حَتَّى يُوجِبَ الْقَضَاءَ وَامْتِدَادُهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَدْخُلُ الْفَائِتَةُ فِي حَيِّزِ التَّكْرَارِ، وَفِي إيجَابِ قَضَاءِ ذَلِكَ حَرَجٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]

باب سجود التلاوة

/، وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ وَإِنْ أَكَلَ الْبَنْجَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ مَتَى كَثُرَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْبَنْجَ بِالْإِغْمَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَهُ بِالْخَمْرِ، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْفَزَعِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ سَبُعٍ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَاتَهُ بِالْإِغْمَاءِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ) الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِالسَّاعَاتِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْأَوْقَاتِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الصَّلَوَاتُ فَمَا لَمْ تَصِرْ الصَّلَاةُ سِتًّا لَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ عِنْدَهُ وَفَائِدَتُهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّحْوَةِ ثُمَّ أَفَاقَ مِنْ الْغَدِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِسَاعَةٍ فَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ لَمْ تَزِدْ عَلَى خَمْسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَيُقَالُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ فَالتِّلَاوَةُ سَبَبٌ بِلَا خِلَافٍ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا صَلَّى فَقَدْ انْقَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَفِي التِّلَاوَةِ إذَا سَجَدَ فَقَدْ انْقَادَ أَيْضًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَفِي إضَافَةِ السُّجُودِ إلَى التِّلَاوَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَتَبَهَا أَوْ تَهَجَّاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً إلَى آخِرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ بِالْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً سَبْعَةٌ مِنْهَا فَرِيضَةٌ وَثَلَاثٌ مِنْهَا وَاجِبٌ وَأَرْبَعٌ مِنْهَا سُنَّةٌ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ فَرْضٌ؛ وَالرَّعْدِ فَرْضٌ؛ وَالنَّحْلِ فَرْضٌ؛ وَبَنِي إسْرَائِيلَ فَرْضٌ؛ وَمَرْيَمَ فَرْضٌ؛ وَالْأُولَى فِي الْحَجِّ فَرْضٌ؛ وَالْفُرْقَانِ وَاجِبَةٌ؛ وَالنَّمْلِ سُنَّةٌ وَالَمْ تَنْزِيلُ وَاجِبَةٌ وَ (ص) فَرْضٌ وَحم السَّجْدَةِ وَاجِبَةٌ؛ وَالنَّجْمِ سُنَّةٌ؛ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ سُنَّةٌ؛ وَاقْرَأْ سُنَّةٌ فَمَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ (ص) وَحُسْنَ مَآبٍ؛ وَفِي حم السَّجْدَةِ (لَا يَسْأَمُونَ) . وَهَلْ تَجِبُ السَّجْدَةُ بِشَرْطِ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْآيَةِ أَمْ بَعْضِهَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ حَرْفَ السَّجْدَةِ وَقَبْلَهُ كَلِمَةٌ وَبَعْدَهُ كَلِمَةٌ وَجَبَ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ لَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِآيَةِ السَّجْدَةِ إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مُتَهَيِّئِينَ لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ وَإِنْ تَلَا بِالْفَارِسِيِّ لَزِمَ السَّامِعَ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا فَهِمَ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَإِنْ قَرَأَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَجَبَ عَلَى السَّامِعِ فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ إجْمَاعًا، وَفِي الْحَجِّ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ سَجْدَةٌ عِنْدَنَا وَهِيَ الْأُولَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَجْدَتَانِ وَسَجْدَةُ ص عِنْدَنَا تِلَاوَةٌ وَعِنْدَهُ سَجْدَةُ شُكْرٍ فَلَا يَسْجُدُهَا عِنْدَهُ إذَا تَلَاهَا فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْحَجِّ فَلَيْسَتْ عِنْدَنَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالرُّكُوعِ وَذَلِكَ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ دُونَ السَّجْدَةِ. (قَوْلُهُ: وَالسُّجُودُ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ) يَعْنِي عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا وَيَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ سُنَّةٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى التَّالِي وَالسَّامِعِ) سَوَاءٌ قَصَدَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ كَانَ التَّالِي طَاهِرًا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ سَكْرَانًا فَذَلِكَ كُلُّهُ يُوجِبُ عَلَى السَّامِعِ السُّجُودَ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ نَائِمٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا سَمِعَهَا مِنْ مَجْنُونٍ يَجِبُ، وَكَذَا مِنْ النَّائِمِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا وَهَلْ يَجِبُ عَلَى النَّائِمِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ تَلَوْا أَوْ سَمِعُوا، وَلَوْ تَلَاهَا وَهُوَ أَصَمُّ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَلَاهَا ثُمَّ سَمِعَهَا مِنْ آخَرَ أَوْ سَمِعَهَا ثُمَّ تَلَاهَا وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجِبْ

عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَجْلِسُ وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ الصَّدَى لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَلَا الْإِمَامُ آيَةَ سَجْدَةٍ سَجَدَهَا وَسَجَدَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ) سَوَاءٌ سَمِعَهَا مِنْهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ أَوْ الْمُخَافَتَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَأَهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فَإِنْ سَمِعَهَا رَجُلٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ بَعْدَ سُجُودِ الْإِمَامِ لَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سُجُودٌ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَنَظِيرُهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْوِتْرِ فِي الرُّكُوعِ فِي رَمَضَانَ يَصِيرُ مُدْرِكًا لِلْقُنُوتِ حَتَّى لَا يَأْتِيَ بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ سَمِعَهَا مِنْ الْإِمَامِ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ السُّجُودُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ لَهُ السَّمَاعُ وَهُوَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ السُّجُودُ كَذَا فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَلَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ) يَعْنِي لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ وَلَا مَانِعَ بِخِلَافِ حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ أَوْ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ التَّالِيَ كَالْإِمَامِ لِلسَّامِعِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا خِلَافِ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ وَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْجُدَ التَّالِي أَوَّلًا فَيُتَابِعَهُ الْإِمَامُ فَيَنْقَلِبَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ الْإِمَامُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا أَوْ التِّلَاوَةِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَيُتَابِعَهُ التَّالِي وَهَذَا خِلَافُ مَوْضُوعِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَإِنَّ التَّالِيَ إمَامُ السَّامِعِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ سُجُودُ التَّالِي قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لِلتَّالِي كُنْت إمَامَنَا لَوْ سَجَدْت لَسَجَدْنَا» قَالَهُ لِرَجُلٍ تَلَا عِنْدَهُ آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَذَلِكَ دَلِيلُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَالْوِلَايَةُ دَلِيلُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَالْمَحْجُورُ لَا حُكْمَ لِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمِعَهَا مِنْ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَحْجُورَيْنِ بَلْ مَنْهِيَّيْنِ وَالتَّصَرُّفَاتُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا يُعْتَدُّ بِهَا وَيُعْتَبَرُ حُكْمُهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَمِعُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ آيَةَ سَجْدَةٍ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدُوهَا فِي الصَّلَاةِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ فَيَكُونُ إدْخَالُهَا فِيهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ وَهِيَ وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالْمَنْهِيِّ. (قَوْلُهُ: وَسَجَدُوهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ) لِصِحَّةِ التِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدُوهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُجْزِهِمْ) لِنُقْصَانِهَا يَعْنِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا الْكَامِلُ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ وَغَيْرُ الصَّلَاتِيَّةِ لَا يُؤَدَّى فِي الصَّلَاةِ فَيُمْكِنُ النُّقْصَانُ بِأَدَائِهَا فِي الصَّلَاةِ وَمَا وَجَبَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ. وَفِي النَّوَادِرِ تُفْسِدُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهَا سَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ وَأَجْزَأَتْهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ سَجْدَةٍ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ بَعْدَمَا سَجَدَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلَا فِيهَا السَّجْدَةَ أَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِرْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَا مَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالسَّجْدَةِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ تَصِيرُ صَلَاتِيَّةً فَلَا تَلْزَمُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا وَسَجَدَ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ) لِأَنَّ الثَّانِيَةَ أَقْوَى لِكَوْنِهَا صَلَاتِيَّةً فَاسْتَتْبَعَتْ الْأُولَى وَكَوْنُهَا سَابِقًا لَا يُنَافِي التَّبَعِيَّةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى لِلظُّهْرِ. وَفِي النَّوَادِرِ يَسْجُدُ أُخْرَى بَعْدَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ لِلْأُولَى قُوَّةَ السَّبْقِ فَاسْتَوَيَا قُلْنَا لِلثَّانِيَةِ قُوَّةُ اتِّصَالِ السَّجْدَةِ بِالتِّلَاوَةِ فَتَرَجَّحَتْ عَلَى الْأُولَى فَاسْتَتْبَعَتْهَا وَهَذَا إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ أَمَّا إذَا تَبَدَّلَ لَمْ يُجْزِهِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَفِي النَّوَادِرِ وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ بَلْ يَسْجُدُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْأُولَى تَبَعًا؛ لِأَنَّ السَّابِقَ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلَّاحِقِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ

الثَّانِيَةِ تَبَعًا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى فَوَجَبَ اعْتِبَارُ كُلِّ وَاحِدٍ سَبَبًا فَالصَّلَاتِيَّةُ تُؤَدَّى فِيهَا وَالْأُولَى تُؤَدَّى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَتْلُوَّ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَكَانُ وَاحِدٌ وَالثَّانِيَةُ أَكْمَلُ؛ لِأَنَّ لَهَا حُرْمَتَيْنِ حُرْمَةَ التِّلَاوَةِ وَحُرْمَةَ الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَتَيْنِ فَلَوْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا سَقَطَتْ عَنْهُ السَّجْدَتَانِ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ مَا وَجَبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَلَاهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَاهَا سَجَدَ لَهَا وَلَمْ تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ الْأُولَى) لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَقْوَى فَلَا تَنُوبُ الْأُولَى عَنْهَا وَلَوْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَهَا ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَ تِلْكَ الْآيَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أُخْرَى. وَفِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَوَفَّقَ أَبُو اللَّيْثِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ إذَا تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَأَعَادَهَا فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ ثَانِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَعَادَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَلْزَمُهُ أُخْرَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَكْفِيهِ الْأُولَى وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ تَجْمَعُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ فَيَصِيرُ كُلُّهَا كَالْمَحَلِّ الْوَاحِدِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ السُّجُودَ مِنْ مُوجَبِ التِّلَاوَةِ وَكُلُّ رَكْعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا تِلَاوَةٌ وَلَا تَنُوبُ عَنْهَا تِلَاوَةٌ فِي غَيْرِهَا فَكَذَا يَتَعَلَّقُ بِهَا سُجُودٌ وَلَا يَنُوبُ عَنْهُ سُجُودٌ فِي غَيْرِهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى هَذَا الِاخْتِلَافُ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَمَّا إذَا صَلَّى بِالْإِيمَاءِ لَا يَجِبُ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ أَعَادَهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَرَّرَ تِلَاوَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ) وَالْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَإِذَا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ تِلْكَ الْآيَةَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مِرَارًا يَكْفِيهِ تِلْكَ السَّجْدَةُ عَنْ التِّلَاوَاتِ الْمَوْجُودَةِ بَعْدَ السَّجْدَةِ وَقَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ وَالتَّبْدِيلُ يَكُونُ حَقِيقَةً وَيَكُونُ حُكْمًا فَالْحَقِيقَةُ ظَاهِرٌ وَالْحُكْمُ كَمَا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ بَيْعٍ فَانْتَقَلَ إلَى مَجْلِسِ نِكَاحٍ أَوْ أَكَلَ كَثِيرًا أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا أَوْ هُوَ فِي مَكَانِهِ أَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اشْتَغَلَ بِالْحَدِيثِ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَمَلُ قَلِيلًا كَمَا إذَا أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ شَرِبَ جُرْعَةً أَوْ جُرْعَتَيْنِ أَوْ تَكَلَّمَ كَلِمَةً أَوْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ خَطَا خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ بِالْأَكْلِ حَتَّى يَشْبَعَ أَوْ بِالشُّرْبِ حَتَّى يُرْوَى أَوْ بِالْعَمَلِ وَالْكَلَامِ حَتَّى يَكْثُرَ كَذَا قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ التَّهْلِيلِ أَوْ الْقِرَاءَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَرَأَهَا وَهُوَ قَاعِدٌ فَقَامَ أَوْ قَائِمٌ فَقَعَدَ أَوْ نَامَ قَاعِدًا لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ. وَلَوْ قَرَأَهَا ثُمَّ رَكِبَ عَلَى الدَّابَّةِ ثُمَّ نَزَلَ قَبْلَ السَّيْرِ لَمْ يَنْقَطِعْ أَيْضًا، وَلَوْ قَرَأَهَا فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ بَعْدَ ذَلِكَ طَوِيلًا ثُمَّ أَعَادَ تِلْكَ السَّجْدَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى، وَلَوْ قَرَأَهَا مِرَارًا فِي الدَّوْسِ أَوْ تَسْدِيَةِ الثَّوْبِ أَوْ دَوَرَانِ الرَّحَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلِاحْتِيَاطِ وَكَذَا الْمُنْتَقِلُ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ يَتَكَرَّرُ بِهِ الْوُجُوبُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَرَأَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فِي زَاوِيَةٍ ثُمَّ تَلَاهَا فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْهُ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ تَبَاعُدِ أَطْرَافِهِ يُجْعَلُ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا وَلَوْ تَلَاهَا فِي السِّبَاحَةِ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي حَوْضٍ صَغِيرٍ لَا يَتَكَرَّرُ وَإِنْ قَرَأَهَا وَهُوَ مَاشٍ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ سَجْدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ قَدْ اخْتَلَفَ وَإِنْ قَرَأَهَا فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي السَّفِينَةِ سَائِرَةً كَانَتْ أَوْ وَاقِفَةً كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ إذَا كَرَّرَهَا عَلَيْهَا وَهِيَ تَسِيرُ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ. وَلَوْ قَرَأَهَا فِي مَكَان ثُمَّ قَامَ فَرَكِبَ الدَّابَّةَ ثُمَّ قَرَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يَسِير فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ يَسْجُدُهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَلَوْ سَارَتْ ثُمَّ تَلَاهَا يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ وَكَذَا إذَا قَرَأَهَا رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يَسِير فَقَرَأَهَا فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ يَسْجُدُهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ السَّجْدَةِ، وَالْمَرْأَةُ إذَا قَرَأَتْ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي صَلَاتِهَا فَلَمْ تَسْجُدْ لَهَا حَتَّى حَاضَتْ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَلَوْ سَمِعَ سَجْدَةً مِنْ رَجُلٍ وَسَمِعَهَا مِنْ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ثُمَّ قَرَأَهَا هُوَ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْآيَةِ وَالْمَكَانِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ

باب صلاة المسافر

سَجْدَةٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ يَسْمَعُهَا ثُمَّ قَامَ التَّالِي وَذَهَبَ ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ تِلْكَ الْآيَةَ ثَانِيًا ثُمَّ قَامَ فَذَهَبَ هَكَذَا مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي بِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا السَّامِعُ فَتَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ مَجْلِسُ التَّالِي وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَجْلِسُ السَّامِعِ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ التَّالِي مَكَانَهُ وَالسَّامِعُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَيَسْمَعُ يَجِبُ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى السَّامِعِ لِكُلِّ مَرَّةٍ سَجْدَةٌ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ نَامَ مُضْطَجِعًا انْقَطَعَ حُكْمُ الْمَجْلِسِ وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَجَدَهَا عَلَيْهَا جَازَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا فِي رَاكِبٍ خَارِجَ الْمِصْرِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ رَاكِبًا فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَجْزَأهُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إيمَاءٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى رَكِبَ لَا يُجْزِئُهُ إنْ سَجَدَهَا عَلَى الدَّابَّةِ كَذَا فِي هَذَا وَلَنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَتْ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَرَأَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى أَدَّاهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَزِمَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً لِاخْتِلَافِ الْآيَاتِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ) اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِيهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَقُولَ فِيهَا {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: 108] أَيْ قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ أَنَّ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ نَبِيًّا مِنْ الْعَرَبِ وَيُنْزِلُ عَلَيْهِ - قُرْآنًا فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَجَدُوا لِلَّهِ وَحَمِدُوهُ عَلَى إنْجَازِ الْوَعْدِ وَقَالُوا قَدْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا كَائِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي يَحْرُمُ بِهَا أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَا تَجُوزُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إلَّا بِمَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ الشَّرَائِطِ مِنْ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يَكُونُ مَرِيضًا فَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَإِنْ سَجَدَتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ مُقْتَدِيَةً بِهِ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى إمَامَتَهَا (قَوْلُهُ: وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْرَامَ لَهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تَكُونُ التَّحْرِيمَةُ مُنْعَدِمَةً وَقَدْ قَالَ وَمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ كَبَّرَ، وَالتَّكْبِيرُ لِلتَّحْرِيمَةِ قُلْتُ لَيْسَ هُوَ لِلتَّحْرِيمَةِ بَلْ لِمُشَابَهَتِهَا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ لِلِانْتِقَالِ فَكَذَا هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ التِّلَاوَةِ إلَى السُّجُودِ، مَسْأَلَةٌ: سَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا عِبْرَةَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَرْكُهَا أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَهُمَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَصُورَتُهَا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا أَوْ وَلَدًا أَوْ وَجَدَ ضَالَّةً أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ أَوْ شُفِيَ لَهُ مَرِيضٌ أَوْ قَدِمَ لَهُ غَائِبٌ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ شُكْرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ فِيهَا وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أُخْرَى فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ إذَا نَامَ فِيهَا وَفِيمَا إذَا تَيَمَّمَ لَهَا هَلْ يَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ لَهَا كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا. [بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ] (بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْء إلَى شَرْطِهِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ لِلسُّجُودِ وَالسَّفَرَ سَبَبٌ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ التِّلَاوَةُ وَهِيَ عِبَادَةٌ وَسَبَبَ قَصْرِ الصَّلَاةِ السَّفَرُ وَلَيْسَ هُوَ بِعِبَادَةٍ، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ وَالْعِبَادَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُبَاحَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (السَّفَرُ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ الْأَحْكَامُ) أَيْ الْأَحْكَامُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ وَتَغَيُّرُهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ وَامْتِدَادُ

مُدَّةِ الْمَسْحِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسُقُوطُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِصْرِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) الْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ لِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شَرَطَ الْقَصْدَ فَقَالَ أَنْ يَقْصِدَ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَسِيرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ جَمِيعَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَقْصِدْ مَكَانًا بِعَيْنِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَكَذَا الْقَصْدُ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ سَيْرٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السَّيْرِ وَلَا بِالسَّيْرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَصْدِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُهُمَا وَقَوْلُهُ: (مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) يَعْنِي بِهَا رَادُّونَ لَيَالِيَهَا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَيَعْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَقْصَرَ أَيَّامِ السَّنَةِ وَذَلِكَ إذَا حَلَّتْ الشَّمْسُ الْبَلْدَةَ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ؟ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ وَبَلَغَ الْمَرْحَلَةَ وَنَزَلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا، كَذَا فِي الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النُّزُولِ لِاسْتِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطِيقُ السَّفَرَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ، وَكَذَا الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَأُلْحِقَتْ مُدَّةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْفِقْهُ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الرُّخْصَةَ شُرِعَتْ لِإِزَالَةِ مَشَقَّةِ الْوَحْدَةِ وَكَمَالُ الْمَشَقَّةِ الِارْتِحَالُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ وَالنُّزُولُ فِي غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الِارْتِحَالَ مِنْ الْأَهْلِ وَالنُّزُولَ فِي غَيْرِهِمْ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ الِارْتِحَالُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالنُّزُولُ فِيهِمْ وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ لَهُ أَهْلٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَصَدَهُ. (قَوْلُهُ: بِسَيْرِ الْإِبِلِ) يَعْنِي الْقَافِلَةَ دُونَ الْبَرِيدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ بِالسَّيْرِ فِي الْمَاءِ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ بِالسَّيْرِ فِي الْبَحْرِ وَلَا السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ بِالسَّيْرِ فِي الْبَرِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُمَا مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَوْضِعٌ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُسْتَوِيَةً وَالثَّانِي فِي الْبَرِّ وَهِيَ تُقْطَعُ فِي يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي طَرِيقِ الْمَاءِ يَقْصُرُ، وَفِي الْبَرِّ لَا يَقْصُرُ وَلَوْ كَانَ إذَا سَارَ فِي الْبَرِّ وَصَلَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِذَا سَارَ فِي الْبَحْرِ وَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ قَصَرَ فِي الْبَرِّ وَلَا يَقْصُرُ فِي الْبَحْرِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْبَحْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي رِيحٍ مُسْتَوِيَةٍ أَيْ غَيْرِ عَالِيَةٍ وَلَا سَاكِنَةٍ كَمَا فِي الْجَبَلِ يُعْتَبَرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَ فِي السَّهْلِ يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ ثَلَاثًا بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَسَارَ إلَيْهَا عَلَى الْفَرَسِ أَوْ الْبَرِيدِ جَرْيًا حَثِيثًا فَوَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ قَصَرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مِصْرَ لَهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأُخْرَى فِي يَوْمَيْنِ إنْ اخْتَارَ الْأَبْعَدَ قَصَرَ وَإِنْ اخْتَارَ الْأَقْرَبَ لَا يَقْصُرُ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ عِنْدَنَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَانِ) قَيَّدَ بِالرُّبَاعِيَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَا قَصْرَ فِيهِمَا وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ احْتِرَازًا عَنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا تُقْصَرُ. (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ صَارَ عَاصِيًا عِنْدَنَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ رَكْعَتَانِ عَنْ فَرْضِهِ وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةٌ) وَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ، وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ يَنْوِي الظُّهْرَ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ عَنْ الْفَرْضِ خَاصَّةً وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهَا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الْأُخْرَى فَهَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ وَلَا

تَكُونُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْقَلِبُ كُلُّهَا نَفْلًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا كَمَا فِي الْفَجْرِ، وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الْقَعْدَةَ هُنَا وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ وَأَتَمَّهَا أَرْبَعًا فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ خَرَجَ مُسَافِرًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ الْمِصْرِ) يَعْنِي مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لَا جَوَانِبِ كُلِّ الْبَلَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَدْ خَلَفَ الْأَبْنِيَةَ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ أَبْنِيَةٌ أُخْرَى مِنْ جَانِبٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُتِمَّ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ كَالطُّهْرِ وَالسَّفَرُ عَارِضٌ كَالْحَيْضِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَا الْإِقَامَةِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مُدَّتَانِ مُوجِبَتَانِ أَيْ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ تُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَمُدَّةُ الطُّهْرِ تُوجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ) اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ كَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْمَوْلَى، وَالْمَرْأَةِ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ وَكَذَا الْجُنْدِيُّ مَعَ السُّلْطَانِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ التَّبَعُ نِيَّةَ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا كَذَا فِي الْوَجِيزِ، وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا مَسْبُوقًا كَانَ أَوْ مُدْرِكًا وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي بَلَدٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّعَاةَ إذَا نَزَلُوا مَوْضِعًا كَثِيرَ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَنَوَوْا إقَامَةً خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ يَكْفِيهِمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ صَارُوا مُقِيمِينَ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْعُمْرَانِ وَالْبُيُوتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْخَشَبِ لَا الْخِيَامِ وَالْأَخْبِيَةِ وَالْوَبَرِ، وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَمَّا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ السَّفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا، وَكَذَا لَوْ صَلَّاهُمَا وَهُوَ مُقِيمٌ وَسَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَتَبَيَّنَ لَهُ فَسَادٌ فِيهِمَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ، وَلَوْ سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَقْصُرُ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مِقْدَارُ التَّحْرِيمَةِ. وَقَالَ زُفَرُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَقَامَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي حَالِ السَّفَرِ جَازَ وَإِلَّا صَلَّى أَرْبَعًا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ قَلَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ أَوْ كَثُرَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَ غَدٍ أَخْرُجُ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَان سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَقَامَ بِنَيْسَابُورَ سَنَةً يَقْصُرُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَنَوَوْا إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمُّوا) ظَاهِرُ هَذَا وَلَوْ كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبُوا فَيَقِرُّوا وَبَيْنَ أَنْ يُغْلَبُوا فَيَفِرُّوا فَلَمْ يَكُنْ دَارُ إقَامَةٍ كَالْمَفَازَةِ، وَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مَعَ مَوْلَاهُ أَوْ الْمَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا فَالْعَبْدُ مُقِيمٌ بِإِقَامَةِ مَوْلَاهُ وَالْمَرْأَةُ مُقِيمَةٌ بِإِقَامَةِ زَوْجِهَا وَمُسَافِرَيْنِ بِسَفَرِهِمَا؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمَا لَا تَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا وَالْعَبْدَيْنِ الْمَوْلَيَيْنِ فِي السَّفَرِ إذَا نَوَى أَحَدُهُمَا الْإِقَامَةَ دُونَ الْآخَرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا يَصِيرُ الْعَبْدُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّ إقَامَةَ أَحَدِهِمَا إنْ أَوْجَبَتْ إقَامَتَهُ فَمُسَافَرَةُ الْآخَرِ تَمْنَعُهُ فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ فَتَرَجَّحَ الْإِقَامَةُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَإِذَا نَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ حَتَّى صَلَّى أَيَّامًا صَلَاةَ مُسَافِرٍ ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا أَخْبَرَهَا زَوْجُهَا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ يَلْزَمُهَا الْإِعَادَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا أَمَّ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ وَنَوَى الْمَوْلَى الْإِقَامَةَ صَحَّتْ بِنِيَّتِهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَانَ عَلَيْهِمَا إعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَعَ مَوْلَاهُ فِي السَّفَرِ

فَبَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ وَالْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) سَوَاءٌ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ تَعُودُ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ أَرْبَعًا فِي ضِمْنِ الِاقْتِدَاءِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَعُودُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ بَقَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ، وَكَذَا إذَا اقْتَدَى مُسَافِرُونَ بِمُسَافِرٍ فَنَوَى الْإِمَامُ الْإِقَامَةَ لَزِمَهُ وَإِيَّاهُمْ جَمِيعًا الْإِتْمَامُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي فَائِتَةٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ) يَعْنِي فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ، أَمَّا إذَا كَانَتْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ كَانَتْ فَائِتَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ مُؤَدَّاهُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْإِمَامُ يَرَى قَوْلَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ مَعَهُ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ الْمِثْلِ قَبْلَ الْمِثْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ هَذَا إذَا دَخَلَ مَعَهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمَّا إذَا دَخَلَ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَفْسُدْ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ فَأُلْحِقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ كَمَا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا، وَلَوْ صَلَّى مُقِيمٌ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَاءَ مُسَافِرٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الْعَصْرِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِينَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَمَّ الْمُقِيمُونَ صَلَاتَهُمْ) يَعْنِي وُحْدَانًا وَلَا يَقْرَءُونَ فِيمَا يَقْضُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ، وَالْأَصْلُ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ يَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) أَيْ مُسَافِرُونَ وَسَفْرٌ جَمْعُ مُسَافِرٍ كَرَكْبٍ جَمْعُ رَاكِبٍ وَصَحْبٌ جَمْعُ صَاحِبٍ، وَقَوْلُهُ إذَا سَلَّمَ يَعْنِي التَّسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مِصْرَهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُقَامَ فِيهِ) سَوَاءٌ دَخَلَهُ بِنِيَّةِ الِاجْتِيَازِ أَوْ دَخَلَهُ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّ مِصْرَهُ مُتَعَيِّنٌ لِلْإِقَامَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ ثُمَّ سَافَرَ فَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ) وَإِنْ اسْتَحْدَثَ وَطَنًا أَهْلِيًّا وَأَهْلُهُ الْأَوَّلُونَ بَاقُونَ فِي الْوَطَنِ الْأَوَّلِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطَنٌ أَهْلِيٌّ لَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ وَطَنٌ أَهْلِيٌّ وَوَطَنُ إقَامَةٍ وَوَطَنٌ سَكَنِيٌّ فَالْأَهْلِيُّ مَا كَانَ مُتَأَهِّلُهُ فِيهِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ مَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا يَبْطُلُ بِالْأَهْلِيِّ وَبِمِثْلِهِ بِإِنْشَاءِ سَفَرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَوَطَنُ السُّكْنَى مَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَوْطَانِ يَبْطُلُ بِالْكُلِّ، وَهَلْ مِنْ شَرْطِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ تَقَدُّمُ سَفَرٍ عَلَيْهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ بَعْدَ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالثَّانِي يَكُونُ وَطَنًا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ سَفَرٌ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمِنْ حُكْمِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَهْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِوَطَنِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَبِإِنْشَاءِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِوَطَنِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ بَيَانُ هَذَا زُبَيْدِيٌّ خَرَجَ إلَى الْمَهْجَمِ فَاسْتَوْطَنَهَا، وَنَقَلَ أَهْلَهُ إلَيْهَا ثُمَّ سَافَرَ مِنْهَا إلَى عَدَنَ فَمَرَّ بِزُبَيْدٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ بِاسْتِحْدَاثِ هَذَا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَحْدَثَ بِالْمَهْجَمِ أَهْلًا وَأَهْلُهُ الْأَوَّلُونَ بَاقُونَ بِزُبَيْدٍ فَسَافَرَ مِنْ الْمَهْجَمِ إلَى عَدَنَ فَمَرَّ بِزُبَيْدٍ صَلَّى بِهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا وَطَنٌ لَهُ فَإِنْ كَانَ وَطَنُهُ ابْتِدَاءً بِزُبَيْدٍ فَخَرَجَ إلَى مَكَّةَ فَنَوَى الْمُقَامَ بِالْمَهْجَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَا دَامَ بِهَا فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَهْجَمِ صَلَّى بِهَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ إلَى زُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ إلَى مَكَّةَ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَهْجَمِ إلَى حُرُضَ فَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى زُبَيْدٍ صَلَّى بِالْمَهْجَمِ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِوَطَنٍ إقَامَةُ مِثْلِهِ فَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ الْمَهْجَمِ بَعْدَ إقَامَتِهِ بِهَا إلَى مَوْرٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَهْجَمِ صَلَّى بِهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إنْشَاءُ سَفَرٍ صَحِيحٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ

باب صلاة الجمعة

إلَى الْمُصَلَّى. (قَوْلُهُ: وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْإِنْسَانِ تُضَافُ إلَى مَوْضِعِ مَبِيتِهِ؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ مَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّ السَّفَرِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ إقَامَةً. (قَوْلُهُ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ فِي حَالَةِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ مُسَافِرٌ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ سَافَرَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا. (قَوْلُهُ: وَالْعَاصِي وَالْمُطِيعُ فِي سَفَرِهِمَا فِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ كَمَنْ سَافَرَ بِنِيَّةِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ حَجَّتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ وَعِنْدَنَا يَتَرَخَّصُ هَؤُلَاءِ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا خَافُوا وَاسْتِكْمَالِ مُدَّةِ الْمَسْحِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] عَلَّقَ رُخْصَةَ الْإِفْطَارِ بِنَفْسِ السَّفَرِ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ «فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» كُلُّ هَذَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَكَذَا مَنْ غَصَبَ خُفًّا وَلَبِسَهُ تَرَخَّصَ بِالْمَسْحِ، وَكَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَ السُّنَنِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا قَصْرَ فِيهَا وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا أَوْ تَرْكُهَا، فَالْجَوَابُ إنْ كَانَتْ الْقَافِلَةُ نَازِلَةً فَالْفِعْلُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَضُرَّ بِنَفْسِهِ وَبِرُفْقَتِهِ. [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] (بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) مُنَاسَبَتُهَا لِلسَّفَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنَصِّفٌ لِلصَّلَاةِ بِوَاسِطَةٍ فَالسَّفَرُ بِوَاسِطَةِ السَّفَرِ وَهَذَا بِوَاسِطَةِ الْخُطْبَةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ شَامِلٌ فِي كُلِّ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَهَذَا فِي الظُّهْرِ خَاصَّةً وَالْخَاصُّ بَعْدَ الْعَامِّ وَالْجُمُعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» . (قَوْلُهُ: أَوْ فِي مُصَلَّى الْمِصْرِ) لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمِصْرِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْمُصَلَّى بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ وَقَدَّرُوهُ بِمُنْتَهَى حَدِّ الصَّوْتِ وَالْآذَانِ ثُمَّ شَرَائِطُ لُزُومِ الْجُمُعَةِ اثْنَا عَشَرَ سَبْعَةٌ فِي نَفْسِ الْمُصَلِّي وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ وَسَلَامَةُ الرِّجْلَيْنِ وَسَلَامَةُ الْعَيْنَيْنِ وَخَمْسَةٌ فِي غَيْرِ الْمُصَلِّي الْمِصْرُ وَالسُّلْطَانُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْخُطْبَةُ وَالْوَقْتُ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الْمِصْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كُلُّ بَلَدٍ فِيهَا أَسْوَاقٌ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ حَوَائِجُ الدِّينِ وَعَامَّةُ حَوَائِجِ الدُّنْيَا فَحَوَائِجُ الدِّينِ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَحَوَائِجُ الدُّنْيَا أَنْ يَعِيشَ فِيهَا كُلُّ صَانِعٍ بِصِنَاعَتِهِ مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ،. وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمِصْرِ لِلْجُمُعَةِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْمِصْرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا وَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَصَرَ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ الْمِصْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ، وَالْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ نَوَى أَنْ يَمْكُثَ يَوْمَهُ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ

الْجُمُعَةُ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجَامِعَيْنِ نَهْرٌ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْجُمُعَةُ لِمَنْ سَبَقَ وَعَلَى الْآخَرِينَ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَإِنْ صَلَّوْا مَعًا وَلَا يُدْرَى مَنْ سَبَقَ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى) فَإِنْ قُلْت قَدْ عُرِفَ هَذَا بِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فَمَا الْحَاجَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ قِيلَ هَذَا تَأْكِيدٌ وَقَدْ جَاءَ التَّأْكِيدُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: 9] ثُمَّ قَالَ {وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9] وَقَدْ عُلِمَ هَذَا بِقَوْلِهِ {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن: 9] . (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ إقَامَتُهَا إلَّا بِالسُّلْطَانٍ) لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَقَدْ تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي التَّقَدُّمِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ وَالْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ وَفِي نَصْبِ الْخَطِيبِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُ بَعْضُ النَّاسِ إلَى الْجَامِعِ فَيُقِيمُونَهَا لِغَرَضٍ لَهُمْ وَتَفُوتُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَجُعِلَ أَمْرُهَا إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) يَعْنِي الْأَمِيرِ أَوْ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْوَقْتُ وَتَصِحُّ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بَعْدَهُ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا اسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ وَلَا يَبْنِي الظُّهْرَ عَلَى الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَبْنِي لَنَا أَنَّهُمَا صَلَاتَانِ يَجْهَرُ فِي إحْدَاهُمَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَالْفَجْرِ وَالظُّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْخُطْبَةُ قَبْلَ الصَّلَاةِ) ثُمَّ لِلْخُطْبَةِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالثَّانِي بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ، وَلَوْ خَطَبَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ. (قَوْلُهُ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ) وَمِقْدَارُهُمَا مِقْدَارُ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَمِقْدَارُ مَا يَقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثٌ قِصَارٌ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَاجِبَةٌ وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارُ مَا يَجْلِسُ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ الْمِنْبَرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ عِنْدَنَا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ حَتَّى لَا يُكْتَفَى عِنْدَهُ بِالْخُطْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ طَالَتْ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ السُّنَّةُ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَكُونَ الْجَهْرُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ قَائِمًا عَلَى طَهَارَةٍ) لِأَنَّ الْقِيَامَ فِيهَا مُتَوَارَثٌ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ أَلَسْت تَتْلُو قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] (قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَلَمْ يُفَصِّلْ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ أَمَّا إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ مُتَعَجِّبًا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْخُطْبَةِ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً) وَأَدْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَالتَّسْبِيحُ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الذِّكْرُ وَالْوَعْظُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ بِدُونِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا تَجُوزَ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا لَيْسَتْ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ وَلَا يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ وَكَذَا لَوْ خَطَبَ مُضْطَجِعًا أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ يَعْقِلُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ لَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَوَضَّأَ وَجَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ جَازَ، وَلَوْ تَغَدَّى فِي بَيْتِهِ وَجَاءَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ مَا لَمْ يُعِدْ الْخُطْبَةَ وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَقَدَّمَ رَجُلًا مِمَّنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَشْهَدْهَا جَازَ، وَلَوْ أَنَّ الْخَطِيبَ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ شَهِدَ

الْخُطْبَةَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَدْ انْعَقَدَتْ الصَّلَاةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْخُطْبَةِ فِي حَالِ بَقَائِهَا وَهُنَا لَمْ تَنْعَقِدْ فَصَارَ كَالْإِمَامِ نَفْسِهِ يُصَلِّي بِغَيْرِ خُطْبَةٍ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ) وَهِيَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ الْمُبْتَدَأِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ الْمُؤَكَّدِ وَذَلِكَ بِالرَّكْعَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ شَرْطُ الدَّوَامِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ فَعِنْدَهُمَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَقْبِلُ الظُّهْرَ، وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ السُّجُودِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً خِلَافًا لِزُفَرَ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ وَتَغَافَلَ الْقَوْمُ وَلَمْ يُكَبِّرُوا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الثَّنَاءِ وَأَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ مِقْدَارَ آيَةٍ قَصِيرَةٍ ثُمَّ كَبَّرُوا فَسَدَتْ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا، أَمَّا لَوْ كَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْقِرَاءَةِ تَجُوزُ الْجُمُعَةُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَبَّرُوا قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةً طَوِيلَةً صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ شَرَعُوا قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ خَطَبَ وَنَفَرَ عَنْهُ النَّاسُ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا النِّسَاءُ أَوْ الصِّبْيَانُ لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً فِيهَا بِحَالٍ وَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ عَبِيدٌ أَوْ مُسَافِرُونَ أَوْ مَرْضَى صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَوْ فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ فَذَهَبُوا كُلُّهُمْ وَجَاءَ آخَرُونَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَجْزَأَهُ. (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ) وَالشَّرْطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا صَالِحِينَ لِلْإِمَامَةِ أَمَّا إذَا كَانُوا لَا يَصْلُحُونَ لَهَا كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ) لِأَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الْجَمَاعَةِ حَتَّى إنَّ الْإِمَامَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَهَذَا يَقْتَضِي مُنَادِيًا وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ وَذَاكِرًا وَهُوَ الْإِمَامُ، وَقَوْلُهُ فَاسْعَوْا خِطَابُ جَمْعٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَهَرَ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِمَا قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مُسَافِرٍ) لِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِانْتِظَارِ الْإِمَامِ عَنْ سَفَرِهِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ كَالصَّوْمِ. (قَوْلُهُ: وَلَا امْرَأَةٍ) لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَمَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الزَّوْجِ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَرِيضٍ) لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُمَرِّضُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدٍ) لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُخَيَّرُ وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فِي حَالِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى أَعْمَى) وَلَوْ وَجَدَ قَائِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنَّمَا لَا يَهْتَدِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ السَّعْيُ فَأَشْبَهَ الزَّمِنَ، وَكَذَا الْأَجِيرُ لَا يَذْهَبُ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ لَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُخْتَفِي مِنْ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ وَتَسْقُطُ أَيْضًا بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَالْوَحْلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَضَرُوا وَصَلَّوْا مَعَ النَّاسِ أَجْزَأَهُمْ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ) لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوهُ فَصَارُوا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ أَنْ يَؤُمُّوا فِي الْجُمُعَةِ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِمْ فَأَشْبَهُوا الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ وَلَنَا أَنَّ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ عُذِرُوا دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ فَرْضُ الْوَقْتِ بِأَدَائِهِمْ الْجُمُعَةَ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَقَعُ فِعْلُهُ فَيَكُونُ فِيهِ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ وَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ بِائْتِمَامِهِمْ اُعْتُدَّ بِهِمْ فِي عَدَدِ الْمُؤْتَمِّينَ كَالْحُرِّ الْمُقِيمِ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا أَئِمَّةً وَلَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْعَدَدِ. (قَوْلُهُ: مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ بِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ الْفَرِيضَةُ أَصْلًا وَالظُّهْرُ كَالْبَدَلِ وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ

وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الدَّلِيلِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ هَذَا الْيَوْمِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى التَّكْلِيفِ عَلَى التَّمَكُّنِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْجُمُعَةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى شَرَائِطَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَعَلَى التَّمَكُّنِ بِدُونِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا فَاتَ الْوَقْتُ قَضَى الظُّهْرَ دُونَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ وَقَدْ أَدَّاهُ فِي وَقْتِهِ أَجْزَأَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الظُّهْرُ وَقَدْ أُمِرَ بِإِسْقَاطِهِ بِالْجُمُعَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَدْرِي مَا أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِأَدَاءِ الظُّهْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ يَعْنِي أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ وَفَائِدَتِهِ إذَا أَحْرَمَ لِلْجُمُعَةِ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ وَلَا تَتَأَدَّى الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُ وَقَدْ نَوَاهَا. وَقَوْلُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ قُيِّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَوْلُهُ وَلَا عُذْرَ بِهِ فَلَوْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ شَهِدَ الْجُمُعَةَ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضَهُ عِنْدَنَا وَانْقَلَبَ ظُهْرُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَهَا فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ. وَقَالَ زُفَرُ فَرْضُهُ الظُّهْرُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ الظُّهْرُ مَوْقِعَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ وَفَائِدَتُهُ إذَا صَلَّى الْمَعْذُورُ أَوْ الْعَبْدُ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فَعِنْدَنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ ظُهْرَهُ الْأَوَّلَ انْقَلَبَتْ نَفْلًا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ وَفِي سَائِرِهَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ كَانَ فَرْضُهُ مَا أَدَّاهُ فِي بَيْتِهِ كَذَا هَذَا لَكِنَّا نَقُولُ الْجُمُعَةُ أَقْوَى مِنْ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا لَا يُشْتَرَطُ لِلظُّهْرِ وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالسَّعْيِ) فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا أَعَادَ الظُّهْرَ، وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ فِي الِانْتِقَاضِ بِالسَّعْيِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَهَذَا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَّا إذَا سَعَى إلَيْهَا وَقَدْ صَلَّاهَا الْإِمَامُ لَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ. وَفِي النِّهَايَةِ إذَا سَعَى قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجُو إدْرَاكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَبْطُلْ عِنْدَ الْبَلْخِيِّينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْإِمَامُ ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُصَلِّهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ وَفَرَاغُ الْإِمَامِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ ظُهْرُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ وَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بَطَلَتْ الظُّهْرُ فِي حَقِّهِ وَلَمْ تَبْطُلْ فِي حَقِّهِمْ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِارْتِفَاضِ الظُّهْرِ عِنْدَهُمَا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُرْتَفَضُ ظُهْرُهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْجُمُعَةَ كُلَّهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَا: لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَقُولَا حَتَّى يُكْمِلَهَا مَعَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الرُّسْتَاقِيِّ إذَا سَعَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى الْمِصْرِ يُرِيدُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَإِقَامَةَ حَوَائِجِهِ وَمُعْظَمُ مَقْصُودِهِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُعْظَمُ قَصْدِهِ إقَامَةَ حَوَائِجِهِ لَا يَنَالُ ثَوَابَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُونَ الظُّهْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهُمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ السِّجْنِ) قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ مَرِيضٌ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حَسَنٌ وَكَذَا جَمَاعَةُ الْمَرْضَى بِخِلَافِ أَهْلِ السِّجْنِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَرْضَى عَاجِزُونَ بِخِلَافِ الْمَسْجُونِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا ظَلَمَةً قَدَرُوا عَلَى إرْضَاءِ الْخُصُومِ وَإِنْ كَانُوا مَظْلُومِينَ أَمْكَنَهُمْ الِاسْتِغَاثَةُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَبَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) فَإِذَا قَامَ هَذَا الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَائِهِ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ

باب صلاة العيدين

لَا يَسْجُدُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِتَوَهُّمِ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجُهَّالِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ) يَعْنِي إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَوْ فِي الرُّكُوعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا) بِأَنْ أَدْرَكَهُ وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي الْجُمُعَةَ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) يَعْنِي مِنْ الْمَقْصُورَةِ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَقْصُورَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا لَمْ يَتْرُكْ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ إلَّا إذَا قَامَ إلَى الْخُطْبَةِ. (قَوْلُهُ: تَرَكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ) وَكَذَا الْقِرَاءَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلْإِخْلَالِ بِفَرْضِ الِاسْتِمَاعِ وَلَا اسْتِمَاعَ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمْتَدُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَلَامَ أَيْضًا قَدْ يَمْتَدُّ طَبْعًا فَأَشْبَهَ الصَّلَاةَ وَالْمُرَادُ مُطْلَقُ الْكَلَامِ سَوَاءٌ كَانَ كَلَامَ النَّاسِ أَوْ التَّسْبِيحَ أَوْ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ أَوْ رَدَّ السَّلَامِ. وَفِي الْعُيُونِ الْمُرَادُ بِهِ إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ أَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْت» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَتَى تَخْرُجُ الْقَافِلَةُ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَنْصِتْ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلَّذِي قَالَ أَنْصِتْ أَمَّا أَنْتَ فَلَا صَلَاةَ لَك وَأَمَّا صَاحِبُك فَحِمَارٌ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَمَكْرُوهٌ إجْمَاعًا وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا أَمَّا فِيهَا فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْكَلَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّلَاةِ التَّطَوُّعُ أَمَّا قَضَاءُ الْفَائِتَةِ فَيَجُوزُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَمَعُوا وَصَلَّوْا عَلَيْهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَنْطِقُوا بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُدْرَكُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ، وَالسَّمَاعُ يَفُوتُ فَإِنْ رَأَى رَجُلًا عِنْدَ بِئْرٍ فَخَافَ وُقُوعَهُ فِيهَا أَوْ رَأَى عَقْرَبًا تَدِبُّ عَلَى إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُحَذِّرَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي بَعِيدًا لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَقَدْ قِيلَ الْأَفْضَلُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ سِرًّا، وَقِيلَ يَنْظُرُ فِي الْفِقْهِ وَقِيلَ الْأَفْضَلُ الْإِنْصَاتُ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ وَعِنْدَهُمَا خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْخُطْبَةِ يَجُوزُ الْكَلَامُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْكَلَامِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ هَلْ يُسَلِّمُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَيُرْوَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْآذَانَ الْأَوَّلَ تَرَكَ النَّاسُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْجُمُعَةِ) قُدِّمَ ذِكْرُ الْبَيْعِ عَلَى ذِكْرِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَبُولِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ السَّعْيِ حَتَّى إنَّهُ إذَا اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ سِوَاهُ يُكْرَهُ أَيْضًا وَلَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي حَالَةِ السَّعْيِ إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ، وَقَوْلُهُ وَتَوَجَّهُوا إلَى الْجُمُعَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ التَّوَجُّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْك وَأَقْرَبَ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيْك وَأَنْجَحَ مَنْ دَعَاك وَطَلَبَ مِنْك إلَيْك وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْجُمُعَةِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ فَرُبَّمَا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِرَوَائِحِ بَعْضٍ فَيُسْتَحَبُّ التَّنْظِيفُ وَالتَّطَيُّبُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ أَقَامُوا) أَيْ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَيَتَطَوَّعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَهَا بِسِتٍّ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَقِيلَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعِ الَّتِي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أُصَلِّي سُنَّةَ الْجُمُعَةِ وَلَا يَقُولُ أُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ، وَكَذَا الْأَرْبَعُ الَّتِي بَعْدَهَا أَيْضًا كَمَا يَقُولُ فِي الْفَرْضِ أُصَلِّي فَرْضَ الْجُمُعَةِ وَلَا يَقُولُ فَرْضَ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ السُّنَنَ تَابِعَةٌ لِلْفَرَائِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) مُنَاسَبَتُهُ لِلْجُمُعَةِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ أَنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَيُجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ وَيُشْتَرَطُ لِإِحْدَاهُمَا مَا يُشْتَرَطُ

لِلْأُخْرَى سِوَى الْخُطْبَةِ وَتَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَقُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدِ إلَّا الْمَمْلُوكَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ وَهُوَ الظُّهْرُ وَالظُّهْرُ يَقُومُ مَقَامَهَا فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِيدُ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِيدُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَجَّ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا تَسْقُطُ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَسُمِّيَ الْعِيدُ عِيدًا؛ لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى الْعِبَادِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ السُّرُورَ يَعُودُ بِعَوْدِهِ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُودُونَ فِيهِ إلَى الْأَكْلِ مِرَارًا وَتَرْكُ صَلَاةِ الْعِيدِ ضَلَالَةٌ وَبِدْعَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ فَقَدْ أُمِرُوا، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وقَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قِيلَ يَعْنِي صَلَاةَ عِيدِ الْأَضْحَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَيُسْتَحَبُّ يَوْمَ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ الْإِنْسَانُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى وَيَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْمُسْتَحَبَّاتُ اثْنَا عَشَرَ ثَلَاثٌ مِنْهَا فِي الْمَتْنِ وَتِسْعٌ أُخْرَى وَهِيَ السِّوَاكُ وَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ الْمُبَاحَةِ وَيَتَخَتَّمُ وَالتَّبْكِيرُ وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالْإِبْكَارُ وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاةُ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى مَاشِيًا وَالرُّجُوعُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ مَكَانَ الْقُرْبَةِ يَشْهَدُ لِصَاحِبِهَا وَفِي هَذَا تَكْثِيرُ الشُّهُودِ وَتَكْثِيرُ الثَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَجَّهَ إلَى الْمُصَلَّى) الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ مَاشِيًا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ» وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي جَهْرًا أَمَّا سِرًّا فَمُسْتَحَبٌّ وَهَذَا فِي عِيدِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّنَاءِ الْإِخْفَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ} [الأعراف: 205] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» . (قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّيْ عِنْدَهُمَا) يَعْنِي جَهْرًا وَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ إذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْتَفَلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ لَا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِالْمُصَلَّى وَيُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا فِي الْجَبَّانَةِ فَقَالَ إنَّا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَتَنَفَّلْ قَبْلَهَا فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُنِي عَلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُثِيبُك عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْكَرْخِيِّ رُوِيَ أَنَّ «عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فَقَالَ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ لَهُ أَفَلَا تَنْهَاهُمْ فَقَالَ إنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إذَا صَلَّى وَلَكِنَّا نُخْبِرُهُمْ بِمَا رَأَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» ؛ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ يُجْعَلْ لَهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ فَإِنْ بَدَأَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْعِيدِ فَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ النَّافِلَةَ أَوْ يَتْرُكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا حَلَّتْ الصَّلَاةُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ دَخَلَ وَقْتُهَا إلَى الزَّوَالِ) أَيْ حَلَّ وَقْتُهَا مِنْ الْحُلُولِ. وَفِي النِّهَايَةِ مِنْ الْحَلِّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ كَانَتْ حَرَامًا وَقَوْلُهُ إلَى الزَّوَالِ أَيْ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ «وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسَ عَلَى قَيْدِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ» وَخُرُوجُ الْوَقْتِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا كَالْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ) إنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. (قَوْلُهُ: وَثَلَاثًا بَعْدَهَا) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الزَّوَائِدِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَيَأْتِي

بِالِاسْتِفْتَاحِ عَقِيبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْقُعُودُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا يَعْنِي سَبْعًا مَا خَلَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا مَا خَلَا تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُنَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً مَعَهَا) يَعْنِي أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِيهِمَا سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ وَرُوِيَ ق وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ. (قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا) اعْلَمْ أَنَّ تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَجِبَ السَّهْوُ بِتَرْكِهِمَا سَاهِيًا وَلَوْ انْتَهَى رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ فِي الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ قَائِمًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ فَعَلَ وَيُكَبِّرُ عَلَى رَأْيِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَكَعَ وَاشْتَغَلَ بِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فَإِذَا قُلْنَا يُكَبِّرُ فِي الرُّكُوعِ هَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَرْفَعُ وَقِيلَ يَرْفَعُ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ بَعْدَمَا أَدَّى بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) يُرِيدُ مَا سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ. (قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَهَرَ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ) بِذَلِكَ وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ وَالْخُطْبَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَتَقَدَّمَتْ عَلَى الصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهَا كَانَ مُسِيئًا وَإِنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْإِسَاءَةِ وَلَا تُعَادُ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَحْكَامَهَا) وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى مَنْ تَجِبُ وَلِمَنْ تَجِبُ وَمَتَى تَجِبُ وَكَمْ تَجِبُ وَمِمَّ تَجِبُ أَمَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ فَعَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِلنِّصَابِ، وَأَمَّا لِمَنْ تَجِبُ فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَمَّا مَتَى تَجِبُ فَبِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَأَمَّا كَمْ تَجِبُ فَنِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَأَمَّا مِمَّ تَجِبُ فَمِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَقْضِهَا) كَلِمَةُ مَعَ مُتَعَلِّقَةٌ بِصَلَاةٍ لَا بِفَاتَتْهُ أَيْ فَاتَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ فَاتَتْ عَنْهُ وَعَنْ الْإِمَامِ، بَلْ الْمَعْنَى صَلَّى الْإِمَامُ الْعِيدَ وَفَاتَتْ هِيَ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي. (قَوْلُهُ: فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ عَلَى النَّاسِ إلَى آخِرِهِ) التَّقْيِيدُ بِالْهِلَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ حَصَلَ عُذْرٌ مَانِعٌ كَالْمَطَرِ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْعُذْرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَهُ) وَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ لَمْ يُصَلِّهَا فِي الْغَدِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَطَيَّبَ وَيُؤَخِّرَ الْأَكْلَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ) لِيُخَالِفَ الْأَيَّامَ الَّتِي قَبْلَهُ فَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ هَلْ يُكْرَهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يَرْجِعَ. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَجَّهَ إلَى الْمُصَلَّى وَهُوَ يُكَبِّرُ) يَعْنِي جَهْرًا وَيَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَلَّى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ بَعْدَمَا صَلَّى فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْأَضْحَى رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْفِطْرِ) لِأَنَّهَا مِثْلُهَا. (قَوْلُهُ: وَيَخْطُبَ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا الْأُضْحِيَّةَ وَتَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذِهِ الْإِضَافَةُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ لَا تَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ التَّكْبِيرِ يَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْهُ فِيهَا فَلَا تَسْتَقِيمُ الْإِضَافَةُ وَكَيْفَ يَنْفَعُ التَّعْلِيمُ فِي شَيْءٍ قَدْ فَرَغَ لَكِنْ قَدْ قِيلَ التَّشْرِيقُ اسْمٌ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَفَجْرُ عَرَفَةَ قَرِيبٌ مِنْهُ وَمَا قَارَبَ الشَّيْءَ سُمِّيَ بِاسْمِهِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ تَشْرِيقًا؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بَعْدَ تَشْرِيقِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» وَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بَعْدَمَا تَشَهَّدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ بَعْدَمَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَقْضِي صَلَاةَ الْعِيدِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَأَمَّا عَلَى

قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا كَالْجُمُعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا بِلَا خِلَافٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا بَدَلَ لَهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالسَّهْوُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْمَكْتُوبَةِ وَاحِدٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهَا لِلسَّهْوِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا يَسْجُدُ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ كَيْ لَا يَقَعَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى صَلَّاهَا مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا لَكِنَّهُ يُسِيءُ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا تَرَكُوهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَأَسَاءُوا فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي صَلَّوْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوهَا فِيهِ سَقَطَتْ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ فِي التَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. (قَوْلُهُ: وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ أَوَّلُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الْبِدَايَةِ أَنَّهَا عَقِيبَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي النِّهَايَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَعِنْدَهُمَا عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعِنْدَهُ يُكَبِّرُ عَقِيبَ ثَمَانِي صَلَوَاتٍ وَعِنْدَهُمَا عَقِيبَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ سُنَّةٌ. وَفِي الْإِيضَاحِ وَاجِبٌ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] قِيلَ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَمَّا الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ فَهِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ. (قَوْلُهُ: وَآخِرُهُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُصَفَّى فَإِنْ قِيلَ التَّكْبِيرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَتِمُّ قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ عِنْدَهُ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالشَّيْءُ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ سُمِّيَ بِاسْمِهِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَيَمْضِي الْكُلُّ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَالْعَاشِرُ نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَالثَّالِثَ عَشَرَ تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْيَوْمَانِ بَيْنَهُمَا نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّكْبِيرُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ) هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا التَّكْبِيرَ تَبَعٌ لِلْمَكْتُوبَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَكْبِيرَ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُكَلَّفِينَ الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ إذَا صَلَّوْا مَكْتُوبَةً بِجَمَاعَةٍ مِنْ صَلَاةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَعَلَى مَنْ يُصَلِّي مَعَهُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ الْمَفْرُوضَاتِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَيُكَبِّرُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ التَّكْبِيرُ إنَّمَا يُؤَدَّى بِشَرَائِطَ خَمْسَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَ الرَّسَاتِيقِ وَعَلَى الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ إلَّا إذَا اقْتَدَوْا بِالْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُتَابَعَةِ وَعَلَى مَنْ صَلَّى بِجَمَاعَةٍ لَا مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَعَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَإِنْ صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ إلَّا إذَا اقْتَدَيْنَ بِرَجُلٍ وَنَوَى إمَامَتَهُنَّ وَفِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ دُونَ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ وَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِيدِ إذَا صَلَّوْا خَلْفَ عَبْدٍ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَإِذَا أَمَّ الْعَبْدُ قَوْمًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْرِطْهَا يُكَبِّرُونَ وَالْمُسَافِرُونَ إذَا صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ فِي مِصْرٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ لَا تَكْبِيرَ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ يُكَبِّرُونَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّكْبِيرُ يَتْبَعُ الْفَرِيضَةَ فَكُلُّ مَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا حَتَّى يُكَبِّرَ الْمُسَافِرُ وَأَهْلُ الْقُرَى وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ، وَلَوْ تَرَكَ صَلَاةً قَبْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَذَكَّرَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ تَرَكَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَذَكَّرَهَا بَعْدَهَا أَوْ تَرَكَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الْعَامِ الْمَاضِي وَتَذَكَّرَهَا فِي أَيَّامِ

باب صلاة الكسوف

التَّشْرِيقِ فِي هَذَا الْعَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ وَلَوْ تَرَكَهَا فِي أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي سَنَتِهِ تِلْكَ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا مَعَ التَّكْبِيرِ. (قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَقُولُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً. [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] (بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْعِيدِ مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ بِالنَّهَارِ فِي الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ إلَّا أَنَّ الْعِيدَ لَمَّا تَأَكَّدَتْ فِي قُوَّةِ السُّنَّةِ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا وَالْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وَهُمَا فِي اللُّغَةِ النُّقْصَانُ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ ذَهَابُ الضَّوْءِ وَالْخُسُوفُ ذَهَابُ الدَّائِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ) فِي ذِكْرِ الْإِمَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا الْخُطْبَةَ فَإِنَّهُ لَا خُطْبَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عِنْدَنَا. (قَوْلُهُ: كَهَيْئَةِ النَّافِلَةِ) أَيْ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلَا تَكْرَارِ رُكُوعٍ. (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ. (قَوْلُهُ: وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَامَ فِي الْأُولَى بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ آلِ عِمْرَانَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَسُورَةَ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا أَوْ مَا يَعْدِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا إنْ لَمْ يَحْفَظْهَا وَفِي الثَّانِيَةِ بِآلِ عِمْرَانَ أَوْ مَا يَعْدِلُهَا وَيَجُوزُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفُ الدُّعَاءِ وَتَطْوِيلُ الدُّعَاءِ وَتَخْفِيفُ الْقِرَاءَةِ فَإِذَا خَفَّفَ أَحَدَهُمَا طَوَّلَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْخُشُوعِ وَالْخَوْفِ إلَى انْجِلَاءِ الشَّمْسِ فَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَقَدْ وُجِدَ. (قَوْلُهُ: وَيُخْفِي الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَهَارٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ كَالظُّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ) لِأَنَّهُ يَجْمَعُ لَهَا الْجَمَاعَاتِ كَالْعِيدِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَيَدْعُو بَعْدَهَا حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) الْمُرَادُ كَمَالُ الِانْجِلَاءِ لَا ابْتِدَاؤُهُ ثُمَّ الْإِمَامُ فِي الدُّعَاءِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَدَعَا وَإِنْ شَاءَ قَامَ وَدَعَا وَإِنْ شَاءَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَدَعَا وَيُؤَمِّنُ الْقَوْمُ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْإِمَامُ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَّاهَا النَّاسُ فُرَادَى) لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَالْأَصْلُ فِي النَّوَافِلِ الِانْفِرَادُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى تَجَلَّتْ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ تَجَلَّى بَعْضُهَا جَازَ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ فَإِنْ سَتَرَهَا سَحَابٌ أَوْ حَائِلٌ وَهِيَ كَاسِفَةٌ صَلَّى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَإِنْ غَرَبَتْ كَاسِفَةً أَمْسَكَ عَنْ الدُّعَاءِ وَاشْتَغَلَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَإِنْ اجْتَمَعَ الْكُسُوفُ وَالْجِنَازَةُ بُدِئَ بِالْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ وَقَدْ يُخْشَى عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرُ وَإِنْ كَسَفَتْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا لَمْ يُصَلِّ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ لَا تُصَلَّى فِيهَا وَهَذِهِ نَافِلَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ) لِأَنَّهَا تَكُونُ لَيْلًا وَفِي الِاجْتِمَاعِ فِيهِ مَشَقَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى اللَّهِ بِالصَّلَاةِ» وَكَذَا فِي الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالظُّلْمَةِ الْهَائِلَة وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ، وَالْفَزَعُ مِنْ الْعَدُوِّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخُسُوفِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْكُسُوفِ خُطْبَةٌ) وَهَذَا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ أَثَرٌ. [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] (بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) هُوَ طَلَبُ السُّقْيَا يُقَالُ سَقَاهُ اللَّهُ وَأَسْقَاهُ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] ، وَقَالَ تَعَالَى {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْكُسُوفِ أَنَّهُمَا تَضَرُّعٌ يُؤَدَّيَانِ فِي حَالِ الْحُزْنِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] فَعَلَّقَ نُزُولَ الْغَيْثِ بِالِاسْتِغْفَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ

باب قيام شهر رمضان

وَالِاسْتِغْفَارُ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآيَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ) وَلَا يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ) وَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَكْبِيرَاتٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ يَخْرُجُ النَّاسُ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ مُشَاةً لَا عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ أَوْ غَسِيلٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ خَاضِعِينَ نَاكِسِي رُءُوسَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْطُبُ) يَعْنِي بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ خُطْبَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ مُحَمَّدٌ خُطْبَتَيْنِ وَلَا خُطْبَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ فِيهَا عِنْدَهُ وَيَكُونُ مُعْظَمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَهُمَا الِاسْتِغْفَارَ. (قَوْلُهُ: وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ) فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَلِّي ثُمَّ يَدْعُو وَعِنْدَهُمَا يُصَلِّي ثُمَّ يَخْطُبُ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْخُطْبَةِ قَلَبَ رِدَاءَهُ وَيَدْعُو قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَقْلِبُ رِدَاءَهُ) بِالتَّخْفِيفِ يَعْنِي إذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْخُطْبَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَلِّبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) بِالتَّشْدِيدِ كَمَا يُقَالُ فَتَحْت الْبَابَ مُخَفَّفًا وَفَتَّحْت الْأَبْوَابَ مُشَدَّدًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقْلِبُ رِدَاءَهُ وَصِفَتُهُ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُرَبَّعًا جُعِلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا كَالْجُبَّةِ جُعِلَ الْجَانِبُ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُونَ لِلدُّعَاءِ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَبْعِيدِهِمْ فَقَالَ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ» ؛ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ مَعَ الْكُفْرِ يُوجِبُ نُزُولَ اللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمْ عِنْدَ طَلَبِ الرَّحْمَةِ. [بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ] (بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) إنَّمَا أَفْرَدَ هَذَا الْبَابَ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهُ نَوَافِلُ اُخْتُصَّتْ بِخَصَائِصَ لَيْسَ هِيَ فِي مُطْلَقِ النَّوَافِلِ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَتَقْدِيرِ الرَّكَعَاتِ وَسُنَّةِ الْخَتْمِ وَعَقَّبَهُ بِالِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ مِنْ نَوَافِلِ النَّهَارِ وَهَذَا مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِيَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ» وَسُمِّيَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يُرْمِضُ الذُّنُوبَ أَيْ يُحْرِقُهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْإِمَامُ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي كُلِّ تَرْوِيحَةٍ تَسْلِيمَتَانِ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرَاوِيحَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ» ، وَأَرَادَ الشَّيْخُ أَنَّ أَدَاءَهَا بِالْجَمَاعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَلِذَلِكَ قَالَ يُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَلَمْ يَقُلْ تُسْتَحَبُّ التَّرَاوِيحُ وَإِنَّمَا قَالَ يَجْتَمِعُ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَتَفَرَّقُونَ عَنْ هَيْئَةِ الصُّفُوفِ فَلِهَذَا قَالَ يَجْتَمِعُونَ أَيْ يَرْجِعُونَ صُفُوفًا وَمَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ كَمَا يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَيْتِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَتَكْثُرُ الْجَمَاعَةُ بِحُضُورِهِ وَتَقِلُّ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ، وَقَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي كُلِّ تَرْوِيحَةٍ تَسْلِيمَتَانِ التَّرْوِيحَةُ اسْمٌ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْعُدُ عَقِيبَهَا لِلِاسْتِرَاحَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ) وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَهُمْ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسِ إنْ شَاءُوا يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا وَهَلْ يُصَلُّونَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَهُ وَهَلْ يَجْلِسُ بَيْنَ التَّرْوِيحَة الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ رَوَى الْحَسَنُ

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْلِسُ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَلَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ كُلَّ سِتٍّ أَوْ كُلَّ ثَمَانٍ أَوْ كُلَّ عَشْرٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فِي التَّرَاوِيحِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ إنْ تَذَكَّرَ فِي الْقِيَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَيَقْعُدَ وَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ وَإِنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا إذَا أَتَى بِالْأَرْبَعِ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ قَعَدَ فِيهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ أَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ. وَلَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ جَازَ عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ إكْمَالِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِذَا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ ظَانٌّ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَلْ تَفْسُدُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ نَعَمْ تَفْسُدُ وَلَا تُجْزِئُ عَنْ شَيْءٍ وَإِنْ شَكُّوا أَنَّهُمْ هَلْ صَلَّوْا عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ أَوْ تِسْعَ تَسْلِيمَاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلُّونَ تَسْلِيمَةً أُخْرَى فُرَادَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوتِرُونَ وَلَا يَأْتُونَ بِتَسْلِيمَةٍ أُخْرَى وَلَوْ تَذَكَّرُوا بَعْدَ الْوِتْرِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا تَسْلِيمَةً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يُصَلُّونَهَا فُرَادَى. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوهَا بِجَمَاعَةٍ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَسْجِدَيْنِ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ الْإِسْكَافِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِذَا فَسَدَ الشَّفْعُ وَقَدْ قَرَأَ فِيهِ لَا يُعْتَدُّ بِمَا قَرَأَهُ فِيهِ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ لِيَحْصُلَ الْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ الْجَائِزَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعْتَدُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْقِرَاءَةُ وَلَا فَسَادَ فِيهَا وَإِذَا غَلِطَ فَتَرَكَ سُورَةً أَوْ آيَةً وَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْمَتْرُوكَةَ ثُمَّ الْمَقْرُوءَةَ لِتَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْرَ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى الْقَوْمِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْخَتْمُ مَرَّةً وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ فِي ثَلَاثِينَ لَيْلَةً سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْكَرِيمِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الْخَتْمُ فِي التَّرَاوِيحِ مَرَّةً سُنَّةٌ وَالْخَتْمُ مَرَّتَيْنِ فَضِيلَةٌ وَالْخَتْمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ عَشْرِ لَيَالٍ مَرَّةٌ أَفْضَلُ فَالْخَتْمُ مَرَّةً يَقَعُ بِقِرَاءَةِ عَشْرِ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَالْخَتْمُ مَرَّتَيْنِ يَقَعُ بِقِرَاءَةِ عِشْرِينَ آيَةً وَالْخَتْمُ ثَلَاثًا يَقَعُ بِقِرَاءَةِ ثَلَاثِينَ آيَةً فَإِنْ أَرَادُوا الْخَتْمَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِكَثْرَةِ مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَلَا يُتْرَكُ الْخَتْمُ فِي رَمَضَانَ لِكُلِّ الْقَوْمِ يَعْنِي لَا يُقْرَأُ أَقَلُّ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْخَتْمُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا تُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَيُحْتَاطُ فِيهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَلَوْ حَصَلَ الْخَتْمُ بِلَيْلَةِ التَّاسِعِ أَوْ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا يَتْرُكُ التَّرَاوِيحَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَسَنَنْت لَكُمْ قِيَامَهُ» ، وَلِهَذَا قِيلَ إذَا عَجَّلَ الْخَتْمَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ صَلَّوْهَا بِإِمَامَيْنِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ انْصِرَافُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى كَمَالِ التَّرْوِيحَةِ فَإِنْ انْصَرَفَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرِيضَةِ وَالْوِتْرِ وَكَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَؤُمُّهُمْ فِي التَّرَاوِيحِ وَسُئِلَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ إمَامَةِ الصِّبْيَانِ فِي التَّرَاوِيحِ فَقَالَ يَجُوزُ إذَا كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ أَمَّ

باب صلاة الخوف

الصَّبِيُّ الصِّبْيَانَ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّ إمَامَةَ الصَّبِيِّ فِي التَّرَاوِيحِ تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَؤُمُّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي التَّرَاوِيحِ وَكَانَ صَبِيًّا. كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَفِي الْهِدَايَةِ إمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَبْنِي الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَأَمَّا أَدَاءُ التَّرَاوِيحِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اعْتِبَارًا بِسُنَّةِ الْفَجْرِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَاقْتَدَى بِهِ قَوْمٌ قِيَامًا قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فِيهَا فَمَا الْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِينَ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْعُدُوا احْتِرَازًا عَنْ صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الْأَفْضَلُ الْقِيَامُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْقُعُودُ لِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ فَيَكُونُ قَاعِدًا حَتَّى إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الرُّكُوعَ نَهَضَ لِلرُّكُوعِ مُبَادِرًا خَوْفًا مِنْ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَانِي فِي عِبَادَةِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] وَهَلْ يَحْتَاجُ لِكُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ، قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهَا صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ يَحْتَاجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى نِيَّةٍ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى إذَا نَوَى التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي الشَّهْرِ يَجُوزُ وَإِنْ نَوَى صَلَاةً مُطْلَقَةً أَوْ تَطَوُّعًا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ التَّرَاوِيحَ وَسَائِرَ السُّنَنِ تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إذَا نَوَى فِي التَّرَاوِيحِ صَلَاةً مُطْلَقَةً الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ التَّرَاوِيحِ قَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي اللَّيْلُ كُلُّهُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وُقِّتَ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ لَمْ يُؤَدِّهَا فِي وَقْتِهَا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّرَاوِيحِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَإِنْ أَخَّرُوهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لَا يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِذَا فَاتَتْ التَّرَاوِيحُ عَنْ وَقْتِهَا لَا تُقْضَى بِجَمَاعَةٍ وَهَلْ تُقْضَى بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْضَى مَا لَمْ يَمْضِ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُقْضَى وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْضَى مَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ بِإِمَامٍ وَصَلَّى التَّرَاوِيحَ بِإِمَامٍ آخَرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ إمَامَ الْعِشَاءِ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ، وَلَوْ فَاتَتْهُ تَرْوِيحَةٌ أَوْ تَرْوِيحَتَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُوتِرُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ ثُمَّ يُوتِرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَقْتَ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ بِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّةٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَبْلَ الْعِشَاءِ لَا تَكُونُ تَرَاوِيحَ وَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ جَازَ وَتَكُونُ تَرَاوِيحَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ فِي جَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَهِيَ بِجَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْوِتْرِ وَفِي النَّوَافِلِ يَجُوزُ الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ فِي جَمَاعَةٍ يَعْنِي بِهِ الْكَرَاهَةَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا صَلَّى الْوِتْرَ مَعَ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ بِجَمَاعَةٍ فِي النَّفْلِ غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ

إلَّا فِي رَمَضَانَ وَكَانَ عَارِضًا فَكَذَا صَلَاةُ الْخَوْفِ شُرِعَتْ بِعَارِضِ الْخَوْفِ مَعَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فَالْتَأَمَ الْبَابَانِ لَكِنَّهُ قَدَّمَ التَّرَاوِيحَ لِكَثْرَةِ تَكْرَارِهَا وَالْخَوْفُ نَادِرٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ) صُورَةُ اشْتِدَادِهِ أَنْ يَحْضُرَ الْعَدُوُّ بِحَيْثُ يَرَوْنَهُ فَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا جَمِيعًا بِالصَّلَاةِ يَحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ سَوَادَ الْعَدُوِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ نَارٍ أَوْ غَرَقٍ. (قَوْلُهُ جَعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ طَائِفَةً إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَطَائِفَةً خَلْفَهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُنَا قَيْدٌ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَنْ لَوْ تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ إمَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَيَأْمُرُ طَائِفَةً تَقُومُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الَّتِي مَعَهُ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَتَقِفُ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَدْ صَلَّتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يُرِيدُونَ كُلُّهُمْ إلَّا إمَامًا وَاحِدًا وَيَكُونُ الْوَقْتُ قَدْ ضَاقَ وَأَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ شَرْعِيَّةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي زَمَانِنَا وَقَالَ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ كَوْنَهُ فِيهِمْ فَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْغَبُونَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مَا لَا يَرْغَبُونَ خَلْفَ غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَقَامُوهَا بَعْدَهُ وَمَعْنَى الْآيَةِ وَإِذَا كُنْت أَنْتَ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَك كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] . (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهَذِهِ الطَّائِفَةَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ) يَجُوزُ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وقَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَقَدْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَوَاتِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ) يَعْنِي مُشَاةً فَإِذَا رَكِبُوا فِي مُضِيِّهِمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ. (قَوْلُهُ وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُسَلِّمُوا) لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَدْ كَمُلَتْ (قَوْلُهُ وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ وَلَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ صَلَّتْ مَعَهُمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. (قَوْلُهُ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ قَدْ كَمُلَتْ وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ مُسْبَقُونَ وَلَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ صَلَّتْ مَعَهُمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُسَافِرِينَ فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَهُمْ مُقِيمُونَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيَنْصَرِفُونَ وَبِالثَّانِيَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ تَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَتُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ فَالرَّكْعَةُ الْأُولَى بِلَا إشْكَالٍ لِأَنَّهُمْ فِيهَا كَمَنْ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَكَذَا الْأُخْرَيَانِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ انْعَقَدَتْ وَهِيَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْقِرَاءَةِ. وَأَمَّا السَّهْوُ فِيمَا يَقْضُونَ إذَا سَهْوَا فِيهِ فَإِنَّهُمْ كَالْمَسْبُوقِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ ثُمَّ تَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ، يَقْرَءُونِ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ لَا غَيْرُ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَنْتَظِرَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَةً وَيُسَلِّمُوا وَيَنْصَرِفُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُتِمُّونَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَلَكِنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يُتِمُّوا وَيُسَلِّمَ بِهِمْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُقِيمًا تَصِيرُ صَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ أَرْبَعًا لِلتَّبَعِيَّةِ فَإِنْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا فَصَلَاةُ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ رَكْعَتَيْنِ لَا انْصِرَافَ فِيهِمَا وَهِيَ هُنَا انْصَرَفَتْ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَأَصْلُهُ أَنَّ الِانْصِرَافَ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ مُفْسِدٌ وَتَرْكُهُ فِي أَوَانِهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَهُمْ أَرْبَعَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ

باب الجنائز

طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ فَاسِدَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ وَتَقْرَأُ كُلُّ طَائِفَةٍ فِيمَا سَبَقَتْ وَلَا تَقْرَأُ فِيمَا لَحِقَتْ فَإِنْ عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ صَلَّوْا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهِمَا فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَا سَبَقَهُمْ إلَّا بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهَا مَسْبُوقُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ فَتُصَلِّي ثَلَاثًا بِقِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ فِيهِنَّ مَسْبُوقُونَ فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَيَقْعُدُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ أُخْرَى بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَلَا يَقْعُدُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ رَكْعَةً ثَالِثَةً بِالْفَاتِحَةِ لَا غَيْرُ وَيَقْعُدُونَ وَيُسَلِّمُونَ. (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً) لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى تَسْتَحِقُّ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَتَنْصِيفُ الرَّكْعَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَجَعْلُهَا فِي الْأُولَى أَوْلَى بِحُكْمِ السَّبْقِ فَلَوْ أَخْطَأَ وَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا بِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى فَسَادُهَا ظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأُولَى حَقِيقَةً وَقَدْ انْحَرَفُوا بَعْدَ الْقَعْدَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً فَانْصَرَفُوا ثُمَّ بِالْأُولَى الثَّالِثَةَ فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ لِأَنَّهَا انْصَرَفَتْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأُولَى وَقَدْ انْحَرَفُوا فِي أَوَانِهِ وَيَقْضُونَ رَكْعَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَالثَّانِيَةُ بِقِرَاءَةٍ وَلَوْ جَعَلَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ طَوَائِفَ فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ جَائِزَةٌ وَتَقْضِي الثَّانِيَةُ رَكْعَتَيْنِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهَا فِيهَا لَاحِقَةٌ وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ تَقْضِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَاتِلُونَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قَاتَلُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ) لِأَنَّ الْقِتَالَ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَكَذَا مَنْ رَكِبَ حَالَ انْصِرَافِهِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا وُحْدَانًا يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] مَعْنَى فَرِجَالًا أَيْ قِيَامًا عَلَى أَرْجُلِكُمْ وَاشْتِدَادِ الْخَوْفِ هُنَا أَنْ لَا يَدَعُهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يَهْجُمُونَهُمْ بِالْمُحَارَبَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً رُكْبَانًا لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ وَكَمَا تَسْقُطُ الْأَرْكَانُ عَنْ الرَّاكِبِ يَسْقُطُ عَنْهُ الِاسْتِقْبَالُ إلَى الْقِبْلَةِ [بَابُ الْجَنَائِزِ] (بَابُ الْجَنَائِزِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ إذْ الْوُجُوبُ بِحُضُورِ الْجِنَازَةِ وَالْجَنَائِزُ جَمْعُ جِنَازَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِلنَّعْشِ أَوْ السَّرِيرِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ بِأَنْ يُفْزِعَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ فَيَمُوتَ فَزِعًا أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ مَيِّتًا لَيْسَ بِهِ أَثَرٌ غُسِّلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ فَزِعًا أَوْ نَقُولُ أَنَّهُ لِمَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْمَمَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا اُحْتُضِرَ الرَّجُلُ) أَيْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْ حَضَرَتْهُ مَلَائِكَةُ الْمَوْتِ وَعَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَيَنْعَوِجَ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ فَلَا يُرَى فِيهَا تَعَطُّفٌ. (قَوْلُهُ وُجِّهَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُوضَعُ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ رُوحِهِ. (قَوْلُهُ وَلُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ الَّذِي قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ وَصُورَةُ التَّلْقِينِ أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ النَّزْعِ جَهْرًا وَهُوَ يَسْمَعُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ سُمِّيَا شَهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا شَهَادَةٌ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَشَهَادَةٌ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ وَيُلَقَّنُ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ وَلَا يُلَحُّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَضْجَرَ فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةَ

لَا يُعِيدُهَا عَلَيْهِ الْمُلَقِّنُ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرَهَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ فَمَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيه فِي الْقَبْرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ وَقَدْ رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَإِنْ قِيلَ إذَا مَاتَ مَتَى يُسْأَلُ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ حَتَّى يُدْفَنَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي بَيْتِهِ تُقْبَضُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ وَتَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَالْقَبْرِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ لِأَنَّ الْآثَارَ وَرَدَتْ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُهُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ رَبُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ اللَّهَ رَبِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَا دِينُك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ دِينِي الْإِسْلَامُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَنْ نَبِيُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ نَبِيِّي مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلَقِّنُهُ بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ حَتَّى يُجِيبَ كَمَا أُلْهِمَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَهْدِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا مَاتَ شَدُّوا لَحْيَيْهِ وَغَمَّضُوا عَيْنَيْهِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ أَتْبَعَهُ الْبَصَرُ» وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُغَمَّضْ وَلَمْ يُشَدَّ لَحْيَاهُ يَصِيرُ كَرِيهَ الْمَنْظَرِ وَرُبَّمَا تَدْخُلُ الْهَوَامُّ عَيْنَيْهِ وَفَاهُ إذَا لَمْ يُفْعَلْ بِهِ ذَلِكَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَتَوَلَّى أَرْفَقُ أَهْلِهِ بِهِ إمَّا وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ إغْمَاضَهُ بِأَسْهَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيُشَدُّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ يَشُدُّهَا مِنْ لَحْيِهِ الْأَسْفَلَ وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَيُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ وَيَرُدَّ ذِرَاعَيْهِ إلَى عَضُدَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا وَيَرُدَّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ إلَى كَفَّيْهِ ثُمَّ يَمُدَّهَا وَيُرَدَّ فَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَسَاقَيْهِ إلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يَمُدَّهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ جِيرَانُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ بِمَوْتِهِ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الشَّوَارِعِ وَالْأَسْوَاقِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضِ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُسَارِعَ إلَى قَضَاءِ دُيُونِهِ وَإِبْرَائِهِ مِنْهُ لِأَنَّ نَفْسَ الْمَيِّتِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ وَيُبَادَرُ إلَى تَجْهِيزِهِ وَلَا يُؤَخَّرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ فَإِنْ يَكُ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ» فَإِنْ مَاتَ فُجَاءَةً تُرِكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ، فُجَاءَةٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضِيقٍ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا دَامَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» (قَوْلُهُ فَإِذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَضَعُوهُ عَلَى السَّرِيرِ) لِيَنْصَبَّ الْمَاءُ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ إذَا وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ يَتَلَطَّخُ بِالطِّينِ وَصُورَةُ الْوَضْعِ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَيْفَ تَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ ثِقَةً لِيَسْتَوْفِيَ الْغُسْلَ وَيَكْتُمَ مَا يَرَى مِنْ قَبِيحٍ وَيُظْهِرَ مَا يَرَى مِنْ جَمِيلٍ فَإِنْ رَأَى مَا يُعْجِبُهُ مِنْ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ النَّاسَ وَإِنْ رَأَى مَا يُكْرَهُ مِنْ اسْوِدَادِ وَجْهِهِ وَنَتْنِ رَائِحَتِهِ وَانْقِلَابِ صُورَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ أَحَدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِئِهِمْ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون بِقُرْبِ الْغَاسِلِ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ لِئَلَّا يَظْهَرَ مِنْ الْمَيِّتِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَتَضْعُفَ نَفْسُ الْغَاسِلِ وَمَنْ يُعِينُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَر الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ الْمَيِّتُ فَلَا يَرَاهُ إلَّا غَاسِلُهُ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ إلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ عَيْبٌ يَكْتُمُهُ. وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلَتْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَتْ لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ «وَغَسَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْلِمِينَ وَغَسَّلَهُ الْمُسْلِمُونَ حِينَ مَاتَ» . وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ لِأَيِّ عِلَّةٍ وَجَبَ غُسْلُ الْمَيِّتِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَجْلِ الْحَدَثِ لَا لِنَجَاسَةٍ ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْمَوْتِ لَا تَزُولُ بِالْغُسْلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْحَدَثُ مِمَّا يَزُولُ بِالْغُسْلِ حَالَ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَالْآدَمِيُّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ كَرَامَةً لَهُ وَلَكِنْ يَصِيرُ مُحْدِثًا لِأَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْحَدَثِ كَمَا فِي الْجَنَابَةِ لَكِنْ اكْتَفَى بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا لَمْ تَتَكَرَّرْ لَمْ يَكْتَفِ بِغَسْلِ

الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَكَذَا الْحَدَثُ بِسَبَبِ الْمَوْتِ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يُؤَدِّي غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ إلَى الْحَرَجِ فَأَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ بِأَنَّ غُسْلَهُ وَجَبَ بِنَجَاسَةِ الْمَوْتِ لَا بِسَبَبِ الْحَدَثِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَيَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا مَاتَ فِي الْبِئْرِ يُنْزَحُ جَمِيعُ مَائِهَا. وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ الْغُسْلِ وَصَلَّى مَعَهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ لَا غَيْرُ لَكَانَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْغُسْلِ كَمَا لَوْ حَمَلَ مُحْدِثًا فَصَلَّى مَعَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ وَلَوْ كَانَ لِلْحَدَثِ لَكَانَ يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ كَمَا فِي الْحَدَثِ ثُمَّ الْمَوْتَى عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهُمْ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ وَهُوَ الشَّهِيدُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ غَيْرُ الشَّهِيدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَاغِي وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْكَافِرُ الَّذِي لَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَافِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ وَجَعَلُوا عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةً) لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْآدَمِيُّ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ غُسْلُ النِّسَاءِ وَلَا لِلنِّسَاءِ غُسْلُ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ بَعْدَ الْوَفَاةِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» وَيَجْعَلُ الْخِرْقَةَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ يَكْتَفِي بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ يَعْنِي الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ تَيْسِيرًا. (قَوْلُهُ وَنَزَعُوا ثِيَابَهُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْغُسْلِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَمَا أَنَّ الْحَيَّ يَتَجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ فَكَذَا الْمَيِّتُ وَهَلْ يُسْتَنْجَى الْمَيِّتُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ نَعَمْ لِأَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا يَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُسْتَنْجَى لِأَنَّ الْمَفَاصِلَ تَرْتَخِي بِالْمَوْتِ فَرُبَّمَا يَزْدَادُ الِاسْتِرْخَاءُ بِالِاسْتِنْجَاءِ فَيَخْرُجُ عَنْ بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ وَصُورَةُ اسْتِنْجَائِهِ أَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغْسِلَ السَّوْأَةَ لِأَنَّ مَسَّ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ كَالنَّظَرِ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَوَضَّئُوهُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ فِي الْحَيَاةِ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْسَحُ بِرَأْسِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غُسْلِهِ النَّظَافَةُ وَالْمَسْحُ لَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخَّرُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أُخِّرَتَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ يَجْتَمِعُ تَحْتَهُمَا وَهَذَا لَا يُوجَدُ هُنَا وَيَوَضَّأُ كُلُّ مَيِّتٍ بِغُسْلٍ إلَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ إلَى النِّيَّةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُمَضْمِضُوهُ وَلَا يُنَشِّقُوهُ) لِأَنَّهُمَا لَا يَتَأَتَّيَانِ مِنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَالِاسْتِنْشَاقُ أَنْ يَجْذِبَ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى خَيَاشِيمِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْغَاسِلُ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً رَقِيقَةً وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِ الْمَيِّتِ وَيَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ وَلَهَاتَهُ وَشَفَتَيْهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَلَا يَغْسِلُ يَدَ الْمَيِّتِ قَبْلَ غُسْلِهِ إلَى الرُّسْغِ كَمَا يَبْدَأُ بِهِمَا الْحَيُّ فِي غُسْلِهِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُفِيضُونَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ صَبًّا بَعْدَ الْوُضُوءِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ يُوَضَّأُ أَوَّلًا وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّابُونُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحُرُضُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيَكْفِيه الْمَاءُ الْقَرَاحُ وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ غُسْلِهِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ عَلَى الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ. (قَوْلُهُ وَيُجَمِّرُ سَرِيرَهُ وِتْرًا) أَيْ يُنَجِّرُ بِالْمِجْمَرَةِ إذَا أَرَادُوا غُسْلَهُ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْخَمْسِ قَوْلُهُ (وَيُغْلَى الْمَاءُ بِالسِّدْرِ) يَعْنِي الْوَرَقَ (أَوْ بِالْحُرُضِ) وَهُوَ الْأُشْنَانُ قَبْلَ الطَّحْنِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْحَارَّ أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الدَّرَنِ وَغُسْلُ الْمَيِّتِ شُرِعَ لِلتَّنْظِيفِ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ الْقَرَاحُ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَيُغْسَلُ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْخِطْمِيِّ) وَهُوَ نَبْتٌ بِالْعِرَاقِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ شَعْرٌ عَلَى رَأْسِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ) لِأَنَّهُ إذَا أَضْجَعَهُ عَلَيْهِ بَدَا شِقُّهُ الْأَيْمَنِ. (قَوْلُهُ فَيُغَسِّلُ) شِقَّهُ الْأَيْمَنَ (بِالْمَاءِ) الْقَرَاحِ (حَتَّى) يُنْقِيَهُ وَ (يَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ) شِقَّهُ الْأَيْسَرَ (بِالْمَاءِ) الْمَغْلِيِّ بِالسِّدْرِ (حَتَّى) يُنْقِيَهُ وَ (يَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ) وَغُسْلُ الْمَرْأَةِ كَغُسْلِ الرَّجُلِ لِأَنَّ غُسْلَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ

وَاحِدٌ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُجْلِسُهُ وَيُسْنِدُهُ إلَيْهِ وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ مَسْحًا رَقِيقًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَهُ) تَحَرُّزًا عَنْ تَلْوِيثِ الْأَكْفَانِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ وَلَا وُضُوءَهُ) وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُعِيدُونَ غُسْلَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعِيدُونَ وُضُوءَهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُغَسِّلُ الرِّجَالَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ وَلَا يُغَسِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَغِيرًا لَا يُشْتَهَى جَازَ أَنْ يُغَسِّلَهُ النِّسَاءُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى جَازَ لِلرِّجَالِ غُسْلُهَا وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ فِي ذَلِكَ كَالْفَحْلِ وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ زَوْجَهَا إذَا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ مِنْ تَقْبِيلِ ابْنِ زَوْجِهَا أَوْ أَبِيهِ فَإِنْ حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهَا غُسْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُغَسِّلُهَا إذَا مَاتَتْ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُغَسِّلُهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَغْسِلَهُ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ مَا دَامَا فِي الْعِدَّةِ وَتَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَتَبْطُلُ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ ارْتَدَّتْ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أَوْ أَبَاهُ لِشَهْوَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ إنَّ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَهُوَ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الْوَفَاةِ فَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ حَالَةَ الْوَفَاةِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ لِمَعْنًى بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَالَ الْوَفَاةِ أَنْ تُغَسِّلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تُغَسِّلَهُ لِحُدُوثِ مَعْنًى آخَرَ وَأَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ اعْتَبَرُوا وَقْتَ الْغُسْلِ فَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَقْتَ الْوَفَاةِ يَبْطُلُ ذَلِكَ بِحُدُوثِ مَعْنًى بَعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَقْتَ الْوَفَاةِ ثُمَّ يَعُودُ لَهَا حَقُّ الْغُسْلِ كَمَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً وَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَلَهَا ذَلِكَ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ وَهِيَ فِي نِكَاحِ الْأَوَّلِ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُغَسِّلْهُ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ فَلَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِذَا مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْعَتَاقِ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ كَالزَّوْجَةِ وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَمَتِهِ أَوْ مُدَبَّرَتِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ لَمْ تُغَسِّلْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَمَةَ صَارَتْ لِغَيْرِهِ وَالْمُدَبَّرَةُ عَتَقَتْ مِنْ كُلِّ مَالِهِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ ثُلُثُهَا وَصَارَتْ كَالْمُكَاتَبَةِ وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ لَمْ يُغَسِّلْهَا لِأَنَّ عُلْقَةَ النِّكَاحِ انْقَطَعَتْ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَكَذَا إذَا مَاتَتْ أُمُّ وَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا وَيُكْرَهُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ غُسْلُ الْمَوْتَى فَإِنْ فَعَلُوا أَجْزَأَهُمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إلَّا أَنَّ غَيْرَهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ وَإِذَا مَاتَ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُغَسَّلُ فِي كِوَارَةٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُنَشَّفُ فِي ثَوْبٍ) وَيُجْعَلُ فِي أَكْفَانِهِ لِئَلَّا تَبْتَلّ أَكْفَانُهُ. (قَوْلُهُ وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَنُوطٌ لَا يَضُرُّهُ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْرَبُهُ الرِّجَالُ كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَيُجْعَلُ الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ فِي الْحَنُوطِ وَقَالَ طَاوُسٍ وَعَطَاءٌ لَا يُطَيَّبُ الرَّجُلُ بِالْمِسْكِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَنَّطَ النِّسَاءُ بِالزَّعْفَرَانِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ. (قَوْلُهُ وَالْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ) يَعْنِي جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَكَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ لِفَضِيلَتِهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَاخْتَصَّتْ بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَيْفِيَّةُ الْكَفَنِ لَا أَصْلُهُ وَأَمَّا هُوَ فِي نَفْسِهِ فَوَاجِبٌ وَالْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ ثُمَّ الدَّيْنُ بَعْدَهُ ثُمَّ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ الدَّيْنِ ثُمَّ الْمِيرَاثُ بَعْدَ الْكُلِّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ مُعْسِرٌ فَكَفَنُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَيْتُ مَالٍ يُفْرَضُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا سَأَلُوا غَيْرَهُمْ فَرْقًا بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَإِنَّ الْحَيَّ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا وَيُصَلِّي فِيهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيَّ يَقْدِرُ عَلَى السُّؤَالِ بِنَفْسِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَقْدِرُ وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَا مَالَ لَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ كَفَنُهَا عَلَى زَوْجِهَا كَمَا تَجِبُ كِسْوَتُهَا فِي حَيَاتِهَا عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ فَإِنْ كَفَّنَهَا فِي مَالِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ التَّكْفِينُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَفَنُ السُّنَّةِ وَكَفَنُ الْكِفَايَةِ وَكَفَنُ الضَّرُورَةِ فَكَفَنُ السُّنَّةِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ. وَهُوَ قَوْلُهُ (إزَارٌ وَقَمِيصٌ

وَلِفَافَةٍ) الْإِزَارُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَالْقَمِيصُ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ إلَى الْقَدَمِ وَلَيْسَ لَهُ كُمٌّ وَاللِّفَافَةُ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَلَيْسَ فِي الْكَفَنِ عِمَامَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى اسْتَحْسَنَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ لِمَنْ كَانَ عَالِمًا وَيُجْعَلُ ذَنَبُهَا عَلَى وَجْهِهِ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ فِي الْحَيَاةِ يُجْعَلُ ذَنَبُهَا عَلَى قَفَاهُ بِمَعْنَى الزِّينَةِ وَبِالْمَوْتِ قَدْ انْقَطَعَ عَنْ الزِّينَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْخَلَقُ وَالْجَدِيدُ فِي التَّكْفِينِ سَوَاءٌ وَالْكَتَّانُ وَالْقُطْنُ سَوَاءٌ لِأَنَّ مَا جَازَ لُبْسُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ جَازَ التَّكْفِينُ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ فِي الْحَرِيرِ وَالْمُعَصْفَرِ اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ وَأَحَبُّ الْأَكْفَانِ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَحَبُّ الثِّيَابِ إلَى اللَّهِ الْبِيضُ فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَسَوَاءٌ كَانَ جَدِيدًا أَوْ غَسِيلًا» وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَقِيلَ لَهُ أَلَا نُكَفِّنُك مِنْ الْجَدِيدِ فَقَالَ إنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ يُوضَعُ لِلْبِلَاءِ وَالْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ وَالتُّرَابِ الْمُهْلُ بِضَمِّ الْمِيمِ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَفِي رِوَايَةٍ ادْفِنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّمَا هُمَا لِلْمُهْلِ وَالتُّرَابِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَوْبَيْنِ جَازَ) وَهُمَا اللِّفَافَةُ وَالْإِزَارُ وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ وَأَمَّا الثَّوْبُ الْوَاحِدُ فَيُكْرَهُ إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اُسْتُشْهِدَ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْكِسَاءِ فَكَانَ إذَا غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا قَدَمَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَغُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ وَجُعِلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرُ» وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَفَّنَ الصَّغِيرُ فِي ثَوْبٍ وَالصَّغِيرَةُ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْمُرَاهِقُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي التَّكْفِينِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نُكَفِّنُهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ الْمَسْنُونُ وَقِيلَ الِاكْتِفَاءُ بِكَفَنِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَةِ الْوَرَثَةِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ كَثْرَةٌ وَفِي الْوَرَثَةِ قِلَّةٌ فَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ فَإِذَا أَرَادُوا لَفَّ اللِّفَافَةَ عَلَيْهِ ابْتَدَءُوا بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَأَلْقَوْهُ عَلَيْهِ ثُمَّ بِالْأَيْمَنِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي حَيَاتِهِ إذَا ارْتَدَى بَدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يُثَنِّي بِالْأَيْمَنِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَيْفِيَّةُ تَكْفِينِ الرَّجُلِ أَنْ تُبْسَطَ اللِّفَافَةُ طُولًا ثُمَّ يُبْسَطَ عَلَيْهَا الْإِزَارُ ثُمَّ يُقَمَّصَ الْمَيِّتُ وَيُوضَعَ عَلَى الْإِزَارِ مُقَمَّصًا ثُمَّ يُعْطَفَ الْإِزَارُ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ يُعْطَفَ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ ثُمَّ اللِّفَافَةُ تُعْطَفُ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَخِمَارٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ بِهَا ثَدْيَاهَا وَلِفَافَةٌ) وَهَذَا كَفَنُ السُّنَّةِ فِي حَقِّهَا وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْخِرْقَةُ مِنْ الثَّدْيَيْنِ إلَى الْفَخْذَيْنِ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الصَّدْرِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ تُرْبَطُ الْخِرْقَةُ عَلَى الثَّدْيَيْنِ فَوْقَ الْأَكْفَانِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا وَالْبَطْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُهُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَحْتَ اللِّفَافَةِ وَفَوْقَ الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْخُنْثَى يُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ احْتِيَاطًا وَيُجْتَنَبُ الْحَرِيرُ وَالْمُعَصْفَرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَكَيْفِيَّةُ تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ أَنْ تُلْبَسَ الدِّرْعَ أَوَّلًا وَهُوَ الْقَمِيصُ وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَ الدِّرْعِ ثُمَّ الْخِمَارَ فَوْقَ ذَلِكَ ثُمَّ الْإِزَارَ ثُمَّ اللِّفَافَةَ وَتُرْبَطُ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ وَيَكُونُ الْقَمِيصُ تَحْتَ الثِّيَابِ كُلِّهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جَازَ) يَعْنِي الْإِزَارَ وَالْخِمَارَ وَاللِّفَافَةَ وَيُتْرَكُ الْقَمِيصُ وَالْخِرْقَةُ وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّهَا وَيُكْرَهُ أَنْ تُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ. (قَوْلُهُ وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا عَلَى صَدْرِهَا) يَعْنِي ضَفِيرَتَيْنِ فَوْقَ الدِّرْعِ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لَهُ وَآمَنُ مِنْ الِانْتِشَارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِهَا اعْتِبَارًا بِالْحَيَاةِ قُلْنَا ذَاكَ يُفْعَلُ لِلزِّينَةِ وَهَذِهِ حَالَةُ حَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَمَّمُ أَنَّهُ يُجْعَلُ ذَنَبُ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ لِأَنَّهَا عَلَى الْقَفَا زِينَةٌ وَبِالْمَوْتِ انْقَطَعَتْ الزِّينَةُ. (قَوْلُهُ وَلَا يُسَرَّحُ شَعْرُ الْمَيِّتِ وَلَا لِحْيَتُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ زِينَةٌ وَالْمَيِّتُ مُنْتَقِلٌ إلَى الْبِلَاءِ وَالْمُهْلِ وَلِأَنَّهُ إذَا سُرِّحَ شَعْرُهُ انْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَاحْتِيجَ إلَى دَفْنِهِ مَعَهُ فَلَا مَعْنَى لِفَصْلِهِ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -

فَقَالَتْ أَتَنْصُونَ مَوْتَاكُمْ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ أَتُسَرِّحُونَ شَعْرَهُمْ يُقَالُ نَصَاهُ إذْ أَمَدَّ نَاصِيَتَهُ كَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَصُّ ظُفْرُهُ وَلَا شَعْرُهُ) لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَمْ يُسَنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْخِتَانِ. (قَوْلُهُ وَتُجَمَّرُ الْأَكْفَانُ قَبْلَ أَنْ يُدْرَجَ فِيهَا وَتْرًا) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِ ابْنَتِهِ» . (قَوْلُهُ فَإِنْ خَافُوا أَنْ تَنْتَشِرَ الْأَكْفَانُ عَنْهُ عَقَدُوهَا) صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْكَشْفِ (قَوْلُهُ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْهُ صَلَّوْا عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ ثَابِتَةٌ بِمَفْهُومِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ يُشْعِرُ بِثُبُوتِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُوَافِقِينَ وَثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ أَيْضًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِالْوَاحِدِ وَبِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ وَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَيِّتَ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ (قَوْلُهُ وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ إذَا حَضَرَ) إلَّا أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا حَضَرَ كَانَ أَوْلَى مِنْهُمْ بِعَارِضِ السَّلْطَنَةِ وَحُصُولِ الِازْدِرَاءِ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ إمَامِ الْحَيِّ) وَلَمْ يَقُلْ فَإِمَامُ الْحَيِّ لَيَعْرِفَ أَنَّهُ لَيْسَ كَتَقْدِيمِ السُّلْطَانِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ السُّلْطَانِ وَاجِبٌ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ قَالَ مُحَمَّدٌ يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ إمَامَ الْحَيِّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَلِيُّ) أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا بَعْدَ إمَامِ الْحَيِّ أَنَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ عَصَبَاتِ الْمَيِّتِ أَوْلَى وَلَا حَقَّ لِلنِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا لِلصِّغَارِ وَلِلْأَقْرَبِ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْأَبْعَدِ مَنْ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَهُ فَإِنْ غَابَ الْأَقْرَبُ فِي مَكَان تَفُوتُ الصَّلَاةُ بِحُضُورِهِ فَالْأَبْعَدُ أَوْلَى وَهُوَ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ قَدَّمَ الْغَائِبُ غَيْرَهُ بِكِتَابٍ كَانَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْنَعَهُ فَإِنْ تَسَاوَى وَلِيَّانِ فِي دَرَجَةٍ فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا أَوْلَى وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَ شَرِيكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ قَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا كَانَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْأَكْبَرُ أَوْلَى وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجُلٌ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى الْوَلِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ الْوَصِيُّ أَوْلَى وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْمُوصَى مِمَّنْ يُرْجَى دُعَاؤُهُ قُدِّمَ عَلَى الْوَلِيِّ وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا زَوْجٌ وَابْنٌ بَالِغٌ فَالْوِلَايَةُ لِلِابْنِ لِأَنَّ الزَّوْجَ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ إلَّا أَنَّ هَذَا الِابْنَ إنْ كَانَ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَاهُ تَعْظِيمًا لَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ابْنٌ فَعَصَبَتُهَا أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ بَعُدُوا وَكَذَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَوْلَى مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ سَبَبَهُ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَوْ كَانَ لَهَا أَبٌ وَابْنٌ وَزَوْجٌ وَابْنُهَا مِنْ هَذَا الزَّوْجِ فَالِابْنُ أَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ جَدَّهُ أَبَا أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ وَلَا يُقَدِّمُ أَبَاهُ إلَّا بِرِضَا الْجَدِّ وَلَوْ مَاتَ وَلَدُ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَبْدُهُ وَمَوْلَاهُ حَاضِرٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْمُكَاتَبِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَوْلَى وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً إنْ أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ أَوْ كَانَ الْمَالُ حَاضِرًا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفُ فَابْنُ الْمُكَاتَبِ أَحَقُّ مِنْ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمَالُ غَائِبًا فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَمَوْلَاهُ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ وَلِيِّهِ كَذَا فِي الْعُيُونِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَلَهُ أَبٌ حُرٌّ أَوْ أَخٌ حُرٌّ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَبُ وَالْأَخُ أَوْلَى مِنْ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَطَعَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمَوْلَى أَوْلَى لِأَنَّهُ مَاتَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ الْوَلِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ أَعَادَ الْوَلِيُّ الصَّلَاةَ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْإِعَادَةَ وَقَيَّدَ بِغَيْرِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ فَلَا إعَادَةَ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِالْأَوْلَى وَالنَّفَلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ وَلِلْمَيِّتِ أَوْلِيَاءُ آخَرُونَ بِمَنْزِلَتِهِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا لِأَنَّ وِلَايَةَ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ مُتَكَامِلَةٌ وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ وَأَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى الْوَلِيِّ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ خَوْفَ الْفَوَاتِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى التَّيَمُّمِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ) مَا لَمْ تَمْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ مَا لَمْ يَتَفَسَّخْ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَلْ قَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي

ذَلِكَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يَعْنِي أَنَّ تَفْرِيقَ الْأَجْزَاءِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَيِّتِ فِي السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَبِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ مِنْ الصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رَأْيِهِمْ أَنَّهُ قَدْ تَفَسَّخَ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَنُوهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَغْسِلُوهُ فَإِنْ لَمْ يَهِيلُوا عَلَيْهِ التُّرَابَ أَخْرَجُوهُ وَغَسَّلُوهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثَانِيًا وَإِنْ أَهَالُوا التُّرَابَ لَمْ يُخْرِجُوهُ وَيُعِيدُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ثَانِيًا عَلَى الْقَبْرِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِتَرَك الطَّهَارَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَالْآنَ زَالَ الْإِمْكَانُ وَسَقَطَتْ فَرِيضَةُ الْغُسْلِ. (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَقِيبَهَا) أَيْ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ الطَّهَارَةُ وَالسِّتْرُ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْقِيَامُ حَتَّى لَا تَجُوزَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَكْبَرُ مِنْ الْقِيَامِ فَإِذَا تَرَكَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا وَإِنْ كَانَ وَلِيّ الْمَيِّتِ مَرِيضًا فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا أَجْزَأَهُمْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِئُ الْإِمَامَ وَلَا يُجْزِئُ الْمَأْمُومِينَ عَلَى أَصْلِهِ وَيَسْقُطُ فَرْضُ الصَّلَاةِ بِصَلَاتِهِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبِ الْمُصَلِّي نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ وَكَذَا إذَا افْتَتَحَهَا عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَمْ تَجُزْ وَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ فِيهَا إلَى جَانِبِ رَجُلٍ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَمَنْ قَهْقَهَ فِيهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثَانِيَةً وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَلِيه الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْخُطَبِ وَالتَّشَهُّدِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ مَوْقُوفَةٌ وَالدَّعَوَاتُ مَحْبُوسَةٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيَّ أَوَّلًا وَآخِرًا» . (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً ثَالِثَةً يَدْعُو فِيهَا لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ) مَعْنَاهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ لِكَيْ يُغْفَرَ لَهُ فَيُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْأَدْعِيَةِ أَنْ يَبْدَأَ فِيهَا بِنَفْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا} [الحشر: 10] {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [إبراهيم: 41] {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح: 28] {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي} [الأعراف: 151] وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ فَحَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» ، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ زِيَادَةٌ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ زَاكِيًا فَزَكِّهِ وَإِنْ كَانَ خَاطِئًا فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاجْعَلْهُ فِي خَيْرٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ وَاجْعَلْهُ خَيْرَ يَوْمٍ جَاءَ عَلَيْهِ. وَهَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَاجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا وَأَجْرًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا. فَرَطًا أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا لَنَا مَصَالِحَنَا فِي الْجَنَّةِ وَذُخْرًا أَيْ خَيْرًا بَاقِيًا وَاجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا أَيْ مَقْبُولًا شَفَاعَتُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْهَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الدُّعَاءِ الْمُخَافَتَةَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً رَابِعَةً وَيُسَلِّمُ) وَلَا يَدْعُو بَعْدَهَا بِشَيْءٍ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ وَلَا يَنْوِي الْمَيِّتَ فِيهِمَا بَلْ يَنْوِي بِالْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَبِالثَّانِيَةِ مَنْ عَنْ شِمَالِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ اسْتَحْسَنَ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُهُمْ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] الْآيَةَ وَبَعْضُهُمْ {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] إلَى آخِرِ السُّورَةِ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَقُولَ بَعْدَهَا شَيْئًا إلَّا السَّلَامَ وَيَقُومَ الْإِمَامُ بِحِذَاءِ صَدْرِ الْمَيِّتِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسْطِهَا بِتَسْكِينِ السِّينِ وَإِذَا اجْتَمَعَ جَنَائِزُ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عَلَيْهَا كُلِّهَا صَلَاةً وَاحِدَةً وَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ عَلَى حِدَةٍ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاء وَصِبْيَانٍ وُضِعَتْ جَنَائِزُ الرِّجَالِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ ثُمَّ الصِّبْيَانِ بَعْدَهُمْ ثُمَّ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَكَيْفَ وَضَعْت أَجْزَأَك وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ وَامْرَأَةٌ حُرَّةٌ وُضِعَ الْعَبْدُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ وُضِعَ رَجُلٌ خَلْفَ رَجُلٍ وَرَأْسُ رَجُلٍ أَسْفَلَ مِنْ رَأْسِ الْآخَرِ هَكَذَا دَرَجًا وَقَالَ

أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَضَعُوهُمْ هَكَذَا فَحَسَنٌ وَإِنْ وَضَعُوا رَأْسَ كُلِّ وَاحِدٍ بِحِذَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ فَحَسَنٌ وَهَذَا أَوْلَى حَتَّى يَصِيرَ الْإِمَامُ بِإِزَاءِ الْكُلِّ وَلَكِنْ يُجْعَلُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالصِّبْيَانُ بَعْدَهُمْ وَالْخَنَاثَى بَعْدَهُمْ وَالنِّسَاءُ بَعْدَهُمْ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَالرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لَا تُرْفَعُ فِيهَا الْأَيْدِي فَكَذَا تَكْبِيرَاتُ الْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ» يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ مَوْضُوعٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَتَكُونُ " فِي " ظَرْفًا لِلْمَيِّتِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَيِّتُ فِي غَيْرِهِ لَمْ تُكْرَهْ وَقِيلَ الْعِلَّةُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلْمَكْتُوبَاتِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ وَلَا يُصَلَّى فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ عَلَى مَيِّتٍ وَتَكُونُ " فِي " ظَرْفًا لِلصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مَوْضُوعًا فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ وَبِالْعَكْسِ يُكْرَهُ، وَالْكَرَاهَةُ قِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ إذْ لَوْ كَانَ مَسْجِدًا أُعِدَّ لِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ (قَوْلُهُ فَإِذَا حَمَلُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ أَخَذُوا بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ) بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً بِقَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَغْفِرَةً حَتْمًا» وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ عِبَادَةٌ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُبَادِرَ فِي الْعِبَادَةِ فَقَدْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ فَإِنَّهُ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. (قَوْلُهُ وَيَمْشُونَ بِهِ مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ فَإِنْ يَكُ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُمْ إلَيْهِ وَإِنْ يَكُ شَرًّا أَلْقَيْتُمُوهُ عَنْ أَعْنَاقِكُمْ أَوْ قَالَ فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ» الْخَبَبُ ضَرْبٌ مِنْ الْعَدْوِ دُونَ الْعَنَقِ وَالْعَنَقُ خَطْوٌ فَسِيحٌ وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَمَامَهَا أَفْضَلُ وَعَلَى مُتَّبِعِي الْجِنَازَةِ الصَّمْتُ وَيُكْرَهُ لَهُمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغُوا إلَى قَبْرِهِ كُرِهَ لِلنَّاسِ الْقُعُودُ قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّعَاوُنِ وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِيهِ وَيُكْرَهُ نَقْلٌ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ» وَفِي نَقْلِهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ قَوْمٌ غَرَبَتْ عَلَيْهِمْ الشَّمْسُ وَهُمْ يُرِيدُونَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَءُوا بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ يُصَلُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْجِنَازَةِ رَاكِبًا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّقَدُّمُ أَمَامَهَا بِخِلَافِ الْمَاشِي لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ رَاكِبًا تَأَذَّى بِهِ حَامِلُوهَا وَمَنْ هُوَ مَعَهَا. وَفِي الْمَصَابِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الرُّكُوبِ قَالَ فِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى قَوْمًا رُكْبَانًا فَقَالَ أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» وَلِأَنَّ الرُّكُوبَ تَنَعُّمٌ وَتَلَذُّذٌ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ حَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ وَعِظَةٍ وَاعْتِبَارٍ وَلَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ مَعَ الْجِنَازَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا رَأَى النِّسَاءَ فِي الْجِنَازَةِ قَالَ لَهُنَّ أَتَحْمِلْنَ مَعَ مَنْ يَحْمِلُ أَتُدَلِّينَ فِيمَنْ يُدَلِّي أَتُصَلِّينَ فِيمَنْ يُصَلِّي قُلْنَ لَا قَالَ فَانْصَرِفْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» وَلِأَنَّهُنَّ لَا يَحْمِلْنَ وَلَا يَدْفِنَّ وَلَا يَضَعْنَ فِي الْقَبْرِ فَلَا مَعْنَى لِحُضُورِهِنَّ. وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجِنَازَةِ نَائِحَةٌ تُزْجَرُ وَتُمْنَعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّائِحَةُ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنْ مُسْتَمِعِيهَا فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّوْحِ وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَلَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَخَمْشِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ» فَالصَّالِقَةُ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالنِّيَاحَةِ وَالْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ رَأْسَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ قَمِيصَهَا أَوْ ثَوْبَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَعَنْ «أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ» وَالنِّيَاحَةُ هِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَالنَّدْبُ تَعْدِيدُ النَّادِبَةِ بِصَوْتِهَا مَحَاسِنَ الْمَيِّتِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا الْإِفْرَاطُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ وَأَمَّا الْبُكَاءُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَدْبٌ وَلَا نَوْحٌ وَلَا إفْرَاطٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ: الْعَيْنُ

تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَخْشَعُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ وَإِنَّا عَلَيْك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ لَوْلَا أَنَّهُ قَوْلٌ حَقٌّ وَوَعْدٌ صِدْقٌ وَطَرِيقٌ بَيِّنٌ لَحَزِنَّا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا ثُمَّ فَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنَّهَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْت قَدْ نَهَيْت عَنْ الْبُكَاءِ قَالَ لَا إنَّمَا نَهَيْت عَنْ النَّوْحِ» . (قَوْلُهُ وَيُحْفَرُ الْقَبْرُ وَيُلْحَدُ) إنَّمَا أَخَّرَ الشَّيْخُ ذِكْرَ الْقَبْرِ لِأَنَّهُ آخِرُ جِهَازِ الْمَيِّتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِقْدَارَ عُمْقِهِ إلَى صَدْرِ رَجُلٍ وَسَطِ الْقَامَةِ وَكُلَّمَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ الْمَيِّتِ عَنْ الضَّيَاعِ وَلَوْ حَفَرُوا قَبْرًا فَوَجَدُوا فِيهِ مَيِّتًا أَوْ عِظَامًا قِيلَ يَحْفِرُونَ غَيْرَهُ وَيَدْفِنُونَ هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ وَظَهَرَ فِيهِ عِظَامٌ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْعِظَامَ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ وَيَدْفِنُونَ الْمَيِّتَ مَعَهَا. (قَوْلُهُ وَيُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْشَ عَلَى الْقَبْرِ أَنْ يَنْهَالَ أَمَّا إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَذَوُو الرَّحِمِ وَالْمَحْرَمِ أَوْلَى بِإِدْخَالِ الْمَرْأَةِ الْقَبْرَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَيُسَجَّى قَبْرُهَا بِثَوْبٍ إلَى أَنْ يُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهَا لِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ شَيْءٌ مِنْهُ حَالَ إنْزَالِهَا فِي الْقَبْرِ وَلِأَنَّهَا تُغَطَّى بِالنَّعْشِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يُسَجَّى قَبْرُ الرَّجُلِ كَمَا لَا يُغَطَّى سَرِيرُهُ بِالنَّعْشِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ قَالَ الَّذِي يَضَعُهُ بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ بِاسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاك وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ سَلَّمْنَاك أَيْ عَلَى شَرِيعَتِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَهُ قَبْرَهُ مِنْ الرِّجَالِ شَفْعٌ أَوْ وَتْرٌ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَهُ قَبْرَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَصُهَيْبٌ» (قَوْلُهُ وَيُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ) بِذَلِكَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ اسْتَقْبِلْ بِهِ الْقِبْلَةَ اسْتِقْبَالًا وَقُولُوا جَمِيعًا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَضَعُوهُ لِجَنْبِهِ وَلَا تُكِبُّوهُ لِوَجْهِهِ وَلَا تُلْقُوهُ لِظَهْرِهِ» . (قَوْلُهُ وَتُحَلُّ الْعُقَدُ عَنْهُ) لِأَنَّهَا إنَّمَا فُعِلَتْ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ الْأَكْفَانَ وَقَدْ أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ دُفِنَتْ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (قَوْلُهُ وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُعِلَ لَحْدُهُ اللَّبِنَ» . وَفِي الْفَتَاوَى وُضِعَ عَلَيْهِ حُزْمَةٌ مِنْ قَصَبٍ وَالْقَصَبُ فِي مَعْنَى اللَّبِنِ فِي قُرْبِهِ مِنْ الْبِلَاءِ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ وَالْخَشَبُ) لِأَنَّهُمَا لِأَحْكَامِ الْبِنَاءِ وَهُوَ لَا يَلِيقُ بِالْمَيِّتِ لِأَنَّ الْقَبْرَ مَوْضِعُ الْبِلَاءِ فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ الْأَحْجَارُ وَقِيلَ إنَّمَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ لِأَنَّهُ مَسَّتُهُ النَّارُ فَلَا يَتَفَاءَلُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ الْحَجَرُ وَالْخَشَبُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مِسَاسَ النَّارِ فِي الْآجُرِّ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْكَرَاهَةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَقَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَوْجَهُ فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ فِيهِ أَحْكَامَ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْآجُرِّ وَالْخَشَبِ وَالْخَشَبُ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَثَرُ النَّارِ وَقَالَ مَشَايِخُ بُخَارَى لَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ فِي بِلَادِنَا لِمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِضَعْفِ الْأَرَاضِيِ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَوْ اتَّخَذُوا تَابُوتًا مِنْ حَدِيدٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ اللَّبِنُ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنَّمَا يُكْرَهُ الْآجُرُّ إذَا كَانَ مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ فَوْقِ اللَّبِنِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عِصْمَةً مِنْ السَّبُعِ وَصِيَانَةً عَنْ النَّبْشِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ إذَا اتَّخَذُوا التَّابُوتَ مِنْ الْحَدِيدِ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْقَصَبِ) يَعْنِي غَيْرَ الْمَنْسُوجِ أَمَّا الْمَنْسُوجُ فَيُكْرَهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَالْمَنْسُوجُ هُوَ الْمَحْبُوكُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ) وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُهِيلُوا بِأَيْدِيهِمْ وَبِالْمَسَاحِيِّ وَبِكُلِّ مَا أَمْكَنَ يُقَالُ هِلْت التُّرَابَ إذَا صَبَبْته وَأَرْسَلْته وَكَذَلِكَ يُقَالُ حَثَا التُّرَابَ أَيْضًا إذَا صَبَّهُ إلَّا أَنَّ الْحَثْيَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ دَفْعِ التُّرَابِ وَالْهَيْلُ الْإِرْسَالُ مِنْ غَيْرِ دَفْعٍ وَيُقَالُ هِلْت الدَّقِيقَ فِي الْجِرَابِ إذَا صَبَبْته مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ شَهِدَ دَفْنَ مَيِّتٍ أَنْ يَحْثُوَ فِي قَبْرِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ التُّرَابِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَيَكُونُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ وَيَقُولُ فِي الْحَثْيَةِ الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] وَفِي الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وَفِي الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] وَقِيلَ يَقُولُ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ زَوِّجْهُ مِنْ الْحُورِ

باب الشهيد

الْعِينِ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قَالَ فِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِك. (قَوْلُهُ وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُسَطَّحُ) أَيْ وَلَا يُرَبَّعُ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَاهَدَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ وَهِيَ مُسَنَّمَةٌ عَلَيْهَا فَلْقٌ مِنْ مَدَرٍ وَيُكْرَهُ تَطْيِينُ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصُهَا وَالْبِنَاءُ عَلَيْهَا وَالْكَتْبُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُجَصِّصُوا الْقُبُورَ وَلَا تَبْنُوا عَلَيْهَا وَلَا تَقْعُدُوا عَلَيْهَا وَلَا تَكْتُبُوا عَلَيْهَا» وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِتَسْوِيَةِ التُّرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ الرَّشَّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّطْيِينِ وَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ بِاللَّيْلِ وَلَكِنَّهُ بِالنَّهَارِ أَمْكَنُ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ» وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دُفِنَ لَيْلًا وَدُفِنَتْ عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَيْلًا وَالْأَفْضَلُ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ الَّتِي فِيهَا قُبُورُ الصَّالِحِينَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ أَنْ يَجْلِسُوا سَاعَةً عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا يَتْلُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ لِلْمَيِّتِ. قَالَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ إذَا أَنَا مِتّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي قَوْلُهُ فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ صُبُّوهُ قَلِيلًا قَلِيلًا وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ وَمَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا مِنْ الْجَنَّةِ وَمَنْ عَزَّى مُصَابًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَوَقْتُهَا مِنْ حِينِ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَتُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُجَدِّدُ الْحُزْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزَّى أَوْ الْمُعَزِّي غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا وَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْهَا قَبْلَهُ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ مَشْغُولُونَ قَبْلَ الدَّفْنِ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ وَحْشَتَهُمْ بَعْدَ الدَّفْنِ لِفِرَاقِهِ أَكْثَرُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُرَ مِنْهُ جَزَعٌ شَدِيدٌ فَإِنْ رَأَوْا ذَلِكَ قُدِّمَتْ التَّعْزِيَةُ لِتَسْكِينِهِمْ وَلَفْظُ التَّعْزِيَةِ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَأَلْهَمَك صَبْرًا وَأَجْزَلَ لَنَا وَلَك بِالصَّبْرِ أَجْرًا وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ «تَعْزِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْدَى بَنَاتِهِ كَانَ قَدْ مَاتَ لَهَا وَلَدٌ فَقَالَ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى» . وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ أَيْ الْعَالَمُ كُلُّهُ مِلْكُ اللَّهِ فَلَمْ يَأْخُذْ مَا هُوَ لَكُمْ بَلْ أَخَذَ مِلْكَهُ وَهُوَ عِنْدَكُمْ عَارِيَّةٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَهُ مَا أَعْطَى أَيْ مَا وَهَبَهُ لَكُمْ لَيْسَ هُوَ خَارِجٌ عَنْ مِلْكِهِ بَلْ هُوَ لَهُ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ مَنْ قَدْ قَبَضَهُ فَقَدْ انْقَضَى أَجَلُهُ الْمُسَمَّى فَلَا تَجْزَعُوا وَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا. (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتَهَلَّ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ أَوْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ صُرَاخٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ تَثَاؤُبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِفَاضِ وَبَسْطِ الْيَدِ وَقَبْضِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكْمَ الْمَيِّتِ وَتُشْتَرَطُ الْحَيَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الِانْفِصَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ ثُمَّ صَاحَ وَخَرَجَ بَاقِيه مَيِّتًا لَا يُحْكَمُ بِحَيَاتِهِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِهْلَالُ إذَا صَاحَ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) وَفِي الْغُسْلِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُغَسَّلُ وَفِي الْهِدَايَةِ يُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِاسْتِهْلَالِهِ قُبِلَتْ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَكَذَا الْأُمُّ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ وَأَمَّا الْقَابِلَةُ فَلَا تُقْبَلُ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ عِدْلَةً كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الشَّهِيدِ] (بَابُ الشَّهِيدِ) سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ

وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الشَّهِيدُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا بِحَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي مَعْنَى الْمُشْرِكِينَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَالْبُغَاةُ وَكَذَا إذَا أَوْطَأَتْهُ دَوَابُّ الْعَدُوِّ وَهُمْ رَاكِبُوهَا أَوْ سَائِقُوهَا أَوْ قَائِدُوهَا وَأَمَّا إذَا نَفَرَ فَرَسُ الْمُسْلِمِ مِنْ دَوَابِّ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيرٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ رَايَاتِ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ سَوَادِهِمْ حَتَّى أَلْقَى رَاكِبَهُ فَمَاتَ لَا يَكُونُ شَهِيدًا وَكَذَا الْمُسْلِمُونَ إذَا انْهَزَمُوا فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ أَوْ مِنْ السُّورِ فَمَاتُوا لَمْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ هُمْ الَّذِينَ أَلْقَوْهُمْ بِالطَّعْنِ أَوْ الدَّفْعِ أَوْ الْكَرِّ عَلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ) الْمَعْرَكَةُ مَوْضِعُ الْقِتَالِ وَالْأَثَرُ الْجِرَاحَةُ وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ غُسِّلَ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْعُفُ وَيَبُولُ دَمًا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ فَمِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ غُسِّلَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْجَوْفِ لَمْ يُغَسَّلْ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِلَوْنِ الدَّمِ فَالنَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ صَافٍ وَالْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ عَلَقٌ وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ الْمُشْرِكِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَلَا لَهَا سَائِقٌ وَلَا قَائِدٌ فَأَوْطَأَتْ مُسْلِمًا فِي الْقِتَالِ فَقَتَلَتْهُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ قَتْلَهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ بَلْ بِمُجَرَّدِ فِعْلِ الْعَجْمَاءِ وَفِعْلُهَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالظُّلْمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ صَارَ قَتِيلًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا) قَيَّدَ بِالظُّلْمِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَالْقِصَاصِ وَالْهَدْمِ وَالْغَرْقِ وَافْتِرَاسِ السَّبُعِ وَالتَّرَدِّي مِنْ الْجَبَلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ) يَعْنِي مُبْتَدَأَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ شَهِيدٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُبْتَدَأَةً بَلْ الْوَاجِبُ أَوَّلًا الْقِصَاصُ ثُمَّ سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَحَرَّزَ أَيْضًا مِمَّا إذَا قُتِلَ ظُلْمًا وَوَجَبَتْ بِقَتْلِهِ الدِّيَةُ كَالْمَقْتُولِ خَطَأً أَوْ قُتِلَ وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فِي الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَتَلُوهُ بِالْمُثْقَلِ فَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ شَهِيدٌ (قَوْلُهُ فَيُكَفَّنُ) أَيْ يُلَفُّ فِي ثِيَابِهِ (قَوْلُهُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الشُّهَدَاءَ بِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَالصَّلَاةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْتَى وَلِأَنَّ «السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ» فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ لَهُ وَالصَّلَاةُ هِيَ شَفَاعَةٌ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ وَالشَّهِيدُ أَوْلَى بِهَا وَالطَّاهِرُ عَنْ الذُّنُوبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الدُّعَاءِ كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ قُلْنَا هُوَ حَيٌّ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: 169] وَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى أَنَّهُ يُورَثُ مَالُهُ وَتَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ جُنُبًا بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقِتَالِ أَوْ بِقَوْلِ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً لَا رَافِعَةً فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ثَوْبِ الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الدَّمِ تُغْسَلُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ وَلَا يُغْسَلُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ دَمَهُ مِنْ كَوْنِهِ نَجِسًا وَلَمْ تَرْفَعْ النَّجَاسَةَ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الدَّمِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا الصَّبِيُّ) يَعْنِي إذَا اُسْتُشْهِدَ الصَّبِيُّ غُسِّلَ عِنْدَهُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِأَنَّ «السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ» وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا ذُنُوبٌ فَكَانَ الْقَتْلُ فِيهِمَا كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِمَا. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُغَسَّلَانِ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ أَيْ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الصَّلَاةُ وَقَدْ سَقَطَتْ بِالْمَوْتِ فَسَقَطَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِسُقُوطِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالْغُسْلُ الثَّانِي الَّذِي لِلْمَوْتِ سَقَطَ بِالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ أُقِيمَ مُقَامَ الْغُسْلِ كَالذَّكَاةِ فِي الشَّاةِ أُقِيمَتْ مُقَامَ الدِّبَاغِ فِي طَهَارَةِ الْجِلْدِ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يُغَسَّلَانِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهِيدَ إنَّمَا لَا يُغَسَّلُ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الظُّلْمِ وَالظُّلْمُ فِي حَقِّهِمَا أَشَدُّ. (قَوْلُهُ وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَكُلُومِهِمْ» وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا صَلَّى حَامِلًا الشَّهِيدَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَقَعَ دَمُهُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْخُفُّ وَالْحَشْوُ وَالسِّلَاحُ) الْفَرْوُ الْمَصْنُوعُ مِنْ جُلُودِ الْفِرَاءِ وَالْحَشْوُ الثَّوْبُ الْمَحْشُوُّ قُطْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَبِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ) اُرْتُثَّ عَلَى مَا لَمْ

باب الصلاة في الكعبة

يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا أَيْ جَرِيحًا وَبِهِ رَمَقٌ وَالرَّثُّ الشَّيْءُ الْخَلَقُ وَهَذَا صَارَ خَلَقَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ الظُّلْمِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الدَّائِنَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ الْمَبِيعَةَ إلَيْهِ وَعَلَيْهَا دُيُونٌ بِمَعْنَى الذُّنُوبِ فَتَسْقُطُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ» ثُمَّ الْبَيْعُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ الْعَاقِلِ الْمُمَيِّزِ وَلِهَذَا يُغَسَّلُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا وَكَذَا إذَا اُرْتُثَّ لِأَنَّ الِارْتِثَاثَ بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ. (قَوْلُهُ وَالِارْتِثَاثُ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَتَدَاوَى) لِأَنَّهُ نَالَ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ يُرْوَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا مَاءً فَكَانَ السَّاقِي يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ إذَا عَرَضَ الْمَاءَ عَلَى إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَشَارَ إلَى صَاحِبِهِ حَتَّى مَاتُوا كُلُّهُمْ عَطَاشَى فَإِنْ أَوْصَى إنْ كَانَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ مُرْتَثًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَمْوَاتِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُرْتَثًّا لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ فَإِنْ كَانَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَهُوَ مُرْتَثٌّ إجْمَاعًا وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ الْقِتَالِ سَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مِنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ فَوَجَدَهُ فِي بَعْضِ الشِّعَابِ وَبِهِ رَمَقٌ فَقَالَ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرِئُك السَّلَامَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَقْرِئْ رَسُولَ اللَّهِ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّ بِي كَذَا وَكَذَا طَعْنَةً كُلُّهَا أَصَابَتْ مَقَاتِلِي وَأَقْرِئْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنَّ بِي جِرَاحَاتٍ كُلُّهَا أَصَابَتْ مَقَاتِلِي فَلَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ ثُمَّ مَاتَ» فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ فَلَمْ يُغَسَّلْ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ أَوْ يَبْقَى حَيًّا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ) لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَبْقَى ثُلُثَيْ نَهَارٍ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ وَيُغَسَّلُ الْمَقْتُولُ إنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ ... أَوْ انْقَضَى ثُلُثَا نَهَارٍ وَهُوَ حَيُّ وَمَا تَمَامُ الْيَوْمِ شَرْطًا يَا بُنَيُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَكَثَ فِي الْمَعْرَكَةِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيًّا وَالْقَوْمُ فِي الْقِتَالِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ لَا يَعْقِلُ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالِارْتِثَاثُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ تَصَرُّمِ الْقِتَالِ. (قَوْلُهُ أَوْ يُنْقَلُ مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ) لِأَنَّهُ نَالَ بِهِ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ إلَّا إذَا حُمِلَ مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخُيُولُ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا فِي الشَّهِيدِ الْكَامِلِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ وَإِلَّا فَالْمُرْتَثُّ شَهِيدٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ كَامِلٍ فِي الشَّهَادَةِ حَتَّى أَنَّهُ يُغَسَّلُ (قَوْلُهُ وَمَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ ظُلْمًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُغَسَّلْ) عُقُوبَةً لَهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا أُخِذَ الْبَاغِي وَأُسِرَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَمَنْ قَتْلَ نَفْسَهُ خَطَأً بِأَنْ أَرَادَ ضَرْبَ الْعَدُوِّ فَأَصَابَ نَفْسَهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ السَّعْدِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَاغٍ عَلَى نَفْسِهِ وَالْبَاغِي لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يُحَارِبْ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ السَّبُعُ أَوْ مَاتَ تَحْتَ هَدْمٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ] (بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى ظَرْفِهِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ قَتْلَ الشَّهِيدِ أَمَانٌ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ وَكَذَا الْكَعْبَةُ أَمَانٌ لَهُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا)

كتاب الزكاة

وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِيهَا النَّفَلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْفَرْضُ وَسُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ بِهَا لِارْتِفَاعِهَا وَنُتُوئِهَا وَمِنْهُ الْكَعْبُ فِي الرَّجُلِ وَكُعُوبُ الرُّمْحِ وَجَارِيَةٌ كَاعِبٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ إلَى آخِرِهِ) هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِهِ جَازَ أَيْضًا وَإِنْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِهِ جَازَ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ تَحَلُّقٌ بِالْوَاوِ فَهُوَ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابُهَا فَمَنْ كَانَ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الْوَاوِ فَهُوَ جَوَابُ إذَا وَيَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ لِلِاسْتِئْنَافِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَتَوَجَّهَ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا لَيْسَ لَهُ التَّوَجُّهُ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى حَتَّى يُسَلِّمَ. (قَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ (قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ) إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَقَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ» وَزَادَ فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ وَبَطْنِ الْوَادِي وَالْإِصْطَبْلِ وَالطَّاحُونَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَتُكْرَهُ فِي الْمَقْبُرَةِ وَالْمَقْبُرَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَذَلِكَ الْمَزْبَلَةُ وَالْمَزْبَلَةُ مَوْضِعُ طَرْحِ السِّرْجِينِ وَالزِّبْلِ وَالْأَرْوَاثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الزَّكَاةِ] (كِتَابُ الزَّكَاةِ) الْمَشْرُوعَاتُ خَمْسٌ اعْتِقَادَاتٌ وَعِبَادَاتٌ وَمُعَامَلَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ وَكَفَّارَاتٌ. فَالِاعْتِقَادَاتُ خَمْسٌ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَالْعِبَادَاتُ خَمْسٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ. وَالْمُعَامَلَاتُ خَمْسٌ الْمُعَاوَضَاتُ وَالْمُنَاكَحَاتُ وَالْمُخَاصَمَاتُ وَالْأَمَانَاتُ وَالشَّرِكَاتُ. وَالْعُقُوبَاتُ خَمْسُ مَزَاجِرَ مَزْجَرَةُ قَتْلِ النَّفْسِ كَالْقِصَاصِ وَمَزْجَرَةُ أَخْذِ الْمَالِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَمَزْجَرَةُ هَتْكِ السِّتْرِ كَالْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَمَزْجَرَةُ ثَلْمِ الْعِرْضِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَمَزْجَرَةُ خَلْعِ الْبَيْضَةِ كَالْقَتْلِ عَلَى الرِّدَّةِ. وَالْكَفَّارَاتُ خَمْسٌ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةُ الْإِفْطَارِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةُ جِنَايَاتِ الْحَجِّ. وَتَرْجِعُ الْعِبَادَاتُ الْخَمْسُ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ بَدَنِيٍّ مَحْضٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ وَمَالِيٍّ مَحْضٍ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبٍ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ قَبْلَ الزَّكَاةِ إلَّا أَنَّهُ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ثُمَّ تَفْسِيرُ الزَّكَاةِ يَرْجِعُ إلَى وَصْفَيْنِ مَحْمُودَيْنِ الطَّهَارَةُ وَالنَّمَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] فَيَجْتَمِعُ لِلْمُزَكِّي الطَّهَارَةُ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ وَالْخَلَفُ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَوَاتِرِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَذَكَرَ مِنْهَا الزَّكَاةَ» وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَالزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ النَّمَاءُ وَهِيَ سَبَبٌ لِلنَّمَاءِ فِي الْمَالِ بِالْخَلَفِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّطْهِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] أَيْ تَطَهَّرَ مِنْ الذُّنُوبِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إيتَاءِ مَالٍ مَعْلُومٍ فِي مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْمُزَكِّي دُونَ الْمَالِ الْمُؤَدَّى عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ لِأَنَّهَا وُصِفَتْ بِالْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ لَا مِنْ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هِيَ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمُؤَدَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَهَلْ وُجُوبُهَا عَلَى

شروط وجوب الزكاة

الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي. قَالَ فِي الْوَجِيزِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّرَاخِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لَا تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ عَنْهُمْ إضْرَارٌ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى التَّرَاخِي وَالْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ لِأَنَّ الْحَجَّ أَدَاؤُهُ مَعْلُومٌ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَالْمَوْتُ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ لَا يُؤْمَنُ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَالزَّكَاةُ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ) اعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ الزَّكَاةِ ثَمَانِيَةٌ: خَمْسَةٌ فِي الْمَالِكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا مُسْلِمًا عَاقِلًا وَأَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمَمْلُوكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا كَامِلًا وَحَوْلًا كَامِلًا وَكَوْنُ الْمَالِ إمَّا سَائِمًا أَوْ لِلتِّجَارَةِ. (قَوْلُهُ إذَا مَلَكَ نِصَابًا) لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَمَا دُونَ النِّصَابِ مَالٌ قَلِيلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا فَقِيرٌ وَالْفَقِيرُ مُحْتَاجٌ إلَى الْمُوَاسَاةِ. (قَوْلُهُ مِلْكًا تَامًّا) يُحْتَرَزُ عَنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَدْيُونِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمِلْكَ التَّامَّ هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْمِلْكُ وَالْيَدُ وَأَمَّا إذَا وَجَدَ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ كَمِلْكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ وَجَدَ الْيَدَ دُونَ الْمِلْكِ كَمِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَدْيُونِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. (قَوْلُهُ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) إنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ فِيهِ مِنْ التَّنْمِيَةِ وَهَلْ تَمَامُ الْحَوْلِ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ فَعِنْدَهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ يُؤَيِّدُهُ جَوَازُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ. [شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ] (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُكَاتَبٍ زَكَاةٌ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ ذَكَرَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَقَدْ عُرِفَا بِقَوْلِهِ عَلَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ قُلْنَا ذَكَرَهُ لِلْبَيَانِ مِنْ جِهَةِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ وَلَا مَا يَشُوبُهَا الْمَالُ كَالْحَجِّ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَتَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَوَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ كَالنَّفَقَاتِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْجُنُونُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا فَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ إفَاقَةٌ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِفَاقَةُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَآخِرِهَا وَإِنْ قَلَّ وَيُشْتَرَطُ فِي أَوَّلِهَا لِانْعِقَادِ الْحَوْلِ وَفِي آخِرِهَا لِيَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ خِطَابُ الْأَدَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْإِفَاقَةُ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا وُجِدَتْ الْإِفَاقَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ قَلَّ أَوْ كُثْرَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا كَمَا فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْإِفَاقَةُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ وَلِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى إنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ سُلِّمَ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ سُلِّمَ لِمَوْلَاهُ فَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالدَّيْنِ وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَاعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَجْلِ دَابَّتِهِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُهَانُ وَيُحْبَسُ فَصَارَ فِي صَرْفِهِ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَعَبْدِ الْخِدْمَةِ وَدَارِ السُّكْنَى بَلْ أَوْلَى فَنَقَصَ مِلْكُ النِّصَابِ وَانْعَدَمَ الْغِنَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ كُلُّ دَيْنٍ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِلْعِبَادِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى كَدَيْنِ الزَّكَاةِ فَاَلَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَالْمَهْرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الْحَيَوَانِ وَسَوَاءٌ وَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَهُوَ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ وَالنَّفَقَةُ إذَا قُضِيَ بِهَا مَنَعَتْ الزَّكَاةَ وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِهَا لَا تَمْنَعُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا قَدْ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَاسْتَقَرَّتْ فَلَا يَسْقُطُهَا مَا لَحِقَهُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجْمَعُوا أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُشْرِ. وَقَوْلُهُ يُحِيطُ بِمَالِهِ الْإِحَاطَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لَا يُحِيطُ بِهِ لَا تَجِبُ أَيْضًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَمْنَعُهُ أَنْ يَبْلُغَ

نِصَابًا حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ دِرْهَمًا وَاحِدًا فِي الْمِائَتَيْنِ مَنَعَ الْوُجُوبَ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِثْقَالًا وَعَلَيْهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَبْقَ الْبَاقِي نِصَابًا جُعِلَ كَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلِأَنَّ الْمَدْيُونَ مِلْكُهُ فِي النِّصَابِ نَاقِصٌ لَا يُفِيدُهُ مِلْكُهُ لَهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَذَلِكَ آيَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَدَيْنِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ، وَالْخَرَاجُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بِقَدْرِهِ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الْبَاطِنَةِ هُوَ يَقُولُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي الْبَاطِنَةِ فَهُوَ دَيْنٌ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ قُلْنَا بَلَى لِلْإِمَامِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ إذَا عَلِمَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ عَدَمَ الْإِخْرَاجِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَيُسَلِّمُهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي مَالٍ قَائِمٍ أَوْ زَكَاةِ مَالٍ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ دَيْنِ زَكَاةِ الْمَالِ الْمُسْتَهْلَكِ وَبَيْنَ الْعَيْنِ. وَهَذَا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَوَجَبَتْ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَلَمْ يُخْرِجْهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ آخَرُ لَمْ يَجِبْ لِلثَّانِي شَيْءٌ وَمُنِعَتْ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ لَمَّا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ وَبَقِيَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ إنَّهُ اسْتَفَادَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أُخْرَى وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ دَيْنَ الْعَيْنِ اُسْتُحِقَّ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ بِهِ جُزْءٌ مِنْهُ فَبَقِيَ دَيْنًا لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ الْعِبَادِ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ بِهِ الْإِمَامُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا يَصِيرُ دَيْنًا وَعِنْدَهُمَا يُطَالِبُ بِهِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي فَقَوْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا أَيْ فِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ وَفِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ دَيْنُ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذَيْنِ الدَّيْنَيْنِ مَانِعَيْنِ لِلزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا مَطَالِبَ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَدَيْنِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَهُمَا لَا يَمْنَعَانِ الْوُجُوبَ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) لِفَرَاغِهِ عَنْ الْحَاجَةِ وَإِنْ لَحِقَهُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ ثُمَّ بَرِيءَ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الدَّيْنَ بِمَنْزِلَةِ نُقْصَانِ النِّصَابِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ بَرِيءَ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا إلَّا زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا تَجِبُ رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا الْوَاهِبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَيْنَ النِّصَابِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي دُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُهَا وَثِيَابٍ يَلْبَسُهَا وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكُتُبُ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ نَحْوًا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا كَانَ لَهُ مُصْحَفٌ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ مُصْحَفًا يَقْرَأُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ أَوْ مُقَارَنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ الِاقْتِرَانُ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَاكْتَفَى بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ وَقَوْلُهُ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ يَعْنِي إلَى الْفَقِيرِ أَوْ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ التَّوْكِيلِ وَنَوَى عِنْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ جَازَ وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَنْ يَدْفَعَ لِأَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا دَفَعَهَا إلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنْ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ ضَعْهَا حَيْثُ شِئْت لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهٍ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا) يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ وَكَذَا إذَا نَوَى تَطَوُّعًا وَإِنْ نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَضْمَنُ الزَّكَاةَ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِ النِّصَابِ سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي كُلِّ النِّصَابِ لِمَا أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ

باب زكاة الإبل

لِشُكْرِ نِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ فَيَجِبُ فِي الْكُلِّ شَائِعًا فَإِذَا خَرَجَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْهُ مَا كَانَ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحَلًّا لِلْوَاجِبِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَيِّنِ لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى كَمَا لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى مَحَلٌّ لِلْوَاجِبِ وَكَذَا الْبَاقِي أَيْضًا مَحَلٌّ لِلْوَاجِبِ وَمِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِي الْمُؤَدَّى يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْمُؤَدَّى فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْبَاقِي فَلَا يَقَعُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ وَعَدَمِ قَاطِعِ الْمُزَاحَمَةِ وَهُوَ النِّيَّةُ الْمُعَيِّنَةُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ فَإِنَّ الْمُزَاحَمَةَ انْعَدَمَتْ هُنَاكَ فَسَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ ضَرُورَةً لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ يَنْوِي بِهَا الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى مِنْ النَّفْلِ فَانْتَفَى الْأَضْعَفُ بِالْأَقْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ عَنْ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِيقَاعُ عَنْهُمَا لِتَنَافِيهِمَا فَلَغَتْ النِّيَّةُ فَلَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ. [بَابُ زَكَاةِ الْإِبِلِ] الْإِبِلُ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ وَنِسَاءٍ وَسُمِّيَتْ إبِلًا لِأَنَّهَا تَبُولُ عَلَى أَفْخَاذِهَا وَقَدَّمَ الشَّيْخُ زَكَاةَ الْمَوَاشِي عَلَى النَّقْدَيْنِ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الزَّكَاةِ أَوَّلًا كَانَتْ مِنْ الْعَرَبِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي وَقَدَّمَ الْإِبِلَ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرَةُ الِاسْتِعْمَالِ لِلْإِبِلِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْبَقَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ) وَيُقَالُ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ بِالْإِضَافَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] وَالذَّوْدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ خَمْسًا سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ) السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تُرْسَلُ لِلرَّعْيِ فِي الْبَرَارِي وَلَا تُعْلَفُ فِي الْمَنْزِلِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ ذُكُورًا مُنْفَرِدَةً أَوْ إنَاثًا مُنْفَرِدَةً أَوْ مُخْتَلِطَةً وَقَوْلُهُ فَفِيهَا شَاةٌ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالشَّاةُ مِنْ الْغَنَمِ مَا لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيِّ مِنْ الْغَنَمِ فَصَاعِدًا وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ فَلَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ وَيَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَدْنَى السِّنِّ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ وَجَبَتْ الشَّاةُ فِي الْإِبِلِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّكَاةِ أَنْ تَجِبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ جِنْسِهِ قِيلَ لِأَنَّ الْإِبِلَ إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا كَانَتْ مَالًا كَثِيرًا لَا يُمْكِنُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوُجُوبِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِجْحَافِ وَفِي إيجَابِ الشِّقْصِ ضَرَرُ عَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلِهَذَا وَجَبَتْ الشَّاةُ وَقِيلَ لِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِيجَابُ الشَّاةِ فِي الْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ كَإِيجَابِ الْخَمْسَةِ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ الْوَاجِبُ هُنَا الْعَيْنُ وَلَهُ نَقْلُهَا إلَى الْقِيمَةِ وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ الشَّاةُ وَلَوْ أَنَّ لَهُ إبِلًا سَائِمَةً بَاعَهَا فِي وَسَطِ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا اسْتَقْبَلَ لَهَا حَوْلًا آخَرَ إجْمَاعًا كَالْإِبِلِ إذَا بَاعَهَا بِالْبَقَرِ وَكَالْبَقَرِ إذَا بَاعَهَا بِالْغَنَمِ أَوْ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِعُرُوضٍ وَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا عَلَى الثَّانِي فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ الْحَوْلُ أَيْضًا وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِهَا كَانَتْ زَكَاتُهَا دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَتَحَوَّلُ زَكَاتُهَا إلَى بَدَلِهَا حَتَّى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْبَدَلِ. وَقَالَ زُفَرُ إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا يَتَحَوَّلُ زَكَاتُهَا إلَى بَدَلِهَا بِحَيْثُ تَبْقَى بِبَقَائِهَا وَتَفُوتُ بِفَوَاتِهَا وَإِنْ بَاعَ السَّائِمَةَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فِي الْحَوْلِ إنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ قَاضٍ لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ الْحَوْلِ وَكَانَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا وَإِنْ رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاتُهَا إلَّا بِحَوْلِ جَدِيدٍ وَكَذَا لَوْ وَهَبَهَا فِي الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا فِيهِ لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ الْحَوْلِ وَكَانَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ يُوجِبُ فَسْخَهَا سَوَاءٌ كَانَ الرُّجُوعُ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَذَا فِي شَرْحِهِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ

باب صدقة البقر

وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا مَاخِضٌ بِغَيْرِهَا فِي الْعَادَةِ أَيْ حَامِلٌ بِغَيْرِهَا وَفِي الْمُغْرِبِ مَخَضَتْ الْحَامِلُ مَخَاضًا أَيْ أَخَذَهَا وَجَعُ الْوِلَادَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23] أَيْ أَلْجَأَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَالْقِيمَةُ وَلَا يَجُوزُ هُنَا إلَّا الْإِنَاثُ خَاصَّةً وَلَا يَجُوزُ الذُّكُورُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ وَأَمَّا فِي الْبَقَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ وَفِي الْغَنَمِ أَيْضًا يَجُوزُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ) وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا ذَاتَ لَبَنٍ بِوِلَادَةِ غَيْرِهَا فِي الْعَادَةِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ إلَى سِتِّينَ) وَهِيَ مَا لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ) وَهِيَ مَا لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ وَلَا اشْتِقَاقَ لِاسْمِهَا وَهِيَ أَعْلَى سِنٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ فَفِي الْخَمْسِ شَاةٌ وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ إلَى آخِرِهِ) إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ أَبَدًا كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ يَعْنِي فَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ بِنْتُ لَبُونٍ إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ حِقَّةٌ إلَى خَمْسِينَ هَكَذَا أَبَدًا مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ إلَى الْحِقَّةِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَمَا يُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ احْتَرَزَ بِهَذَا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ لِانْعِدَامِ وُجُودِ نِصَابِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ صَارَ جَمِيعُ النِّصَابِ مِائَةً وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِصَابُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ فَلَمَّا زَادَ عَلَيْهَا خَمْسًا صَارَ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَوَجَبَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ لِأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً. (قَوْلُهُ وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ سَوَاءٌ) الْبُخْتُ جَمْعُ بُخْتِيٍّ وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتَ نَصَّرَ وَالْعِرَابُ جَمْعُ جَمَلٍ عَرَبِيٍّ وَالْعَرَبُ جَمْعُ رَجُلٍ عَرَبِيٍّ فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأَنَاسِيِّ وَالْبَهَائِمِ كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ حِصَانٍ وَحِصَانٍ فَالْعِرَاب مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْبُخْتُ لِلْعَجَمِ وَقَوْلُهُ سَوَاءٌ يَعْنِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبُخْتِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ لَحْمِ الْعِرَابِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَيْسَ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسْبَلَةِ زَكَاةٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا فِي الْمَوَاشِي الْعَمْيِ وَلَا الْمَقْطُوعَةِ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَائِمَةٍ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ سَائِمَةٌ فَجَاءَهُ الْمُصَدِّقُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَقَالَ لَيْسَتْ هِيَ لِي أَوْ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِقِيمَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوُجُوبَ وَإِنْ قَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى مُصَدِّقٍ غَيْرِك إنْ كَانَ هُنَاكَ مُصَدِّقٌ غَيْرُهُ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ أَتَى بِالْبَرَاءَةِ أَمْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُصَدِّقٌ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ قَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعُشْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ أَمْوَالَ التِّجَارَةِ فَقَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى الْقُرَّاءِ صُدِّقَ لِأَنَّ دَفْعَ زَكَاةِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ مُفَوَّضَةٌ إلَى أَرْبَابِهَا. [بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ] قَدَّمَهَا عَلَى الْغَنَمِ لِأَنَّ الْبَقَرَ تَحْصُلُ بِهَا مَصْلَحَةُ الزِّرَاعَةِ وَاللَّحْمِ، وَالْغَنَمُ لَا يَحْصُلُ بِهَا إلَّا اللَّحْمُ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْإِبِلِ مِنْ حَيْثُ الضَّخَامَةُ وَالْقِيمَةُ حَتَّى أَنَّ اسْمَ الْبَدَنَةِ يَشْمَلُهُمَا وَسُمِّيَتْ الْبَقَرُ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِهَا أَيْ تَشُقُّهَا وَالْبَقْرُ هُوَ الشَّقُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ سَائِمَةً

باب زكاة الغنم

وَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا تَبِيعُ أَوْ تَبِيعَةٌ) وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَ تَبِيعَا لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ يَتْبَعُ أُمَّهُ ثُمَّ الْأُنْثَى لَا تَزِيدُ عَلَى الذَّكَرِ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَا فِي الْغَنَمِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الذَّكَرُ فِيهَا إلَّا عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ وَأَدْنَى سِنٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ فِي الْبَقَرِ تَبِيعٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِالْعَجَاجِيلِ (قَوْلُهُ وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ) وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَعْطَى تَبِيعَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ عَنْ السِّتِّينَ فَلَأَنْ يَجْزِيَانِ عَمَّا دُونَهَا أَوْلَى. (قَوْلُهُ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَجَبَ فِي الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَفِي الْوَاحِدَةِ رُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الثَّلَاثِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الْأَرْبَعِ عُشْرُ مُسِنَّةٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَيَكُونُ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ لِأَنَّ الْأَوْقَاصَ فِي الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ السِّتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ وَلَا فِي مَا وَرَاءِ السِّتِّينَ. (قَوْلُهُ وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَفِي مِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ) وَفِي مِائَةٌ وَعَشْرُ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أَوْ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا أَمَّا فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجَامُوسِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَقِلَّتِهِ فِي بِلَادِنَا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ كَثُرَ فِي مَوْضِعٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْبَقَرَ لَا يَتَنَاوَلُ الْجَوَامِيسَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقَرًا تَنَاوَلَهَا فَيَحْنَثُ بِشِرَائِهَا لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ لِلْمَعْهُودِ [بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ] قَدَّمَ الْغَنَمَ عَلَى الْخَيْلِ لِكَثْرَتِهِ وَكَوْنِ زَكَاةِ الْغَنَمِ مُتَّفِقًا فِيهَا وَزَكَاةِ الْخَيْلِ مُخْتَلِفًا فِيهَا ثُمَّ الْغَنَمُ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً صَدَقَةٌ) أَدْنَى السِّنِّ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ عِنْدَهُمَا وَمَا دُونَهُ حُمْلَانٌ لَا شَيْءَ فِيهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ. (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ) وَصِفَتُهَا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَهِيَ مَا لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ يَجُوزُ وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّنَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهِيَ أَضْيَقُ مِنْ الزَّكَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّبِيعَ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَيَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُؤْخَذُ الذَّكَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا ثُمَّ السُّنَّةُ أَنَّ النِّصَابَ إذَا كَانَ ضَأْنًا يُؤْخَذُ مِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ الْمَعْزِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَمِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ. (قَوْلُهُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الضَّأْنِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْمَعْزِ لَا يَحْنَثُ

باب زكاة الخيل

[بَابُ زَكَاةِ الْخَيْلِ] (بَابُ زَكَاةِ الْخَيْلِ) اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَهُوَ التَّمَايُلُ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا لِقِلَّةِ وُجُودِهَا وَقِلَّةِ إسَامَتِهَا وَالِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَأَقَلُّ سِنٍّ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا أَنْ يُنْزِيَ إذَا كَانَ ذَكَرًا أَوْ يُنْزَى عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أُنْثَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) إنَّمَا شَرَطَ الِاخْتِلَاطَ لِأَنَّ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَيْنِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ التَّنَاسُلِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ السَّوَائِمِ حَيْثُ يَجِبُ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا التَّنَاسُلُ حَصَلَ مِنْهَا الْأَكْلُ وَفِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفِعْلِ الْمُسْتَعَارِ وَالنَّاسُ لَا يَتَمَانَعُونَ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَكُونَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَلَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَلَا فِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ لِأَنَّ نَمَاءَهَا بِالتَّوَالُدِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ النِّصَابُ اثْنَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذُّكْرَانِ فَعَلَى هَذَا النِّصَابُ وَاحِدٌ. وَالصَّحِيحُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ ثُمَّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِيهَا وَهَذَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْغَزْوِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لِلْغَزْوِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ الْوُجُوبُ فِي عَيْنِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَبْلُغْ الْفَرَسَانِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اشْتَرَطَ فِيهَا الِاخْتِلَاطُ أَوْ الْفُرْسُ عَلَى الثَّانِيَةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَخَذَ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَقَوْلُهُ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ احْتَرَزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْخِيَارُ إلَى الْعَامِلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا هَذَا الْخِيَارُ فِي أَفْرَاسِ الْعَرَبِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْقِيمَةِ أَمَّا فِي أَفْرَاسِ الْعَجَمِ فَيُقَوِّمُهَا حَتْمًا بِغَيْرِ خِيَارٍ لِتَفَاوُتِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ زَكَاتُهَا مِنْ عَيْنِهَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفُقَرَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لِأَنَّ عَيْنَهَا غَيْرُ مَأْكُولٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ يَنْبَغِي عِنْدَهُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الرُّكُوبُ وَلِهَذَا قَرَنَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِيهَا بِالْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَنْزِ أَيْضًا. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ صَدَقَةَ الْخَيْلِ مِنْ صَاحِبِهَا جَبْرًا لِأَنَّ زَكَاتَهَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا بِخِلَافِ زَكَاةِ السَّائِمَةِ فَإِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عَيْنِهَا وَلِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْأَخْذِ وَلِأَنَّ الْخَيْلَ مَطْمَعٌ لِكُلِّ طَامِعٍ فَلَوْ وَلِيَ السُّعَاةُ أَخْذَ الزَّكَاةِ فِيهَا لَمْ يَتْرُكُوهَا لِصَاحِبِهَا وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا تَرَكَا الْقِيَاسَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إلَّا أَنَّ فِي الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ» إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ مَا رَوَيَاهُ عَلَى فَرَسِ الرُّكُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالرَّقِيقُ إلَّا أَنَّ فِي الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْفِطْرَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي عَبْدِ الْخِدْمَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْكَسْعَةِ شَيْءٌ» وَهِيَ الْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْحُمْلَانِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا كِبَارٌ) الْفُصْلَانُ جَمْعُ فَصِيلٍ وَهُوَ أَوْلَادُ الْإِبِلِ وَالْحُمْلَانُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ الْحَمَلِ وَهُوَ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالْعَجَاجِيلُ أَوْلَادُ الْبَقَرِ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جِنْسِ الْخَيْلِ فَلِمَ أَوْرَدَهَا فِيهَا قَبْلُ لِأَنَّ زَكَاةَ الْخَيْلِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَالزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَيْضًا فَأَوْرَدَهَا فِيهَا (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا) . وَقَالَ زُفَرُ فِيهَا مَا فِي الْكِبَارِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ

يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْكِبَارِ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَمَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ تَجِبُ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ. وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْ الْمُسِنَّاتِ جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهَا فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ حَتَّى لَا يَجْزِيَهُ أَخْذُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّغَارِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا اشْتَرَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَصِيلًا أَوْ أَرْبَعِينَ حَمَلًا أَوْ ثَلَاثِينَ عِجْلًا أَوْ وُهِبَ لَهُ ذَلِكَ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ حَالَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ وَصُورَةٌ أُخْرَى إذَا كَانَ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ فَحَالَ عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَوَالَدَتْ مِثْلَ عَدَدِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُصُولُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ هَلْ يَبْقَى حَوْلُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَعِنْدَهُمَا لَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْقَى (قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ أَخَذَ دُونَهَا وَأَخَذَ الْفَضْلَ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمُصَدِّقِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمُصَدِّقِ إذَا كَانَ فِيهِ دَفْعُ زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ شِرَاءً وَإِلَى صَاحِبِ الْمَالِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الْأَدْنَى وَالزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ دَفَعَ بِالْقِيمَةِ وَفِي دَفْعِ الْقِيمَةِ الْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ وَجَبَ بِنْتُ لَبُونٍ وَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ حِقَّةٍ فَالْخِيَارُ إلَى الْمُصَدِّقِ لِمَا فِي التَّشْقِيصِ مِنْ الضَّرَرِ وَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَبَيْنَ بِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةِ كَذَلِكَ وَبَيْنَ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ كَذَلِكَ وَبَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْحِقَّةِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَبَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْجَذَعَةِ سِتُّ شِيَاهٍ أَوْ سِتُّونَ دِرْهَمًا. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ) وَكَذَا فِي النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَالْمَعْلُوفَةِ صَدَقَةٌ) يَعْنِي بِالْعَوَامِلِ وَلَوْ سُمِّيَتْ وَبِالْمَعْلُوفَةِ وَلَوْ لَمْ تَعْمَلْ عَلَيْهَا لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَدَلِيلُهُ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ فِي الْمَعْلُوفَةِ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَيَنْعَدِمَ النَّمَاءُ فِيهَا مَعْنًى (قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ خِيَارَ الْمَالِ وَلَا رَذَالَتَهُ) أَيْ وَلَا رَدِيئَةً. (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الْوَسَطَ مِنْهُ) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ فِي أَخْذِ خِيَارِهِ إضْرَارًا بِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَفِي أَخْذِ رَذَالَتَهُ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ فَيَقْسِمُهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ وَيَأْخُذُ مِنْ الْوَسَطِ وَلَا يَأْخُذُ الرِّبَاءَ وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا وَلَا الْأَكُولَةَ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّنُ لِلْأَكْلِ وَلَا الْفَحْلَ وَلَا الْحَامِلَ وَيَحْسِبُ عَلَيْهِ فِي سَائِمَتِهِ الْعَمْيَاءَ وَالْعَجْفَاءَ وَالصَّغِيرَةَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِسَاعِيهِ عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ وَلَوْ أَتَاك بِهَا الرَّاعِي عَلَى كَفِّهِ وَلَا تَأْخُذْهَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مَالًا مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَى مَالِهِ وَزَكَّاهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ نَمَائِهِ أَوْ لَا وَبِأَيِّ وَجْهٍ اسْتَفَادَهُ ضَمَّهُ سَوَاءٌ كَانَ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْغَنَمِ مَعَ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ مِنْ السَّائِمَةِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَزَكَّاهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ وَمَعَهُ نِصَابٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْ مَضَى عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَوْلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضُمُّ إلَيْهِ ثَمَنَ السَّائِمَةِ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُ حَوْلًا جَدِيدًا وَعِنْدَهُمَا يَضُمُّهُ وَيُزْكِيهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا إذَا كَانَ ثَمَنُ السَّائِمَةِ يَبْلُغُ نِصَابًا بِانْفِرَادِهِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا ضَمَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا ثَمَنُ الطَّعَامِ الْمَعْشُورِ وَثَمَنُ الْعَبْدِ الَّذِي أَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ إجْمَاعًا وَلَوْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَاشِيَةٍ ضَمَّ الثَّمَنَ إلَى جِنْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ يَضُمُّ الدَّرَاهِمَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَاشِيَةَ إلَى الْمَاشِيَةِ وَإِنْ جَعَلَ الْمَاشِيَةَ بَعْدَ مَا زَكَّاهَا عَلُوفَةً ثُمَّ بَاعَهَا ضَمَّ ثَمَنَهَا إجْمَاعًا لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ مَالِ الزَّكَاةِ فَلَمْ تَبْقَ نِصَابًا. (قَوْلُهُ وَالسَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ حَوْلِهَا) لِأَنَّ أَصْحَابَ السَّوَائِمِ قَدْ لَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنْ أَنْ يَعْلِفُوا سَوَائِمَهُمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَجَعَلَ الْأَقَلَّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْإِسَامَةِ

فِي حَقِّ إيجَابِ زَكَاةِ السَّوَائِمِ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْإِسَامَةُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ فَإِنْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا) فَإِنْ قِيلَ إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ وَسَامَتْ نِصْفَهُ اسْتَوَى الْوُجُوبُ وَعَدَمُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُوبِ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ قِيلَ إنَّمَا لَا تَثْبُتُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ سَبَبِ الْإِيجَابِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ (قَوْلُهُ وَالزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاجِبَةٌ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ تَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ وَالْعَفْوِ) وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ يَبْقَى كُلُّ الْوُجُوبِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَسْقُطُ بِقَدْرِ الْهَالِكِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعٌ فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاةٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ ثَمَانُونَ مِنْ الْغَنَمِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاةٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ هَلَكَ سِتُّونَ فَنِصْفُ شَاةٍ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رُبُعُ شَاةٍ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النِّصَابِ شَائِعًا بَيَانُهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ. (قَوْلُهُ وَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ عَنْهُ) قَيَّدَ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ لَا يُسْقِطُهَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَهُوَ يُمْسِكُهَا عَلَى طَرِيقِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَهَا كَالْوَدِيعَةِ ثُمَّ الْهَلَاكُ إنَّمَا يُسْقِطُهَا إذَا كَانَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي بِهَا أَمَّا إذَا طَلَبَهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ طَالَبَهُ بِهَا مَنْ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ فَصَارَ كَالْمُودِعِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى هَلَكَتْ. وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَأَبُو سَهْلٍ لَا يَضْمَنُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَسْتَدْعِي تَفْوِيتًا وَلَمْ يُوجَدْ فَأَمَّا فِي مَنْعِ الْوَدِيعَةِ فَقَدْ بَدَّلَ الْيَدَ فَصَارَ مُفَوِّتًا لِيَدِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ. وَفِي الْبَدَائِعِ كَافَّةُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَالُوا لَا يَضْمَنُ وَلَوْ طَلَبَ السَّاعِي لِأَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ الْعَيْنَ أَوْ قِيمَتَهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الضَّمَانِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَوْلِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ بَيْنَ الْأَدَاءِ مُعَجَّلًا وَبَيْنَ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُعَجَّلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَنْتَقِصَ النِّصَابُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَفِي الْأَدَاءِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ إذَا عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ وَقَعَتْ تَطَوُّعًا وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي اسْتَرَدَّهَا أَمَّا إذَا كَانَ أَدَاؤُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَقَعَتْ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ انْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إنَّمَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ بِشَرَائِطَ ثَلَاثٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَوْلُ مُنْعَقِدًا وَقْتَ التَّعْجِيلِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ الَّذِي عَجَّلَ عَنْهُ كَامِلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَفُوتَ أَصْلُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِثَالُهُ إذَا كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَذَا مَالٌ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ ثُمَّ كَمَّلَ النِّصَابَ بَعْدَ التَّعْجِيلِ لَا يَكُونُ مَا عَجَّلَ زَكَاةً وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ عَلَى فَقِيرٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ وَانْتَقَصَ النِّصَابُ بِمِقْدَارِ مَا عَجَّلَ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ كَانَ مَا عَجَّلَ تَطَوُّعًا وَإِنْ اسْتَفَادَ شَيْئًا حَتَّى كَمَّلَ بِهِ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ صَحَّ التَّعْجِيلُ عَنْ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ اسْتَفَادَ مَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فَمَا عَجَّلَ لَا يَنُوبُ عَنْهُمَا لِأَنَّ التَّعْجِيلَ حَصَلَ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِنُصُبٍ كَثِيرَةٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ النِّصَابِ الْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ خَمْسٌ

باب زكاة الفضة

مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ أَرْبَعَ شِيَاهٍ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَفِي مِلْكِهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَعِنْدَنَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ الْخَمْسِ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ نِصَابٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّوَائِدُ عَلَيْهِ تَابِعَةٌ لَهُ وَلَوْ عَجَّلَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ جَازَ مَا دَفَعَهُ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ صَادَفَ الْفَقْرَ فَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنْ الْغِنَى وَالْمَوْتِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَتْ جَمِيعُهَا وَلَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ لَا تَقَعُ الشَّاةُ عَنْهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْعُشْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَبَعْدَ النَّبَاتِ جَازَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ النَّبَاتِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ ثَمَرِ النَّخِيلِ إنْ كَانَ بَعْدَ طُلُوعِهَا جَازَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ. [بَابُ زَكَاةِ الْفِضَّةِ] قَدَّمَهَا عَلَى الذَّهَبِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ تَدَاوُلًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَهْرَ وَنِصَابَ السَّرِقَةِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ يُقَدَّرُ بِهَا ثُمَّ الْفِضَّةُ تَتَنَاوَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَ الْمَضْرُوبِ وَالْوَرِقُ وَالرِّقَّةُ تَخْتَصُّ بِالْمَضْرُوبِ وَجَمْعُهَا رُقُوقٌ بِضَمِّ الرَّاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) أَيْ مَوْزُونَةٍ زِنَةَ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا (فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا يُبْنَى عَلَى هَذَا أَحْكَامُ الزَّكَاةِ وَنِصَابُ السَّرِقَاتِ وَتَقْدِيرُ الدِّيَاتِ وَالْمَهْرِ وَالْخَرَاجِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْفِضَّةُ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ أَوْ حُلِيًّا فَيُجْمَعُ جَمِيعُ مَا فِي مِلْكِهِ مِنْهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْخَوَاتِيمِ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَاللِّجَامِ وَالسَّرْجِ وَالْكَوَاكِبِ فِي الْمُصْحَفِ وَالْأَوَانِي وَالْمَسَامِيرِ الْمُرَكَّبَةِ فِي السَّكَاكِينِ وَالْأَسْوِرَةِ وَالدَّمَالِيجِ وَالْخَلَاخِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ بَلَغَتْ كُلُّهَا وَزْنَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ وَزْنُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ وَقِيمَتُهَا لِجَوْدَتِهَا وَصِيَاغَتِهَا تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا. وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْأَوْزَانَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَلِفَةً فَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنِ الدِّرْهَمِ عِشْرِينَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ عَشَرَةٍ وَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنُهُ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ خَمْسَةٍ وَمِنْهَا مَا كَانَ وَزْنَ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى وَزْنَ سِتَّةٍ فَكَانُوا يَتَصَارَفُونَ بِهَا إلَى زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ الْخَرَاجَ فَطَالَبَهُمْ بِالْأَكْثَرِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَالْتَمَسُوا مِنْهُ التَّخْفِيفَ فَجَمَعَ حُسَّابَ زَمَانِهِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمْ فَاسْتَخْرَجُوا لَهُ وَزْنَ السَّبْعَةِ فَجَمَعُوا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَزْنُهَا اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قِيرَاطًا فَقَسَمُوهَا أَثْلَاثًا فَكَانَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَإِنَّمَا كَانَتْ السَّبْعَةُ وَزْنَ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّك إذَا جَمَعْتَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَارَ الْكُلُّ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا فَإِذَا أَخَذْتَ ثُلُثَ ذَلِكَ كَانَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ وَصُورَتُهُ أَنَّك تَضْرِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي عَشَرَةٍ وَتَجْمَعُهُ يَكُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِثْقَالًا ثُمَّ تَقْسِمُهَا عَلَى عِشْرِينَ يَصِحُّ مِنْ الْقِسْمَةِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا فَثُلُثُهُ سَبْعَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِدَرَاهِمِهِ وَبِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَعَلَيْهِ إطْبَاقُ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاعْلَمْ أَنَّك مَتَى زِدْت عَلَى الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهِ وَهِيَ سِتَّةٌ كَانَ مِثْقَالًا لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَمَتَى نَقَصَتْ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِهِ وَهُوَ سِتَّةٌ كَانَ دِرْهَمًا لِأَنَّ الدِّرْهَمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا. (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ مَعَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ) قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ دِرْهَمًا فَفِيهِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْوَرِقِ الْفِضَّةُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْفِضَّةِ) لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْغَالِبَةُ كَانَ الْغِشُّ مُسْتَهْلَكًا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ زَائِدَةً عَلَى النِّصْفِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْغِشُّ فَهِيَ فِي حُكْمِ

باب زكاة الذهب

الْعُرُوضِ) لِأَنَّ غَلَبَتَهُ عَلَيْهَا يُخْرِجُهَا عَنْ حُكْمِ الْفِضَّةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهَا بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ إذَا كَانَتْ بِحَالٍ لَوْ أُحْرِقَتْ لَا يَخْلُصُ مِنْهَا نِصَابٌ أَمَّا إذَا كَانَ يَخْلُصُ مِنْهَا نِصَابٌ وَجَبَ زَكَاةُ الْخَالِصِ وَإِذَا اسْتَوَى الْخَالِصُ وَالْغِشُّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ خَمْسَةٌ احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتَهَا نِصَابًا) وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ. [بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا) زِنَةُ كُلِّ مِثْقَالٍ مِنْهَا عِشْرُونَ قِيرَاطًا (وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ نَظْمًا وَالْفَرْضُ فِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبْ ... نِصْفٌ مِنْ الْمِثْقَالِ فِي الْحَوْلِ وَجَبْ وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ فَيَكُونُ فِيهَا قِيرَاطَانِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَالْأَرْبَعَةُ الْمَثَاقِيلُ ثَمَانُونَ قِيرَاطًا وَرُبُعُ عُشْرِهَا قِيرَاطَانِ وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ كَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَفِي تِبْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَحُلِيِّهِمَا وَالْآنِيَةِ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ) التِّبْرُ الْقِطْعَةُ الَّتِي أُخْرِجَتْ مِنْ الْمَعْدِنِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَضْرُوبِ وَقَوْلُهُ وَحُلِيِّهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ حُلِيٍّ مُعَدٍّ لِلِّبَاسِ الْمُبَاحِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى امْرَأَتَيْنِ تَطُوفَانِ وَعَلَيْهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُمَا قَالَتَا لَا قَالَ أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَقَالَتَا لَا قَالَ فَأَدِّيَا زَكَاتَهُمَا» وَأَمَّا الْيَوَاقِيتُ وَاللَّآلِئُ وَالْجَوَاهِرُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ حُلِيًّا إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ. وَأَمَّا الْآنِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَلْجِمَةُ وَغَيْرُهَا فَالزَّكَاةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا بَيْنَ الْأَدَاءِ مِنْ عَيْنِهَا وَالْأَدَاءِ مِنْ قِيمَتِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ إنَاءٌ مِنْ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَتَانِ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهِ تَصَدَّقَ بِرُبْعِ عُشْرِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَتُشَارِكُهُ فِيهِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ قِيمَتِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْدِلُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ الذَّهَبُ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ عِنْدَهُ مُعْتَبَرَةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ جَازَ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَهُ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَزْنِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمَالَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إنْ كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ دُونَ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ الْقِيمَةُ دُونَ الْقَدْرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْفَعُ الْوَجْهَيْنِ لِلْفُقَرَاءِ بَيَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا قَفِيزِ حِنْطَةٍ لِلتِّجَارَةِ قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقِيمَتُهَا كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ فَإِنْ اسْتَقْرَضَ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ قِيمَتُهَا أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَأَدَّاهَا عَنْ هَذِهِ أَجْزَأَهُ. وَسَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ رِبًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا قَفِيزٍ رَدِيئَةٍ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَأَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَدَّاهَا عَنْ خَمْسَةِ أَقْفِزَةٍ رَدِيئَةٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا وَعَلَيْهِ قَفِيزٌ آخَرُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْقِيمَةَ دُونَ الْقَدْرِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ أَنْفَعَهُمَا لِلْفُقَرَاءِ وَهُنَا اعْتِبَارُ الْقَدْرِ أَنْفَعُ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ زُيُوفٍ أَوْ نَبَهْرَجَةٍ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ فَأَدَّى عَنْهَا أَرْبَعَةً جَيِّدَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهَا خَمْسَةً رَدِيئَةً لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ وَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ آخَرُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَهَا وَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ جَيِّدَةً فَأَدَّى عَنْهَا خَمْسَةً زُيُوفًا قِيمَتُهَا أَرْبَعَةٌ جَيِّدَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ قَلْبُ فِضَّةٍ جَيِّدَةٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَته لِجَوْدَتِهِ وَصِنَاعَتِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ فَعَلَيْهِ رُبُعُ عُشْرِهِ فَإِنْ أَدَّى خَمْسَةً

باب زكاة العروض

زُيُوفًا أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدَّى مِنْ الذَّهَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا سِوَى الْفِضَّةِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَاجِبِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهِيَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي النَّذْرِ إذَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ فَأَدَّى قَفِيزًا رَدِيئًا خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ فَلَوْ أَوْجَبَ قَفِيزًا رَدِيئًا فَأَدَّى نِصْفَ قَفِيزٍ جَيِّدٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ قَفِيزٍ رَدِيءٍ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ النِّصْفِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَوْ أَوْجَبَ شَاتَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ سَمِينَةٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ شَاتَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَكَذَا فِي الزَّكَاةِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَاتَانِ وَسَطًا فَأَدَّى شَاةً سَمِينَةً تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قِيمَةَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَدَّى بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ أَجْزَأَهُ. [بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ] أَخَّرَهُ عَنْ النَّقْدَيْنِ لِأَنَّهُ يَقُومُ بِهِمَا وَالْعُرُوضُ مَا سِوَى النَّقْدَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسَّوَائِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَمِيرِ. (قَوْلُهُ يُقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) تَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا اشْتَرَاهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ قَوَّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَبْلُغُ بِكِلَا النَّقْدَيْنِ نِصَابًا أَمَّا إذَا بَلَغَتْ بِأَحَدِهِمَا قَوَّمَهَا بِالْبَالِغِ إجْمَاعًا بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَإِنْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ تَبْلُغُ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالدَّرَاهِمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ يَجِبُ نِصْفُ مِثْقَالٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي سِتَّةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمِثْقَالِ عِنْدَهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. فَإِنْ كَانَ لَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّنَانِيرِ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ تَبْلُغُ مِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَوْمَ الْحَوْلِ وَلَا يُلْتَفَتُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانِهَا وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ الْأَدَاءِ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مِائَتَا قَفِيزِ حِنْطَةٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا حَتَّى نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فَصَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنْ أَدَّى مِنْ الطَّعَامِ أَدَّى رُبُعَ عُشْرِهِ خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَإِنْ كَانَ هَذَا الطَّعَامُ زَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهِ أَدَّى رُبُعَ عُشْرِهِ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ أَدَّى خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ بِوَاسِطَةِ الْجَفَافِ أَوْ الْبَلَلِ أَوْ أَكَلَ السُّوسُ بَعْضَهُ فَنَقَصَ كَمَا إذَا ابْتَلَتْ الْحِنْطَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ مِائَتَيْنِ أَوْ أَكَلَ السُّوسُ بَعْضَهَا حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنْ أَدَّى مِنْ عَيْنِهَا فَخَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَإِنْ أَدَّى مِنْ قِيمَتِهَا فَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ التَّغْيِيرُ إلَى زِيَادَةٍ بِأَنْ كَانَتْ يَوْمَ الْحَوْلِ مُبْتَلَّةً وَقِيمَتُهَا مِائَتَانِ فَيَبِسَتْ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِنْ أَدَّى مِنْ الْعَيْنِ فَخَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ فَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يُضَمُّ وَنُقْصَانُ النِّصَابِ يُسْقِطُ قَدْرَهُ مِنْ الزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) لِأَنَّهُ يَشُقُّ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَائِهِ أَمَّا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّاجِرَ دَائِمًا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ وَتَصَرُّفُهُ قَدْ يَكُونُ رَابِحًا وَقَدْ لَا يَكُونُ بِازْدِيَادِ السِّعْرِ وَغَلَائِهِ وَأَمَّا فِي السَّوَائِمِ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مَوْتٍ وَوِلَادَةٍ وَرُبَّمَا يَغِيبُ بَعْضُهَا أَمَّا فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَانْتِهَائِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَمَالِ النِّصَابِ أَمَّا فِي ابْتِدَائِهِ فَلِلِانْعِقَادِ وَأَمَّا فِي انْتِهَائِهِ فَلِلْوُجُوبِ وَقَيَّدَ بِالنُّقْصَانِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا هَلَكَ كُلُّ

باب زكاة الزروع والثمار

النِّصَابِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كَامِلًا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مَعْنَاهُ انْتَقَصَ وَبَقِيَ الْبَعْضُ أَمَّا إذَا هَلَكَ كُلُّهُ وَاسْتَفَادَ نِصَابًا آخَرَ انْقَطَعَ حُكْمُ النِّصَابِ الْأَوَّلِ وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْحَوْلِ وَلَمْ يَبْنِ الْوَارِثُ عَلَى ذَلِكَ الْحَوْلِ. (قَوْلُهُ وَتُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَكَذَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ أَجْنَاسُهَا (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ حَتَّى يَتِمَّ النِّصَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ مَثَاقِيلَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُضَمُّ الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَيُضَمُّ بِالْأَجْزَاءِ) كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَمَعَهُ أَيْضًا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمَا لِكَمَالِ النِّصَابِ بِالْأَجْزَاءِ وَكَذَا عِنْدَهُ أَيْضًا احْتِيَاطًا لِجِهَةِ الْفُقَرَاءِ. [بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ] الْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ هَا هُنَا الْعُشْرُ وَتَسْمِيَتُهُ زَكَاةً خَرَجَتْ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِطَانِ النِّصَابَ وَالْبَقَاءَ فَكَانَ نَوْعُ زَكَاةٍ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا كَانَ مَصْرِفُهُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ سُمِّيَ زَكَاةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ) حَدُّ الْقَلِيلِ الصَّاعُ وَمَا دُونَهُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَقِيلَ حَدُّهُ نِصْفُ صَاعٍ وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ هُنَا الْعُشْرِيَّةُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا عَلَى الرِّبَاطَاتِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْمَدَارِسِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ مُسْقَى سَيْحًا) السَّيْحُ الْمَاءُ الْجَارِي. (قَوْلُهُ أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ) يَعْنِي الْمَطَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} [الأنعام: 6] وَقَالَ الشَّاعِرُ إذَا وَقَعَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهَا وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا (قَوْلُهُ إلَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُسْتَنْبَتُ عَادَةً بَلْ تَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَا السَّعَفُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ وَالشَّجَرُ لَا عُشْرَ فِيهِ وَكَذَا التِّبْنُ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ سَاقُ الْحُبُوبِ كَالشَّجَرِ لِلثِّمَارِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ غَيْرُهُمَا وَهُوَ الثَّمَرُ وَالْحَبُّ وَأَمَّا إذَا قَصَدَ بِالشَّجَرِ الِاسْتِغْلَالَ كَشَجَرِ السَّرْحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَأَمَّا الْقَصَبُ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ وَالْقَصَبُ الْفَارِسِيِّ فَقَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ فِيهِمَا الْعُشْرُ وَالذَّرِيرَةُ هُوَ قَصَبُ السُّنْبُلِ وَأَمَّا الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَنْبَتُ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ أَمَّا إذَا اتَّخَذَ أَرْضَهُ مَقْصَبَةً أَوْ مَشْجَرَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ وَسَاقَ إلَيْهِ الْمَاءَ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ) أَيْ تَبْقَى عَيْنُهُ حَوْلًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا تَشْمِيسٍ مِمَّا يُقْتَاتُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذَّرَّةِ وَالدَّخَنِ وَالْأَرُزِّ وَالْجَاوَرْسِ وَالْعَدَسِ وَالْمَاشِّ وَاللُّوبِيَا وَهِيَ الدَّخَنُ وَالْحِمَّصُ وَالْبُرَعِيُّ وَالْهِنْدِبَاءُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ وَهُوَ يَبْقَى سَنَةً أَوْ يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا عَامًّا كَالزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرِ وَالْفُلْفُلِ وَالْكَمُّونِ وَالْخَرْدَلِ وَالْكُزْبَرَةِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَفِي السِّمْسِمِ الْعُشْرُ فَإِنْ عُصِرَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْعُشْرُ أُخِذَ مِنْ دُهْنِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الشُّجَيْرَةِ شَيْءٌ وَكَذَا الزَّيْتُونُ عَلَى هَذَا وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ فِي الصَّحِيحِ وَلَا عُشْرَ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّعْتَرِ وَالشُّونِيزِ وَالْحَلْفِ وَالْحُلْبَةِ وَقِيلَ يَجِبُ فِي الشُّونِيزِ الْعُشْرُ وَهُوَ حَبَّةُ السَّوْدَاءِ وَلَا شَيْءَ فِي الْخِطْمِيِّ وَالْوَسْمَةِ وَبِزْرِهِ وَلَا فِي الْأُشْنَانِ وَلَا فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَشَبِ

كَالْقَطِرَانِ وَالسُّلْتِ وَالْقَتِّ وَالصَّمْغِ وَلَا شَيْءَ فِي بَزْرِ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ وَلَا فِي بَزْرِ الْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالدُّبَّاءِ وَالْخِيَارِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلزِّرَاعَةِ دُونَ الْأَكْلِ. (قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْوِسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْوِسْقُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْوِسْقُ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حِمْلِ جَمَلٍ وَجُمْلَةُ الْأَوْسَاقِ الْخَمْسَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَزْبُدٍ بِزَبَدِيِّ زُبَيْدٍ السُّنْقُرِيِّ فَيَكُونُ الْوِسْقُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مَنًّا فَالْخَمْسَةُ الْأَوْسُقُ عَلَى هَذَا أَرْبَعَةُ أَمْدَادِ الْأَرْبَعِ وَعَلَى تَخْرِيجِ أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ مُدَّانِ وَنِصْفٌ بِالسُّنْقُرِيِّ لِأَنَّ نِسْبَةَ خَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ ثُلُثَاهَا فَخُذْ ثُلُثَيْ أَرْبَعَةِ أَمِدَادِ الْأَرْبَعِ تَجِدْهُ مُدَّيْنِ وَنِصْفًا. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ عِنْدَهُمَا عُشْرٌ) فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ بِالِاتِّفَاقِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالْخَضْرَاوَاتُ مَا لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ كَالْبُقُولِ وَالرِّطَابِ فَالْبُقُولُ كَالْكُرَّاثِ وَالْبَقْلِ وَالسَّلْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالرِّطَابُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْبَصَلُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ وَيُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا عَامًّا وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْكَيْلِ، وَالْعِنَبُ إنْ كَانَ يَجِيءُ مِنْهُ الزَّبِيبُ مِقْدَارَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُخْرَصَ جَافًّا فَإِنْ بَلَغَ مِقْدَارَ ذَلِكَ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ إنْ كَانَ يُسْقَى بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْعِنَبُ رَقِيقًا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْمَاءِ وَلَا يَجِيءُ مِنْهُ الزَّبِيبُ لَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ كَثُرَ. (قَوْلُهُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ) الدَّالِيَةُ الدُّولَابُ وَالسَّانِيَةُ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ الْمَاءُ. (قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ النِّصَابُ وَالْبَقَاءُ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ وَلَوْ سُقِيَ الزَّرْعُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ سَيْحًا وَفِي بَعْضِهَا بِالْغَرْبِ فَالْمُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السَّوَائِمِ إذَا عَلَفَهَا صَاحِبُهَا فِي الْحَوْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَالْأَمْنِ عَلَيْهَا مِنْ الْفَسَادِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَصَادَ إذَا بَلَغَتْ حَدًّا يَنْتَفِعُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا حُصِدَتْ وَصَارَتْ فِي الْجَرِينِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ مَا صَارَ حَبًّا جَرِيشًا أَوْ أَطْعَمَ غَيْرَهُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ عُشْرَ مَا أَكَلَ وَأَطْعَمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ وَيُحْتَسَبُ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْأَوْسُقِ وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ فِي الْوُجُوبِ يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَأْكُولُ مَعَ الْبَاقِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا غَيْرُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَمَا بَلَغَتْ الْحَصَادَ قَبْلَ أَنْ تُحْصَدَ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَ مَا صَارَتْ فِي الْجَرِينِ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَمَا تَلِفَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ حَصَادِهِ أَوْ سُرِقَ فَلَا عُشْرَ فِي الذَّاهِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ فِي تَمَامِ الْأَوْسُقِ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ بَعْدَ الْوُجُوبِ حَتَّى أَنَّ الْبَاقِي لَوْ كَانَ مَعَ الذَّاهِبِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي لَا غَيْرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعْتَبَرُ الذَّاهِبُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْبَاقِي خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مُتْلِفِهِ ضَمَانَهُ أَدَّى عُشْرَهُ وَعُشْرَ مَا بَقِيَ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ) أَيْ لَا يُكَالُ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِسْقِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا وَنَحْنُ نَقُولُ كَالْحِمَّصِ وَالدَّخَنِ فِي بِلَادِنَا. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَمْثَالٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ) كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ (وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَانٍ) وَالْمَنُّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَهِيَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. (قَوْلُهُ

باب مصارف الزكاة

وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ بَنِي شَبَابَةَ بِفَتْحِ الشِّينِ قَوْمٌ مِنْ خَثْعَمَ بِالطَّائِفِ كَانَتْ لَهُمْ نَحْلٌ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ مِنْ عَسَلِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ وَكَانَ يَحْمِي لَهُمْ وَادِيَهُمْ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنَّ النَّحْلَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَإِنْ أَدَّوْا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاحْمِ لَهُمْ وَادِيَهُمْ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ فَدَفَعُوا إلَيْهِ حِينَئِذٍ الْعُشْرَ مِنْهُ» كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النَّحْلَ يَأْكُلُ مِنْ أَنْوَارِ الشَّجَرِ وَمِنْ ثِمَارِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: 69] وَالْعَسَلُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الثِّمَارِ وَفِي الثِّمَارِ إذَا كَانَتْ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ الْعُشْرُ فَكَذَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ ثِمَارَهَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا عُشْرٌ وَبِهَذَا فَارَقَ دُودَ الْقَزِّ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْوَرَقَ دُونَ الثِّمَارِ وَلَيْسَ فِي الْأَوْرَاقِ شَيْءٌ فَكَذَا مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَاَلَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ هُوَ الْإِبْرَيْسَمُ وَلَا عُشْرَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْعَسَلِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الثِّمَارِ وَالْعُشْرُ عِنْدَهُ يَجِبُ فِي قَلِيلِ الثِّمَارِ وَكَثِيرِهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النِّصَابُ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ أَزْقَاقٍ) كُلُّ زِقٍّ خَمْسُونَ مَنًّا وَمَجْمُوعُهُ خَمْسُمِائَةِ مَنٍّ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ وَالْفَرَقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا) الْفَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ إنَاءٌ يَأْخُذُ سِتَّةَ عَشَر رِطْلًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَكِّنُونَ الرَّاءَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِخَمْسَةِ أَفْرَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ خَمْسَةِ أَمْثَالٍ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ عُشْرٌ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْعَسَلِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ] (بَابُ مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ) لَمَّا ذَكَرَ الزَّكَاةَ عَلَى تَعْدَادِهَا وَكَانَتْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْمَصَارِفِ أَوْرَدَ بَابَ الْمَصَارِفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةُ) اللَّامُ فِي هَذَا الْبَابِ لِبَيَانِ جِهَةِ الْمُسْتَحِقِّ لَا لِلتَّشْرِيكِ وَالْقِسْمَةِ بَلْ كُلُّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ دَفْعُ صَدَقَتِهِ كُلِّهَا إلَيْهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ وَيَجُوزُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفِ لِأَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ لَا يُحْصَى وَالْإِضَافَةُ إلَى مَنْ لَا يُحْصَى لَا تَكُونُ لِلتَّمْلِيكِ وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْجِهَةِ فِيهِ فَيَتَنَاوَلُ الْجِنْسَ وَهُوَ الْوَاحِدُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الدِّجْلَةِ فَشَرِبَ مِنْهُ جُرْعَةً وَاحِدَةً حَنِثَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شُرْبِهِ كُلِّهِ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ بِجُمْلَتِهِمْ لِلزَّكَاةِ مِثْلُ الْكَعْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ مِثْلُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ وَاسْتِقْبَالِ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ كَافٍ وقَوْله تَعَالَى إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ مَا عَدَاهُ وَهُوَ حَصْرٌ لِجِنْسِ الصَّدَقَاتِ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْمَعْدُودَةِ وَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ مُنْحَصِرَةٌ عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا هِيَ لَهُمْ وَلَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ الْآيَةُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ الْآيَةُ بِتَمَامِهَا وَالنَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أُتِمُّ الْآيَةَ وَعَدَلَ عَنْ اللَّامِ إلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ لِأَنَّ " فِي " لِلدُّعَاءِ وَتَكْرِيرُ " فِي " فِي قَوْلِهِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] يُؤْذِنُ بِتَرْجِيحِ هَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ (قَوْلُهُ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ قَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ) وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ كَانَ يُؤَلِّفُهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُسْلِمُوا وَيُسْلِمَ قَوْمُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ أَسْلَمُوا وَلَكِنْ عَلَى ضَعْفٍ فَيُرِيدُ تَقْرِيرَهُمْ عَلَيْهِ وَصِنْفٌ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ مِثْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيِّ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيِّ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْطِيهِمْ خَوْفًا مِنْهُمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَخَافُونَ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُعْطِيهِمْ خَشْيَةَ أَنْ يُكِبَّهُمْ اللَّهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ

فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمْ وَهُمْ كُفَّارٌ قِيلَ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَغْنِيَائِهِمْ فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ مِنْ مَالِ الْفُقَرَاءِ قَائِمًا مَقَامَ جِهَادِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ ثُمَّ سَقَطَ هَذَا السَّهْمُ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَتْ الْمُؤَلَّفَةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ بِعَادَتِهِمْ فَكَتَبَ لَهُمْ فَذَهَبُوا بِالْكِتَابِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَأْخُذُوا خَطَّهُ عَلَى الصَّحِيفَةِ فَمَزَّقَهَا وَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا بِكُمْ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ إمَّا أَسْلَمْتُمْ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَرَجَعُوا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا لَهُ أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمْضَى مَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُهُ قَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْفَقِيرُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ وَلَا يَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ وَيَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ فَإِنْ قِيلَ الْبُدَاءَةُ بِالْفُقَرَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْوَجُ قُلْنَا إنَّمَا بَدَأَ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ فَالِاهْتِمَامُ بِهِمْ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى جَمِيعِهِمْ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَهَلْ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَوْ صِنْفَانِ. قَالَ قَاضِي خان صِنْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَفَائِدَتُهُ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نِصْفَانِ نِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (قَوْلُهُ وَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ) أَيْ يُعْطِيه مَا يَكْفِيه وَأَعْوَانَهُ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُقَدِّرٍ بِالثَّمَنِ وَالْعَامِلُ هُوَ السَّاعِي الَّذِي نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْعَامِلِ أَوْ ضَاعَ سَقَطَ حَقُّهُ وَأَجْزَأَ عَنْ الزَّكَاةِ عَنْ الْمُؤَدِّينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلُ الْهَاشِمِيُّ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ وَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْهَاشِمِيِّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَإِنْ جُعِلَ الْهَاشِمِيُّ عَامِلًا وَأُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ثُمَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ مَعَ الْغِنَى وَصَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْهَا. (قَوْلُهُ وَفِي الرِّقَابِ يُعَانُ الْمُكَاتَبُونَ فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ) إلَّا مُكَاتَبَ الْهَاشِمِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا بِخِلَافِ مُكَاتَبِ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ كَبِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَقَدْ دُفِعَ إلَيْهِ الزَّكَاةُ يَطِيبُ لِمَوْلَاهُ الْغَنِيِّ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا دُفِعَتْ الزَّكَاةُ إلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ اسْتَغْنَى وَالزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ فِي يَدِهِ يَطِيبُ لَهُ أَكْلُهَا. (قَوْلُهُ وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ) أَيْ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَوْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ بِهِ غَنِيًّا سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ غَنِيًّا. (قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ وَابْنِ السَّبِيلِ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ وَهُوَ فِي مَكَان آخَرَ لَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ) وَلَا يَجِدُ مَنْ يُدِينُهُ فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مَا يَكْفِيه إلَى وَطَنِهِ لَا غَيْرُ وَسُمِّيَ ابْنَ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِلسَّفَرِ وَالسَّبِيلُ الطَّرِيقُ فَنُسِبَ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى بَلَدِهِ مِنْ زَادٍ وَحُمُولَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ (قَوْلُهُ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَصْرِفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى ذِمِّيٍّ) وَيَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِ إجْمَاعًا

وَاخْتَلَفُوا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الذِّمِّيِّ إلَّا أَنَّ الصَّرْفَ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ إلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ صَرْفُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلَا يُكَفَّنُ بِهَا مَيِّتٌ) لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَهُوَ الرُّكْنُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ يَكُونُ الْكَفَنُ لِلْمُكَفِّنِ لَا لِلْوَارِثِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا لَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ مَيِّتٍ وَلَا يُبْنَى بِهَا السِّقَايَاتُ وَلَا تُحْفَرُ بِهَا الْآبَارُ وَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهَا فَقِيرٌ أَوْ يَقْبِضَهَا لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ إطْعَامُهَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ قَضَى بِهَا دَيْنَ حَيٍّ إنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ جَازَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَشْتَرِي بِهَا رَقَبَةً تَعْتِقُ) لِأَنَّ الْعِتْقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ. (قَوْلُهُ وَلَا تُدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ثَمَانِيَةٍ الْغَنِيِّ وَوَلَدِ الْغَنِيِّ الصَّغِيرِ وَزَوْجَةِ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ لَهَا مَهْرٌ عَلَيْهِ وَعَبْدِ الْغَنِيِّ الْقَنِّ وَدَفْعُهَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَالْكَافِرِ سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَقَوْلُهُ إلَى غَنِيٍّ يَعْنِي غَنِيًّا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْغَنِيُّ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ ثِيَابِهِ وَدَارِ سُكْنَاهُ وَأَثَاثِهِ وَعَبِيدِ خِدْمَتِهِ وَدَوَابِّ رُكُوبِهِ وَسِلَاحِ اسْتِعْمَالِهِ ثُمَّ الْغَنِيُّ عَلَى ضَرْبَيْنِ غَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَبُ الصَّدَقَةِ وَقَبُولُهَا وَغَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَلَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ الْإِعْطَاءُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَالِهِ يَقِينًا أَوْ بِأَكْثَرِ رَأْيِهِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَيَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ صَدَقَةُ الْأَوْقَافِ إذَا سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْغَنِيِّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ جَازَ لَهُ أَخْذُهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ الَّذِي يَحْرُمُ السُّؤَالُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَصَاعِدًا وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ يَبْلُغُ نِصَابًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا وَلَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ عَادِلَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ حَتَّى يُحَلِّفَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ وَلَا يَأْخُذُ إلَّا قَدْرَ الْكِفَايَةِ إلَى وَقْتِ الْحُلُولِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُ الْمُزَكِّي زَكَاتَهُ إلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَإِنْ عَلَا) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ أَوْ الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلَةٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ وَلِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ عَلَيْهِ مُسْتَحَقَّةٌ وَمُوَاسَاتُهُمْ وَمُؤْنَتُهُمْ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ مِنْ طَرِيقِ الصِّلَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقُّوهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مُضَافٌ إلَى الْأَبِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَكَذَا دَفْعُ عُشْرِهِ وَسَائِرِ وَاجِبَاتِهِ لَا تَجُوزُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الرِّكَازِ إذَا أَصَابَهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ خُمُسِهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْتَاجًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ وَسَوَاءٌ كَانُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَاجِبَةٌ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِعَدَمِ خُلُوصِ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ الْأَبِ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ شُبْهَةً فِي مِلْكِ ابْنِهِ فَكَانَ مَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلَدِهِ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَا الْمَخْلُوقُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الزِّنَا لَا يُعْطِيه زَكَاتَهُ وَكَذَا إذَا نَفَى وَلَدَهُ أَيْضًا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ الْغَائِبِ فَوَلَدَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَلَدُ مِنْ الْأَوَّلِ وَمَعَ هَذَا يَجُوزُ لِلْأَوَّلِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ وَيَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلَادَ مِنْ الثَّانِي رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَلَا إلَى امْرَأَتِهِ) لِأَنَّ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكًا فِي الْمَنَافِعِ وَاخْتِلَاطًا فِي أَمْوَالِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] قِيلَ بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا تَدْفَعُ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَدْفَعُ إلَيْهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ زَيْنَبَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ دَفْعِ

الصَّدَقَةِ إلَى زَوْجِهَا فَقَالَ لَك أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَنَاعَ الْيَدَيْنِ تَعْمَلُ لِلنَّاسِ فَتَأْخُذُ مِنْهُمْ لَا أَنَّهَا كَانَتْ مُوسِرَةً. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْفَعُ إلَى مُكَاتَبِهِ وَلَا إلَى مَمْلُوكِهِ) وَكَذَا لَا يَدْفَعُ إلَى مُدَبَّرِهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ إذْ كَسْبُ الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَرُبَّمَا يَعْجَزُ فَيَكُونُ الْكَسْبُ لِلْمَوْلَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا إلَى مَمْلُوكٍ غَنِيٍّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِمَوْلَاهُ وَمُدَبَّرِ الْغَنِيِّ وَأُمِّ وَلَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقِنُّ وَمَا دُونَ الْغَنِيِّ إنْ كَانَ مَدْيُونًا وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ إجْمَاعًا وَمُكَاتَبُ الْغَنِيِّ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] . (قَوْلُهُ وَلَا إلَى وَلَدِ غَنِيٍّ إذَا كَانَ صَغِيرًا) لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا فَقِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ وَلَوْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ زَمِنًا وَقِيلَ إنْ كَانَ زَمِنًا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَعْدَ الْفَرْضِ يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ غَنِيًّا بِمِقْدَارِ النَّفَقَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْفَرْضِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْبِنْتِ الْكَبِيرَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا دَفَعَ إلَى ابْنَةِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ تَجُوزُ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِغِنَى أَبِيهَا وَزَوْجِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَأَمَّا أَبُو الْغَنِيِّ فَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَأَمَّا زَوْجَةُ الْغَنِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَهْرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ تُعْطَى وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى لَا تُعْطَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتُعْطَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْكَرْخِيِّ تُعْطَى عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُعْطَى وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا وَإِنْ كَانَ لَهَا مَهْرٌ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إنْ كَانَ مُعْسِرًا يَجُوزُ لَهَا الْأَخْذُ وَلِلدَّافِعِ الْإِعْطَاءُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ بِنِصَابٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا نِصَابٌ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَصَارِفِ حُكْمُهُمْ سَوَاءٌ فِي الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشُورِ إلَّا فِي الْكُنُوزِ وَالْمَعَادِنِ خَاصَّةً فَإِنَّ خُمُسَ ذَلِكَ يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لَا تَكْفِيه فَإِذَا جَازَ لِنَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى قَالَ فِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَخٌ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهِ فَكَسَاهُ وَأَطْعَمَهُ يَنْوِي بِهِ الزَّكَاةَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِيهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ فِي الْكِسْوَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ وَمَنْ عَالَ يَتِيمًا بِكِسْوَةٍ وَبِنَفَقَةٍ مِنْ الزَّكَاةِ جَازَ فِي الْكِسْوَةِ دُونَ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ فِي الْإِطْعَامِ إبَاحَةٌ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَى يَدِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِيهِمَا رَجُلٌ أَعْطَى فَقِيرًا مِنْ زَكَاتِهِ أَوْ مِنْ عُشْرِ أَرْضِهِ أَوْ مِنْ فِطْرَتِهِ ثُمَّ إنَّ الْفَقِيرَ أَطْعَمَهُ الْمُعْطِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِغَنِيٍّ آخَرَ أَوْ هَاشِمِيٍّ أَوْ لِأَبِي الْمُعْطِي أَوْ لِابْنِهِ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَيَجُوزُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ فَإِنْ تَبَدَّلَتْ الْعَيْنُ الْمُعْطَاةُ بِأَنْ بَاعَهَا الْفَقِيرُ بِعَيْنٍ أُخْرَى بِأَنْ كَانَ تَمْرًا فَبَاعَهُ بِزَبِيبٍ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ جَازَ فِيهَا الْإِبَاحَةُ وَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ كَتَبَدُّلِ الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُدْفَعُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ) يَعْنِي الْأَجْنَبِيَّ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الزَّكَاةِ كَالْمَاءِ يَتَدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ وَكَذَا يَجُوزُ صَرْفُ صَدَقَةِ الْأَوْقَافِ إلَيْهِمْ إذَا سَمَّاهُمْ الْوَاقِفُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُسَالَةٍ إذْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَا فَرْضٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ الْوَاقِفُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّاهُمْ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمَ التَّطَوُّعِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِلْأَغْنِيَاءِ فَكَذَا لِبَنِي هَاشِمٍ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ أَمَّا إذَا أَطْلَقَ الْوَاقِفُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَكُونُ صَدَقَةً وَاجِبَةً وَيَجُوزُ صَرْفُ خُمُسِ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ إلَى فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ النُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ وَلَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا جَزَاءُ الصَّيْدِ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ كَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى الصَّدَقَةِ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةً مِنْ وَجْهٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْتَوَى الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَغَلَبَ الْحَظْرُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رِزْقُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهَا فَيَجُوزُ (قَوْلُهُ

وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِهَؤُلَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَذُرِّيَّةِ أَبِي لَهَبٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنَاصِرُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ عَبِيدِهِمْ لِأَنَّ مَوَالِيَهُمْ تَشَرَّفُوا بِشَرَفِهِمْ وَأَمَّا مُكَاتَبُوهُمْ فَذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ خِلَافًا وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى رَجُلٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ دَفْع فِي ظُلْمَةٍ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) هَذَا إذَا تَحَرَّى وَدَفَعَ وَأَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ دَفَعَ وَفِي أَكْثَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لَا يَجْزِيه إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ أَوْ كَافِرٍ) يَعْنِي الذِّمِّيَّ أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ وَإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ أَنَّ «يَزِيدَ بْنَ مَعْنٍ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَدَفَعَهَا إلَى أَبِيهِ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ رَآهَا مَعَهُ فِي يَدِهِ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا يَزِيدُ لَك مَا نَوَيْت وَلَك يَا مَعْنُ مَا أَخَذْت» . (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَخْصٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَمْ يَجُزْ) فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّمْلِيكُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ وَكَذَا إذَا كَانَ مُدَبَّرَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يَجْزِيه وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ) سَوَاءٌ كَانَ النِّصَابُ نَامِيًا أَوْ غَيْرَ نَامٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ لَا يَسْكُنُهُ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَهَذَا النِّصَابُ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ قَالَ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِصَابُ النَّقْدِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَوْلُهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) لِأَنَّهُ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ دَفَعَ جَازَ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ فِي الْغِنَى وَلَنَا أَنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ فَيَعْقُبُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغِنَى مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت أَبَا يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ يَأْخُذُ وَاحِدًا وَيَرُدُّ وَاحِدًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ غَيْرَ مَدْيُونٍ وَلَا لَهُ عِيَالٌ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِقْدَارَ مَا لَوْ وَزَّعَهُ عَلَى عِيَالِهِ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى تَصَدُّقٌ عَلَى عِيَالِهِ كَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَكَذَا فِي الدَّيْنِ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِقْدَارَ دَيْنِهِ وَمَا يَفْضُلُ عَنْهُ دُونَ الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقْضِي حَوَائِجَهُ أَوْ إلَى مَنْ بَشَّرَهُ بِبِشَارَةٍ أَوْ إلَى مَنْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً جَازَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّعْوِيضِ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالزَّكَاةِ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَقَبَضَهُ لَهُ وَلِيّه أَوْ مَنْ يَعُولُهُ جَازَ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ فَقَبَضَ لِنَفْسِهِ جَازَ وَاللَّقِيطُ يَقْبِضُ لَهُ الْمُلْتَقِطُ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَإِنَّمَا تُصْرَفُ صَدَقَةُ كُلِّ قَوْمٍ فِيهِمْ) لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَمَهمَا كَانَتْ الْمُجَاوَرَةُ أَقْرَبَ كَانَ رِعَايَتُهَا أَوْجَبَ فَإِنْ نَقَلَهَا إلَى غَيْرِهِمْ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ بِالنَّصِّ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ نَقْلُهَا إذَا كَانَ فِي حِينِهَا بِأَنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ حِينِهَا فَلَا بَأْسَ بِالنَّقْلِ. وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ شَرِيكِهِ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الزَّكَاةَ إلَى فُقَرَاءِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ دُونَ الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمَالِ وَصِيَّةٌ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهَا تُصْرَفُ إلَى فُقَرَاءِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُوصِي وَالْأَصْلُ أَنَّ فِي الزَّكَاةِ يُعْتَبَرُ مَكَانُ الْمَالِ وَفِي الْفِطْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ

باب صدقة الفطر

مَكَانَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَنْ عَبِيدِهِ وَأَوْلَادِهِ مَكَانَ الْعَبِيدِ وَالْأَوْلَادِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَكَانَ الْأَبِ وَالْمَوْلَى وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْقُلَهَا الْإِنْسَانُ إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَزِيَادَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الزَّكَاةِ وَالْفِطْرَةِ وَالنُّذُورِ الصَّرْفُ أَوَّلًا إلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ إلَى الْجِيرَانِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ حِرْفَتِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ وَلَا يَنْقُلُهَا إلَى بَلَدٍ أُخْرَى إلَّا إذَا كَانُوا أَحْوَجَ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ] (بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ كَمَا فِي حَجِّ الْبَيْتِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ أَرْفَعُ دَرَجَةً مِنْهَا لِثُبُوتِهَا بِالْقُرْآنِ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ الصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الطَّبِيعِيِّ إذْ هِيَ بَعْدَ الصَّوْمِ طَبْعًا وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ هُنَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ كَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الصَّوْمِ جَائِزٌ عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ ثُمَّ هِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَهُ وَهِيَ عِنْدَهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ يَعْنِي أَنَّهَا حَقُّ الْفُقَرَاءِ حَتَّى أَنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِثْلَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ) أَيْ عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا ذُكِرَ الْوُجُوبِ هُنَا أُرِيدَ بِهِ كَوْنُهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَاجِبَاتُ الْإِسْلَامِ سَبْعَةٌ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَنَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْوَتْرُ وَالْأُضْحِيَّةُ وَالْعُمْرَةُ وَخِدْمَةُ الْوَالِدَيْنِ وَخِدْمَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا. (قَوْلُهُ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) احْتِرَازًا عَنْ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَجْلِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرْطٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُمَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ لَهُمَا مَالٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحَدَ عَشَرَ شَيْئًا سَبَبُهَا وَهِيَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَصِفَتُهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَشَرْطُهَا وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْغِنَى وَفِي الْوَقْتِ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَفِي الْوَاجِبِ أَنْ لَا تَنْقُصَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ وَرُكْنُهَا وَهُوَ أَدَاءُ قَدْرِ الْوَاجِبِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَحُكْمُهَا وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلُ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْغَنِيُّ وَقَدْرُ الْوَاجِبِ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ وَمِمَّا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ وَهُوَ مِنْ أَرْبَعَةٍ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَوَقْتُ الْوُجُوبِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى وَمَكَانُ الْأَدَاءِ وَهُوَ مَكَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِهِمْ مِنْ الْأَوْلَادِ وَالْعَبِيدِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْمَالِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَفِي الزَّكَاةِ الْوَاجِبُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ حَتَّى أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْعَبْدِ بَعْدَ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَوْلَى فَاعْتُبِرَ مَكَانُ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ إذَا كَانَ لَهُ زِيَادَةٌ عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَشَرَطَ الشَّيْخُ الْحُرِّيَّةَ بِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ وَالْإِسْلَامِ لِتَقَعَ الصَّدَقَةُ قُرْبَةً وَشَرَطَ الْيَسَارَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَقَدَّرَ الْيَسَارَ بِالنِّصَابِ لِتَقْدِيرِ الْغِنَى فِي الشَّرْعِ بِهِ وَسَوَاءٌ مَلَكَ نِصَابًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ غَيْرِهَا فَضْلًا عَنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ. (قَوْلُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمُسْتَحَقُّ بِهَا كَالْمَعْدُومِ وَكَذَا

كُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ وَيُعْفَى لَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ نُسْخَةٍ مِنْ كُلِّ مُصَنَّفٍ لَا غَيْرُ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ نُسْخَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ وَاحِدَةٌ يَسْكُنُهَا وَيَفْضُلُ عَنْ سُكْنَاهُ مِنْهَا مَا يُسَاوِي نِصَابًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَكَذَا فِي الثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ. (قَوْلُهُ يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَعَنْ مَمَالِيكِهِ) لِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَيَعْنِي مَمَالِيكَهُ لِلْخِدْمَةِ وَيُؤَدِّي عَنْ مُدَبَّرِهِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَعَنْ عَبْدِهِ الْمُودَعِ وَالْمَرْهُونِ إذَا كَانَ لَهُ مَا يُوَفِّي الدَّيْنَ وَزِيَادَةُ نِصَابٍ وَيُخْرِجُ عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤَجَّرِ وَالْمُعَارِ وَالْمَأْذُونِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَلِي عَلَيْهِ وَيَمُونُهُ وَلَا تَجِبُ عَنْ مَمَالِيكِ هَذَا الْمَأْذُونِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُمْ عَبِيدُ التِّجَارَةِ وَتَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي فِي رَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْهُ. وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَجْعُولُ مَهْرًا إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِطْرَتُهُ سَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَوْ لَا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا جَازَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ وَلَا عَنْ الْمَأْسُورِ وَلَا عَنْ الْمُسْتَسْعَى لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَبْدُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ يَوْمِ الْفِطْرِ إذَا عَتَقَ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى وَإِنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَفِطْرَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيَهَا فِي غَيْرِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَمُونُهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ وَشَبَهِهَا. (قَوْلُهُ وَلَا عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ) بِأَنْ كَانُوا زُمَنَاءَ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَإِنْ أَدَّى عَنْهُمْ أَوْ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا لِثُبُوتِ الْإِذْنِ عَادَةً ثُمَّ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مَالٌ فَإِنَّ الْأَبَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ فِطْرَتِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِمَا وَيُخْرِجُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَمِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهَا مِنْ مَالِهِمَا صَارَا كَالْفَقِيرَيْنِ فَيُخْرِجُ الْأَبُ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْفِطْرَةَ تَجْرِي مَجْرَى الْمُؤْنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَبَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ ابْنِهِ الْفَقِيرِ فَإِذَا كَانَ غَنِيًّا كَانَتْ فِي مَالِهِ كَنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ خِتَانِهِ فَيُخْرِجُ أَبُوهُمَا أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ جَدُّهُمَا أَوْ وَصِيُّهُ فِطْرَةَ أَنْفُسِهِمَا وَرَقِيقِهِمَا مِنْ مَالِهِمَا. وَكَذَا الْأُضْحِيَّةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا أَخْرَجَهُمَا الْأَبُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ مَمَالِيكِهِمَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَالنَّفَقَةِ وَيُؤَدِّي عَنْهُمْ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَأَمَّا الْوَلَدُ الْكَبِيرُ الْمَجْنُونُ إذَا كَانَ فَقِيرًا إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا فَفِطْرَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِنْ بَلَغَ مُفِيقًا ثُمَّ جُنَّ فَلَا فِطْرَةَ عَلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَقَدْ اسْتَمَرَّتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ وَإِذَا أَفَاقَ فَقَدْ انْقَلَبَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ فِطْرَةُ بَنِي ابْنِهِ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ فَقِيرًا أَوْ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ وَفِي قَاضِي خان لَا يُؤَدِّي عَنْ أَوْلَادِ ابْنِهِ الْمُعْسِرِ إذَا كَانَ حَيًّا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَكَذَا إذَا كَانَ مَيِّتًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ حَيَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلُ الْفِطْرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِنْ كَانَا فِي عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا كَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا مَجْنُونًا تَجِبُ عَلَى ابْنِهِ فِطْرَتُهُ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُخْرِجُ عَنْ مُكَاتَبِهِ) لِقُصُورِ الْمِلْكِ فِيهِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ مِلْكَهُ كَامِلٌ فِيهِمَا بِدَلِيلِ حِلِّ الْوَطْءِ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يُخْرِجُ الْمُكَاتَبُ أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ وَرَقِيقِهِ لِفَقْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ عَنْ نَكْسِهِ وَرَقِيقِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا عَنْ مَمَالِيكِهِ لِلتِّجَارَةِ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الثِّنَى لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَاجِبَةٌ فِيهِمْ فَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْفِطْرَةِ فِيهِمْ كَانَ فِيهِ تَثْنِيَةُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَوْلَى فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِسَبَبِ مَالٍ وَاحِدٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ثُنْيَا فِي الصَّدَقَةِ» أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَمْلِكُ رَقَبَةً كَامِلَةً وَلَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ عَبِيدٌ أَوْ إمَاءٌ بَيْنَهُمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ كَمَا إذَا

كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدَيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِي الْخَامِسِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا كَانَ وَلَدُهُمَا وَالْجَارِيَةُ أَوْ وَلَدٌ لَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا فِطْرَةُ الْجَارِيَةِ إجْمَاعًا وَتَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْوَلَدِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِطْرَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَتَبَعَّضُ فَهُوَ ابْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَلِهَذَا يَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فِطْرَةٌ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا مُؤْنَةٌ كَالنَّفَقَةِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعْسَرَ فَهِيَ عَلَى الْآخَرِ بِتَمَامِهَا. (قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ) لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَالْمَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلَا وُجُوبَ أَيْ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا وَالْمَوْلَى كَافِرًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. (قَوْلُهُ وَالْفِطْرَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجْزِي مِنْ الْبُرِّ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقُهَا مِثْلُهَا فِي الْجَوَازِ يَجْزِي مِنْهَا نِصْفُ صَاعٍ وَكَذَا دَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ لَا يَجْزِي مِنْهُ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجْزِي مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ لِأَنَّ الْبُرَّ وَالزَّبِيبَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ فَإِنَّهُ يُلْقَى مِنْهُمَا النَّوَى وَالنُّخَالَةُ وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِي الزَّبِيبِ إلَّا صَاعٌ كَامِلٌ كَالشَّعِيرِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا رَوَى ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَيْلًا ثُمَّ الدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَلَا الدَّرَاهِمُ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الْقِيمَةَ دَرَاهِمَ وَفُلُوسًا وَعُرُوضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَلِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الدَّقِيقَ فَقَدْ أَسْقَطَ عَنْهُمْ الْمُؤْنَةَ وَعَجَّلَ لَهُمْ الْمَنْفَعَةَ وَمَا سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحُبُوبِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ أَوْ عَيْنِ الْمَنْصُوصِ قُلْت ذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ أَدَاءَ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَقِيلَ الْمَنْصُوصُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ وَأَمَّا الْخُبْزُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ احْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إذَا أَدَّى مَنَوَيْنِ مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَمِنْ الْخُبْزِ أَجْوَزُ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ هُنَا إبْطَالَ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ (قَوْلُهُ وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ) بِالْعِرَاقِيِّ أَيْضًا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ الصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَزْبُدٍ بِزَبَدِيِّ زُبَيْدٍ السُّنْقُرِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ زُبْدِيَّانِ وَنِصْفٌ بِالسُّنْقُرِيِّ. (قَوْلُهُ وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ)

كتاب الصوم

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ وَعَلَى عَكْسِهِ مَنْ مَاتَ فِيهَا مِنْ مَمَالِيكِهِ أَوْ وَلَدِهِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ ثُمَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ يَدْخُلُ وَقْتُ وُجُوبِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْوُجُوبِ بِطُلُوعِهِ أَيْضًا وَلَا يَفُوتُ أَدَاؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّاهَا تَكُونُ أَدَاءً لَا قَضَاءً فَبَانَ لَك أَنَّهَا تَدْخُلُ ثُمَّ تَخْرُجُ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ (قَوْلُهُ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ) لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وُجِدَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ تَجِبْ فِطْرَتُهُ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَمَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ كَانَ فَقِيرًا فَاسْتَغْنَى حِينَئِذٍ وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُسْلِمٌ غَنِيٌّ تَجِبُ فِطْرَتُهُ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ فَأَنْت حُرٌّ فَجَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ عَتَقَ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ بِلَا فَصْلٍ وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ فِطْرَةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ نَذْرٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَلَوَاتٌ وَلَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ وَرَثَتُهُ بِذَلِكَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فَإِنْ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ يَجُوزُ وَيُنَفَّذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُشْرِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ. (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يُخْرِجُوا الْفِطْرَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلًّى) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَالْأَمْرُ بِالْإِغْنَاءِ كَيْ لَا يَتَشَاغَلَ الْفَقِيرُ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى «وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُخْرِجُهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى» (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَاءٌ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ يَجُوزُ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ. وَقَالَ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا) لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ وَهُوَ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْمَالِ قُرْبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَالْفِطْرَةُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَبَاعَدَتْ وَكَذَا بِالِافْتِقَارِ إذَا افْتَقَرَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَالِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَهَلَاكُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَا يُسْقِطُهَا كَالْحَجِّ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ وَلَا نَقُولُ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَكِنْ يَنْتَقِلُ الْوُجُوبُ إلَى التَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَكُونُ قُرْبَةً إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِالْمَالِ فَقُرْبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَنْ سَقَطَ عَنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَازِمَةٌ لَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الصِّغَارِ وَغَيْرِهِمْ مَعَ عَدَمِ الصَّوْمِ مِنْهُمْ فَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ الصَّوْمِ عَنْ الْبَالِغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصَّوْمِ] إنَّمَا أَخَّرَهُ مَعَ أَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَقَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَيْهِ اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَكَذَا فِي الْحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا» وَالصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] أَيْ إمْسَاكًا عَنْ الْكَلَامِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَشَهْوَةِ الْفَرْجِ مِنْ

شَخْصٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ ثُمَّ لِلصَّوْمِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وَصَوْمُ الْخُصُوصِ وَصَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ فَصَوْمُ الْعُمُومِ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قَضَاءِ الشَّهْوَتَيْنِ وَصَوْمُ الْخُصُوصِ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ عَنْ الْآثَامِ وَصَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ صَوْمُ الْقَلْبِ عَنْ الْهُمُومِ الدَّنِيَّةِ وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ وَنَفْلٌ) وَفِي شَرْحِهِ الصَّوْمُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ صَوْمٌ مُسْتَحَقُّ الْعَيْنِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَصَوْمٌ فِي الذِّمَّةِ كَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصَوْمٌ هُوَ نَفْلٌ. (قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ مِنْهُ ضَرْبَانِ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَنِصْفُهُ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتُ الزَّوَالِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ النِّيَّةُ وَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مِنْ اللَّيْلِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَقَدْ لَا يَسْتَبِينُ لَهُ الْفَجْرُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْفَجْرَ فَلِهَذَا جَازَ التَّقْدِيمُ وَكَمَا جَازَ التَّأْخِيرُ أَيْضًا فِيمَا كَانَ عَيْنًا مِنْ الصِّيَامِ دُونَ مَا كَانَ دَيْنًا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ خُرُوجًا عَنْ الْخِلَافِ وَلَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُغْمًى عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ أَيَّامٍ جَازَ صَوْمُهُ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَوَاهُ فِي لَيْلَتِهِ وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَوْمَ الْغَدِ لَمْ يَجُزْ وَإِذَا نَوَى مِنْ النَّهَارِ يَنْوِي أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ حِينِ نَوَى لَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا ثُمَّ النِّيَّةُ هِيَ مَعْرِفَتُهُ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَوْمٍ يَصُومُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا بِلِسَانِهِ فَيَقُولُ إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ يَقُولُ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ فَرْضِ رَمَضَانَ. وَلَوْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُبْطِلُ الْكَلَامَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَذَا لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبِ التَّوْفِيقِ مِنْ اللَّهِ فَلَا يَصِيرُ مُبْطِلًا لِلنِّيَّةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَمَلُ اللِّسَانِ فَيُبْطِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا النِّيَّةُ فَعَمَلُ الْقَلْبِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِاللِّسَانِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اللِّسَانِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ نَوَى الْفِطْرَ لَمْ يَكُنْ مُفْطِرًا حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَكَذَا إذَا نَوَى التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَلَوْ نَوَى لَيْلًا ثُمَّ أَكَلَ لَمْ تَفْسُدْ نِيَّتُهُ وَلَوْ نَوَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْحَيْضِ لَيْلًا ثُمَّ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهَا ثُمَّ إنَّمَا تَجُوزُ النِّيَّةُ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ نَاسِيًا لَمْ تَجُزْ النِّيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالسُّحُورُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ ذَكَرَهُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ وَكَذَا إذَا تَسَحَّرَ لِصَوْمٍ آخَرَ كَانَ نِيَّةً لَهُ وَإِنْ تَسَحَّرَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصْبِحُ صَائِمًا لَا يَكُونُ نِيَّةً وَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ تَكْفِيهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ ثُمَّ صَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقٍ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ. (قَوْلُهُ وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَاتِ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) يَعْنِي مِنْ بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَفِدْيَةُ الْحَلْقِ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانُ مُلْحَقَةٌ بِالْكَفَّارَاتِ. (قَوْلُهُ وَالنَّفَلُ كُلُّهُ) يَعْنِي مُسْتَحَبَّهُ وَمَكْرُوهَهُ (يَجُوزُ بِنِيَّةٍ

قَبْلَ الزَّوَالِ) أَيْ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ) أَيْ يَجِبُ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسُوا هِلَالَ شَعْبَانَ أَيْضًا فِي حَقِّ إتْمَامِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَأَوْهُ صَامُوا وَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَإِنْ صَامَهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ صَامَهُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ وَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَنْ ذِمَّتِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَكُونُ قَضَاءً بِالشَّكِّ وَأَمَّا صَوْمُهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ عَادَتُهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ كَمَا إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَصُومَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ فَوَافَقَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الشَّكِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَصُومَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصُومَهُ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَصُومَهُ الْخَوَاصُّ وَالْمُفْتُونَ وَيَأْمُرُونَ الْعَوَامَّ بِالتَّلَوُّمِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ الْإِفْطَارُ قَالُوا هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِفْطَارُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ كَانَ يَضَعُ كُوزًا فِيهِ مَاءٌ بَيْن يَدَيْهِ يَوْمَ الشَّكِّ فَإِذَا اسْتَفْتَاهُ مُسْتَفْتٍ شَرِبَ مِنْهُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُسْتَفْتِي وَيُرْوَى أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَصُومُهُ تَطَوُّعًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا» . (قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ) لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِمَا عَلِمَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ. وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا إذَا رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَامَ ثُمَّ أَفْطَرَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي رُؤْيَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَمْ يُفْطِرْ لِغَلَبَةِ الْخَطَأِ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَيَجِبُ فَإِنْ أَكْمَلَ هَذَا الرَّجُلُ ثَلَاثِينَ لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَرَأَى مَا لَيْسَ بِهِلَالٍ فَظَنَّهُ هِلَالًا فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَلِلِاحْتِيَاطِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ) (كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ) أَيْ غُبَارٌ أَوْ سَحَابٌ (قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) (رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا) وَإِطْلَاقُ هَذَا الْكَلَامِ يَتَنَاوَلُ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ إلَى الْقَاضِي وَفِي الْخُجَنْدِيِّ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ تُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَلَا تُقْبَلُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَا حُكْمُ الْحَاكِمِ بَلْ الْعَدَالَةُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ الْأَخْبَارَ حَتَّى لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَسَمِعَ رَجُلٌ شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَجَبَ عَلَى السَّامِعِ أَنْ يَصُومَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ وَهَلْ يَسْتَفْسِرُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ إنَّمَا يُقْبَلُ إذَا فَسَّرَ بِأَنْ قَالَ رَأَيْته خَارِجَ الْمِصْرِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْبَلَدِ بَيْنَ خِلَالِ السَّحَابِ أَمَّا بِدُونِ التَّفْسِيرِ فَلَا يُقْبَلُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ بِدُونِ هَذَا وَلَوْ تَفَرَّدَ وَاحِدٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ لَهَا قَاضٍ وَلَمْ يَأْتِ مِصْرًا لِيَشْهَدَ وَهُوَ ثِقَةٌ فَإِنَّ النَّاسَ يَصُومُونَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَآهُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْصِبَ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي وَحْدَهُ هِلَالَ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ وَلَا يُفْطِرُ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَيَقَّنَ أَفْطَرَ سِرًّا وَكَذَا غَيْرُ الْقَاضِي إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا فَإِنْ أَفْطَرَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ مَعَ الْغَيْمِ وَصَامُوا بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ هَلْ يُفْطِرُونَ فَعِنْدَهُمَا لَا يُفْطِرُونَ وَيَصُومُونَ يَوْمًا آخَرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْطِرُونَ. وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ فَقَدْ أَفْطَرُوا إذْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ قَالَ إنِّي لَا أَتَّهِمُ الْمُسْلِمَ وَلَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَفْطَرُوا عِنْدَ إكْمَالِ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يَرَاهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْمٌ

لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ عَنْ مَوْضِعِ الْهِلَالِ فَيَتَّفِقُ لِلْوَاحِدِ النَّظَرُ وَقَوْلُهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ قَالَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ تَقْدِيرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِثْلُ الْقَسَامَةِ وَقِيلَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقِيلَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالَ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ. (قَوْلُهُ وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . (قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا هُوَ حَدُّ الصَّوْمِ فَإِنْ قُلْت هَذَا الْحَدُّ يَنْتَقِضُ طَرْدًا وَعَكْسًا أَمَّا طَرْدًا فَفِي أَكْلِ النَّاسِي وَجِمَاعِهِ فَإِنَّ صَوْمَهُ بَاقٍ وَالْإِمْسَاكُ فَائِتٌ وَأَمَّا عَكْسًا فَهُوَ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ وَالصَّوْمُ فَائِتٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَعْدُومٌ فِي النَّاسِي فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ الشَّرْعِيَّ مَوْجُودٌ فِي أَكْلِ النَّاسِي لِأَنَّ الشَّارِعَ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى اللَّهِ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ فَيَكُونُ الْفِعْلُ مَعْدُومًا مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ الْأَكْلُ فَلَا يَنْعَدِمُ الْإِمْسَاكُ وَأَمَّا الْجَوَابُ فِي الْحَائِضِ فَقَدْ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْحَدِّ بِأَنْ يُقَالَ بِإِذْنِ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ مَعَ النِّيَّةِ) لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ إلَّا أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فِي الشَّرْعِ لِيَتَمَيَّزَ بِهَا الْعِبَادَةُ مِنْ الْعَادَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ فَصَارَ كَالْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ لِلَّذِي أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا تِمَّ عَلَى صَوْمِك فَإِنَّمَا أَطْعَمَك اللَّهُ وَسَقَاك بِخِلَافِ الْكَلَامِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ مَذْكُورَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ النِّسْيَانُ فِيهَا وَلَا مُذَكِّرَ فِي الصَّوْمِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَكَلَ الصَّائِمُ إذْ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجِزْهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ نَاسِيًا إذْ لَوْ أَكَلَ مُكْرَهًا أَوْ جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِ النَّائِمِ فَسَدَ صَوْمُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الْمُكْرَهِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ أَكَلَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا فَالْمُخْطِئُ هُوَ أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ كَمَا إذَا تَمَضْمَضَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَذَكَّرَهُ إنْسَانٌ فَقَالَ لَهُ إنَّك صَائِمٌ أَوْ هَذَا رَمَضَانُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ النِّسْيَانَ ارْتَفَعَ حِينَ ذُكِّرَ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ وَإِنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا هَلْ يَسْعَهُ أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إنْ رَأَى فِيهِ قُوَّةً يُمْكِنْهُ أَنْ يُتِمَّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ سَبَقَ الذُّبَابُ إلَى حَلْقِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ وَإِنْ تَثَاوَبَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ قَطْرَةٌ مِنْ الْمَطَرِ فَسَدَ صَوْمُهُ وَإِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارُ الطَّاحُونَةِ أَوْ غُبَارُ الْعَدَسِ وَأَشْبَاهُهُ أَوْ الدُّخَانُ أَوْ مَا سَطَعَ مِنْ غُبَارِ التُّرَابِ بِالرِّيحِ أَوْ بِحَوَافِرِ الدَّوَابِّ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلَوْ رَمَى إلَى صَائِمٍ بِحَبَّةِ عِنَبٍ أَوْ غَيْرِهَا فَوَقَعَتْ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ كَذَا فِي إيضَاحِ الصَّيْرَفِيِّ وَقَوْلُهُ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ فَإِنْ ذَكَرَ فَنَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَكَذَا لَوْ جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَبَقِيَ وَلَمْ يَنْزِعْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ خَشِيَ الْمَجَامِعُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ فَأَمْنَى بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُفْطِرْ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ فَنَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُخَالِطٌ فَنَزَعَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا لَا يُفْطِرُ. وَقَالَ زُفَرُ فِيهِمَا يُفْطِرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّاسِي لَا يُفْطِرُ وَفِي الْآخَرِ يُفْطِرُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ آخِرَ الْفِعْلِ يُعْتَبَرُ بِأَوَّلِهِ وَفِي الْفَجْرِ أَوَّلُهُ عَمْدٌ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ وَفِي النِّسْيَانِ أَوَّلُهُ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا يَفْسُدُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ هَذَا يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَيُسْتَثْنَى كَانْتِزَاعِ النَّاسِي بَعْدَ مَا تَذَكَّرَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ لَمْ يُفْطِرْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ نَظَرَ إلَى

امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ) سَوَاءٌ نَظَرَ إلَى الْوَجْهِ أَوْ إلَى الْفَرْجِ أَوْ إلَى غَيْرِهِمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ إذَا أَمْنَى وَلَوْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ جُنُبًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ أَدْهَنَ لَمْ يُفْطِرْ) سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَ الدُّهْنِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ أَوْ احْتَجَمَ أَوْ اكْتَحَلَ) سَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَ الْكُحْلِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ. (قَوْلُهُ أَوْ قَبَّلَ لَمْ يُفْطِرْ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ الْمُنَافِي صُورَةً وَمَعْنًى وَيَعْنِي بِالْمَعْنَى الْإِنْزَالَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَنْزَلَ بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ فَلَا يُعَاقَبُ بِهَا إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الْجِنَايَةِ نِهَايَتَهَا وَلَمْ تَبْلُغْ نِهَايَتَهَا لِأَنَّ نِهَايَتَهَا الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ وَإِنْ لَمَسَ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ إنْ وَجَدَ حَرَارَةَ الْبَدَنِ وَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَرَارَةَ الْبَدَنِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ أَنْزَلَ إذَا كَانَ الْحَائِلُ ضَعِيفًا وَعَلَى هَذَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَوْ قَبَّلَتْ الصَّائِمَةُ زَوْجَهَا فَأَنْزَلَتْ أَفْطَرَتْ وَكَذَا إذَا أَنْزَلَ هُوَ وَإِنْ أَمَذَى أَوْ أَمَذَتْ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ وَإِنْ عَمِلَ امْرَأَتَانِ السَّحْقَ إنْ أَنْزَلَتَا أَفْطَرَتَا وَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ عَالَجَ ذَكَرَهُ بِيَدِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ مَا لَمْ يَمَسَّهَا وَإِنْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ أَفْطَرَ إذَا أَنْزَلَ وَإِنْ أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ لَا يُفْطِرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ) (بِالْقُبْلَةِ إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الْإِنْزَالِ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ) وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْقُبْلَةَ تُفْسِدُ الصَّوْمَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ قَاسَهُ عَلَى حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ» وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ كَرَيْحَانَةٍ أَحَدُكُمْ يَشُمُّهَا» وَأَمَّا الْقُبْلَةُ الْفَاحِشَةُ فَتُكْرَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِأَنْ يَمْضُغَ شَفَتَيْهَا وَالْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْقُبْلَةِ وَقِيلَ إنَّ الْمُبَاشَرَةَ تُكْرَهُ وَإِنْ أَمِنَ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنْ يَمَسَّ فَرْجُهُ فَرْجَهَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ) أَيْ سَبَقَهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ أَكْثَرَ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى جَوْفِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ بَعْدَ مَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ مِلْءَ الْفَمِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ الصُّنْعَ ثُمَّ مِلْءُ الْفَمِ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ وَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعَادَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْإِدْخَالِ وَالثَّانِيَةُ إنْ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ مِلْءَ الْفَمِ يُعَدُّ خَارِجًا وَمَا كَانَ خَارِجًا إذَا أَدْخَلَهُ جَوْفَهُ أَفْطَرَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الصُّنْعُ وَالثَّالِثَةُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَأَعَادَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ وَهُوَ الْإِدْخَالُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْمِلْءِ، وَالرَّابِعَةُ إذَا كَانَ مِلْءَ الْفَمِ وَعَادَ بِنَفْسِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ أَفْطَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِوُجُودِ الْمِلْءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الصُّنْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ بِصُنْعِهِ وَلَا مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَذَّى بِهِ وَلِأَنَّهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ خُرُوجِهِ فَكَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ عَوْدِهِ فَجُعِلَ عَفْوًا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ فِيمَا إذَا قَاءَ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ عَادَ بِنَفْسِهِ إنَّ صَوْمَهُ لَا يُفْسِدُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ فِيمَا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ ثُمَّ أَعَادَهُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ ثُمَّ عَادَ بِنَفْسِهِ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الصُّنْعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْمِلْءِ وَإِنْ أَعَادَهُ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُفْطِرْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا مَلْءَ فِيهِ أَفْطَرَ) وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ دَاخِلًا وَلِهَذَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْطِرُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ فَإِنْ عَادَ لَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ سَبْقِ الْخُرُوجِ وَلَا يَتَأَتَّى قَوْلُ مُحَمَّدٍ هَا هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ بِخُرُوجِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ صُورَةِ الْفِطْرِ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا أَقَلَّ مِنْ

مِلْءِ الْفَمِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ حُكْمًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ ابْتَلَعَ الْحَصَا أَوْ الْحَدِيدَ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِابْتِلَاعِ لِأَنَّ الْمَضْغَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ وَإِنَّمَا أَفْطَرَ لِوُجُودِ صُورَةِ الْفِطْرِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَعْنَى وَهُوَ قَضَاءُ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ غَيْرُ مَعْذُورٍ فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ هَا هُنَا أَظْهَرَ إذْ لَا غَرَضَ لَهُ فِي هَذَا الْفِعْلِ سِوَى الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا يَتَغَذَّى بِهِ قُلْنَا عَدَمُ دُعَاءِ الطَّبْعِ إلَيْهِ يُغْنِي عَنْ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ زَاجِرًا كَمَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي شُرْبِ الدَّمِ وَالْبَوْلِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَلَوْ ابْتَلَعَ نَوَاةً يَابِسَةً أَوْ قِشْرَ الْجَوْزِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ ابْتَلَعَ جَوْزَةً يَابِسَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَمْضُغَهَا حَتَّى يَصِلَ إلَى لُبِّهَا فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَكَلَ قِشْرَ الْبِطِّيخِ الْيَابِسِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ رَطْبًا طَرِيًّا فَقَدْ قِيلَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَكَلَ وَرَقَ الشَّجَرِ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ عِنَبٍ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ثُفْرُوقُهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ مَعَهَا هَكَذَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وَصَلَ تُفْرُوقُهَا إلَى الْجَوْفِ أَوَّلًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ وَصَلَ اللُّبُّ أَوَّلًا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ ابْتَلَعَ حَبَّةَ حِنْطَةٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ مَضَغَهَا فَلَا كَفَّارَةَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ عَامِدًا فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا يُتَغَذَّى بِهِ أَوْ يُتَدَاوَى بِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُتَكَامِلَةٌ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ اعْتِبَارًا بِالِاغْتِسَالِ لِأَنَّ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ يَتَحَقَّقُ دُونَهُ وَإِنَّمَا هُوَ شِبَعٌ وَالشِّبَعُ لَا يُشْتَرَطُ كَمَنْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ تَمْرَةً تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشِّبَعُ كَذَلِكَ هَذَا وَإِنْ جَامَعَ مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً فَلَا كَفَّارَةَ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَإِنْ أَكْرَهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى الْجِمَاعِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهَا عَنْ ذَلِكَ فَجَامَعَهَا مُكْرَهًا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ أَنَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَعْدَ الِانْتِشَارِ وَاللَّذَّةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَعِنْدَهُ يَزُولُ الْإِكْرَاهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَالِانْتِشَارُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنْ أَكْرَهَهَا هُوَ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْجِنَايَةِ الْكَامِلَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَرْفَعُ الْمَأْثَمَ وَالْكَفَّارَةُ تَجِبُ لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ وَلَا إثْمَ هَا هُنَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ابْتَدَأَ الْجِمَاعَ وَقَدْ نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا. أَمَّا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ وَجَامَعَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ لَا يَجِبُ التَّكْفِيرُ بِالْإِفْطَارِ ... إذَا نَوَى الصَّوْمَ مِنْ النَّهَارِ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَالِاخْتِلَافُ يُورِثُ شُبْهَةً وَالْكَفَّارَةُ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَوْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ مُكْرَهَةً لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فِي وَسَطِ الْجِمَاعِ لَا كَفَّارَةَ أَيْضًا لِأَنَّهَا طَاوَعَتْهُ بَعْدَمَا صَارَتْ مُفْطِرَةً وَلَوْ طَاوَعَتْ زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ حَاضَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا إذَا مَرِضَتْ. وَقَالَ زُفَرُ لَا تَسْقُطُ عَنْهَا وَكَذَا إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَرِضَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ سَافَرَ لَا تَسْقُطُ لِأَنَّ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ جَرَحَ نَفْسَهُ فَمَرِضَ مِنْهُ حَتَّى صَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ مَا يُتَغَذَّى بِهِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْوَرَقُ الْحَبَشِيُّ وَالْحَشِيشَةُ وَالْقِطَاطُ إذَا أَكَلَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْبَدَنِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ وَيَنْقُصُ عَقْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ. وَلَوْ أَكَلَ قَوَائِمَ الذُّرَةِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْمَضَارَّ قَالَ الزَّنْدُوسِيُّ أَرَى أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ فِيهِ حَلَاوَةً وَيَلْتَذُّ بِهِ كَذَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي إيضَاحِهِ وَإِنْ أَكَلَ الطِّينَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا أَكَلَ الطِّينَ الْأَرْمَنِيَّ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَإِنْ أَكَلَ الْمِلْحَ إنْ كَانَ قَلِيلًا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ

كَثِيرًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ الْمَيْتَةِ إنْ كَانَ قَدْ صَارَ فِيهِ الدُّودُ وَأَنْتَنَ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ لَمْ يُدَوِّدْ وَلَمْ يُنْتِنْ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَتْ وَكُرِهَتْ لِأَجْلِ الشَّرْعِ لَا لِأَجْلِ الطَّبْعِ فَصَارَتْ كَأَكْلِ الطَّعَامِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَثْرُودِ بِمَرَقَةٍ نَجِسَةٍ وَإِنْ شَرِبَ دَمًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمًا نِيئًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ دَمٌ فَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا عَلَى الرِّيقِ أَوْ كَانَا سَوَاءً أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلرِّيقِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ إنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُفْطِرُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ زُفَرُ يُفْطِرُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الظَّاهِرِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ بِالْمَضْمَضَةِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ. وَأَمَّا إذَا أَخَرَجَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ إجْمَاعًا وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إنْ كَانَ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ فَمَا دُونَهَا قَلِيلٌ وَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ وَلَوْ ابْتَلَعَ سِمْسِمَةً بَيْنَ أَسْنَانِهِ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ تَنَاوَلَهَا مِنْ الْخَارِجِ وَابْتَلَعَهَا مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ أَفْطَرَ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا تَجِبُ وَإِنْ مَضَغَهَا لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهَا تَتَلَاشَى وَلَا تَصِلُ إلَى حَلْقِهِ وَإِنْ ابْتَلَعَ لَحْمًا مَرْبُوطًا بِخَيْطِ ثُمَّ انْتَزَعَ الْخَيْطَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ وَإِنْ انْفَصَلَ الْخَيْطُ أَفْطَرَ وَإِنْ فَتَلَ الْخَيَّاطُ الْخَيْطَ وَبَلَّهُ بِرِيقِهِ ثُمَّ أَمَرَّهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فِي فِيهِ وَابْتَلَعَ ذَلِكَ الرِّيقَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخْرَجَ رِيقَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ وَلَوْ سَالَ لُعَابُ الصَّائِمِ إلَى ذَقَنِهِ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ غَيْرُ نَائِمٍ فَابْتَلَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ لَا يُفْطِرُ. (قَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) أَحَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الظِّهَارِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِرَارًا إنْ كَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَفَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَيْنِ لَزِمَهُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَأَفْطَرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ فِي يَوْمٍ آخَرَ فَإِنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ لِلثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ كَفَتْهُ كَفَّارَةُ وَاحِدَةٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ عَلَى حِدَةٍ كَفَّرَ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ بَيَانُهُ إذَا جَامَعَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عُقُوبَةٌ تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ فَجَازَ أَنْ تَتَدَاخَلَ كَالْحُدُودِ وَإِنْ جَامَعَ فَكَفَّرَ ثُمَّ جَامَعَ فَعَلَيْهِ لِلْجِمَاعِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى انْجَبَرَتْ بِالْكَفَّارَةِ الْأُولَى فَصَادَفَ جِمَاعُهُ الثَّانِي حُرْمَةً أُخْرَى كَامِلَةً فَلَزِمَهُ لِأَجْلِهَا الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا إذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ فِي سَنَةٍ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ جِمَاعٍ كَفَّارَةٌ فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّ لِكُلِّ شَهْرٍ حُرْمَةٌ عَلَى حِدَةٍ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ تَجْزِيه كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَى الصَّائِمِ الْكَفَّارَةُ فَسَافَرَ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَمْ تَسْقُطْ لِأَنَّ هَذَا الْعُذْرَ مِنْ قِبَلِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) أَمَّا الْقَضَاءُ فَلِوُجُودِ الْجِمَاعِ مَعْنًى وَهُوَ الْإِنْزَالُ وَلَا كَفَّارَةَ لِانْعِدَامِهِ صُورَةً وَهُوَ الْإِيلَاجُ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي إفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ) لِأَنَّهُ فِي رَمَضَانَ أَبْلَغُ فِي الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ وَالشَّهْرِ وَفِي غَيْرِهِ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ لَا غَيْرُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْجَرَ أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ أَقَطْرَ فِي أُذُنَيْهِ أَفْطَرَ) الْوَجُورُ صَبُّ الْمَاءِ أَوْ اللَّبَنِ أَوْ الدَّوَاءِ فِي الْفَمِ وَقَوْلُهُ احْتَقَنَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ صَبُّ الدَّوَاءِ فِي الدُّبُرِ فَإِنْ أَوْجَرَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ طَائِعًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَعَطَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الصُّورَةِ يَعْنِي فِي الْحُقْنَةِ وَالسَّعُوطِ وَقَوْلُهُ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنَيْهِ يَعْنِي الدَّوَاءَ وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ الدُّهْنِ. (قَوْلُهُ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً بِدَوَاءٍ رَطْبٍ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَفْطَرَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ) الْجَائِفَةُ الْجُرْحُ فِي الْجَوْفِ وَالْآمَّةُ الْجُرْحُ فِي أُمِّ الرَّأْسِ وَهُوَ الدِّمَاغُ وَقَوْلُهُ بِدَوَاءٍ رَطْبٍ بِخِلَافِ الْيَابِسِ. وَفِي الْمُصَفَّى الِاعْتِبَارُ بِالْوُصُولِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُ الرَّطْبِ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ عَلِمَ وُصُولَ الْيَابِسِ أَفْطَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَمْ يُفْطِرْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْطِرُ) إذَا وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الْمَثَانَةِ أَمَّا إذَا بَقِيَ فِي الْقَصَبَةِ لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا وَلَوْ أَقْطَرَ فِي قُبُلِ الْمَرْأَةِ تُفْطِرُ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ ذَاقَ شَيْئًا بِفِيهِ لَمْ يُفْطِرْ) لِعَدَمِ الْمُفْطِرِ صُورَةً وَمَعْنًى. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ عَلَى الْفَسَادِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ الذَّوْقِ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ أَمَّا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ يُبَاحُ لِلْعُذْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ تَعْرِيضٌ عَلَى الْإِفْطَارِ فَإِذَا كَانَ الْإِفْطَارُ فِيهِ يَجُوزُ لِلْعُذْرِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مَكْرُوهًا وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ التَّرَشُّشُ بِالْمَاءِ وَالِاسْتِنْقَاعُ فِيهِ وَصَبُّهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالِالْتِحَافُ بِالثَّوْبِ الْمَبْلُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الضَّجَرِ بِالصَّوْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكَذَا يُكْرَهُ لَهُ الْمَضْمَضَةُ لِغَيْرِ الْوُضُوءِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَفِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ بِالْعَشِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَ السِّوَاكُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا أَوْ مَبْلُولًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُكْرَهُ الْمَبْلُولُ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْضُغَ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ إذَا كَانَ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا صَغِيرٌ أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَعَامٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَضْغِ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) صِيَانَةً لِلْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُفْطِرُ إذَا خَافَتْ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَمَضْغُ الْعِلْكِ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ عَلَى الْفَسَادِ وَهَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ مُلْتَئِمًا لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمَّا إذَا كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا لَا يَتَفَتَّتُ وَالْعِلْكُ هُوَ الْمَصْطَكَى وَقِيلَ اللِّبَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْكُنْدُرُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَخَافَ إنْ صَامَ ازْدَادَ مَرَضُهُ أَفْطَرَ وَقَضَى) الْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ أَنْ تَزْدَادَ حُمَّاهُ شِدَّةً بِالصَّوْمِ أَوْ عَيْنَاهُ وَجَعًا أَوْ رَأْسَهُ صُدَاعًا أَوْ بَطْنَهُ اسْتِطْلَاقًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ يُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَكَذَا إذَا كَانَ إذَا صَامَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْبُرْءُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنْ بَرِيءَ مِنْ الْمَرَضِ وَبَقِيَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ أَثَرِهِ فَخَافَ إنْ صَامَ يَعُودُ عَلَيْهِ الْمَرَضُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّ الْخَوْفَ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ وَإِنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ إنْ صَامَ صَلَّى قَاعِدًا وَإِنْ أَفْطَرَ صَلَّى قَائِمًا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَسْتَضِرُّ بِالصَّوْمِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رُفْقَتُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا مُفْطِرِينَ أَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَتِهِ الْجَمَاعَةَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ فَإِنْ أَفْطَرَ وَقَضَى جَازَ) لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ نَفْسُهُ عُذْرًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخِفُّ بِالصَّوْمِ فَشُرِطَ كَوْنُهُ مُفْضِيًا إلَى الْمَشَقَّةِ ثُمَّ السَّفَرُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْشَأَ السَّفَرَ فِيهِ حَتَّى إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ بَعْدَمَا أَصْبَحَ صَائِمًا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَرِضَ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ صَائِمًا لِأَنَّ السَّفَرَ حَصَلَ بِاخْتِيَارِهِ وَالْمَرَضُ عُذْرٌ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَكَذَا مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَمَاتَا لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ) وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَأَمَّا إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ قَدْ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَعْوِيضُهَا بِالْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَنَفْسُ الْوُجُوبِ مُؤَجَّلٌ إلَى حِينِ الْقُدْرَةِ فَبِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ يَظْهَرُ الْوُجُوبُ وَقَوْلُهُ لَزِمَهُمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ هَذَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَصُمْ مُتَّصِلًا بِصِحَّتِهِ أَمَّا لَوْ صَامَ مُتَّصِلًا بِصِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ

الْقَضَاءُ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ. (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَقَّهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] لَكِنَّ الْمُتَابَعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ جِنْسَ الصِّيَامَاتِ كُلِّهَا أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةٌ مُتَتَابِعَةٌ وَأَرْبَعَةٌ إنْ شَاءَ تَابَعَهَا وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهَا وَثَلَاثَةٌ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ فَالْأَرْبَعَةُ الْمُتَتَابِعَةُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196] وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ثَبَتَتْ مُتَتَابِعًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي وَاقَعَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ وَصَوْمُ النَّذْرِ وَجَبَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ مُعَيَّنٌ وَمُطْلَقٌ فَالْمُعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا وَيُعَيِّنُهُ أَوْ صَوْمُ أَيَّامٍ يُعَيِّنُهَا فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ سَوَاءٌ ذَكَرَ التَّتَابُعَ أَوْ لَا فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ قَضَاهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَأَمَّا الْمُطْلَقُ إنْ ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِيهِ لَزِمَهُ وَكَذَا إذَا نَوَاهُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ اسْتَقْبَلَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّتَابُعَ وَلَمْ يَنْوِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ آخَرُ صَامَ رَمَضَانَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ. (قَوْلُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَخَّرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَانَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ. (قَوْلُهُ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا) وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِرْضَاعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَأَمَّا الْأُمُّ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ لِأَنَّهَا إذَا امْتَنَعَتْ فَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أُخْرَى. (قَوْلُهُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ) الْفَانِي الَّذِي قَرُبَ إلَى الْفِنَاءِ أَوْ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ وَكَذَا الْعَجُوزُ مِثْلُهُ. فَإِنْ قُلْت مَا الْحَاجَةُ إلَى قَوْلِهِ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ قَدْرَ الْإِطْعَامِ قُلْت يُفِيدَانِ الْإِبَاحَةَ بِالتَّغْذِيَةِ وَالتَّعْشِيَّةِ وَالْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ. (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّقْيِيدُ بِقَضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ غَيْرُ شَرْطٍ بَلْ يُشَارِكُهُ كُلُّ صَوْمٍ يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَلِيُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالصَّلَاةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الصِّيَامِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكُلُّ صَلَاةٍ بِانْفِرَادِهَا مُعْتَبَرَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِصَلَوَاتِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْوَتْرُ صَلَاةٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ وَأَوْصَى أَنْ يُطْعِمُوا عَنْهُ لَهَا فَأَعْطَوْا فَقِيرًا وَاحِدًا جُمْلَةً ذَلِكَ صَارَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُمَا قَضَاهُمَا) سَوَاءٌ حَصَلَ الْإِفْسَادُ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ حَتَّى إذَا حَاضَتْ الصَّائِمَةُ تَطَوُّعًا يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ أَبْصَرَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيُبَاحُ لِلْعُذْرِ وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ إلَى الْعَصْرِ وَأَمَّا لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ فَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ عُذْرًا وَلَوْ أَفْطَرَ الْمُتَطَوِّعُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَقْضِيَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِشَهْوَةِ

نَفْسِهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ وَهُوَ أَنْ يُصْبِحَ الرَّجُلُ صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ عَلَى طَعَامٍ يَشْتَهِيه» قَالَ فِي الْإِيضَاحِ إذَا صَامَ تَطَوُّعًا وَدَعَاهُ بَعْضُ إخْوَانِهِ إلَى طَعَامِهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْطِرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَفْطَرَ لِحَقِّ أَخِيهِ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ صِيَامِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَتَى قَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ صِيَامِ أَلْفَيْ يَوْمٍ» . وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقَضَاءِ يُفْطِرُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي تَرْكِ الْإِفْطَارِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَمَّا إذَا كَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَدَعَاهُ بَعْضُ إخْوَانِهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُكْرَهُ أَنْ تَصُومَ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنْ يَصُومَا تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى كَيْفَ مَا كَانَ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنْ صَامَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُفْطِرَ الْمَرْأَةَ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُفْطِرَ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ مَاتَ وَيَقْضِي الْعَبْدُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَعْتَقَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ ذَلِكَ وَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَإِنْ نَهَاهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْنَعُهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْوَطْءِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى مَنْعَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا مِلْكُهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) وَهَلْ الْإِمْسَاكُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ مُسْتَحَبٌّ. وَقَالَ الْإِمَامُ الصَّفَّارُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَوْ أَفْطَرَا فِيهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ (قَوْلُهُ وَصَامَا بَعْدَهُ) لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالْأَهْلِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْضِيَا مَا مَضَى مِنْهُ وَلَا يَوْمَهُمَا) لِعَدَمِ الْخِطَابِ ثُمَّ قَوْلُهُ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا إنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ فَالْإِمْسَاكُ لَا غَيْرُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَفِي الصَّبِيِّ إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ كَانَ تَطَوُّعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَالْكَافِرِ إذَا نَوَى لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) يَعْنِي بِالنَّهَارِ (لَمْ يَقْضِ الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ) لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَقَضَى مَا بَعْدَهُ) لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ فِيهِ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ إلَى آخِرِهِ قَضَاهُ كُلَّهُ إلَّا يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ وَمَنْ جُنَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ لَمْ يَقْضِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ قَضَى مَا مَضَى مِنْهُ) لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ وَالْأَهْلِيَّةُ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ أَفْطَرَتْ وَقَضَتْ) وَكَذَا إذَا نَفِسَتْ وَهَلْ تَأْكُلُ سِرًّا أَوْ جَهْرًا قِيلَ سِرًّا وَقِيلَ جَهْرًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّشَبُّهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ أَمْسَكَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) هَذَا إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ مَا نَوَى لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِلشُّبْهَةِ وَأَمَّا الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ وَنَوَتْ لَمْ يَكُنْ صَوْمًا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا لِوُجُودِ الْمُنَافِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَالصَّوْمُ لَا يَتَجَزَّأُ وَقَوْلُهُ أَمْسَكَا أَيْ عَلَى الْإِيجَابِ هُوَ الصَّحِيحُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَتَشَبَّهْ الْحَائِضُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْ التَّشَبُّهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يُرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ قَضَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) فَقَوْلُهُ يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ الرَّأْيِ لَا مِنْ

باب الاعتكاف

الرُّؤْيَةِ أَيْ يَظُنُّ ظَنَّا غَالِبًا قَرِيبًا مِنْ الْيَقِينِ حَتَّى لَوْ كَانَ شَاكًّا أَوْ أَكْثَرَ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ إذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يُرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ أَمْسَكَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ أَحْكَامٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَالثَّانِي أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْأَدَاءَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وَهَذَا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَظُنُّ ظَنًّا غَالِبًا أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ أَمَّا إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَكَلَ حَيْثُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَلَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لِلْفِطْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْغُرُوبِ فَأَفْطَرَ فَإِنَّ إفْطَارَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ فَكَانَ مُتَيَقِّنًا لِلنَّهَارِ شَاكًّا فِي اللَّيْلِ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَافْتَرَقَا. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إقَامَةَ السُّنَّةِ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْإِفْطَارِ سُنَّةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّحُورَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» السُّحُورُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي وَقْتِ السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الْحَدِيثِ إضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَإِنَّ فِي أَكْلِ السُّحُورِ بَرَكَةً وَالْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ فِي أَدَاءِ الصَّوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ نَيْلُ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِأَكْلِ السُّحُورِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَعَمَلِهِ بِمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَرْقُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلُ السُّحُورِ» . (قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَمْ يُفْطِرْ) فَإِنْ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُفْطِرُ سِرًّا. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا غَيْرَ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ عِبَادَةٍ فَيُحْتَاطُ فِيهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُقُوقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الدِّينِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَمْ يُقْبَلْ) فِي هِلَالِ الْفِطْرِ (إلَّا شَهَادَةُ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الِاعْتِكَافِ] (بَابُ الِاعْتِكَافِ) أَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطُهُ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَكَذَلِكَ وَضْعًا كَمَا قُدِّمَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَحَاسِنُ الِاعْتِكَافِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ فِيهِ تَسْلِيمَ الْمُعْتَكِفِ كُلِّيَّتَهُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ لِطَلَبِ الزُّلْفَى وَتَبْعِيدَ النَّفْسِ عَنْ شُغْلِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ مَانِعَةٌ عَمَّا يَسْتَوْجِبُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْقُرْبَى وَلِهَذَا كُرِهَ إحْضَارُ السِّلَعِ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ أَيْضًا اشْتِرَاطُ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِ وَالصَّائِمُ ضَيْفُ اللَّهِ فَالْأَلْيَقُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَالِاعْتِكَافُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعُكُوفِ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ وَالْحَبْسُ وَالْمَنْعُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] أَيْ مَمْنُوعًا عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَهُوَ الْحَرَمُ مَوْضِعُ نَحْرِهِ وَفِي الشَّرْع هُوَ اللَّبْثُ وَالْقَرَارُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ نِيَّةِ الِاعْتِكَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ) يَعْنِي فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ أَمَّا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» وَالْمُوَاظَبَةُ دَلِيلُ السُّنَّةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ يَا عَجَبًا لِلنَّاسِ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ وَمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ وَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ الصَّوْمُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ وَفِيهِ تَفْرِيغُ الْقَلْبِ وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَى بَارِئِهَا وَالتَّحَصُّنُ بِحِصْنٍ حَصِينٍ. (قَوْلُهُ وَهُوَ اللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ) يَعْنِي مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ وَاللَّبْثُ بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُكْثُ. (قَوْلُهُ مَعَ الصَّوْمِ وَنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ) أَمَّا اللَّبْثُ فَرُكْنُهُ لِأَنَّ

وُجُودَهُ بِهِ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَشَرْطُهُ وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَاجِبِ مِنْهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَلِصِحَّةِ التَّطَوُّعِ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ» فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقَلُّهُ سَاعَةً فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْعُدَ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْيَوْمِ كَالصَّوْمِ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كُلُّهَا بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ مَعْلُومٍ وَأَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ مَأْمَنُ الْخَلْقِ وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ وَمَنْزِلُ الرَّحْمَةِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي كَثُرَ جَمَاعَتُهَا فَكُلُّ مَسْجِدٍ كَثُرَتْ جَمَاعَتُهُ فَهُوَ أَفْضَلُ وَالِاعْتِكَافُ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ وَنَفْلٌ فَالنَّفَلُ يَجُوزُ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُعْتَكِفًا بِقَدْرِ مَا أَقَامَ فَإِذَا خَرَجَ انْتَهَى اعْتِكَافُهُ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] . فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ ذِكْرُ الْوَطْءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَهُوَ حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ أَيْضًا. قِيلَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلِهَذَا قَالَ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ. (قَوْلُهُ وَاللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَحَرُمَا عَلَيْهِ إذْ الْوَطْءُ مَحْظُورُ الِاعْتِكَافِ كَمَا فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ. فَإِنْ قِيلَ لَمْ حَرُمَتْ الْقُبْلَةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ دُونَ الصَّائِمِ قِيلَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِي الِاعْتِكَافِ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الْقُرْآنِ صَرِيحًا فَحُرِّمَتْ دَوَاعِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ فِيهِ دَلَالَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] لَمَّا خَصَّ اللَّيْلَ بِالْحِلِّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ بِالنَّهَارِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ لَا يَحْرُمُ بِالصَّوْمِ وَيَحْرُمُ بِالِاعْتِكَافِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي بَابِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْلًا وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ إذَا ثَبَتَتْ بِالنَّهْيِ تَعَدَّتْ الْحُرْمَةُ إلَى الدَّوَاعِي كَحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ وَمُشْتَرِي الْجَارِيَةِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: 197] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» وَإِذَا ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْوَطْءِ بِالْأَمْرِ لَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى الدَّوَاعِي كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَحَالَةِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ فِيهِمَا بِالْأَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] بَعْدَ ذِكْرِ الْمُفَطِّرَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنْ قَبَّلَ الْمُعْتَكِفُ أَوْ لَمَسَ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ فَسَدَ وَإِنْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ فَأَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) وَهِيَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَجْلِهَا وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّهُورِ فَإِنْ مَكَثَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ حَتَّى يَكُونَ الْمُكْثُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَفِي نِصْفِ يَوْمٍ رِوَايَتَانِ وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ سَاعَةً لِغَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَعِنْدَهُمَا لَا يَفْسُدُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْخُرُوجِ عَفْوٌ لِلضَّرُورَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ رُكْنُ الِاعْتِكَافِ هُوَ الْمُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجُ ضِدُّهُ فَيَكُونُ مُفَوِّتًا رُكْنَ الْعِبَادَةِ فَالْكَثِيرُ فِيهِ وَالْقَلِيلُ سَوَاءٌ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ أَوْ الْجُمُعَةُ) لِأَنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخُرُوجُ إلَيْهَا مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قُلْنَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ. فَإِنْ قِيلَ الْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِأَعْذَارٍ كَثِيرَةٍ مِنْ السَّفَرِ وَالرِّقِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ تَسْقُطَ بِهَذَا الْعُذْرِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَسْقُطَ الْجُمُعَةُ لِصِيَانَةِ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ دُونَهَا وُجُوبًا لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالنَّذْرِ

وَالْجُمُعَةُ وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُسْقِطَهُ بِإِيجَابِهِ بِنَذْرِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْجُمُعَةُ يَخْرُجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتِّ رَكَعَاتٍ فَالْأَرْبَعُ سُنَّةٌ وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَيَمْكُثُ بَعْدَهَا مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعًا فَإِنْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ لَا يَفْسُدُ وَيُكْرَهُ وَإِنَّمَا لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاعْتِكَافِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمُّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَيْضًا وَلَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَلَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ الْخُرُوجُ بِمِقْدَارِ الدَّفْنِ وَعَلَى هَذَا إذَا دُعِيَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي مَنْ يَقْطَعُ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ غَيْرُهُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ بِمِقْدَارِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَا يَخْرُج فَإِنْ خَرَجَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ هُوَ الْمُعْتَكِفُ فَصَعِدَ الْمَنَارَةَ لِلْأَذَانِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَ بَابُهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ فَخَرَجَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ كُرْهًا فَدَخَلَ مَسْجِدًا آخَرَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْخُرُوجِ فَصَارَ عَفْوًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا إذْ الْمُعْتَكَفُ مَسْجِدٌ تُصَلِّي فِيهِ الْجَمَاعَةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمَهْدُومِ فَكَانَ عُذْرًا فِي التَّحَوُّلِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ بَيْتُ صَدِيقٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَعِيدِ فَإِنْ مَضَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَيَأْكُلُ الْمُعْتَكِفُ وَيَنَامُ فِي مُعْتَكَفِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ) يَعْنِي مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُنَزَّهٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ فَمَكْرُوهٌ لَلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَكِفَ أَشَدُّ فِي الْكَرَاهَةِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَشْغَالُ الدُّنْيَا فِي الْمَسَاجِدِ كَتَحْبِيلِ الْقَعَائِدِ وَالْخِيَاطَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالتَّعْلِيمِ إنْ كَانَ يَعْمَلُهُ بِأُجْرَةٍ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ أَوْ يَعْمَلُهُ لِنَفْسِهِ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَسْجِدِ وَيَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُرَاجِعَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) هَذَا يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَكِفَ وَغَيْرَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُعْتَكِفِ أَشَدُّ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) يَعْنِي صَمْتًا يَعْتَقِدُهُ عِبَادَةً كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فِي شَرِيعَتِنَا أَمَّا الصَّمْتُ عَنْ مَعَاصِي اللِّسَانِ فَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ) أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلٌّ لِلِاعْتِكَافِ وَلَكِنْ لَا يَفْسُدْ صَوْمُهُ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الِاعْتِكَافِ مُذَكِّرَةٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِحْرَامِ فَإِنَّ هَيْئَةَ الْمُحْرِمِينَ مُذَكِّرَةٌ وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ حَتَّى أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ اعْتِكَافُهَا بِلَيَالِيِهَا) لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَيَّامٍ لِيَحْتَرِزَ مِمَّا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَا تَدْخُلُ فَإِنَّهُ إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَعْتَكِفُ يَوْمَهُ وَيَصُومُهُ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَإِنْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ يَلْزَمَانِهِ بِلَيْلَتَيْهِمَا وَيَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ غَرُبَتْ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ وَفَّى بِنَذْرِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ اللَّيْلَةَ الْأُولَى لِأَنَّ الْمُثَنَّى غَيْرُ الْجَمْعِ وَفِي دُخُولِ اللَّيْلَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ ضَرُورَةُ الِاتِّصَالِ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ فَيَلْحَقُ بِهِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ الْجَمْعِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ دُونَ لَيْلَتَيْهِمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَيَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ لَيْلَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَوْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِنْ أَوْجَبَ اعْتِكَافَ لَيْلَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ

كتاب الحج

لَزِمَهُ اعْتِكَافُهُمَا وَيَوْمُهُمَا وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ لَفْظِهِ. (قَوْلُهُ وَكَانَتْ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ فِيهَا) لِأَنَّ مَبْنَى الِاعْتِكَافِ عَلَى التَّتَابُعِ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا قَابِلَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفْرِيقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَيَجِبُ عَلَى التَّفْرِيقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً فِي الِاعْتِكَافِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ لَفْظِهِ وَإِذَا أَوْجَبَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِصَوْمٍ مُتَتَابِعٍ سَوَاءٌ ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِي إيجَابِهِ أَوْ لَا وَتَعْيِينُ ذَلِكَ الشَّهْرِ إلَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ نَذْرَهُ دَخَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَيَخْرُجُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْجَبَ صَوْمَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّتَابُعَ وَلَا نَوَاهُ فَإِنَّهُ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ وَلَوْ نَوَى عِنْدَ النَّذْرِ الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيِ لَمْ يُصَدَّقْ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ شَهْرٌ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعَلَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً إلَّا إذَا قَالَ عِنْدَ النَّذْرِ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ خَاصَّةً إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ نَوَيْت النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صُدِّقَ وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَقَالَ نَوَيْت اللَّيْلَ خَاصَّةً صُدِّقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَجِّ] (كِتَابُ الْحَجِّ) الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لِأَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الدِّينِ عَظِيمٍ وَالْعِبَادَاتُ ثَلَاثٌ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَمَالِيٌّ مَحْضٌ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَجُّ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ شَرَعَ فِي الْمُرَكَّبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْحَجُّ وَاجِبٌ) أَيْ فَرْضٌ مُحْكَمٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَعَمُّ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ وَاجِبٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَاجِبٍ فَرْضًا. وَالْمَشْرُوعَاتُ أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَنَافِلَةٌ فَالْفَرِيضَةُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَالْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالسُّنَّةُ هِيَ طَرِيقَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِإِحْيَائِهَا وَالنَّافِلَةُ هِيَ مَا شُرِعَتْ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَلَا يَلْحَقُ تَارِكَهَا مَأْثَمٌ وَلَا عِقَابٌ فَالْحَجُّ فَرْضٌ مُحْكَمٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ وَهَلْ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ السَّلَامَةَ أَمَّا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ الْمَوْتَ إمَّا بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَوْ الْهَرَمِ فَإِنَّهُ يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ إجْمَاعًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّأْخِيرُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَخَّرَهُ كَانَ آثِمًا وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وَحُجَّةُ مُحَمَّدٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهُ سَنَةَ سِتٍّ وَحَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ عَشْرٍ وَلَوْ كَانَ وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يُؤَخِّرْهُ وَالْجَوَابُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَكَانَ آمِنًا مِنْ فَوَاتِهِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْأَحْرَارِ) إنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدَّى بِمُنْفَرِدٍ بَلْ يُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ» فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَبَيْنَ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَتَّى وَجَبَا عَلَيْهِ دُونَ الْحَجِّ قِيلَ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمَالِ غَالِبًا وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الْحَجِّ يَفُوتُ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَقُدِّمَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ لِافْتِقَارِ الْعَبْدِ وَغِنَى اللَّهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ

وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا يَتَأَدَّيَانِ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَا يَنْقَطِعُ خِدْمَةُ الْمَوْلَى بِهِمَا (قَوْلُهُ الْبَالِغِينَ) احْتِرَازًا عَنْ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَوْضُوعَةٌ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ (قَوْلُهُ الْعُقَلَاءِ) يُحْتَرَزُ عَنْ الْمَجَانِينِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» . (قَوْلُهُ الْأَصِحَّاءِ) أَيْ أَصِحَّاءِ الْبَدَنِ وَالْجَوَارِحِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُقْعَدِ وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالزَّمِنِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْعِبَادَةِ يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِهَا مَا دَامَ الْعَجْزُ بَاقِيًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَعْمَى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا وَيَجِبُ فِي مَالِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا وَزَادًا وَرَاحِلَةً وَمَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ مِنْ خِدْمَتِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الْعَجْزُ بِالْمَرَضِ إنْ كَانَ مَرَضًا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْحَجُّ بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُرْءِ (قَوْلُهُ إذَا قَدَرُوا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ) يَعْنِي بِطَرِيقِ الْمِلْكِ لَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَالْعَارِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الرَّاحِلَةُ فِي حَقِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا فِيمَا دُونَهَا لَا تُشْتَرَطُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ مِقْدَارُ مَا يَكْفِيهِمْ وَعِيَالَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ إلَى عَوْدِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا قِيلَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَجَّ رَاكِبًا أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَشْيَ يُسِيءُ خُلُقَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا أَفْضَلُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ الْوَاحِدَةُ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ مَا تَأَسَّفْت عَلَى شَيْءٍ كَتَأَسُّفِي عَلَى أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَمْشِي فِي حَجِّهِ وَالْجَنَائِبُ تُقَادُ إلَى جَنْبِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ. وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَفِي الْأَوَّلِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَلَزِمَتْهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كَمَا إذَا نَذَرَ الصَّوْمَ مُتَتَابِعًا فَإِنْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ (قَوْلُهُ فَاضِلًا) انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ (قَوْلُهُ عَنْ مَسْكَنِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) كَالْخَادِمِ وَالْأَثَاثِ وَثِيَابِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَقِيلَ فَاضِلًا عَنْ أَصْدِقَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ) يَعْنِي نَفَقَةَ وَسَطٍ لَا نَفَقَةَ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَكَذَا عَنْ نَفَقَةِ خَدَمِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ بِاعْتِبَارِ الضَّعْفِ فِي السَّفَرِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَا يَعْتَبِرُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُ الطَّرِيقِ آمِنًا) يَعْنِي وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِهِ وَقِيلَ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَحْرَمٌ يَحُجُّ بِهَا أَوْ زَوْجٌ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ سَوَاءٌ كَانَ بِالرَّحِمِ أَوْ بِالصُّهُورِيَّةِ أَوْ بِالرَّضَاعِ وَسَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِهَا عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى التَّأْبِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا إذَا أَعْتَقَتْهُ جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي تُشْتَهَى كَالْبَالِغَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ يَجُوزُ لَهُنَّ السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَالْمَحْرَمُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ لِلْحَجِّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَدَّةً فَلَا تَخْرُجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ وَلَا زَوْجٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ يَحُجُّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا اكْتِسَابُ الرَّاحِلَةِ ثُمَّ إذَا كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ تَخْرُجُ لِحَجَّةِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا زَوْجُهَا لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ فَلَهُ مَنْعُهَا وَيَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ

إلَى الْحَجِّ إلَّا بِهِ كَمَا يَلْزَمُهَا شِرَاءُ الرَّاحِلَةِ الَّتِي لَا تَتَوَصَّلُ إلَّا بِهَا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَحْرَمَ إذَا قَالَ لَا أَخْرُجُ إلَّا بِالنَّفَقَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحُجَّ بِغَيْرِهِمَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» وَلِأَنَّهَا بِدُونِ الْمَحْرَمِ يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَيَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ خَلْوَةَ الرَّجُلِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَةً لِرَجُلٍ أَوْ مَحْرَمًا أُخْرَى لَهُ فَصَاعِدًا فَإِنْ حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ جَازَ حَجُّهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَلْ الْمَحْرَمُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَمْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ. . (قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ فَمَضَيَا عَلَى حَجِّهِمَا ذَلِكَ لَمْ يُجِزْهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ فَإِنْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ جَازَ وَالْعَبْدُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ أُحْصِرَ فَتَحَلَّلَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَالْعَبْدُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْجَزَاءُ فَإِذَا جَدَّدَ الصَّبِيُّ يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَالْعَبْدُ إذَا جَدَّدَ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ فَلَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي وَلِأَنَّ إحْرَامَ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ وَإِذَا حَجَّ الْفَقِيرُ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي حَقِّهِ لِلتَّيْسِيرِ لَا لِإِثْبَاتِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَكَانَ سُقُوطُ الْحَجِّ عَنْهُ نَظِيرُ سُقُوطِ أَدَاءِ الصَّوْمِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْمُسَافِرِ وَلِهَذَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْفَقِيرِ بِمَكَّةَ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبِيدِ بِهَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ وَالْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا) يَعْنِي لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى مَكَّةَ أَمَّا إلَى الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (قَوْلُهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ) بِإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَمْسِ الْعُلُومِ (قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) وَقَدْ نَظَمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَيْتَيْنِ فَقَالَ عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِيِّ ... وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِيّ لِلشَّامِ جُحْفَةُ إنْ مَرَرْت بِهَا ... وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ فَاسْتَبِنِ وَمَنْ حَجَّ فِي الْبَحْرِ فَوَقْتُهُ إذَا حَاذَى مَوْضِعًا مِنْ الْبَرِّ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَّا مُحْرِمًا وَكَذَا إذَا سَافَرَ فِي الْبَرِّ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَلِأَهْلِ مِصْرَ مُحَاذَاةُ الْجُحْفَةِ وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَتَى مِيقَاتًا آخَرَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ إحْرَامَهُ مِنْ مِيقَاتِهِ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ جَازَ) وَهُوَ الْأَفْضَلُ إذَا أَمِنَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورَاتِ وَإِلَّا فَالتَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ فَوَقْتُهُ الْحِلُّ) يَعْنِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ دَخْلَةٍ حَرَجٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادُوا النُّسُكَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمْ دُخُولُهَا إلَّا بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ يَتَّفِقُ أَحْيَانًا فَلَا حَرَجَ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَمِيقَاتُهُ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ) لِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ وَعَرَفَةُ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَهُوَ مِنْ

الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ وَأَدَاءُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَيَكُونُ الْإِحْرَامُ لَهَا مِنْ الْحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ نَوْعُ سَفَرٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَالْأَفْضَلُ مِنْ التَّنْعِيمِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمُ لِأَنَّ عَنْ يَمِينِهِ جَبَلًا يُسَمَّى نُعَيْمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ جَبَلٌ يُسَمَّى نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ وَلَوْ تَرَكَ الْمَكِّيُّ مِيقَاتَهُ وَأَحْرَمَ لِلْحَجِّ فِي الْحِلِّ وَلِلْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) سَوَاءٌ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا وَالْغُسْلُ هُنَا لِلنَّظَافَةِ لَا لِلطَّهَارَةِ حَتَّى أَنَّهُ تُؤْمَرُ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَسُمِّيَ الْإِحْرَامُ لِأَنَّهُ يُحَرِّمُ الْمُبَاحَاتِ قَبْلَهُ مِنْ الطِّيبِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ أَوْ غَسِيلَيْنِ) وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْآثَامِ وَلِهَذَا قَدَّمَهُ الشَّيْخُ عَلَى الْغَسِيلِ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَخِيطِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ثَوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ (قَوْلُهُ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ وَلَيْسَ مِنْ سُنَنِ الْهَدْيِ وَلَا يَضُرُّ أَثَرُ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ قُلْنَا ابْتِدَاءُ الطِّيبِ حَصَلَ مِنْ وَجْهٍ مُبَاحٍ فَالْبَقَاءُ عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ كَالْحَلْقِ وَلِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ التَّطَيُّبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ لِلْبَقَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ لَمْ يَخْلَعْهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة: 45] وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ الْحَجَّ يُؤَدَّى فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَمَاكِنَ مُتَبَايِنَةٍ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ التَّيْسِيرَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُلَبِّي عَقِيبَ صَلَاتِهِ) فَإِنْ لَبَّى بَعْدَمَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ وَلَكِنْ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ نَوَى بِتَلْبِيَتِهِ الْحَجَّ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. . (قَوْلُهُ وَالتَّلْبِيَةُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) وَهَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ التَّلْبِيَةِ تَسْبِيحٌ أَوْ تَهْلِيلٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَنَوَى بِهِ الْإِحْرَامَ صَارَ مُحْرِمًا (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ) لِأَنَّهَا تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ فَلَا يُنْقِصُ مِنْهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ فِيهَا جَازَ) يَعْنِي بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَمَّا فِي خِلَالِهَا فَلَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَزِيدُ فِي تَلْبِيَتِهِ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا لَبَّيْكَ تَعَبُّدًا وَرِقًّا (قَوْلُهُ فَإِذَا لَبَّى فَقَدْ أَحْرَمَ) يَعْنِي لَبَّى وَنَوَى لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الذِّكْرِ. (قَوْلُهُ فَلْيَتَّقِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ) الرَّفَثُ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَقِيلَ هُوَ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَأَصْلُ الرَّفَثِ الْفُحْشُ وَالْقَوْلُ الْقَبِيحُ وَالْفُسُوقُ جَمِيعُ الْمَعَاصِي وَهِيَ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ حُرْمَةً وَالْجِدَالُ أَنْ تُجَادِلَ رَفِيقَك حَتَّى تُغْضِبَهُ أَوْ يُغْضِبَك (قَوْلُهُ وَلَا يَقْتُلُ صَيْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] أَيْ وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ وَحُرُمٌ جَمْعُ حَرَامٍ وَالصَّيْدُ هُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ

بِيَدِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ بِلِسَانِهِ لَا يَقُولُ فِي مَوْضِعِ فُلَانٍ صَيْدٌ فَالْإِشَارَةُ تَخْتَصُّ بِالْحَضْرَةِ وَالدَّلَالَةُ بِالْغَيْبَةِ وَلَوْ قَالَ مُحْرِمٌ لِحَلَالٍ خَلْفَ هَذَا الْحَائِطِ صَيْدٌ فَإِذَا هِيَ صُيُودٌ كَثِيرَةٌ فَأَخَذَهَا وَقَتَلَهَا فَعَلَى الدَّالِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى مِنْ الصَّيْدِ وَاحِدًا فَدَلَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا عِنْدَهُ صُيُودٌ غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ عَلَى الدَّالِّ إلَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ثُمَّ الدَّلَالَةُ إنَّمَا تَعْمَلُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي دَلَالَتِهِ وَيَتَّبِعَهُ فِي أَثَرِهِ أَمَّا إذَا كَذَّبَهُ فِي الدَّلَالَةِ وَلَمْ يَتَّبِعْ أَثَرَهُ حَتَّى دَلَّهُ آخَرُ فَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَ أَثَرَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَى الدَّالِّ الْأَوَّلِ وَلَوْ رَأَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَرْمِيَهُ بِشَيْءٍ فَدَلَّهُ مُحْرِمٌ آخَرُ عَلَى قَوْسٍ وَنُشَّابٍ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ. وَلَوْ اسْتَعَارَ مُحْرِمٌ مِنْ مُحْرِمٍ سِكِّينًا لِيَذْبَحَ بِهَا صَيْدًا مَعَهُ فَأَعَارَهُ فَذَبَحَ الصَّيْدَ فَلَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلَا سَرَاوِيلَ) يَعْنِي اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ أَمَّا إذَا اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ أَوْ ارْتَدَى بِالسَّرَاوِيلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا أَنْ تَلْبَسَ مَا شَاءَتْ مِنْ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَلِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ وَسَتْرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ يَتَعَذَّرُ فَلِذَلِكَ جُوِّزَ لَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ. (قَوْلُهُ وَلَا عِمَامَةً وَلَا قَلَنْسُوَةً وَلَا قَبَاءً وَلَا خُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ) لُبْسُ الْقَبَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْهُمَا جَازَ وَالْكَعْبُ هُنَا هُوَ النَّاتِئُ فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ (قَوْلُهُ وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ) يَعْنِي التَّغْطِيَةَ الْمَعْهُودَةَ أَمَّا لَوْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ عَدْلُ بُرٍّ وَشِبْهُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الِارْتِفَاقِ (قَوْلُهُ وَلَا يَمَسُّ طِيبًا) وَكَذَا لَا يَدْهُنُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ الْمُبَخَّرَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْ الطِّيبِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ مُجَرَّدُ الرَّائِحَةِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ تَطَيُّبًا وَيُكْرَهُ لَهُ شَمُّ الرَّيْحَانِ وَالطِّيبِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لِجُزْءٍ مِنْهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَحِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْكُحْلُ مُطَيَّبًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَجِمَ وَيَفْتَصِدَ وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُضَاجِعَهَا (قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا شَعْرَ بَدَنِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ الْحَرَمَ وَيَعْلَمَ أَنَّ هَدْيَهُ قَدْ ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى وَالنُّورَةِ وَالنَّتْفُ وَالْقَلْعُ بِالْأَسْنَانِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقُصُّ مِنْ لِحْيَتِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشُّعْثِ وَقَضَاءَ التَّفَثِ قَالَ الْكَرْخِيُّ قَضَاءُ التَّفَثِ هُوَ قَصُّ الشَّعْرِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَقِيلَ التَّفَثُ الْوَسَخُ مِنْ طُولِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ وَقَضَاؤُهُ إزَالَتُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا بِعُصْفُرٍ) وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ وَلَا يَنَامَ عَلَيْهِ وَهَلْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ نَعَمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «ابْنَ عُمَرَ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحُمْرَةِ وَقَالَ إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ» وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ) أَيْ لَا تَفُوحُ رَائِحَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ صَبْغُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ) وَلِأَنَّ الْغُسْلَ طَهَارَةٌ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَيَسْتَظِلَّ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ) لِأَنَّ الْمَحْمَلَ لَا يَمَسُّ بَدَنَهُ فَأَشْبَهَ الْبَيْتَ (قَوْلُهُ وَيَشُدَّ فِي وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ) بِالْكَسْرِ وَهُوَ شَيْءٌ يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَيُشَدُّ عَلَى الْحَقْوِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يَشُدَّ الْمِنْطَقَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهَا إذَا شَدَّهَا

بِإِبْزِيمٍ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَخِيطَ كَمَنْ لَبِسَ الطَّيْلَسَانَ وَزِرُّهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلَا لِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ) فَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْخِطْمِيَّ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَهُوَ كَالْحِنَّاءِ وَلِأَنَّهُ يُزِيلُ التَّفَثَ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْوَسَخَ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا غَسَلَهُ بِالسِّدْرِ أَوْ بِالصَّابُونِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي اجْتِنَابِ الطِّيبِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَفْعَلُهُمَا دُونَ الرَّجُلِ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ. (قَوْلُهُ وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلْبِيَةِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ هُوَ ثَجُّ الدِّمَاءِ بِالذَّبْحِ أَيْ إسَالَتُهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ يُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ نَفْلًا كَانَتْ أَوْ فَرْضًا. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَاتِ دُونَ الْفَائِتَاتِ وَالنَّوَافِلِ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ أَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ (قَوْلُهُ وَكُلَّمَا عَلَا شَرَفًا) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا (قَوْلُهُ أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رُكْبَانًا) لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَوَاتِ لِلِانْتِقَالِ فَيُؤْتَى بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَكَذَا عِنْدَ الِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ وَبِالْأَسْحَارِ) خَصَّهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) سُمِّيَتْ مَكَّةُ لِأَنَّهَا تَمُكُّ الذُّنُوبَ أَيْ تُذْهِبُهَا وَتُسَمَّى أَيْضًا بَكَّةُ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا أَيْ يَزْدَحِمُونَ فِي الطَّوَافِ وَقِيلَ بَكَّةُ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ وَمَكَّةُ اسْم لِلْبَلَدِ وَالْمُسْتَحَبُّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك وَالْبَلَدُ بَلَدُك جِئْتُك هَارِبًا مِنْك إلَيْك لِأُؤَدِّيَ فَرَائِضَك وَأَطْلُبَ رَحْمَتَك وَأَلْتَمِسَ رِضْوَانَك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ إلَيْك الْخَائِفِينَ عُقُوبَتَك أَسْأَلُك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِك وَتُدْخِلَنِي فِي رَحْمَتِك وَتَتَجَاوَزَ عَنِّي بِمَغْفِرَتِك وَتُعِينَنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِك اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْ عَذَابِك وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَوْلُهُ ابْتَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَعْنِي بَعْدَ مَا حَطَّ أَثْقَالَهُ لِيَكُونَ قَلْبُهُ فَارِغًا وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَ مَكَّةَ أَوْ نَهَارًا فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْعَبْدُ عَبْدُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ الْمُسْتَجِيرِ بِك مِنْ النَّارِ فَوَفِّقْنِي لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى. (قَوْلُهُ فَإِذَا عَايَنَ الْبَيْتَ هَلَّلَ وَكَبَّرَ) أَيْ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَعُودُ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالدُّعَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ مُسْتَجَابٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) وَيَقُولُ عِنْدَ مَشْيِهِ مِنْ الْبَابِ إلَى الْحَجَرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ وَفِيهِ أَدْعِيَةٌ غَيْرُ هَذِهِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) الرَّفْعُ هُنَا مِنْ السَّبْعِ الْمَوَاطِنِ وَيَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ إلَى الْحَجَرِ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) صُورَةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيَضَعَ فَمَه بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيُقَبِّلَهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ جَعَلَ كَفَّيْهِ نَحْوَهُ وَقَبَّلَ كَفَّيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ لِلطَّوَافِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ لِلصَّلَاةِ يَبْتَدِئُ فِيهِ الرَّجُلُ طَوَافَهُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيُبْعَثَنَّ هَذَا الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يَنْظُرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ بِالْحَقِّ» . (قَوْلُهُ إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا) لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ تَقْبِيلَهُ وَلَا مَسَّهُ بِيَدِهِ أَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا فِي يَدِهِ مِنْ عُرْجُونٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَقْبَلَهُ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَهَذَا الِاسْتِقْبَالُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنْ اسْتَطَاعَ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَمَسَّ طِيبًا إنْ كَانَ لَهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ) أَيْ عَنْ يَمِينِ الطَّائِفِ لَا عَنْ يَمِينِ الْحَجَرِ فَإِنْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ الطَّوَافُ الْمَنْكُوسُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ (قَوْلُهُ وَقَدْ اضْطَبَعَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيُبْدِيَ مَنْكِبَهُ الْأَيْمَنَ وَيُغَطِّيَ الْأَيْسَرَ

وَهُوَ سُنَّةٌ وَسُمِّيَ اضْطِبَاعًا لِإِبْدَاءِ ضَبْعِهِ وَهُوَ عَضُدُهُ (قَوْلُهُ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) يَبْدَأُ بِالشَّوْطِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحَطِيمِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ مَوْضِعٌ يَصُبُّ فِيهِ الْمِيزَابُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ حُطِمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ وَسُمِّيَ الْحِجْرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ حُجِرَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ مُنِعَ وَيُسَمَّى حَظِيرَةُ إسْمَاعِيلَ وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ» (قَوْلُهُ وَيَرْمُلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) الرَّمَلُ بِفَتْحَتَيْنِ سُرْعَةُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَهَزِّ الْكَتِفَيْنِ مَعَ الِاضْطِبَاعِ وَهُوَ السُّنَّةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ كَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَدِ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا أَضْعَفَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ كَالْإِخْفَاءِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَانَ لِتَشْوِيشِ الْكَفَرَةِ وَأَذَاهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ قِرَاءَتِهِمْ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِمْ. (قَوْلُهُ وَيَمْشِي فِيمَا بَقِيَ عَلَى هَيْنَتِهِ) أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ عَلَى رَسْلِهِ وَالرَّمَلُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ رَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ تَزَاحَمَتْ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ قَامَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ وَلَا يَطُوفُ بِدُونِ الرَّمَلِ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِلَامِ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلُهُ (قَوْلُهُ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ إنْ اسْتَطَاعَ) لِأَنَّ أَشْوَاطَ الطَّوَافِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ فَكَمَا يَفْتَتِحُ كُلَّ رَكْعَةٍ بِالتَّكْبِيرِ يَفْتَتِحُ كُلَّ شَوْطٍ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الِاسْتِلَامَ اسْتَقْبَلَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ سُنَّةٌ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَهُمَا رُكْنُ الْيَمَانِيِّ وَرُكْنُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْقَوَاعِدُ هُنَّ أَسَاسُ الْبَيْتِ وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَلَمَهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهُ (قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ الطَّوَافَ بِالِاسْتِلَامِ) يَعْنِي اسْتِلَامَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ) يَعْنِي مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ مَا ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ حِينَ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ حِينَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ حِينَ يَأْتِي إلَى زِيَارَةِ هَاجَرَ وَوَلَدِهِ إسْمَاعِيلَ وَالْمَقَامُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَوْضِعُ الْقِيَامِ وَبِضَمِّهَا مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ. (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ عِنْدَ الْمَقَامِ (أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَهُمَا وَاجِبَتَانِ عِنْدَنَا فَإِنْ تَرَكَهُمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَنَاسِكِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَإِنْ صَلَّاهُمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِ مَكَّةَ جَازَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَسِيَهُمَا وَصَلَّاهُمَا بِذِي طُوًى ذَكَرَهُ فِي الْكَرْخِيِّ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى فِي الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] » وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْآمَنِينَ» كَذَا فِي الشِّفَاءِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَإِذَا فَرَغَ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُصَلِّيهِمَا إلَّا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ يُفْتَتَحُ بِالِاسْتِلَامِ فَكَذَلِكَ السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الطَّوَافِ سَعْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الْقُدُومِ) وَيُسَمَّى طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَطَوَافُ اللِّقَاءِ وَطَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ (قَوْلُهُ وَهُوَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِانْعِدَامِ الْقُدُومِ مِنْهُمْ وَكَذَا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَهُوَ بَابُ بَنِي مَخْزُومٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ سُنَّةً عِنْدَنَا وَلَوْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ جَازَ وَسُمِّيَ الصَّفَا لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَتَاهُ قَالَ ارْحَبْ يَا صَفِيَّ اللَّهِ (قَوْلُهُ فَيَصْعَدُ عَلَيْهَا) أَيْ يَصْعَدُ بِحَيْثُ يَرَى الْبَيْتَ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ (قَوْلُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ)

وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَوْلُهُ وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ إنَّمَا ذَكَرَ الدُّعَاءَ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ حَالَةَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ وَهَذَا حَالَةَ خَتْمِهَا فَإِنَّ خَتْمَ الطَّوَافِ بِالسَّعْيِ وَالدُّعَاءِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا عِنْدَ ابْتِدَائِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِي الطَّوَافِ وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ فَمَحْرُومٌ مَنْ لَا يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَتْمَةً فِي الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ وَيَنْحَطُّ نَحْوَ الْمَرْوَةِ وَيَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ) أَيْ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَيَقُولُ فِي سَعْيِهِ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ وَاهْدِنِي لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ فَإِنَّك تَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ إلَى بَطْنِ الْوَادِي سَعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) وَهُمَا عَلَامَتَانِ لِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ وَهُمَا شَيْئَانِ مَنْحُوتَانِ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا أَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْ الْجِدَارِ وَسَمَّاهُمَا أَخْضَرَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَأَحَدُهُمَا أَخْضَرُ وَالْآخَرُ أَحْمَرُ وَلَمْ يَكُنْ الْيَوْمُ بَطْنَ وَادِي لِأَنَّهُ قَدْ كَبَسَتْهُ السُّيُولُ فَجُعِلَ هُنَاكَ مِيلَانِ عَلَامَةً لِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ بَطْنُ الْوَادِي (قَوْلُهُ حَتَّى يَأْتِي الْمَرْوَةَ) بِإِسْكَانِ الْيَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ نُصِبَ لَأَفْهَمَ أَنَّ السَّعْيَ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) يَعْنِي مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالدُّعَاءِ وَالرَّفْعِ (قَوْلُهُ وَهَذَا شَوْطٌ) وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَبْتَدِئُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَبْتَدِئُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالصَّفَا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَرَّةً وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَرَامًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَالتَّنَفُّلُ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَإِنَّمَا قَالَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ لِيُنَبِّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ يَفُوتُهُمْ الطَّوَافُ إذَا رَجَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ وَلَا تَفُوتُهُمْ الصَّلَاةُ وَأَهْلُ مَكَّةَ لَا يَفُوتُهُمْ الْأَمْرَانِ وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ) وَهُمَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ سَوَاءٌ انْصَرَفَ عَنْ وَتْرٍ أَوْ شَفْعٍ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مَرْتَبَتَانِ عَلَى الطَّوَافِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وَتْرٍ نَحْوَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَمَّا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ. (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ الْإِمَامُ النَّاسَ خُطْبَةً) يَعْنِي يَوْمَ السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ. وَفِي النِّهَايَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ (قَوْلُهُ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ وَالْإِفَاضَةَ) وَإِنَّمَا جَمَعَ عَرَفَاتٍ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ ثَلَاثَةُ فَرَاسِخَ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَسُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى فِيهِ مِنْ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثَةُ سِكَكٍ بَيْنهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالْمَبِيتُ بِهَا سُنَّةٌ وَفِي الْحَجِّ ثَلَاثُ خُطَبٍ أَوَّلُهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ خُطْبَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى يَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ. وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَكُلُّ هَذِهِ الْخَطْبُ بَعْدَ الزَّوَالِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّ الْخُطْبَتَيْنِ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ وَيُكْرَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْخُطْبَةَ فِيهَا أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ بِمَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ خَرَجَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرَجَ إلَى مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ

الشَّمْسِ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ ثُمَّ غَدَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَوَجُّهُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِذَا بَلَغَ إلَى عَرَفَاتٍ أَقَامَ بِهَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ) وَلَا يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ (قَوْلُهُ يَبْتَدِئُ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهِمَا الصَّلَاةَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ) قَائِمًا وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ. وَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْلِيمُ النَّاسِ وَتَبْلِيغُهُمْ وَالْقِيَامُ أَمْكَنُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ فَيُفْرِدُ لَهَا إقَامَةً إعْلَامًا لِلنَّاسِ بِهَا وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِغَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُعِيدُهُ وَتُجْزِئُهُ الْإِقَامَةُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ أَمَّا سُنَّةُ الظُّهْرِ الرَّاتِبَةُ إذَا صَلَّاهَا لَا تُفْصَلُ وَلَا يُعَادُ الْأَذَانُ إذَا اشْتَغَلَ بِهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ جَوَازِ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَمْسَةٌ الْوَقْتُ وَالْمَكَانُ وَالْإِحْرَامُ وَالْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ وَعِنْدَهُمَا الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَا بِشَرْطٍ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الزَّوَالِ تَقْدِيمًا لِلْإِحْرَامِ عَلَى وَقْتِ الْجَمْعِ فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ حَتَّى لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْعُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ. وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ الْعَصْرِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَا يَقِفُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى شَرَائِطِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِتَقْدِيمِ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهَا فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَحْدَهُ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْإِمَامَ عِنْدَهُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاتَيْنِ جَازَ الْجَمْعُ إجْمَاعًا وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا (قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى فِي رَحْلِهِ وَحْدَهُ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوَقْتِ فَرْضٌ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] أَيْ فَرْضًا مُؤَقَّتًا فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَهُوَ الْجَمْعُ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ يَعْنِي الْإِمَامَ الْأَكْبَرَ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ لَكِنْ لَا مَعَ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُنْفَرِدِ (قَوْلُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنْفَرِدُ) لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ وَالْمُنْفَرِدُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا يَخْتَلُّ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ أَنْ يَقَعَ الْوُقُوفُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ لِيَكُونَ أَفْضَلَ قُلْنَا تَقْدِيمُ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهِ إنَّمَا هُوَ لِصِيَانَةِ الْجَمَاعَةِ لَا لِأَجْلِ رِعَايَةِ امْتِدَادِ الْوُقُوفِ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ لِلْعَصْرِ بَعْدَمَا تَفَرَّقُوا فِي الْمَوْقِفِ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالْوُقُوفِ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ وَاقِفٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمَوْقِفِ) يَعْنِي الْإِمَامَ وَالْقَوْمَ مَعَهُ عَقِيبَ انْصِرَافِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ فَيَقِفُ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) وَهُوَ يُسَمَّى جَبَلُ الرَّحْمَةِ وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْمَوْقِفِ وَعَلَيْهِ وَقَفَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاتَيْنِ انْتَشَرُوا وَوَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَيْثُ شَاءَ وَيُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيُسَبِّحُونَ بِخُشُوعٍ وَتَذَلُّلٍ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَدْعُونَ بِحَوَائِجِهِمْ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ مُتَوَجِّهًا إلَى الْكَعْبَةِ (قَوْلُهُ وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) وَهُوَ وَادٍ بِأَسْفَلِ عَرَفَةَ وَقَفَ فِيهِ الشَّيْطَانُ وَعُرَنَةُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ) لِأَنَّهُ يَدْعُو وَيَدْعُو النَّاسُ بِدُعَائِهِ فَإِذَا كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي

مُشَاهَدَتِهِمْ لَهُ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَدَمَيْهِ جَازَ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ وَالْوُقُوفُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ قَاعِدًا (قَوْلُهُ وَيَدْعُو وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَنَاسِكَ) وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَدْعُو يَوْمَ عَرَفَةَ مَادًّا يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ فَيَقِفُونَ إلَى الْغُرُوبِ يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيَدْعُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ حَوَائِجَهُمْ فَإِنَّهُ وَقْتٌ مَرْجُوٌّ فِيهِ الْإِجَابَةُ وَيُكْثِرُ الْوَاقِفُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ فَهَذَا الْيَوْمُ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَهُوَ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَمَقْصُودُهُ وَيُلَبِّي فِي مَوْقِفِهِ ذَلِكَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ قَالَ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ بِاللِّسَانِ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَرْكَانِ وَلَنَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ فَيَأْتِي بِهَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) لِأَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعٍ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا الِاغْتِسَالُ سُنَّةٌ وَلَوْ اكْتَفَى بِالْوُضُوءِ جَازَ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ جُنُبًا جَازَ وَكَذَا لَوْ وَقَفَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ أَجْزَأَهُمَا (قَوْلُهُ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ) وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْفِيَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وَلَوْ الْتَبَسَ عَلَى النَّاسِ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفُوا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ لَمْ يُجْزِهِمْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ الْوُقُوفُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَلِأَنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَمْ يَجُزْ كَمَنْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِنْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ وَحَجُّهُمْ تَامٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَجُّكُمْ يَوْمَ تَحُجُّونَ» . (قَوْلُهُ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ عَلَى هَيْنَتِهِمْ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ) وَلَا يَدْفَعُ أَحَدٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَإِنْ دَفَعَ أَحَدٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ إنْ جَاوَزَ حَدَّ عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاوَزَهَا قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ الدَّمُ إذَا عَادَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ مَعَ الْإِمَامِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَسْقُطُ وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ وَلَوْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ أَبْطَأَ بِالدَّفْعِ وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ اللَّيْلُ دَفَعُوا قَبْلَهُ لِأَنَّ وَقْتَ الدَّفْعِ قَدْ حَصَلَ فَإِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُهَا وَقَوْلُهُ حَتَّى يَأْتُوا الْمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ فَيَنْزِلُونَ بِهَا وَسُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةُ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اجْتَمَعَ مَعَ حَوَّاءَ فِيهِ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا مِنْهَا (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلُوا بِقُرْبِ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَقِيدَةُ) أَيْ يُوقِدُ عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ النَّارَ (قَوْلُهُ يُقَالُ لَهُ قُزَحُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَزَحَ إذَا ارْتَفَعَ وَيُحْتَرَزُ عَنْ النُّزُولِ فِي الطَّرِيقِ كَيْ لَا يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] إلَى أَنْ قَالَ {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ فَلَا يُفْرَدُ لَهُ إقَامَةٌ بِخِلَافِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ فَأُفْرِدَ بِالْإِقَامَةِ لِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ وَيَنْوِي الْمَغْرِبَ هُنَا أَدَاءً لَا قَضَاءً وَصِفَتُهُ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَأَقَامَ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُتْبِعُهَا الْعِشَاءَ بِذَلِكَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَشَاغَلُ بِشَيْءٍ فَإِنْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ أَعَادَ الْإِقَامَةَ وَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ لِهَذَا الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّ الْعَصْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْتِهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَوْ خَشِيَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِأَنَّهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَاتَ وَقْتُ الْجَمْعِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَقَوْلُهُ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ أَعَادَهَا بِالْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَتْ الْمُعَادَةُ هِيَ الْفَرْضُ وَانْقَلَبَتْ الْمَغْرِبُ الْأُولَى نَافِلَةً وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ انْقَلَبَتْ إلَى الْجَوَازِ فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) إنَّمَا قَدَّمَ صَلَاةَ

الْفَجْرَ هُنَا لِأَجْلِ الِاشْتِغَالِ بِالْوُقُوفِ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ النَّاسُ مَعَهُ) فَدَعَا إلَى أَنْ يُسْفِرُوا جِدًّا وَيَتَضَرَّعُونَ فِي الدُّعَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي عَرَفَةَ وَهَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَنَا وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ. (قَوْلُهُ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) وَهُوَ وَادٍ بِأَسْفَلِ مُزْدَلِفَةَ عَنْ يَسَارِهَا وَقَفَ فِيهِ إبْلِيسُ مُتَحَسِّرًا (قَوْلُهُ ثُمَّ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى يَأْتُوا مِنًى) الْإِفَاضَةُ مَعَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ وَلَوْ أَفَاضَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إلَيْك أَفَضْت وَمِنْ عَذَابِك أَشْفَقْت وَإِلَيْك رَغِبْت وَمِنْك رَهِبْت فَاقْبَلْ نُسُكِي وَعَظِّمْ أَجْرِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَاسْتَجِبْ دَعْوَتِي وَيُلَبِّي فِي أَثْنَاءِ دُعَائِهِ (قَوْلُهُ فَيَبْتَدِئُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَى كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَيَرْمِيَ مِنْ أَسْفَلَ إلَى أَعْلَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَا يَرْمِي بِحَصَاةٍ أَخَذَهَا مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ لِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَا قُبِلَ مِنْ الْحَصَى يُرْفَعُ وَلِأَنَّهَا حَصَاةُ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ وَلَوْ رَمَى بِهَا جَازَ وَقَدْ أَسَاءَ وَوَقْتُ الرَّمْيِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءً وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فِي هَذَا الْيَوْمِ رَمَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْغَدِ رَمَى وَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَوْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ جَازَ عِنْدَنَا وَالْأَفْضَلُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ بِشَرْطِ وُجُودِ الِاسْتِهَانَةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَرَمَى بِهِ مَكَانَ حَصَاةٍ جَازَ عِنْدَنَا وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِالطِّينِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْحَجَرِ وَقَوْلُهُ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي يَعْنِي مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْحَصَى عِنْدَ الْجَمْرَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَعِيدًا لَمْ يَجُزْ وَحَدُّ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فِي حَدِّ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ. وَفِي الْهِدَايَةِ مِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ وَفِيهِ أَدْنَى رَمْيٍ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ وَلَوْ رَمَى بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْبَعْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ) الْخَذْفُ صِغَارُ الْحَصَى قِيلَ إنَّهُ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ رَمَى فَوَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرٍ ثُمَّ وَقَعَتْ هِيَ بِنَفْسِهَا عَلَى الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَخَذَهَا الرَّجُلُ وَوَضَعَهَا لَمْ يَجُزْ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَاةَ بِطَرَفِ إبْهَامِهِ وَمُسَبِّحَتِهِ وَيَرْمِيَ بِهَا. وَفِي الْهِدَايَةِ يَضَعُ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ. (قَوْلُهُ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الذِّكْرِ وَيُرْوَى عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَعَمَلًا مَشْكُورًا وَقَالَ حَدَّثَنِي أَبِي «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَيَقُولُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ مِثْلَ مَا قُلْت» (قَوْلُهُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ عِنْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا يَرْمِي مِنْ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ) فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةُ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ التَّحَلُّلِ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُحْصَرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ذَبَحَ هَدْيَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا بَعْدَ الرَّمْيِ فَإِنْ زَارَ الْبَيْتَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ يُؤْتَى بِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يَبْقَ الْإِحْرَامُ إلَّا مِنْ النِّسَاءِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتَمِرِ وَالْمُعْتَمِرُ يَقْطَعُهَا إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَبِّي مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ تَزُولَ

الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِحَالِهِ بِدَلِيلِ عَدَمِ إبَاحَةِ النِّسَاءِ وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِالذَّبْحِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَذْبَحُ إنْ أَحَبَّ) هَذَا دَلِيلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ قَدَّمَ الذَّبْحَ عَلَى الْحَلْقِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَلِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ الْمُحَلِّقِينَ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ الْمُقَصِّرِينَ وَلِأَنَّ الْحَلْقَ أَكْمَلُ كَمَا فِي قَضَاءِ التَّفَثِ وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ تَقْصِيرٍ فَأَشْبَهَ الِاغْتِسَالَ مَعَ الْوُضُوءِ وَيَكْفِي فِي الْحَلْقِ رُبُعُ الرَّأْسِ اعْتِبَارًا بِالْمَسْحِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَفْضَلُ وَالتَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِهِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ فَإِنْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ أَوْ عِلَّةٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى وَلَا يَصِلَ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ حَلَّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرًا مَرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ قَالَ بَعْضُهُمْ مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاجِبٌ وَلَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ) وَكَذَا تَوَابِعُ الْوَطْءِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَقَالَ مَالِكٌ إلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَطُفْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الْغَدِ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) وَيُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ وَوَقْتُهُ أَيَّامُ النَّحْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الطَّوَافِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَفْضَلُهَا كَمَا فِي التَّضْحِيَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّوَافِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ طَافَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ طَالِبًا لِغَرِيمٍ وَلَا يَنْوِي الطَّوَافَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنُ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَالطَّوَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّ جِهَةَ النِّيَّةِ لِتَعْيِينِهِ حَتَّى لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ طَوَافًا كَانَ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ شِئْت قُلْت لِأَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ يَقَعُ فِي نَفْسِ الْإِحْرَامِ فَنِيَّةُ الْحَجِّ تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ يُؤَدَّى بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ فِي الطَّوَافِ لِأَنَّهَا لَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ وَهِيَ الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ تُفْعَلُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَضَابِطُهُ (ر ذ ح ط) فَالرَّاءُ: الرَّمْيُ، وَالذَّالُ: الذَّبْحُ، وَالْحَاءُ: الْحَلْقُ، وَالطَّاءُ: الطَّوَافُ تُفْعَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَيَجِبُ عَلَى الطَّائِفِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَأَقِلُّوا فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ» . فَإِنْ أَخَلَّ بِالطَّهَارَةِ كَانَ طَوَافُهُ جَائِزًا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ وَتَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ فِي أَنَّ الطَّهَارَةَ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ سُنَّةٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاجِبَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الطَّوَافِ أَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ كَالْوُقُوفِ وَإِنْ طَافَ وَفِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَافَ وَقَدْ انْكَشَفَ مِنْ عَوْرَتِهِ قَدْرُ مَا لَا تَجُوزُ مَعَهُ الصَّلَاةُ أَجْزَأَهُ الطَّوَافُ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالطَّوَافِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَلْوِيثٌ لِلْمَسْجِدِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَشْفُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالطَّوَافِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ مُشْرِكٌ وَلَا عُرْيَانٌ» وَإِذَا اخْتَصَّ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِالطَّوَافِ أَوْجَبَ نُقْصَانَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ جُبْرَانُهُ وَلَوْ طَافَ زَحْفًا عَلَى دُبُرِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الْمَشْيِ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَا إذَا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا إنْ كَانَ لِعِلَّةٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ وَهَلْ يُجْزِئُ الْحَامِلُ عَنْ طَوَافِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ جَمِيعًا وَسَوَاءٌ نَوَى الْحَامِلُ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الطَّوَافَ زَحْفًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا فَإِنْ طَافَ زَحْفًا كَمَا أَوْجَبَهُ أَجْزَأَهُ وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ يَطُوفُ أَوْ يَسْعَى يَتْرُكُهُ وَيُصَلِّي ثُمَّ

يَبْنِي عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يَرْمُلْ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا سَعْيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدَّمَ السَّعْيَ رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا) لِأَنَّ السَّعْيَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَذَا الرَّمَلُ مَا شُرِعَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَلَوْ طَافَ تَطَوُّعًا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ وَسَعَى بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ السَّعْيَ هُوَ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ يَتَرَتَّبُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا يَوْمٌ فِيهِ جَمْعٌ مِنْ الْمَنَاسِكِ رُخِّصَ فِي تَقْدِيمِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ تَيْسِيرًا وَمَنْ شَرْطِ تَقْدِيمِهِ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ) وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْحَجِّ) إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَالرُّكْنُ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ لِتَتِمَّةِ الرُّكْنِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشَّوْطَ الْوَاحِدَ مَفْرُوضٌ بِالْكِتَابِ، وَالسِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ اُحْتُمِلَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَهَا بَيَانًا لِلْكِتَابِ وَاحْتَمَلَ أَنَّهُ فَعَلَهَا ابْتِدَاءً فَجَعَلْنَاهُ فِي النِّصْفِ بَيَانًا لِلْكِتَابِ وَجَعَلْنَا النِّصْفَ وَاجِبًا عَمَلًا بِالِاحْتِمَالَيْنِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) يَعْنِي أَيَّامَ النَّحْرِ لِأَنَّهُ مُؤَقَّتٌ بِهَا وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَتُؤَخِّرَ الطَّوَافَ حَتَّى تَمْضِيَ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ تَطُوفُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ) (أَخَّرَ الْحَلْقَ) يَعْنِي إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ دَمٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَلْقَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَبِمَكَانٍ وَهُوَ الْحَرَمُ فَإِنْ فُقِدَ مِنْهُمَا شَيْءٌ لَزِمَهُ دَمٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَهُوَ الْحَرَمُ وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَعِنْدَ زُفَرَ يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ أَمَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِالِاتِّفَاقِ أَيْ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ أَيْنَمَا كَانَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى فَيُقِيمُ بِهَا) يَعْنِي بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا فَرَغَ مِنْهُ يَرْجِعُ مِنْ سَاعَتِهِ إلَى مِنًى وَيَبِيتُ بِهَا فَإِنْ بَاتَ بِمَكَّةَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ) وَلَوْ رَمَاهُنَّ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ يَبْتَدِئُ بِاَلَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ) يَعْنِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَالْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ مِنْ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَقَوْلُهُ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ أَيْ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عَقِيبَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَدْعُو اللَّهَ بِحَاجَتِهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ وَيَبْلُغُ بِهِمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَيَقِفُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الْجَمْرَةِ (فَيَدْعُو) لِأَنَّهُ رَمْيٌ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ الْوُقُوفُ بَعْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَ هَذِهِ الْجَمْرَةَ وَالثَّانِيَةَ مَاشِيًا (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِي الَّتِي تَلِيهَا مِثْلَ ذَلِكَ وَيَقِفُ عِنْدَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِأَنَّهُ رَمْيٌ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ بَعْدَهُ وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَلِكَ) أَيْ يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ فَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْقَاتَ الرَّمْيِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ فَفِي الْأَوَّلِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَسْنُونٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَمُبَاحٌ وَهُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ وَمَا بَعْدَهُ إلَى الْغُرُوبِ مَسْنُونٌ وَمِنْ بَعْدِ الْغُرُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ فَإِنْ رَمَى بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ إلَّا أَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مَكْرُوهٌ وَمَا بَعْدَهُ مَسْنُونٌ وَعِنْدَهُمَا وَقْتُهُ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ قِيَاسًا عَلَى الْيَوْمِ الثَّانِي

وَالثَّالِثِ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَاسَهُ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ فَسَقَطَ فِعْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِلسُّقُوطِ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ. (قَوْلُهُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ النَّفْرَ نَفَرَ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) النَّفْرُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ الرُّجُوعُ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ يُسَمَّى يَوْمُ النَّحْرِ وَالثَّانِي يَوْمُ الْقَرِّ بِالْقَافِ لِأَنَّ النَّاسَ يُقِرُّونَ فِيهِ وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ النَّفْرُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ النَّفْرُ فِيهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الرَّابِعِ أَمَّا إذَا طَلَعَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَيَوْمُ الرَّابِعِ يُسَمَّى يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي وَيَوْمُ الرَّابِعِ هُوَ يَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ فَمَتَى طَلَعَ الْفَجْرُ فِيهِ وَهُوَ بِمِنًى لَزِمَهُ الْوُقُوفُ لِلرَّمْيِ لِدُخُولِ وَقْتِ الرَّمْيِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقِيمَ بِمِنًى لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ حَتَّى رَمَى الْجِمَارَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَهُمَا الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] أَيْ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الرَّمْيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) يَعْنِي يَوْمَ الرَّابِعِ قَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَثَرُ التَّخْفِيفِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي حَقِّ التَّرْكِ فَلَأَنْ يَظْهَرَ فِي جَوَازِهِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيتَ لَيَالِي مِنًى إلَّا بِمِنًى وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمُقَامِ بِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا مُتَعَمِّدًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ وَجَبَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الْجَبْرَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِنْسَانُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ حَتَّى يَرْمِيَ) ثَقَلَهُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ مَتَاعُهُ وَخَدَمُهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ سُنَّةِ الرَّمْيِ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ خَلْفَهُ وَيُصَلِّيَ مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ لِأَنَّهُ يُشْغِلُ قَلْبَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا لِأَنَّ قَلْبَهُ حَيْثُ رَحْلُهُ وَمَتَاعُهُ (قَوْلُهُ فَإِذَا نَفَرَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) وَهُوَ الْأَبْطُحُ يَعْنِي إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَمَضَى إلَى مَكَّةَ أَتَى وَادِيَ الْأَبْطَحِ وَوَقَفَ فِيهِ سَاعَةً عَلَى رَاحِلَتِهِ يَدْعُو وَيُقَالُ لَهُ خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ وَالنُّزُولُ بِهِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَزَلَ بِهِ قَصْدًا. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَا يَرْمُلُ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ فِي تَرْكِهِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَتَكَرَّرُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَهُ لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ بِرَكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا الطَّوَافُ طَوَافُ الصَّدَرِ) وَيُسَمَّى طَوَافُ الْوَدَاعِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَطَوَافُ آخِرِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ وَيُصْدَرُ عَنْهُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ إذَا حَلَّ لَهُ النَّفْرُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) لِأَنَّهُ يَجِبُ لِمُفَارَقَةِ الْبَيْتِ وَتَوْدِيعِهِ وَهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَكَذَا مَنْ كَانَ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ جَوَازِ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَإِنَّمَا كَانَ طَوَافُ الصَّدَرِ وَاجِبًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِهِ الطَّوَافُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَإِنْ تَشَاغَلَ بِمَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِ الصَّدَرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافٌ آخَرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ بَعْدَهُ إلَى الْعِشَاءِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِيَكُونَ مُوَدِّعًا لِلْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلَةٍ وَمَنْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ لَمْ يَرْجِعْ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ فَإِنْ رَجَعَ رَجَعَ بِعُمْرَةٍ وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِهَا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ طَافَ لِلصَّدَرِ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَصْفَى فَقَالَ تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِخَوْفِ الْمَلَلِ وَقِلَّةِ الْحُرْمَةِ وَسُقُوطِ الْهَيْبَةِ وَخَوْفِ الْوُقُوعِ فِي

باب القران

الذَّنْبِ فَإِنَّ الذَّنْبَ فِيهَا عَظِيمُ الْقُبْحِ أَقْبَحُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا وَعِنْدَهُمَا لَا تُكْرَهُ الْمُجَاوَرَةُ بَلْ هِيَ أَفْضَلُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمُحْرِمُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَوَقَفَ بِهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَلَمْ يَدْخُلْ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَبِتَرْكِ السُّنَنِ لَا يَجِبُ الْجَابِرُ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِهَا أَوْ جَاهِلًا وَلَوْ وَقَفَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَأَفَاضَ مِنْ سَاعَتِهِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ سَاعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَفَ مِنْ النَّهَارِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّ الْوُقُوفَ إلَى بَعْدِ الْغُرُوبِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ وَقَفَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ امْتِدَادٌ (قَوْلُهُ وَمَنْ اجْتَازَ بِعَرَفَةَ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَرَفَةُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْوُقُوفِ) وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ مُفِيقٌ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ حَالَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ إجْمَاعًا لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوُقُوفُ فَلَا يَمْنَعُهُ الْإِغْمَاءُ وَالنَّوْمُ كَرُكْنِ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا اخْتَلَّ مِنْهُ النِّيَّةُ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَأَهَلَّ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَوَقَفَهُ بِالْمَنَاسِكِ كُلِّهَا أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَلَوْ ضَاقَ عَلَى الْمُحْرِمِ وَقْتُ الْعِشَاءِ بِحَيْثُ لَا يَتَّسِعُ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ وَكَانَ يَخْشَى إذَا اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ فَاتَهُ إتْيَانُ عَرَفَةَ لِلْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَيَذْهَبُ إلَى عَرَفَةَ لِأَنَّ أَدَاءَ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ آكَدَ فَفِي فَوَاتِ الْحَجِّ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي قَضَائِهِ إلَى مَالٍ كَثِيرٍ خَطِيرٍ وَسَفَرٍ بَعِيدٍ وَعَامٍ قَابِلٍ بِخِلَافِ فَوْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ قَضَاءَهَا يَسِيرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] . (قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ كَالرِّجَالِ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا) لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ وَالْإِحْرَامُ لَا يُبِيحُ كَشْفَ الْعَوْرَاتِ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْمَخِيطَ وَالْخِمَارَ وَالْخُفَّ (قَوْلُهُ وَتَكْشِفُ وَجْهَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَلَوْ سَدَلَتْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا وَجَافَتْهُ جَازَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِظْلَالِ بِالْمَحْمَلِ (قَوْلُهُ وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ) لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهَا (قَوْلُهُ وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) أَيْ لَا تَرْمُلُ فِي بَطْنِ الْوَادِي لِأَنَّ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ (قَوْلُهُ وَلَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَلَكِنْ تُقَصِّرُ) لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي النِّسَاءِ مِثْلُهُ كَحَلْقِ اللِّحْيَةِ فِي الرِّجَالِ وَلَا تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مُمَاسَّتِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْقِرَانِ] هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ اقْتِرَانِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَأَفْعَالِهِمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْقِرَانَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْإِفْرَادَ مِنْ حَيْثُ التَّرَقِّي مِنْ الْوَاحِدِ إلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدَةُ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْقِرَانُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ لَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ «أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ كُنْت آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَقْصَعُ بِجَرَّتِهَا وَلُعَابُهَا يَسِيلُ عَلَى كَتِفَيَّ وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا» كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلِأَنَّ فِي الْقِرَانِ زِيَادَةَ نُسُكٍ وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِدَامَةَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُمَا وَلَا كَذَلِكَ التَّمَتُّعُ. وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ أَيْ مِنْ إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِحْرَامٍ عَلَى حِدَةٍ لَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَوْ الْعُمْرَةَ وَحْدَهَا

لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا كَمَا يُقَالُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ إنَّ أَرْبَعًا أَفْضَلُ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِتْيَانَ بِأَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِنَّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَتَيْنِ لَا غَيْرُ فَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ الْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ أَيْ مِنْ إفْرَادِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا جَمِيعًا أَمَّا إذَا لَمْ يَأْتِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا فَلَا خِلَافَ حِينَئِذٍ فِي أَنَّ الْقِرَانَ يَكُونُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنْ الْمِيقَاتِ) قَدَّمَ الْعُمْرَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهَا بِقَوْلِهِ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَلِأَنَّ أَفْعَالَهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ عَقِيبَ الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي) أَيْ اقْطَعْ مَوَانِعَهُمَا عَنِّي (قَوْلُهُ وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِتَقْدِيمِ ذِكْرِ الْحَجِّ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَمَنْ مَالَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ ابْتَدَأَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) لِأَنَّهُ طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ (قَوْلُهُ وَيَسْعَى بَعْدَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَهَا طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَسْعَى) كَمَا قُلْنَا فِي الْمُفْرِدِ وَلَا يَحْلِقُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِنْ حَلَقَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا وَبَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَلَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَقَعُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ طَافَ الْقَارِنُ وَسَعَى أَوَّلًا لِلْحَجِّ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ فَالْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ وَالثَّانِي لِلْحَجِّ فَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ مَعًا لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ سَعْيَيْنِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَأْخِيرِ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَتَقْدِيمِ طَوَافِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فِي الْمَنَاسِكِ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ الدَّمَ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَطَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ قَطْعًا لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعَ بَقَرَةٍ وَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ) فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْأَفْضَلُ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ شَاةٌ قِيلَ أَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ لَحْمًا فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ بِالْكَثْرَةِ يَكْثُرُ نَفْعُ الْمَسَاكِينِ فَلَوْ أَنَّ الْقَارِنَ حَلَقَ أَوَّلًا ثُمَّ ذَبَحَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ ثُمَّ يَحْلِقَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يُوجِبُ الدَّمَ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَقَوْلُهُ وَهَذَا دَمُ الْقِرَانِ وَهُوَ دَمُ نُسُكٍ عِنْدَنَا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ لَا دَمَ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ كَالْأُضْحِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ دَمُ جَبْرٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَذْبَحُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ) وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الصَّوْمِ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ قَبْلَ يَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إذَا كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَلَا بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْهَدْيِ كَمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَاءِ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ) أَيْ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حَتَّى دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الدَّمُ أَيْ دَمُ الْقِرَانِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ وَتَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْقِرَانِ وَدَمٌ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ فِي خِلَالِ صَوْمِ الثَّلَاثِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ وَسَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الصَّوْمِ وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ مَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْخُلْفِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَصُومُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ)

باب التمتع

يَعْنِي بَعْدَ مَا مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَيْسَ صَوْمُ السَّبْعَةِ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهَا مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ كَذَا قَالَ الْجُرْجَانِيِّ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ مُؤَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَحَلَّلَ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ جَازَ عِنْدَنَا) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ وَالْوُصُولِ إلَى الْوَطَنِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ وَلَنَا أَنَّ مَعْنَى رَجَعْتُمْ أَيْ فَرَغْتُمْ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْفَرَاغَ سَبَبُ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فَجَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ) هَذَا إذَا تَوَجَّهَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَمَّا إذَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ طَافَ لَهَا وَلَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رَافِضًا وَيَكُونُ قَارِنًا وَدَمُ الْقِرَانِ عَلَى حَالِهِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى ثُمَّ إنَّهُ لَا يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ مُصَلِّي الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا وَبَيْنَ هَذَا التَّوَجُّهِ أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوْجِيهُ هُنَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَافْتَرَقَا (قَوْلُهُ وَبَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ) لِأَنَّهُ لَمَّا ارْتَفَضَتْ الْعُمْرَةُ صَارَ كَالْمُفْرِدِ وَالْمُفْرِدُ لَا دَمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ) وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا) يَعْنِي بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهُ بِشُرُوعِهِ فِيهَا أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْوُجُوبُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّمَتُّعِ] (بَابُ التَّمَتُّعِ) قَدَّمَ الْقِرَانَ عَلَى التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَالتَّمَتُّعُ فِي اللُّغَةِ التَّرَفُّهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَأَفْعَالِهَا أَوْ أَكْثَرِ أَفْعَالِهَا وَإِحْرَامِ الْحَجِّ وَأَفْعَالِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ صَحِيحٍ بِأَهْلِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (التَّمَتُّعُ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِعُمْرَتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ صَارَ مَكِّيًّا فِي حَقِّ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا ثُمَّ يُحْرِمُ لِلْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمُفْرِدُ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ وَالْحَجُّ فَرِيضَةٌ وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَالسَّفَرُ الْوَاقِعُ لِلْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ السَّفَرِ الْوَاقِعِ لِلسُّنَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ ثُمَّ فِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِحَجَّتِهِ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٍ يَسُوقُ الْهَدْيَ وَمُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ) وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا يُحْتَرَزُ عَنْ الْإِلْمَامِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِلْمَامُ هُوَ النُّزُولُ بِأَهْلِهِ وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ فَاسِدٌ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ وَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ) وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ فَإِنْ قُلْتُ لِمَ لَا يَكُونُ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَلَا طَوَافُ

الصَّدَرِ قُلْت أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الْبَيْتِ تَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ فِي هَذَا النُّسُكِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَ قُدُومِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ فَأَتَى بِالطَّوَافِ الْمَسْنُونِ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ الطَّوَافِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ وَأَمَّا طَوَافُ الصَّدَرِ فَإِنَّ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِي الْعُمْرَةِ الطَّوَافُ وَمَا هُوَ مُعْظَمُ رُكْنٍ فِي النُّسُكِ لَا يَتَكَرَّرُ عِنْدَ الصَّدَرِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْظَمُ الرُّكْنِ فِي النُّسُكِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي ذَلِكَ النُّسُكِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) يَعْنِي عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ فَيَقْطَعُهَا عِنْدَ افْتِتَاحِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا) إلَى وَقْتِ إحْرَامِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِهَا شَيْءٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ) هَذَا الْوَقْتُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ إنْ شَاءَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَمَا تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الْمُسَارَعَةِ وَالرَّغْبَةَ فِي الْعِبَادَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَأَمَّا الْجَوَازُ فَجَمِيعُ الْحَرَمِ مِيقَاتٌ (قَوْلُهُ وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ صَارَ هُوَ وَالْمَكِّيُّ سَوَاءً وَلَا تَحِيَّةَ لِلْمَكِّيِّ كَذَلِكَ هَذَا وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ لِأَنَّهُ قَدْ طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ تَطَوُّعًا وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ دَمُ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) وَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا قَبْلَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا جَازَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ الْمُتَمَتِّعُ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ أَحْرَمَ وَسَاقَ هَدْيَهُ) وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ التَّمَتُّعِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ زَائِدٌ وَتَقْدِيمُ الذَّاتِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِ الصِّفَاتِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فَفِيهِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلَا فِيهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْ الْهَدْيَ وَيَسِيرُ مَعَهُ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِيرُ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ بَدَنَةً قَلَّدَهَا بِمَزَادَةٍ) أَيْ قِطْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ أَوْ نَعْلٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ الشَّجَرِ وَالتَّقْلِيدُ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} [المائدة: 2] فَثَبَتَتْ شَرْعِيَّةُ التَّقْلِيدِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّجْلِيلُ مَا ثَبَتَ إلَّا بِالسُّنَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِلْإِعْلَامِ خَاصَّةً بَلْ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ مَعَانٍ أُخَرُ وَهِيَ دَفْعُ الذُّبَابِ وَدَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالتَّقْلِيدُ لِلْإِعْلَامِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ وَصُورَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَرْبِطَ عَلَى عُنُقِ بَدَنَتِهِ قِطْعَةً مِنْ أَدَمٍ أَوْ نَعْلٍ وَالْمَعْنَى بِهِ أَنَّ هَذَا أُعِدَّ لِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَيَصِيرُ جِلْدَةً عَنْ قَرِيبٍ مِثْلَ هَذِهِ الْقِطْعَةِ مِنْ الْجِلْدِ حَتَّى لَا يُمْنَعَ مِنْ الْمَاءِ وَالْعَلَفِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ هَدْيٌ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَغِيبُ عَنْ صَاحِبِهِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَمَّا الْغَنَمُ فَإِنَّهُ يَضِيعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُهُ فَلِهَذَا لَا يُقَلَّدُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُلَبِّيَ ثُمَّ يُقَلِّدَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ مَعَهُ فَكَانَ تَقْدِيمُ التَّلْبِيَةِ أَوْلَى لِيَكُونَ شُرُوعُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِهَا لَا بِالتَّقْلِيدِ (قَوْلُهُ وَيُشْعِرُ الْبَدَنَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) وَلَا يُسَنُّ الْإِشْعَارُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي أَسْفَلِ السَّنَامَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ بِإِبْرَةٍ أَوْ سِنَانٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ يُلَطِّخَ السَّنَامَ بِذَلِكَ إعْلَامًا لِلنَّاسِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْبَهُ الْأَيْسَرُ أَيْ الْأَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ مُقْبِلَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُدْخِلُ بَيْنَ كُلِّ بَعِيرَيْنِ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ وَكَانَ

الرُّمْحُ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ يَقَعُ طَعْنُهُ أَوَّلًا عَلَى يَسَارِ الْبَعِيرِ فَإِنْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ صَعْبَةً جَازَ أَنْ يَشُقَّ مِنْ أَيِّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ عَلَى حَسَبِ قُدْرَتِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْعِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) إنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُمَا قَبْلَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْإِشْعَارَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يُهَاجَ وَلَا يُؤْذِيَ إذَا وَرَدَ مَاءً أَوْ كَلَأً أَوْ يُرَدَّ إذَا ضَلَّ فَإِنَّهُ فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِأَنَّ الْقِلَادَةَ قَدْ تَحِلُّ أَوْ تَسْقُطُ وَالْإِشْعَارُ لَا يُفَارِقُهَا فَكَانَ أَلْزَمَ لَهَا مِنْ التَّقْلِيدِ وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ مُبَايِنٌ لَهَا يَحْتَمِلُ الْمُزَايَلَةَ وَالْإِشْعَارُ مُتَّصِلٌ بِهَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِصَالَ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُنَّةً إلَّا أَنَّهُ عَارَضَهُ كَوْنُهُ مُثْلَةً فَقَالَا بِحُسْنِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ وَالْمُثْلَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَلَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ بِكَوْنِهِ مُثْلَةً وَكَوْنِهِ سُنَّةً فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرَّمِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ إيلَامِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ» وَهَذَا إيلَامٌ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ مَا كَانَ مُبَاحًا فَأَمَّا أَنْ يُبِيحَ مَا كَانَ مَحْظُورًا فَلَا وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَكَذَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى) أَوَّلًا وَطَوَافُهُ وَسَعْيُهُ هَذَا لِلْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ يَوْمَ عَرَفَةَ جَازَ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ قَبْلَهُ جَازَ) وَكُلَّمَا عَجَّلَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ) وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَقَدْ فَعَلَهُ بِالْهَدْيِ الَّذِي سَاقَهُ (قَوْلُهُ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ جَمِيعًا) أَيْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ جَمِيعًا. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ) وَكَذَا أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونَهَا إلَى مَكَّةَ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مُسِيئًا وَعَلَيْهِ لِأَجْلِ إسَاءَتِهِ دَمٌ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَجِدُ ثَمَنَ الْهَدْيِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِفْرَادُ خَاصَّةً) وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ صَحَّ قِرَانُهُ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتَانِ وَالْإِلْمَامُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَحَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ الْإِلْمَامَ بِأَهْلِهِ يُبْطِلُ تَمَتُّعَهُ فَصَارَ كَالْكُوفِيِّ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ (قَوْلُهُ وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَبِهِ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسَفَرَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ وُجُوبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْعَوْدُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ وَقَيَّدَ بِالْمُتَمَتِّعِ إذْ الْقَارِنُ لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِالْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ وَالتَّقْيِيدُ بِبَلَدِهِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَيَكُونُ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ وَقِيلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ

مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْ بَعْدَمَا حَلَقَ أَمَّا قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِنَّ تَمَتُّعَهُ لَا يَبْطُلُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَبْطُلُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَتَمَّمَهَا وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءَ الْأَفْعَالِ فِيهَا وَقَدْ وَجَدَ الْأَكْثَرَ فِيهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا) لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْأَكْثَرَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالْأَقَلَّ لَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ فَإِذَا حَصَلَ الْأَكْثَرُ قَبْلَ الْأَشْهُرِ فَكَأَنَّهَا حَصَلَتْ كُلُّهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الَّذِي يُتَمِّمُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فِي الْأَشْهُرِ (قَوْلُهُ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) . فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَشْهُرًا قِيلَ إقَامَةً لِأَكْثَرِ الثَّلَاثَةِ مَقَامَ كُلِّهَا وَهَلْ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ الْأَشْهُرِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ نَعَمْ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ فَائِتَةً مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ قِيلَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُسَمَّى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَرُكْنُ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَكَلَّمَهُ يَوْمَ النَّحْرِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ عَلَيْهَا جَازَ إحْرَامُهُ) وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا. (قَوْلُهُ وَانْعَقَدَ حَجًّا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَنَا تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْأَشْهُرِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ إلَّا فِي الْأَشْهُرِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ رُكْنٌ وَعِنْدَنَا شَرْطٌ كَالطَّهَارَةِ وَالطَّهَارَةُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي الْأَشْهُرِ وَفَرَغَ مِنْهَا وَحَلَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَأَلَمَّ بِهِمْ حَلَالًا ثُمَّ عَادَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ خَرَجَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فِي مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَيَكُونُ لُحُوقُهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَلُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي الْأَشْهُرِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَإِنْ قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إجْمَاعًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إجْمَاعًا وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْهَا عَادَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ خَارِجَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ كَلُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ اغْتَسَلَتْ وَأَحْرَمَتْ وَصَنَعَتْ مَا يَصْنَعُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرَ) لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافُ وَالْغُسْلُ هُنَا لِلْإِحْرَامِ لَا لِلصَّلَاةِ وَفَائِدَتُهُ النَّظَافَةُ (قَوْلُهُ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ انْصَرَفَتْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدَرِ) فَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهَا طَوَافُ الصَّدَرِ فَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الجنايات في الحج

[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ بَدَأَ بِمَا يَعْتَرِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ وَالْجِنَايَةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ كَانَ فِي مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنْ فِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْجِنَايَةِ الْفِعْلُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ فَإِنَّهُمْ خَصُّوا الْفِعْلَ فِي الْمَالِ بِاسْمٍ وَهُوَ الْغَصْبُ وَالْجِنَايَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) ذَكَرَ الْكَفَّارَةَ مُجْمَلًا حَيْثُ ذَكَرَ الطِّيبَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعُضْوٍ دُونَ عُضْوٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ هَذَا الْمُجْمَلِ فَقَالَ (وَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ فَعَلَيْهِ دَمٌ) الْعُضْوُ الْكَامِلُ مِثْلُ الرَّأْسِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ. وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا طَيَّبَ رُبُعَ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ ثُمَّ وَاجِبُ الدَّمِ يَتَأَدَّى بِالشَّاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ نَذْكُرُهُمَا فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ فَإِنْ كَانَ الطِّيبُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ جُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ طَيَّبَ أَعْضَاءَهُ كُلَّهَا كَفَتْهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ طَيَّبَ كُلَّ عُضْوٍ فِي مَجْلِسٍ عَلَى حِدَّةٍ فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ لِكُلِّ عُضْوٍ كَفَّارَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ لِلثَّانِي وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ كَفَاهُ دَمٌ وَاحِدٌ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ إذَا كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا فَاعْتَبَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْكَثْرَةَ فِي نَفْسِ الطِّيبِ فَقَالَ إنْ كَانَ الطِّيبُ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده إذَا كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ طَيَّبَ بِهِ عُضْوًا كَامِلًا فَهُوَ كَثِيرٌ وَتَكُونُ الْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ وَلَوْ مَسَّ طِيبًا فَلَزِقَ بِيَدِهِ مِقْدَارُ عُضْوٍ كَامِلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَالطِّيبُ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَالْخِطْمِيُّ طِيبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَكَذَا الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ طِيبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الدَّمُ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُزِيلُ الشُّعْثَ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَتَتَكَامَلُ جِنَايَةً بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فَيَجِبُ الدَّمُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ بِطِيبٍ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ ارْتِفَاقًا وَهُوَ قَتْلُ الْهَوَامِّ وَإِزَالَةُ الشُّعْثِ وَهُوَ جِنَايَةٌ قَاصِرَةٌ فَيَلْزَمُهُ فِيهِ صَدَقَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِزَالَةِ الشُّعْثِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَدَنِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّفَثِ وَالشُّعْثِ أَنَّ التَّفَثَ هُوَ الْوَسَخُ وَالشُّعْثَ انْتِشَارُ الشَّعْرِ لِقِلَّةِ التَّعَهُّدِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْخَالِصِ وَالشَّيْرَجِ الْبَحْتِ أَمَّا الْمُطَيَّبُ فَيَجِبُ فِيهِ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّ الرَّيْحَانَ وَالطِّيبَ فَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْحِنَّاءِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ طِيبٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحِنَّاءُ طِيبٌ وَإِنْ صَارَ مُلَبَّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلطِّيبِ وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ جَامِدًا غَيْرَ مَائِعٍ وَهَذَا إذَا غَطَّاهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَكَذَا إذَا غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ يَجِبُ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا خَطَبَتْ الْمَرْأَةُ كَفَّهَا بِالْحِنَّاءِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا دَمٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ عُضْوٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِي تَطَيُّبِهِ الدَّمَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) الْمَخِيطُ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَبَاءِ وَهَذَا إذَا لَبِسَهُ اللُّبْسَ الْمُعْتَادَ أَمَّا إذَا اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَبِسَهُ أَكْثَرَ الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ وَلَوْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ الْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّيْنِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ أَيَّامًا إنْ لَمْ يَنْزِعْهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا كَفَاهُ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ ذَبَحَ الدَّمَ ثُمَّ دَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَيْهِ كَلُبْسِهِ مُبْتَدَأً وَإِنْ نَزَعَهُ وَعَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى

بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ كَانَ يَلْبَسُهُ بِالنَّهَارِ وَيَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ لِلنَّوْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى تَرْكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ لَمْ يَجِبْ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَكَذَا إذَا غَطَّاهُ لَيْلَةً كَامِلَةً كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَسَوَاءٌ غَطَّاهُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا وَمَعْنَاهُ إذَا غَطَّاهُ التَّغْطِيَةَ الْمُعْتَادَةَ أَمَّا إذَا حَمَلَ عَلَيْهِ إجَّانَةً أَوْ عَدْلَ بُرٍّ أَوْ جُوَالِقًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ غَطَّى بَعْضَ رَأْسِهِ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الرُّبُعَ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ قَالَ فِي قَاضِي خان وَلَا يُغَطِّي فَاهُ وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا عَارِضَهُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَإِنْ غَطَّى رُبُعَ وَجْهِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْتَقِبَ وَتُغَطِّيَ وَجْهَهَا فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهَا دَمٌ وَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَكَذَا لِلْمُحْرِمَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَرِيرَ وَالْحُلِيَّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِهِ إنْ لَبِسَ نِصْفَ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَقَ رُبُعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَكَذَا إذَا حَلَقَ رُبُعَ لِحْيَتِهِ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ. وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الرَّأْسِ إنْ حَلَقَ أَكْثَرَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ وَلَوْ حَلَقَ عَانَتَهُ أَوْ إبْطَيْهِ أَوْ نَتَفَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ حَلَقَ مِنْ أَحَدِ الْإِبْطَيْنِ أَكْثَرَهُ فَصَدَقَةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِقَ لِنَفْسِهِ أَوْ يَحْلِقَ لَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا وَإِنْ حَلَقَ شَارِبَهُ أَوْ قَصَّهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ وَهُوَ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيهِ الدَّمَ وَإِنْ حَلَقَ بَعْضَ عَانَتِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ حَلَقَ صَدْرَهُ أَوْ سَاقَهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ غَيْرِهِ أَوْ قَصَّ أَظَافِيرَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالْمَحْلُوقُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحَالِقِ لِأَنَّهُ قَدْ نَالَ بِهِ الرَّاحَةَ وَالزِّينَةَ وَإِنْ أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ حَلَالًا مَخِيطًا أَوْ طَيَّبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا قَتَلَ قَمْلًا عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ حَلَالٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ حَظَرَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُحْرِمُ بِالْحَلَالِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَقَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ يُحْتَرَزُ مِنْ الْمُحْرِمِ إذَا أَلْبَسَ مُحْرِمًا قَمِيصًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْبِسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَبِسَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَقَ مَوَاضِعَ الْمَحَاجِمِ مِنْ الرَّقَبَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَدَقَةٌ) وَهُوَ صَفْحَتَا الْعُنُقِ وَمَا بَيْنَ الْكَاهِلَيْنِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَلَوْ حَلَقَ الرَّقَبَةَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا عُضْوٌ كَامِلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْحَلْقَ الْمِحْجَمَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَارُورَةُ الْحَجَّامِ وَكَذَا الْمِحْجَمُ بِغَيْرِ الْهَاءِ وَالْمَحْجَمُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مَوْضِعُ الْمِحْجَمَةِ مِنْ الْعُنُقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَأَمَّا إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ الرُّبُعَ لَمْ يَجِبْ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الرَّأْسَ مُتَّحِدٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) إقَامَةً لِلرُّبُعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) أَيْ لِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ. وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ الدَّمُ بِقَصِّ ثَلَاثَةِ أَظَافِيرَ مِنْهَا لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا وَالثَّلَاثَةُ أَكْثَرُهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَلَنَا أَنَّ الدَّمَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا وَجَبَ بِقَصِّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدُ الْوَاحِدَةُ رُبُعُ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْكَمَالِ كَرُبُعِ الرَّأْسِ فِي الْحَلْقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَامَ الْأَكْثَرُ فِيهِ مَقَامَ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَصَّ خَمْسَةَ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الدَّمُ) كَمَا لَوْ حَلَقَ رُبُعَ الرَّأْسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَهُمَا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ

الرَّاحَةِ وَالزِّينَةُ وَالتَّقْلِيمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَشِينُهُ وَلَا رَاحَةَ فِيهِ وَإِذَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ عِنْدَهُمَا فَذَلِكَ فِي كُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيَنْقُصُ حِينَئِذٍ مَا شَاءَ وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَتَعَلَّقَ فَقَلَعَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِالِانْكِسَارِ خَرَجَ عَنْ حَدِّ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ يَنْمُو فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَوْ قَطَعَ كَفَّهُ وَفِيهِ أَظْفَارُهُ أَوْ خَلَعَ جِلْدَةً مِنْ رَأْسِهِ بِشَعْرِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ مِنْ عُذْرٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ مِنْ الطَّعَامِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] فَالصَّوْمُ يُجْزِئُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ وَيُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَكَذَا الصَّدَقَةُ تُجْزِئُهُ عِنْدَنَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا أَنَّهَا تُسْتَحَبُّ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ أَعْنِي التَّغْذِيَةَ وَالتَّعْشِيَةَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا التَّمْلِيكُ وَأَمَّا النُّسُكُ وَهُوَ الذَّبْحُ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ كَالتَّضْحِيَةِ أَوْ مَكَانِ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْحَرَمُ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاةً) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ سُرِقَتْ الْمَذْبُوحَةُ وَقَدْ ذُبِحَتْ فِي الْحَرَمِ أَوْ هَلَكَتْ بِآفَةٍ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَفِي قَاضِي خَانْ اشْتِرَاطُ الْإِنْزَالِ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِاللَّمْسِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى وَكَذَا الِاحْتِلَامُ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ يَحْصُلُ لَهَا كَمَا يَحْصُلُ لَهُ وَإِنْ اسْتَمْنَى بِكَفِّهِ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَفْسُدُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ. (قَوْلُهُ مَنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَدَنَةٌ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ سَوَّى بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ كَالْفَرْجِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ وَالثَّانِيَةُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ لِتَقَاصُرِ مَعْنَى الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادُ الْحَجِّ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَالْفَرْجِ لِأَنَّ فِيهِ الْحَدَّ عِنْدَهُمَا وَلَوْ جَامَعَ الْمُحْرِمَةَ وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُكْرَهَةٌ أَوْ كَانَ الْمَجَامِعُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ وَفَسَادِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ) لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَفْعَالِهِ أَوْ بِالْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ الْأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الْوَاجِبِ فَبَقِيَ الْوُجُوبُ بِحَالِهِ فَإِنْ جَامَعَ جِمَاعًا آخَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ أُخْرَى عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ إذَا حَجَّ بِهَا فِي الْقَضَاءِ) . وَقَالَ زُفَرُ إذَا أَحْرَمَا افْتَرَقَا وَقَالَ مَالِكٌ إذَا خَرَجَا مِنْ بَلَدِهِمَا افْتَرَقَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ افْتَرَقَا وَالْمُرَادُ بِالْفُرْقَةِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) لِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْجِنَايَةِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهَا فَإِنْ جَامَعَ ثَانِيًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حُرْمَةِ إحْرَامٍ مَهْتُوكٍ فَيَكْفِيهِ شَاةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ دُونَ لُبْسِ الْمَخِيطِ

وَالطِّيبِ فَخُفِّفَتْ الْجِنَايَةُ فَاكْتَفَى بِالشَّاةِ وَكَذَا بَعْدَ الطَّوَافِ قَبْلَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ بَاقٍ عَلَى الْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَفْسَدَهَا وَمَضَى فِيهَا وَقَضَاهَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ إذْ هِيَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ وَلَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فَكَانَتْ أَحَطَّ رُتْبَةً فَتَجِبُ فِيهَا الشَّاةُ (قَوْلُهُ وَمَنْ جَامَعَ نَاسِيًا كَمَنْ جَامَعَ عَامِدًا) لِأَنَّ حَالَةَ الْحَجِّ مُذَكِّرَةٌ وَلَهُ أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ الشُّعْثُ وَالْبُعْدُ عَنْ الْوَطَنِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نِسْيَانُهُ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ يَسْتَوِي فِيهِ النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ لِأَنَّ حَالَتَهَا مُذَكِّرَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً. (قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَحُكْمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَحُكْمِ الْجُنُبِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا تَرَكَ الطَّهَارَةَ فِيهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ الطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الطَّوَافِ عِنْدَنَا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ سُنَّةٌ لِأَنَّ الطَّوَافَ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ وُجُودِهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاجِبَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِتَرْكِهَا الْجَابِرُ. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا شَرَعَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَهُوَ سُنَّةٌ يَصِيرُ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيُجْبَرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) يَعْنِي لِكُلِّ شَوْطٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ (قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي الرُّكْنِ فَكَانَ أَفْحَشَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ وَكَذَا لَوْ طَافَ أَكْثَرَهُ مُحْدِثًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَتُجْبَرُ بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْجَنَابَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ الطَّوَافِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْحَدَثِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلِتَفَاحُشِ النُّقْصَانِ أَوْجَبْنَا الْبَدَنَةَ وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ. فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ لَا يُقَامُ أَكْثَرُ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ مَقَامَ كُلِّهَا وَلَا صَوْمُ أَكْثَرِ النَّهَارِ مَقَامَ كُلِّهِ وَهُنَا يُقَامُ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ قِيلَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَعَدَّدُ بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ تُؤَدَّى فِي مَكَان وَاحِدٍ وَالْمَشَقَّةُ فِيهَا يَسِيرَةٌ فَلَمْ يَقُمْ الْأَكْثَرُ فِيهِمَا مَقَامَ الْكُلِّ وَالْحَجُّ أَفْعَالُهُ مُتَعَدِّدَةٌ وَتُؤَدَّى فِي أَمْكِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُقِيمَ الْأَكْثَرُ فِيهِ مَقَامَ الْكُلِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَسَادِ وَأَمْنًا مِنْ الْفَوَاتِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَكَذَا إذَا حَلَقَ أَكْثَرَ الرَّأْسِ صَارَ مُتَحَلِّلًا كَمَا إذَا حَلَقَ كُلَّهُ وَعَلَى هَذَا الطَّوَافِ كَيْفَ وَقَدْ أُقِيمَ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي مَوَاضِعَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يَجْعَلُ اقْتِدَاءَهُ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ كَالِاقْتِدَاءِ فِي جَمِيعِهَا فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَكَذَا الْمُتَطَوِّعُ بِالصَّوْمِ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ يَجْعَلُ وُجُودَ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ كَوُجُودِهَا فِي جَمِيعِهِ وَكَذَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عِنْدَنَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَفِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا لِقُصُورِهِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا تَبْقَى شُبْهَةُ النُّقْصَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْخُجَنْدِيِّ وَالْوَجِيزِ إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا إذَا أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا إنْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَهَا لَزِمَهُ دَمٌ بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْبَدَنَةُ وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَبَعَثَ بِبَدَنَةٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ الْعَوْدَ وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَهُ

مُحْدِثًا إنْ أَعَادَ فَطَافَ جَازَ وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِلزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ إذْ هُوَ مُحْرِمٌ مِنْ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ وَقَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ هَلْ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ الثَّانِي جَابِرًا لَهُ أَوْ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْفَسِخُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَيَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي إعَادَةِ السَّعْيِ فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيِّ تَجِبُ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الصَّدَرِ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ دُونُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ شَاةٌ وَإِنْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالتَّأْخِيرِ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ) هَذَا إذَا لَمْ يُعِدْهُ أَمَّا إذَا أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَهَا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَهَا فَإِنَّهُ يَبْعَثُ شَاةً وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَهَا) يَعْنِي مِنْ النِّسَاءِ لَا غَيْرُ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الصَّدَرِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) يَعْنِي لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) وَكَذَا إذَا تَرَكَهُ كُلَّهُ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّ دَمَ السَّعْيِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا فَيَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ فَإِنْ سَعَى جُنُبًا أَوْ سَعَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَالسَّعْيُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْوُقُوفِ وَكَذَا لَوْ سَعَى بَعْدَمَا حَلَّ وَجَامَعَ وَكَذَا بَعْدَ الْأَشْهُرِ (قَوْلُهُ وَحَجُّهُ تَامٌّ) اُحْتُرِزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ السَّعْيَ عِنْدَهُ فَرْضٌ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) يَعْنِي قَبْلَ الْإِمَامِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ أَمَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَسْقُطُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفِيضَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ نَدَّ بِهِ بَعِيرُهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ يَعْنِي إذَا كَانَ قَادِرًا أَمَّا إذَا كَانَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَخَافُ الزِّحَامَ

فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ) وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ فَإِنْ أَعَادَهُ بِاللَّيْلِ عَقِيبَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعَادَهُ مِنْ الْغَدِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ) يَعْنِي لِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقَصُ نِصْفُ صَاعٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ دَمٌ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ نُسُكٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَظِيفَةِ هَذَا الْيَوْمِ رَمْيٌ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ لِكُلِّ حَصَاةٍ بِنِصْفِ صَاعٍ إلَّا أَنْ تَبْلُغَ دَمًا فَيَنْقُصُ مَا شَاءَ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا صَدَقَةٌ وَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ دَمٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَهَذَا فِي الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا وَلَا كَذَلِكَ الْمُفْرِدُ فَإِنَّهُ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي تَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَطَهُرَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا حَاضَتْ مِنْ قَبْلِ أَيَّامِ النَّحْرِ أَمَّا إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الدَّمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْوَجِيزِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَامِلًا) إنَّمَا قَالَ قَتَلَ وَلَمْ يَقُلْ ذَبَحَ لِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَالْمَيْتَةُ لَا تُسَمَّى ذَبِيحًا وَالصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ الْبَرِّيُّ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ فَقَوْلُنَا الْمُمْتَنِعُ احْتِرَازًا مِنْ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ وَقَوْلُنَا بِقَوَائِمِهِ أَوْ بِجَنَاحَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَجَمِيعِ الْهَوَامِّ وَقَوْلُنَا الْمُتَوَحِّشُ احْتِرَازًا مِنْ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَقَوْلُنَا فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ احْتِرَازًا عَمَّا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَوْلُنَا الْبَرِّيُّ احْتِرَازًا مِنْ صَيُودِ الْبَحْرِ وَمَمْلُوكُ الصَّيْدِ وَمُبَاحُهُ سَوَاءٌ وَالسِّبَاعُ كُلُّهَا صَيُودٌ وَفِي شَرْحِهِ الْأَسَدُ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ فَيُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهِ كَالضَّبُعِ. وَفِي الْفَتَاوَى الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ وَفِي السِّنَّوْرِ الْوَحْشِيِّ رِوَايَتَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا الْجَزَاءُ. وَقَالَ زُفَرُ لَا جَزَاءَ فِي الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ وَفِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالْبُومِ الْجَزَاءُ وَقَوْلُهُ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ هَذَا إذَا كَانَ الْمَدْلُولُ عَلَى الصَّيْدِ لَا يَرَاهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى دَلَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ عِلْمَ الصَّيْدِ إلَّا بِدَلَالَتِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ يَرَاهُ قَبْلَ دَلَالَتِهِ أَوْ يَعْلَمُ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَبْقَى الدَّالُّ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ الْمَدْلُولُ أَمَّا لَوْ تَحَلَّلَ فَقَتَلَهُ الْمَدْلُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ وَمِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَدْلُولُ قَبْلَ أَنْ يَنْفَلِتَ عَنْ مَكَانِهِ أَمَّا إذَا انْفَلَتَ عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الدَّالِّ (قَوْلُهُ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْعَامِدُ وَالنَّاسِي) أَيْ النَّاسِي لِإِحْرَامِهِ وَكَذَا الْخَاطِئُ مِثْلُ النَّاسِي (قَوْلُهُ وَالْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ) أَيْ الْمُبْتَدِئُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْعَائِدُ إلَى قَتْلِ صَيْدٍ آخَرَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَائِدِ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] ذَكَرَ الِانْتِقَامَ وَسَكَتَ عَنْ الْجَزَاءِ وَيُجَابُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ بِأَوَّلِ الْآيَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا عَمْدًا سُئِلَ هَلْ قَتَلَتْ قَبْلَهُ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَيُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْك وَإِنْ قَالَ لَمْ أَقْتُلْ شَيْئًا يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَتْلِ الصَّيْدِ ثَانِيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِالْجَزَاءِ وَيَمْلَأُ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَعِنْدَنَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْجَزَاءِ ثَانِيًا وَثَالِثًا (قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنْ يُقَوَّمَ الصَّيْدُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ إنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ) لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَيُعْتَبَرُ

قِيمَتُهُ لَحْمًا وَلَا يُعْتَبَرُ صِنَاعَةً وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِي الْبَازِي وَالْحَمَامِ الَّذِي يَجِيءُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ. (قَوْلُهُ يُقَوِّمُهُ ذَوَا عَدْلٍ) الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْمُثَنَّى بِالنَّصِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِيمَةِ) إنْ شَاءَ أَهْدَى وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا) ثَنِيًّا مِنْ الْمَعْزِ أَوْ جَذَعًا مِنْ الضَّأْنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَصُومُ وَالْهَدْيُ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَالصَّوْمُ يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي كُلِّ مَكَان وَيَجُوزُ الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا وَمُتَفَرِّقًا وَيَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ التَّغْذِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهِ طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ يَوْمًا وَعَنْ كُلِّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ يَوْمًا) وَهَلْ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى قَرَابَةِ الْأَوْلَادِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مِسْكِينًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا) لِأَنَّ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا أَوْ يَرْبُوعًا وَلَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ الْوَاجِبَ فِيهِ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا كَامِلًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْتَارَ الصَّوْمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] وَحَرْفُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصِّيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ فِي الصَّيْدِ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظِيرِ الْقِيمَةُ بَلْ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ نَظِيرِهِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ النَّظِيرُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مُسَاوِيَةً لِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ مِثْلُ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامَةِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ) الْعَنَاقُ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَهِيَ مَا لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ الْجَفْرَةِ وَدُونَ الْجَذَعِ وَالْجَفْرَةُ مَا تَمَّ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ أَيْضًا وَالْيَرْبُوعُ دُوَيْبَّةٍ أَكْبَرُ مِنْ الْفَأْرَةِ لَهُ كَوَّتَانِ إذَا سَدُّوا عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا خَرَجَ مِنْ الْأُخْرَى. (قَوْلُهُ وَمَنْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ أَمَّا إذَا مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ تَجِبُ قِيمَتُهُ كَامِلَةً وَهَذَا أَيْضًا إذَا بَقِيَ لِلْجُرْحِ أَثَرٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَنْبُتْ الشَّعْرُ أَمَّا إذَا نَبَتَ أَوْ قَلَعَ سِنَّ ظَبْيٍ فَنَبَتَتْ أَوْ ابْيَضَّتْ عَيْنُهُ ثُمَّ زَالَ الْبَيَاضُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ وَقَوْلُهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ يَعْنِي وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ كَامِلَةً كَمَا لَوْ قَتَلَهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ بَرِئَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ أَوْ قَطَعَ قَوَائِمَ صَيْدٍ فَخَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَامِلَةً) لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ وَالْحَيِّزُ يُشَدَّدُ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ الْجِهَةُ فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ آخَرُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْجَزَاءَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ كَسَرَ بَيْضَ صَيْدٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ)

وَكَذَا إذَا شَوَاهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَذِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مَذِرًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ حَلَبَ ظَبْيَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ وَكَذَا إذَا جَزَّ صُوفَ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ وَلَوْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا جَمِيعًا وَلَوْ قَتَلَهَا حَامِلًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا وَلَوْ أَدَّى جَزَاءَ الصَّيْدِ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَبِيحَةَ الْمُحْرِمِ مَيْتَةٌ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَزَاءُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَطْعَمَهُ كِلَابَهُ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا أَكَلَهُ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] فَلَوْ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الضَّمَانَ لَمْ يَكُنْ ذَائِقًا وَبَالَ أَمْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِإِزَاءِ مَا أَخْرَجَهُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَالْمُحْرِمُ إذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَمَّا الْبَيْضُ إذَا شَوَاهُ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَيْضَ إنَّمَا لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ بِإِتْلَافِ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ فِي الثَّانِي بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَيْضَ لَوْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِأَنْ كَانَ مَذِرًا لَمْ يَجِبْ بِإِتْلَافِهِ شَيْءٌ. وَإِذَا كَانَ الْبَيْضُ إنَّمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ بِإِتْلَافِ مَنْفَعَةِ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ فِي الثَّانِي وَبِالشَّيِّ قَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَتْلَفَ بَيْضًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْ الْمَذْبُوحِ قَبْلَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ ضَمَانُ مَا أَكَلَ فِي ضَمَانِ الْجَزَاءِ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَيْضَةِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا) هَذَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْكَلْبِ وَالذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ جَزَاءٌ) الْمُرَادُ مِنْ الْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَمَّا الْعَقْعَقُ وَغُرَابُ الزَّرْعِ فَفِيهِمَا الْجَزَاءُ وَكَذَا لَا شَيْءَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْجُعَلَانِ لِأَنَّهَا هَوَامُّ لَا صَيُودُ وَأَمَّا الْقِرْدُ وَالْفِيلُ وَالضَّبُّ فَفِيهِمْ الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ الْبَعُوضِ وَالنَّمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْقُرَادِ شَيْءٌ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَفِي الْبُومِ الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ قَمْلَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) مِثْلَ كَفٍّ مِنْ طَعَامٍ أَوْ كَسْرَةٍ مِنْ خُبْزٍ هَذَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَمَّا إذَا أَخَذَهَا مِنْ الْأَرْضِ فَقَتَلَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ قَتَلَ الْقَمْلَةَ أَوْ أَلْقَاهَا عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ قَتَلَ قَمْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا تَصَدَّقَ بِكَفٍّ مِنْ طَعَامٍ وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَتَلَ عَشْرًا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ وَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ الْقَمْلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتُلَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُشِيرَ إلَى الْقَمْلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْقِيَ ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ أَوْ يَغْسِلَ ثِيَابَهُ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ وَلَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ فِي الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ فَمَاتَ الْقَمْلُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ إذَا كَانَ كَثِيرًا وَلَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ لَا لِيَمُوتَ الْقَمْلُ بَلْ لِلتَّجْفِيفِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَمَاتَ الْقَمْلُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى حَلَالٍ لِيَقْتُلَ قَمْلَهُ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الدَّافِعِ الْجَزَاءُ وَلَوْ أَشَارَ إلَى قَمْلَةٍ فَقَتَلَهَا الْمَدْلُولُ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهَا وَلَوْ قَتَلَ قَمْلَةً عَلَى غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْجَزَاءُ فِي الْقَمْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَيْدًا لِأَنَّهُ حَادِثٌ مِنْ الْبَدَنِ كَالشَّعْرِ فَفِي إزَالَتِهِ إزَالَةُ الشُّعْثِ فَلَزِمَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ الصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ إزَالَةِ الشُّعْثِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ جَرَادَةً تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ) لِأَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ (قَوْلُهُ وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ) إنَّمَا قَالَ هَذَا تَبَرُّكًا بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ حِمْصَ أَصَابُوا جَرَادًا وَكَانُوا مُحْرِمِينَ فَسَأَلُوا كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ جَرَادَةٍ دِرْهَمًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ مَا أَكْثَرَ دَرَاهِمَكُمْ يَا أَهْلَ حِمْصَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَتَلَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوهَا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) كَالْأَسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالضَّبُعِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوَهَا يَعْنِي سِبَاعَ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَشَبَهِهِمَا (قَوْلُهُ لَا يَتَجَاوَزُ بِقِيمَتِهَا شَاةً) وَيَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ

وَلَا يَبْلُغُ فَوْقَ شَاةٍ وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ جَزَاءُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ فِيهِمَا شَاتَانِ عِنْدَنَا وَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ شَاةٌ وَقَوْلُهُ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ شَاةٌ بِالرَّفْعِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سِيرَ بِزَيْدٍ فَرْسَخَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَالَ السَّبْعُ عَلَى مُحْرِمٍ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَكَذَا إذَا صَالَ الصَّيْدُ. وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ الْجَزَاءُ اعْتِبَارًا بِالْجَمَلِ الصَّائِلِ قُلْنَا هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي قَتْلِ الْمُتَوَهَّمِ مِنْهُ الْأَذَى كَمَا فِي الْفَوَاسِقِ فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِي دَفْعِ الْمُتَحَقِّقِ أَوْلَى وَمَعَ وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لَهُ بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ إلَى أَكْلِ لَحْمِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) ثُمَّ إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْجَزَاءَ حَتَّى أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَيَتَدَاخَلَانِ إجْمَاعًا وَإِنْ أَدَّى الْجَزَاءَ ثُمَّ أَكَلَ وَجَبَ أَيْضًا قِيمَةُ مَا أَكَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ اضْطَرَّ إلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ وَصَيْدٍ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَيُكَفِّرُ وَإِنْ اضْطَرَّ إلَى مَيْتَةٍ وَإِلَى صَيْدٍ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَمَالَ مُسْلِمٍ ذَبَحَ الصَّيْدَ وَلَا يَأْخُذُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَكَذَا إذَا وَجَدَ صَيْدًا وَلَحْمَ إنْسَانٍ يَذْبَحُ الصَّيْدَ وَلَا يَتَنَاوَلُ لَحْمَ الْإِنْسَانِ فَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَلَحْمَ كَلْبٍ يَأْكُلُ الْكَلْبَ وَيَدْعُ الصَّيْدَ وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا اضْطَرَّ إلَى مَالِ مُسْلِمٍ وَمَيْتَةٍ يَأْكُلُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَيَتْرُكُ الْمَيْتَةَ لِأَنَّهُ يُبَاحُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَتُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَيْضًا وَمَالُ الْغَيْرِ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ لَوْلَا حَقُّ مَالِكِهِ فَإِذَا أَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ كَانَ تَنَاوُلُهُ أَوْلَى مِنْ تَنَاوُلِ الْمَحْظُورِ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَذْبَحَ الْمُحْرِمُ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالْبَعِيرَ وَالدَّجَاجَ وَالْبَطَّ الْكَسْكَرِيَّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الْكِبَارُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَنَازِلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَمَّا الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ وَقَيَّدَ بِالْكَسْكَرِيِّ وَهُوَ كِبَارُ الْإِوَزِّ احْتِرَازًا عَنْ بَطِّ غَيْرِ الْكَسْكَرِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَطِيرُ فَإِنَّهُ صَيْدٌ وَكَسْكَرُ نَاحِيَةٌ مِنْ نَوَاحِي بَغْدَادَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَ حَمَامًا مُسَرْوَلًا أَوْ طَيْرًا مُسْتَأْنَسًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) لِأَنَّهُمَا مُتَوَحِّشَانِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ وَالْمُسَرْوَلَةُ فِي رِجْلَيْهَا رِيشٌ كَأَنَّهُ سَرَاوِيلُ (قَوْلُهُ وَإِذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا) وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَيْتَةٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ يَحِلُّ أَكْلُهَا كَالسَّمَكِ فَأَزَالَ الْوَهْمَ بِذَلِكَ أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِينَ دُونَ الْحَلَالِ فَزَادَهُ بَيَانًا بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِأَحَدٍ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُحْرِمُ لَحْمَ صَيْدٍ اصْطَادَهُ حَلَالٌ) أَيْ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ (قَوْلُهُ وَذَبَحَهُ) أَيْ ذَبَحَهُ الْحَلَالُ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَدُلُّهُ الْمُحْرِمُ وَلَا أَمَرَهُ بِصَيْدِهِ) وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ وَلَكِنْ الْحَلَالُ اصْطَادَهُ لِلْمُحْرِمِ قَصْدًا فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَسَوَاءٌ اصْطَادَهُ الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحْرِمِ فِيهِ صُنْعٌ. (قَوْلُهُ وَفِي صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا ذَبَحَهُ الْحَلَالُ الْجَزَاءُ) إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ وَلَيْسَتْ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَتْ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ يَعْنِي إذَا قَتَلَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ. أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لَا تَظْهَرُ حُرْمَةُ الْحَرَمِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَهَلْ يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ بَلْ بِالتَّصَدُّقِ بِاللَّحْمِ حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ فَإِنْ كَانَتْ دُونَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا إذَا سُرِقَ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلدَّمِ فِي الْغَرَامَاتِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ التَّمْلِيكُ مِنْ الْمُحْتَاجِ

وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ حَتَّى إذَا سُرِقَ الْمَذْبُوحُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَوْ ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ وَأَدَّى جَزَاءَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَلَا هُوَ مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) اعْلَمْ أَنَّ شَجَرَ الْحَرَمِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا يَحِلُّ قَطْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَوَاحِدٌ لَا يَحِلُّ قَطْعُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَالثَّلَاثَةُ كُلُّ شَجَرٍ يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُونَهُ وَكُلُّ شَجَرٍ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مِمَّا يُنْبِتُونَهُ وَكُلُّ شَجَرٍ أَنْبَتَهُ النَّاسُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُونَهُ وَالْوَاحِدُ كُلُّ شَجَرٍ يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُونَهُ فَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى قَالُوا لَوْ نَبَتَتْ أُمُّ غِيلَانٍ بِنَفْسِهَا فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَقَطَعَهَا قَاطِعٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهَا وَقِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي الشَّجَرِ إلَّا فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرْطَانِ أَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَيَجِبُ بِهِ الْجَزَاءُ كَمَا إذَا قَلَعَ شَجَرًا نَبَتَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِلْمَالِكِ وَقِيمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَبِهَذَا قَالَ الْمَكِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَوَابُهُ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْبِتٍ لِيُحْتَرَزَ مِمَّا إذَا نَبَتَ مَا لَيْسَ بِمُنْبِتٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ يَعْنِي الرَّطْبَ مِنْهُ أَمَّا إذَا قَطَعَ الْيَابِسَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَالْمُحْرِمُ وَالْحَلَالُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِذَا أَدَّى الْقِيمَةَ مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الصَّيْدِ أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ صَيْدٍ اصْطَادَهُ مُحْرِمٌ وَلَا بَيْعُ صَيْدِ الْحَرَمِ أَصْلًا وَلَوْ أَدَّى جَزَاءَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ الْآمَنِ بِتَفْوِيتِ الْآمَنِ وَبَيْعُهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ بَيْعُ مَيْتَةٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْعَى حَشِيشَ الْحَرَمِ دَوَابَّهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ مَنْعَ الدَّوَابِّ مِنْهُ مُتَعَذِّرٌ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ وَيَجُوزُ أَخْذُ الْوَرِقِ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرَةِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْقَارِنُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهِ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا فَعَلَى الْقَارِنِ فِيهِ دَمَانٍ دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ) وَكَذَا الصَّدَقَةُ وَهَذَا إنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَلَا كَتَرْكِ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدَرِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَهَذَا إذَا مَضَى عَلَى إحْرَامِهِ وَلَمْ يَعُدْ أَمَّا إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَجَدَّدَ التَّلْبِيَةَ وَالْإِحْرَامَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ خِلَافًا لِزُفَرَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ كَامِلًا) سَوَاءٌ كَانَ صَيْدَ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ وَلَوْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجْرِي مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَإِذَا اشْتَرَكَ مُحْرِمٌ وَحَلَالٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْمُحْرِمِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَعَلَى الْحَلَالِ نِصْفُهَا وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَقَارِنٌ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَعَلَى الْحَلَالِ النِّصْفُ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ وَإِذَا اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ فَعَلَى الْحَلَالِ الثُّلُثُ وَعَلَى الْمُفْرِدِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ كَامِلٌ وَعَلَى الْقَارِنِ جَزَاءَانِ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَهُمْ غَيْرُ مُحْرِمِينَ فَعَلَيْهِمْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الصَّوْمُ وَالصَّيْدُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا بَاعَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا أَوْ ابْتَاعَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) وَعَلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَزَاؤُهُ إذَا كَانَا مُحْرِمَيْنِ وَهَذَا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ يَأْتِيك فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ اشْتَرَى حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ صَيْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَوْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ فِي يَدِ

باب الإحصار

غَيْرِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِالْإِرْسَالِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَإِنْ اصْطَادَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَمْ يَمْلِكْهُ وَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ مُرْسِلٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْحِلِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْإِحْصَارِ] (بَابُ الْإِحْصَارِ) الْإِحْصَارُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ يُقَالُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْمُحْرِمِ عَنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالدَّمِ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أُحْصِرَ الْمُحْرِمُ بِعَدُوٍّ أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُضِيِّ حَلَّ لَهُ التَّحَلُّلُ) ذِكْرُ الْعَدُوِّ يَنْتَظِمُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَالسَّبْعَ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ بِحَبْسٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ وَكَذَا إذَا مَاتَ مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَكَذَا إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ أَوْ مَاتَتْ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْمَشْيِ فَهُوَ مُحْصَرٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَهُ ابْعَثْ بِشَاةٍ تُذْبَحُ بِالْحَرَمِ) أَوْ بِقِيمَتِهَا وَلَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْحَرَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ فِي الْحِلِّ فَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ وَذَبَحَ مَكَانَهُ حَلَّ وَإِنْ ذَبَحَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ لَمْ يَذْبَحْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَاعَدَهُمْ فِيهِ فَحَلَّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْلَالِهِ وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ كَمَا كَانَ حَتَّى يَذْبَحَ عَنْهُ فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيَيْنِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِذَبْحِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَالْآخَرُ يَكُونُ تَطَوُّعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَارِنًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ وَوَاعَدَ بِهَا مَنْ يَحْمِلُهَا لِيَوْمٍ بِعَيْنِهِ) إنَّمَا يُوَاعَدُهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ لَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ يَتَحَلَّلُ بِالْحَلْقِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيلَ الْحَلْقُ وَاجِبٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا وَالتَّحَلُّلُ يَقَعُ بِالذَّبْحِ عِنْدَنَا وَهَذَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ كَذَا فِي شَرْحِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَعَلَ أَدْنَى مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ لِيَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ قَارِنًا بَعَثَ بِدَمَيْنِ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامَيْنِ فَإِنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ بِهِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُحْصَرُ الْهَدْيَ فَهُوَ مُحْرِمٌ إلَى أَنْ يَجِدَهُ أَوْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ يُقَوَّمُ الْهَدْيُ بِالطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا فَإِنْ أَدْرَكَ الْمُحْصَرُ هَدْيَهُ بَعْدَمَا بَعَثَ بِهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ بَعَثَ هَدْيَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ ذُبِحَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يُذْبَحْ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ دَمِ الْإِحْصَارِ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَيَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَكَذَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِمُحْصَرٍ بِالْحَجِّ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ) اعْتِبَارًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَخَصَّهُ بِمَكَانٍ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِزَمَانٍ وَلِأَنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْأَكْلُ مِنْهُ فَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ بِخِلَافِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الذَّبْحُ مَتَى شَاءَ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يَخْتَصُّ التَّحَلُّلُ مِنْهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَخْتَصُّ هَدْيُ الْإِحْصَارِ فِيهَا بِيَوْمِ النَّحْرِ. (قَوْلُهُ وَالْمُحْصَرُ بِالْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) هَذَا إذَا قَضَى الْحَجَّ

باب الفوات

مِنْ قَابِلٍ أَمَّا إذَا قَضَاهُ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْهَا مُتَحَقِّقٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَحَقَّقُ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّتُ لَنَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا عُمَّارًا فَحَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ» فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَلَقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قُلْت ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْمُحْصَرَ إنَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَحْلِقُ لِأَنَّ الْحَلْقَ عِنْدَهُمَا مُؤَقَّتٌ بِالْحَرَمِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُحْصَرًا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَبَعْضُهَا مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) أَمَّا الْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُفْرِدِ وَالثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْرُنْ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا قَرَنَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُمْرَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا فِي الْمُفْرِدِ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِذَا بَعَثَ الْمُحْصَرُ هَدْيًا وَوَاعَدَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوهُ فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ) لِزَوَالِ الْعَجْزِ فَإِذَا أَدْرَكَ هَدْيَهُ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْهَدْيِ دُونَ الْحَجِّ تَحَلَّلَ) بِذَبْحِ الْهَدْيِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ دُونَ الْهَدْيِ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ اسْتِحْسَانًا) وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَمَنْ يُدْرِكُ الْحَجَّ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الْهَدْيَ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ تَوْقِيتِ الدَّمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ عِنْدَهُ وَذَكَرَ الْمَكِّيُّ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ يُتَصَوَّرُ أَيْضًا عَلَى الْإِجْمَاعِ كَمَا إذَا أُحْصِرَ فِي عَرَفَةَ وَأَمَرَهُمْ بِالذَّبْحِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ فَزَالَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ دُونَ الْهَدْيِ لِأَنَّ الذَّبْحَ بِمِنًى وَلَوْ أَنَّ الْمُحْصَرَ ذَهَبَ إلَى الْقَضَاءِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ بَعْدَمَا تَحَلَّلَ بِالذَّبْحِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَكَّةَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ كَانَ مُحْصَرًا) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ أَيْضًا فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ) أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ دُونَ الْوُقُوفِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ وَأَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَلَا يَكُونُ مُحْصَرًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْصَرًا هَلْ يَتَحَلَّلُ قِيلَ لَا لِأَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ فِي مَكَانِهِ يَقَعُ التَّحَلُّلُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَهُوَ إنَّمَا شُرِعَ فِي الْحَرَمِ وَلَوْ أَخَّرَ التَّحَلُّلَ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ يَقَعُ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْحَلْقِ وَالتَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ أَهْوَنُ مِنْ التَّأْخِيرِ عَنْ الْمَكَانِ فَيُؤَخِّرُ الْحَلْقَ حَتَّى يَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ وَقِيلَ يَتَحَلَّلُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ فِي الْحِلِّ رُبَّمَا يَمْتَدُّ الْإِحْصَارُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَيَفُوتُ عَنْهُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ جَمِيعًا فَتَحَمُّلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْفَوَاتِ] (بَابُ الْفَوَاتِ) الْفَوَاتُ عَدَمُ الشَّيْءِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَإِنَّمَا قَالَ هُنَا الْفَوَاتِ مُفْرَدًا وَفِي الصَّلَاةِ الْفَوَائِتِ جَمْعًا لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ جَمْعٌ وَالْحَجَّ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ) لِأَنَّ الْحَجَّ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَتَحَلَّلَ وَيَقْضِيَ الْحَجَّ مِنْ قَابِلٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّحَلُّلَ وَقَعَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَكَانَتْ فِي حَقِّ فَائِتِ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ فِي

باب الهدي

حَقِّ الْمُحْصَرِ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى هَذَا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ عَمَلُ عُمْرَةٍ مُؤَدَّاةٍ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً وَفَائِدَتُهُ لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى تَلْزَمُهُ وَيُؤَدِّيهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ ضَمَّ حَجَّةً إلَى عُمْرَةٍ وَعِنْدَهُمَا ضَمَّ حَجَّةً إلَى حَجَّةٍ فَيَلْزَمُهُ رَفْضُهَا ثُمَّ يَقْضِيهَا وَفَائِدَةٌ أُخْرَى أَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ تُسْقِطُ عَنْهُ الْعُمْرَةَ الَّتِي تَلْزَمُهُ فِي عُمُرِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَسْقُطُ فَإِنْ كَانَ قَارِنًا أَدَّى الْعُمْرَةَ أَوَّلًا لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ فَإِذَا أَتَى بِهَا فَقَدْ أَتَى بِهَا فِي وَقْتِهَا. وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَفُوتُ فَإِذَا فَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَبَطَلَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ حَجِّهِ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَإِنْ جَامَعَ فِي إحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ وَكَذَا إذَا قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ (قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ لَا تَفُوتُ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ) الْعُمْرَةُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ إحْرَامٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ اثْنَانِ مِنْهَا رُكْنَانِ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَاثْنَانِ مِنْهَا وَاجِبَانِ السَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَالرُّكْنُ لَا يَجُوزُ عَنْهُ الْبَدَلُ وَالْوَاجِبُ يَجُوزُ عَنْهُ الْبَدَلُ إذَا تَرَكَهُ وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ سُنَنٌ وَآدَابٌ فَإِذَا تَرَكَهَا كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) يَعْنِي يُكْرَهُ إنْشَاؤُهَا بِالْإِحْرَامِ أَمَّا إذَا أَدَّاهَا بِإِحْرَامٍ سَابِقٍ كَمَا إذَا كَانَ قَارِنًا فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَأَدَّى الْعُمْرَةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا كُرِهَتْ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ لِأَنَّ هَذِهِ أَيَّامَ الْحَجِّ فَكَانَتْ مُتَعَيِّنَةً لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ وَالْأَظْهَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِغَيْرِهَا وَهُوَ تَعْظِيمُ أَمْرِ الْحَجِّ وَتَخْلِيصُ وَقْتِهِ لَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) هَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْوَتْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَرِيضَةٌ لَنَا أَنَّهَا غَيْرُ مُوَقَّتَةٍ بِوَقْتٍ وَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَمَا فِي فَائِتِ الْحَجِّ وَهَذِهِ آيَةُ النَّفْلِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ) الْإِحْرَامُ شَرْطُهَا وَالطَّوَافُ رُكْنُهَا وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَاجِبَانِ فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا طَوَافُ الصَّدَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْهَدْيِ] (بَابُ الْهَدْيِ) الْهَدْيُ اسْمٌ لَمْ يُهْدَى إلَى مَكَان وَهُوَ الْحَرَمُ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْهَدْيُ أَدْنَاهُ شَاةٌ وَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا إلَّا الضَّأْنَ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ وَمِنْ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ وَمِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ السَّنَةِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اخْتَلَطَ بِالثَّنَايَا اشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى إذَا اسْتَوَيَا وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا وَالْجَوَامِيسُ كَالْبَقَرِ (قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ مَقْطُوعُ الْأُذُنِ وَلَا أَكْثَرِهَا) وَلَا مَنْ لَا أُذْنَ لَهَا خِلْقَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً جَازَ ثُمَّ الذَّاهِبُ مِنْ الْأُذُنِ إنْ كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا الثُّلُثُ فِي حُكْمِ الْقَلِيلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ جَازَ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثُّلُثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْأُذُنِ أَكْثَرَهَا جَازَ وَإِنْ ذَهَبَ النِّصْفُ وَبَقِيَ النِّصْفُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فِي النِّصْفِ اسْتَوَى الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا (قَوْلُهُ وَلَا مَقْطُوعَةُ الذَّنَبِ وَلَا الْيَدِ وَلَا الرِّجْلِ) وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُذُنِ وَكَذَا الْأَنْفُ وَالْأَلْيَةُ مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا) (الذَّاهِبَةُ الْعَيْنِ) أَيْ الذَّاهِبَةُ

إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا» فَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ قَلِيلًا جَازَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ تُسَدَّ الْعَيْنُ الْمَعِيبَةُ بَعْدَ أَنْ لَا تُعْلَفَ الشَّاةُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُقَرِّبُ الْعَلَفَ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان عَلَّمَ ذَلِكَ الْمَكَانَ ثُمَّ تُسَدُّ عَيْنُهَا الصَّحِيحَةُ وَيُقَرِّبُ الْعَلَفَ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ مِنْ مَكَان عَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَالذَّاهِبُ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ نِصْفًا فَالذَّاهِبُ النِّصْفُ (قَوْلُهُ وَلَا الْعَجْفَاءُ) وَهِيَ الْهَزِيلَةُ. (قَوْلُهُ وَلَا) (الْعَرْجَاءُ) الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسِكِ بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ الْمَذْبَحِ فَإِنْ كَانَ عَرَجُهَا لَا يَمْنَعُهَا عَنْ الْمَشْيِ جَازَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعُيُوبُ مَوْجُودَةً قَبْلَ الذَّبْحِ أَمَّا إذَا أَصَابَهَا ذَلِكَ فِي حَالَةِ الذَّبْحِ بِالِاضْطِرَابِ أَوْ انْفِلَاتِ السِّكِّينِ فَأَصَابَتْ عَيْنَهَا أَوْ كَسَرَتْ رِجْلَهَا جَازَ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَالْخَصِيُّ جَائِزٌ فِي الْهَدْيِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمِّنُهُ وَيُطَيِّبُ لَحْمَهُ وَالْقَرْنُ إذَا كَانَ مَكْسُورًا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْكُولٍ وَيَجُوزُ التَّوْلَاءُ وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ لِأَنَّ الْعَقْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي الْبَهَائِمِ وَيَجُوزُ الْهَتْمَاءُ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ وَهِيَ ذَاهِبَةُ الْأَسْنَانِ وَلَا تَجُوزُ الْمَرِيضَةُ. (قَوْلُهُ وَالشَّاةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ مَنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) قَبْلَ الْحَلْقِ وَقَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ (قَوْلُهُ وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ) مِنْ الْغَنَمِ وَكَذَا عَنْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يُرِيدُ الْقُرْبَةَ) وَلَوْ اخْتَلَفَ وُجُوهُ الْقُرَبِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ الْقُرَبِ وَاخْتِلَافِهَا بِأَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمْ الْمُتْعَةَ وَالْآخَرُ الْقِرَانَ وَالثَّالِثُ التَّطَوُّعَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقُرَبِ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْأَفْضَلُ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ الشَّاةُ قُلْت مَا كَانَ أَكْثَرُهُمَا لَحْمًا فَهُوَ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ لَمْ يَجُزْ لِلْبَاقِينَ) وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ ذِمِّيٌّ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) يَعْنِي بِالتَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ الْغَنِيَّ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ) (الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا) كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ وَالتَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ) الدِّمَاءُ فِي الْمَنَاسِكِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ دَمُ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إجْمَاعًا وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ دَمُ الْإِحْصَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا أَنَّ ذَبْحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْهَدَايَا إلَّا فِي الْحَرَمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَقَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَصَارَ أَصْلًا فِي كُلِّ دَمٍ هُوَ كَفَّارَةٌ وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِمْ) إلَّا أَنَّ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَفْضَلُ إلَّا

أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدَايَا) وَهُوَ حَمْلُ الْهَدَايَا إلَى عَرَفَةَ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِعَلَامَةٍ مِثْلَ التَّقْلِيدِ وَإِنْ عَرَّفَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالتَّطَوُّعِ فَحَسَنٌ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّتُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَعَسَى لَا يَجِدُ مَنْ يَمْسِكُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُعَرِّفَ بِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الشُّهْرَةِ بِخِلَافِ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السِّتْرُ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِي الْبُدْنِ النَّحْرُ) فَإِنْ شَاءَ نَحَرَهَا قِيَامًا وَإِنْ شَاءَ أَضْجَعَهَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَهَا قِيَامًا مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى وَلَا يَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ قِيَامًا لِأَنَّ فِي حَالَةِ الْإِضْجَاعِ الْمَذْبَحَ أَبْيَنُ فَيَكُونُ الذَّبْحُ أَيْسَرَ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَقَالَ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَالذِّبْحُ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ وَأَرَادَ بِهِ الْغَنَمَ فَلَوْ ذَبَحَ الْإِبِلَ وَنَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أَجْزَأَهُ إذَا اسْتَوْفَى الْعُرُوقَ وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْإِنْسَانُ ذَبْحَهَا بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ) لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ وَلَّى غَيْرَهُ وَيَقِفُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَنَحَرَ مِنْهَا نَيِّفًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ» (قَوْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا) الْجِلَالُ جَمْعُ جِلٍّ وَهُوَ كَالْكِسَاءِ يَقِي الْحَيَوَانَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُعْطِي أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) وَكَذَا لَا يَبِيعُ جِلْدَهَا فَإِنْ عَمِلَ الْجِلْدَ شَيْئًا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ كَالْفِرَاشِ وَالْغِرْبَالِ وَالْجِرَابِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ بَاعَ الْجِلْدَ أَوْ اللَّحْمَ بِدَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسٍ أَوْ حِنْطَةٍ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مِلْحًا وَلَا أَبْزَارًا. (قَوْلُهُ وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطَرَّ إلَى رُكُوبِهَا رَكِبَهَا) فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ وَنَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَتَصَدَّقَ بِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا) لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا بِالسَّوْقِ وَبِالرُّكُوبِ يَصِيرُ كَالْمُرْتَجِعِ لَهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا لَبَنٌ لَمْ يَحْلُبْهَا) فَإِنْ حَلَبَهَا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ (قَوْلُهُ وَيُنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ) يُنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ وَالنَّضْحُ هُوَ الرَّشُّ وَهَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِالْبَهِيمَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَوْقُهُ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ) وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَسَطِ إلَى الرَّدَاءَةِ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ وَهَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الْمَعِيبُ (قَوْلُهُ وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا نَحَرَهَا) مَعْنَى عَطِبَتْ قَرُبَتْ مِنْ الْعَطَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ نَحَرَهَا فَإِنْ قُلْت هَذَا تَكْرَارٌ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ وَمَنْ سَاقَ هَدْيًا فَعَطِبَ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا عَطِبَتْ الْبَدَنَةُ قُلْت الْأُولَى فِي الْهَدْيِ مُطْلَقًا وَهَذَا فِي الْبَدَنَةِ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ بَعْدَمَا دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الْعُمُومِ أَوْ يُقَالُ ذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَفْعَلُ بِالْعَاطِبِ فَأَعَادَ ذِكْرَهُ لِبَيَانِ مَا يَفْعَلُ بِهِ أَوْ يُقَالُ الْأُولَى

كتاب البيوع

فِي الْعَاطِبِ الَّذِي لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَبْحٌ وَهُنَا الَّذِي قَارَبَ الْعَطَبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ نَحَرَهَا وَالنَّحْرُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَيِّ. (قَوْلُهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهَا) الْمُرَادُ بِالنَّعْلِ قِلَادَتُهَا وَعَلَى هَذَا رِوَايَةُ نَعْلَهَا فَإِنْ كَانَ نَعْلَهُ فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى الْهَدْيِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْلُ الْمُهْدِي وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ (قَوْلُهُ وَضَرَبَ بِهَا صَفْحَتَهَا) أَيْ جَانِبَ عُنُقِهَا. وَفِي الْهِدَايَةِ صَفْحَةَ سَنَامِهَا (قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَحِلَّهَا فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَقَامَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا وَصَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ صَالِحَةً لِمَا عَيَّنَهُ وَهُوَ مِلْكُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ. (قَوْلُهُ وَيُقَلِّدُ هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) وَكَذَا الْهَدْيُ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْهَدْيِ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ أَمَّا الْغَنَمُ فَلَا يُقَلِّدُ وَكُلَّمَا يُقَلَّدُ يُخْرَجُ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ وَمَا لَا فَلَا (قَوْلُهُ وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْإِحْصَارِ وَلَا دَمَ الْجِنَايَاتِ) لِأَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ فَيُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيُسْتَحَبُّ إظْهَارُهُ فَلَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ وَدَمَ الْجِنَايَاتِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسَائِلُ) خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ تُوجِبُ الْوُصُولَ إلَى مَكَّةَ وَالْإِحْرَامِ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ الْأَوَّلُ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ الثَّانِي لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الثَّالِثُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ الرَّابِعُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ الْخَامِسُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْخَمْسَةُ تُوجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً بِالْإِجْمَاعِ وَسِتَّةُ أَلْفَاظٍ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ الْأَوَّلُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْخُرُوجُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الثَّانِي لِلَّهِ عَلَيَّ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الثَّالِثُ لِلَّهِ عَلَيَّ السَّيْرُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الرَّابِعُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْإِتْيَانُ إلَى مَكَّةَ الْخَامِسُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ السَّادِسُ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَاتٍ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَفْظَانِ لَا يُوجِبَانِ عَلَيْهِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدُهُمَا لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الثَّانِي لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الْبُيُوعِ] (كِتَابُ الْبُيُوعِ) إنَّمَا عَقَّبَ الْبَيْعَ بِالْعِبَادَاتِ وَأَخَّرَ النِّكَاحَ لِأَنَّ احْتِيَاجَ النَّاسِ إلَى الْبَيْعِ أَعَمُّ مِنْ احْتِيَاجِهِمْ إلَى النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْبَقَاءُ بِالْبَيْعِ أَقْوَى مِنْ الْبَقَاءِ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ بِهِ تَقُومُ الْمَعِيشَةُ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْأَجْسَامِ وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الْبَيْعِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ عِبَادَةٌ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِنَفْلِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى التَّوْحِيدِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ الْمُوَحِّدِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُصِيبٌ فِي مَقْصِدِهِ وَالْبَيْعُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ مَالٍ بِمَالٍ آخَرَ وَكَذَا فِي الشَّرْعِ لَكِنْ زِيدَ فِيهِ قَيْدُ التَّرَاضِي لِمَا فِي التَّغَالُبِ مِنْ الْفَسَادِ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَيُقَالُ هُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي مَالَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ كَالشَّيْخِ وَأَصْحَابِهِ وَقِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ وَهُوَ قَوْلُ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَصْحَابِهِ وَفَائِدَتُهُ انْعِقَادُهُ بِالتَّعَاطِي فِي النَّفِيسِ فَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَنْعَقِدُ وَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَنْعَقِدُ وَأَمَّا فِي الْخَسِيسِ فَيَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي إجْمَاعًا مِثْلَ شِرَاءِ الْبَقْلِ وَالْخُبْزِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّرَاضِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْبَيْعُ

يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) الِانْعِقَادُ عِبَارَةٌ عَنْ انْضِمَامِ كَلَامِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَالْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ أَثَرٍ شَرْعِيٍّ يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ الْعَاقِدُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ وَلَمْ يَقُلْ الْبَيْعُ هَذَانِ اللَّفْظَانِ وَالْإِيجَابُ هُوَ الْإِثْبَاتُ لِأَنَّهُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَتْ الْآنَ بِقَوْلِهِ بِعْت وَالْقَبُولُ هُوَ اللَّفْظُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ جَوَابٌ لِلْأَوَّلِ فَالْإِيجَابُ مِثْلَ قَوْلِهِ بِعْت أَوْ أَعْطَيْت أَوْ هَذَا لَك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْقَبُولُ مِثْلَ اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت أَوْ أَخَذْت أَوْ أَجَزْت أَوْ رَضِيت أَوْ قَبَضْت وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَادِي الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ كَمَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ هُوَ لَك فَإِنَّهُ يَتِمُّ الْبَيْعُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي) أَمَّا إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ كَمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ اشْتَرَيْت فَلَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي بِعْ مِنِّي فَيَقُولُ بِعْت فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ ثَانِيًا اشْتَرَيْت وَأَمَّا النِّكَاحُ فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) وَهَذَا يُسَمَّى خِيَارُ الْقَبُولِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ فَإِنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ عَلَى دَابَّةٍ فِي مَحْمَلٍ أَوْ عَلَى دَابَّتَيْنِ إنْ أَخْرَجَ الْمُخَاطَبُ جَوَابَهُ مُتَّصِلًا بِخِطَابِ صَاحِبِهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَإِنْ فَصَلَهُ عَنْهُ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ قَلَّ وَالسَّيْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالسَّيْرِ مِنْهُمَا وَإِنْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا وَاقِفَانِ فَسَارَا أَوْ سَارَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ خِطَابِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ تَبَايَعَا فِي السَّفِينَةِ وَهِيَ تَسِيرُ فَوُجِدَتْ سَكْتَةٌ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الِانْعِقَادَ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُمَا يَمْلِكَانِ إيقَافَهَا وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَالَ هُوَ حُرٌّ فَهُوَ قَبُولٌ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ وَأَمَّا إذَا قَالَ وَهُوَ حُرٌّ بِالْوَاوِ أَوْ هُوَ حُرٌّ بِغَيْرِ الْوَاوِ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالتَّوْقِيتُ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا عَقْدٌ عَلَى التَّوْقِيتِ وَالْإِبْهَامُ يُبْطِلُهَا ثُمَّ لَا بُدَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ بَيْعًا وَإِنْ حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ. (قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ الْإِيجَابُ) لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُمْ وَلَكِنْ تَشَاغَلَ فِي الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْبَيْعِ بَطَلَ الْإِيجَابُ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَقَعَدَ ثُمَّ قَبِلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ بِالْقُعُودِ لَمْ يَكُنْ مُعْرِضًا (قَوْلُهُ فَإِذَا حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَزِمَ الْبَيْعُ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الثَّمَنِ وَتَعْيِينِ الْمُثَمَّنِ قَالَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَلَمَّا أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ قَبِلْت قَالَ الْبَائِعُ رَجَعْت وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا فَالْفَسْخُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ وَإِذَا قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِكَذَا فَقَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ فَقَالَ قَبِلْت فِي بَعْضِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ فَرَّقَ الْإِيجَابَ فَقَالَ أَبِيعُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِعْتُك هَذَا بِمِائَةٍ وَهَذَا بِمِائَتَيْنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْبَلَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَبُولِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ هُنَاكَ الْإِيجَابَ فِيهِمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ

مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ يَعْنِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ رَضِيَ الْآخَرُ بِالْفَسْخِ أَوْ لَمْ يَرْضَ وَقَوْلُهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ وَكَذَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا خَصَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَعَدَمَ الرُّؤْيَةِ مَعَ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مَانِعٌ لُزُومَ الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا فِي كُلِّ بَيْعٍ يُوجَدَانِ أَمَّا خِيَارُ الشَّرْطِ فَعَارِضٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ بِالْإِشَارَةِ كِفَايَةٌ فِي التَّفْرِيقِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَمَّا فِي الرِّبَوِيَّةِ إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ جَهَالَةِ مِقْدَارِهَا وَإِنْ أُشِيرَ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا كَمَا إذَا بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ تَسَاوِيهِمَا وَقَوْلُهُ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ احْتِرَازًا عَنْ السَّلَمِ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ فِيهِ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ وَقَوْلُهُ وَالْأَعْوَاضُ سَمَّاهَا أَعْوَاضًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَصِرْ عِوَضًا بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ عِوَضًا بَعْدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَإِنَّمَا يَصِيرَانِ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ (قَوْلُهُ وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ) صُورَةُ الْمُطْلَقَةِ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت مِنْك بِذَهَبٍ أَوْ بِفِضَّةٍ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ بِذُرَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا وَلَا صِفَةً. وَفِي الْيَنَابِيعِ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْت هَذَا مِنْك بِثَمَنٍ أَوْ بِمَا يُسَاوِي فَيَقُولَ اشْتَرَيْت فَهَذَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْرَ الثَّمَنِ وَصِفَتَهُ فَالْقَدْرُ مِثْلُ عَشَرَةٍ أَوْ عِشْرِينَ وَالصِّفَةُ مِثْلُ بُخَارِيٍّ أَوْ سَمَرْقَنْدِيٍّ أَوْ جَيِّدٍ أَوْ وَسَطٍ أَوْ رَدِيءٍ وَقَوْلُهُ مُطْلَقَةً احْتِرَازٌ عَنْ كَوْنِهَا مُشَارًا إلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا) إنَّمَا قَيَّدَ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْبَائِعِ فِي تَأْجِيلِهَا لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْعَقْدُ يُوجِبُ تَسْلِيمَهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهَا وَلَا كَذَلِكَ الثَّمَنُ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَجَلِ فِي الدُّيُونِ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ اتِّسَاعُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ فِيهَا فَلِذَلِكَ جَازَ فِيهِ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا أَثَّرَ فِي التَّسْلِيمِ فَيُطَالِبُهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ وَالْمُشْتَرِي فِي بِعِيدِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَقَلِّ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ كَانَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) مَعْنَاهُ ذَكَرَ قَدْرَ الثَّمَنِ وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَتَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِي الْبَلَدِ دَرَاهِمُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ وَتَتَعَيَّنُ الدَّرَاهِمُ الَّتِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا فِي الْبَلَدِ غَالِبًا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ أَيْ أَطْلَقَهُ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ وَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَدْ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَيْنَ تِلْكَ الْأُولَى فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ فَبَانَ لَك أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْأَثْمَانُ الْمُطْلَقَةُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ عَنْ ذِكْرِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَأَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ مُطْلَقٌ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لَا غَيْرُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقُلْ بُخَارِيَّةً أَوْ غِطْرِيفِيَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ يَخْتَلِفَانِ فِي أَحْكَامٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَجُوزُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمِنْهَا أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَهَلَاكَ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ عَلَى عَيْنِهِ وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا هَلَكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَقِيَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَحَدَهَا) يَعْنِي مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ التَّعَامُلَ بِهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ

الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ سَوَاءً فِي الْمَالِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ وَيُصْرَفُ إلَى مَا قُدِّرَ بِهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ التُّرْكِيِّ وَالْخَلِيفَتِيِّ فَإِنَّ الْخَلِيفَتِيَّ كَانَ أَفْضَلَ فِي الْمَالِيَّةِ مِنْ التُّرْكِيِّ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَتْ سَوَاءً فِي الْمَالِيَّةِ مَعْنَاهُ كَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ وَالثُّنَائِيُّ مَا كَانَ اثْنَانِ مِنْهُ دَانِقًا وَالثُّلَاثِيُّ مَا كَانَ الثَّلَاثَةُ مِنْهُ دَانِقًا فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَةَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْمَالِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ كُلِّهَا مُكَايَلَةً وَمُجَازَفَةً) يَعْنِي إذَا بَاعَهَا بِخِلَافِ جِنْسِهَا أَمَّا بِجِنْسِهَا مُجَازَفَةً فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا وَالْمُجَازَفَةُ هِيَ أَخْذُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَكَذَا الْقِسْمَةُ إذَا وَقَعَتْ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا تَجُوزُ مُجَازَفَةً أَيْضًا لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ اسْمُ الطَّعَامِ فِي الْعُرْفِ يَقَعُ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحُبُوبِ بَعْدَ الطَّعَامِ تَكْرَارًا وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْحُبُوبِ مَا سِوَى الْحِنْطَةِ كَالذُّرَةِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَبِإِنَاءٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) هَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ خَزَفٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مِلْءَ هَذَا الطَّشْتِ أَوْ مِلْءَ هَذِهِ الْقَصْعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِمَا أَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فِيهِ التَّسْلِيمَ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ فَيَنْدُرُ هَلَاكُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ وَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ كَالزِّنْبِيلِ وَالْجِرَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْجُوَالِقِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَحْسَنَ فِي قُرْبِ الْمَاءِ وَأَجَازَهُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ كَذَا كَذَا قِرْبَةً بِهَذِهِ الْقِرْبَةِ وَعَيَّنَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ وَبِوَزْنِ حَجَرٍ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) هَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ وَالْحَجَرُ بِحَالِهِمَا أَمَّا لَوْ تَلِفَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَبْلَغَ مَا بَاعَهُ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ بِوَزْنِ هَذِهِ الْبِطِّيخَةِ أَوْ هَذَا الطِّينِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا) وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الصَّرْفُ إلَى الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَيُصْرَفُ إلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ إلَّا أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرُ الْقُفْزَانِ فَجُهِلَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَسْمِيَتُهُ لِكُلِّ قَفِيزٍ دِرْهَمًا لَا يُوجِبُ مَعْرِفَتَهُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الثَّانِي وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ بِيَدِهِمَا إزَالَتُهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُ مَانِعٍ ثُمَّ إذَا جَازَ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْقَفِيزَانِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. وَكَذَا إذَا كِيلَ الطَّعَامُ فِي الْمَجْلِسِ وَعُرِفَ مَبْلَغُهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلِمَ بِذَلِكَ الْآنَ فَلَهُ الْخِيَارُ أَمَّا إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ الْكَيْلِ وَكِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَسَادَ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ كَلِمَةَ كُلِّ إلَى مَا لَا يُعْلَمُ مُنْتَهَاهُ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى وَهُوَ الْوَاحِدُ كَمَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُلُّ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا لَا يَكُونُ مُنْتَهَاهُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا يُعْلَمُ جُمْلَتُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَالْعَقْدُ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ

مِنْ التَّسْمِيَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنْ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ فَثَمَنُ جَمِيعِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي جَمِيعِهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ وَكَذَا كُلُّ عَدَدِيٍّ مُتَفَاوِتٍ هُمَا قَاسَاهُ عَلَى الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَهُوَ يَصْرِفُ الْعَقْدَ إلَى الْوَاحِدِ عَلَى أَصْلِهِ إلَّا أَنَّ بَيْعَ شَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ لَا يَصِحُّ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الشِّيَاهِ وَبَيْعُ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيهِ وَتُفْضِي إلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ كُلَّ شَاتَيْنِ مِنْهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَسَمَّى جُمْلَتَهُ مِائَةً لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا سَمَّى يَعْنِي وَإِنْ عَلِمَ الْجُمْلَةَ فِي الْمَجْلِسِ وَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَجْهُولٌ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا تُعْرَفُ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهَا أُخْرَى وَلَا يَدْرِي أَيَّ شَاةٍ يَضُمُّ إلَيْهَا فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهَا أَرْدَأَ مِنْهَا تَكُونُ حِصَّتُهَا أَكْثَرَ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا أَجْوَدَ مِنْهَا تَكُونُ حِصَّتُهَا أَقَلَّ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ شَاةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ وَجَدَهَا مِائَةً فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ وَجَدَهَا نَاقِصَةً لَزِمَهُ كُلُّ شَاةٍ بِدِينَارٍ وَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ ثَوْبًا مُذَارَعَةً كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ) فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا يَصِحُّ فِي ذِرَاعٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الذِّرَاعَ مِنْ الثَّوْبِ يَخْتَلِفُ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ عَلَى الْبَائِعِ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيرٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِالْمَوْجُودِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَالْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهُمَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْأَطْرَافِ فِي الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ الْقَدْرِ فِي الصُّبْرَةِ لِأَنَّ الْمِقْدَارَ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ هُنَا لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهَا أَكْثَرَ مِنْ الذِّرَاعِ الَّذِي سَمَّاهُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ فِيهِ فَهُوَ مِثْلُ صِفَةِ أَطْرَافِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ أَعْوَرُ أَوْ مَقْطُوعُ الْيَدِ فَوَجَدَهُ صَحِيحًا كَانَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فَوَجَدَهُ أَعْوَرَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَوَجَدَهَا بِكْرًا فَهِيَ لَهُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ بِعْتُكهَا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا) لِأَنَّ الْوَصْفَ هُنَا صَارَ أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فَنَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَإِنَّمَا قَالَ بِعْتُكهَا فَأَنَّثَ الضَّمِيرَ وَقَدْ ذَكَرَ لَفْظَ الثَّوْبِ عَلَى تَأْوِيلِ الثِّيَابِ أَوْ الْمَذْرُوعَاتِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) وَإِذَا

اشْتَرَى عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَى عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ جَازَ إجْمَاعًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا هُوَ عَشَرَةٌ وَنِصْفٌ أَوْ تِسْعَةٌ وَنِصْفٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُ بِعَشَرَةٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَفِي الثَّانِي يَأْخُذُهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُ فِي الْأَوَّلِ بِأَحَدَ عَشَرَ إنْ شَاءَ وَفِي الثَّانِي بِعَشَرَةٍ إنْ شَاءَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ إنْ شَاءَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ جَعَلَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ بِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ فِي الْعُرْفِ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي الدَّارِ مِنْ صِفَاتِهَا وَصِفَاتُ الْمَبِيعِ تَابِعَةٌ لَهُ ثُمَّ إذَا بَاعَ الدَّارَ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ جَمِيعُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ بُيُوتٍ وَمَنَازِلَ وَعُلْوٍ وَسُفْلٍ وَمَطْبَخٍ وَبِئْرٍ وَكَنِيفٍ وَجَمِيعِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا حُدُودُهَا الْأَرْبَعُ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا دَخَلَ مَا فِيهَا مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْقَرَارِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ وَلِأَنَّهُ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا غَايَةَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ النَّخِيلُ مُثْمِرَةً وَقْتَ الْعَقْدِ وَشَرَطَ الثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ النَّخْلِ كَذَلِكَ وَقِيمَةُ الثَّمَرَةِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا إجْمَاعًا فَلَوْ فَاتَتْ الثَّمَرَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ أَكَلَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يُطْرَحُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا فَبِفَوَاتِهَا تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً وَقْتَ الْعَقْدِ وَأَثْمَرَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى النَّخْلِ خَاصَّةً بَيَانُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ النَّخْلِ كَذَلِكَ وَالثَّمَرَةُ كَذَلِكَ فَأَكَلَ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ طُرِحَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ الْخِيَارُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُطْرَحُ عَنْهُ رُبُعُ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُقْسَمُ عَلَى الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ النَّخْلَ قُسِمَ عَلَيْهِ وَعَلَى الثَّمَرَةِ نِصْفَيْنِ فَكَانَ حِصَّتُهُ الرُّبُعَ وَلَوْ فَاتَتْ الثَّمَرَةُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُطْرَحُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ سَمَّى لِلنَّخْلِ خَمْسَمِائَةٍ وَلِلْأَرْضِ كَذَلِكَ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّخْلِ خَاصَّةً إجْمَاعًا فَإِذَا أَكَلَهُ الْبَائِعُ طُرِحَ مِنْ الثَّمَنِ رُبُعُهُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْفَصْلِ فَأَشْبَهَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهَا وَلِأَنَّ لَهُ غَايَةً يَنْتَهِي إلَيْهَا بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا بَيْعُ جَارِيَةٍ لَهَا حَمْلٌ فِي بَطْنِهَا أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ لَهُمَا حَمْلٌ فِي بُطُونِهِمَا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ اتِّصَالُهُ بِالْأُمِّ لِلْفَصْلِ لَا مَحَالَةَ وَلَهُ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] فَكَيْفَ دَخَلَ الْوَلَدُ وَلَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ عَلَى فَصْلِ الْوَلَدِ مِنْ أُمِّهِ وَوُجِدَتْ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ مِنْهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ انْفِصَالُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ الْبَائِعِ مِنْ فَصْلِهِ وَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَصْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فِيهِ ثَمَرَةٌ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ) بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا الشَّجَرَ مَعَ ثَمَرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً أَوْ لَا فِي كَوْنِهَا لِلْبَائِعِ عِنْدَنَا وَالتَّأْبِيرُ هُوَ التَّلْقِيحُ (قَوْلُهُ وَيُقَالُ لَهُ اقْطَعْهَا وَسَلِّمْ الْمَبِيعَ) وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْبَائِعِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُهُ وَتَسْلِيمُهُ وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِنَخْلَةٍ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهَا ثَمَرٌ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي أُجْبِرَ الْوَرَثَةُ عَلَى قَطْعِ الثَّمَرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ ثِيَابُهُ الَّتِي لِلْمِهْنَةِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الثِّيَابُ النَّفِيسَةُ الَّتِي لَبِسَهَا

لِلْعَرْضِ وَكَذَا إذَا بَاعَ دَابَّةً لَا يَدْخُلُ سَرْجُهَا وَلِجَامُهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا أَوْ قَدْ بَدَا جَازَ الْبَيْعُ) سَوَاءٌ أُبِّرَتْ أَمْ لَا وَبَدْوُ الصَّلَاحِ صَيْرُورَتُهُ صَالِحًا لِتَنَاوُلِ بَنِي آدَمَ أَوْ لِعَلْفِ الدَّوَابِّ وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى وَلَدَ جَارِيَةٍ مَوْلُودًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَالِ. (قَوْلُهُ وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُهَا فِي الْحَالِ) تَفْرِيقًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ هَذَا إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَمَّا إذَا اُشْتُرِطَ تَرْكُهَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَسَدَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَرْطُ شَغْلِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ إعَارَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فِي بَيْعٍ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ زِيَادَةَ مَالٍ يَحْصُلُ لَهُ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْبَيْعِ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَكَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْكِ وَتَرَكَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ وَإِنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ بِأَنْ تُقَوَّمَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَيُقَوَّمَ بَعْدَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لِحُصُولِهِ بِجِهَةٍ مَحْظُورَةٍ وَإِنْ تَرَكَهَا بَعْدَمَا يَتَنَاهَى عِظَمُهَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ لَا تُحَقِّقُ زِيَادَةً أَيْ تَغَيُّرُ حَالَةٍ مِنْ النِّيءِ إلَى النُّضْجِ لَا تَحَقُّقُ زِيَادَةٍ فِي الْجِسْمِ وَإِنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَاسْتَأْجَرَ النَّخْلَ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ لِحُصُولِ الْإِذْنِ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ بَاطِلَةٌ لَا تَعَامُلَ فِيهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَبَقِيَ الْإِذْنُ مُعْتَبَرًا فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ وَاسْتَأْجَرَ مِنْ الْبَائِعِ الْأَرْضَ إلَى أَنْ يُدْرَكَ وَتَرَكَهُ حَيْثُ لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ لِلْجَهَالَةِ لِأَنَّهَا إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهَا الْمُسَمَّى وَيَطِيبُ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ قَدْرُ مَا ضَمِنَ مِنْ الثَّمَنِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا أَرْطَالًا مَعْلُومَةً) هَذَا إذَا بَاعَهَا عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ أَمَّا إذَا كَانَ مَجْذُوذًا فَبَاعَ الْكُلَّ إلَّا صَاعًا مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَقَوْلُهُ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَوْ كَانَ رَطْلًا وَاحِدًا يَجُوزُ كَذَا فِي شَاهَانْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ فِيمَا سِوَى تِلْكَ الشَّاةِ وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّهُ عَلَى أَنَّ لِي مِنْهُ هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ التَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَكَانَتْ الشَّاةُ الَّتِي عَيَّنَهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ غَيْرَ دَاخِلَةٍ فِي الْبَيْعِ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ لِي هَذِهِ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فَإِنَّهَا دَخَلَتْ أَوَّلًا فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَتِلْكَ الْحِصَّةُ مَجْهُولَةٌ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَنَظِيرُ هَذَا مَا إذْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ إلَّا عُشْرَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ وَلَوْ قَالَ بِعْته بِكَذَا عَلَى أَنَّ لِي عُشْرَهُ لَمْ يَصِحَّ لِهَذَا الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَالْبَاقِلَاءُ فِي قِشْرِهَا) وَكَذَلِكَ السِّمْسِمُ وَالْأُرْزُ وَهَذَا إذَا بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَمَّا بِجِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا فِي السُّنْبُلِ وَدَقُّ السُّنْبُلِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَوَصَّلُ بِهِ الْبَائِعُ إلَى الْإِقْبَاضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ يَعْنِي إذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً وَلَوْ بَاعَ تِبْنَ الْحِنْطَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِتِبْنٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ تِبْنًا بِالدَّقِّ فَقَدْ بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ دَارًا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَفَاتِيحُ إغْلَاقِهَا) يَعْنِي مَفَاتِيحَ الْإِغْلَاقِ الْمُرَكَّبَةَ عَلَى الْأَبْوَابِ لِأَنَّ الْأَغْلَاقَ تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِيهَا لِلْبَقَاءِ وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ

باب خيار الشرط

الْغَلْقِ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بَعْضِهِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ دُونَهُ. (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَنَاقِدُ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) لِأَنَّ الْكَيْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلتَّسْلِيمِ وَهُوَ عَلَى الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَمَّا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَيْلُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَتُهُ وَكَذَا أُجْرَةُ الْوَزَّانِ وَالذَّرَّاعِ وَالْعَدَّادِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْبَيْعُ مَوْزُونًا أَوْ مَذْرُوعًا أَوْ مَعْدُودًا فَبَاعَهُ مُوَازَنَةً أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدًّا قَالَ فِي الْعُيُونِ الْكَيْلُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُبَّهُ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي وَإِذَا اشْتَرَى حِنْطَةً فِي جِرَابٍ فَعَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَفْتَحَ الْجِرَابَ فَإِذَا فَتَحَهُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي إخْرَاجُهُ وَأَمَّا نَاقِدُ الثَّمَنِ فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَزْنِ وَالْبَائِعُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ فَيَرُدُّهُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ عَلَيْهِ الْجِيَادُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا بَعْدَهُ فَعَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ خِلَافُ حَقِّهِ فَإِنَّ النَّاقِدَ إنَّمَا يُمَيِّزُ مِلْكَهُ لِيَسْتَوْفِيَ بِذَلِكَ حَقًّا لَهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ وَازِنِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي تَعْيِينُ الثَّمَنِ لَهُ وَتَوْفِيَتُهُ لِلْبَائِعِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَزْنِ فَكَانَ عَمَلُهُ لَهُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي سَلِّمْ الثَّمَنَ أَوَّلًا) لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ فَيَدْفَعُ الثَّمَنَ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ (قَوْلُهُ فَإِذَا دَفَعَ الثَّمَنَ قِيلَ لِلْبَائِعِ سَلِّمْ الْمَبِيعَ) لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الثَّمَنَ بِالْقَبْضِ فَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَإِنْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَإِذَا ثَبَتَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوَّلًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَإِذَا كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الْحَالَّ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ الْحَبْسُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ كَالِاسْتِيفَاءِ وَلَوْ اسْتَوْفَى الْبَعْضَ كَانَ لَهُ الْحَبْسُ بِمَا بَقِيَ وَلَوْ دَفَعَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَوْ تَكَفَّلَ بِهِ كَفِيلٌ لَمْ يَسْقُطْ الْحَبْسُ وَلَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ رَجُلًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ سَقَطَ الْحَبْسُ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى رَجُلٍ بِالثَّمَنِ سَقَطَ الْحَبْسُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَحَالَ بِالثَّمَنِ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْحَوَالَةِ فَصَارَ كَالْبَرَاءَةِ بِالْإِيفَاءِ أَوْ بِإِبْرَاءِ الْبَائِعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْقُطُ الْحَبْسُ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لَمْ تَسْقُطْ فَكَانَ لَهُ الْحَبْسُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَى وَلَوْ أَجَّلَهُ بِالثَّمَنِ سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ فَالْأَجَلُ سَنَةٌ مِنْ حِينِ يَقْبِضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَتْ سَنَةً بِعَيْنِهَا وَمَضَتْ صَارَ حَالًّا وَعِنْدَهُمَا الثَّمَنُ حَالٌّ فِي الْوَجْهَيْنِ (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ قِيلَ لَهُمَا سَلِّمَا مَعًا) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّعْيِينِ وَبَيْعُ السِّلْعَةِ بِالسِّلْعَةِ يُسَمَّى بَيْعُ الْمُقَايَضَةِ وَبَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ يُسَمَّى بَيْعُ الصَّرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ] خِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ حُكْمِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَهُوَ وُضِعَ لِلْفَسْخِ لَا لِلْإِجَازَةِ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا فَاتَ وَقْتُ الْفَسْخِ بِمُضِيِّ وَقْتِهِ تَمَّ الْعَقْدُ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وُضِعَ لِلْإِجَازَةِ لَا لِلْفَسْخِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَتْ الْإِجَازَةُ وَانْفَسَخَ

الْعَقْدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَلَهُمَا الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا) قَيَّدَ بِالْبَيْعِ احْتِرَازًا مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَوْلُهُ وَلَهُمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ جَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ وَلَهُمَا مَعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ لِبَيَانِ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَقَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا سَمَّيَا مُدَّةً مَعْلُومَةً) فَإِنْ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فَإِنْ أَجَازَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ أَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ فِي الثَّلَاثِ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ. وَقَالَ زُفَرُ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ أَبَدًا لِأَنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ وَإِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إلَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَ فَإِنْ نَقَدَ فِي الثَّلَاثَةِ جَازَ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ انْفَسَخَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا لَمْ يُوَقِّتْ لِلْخِيَارِ وَقْتًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ وَقَبْلَ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ الْفَسَادِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ الْأَبَدِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ إجْمَاعًا فَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ فِي الثَّلَاثِ يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ أَسْقَطَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْقَطَ مِنْهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ سَقَطَ مِنْهَا مَا أَسْقَطَهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا يَوْمًا. وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثًا بَعْدَ شَهْرٍ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ شَهْرًا كَامِلًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ إلَى اللَّيْلِ أَوْ إلَى الْغَدِ أَوْ إلَى الظُّهْرِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ وَالْغَدِ كُلِّهِ وَوَقْتِ الظُّهْرِ كُلِّهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَفِي الظُّهْرِ إلَى الزَّوَالِ وَفِي الْغَدِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي نِصْفِهِ وَنِصْفُهُ بَاتٌّ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ النِّصْفَ مَعْلُومٌ وَثَمَنَهُ مَعْلُومٌ (قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ) حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إجْمَاعًا وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلَيْنِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَا مَالِكَ لَهُ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَإِنْ فَسَخَ بِالْقَوْلِ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ الْفَسْخُ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الْفَسْخُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صَحَّ الْفَسْخُ وَلَوْ تَصَرَّفَ كَالْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَوَّلًا وَالثَّمَنُ عَيْنٌ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَكَانَ إجَازَةً لِلْبَيْعِ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِمَا مَعًا بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَأَعْتَقَهُمَا مَعًا عَتَقَا وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْمَبِيعِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي الثَّمَنِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي يَدِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْك الْبَائِعِ بِالْإِجْمَاعِ) وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَيَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ

الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَوْ مَلَكَ الْمَبِيعَ لَاجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ الْعِوَضَانِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَهُمَا يَقُولَانِ الْمَبِيعُ إنَّمَا قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا إلَى مَالِكٍ وَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَالْخِيَارُ لَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ ثُمَّ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَنُفُوذُ الْبَيْعِ بِأَرْبَعَةِ مَعَانٍ أَحَدِهَا أَنْ يَقُولَ أَجَزْت سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَيَبْطُلُ خِيَارُهُ بِمَوْتِهِ وَيَنْفُذُ عَقْدُهُ وَلَا يَقُومُ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ وَلَا يَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ. وَالثَّالِثِ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ مِمَّنْ لَهُ الْخِيَارُ وَالرَّابِعِ أَنْ يَصِيرَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إلَى حَالٍ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فَسْخَهُ مِثْلَ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ أَوْ يَنْتَقِصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي نُقْصَانًا يَسِيرًا أَوْ فَاحِشًا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ وَإِذَا زَادَ الْمَبِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي قَبْضِ الْمُشْتَرِي زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَالْبُرْءِ مِنْ الْمَرَضِ مَنَعَتْ الرَّدَّ وَالْفَسْخَ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا كَالنُّقْصَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ أَوْ لَتِّ السَّوِيقِ أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ مَنَعَتْ الرَّدَّ إجْمَاعًا وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهَا كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ مَنَعَتْ الرَّدَّ أَيْضًا وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ وَالْغَلَّةِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْبَيْعَ فَالزِّيَادَةُ لَهُ مَعَ الْأَصْلِ إجْمَاعًا وَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ يَرُدُّ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَرُدُّ الْأَصْلَ لَا غَيْرُ وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ حَاصِلَةً مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَزِمَهُ رَدُّهَا إلَيْهِ وَأَمَّا فَسْخُهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَبِالْقَوْلِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ بِغَيْرِ حُضُورِهِ وَأَمَّا فَسْخُهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَجَوَازُ الْبَيْعِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ أَحَدِهَا أَنْ يُجِيزَ بِالْقَوْلِ فِي الْمُدَّةِ فَيَقُولَ أَجَزْت فَيَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَمُوتَ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ فَيَبْطُلَ خِيَارُهُ وَيَنْفُذَ عَقْدُهُ وَلَا يَقُومَ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَالثَّالِثِ أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ وَلَا إجَازَةٍ وَفَسْخُهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ فَالْقَوْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمُدَّةِ فَسَخْت فَإِنْ كَانَ فَسَخَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ جَازَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ الْفَسْخُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إجَازَتَهُ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ تَجُوزُ وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الْمُدَّةِ فِي الْمَبِيعِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْوَطْءِ أَوْ التَّزْوِيجِ أَوْ الْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ الثَّمَنُ مِنْ مِلْكِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ زَائِلًا لَا إلَى مَالِكٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ أَحَدِهَا إذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ وَخِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ حِينَ اشْتَرَاهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ عَتَقَ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَشْكُلُ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَوْ أَرْسَلَ الْعِتْقَ بَعْدَ شِرَائِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ نَفَذَ وَالثَّانِيَةِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ قَدْ

مَلَكَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْمُدَّةِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا سَقَطَ الْخِيَارُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهَا كَقَطْعِ يَدِهَا. وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَهُ رَدُّهَا لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِالنِّكَاحِ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا لِأَنَّ وَطْأَهُ حَصَلَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحُ قَدْ ارْتَفَعَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا سَوَاءٌ كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا لِأَنَّ وَطْأَهُ حَصَلَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالثَّالِثَةِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَبَضَهَا فَحَاضَتْ عِنْدَهُ فِي الْمُدَّةِ فَاخْتَارَهَا لَا يَكْتَفِي بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَكْتَفِي بِهَا وَلَوْ اخْتَارَ الْفَسْخَ وَعَادَتْ إلَى الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا عَلَى الْبَائِعِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَجِبُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا عِنْدَهُمَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ بَاتًّا ثُمَّ فُسِخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَفَسَخَ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ بِحَيْضَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ إجْمَاعًا وَالرَّابِعَةِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَعِنْدَهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَخِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ إلَّا إذَا اخْتَارَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَعِنْدَهُمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَهَذَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ بِالثَّمَنِ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لَهُ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ فَلَزِمَهُ ثَمَنُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ أَنَّ الثَّمَنَ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ وَالْقِيمَةُ مَا قُوِّمَ بِهِ الشَّيْءُ بِمَنْزِلَةِ الْمِعْيَارِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ) لِأَنَّهُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ مُمْسِكٌ لِبَعْضِهِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّ لَهُ الرَّدَّ لِتَضَرُّرِ الْبَائِعِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَيْبًا لَا يَرْتَفِعُ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ أَمَّا إذَا كَانَ عَيْبًا يَرْتَفِعُ كَالْمَرَضِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِذَا زَالَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَمَا ارْتَفَعَ الْمَرَضُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ وَالْمَرَضُ قَائِمٌ لَزِمَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَفَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ إجَازَةٌ لِلْبَيْعِ مِثْلَ أَنْ يَطَأَ الْجَارِيَةَ أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا وَقِيلَ أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ الِانْتِشَارُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَكُنْ إجَازَةً وَإِنْ قَبَّلَتْهُ الْأَمَةُ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَتْ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ وَأَقَرَّ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ فَهُوَ رِضًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ فِعْلُهَا إجَازَةً لِلْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ رِضًى وَلَوْ بَاضَعَهَا أَوْ ضَاجَعَهَا أَوْ بَاشَرَهَا وَهِيَ فَعَلَتْ بِهِ ذَلِكَ بَطَلَ خِيَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْقُبْلَةِ فَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ بِالْقُبْلَةِ فَبِالْوَطْءِ أَوْلَى وَلَوْ قَبَّلَهَا وَقَالَ قَبَّلْتهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إنْ كَانَ فِي الْفَمِ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ صُدِّقَ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ. وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَابَّةً فَرَكِبَهَا لِيَنْظُرَ إلَى سَيْرِهَا أَوْ قُوَّتِهَا أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ لِيَنْظُرَ إلَى مِقْدَارِهِ أَوْ أَمَةً فَاسْتَخْدَمَهَا لِيَنْظُرَ ذَلِكَ مِنْهَا فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ زَادَ فِي الرُّكُوبِ عَلَى مَا يُعْرَفُ بِهِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ رَكِبَهَا لِحَاجَةٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَوْ أَجَّرَهَا أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَسَقَاهَا أَوْ حَرَثَهَا أَوْ كَانَ زَرْعًا فَحَصَدَهُ أَوْ فَصَلَ مِنْهُ شَيْئًا لِدَوَابِّهِ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ رَكِبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ رِضًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَوْدِهَا وَالِاسْتِحْسَانُ لَيْسَ بِرِضًا لِأَنَّ الدَّوَابَّ قَدْ تَمْتَنِعُ وَلَا يُمْكِنُ سَيْرُهَا إلَّا بِالرُّكُوبِ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِئْرًا فَاسْتَقَى مِنْهَا لِلْوُضُوءِ أَوْ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ فَنَزَحَهَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَى مِنْهَا زَرْعَهُ فَإِنَّهُ رِضًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفَصَدَهُ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ خِيَارُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَذِرًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ شَاةً فَوَلَدَتْ إنْ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا بَطَلَ خِيَارُهُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَبْطُلْ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا (قَوْلُهُ وَمَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَهُ أَنْ

باب خيار الرؤية

يُجِيزَهُ فَإِنْ اخْتَارَ الْإِجَازَةَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ صَاحِبِهِ جَازَ وَإِنْ فَسَخَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا) وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ يَجُوزُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَجُوزُ مَعَ غَيْبَتِهِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا بَاعَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَطِئَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا نَفْسُ الْحُضُورِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ عِلْمُهُ بِالْفَسْخِ فِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَهَا فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَطَلَ خِيَارُهُ) وَتَمَّ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِهِ أَيُّهُمَا كَانَ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ وَقَطْعُهُ يُوجِبُ تَمَامَ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنْ كَانَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِهِ وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ مَاتَ جَازَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَعَجَزَ فِي الثَّلَاثِ تَمَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ عَجْزَهُ كَمَوْتِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ) وَإِنَّمَا لَمْ يُورَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَالُهُ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَكَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ جَازَ الْبَيْعُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ يُفْسِدُ الْبَيْعَ كَمَنْ بَاعَ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا فَإِنَّ الْبَيْعَ فِيهِ فَاسِدٌ قِيلَ الْفَرْقُ أَنَّ الْحَبَلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لَا يَدْرِي أَنَّهُ حَبَلٌ أَوْ انْتِفَاخٌ وَأَنَّ الْوَلَدَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ وَالْمَجْهُولُ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا وَكَذَا إذَا شَرَطَ أَنَّهَا تَحْلُبُ كَذَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مِقْدَارَهُ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ تَحْصِيلُهُ فَكَانَ مُفْسِدًا فَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ رَجَعَ إلَى الْبَائِعِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الزِّيَادَاتِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِغَيْرِ الْمَوْتِ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَوَّمَ خَبَّازًا وَغَيْرَ خَبَّازٍ وَيَضْمَنَ مَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ جَاءَ بِهِ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ كَاتِبًا وَلَا خَبَّازًا فَقَالَ الْبَائِعُ قَدْ سَلَّمْته إلَيْك عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ عِنْدَك وَذَلِكَ فِي مُدَّةٍ لَا يَنْسَاهَا فِي مِثْلِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعِي تَسْلِيمَهُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَالْمُشْتَرِيَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ] خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَهُوَ خِيَارٌ ثَبَتَ حُكْمًا لَا بِالشَّرْطِ وَلَا يَتَوَقَّتُ وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَبَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) ثُمَّ إنَّهُ خِيَارٌ لَا يُورَثُ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الرَّدُّ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ رَضِيت ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ

بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَلَوْ رَدَّهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ صَحَّ رَدُّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إلَى أَنْ يَرَاهُ فَيَرْضَى بِهِ أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَرَآهُ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَسَقَطَ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ عَيْبٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ بِرُؤْيَةِ وَكِيلِ الْقَبْضِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ تُسْقِطُ خِيَارَهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَأَخَذَ الْمَبِيعَ وَرَضِيَ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْمُرْسَلِ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ وَقَدْ أُرْسِلَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَتَعَدَّاهُ وَإِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ بَطَلَ خِيَارُهُ وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ فِيهِ حَقًّا لِغَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يُؤَجِّرَهُ أَوْ يَرْهَنَهُ فَإِنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بَعْدَمَا بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَرَهُ لَمْ يَعُدْ خِيَارُهُ سَوَاءٌ كَانَ فَسْخُ الْعَقْدِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ أَوْ نَقَصَ أَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً فَإِنَّهُ يَبْطُلُ خِيَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) بِأَنْ وَرِثَ شَيْئًا فَلَمْ يَرَهُ حَتَّى بَاعَهُ هَذَا إذَا بَاعَ عَيْنًا بِثَمَنٍ أَمَّا إذَا بَاعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَمْ يَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعِوَضِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ أَوْ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا أَوْ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ) هَذَا إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ لَا تَتَفَاوَتُ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى الثَّوْبِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ يُسْتَدَلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ عَلَمٌ مِنْ حَرِيرٍ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ حَتَّى يَرَاهُ وَلَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً فَرَأَى بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ظَاهِرِ كُلِّ ثَوْبٍ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَتَفَاوَتُ وَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ أَوْ الْعَبْدِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ بَنِي آدَمَ الْوَجْهُ فَرُؤْيَتُهُ كَرُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى أَكْثَرِ الْوَجْهِ فَهُوَ كَرُؤْيَةِ جَمِيعِهِ وَلَوْ نَظَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ وَلَوْ رَأَى وَجْهَهُ لَا غَيْرُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّابَّةِ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ وَأَمَّا الشَّاةُ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَكِفْلِهَا وَكِفْلُ الدَّابَّةِ عَجُزُهَا وَمُؤَخِّرُهَا وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً لِلدَّرِّ أَوْ لِلنَّسْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى ضَرْعِهَا وَإِنْ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ حَتَّى يَعْرِفَ الْهُزَالَ مِنْ السِّمَنِ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً حَلُوبًا فَرَأَى كُلَّهَا وَلَمْ يَرَ ضَرْعَهَا فَلَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الضَّرْعَ هُوَ الْمَقْصُودُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ) (رَأَى صَحْنَ الدَّارِ) (فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا) صَحْنُ الدَّارِ وَسَطُهَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ الدُّورَ مُخْتَلِفَةٌ وَكَلَامُ الشَّيْخِ خَرَجَ عَلَى دُورِهِمْ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ دَاخِلَهَا وَخَارِجَهَا سَوَاءٌ وَلَوْ رَأَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجَةٍ أَوْ فِي مِرْآةٍ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَلَى شَفَا حَوْضٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِرُؤْيَةٍ وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَرَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهَيْئَتِهِ وَيُخَالِفُ هَذَا النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجَةٍ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَيُوَافِقُهُ فِيمَا عَدَا الزُّجَاجِ وَلَوْ كَانَتْ فِي وَسَطِ الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَهِيَ فِيهِ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيمَا بَاعَ كَالْبَصِيرِ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ

قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَنْ يَجُسَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالْجَسِّ أَوْ يَشُمَّهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالشَّمِّ أَوْ يَذُوقَهُ إذَا كَانَ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ) وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَرِقَّتِهِ مَعَ الْجَسِّ وَفِي الْحِنْطَةِ لَا بُدَّ مِنْ اللَّمْسِ وَالصِّفَةِ وَفِي الْأَدْهَانِ لَا بُدَّ مِنْ الشَّمِّ وَفِي الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ يُعْتَبَرُ بِالصِّفَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْعَقَارِ حَتَّى يُوصَفَ لَهُ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَكَذَا الدَّابَّةُ وَالْعَبْدُ وَالْأَشْجَارُ وَجَمِيعُ مَا لَا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى الصِّفَةِ وَالصِّفَةُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا وُصِفَ لَهُ وَاشْتَرَاهُ وَكَانَ كَمَا وُصِفَ لَهُ بَطَلَ خِيَارُهُ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى مَا وُصِفَ لَهُ ثُمَّ أَبْصَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ عَمِيَ انْتَقَلَ إلَى الصِّفَةِ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا وُصِفَ لَهُ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ وَالصِّفَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَوْ قَالَ الْأَعْمَى قَبْلَ الْوَصْفِ رَضِيت لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ مَا لَمْ يَرَهُ وَفَسَخَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ صَحَّ فَسْخُهُ. (قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَقَبْضُ الْمَالِكِ الثَّمَنَ دَلِيلٌ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَوْ رَأَى رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِي إجَازَةِ بَيْعِهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ (قَوْلُهُ وَلَهُ الْإِجَازَةُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا) وَاعْلَمْ أَنَّ قِيَامَ الْأَرْبَعَةِ شَرْطٌ لِلُحُوقِ الْإِجَازَةِ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ وَالْمَالِكَ وَالْمَبِيعَ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ مَعَ قِيَامِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ وَتَكُونُ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَيَكُونُ الْبَائِعُ كَالْوَكِيلِ وَالثَّمَنُ لِلْمُجِيزِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ هَلَكَ أَمَانَةً ثُمَّ لِهَذَا الْفُضُولِيِّ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمَالِكُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ الْمُشْتَرِي يَنْفَسِخُ وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمَالِكُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا يَجُوزُ بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا وَالْمُتَعَاقِدَانِ بِحَالِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْمَبِيعِ أَبَاقٍ هُوَ أَمْ هَالِكٌ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَعْلَمَ قِيَامَهُ وَقْتَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي شَرْطِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ (قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا مَعًا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ جَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا) لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةً لِلْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الثِّيَابِ فَيَبْقَى الْخِيَارُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدُّهُمَا كَيْ لَا يُفَرِّقَ الصَّفْقَةَ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلِهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ وَلَوْ اشْتَرَى عَدْلَ بَزٍّ وَلَمْ يَرَهُ فَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ وَكَذَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ فِيمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي رَدِّ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ خِيَارُ رُؤْيَةٍ سَقَطَ خِيَارُهُ) وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ) فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغْيِيرِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ حَادِثٌ وَسَبَبُ اللُّزُومِ ظَاهِرٌ وَهُوَ رُؤْيَةُ

باب خيار العيب

الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَتَغَيَّرُ بِطُولِ الزَّمَانِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً شَابَّةً رَآهَا فَاشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ أَكَانَ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقِيلَ الْبَعِيدُ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ وَالْقَرِيبُ دُونَ الشَّهْرِ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ أَرَهُ حَالَ الْعَقْدِ وَلَا بَعْدَهُ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ رَأَيْته فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الرُّؤْيَةَ وَهِيَ حَادِثَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِيَمِينِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ] (بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ) الْعَيْبُ هُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْمِلْكِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْمِلْكِ بَعْدَ التَّمَامِ وَخِيَارَ الْعَيْبِ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ وَيُورَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) يَعْنِي عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ رِضًا بِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَيَنْفَسِخَ الْبَيْعُ بِقَوْلِهِ رَدَدْتُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى رِضَا الْبَائِعِ وَلَا إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِرِضًا، أَوْ قَضَاءٍ، ثُمَّ إذَا رَدَّهُ بِرِضَا الْبَائِعِ يَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ رَدَّهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ النُّقْصَانَ) لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجُ بِبَعْضِهَا إلَّا بِرِضَاهُ. . قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ فَهُوَ عَيْبٌ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْعَيْبُ مَا نَقَصَ الثَّمَنَ عِنْدَ التُّجَّارِ، وَأَخْرَجَ السِّلْعَةَ عَنْ حَالِ الصِّحَّةِ وَالِاعْتِدَالِ سَوَاءٌ كَانَ يُورِثُ نُقْصَانًا فَاحِشًا مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ نُقْصَانًا يَسِيرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مِمَّا يَعُدُّهُ أَهْلُ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ عَيْبًا فِيهِ فَإِذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا كَانَ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ رَدُّهُ يَسِيرًا كَانَ الْعَيْبُ أَمْ كَثِيرًا. . قَوْلُهُ: (وَالْإِبَاقُ عَيْبٌ) يَعْنِي إبَاقَ الصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ أَمَّا الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَهُوَ ضَالٌّ لَا آبِقٌ فَلَا يَكُونُ عَيْبًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْإِبَاقُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْ الْبَلَدِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ عَيْبٌ) هَذَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِصِغَرِهِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَإِنْ كَانَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ الصِّغَارِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَدْرُهُ بِخَمْسِ سِنِينَ فَمَا فَوْقَهَا وَمَا دُونَ ابْنِ خَمْسٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَيْبًا. قَوْلُهُ: (وَالسَّرِقَةُ عَيْبٌ فِي الصَّغِيرِ مَا لَمْ يَبْلُغْ) يَعْنِي إذَا كَانَ صَغِيرًا يَعْقِلُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَلَا يَلْبَسَ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا سَوَاءٌ كَانَتْ السَّرِقَةُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ أَقَلَّ وَقِيلَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ نَحْوُ الْفَلْسَيْنِ وَنَحْوُهُمَا لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَالْعَيْبُ فِي السَّرِقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى، أَوْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولِ فَإِنَّ سَرِقَتَهُ لِأَجْلٍ الْأَكْلِ مِنْ بَيْتِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِعَيْبٍ وَمِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ عَيْبٌ، فَإِنْ كَانَتْ سَرِقَتُهُ لِلْبَيْعِ لَا لِلْأَكْلِ فَهُوَ عَيْبٌ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ) مَعْنَاهُ إذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ الْبَائِعِ مِنْ الْعَبْدِ فِي صِغَرِهِ، ثُمَّ حَدَثَتْ

عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي صِغَرِهِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ الْعَيْبِ، وَإِنْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ فِي الْفِرَاشِ مِنْ الصَّغِيرِ لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ وَبَعْدَ الْكِبَرِ لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ، وَالْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لِحُبِّ اللَّعِبِ وَفِي الْكِبَرِ لِخُبْثٍ فِي الْقَلْبِ وَالسَّرِقَةَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِخُبْثٍ فِي الْبَاطِنِ فَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجَارِيَةُ، وَالْغُلَامُ بَيَانُهُ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الصِّغَرِ عِنْدَ الْبَائِعِ، ثُمَّ وُجِدَ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْكِبَرِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ زَالَ بِالْبُلُوغِ وَمَا وُجِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ عَيْبٌ حَادِثٌ، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُمَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُ: حَتَّى يُعَاوِدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعْنَاهُ إذَا بَالَ وَهُوَ بَالِغٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ، ثُمَّ بَاعَهُ وَعَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ وَاحِدٌ، وَالْجُنُونُ فِي الصِّغَرِ عَيْبٌ أَبَدًا فَإِذَا جُنَّ فِي الصِّغَرِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَاوَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الصِّغَرِ، أَوْ الْكِبَرِ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ؛ إذْ السَّبَبُ فِي الْحَالَيْنِ مُتَّحِدٌ. قَوْلُهُ: (وَالْبَخَرُ وَالدَّفَرُ عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَارِيَةِ الِافْتِرَاشُ وَهُمَا يُخِلَّانِ بِهَا، وَالْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ فَلَا يُخِلَّانِ بِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ دَاءٍ) لِأَنَّ الدَّاءَ عَيْبٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْ قُرْبَانِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ الْبَخَرُ فِي الْجَارِيَةِ عَيْبٌ سَوَاءٌ كَانَ فَاحِشًا، أَوْ غَيْرَ فَاحِشٍ مِنْ دَاءٍ، أَوْ غَيْرِ دَاءٍ، وَفِي الْغُلَامِ إنْ كَانَ مِنْ دَاءٍ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ دَاءٍ إنْ كَانَ فَاحِشًا فَهُوَ عَيْبٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْفَاحِشُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: (وَالزِّنَا وَوَلَدُ الزِّنَا عَيْبٌ فِي الْجَارِيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهَا وَهُوَ الِافْتِرَاشُ وَالِاسْتِيلَادُ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْغُلَامِ) لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا عَادَةً لَهُ بِأَنْ زَنَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ النِّسَاءِ مُخِلٌّ بِالْخِدْمَةِ وَلِأَنَّ كَوْنَ الْجَارِيَةِ مِنْ الزِّنَا يُعَيَّرُ بِهِ وَلَدُهُ مِنْهَا، وَالْحَبَلُ عَيْبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ، أَوْ لِلتَّزْوِيجِ، وَالْحَبَلُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِيهَا وَلَيْسَ بِعَيْبٍ وَارْتِفَاعُ الْحَيْضِ فِي الْجَارِيَةِ الْبَالِغَةِ عَيْبٌ وَهِيَ الَّتِي بَلَغَتْ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِدُ مَعَهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَهُوَ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارَهُ عَلَامَةُ الدَّاءِ وَالسُّعَالُ الْقَدِيمُ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ بِخِلَافِ الزُّكَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَالْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ الْعَمَى، وَالْعَوَرُ وَالْحَوَلُ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ الثَّمَنَ، وَالصَّمَمُ، وَالْخَرَسُ، وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةُ، وَالْقُرُوحُ، وَالْأَمْرَاضُ عُيُوبٌ، وَالْآدَرُ وَهُوَ انْتِفَاخُ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْعِنِّينُ، وَالْخَصِيُّ عُيُوبٌ، وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَصِيٌّ فَوَجَدَهُ فَحْلًا فَلَا خِيَارَ لَهُ وَتَرَكَ الصَّلَاةِ وَالنَّمِيمَةُ، وَالْكَذِبُ عَيْبٌ فِي الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ وَقِلَّةُ الْأَكْلِ عَيْبٌ فِي الْبَهَائِمِ وَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي بَنِي آدَمَ وَالتَّخْنِيثُ فِي الْغُلَامِ عَيْبٌ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدَّ الْمَبِيعَ) لِأَنَّ فِي الرَّدِّ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ سَالِمًا وَيَعُودُ مَعِيبًا وَصُورَةُ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ وَلَيْسَ بِهِ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ وَيُقَوَّمَ وَبِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ فَيُنْظَرَ إلَى مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ وَيُنْسَبَ مِنْ الْقِيمَةِ السَّلِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ النِّسْبَةُ الْعُشْرَ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ النِّصْفَ فَبِنِصْفِهِ بَيَانُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيمَته مِائَةُ دِرْهَمٍ وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَنْقُصُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ عِشْرِينَ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَتَيْنِ وَقِيمَته مِائَةٌ وَيَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ وَلَوْ كَانَ الْعَيْبُ يَنْقُصُهُ عِشْرِينَ رَجَعَ بِخُمُسِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِعَيْبِهِ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَالْتِزَامِ الضَّرَرِ فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي حَبْسَ الْمَبِيعِ وَالرُّجُوعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ إنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَمْسَكَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ، أَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا، أَوْ صَبَغَهُ، أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ

أَنْ يَأْخُذَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ زِيَادَةً يُبْذَلُ عَلَيْهَا الْمَالُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَهَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ وَجَبَ الْأَرْشُ وَقَوْلُهُ، أَوْ صَبَغَهُ يَعْنِي أَحْمَرَ فَإِنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نُقْصَانٌ، وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَتَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْعَيْبِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ: لَوْ لَمْ تَخِطْهُ وَرَدَدْتَهُ نَاقِصًا كُنْتُ أَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ بَعْدَمَا قَطَعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا، أَوْ صَبَغَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِالْأَرْشِ، وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَبَاعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَخِيطَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَقْبِضُهُ نَاقِصًا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، أَوْ مَاتَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ رَجَعَ بِنُقْصَانِهِ) وَكَذَا إذَا دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْعِتْقِ إذَا أَعْتَقَهُ مَجَّانًا أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَاتَبَهُ فَأَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِنُقْصَانِهِ أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَالِامْتِنَاعُ حُكْمِيٌّ لَا بِفِعْلِهِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِالْأَرْشِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ انْتِهَاءٌ لِلْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَوْتِ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ، وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ بِأَرْشِهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ، أَوْ كَانَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَأَكَلَهُ؛ إذْ لَوْ بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إجْمَاعًا وَتَخْصِيصُ الْمُشْتَرِي بِالْقَتْلِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّ قَتْلَهُ مُوجِبٌ لِلْقِيمَةِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْ الْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ مِنْهُ فَلَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ إجْمَاعًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَبْطُلُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْلِ لَا غَيْرُ أَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، أَوْ قَتَلَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَكْلَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ الْإِعْتَاقَ فَإِنْ أَكَلَ بَعْضَ الطَّعَامِ لَمْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِالْأَرْشِ فِيمَا أَكَلَ وَلَا فِيمَا بَقِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا فَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ مَا أَكَلَ وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِأَرْشِ الْجَمِيعِ وَلَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَ بَعْضَهُ فَوَجَدَهُ مُرًّا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرْجِعَ بِنُقْصَانِ مَا خَبَزَهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ فَإِنْ بَاعَ بَعْضَ الطَّعَامِ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَرْشِ مَا بَاعَ وَلَا بِأَرْشِ مَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْبَيْعِ وَهُوَ فِعْلٌ

باب البيع الفاسد

مَضْمُونٌ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَرُدُّ مَا بَقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ مَا بَاعَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ الْبَاقِيَ وَلَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْهُ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا نَقَصَهَا الْوَطْءُ، أَوْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا، وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَجَبَ النُّقْصَانُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ قَبِلَهُ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ إنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا، وَالْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا وَلِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِرِضَاهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الْعُيُوبَ وَلَمْ يَعُدَّهَا) وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْبَرَاءَةِ الْعَيْبُ الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعٌ وَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَا وَقَفَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَقِفْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ فَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى اعْوَرَّ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَالْبَرَاءَةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَادِثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُمَّ الْبَرَاءَةَ، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالْمَوْجُودِ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ، أَوْ قَالَ: مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَبْرَأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يَبْرَأُ مِنْ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْجَوْفِ مِنْ الطِّحَالِ، أَوْ فَسَادِ حَيْضٍ وَمَا سِوَاهُ يُسَمَّى مَرَضًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَلَوْ قَالَ: مِنْ كُلِّ غَائِلَةٍ فَالْغَائِلَةُ السَّرِقَةُ، وَالْإِبَاقُ، وَالْفُجُورُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ] اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: بَيْعٍ جَائِزٍ وَبَيْعٍ فَاسِدٍ وَبَيْعٍ بَاطِلٍ وَبَيْعٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الْإِجَازَةِ. فَالْجَائِزُ يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ، وَالْفَاسِدُ لَا يُوقِعُ الْمِلْكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يُوقِعُهُ، وَإِنْ قَبَضَ إلَّا بِإِجَازَةِ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ الْبَابُ بِالْفَاسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِالْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَوْجُودٌ فِي الْبَاطِلِ، وَالْفَاسِدَ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى يُوجَدُ فِي الْأَعْلَى لَا الْعَكْسُ؛ إذْ كُلُّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَيْسَ كُلُّ فَاسِدٍ بَاطِلًا، وَالْفَاسِدُ أَدْنَى الْحُرْمَتَيْنِ فَكَانَ مَوْجُودًا فِي الصُّورَتَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (إذَا كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مُحَرَّمًا، أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) أَيْ بَاطِلٌ (كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ، أَوْ بِالدَّمِ، أَوْ بِالْخِنْزِيرِ، أَوْ بِالْخَمْرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ) أَحَدُهُمَا (غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ) هَذِهِ فُصُولٌ جَمَعَهَا، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَنَقُولُ الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَا بِالْحُرِّ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَدُّ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ، وَالْبَيْعُ بِالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ مَالٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ وُجِدَ

الْقَبْضُ بِالْإِذْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ لَا يُعْتَقُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ مَضْمُونًا فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالْخِنْزِيرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَكَذَا مَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ وَمَا ذَبَحَ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةٌ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ كَالْحُرِّ يَعْنِي أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. قَوْلُهُ: (وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ) مَعْنَاهُ بَاطِلٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ يَعْنِي إذَا بِيعَ بِرِضَاهُ أَمَّا إذَا بِيعَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، ثُمَّ أَجَازَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا بِيعَ بِرِضَاهُ تَضَمَّنَ رِضَاهُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ فَوُجِدَ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَضَمَّنْ رِضَاهُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ وَكَذَا الَّذِي أُعْتِقَ بَعْضُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ بَاقِيهِ وَكَذَا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَكَذَا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ وَكَذَا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ، أَوْ الْمُدَبَّرَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا عَلَى الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيمَة أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا عَنْهَا وَبَقِيَ مِلْكُ الْإِعْتَاقِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَصْطَادَهُ وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا بَاعَ سَمَكًا فِي حَوْضٍ إنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ قَطُّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ أَخَذَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ جَازَ الْبَيْعُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ صَيْدٍ وَلِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَاصْطِيَادٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا إذَا قُدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ أَمَّا عِنْدَ أَهْلِ بَلْخِي فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ قُدِرَ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَإِنْ أُرْسِلَ مِنْ يَدِهِ فَغَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَلَوْ بَاعَ طَائِرًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ رَاجِيًا أَنَّهُ يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْآبِقِ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِخُصُومَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ بَيْعُهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى حَالِ إبَاقِهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَإِنْ ظَهَرَ، أَوْ سَلَّمَهُ جَازَ وَأَيُّهُمَا امْتَنَعَ إمَّا الْبَائِعُ عَنْ التَّسْلِيمِ، أَوْ الْمُشْتَرِي عَنْ الْقَبْضِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ وَقَالَ أَهْلُ بَلْخِي يُحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ وَلَا النِّتَاجِ) النِّتَاجُ مَا سَيَحْمِلُهُ الْجَنِينُ، ثُمَّ بَيْعُ الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ دُونَ أُمِّهِ وَلَا الْأُمِّ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُدْرَى أَمَوْجُودٌ هُوَ، أَوْ مَعْدُومٌ فَلَوْ بَاعَهُ وَوَلَدَتْهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَسَلَّمَهُ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فَعَسَاهُ انْتِفَاخًا وَرُبَّمَا يَزْدَادُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ عَنْهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ فِي مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ لَا يَجُوزُ فَلَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً مَذْبُوحَةً لَمْ تُسْلَخْ وَبَاعَ كِرْشَهَا جَازَ وَيَكُونُ إخْرَاجُهُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ كَذَا فِي الْعُيُونِ. . قَوْلُهُ: (وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَجِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ فَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ، أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي يَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ

الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ النَّوَى فِي التَّمْرِ، وَالْبِزْرَ فِي الْبِطِّيخِ حَيْثُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَإِنْ شَقَّهُمَا وَأَخْرَجَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِمَا احْتِمَالًا أَمَّا الْجِذْعُ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ بِخِلَافِ الصُّوفِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِالتَّسْلِيمِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ بِالنَّتْفِ، أَوْ بِالْجَزِّ فَبِالنَّتْفِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْحَيَوَانِ وَبِالْجَزِّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُحْتَاجُ إلَى نَتْفِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْحَيَوَانِ. قَوْلُهُ: (وَضَرْبَةِ الْغَائِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ وَصُورَتُهُ أَنْ يُبَايِعَهُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ لَهُ ضَرْبَةً فِي الْمَاءِ بِالشَّبَكَةِ فَمَا خَرَجَ فِيهَا مِنْ الصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ بِكَذَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْغَائِصُ صَيَّادُ الْبَحْرِ، وَالْقَانِصُ صَيَّادُ الْبَرِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا) الْمُزَابَنَةُ الْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ وَسُمِّيَ هَذَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالدِّفَاعِ وَقَوْلُهُ " وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ " بِثَلَاثِ نُقَطٍ مِنْ فَوْقُ، وَقَوْلُهُ " بِخَرْصِهِ تَمْرًا " بِنُقْطَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ لَا يُسَمَّى تَمْرًا بَلْ يُسَمَّى رُطَبًا وَبُسْرًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى تَمْرًا إذَا كَانَ مَجْذُوذًا بَعْدَ الْجَفَافِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ فَلَا يَجُوزُ لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي التَّحْرِيمِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ) هَذِهِ بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا أَمَّا الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ وَيُسَمَّى بَيْعَ الْحَصَاةِ فَكَانَ الرَّجُلَانِ يَتَسَاوَمَانِ فِي السِّلْعَةِ فَإِذَا وَضَعَ الطَّالِبُ عَلَيْهَا حَجَرًا، أَوْ حَصَاةً تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ فَكَانَا يَتَرَاوَدَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ ذَلِكَ ابْتِيَاعًا لَهَا رَضِيَ مَالِكُهَا، أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ فَكَانَا يَتَرَاوَدَانِ عَلَى السِّلْعَةِ فَإِنْ أَحَبَّ مَالِكُهَا أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعَ نَبَذَ السِّلْعَةَ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ رَضِيَ، أَوْ لَمْ يَرْضَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ وَكَذَا بَيْعُ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ، أَوْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ وَكَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخِفَافِ وَالنِّعَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يُكَاتِبَهُ، أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، ثُمَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ، وَفِي وَجْهٍ كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ، وَفِي وَجْهٍ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ صِفَةِ الثَّمَنِ، أَوْ الْمَبِيعِ فَصِفَةُ الثَّمَنِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهَا نَقْدُ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مُؤَجَّلَةٌ، وَأَمَّا صِفَةُ الْمَبِيعِ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ، أَوْ خَبَّازَةٌ، أَوْ بِكْرٌ، أَوْ ثَيِّبٌ، أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا بِشَرْطِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ حِنْطَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ، أَوْ ثَمَرَةً بِشَرْطِ

الْجَذَاذِ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ رَطْبَةً بِشَرْطِ الْجَذَاذِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُشْتَرِي. وَكَذَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا أَوْ أَرْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَزْرَعَهَا الْبَائِعُ سَنَةً، أَوْ دَابَّةً بِشَرْطِ أَنْ يَرْكَبَهَا، أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَلْبَسَهُ شَهْرًا، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، أَوْ التَّدْبِيرِ، أَوْ جَارِيَةً بِشَرْطِ الِاسْتِيلَادِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فَإِذَا قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْعِتْقِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا عَلَى أَنْ لَا يَأْكُلَهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ الدَّابَّةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَوْ شَرَطَ الْمَضَرَّةَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخْرِقَهُ، أَوْ جَارِيَةً عَلَى أَنْ لَا يَطَأَهَا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَهْدِمَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ لَا يَطَأَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِيهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ جَائِزٌ فِيهِمَا وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: إذَا بَاعَهَا بِشَرْطِ الْوَطْءِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَاسِدٌ. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ الْبَائِعُ شَهْرًا، أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا شَهْرًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي دَرَاهِمَ، أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةً) فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِدْمَةُ وَالسُّكْنَى يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ تَكُونُ إجَارَةً فِي بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ لَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَنَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» ، أَمَّا بَيْعٌ وَشَرْطٌ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِشَرْطٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ، أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْعَقْدُ عَلَى أَحَدِهِمَا، أَوْ يَقُولَ: عَلَى إنْ أَعْطَيْتَنِي الثَّمَنَ حَالًّا فَبِأَلْفٍ، وَإِنْ أَخَّرْتَهُ إلَى شَهْرٍ فَبِأَلْفَيْنِ، أَوْ أَبِيعُكَ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ الثَّمَنَيْنِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَأَمَّا صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ أَنْ يَقُولَ: أَبِيعُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا الْفَرَسَ بِأَلْفٍ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِشَرْطِ الْخِيَاطَةِ، أَوْ حِنْطَةً بِشَرْطِ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ فَقَدْ جَعَلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بَدَلًا لِلْعَيْنِ وَالْعَمَلِ فَمَا حَاذَى الْعَيْنَ يَكُونُ بَيْعًا وَمَا حَاذَى الْعَمَلَ يَكُونُ إجَارَةً فَقَدْ جَمَعَ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِشَرْطِ الْقَبْضِ، أَوْ الْهِبَةِ، وَأَمَّا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَيُوهَبَ لَهُ هِبَةٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ اكْتَسَبَ كَسْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ خِلَافِهِ، فَقَبَضَ الْعَبْدَ مَعَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ لَا يَطِيبُ لَهُ الزَّوَائِدُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضْ يَعْنِي فِي الْمَنْقُولَاتِ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ فَإِنَّهُ رُخِّصَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهَا إلَى شَهْرٍ، أَوْ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْبَائِعِ فِي تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ، وَفِيهِ شَرْطُ نَفْيِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) الِاسْتِثْنَاءُ لِمَا فِي الْبُطُونِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ: فِي وَجْهٍ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ، وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فَاسِدٌ وَفِي وَجْهٍ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ أَمَّا الَّذِي كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ، وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَاسْتِثْنَاءُ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَأَمَّا الَّذِي يَجُوزُ الْعَقْدُ فِيهِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ

وَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ الْأُمُّ، وَالْوَلَدُ جَمِيعًا وَكَذَا الْمُعْتِقُ إذَا أَعْتَقَ الْجَارِيَةَ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي أَنَّهَا تُعْتَقُ هِيَ وَحَمْلُهَا، وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي كِلَاهُمَا جَائِزَانِ فَالْوَصِيَّةُ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ لِلْمُوصَى لَهُ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِلْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا، أَوْ قَبَاءً، أَوْ نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا، أَوْ يُشْرِكَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) مَعْنَى يَحْذُوهَا يَقْطَعُهَا مِنْ الْجِلْدِ وَيَعْمَلُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ:. (وَالْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ) النَّيْرُوزُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الصَّيْفِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ الشَّمْسُ فِيهِ الْحَمَلَ، وَالْمِهْرَجَانُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الشِّتَاءِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَحِلُّ فِيهِ الشَّمْسُ الْمِيزَانَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَصَّ الصَّوْمَ بِالنَّصَارَى، وَالْفِطْرَ بِالْيَهُودِ قِيلَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ النَّصَارَى غَيْرُ مَعْلُومٍ وَفِطْرَهُمْ مَعْلُومٌ، وَالْيَهُودُ بِعَكْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ آجَالٌ تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ فَتَصِيرُ مَجْهُولَةً وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا بِإِزَالَةِ جَهَالَتِهَا، ثُمَّ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ هِيَ مَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ فِي وُجُودِهَا كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ كَانَتْ فَاحِشَةً وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَكْفُلَ بِمَا ذَابَ عَلَى فُلَانٍ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَفِي الْوَصْفِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فِي أَصْلِ الثَّمَنِ فَكَذَا فِي وَصْفِهِ، وَإِنْ بَاعَ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلُ الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِيهِ مُحْتَمَلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَالْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ) . وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِلْمُنَازَعَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي شَرْطٍ زَائِدٍ لَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِإِذْنِ الْبَائِعِ - وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ مَالٌ - مَلَكَ الْمَبِيعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا قَالَ أَبِيعُك بِمَا تَرْعَى إبِلِي فِي أَرْضِك، أَوْ بِمَا تَشْرَبُ مِنْ مَاءِ بِئْرِك أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى فِي مُقَابَلَتِهِ مَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْحَشِيشَ، أَوْ اسْتَقَى الْمَاءَ فِي إنَاءٍ جَازَ بَيْعُهُ فَاشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى عِوَضَيْنِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ وَسَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي الْعِوَضَ فَإِذَا سَكَتَ عَنْهُ ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ وَهِيَ مَالٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ: أَبِيعُك بِغَيْرِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ الْعِوَضِ، وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَقَوْلُهُ: مَلَكَ الْمَبِيعَ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ لَكِنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي: يَمْلِكُ الْعَيْنَ، وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَهُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهُ دُونَ الْبَائِعِ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ لَهُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِبَائِعِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْبَائِعُ لَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَبْدَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَ الْعَيْنَ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ طَعَامًا مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَلَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَلَوْ كَانَتْ دَارًا لَا تَجِبُ فِيهَا

شُفْعَةُ الشَّفِيعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَلَا حُجَّةَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ فِيمَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ، وَالْحُرْمَةَ لَيْسَا مِنْ الْمِلْكِ فِي شَيْءٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ مَمْلُوكٌ لِمَنْ اسْتَفَادَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَلَك جَارِيَةً وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، أَوْ بَيْنَهُمَا مُصَاهَرَةٌ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهَا وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لَا بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعِ دَارِهِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي جَاحِدًا وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ مَلَكَ الْمَبِيعَ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ قُطِعَ وَقَوْلُهُ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ يَعْنِي يَوْمَ الْقَبْضِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ بِالْقَبْضِ فَشَابَهَ الْغَصْبَ، وَالْقَوْلُ بِالْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَقَوْلُهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا قَبَضَ الثَّمَنَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ) هَذَا إذَا لَمْ يَزْدَدْ الْمَبِيعُ أَمَّا إذَا ازْدَادَ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْهُ انْقَطَعَ حَقُّ الْفَسْخِ - مِثْلُ الصَّبْغِ، وَالْخِيَاطَةِ وَلَتِّ السَّوِيقِ بِالسَّمْنِ -، أَوْ جَارِيَةً عَلِقَتْ مِنْهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْفَسْخِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ كَالْوَلَدِ، وَالْعُقْرِ وَالْأَرْشِ وَلَوْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزَّوَائِدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَ فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ وَالزَّوَائِدُ قَائِمَةٌ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الزَّوَائِدَ وَيَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ، وَالْهِبَةِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مَعَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْمَبِيعَ وَالزَّوَائِدُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَبِيعِ، وَالزَّوَائِدُ لَهُ لِتَقَرُّرِ ضَمَانِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ مِنْ أَرْشِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا وَبَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنْ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ بَيْعُهُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَسَقَطَ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَنُقِضَ الْأَوَّلُ بِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ أَجَرَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ الْإِجَارَةُ غَيْرَ أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَهَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَفَسَادُ الْبَيْعِ صَارَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالنِّكَاحُ عَلَى حَالِهِ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ فَلَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ كَالْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا لَا يُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ فَبَقِيَ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَقَدَهُ وَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبْدِ وَمَاتَ سَقَطَ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَلَوْ وُرِثَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُ الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ وَكَذَا يُفْسَخُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْفَسَادِ وَلَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ، أَوْ الثَّوْبَ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَتَعَذَّرَ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ فَإِنْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ، أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ فِي الْهِبَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي لِأَجْلِ الْعَيْبِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ مِنْ أَصْلِهِ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا، أَوْ قَبَضَهَا وَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ فَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ فَرَبِحَ فِيهِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا وَقَضَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُدَّعِي فِي الدَّرَاهِمِ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا جَمِيعًا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ، أَوْ لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَضَمَّنَتْ صَحِيحًا وَفَاسِدًا، وَالْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا سَمَّى

لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَبَطَلَ فِي الْحُرِّ، وَالْمَيِّتَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ، أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّ فِي الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ يَفْسُدُ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَلَنَا أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَتَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِهِ، وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ مِثْلُ الْمُدَبَّرِ إذَا ضُمَّ إلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ، وَإِذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ اُسْتُحِقَّ، أَوْ وُجِدَ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ:. «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ وَعَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» ) النَّجْشُ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِالسُّكُونِ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ وَلَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهِ وَلَكِنَّهُ يَحْمِلُ الرَّاغِبَ عَلَى أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَهَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَكْثَرَ أَمَّا إذَا طَلَبَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَغْبَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فِي السِّلْعَةِ وَيَطْمَئِنَّ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَقْدُ فَعَارَضَهُ شَخْصٌ آخَرُ فَاشْتَرَاهُ أَمَّا إذَا كَانَ قَلْبُ الْبَائِعِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ بِمَا سَمَّى مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَجْنَحْ إلَيْهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي) وَصُورَةُ تَلَقِّي الْجَلَبِ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ؛ إذْ سَمِعَ بِمَجِيءِ قَافِلَةٍ مَعَهُمْ طَعَامٌ وَأَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَغَلَاءٍ فَيَخْرُجُ يَتَلَقَّاهُمْ وَيَشْتَرِي مِنْهُمْ جَمِيعَ طَعَامِهِمْ وَيَدْخُلُ بِهِ الْمِصْرَ وَيَبِيعُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ تَرَكَهُمْ حَتَّى دَخَلُوا بَاعُوا عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ مُتَفَرِّقًا تَوَسَّعَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ لَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صُورَتُهُ أَنْ يَتَلَقَّاهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَيَشْتَرِيَ مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْ سِعْرِ الْمِصْرِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِسِعْرِ أَهْلِ الْمِصْرِ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ فِي الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُمْ سَوَاءٌ تَضَرَّرَ بِهِ أَهْلُ الْمِصْرِ، أَوْ لَا، وَأَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَهُوَ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْجَالِبُ بِالطَّعَامِ لَقِيَهُ الْحَاضِرُ وَقَالَ لَهُ: سَلِّمْ إلَيَّ طَعَامَك لَا تَوَثُّقَ لَك فِي بَيْعِهِ فَيَتَوَفَّرُ عَلَيْك ثَمَنُهُ وَقِيلَ مَعْنَى بَيْعِ الْحَاضِرِ مِنْ الْبَادِي وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ، أَوْ عَلَفٌ، أَوْ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي قَحْطٍ وَهُوَ لَا يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَكِنَّهُ يَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ الْمِصْرِ فِي سَعَةٍ وَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) يَعْنِي الْأَذَانَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الزَّوَالِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ ذَلِكَ يُكْرَهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ إلَى هُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ) حَتَّى إنَّهُ يَجِبُ الثَّمَنُ دُونَ الْقِيمَةِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا، وَالْآخَرُ صَغِيرًا)

باب الإقالة

لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ " مَلَكَ " لِيَتَنَاوَلَ وُجُوهَ الْمِلْكِ مِنْ الْهِبَةِ وَالشِّرَاءِ، وَالْإِرْثِ، وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرَ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ، وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّفْرِيقِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا يُكْرَهُ فِي الْقِسْمَةِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْغَنَائِمِ وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ صَغِيرٌ وَكَبِيرَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ إنْ كَانَتْ قَرَابَةُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ إلَى الصَّغِيرِ مِنْ الْآخَرِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَبًا، وَالْآخَرُ جَدًّا، أَوْ أَحَدُهُمَا أُمًّا، وَالْآخَرُ جَدَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَالْآخَرُ أَخًا لِأَبٍ، أَوْ لِأُمٍّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الْأَبْعَدَ مِنْهُمَا، أَوْ يَبِيعَ الصَّغِيرَ مَعَ الْأَقْرَبِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَرَابَتُهُمَا إلَى الصَّغِيرِ سَوَاءٌ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، أَوْ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ، أَوْ كِلَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، أَوْ عَمَّيْنِ، أَوْ خَالَيْنِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ قَرَابَةُ الْكَبِيرَيْنِ إلَى الصَّغِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَرَابَتُهُمَا إلَيْهِ سَوَاءً نَحْوُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ وَأُمٌّ، أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ، أَوْ خَالٌ وَعَمٌّ فَاَلَّذِي يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ قَامَ مَقَامَ الْأُمِّ وَاَلَّذِي يُدْلِي بِالْأَبِ كَالْأَبِ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَأُمٌّ وَاجْتَمَعُوا فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَكَذَا هُنَا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ، أَوْ أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَ الْبَيْعُ) وَيَأْثَمُ (فَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْوَالِدَيْنِ وَجَائِزٌ فِي الْأَخَوَيْنِ، ثُمَّ التَّفْرِيقُ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِيهِمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَجْنِيَ أَحَدُهُمَا جِنَايَةً فِي بَنِي آدَمَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْجَانِيَ مِنْهُمَا وَيُمْسِكَ الْآخَرَ، وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ التَّفْرِيقُ وَكَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَالًا لِإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يُبَاحُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّفْرِيقِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهُمَا فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّهُمَا جَمِيعًا، أَوْ يُمْسِكُهُمَا جَمِيعًا وَلَا يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتِبَ أَحَدَهُمَا، أَوْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيقَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ، أَوْ الْمُعْتَقَ يَصِيرُ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ فَيَدُورُ حَيْثُ مَا دَارَ صَاحِبُهُ. [بَابُ الْإِقَالَةِ] الْإِقَالَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الرَّفْعُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْعَقْدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ وَخَصَّ الْبَيْعَ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلُهَا وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبِّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهُمَا الْمُسَاوَمَةُ كَالنِّكَاحِ وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظَيْنِ مَاضِيَيْنِ كَالْبَيْعِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِعْنِي مَا اشْتَرَيْت مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ بِعْت فَهُوَ بَيْعٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْإِقَالَةِ إلَّا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) هَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ عَيْبٌ أَمَّا إذَا تَعَيَّبَ جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَقَالَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَهِيَ بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) فِي هَذَا تَفْصِيلٌ إنْ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهِيَ فَسْخٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ.

باب المرابحة والتولية

فَهِيَ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِأَقَلَّ فَهِيَ فَسْخٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ، أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ فَهِيَ بَيْعٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ زُفَرُ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا وَحَقِّ الْغَيْرِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَهِيَ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِيهَا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ فَكَذَا الْإِقَالَةُ وَيُقَالُ إنَّمَا جُعِلَتْ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَمَلًا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِمَعْنَى الْإِقَالَةِ لَا بِلَفْظِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَعْنَى مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَهَذَا حَدُّ الْبَيْعِ فَاعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَاعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْكَسْ بِأَنْ يُعْتَبَرَ اللَّفْظُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَالْعَمَلُ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ قَائِمٌ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ الْفَسْخِ، فَاعْتَبَرْنَا جَانِبَ اللَّفْظِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِقِيَامِ اللَّفْظِ بِهِمَا، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا لَفْظَ الْفَسْخِ بِهِمَا تَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لَا مَحَالَةَ لِلْعَمَلِ بِالشَّبَهَيْنِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ " تَظْهَرُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَمَا سَمَّيَا عِنْدَ الْإِقَالَةِ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَفَسَدَتْ، وَالثَّالِثَةُ إذَا تَقَايَلَا وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَكَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بَيْعٌ جَدِيدٌ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالْعَقَارِ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالرَّابِعَةُ إذَا وَهَبَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالِاسْتِرْدَادِ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَصَارَ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي بِالْهِبَةِ وَلَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ فَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا فَوَهَبَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ يَعْنِي إذَا وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا، وَالْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ كَيْلِيًّا، أَوْ وَزْنِيًّا وَقَدْ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً فَتَقَايَلَا وَاسْتَرَدَّ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ صَحَّ قَبْضُهُ وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَمَا صَحَّ قَبْضُهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُمَا وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا " لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَطَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي الْإِقَالَةِ فَلَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ صَرْفًا فَالتَّقَابُضُ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الشَّرْطِ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يُعَوِّضْهُ حَتَّى بَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ آخَرَ، ثُمَّ تَقَايَلَا لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَصَارَ كَأَنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهَا فِي حَقِّ الْوَاهِبِ. قَوْلُهُ: (وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَقَوْلُهُ: وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَقِيَ الثَّمَنُ وَالثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، وَإِذَا بَقِيَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَهَلَكَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ عَقْدٌ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهِ، وَإِذَا تَبَايَعَا عَيْنًا بِعَيْنٍ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَى مُشْتَرِي الْهَالِكِ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَيُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ تَقَايَلَا، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِمَا قَائِمَانِ، ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي بَاقِيهِ) لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ أَرْشَهَا، ثُمَّ تَقَايَلَا رَدَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ] الْبَيْعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ بَيْعِ مُسَاوَمَةٍ وَبَيْعِ ضَمَانٍ، فَبَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَبَيْعُ الضَّمَانِ

ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، وَبَيْعُ الْمُوَاضَعَةِ، وَبَيْعُ التَّوْلِيَةِ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ تَوْلِيَةِ الْكُلِّ وَتَوْلِيَةِ الْبَعْضِ، فَتَوْلِيَةُ الْكُلِّ تَوْلِيَةٌ وَتَوْلِيَةُ الْبَعْضِ اشْتِرَاكٌ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ) اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلِّ قَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ اعْتِرَاضًا فَقَوْلُهُ: نَقْلُ مَا مَلَكَهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِنْ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الدَّنَانِيرَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مُرَابَحَةً وَقَوْلُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ حَقِّهِ أَيْ يُقَالُ: نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِنْ السِّلَعِ بِمَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَقْدُ فِيمَا مَلَكَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ عَبْدًا وَأَبَقَ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ عَادَ الْعَبْدُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَقْدٌ وَقَوْلُهُ: بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطِّرَازِ جَازَ وَهَذَا إذَا جُمِعَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِّنِي أَحَدَهُمَا فَقَالَ هُوَ لَك بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَقَالَ أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا» . قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُون الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ قَدَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطِّرَازِ، وَالْفَتَّالِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) الْفَتْلُ هُوَ مَا يَصْنَعُونَهُ فِي أَطْرَافِ الثِّيَابِ بِحَرِيرٍ، أَوْ كَتَّانٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ أَيْضًا أُجْرَةَ الْخَيَّاطِ، وَالْغَسَّالِ وَالسِّمْسَارِ وَهُوَ غَيْرُ الدَّلَّالِ وَأُجْرَةَ سَائِقِ الْغَنَمِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَلَا يُضِيفُ أُجْرَةَ رَاعِي الْغَنَمِ وَيَضُمُّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتَهُمْ وَعَلَفَ الْحَيَوَانِ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ أَسْرَفَ فِيهِ يَضُمُّ قَدْرَ الْمَعْرُوفِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَضُمُّ نَفَقَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ وَلَا مَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ فِي تَعْلِيمِ عَمَلٍ، أَوْ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَا أُجْرَةَ الْبَيْطَارِ، وَالْخَتَّانِ وَالرَّابِضِ، وَجُعْلَ الْآبِقِ، وَالْفِدَاءِ فِي الْجِنَايَةِ، وَأُجْرَةَ الْبَيْتِ الَّذِي يَحْفَظُ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَبَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثِينَ بَيْضَةً فَبَاعَ الْبَيْضَ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الدَّجَاجَةَ مُرَابَحَةً إنْ كَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِثْلَ ثَمَنِ الْبَيْضِ جَازَ لَهُ أَنْ يُضِيفَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ الْبَيْضِ عِوَضًا عَمَّا أَنْفَقَ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُرَابَحَةً. قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا) لِئَلَّا يَكُونَ كَاذِبًا وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ فَرَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الزُّيُوفِ عَنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً عَلَى الْجِيَادِ. . قَوْلُهُ: (وَإِذَا اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِحَالٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى الْخِيَانَةِ إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ لَا تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَخْرُجُ بِأَقَلَّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ) لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ مَوْضُوعِهِ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي عَقْدِ التَّوْلِيَةِ فَلَوْ نَفَيْنَا الْخِيَانَةَ كَانَ عَقْدَ مُرَابَحَةٍ وَذَلِكَ ضِدُّ مَا قَصَدَاهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً، وَفِي الْمُرَابَحَةِ إذَا لَمْ تُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ، أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحُطُّ فِيهِمَا) قِيَاسًا عَلَى

التَّوْلِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحُطُّ فِيهِمَا وَلَهُ الْخِيَارُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِجُمْلَةٍ سَمَّاهَا فَلَا يَخْرُجُ بِأَقَلَّ مِنْهَا فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَصُورَةُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِتِسْعَةٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ فَوَلَّيْتُك بِمَا اشْتَرَيْته، أَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَشَرَةً بِأَحَدَ عَشَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِمَا: لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ فِي التَّوْلِيَةِ بِالْخِيَانَةِ وَهِيَ دِرْهَمٌ، وَفِي الْمُرَابَحَةِ بِالْخِيَانَةِ وَحِصَّتُهَا مِنْ الرِّبْحِ وَهِيَ دِرْهَمٌ وَعُشْرُ دِرْهَمٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَحَلًّا لِلْفَسْخِ، وَإِلَّا بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْمُرَابَحَةِ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَفِي التَّوْلِيَةِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبَيَانُ الْحَطِّ فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ عَلَى رِبْحِ خَمْسَةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَإِنَّهُ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْخُمُسُ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَمَا قَابَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ دِرْهَمٌ فَيَأْخُذُ الثَّوْبَ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ، وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْعَلُ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالِ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّهُ يُحَابِيهِمْ فَصَارَ كَالشِّرَاءِ مِنْ عَبْدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ مُدَبَّرِهِ، أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ - سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ لَا، - أَوْ مَمَالِيكُهُ اشْتَرَوْا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ مُضَارِبِهِ، أَوْ اشْتَرَى مُضَارِبُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَحِصَّةُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ نَحْوُ أَنْ يَكُون مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ أَيْ بِأَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَلَوْ اشْتَرَى بِنَسِيئَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ إنَّمَا تَصِحُّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ وَلَمْ يَقُلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِتَقَعَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَكَانَ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْإِجَارَةُ، وَالْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ لَا تَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ، وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْكِتَابَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُبَادَلَةٍ كَالْبَيْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ جَوَازًا، وَإِنْ زَوَّجَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ وَلَوْ جَعَلَ الْمَنْقُولَ أُجْرَةً فَتَصَرَّفَ الْمُؤَجِّرُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اشْتَرَى مَنْقُولًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا مِنْ بَائِعِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ فَالْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ جَائِزٌ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْ الْبَائِعِ فَقَبِلَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ بَطَلَتْ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْعَقَارَ فِي مَحَلِّ قَبْضِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ قَبْضٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَانَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ مَضْمُونٍ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مَقْبُوضًا عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ كَالْعَارِيَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ) اعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ، وَالْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ إجْمَاعًا عَلَى الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً، أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ، أَوْ اتَّزَنَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً، أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَلَا يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ، أَوْ الْوَزْنَ فِيهِ ثَانِيًا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ

الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الشَّرْطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِكَيْلِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَا يَكِيلُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ، وَإِنْ كَالَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ قِيلَ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ صَاعَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُيُودٌ يَقَعُ بِهَا الِاحْتِرَازُ عَنْ مَسَائِلَ أُخَرَ، قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَك مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا بِالْهِبَةِ، أَوْ بِالْمِيرَاثِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَكِيلُ، أَوْ الْمَوْزُونُ مَبِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثَمَنًا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُكَايَلَةً حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مُجَازَفَةً جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْكَيْلِ وَقَوْلُهُ: فَاكْتَالَهُ، أَوْ اتَّزَنَهُ أَيْ كَالَ لِنَفْسِهِ، أَوْ وَزَنَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَيْ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْكَيْلِ أَيْضًا مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَيْ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ لِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَالَهُ لِنَفْسِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَيْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَالتَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ) وَكَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَدْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّ الْقَرْضَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ الْبَائِعً فِي الثَّمَنِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ) . وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَلْحَقُ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً إنْ قَبَضَهَا صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا بَطَلَتْ لَنَا أَنَّ الْعَقْدَ فِي مِلْكِهِمَا بِدَلِيلِ جَوَازِ الْفَسْخِ فِيهِ فَجَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِهِ كَحَالِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةٍ فَتَلِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَدْخُلُ وَلَدُهَا فِي الْمَبِيعِ، وَإِذَا جَازَ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِغَيْرِ تَرَاضٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَلَأَنْ يَجُوزَ مَعَ التَّرَاضِي أَوْلَى فَإِنْ زِيدَ فِي الْمَبِيعِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهِ فَقَبِلَ الْآخَرُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَالْعَقْدُ بِحَالِهِ، وَإِنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ، أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ، أَوْ تَدْبِيرِهِ، أَوْ اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا عِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ. وَفِي الْهِدَايَةِ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ - يَعْنِي بِذَلِكَ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ - أَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ فَفِي الْبَقَّالِيِّ يَجُوزُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَحُطَّ مِنْ الثَّمَنِ) وَلَوْ حَطَّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ جَازَ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ بِالْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ عِوَضًا لِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمَعْقُودَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَرَدَ عَلَيْهِمَا وَبَيَانُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا: إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ أَثْوَابٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَزَادَ الْبَائِعُ بَعْدَ الْعَقْدِ ثَوْبًا آخَرَ، ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِي إحْدَى الثِّيَابِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِي جَمِيعِهَا وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ هِيَ الْمَعِيبَةُ وَكَذَا الْمُشْتَرِي لَوْ زَادَ الْبَائِعُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاسْتُحِقَّ كُلُّهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَمِنْهَا أَنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَطِّ، وَكَذَا الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى الْكُلِّ فِي الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْبَاقِي فِي الْحَطِّ وَمِنْهَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَهُ الْمُشْتَرِي رِطْلًا مِنْ خَمْرٍ فَقَبِلَهُ الْبَائِعُ صَحَّتْ الزِّيَادَةُ وَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ. . قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، ثُمَّ أَجَّلَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا صَارَ مُؤَجَّلًا) لِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُوَقَّتًا وَهَذَا كَثَمَنِ الْبِيَاعَاتِ وَبَدَلِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدُّيُونَ يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ مُؤَجَّلَةً ابْتِدَاءً فَجَازَ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهَا الْأَجَلُ بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَإِنْ أَجَّلَهَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ

باب الربا

الْمَطَرِ وَقُدُومِ فُلَانٍ مِنْ سَفَرِهِ، وَإِلَى الْمَيْسَرَةِ فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَالثَّمَنُ حَالٌّ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالنَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ صَحَّ التَّأْجِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ سَلَمٌ، أَوْ دَيْنٌ سِوَاهُ إلَى أَجَلٍ حَلَّ مَا عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَوْتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُبْطِلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِ وَقَدْ بَطَلَ حَقُّهُ بِمَوْتِهِ، وَمَوْتُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لَا يُبْطِلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ حَيٌّ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُطَالِبُوهُ قَبْلَ الْأَجَلِ قَوْلُهُ: (وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا إلَّا الْقَرْضَ فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ اصْطِنَاعُ مَعْرُوفٍ، وَفِي جَوَازِ تَأْجِيلِهِ جَبْرٌ عَلَى اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ وَلِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى تَصِحَّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَلَا يَمْلِكَهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالصَّبِيِّ، وَالْوَصِيِّ وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ أَيْ لِمَنْ أَجَّلَهُ إبْطَالُهُ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ؛ إذْ لَا إجْبَارَ فِي التَّبَرُّعِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَهُوَ رِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الرِّبَا] الرِّبَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ زِيَادَةٌ، أَوْ لَا أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَالرِّبَا حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكْلُ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ الرِّبَا أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ وَكَاتِبُهُ وَشَاهِدُهُ إذَا عَلِمُوا بِهِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الرِّبَا مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا، أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ. قَوْلُهُ: (فَالْعِلَّةُ فِيهِ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ، أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ) وَيُقَالُ: الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْكَيْلَ، وَالْوَزْنَ مَعًا بِخِلَافِ لَفْظِ الْكَيْلِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْوَزْنَ وَلَفْظُ الْوَزْنِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكَيْلَ، وَأَمَّا لَفْظُ الْقَدْرِ فَيَشْمَلُهُمَا مَعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعِلَّةُ الطَّعْمُ مَعَ الْجِنْسِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَقَالَ مَالِكٌ الْعِلَّةُ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ مَعَ الْجِنْسِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ بَاعَ قَفِيزَ نَوْرَةٍ بِقَفِيزَيْ نَوْرَةٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْكَيْلِ مَعَ الْجِنْسِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَتَيْنِ وَبَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْكَيْلِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الطَّعْمِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ حَتَّى لَوْ بَاعَ خَمْسَ حَفَنَاتٍ مِنْ الْحِنْطَةِ بِسِتِّ حَفَنَاتٍ مِنْهَا وَهُمَا لَا يَبْلُغَانِ حَدَّ نِصْفِ صَاعٍ جَازَ الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ حَفْنَةً بِقَفِيزٍ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ لَا يَبْلُغُ حَدَّ نِصْفِ صَاعٍ، وَالْآخَرُ يَبْلُغُهُ، أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ فَإِنَّ الرِّبَا يَثْبُتُ فِيهِ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْقَدْرِ وَهُوَ الْوَزْنُ وَالْجِنْسُ وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِعَدَمِ الطَّعْمِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُحَرِّمُ النَّسَاءَ بَيَانُهُ إذَا بَاعَ هَرَوِيًّا بِهَرَوِيٍّ، أَوْ مَرْوِيًّا بِمَرْوِيٍّ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَ شَاةً بِشَاةٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدٍ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ وَهِيَ بِانْفِرَادِهَا تُحَرِّمُ النَّسَاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّفَاضُلَ يَحِلُّ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا بِيعَ الْمَكِيلُ، أَوْ الْمَوْزُونُ بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَاضَلَا لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ رِبًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفَضْلُ رِبًا وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا» وَيُرْوَى مِثْلٌ بِمِثْلٍ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى بِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَوْ تَبَايَعَا صُبْرَةَ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ مُجَازَفَةً، ثُمَّ كِيلَتَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ. وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ

وَلَنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَ التَّسَاوِي مَعْدُومًا، أَوْ مَوْهُومًا فِيمَا بُنِيَ أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا عُدِمَ الْوَصْفَانِ الْجِنْسُ، وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُحَرِّمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْمَضْمُومِ إلَيْهِ هُوَ الْكَيْلُ فِي الْحِنْطَةِ، وَالْوَزْنُ فِي الْفِضَّةِ يَعْنِي الْقَدْرَ إمَّا الْكَيْلُ، أَوْ الْوَزْنُ وَهَذَا كَالْهَرَوِيِّ بِالْمَرْوِيِّ، وَالْجَوْزِ بِالْبَيْضِ لِعَدَمِ الْعِلَّتَيْنِ، وَالنَّسَاءُ بِالْمَدِّ التَّأْخِيرُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وُجِدَا حَرُمَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ) لِوُجُودِ الْعِلَّةِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الْجِنْسُ وَالْمَعْنَى الْمَضْمُومُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ) مِثْلُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً» وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَقَالَ مَالِكٌ هُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَثِمَارُ النَّخِيلِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَلْوَانُهَا وَأَسْمَاؤُهَا كَالْبَرْنِيِّ، وَالْمَعْقِلِيِّ وَالدَّقَلِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَهُوَ عَامٌّ وَثِمَارُ الْكُرُومِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهَا لِأَنَّ اسْمَ الْعِنَبِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَالزَّبِيبُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهُ وَبُلْدَانُهُ، وَالْحِنْطَةُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْصَافُهَا، وَإِذَا بِيعَ التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ أَوْ الزَّبِيبُ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ التَّمْرُ بِالذُّرَةِ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ جَمَعَهُمَا وَلُحُومُ الْغَنَمِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ضَأْنُهَا وَمَعَزُهَا وَالنَّعْجَةُ وَالتَّيْسُ فَلَوْ بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِشَحْمِهَا، أَوْ بِأَلْيَتِهَا، أَوْ بِصُوفِهَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ جَمَعَهُمَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَزْلِ الْقُطْنِ بِالْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ إذَا غُزِلَ فَهُوَ كَالدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ مَكِيلٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ، وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى فَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِجِنْسِهَا مُتَسَاوِيَةً وَزْنًا، أَوْ الْفِضَّةَ بِجِنْسِهَا مُتَمَاثِلًا كَيْلًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ كَمَا إذَا بَاعَهُ مُجَازَفَةً إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوهَا وَزْنًا لِوُجُودِ السَّلَمِ فِي مَعْلُومٍ وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْوَزْنِ كَمَا يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْكَيْلِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَيْءٍ نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَزْنًا فَهُوَ مَوْزُونٌ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْوَزْنَ فِيهِ مِثْلُ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ بِأَمْثَالِهِمَا كَيْلًا لَا يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ)

لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ. . قَوْلُهُ: (وَعَقْدُ الصَّرْفِ مَا وَقَعَ عَلَى جِنْسِ الْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ قَبْضُهُ وَقَبْضُ عِوَضِهِ فِي الْمَجْلِسِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ» وَمَعْنَاهُ يَدًا بِيَدٍ أَيْ خُذْ، وَالْقَصْرُ فِيهِ خَطَأٌ. قَوْلُهُ: (وَمَا سِوَاهُ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّقَابُضُ) وَهَذَا كَمَنْ بَاعَ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ بِأَعْيَانِهِمَا، أَوْ شَعِيرًا بِشَعِيرٍ فَإِنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا وَلَا يَضُرُّهُمَا الِافْتِرَاقُ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَيَقْبِضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا اشْتَرَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَهَذَا إذَا كَانَا عَيْنَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا، وَالْآخَرُ عَيْنًا إنْ كَانَ الْعَيْنُ هُوَ الْمَبِيعَ جَازَ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ الدَّيْنِ، وَالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ دَيْنًا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَوْ قَبَضَ الدَّيْنَ مِنْهُمَا، ثُمَّ تَفَرَّقَا جَازَ سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَيْنَ، أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ هُوَ الْمَبِيعَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِهَذَا الْقَفِيزِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَبَضَ الدَّيْنَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ مَبِيعًا فَصَارَ بَائِعًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَمَعْرِفَةُ الثَّمَنِ مِنْ الْمَبِيعِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْبَاءِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ وَلَا بِالسَّوِيقِ) يَعْنِي لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا وَسَوِيقَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالدَّقِيقِ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ دَقِيقًا بِدَقِيقٍ وَزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ فِي الْحِنْطَةِ مُجْتَمِعٌ فَإِذَا فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهُ بِالطَّحْنِ زَادَ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ يُقَالُ مَقْلُوَّةٌ وَمَقْلِيَّةٌ لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إذَا تَسَاوَيَا فِي النُّعُومَةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِالْحِنْطَةِ غَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ صُورَةً فَعَرَفْنَا الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ وَاَلَّذِي فِي ضِمْنِ الْحِنْطَةِ دَقِيقٌ فَثَبَتَتْ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ، وَالْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ قَبْلَ الطَّحْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِالدَّقِيقِ اتِّخَاذُ الْخُبْزِ، وَالْعَصَائِدِ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّوِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُلَتُّ بِالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ فَيُؤْكَلُ كَذَلِكَ قُلْنَا: مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ - وَهُوَ التَّغَذِّي - يَشْمَلُهُمَا فَلَا يُبَالَى بِفَوَاتِ الْبَعْضِ كَالْمَقْلُوَّةِ مَعَ غَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ، وَالْعِلْكَةِ بِالْمُسَوِّسَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَالْعِلْكَةُ الْجَيِّدَةُ يُقَالُ حِنْطَةٌ عِلْكَةٌ أَيْ جَيِّدَةٌ تَتَمَدَّدُ كَالْعِلْكِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ مِنْ جَوْدَتِهَا وَلِينِهَا وَالْمُسَوِّسَةُ الَّتِي أَكَلَهَا السُّوسُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فَكَذَا الدَّقِيقُ مَعَ السَّوِيقِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ الثَّقِيلَةِ بِالْحِنْطَةِ الْخَفِيفَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِنْطَةُ دُونَ الدَّقِيقِ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِمَا وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْكَيْلِ فَلِهَذَا جَازَ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ) وَهَذَا إذَا كَانَ اللَّحْمُ، وَالْحَيَوَانُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ أَمَّا إذَا كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ بَاعَ لَحْمَ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ وَمَا أَشْبَهَهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَيْفَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَمَعْنَى الِاعْتِبَارِ هُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الشَّاةِ لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمِثْلِهِ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ، وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ الرَّأْسِ، وَالْجِلْدِ، وَالْأَكَارِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ الْأَكَارِعِ وَالرَّأْسِ، وَالْجِلْدِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ اللَّحْمِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِمَا لَيْسَ بِمَوْزُونٍ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُوزَنُ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ وَاشْتَرَاهَا بِلَحْمِ شَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بِأَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ الْمَفْصُولُ أَكْثَرَ وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْمَسْلُوخَةِ غَيْرَ مَفْصُولَةٍ عَنْ السَّقَطِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً حَيَّةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ يَجُوزُ إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِلَحْمٍ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ فَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ لَحْمٍ بِلَحْمٍ وَزِيَادَةِ اللَّحْمِ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ سَقَطِهَا بِإِزَاءِ سَقَطِ الْأُخْرَى فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ مِنْ خَيْبَرَ

أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» سَمَّاهُ تَمْرًا وَبَيْعُ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ نَعَمْ قَالَ فَلَا إذًا» قَالَ فِي النِّهَايَةِ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ السَّائِلَ كَانَ وَصِيًّا لِيَتِيمٍ فَلَمْ يَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةً لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجَفَافِ فَمَنَعَ الْوَصِيَّ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِشْفَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ فَسَادِ الْعَقْدِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الرُّطَبُ تَمْرًا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا قُلْنَا مَبْنَى الْإِيمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ، وَفِي الْعُرْفِ الرُّطَبُ غَيْرُ التَّمْرِ وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ مُتَمَاثِلًا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَفِي شَرْحِهِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا بَيْعُ الْبُسْرِ بِالرُّطَبِ يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَ الْبُسْرَ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ. . قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَلَى الْخِلَافِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اعْتِبَارًا بِالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ التَّمْرِ عَلَى الرُّطَبِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَ كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» وَلَمْ يَرِدْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّبِيبِ عَلَى الْعِنَبِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ فَيَكُونُ الدُّهْنُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرَةِ) وَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ نَسِيئَةً الشَّيْرَجُ السَّلِيطُ وَالثَّجِيرَةُ الْعُصَارَةُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ مَا فِيهِ لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَكَذَا الْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ، وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ فَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ غَزْلِ الْقُطْنِ بِالْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ بِالْغَزْلِ وَهُوَ نَظِيرُ الْحِنْطَةِ مَعَ الدَّقِيقِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَزْلِ بِالْقُطْنِ إلَّا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَكِلَاهُمَا مَوْزُونٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَبَيْعُ الْغَزْلِ بِالثَّوْبِ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ. . قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْع اللُّحْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا) يَعْنِي لَحْمَ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الْإِبِلِ، أَوْ بِلَحْمِ الْغَنَمِ أَمَّا لَحْمُ الْبَقَرِ، وَالْجَوَامِيسِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَا الْمَعَزُ مَعَ الضَّأْنِ، وَالْبُخْتُ مَعَ الْعِرَابِ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ؛ لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهَا. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ أَلْبَانُ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ) ؛ لِأَنَّهَا فُرُوعٌ مِنْ أُصُولٍ هِيَ أَجْنَاسٌ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا، وَالْأَلْيَةُ وَاللَّحْمُ جِنْسَانِ وَشَحْمُ الْبَطْنِ، وَالْأَلْيَةُ جِنْسَانِ. قَوْلُهُ: (وَخَلُّ الدَّقَلِ بِخَلِّ الْعِنَبِ) لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَصْلَيْهِمَا فَجَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمَا قَدْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكَيْلُ، أَوْ الْوَزْنُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. . قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ خَرَجَ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَدِّ، وَالْوَزْنِ، وَالْحِنْطَةُ مَكِيلَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ، أَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ نَسِيئَةً أَمَّا إذَا كَانَ الْخُبْزُ نَسِيئَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ عَدَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخَبْزِ، وَالْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ يَعْنِي فِي أَوَّلِ التَّنُّورِ وَآخِرِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ مِنْ الدَّنَاءَةِ اقْتِرَاضُ الْخُبْزِ وَزْنًا، وَالْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ وَالنَّظَرُ فِي مِرْآةِ الْحَجَّامِ. . قَوْلُهُ: (وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا وَلَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا فَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا

باب الاستبراء

تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا كَمَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُكَاتَبِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) هَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مَحْذُورٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ مَحْذُورًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ أَمَانٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَالِ الْحَرْبِيِّ بِغَيْرِ طِيبَةِ نَفْسِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَإِذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ فَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ إلَّا مَا حَظَرَهُ الْأَمَانُ وَقَدْ حَظَرَ عَلَيْهِ الْأَمَانُ أَنْ لَا يَأْخُذَ مَالَهُ إلَّا بِطِيبَةِ نَفْسِهِ وَإِذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ مَالَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ وَكَذَا إذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ مُسْلِمٌ بِأَمَانٍ فَبَاعَ مِنْ مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا جَازَ الرِّبَا مَعَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْلِمَانِ فَلَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا الرِّبَا كَمَا لَوْ كَانَا فِي دَارِنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَالٍ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مَالِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَأَمَّا إذَا هَاجَرَ إلَيْنَا، ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِهِمْ لَمْ يَجُزْ الرِّبَا مَعَهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ بِدَارِنَا فَصَارَ كَأَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ. [بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ] هَذَا بَابٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ وَهُوَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فَنَقُولُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُسْتَحَبٍّ وَوَاجِبٍ فَالْمُسْتَحَبُّ اسْتِبْرَاءُ الْبَائِعِ، وَالْوَاجِبُ اسْتِبْرَاءُ الْمُشْتَرِي أَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْبَائِعِ فَنَقُولُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ وَيُمَلِّكَهَا غَيْرَهُ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ وَطْئِهِ حَتَّى يُعْلَمَ فَرَاغُ رَحِمِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ أَمَةٌ، أَوْ مُدَبَّرَةٌ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ بَعْدَ وَطْئِهِ فَإِنْ زَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءِ، أَوْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ، وَأَمَّا اسْتِبْرَاءُ الْمُشْتَرِي فَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ. قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ سَوَاءٌ مَلَكَهَا بِالْبَيْعِ، أَوْ بِالْهِبَةِ، أَوْ بِالصَّدَقَةِ، أَوْ بِالْوَصِيَّةِ، أَوْ بِالْمِيرَاثِ، أَوْ بِالْخُلْعِ، أَوْ بِالْكِتَابَةِ، أَوْ دُفِعَتْ إلَيْهِ بِجِنَايَةٍ جَنَتْهَا وَسَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ الْمِلْكُ مِنْ امْرَأَةٍ، أَوْ مِنْ صَغِيرٍ بَاعَهَا عَلَيْهِ أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ قَطُّ فَهُوَ سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ اسْتَبْرَأَهَا بِشَهْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَبِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اسْتَبْرَأَهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بِالْوِلَادَةِ الْحَاصِلَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ، وَالْيَدِ، وَالْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ السَّبَبَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجْزِيهِ الْحَيْضَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ، وَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَلَا يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا يُعَانِقَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَالشَّيْءُ إذَا حَرُمَ حَرُمَ بِدَوَاعِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُظَاهِرَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَطْئًا وَاسْتِمْتَاعًا وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَذًى حَرُمَ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ كَالْعِدَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَيْضُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ لِأَجْلِ الْأَذَى وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَلَوْ مَلَكَ مِنْ الْجَارِيَةِ نِصْفَهَا وَحَاضَتْ، ثُمَّ مَلَكَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ لَا يَجْتَزِئُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى، وَإِذَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَوَضَعَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا بِمَا سِوَى الْجِمَاعِ مَا دَامَتْ فِي النِّفَاسِ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَائِضِ، وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا لَمْ يَطَأْهَا، وَإِنْ حَاضَتْ فَإِنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ شِرَاءً صَحِيحًا وَقَدْ كَانَتْ حَاضَتْ مَعَهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَإِنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُمْلَكُ بِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى رَجُلٍ هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا كَذَا هَذَا وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَلَمْ تَحِضْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

باب السلم

وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا مُدَّةٌ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَظَهَرَ الْحَمْلُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَمَا زَادَ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا مَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ ظَهَرَتْ عَلَامَاتُ حَمْلِهَا بِانْتِفَاخِ جَوْفِهَا، أَوْ بِنُزُولِ لَبَنِهَا فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بِهَا حَمْلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ. وَقَالَ زُفَرُ: حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَتَانِ وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ فَقَبَضَهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَاضَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَقْرَبْهَا الْبَائِعُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ، أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي حُكْمِ بَيْعٍ ثَانٍ كَالْإِقَالَةِ وَلَوْ أَقَالَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَذَلِكَ هَذَا وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ، وَالْمَأْخُوذُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا؛ إذَا قَرِبَهَا، وَالْحِيلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَتَزَوَّجُهَا وَيَدْخُلُ بِهَا، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا أَوْ يَقْبِضَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ مِنْ رَجُلٍ لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، ثُمَّ يَبِيعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَتَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. [بَابُ السَّلَمِ] لَمَّا ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْبُيُوعِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَ مِنْهَا النَّوْعَانِ اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ السَّلَمُ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ الصَّرْفُ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِمَا، ثُمَّ قَدَّمَ الْعَقْدَ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّرَقِّي إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَقَلِّ إلَى الْأَكْثَرِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (السَّلَمُ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ) الْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُثَمَّنًا وَالْمَكِيلَاتُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ، وَالْأَرُزِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا عُلِمَ قَدْرُهُ بِالْوَزْنِ جَازَ، وَالْمَوْزُونَاتُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ، وَالْبَيْضِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عِنْدَنَا وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ فِيهَا سَوَاءٌ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالرُّمَّانِ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ هَذِهِ الْبَيْضَةُ بِكَذَا وَهَذِهِ بِكَذَا، وَكَذَا الْجَوْزُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ، وَأَمَّا بَيْضُ النَّعَامِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَذْرُوعَاتِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذِّرَاعِ وَهِيَ الثِّيَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ الثَّوْبِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَذَرْعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ وَزْنًا كَالْحَرِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ وَلَا فِي أَطْرَافِهِ) يَعْنِي الرُّءُوسَ، وَالْأَكَارِعَ لِلتَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ لَا مِقْدَارَ لَهُ وَلَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَيَتَفَاوَتُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَالسِّنِّ وَالنَّوْعِ وَشِدَّةِ الْعَدْوِ، وَالْهَمْلَجَةِ وَهُوَ سَيْرٌ سَهْلٌ لِلْبَرَاذِينِ وَقَدْ يَجِدُ فَرَسَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي السِّنِّ وَالصِّفَةِ، ثُمَّ يَشْتَرِي أَحَدَهُمَا بِأَضْعَافِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْآخَرَ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِي بَنِي آدَمَ لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ، وَالْأَمَتَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ سِنًّا وَصِفَةً وَيَخْتَلِفَانِ فِي الْعَقْلِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْمُرُوءَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْجُلُودِ عَدَدًا) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَلَا تُوزَنُ عَادَةً وَلَكِنَّهَا تُبَاعُ عَدَدًا وَهِيَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ فَإِنْ سَمَّى مِنْهَا شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْمُصْحَفِ مَعْلُومًا وَذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَجَوْدَتَهُ.

جَازَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْوَرَقِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ضَرْبًا مِنْهُ مَعْلُومَ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَالْجَوْدَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْحَطَبِ حُزَمًا) ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ مَجْهُولٌ إلَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنَّ بَيَّنَ طُولَ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةَ أَنَّهُ ذِرَاعٌ، أَوْ ذِرَاعَانِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الرَّطْبَةِ جُرُزًا) هُوَ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ جُرْزَةٍ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهِيَ الْقَبْضَةُ مِنْ الْقَتِّ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ حَتَّى يَكُون الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) الْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْحُلُولِ وَحَدُّ الْوُجُودِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ مِنْ السُّوقِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ، أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَحِلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ وَلَنَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمُدَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْمُدَّةِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَاعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ فَحَلَّ السَّلَمُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ فَالسَّلَمُ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ وَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ السَّلَمَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ إلَى حَالِ وُجُودِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ كَالرُّطَبِ إنْ أَسْلَمَ فِي حَالِ وُجُودِهِ وَجَعَلَ الْمَحِلَّ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ جَازَ. وَإِنْ جَعَلَ الْمَحِلَّ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ؛ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ، وَالْمَالِحُ هُوَ الَّذِي شُقَّ بَطْنُهُ وَجُعِلَ فِيهِ الْمِلْحُ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي زَمَانِ الشِّتَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي تَنْقَطِعُ اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا طَرِيِّهِ وَلَا مَالِحِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ فَهُوَ كَاللَّحْمِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ فِي الْمَالِحِ إذَا سَمَّى وَزْنًا مَعْلُومًا، وَالْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ سَمَكٌ مِلْحٌ، أَوْ مَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ احْتَجُّوا لَهَا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ بَصْرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ مِصْرِيًّا ... أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا ، وَالْحُجَّةُ لِلُّغَةِ الْفَصِيحَةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] أَيْ شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ وَلَمْ يَقُلْ مَالِحٌ، وَأَمَّا السَّمَكُ الصِّغَارُ إذَا كَانَ يُكَالُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ بَيَّنَ مَوْضِعًا مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالسِّمَنِ، وَالْهُزَالِ وَقِلَّةِ الْعِظَامِ وَكَثْرَتِهَا وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ إذَا سَمَّى مَكَانًا مَعْلُومًا مِنْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الطُّيُورِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْأَلْيَةِ وَشَحْمِ الْبَطْنِ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا) فَإِنْ أَسْلَمَا حَالًّا، ثُمَّ أَدْخَلَا الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَقَبْلَ اسْتِهْلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ جَازَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَاهُ فَقِيلَ شَهْرٌ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ بِمِكْيَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَضِيعُ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقِصَاعِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِذِرَاعِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) هَذَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا فِي تَمْرِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا) لِأَنَّهُ قَدْ يَنْعَدِمُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ، أَوْ فِي ذُرَةٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْهَا شَيْءٌ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا بِسَبْعِ شَرَائِطَ تُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ جِنْسٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ تَمْرٍ. (قَوْلُهُ:

وَنَوْعٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ تَمْرٍ بَرْنِيِّ، أَوْ مَعْقِلِيٍّ، أَوْ ذُرَةٍ بَيْضَاءَ، أَوْ حَمْرَاءَ قَوْلُهُ (وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ) مِثْلُ جَيِّدٍ، أَوْ وَسَطٍ. (قَوْلُهُ: وَمِقْدَارٌ مَعْلُومٌ) كَقَوْلِهِ قَفِيزٌ، أَوْ مُدٌّ أَوْ رِطْلٌ، أَوْ مَنٌّ (وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ) مِثْلُ شَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ. قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ، وَالْمَعْدُودِ) وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الثِّيَابِ، وَالْحَيَوَانِ وَهَذَا إنَّمَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا مُشَارًا إلَيْهِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ، وَالْأُجْرَةَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جَهَالَةَ ذَلِكَ تُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمَقْبُوضِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ كَفًّا مِنْ دَرَاهِمَ فَوَجَدَ فِي بَعْضِهَا زُيُوفًا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ قَدْرَهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَتَسْمِيَةُ الْمَكَانِ الَّذِي يُوفِيهِ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ، وَأَمَّا مَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ حَيْثُ لَقِيَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ وَهَذَا كَالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَا إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَيُسَلِّمُهُ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ) لِأَنَّهُ مَلَكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَيُسَلِّمُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ) فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ صَافِيًا لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ، وَإِنْ كَانَ كَدِرًا بَطَلَ، وَإِنْ نَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا، أَوْ قَامَا يَمْشِيَانِ مَعًا لَمْ يَبْطُلْ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ افْتَرَقَا فِي السَّلَمِ بَعْدَ الْقَبْضِ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ زُيُوفًا، أَوْ نَبَهْرَجَةً فَإِنْ تَجَوَّزَ بِهَا صَحَّ السَّلَمُ، وَإِنْ اسْتَبْدَلَهَا بَطَلَ السَّلَمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ اسْتَبْدَلَهَا فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ لَا يَبْطُلُ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا زُيُوفًا فَاسْتَبْدَلَهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَبْطُلُ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ فَإِنْ كَانَتْ الزُّيُوفُ النِّصْفَ بَطَلَ الْعَقْدُ إجْمَاعًا فِيهَا، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْتَبْدِلُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَقَضَ الْعَقْدُ فِيهَا فَإِنْ وَجَدَ رَأْسَ الْمَالِ سُتُّوقًا، أَوْ رَصَاصًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ بَطَلَ الْعَقْدُ إجْمَاعًا لِأَنَّ السَّتُّوقَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ. . قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَمَّا رَأْسُ الْمَالِ فَإِنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ يَسْقُطُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُبْرِئَ رَبَّ السَّلَمِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ فَإِذَا أَبْرَأَ مِنْهُ سَقَطَ الْقَبْضُ وَبَطَلَ الْعَقْدُ وَهَذَا إذَا قَبِلَ رَبُّ السَّلَمِ الْبَرَاءَةَ فَإِنْ رَدَّهَا لَمْ يَبْطُلْ السَّلَمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ - عِوَضَ رَأْسِ الْمَالِ - شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الْقَبْضُ، وَأَمَّا الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» وَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ - عِوَضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ - شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَلَوْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لَك إلَّا سَلَمُكَ، أَوْ رَأْسُ مَالِكَ» أَرَادَ بِالسَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ لَا تَأْخُذْ إلَّا الْمُسْلَمَ فِيهِ حَالَ بَقَاءِ السَّلَمِ أَوْ رَأْسِ الْمَالِ حِينَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا حَتَّى يَقْبِضَهُ كُلَّهُ وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ إذَا سَمَّى طُولًا وَعَرْضًا

وَرُقْعَةً) بِالْقَافِ أَيْ غِلْظَةً وَثَخَانَةً؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ فِي مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَوَزْنِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوَاهِرِ وَلَا فِي الْخَرَزِ) لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ السَّلَمُ فِيهِ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالنُّضْجِ وَعَدَمِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخُبْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا وَزْنًا وَلَا عَدَدًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا وَاخْتَارَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَتَى بِشَرَائِطِ السَّلَمِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّذِي يُبَاع وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْوَزْنِ وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الرُّمَّانِ، وَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ لِاخْتِلَافِ الصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبَنِ، وَالْآجُرِّ إذَا سَمَّى مُلَبِّنًا مَعْلُومًا) ؛ لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إذَا ذَكَرَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَسُمْكَهُ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَلَا مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ) الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُ الْمُعَلَّمِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَسَدِ وَلَا الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِمَا وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَبِعَظْمِهِ، وَفِي الْهِدَايَةِ: الْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسُ الْعَيْنِ حَتَّى لَا يَطْهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ وَعِظَامُهُ نَجِسَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ يُبَاعُ عَظْمُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ وَيَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ، وَأَمَّا الْقِرْدُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ كَالسِّبَاعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يُبْتَاعُ لِلْمَلَاهِي، وَأَمَّا لُحُومُ السِّبَاعِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَيْعِهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ مُذَكَّاةً وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِطْعَامِهِ لِلْكِلَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ مُذَكَّاةً؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَاتِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ وَلَوْ كَانَ مَدْبُوغًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَأَجَازَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا بَيْعَ السِّرْجِينِ، وَالْبَعْرِ وَشِرَاءَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ لِلْوُقُودِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ بَنَاتِ آدَمَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ) لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَزِّ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الْقَزُّ. قَوْلُهُ: (وَلَا النَّحْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكُوَّارَاتِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ، وَإِنْ انْفَرَدَ إذَا كَانَ مُجْتَمِعًا مُحْرَزًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْهَوَامِّ كَالْأَحْنَاشِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ وَالْفَأْرَةِ، وَالْبُومِ وَالضِّفْدَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْبِيَاعَاتِ كَالْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ إلَّا فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ خَاصَّةً فَإِنَّ عَقْدَهُمْ عَلَى الْخَمْرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ وَعَقْدَهُمْ عَلَى الْخِنْزِيرِ كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الشَّاةِ) ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ وَإِذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ

باب الصرف

فَإِنْ صَارَتْ خَلًّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْعَقْدُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا جَازَ وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ لِئَلَّا يَسْتَذِلَّهُ بِالْخِدْمَةِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى مُصْحَفًا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ. [بَابُ الصَّرْفِ] الصَّرْفُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الزِّيَادَةُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا، وَالْفَرْضُ عَدْلًا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» الْعَدْلُ هُوَ الْفَرْضُ وَالصَّرْفُ هُوَ النَّفَلُ وَسُمِّيَ الْفَرْضُ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ النَّفْلِ وَالرَّدِّ فِي بَدَلَيْهِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ) لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فِي مَالَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ بِمَعَانٍ عَنْ الْبَيْعِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ كَالسَّلَمِ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) الصَّرْفُ اسْمٌ لِعُقُودٍ ثَلَاثَةٍ: بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِذَا اخْتَصَّ بِاسْمِ الصَّرْفِ اخْتَصَّ بِشَرَائِطَ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا وُجُودُ التَّقَابُضِ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بَاتًّا لَا خِيَارَ فِيهِ فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ - وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ - انْقَلَبَ جَائِزًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلُ الصَّرْفِ مُؤَجَّلًا فَإِنْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْأَجَلِ أَجَلَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَتَقَدَّمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَفَرَّقَا عَنْ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ انْقَلَبَ جَائِزًا فَلِزُفَرَ: رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بَاعَهُمَا جَمِيعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْجَارِيَةِ وَالطَّوْقِ وَيَكُونُ الطَّوْقُ بِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَرْفًا وَالْجَارِيَةُ بِتِسْعِمِائَةٍ بَيْعًا فَلَوْ افْتَرَقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ صَحِيحٌ بِتِسْعِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ فَالصَّرْفُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ فَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْأُولَى: لَا يَبْطُلُ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا انْعَقَدَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ الصَّرْفُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِهِ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ إبْطَالَ الْبَيْعِ فِي الْجَارِيَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَبْطُلُ بَيْعُ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ فَسَادَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِإِنَاءِ فِضَّةٍ لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ إنَاءً مَصُوغًا مِنْ نُحَاسٍ بِإِنَاءٍ مِنْ نُحَاسٍ حَيْثُ يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ بِالنُّحَاسِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ بِالصِّنَاعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تُعَارِضُ النَّصَّ، وَأَمَّا النُّحَاسُ وَالصُّفْرُ فَيَتَغَيَّرَانِ بِالصِّنَاعَةِ وَكَذَا الْحَدِيدُ حُكْمُهُ حُكْمُ النُّحَاسِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ ثَابِتٌ فِيهِمَا بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالصَّنْعَةِ لِتَعَارُفِ النَّاسِ فِي بَيْعِ الْمَصْنُوعِ مِنْهُمَا عَدَدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ، قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا وَلِهَذَا قَالُوا فِيمَنْ غَصَبَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَكَسَرَهُ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقُلْبَ مَكْسُورًا وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِذَا تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ، وَوَزْنُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ وَمَعَ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا شَيْءٌ آخَرُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْخِلَافِ تَبْلُغُ قِيمَةَ الزِّيَادَةِ، أَوْ أَقَلَّ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً كَالْقَلْسِ، وَالْجَوْزَةِ، وَالْبَيْضَةِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَاهُ لِيَجُوزَ الْعَقْدُ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ نَجِدُهُ فِي قَلْبِكَ قَالَ أَجِدُهُ مِثْلَ الْجَبَلِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْخِلَافِ قِيمَةٌ كَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا يَكُونُ بِإِزَائِهَا بَدَلٌ فَيَكُونُ رِبًا. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ وَهَاءَ وَهَاءَ» «وَقَالَ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ ذَكَرَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ لَا تُفَارِقْهُ وَبَيْنَكُمَا لَبْسٌ» ، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ «وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ وَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ» وَقَالَ عُمَرُ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَكَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرْهُ أَيْ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ لِإِخْرَاجِ

بَدَلِ الصَّرْفِ، أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تُمْهِلْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَصُوغِ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَالْمُرَادُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَا يَمْشِيَانِ مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَرْسَخًا، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُفْتَرِقَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَوَجَبَ التَّقَابُضُ) أَمَّا التَّفَاضُلُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا التَّقَابُضُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» . قَوْلُهُ: (وَإِنْ افْتَرَقَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَيَدُلُّ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّ التَّقَابُضَ فِي الصَّرْفِ شَرْطُ الْجَوَازِ لَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: التَّقَابُضُ فِي الصَّرْفِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ لَا لِانْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ: بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَا بُطْلَانَ إلَّا بَعْدَ الِانْعِقَادِ وَالصِّحَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَقَبْلَ قَبْضِ الْعَشَرَةِ اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا، أَوْ مَكِيلًا، أَوْ مَوْزُونًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَثَمَنُ الصَّرْفِ عَلَى حَالِهِ يَقْبِضُهُ وَيَتِمُّ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنْ قَبِلَ الْبَرَاءَةَ، أَوْ الْهِبَةَ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُمَا لَمْ يَبْطُلْ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا وَهَبَ لَهُ ثَمَنَ الصَّرْفِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْهِبَةَ فَأَبَى الْوَاهِبُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وُهِبَ لَهُ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ فَسْخَ الْعَقْدِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْقَبْضِ فَيُجْبَرُ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ فِي تَمَامِهِ حَقَّ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُجَازَفَةِ أَكْثَرُ مِنْ التَّفَاضُلِ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ جَائِزٌ فَكَذَا الْمُجَازَفَةُ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَدَفَعَ مِنْ ثَمَنِهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ حِصَّةَ الْفِضَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ حِصَّةَ الْفِضَّةِ يُسْتَحَقُّ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَحِصَّةَ السَّيْفِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ فَإِذَا نَقَدَ مِقْدَارَ الْحِلْيَةِ وَقَعَ مَا نَقَدَ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ؛ إذْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) ؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَصْرِفَ الْمَقْبُوضَ إلَى مَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ وَلِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْوَاحِدِ وَعَنْ الْجَمَاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] ، وَإِنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الْمَالِحِ، وَإِنَّمَا قَالَ " مِنْهُمَا " مَعَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالِحَ، وَالْعَذْبَ يَلْتَقِيَانِ فَيَكُونُ الْعَذْبُ كَاللِّقَاحِ لِلْمَالِحِ كَمَا يُقَالُ: يَخْرُجُ الْوَلَدُ مِنْ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهَا صَرْفٌ وَكَذَا السَّيْفُ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الضَّرَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي السَّيْفِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ أَزْيَدَ مِنْ الْحِلْيَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ لَا يُدْرَى لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ، ثُمَّ افْتَرَقَا وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَصَحَّ فِيمَا قَبَضَ) لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلَّهُ فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَا يُوجَدُ، وَالْفَسَادُ طَارِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ، ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّيْفِ وَمَعْنَى الشُّيُوعِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ حَظٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْآخَرِ

فَقَوْلُنَا " صَرْفٌ كُلَّهُ " احْتِرَازٌ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّيْفِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْإِنَاءُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا) وَلَا خِيَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ مَعَ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ) يَعْنِي بَعْضًا يَتَعَدَّى إلَى نَصِيبِ الْمُشْتَرِي، أَوْ لَا يَتَعَدَّى (كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَفِي قَطْعِ الْإِنَاءِ ضَرَرٌ وَلَمْ يَأْتِ التَّفْرِيقُ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ جَازَ الْعَقْدُ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ إذَا كَانَا لَمْ يَفْتَرِقَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَيَصِيرُ الْعَاقِدُ وَكِيلًا لِلْمُجِيزِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُجِيزِ حَتَّى لَوْ افْتَرَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ قَبْلَ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ - وَالْمُتَعَاقِدَانِ بَاقِيَانِ فِي الْمَجْلِسِ - صَحَّ الْعَقْدُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ نُقْرَةَ فِضَّةٍ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أُخِذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ) هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا لَوْ اُسْتُحِقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ لَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لَا مِنْ الْعَاقِدِ فَصَارَ كَهَلَاكِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَ النُّقْرَةَ وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ حِصَّتَهُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي قَطْعِ الْإِنَاءِ ضَرَرٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ وَالدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ نَظِيرُ النُّقْرَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي ذَلِكَ لَا تُعَدُّ عَيْبًا كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ جَازَ الْبَيْعُ وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُصَحِّحُهُ، وَالْآخَرُ يُفْسِدُهُ حُمِلَ عَلَى مَا يُصَحِّحُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ وَلَوْ بَاعَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ مِائَةً تُجْعَلُ بِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ وَيُجْعَلُ الدِّينَارُ بِتِسْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَدِينَارًا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَتَقَابَضَا جَازَ وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِالْفَضْلِ وَهَذِهِ تُسَمَّى قِسْمَةَ الِاعْتِبَارِ وَإِذَا اشْتَرَى دِينَارًا وَدِرْهَمَيْنِ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ وَتَقَابَضَا جَازَ وَيَكُونُ الدِّينَارُ بِدِرْهَمَيْنِ، وَدِينَارَانِ بِدِرْهَمَيْنِ وَهَذِهِ تُسَمَّى قِسْمَةَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيمَا فِيهِ الرِّبَا عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الْجِنْسَ بِجِنْسِهِ، وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْعَقْدُ حَتَّى يَكُونَ الْجِنْسُ الْمُنْفَرِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُقَابِلُهُ حَتَّى يُجْعَلَ بِمِثْلِهِ، وَالْفَضْلُ بِالْجِنْسِ الْآخَرِ، وَهَذَا كَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ، وَالثَّانِي قِسْمَةُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ جِنْسَيْنِ فِيهِمَا الرِّبَا بِجِنْسِهِمَا وَهُنَاكَ تَفَاضُلٌ، مِثْلُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ، وَمِثْلُ صَاعَيْ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ بِصَاعَيْ شَعِيرٍ وَصَاعِ حِنْطَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَيُجْعَلُ كُلُّ جِنْسٍ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا اشْتَرَى مِثْقَالَيْ فِضَّةٍ وَمِثْقَالًا مِنْ نُحَاسٍ بِمِثْقَالِ فِضَّةٍ وَثَلَاثَةِ مَثَاقِيلِ حَدِيدٍ جَازَ وَتَكُونُ الْفِضَّةُ بِمِثْلِهَا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ بِذَلِكَ الْحَدِيدِ وَكَذَلِكَ مِثْقَالُ صُفْرٍ وَمِثْقَالُ حَدِيدٍ بِمِثْقَالِ صُفْرٍ وَمِثْقَالِ رَصَاصٍ، فَالصُّفْرُ بِمِثْلِهِ وَالرَّصَاصُ بِمَا بَقِيَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ جَازَ وَكَانَتْ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ) وَلَوْ اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَوَازَنَا فَزَادَتْ إحْدَى الْعَشَرَتَيْنِ دَانَقًا فَوَهَبَهُ لَهُ وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا جَازَ الْبَيْعُ وَصَحَّتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ الْعَشَرَةَ بِمِثْلِهَا وَوَهَبَ لَهُ الدَّانَقَ وَهُوَ هِبَةُ مُشَاعٍ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَصَحَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُكَسَّرَةً لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الدَّانَقَ يَتَمَيَّزُ مِنْ الدَّرَاهِمِ إذَا كَانَتْ مُكَسَّرَةً فَهِيَ هِبَةُ مُشَاعٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَمْ تَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ. . قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ بِدِرْهَمٍ غَلَّةٍ) صَوَابُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةٍ

، وَالْغَلَّةُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ قِطَعًا وَقِيلَ هِيَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَلَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْحَرَامِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ فِضَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّنَانِيرِ الذَّهَبَ فَهِيَ ذَهَبٌ وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِيَادِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْخَالِصِ بِهِمَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا إلَّا وَزْنًا لَا عَدَدًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَا فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَكَانَا فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَخْلُصُ مِنْ الْغِشِّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ مِنْهُ فَلَيْسَتْ بِمُسْتَهْلَكَةٍ فَإِذَا بِيعَتْ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ فَهِيَ كَبَيْعِ نُحَاسٍ وَفِضَّةٍ بِفِضَّةٍ فَيَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ) يَعْنِي الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ حُكْمِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ فَصَارَتْ فِي حُكْمِ الْفُلُوسِ. وَفِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهِيَ فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ وَلَكِنَّهُ صَرْفٌ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ شُرِطَ فِي الصُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهَا إلَّا بِضَرَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ، وَالْغِشُّ سَوَاءٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ إلَّا وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ ذَلِكَ وَزْنًا صَارَ بَائِعًا لِلْفِضَّةِ بِمِثْلِ وَزْنِهَا وَمَا بَقِيَ مِنْ الْغِشِّ بِمِثْلِ وَزْنِهِ فِضَّةً كَذَا فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً، ثُمَّ كَسَدَتْ وَتَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قِيمَتُهَا آخِرَ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ كَسَدَتْ أَيْ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ أَمَّا إذَا كَانَتْ تَرُوجُ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَلَا تَرُوجُ فِي غَيْرِهِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَهْلِكْ وَلَكِنَّهَا تَعَيَّبَتْ فَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَالَ أَعْطِنِي مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ذَلِكَ دَنَانِيرَ وَقَيَّدَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّهَا إذَا غَلَتْ، أَوْ رَخُصَتْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ) لِأَنَّهَا مَالٌ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعَيُّنِهَا، وَإِذَا لَمْ تُعَيَّنْ فَالْعَاقِدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْهَا، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ غَيْرَهُ، وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِهَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا) لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا وَمَا لَيْسَ بِثَمَنٍ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ كَالثِّيَابِ وَقَيَّدَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّهَا إذَا غَلَتْ، أَوْ رَخُصَتْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ، ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَالْكَلَامُ

كتاب الرهن

فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إذَا كَسَدَتْ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ مُوجِبَةٌ رَدَّ الْعَيْنِ مَعْنًى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا جَازَ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ) وَكَذَا إذَا قَالَ: بِدَانَقٍ فُلُوسًا، أَوْ بِقِيرَاطٍ فُلُوسًا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ تَغْلُو وَتَرْخُصُ فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ عِبَارَةٌ مَعْلُومَةٌ عَنْ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْفُلُوسِ فَقَدْ بَاعَ مَعْلُومًا بِمَعْلُومٍ فَجَازَ وَقَيَّدَ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِدِرْهَمٍ فُلُوسًا، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ فُلُوسًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَهُ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَعْطَى الصَّيْرَفِيَّ دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ، وَلَوْ قَالَ: أَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً، وَالْبَاقِيَ فُلُوسًا جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَتْ الْفُلُوسُ وَالنِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِدِرْهَمٍ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْفُلُوسَ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ إذَا كَانَ لَمْ يُضِفْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفَيْنِ إلَى الدِّرْهَمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي بِهِ فُلُوسًا وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً وَذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فُلُوسًا وَأَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ وَالنِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ الَّذِي وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ الْبَاقِي دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ وَيَبْطُلُ فِي الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَتَفْسِيرَهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ كَعَقْدَيْنِ فَبُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ فِي الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ تَفْسِيرَ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلَهُ لَا يَجْعَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ عَقْدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَقْدًا وَاحِدًا فَبَيْعُ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً لَا يَجُوزُ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ وَقَدْ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي الْبَاقِي مِنْ الدِّرْهَمِ فَيَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الرَّهْنِ] الرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَبْسُ أَيْ حَبْسُ الشَّيْءِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مَالًا، أَوْ غَيْرَ مَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ احْتِرَازًا عَنْ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا عَقْدُ وَثِيقَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَاحْتِرَازًا أَيْضًا عَنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ وَثِيقَةٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ عَلَى وَثِيقَةٍ وَيُقَالُ هُوَ فِي الشَّرْعِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَلَا رَهْنُ الْمُدَبَّرِ وَمِنْ مَحَاسِنِ الرَّهْنِ أَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِجَانِبِ الرَّاهِنِ وَجَانِبِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا جَانِبُ الرَّاهِنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ يَكُونُ أَلَدَّ الْخِصَامِ خُصُوصًا إذَا وَجَدَ رُخْصَةً مِنْ جَانِبِ الشَّارِعِ بِصَرِيحِ الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِ الْيَدِ الْحَقُّ وَاللِّسَانُ» فَرُبَّمَا يَزِيدُ فِي تَشَدُّدِهِ بِحَيْثُ لَا يَدَعُ الرَّاهِنَ يَقْتَاتُ وَلَا يَتْرُكُهُ يَبَاتُ فَاَللَّهُ تَعَالَى رَحِمَهُ وَشَرَعَ الرَّهْنَ لِيُسَهِّلَ أَمْرَهُ وَيَنْفَسِحَ بِهِ صَدْرُهُ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يُؤَدِّي بِهِ دَيْنَهُ فِي فَسْخِهِ وَيَصُونَ بِهِ عِرْضَهُ فِي مُهْلَتِهِ

وَأَمَّا جَانِبُ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ دَيْنَهُ عَلَى عُرْضَةِ التَّوَى وَالتَّلَفِ لِمَا عَسَى أَنْ يُذْهِبَ الرَّاهِنُ مَالَهُ بِالتَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ، أَوْ يَقُومَ لَهُ غُرَمَاءُ يَسْتَوْفُونَ لَهُ، أَوْ يَجْحَدَ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةٌ، أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا بِغَيْرِ كَفَالَةٍ مُتَعَيَّنَةٍ فَنَظَرَ الشَّارِعُ لِلْمُرْتَهِنِ فَشَرَعَ الرَّهْنَ لِيَصِلَ إلَى دَيْنِهِ بِآكَدِ الْأُمُورِ وَأَوْثَقِ الْأَشْيَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِدَيْنِهِ كَانَ فَائِزًا بِمَا يُعَادِلُهُ مِنْ رَهْنِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (الرَّهْنُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ) الْإِيجَابُ رُكْنُ الرَّاهِنِ بِمُجَرَّدِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ بِدَيْنِكَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرُّكْنُ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لِمَا أَثْبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْيَدِ عَلَى الرَّهْنِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِإِزَاءِ ذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ تَبَرُّعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لَا يَصِيرُ لَازِمًا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ كَالْهِبَةِ فَكَانَ الرُّكْنُ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ، أَوْ تَصَدَّقَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَتَمْلِيكٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ الرُّكْنُ فِي الْبَيْعِ الْإِيجَابَ، وَالْقَبُولَ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِيجَابُ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِهِ يُوجَدُ، وَرُكْنُ الشَّيْءِ مَا يُوجَدُ بِهِ الشَّيْءُ، وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّةِ جَوَازِ الرَّهْنِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ» قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدٍ «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ شَعِيرٍ» . الرِّهَانُ جَمْعُ رَهْنٍ كَالْعِبَادِ، وَالْجِبَالِ، وَالْخِبَاثِ جَمْعِ عَبْدٍ وَجَبَلٍ وَخُبْثٍ، ثُمَّ إنَّ الْمَشَايِخَ اسْتَخْرَجُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْكَامًا فَقَالُوا: فِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الرَّهْنِ فِي كُلِّ مَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ، أَوْ لَا فَإِنَّ دِرْعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مُعَدًّا لِلْجِهَادِ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَنَا عَلَى جَوَازِ رَهْنِ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ أَنَّ مَا يَكُونُ مُعَدًّا لِلطَّاعَةِ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ حَبْسِهِ عَنْ الطَّاعَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَإِنَّ رَهْنَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي حَالِ إقَامَتِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ إنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّفَرِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي الْفَصْلَ بَيْنَ الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّرْطَ حَقِيقَةً بَلْ ذِكْرُ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ فَإِنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ يَمِيلُونَ إلَى الرَّهْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إمْكَانِ التَّوَثُّقِ بِالْكِتَابِ، أَوْ الشُّهُودِ وَالْغَالِبُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ، وَالْمُعَامَلَةُ الظَّاهِرَةُ - مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِالرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ - دَلِيلُ جَوَازِهِ بِكُلِّ حَالٍ. قَوْلُهُ: (وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) يَعْنِي قَبْضًا مُسْتَمِرًّا إلَى فِكَاكِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ كَنَفْيِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي انْعِقَادِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ فَكَذَا هُنَا الْقَبْضُ شَرْطُ اللُّزُومِ لَا شَرْطُ الْجَوَازِ فَإِنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا بِالتَّسْلِيمِ كَالْهِبَةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الْإِقْبَاضِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ فَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطَ اللُّزُومِ لَا شَرْطَ الْجَوَازِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، ثُمَّ يُكْتَفَى فِي الْقَبْضِ بِالتَّخْلِيَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ قَبْضَ الْمَبِيعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَتَّى إنَّ عِنْدَهُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ وَكِيلُهُ وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ، وَالْمُرْتَهِنَ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُون الرَّهْنُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ وَبَعْدَ التَّرَاضِي لَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَقْبِضَهُ لِيَحْبِسَهُ رَهْنًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ

الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مَحُوزًا مُفْرَغًا مُمَيَّزًا تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اتِّصَافَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِلَازِمٍ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاتَّصَفَ بِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ يَتِمُّ فِيهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا؛ إذْ لَوْ وَقَعَ بَاطِلًا لَقَالَ صَحَّ فَلَمَّا قَالَ تَمَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بِدُونِهَا نَاقِصًا، وَالْبَاطِلُ فَائِتُ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ، وَالْفَاسِدُ مَوْجُودُ الْأَصْلِ فَائِتُ الْوَصْفِ وَقَوْلُهُ " مُحْرَزًا " احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ الثَّمَرَةِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ - بِدُونِ النَّخْلِ - وَالزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ " مُفَرَّغًا " احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ النَّخْلِ بِدُونِ الثَّمَرَةِ وَرَهْنِ الْأَرْضِ بِدُونِ الزَّرْعِ، وَقَوْلُهُ: مُمَيَّزًا احْتِرَازًا عَنْ رَهْنِ الْمُشَاعِ بِأَنْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ، أَوْ ثُلُثَهُ، قَوْلُهُ (وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ) لِأَنَّ اللُّزُومَ إنَّمَا هُوَ بِالْقَبْضِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْوَثِيقَةُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ حُكْمًا وَالِاسْتِيفَاءُ حَقِيقَةً لَا يَكُونُ بِدُونِ الْقَبْضِ فَكَذَا الِاسْتِيفَاءُ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَقَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَمَانَةٌ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ) . قَوْلُهُ: مَضْمُونٍ وَقَعَ تَأْكِيدًا، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الدُّيُونِ مَضْمُونَةٌ وَقِيلَ احْتَرَزَ عَنْ ضَمَانِ الدَّرَكِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَأَخَذَ مِنْ الْقَائِلِ رَهْنًا بِذَلِكَ قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ لَمْ يَجُزْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الرَّهْنُ بِالدَّرَكِ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّرَكِ جَائِزَةٌ كَمَا إذَا كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالْحَظْرِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ بِذَلِكَ تَعَامُلًا وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ فِي الرَّهْنِ إيفَاءً، وَفِي الِارْتِهَانِ اسْتِيفَاءً فَيَحْصُلُ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَالْبَيْعِ أَمَّا الْكَفَالَةُ لِالْتِزَامِ الْمُطَالَبَةِ وَالْتِزَامِ الْأَفْعَالِ تَصِحُّ مُضَافًا إلَى الْمَالِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ أَخَذَ رَهْنًا بِالدَّرَكِ وَقَبَضَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ رَهَنْتُك هَذَا الشَّيْءَ لِتُقْرِضَنِي كَذَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَرْضِ بِمُقَابَلَتِهِ لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الْبَيْعِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: رَجُلٌ بَاعَ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَخَافَ الْمُشْتَرِي الِاسْتِحْقَاقَ فَأَخَذَ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ إنْ أَدْرَكَهُ فِيهِ دَرَكٌ كَانَ بَاطِلًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَ الرَّهْنِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَمْ لَا، وَإِنْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ وَلَيْسَ هُنَاكَ دَيْنٌ وَاجِبٌ وَلَا عَلَى شَرَفِ الْوُجُوبِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَ الرَّهْنَ لِيُقْرِضَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبَضَ الرَّهْنَ مِنْهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمُ الْعَشَرَةِ إلَى الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ حَصَلَ بَعْدَ الْقَرْضِ حُكْمًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمَوْعُودَ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ فِي اعْتِبَارِ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الشِّرَاءِ فَيُجْعَلُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ كَذَلِكَ هُنَا وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، أَوْ بِالْإِبْرَاءِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا فَإِنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِتَعْجِيزِهِ لِنَفْسِهِ شَاءَ الْمَوْلَى، أَوْ أَبَى لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَأَكِّدٍ. وَفِي النِّهَايَةِ إذَا أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ رَهْنًا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْكَفِيلِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ. وَقَدْ أُخِذَ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَالْمَغْصُوبِ وَلَا دَيْنَ فِيهَا وَيُجَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ قِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَعَلَى هَذَا هِيَ دُيُونٌ وَلِأَنَّ مُوجَبَ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إنْ أَمْكَنَ، أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ دَيْنٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَدُّ الْعَيْنِ أَصْلٌ، وَالْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ، وَالْعَيْنِ، وَفِي شَرْحِهِ مَا كَانَ مِنْ الْأَعْيَانِ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ جَازَ الرَّهْنُ

بِهِ وَمَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الرَّهْنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَالْمَضْمُونُ بِنَفْسِهِ مَا يَجِبُ بِهَلَاكِهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، وَأَمَّا مَا كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ضَمَانًا صَحِيحًا أَلَا تَرَى أَنَّ بِهَلَاكِهِ لَا يَجِبُ مِثْلُهُ وَلَا قِيمَتُهُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ فَيَصِيرُ كَمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فَإِنْ أَعْطَى رَهْنًا بِالْمَبِيعِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَعْطَى الْمُؤَجِّرُ رَهْنًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ. وَقَالَ زُفَرُ: الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ يَوْمَ رُهِنَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخَمْسِمِائَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّهْنُ أَمَانَةٌ لَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ يَسْقُطُ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ سَوَاءٌ قَلَّتْ قِيمَتُهُ، أَوْ كَثُرَتْ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَالدَّيْنُ أَلْفًا سَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عِنْدَنَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إذَا هَلَكَ بِغَيْرِ فِعْلِ الرَّاهِنِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ كُلَّهَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الرَّاهِنُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا كَانَ الرَّهْنُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ إلَيْهِ: أَنَا آخُذُهُ رَهْنًا فَإِنْ ضَاعَ عِنْدِي ضَاعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِنُ: نَعَمْ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ ضَاعَ بِالْمَالِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقِيمَته وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ حُكْمًا) حَتَّى لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا إذَا رَهَنَ بِدَيْنٍ أَمَّا إذَا رَهَنَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ، أَوْ الْخُلْعِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ، أَوْ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْعَيْنِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ غُرْمُ الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ الْعَيْنِ الَّتِي رَهَنَ بِهَا وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ وَلَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ قَبْلَ الرَّدِّ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بِضَمَانِ الْعَيْنِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الضَّمَانِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلضَّمَانِ إذَا كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ: يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ يُوجِبُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ فَكَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ ثُمَّ اسْتَوْفَاهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْهِبَةَ، وَالْبَرَاءَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَا ضَمَانًا عَلَى الْوَاهِبِ، وَالْمُبْرِئِ لِأَجْلِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ وَقَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَمْ يَضْمَنْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ) سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، أَوْ لَا وَسَوَاءٌ رَهَنَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُهَايَأَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ رَهْنُ الْمُشَاعِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ الدَّائِمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَقْبُوضًا بِالنَّصِّ فَلَوْ جَازَ فِي الْمُشَاعِ يَفُوتُ الدَّوَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُهَايَأَةِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا قَالَ: رَهَنْتُك يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَكَذَا مَا كَانَ فِي عِلَّةِ الْمُشَاعِ مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ كَرَهْنِ النَّخْلِ دُونَ الثَّمَرَةِ، وَالْأَرْضِ دُونَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ، ثُمَّ إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ عَلَى الْفَسَادِ فَهَلَكَ قَالَ الْكَرْخِيُّ يَهْلِكُ أَمَانَةً وَلَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَالٍ هُوَ مَحَلٌّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ إذَا رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلرَّهْنِ الصَّحِيحِ إذَا رُهِنَ رَهْنًا فَاسِدًا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِشَاعَةِ الطَّارِئِيَّةِ، وَالْأَصْلِيَّةِ فِي مَنْعِ صِحَّةِ الرَّهْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ

يَرْهَنَ جَمِيعَ الْعَيْنِ، ثُمَّ تَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ، أَوْ يَبِيعَ الرَّاهِنُ، أَوْ وَكِيلُهُ نِصْفَ الرَّهْنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ يُسْتَحَقَّ نِصْفُهُ فَيَبْطُلَ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّارِئَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَيَبْقَى النِّكَاحُ فِي حَقِّهَا بِأَنْ وُطِئَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ لِذَلِكَ الْوَطْءِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَكَالشُّيُوعِ الطَّارِئِ فِي الْهِبَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا بَقَاءً وَيَمْنَعُ صِحَّتَهَا ابْتِدَاءً وَلَنَا أَنَّ الْإِشَاعَةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ الرَّهْنِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الطَّارِئَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ يَقْبَلُ حُكْمَهَا وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ فِيهَا الْمِلْكُ وَالْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَالْمِلْكُ يَقْبَلُ الشُّيُوعَ وَلِهَذَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضِ الرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا رَهْنُ ثَمَرَةٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ دُونَ النَّخْلِ وَلَا زَرْعٍ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ دُونَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الشَّائِعِ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَلَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُجَاوَرَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ الثَّمَرُ فِي رَهْنِ النَّخْلِ كَانَ فِي مَعْنَى رَهْنِ الْمُشَاعِ مِنْ أَنَّ دُخُولَ الثَّمَرِ فِي الرَّهْنِ لَا يَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ فِيهِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الثَّمَرُ هُنَاكَ فِي بَيْعِ النَّخْلِ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي النَّخْلِ بِدُونِ الثِّمَارِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ وَالْمُقَارِنَ غَيْرُ مَانِعٍ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ أَرْضًا، وَفِيهَا زَرْعٌ، أَوْ نَخْلٌ، أَوْ شَجَرٌ وَعَلَى الْأَشْجَارِ ثَمَرٌ. وَقَالَ رَهَنْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ صَحِيحٌ وَيَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ وَالْكَرْمُ وَالرَّطْبَةُ وَالتَّمْرُ وَكُلُّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا الصِّحَّةَ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِدُخُولِ الْمُتَّصِلِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ بِدُونِهِ، ثُمَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الثِّمَارِ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ بَاعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ ضَمِنَ وَلَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ النَّخْلِ، أَوْ الشَّجَرِ، أَوْ النَّخْلَ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الثَّمَرِ، أَوْ الثَّمَرَ دُونَ الشَّجَرِ، أَوْ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَلَوْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ دُونَ الْمَتَاعِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُرْتَهِنِ مَعَ الْمَتَاعِ، أَوْ بِدُونِ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا رَهَنَهُ الْحَانُوتَ، وَفِيهِ الْمَتَاعُ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ، أَوْ رَهَنَهُ الْجَوَالِقَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ. وَإِنْ وَهَبَهُ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ دُونَ الدَّارِ، أَوْ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الْجَوَالِقِ دُونَ الْجَوَالِقِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ صَحَّ الرَّهْنُ وَالتَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ، وَالْوِعَاءِ وَيُمْنَعُ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ بِالْحِمْلِ عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ التَّسْلِيمُ حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ غَيْرُ مَشْغُولَةٍ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا، ثُمَّ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ لِلنَّخْلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّاهِنِ، أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَهَنَ دَارًا وَهُمَا فِي جَوْفِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ سَلَّمْتهَا إلَيْك لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ حَتَّى يَقُولَ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ سَلَّمْتهَا إلَيْكَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ فِيهَا فَلَيْسَ بِمُسَلِّمٍ فَإِذَا خَرَجَ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ، وَالْمُضَارَبَاتِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ) فَإِنْ رَهَنَ بِهَا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالرَّهْنِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَإِنْ أَخَذَ بِهَا رَهْنًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ هَلَكَ أَمَانَةً وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ ضُمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ رَهْنٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِأَنْفُسِهَا، وَرَهْنٍ فَاسِدٍ كَالرَّهْنِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَرَهْنٍ بَاطِلٍ كَالرَّهْنِ بِالْأَمَانَاتِ، وَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا وَبِالدَّرَكِ فَالصَّحِيحُ، وَالْفَاسِدُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الضَّمَانُ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ، وَالْبَاطِلُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَالْبَيْعِ

بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُغَنِّيَةً، أَوْ نَائِحَةً وَأَعْطَاهَا بِالْأَجْرِ رَهْنًا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ ضَاعَ فِي يَدِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِيهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ، وَالْأَجْرَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَالرَّهْنُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مَضْمُونٌ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَأَعْطَاهَا رَهْنًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا جَازَ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَبْقَى رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالْمُتْعَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ) فَإِنْ رَهَنَ بِرَأْسِ مَالٍ السَّلَمِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ وَالسَّلَمُ جَائِزٌ بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَانَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ بِالْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ السَّلَمُ وَعَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الرَّدِّ هَلَكَ بِرَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بَعْدَ بُطْلَانِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَنْقَلِبُ السَّلَمُ جَائِزًا، وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنًا، ثُمَّ هَلَكَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهَا وَرَجَعَ بِالْبَاقِي وَلَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ يَهْلِكُ بِالطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ جَازَ) لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْمُرْتَهِنِ فَمَلَكَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ رِضَا الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقَّ الْمِلْكِ فَلَا يَقْبِضُ إلَّا بِرِضَاهُ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْعَدْلُ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدٌ لِلْمُرْتَهِنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَكُون مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ وَالتَّسْلِيطُ عَلَى وَجْهَيْنِ تَسْلِيطٌ مَشْرُوطٌ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَتَسْلِيطٌ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِهِ فَلَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْضًا بِمَوْتِ الرَّاهِنِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ كَمَا يَبِيعُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْعَدْلُ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا يَمُوتُ أَحَدُهُمَا، وَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ انْتَقَضَتْ الْوَكَالَةُ وَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَصِيَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ مِنْ بَيْعِهِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ الْعَدْلُ بَطَلَ التَّسْلِيطُ وَلَيْسَ لِوَصِيِّهِ وَلَا لِوَارِثِهِ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيطُ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فَلِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَلِلْعَدْلِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَكَالَاتِ، وَإِنْ كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ، وَإِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ بَاعَهُ بِجِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَمَنَهُ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ أَيْضًا بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَيُوَفِّي الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَبِيعُهُ بِالنَّقْدِ هـ، أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَلَوْ قَبَضَ الْعَدْلُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الرَّهْنِ فَكَانَ هَلَاكُهُ كَهَلَاكِ الرَّهْنِ، وَإِذَا أَقَرَّ الْعَدْلُ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَرَاءَةِ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي تَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الرَّهْنَ فِي يَدِهِ فَيَسْقُطُ بِهِ الدَّيْنُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا) مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّنَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَعِنْدَ الْهَلَاكِ يُعْتَبَرُ الْوَزْنُ دُونَ الْجَوْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِقَدْرِ وَزْنِهِ لِأَنَّ عِنْدَهُ حَالَةُ الْهَلَاكِ حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَا حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ، وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجَوْدَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: حَالَةُ الْهَلَاكِ أَيْضًا حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالرَّاهِنِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا كَانَ ضَرَرٌ لَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِيفَاءُ هَذَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ أَمَّا فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هِيَ حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ لَا حَالَةُ التَّضْمِينِ بِالدَّيْنِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتْرُكَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا يُمْكِنَ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ الْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّهُ رِبًا فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى ضَمَانِ الْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَكَذَا حَالَةُ الِانْكِسَارِ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ حَالَةَ الْهَلَاكِ فَكَذَا حَالَةُ الِانْكِسَارِ. بَيَانُهُ رَهَنَ قُلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَته عَشَرَةٌ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَمِثْلُ وَزْنِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَوَزْنُهُ مِثْلُ دَيْنِهِ وَعِنْدَهُمَا الِاسْتِيفَاءُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ مِثْلُ الدَّيْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَصَارَ تِبْرًا يُسَاوِي ثَمَانِيَةً فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا فَيَكُونُ رَهْنًا مَقَامَهُ فَيَكُونُ الْمَكْسُورُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِمَا ضَمِنَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا وَيَكُونُ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَهُمَا يَقُولَانِ: الْقُلْبُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَإِذَا انْكَسَرَ ضَمِنَ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْقَلْبِ الْمَغْصُوبِ إذَا انْكَسَرَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً وَوَزْنُهُ عَشَرَةً وَهُوَ رَهْنٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِيفَاءُ بِالْوَزْنِ، وَفِيهِ وَفَاءٌ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِالْوَزْنِ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ وَلَا يُمْكِنُ أَيْضًا اعْتِبَارُ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقِيمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ. وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ذَهَبًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَضْمُونٌ، وَالِانْكِسَارُ يَنْقُصُهُ وَلَا يُسْتَدْرَكُ حَقُّ الرَّاهِنِ إلَّا بِالتَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ وَلَا يُمْكِنُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُنَا أَنْ نَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ بِوَزْنِهِ تَضَرَّرَ الْمُرْتَهِنُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَجْعَلَهُ بِقِيمَتِهِ لِمَا فِيهِ الرِّبَا بِخِلَافِ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ ثَمَانِيَةً وَقِيمَتُهُ سِتَّةً وَهُوَ رُهِنَ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ هَلَكَ فَبِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ذَهَبًا وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ يَنْقُصُهُ وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْبِرَهُ فِي التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ أَدْوَنَ مِنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً وَوَزْنُهُ كَذَلِكَ فَهَلَكَ هَلَكَ بِوَزْنِهِ إجْمَاعًا، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَانِيَةٍ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهَا وَزْنًا وَجَوْدَةً، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ تِسْعَةً أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ هَلَكَ بِثَمَانِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِحَقِّ الرَّاهِنِ حَتَّى لَا يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَضْمُونٌ إلَّا أَنْ يَرْضَى الرَّاهِنُ أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ بِثَمَانِيَةٍ فَيَجُوزَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَوَزْنُهُ عَشَرَةً وَهُوَ رُهِنَ بِعَشَرَةٍ فَإِنْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالدَّيْنِ كُلِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْجَوْدَةُ الزَّائِدَةُ أَمَانَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُ. وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهَا هُنَا؛ لِأَنَّهَا فَاضِلَةٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ أَمَانَةٌ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْجَوْدَةَ مَضْمُونَةٌ كَالْوَزْنِ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِ يَهْلِكُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ بِالدَّيْنِ وَسُدُسُهُ عَلَى الْأَمَانَةِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ، وَإِنْ انْكَسَرَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَانْتَقَصَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ

شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمُنْكَسِرِ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَيَكُونُ مَا ضَمِنَ مَعَ سُدُسِ الْمُنْكَسِرِ رَهْنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَشِيعُ الْأَمَانَةُ وَالضَّمَانُ، وَالْمَضْمُونُ مِنْ وَزْنِ الْقُلْبِ قَدْرُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ يَبْلُغُ قِيمَةَ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ إذَا كَانَ عَشَرَةً، وَالْقِيمَةُ اثْنَيْ عَشَرَ كَانَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي هِيَ الدَّيْنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ سُدُسٍ اثْنَانِ فَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْقُلْبِ عَشَرَةً مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الْوَزْنِ وَهُوَ عَشَرَةٌ سُدُسُهُ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ عَشَرَةٍ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ وَيُمَيَّزُ السُّدُسُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا مُيِّزَ كَيْ لَا يَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي سُوِّيَ فِيهَا بَيْنَ الْإِشَاعَةِ الطَّارِئِيَّةِ، وَالْأَصْلِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الطَّارِئِيَّةَ لَا تُبْطِلُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْأَمَانَةُ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ دِرْهَمَيْنِ، أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ يُصْرَفُ إلَى الْجَوْدَةِ، وَالْأَمَانَةِ، وَإِنْ زَادَ النُّقْصَانُ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ عِنْدَهُ. . قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِثْلَ دَيْنِهِ فَأَنْفَقَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا فَلَا شَيْءَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي عَلِمَ بَعْدُ أَمَّا لَوْ عَلِمَ حَالَةَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَرُدَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إذَا عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهَا فَطَالَبَهُ بِالْجِيَادِ وَأَخَذَهَا فَإِنَّ الْجِيَادَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَرُدَّ الزُّيُوفَ وَيُجَدِّدْ الْقَبْضَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لَهُ يَعْنِي إذَا كَانَ مَا قَبَضَهُ مِثْلَ وَزْنِهِ وَمُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْجِيَادَ مِنْ الزُّيُوفِ فَيَكُونُ كَالرَّهْنِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ) ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمٌ فَأَعْطَاهُ دِرْهَمَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِرْهَمٌ جَازَ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ لَهُ دِينَارٌ فَأَعْطَاهُ دِينَارَيْنِ صَغِيرَيْنِ وَزْنُهُمَا دِينَارٌ فَأَبَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَهْن عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَضَى حِصَّةَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَاقِيَ الدَّيْنِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مُبَالَغَةً فِي حَمْلِهِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: رَهَنْتُهُمَا بِأَلْفٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ. وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ. . قَوْلُهُ: (فَإِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ، أَوْ الْعَدْلَ، أَوْ غَيْرَهُمَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلُ بَيْعِ مَالِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَ الْوَكَالَةَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ عَزْلُهُ عَنْهَا فَإِنْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ) لِأَنَّهُ لَمَّا شُرِطَتْ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِزِيَادَةِ الْوَثِيقَةِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي عَزْلِهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ يَطْلُبُ الْمُدَّعَى وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا حَتَّى مَلَكَ الْبَيْعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يُعْمَلْ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ، وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ لَمْ يَنْعَزِلْ) لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ

يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ بِمَا يَبْطُلُ بِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ. قَوْلُهُ: " (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ وَيَحْبِسَهُ بِهِ) لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ حَقُّهُ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ، وَإِنْ طَالَبَهُ بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ فِيهِ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مِمَّا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ أُمِرَ بِإِحْضَارِهِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْلٌ، وَالْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ، وَإِنْ قَضَاهُ الْبَعْضَ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَضَاهُ الدَّيْنَ قِيلَ لَهُ سَلِّمْ الرَّهْنَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ بِإِيفَاءِ مُتَطَوِّعٍ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ إلَى مَنْ اسْتَوْفَى مِنْهُ وَهُوَ الرَّاهِنُ، أَوْ الْمُتَطَوِّعُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجِبُ رَدُّهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مِنْ الدَّيْنِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ: يَهْلِكُ مَضْمُونًا وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرَّهْنِ لَا بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَكَذَا إذَا كَانَ مُصْحَفًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ دُونَ الِانْتِفَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَيُعِيرَ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي. قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ) لِأَنَّ الرَّاهِنَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ لَازِمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْقُوفًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ كَمَنْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ جَازَ) لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَضَاهُ الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ وَتَصَرُّفُهُ صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ، وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَا الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا هَذَا. وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ وَفَسَخَهُ انْفَسَخَ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ لَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمَالِكِ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ فَإِنْ فَسَخَهُ لَا يَنْفَسِخُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ حَتَّى يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ؛ إذْ الْعَجْزُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِذَا افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يَفْسَخَ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَوِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَازَ الثَّانِي وَإِنْ بَاعَ الرَّاهِنُ، ثُمَّ آجَرَ، أَوْ رَهَنَ، أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ حَظٌّ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ أَمَّا هَذِهِ الْعُقُودُ فَالْهِبَةُ لَا بَدَلَ لَهَا وَكَذَا الرَّهْنُ أَيْضًا لَا بَدَلَ لَهُ وَاَلَّذِي فِي الْإِجَازَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلُ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ. ثُمَّ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ لَا يَعُودُ الرَّهْنُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ عَادَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ حَقِّهِ فَلَمْ يَزُلْ حُكْمُ الرَّهْنِ وَهُنَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالرَّهْنِ وَقَدْ تَحَقَّقَ زَوَالُ مِلْكِ الرَّاهِنِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ زَالَ حَقُّهُ مِنْ الرَّهْنِ فَإِذَا فَسَخَ لَا يَعُودُ، وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ فَسَخَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ

أَعْتَقَ الرَّاهِنُ عَبْدَ الرَّهْنِ نَفَذَ عِتْقُهُ) وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُعْتَقُ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ فِي تَنْفِيذِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُوسِرًا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عِنْدَهُ أَيْضًا وَيُسَلِّمُ قِيمَتَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَنَا أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَلْغُو تَصَرُّفُهُ كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ فَلَا يَمْنَعُ نَفَاذَ الْعِتْقِ كَالنِّكَاحِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ، أَوْ أَمَتَهُ، أَوْ كَاتَبَهُمَا، أَوْ آجَرَهُمَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ عِتْقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْتَأْجَرَ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يُعْتَقُ وَتَبْقَى الْإِجَارَةُ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَقْبَلُهَا أَمَّا الرَّهْنُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْحُرُّ فَلَا يَبْقَى، ثُمَّ إذَا زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ الرَّقَبَةِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ فَلَمَّا لَمْ يُمْنَعْ الْأَعْلَى لَا يُمْنَعُ الْأَدْنَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ فِي الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا طُولِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ) لِأَنَّ عَلَيْهِ إقَامَةَ غَيْرِ الرَّهْنِ مَقَامَهُ وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ ذَلِكَ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَطُولِبَ بِالدَّيْنِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ) لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الْوَثِيقَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَرَدَّ الْفَضْلَ (. قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي) الْأَقَلِّ مِنْ (قِيمَتِهِ) وَمِنْ الدَّيْنِ (فَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ) هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ بِإِذْنِهِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ سُلِّمَتْ لَهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الضَّمَانِ مِنْ الرَّهْنِ لَزِمَ الْعَبْدَ مَا سُلِّمَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى أَنْ يُسَلِّمَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ رَقَبَتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الرَّهْنِ، وَإِلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعِتْقِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا أَيْسَرَ بِمَا سَعَى وَلَيْسَ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ رُجُوعٌ عَلَى سَيِّدِهِ بِمَا يَسْعَى إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِذْ سَعَى فَحُكْمُهُ فِي سِعَايَتِهِ حُكْمُ الْحُرِّ. وَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا حَالَ الْعِتْقِ أَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا حَالَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَدَاءِ الدَّيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلسِّعَايَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعِتْقِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ وَقْتَ الرَّهْنِ مِائَةٌ، ثُمَّ ازْدَادَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ سَعَى فِي مِائَةٍ قَدْرِ قِيمَتِهِ وَقْتَ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَته وَقْتَ الرَّهْنِ مِائَةً ثُمَّ انْتَقَصَتْ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَتْ خَمْسِينَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَعَى فِي خَمْسِينَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُبِسَ فِي مَالِيَّتِهِ بِالْعَتَاقِ هَذَا الْقَدْرَ فَلَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ مِمَّا حُبِسَ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ خَمْسِينَ وَقِيمَة الْعَبْدِ مِائَةً فِي الْحَالَيْنِ سَعَى فِي الدَّيْنِ خَاصَّةً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّاهِنُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَلَكِنْ دَبَّرَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَخَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ كَمَا يَخْرُجُ بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ حَبْسُهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ، ثُمَّ إذَا صَحَّ التَّدْبِيرُ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِدَيْنِهِ - إنْ شَاءَ - الْعَبْدَ. وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنَ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا، أَوْ مُعْسِرًا وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِخِلَافِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِمَوْلَاهُ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَوْلَى بِجَمِيعِ دَيْنِهِ فَكَذَا الْمُدَبَّرُ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُطَّلَبٌ بِالدَّيْنِ وَأَكْسَابُ الْمُدَبَّرِ مِنْ أَمْوَالِهِ فَلَا تَخْتَصُّ الْمُطَالَبَةُ بِبَعْضِ أَمْوَالِهِ دُونَ بَعْضٍ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ حَالُ الْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ وَلَا يَرْجِعُ الْمُدَبَّرُ بِمَا سَعَى عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهُ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِنَفْسِهِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ، وَالْعِتْقِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي الْعِتْقِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا تَجِبُ السِّعَايَةُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي التَّدْبِيرِ تَجِبُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَالثَّانِي أَنَّ فِي الْعِتْقِ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا سَعَى عَلَى الرَّاهِنِ، وَفِي التَّدْبِيرِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِعَايَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَرْجِعُ، وَفِي الْإِعْتَاقِ خَرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ سِعَايَتُهُ لِلرَّاهِنِ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ أَمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ صَحَّ

الِاسْتِيلَادُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَتَسْعَى فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ كَالْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهَا لِمَوْلَاهَا وَلَا تَرْجِعُ بِمَا سَعَتْ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ كَسْبَهَا مَالٌ لِلْمَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَهْلَكَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ) ضَمِنَهُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فَيَكُونَ رَهْنًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ أَجْنَبِيٌّ فَالْمُرْتَهِنُ هُوَ الْخَصْمُ فِي تَضْمِينِهِ وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ فَتَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ) وَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْمُسْتَهْلِكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الزَّائِدَةِ كَأَنَّهَا هَلَكَتْ بِآفَةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ يَوْمُ الْقَبْضِ لَا يَوْمُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَإِذَا ضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ الْقِيمَةَ وَكَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا كَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَكَانَ الضَّمَانُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اُقْتُضِيَ مِنْهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ طَالَبَ بِدَيْنِهِ، أَوْ يَبِيعُ الْقِيمَةَ. (قَوْلُهُ: وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ مُزِيلٌ لِيَدِ الْمُرْتَهِنِ عَمَّا جَنَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ تَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا) يَعْنِي إذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى صِفَةِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَاضِي وَلِأَنَّهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ غَاصِبٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَإِذَا ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ كَانَ لَهُ الْمُقَاصَّةُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ. قَوْلُهُ: (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنِ وَعَلَى أَمْوَالِهِمَا هَدَرٌ) أَمَّا عَلَى الرَّاهِنِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ إذَا كَانَتْ تُوجِبُ الْمَالَ فَهَدَرٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْقَوَدَ أُخِذَ بِهَا الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ مَوْلَاهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي نَفْسِهِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ هَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّا لَوْ أَثْبَتْنَاهَا احْتَجْنَا إلَى إسْقَاطِهَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَعِنْدَهُمَا تَثْبُتُ الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَمْ لَا فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَبْطَلَ الرَّهْنَ وَدَفَعَ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ قَالَ: لَا أَبْغِي الْجِنَايَةَ وَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ يَثْبُتُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَيَصِيرُ كَعَبْدِ الْوَدِيعَةِ إذَا جَنَى عَلَى الْمُودَعِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْأَمَانَةِ فِي يَدِهِ عَلَى طَرِيقِ الرَّهْنِ وَأَمَّا إذَا جَنَى فِي مَالٍ الْمُرْتَهِنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَهِيَ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ لَحِقَهُ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ شَيْءٍ يَعُودُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ تَثْبُتُ فِي مِقْدَارِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا أَفْسَدَ الرَّاهِنُ مَتَاعًا لِلْمُرْتَهِنِ قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَقِيمَة الرَّهْنِ أَلْفَانِ وَهُوَ رُهِنَ بِأَلْفٍ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَةِ الْمَتَاعِ فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ قَضَى عَنْهُ نِصْفَ ذَلِكَ وَكَانَ نِصْفُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَرِهَ بَيْعَ الْعَبْدِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ فِكَاكِ الرَّهْنِ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ نِصْفَهُ وَالرَّاهِنُ نِصْفَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى قَضَاءَ قِيمَةِ الْمَتَاعِ قِيلَ لَهُ: اقْضِ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْأَمَانَةِ تَامَّةٌ وَحِصَّةَ الْمَضْمُونِ نَاقِصَةٌ فَإِنْ قَضَى الْمَوْلَى النِّصْفَ زَالَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ وَبَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِحَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقَوَدَ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ دَيْنُهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَلِفَ بِسَبَبٍ فِي يَدِهِ. قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي ضَمَانِهِ فَإِنْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِ الرَّهْنِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ إذَا شَرَطَ الْمُودِعُ لِلْمُودَعِ أَجْرًا عَلَى حِفْظِهَا فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ فِي الْكَرْخِيِّ: الْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسُ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ: (وَأُجْرَةُ الرَّاعِي عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِزِيَادَةِ الْحَيَوَانِ وَنَمَائِهِ فَصَارَ كَنَفَقَتِهِ، وَأَمَّا أُجْرَةُ الْمَأْوَى، وَالْمَرِيضِ وَأُجْرَةُ الْحَارِسِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ.

قَوْلُهُ (وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ) بِخِلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْبَائِعِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا بِرَغِيفٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَكَلَ الْعَبْدُ الرَّغِيفَ صَارَ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا لِلثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ دَابَّةً بِقَفِيزِ شَعِيرٍ فَأَكَلَتْ الدَّابَّةُ الشَّعِيرَ لَمْ يَصِرْ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا، وَنَفَقَةَ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» يَعْنِي لِلرَّاهِنِ غُنْمُهُ: مَنَافِعُهُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ: نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَالْمُؤَجِّرِ وَكَذَا إذَا مَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ حَيَوَانًا فَعَلَفُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ فَأُجْرَةُ الظِّئْرِ عَلَى الرَّاهِنِ وَكَذَا سَقْيُ الشَّجَرِ وَتَلْقِيحُ النَّخْلِ وَجَذَاذُهُ وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ أَمْ لَا فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فَإِنْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِتَصْدِيقِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً فَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ، وَإِنْ أَصَابَ الرَّقِيقَ جِرَاحَةٌ، أَوْ مَرَضٌ، أَوْ دُبِرَتْ الدَّابَّةُ فَإِصْلَاحُ ذَلِكَ وَدَوَاؤُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ فَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِالْحِسَابِ. قَوْلُهُ (وَنَمَاؤُهُ لِلرَّاهِنِ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ) يَعْنِي إنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عِنْدَ الرَّاهِنِ وَالنَّمَاءُ مِثْلُ اللَّبَنِ، وَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ وَثِمَارِ الشَّجَرِ وَالنَّخِيلِ فَأَمَّا غَلَّةُ الدَّارِ وَأُجْرَةُ الْعَبْدِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الرَّهْنِ فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِهِ كَمَا لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ كَسْبًا، أَوْ وُهِبَ لَهُ هِبَةٌ فَإِنْ آجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لِلْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ لَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ هَلَكَ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) يَعْنِي النَّمَاءَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ هَلَكَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ النَّمَاءُ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِحِصَّتِهِ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ) ، وَإِنَّمَا قُسِمَ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ النَّمَاءِ يَوْمَ الِانْفِكَاكِ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ قَبْلَ الْفِكَاكِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَبِالْفِكَاكِ يُضْمَنُ فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ هَلَاكِ الْأُمِّ حَتَّى مَاتَ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَصَارَ الْوَلَدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ قَبْلَ الْفِكَاكِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً تُسَاوِي عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ هَلَكَتْ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمَ رُهِنَتْ وَعَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ عَشَرَةً هَلَكَتْ الشَّاةُ بِحِصَّتِهَا وَهُوَ نِصْفُ الدَّيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَإِنْ ازْدَادَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ هَلَاكِ الْأُمِّ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي عِشْرِينَ بَطَلَتْ تِلْكَ الْقِسْمَةُ وَتَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ كَانَتْ ثَلَاثَةً وَثُلُثًا وَلَوْ صَارَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ ثَلَاثِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ الرُّبُعُ وَلَوْ انْتَقَصَتْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ خَمْسَةً تَبَيَّنَ أَنَّ حِصَّةَ الْأُمِّ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَهِيَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ رَهَنَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا، ثُمَّ مَاتَتْ وَبَقِيَ الْوَلَدُ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ افْتِكَاكَهُ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِائَةً، وَقِيمَةُ الْأُمِّ خَمْسِينَ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ عِشْرِينَ فَإِنَّك تَقْسِمُ الدَّيْنَ عَلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ الْأُمَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْبَاعِهِ أَيْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْمِائَةِ وَهُوَ أَحَدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ - وَهُوَ سُبُعَانِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ - افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَقِيمَة الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ خَمْسَةً وَقِيمَة الْأَصْلِ عَشَرَةً فَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ الزِّيَادَةَ بِثُلُثِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْفِكَاكِ عِشْرِينَ وَقِيمَة الْأَصْلِ عَشَرَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً فَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ الزِّيَادَةَ بِثُلُثَيْ الْعَشَرَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ وَلَوْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ مِنْ قِيمَتِهَا عَشَرَةٌ، وَالْوَلَدُ يُسَاوِي عَشَرَةً لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ) وَهَذَا عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَجُوزُ فَإِذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ يُقْسَمُ

الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قَبْضِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا - وَالدَّيْنُ أَلْفٌ - يُقْسَمُ الدَّيْنُ أَثْلَاثًا يَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ ثُلُثُ الدَّيْنِ، وَفِي الْأَصْلِ ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا سُدُسُ الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ نُقْصَانُ قِيمَةِ الْأَوَّلِ فِي السِّعْرِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَبْضِ فَالْمُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ نَقَصَ الْأَصْلُ فِي يَدِهِ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ فَإِنْ زَادَهُ الرَّاهِنُ بَعْدَ نُقْصَانِ الْأَصْلِ رَهْنًا آخَرَ قَسَمْتَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى قِيمَةِ الْبَاقِي مِنْهُ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ قُبِضَتْ وَكَانَ الدَّيْنُ فِيهِمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ كَرَجُلٍ رَهَنَ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ اعْوَرَّتْ فَزَادَهُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْ ذَهَبَ بِاعْوِرَارِهَا نِصْفُ الدَّيْنِ وَبَقِيَ فِيهَا خَمْسُمِائَةٍ مَقْسُومَةٌ عَلَى قِيمَتِهَا عَوْرَاءَ وَعَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ فِي الْعَبْدِ ثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ إنْ هَلَكَ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْعَوْرَاءُ ذَهَبَ بِهَلَاكِهَا ثُلُثُ خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ ذَهَبَ بِالْعَوَرِ خَمْسُمِائَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ فِي الدَّيْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ فِيهِمَا وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ جَائِزٌ فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ وَزُفَرُ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَقَالَ: لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا فَقَالَا زِيَادَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ جَائِزَةٌ وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرَّهْنِ تُؤَدِّي إلَى شُيُوعِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَهَنَ بِنِصْفِ الدَّيْنِ رَهْنًا جَازَ وَشُيُوعُ الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ فَافْتَرَقَا وَصُورَةُ الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ إذَا رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَلْفًا أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُون الْعَبْدُ رَهْنًا بِهِمَا جَمِيعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ خَاصَّةً وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِالْأَلْفِ الْأَوَّلِ وَلَا يَهْلِكُ بِأَلْفَيْنِ وَكَذَا إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِمِائَةٍ وَقِيمَته مِائَتَانِ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مِائَةً أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُون الْعَبْدُ رَهْنًا بِالدَّيْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ وَالْفَضْلُ مِنْ الْعَبْدِ أَمَانَةٌ وَيَبْقَى الدَّيْنُ الثَّانِي بِلَا رَهْنٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهِمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ جَائِزَةٌ وَيَسْقُطُ بِمَوْتِهِ الدَّيْنَانِ جَمِيعًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا رَهَنَ عَيْنًا وَاحِدَةً عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جَازَ وَجَمِيعُهَا رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْهِبَةِ الْمِلْكُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ مِلْكًا لِهَذَا وَمِلْكًا لِهَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكًا لِلنِّصْفِ فَيَحْصُلَ قَبْضُهُ فِي مُشَاعٍ فَلَا تَصِحَّ الْهِبَةُ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْوَثِيقَةُ لَا الْمِلْكُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ جَمِيعُ الرَّهْنِ وَثِيقَةً لِهَذَا وَجَمِيعُهُ وَثِيقَةً لِهَذَا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْإِشَاعَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةُ دَيْنِهِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ إذْ الِاسْتِيفَاءُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ كَانَتْ كُلُّهَا رَهْنًا فِي يَدِ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا رَهْنٌ وَاحِدٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ صَاحِبِهِ اسْتَرَدَّ مِنْ الدَّيْنِ قَضَاءَ مَا أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي يَدِ الْآخَرِ فَحُكْمُ الرَّهْنِ بَاقٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالرَّهْنِ مِنْ وَاحِدٍ إذَا اسْتَوْفَى دَيْنَهُ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَكَانَ الْبَائِعُ

بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِتَرْكِ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًّا، أَوْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا مَكَانَهُ) أَمَّا جَوَازُ شَرْطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي بِهِ رَهْنٌ أَوْثَقُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَا رَهْنَ بِهِ فَصَارَ ذِكْرُ ذَلِكَ صِفَةً فِي الثَّمَنِ وَشَرْطُ صِفَاتِ الثَّمَنِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَهَذَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيَّنْ الرَّهْنُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلِهَذَا شَرَطَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ وَلَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ رَهْنًا مَجْهُولًا وَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ: فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ هَذَا قَوْلُنَا. وَقَالَ زُفَرُ يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ وَلَنَا أَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَلَا إجْبَارَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيُخَيَّرُ لِفَوَاتِهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ حَالًّا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ فَقَالَ لِلْبَائِعِ: أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ فَالثَّوْبُ رَهْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى وَقْتِ الْإِعْطَاءِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ لَا يَكُونُ رَهْنًا بَلْ يَكُونُ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الرَّهْنَ وَيَحْتَمِلُ الْإِيدَاعَ فَيُقْضَى بِأَقَلِّهِمَا ثُبُوتًا وَهِيَ الْوَدِيعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَمْسِكْهُ بِدَيْنِك، أَوْ بِمَالِك فَإِنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ قُلْنَا: لَمَّا مَدَّهُ إلَى الْإِعْطَاءِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الرَّهْنُ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) يَعْنِي وَلَدَهُ الْكَبِيرَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِخَادِمِهِ هُوَ الْحُرُّ الَّذِي أَجَرَ نَفْسَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَفِظَهُ بِغَيْرِ مَنْ فِي عِيَالِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ غَيْرُ أَيْدِيهِمْ فَصَارَ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَهَلْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُودَعَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا وَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ فَإِنْ ضَمَّنَهُ رَجَعَ عَلَى الْمُودِعِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ فِي الرَّهْنِ ضَمَّنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ بِالتَّعَدِّي خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ بِالْإِذْنِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي فَإِنْ رَهَنَهُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي خِنْصَرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ بِالْحِفْظِ وَهَذَا لَيْسَ بِحِفْظٍ، وَالْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ كَانَ رَهْنًا بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً فَكَانَ حِفْظًا لَا لُبْسًا وَكَذَا الثَّوْبُ إنْ لَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ، وَإِنْ جَعَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ إنْ كَانَ مِمَّنْ عَادَتُهُ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَجَمَّلُ بِهِ فَهُوَ حَافِظٌ فَلَا يَضْمَنُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَقَبَضَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ) لِأَنَّهُ بِاسْتِعَارَتِهِ وَقَبْضِهِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَزَالَ الْقَبْضَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ إلَى يَدِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ) يَعْنِي بِغَيْرِ اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَارِيَّةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَبَقِيَ الرَّهْنُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ - وَالرَّهْنُ فِي يَدِهِ عَارِيَّةٌ - فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا أَجْنَبِيًّا بِإِذْنِ الْآخَرِ سَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ الرَّهْنِ فِي الْحَالِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّهُ رَهْنًا كَمَا كَانَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ إذَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الرَّاهِنِ أَمَّا بِالْعَارِيَّةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا. وَإِنْ اسْتَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ هَلَكَ عَلَى ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ لِبَقَاءِ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لِارْتِفَاعِ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَبَقَاءِ يَدِ الرَّاهِنِ فَعَادَ ضَمَانُهُ وَإِنْ هَلَكَ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ هَلَكَ بِغَيْرِ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ وَهِيَ حَادِثَةٌ بَعْدَ زَوَالِ قَبْضِ الرَّهْنِ وَكَذَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَمَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ فَمَا رَهَنَهُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ، أَوْ كَثِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ فَإِنْ سَمَّى لَهُ قَدْرًا مِنْ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرَ وَكَذَا إذَا

كتاب الحجر

سَمَّى لَهُ صِنْفًا مِنْ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِصِنْفٍ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ رَضِيَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَضْمُونًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَتَّى إذَا هَلَكَ رَجَعَ بِهِ فَإِذَا جَعَلَهُ مَضْمُونًا بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ مِنْ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ مَالِهِ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَلِأَنَّ الْمُعِيرَ يَتَوَصَّلُ إلَى أَخْذِ عَارِيَّتِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا أَذِنَ فِي مِقْدَارٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَائِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَيَعْجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فَإِنْ رَهَنَهُ بِغَيْرِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْقَدْرِ، أَوْ الصِّنْفِ فَهُوَ مُخَالِفٌ فَيَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَيَفْسَخَ الرَّهْنَ وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهَا. وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ ارْهَنْهُ بِالْكُوفَةِ فَرَهَنَهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ مُخَالِفٌ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ وَيَتِمُّ عَقْدُ الرَّهْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَ وَبِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَدْ رَهَنَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَعَارَهُ غَيْرَ مُخَالِفٍ ضَمِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ قَدْرَ مَا سَقَطَ عَنْهُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى دَيْنَهُ مِنْهُ بِأَمْرِهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا وَفَّى وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُعِيرُ مُتَطَوِّعٌ فِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ عَجَزَ الْمُسْتَعِيرُ عَنْ فِكَاكِ الرَّهْنِ فَافْتَكَّهُ مَالِكُهُ رَجَعَ بِمَا كَانَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُهُ إذَا أَعَارَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَتَيْنِ فَافْتَكَّهُ الْمُعِيرُ بِمِائَتَيْنِ رَجَعَ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَكَذَا إذَا اقْتَضَى بِنَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. (فَصْلٌ) قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ: إذَا آجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَكَذَا إذَا أَجَرَهُ الرَّاهِنُ مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَأَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ أَجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَهُ الرَّاهِنُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ وَخَرَجَ الْمَرْهُونُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهَا كَانَ إبْطَالًا لِلرَّهْنِ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُؤَجِّرَ الرَّهْنَ فَإِنْ آجَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ كَانَ الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ قِيمَتَهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُسْتَأْجِرَ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إلَى وَقْتِ الْهَلَاكِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ الرَّهْنُ وَاسْتَرَدَّهُ الْمُرْتَهِنُ عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، أَوْ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ آجَرَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ أَجَازَهَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَبَطَلَ الرَّهْنُ وَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لِلرَّاهِنِ وَوِلَايَةُ قَبْضِهَا إلَى الْعَاقِدِ وَلَا يَعُودُ رَهْنًا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْهَنَ الرَّهْنَ فَإِنْ رَهَنَهُ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ) لِأَنَّ وَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ) هَذَا إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ صِغَارًا أَمَّا إذَا كَانُوا كِبَارًا فَهُمْ يَخْلُفُونَ الْمَيِّتَ فِي الْمَالِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ تَخْلِيصُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَجْرِ] الْحَجْرُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَجَرُ حَجَرًا لِصَلَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ عَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجَرًا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْبَيْتِ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَقُومُ الْغَيْرُ فِيهِ مَقَامَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَجْرِ ثَلَاثَةٌ) أَرَادَ بِالْمُوجِبَةِ الْمُثْبِتَةَ. قَوْلُهُ: (الصِّغَرُ، وَالرِّقُّ، وَالْجُنُونُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الصَّبِيِّ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيّه) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ وَتَفْسِيرُ الْعَاقِلِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَبِيعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الثَّمَنُ، وَالْمُثَمَّنُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي

شَاهَانْ: وَمِنْ عَلَامَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ إذَا أَعْطَى الْحَلْوَانِيَّ فُلُوسًا فَأَخَذَ الْحَلْوَى وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ: أَعْطِنِي فُلُوسِي فَهَذَا عَلَامَةُ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ، وَإِنْ أَخَذَ الْحَلْوَى وَذَهَبَ وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْفُلُوسَ فَهُوَ عَاقِلٌ. قَوْلُهُ:. (وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) كَيْ لَا تُمْلَكَ رَقَبَتُهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ وَبِالْإِذْنِ رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ بِحَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ أُذِنَ لَهُ فِيهِ أَمْ لَا، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يُفِيقُ أَصْلًا أَمَّا إذَا كَانَ يُفِيقُ وَيَعْقِلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَتَصَرُّفُهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ جَائِزٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا، أَوْ اشْتَرَاهُ) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] وَالْمُرَادُ الْأَخَوَانِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ الَّذِي لَا يُفِيقُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ) أَيْ لَيْسَ بِهَازِلٍ وَلَا خَاطِئٍ فَإِنَّ بَيْعَ الْهَازِلِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ. قَوْلُهُ: (فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ) يَحْتَرِزُ مِنْ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ فَإِنْ قِيلَ: التَّوَقُّفُ عِنْدَكُمْ فِي الْبَيْعِ أَمَّا الشِّرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ النَّفَاذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ. قُلْنَا: نَعَمْ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا فِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ النَّفَاذُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ، أَوْ لِضَرَرِ الْمَوْلَى فَأَوْقَفْنَاهُ قَوْلُهُ (وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ تُوجِبُ الْحَجْرَ فِي الْأَقْوَالِ) يُرِيدُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْمَأْذُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَمَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا يُؤَاخَذُ فِي الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يُؤَاخَذُ بِأَقْوَالِهِ كَمَا يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ سُلِّمَ مِنْهُ لَلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ وَالصَّبِيُّ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ. قَوْلُهُ: (دُونَ الْأَفْعَالِ) لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا مَرَدَّ لَهَا لِوُجُودِهَا حِسًّا وَمُشَاهَدَةً بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالشَّرْعِ، وَالْقَصْدِ مِنْ شَرْطِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِعْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ فَيُجْعَلُ عَدَمُ الْقَصْدِ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ وَإِنَّمَا لَمْ تُوجِبْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْحَجْرَ فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَصِحُّ مِنْهُمْ كَمَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ اسْتِيلَادَ الْمَجْنُونِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ نَاقِصٌ وَلَوْ مَلَكَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَصِحُّ مِنْهُمَا وَلَوْ أَعْتَقَاهُ بِالْقَوْلِ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرْنَا وَصُورَةُ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ جَارِيَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِنِكَاحٍ. قَوْلُهُ: (وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمَا وَلَا إقْرَارُهُمَا) لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُمَا أَمَّا النَّفْعُ الْمَحْضُ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مُبَاشَرَتُهُ مِثْلُ قَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَكَذَا إذَا آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا وَيَصِحُّ قَبُولُ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَتَصِحُّ عِبَارَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالٍ غَيْرِهِ وَطَلَاقِ غَيْرِهِ وَعَتَاقِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ وَكِيلًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُمَا وَلَا عَتَاقُهُمَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ» ، وَالْعَتَاقُ يَتَمَحَّضُ مَضَرَّةً؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ إسْقَاطُ حَقٍّ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ كَالْهِبَةِ، وَالْبَرَاءَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلصَّبِيِّ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ بِحَالٍ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلْوَلِيِّ عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ التَّوَافُقِ عَلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُقُودِ وَيَعْنِي بِالطَّلَاقِ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ أَمَّا إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ صَبِيًّا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا طَلُقَتْ امْرَأَةُ الْمُوَكِّلِ وَيَعْنِي بِالْعَتَاقِ أَيْضًا إذَا كَانَ بِالْقَوْلِ أَمَّا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَصِحُّ مِنْهُمَا، أَوْ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُوجِبٌ

لِلضَّمَانِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ كَمَا فِي مَالٍ يَتْلَفُ بِانْقِلَابِ النَّائِمِ عَلَيْهِ، وَالْحَائِطِ الْمَائِلِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ. قَوْلُهُ: (فَأَمَّا الْعَبْدُ فَأَقْوَالُهُ نَافِذَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ) أَمَّا نُفُوذُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلِقِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ، وَأَمَّا عَدَمُ نُفُوذِهَا فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَرِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يُعَرَّى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ كَسْبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَزِمَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ) لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا، أَوْ مَحْجُورًا: فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ دُونَ أَقْوَالِهِ إلَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِهِ مِثْلُ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهَا وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَهَذَا إذَا أَقَرُّوا، أَمَّا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَحَضْرَةُ الْمَوْلَى شَرْطٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ مَالًا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ مَحْجُورًا كَانَ، أَوْ مَأْذُونًا، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ مِنْ الْمَحْجُورِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ لَا يَصِحُّ وَمِنْ الْمَأْذُونِ يَصِحُّ وَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي تُوجِبُ الدَّفْعَ، أَوْ الْفِدَاءَ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ مَحْجُورًا كَانَ، أَوْ مَأْذُونًا وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ بِالدُّيُونِ، وَالْغُصُوبِ وَاسْتِهْلَاكِ الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ، وَالْجِنَايَاتِ فِي الْأَمْوَالِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَهْرِ امْرَأَةٍ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِافْتِضَاضِ امْرَأَةٍ بِالْأُصْبُعِ فَعِنْدَهُمَا هَذَا إقْرَارٌ بِالْجِنَايَةِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا إقْرَارٌ بِالْمَالِ فَيَصِحُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً، أَوْ كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى إمَّا دَفْعُهُ، وَإِمَّا فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَجَبَ الْأَرْشُ حَالًّا وَكَذَا إذَا اخْتَارَ دَفْعَ الْعَبْدِ دَفَعَهُ حَالًّا أَيْضًا وَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ حُرًّا وَهُوَ مَحَلٌّ لِلْقِصَاصِ وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي حَالِ الرِّقِّ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَهُوَ مَأْذُونٌ، أَوْ مَحْجُورٌ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَةِ أَمَّا الْمَحْجُورُ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِإِقْرَارِهِ حُكْمٌ كَإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ بِالدُّيُونِ الَّتِي تَلْزَمُهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَأْذُونُ فِيهَا فَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَلَمْ يَأْذَنْ فِيهَا الْمَوْلَى فَالْمَأْذُونُ فِيهَا كَالْمَحْجُورِ. قَوْلُهُ: (وَيَنْفُذُ طَلَاقُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ طَلَاقٍ وَاقِعٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، وَالْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ فَيَنْفُذُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ الْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ لَكِنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمَجْنُونُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ مَلَكَ السَّاقَ وَلِأَنَّ الْحِلَّ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فَكَانَ الرَّفْعُ إلَيْهِ دُونَ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَحْجُرُ عَلَى السَّفِيهِ إذَا كَانَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا) السَّفِيهُ خَفِيفُ الْعَقْلِ الْجَاهِلُ بِالْأُمُورِ الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ الْعَامِلُ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ وَلِأَنَّ فِي سَلْبِ وِلَايَتِهِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ، وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْذِيرِ فَلَا يُحْتَمَلُ الْأَعْلَى لِدَفْعِ الْأَدْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ كَالْحَجْرِ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُحْجَرُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ إذْ هُوَ دَفْعُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، الْمُفْتِي الْمَاجِنُ هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ حِيَلًا بَاطِلَةً كَارْتِدَادِ الْمَرْأَةِ لِتُفَارِقَ زَوْجَهَا، أَوْ الرَّجُلِ لِيُسْقِطَ الزَّكَاةَ وَلَا يُبَالِي أَنْ يُحَلِّلَ حَرَامًا، أَوْ يُحَرِّمَ حَلَالًا. وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ هُوَ أَنْ يَسْقِيَ النَّاسَ

دَوَاءً مُهْلِكًا. وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ أَنْ يُكْرِيَ إبِلًا وَلَيْسَتْ لَهُ إبِلٌ وَلَا مَالٌ يَشْتَرِيهَا بِهِ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي نَفْسَهُ. قَوْلُهُ: (وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ عَاقِلٌ لِقَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ مُبَذِّرًا مُفْسِدًا) فَقَوْلُهُ " مُفْسِدًا " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُبَذِّرًا وَسَوَاءٌ كَانَ يُبَذِّرُ مَالَهُ فِي الْخَيْرِ، أَوْ الشَّرِّ. قَوْلُهُ: (يُتْلِفُ مَالَهُ فِيمَا لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ) بِأَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ، أَوْ يُحْرِقَهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ) وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يُمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ قَوْلُهُ (فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً سُلِّمَ إلَيْهِ مَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ) لِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَلَا تَأْدِيبَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ. قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إنَّمَا قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ جَدًّا فِي هَذَا السِّنِّ وَوَلَدُهُ قَاضِيًا، وَفِي حِجْرِ وَلَدِهِ وَلَدٌ مَعَ كَوْنِهِ حُرًّا بَالِغًا فَيُؤَدِّي الْحَجْرُ عَلَيْهِ إلَى أَمْرٍ قَبِيحٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ لَهُ فَتَلِدُ امْرَأَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَكْبَرُ وَلَدُهُ وَيَبْلُغُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ لَهُ فَتَلِدُ امْرَأَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ جَدًّا وَلَمْ يَبْلُغْ أَشُدَّهُ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ) ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إلَّا بِحَجْرِ الْحَاكِمِ وَلَا يَصِيرُ مُطْلَقًا بَعْدَ الْحَجْرِ حَتَّى يُطْلِقَهُ الْحَاكِمُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فَسَادُهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَصَلَاحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَنْحَجِرُ بِنَفْسِ السَّفَهِ وَيَذْهَبُ عَنْهُ الْحَجْرُ بِنَفْسِ الْإِصْلَاحِ فِي مَالِهِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا بَاعَهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ إذَا صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهَا كَحُكْمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَ جَازَ عِتْقُهُ وَلَكِنَّهُ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ. وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ وَطَلَاقُهُ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ الزَّكَاةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي الثُّلُثِ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا صَارَ مَحْجُورًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ وَصِيِّ الْأَبِ عَلَيْهِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ وَتَزْوِيجُهُ بِمِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ، وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ، وَإِقْرَارُهُ بِالْمَالِ، وَإِجَارَتِهِ فَلَا تَجُوزُ مِنْهُ كَمَا لَا تَجُوزُ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِ السَّفِيهِ، وَفِيهِ رِبْحٌ، أَوْ مِثْلُ الْقِيمَةِ فَأَمَّا إذَا ضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ السَّفِيهِ فَلَا يُجِيزُهُ الْقَاضِي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ وَصِيِّ أَبِيهِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا نَفَذَ عِتْقُهُ) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَنْفُذُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْهَزْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْهَازِلَ يَخْرُجُ كَلَامُهُ لَا عَلَى نَهْجِ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ لِاتِّبَاعِ هَوَاهُ، وَالْعِتْقُ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الرِّقِّ حَتَّى لَا يَنْفُذَ عِنْدَهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ شَيْءٌ إلَّا الطَّلَاقَ كَالْمَرْقُوقِ، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّقِيقِ فَكَذَا مِنْ السَّفِيهِ قَوْلُهُ (وَكَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَذَلِكَ فِي إبْطَالِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ مُتَعَذَّرٌ فَيَجِبُ رَدُّهُ بِرَدِّ الْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ صَحَّ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْعِتْقِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ السِّعَايَةُ مَا دَامَ الْمَوْلَى حَيًّا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَقِيمَة الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا، وَقِيلَ: نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ كَانَ فِيهِ نَوْعَا مَنْفَعَةٍ وَهُمَا الْبَيْعُ، وَالْإِجَارَةُ. وَقَدْ بَطَلَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْبَيْعُ وَقِيمَة أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالِاسْتِسْعَاءَ قَدْ انْتَفَيَا وَبَقِيَ مِلْكُ الْإِعْتَاقِ وَقِيمَة الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا لَا رَقَبَةً، وَالْقِنُّ مَمْلُوكٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَكَانَ الْمُكَاتَبُ نِصْفَهُ، وَإِنْ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِيلَادِ إيجَابَ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالْعِتْقِ فَإِنْ مَاتَ كَانَتْ حُرَّةً لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فِعْلٌ مِنْهُ، وَالْحَجْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا سَقَطَتْ السِّعَايَةُ عَنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ: هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَزِمَتْهَا السِّعَايَةُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ حُرِّيَّةٍ ثَبَتَتْ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ فَصَارَ كَالتَّدْبِيرِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ نِكَاحُهُ) وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مُجْتَمِعَاتٍ وَمُتَفَرِّقَاتٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَلِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَحْجُورُ يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ وَلَا أُخْتَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَبَطَلَ الْفَاضِلُ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْبُضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَقَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِإِزَائِهِ بَدَلٌ - وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ - فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَكُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مُفْسِدَةً تَزَوَّجَتْ كُفُؤًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِيهِ جَازَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ مَعَ الْحَجْرِ. وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ لَهُ إنْ شِئْت فَتَمِّمْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَكُمَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا مَحْجُورًا مِثْلَهَا فَإِنْ كَانَ سَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بَطَلَ عَنْهُ الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ خُوطِبَ بِالْإِتْمَامِ، أَوْ الْفُرْقَةِ، وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا أَدْخَلَتْ الشَّيْنَ عَلَى أَوْلِيَائِهَا فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَجْلِهِمْ وَلَوْ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ جَازَ الْخُلْعُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَصَارَتْ بِبَذْلِ الْمَالِ مُتَبَرِّعَةً وَتَبَرُّعُهَا لَا يَجُوزُ وَأَمَّا جَوَازُ الْخُلْعِ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِقَبُولِهَا وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ فَإِنَّ الْمَالَ لَمَّا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ يَكُونُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَذَلِكَ إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ كَانَ بَائِنًا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَمَةَ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا تَطْلِيقَةً عَلَى مَالٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمَوْلَى وَلِهَذَا يَلْزَمُهَا مَا بَذَلَتْهُ لَهُ فِي خُلْعِهَا إذَا أُعْتِقَتْ فَتُؤْخَذُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا بَذَلَتْهُ ثَابِتًا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا. قَوْلُهُ: (وَقَالَا فِيمَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ أَبَدًا حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ. . قَوْلُهُ: (وَتُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ مَالٍ السَّفِيهِ) ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتُخْرَجُ بِإِذْنِهِ

وَقِيلَ فِي السَّائِمَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ يَدْفَعُ الْقَاضِي قَدْرَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لِيُفَرِّقَهَا إلَى مَصْرِفِهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّتِهِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ. (قَوْلُهُ: وَيُنْفَقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ) لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَالسَّفَهُ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ النَّاسِ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَى أَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ، أَوْ نَذَرَ، أَوْ ظَاهَرَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَظِهَارَهُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مِمَّا وَجَبَ بِفِعْلِهِ فَلَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَنَفَذَتْ أَمْوَالُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا كَذَلِكَ مَا يَجِبُ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَيُصَدَّقُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فِي إقْرَارِهِ بِالْوَلَدِ، وَالْوَالِدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرَابَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ التَّزْوِيجَ يَصِحُّ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرَادَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ عُمْرَةً وَاحِدَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا اسْتِحْسَانًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَلِّمُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إلَيْهِ) كَيْ لَا يُتْلِفَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُهَا إلَى ثِقَةٍ مِنْ الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ إتْلَافُ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ فَيَحْتَاطُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ بِدَفْعِهَا إلَى ثِقَةٍ يَقُومُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَفْسَدَ هَذَا الْمَحْجُورُ الْحَجَّ بِأَنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَدْفَعُ الْقَاضِي نَفَقَةَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالِابْتِدَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا فِي حَالِ الْحَجْرِ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْوُجُوبُ إلَى وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ كَالْعَبْدِ، وَالْمُعْسِرِ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ إذَا أَفْسَدَهَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَهَا وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا فَإِنْ أُحْصِرَ فِي حَجَّتِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلَّذِي أُعْطِيَ نَفَقَتَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ فَيُحِلَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ احْتَاجَ إلَى تَخْلِيصِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الدَّوَاءِ، وَإِنْ اصْطَادَ فِي إحْرَامِهِ، أَوْ حَلَقَ مِنْ أَذًى، أَوْ صَنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَكَانَ فَرْضُهُ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ أَدَاءِ الْمَالِ كَالْمُعْسِرِ، وَإِنْ ظَاهَرَ صَحَّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهُ وَيَجْزِيهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ سَعَى الْمُعْتَقُ فِي قِيمَتِهِ وَلَا يَجْزِيهِ الْعِتْقُ فَإِنْ صَامَ شَهْرًا، ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَمْ يَجْزِهِ إلَّا الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَعْنَى الْعَارِضُ فَصَارَ كَالْمُعْسِرِ إذَا صَامَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَدَ مَا يُعْتِقُ وَهَذَا التَّفْرِيعُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمَحْجُورِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَرِضَ فَأَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ جَازَ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ مَالِهِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَأْمُورٌ بِهَا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا تَقَرُّبٌ إلَى اللَّهِ فَكَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقُرَبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ أَنَّ الْقُرْبَةَ هِيَ مَا تَصِيرُ عِبَادَةً بِوَاسِطَةٍ كَبِنَاءِ السِّقَايَةِ، وَالْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ، وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْقُرْبَةَ وَغَيْرَهَا كَالْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ فَكَأَنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ أَعَمُّ مِنْ الْقُرَبِ وَقِيلَ الْقُرْبَةُ هِيَ الْوَسِيلَةُ إلَى الْعِبَادَةِ وَأَبْوَابُ الْخَيْرِ يَتَنَاوَلُ الْعِبَادَةَ، وَالْوَسِيلَةَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ أَنَّ مِنْ الضَّمَانِ مَا لَا يَكُونُ كَفَالَةً بِأَنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ: خَالِعْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، أَوْ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ الضَّمَانَ هُنَا عَلَى الضَّامِنِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (وَبُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ، وَالْإِنْزَالِ وَالْإِحْبَالِ إذَا وَطِئَ) فَقَوْلُهُ: بِالِاحْتِلَامِ أَيْ مَعَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالِاحْتِلَامُ يَكُونُ فِي النَّوْمِ فَإِذَا احْتَلَمَ وَأَنْزَلَ عَنْ شَهْوَةٍ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ، وَالْإِنْزَالُ يَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ وَالنَّوْمِ وَهَذَا الْبُلُوغُ الْأَعْلَى، وَأَمَّا الْأَدْنَى فَأَقَلُّ مَا يُصَدَّقُ فِيهِ الْغُلَامُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَالْأُنْثَى تِسْعٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الإسراء: 34] وَأَشُدُّ الصَّبِيِّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِي الْأَشُدِّ فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ، وَالْحَبَلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً) لِأَنَّ الْإِنَاثَ نَشْؤُهُنَّ، وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ مِنْ إدْرَاكِ الذُّكُورِ فَنَقَصْنَا عَنْهُ سَنَةً

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا تَمَّ لِلْغُلَامِ، وَالْجَارِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَا) وَلَا مُعْتَبَرَ بِنَبَاتِ الْعَانَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ اعْتَبَرَ نَبَاتَهَا الْخَشِنَ بُلُوغًا وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى حَلْقٍ، وَأَمَّا نُهُودُ الثَّدْيِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ بُلُوغًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْكَمُ بِهِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ، وَأَمَّا شَعْرُ الْإِبِطِ وَالشَّارِبِ فَقَدْ قِيلَ عَلَى الْخِلَافِ فِي شَعْرِ الْعَانَةِ وَقِيلَ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَأَمَّا الزَّغَبُ وَهُوَ الشَّعْرُ الضَّعِيفُ وَثِقَلُ الصَّوْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَاهَقَ الْغُلَامُ، وَالْجَارِيَةُ وَأَشْكَلَ أَمْرُهُمَا فِي الْبُلُوغِ فَقَالَا قَدْ بَلَغْنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ) الْمُرَاهَقَةُ مُقَارَبَةُ الِاحْتِلَامِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَقُبِلَ قَوْلُهُمَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَيْضِ. (مَسْأَلَةٌ) : صَبِيٌّ بَاعَ وَاشْتَرَى وَقَالَ أَنَا بَالِغٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا غَيْرُ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ الْبُلُوغُ فِيهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى جُحُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا فِي صِبَاهُ لَزِمَهُ الْآنَ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَحْجُرُ فِي الدَّيْنِ) أَيْ لَا أَحْجُرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَإِذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ جَازَ تَصَرُّفُهُ، وَإِقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَجَبَتْ الدُّيُونُ عَلَى رَجُلٍ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ، وَالْحَجْرَ عَلَيْهِ لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ) وَهَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْحَاكِمُ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَدْيُونِ أَمَّا إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ قَدْ ثَبَتَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا، وَيَقْضِي بِهِ دُيُونَهُ وَيَكُونُ عُهْدَةُ مَا بَاعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ دُونَ الْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكَذَا إذَا بَاعَ الْقَاضِي التَّرِكَةَ لِأَجْلِ الْمُوصَى لَهُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ دُونَ الْقَاضِي، أَوْ بَاعَ لِأَجْلِ الصَّغِيرِ تُجْعَلُ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَكَذَا أَمِينُ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ) إيفَاءً لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَدَفْعًا لِظُلْمِهِ. اعْلَمْ أَنَّ الْحَبْسَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] أَيْ يُحْبَسُوا؛ لِأَنَّ نَفْيَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَإِنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَبَسَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ فِي ذَلِكَ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَنَى حَبْسًا بِالْكُوفَةِ وَسَمَّاهُ نَافِعًا فَهَرَبَ النَّاسُ مِنْهُ فَبَنَى حَبْسًا أَوْثَقَ مِنْهُ وَسَمَّاهُ مُخَيَّسًا وَقَالَ: أَمَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكَيَّسًا ... بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُقَالُ مُخَيَّسٌ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ مُذَلَّلٌ يُقَالُ خَيَّسَهُ أَيْ أَذَلَّهُ. وَقَوْلُهُ أَبَدًا حَتَّى يَبِيعَهُ وَيَبِيعَ الْعُرُوضَ، ثُمَّ الْعَقَارَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَرَاهِمُ قَضَاهَا الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ إذَا وَجَدَ جِنْسَ حَقِّهِ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَدَفْعُ الْقَاضِي أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ، أَوْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ بَاعَهَا الْقَاضِي فِي دَيْنِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ كَمَا فِي الْعُرُوضِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ جَبْرًا. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَمَّا بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا يَمْنَعُهُ قَوْلُهُ (وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ) وَيُبَعْ فِي الدَّيْنِ الْعُرُوض

أَوَّلًا، ثُمَّ الْعَقَارُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتٌ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَيُبَاعُ الْبَاقِي. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لَهُ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِهَا فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ وَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّ لُبْسَ ذَلِكَ لِلتَّجَمُّلِ، وَقَضَاءَ الدَّيْنِ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْتَزِئَ بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَصْرِفُ بَعْضَ ثَمَنِهِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا يَبِيتُ فِيهِ وَقِيلَ يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحَالِ حَتَّى إنَّهُ يَبِيعُ الْجُبَّةَ وَاللِّبْدَ فِي الصَّيْفِ وَالنِّطْعَ فِي الشِّتَاءِ. قَوْلُهُ: (وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ) أَيْ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَرَّ فِي حَالِ الْحَجْرِ بِإِقْرَارٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ) هَذَا قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ حَقُّ الْأَوَّلِينَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ إقْرَارُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُنْفَقُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ مَالِهِ) الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ هَذَا الْمَدْيُونُ الْمَحْجُورُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ) أَيْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ الْأَصْلِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْغُرَمَاءِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ. . قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ وَطَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا مَالٍ لِي حَبَسَهُ الْحَاكِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُحْبَسُ فِي الدِّرْهَمِ، وَفِي أَقَلَّ مِنْهُ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ يُحْبَسُ فِي قَلِيلِ الدَّيْنِ وَكَثِيرِهِ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْمَطْلُ (قَوْلُهُ: وَفِي كُلِّ دَيْنٍ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) الْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّ فِي الْمُؤَجَّلِ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّا قَدْ عَرَفْنَا غِنَاهُ بِهِ فَدَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ دَعْوَى زَوَالِ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ مَعْنًى حَادِثٌ فَلَا يُصَدَّقُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْإِعْسَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِدَعْوَاهُ أَنْ يُسْقِطَ مَا الْتَزَمَهُ فَلَا يُقْبَلُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالتَّزْوِيجِ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَحْبِسْهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ كَعِوَضِ الْمَغْصُوبِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ) إذَا قَالَ أَنَا فَقِيرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْفَقْرُ فَمَنْ ادَّعَى الْغِنَى يَدَّعِي مَعْنًى حَادِثًا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُقِيمَ غَرِيمُهُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ مَالًا) فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَاهُ الْفَقْرَ، ثُمَّ الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ لَا يَخْرُجُ لِمَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا لِلْعِيدَيْنِ وَلَا لِلْجُمُعَةِ وَلَا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَا لِحَجَّةِ فَرِيضَةٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةِ بَعْضِ أَهْلِهِ وَلَوْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَاتَ لَهُ وَالِدٌ، أَوْ وَلَدٌ لَا يَخْرُجُ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيَخْرُجَ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْرُجُ وَقِيلَ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ، وَالْأَجْدَادِ، وَالْجَدَّاتِ، وَالْأَوْلَادِ، وَفِي غَيْرِهِمْ لَا يَخْرُجُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ فِي مَوْضِعٍ خَشِنٍ لَا يُبْسَطُ لَهُ فِيهِ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَسْتَأْنِسُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا شُرِعَ لِيَضْجَرَ فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ وَإِذَا مَرِضَ وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ لَا يَخْرُجُ لِيَزْدَادَ ضَجَرًا فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُدَاوَاةِ وَيُدَاوَى فِي السِّجْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ وَخُشِيَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَوْتَ مِنْ الْجُوعِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَجُوزُ إهْلَاكُهُ لِأَجْلِ مَالِ الْغَيْرِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، أَوْ جَارِيَتُهُ فَيَطَأَهَا حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَفِي النِّهَايَةِ إذَا طَلَبَ الْمَحْبُوسُ امْرَأَتَهُ، أَوْ أَمَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فِي الْحَبْسِ لَمْ يُمْنَعْ إنْ كَانَ فِي الْحَبْسِ مَوْضِعٌ خَالٍ فَإِنْ امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ لَمْ تُجْبَرْ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ أُجْبِرَتْ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَمْتَنِعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَالزَّوْجَةُ الْأَمَةُ تُجْبَرُ إذَا رَضِيَ سَيِّدُهَا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِيُشَاوِرَهُمْ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُمَكَّنُونَ بِأَنْ يَمْكُثُوا مَعَهُ طَوِيلًا، وَالْمُحْتَرِفُ لَا يُمَكَّنُ فِي الْحَبْسِ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِحِرْفَتِهِ لِيَضْجَرَ فَيُسَارِعَ بِالْقَضَاءِ، وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ

عَلَيْهِ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِذَلِكَ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ صَغِيرًا وَلَهُ وَلِيّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ حَبَسَ الْقَاضِي وَلِيَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً سَأَلَ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ) ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَالِ الْمَحْبُوسِ فَمِنْ النَّاسِ مِنْ يُضْجِرُهُ الْحَبْسُ الْقَلِيلُ وَمِنْهُمْ مِنْ لَا يُضْجِرُهُ الْكَثِيرُ فَوُقِفَ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِلْحَاكِمِ أَنَّ لَهُ مَالًا بِأَنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ سَأَلَ جِيرَانَهُ الْعَارِفِينَ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ أَخْرَجَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْبَيِّنَةِ إنَّهُ لَا مَالَ لَهُ قَبْلَ حَبْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَطَّلِعُ عَلَى إعْسَارِهِ وَلَا يَسَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَجْنِهِ لِيَضْجَرَ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَا مَالٍ لَهُ) يَعْنِي خَلَّى سَبِيلَهُ لِوُجُوبِ النَّظِرَةِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ وَهَذِهِ قُبِلَتْ، قُلْنَا: هَذِهِ شَهَادَةٌ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حُبِسَ فَالْحَبْسُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ الْحَبْسِ عَلَى إفْلَاسِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا تُقْبَلُ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْحَبْسِ فَهِيَ تُقْبَلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: إنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدِمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ) يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ السِّجْنِ وَيُلَازِمُونَهُ وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالسَّفَرِ) وَيَدُورُونَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ وَلَا يَحْبِسُونَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتَهُ لِحَاجَةٍ لَا يَتْبَعُونَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهِ فِي الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تَلَازُمُهَا. وَقَوْلُهُ: وَيُلَازِمُونَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِصَاحِبِ الْحَقِّ يَدٌ وَلِسَانٌ» الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْمُلَازَمَةُ وَبِاللِّسَانِ التَّقَاضِي، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ الضَّرْبُ وَالشَّتْمُ. قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) أَيْ يَأْخُذُونَ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمَطْلُوبُ الْحَبْسَ وَالطَّالِبُ الْمُلَازَمَةَ فَالْخِيَارُ إلَى الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ لِاخْتِيَارِهِ الْأَضْيَقَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِالْمُلَازَمَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِأَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمَّدٌ: إذَا فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَصِحُّ فَتَثْبُتُ الْعُسْرَةُ فَيَسْتَحِقُّ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ؛ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عَدَمِ الْمَالِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا ظَاهِرًا فَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِإِبْطَالِ الْحَقِّ فِي الْمُلَازَمَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ مَالٌ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ تُرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْعُسْرَةُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ إذَا قَالُوا: إنَّهُ كَثِيرُ الْعِيَالِ ضَيِّقُ الْحَالِ أَمَّا إذَا قَالُوا: لَا مَالَ لَهُ لَا تُقْبَلُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِالْإِعْسَارِ لَمْ يَحْبِسْهُ الْقَاضِي حَتَّى يُقِيمَ خَصْمُهُ بَيِّنَةً أَنَّ لَهُ مَالًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى إعْسَارِهِ وَيَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ إذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَحْجُرُ عَلَيْهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً. قَوْلُهُ: (وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ) يَعْنِي إذَا بَلَغَ فَاسِقًا، أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَفْلَسَ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ

كتاب الإقرار

ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِمَتَاعِهِ وَصُورَتُهُ اشْتَرَى سِلْعَةً وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ الْبَائِعٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي، أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ، أَوْ بَعْدَمَا دَفَعَ طَائِفَةً مِنْهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِأُنَاسٍ شَتَّى فَالْغُرَمَاءُ جَمِيعًا فِي الثَّمَنِ أُسْوَةٌ وَلَيْسَ بَائِعُهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُمْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ عَيْنِهِ وَرَضِيَ بِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُنْظَرُ: إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَقَدْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ حَالًّا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ هَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَتَاعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، ثُمَّ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَوْلَى بِثَمَنِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ كَالْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الْمَرْهُونِ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ حَلَّتْ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ وَقَدْ خَرِبَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَحَلٌّ مَعْلُومٌ فَتَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ وَمُقْتَضَاهَا الْحُلُولُ. (مَسْأَلَةٌ) فِي قِسْمَةِ الدَّيْنِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ: رَجُلٌ مَاتَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ لِآخَرَ ثَلَاثُونَ وَلِآخَرَ عِشْرُونَ وَلِآخَرَ عَشَرَةٌ فَخَلَّفَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَنَقُولُ: مَجْمُوعُ الدَّيْنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَيُضْرَبُ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةٌ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَصِحُّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ - لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ نَقُولَ: كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَضْرُوبٌ فِي التَّرِكَةِ مَقْسُومٌ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ -، وَتَضْرِبُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فِي أَرْبَعِينَ وَتَقْسِمُهُ عَلَى مِائَةٍ وَسِتِّينَ يَخْرُجُ الْقَسْمُ سَبْعَةً وَنِصْفًا وَلِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعَشَرَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ أَرْبَعُونَ، وَإِنْ شِئْت فَانْسُبْ الْمِائَةَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدْهَا خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا، فَيُعْطَى صَاحِبُ الْمِائَةِ خَمْسَةَ أَثْمَانِ الْأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَنْسُبُ الثَّلَاثِينَ أَيْضًا مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ تَجِدُهُ ثُمُنًا وَنِصْفَ ثُمُنٍ فَيُعْطَى صَاحِبُ الثَّلَاثِينَ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَنِصْفَ ثُمُنِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ مِنْ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ ثُمُنُهُ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ ثُمُنَ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ نِصْفُ ثُمُنٍ فَيُعْطَى نِصْفَ ثُمُنِ الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفٌ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] (كِتَابُ الْإِقْرَارِ) الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ، وَإِظْهَارٍ لِمَا وَجَبَ بِالْمُعَامَلَةِ السَّابِقَةِ لَا إيجَابٍ وَتَمْلِيكٍ مُبْتَدَأٍ وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ كَاذِبًا، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ دِيَانَةً إلَّا إذَا سَلَّمَهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَالَ فِي شَاهَانْ: إذَا أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِ زَيْدٍ أَنَّهُ لِعَمْرٍو صَحَّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ سَابِقٍ لَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَكَذَا مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِقْرَارِ الرِّضَا وَالطَّوْعُ حَتَّى لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمُكْرَهِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ: جَمِيعُ مَالِي، أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالْهِبَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ) وَشَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَشَرَطَ الْبُلُوغَ، وَالْعَقْلَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ لَا يَصِحُّ أَقْوَالُهُمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ وَقَوْلُهُ بِحَقٍّ أَيْ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: مَجْهُولًا كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ، أَوْ مَعْلُومًا) جَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ، أَوْ

يَجْرَحُ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا، أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُهُ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ بِهِ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ: لِأَحَدِكُمَا عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الْمُقِرِّ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا قَالَ رَجُلَانِ لِرَجُلٍ: لَك عَلَى أَحَدِنَا مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ: بَيِّنْ الْمَجْهُولَ) ؛ لِأَنَّ التَّجْهِيلَ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ. . (قَوْلُهُ: فَإِنْ) (قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْفَلْسِ فَمَا زَادَ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِيهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ فَإِنْ عَادَ بَعْدُ إلَى التَّصْدِيقِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ إنْكَارِهِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَوْ قَالَ سَرَقْت مِنْ هَذَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَا بَلْ سَرَقْت مِنْ هَذَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أُضَمِّنُهُ لِلْأَوَّلِ عَشَرَةً وَأَقْطَعُهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَا بَلْ " رُجُوعٌ، وَرُجُوعُهُ مَقْبُولٌ فِي الْحَدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الْمَالِ فَيَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُقْطَعُ ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى نَفْسِهِ الْإِقْرَارَ بِالسَّرِقَةِ لِلثَّانِي وَذَلِكَ مَقْبُولٌ فَيُقْطَعُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ) (قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى بَيَانِهِ إلَيْهِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَقَعَ عَلَى مَالٍ مَجْهُولٍ. (قَوْلُهُ: وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ) لِأَنَّ الْقَلِيلَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمَالِيَّةِ كَمَا يَدْخُلُ الْكَثِيرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَالٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَالًا عُرْفًا، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ حَقِيرٌ، أَوْ قَلِيلٌ، أَوْ خَسِيسٌ، أَوْ تَافِهٌ، أَوْ نَزْرٌ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ مَوْصُوفٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ وَالنِّصَابُ عَظِيمٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ صَاحِبُهُ غَنِيًّا بِهِ، وَالْغَنِيُّ عَظِيمٌ عِنْدَ النَّاسِ وَهَذَا إذَا قَالَ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَمَّا إذَا قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَفِي الْإِبِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ، وَفِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يُقَدَّرُ بِقِيمَةِ النِّصَابِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَالٌ كَثِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ عَظِيمٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَدَّقُ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إذَا قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ نِصَابُ السَّرِقَةِ فَهُوَ عَظِيمٌ حَيْثُ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ، وَالْغِنَى فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَكَمَا أَنَّ الْمِائَتَيْنِ عَظِيمٌ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ فَالْعَشَرَةُ عَظِيمٌ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَتَقْدِيرِ الْمَهْرِ فَيَتَعَارَضُ وَيَكُونُ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى حَالِ الرَّجُلِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ مَالٌ نَفِيسٌ، أَوْ خَطِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ لَزِمَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَوْ قَالَ: غَصَبْته إبِلًا عَظِيمَةً، أَوْ بَقَرًا عَظِيمَةً أَوْ شَاةً عَظِيمَةً لَزِمَهُ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ وَمِنْ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ فَأَمَّا الْخَمْسُ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَتْ نِصَابًا فَإِنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ مِنْ الْغَنَمِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِنُقْصَانِهَا وَقِلَّتِهَا، وَإِنْ قَالَ: حِنْطَةٌ كَثِيرَةٌ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي النِّصَابِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا نِصَابَ لَهَا فَيُرْجَعُ إلَى بَيَانِ الْمُقِرِّ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ زِيَادَةً عَلَى مَا يُقْبَلُ بَيَانُهُ فِيهِ لَوْ قَالَ عَلَيَّ حِنْطَةٌ حَتَّى لَا تُلْغَى الصِّفَةُ وَلَوْ قَالَ أَمْوَالٌ عِظَامٌ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةً أَوْ سِتِّينَ مِثْقَالًا إنْ قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْوَالٌ جَمْعُ مَالٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ فِي الْعَادَةِ هُوَ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى حَدِّ الْغِنَى وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَلَهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ يُقَالُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ هَذَا الْأَكْثَرَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَلَزِمَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَكْثَرَ مِنْهَا) فَإِنْ بَيَّنَ أَكْثَرَ لَزِمَهُ مَا بَيَّنَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ

يَحْتَمِلُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمُعْتَادِ فِي الْبَلَدِ فَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَزْنِ لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنْ كَانُوا فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهَا مُخْتَلِفَةٌ فَهُوَ عَلَى أَقَلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ دُخُولُهُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ إذَا وَصَلَ، وَإِذَا لَمْ يَصِلْ وَسَمَّى دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَإِنْ قَالَ دُرَيْهِمٌ، أَوْ دُنَيْنِيرٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ تَامٌّ وَدِينَارٌ تَامٌّ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ دَرَاهِمَ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ فَعَلَيْهِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَزِمَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَرَاهِمُ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَقَوْلُهُ: أَضْعَافًا جَمْعٌ آخَرُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ كَانَتْ تِسْعَةً وَقَوْلُهُ: مُضَاعَفَةً يَقْتَضِي ضِعْفَ ذَلِكَ وَضِعْفُ التِّسْعَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قَالَ دَرَاهِمُ أَضْعَافًا فَهِيَ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ أَضْعَافًا جَمْعُ ضِعْفٍ فَإِذَا ضُوعِفَتْ الثَّلَاثَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَتْ تِسْعَةً. وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَأَضْعَافُهَا مُضَاعَفَةً فَعَلَيْهِ ثَمَانُونَ؛ لِأَنَّ أَضْعَافَ الْعَشَرَةِ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ضُمَّتْ إلَى الْعَشَرَةِ كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَقَدْ أَوْجَبَهَا مُضَاعَفَةً فَتَكُونُ ثَمَانِينَ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ قَالَ دَرَاهِمُ مُضَاعَفَةٌ أَضْعَافًا فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمُضَاعَفَةَ سِتَّةٌ فَإِذَا أَوْجَبَهَا أَضْعَافًا اقْتَضَى ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ غَيْرُ دِرْهَمٍ فَلَهُ دِرْهَمَانِ، وَإِنْ قَالَ غَيْرُ الْأَلْفِ فَعَلَيْهِ أَلْفَانِ، وَإِنْ قَالَ غَيْرُ أَلْفَيْنِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ؛ لِأَنَّ الْغَيْرَ مَا قَابَلَ الشَّيْءَ عَلَى طَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْعَدَدَيْنِ الْمُفَسَّرَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٍ بِالْخَفْضِ لَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دِرْهَمٌ بِالرَّفْعِ، أَوْ بِالسُّكُونِ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ، وَإِنْ قَالَ كَذَا دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ ثَلَّثَ " كَذَا " بِغَيْرِ وَاوٍ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ سِوَاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٌ - بِرَفْعِهِمَا وَتَنْوِينِهِمَا - فَسَّرَ الْأَلْفَ بِمَا لَا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ قَالَ: أَلْفٌ قِيمَةُ الْأَلْفِ مِنْهُ دِرْهَمٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا) لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَتَيْنِ وَعَطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِالْوَاوِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ دِرْهَمًا مَنْصُوبًا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَلَزِمَهُ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَإِنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ مِائَةٌ وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ كَذَا كَذَا دِينَارًا، أَوْ دِرْهَمًا لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ النِّصْفُ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ " فَوْقَ " تُسْتَعْمَلُ لِلزِّيَادَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِك مَالُ فُلَانٍ فَوْقَ مِائَةٍ، وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ تَحْتَ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ " تَحْتَ " تُذْكَرُ عَلَى طَرِيقِ النُّقْصَانِ فَلَزِمَهُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ كَذَا فِي الْقَاضِي، وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ، أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ، ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ، أَوْ قِبَلِي فَقَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ) ؛ لِأَنَّ عَلَيَّ صِيغَةُ إيجَابٍ وَكَذَا قِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَبَالَةَ اسْمٌ لِلضَّمَانِ كَالْكَفَالَةِ فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ هِيَ وَدِيعَةٌ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ مَجَازًا، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ عَلَيَّ يُفِيدُ الدَّيْنَ وَلِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ فَالْكَلَامُ لَمْ يَسْتَقِرَّ فَكَأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ اسْتِثْنَاءً فَيُقْبَلُ وَيَصِيرُ قَوْلُهُ: عَلَيَّ أَيْ عَلَيَّ حِفْظُهَا وَتَسْلِيمُهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ) (قَالَ: لَهُ عِنْدِي، أَوْ مَعِي فَهُوَ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْتِي، أَوْ فِي صُنْدُوقِي، أَوْ فِي كِيسِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَلِكَ يَتَنَوَّعُ إلَى مَضْمُونٍ وَأَمَانَةٍ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ الْوَدِيعَةُ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ هِيَ قَرْضٌ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ إنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ جَازَتْ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلِابْتِدَاءِ، وَالتَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ هِبَةٌ وَمِنْ شَرْطِ الْهِبَةِ الْقَبْضُ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا فَهَذَا إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ بِالْهِبَةِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا لَا بِالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ فِي دَرَاهِمِي هَذِهِ أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالشَّرِكَةِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ عَارِيَّةً فَهِيَ قَرْضٌ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ، وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: أَخَذْت مِنْك أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ: هِيَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ

بَلْ أَخَذْتهَا غَصْبًا كَانَتْ غَصْبًا، وَالْآخِذُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِيهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ أَوْ هَدَمَ دَارَ غَيْرِهِ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَخَذْت لَك أَلْفَيْنِ أَحَدَهُمَا وَدِيعَةً، وَالْآخَرَ غَصْبًا فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ وَهَذِهِ الْغَصْبُ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَالِ بَلْ الْغَصْبُ هُوَ الَّذِي ضَاعَ، وَهَذِهِ الْوَدِيعَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَ: اتَّزِنْهَا أَوْ انْتَقِدْهَا، أَوْ أَجِّلْنِيهَا، أَوْ قَدْ قَضَيْتُكَهَا فَهُوَ إقْرَارٌ) كَذَا إذَا قَالَ خُذْهَا، أَوْ تَنَاوَلْهَا أَوْ اسْتَوْفِهَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: خُذْ أَوْ اتَّزِنْ، أَوْ اُنْقُدْ، أَوْ اسْتَوْفِ أَوْ تَنَاوَلْ، أَوْ افْتَحْ كِيسَك، أَوْ هَاتِ مِيزَانَك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُذْكَرُ لِلِاسْتِهْزَاءِ، وَإِنْ قَالَ: هَلْ هِيَ جِيَادٌ، أَوْ زُيُوفٌ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ إقْرَارٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ، أَوْ صَدَقْتَ، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ، أَوْ لَسْتُ بِمُنْكِرٍ فَهَذَا إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ مُنْكِرًا وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ قَالَ: أَبْرَأْتَنِي مِنْهَا، أَوْ قَدْ قَبَضْتَهَا مِنِّي فَهُوَ إقْرَارٌ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْقَضَاءِ، أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَإِنْ قَالَ: عَبِّ لَهَا صُرَّةً قَالَ فِي شَرْحِهِ: هُوَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ رَاجِعَةٌ إلَى الْأَلْفِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَهَبْتَهَا لِي، أَوْ قَدْ أَحَلْتُك بِهَا عَلَى فُلَانٍ، أَوْ لَسْت أَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا الْيَوْمَ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اقْضِنِي الْأَلْفَ الَّتِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: غَدًا، أَوْ ابْعَثْ لَهَا مَنْ يَقْبِضُهَا، أَوْ أَمْهِلْنِي أَيَّامًا أَوْ أَنْتَ كَثِيرُ الْمُطَالَبَةِ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ وَكَذَا إذَا قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا بَقِيتُ أَسْتَقْرِضُ مِنْك غَيْرَهَا، أَوْ كَمْ تَمُنُّ عَلَيَّ بِهَا فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ نَتَحَاسَبُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَإِنْ قَالَ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ بَلَى فَهُوَ إقْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي الْأَجَلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُسْتَحْلَفُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ هَذَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْأَجَلَ بِكَلَامِهِ أَمَّا إذَا وَصَلَهُ صُدِّقَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَاسْتَثْنَى مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي) الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: اسْتِثْنَاءِ تَعْطِيلٍ، وَاسْتِثْنَاءِ تَحْصِيلٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَيَصِحُّ مَوْصُولًا فَالتَّعْطِيلُ تَعْطِيلُ جَمِيعِ الْكَلَامِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ التَّحْصِيلِ فَأَلْفَاظُهُ ثَلَاثَةٌ: إلَّا وَغَيْرُ وَسِوَى، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَصَّلَ بِإِقْرَارِهِ شَيْءٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً فَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ الْمُسَمَّى، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: نِسَاءٍ طَوَالِقُ إلَّا هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُ نِسَاءٌ غَيْرُهُنَّ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقْنَ كُلُّهُنَّ وَكَذَا إذَا قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعَتَقُوا جَمِيعًا وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ الْأَقَلُّ، أَوْ الْأَكْثَرُ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اسْتَثْنَى الْأَكْثَرَ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ مَا أَقَرَّ بِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْجَمِيعِ رُجُوعٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ نَفْيٌ وَالثَّانِي إيجَابٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةَ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ نَفْيٌ فَكَأَنَّهُ نَفَى بِهِ الْإِقْرَارَ بِتِسْعَةٍ يَبْقَى وَاحِدٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي إيجَابٌ فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ الثَّمَانِيَةَ مَعَ الدِّرْهَمِ الْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ، وَلَوْ قَالَ: عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ مَا أَقَرَّ بِهِ بِيَمِينِك وَالِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ بِيَسَارِكَ وَالِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ بِيَمِينِك وَعَلَى هَذَا إلَى آخِرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَا اجْتَمَعَ فِي يَسَارِك أَسْقِطْهُ مِمَّا فِي يَمِينِك فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمُقَرُّ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَثْنَى الْجَمِيعَ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَمَا إذَا اسْتَثْنَى مِنْ مِائَةِ

دِرْهَمٍ قَفِيزَ حِنْطَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ صَحَّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الْمِائَةُ الدِّرْهَمِ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ، أَوْ الْقَفِيزِ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَلَوْ قَالَ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى مَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ كَالثَّوْبِ وَالشَّاةِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ كَالْكَيْلِيِّ، وَالْوَزْنِيِّ، وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا فَقَوْلُهُ إلَّا دِينَارًا، أَوْ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ اسْتِثْنَاءُ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ فَصَحَّ فَيُطْرَحُ عَنْهُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ قِيمَةُ ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْمُسْتَثْنَى يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ وَقَفِيزَ شَعِيرٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ وَيَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْجُمْلَةَ فَصَارَ لَغْوًا فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَفِيزَ شَعِيرٍ فَقَدْ أَدْخَلَ بَيْنَ الْكُرِّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيْنَ الْقَفِيزِ الشَّعِيرِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَانْقَطَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَكَتَ ثُمَّ اسْتَثْنَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الشَّعِيرِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيَلْزَمُهُ كُرُّ حِنْطَةٍ وَتِسْعٌ وَثَلَاثُونَ قَفِيزًا مِنْ الشَّعِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ وَقَدْ اسْتَثْنَى مِنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ يَا فُلَانُ إلَّا تِسْعَةَ دَرَاهِمَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْمُنَادَى بِهِ هُوَ الْمُقَرُّ لَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا قَلِيلًا لَزِمَهُ الْأَلْفُ إلَّا الشَّيْءَ الْقَلِيلَ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ) (قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ فَالْمِائَةُ دَرَاهِمُ) يَعْنِي تَلْزَمُهُ كُلُّهَا دَرَاهِمَ وَكَذَا الدَّنَانِيرُ، وَالْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَدِرْهَمٌ كَانَ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ وَدِرْهَمَانِ كَانَ عَلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهُ فِي الْأَوَّلِ دِرْهَمٌ، وَفِي الثَّانِي دِرْهَمَانِ وَتَفْسِيرُ الْعَشَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ وَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ وَدِينَارٌ وَعَشَرَةٌ وَدِينَارَانِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ) (قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبٌ لَزِمَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ) وَالْمَرْجِعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ يَلْزَمُهُ ثَوْبَانِ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فَالْجَمِيعُ أَثْوَابٌ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ: مِائَةٌ وَشَاتَانِ يَلْزَمُهُ شَاتَانِ وَتَفْسِيرُ الْمِائَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ فَالْكُلُّ شِيَاهٌ، وَإِنْ قَالَ عَشَرَةٌ وَعَبْدٌ لَزِمَهُ الْعَبْدُ وَتَفْسِيرُ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ: دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ فُلُوسًا أَوْ جَوْزًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ: كَمَا إذَا قَالَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَيِّفًا، أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَنَيِّفٌ فَالْقَوْلُ فِي النَّيِّفِ مَا قَالَ إمَّا دِرْهَمٌ، أَوْ أَكْثَرُ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ النَّيِّفَ مَا زَادَ وَأَنَافَ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ قَالَ بِضْعٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَالْبِضْعُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفٍ، أَوْ جُلُّ أَلْفٍ، أَوْ زُهَاءُ أَلْفٍ، أَوْ عُظْمُ أَلْفٍ فَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ وَشَيْءٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: فِي الزِّيَادَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ الْكَلَامَ مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ، أَوْ تَعْلِيقٌ فَإِنْ كَانَ إبْطَالًا فَقَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إذَا مِتّ، أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْمُدَّةِ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا لَا تَعْلِيقًا حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْأَجَلِ يَكُونُ الْمَالُ حَالًّا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانِ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فُلَانٌ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ قَالَ فُلَانٌ شِئْت؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مُعَلَّقٌ بِخَطَرٍ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ، أَوْ بِهُبُوبِ الرِّيحِ، وَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ مِتّ فَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ لَهُ إنْ عَاشَ، أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ وَذَكَرَ أَجَلًا مَجْهُولًا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ وَيَبْطُلُ

الْأَجَلُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لَزِمَهُ الْإِقْرَارُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ) وَصُورَتُهُ إذَا أَقَرَّ بِفَرْضٍ، أَوْ غَصْبٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْخِيَارِ، أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ، وَالْإِقْرَارَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ، وَالْبِنَاءُ) لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَرَفَ بِالدَّارِ دَخَلَ الْبِنَاءُ تَبَعًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي، وَالْعَرْصَةُ لِفُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ دُونَ الْبِنَاءِ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ لَا يَصِحُّ إفْرَازُهُ مِنْ الدَّارِ، وَإِنْ قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي، وَالْأَرْضُ لِفُلَانٍ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْأَرْضِ إقْرَارًا بِالْبِنَاءِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ. . (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ، وَالْقَوْصَرَّةُ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَضَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ، وَالْقَوْصَرَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى فِعْلٍ بَلْ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ تَمْرٌ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ الْقَوْصَرَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ، وَالْقَوْلَ يَتَمَيَّزُ بِهِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْت لَهُ زَعْفَرَانًا فِي سَلَّةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ: غَصَبْته طَعَامًا فِي جَوْلَقٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْته تَمْرًا مِنْ قَوْصَرَّةٍ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ، وَالْقَوْصَرَّةُ تُرْوَى بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَهِيَ وِعَاءٌ لِتَمْرٍ مُتَّخَذٌ مِنْ قَصَبٍ بَرِّيٍّ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى قَوْصَرَّةً مَا دَامَ فِيهَا التَّمْرُ، وَإِلَّا فَهِيَ زِنْبِيلٌ قَالَ الشَّاعِرُ أَفْلَحَ مَنْ كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّهْ ... يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّهْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَهُ الدَّابَّةُ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْغَصْبُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا إذَا قَالَ غَصَبْته مِائَةَ كُرٍّ حِنْطَةً فِي بَيْتٍ لَزِمَهُ الْحِنْطَةُ دُونَ الْبَيْتِ فِي قَوْلِهِمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْبَيْتُ، وَالْحِنْطَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ غَصَبْته ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمِنْدِيلَ ظَرْفًا لَهُ وَهُوَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى أَخْذِ الثَّوْبِ إلَّا بِالْإِيقَاعِ فِي الْمِنْدِيلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي ثَوْبٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ وَهَذَا إذَا قَالَ: غَصَبْته أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْغَصْبَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي الْعَادَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: غَصَبْته ثَوْبًا فِي دِرْهَمٍ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا) لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُلَفَّ الثَّوْبُ النَّفِيسُ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ حَرْفَ " فِي " قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْنِ، وَالْوَسْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ بَيْنَ عِبَادِي فَوَقَعَ الشَّكُّ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَمِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِثَوْبٍ مَعِيبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّلِيمِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ وَقَالَ: هِيَ زُيُوفٌ) فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهَا غَصْبٌ وَلَمْ يَنْسُبْ ذَلِكَ إلَى ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ وَقِيلَ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ أَمَّا إذَا نَسَبَ ذَلِكَ إلَى بَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ لَمْ يُصَدَّقْ

وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ عَقْدِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الثَّمَنِ وَكَوْنَهَا زُيُوفًا عَيْبٌ فِيهَا فَقَدْ ادَّعَى رِضَا الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فَلَا يُصَدَّقُ وَعِنْدَهُمَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ) (قَالَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ - يُرِيدُ الضَّرْبَ، وَالْحِسَابَ - لَزِمَهُ خَمْسَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُكْثِرُ الْأَعْيَانَ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا لَهُ مِسَاحَةٌ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرَةٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَمَا بَعْدَهُ وَتَسْقُطُ الْغَايَةُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا) فَيَدْخُلُ الِابْتِدَاءُ، وَالْغَايَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَلَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ وَكَذَا إذَا قَالَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ وَلَوْ قَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ فَالْحَائِطَانِ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِقْرَارِ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مُرَتَّبَةً وَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَا بَيْنَ هَذَا الدِّرْهَمِ إلَى هَذَا الدِّرْهَمِ وَأَشَارَ إلَى الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلِلْمُقَرِّ لَهُ ثَمَانِيَةٌ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ، أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ يَقَعُ طَلْقَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ مِنْ دِينَارٍ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ الْحَدَّ الَّذِي لَا يَدْخُلُ مِنْ أَفْضَلِهِمَا وَيَقُولُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ أَرْبَعَةُ وَلَوْ قَالَ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَكَذَا إذَا قَالَ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ إلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ فَعَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُرٌّ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ مِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ مِائَةٌ وَتِسْعُونَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فَإِذَا جَعَلَ الْغَايَةَ جُمْلَةً أَسْقَطَ مِنْهَا الْعَدَدَ الَّذِي يَكْمُلُ بِهِ الْجُمْلَةُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمِائَةَ تَتَرَكَّبُ مِنْ الْعَشَرَاتِ فَسَقَطَتْ الْعَشَرَةُ الَّتِي تَكْمُلُ بِهَا الْمِائَةُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْمِائَتَانِ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ) (قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ ذَكَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْعَبْدَ وَخُذْ الْأَلْفَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك) لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالْأَلْفِ فِي مُقَابَلَةِ مَبِيعٍ يَلْزَمُهُ ثَمَنُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدُ عَبْدُك مَا بِعْتُكَهُ، وَإِنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُقَرِّ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ، وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ عَبْدِي مَا بِعْتُكَهُ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ بِالْمَالِ إلَّا عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ إلَّا أَنِّي لَمْ أَقْبِضْهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) وَلَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْت وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ، وَإِنْكَارُهُ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُنَافِي الْوُجُوبَ أَصْلًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا أَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ) (قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ لَا يَلْزَمُهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ وَعِنْدَهُمَا إذَا وَصَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ عَلَيَّ هَذَا الْحَائِطُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّكِّ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَدْخُلُهُ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْحَائِطِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ هُوَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَضْمَنُ لِلثَّانِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلثَّانِيَّ حَصَلَ فِي

مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ لِلْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ لِلثَّانِي قِيمَتَهُ وَلَوْ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ وَلَا أَقَلُّ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَلَوْ قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا صَبِيٌّ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ بَلْ أَقْرَرْت لِي وَأَنْتَ بَالِغٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا نَائِمٌ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ أَقْرَرْت لَك وَأَنَا ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ جُنُونٍ، أَوْ بِرْسَامٍ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ أَصَابَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ سَلَامَتُهُ، وَإِنْ قَالَ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا يَصِحُّ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَهِيَ زُيُوفٌ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا صُدِّقَ، وَإِنْ قَالَهُ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ وَكَذَا إذَا قَالَ: أَقْرَضَنِي أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَتَاعَ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَبِيعَ، وَالْقَرْضَ قِيلَ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ لَا إلَى الِاسْتِهْلَاكِ الْمُحَرَّمِ، وَإِنْ قَالَ غَصَبْته أَلْفًا، أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ، أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ وَصَلَ، أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَيُودِعُ مَا يَمْلِكُ فَلَا مُقْتَضِيَ لَهُ فِي الْجِيَادِ وَلَا تَعَامُلَ فَيَصِحَّ، وَإِنْ فَصَلَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ مَفْصُولًا اعْتِبَارًا بِالْفَرْضِ وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ، أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ، الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ قَالَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَلْفًا إلَّا أَنَّهَا تَنْقُصُ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا إذَا وَصَلَ، وَأَمَّا إذَا فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْمِقْدَارِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا بِخِلَافِ الزِّيَافَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ فَإِنْ كَانَ الْفَصْلُ ضَرُورَةَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ فَهُوَ وَاصِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ الْآخَرُ أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَالَ أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً فَقَالَ غَصَبْتهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ ادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْإِذْنُ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي الثَّانِي أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَالْقَبْضُ فِي هَذَا كَالْأَخْذِ وَالدَّفْعُ كَالْإِعْطَاءِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِخَاتَمٍ فَلَهُ الْحَلْقَةُ، وَالْفَصُّ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى الْفَصَّ فَقَالَ الْخَاتَمُ لَهُ، وَالْفَصُّ لِي كَانَ الْجَمِيعُ لِلْمُقَرِّ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَيْفٍ فَلَهُ النَّصْلُ، وَالْجِفْنُ، وَالْحَمَائِلُ) الْجِفْنُ الْغِمْدُ وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ يَنْطَوِي عَلَى الْكُلِّ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِحَجَلَةٍ فَلَهُ الْعِيدَانُ، وَالْكِسْوَةُ) الْحَجَلَةُ خَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ قَالَ أَوْصَى بِهَا فُلَانٌ، أَوْ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبٍ يَصْلُحُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ: عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ جِهَةِ مِيرَاثٍ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ اسْتَهْلَكْتُهَا، وَفِي الْوَصِيَّةِ يَقُولُ أَوْصَى بِهَا فُلَانٌ غَيْرُ أَبِيهِ فَاسْتَهْلَكْتُهَا وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا لِلْجَنِينِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا لِأَبِيهِ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَيْهِ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْوَصِيَّةِ ذُكُورُهُمْ، وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، وَفِي الْمِيرَاثِ يَكُونُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ بَاعَنِي، أَوْ أَقْرَضَنِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ، ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَفِي الْوَصِيَّةِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَيُعْتَبَرُ فِي حَمْلِ الدَّابَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي حَمْلِ الْجَارِيَةِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ مَيِّتًا فَالْمَالُ لِلْمُوصِي يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصِحَّ) وَهَذَا (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ رَجُلٌ، أَوْ مَاتَ

مُوَرِّثُهُ، وَالْإِبْهَامُ أَنْ يَقُولَ لِحَمْلِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ، أَوْ بِحَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَلَزِمَهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَهَالَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ يَصِحُّ وَهَذَا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ جَائِزَةٌ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ بَعْدَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي الْعِدَّةِ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ وَكَذَا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَوْلَى وَكَذَا بِمَا فِي بَطْنِ دَابَّتِهِ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الدَّوَابِّ سِوَى الشَّاةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَقَلُّ مُدَّةِ حَمْلِ الشَّاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. . (قَوْلُهُ:، وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدُيُونٍ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي صِحَّتِهِ وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي مَرَضِهِ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَدَيْنُ الصِّحَّةِ وَالدَّيْنُ الْمَعْرُوفُ بِالْأَسْبَابِ مُقَدَّمٌ) لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ثُبُوتِ الْمَعْرُوفِ بِالْأَسْبَابِ؛ إذْ الْمُعَايَنُ لَا مَرَدَّ لَهُ مِثْلُ بَدَلِ مَالٍ يَمْلِكُهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ وَعُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَهَذَا الدَّيْنُ مِثْلُ دَيْنِ الصِّحَّةِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفْرِدَ بَعْضَهُمْ بِالْقَضَاءِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلِأَنَّ فِي إيثَارِ الْبَعْضِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ وَغُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، وَالْمَرَضِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إلَّا إذَا قَضَى مَا اسْتَقْرَضَهُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ نَقَدَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَى فِي مَرَضِهِ وَقَدْ عُلِمَ بِالْبَيِّنَةِ وَقَوْلُهُ: وَدُيُونٌ لَزِمَتْهُ بِأَسْبَابٍ مَعْلُومَةٍ مِثْلُ ثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ لَزِمَتْهُ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ فَهَذِهِ الدُّيُونُ وَدُيُونُ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا قُضِيَتْ) يَعْنِي الدُّيُونَ الْمُقَدَّمَةَ وَفَضَلَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ لَزِمَتْهُ فِي صِحَّتِهِ جَازَ إقْرَارُهُ وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى مِنْ الْوَرَثَةِ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَمَنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ إقْرَارُهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الصِّحَّةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمَرَضِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ صَاحِبُهُ أَنْ يَقُومَ إلَّا أَنْ يُقِيمَهُ إنْسَانٌ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنْ كَانَ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: هُوَ أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَهَذَا أَحَبُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ هُوَ أَنْ لَا يُطِيقَ الْقِيَامَ إلَى حَاجَتِهِ، وَيَجُوزَ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا، أَوْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ فَهَذَا هُوَ حَدُّ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي تَكُونُ تَبَرُّعَاتُ صَاحِبِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَرَضُ الْمَخُوفُ كَالطَّاعُونِ، وَالْقُولَنْجِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ، وَالْحُمَّى الْمُطْبِقَةِ، وَالْإِسْهَالِ الْمُتَوَاتِرِ وَقِيَامِ الدَّمِ وَالسُّلِّ فِي انْتِهَائِهِ، وَغَيْرُ الْمَخُوفِ كَالْجَرَبِ وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالرَّمَدِ، وَالْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَالْمَرْأَةُ إذَا أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَمَا فَعَلَتْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ سَلِمَتْ مِنْهُ جَازَ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. (قَوْلُهُ: وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ) وَكَذَا هِبَتُهُ لَهُ وَوَصِيَّتُهُ لَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ تُجِيزَهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَهَذَا إذَا اتَّصَلَ الْمَرَضُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَلَا إقْرَارَ لَهُ بِالدَّيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا عِنْدَ

الْمَوْتِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ عَكْسُهُ وَلَوْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ أَقَلَّ صُدِّقَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثِهِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ جَازَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِهَذَا الْوَارِثِ فَاسْتَهْلَكْتهَا وَلَوْ وَهَبَ لِوَارِثِهِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ ضَمِنَ الْوَارِثُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ عَلَى الْوَارِثِ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنْ حَابَا فِيهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُحَابَاةُ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ، وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ قَدْ كُنْت أَبْرَأْت فُلَانًا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ فِي صِحَّتِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبَرَاءَةَ فِي الْحَالِ فَإِذَا أَسْنَدَهَا إلَى زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ حَكَمْنَا بِوُجُودِهَا فِي الْحَالِ وَكَانَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَاعْلَمْ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْمُحَابَاةِ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ لَهَا) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَقَرَّ لِابْنِهِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزْوِيجِ فَبَقِيَ إقْرَارُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ يَعْنِي أَنَّ التَّزْوِيجَ إنَّمَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فَمَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا تَوَصَّلَا بِالطَّلَاقِ إلَى تَصْحِيحِ الْإِقْرَارِ لَهَا زِيَادَةً عَلَى مِيرَاثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ فَتُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَهَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِرِضَاهَا مِثْلُ أَنْ تَسْأَلَهُ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَالْإِقْرَارُ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَرِثُ بِأَنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً صَحَّ إقْرَارُهُ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَوَصِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ ابْنُهُ وَصَدَّقَهُ الْغُلَامُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَيُشَارِكُ الْوَرَثَةَ فِي الْمِيرَاثِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْبُنُوَّةِ مَعْنًى أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ وَقَوْلُهُ: صَدَّقَهُ الْغُلَامُ هَذَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَكَانَ عَاقِلًا أَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِ وَسَوَاءٌ صَدَّقَهُ فِي حَيَاةِ الْمُقِرِّ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ الْمُقِرُّ إنْ كَانَ امْرَأَةً لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّهَا أَكْبَرَ مِنْهُ بِتِسْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سِنُّهُ أَكْبَرَ مِنْهُ بِاثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَنِصْفٍ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ عَنْهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لِكَيْ لَا يَكُونَ مُكَذَّبًا فِي الظَّاهِرِ وَلَوْ أَنَّ الْغُلَامَ إنَّمَا صَدَّقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّ تَصْدِيقُهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ، ثُمَّ مَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزَّوْجِ، ثُمَّ مَاتَتْ فَصَدَّقَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِالْمَوْتِ وَزَالَتْ أَحْكَامُهُ فَلَمْ يَجُزْ التَّصْدِيقُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ ثَابِتٌ وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ صَغِيرٌ لَهُ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ وَلَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ثَبَتَ النَّسَبُ أَيْضًا مِنْ الْمَوْلَى وَيَعْتِقُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُ الْعَبْدِ فَقَالَ هَذَا أَبِي وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنَّ هُنَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ إنْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ ابْنُهُ فَقَدْ ادَّعَى مَا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فَيُصَدَّقُ، وَأَمَّا فِي دَعْوَاهُ الْأُبُوَّةَ فَإِنَّهُ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَمَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يُقْبَلْ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إقْرَارُ

الرَّجُلِ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ، وَالْمَوْلَى) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَيُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، أَوْ لَمْ يُقِمْ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنًى تُلْزِمُهُ نَفْسَهَا وَلَا تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ، أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ) يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً، أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَمَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهَا فَلَا تُصَدَّقُ فَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ إقْرَارِهَا وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَإِذَا ثَبَتَ الْوِلَادَةُ مِنْهَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِثَلَاثَةٍ الزَّوْجِ، وَالْمَوْلَى، وَالْأَبِ لَا غَيْرُ فَيَظْهَرُ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ بِالْوَالِدَيْنِ وَقَعَ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ التَّنَاقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْأُمِّ وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِهَا فَيَكُونُ تَصْدِيقُهَا بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ إقْرَارَ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ لَا يُقْبَلُ وَيَصِحُّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّهَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَيَكُونُ كَوَلَدِ الزِّنَا فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أُمِّهِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ اثْنَانِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ كَانَ ابْنَهُمَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا يَرِثُ الْأَبَوَانِ مِنْهُ إلَّا مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السُّدُسُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ خَلَفَ أَوْلَادًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ وَرِثَ الْأَبُ الْبَاقِي السُّدُسَ كَامِلًا، وَإِنْ ادَّعَى ثَلَاثَةٌ وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَهُوَ ابْنُهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا يَثْبُتُ مِنْ خَمْسٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةِ رِجَالٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُقْضَى بِهِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ وَلَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ امْرَأَتَانِ ابْنًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ وَلَا يُقْضَى بِهِ لِلْمَرْأَتَيْنِ، وَإِنْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ تُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقْضَى بِهِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَإِذَا زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الزَّانِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْهَا بِالْوِلَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ مِثْلُ الْأَخِ، وَالْعَمِّ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ فِي النَّسَبِ) لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ، أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَهِيَ أَوْلَى مِنْهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ اسْتَحَقَّ الْمُقَرُّ لَهُ مِيرَاثَهُ) لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِهِ فَيَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ، ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ وَصِيَّةً لَاشْتَرَكَا نِصْفَيْنِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ خَالٍ، أَوْ عَمٍّ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك قَرَابَةٌ صَحَّ رُجُوعُهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ أَخِيهِ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ؛ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ: وَالِاشْتِرَاكَ فِي الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيَثْبُتُ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَلَكِنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ " وَيُشَارِكُهُ " إذَا أَقَرَّ الِابْنُ

كتاب الإجارة

الْمَعْرُوفُ بِأَخٍ لَهُ أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ أَخَذَتْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ وَهُوَ ابْنُ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِزَوْجَةٍ لِأَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِامْرَأَةٍ هَذِهِ امْرَأَةُ أَبِي إنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ جَازَ وَيَكُونُ لَهَا الثُّمُنُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمَا فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ يَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ لِلْمَرْأَةِ سَهْمَانِ وَلَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الِابْنُ الْآخَرُ احْتَجْت إلَى قِسْمَتَيْنِ قِسْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَهُوَ أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَمَا حَصَلَ لِلْمُقِرِّ جُعِلَ عَلَى تِسْعَةٍ لِلْمَرْأَةِ اثْنَانِ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ إلَّا أَنَّ الْمُنْكِرَ ظَالِمٌ حَيْثُ أَخَذَ النِّصْفَ تَامًّا فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُقِرِّ، وَالْمَرْأَةِ عَلَى مَقَادِيرِ سِهَامِهِمَا يَعْنِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ سَهْمَيْنِ وَلَهُ سَبْعَةً فَلَمَّا صَارَ هَذَا النِّصْفُ عَلَى تِسْعَةٍ صَارَ الْكُلُّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ تِسْعَةٌ لِلْمُنْكِرِ وَسَهْمَانِ لِلْمَرْأَةِ وَسَبْعَةٌ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ فِي نَصِيبِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهُ بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهَا أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَا لَمْ يُخْلَقْ وَعَلَى مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطِ الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ - أَيْ أَعْطَى بِي الذِّمَامَ - وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا وَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَاسْتَوْفَى مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ) حَتَّى لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ حَائِلٌ أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَعْقُودَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الِاسْتِبَاحَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَالْمَهْرُ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَسْلِيمِهَا حَائِلٌ، أَوْ مَاتَتْ عَقِيبَ الْعَقْدِ، ثُمَّ التَّمْلِيكَاتُ نَوْعَانِ تَمْلِيكُ عَيْنٍ وَتَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ فَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ نَوْعَانِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ نَوْعَانِ أَيْضًا بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَدَلِهِ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ، وَالْمَبِيعِ، ثُمَّ الْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ شُرِطَ فِيهَا بَيَانُ الْمِقْدَارِ وَيَقَعُ عَلَى نَقْدِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَتْ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةَ الْمَالِيَّةِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ تَقَعُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْغَلَبَةُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا إنْ يُبَيَّنَ أَحَدُهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَيْلِيًّا، أَوْ وَزْنِيًّا، أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ مَوْضِعِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَيُسَلِّمُهُ عِنْدَ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْأَجَلِ. فَإِنْ بَيَّنَ الْأَجَلَ صَارَ مُؤَجَّلًا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ عُرُوضًا أَوْ ثِيَابًا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَالْأَجَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا سَلَمًا فَيُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَبِيدِ، وَالْجَوَارِي وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً مُشَارًا إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَةً فَعَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ كَالسُّكْنَى بِالرُّكُوبِ أَوْ الْمُزَارَعَةِ بِاللُّبْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِخِدْمَةِ عَبْدٍ جَازَ، وَأَمَّا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى، أَوْ رُكُوبَ دَابَّةٍ بِرُكُوبِ دَابَّةٍ أُخْرَى، أَوْ زِرَاعَةَ أَرْضٍ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إجَارَةُ الْمَنَافِعِ بِالْمَنَافِعِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِجِنْسِهَا، أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا يَخْدُمُهُ شَهْرًا بِخِدْمَةِ أَمَتِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَنَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّسَاءَ لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ فَإِنْ خُدِمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُخْدَمْ الْآخَرُ قَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَآجَرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ يَخِيطُ مَعَهُ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَصُوغَ

نَصِيبَهُ مَعَهُ فِي الشَّهْرِ الدَّاخِلِ لَمْ يَجُزْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّصِيبَيْنِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ مُتَّفِقَانِ فِي الصِّفَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الْعَمَلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي عَبْدَيْنِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. . (قَوْلُهُ: وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُون أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَيُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً كَالْحَيَوَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَكَذَا اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى، وَالْأَرَضِينَ لِلزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الدُّورِ، وَالْأَرْضِ لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِيهَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: شَهْرٌ، وَالْآخَرُ: أَكْثَرُ فَيَقَعُ التَّنَازُعُ. (قَوْلُهُ: أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ) يَعْنِي طَالَتْ، أَوْ قَصُرَتْ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الْمُتَوَلِّي إلَى طَوِيلِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ السِّعْرُ بِحَالِهِ لَمْ يَزْدَدْ وَلَمْ يَنْتَقِصْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ غَلَى أَجْرُهُ مِثْلَهَا فَإِنَّهُ يَفْسَخُ ذَلِكَ وَيُجَدِّدُ الْعَقْدَ ثَانِيًا، وَفِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً فَإِنَّهَا إلَى وَقْتِ الزِّيَادَةِ يَجِبُ فِيهَا مِنْ الْمُسَمَّى بِقَدْرِهِ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهَا، وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ أُجْرَتُهَا أَيْ رَخُصَتْ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْإِجَارَةُ فِي الْأَوْقَافِ لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا فَإِنْ أَجَّرَ الْوَقْفَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلَمْ تَزْدَدْ الرَّغَبَاتُ وَلَا غَلَا السِّعْرُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ أَمَّا إذَا ازْدَادَتْ الرَّغَبَاتُ وَغَلَا السِّعْرُ فُسِخَتْ وَيُجَدَّدُ الْعَقْدُ بِالزَّائِدِ وَيُؤْخَذُ فِيمَا مَضَى بِقَدْرِ الْمُسَمَّى وَعَلَى هَذَا أَرْضُ الْيَتِيمِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا إذَا زَادَ وَاحِدٌ فِي أُجْرَتِهَا مُضَارَّةً فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْحَوَانِيتِ الْمَوْقُوفَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ، أَوْ خِيَاطَتِهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ أَنَّهُ مِنْ الْقُطْنِ، أَوْ الْكَتَّانِ، أَوْ الصُّوفِ، أَوْ الْحَرِيرِ وَبَيَّنَ لَوْنَ الصِّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ أَنَّهَا فَارِسِيَّةٌ، أَوْ رُومِيَّةٌ وَبَيَّنَ الْقَصَارَةَ أَنَّهَا مَعَ النَّشَا أَوْ دُونَهُ وَبَيَّنَ الْقَدْرَ الْمَحْمُولَ عَلَى الدَّابَّةِ وَجِنْسَهُ، وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا، أَوْ يَتَلَقَّاهُ فَهُوَ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مَوْضِعًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ التَّشْيِيعَ يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ، وَالْبُعْدِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَبْلُغَ عَلَيْهَا مَنْزِلَهُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَنْقَضِيَ الْإِجَارَةُ بِبُلُوغِهِ إلَى أَدْنَى الْكُوفَةِ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَسَقْيُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنْ عَلَفَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَفَهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْبَدَلُ الْمَجْهُولُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّتَهُ بِعَلَفِهَا لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ الْأُجْرَةِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ لِلطَّبْخِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ لِمَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّعْيِينِ، وَالْإِشَارَةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَنْقُلَ لَهُ هَذَا الطَّعَامَ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ) قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَمَا لَمْ يَحُطَّ الطَّعَامَ مِنْ رَأْسِهِ لَا تَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا شَهْرًا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ حَصَلَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى الْهِلَالِ فَإِذَا انْسَلَخَ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً إنْ وَقَعَ فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَقَعَ عَلَى تِلْكَ السَّنَةِ كُلِّهَا بِالْأَيَّامِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ بِالْأَيَّامِ بِحَسَبِ مَا بَقِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَكْمُلُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَثْوَارًا لِلْحَرْثِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِالْعَمَلِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَحْرُثَ لَهُ أَرْضًا مَعْلُومَةً يُعَيِّنُهَا، أَوْ يُقَدِّرُهَا بِالْمُدَّةِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْرُثَ عَلَيْهِ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ شَهْرًا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ مَعَ هَذَا مَعْرِفَةَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ (مَسْأَلَةٌ) :

اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أُجْرَةِ الْعَوْنِ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْقَاضِي مَعَ الْمُدَّعِي إلَى خَصْمِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُتَمَرِّدِ وَكَذَا السَّارِقُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ فَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ الَّذِي يَحْسِمُ بِهِ الْعُرُوقَ عَلَى السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَهُوَ السَّرِقَةُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ لِلسُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا) الْحَوَانِيتُ هِيَ الدَّكَاكِينُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى فَتَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَصَارَتْ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ نَوْعِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْحَدَّادَ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الدَّارِ جَازَ وَيَعْنِي بِالطَّحَّانِ رَحَى الْمَاءِ وَرَحَى الثَّوْرِ لَا رَحَى الْيَدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُمْنَعُ مِنْ الْكُلِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ رَحَى الْيَدِ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ مُنِعَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي الْحَلْوَانِيُّ، وَأَمَّا كَسْرُ الْحَطَبِ فَلَا يُمْنَعُ عَنْ كَسْرِ الْمُعْتَادِ مِنْهُ وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَلَهُ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ بِنَفْسِهِ وَيُسْكِنَ غَيْرَهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا فَإِذَا قَبَضَهَا ثُمَّ أَجَّرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَّرَهَا بِمِثْلِ مَا اسْتَأْجَرَهَا، أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ أَجَّرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا جَازَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى لَا يَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ فَإِنْ كَانَ زَادَ فِي الدَّارِ شَيْئًا كَمَا لَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ طَيَّنَهَا، أَوْ أَصْلَحَ أَبْوَابَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ حِيطَانِهَا طَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ، وَأَمَّا الْكَنْسُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ زِيَادَةً وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مَنْ شَاءَ إلَّا الْحَدَّادَ، وَالْقَصَّارَ وَالطَّحَّانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْقُولًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُولٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْقُولًا لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ وَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ، وَإِذَا أَجَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ، أَوْ الْأَرْضَ مِمَّنْ آجَرَهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ وَالطَّرِيقُ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِالشِّرْبِ وَالسُّلُوكِ إلَيْهَا فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَاهَا وَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ، أَوْ الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ وَلَا بَأْسَ بِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رِيِّهَا إذَا كَانَتْ مُعْتَادَةً لِلرِّيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَزْرَعُ بِهِ بَعْضَهَا فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَنْقُضْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا رَوَى مِنْهَا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا، أَوْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ) يَعْنِي أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ مَا لَمْ يَزْرَعْهَا أَمَّا لَوْ زَرَعَهَا وَمَضَتْ الْإِجَارَةُ صَحَّتْ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا حَمْلًا مُتَعَارَفًا فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِنَّ لَهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ عَطِبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَا قَالَ عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ فَإِنْ زَرَعَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا قَبْلَ الْفَسْخِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ أَزْرَعَ فِيهَا مَا أَشَاءُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَشَاءُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ السَّاحَةَ لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا نَخْلًا، أَوْ شَجَرًا فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَزِمَهُ قَلْعُ ذَلِكَ وَيُسَلِّمُهَا فَارِغَةً) لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِيهَا زَرْعٌ فَإِنَّهَا تَبْقَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقَّيْنِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْغَرْسِ وَالشَّجَرِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِيهَا ثَمَرٌ فَإِنَّهُ

يُؤَخَّرُ إلَى إدْرَاكِهِ بِالْأُجْرَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَذَا فِي الْقَاضِي، وَإِنْ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ، وَفِي الْأَرْضِ رَطْبَةٌ فَإِنَّهَا تُقْلَعُ؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَأَشْبَهَتْ الشَّجَرَةَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخْتَارَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا وَيَكُونَ لَهُ) إنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَتَمَلَّكُهُ بِالْقِيمَةِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ فَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ فَيَكُونَ الْبِنَاءُ لِهَذَا، وَالْأَرْضُ لِهَذَا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَهُ وَيَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ لِلرُّكُوبِ، وَالْحَمْلِ) ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ) عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ لَكِنْ إذَا رَكِبَ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَرْكَبَ وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الرُّكُوبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ فَإِنْ رَكِبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ مَا عُيِّنَ رَاكِبُهَا فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَأَطْلَقَ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا فُلَانٌ، أَوْ يَلْبَسَ الثَّوْبَ فُلَانٌ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ، أَوْ أَلْبَسَ الثَّوْبَ غَيْرَهُ كَانَ ضَامِنًا إنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ، أَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ) لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ فَصَحَّ التَّعْيِينُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَأَمَّا الْعَقَارُ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ سَاكِنًا فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَمَّى قَدْرًا، أَوْ نَوْعًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ خَمْسَةُ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ أَوْ أَقَلُّ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ، أَوْ لِكَوْنِهِ خَيْرًا مِنْ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ كَيْلِ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا لَا وَزْنًا وَبَعْضُهُمْ سَوَّى بَيْنَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ شَعِيرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَعَطِبَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ مِنْ الشَّعِيرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَعِيرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا فِي أَحَدِ الْجَوْلَقَيْنِ حِنْطَةً، وَفِي الْآخَرِ شَعِيرًا فَعَطِبَتْ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ وَنِصْفُ الْأُجْرَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَالْمِلْحِ، وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ) لِأَنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا) لِأَنَّهُ أَضَرُّ بِالدَّابَّةِ فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَقَعُ مِنْ الدَّابَّةِ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا، وَالْقُطْنُ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا فَكَانَ أَخَفَّ عَلَى الدَّابَّةِ وَأَيْسَرَ فَإِنْ هَلَكَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِحَمْلِهِ صَارَ مُخَالِفًا فَصَارَ كَالْغَاصِبِ كَذَا فِي الْقَاضِي، وَأَمَّا إذَا سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ الْحَدِيدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ قُطْنًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا آخَرَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ نِصْفَ

قِيمَتِهَا) يَعْنِي مَعَ الْأُجْرَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ كُلَّ الْقِيمَةِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَأَرْدَفَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرْدَفَ صَبِيًّا لَا يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ فَهُوَ كَالرَّجُلِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ الثِّقَلُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَضُرُّهَا حَمْلُ الرَّاكِبِ الْخَفِيفِ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ) لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا كَانَ حِمْلًا لَا تُطِيقُهُ مِثْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ أَصْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ عَادَةِ طَاقَةِ الدَّابَّةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ. وَقَوْلُهُ " الثِّقَلِ " بِكَسْرِ الثَّاءِ وَتَحْرِيكِ الْقَافِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان فَجَاوَزَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا وَبِالْخِلَافِ صَارَ ضَامِنًا، ثُمَّ إذَا عَادَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأُجْرَةُ لِلذَّهَابِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلْمَجِيءِ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الْمَكَانَ صَارَ مُخَالِفًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْأُجْرَةُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْحِيرَةِ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْحِيرَةِ فَنَفَقَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ وَكَذَا الْعَارِيَّةُ فَقِيلَ: تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى الْحِيرَةِ فَلَا يَصِيرُ بِالْعَوْدِ مَرْدُودًا إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ وَقِيلَ الْجَوَابُ مُجْرًى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَانِ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَذْهَبْ بِهَا وَجَلَسَ فِي دَارِهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَعَطِبَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِحَبْسِهِ لَهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَرَكِبَهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ إنْ كَانَ النَّاسُ يَسْلُكُونَهُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ. وَإِذَا لَمْ تَهْلِكْ وَبَلَغَ الْمَوْضِعَ الْمَعْلُومَ، ثُمَّ رَجَعَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ لِيَرْكَبَهَا فَذَهَبَ بِهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَسَلَّمَ الْمَفَاتِيحَ إلَيْهِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ سَوَاءٌ سَكَنَهَا، أَوْ لَمْ يَسْكُنْ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا عَطِبَتْ الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَوْ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا خِلَافٍ وَلَا جِنَايَةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ، أَوْ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا عُرْيًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَّا عُرْيًا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِسَرْجٍ لَمْ يَرْكَبْهَا عُرْيًا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْحَمْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْكَبَهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلرُّكُوبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَّكِئُ عَلَى ظَهْرِهَا بَلْ يَكُونُ رَاكِبًا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعَادَةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّ الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ صَاحِبِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي إمْسَاكِهَا فَلَزِمَهُ الرَّدُّ فَإِنْ حَبَسَهَا فِي بَيْتِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا حَتَّى تَلِفَتْ إنْ كَانَ حَبَسَهَا لِعُذْرٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ. . (قَوْلُهُ: فَإِنْ) (كَبَحَ الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا) أَيْ جَذَبَهَا إلَى نَفْسِهِ بِعُنْفٍ. (أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ) (ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)

الأجير المشترك والأجير الخاص

وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ مِنْهُ فِعْلًا مُتَعَارَفًا، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُعْتَادٍ، أَوْ كَبَحَهَا كَبْحًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ الْمُعَلِّمِ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِدُونِ الْإِذْنِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِإِمْكَانِ التَّعْلِيمِ بِلَا ضَرْبٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا فِي الْمُعَلِّمِ، وَالْأُسْتَاذِ الَّذِي يُسَلَّمُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ فِي صِنَاعَةٍ إذَا ضَرَبَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهِ، أَوْ وَصِيِّهِ فَمَاتَ ضَمِنَا، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَاهُ بِإِذْنِ الْأَبِ، أَوْ الْوَصِيِّ لَمْ يَضْمَنَا وَهَذَا إذَا ضَرَبَاهُ ضَرْبًا مُعْتَادًا يُضْرَبُهُ مِثْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ضَمِنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَ الْأَبُ ابْنَهُ فَمَاتَ ضَمِنَ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ لِلتَّأْدِيبِ فَمَاتَ ضَمِنَ وَلَا يَرِثَانِ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَضْمَنَانِ وَيَرِثَانِ وَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا إذَا ضَرَبَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ لِنُشُوزٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَمَاتَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ إجْمَاعًا وَلَا يَرِثُ وَلَوْ وَطِئَهَا فَمَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَكَذَا إذَا أَفْضَاهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْوَطْءِ فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ مَاتَتْ مِنْ وَطْئِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ أَفْضَاهَا، وَالْبَوْلُ لَا يَسْتَمْسِكُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ فَثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا إذَا كَسَرَ فَخِذَهَا فِي حَالَةِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ كَسْرَ الْفَخِذِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ حَادِثٍ مِنْ الْوَطْءِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. [الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكِ وَالْأَجِيرُ الْخَاصّ] (قَوْلُهُ: وَالْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَجِيرٌ مُشْتَرَكٍ وَأَجِيرٍ خَاصٍّ، فَالْمُشْتَرَكُ كُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ مَنْ يَعْمَلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِعَمَلِهِ وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ. (قَوْلُهُ: وَالْمَتَاعُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ مَضْمُونٌ) عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنُهُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَلَفُهُ مِنْ شَيْءٍ غَالِبٍ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ - وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ حَوَانِيتِ الْبَيْتِ -، وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمَنَعَةِ وَمَوْتِ الشَّاةِ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ مُحْدَثًا فِيهِ عَمَلٌ أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ مُصْحَفًا لِيَعْمَلَ لَهُ غِلَافًا، أَوْ سَيْفًا لِيَعْمَلَ لَهُ جِفْنًا، أَوْ سِكِّينًا لِيَعْمَلَ لَهَا نَصْلًا فَضَاعَ الْمُصْحَفُ، أَوْ السَّيْفُ، أَوْ السِّكِّينُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ عَلَى إيقَاعِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَتَاعُ أَمَانَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَهُمَا يَقُولَانِ هُوَ مَضْمُونٌ احْتِيَاطًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْأُجَرَاءَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ اجْتَهَدُوا فِي الْحِفْظِ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ عِنْدَ الْفَتْوَى فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الصُّلْحَ عَلَى النِّصْفِ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ إذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَيُعْطِيهِ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ وَلَوْ ادَّعَى الْأَجِيرُ الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأُجْرَةِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَضْمُونٌ عِنْدَ الْأَجِيرِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (قَوْلُهُ: وَمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلَقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي الْحِمْلَ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ جَفَّفَ الْقَصَّارُ ثَوْبًا عَلَى حَبْلٍ فَمَرَّتْ بِهِ حَمُولَةٌ فِي الطَّرِيقِ فَخَرَّقَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَجْفِيفُهُ إلَّا عَلَى حَبْلٍ، أَوْ حَائِطٍ بِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فَصَارَ ذَلِكَ مَأْذُونًا فِيهِ فَلَمْ يَضْمَنْ وَالضَّمَانُ عَلَى سَائِقِ الْحَمُولَةِ؛ لِأَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي الِاجْتِيَازِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَصَارَ جَانِيًا بِسَوْقِهِ فَلِهَذَا لَزِمَهُ

الضَّمَانُ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِهِ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ غَرِقَ مِنْهُمْ فِي السَّفِينَةِ، أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ لَمْ يَضْمَنْهُ) وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ وَقَوْدِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَهُ ضَمِنَهُمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَهُمْ لَكَانَ مُوجَبُ ضَمَانِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَضْمَنُ بِالْأَقْوَالِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ قَوْلٌ وَلِأَنَّ بَنِي آدَمَ فِي أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا فَصَدَ الْفَصَّادُ أَوْ بَزَّغَ الْبَزَّاغُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ مَوْضِعَ الْمُعْتَادِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا عَطِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ تَجَاوَزَهُ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَزْغُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ تَجَاوَزَ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ أَمْ لَا وَلَوْ قَطَعَ الْخَتَّانُ حَشَفَةَ الصَّبِيِّ فَمَاتَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ حَصَلَ مَوْتُهُ بِفِعْلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَالثَّانِي غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ، وَأَمَّا إذَا بَرِئَ جُعِلَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَقَطْعُ الْحَشَفَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ كَامِلًا وَهُوَ الدِّيَةُ كَذَا فِي شَاهَانْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ، أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَاصًّا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِعَمَلِهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ فِي الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ سُرِقَ مِنْهُ، أَوْ غُصِبَ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ) بِأَنْ انْكَسَرَ الْقِدْرُ مِنْ عَمَلِهِ، أَوْ تَخَرَّقَ الثَّوْبُ مِنْ دَقِّهِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ مُعْتَادٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا إذَا ضَرَبَ شَاةً فَفَقَأَ عَيْنَهَا، أَوْ كَسَرَ رِجْلَهَا كَانَ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا، وَإِذَا مَاتَ شَيْءٌ مِنْ الْغَنَمِ، أَوْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ لَمْ يَضْمَنْ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَكَذَا إذَا سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ فَغَرِقَتْ مِنْهَا شَاةٌ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمُدَّةِ نِصْفُ الْغَنَمِ، أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يُنْزِيَ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْزَاءَ حَمْلٌ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ الْفَحْلُ نَزَا عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَإِنْ نَدَّتْ وَاحِدَةٌ فَخَافَ إنْ تَبِعَهَا ضَاعَ الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ مِنْ فِعْلِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ لِلَّتِي نَدَّتْ. (قَوْلُهُ: وَالْإِجَارَةٌ تُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ كَمَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ) يَعْنِي الشُّرُوطَ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، أَوْ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا إذَا شَرَطَ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَصِحُّ فَسْخُهُ بِالْإِقَالَةِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ) لِأَنَّ خِدْمَةَ السَّفَرِ أَشَقُّ وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى هَيْئَةِ

السَّفَرِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السَّفَرِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَاسْتَأْجَرَهُ فَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ فِي الْمِصْرِ لِلْخِدْمَةِ وَسَافَرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ فَخَرَجَ عَنْ الْعَقْدِ فَصَارَ مُسْتَخْدِمًا لِعَبْدِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْدُمَهُ يَوْمًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَنَامَ النَّاسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خِدْمَةِ الْبَيْتِ مِثْلُ غَسْلِ ثَوْبِهِ وَطَبْخِ لَحْمِهِ وَعَجْنِ دَقِيقِهِ وَعَلْفِ دَابَّتِهِ وَحَلْبِهَا - إنْ كَانَ يُحْسِنُهُ - وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ، وَإِنْزَالِ مَتَاعِهِ مِنْ السَّطْحِ وَرَفْعِهِ إلَى السَّطْحِ وَخِدْمَةِ أَضْيَافِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ الْخِدْمَةِ كَذَا فِي شَرْحِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ امْرَأَةً أَوْ أَمَةً لِلْخِدْمَةِ وَيَخْلُوَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ، وَإِذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ سَنَةً فَلَمَّا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَأَجَازَهَا فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْقُضَهَا، وَتَكُونُ أُجْرَةُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ لِلْعَبْدِ وَأُجْرَةُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ أُجْرَةَ السَّنَةِ كُلَّهَا سَلَفًا ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَاخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِالتَّعْجِيلِ وَيَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ لِلْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَفْسَخْ اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْقَبْضُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَلَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ فَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ عَتَقَتْ وَلَهَا الْخِيَارُ كَمَا فِي الْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمِلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ جَازَ) وَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ خَاصَّةً. وَفِي الْغَايَةِ عَلَى الذَّهَابِ، وَالْمَجِيءِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ الْمَحْمِلُ الْمُعْتَادُ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الرَّاكِبَيْنِ، أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ مَنْ أَشَاءُ أَمَّا إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْت عَلَى الرُّكُوبِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَعَلَى الْمُكَارِي تَسْلِيمُ الْحِزَامِ، وَالْقَتَبِ وَالسَّرْجِ، وَالْبُرَةِ الَّتِي فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ وَاللِّجَامِ لِلْفَرَسِ، وَالْبَرْدَعَةِ لِلْحِمَارِ فَإِنْ تَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي يَدِ الْمُكْتَرِي لَمْ يَضْمَنْهُ كَالدَّابَّةِ، وَأَمَّا الْمَحْمِلُ، وَالْغِطَاءُ فَهُوَ عَلَى الْمُكْتَرِي، وَعَلَى الْمُكْتَرِي إشَالَةُ الْمَحْمِلِ، وَحَطُّهُ وَسَوْقُ الدَّابَّةِ وَقَوْدُهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُنْزِلَ الرَّاكِبِينَ لِلطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا يَجِبُ لِلْأَكْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهُمَا عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُبْرِكَ الْجَمَلَ لِلْمَرْأَةِ، وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الضَّعِيفِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاهَدَ الْجَمَّالُ الْمَحْمِلَ فَهُوَ أَجْوَدُ) لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَنْتَفِي بِمُشَاهَدَةِ الْمَحْمِلِ وَهُوَ الْهَوْدَجُ يُقَالُ فِيهِ مِحْمَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ فِيهِ بِالْعَكْسِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ جَازَ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَ مَا أَكَلَ) وَكَذَا إذَا سُرِقَ الزَّادُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَرُدَّ عِوَضَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَكَذَا غَيْرُ الزَّادِ مِنْ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ. قَوْلُهُ: (وَالْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ) أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ، وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ لِتَحَقُّقِ التَّسْوِيَةِ وَكَذَا إذَا شَرَطَ التَّعْجِيلَ، أَوْ عَجَّلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُؤَجَّرُ فَأَعْتَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ صَحَّ عِتْقُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُؤَجِّرُ فَأَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ، أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فَعِنْدَنَا لَا يَعْتِقُ وَعِنْدَهُ يَعْتِقُ، ثُمَّ الْمُؤَجِّرُ إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ فِي الْعَقْدِ كَانَ لَهُ حَبْسُ الدَّارِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْمَبِيعِ، وَالْأُجْرَةَ كَالثَّمَنِ فَكَمَا وَجَبَ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَذَا يَجِبُ حَبْسُ الْمَنَافِعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَإِذَا عَجَّلَ، ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بِالْأُجْرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا إذَا هَلَكَتْ قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا عَجَّلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأُجْرَةَ مَلَكَهَا الْمُؤَجِّرُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا عَجَّلَهُ. فَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِ الدَّارِ فَأَعْتَقَهُ صَاحِبُ الدَّارِ نَفَذَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالتَّعْجِيلِ فَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ قَبْلَ قَبْضِهَا، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَ

أَحَدُهُمَا فَعَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ تَسْلِيمُ الدَّارِ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ قَدْ مَلَكَهُ وَزَالَ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَقَدْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَاسْتَحَقَّ مِلْكَ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ إلَّا فِي آخِرِ الْمُدَّةِ، أَوْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأُجْرَةِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُهَا فِي الْعَقْدِ مَتَى تَجِبُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُطَالِبُهُ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْمَنْفَعَةَ كُلَّهَا أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُطَالِبُهُ عِنْدَ مُضِيِّ كُلِّ يَوْمٍ، يَعْنِي أَنَّهَا تَجِبُ حَالًا فَحَالًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ وَلَمْ يَتَسَلَّمْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ حَتَّى أَبْرَأَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ وَهَبَهَا لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَيْنًا كَانَتْ الْأُجْرَةُ، أَوْ دَيْنًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا أَبْرَأَ مِنْهَا، أَوْ وَهَبَهَا فَقَدْ أَبْرَأَ مِنْ حَقٍّ لَمْ يَجِبْ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ. وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ الْإِجَارَةُ بِقَبُولِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ فَوُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ دَيْنًا جَازَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فَوَهَبَهَا الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَأْجِرَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ إنْ قَبِلَ الْهِبَةَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ رَدَّهَا لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ فَإِذَا رَدَّهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْعَقْدِ) . وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا إلَى مَكَّةَ فَلِلْجَمَّالِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِأُجْرَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ) لِأَنَّ سَيْرَ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مَقْصُودٌ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتِهَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَبْلُغَ ثُلُثَ الطَّرِيقِ، أَوْ نِصْفَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ أَنْ يُطَالِبَا بِالْأُجْرَةِ حَتَّى يَفْرُغَا مِنْ الْعَمَلِ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَيَّاطُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ مَا خَاطَ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ أَيْضًا قَبْلَ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ لَازِمٌ، وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِذَا فَرَغَ، ثُمَّ هَلَكَ الثَّوْبُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ يَعْنِي - إذَا خَاطَهُ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ -، وَعِنْدَهُمَا الثَّوْبُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَخِيطٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ مَخِيطًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزَ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ) لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِإِخْرَاجِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَإِنْ احْتَرَقَ الْخُبْزُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ وَلَا يَضْمَنُ الْحَطَبَ، وَالْمِلْحَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَإِنْ سُرِقَ الْخُبْزُ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ فَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ صَاحِبِ الطَّعَامِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَقَعَ مُسَلَّمًا، وَبَيْتُهُ بِيَدِهِ فَاسْتَحَقَّ الْبَدَلَ بِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سُرِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ عَلَى أَصْلِهَا فِي ضَمَانِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقَوْلُهُ لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ شَرْطُ كَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْخَبَّازِ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ يَعْنِي لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ أَمَّا إذَا أَخْرَجَ بَعْضَ الْخُبْزِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ طَبَّاخًا لِيَطْبُخَ لَهُ طَعَامًا لِلْوَلِيمَةِ فَالْغَرْفُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِنْ أَفْسَدَ الطَّعَامَ

أَوْ أَحْرَقَهُ، أَوْ لَمْ يُنْضِجْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِلْوَلِيمَةِ؛ إذْ لَوْ كَانَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ فَلَا غَرْفَ عَلَيْهِ فَإِذَا دَخَلَ الْخَبَّازُ، أَوْ الطَّبَّاخُ بِنَارٍ لِيَخْبِزَ، أَوْ لِيَطْبُخَ بِهَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ بِهَا الْبَيْتُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْعَمَلِ إلَّا بِإِدْخَالِ النَّارِ وَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمَكَانِ إذَا احْتَرَقَ شَيْءٌ مِنْ السُّكَّانِ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا السَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ اشْتَرَى رَاوِيَةً وَدَخَلَ بِهَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَنَفَرَتْ الدَّابَّةُ فَخَرَّتْ عَلَى الْقُدُورِ فَكَسَرَتْهَا، أَوْ وَقَعَ الْمَاءُ عَلَى الطَّعَامِ فَأَفْسَدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ وَلَا عَلَى الطَّبَّاخِ، وَالْخَبَّازِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ إذَا أَقَامَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ كَالنَّقْلِ إلَى بَيْتِهِ، وَالْإِقَامَةُ هِيَ النَّصْبُ بَعْدَ الْجَفَافِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُشَرِّجَهُ) لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ وَالتَّشْرِيجُ هُوَ أَنْ يُرَكِّبَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ بَعْدَ الْجَفَافِ؛ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا تَلِفَ اللَّبِنُ قَبْلَ التَّشْرِيجِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الْأَجِيرِ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْبَسِطٌ. وَفِي الْمُصَفَّى إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ لَبِنًا فِي مِلْكِهِ فَعَمِلَهُ فَأَفْسَدَهُ الْمَطَرُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَقَامَهُ وَلَمْ يُشَرِّجْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ تَسْلِيمٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ التَّشْرِيجُ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا إذَا عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَمَا لَمْ يُشَرِّجْهُ وَيُسَلِّمْهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَخْرُجُ عَنْ ضَمَانِهِ حَتَّى إنَّهُ إذَا فَسَدَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَالَ إنْ خِطْت هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ وَأَيُّ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَهُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ) . وَقَالَ زُفَرُ الْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَمَلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَصِحُّ وَلَنَا أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ مَنْفَعَتَيْنِ مَعْلُومَتَيْنِ، وَالْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالْعَمَلِ وَبِأَخْذِهِ فِي الْعَمَلِ يَتَعَيَّنُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ صَبَغْته بِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ عَلَى هَذَا، ثُمَّ إذَا خَاطَهُ فَارِسِيًّا وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ رُومِيًّا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ) . وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ. وَقَالَ زُفَرُ كِلَاهُمَا فَاسِدَانِ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ دِرْهَمًا، وَإِنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَا شَيْءَ لَك قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إنْ سَكَّنْت هَذَا الدُّكَّانَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ وَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ. (قَوْلُهُ:

وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ) وَإِنَّمَا صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَأُجْرَتَهُ مَعْلُومَةٌ وَالشَّهْرَ لَا يَخْتَلِفُ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِيهَا مَجْهُولَةٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كَلِمَةَ كُلِّ إذَا دَخَلَتْ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ، وَأَمَّا إذَا سَمَّى جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ يَمْضِيَ الشَّهْرُ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ) لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِتَرَاضِيهِمَا بِالسُّكْنَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) لِأَنَّ الْحِصَّةَ مَعْلُومَةٌ بِدُونِ التَّقْسِيمِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ حِينَ يُهِلُّ الْهِلَالُ فَشُهُورُ السَّنَةِ كُلُّهَا بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَالْكُلُّ بِالْأَيَّامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِالْأَيَّامِ، وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. . (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ، وَالْحَجَّامِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ، فَإِنْ شَرَطَ الْحَجَّامُ شَيْئًا عَلَى الْحِجَامَةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْحِجَامَةِ مَجْهُولٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ، وَالْعَسْبُ هُوَ الْأُجْرَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ عَلَى ضَرْبِ الْفَحْلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ) (الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ، وَالْحَجِّ) وَكَذَا الْإِمَامَةُ وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قُرْبَةٌ لِفَاعِلِهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مِقْدَارُ نَفَقَتِهِ فِي الطَّرِيقِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَيَرُدُّ الْفَضْلَ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا اسْتَحْسَنُوا الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ التَّوَانِي فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَفِي الِامْتِنَاعِ تَضْيِيعُ حِفْظِ الْقُرْآنِ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْفِقْهِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْدَرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَيَجُوزُ عَلَى تَعْلِيمِ اللُّغَةِ، وَالْأَدَبِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْجِهَادِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ إذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى غُسْلِ الْمَيِّتِ وَيَجُوزُ عَلَى حَفْرِ الْقَبْرِ، وَأَمَّا حَمْلُ الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْعُيُونِ: يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ،. وَفِي الْفَتَاوَى إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُمْ جَازَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً مَعْلُومَةً قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ) وَكَذَا سَائِرُ الْمَلَاهِي؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ

إجارة المشاع

وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إبَانَةُ الْعُضْوِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إفَاتَةُ الرُّوحِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا قَطْعُ الْأَوْدَاجِ دُونَ إفَاتَةِ الرُّوحِ وَذَلِكَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْقَاضِي رَجُلًا مُشَاهَرَةً عَلَى أَنْ يَضْرِبَ الْحُدُودَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاهَرَةٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً فَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَالْمُدَّةُ مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الضَّرْبِ فَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ. [إجَارَةُ الْمُشَاعِ] (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ، أَوْ مِمَّا لَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُشَاعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إجَارَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُمْكِنٌ بِالتَّخْلِيَةِ، أَوْ بِالتَّهَايُؤِ فَصَارَ كَمَا إذَا آجَرَهُ مِنْ شَرِيكِهِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَأَمَّا رَهْنُ الْمُشَاعِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ، وَفِيمَا يَحْتَمِلُهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْإِجَارَةُ مَتَى حَصَلَتْ فِي غَيْرِ الْمُشَاعِ وَطَرَأَ الشُّيُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ وَمَاتَ أَحَدُ الْمُؤَاجِرَيْنِ لَا تَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا وَكَذَا إذَا آجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً جَازَ، ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ فِي حَقِّ الْحَيِّ جَائِزًا. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ - وَهِيَ خِدْمَةُ الصَّبِيِّ، وَالْقِيَامُ بِهِ -، وَاللَّبَنُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ كَالصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى اللَّبَنِ، وَالْخِدْمَةُ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا، وَكَذَا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ، وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ لِتُرْضِعَ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ ابْنَهَا مِنْ مَالِ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ مَالٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ اسْتِئْجَارِهَا أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَأُجْرَةُ الرَّضَاعِ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ يَقَعُ لِلصَّغِيرِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ فَجَازَ اسْتِئْجَارُهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِنْ لَمْ يُوصَفْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْوَسَطُ وَهِيَ تَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَالْأُجْرَةُ إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ، أَوْ الْخَبْزِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأُجْرَةِ وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي هَذَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْأَظْآرِ شَفَقَةٌ عَلَى الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ سَمَّى الْأُجْرَةَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَذَرْعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ لِلظِّئْرِ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا) مَخَافَةَ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ إلَّا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ غِشْيَانِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ حَقُّهُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا الظِّئْرَ فِي مَنْزِلِهِمْ إذَا لَمْ يَشْرِطُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا عَلَيْهَا الْعَمَلَ وَلَمْ يَسْتَحِقُّوهُ فِي مَكَان

مَخْصُوصٍ وَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى كِسْوَتِهِ وَحُلِيِّهِ فَإِنْ سُرِقَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْهَا ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَبِلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ) إذَا خَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ فَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ وَكَذَا إذَا مَرِضَتْ لَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرِيضَةِ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَلَهَا أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الرَّضَاعِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَسَلَّمَ الْأُجْرَةَ وَقَدْ قَالُوا فِي الظِّئْرِ: إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَشِينُهَا الْإِرْضَاعُ فَلِأَهْلِهَا أَنْ يَفْسَخُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: تَمُوتُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيِهَا وَكَذَلِكَ إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَهَا ذَلِكَ إذَا كَانَ يَشِينُهَا الرَّضَاعُ فَإِنْ كَانَتْ الظِّئْرُ سَارِقَةً وَخَافُوا عَلَى مَتَاعِ الصَّبِيِّ مِنْهَا فَلَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا، وَإِنْ كَانُوا يُؤْذُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ أُمِرُوا بِالْكَفِّ عَنْهَا فَإِنْ فَعَلُوا، وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْفَسْخُ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا أَنْ تُصْلِحَ طَعَامَ الصَّبِيِّ) بِأَنْ تَمْضُغَ لَهُ الطَّعَامَ وَلَا تَأْكُلَ شَيْئًا يُفْسِدُ لَبَنَهَا وَيَضُرُّ بِالصَّبِيِّ وَعَلَيْهَا طَبْخُ طَعَامِهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَمَا يُعَالَجُ بِهِ الْأَطْفَالُ مِنْ الدُّهْنِ وَالرَّيْحَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا طَعَامُهُ فَعَلَى أَهْلِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الدُّهْنِ وَالرَّيْحَانِ أَنَّهُ عَلَى الظِّئْرِ فَذَلِكَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي شَرْحِهِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ فَلَا أَجْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِالْإِرْضَاعِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَتْ الظِّئْرُ لَهُ ظِئْرًا أُخْرَى فَأَرْضَعَتْهُ فَلَهَا الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ إرْضَاعَ الثَّانِيَةِ يَقَعُ لِلْأُولَى فَكَأَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ بِنَفْسِهَا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى عَمَلِهَا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَرْضَعُ لَبَنَهَا، أَوْ يَتَقَيَّأُ مِنْهُ، أَوْ تَكُونُ سَارِقَةً، أَوْ زَانِيَةً تَتَشَاغَلُ بِالزِّنَا عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ فَلِأَهْلِهِ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ، وَإِنْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ بَيْتِهَا، أَوْ سَقَطَ فَمَاتَ، أَوْ سُرِقَ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ أَخَذَتْهُ بِإِذْنِ أَهْلِهِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ كَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارِ) وَكَذَا الْخَيَّاطُ فَلَوْ حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَبْسِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ قَبْلَ الْحَبْسِ فَإِذَا حَبَسَهُ أَوْلَى أَنْ يُضْمَنَ لَكِنَّهُ عِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ مَعْمُولًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْقَصَّارُ يَقْصُرُ بِالنَّشَا، وَالْبَيْضِ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَإِنْ كَانَ يُبَيِّضُ الثَّوْبَ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لَيْسَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ كَالْحَمَّالِ، وَالْمَلَّاحِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ غَيْرُ قَائِمٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ نَظِيرُ الْحَمْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ حَيْثُ يَكُونُ لِلرَّادِّ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ وَلَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَقَدْ أَحْيَاهُ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ فَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَإِنْ حَبَسَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ فَهُوَ غَاصِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ، وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَإِذَا حَبَسَهَا بِدَيْنِهِ صَارَ غَاصِبًا كَالْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ، ثُمَّ إذَا حَبَسَ الْعَيْنَ ضَمِنَهَا ضَمَانَ الْغَصْبِ وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَحْمُولَةً وَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَحْمُولَةٍ بِلَا أَجْرٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي الْحَمَّالِ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ فَطَلَبَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ الشَّيْءَ مِنْ رَقَبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ. . (قَوْلُهُ: وَإِذَا شَرَطَ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ غَيْرَهُ) بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِنَفْسِك، أَوْ بِيَدِك أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَخِيطَهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ الْعَمَلَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُهُ إيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ

بِمَنْزِلَةِ إيفَاءِ الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً وَقَالَ الْخَيَّاطُ قَمِيصًا، أَوْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْته أَصْفَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الثَّوْبِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَمْ آذَنْ لَك فِي الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا هَذَا؛ لَكِنَّهُ يُحَلَّفُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ) يَعْنِي إنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَوْ جَاءَ إلَى خَيَّاطٍ بِثَوْبٍ فَقَالَ لَهُ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الثَّوْبِ إنْ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ وَخِطْهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ: نَعَمْ يَكْفِيك، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهُ: لَا يَكْفِيك ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَ عَلَيْهِ حَرْفَ شَرْطٍ وَهِيَ " إنْ " فَقَدْ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ مَوْصُوفٍ بِشَرْطِ الْكِفَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَكْفِ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ الْمَشْرُوطَةُ فَضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ: اُنْظُرْ أَيَكْفِينِي قَمِيصًا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اقْطَعْهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَطْعٍ مُطْلَقٍ عَارٍ عَنْ الْوَصْفِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا وَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ دَفَعَ إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيَقْصُرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي جَاءَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ يَطْلُبُهُ مِنْهُ فَجَحَدَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ مَقْصُورًا وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ قَصَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجْحَدَهُ فَلَهُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لَهُ عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ وَجَحَدَهُ مَقْصُورًا فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ قَصَرَهُ بَعْدَمَا جَحَدَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عَمِلْتَهُ لِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ وَقَالَ الصَّانِعُ بِأُجْرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا إلَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ حَرِيفًا لَهُ) أَيْ مُعَامِلًا لَهُ (فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيفًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَرِيفًا فَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ يَخِيطُ لَهُ بِأُجْرَةٍ فَصَارَ الْمُعْتَادُ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيفًا فَلَا عَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ الصَّانِعُ مُبْتَذِلًا لِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنَّهُ عَمِلَهُ بِأُجْرَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَنَصَبَ نَفْسَهُ لِلْخِيَاطَةِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَجْرِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهَا الْمُسَمَّى) . وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجْرًا يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، ثُمَّ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّخْلِيَةِ بَلْ إنَّمَا تَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ حَيْثُ تَجِبُ الْأُجْرَةُ بِالتَّخْلِيَةِ انْتَفَعَ بِهَا أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ إذَا خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. . (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا) لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ اسْتِقْرَارَ الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ سَقَطَتْ الْأُجْرَةُ) هَذَا إذَا غَصَبَهَا

قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَهَا أَمَّا إذَا غَصَبَهَا بَعْدَمَا سَكَنَ فِيهَا مُدَّةً سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ مَا سَكَنَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْفَسْخُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِضَرَرٍ وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْفَسْخِ وَلَا يُحْتَاجَ إلَى الْقَضَاءِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ فَسَقَطَتْ إحْدَاهُمَا، أَوْ مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ حَدَثَ فِي أَحَدِهِمَا عَيْبٌ يَنْقُصُ السُّكْنَى فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا جَمِيعًا إذَا كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ حُدُوثُ الْعَيْبِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا فَهَذَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ، أَوْ الدَّابَّةِ إذَا دَبِرَتْ، أَوْ الدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُ بِنَائِهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ فَإِنْ بَنَى الْمُؤَجِّرُ مَا سَقَطَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ زَالَ وَتَطْيِينُ الدَّارِ، وَإِصْلَاحُ مَيَازِيبِهَا وَمَا وَهَنَ مِنْ بِنَائِهَا عَلَى مَالِكِهَا دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ إذَا لَمْ يُصْلِحْ الْمُؤَجِّرُ ذَلِكَ وَكَذَا إصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ، وَالْبَالُوعَةِ وَبِئْرِ الْمَخْرَجِ عَلَى الْمَالِكِ أَيْضًا وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ امْتَلَأَ مِنْ فِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِي الدَّارِ تُرَابٌ مِنْ كَنْسِ الْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ رَمَادٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَمَتَاعٍ وَضَعَهُ فِيهَا، وَإِنْ أَصْلَحَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا مِنْ خَلَلِ الدَّارِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يُحْتَسَبُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا خَرِبَتْ الدَّارُ، أَوْ انْقَطَعَ شِرْبُ الضَّيْعَةِ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ) يَعْنِي لَهُ فَسْخُهَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا بَنَاهَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ وَلَا لِلْمُؤَجِّرِ وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَنْفَسِخْ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ انْفَسَخَتْ أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ، وَإِذَا آجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ بَاعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ حَتَّى إنَّ الْمُدَّةَ إذَا انْقَضَتْ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْآخِذِ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَلَوْ فَسَخَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَقْتَ الشِّرَاءِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ) أَمَّا مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ اقْتَضَى اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ فَلَوْ بَقَّيْنَا الْإِجَارَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ الَّذِي مَاتَ فَلَوْ بَقَّيْنَا الْإِجَارَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ اُسْتُوْفِيَتْ الْمَنَافِعُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَقَدَهَا لِغَيْرِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ) مِثْلُ الْوَكِيلِ، وَالْوَصِيِّ، وَالْأَبِ إذَا آجَرَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَالْمُتَوَلِّي فِي الْوَقْفِ إذَا عَقَدَ ثُمَّ مَاتَ وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مِلْكِ الِاسْتِبَاحَةِ وَذَلِكَ يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَسْتَحْصِدْ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ وَرَثَتِهِ أَنْ يَدَعُوا ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ وَيَكُونَ عَلَيْهِمْ مَا سُمِّيَ مِنْ الْأُجْرَةِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَسْتَحْصِدْ فَإِنَّ الزَّرْعَ يُتْرَكُ وَيَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمَّا وَجَبَ وَلَا تَسْمِيَةَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُجْرَةَ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ) وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْخِيَارِ مِنْ

كتاب الشفعة

وَقْتِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا فِي السُّوقِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ فَذَهَبَ مَالُهُ وَكَمَنْ آجَرَ دَارًا، أَوْ دُكَّانًا فَأَفْلَسَ وَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا إلَّا مِنْ ثَمَنِ مَا آجَرَهُ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ وَبَاعَهَا فِي الدَّيْنِ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي فِي النَّقْضِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ عُذْرٌ فَالْإِجَارَةُ فِيهِ تَنْتَقِضُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ، وَطَرِيقُ الْقَضَاءِ أَنْ يَبِيعَ الْمُؤَجِّرُ الدَّارَ أَوَّلًا فَإِذَا بَاعَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْمُشْتَرِي يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَيَلْتَمِسُ مِنْهُ فَسْخَ الْبَيْعِ وَتَسْلِيمَ الدَّارِ إلَيْهِ فَالْقَاضِي يُمْضِي الْبَيْعَ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ وَتَنْتَقِضُ الْإِجَارَةُ، وَالْقَاضِي لَا يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَضَهَا مَقْصُودًا رُبَّمَا لَا يَتَّفِقُ الْبَيْعُ فَيَكُونُ النَّقْضُ إبْطَالًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ مَقْصُودًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْبَلَدِ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا أَفْلَسَ بَعْدَمَا اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِيَبِيعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَفْلَسَ لَا يَنْتَفِعُ بِالدُّكَّانِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَوَجَدَهُ سَارِقًا فَهُوَ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ إلَّا بِضَرَرٍ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَقْعُدَ مِنْ السَّفَرِ فَهُوَ عُذْرٌ) وَلَا يُجْبَرُ عَلَى السَّفَرِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا مَرِضَ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ السَّفَرُ إلَّا بِضَرَرٍ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الْمُكْتَرِي السَّفَرَ لِعُذْرٍ يَلْحَقُهُ مِثْلُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى تَرْكِ السَّفَرِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوْ اكْتَرَى دَارًا فِي بَلَدٍ، ثُمَّ نَوَى السَّفَرَ، وَتَرَكَ الْمُقَامَ فَلَهُ الْفَسْخُ وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ الْفَسْخَ لِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَا أَظْهَرَهُ، وَإِنْ كَانَ وَجَدَ جِمَالًا أَرْخَصَ مِنْ جِمَالِهِ، أَوْ دَارًا أَرْخَصَ مِنْ دَارِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَفْسَخَ إذَا وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى الْأَجْرِ الَّذِي آجَرَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَدَا لِلْمُكَارِي أَنْ يَقْعُدَ مِنْ السَّفَرِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ بِالدَّوَابِّ مَعَ أَجِيرِهِ، أَوْ غُلَامِهِ وَلَوْ مَرِضَ الْمُؤَجِّرُ فَكَذَا الْجَوَابُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ: هُوَ عُذْرٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ، وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِ غَيْرِهِ فِي دَوَابِّهِ، وَإِنْ مَرِضَ الْجَمَّالُ فَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ عُذْرًا. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ عُذْرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ فَأَبَى الْجَمَّالُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا قَالَ هَذَا عُذْرٌ وَنَقْضُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْزَمَ الْجَمَّالَ أَنْ يُقِيمَ مُدَّةَ النِّفَاسِ فَفُسِخَتْ الْإِجَارَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ إلَّا كَمُدَّةِ الْحَيْضِ، أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الْجَمَّالُ عَلَى الْمُقَامِ مَعَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمُقَامِ الْحَاجِّ فِيهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَسُمِّيَتْ الشَّفَاعَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَضُمُّ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ إلَى أَهْلِ الثَّوَابِ فَلَمَّا كَانَ الشَّفِيعُ يَضُمُّ الشَّيْءَ الْمَشْفُوعَ إلَى مِلْكِهِ سُمِّيَ ذَلِكَ شُفْعَةً. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ) أَيْ ثَابِتَةٌ؛ إذْ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِدُخُولِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ التَّأَذِّي عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْخَلِيطُ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ لَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِلْجَارِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ ثُمَّ الْجَارُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ

عِنْدَنَا هُوَ الْمُلَاصِقُ الَّذِي إلَى ظَهْرِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ، وَبَابُهُ مِنْ سِكَّةٍ أُخْرَى دُونَ الْمُحَاذِي أَمَّا إذَا كَانَ مُحَاذِيًا وَبَيْنَهُمَا طَرِيقٌ نَافِذٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِنْ قَرُبَتْ الْأَبْوَابُ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْفَارِقَةَ بَيْنَهُمَا تُزِيلُ الضَّرَرَ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ وَالشِّرْبِ، وَالْجَارِ شُفْعَةٌ مَعَ الْخَلِيطِ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِالضَّرَرِ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَلَّمَ فَالشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ) لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِالضَّرَرِ مِنْ الْجَارِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَلَّمَ أَخَذَهَا الْجَارُ) ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَتَحَقَّقُ بِقُوَّةِ السَّبَبِ. (قَوْلُهُ: وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ) يَعْنِي لَوْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ بَطَلَتْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لِمُصَادَفَةِ الْإِسْقَاطِ حَقًّا وَاجِبًا، وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ بِالْبَيْعِ قَبْلَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ مَا اشْتَرَيْت كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِ الْبَيْعِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُ الْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ) أَيْ بِالطَّلَبِ الثَّانِي وَهُوَ طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا لَا تَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّكُوتِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا بِلِسَانِهِ، أَوْ يَعْجِزَ عَنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فَيُبْطِلَ الْقَاضِي شُفْعَتَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبِ، وَالْإِشْهَادِ. (قَوْلُهُ: وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ) هَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ ثَبَتَ الْمِلْكُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الدَّارَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ وَبِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ " تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الطَّلَبَيْنِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ بِالتَّرَاضِي لَا تُورَثُ عَنْهُ، وَفِيمَا إذَا بَاعَ دَارِهِ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا الشُّفْعَةُ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْضًا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَفِيمَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ شُفْعَتَهَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ كَرْمًا فَأَثْمَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي سِنِينَ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْأَخْذِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا وَلَهَا شَفِيعٌ فَهِيَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا إلَّا أَنْ يُحْكَمَ لِلشَّفِيعِ بِهَا وَلَهُ أَنْ يَهْدِمَ وَيُؤَجِّرَ، وَتَطِيبُ لَهُ الْأُجْرَةُ. (قَوْلُهُ: إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي، أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ فَلَا يُنْتَقَلُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِالتَّرَاضِي، أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ بَذَلَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ وَهِيَ مَعْرِفَةُ الْقَاضِي بِسَبَبِ مِلْكِهِ وَعِلْمُ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَهَذَا أَحْوَطُ لَهُ مِنْ الْأَخْذِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ) وَهَذَا يُسَمَّى طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، وَالْإِشْهَادُ فِيهِ

غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِنَفْيِ التَّجَاحُدِ، ثُمَّ طَلَبُ الشُّفْعَةِ طَلَبَانِ: طَلَبُ مُوَاثَبَةٍ وَطَلَبُ اسْتِحْقَاقٍ؛ فَطَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ عِنْدَ سَمَاعِهِ بِالْبَيْعِ فَيُشْهِدُ عَلَى طَلَبِهَا، ثُمَّ لَا يَمْكُثُ حَتَّى يَذْهَبَ إلَى الْمُشْتَرِي أَوْ إلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ، أَوْ إلَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَيَطْلُبَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ طَلَبًا آخَرَ وَهُوَ طَلَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا فَإِذَا ثَبَتَتْ شُفْعَتُهُ بِالطَّلَبَيْنِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ أَبَدًا وَلَا تَبْطُلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَرْكِ الطَّلَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَضَى شَهْرٌ وَلَمْ يَطْلُبْ مَرَّةً أُخْرَى بَطَلَتْ، وَيُقَالُ: طَلَبُ الشُّفْعَةِ طَلَبَانِ: طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ، وَطَلَبُ التَّقْرِيرِ؛ فَطَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ أَنْ يَطْلُبَ عَلَى فَوْرِ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ هُنَيْهَةً وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ بِمَجْلِسِ عِلْمِ الشَّفِيعِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَطَلَبُ التَّقْرِيرِ هُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ ثُمَّ يَنْهَضُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَجْلِسِ فَيُشْهِدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَتَقْيِيدُ الشَّيْخِ بِقَوْلِهِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى اخْتِيَارِ الْكَرْخِيِّ وَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَكَيْفِيَّةُ الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ طَلَبْت، أَوْ أَنَا أَطْلُبُهَا، أَوْ أَنَا طَالِبُهَا، وَإِنْ قَالَ: لِي فِيمَا اشْتَرَيْتَ شُفْعَةٌ بَطَلَتْ. وَفِي الْهِدَايَةِ يَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَبْت الشُّفْعَةَ، أَوْ أَطْلُبُهَا، أَوْ أَنَا طَالِبُهَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى. وَأَمَّا طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَالْإِشْهَادِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْكَرْخِيِّ طَلَبُ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا عَلَى الْمَجْلِسِ كَخِيَارِ الْقَبُولِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَلَهُمَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ كَنَشْطَةِ عِقَالٍ» فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا عَلَى الْمَجْلِسِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ، أَوْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِ الطَّلَبِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ إذَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَشْهَدُ قَالَ: إنِّي مُطَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَنْهَضُ إلَى مَنْ يُشْهِدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِشْهَادِ حَائِلٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ عَلِمَ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ عَلِمَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ وَلَمْ يُوَكِّلْ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَسَكَتَ سَاعَةً بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى الطَّلَبِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْحَاضِرُ، وَإِنْ أُخْبِرَ بِكِتَابٍ، وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ، وَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ قَبْلَ الطَّلَبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ الْفَوْرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَهُ مَجْلِسُ الْعِلْمِ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ مَنْ اشْتَرَاهَا، أَوْ بِكَمْ بِيعَتْ، ثُمَّ طَلَبَهَا فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ ثُمَّ إذَا بَلَغَهُ الْعِلْمُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْخَبَرِ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ: إمَّا الْعَدَدُ، أَوْ الْعَدَالَةُ وَقَالَ زُفَرُ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ كَالشَّهَادَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ إذَا أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا كَانَ أَوْ امْرَأَةً عَدْلًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ إذَا كَانَ الْخَبَرُ حَقًّا فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَأَمَّا فِي الْمُخَيَّرَةِ إذَا بَلَغَهَا التَّخْيِيرُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الْمُخْبِرِ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إجْمَاعًا وَكَذَا الْمُشْتَرِي إذَا قَالَ لِلشَّفِيعِ قَدْ اشْتَرَيْت فَسَكَتَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُشْتَرِي أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَنْهَضُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَجْلِسِ. (فَيُشْهِدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) أَيْ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُشْتَرِي (أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ، أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ) وَهَذَا طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَالْإِشْهَادِ وَحَاصِلُهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُقْبَضْ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَشْهَدَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ فِيهِ حَقًّا مَا دَامَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَشْهَدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عِنْدَ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْمَبِيعِ وَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ فَلَا مَعْنَى لِلْإِشْهَادِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ وَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَالْيَدِ وَيَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ أَوْ عَلَى الْمُبْتَاعِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ هَذَا إذَا جَمَعَهُمْ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ بِأَنْ كَانُوا فِي مِصْرٍ

وَاحِدٍ أَمَّا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ مَعَ الْمُشْتَرِي فِي الْمِصْرِ فَذَهَبَ إلَى الْبَائِعِ، أَوْ إلَى الْعَقَارِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي مَعًا فَذَهَبَ إلَى الْعَقَارِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَذَهَبَ إلَى الْمُشْتَرِي وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يُقْضَ لِلشَّفِيعِ بِهَا حَتَّى يَكُونَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي حَاضِرَيْنِ؛ أَمَّا حُضُورُ الْبَائِعِ فَلِأَنَّ الْيَدَ لَهُ، وَأَمَّا حُضُورُ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَإِذَا قُضِيَ لَهُ بِحَضْرَتِهِمَا نَقَدَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَتَكُون عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُسَلَّمَةً إلَى الْمُشْتَرِي فَحَضْرَةُ الْبَائِعِ هُنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُشْتَرِي خَاصَّةً فَإِذَا قُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ نَقَدَ الثَّمَنَ إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ تَرَكَهَا شَهْرًا بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ لَمْ تَسْقُطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَفْرِيطٍ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ،. وَفِي الْهِدَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مَتَى ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ بِالتَّصْرِيحِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. (قَوْلُهُ: وَالشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْعَقَارِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ) كَالْحَمَّامِ، وَالْبِئْرِ، وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ سَوَاءٌ كَانَ سُفْلًا، أَوْ عُلُوًّا وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ إذَا بِيعَ دُونَ الْعَرْصَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ لَا قَرَارَ لَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعُلُوِّ حَيْثُ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَيُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعُلُوِّ فِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ طَرِيقُ الْعُلُوِّ فِيهِ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ لَا بِالْمُجَاوَرَةِ فَلَمْ يَكُنْ نَظِيرَ الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ؛ لِأَنَّ الْعُلُوَّ بِمَالِهِ مِنْ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ. (قَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُرُوضِ وَلَا فِي السُّفُنِ) وَقَالَ مَالِكٌ: تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي السُّفُنِ؛ لِأَنَّهَا تُسْكَنُ كَالْعَقَارِ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ، أَوْ حَائِطٍ» وَلِأَنَّ السُّفُنَ مَنْقُولَةٌ كَالْعُرُوضِ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَدُومُ كَدَوَامِهِ فِي الْعَقَارِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ) وَكَذَا الْمُكَاتَبُ الْمَأْذُونُ، وَالْبَاغِي، وَالْعَادِلُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ، وَاَلَّذِي يَأْخُذُهَا لِلصَّغِيرِ أَبُوهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ جَدُّهُ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ الْقَاضِي أَوْ مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ لِزَوَالِ الضَّرَرِ، وَرَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَاجِبٌ فَإِنْ لَمْ يَطْلُبُوهَا لِلصَّغِيرِ، أَوْ سَلَّمُوهَا بِالْقَوْلِ سَقَطَتْ وَلَا تَجِبُ لَهُ إذَا بَلَغَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا تَسْقُطُ وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّ فِي إسْقَاطِهَا ضَرَرًا بِالصَّغِيرِ فَلَا يَجُوزُ كَالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَهُمَا أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْأَخْذَ بِهَا مَلَكَ تَسْلِيمَهَا وَلِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ بَاعَهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ جَازَ فَإِذَا سَلَّمَهَا فَقَدْ بَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ وَأَسْقَطَ عَنْهُ ضَمَانَ الدَّرَكِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ كَالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ أَنَّ هُنَاكَ إسْقَاطًا لِلْحَقِّ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَهُنَا حَصَلَ لَهُ عِوَضٌ وَهُوَ تَبْقِيَةُ الثَّمَنِ عَلَى مِلْكِهِ فَافْتَرَقَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ

وَلَا جَدٌّ وَلَا نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَلِيًّا فَهُوَ شُفْعَتُهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَلَكَ الْعَقَارَ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) إنَّمَا قَالَ مَلَكَ وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شِرَاءٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا، أَوْ يُخَالِعُ امْرَأَتَهُ بِهَا) لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَهَذِهِ الْأَعْوَاضُ لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي جَمِيعِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ تَابِعٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مَالِيَّةٌ فِي حَقِّهِ. (قَوْلُهُ:، أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِهَا دَارًا، أَوْ يُصَالِحُ بِهَا عَنْ دَمِ عَمْدٍ) لِأَنَّ بَدَلَهَا لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُعْتِقُ عَلَيْهَا عَبْدًا) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك بِدَارِ فُلَانٍ فَوَهَبَهَا صَاحِبُهَا لِلْعَبْدِ فَيَدْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى السَّيِّدِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْعِتْقِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُصَالِحُ عَنْهَا بِإِنْكَارٍ، أَوْ سُكُوتٍ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بِالصُّلْحِ، وَإِنَّمَا دَفَعَ الْعِوَضَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ، وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ عِوَضٌ عَنْ حَقِّهِ وَمَنْ مَلَكَ دَارًا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا بِإِقْرَارٍ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا اسْتَفَادَهَا بِالصُّلْحِ فَكَانَ مُبَادَلَةً. (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ إلَى الْقَاضِي فَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِمِلْكِهِ الَّذِي يَشْفَعُ بِهِ، وَإِلَّا كَلَّفَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ) أَبْهَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي؛ إذْ الْبَائِعُ هُوَ الْخَصْمُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا اُسْتُحْلِفَ الْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ: سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ سَأَلَهُ عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ ثَبَتَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِمَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِهِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ أَنْكَرَ كُلِّفَ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي يَدِهِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا قَالَا لَا يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّفِيعِ إنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنْ بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بَعْدَ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يَعْلَمُ بِالشِّرَاءِ، أَوْ لَا يَعْلَمُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِأَنْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، أَوْ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ لَمْ تَعُدْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَطَلَتْ. وَإِذَا بَاعَ الدَّارَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا، ثُمَّ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا فَإِنْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَذَلِكَ مِنْهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَلَهُ الشُّفْعَةُ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا كَلَّفَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ مِنْ حُقُوقِهِ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ هَلْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا وَمَعْنَاهُ كَلَّفَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا مِلْكُهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَلَ، أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ) ثَبَتَ مِلْكُ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا. (قَوْلُهُ: سَأَلَهُ الْقَاضِي) أَيْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ ابْتَاعَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ أَنْكَرَ الِابْتِيَاعَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اُسْتُحْلِفَ

الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا ابْتَاعَ أَوْ بِاَللَّهِ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْك فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ) فَإِنْ أَقَرَّ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ، وَالْأَجْوَدُ إذَا كَانَتْ الشُّفْعَةُ بِالْخُلْطَةِ أَنْ لَا يُسْتَحْلَفَ بِاَللَّهِ مَا ابْتَاعَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ابْتَاعَ وَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْجِوَارِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَى نَفْسِ الِابْتِيَاعِ لِئَلَّا يُتَأَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ بِالْجِوَارِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ) أَيْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ الشَّفِيعُ إنِّي اشْتَرَيْت، أَوْ حَصَلَتْ لِي بِالْهِبَةِ، وَالْعِوَضِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي " ذَكَرَهُ " رَاجِعَةً إلَى السَّبَبِ أَيْ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيَّ الشُّفْعَةُ بِالسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ الْخُلْطَةُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ، أَوْ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ، أَوْ بِالْجِوَارِ، وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْقَاضِي حَلَفَ الشَّفِيعُ أَنَّهُ يَطْلُبُ طَلَبًا صَحِيحًا وَأَنَّهُ طَلَبَهَا سَاعَةَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا طَلَبَهَا بَعْدَ سُكُوتِهِ أَوْ قِيَامِهِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ. (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ الْمُنَازَعَةُ فِي الشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي) لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ الْقَضَاءِ مِنْ الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا قَضَى لَهُ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ) وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقْضِي حَتَّى يُحْضِرَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَدْ يَكُونُ مُفْلِسًا فَيَتَعَجَّلُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ الثَّمَنُ، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالدَّارِ لِلشَّفِيعِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الشَّفِيعِ، وَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَجَلًا فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أُجِّلَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَإِنْ سَلَّمَ، وَإِلَّا حَبَسَهُ الْقَاضِي فِي السِّجْنِ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ، وَلَا يَنْقُضَ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَفْسَخُهُ بَعْدَ نُفُوذِ حُكْمِهِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهَا وَأَبْرَأَ الْبَائِعَ مِنْ الْعَيْبِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الشَّفِيعِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَحْضَرَ الشَّفِيعُ الْبَائِعً، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي الشُّفْعَةِ) لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ، وَيَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَتُجْعَلَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَبْسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْمَعْ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ قَدْ قُبِضَتْ لَمْ يُعْتَبَرْ حُضُورُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ أَجْنَبِيًّا لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ. (قَوْلُهُ: فَيَفْسَخَ الْبَيْعَ بِمَشْهَدٍ مِنْهُ) صُورَةُ الْفَسْخِ أَنْ يَقُولَ: فَسَخْت شِرَاءَ الْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَلَا يَقُولَ: فَسَخْت الْبَيْعَ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا بِنَاءٌ عَلَى الْبَيْعِ فَتُحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إلَيْهِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَدْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْعُهْدَةُ هِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ. . (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) يَعْنِي بِهَذَا طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِشْهَادِ حَائِلٌ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ) (صَالَحَ مِنْ شُفْعَتِهِ عَلَى عِوَضٍ) مِنْ دَرَاهِمَ، أَوْ عَرَضٍ (أَخَذَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَرَدَّ الْعِوَضَ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِقَبُولِ الْعِوَضِ مُعْرِضًا عَنْهَا وَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ شَيْءٌ وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي

لِلشَّفِيعِ اشْتَرِ مِنِّي وَلَا تُخَاصِمْنِي فِيهَا فَقَالَ اشْتَرَيْت بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ أُؤَجِّرُك مِائَةَ سَنَةٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ أُعِيرُك جَمِيعَ عُمْرِك فَطَلَبَ الشَّفِيعُ ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا حِيَلٌ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) وَلَمْ تُورَثْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَعْنَاهُ إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ أَمَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِهِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي لَمْ تَسْقُطْ) لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا بَاقٍ وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي وَوَصِيَّتِهِ فَإِنْ بَاعَهَا الْقَاضِي، أَوْ الْوَصِيُّ، أَوْ أَوْصَى بِهَا الْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَأْخُذَ الدَّارَ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ بَطَلَتْ) هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا لِزَوَالِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِمِلْكِهِ وَسَوَاءٌ بَاعَ وَهُوَ عَالِمٌ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ فَيَبْقَى الِاتِّصَالُ، وَهَذَا إذَا اخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ وَكَذَا إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَذَلِكَ مِنْهُ نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَلَهُ الشُّفْعَةُ. (قَوْلُهُ: وَوَكِيلُ الْبَائِعٍ إذَا بَاعَ وَهُوَ شَفِيعٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يُوجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا كَانَ التَّسْلِيمُ لَازِمًا لَهُ كَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِشُفْعَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ تَصْحِيحٌ لِلْبَيْعِ، وَفِي الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ فَسْخٌ لِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ: وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ وَهُوَ شَفِيعٌ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْصُلُ لِلْمُوَكِّلِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، وَالشُّفْعَةَ تَجِبُ بَعْدَهُ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَسْلِيمٍ، أَوْ سُكُوتٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ تَتْمِيمٌ لِلْعَقْدِ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ لَهُ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُقْضَى لَهُ بِهَا قُلْت: إنْ كَانَ الْآمِرُ حَاضِرًا قُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْآمِرِ وَيُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّفِيعُ بِقَبْضِهَا لِنَفْسِهِ وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ غَائِبًا قَبَضَهَا أَوَّلًا لِلْآمِرِ، وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ شَفِيعٌ فَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ. مَسْأَلَةٌ: الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَمْ يُبَعْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ عَنْ الزَّوَالِ وَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ الْخِيَارَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْمَبِيعِ إجْمَاعًا، وَإِذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي الثَّلَاثِ وَجَبَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لِلْمُشْتَرِي دُونَهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا) أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ، وَفِي إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرٌ لِلْفَسَادِ فَلَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسْقَطَ الْفَسْخَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَدْ يُمْلَكُ بِهِ عِنْدَنَا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الشُّفْعَةِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْفَسْخِ زَالَ الْمَانِعُ فَلِهَذَا وَجَبَتْ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا ذِمِّيٌّ أَخَذَهَا بِمِثْلِ الْخَمْرِ) - لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ -، وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ - لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ -، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ، أَوْ عَبْدٍ فَإِنْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا

بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ لِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ) وَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالذِّمِّيُّ نِصْفَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْخَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ) بِأَنْ يَقُولَ وَهَبْت لَك هَذِهِ الدَّارَ عَلَى كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ - هُوَ مَالٌ -، وَتَقَابَضَا بِالْإِذْنِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا، أَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، ثُمَّ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ وَقْتَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى، وَإِنْ وُهِبَ لَهُ عَقَارٌ عَلَى شَرْطِ الْعِوَضِ، ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَا فِيمَا عَوَّضَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ، وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ وَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَالَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ هَذَا إذَا لَمْ يُقِمْ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً فَإِنْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً قُضِيَ بِهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ عِنْدَهُمَا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعٌ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ) سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَكَانَ ذَلِكَ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى الثَّمَنَ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ وَصَارَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا حَطَّ الْبَائِعٌ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْ الشَّفِيعِ) وَكَذَا إذَا حَطَّ بَعْدَ مَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ يَحُطُّ عَنْ الشَّفِيعِ حَتَّى إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَطِّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَطَّ عَنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الشَّفِيعِ) وَهَذَا إذَا حَطَّ الْكُلَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ بِكَلِمَاتٍ يَأْخُذُهُ بِالْأَخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي الثَّمَنِ لَمْ تَلْزَمْ الزِّيَادَةُ الشَّفِيعَ) حَتَّى إنَّهُ يَأْخُذُهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَالِ الْعَقْدِ وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا هِيَ بِتَرَاضِيهِمَا وَتَرَاضِيهِمَا لَا يَجُوزُ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّفَعَاءُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْأَمْلَاكِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَى مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ وَصُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ جَمِيعَ نَصِيبِهِ وَطَلَبَ الشَّرِيكَانِ الشُّفْعَةَ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثُلُثُهَا لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَلَوْ حَضَرَ

وَاحِدٌ مِنْ الشُّفَعَاءِ أَوَّلًا وَأَثْبَتَ شُفْعَتَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهُ بِجَمِيعِهَا، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَفِيعٌ آخَرُ وَأَثْبَتَ الشُّفْعَةَ قَضَى لَهُ بِنِصْفِ الدَّارِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا وَهُوَ شَفِيعُهَا، ثُمَّ جَاءَ شَفِيعٌ مِثْلُهُ قَضَى لَهُ بِنِصْفِهَا، وَإِنْ جَاءَ شَفِيعٌ أَوْلَى مِنْهُ قَضَى لَهُ بِجَمِيعِهَا، وَإِنْ جَاءَ شَفِيعٌ دُونَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا كَانَ لِلدَّارِ شُفَعَاءُ فَحَضَرَ بَعْضُهُمْ وَغَابَ بَعْضُهُمْ فَطَلَبَ الْحَاضِرُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَطْلُبَ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَاضِرِ بِالشَّكِّ فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ وَطَلَبَ حَقَّهُ شَارَكَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ قَالَ فِي غَيْبَةِ الْغَائِبِ: أَنَا آخُذُ النِّصْفَ، أَوْ الثُّلُثَ وَهُوَ مِقْدَارُ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ - إنْ شَاءَ -، أَوْ يَدَعُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا طَلَبَ الْحَاضِرُ نِصْفَ الدَّارِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ سَوَاءٌ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سِوَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَظُنَّ فَإِنْ قَالَ الْحَاضِرُ: لَمَّا جَاءَ الْغَائِبُ يَطْلُبُ الشُّفْعَةَ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ تَدَعَ فَقَالَ الْغَائِبُ لَا آخُذُ إلَّا النِّصْفَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ فَإِنْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ حَقَّهُ لِبَعْضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْجَاعِلِ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ مَنْ بَقِيَ فَإِذَا كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَدَعَ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ أَخَذَهَا بِمِثْلِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ عَقَارًا بِعَقَارٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ) هَذَا إذَا كَانَ شَفِيعًا لَهُمَا جَمِيعًا أَمَّا إذَا كَانَ شَفِيعًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ شُفْعَتَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ، أَوْ بِحِنْطَةٍ، أَوْ بِشَعِيرٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، أَوْ أَكْثَرُ فَتَسْلِيمُهُ بَاطِلٌ وَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ فِي التَّبْلِيغِ غُرُورًا، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ مَا دُونَ الْأَلْفِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَلْفِ وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْأَلْفِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ، أَوْ أَكْثَرُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) يَعْنِي إذَا سَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ فَلَهُ الشُّفْعَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ الشُّفْعَةُ ثَمَّ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قِيلَ لَهُ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَصْلُحُ لَهُ مُجَاوَرَةُ زَيْدٍ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ مُجَاوَرَةُ عَمْرٍو فَإِذَا سَلَّمَ لِمَنْ يَرْضَى بِجِوَارِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْلِيمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو صَحَّ تَسْلِيمُهُ لِزَيْدٍ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ عَمْرٍو؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ بَلَغَهُ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَ الدَّارِ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا اُشْتُرِيَتْ كُلُّهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ بَلَغَهُ أَنَّهَا بِيعَتْ كُلُّهَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ الَّذِي بِيعَ نِصْفُهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ فِي جَمِيعِهَا كَانَ مُسَلِّمًا فِي جُزْءِ كُلٍّ مِنْهَا فَيَصِحُّ تَسْلِيمُهُ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ مِثْلَ ثَمَنِ الْكُلِّ بِأَنْ أُخْبِرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ بِالْأَلْفِ أَمَّا إذَا أُخْبِرَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ بِأَلْفٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ الْخَصْمُ فِي الشُّفْعَةِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ يَدِ الْوَكِيلِ وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَتَكُونَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ فَيَكُونُ الْخَصْمُ هُوَ الْمُوَكِّلَ وَلَوْ قَالَ لِلشَّفِيعِ أَجْنَبِيٌّ: سَلِّمْ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ سَلَّمْتُهَا لَك، أَوْ وَهَبْتهَا، أَوْ أَعْرَضْت عَنْهَا كَانَ تَسْلِيمًا فِي الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا خَاطَبَهُ لِزَيْدٍ فَقَالَ سَلَّمْتهَا لَك فَكَأَنَّهُ قَالَ سَلَّمْتهَا لَهُ مِنْ أَجْلِك، وَإِنْ قَالَ: الشَّفِيعُ لَمَّا خَاطَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ قَدْ سَلَّمْت لَك شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ وَهَبْت لَك شُفْعَتَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْلِيمًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَاعَ دَارِهِ إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ؛ لِأَنَّ الْجِوَارَ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ

بِالذِّرَاعِ الَّذِي يَلِيهِ فَإِذَا اسْتَثْنَاهُ حَصَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَا جِوَارَ لَهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَكَذَا إذَا وُهِبَ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ سَهْمًا مِنْهَا بِثَمَنٍ، ثُمَّ بَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) وَهُوَ أَيْضًا حِيلَةٌ أُخْرَى، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٌ فِيهِ، وَالْجَارَ يَسْتَحِقُّ بِبَيْعِ بَعْضِ الدَّارِ كَمَا يَسْتَحِقُّ بِبَيْعِ جَمِيعِهَا وَصُورَتُهَا رَجُلٌ لَهُ دَارٌ تُسَاوِي أَلْفًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ فَإِنَّهُ يَبِيعُ الْعُشْرَ مِنْهَا مُشَاعًا بِتِسْعِمِائَةٍ، ثُمَّ يَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا بِمِائَةٍ فَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي عُشْرِهَا خَاصَّةً بِثَمَنِهِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي التِّسْعَةِ الْأَعْشَارِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ اشْتَرَى تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا صَارَ شَرِيكًا فِيهَا بِالْعُشْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ابْتَاعَ بِثَمَنٍ، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ دُونَ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْعِوَضِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالثَّوْبُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ ثَانٍ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إيجَابِ حَقٍّ عَلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ، وَفِي إبَاحَةِ الْحِيلَةِ تَبْقِيَةُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْحِيلَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ تَكُونُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْحِيلَةِ لِإِسْقَاطِ الْحَجِّ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا تَرَكَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا لِكَيْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي، أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَالُ لِلشَّفِيعِ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ الْأَرْضَ، وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ قَائِمًا، أَوْ تَدَعَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُحِقٌّ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَلَا يُكَلَّفُ قَلْعَهُ وَلَنَا أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ عَنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَأْمُرَ بِهَدْمِ الْمَسْجِدِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فِيهَا مَعْنًى لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ سَابِقٌ لِحَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَأَنْكَرَ فُلَانٌ الشِّرَاءَ يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فَبَنَى فِيهَا، أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ) أَمَّا الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ بِثَمَنِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَجِبُ لِأَجْلِ الْغُرُورِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي غُرُورٌ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُوجَبْ لَهُ الْمِلْكُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا هُوَ الَّذِي أَخَذَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ، وَتَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ النِّقْضَ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ النِّقْضَ

رَجَعَ بِالثَّمَنِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ، أَوْ احْتَرَقَ بِنَاؤُهَا، أَوْ جَفَّ شَجَرُ الْبُسْتَانِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ الْبِنَاءَ، وَالْغَرْسَ تَابِعٌ حَتَّى دَخَلَا فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يَصِيرَا مَقْصُودَيْنِ وَلِهَذَا يَبِيعُهُمَا مُرَابَحَةً بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنْ شِئْت فَخُذْ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّقْضَ) لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِيهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النِّقْضَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَفْصُولًا مَنْقُولًا فَلَمْ يَبْقَ تَبَعًا وَكَذَا إذَا هَدَمَ الْبِنَاءَ أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ وَكَذَا إذَا انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ سَقَطَتْ عَنْهُ وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ نَزَعَ الْمُشْتَرِي بَابَ الدَّارِ وَبَاعَهُ تَسْقُطُ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا، وَفِي نَخْلِهَا ثَمَرٌ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِثَمَرِهَا) وَمَعْنَاهُ إذَا ذَكَرَ الثَّمَرَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَكَذَا إذَا ابْتَاعَهَا وَلَيْسَ فِي النَّخْلِ ثَمَرٌ فَأَثْمَرَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ تَبَعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ سَرَى إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَدَّهُ الْمُشْتَرِي سَقَطَ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتُهُ) هَذَا جَوَابُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ مَقْصُودًا فَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ أَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا سِوَى الثَّمَرِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ مَبِيعًا إلَّا تَبَعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. . (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالدَّارِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي فَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَالْعَيْبِ فَكَذَا الشَّفِيعُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّ الشَّفِيعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا ابْتَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ، ثُمَّ يَأْخُذَهَا) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ إذَا أَخَذَهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ مِنْ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى أَجَلِهِ كَمَا كَانَ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ مُرَادُهُ الصَّبْرُ عَنْ الْأَخْذِ أَمَّا الطَّلَبُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ عَنْهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَسَمَ الشُّرَكَاءُ الْعَقَارَ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِمْ بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا) (اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ، أَوْ شَرْطٍ، أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ) فَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ (فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدَّهَا بِغَيْرِ

كتاب الشركة

قَضَاءِ قَاضٍ، أَوْ تَقَايَلَا فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّهِمَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِوُجُودِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَقَوْلُهُ: أَوْ تَقَايَلَا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ سَوَاءٌ تَقَايَلَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى الْبَائِعِ عَلَى حُكْمِ مِلْكٍ مُبْتَدَأٍ أَلَا تَرَى أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِقَبُولِهِ وَرِضَاهُ فَصَارَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ مِنْهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا اشْتَرَى دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ رَدَّهَا الْمُشْتَرِي بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ، أَوْ شَرْطٍ، أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، أَوْ تَقَايَلَا فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ وَمُرَادُهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] [الشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ شَرِكَةِ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةِ عُقُودٍ] (كِتَابُ الشَّرِكَةِ) الشَّرِكَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْخُلْطَةُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الشَّرِكَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: شَرِكَةِ أَمْلَاكٍ وَشَرِكَةِ عُقُودٍ؛ فَشَرِكَةُ الْأَمْلَاكِ: الْعَيْنُ يَرِثُهَا الرَّجُلَانِ، أَوْ يَشْتَرِيَانِهَا) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَسْبَابُ الْمِلْكِ وَكَذَا مَا وُهِبَ لَهُمَا، أَوْ أُوصِيَ لَهُمَا بِهِ فَقَبِلَاهُ وَكَذَا إذَا اخْتَلَطَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِ صَاحِبِهِ خَلْطًا لَا يَتَمَيَّزُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ) لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ فِي مَالِ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ وِلَايَةٍ. (قَوْلُهُ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي) (شَرِكَةُ الْعُقُودِ) وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: شَارَكْتُك فِي كَذَا وَيَقُولَ الْآخَرُ: قَبِلْتُ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ وَشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ) وَفِي الْخُجَنْدِيِّ الشَّرِكَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: شَرِكَةٍ بِالْأَمْوَالِ وَشَرِكَةٍ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةٍ بِالْوُجُوهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ. (قَوْلُهُ: فَأَمَّا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الرَّجُلَانِ وَيَتَسَاوَيَا فِي مَالِهِمَا وَتَصَرُّفِهِمَا وَدِينِهِمَا فَتَجُوزَ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ الْبَالِغَيْنِ الْعَاقِلَيْنِ وَلَا تَجُوزَ بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْمَمْلُوكِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيِّ، وَالْبَالِغِ وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ) لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّسَاوِي فِي الْمَالِ الَّذِي يَصِحُّ عَقْدُ

الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ كَالْأَثْمَانِ فَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ كَالْعُرُوضِ، وَالْعَقَارِ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ فَالتَّفَاضُلُ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَالتَّفَاضُلِ فِي الزَّوْجَاتِ، وَالْأَوْلَادِ وَكَذَا إذَا كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا يَفْضُلُ عَلَى مَالِ الْآخَرِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْقَاضِي وَلَا تَصِحُّ الْمُفَاوَضَةُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يَقِفُونَ عَلَى شُرُوطِهَا فَإِذَا لَمْ يَتَلَفَّظُوا بِهَا لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ مَعْنَاهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ لَهَا يَعْرِفُ مَعَانِيَهَا صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تُعْتَبَرُ بِأَلْفَاظِهَا. وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَعَانِيهَا وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي التَّصَرُّفِ حَتَّى لَا تَجُوزَ بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَعَمُّ تَصَرُّفًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَالْعَبْدَ لَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّ الْحُرَّ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَالْعَبْدَ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنٍ فَلَمْ تُوجَدْ الْمُسَاوَاةُ وَكَذَا لَا تَجُوزُ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ وَلَا بَيْنَ حُرٍّ بَالِغٍ وَصَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْكَفَالَةَ، وَكَفَالَةُ هَؤُلَاءِ لَا تَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ كَانَتْ عِنَانًا، وَأَمَّا تَسَاوِيهِمَا فِي الدَّيْنِ فَلَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ تَجُوزُ كَفَالَتُهُمَا وَوَكَالَتُهُمَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَائِزِ مِنْ الْعُقُودِ يُخَافُ مِنْهُ أَنْ يُطْعِمَهُ الرِّبَا وَلَهُمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ لَا يَتَسَاوَيَانِ فِي التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ يَتَصَرَّفُ فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ دُونَ الْمُسْلِمِ وَتَكُونُ عِنَانًا؛ لِأَنَّ الْعِنَانَ يَجُوزُ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا، وَإِنْ تَفَاوَضَ الذِّمِّيَّانِ جَازَتْ مُفَاوَضَتُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي التَّصَرُّفِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا، وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا يَجُوزُ أَيْضًا وَلَا تَجُوزُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ وَلَا بَيْنَ الصَّبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْمُكَاتَبَيْنِ لِانْعِدَامِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ مِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَالْكَفَالَةِ وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ) وَكَذَا طَعَامُ نَفْسِهِ وَكِسْوَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَصَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُفَاوَضَةِ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَطْلُبُ أَيَّهُمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْكَفَالَةِ وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ مِمَّا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَمَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدُّيُونِ بَدَلًا عَمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَالْآخَرُ ضَامِنٌ لَهُ) لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ عَلَى الْكَفَالَةِ فَكَأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِبَدَلِ ذَلِكَ فَيُطَالَبُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بَدَلُ الشَّيْءِ الَّذِي يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى الْعَقَارَ بَطَلَتْ شَرِكَتُهُ وَاَلَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، وَالْإِجَارَةُ وَاَلَّذِي لَا يَصِحُّ فِيهِ النِّكَاحُ، وَالْخُلْعُ وَالْجِنَايَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ شَرِيكَهُ بِالْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ وَكَذَا لَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى آدَمِيٍّ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ، وَإِنْ جَنَى عَلَى دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ لَزِمَ شَرِيكَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَذَلِكَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْزَمُهُ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِلْوَطْءِ، أَوْ لِلْخِدْمَةِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَاشْتَرَاهَا لِيَطَأَهَا فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالثَّمَنِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا وَيَصِيرُ كَأَنَّ شَرِيكَهُ وَهَبَ لَهُ ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَرِثَ أَحَدُهُمَا مَا لَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ أَوْ وُهِبَ لَهُ هِبَةٌ فَوَصَلَ إلَى يَدِهِ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ وَصَارَتْ الشَّرِكَةُ عِنَانًا) لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ الْمَالِ؛ إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِ ابْتِدَاءً، أَوْ بَقَاءً، وَأَمَّا إذَا وَرِثَ مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ كَالْعَقَارِ، أَوْ الْعُرُوضِ، أَوْ وُهِبَ لَهُ ذَلِكَ فَوَصَلَ إلَى يَدِهِ لَمْ تَبْطُلْ الْمُفَاوَضَةُ

الشركة بالعروض

لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) أَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَلِأَنَّهَا أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ وَيُقَوَّمُ بِهَا الْمُسْتَهْلَكَاتُ وَلِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعُقُودِ فَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي مُشْتَرِيًا بِأَمْثَالِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ الرِّبْحُ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحُ مَا ضَمِنَهُ، وَأَمَّا الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ فَإِنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ فَالْتَحَقَتْ بِهَا قَالُوا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالنُّقُودِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَجُوزَ بَيْعُ اثْنَيْنِ مِنْهَا بِوَاحِدٍ بِأَعْيَانِهِمَا عَلَى مَا عُرِفَ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَتَبَدَّلُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَيَصِيرُ سَاعَةً سِلْعَةً، وَلِأَنَّهَا لَا تُقَوَّمُ بِهَا الْمُسْتَهْلَكَاتُ وَلَا يُقَدَّرُ بِهَا أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ فَصَارَتْ كَالْعُرُوضِ وَلَا اعْتِبَارَ بِكَوْنِهَا نَافِقَةً؛ لِأَنَّهَا تَنْفُقُ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الشَّرِكَةُ لَا يَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: بِعْ عَرَضَك عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ بَيْنَنَا لَا يَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ لَمْ تَنْعَقِدْ الشَّرِكَةُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الشَّرِكَةُ يَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اشْتَرِ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِك عَلَى أَنَّ مَا تَشْتَرِيهِ بَيْنَنَا وَأَنَا أَشْتَرِي بِأَلْفٍ مِنْ مَالِي عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيْته بَيْنَنَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ أَوَّلَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُرُوضِ الْبَيْعُ، وَفِي النُّقُودِ الشِّرَاءُ، وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَالَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ شَرِيكًا فِي ثَمَنِهِ لَا يَجُوزُ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا شَيْئًا بِمَالِهِ - عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ - جَائِزٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَامَلَ النَّاسُ بِالتِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ فَتَصِحَّ الشَّرِكَةُ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّ التِّبْرَ وَالنُّقْرَةَ تُشْبِهُ الْعُرُوضَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ثَمَنًا لِلْأَشْيَاءِ وَتُشْبِهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا صَرْفٌ فَأُعْطِيَتْ الشَّبَهَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاعْتُبِرَتْ فِيهَا عَادَةُ النَّاسِ فِي التَّعَامُلِ فَإِذَا تَعَامَلُوا بِهَا أُلْحِقَتْ بِالدَّرَاهِمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَامَلُوا بِهَا أُلْحِقَتْ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ. [الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ] (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادَ الشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ ثُمَّ عَقَدَا الشَّرِكَةَ) صَوَابُهُ: وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا وَصُورَتُهُ: رَجُلَانِ لَهُمَا مَالٌ لَا يَصْلُحُ لِلشَّرِكَةِ كَالْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ وَنَحْوه وَأَرَادَا الشَّرِكَةَ فَالطَّرِيقُ فِيهِ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ مَالِهِ مُشَاعًا بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ مُشَاعًا أَيْضًا فَإِذَا فَعَلَا ذَلِكَ صَارَ الْمَالُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ، ثُمَّ يَعْقِدَانِ بَعْدَهُ عَقْدَ الشَّرِكَةِ لِيَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ قِيلَ لَا يُحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ، ثُمَّ عَقَدَا؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بِالْخَلْطِ قُلْنَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالْبَيْعِ إنَّمَا حَصَلَ شَرِكَةُ مِلْكٍ وَبِقَوْلِهِ، ثُمَّ عَقَدَا ثَبَتَتْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ. وَفِي الْهِدَايَةِ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ قِيمَةُ مَتَاعِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا ثَبَتَتْ بِهِ الشَّرِكَةُ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ عَرَضِ أَحَدِهِمَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ عَرَضِ الْآخَرِ مِائَةً يَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ عَرَضِهِ بِخُمُسِ عَرَضِ الْآخَرِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْعَقْدِ بَعْدَ شَرِكَةِ الْمِلْكِ لِيَثْبُتَ تَوْكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِبَيْعِ نَصِيبِهِ. [شَرِكَةُ الْعِنَانِ] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ وَكِيلًا لِصَاحِبِهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا وَلِذَلِكَ جَازَتْ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّوْكِيلِ

وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَهُ، أَوْ كِلَاهُمَا كَذَلِكَ، أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ، أَوْ كِلَاهُمَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَجُوزُ شَرِكَةُ الْعِنَانِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ التَّفَاضُلُ فِي الْمَالِ) لِأَنَّهَا لَا يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَيَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ) . وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ لَنَا أَنَّ الرِّبْحَ تَارَةً يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ وَتَارَةً بِالْعَمَلِ بِدَلَالَةِ الْمُضَارَبَةِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِمَا جَمِيعًا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ وَأَهْدَى، أَوْ أَكْثَرَ عَمَلًا فَلَا يَرْضَى بِالْمُسَاوَاةِ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَالَيْنِ وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ صَارَ كَأَنَّهُمَا عَمِلَا جَمِيعًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَعْضِ مَالِهِ دُونَ بَعْضٍ) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَصِحُّ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنَّقْدَيْنِ وَلَا تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا وَمِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا دَنَانِيرُ، وَالْآخَرِ دَرَاهِمُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ، لَنَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ فَصَارَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا كَالْعَقْدِ عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الدَّنَانِيرِ تَزِيدُ عَلَى الدَّرَاهِمِ كَمَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةٌ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ وَكَانَتْ عِنَانًا؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، وَالْعِنَانَ لَا يَقْتَضِيهَا. (قَوْلُهُ: وَمَا اشْتَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشَّرِكَةِ طُولِبَ بِثَمَنِهِ دُونَ الْآخَرِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ دُونَ الْكَفَالَةِ، وَالْوَكِيلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) يَعْنِي إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لَا يَرْجِعُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَّا بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا هَلَكَ مَالُ الشَّرِكَةِ، أَوْ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّهَا قَدْ تَعَيَّنَتْ بِهَذَيْنِ الْمَالَيْنِ فَإِذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ فِي الْهَالِكِ لِعَدَمِهِ وَبَطَلَتْ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ رِبْحِ مَالِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ وَهَلَكَ مَالُ الْآخَرِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَالْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ الشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى إنَّ أَيَّهُمَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا تَنْتَقِضُ بَعْدَ تَمَامِهَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ شَرِكَةُ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ) وَأَيُّهُمَا هَلَكَ قَبْلَ الْخَلْطِ بَعْدَ الشَّرِكَةِ هَلَكَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً مِنْ الرِّبْحِ) لِأَنَّ هَذَا يُخْرِجُهَا مِنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَيَجْعَلُهَا إجَارَةً، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوجِبُ انْقِطَاعَ

شركة الأبدان

الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى لِلْآخَرِ. (قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُبْضِعَ الْمَالَ وَيَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً وَيُوَكِّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيَدُهُ فِي الْمَالِ يَدُ أَمَانَةٍ) وَلَهُ أَنْ يُودِعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ شَرِكَةَ عَنَانٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ مِثْلَهُ وَلَيْسَ لِشَرِيكِ الْعِنَانِ أَنْ يُكَاتِبَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَكَذَا يَجُوزُ بِمَا عَزَّ وَهَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، أَوْ بِنُقْصَانٍ لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَأَجَّلَهُ الْآخَرُ لَمْ يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ فِي النَّصِيبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ أَجَّلَهُ الَّذِي وَلِيَ الْعَقْدَ جَازَ فِي النَّصِيبَيْنِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقْرِضَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ تَبَرُّعٌ، وَإِذَا أَقَالَ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ جَازَتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَالْإِقَالَةُ فِيهَا مَعْنَى الشِّرَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ. [شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ) وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ وَشَرِكَةَ الْأَعْمَالِ وَشَرِكَةَ التَّقَبُّلِ. (قَوْلُهُ: فَالْخَيَّاطَانِ وَالصَّبَّاغَانِ يَشْتَرِكَانِ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْأَعْمَالَ وَيَكُونَ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزَ ذَلِكَ) وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ أَعْمَالُهُمْ، أَوْ اخْتَلَفَتْ فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ كَالْخَيَّاطَيْنِ، وَالْإِسْكَافَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا خَيَّاطٌ، وَالْآخَرُ إسْكَافٌ، أَوْ صَبَّاغٌ. وَقَالَ زُفَرُ لَا تَصِحُّ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَعْمَالُ وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الشَّرِكَةُ مُفَاوَضَةً وَقَدْ تَكُونُ عِنَانًا أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَشْتَرِطَا أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، وَأَمَّا الْعِنَانُ فَيَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ، أَوْ لَمْ يَكُونَا فَإِذَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ شَرِيكُهُ وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا سَوَاءً، وَعَلَى التَّفَاضُلِ فَإِنْ أَطْلَقَا الشَّرِكَةَ فَهِيَ عِنَانٌ فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَالشَّرِكَةُ عِنَانٌ، أَوْ مُفَاوَضَةٌ فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فَإِنْ جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا يَأْخُذُ صَاحِبُ الْعَمَلِ أَيَّهُمَا شَاءَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنَانًا، أَوْ مُفَاوَضَةً. (قَوْلُهُ: وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ لَهُ وَلِنَفْسِهِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَمَلِ وَيُطَالِبُ أَحَدُهُمَا بِالْأُجْرَةِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُفَاوَضَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ عِنَانًا فَإِنَّمَا يُطَالِبُ مَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ دُونَ صَاحِبِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عِنَانًا، أَوْ مُفَاوَضَةً فَإِنْ شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ حَالَ مَا تَقَبَّلَا جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ عَمَلًا مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ بِالضَّمَانِ فَمَا حَصَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْ زِيَادَةِ عَمَلٍ فَهُوَ إعَانَةٌ لِصَاحِبِهِ. [شَرِكَةُ الْوُجُوهِ] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَالرَّجُلَانِ يَشْتَرِكَانِ وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا فَتَصِحَّ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ) وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ مُفَاوَضَةً وَعِنَانًا فَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَيَتَلَفَّظَا بِلَفْظِهَا وَيَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا وَكَذَا ثَمَنُهُ، وَأَمَّا الْعِنَانُ فَيَتَفَاضَلَانِ فِي ثَمَنِ الْمُشْتَرَى وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ عِنَانًا. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِلْآخَرِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ فَإِنْ شَرَطَا أَنَّ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ

يَتَفَاضَلَا فِيهِ، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ) لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى الضَّمَانِ وَالضَّمَانُ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ بِمِقْدَارِ مَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ شُرِطَ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَلَا عَمَلٍ فَلَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِالضَّمَانِ وَالضَّمَانُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَكَانَ الرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الْوَكَالَةِ وَالتَّوْكِيلُ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ بِالْأَخْذِ فَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ. (قَوْلُهُ: وَمَا اصْطَادَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ احْتَطَبَهُ فَهُوَ لَهُ دُونَ الْآخَرِ) هَذَا إذَا لَمْ يَخْلِطَاهُ أَمَّا إذَا خَلَطَاهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِهِ عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ إلَى تَمَامِ النِّصْفِ، وَإِنْ خَلَطَاهُ وَبَاعَاهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ وَيُوزَنُ قُسِمَ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ الْكَيْلِ الَّذِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا قُسِمَ عَلَى قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صُدِّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا وَأَعَانَهُ الْآخَرُ بِأَنْ حَطَبَ أَحَدُهُمَا وَشَدَّهُ الْآخَرُ حُزَمًا أَوْ جَمَعَهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَإِنْ أَعَانَهُ بِنَصْبِ الشِّبَاكِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يُصِبْ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَاهُ جَمِيعًا عَلَى صَيْدٍ كَانَ مَا أَصَابَ الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إرْسَالَ غَيْرِ الْمَالِكِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ إرْسَالِ الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبَهُ فَأَصَابَا صَيْدًا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ أَصَابَ كَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَيْدًا عَلَى حِدَةٍ كَانَ لَهُ خَاصَّةً. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ لِيَسْتَقِيَا عَلَيْهِمَا الْمَاءَ عَلَى أَنَّ الْكَسْبَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ، وَالْكَسْبُ كُلُّهُ لِلَّذِي اسْتَقَى وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ صَاحِبَ الْبَغْلِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْبَغْلِ) أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِانْعِقَادِهَا عَلَى إحْرَازِ الْمُبَاحِ وَهُوَ الْمَاءُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأُجْرَةِ فَلِأَنَّ الْمُبَاحَ إذَا صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْتَقِي فَقَدْ اسْتَوْفَى مِلْكَ الْغَيْرِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْبَغْلِ وَالرَّاوِيَةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ شَرِكَةٍ فَاسِدَةٍ فَالرِّبْحُ فِيهَا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ تَابِعٌ لِلْمَالِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، أَوْ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْتُ يَقْطَعُ الْإِذْنَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا عَلِمَ الشَّرِيكُ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَإِنْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا بَعْدَ لَحَاقِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ لَمْ تَبْطُلْ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَمَا قَضَى بِلَحَاقِهِ فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَضَى بِلَحَاقِهِ زَالَتْ أَمْلَاكُهُ فَانْفَسَخَتْ

كتاب المضاربة

الشَّرِكَةُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. . (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالٍ الْآخَرِ إلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فَأَدَّاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالثَّانِي ضَامِنٌ عَلِمَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهَذَا إذَا أَدَّيَا عَلَى التَّعَاقُبِ أَمَّا إذَا أَدَّيَا مَعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ الْآخَرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَأْمُورُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بَعْدَمَا أَدَّى الْآمِرُ بِنَفْسِهِ لَهُمَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِي وُسْعِهِ التَّمْلِيكَ لَا وُقُوعَهُ زَكَاةً لِتَعَلُّقِهِ بِنِيَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ مِنْهُ مَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِذَبْحِ دَمِ الْإِحْصَارِ إذَا ذَبَحَ بَعْدَمَا زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَجَّ الْآمِرُ لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ عَلِمَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْمُؤَدَّى لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَصَارَ مُخَالِفًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ إخْرَاجُ نَفْسِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الضَّرَرَ وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَصَلَ بِأَدَائِهِ وَعُرِّيَ أَدَاءُ الْمَأْمُورِ عَنْهُ فَصَارَ مَعْزُولًا عَلِمَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ. [كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ] (كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) الْمُضَارَبَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّفَرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] أَيْ يُسَافِرُونَ لِطَلَبِ رِزْقِ اللَّهِ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَالُ وَمِنْ الْآخَرِ التِّجَارَةُ فِيهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: دَفَعْتُ إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً، أَوْ مُعَامَلَةً، أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ فِيهِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَيَقُولَ الْمُضَارِبُ: قَبِلْتُ أَوْ أَخَذْتُ، أَوْ رَضِيتُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْمُضَارَبَةُ عَقْدٌ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ) مُرَادُهُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ، ثُمَّ الْمُضَارَبَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِذَا دَفَعَ الْمَالَ فَهُوَ أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ إلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِأَمْرِ مَالِكِهِ فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ فَهُوَ وَكَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ فَإِذَا رَبِحَ صَارَ شَرِيكًا فَإِذَا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ فَإِذَا خَالَفَ الْمُضَارِبُ شَرْطَ رَبِّ الْمَالِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ وَلَكِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَطِيبُ لَهُ، فَإِذَا أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَالَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُضَارِبَ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَأْخُذَهُ مِنْهُ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، أَوْ الثُّلُثِ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْعَمَلِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَالْقَرْضُ عَلَيْهِ، وَإِذَا رَبِحَ وَلَمْ يَهْلِكْ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيُّ فَصَارَ لِلْمُضَارِبِ خَمْسُ مَرَاتِبَ: هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ أَمِينٌ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فَهُوَ وَكِيلٌ، فَإِذَا رَبِحَ فَهُوَ شَرِيكٌ، فَإِذَا فَسَدَتْ فَهُوَ أَجِيرٌ، فَإِذَا خَالَفَ فَهُوَ غَاصِبٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ إلَّا بِالْمَالِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرِكَةَ تَصِحُّ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَأَمَّا الْفُلُوسُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرِكَةِ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهَا وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ

وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً جَازَ إذَا قَبَضَهُ وَعَمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمُضَارَبَةَ إلَى الْمَقْبُوضِ وَذَلِكَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ قَالَ اعْمَلْ بِمَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ مُضَارَبَةً لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِذَلِكَ يَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ دَيْنِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا بِقَبْضِ الطَّالِبِ، أَوْ وَكِيلِهِ، أَوْ بِإِبْرَائِهِ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَبَقِيَ الدَّيْنُ بِحَالِهِ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَالدَّيْنُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِيهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ وَيَبْرَأُ الْمُضَارِبُ مِنْ الدَّيْنِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُون الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا مِنْهُ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا تِلْكَ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِلْمُضَارِبِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ عَمِلَ فِي هَذَا فَرَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَمَلَهُ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِبَدَلٍ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ الْبَدَلَ رَجَعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْفَاسِدَةَ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُضَارِبَ فِي الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَفِي الْفَاسِدَةِ أَوْلَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ الْأَجْرُ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ؛ لِأَنَّهَا إذَا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً، وَالْإِجَارَةُ يَجِبُ فِيهَا الْأَجْرُ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَضْمَنُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَى أَصْلِهِمَا فِي تَضْمِينِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمُضَارَبَةُ الْفَاسِدَةُ قَدْ صَارَتْ إجَارَةً بِدَلَالَةِ وُجُوبِ أَجْرِ الْمِثْلِ فِيهَا، وَالْمُضَارِبُ فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ لَا يَدَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ رَبِّ الْمَالِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ خُلُوصَ يَدِ الْمُضَارِبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ إذَا دَفَعَا مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَشُرِطَ عَمَلُهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالِكَيْنِ لِلْمَالِ فَصَارَا كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الصَّغِيرِ مُضَارَبَةً فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ الصَّغِيرِ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِلْمَالِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا شَرَطَ عَمَلَ مَوْلَاهُ لَمْ تَفْسُدْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ مُكَاتَبِهِ فَهُوَ فِيهَا كَالْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ مُطْلَقَةً) أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِالزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَالسِّلْعَةِ (جَازَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ وَيُسَافِرَ وَيُبْضِعَ وَيُودِعَ وَيُوَكِّلَ) لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِرْبَاحُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتِّجَارَةِ فَيَنْتَظِمُ مَا هُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ وَالتَّوْكِيلُ، وَالْإِبْضَاعُ، وَالْإِيدَاعُ مِنْ صُنْعِهِمْ وَعَادَتِهِمْ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي الْمَالِ بِعِوَضٍ فَإِذَا أَبْضَعَ حَصَلَ الْمَالُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ أَوْلَى وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ مِنْ الْأُجَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بَيْتًا يَحْفَظُ فِيهِ الْمَتَاعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى حِفْظِهِ إلَّا بِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الدَّوَابَّ لِحَمْلِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْصُلُ بِنَقْلِ الْمَتَاعِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، وَأَمَّا الْمُسَافَرَةُ بِالْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ وَلَهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي بَرٍّ، أَوْ بَحْرٍ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ مِنْهُ إلَى أَهْلِهِ فِي لَيْلَتِهِ فَيَبِيتُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ بِالْمَالِ فِيهِ خَطَرٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ. وَقَوْلُهُ: وَيُسَافِرَ بِالْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ الْمَالِ فِي الْحَضَرِ ضَمِنَ وَنَفَقَةُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَكِسْوَتُهُ وَرُكُوبُهُ وَعَلَفُ الدَّوَابِّ الَّتِي يَرْكَبُهَا فِي سَفَرِهِ وَيَتَصَرَّفُ عَلَيْهَا فِي حَوَائِجِهِ، وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَدُهْنُ السِّرَاجِ، وَفِرَاشٌ يَنَامُ عَلَيْهِ وَشِرَاءُ دَابَّةٍ لِلرُّكُوبِ وَاسْتِئْجَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَأَمَّا الدَّوَاءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْفَصْدُ وَالِادِّهَانُ وَالِاخْتِضَابُ وَمَا يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِ الْبَدَنِ فَهُوَ فِي مَالِهِ دُونَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَفِي الْكَرْخِيِّ الدُّهْنُ فِي مَالِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي مَالِ

الْمُضَارَبَةِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَأَمَّا الْفَاكِهَةُ فَالْمُعْتَادُ مِنْهَا يَجْرِي مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْإِدَامِ، وَأَمَّا اللَّحْمُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَمَا كَانَ يَأْكُلُ فِي الْعَادَةِ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُسَافِرُ إلَى مِصْرِهِ وَمَعَهُ مِنْ الثِّيَابِ الَّذِي اكْتَسَاهَا وَمِنْ الطَّعَامِ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلنَّفَقَةِ شَيْءٌ رَدَّهُ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ) ، أَوْ يَقُولَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُوَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، أَوْ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقِ إلَيْهِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك بِخِلَافٍ فِي الْإِيدَاعِ، وَالْإِبْضَاعِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ فَيَتَضَمَّنُهُ وَبِخِلَافِ الْإِقْرَاضِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً فِي قَوْلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَصَّ لَهُ رَبُّ الْمَالِ التَّصَرُّفَ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَيُتَخَصَّصُ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهَا مِنْ تِلْكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِخْرَاجَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخْرَجَهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ أَعَادَهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ عَلَى شَرْطِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ صَارَ مُخَالِفًا ضَامِنًا وَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَلَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ اشْتَرَى بِبَعْضِهِ وَأَعَادَ بَقِيَّتَهُ إلَى الْبَلَدِ ضَمِنَ قَدْرَ مَا اشْتَرَى بِهِ وَلَا يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَعَادَ وَأَلْفَاظُ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ أَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَوْ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ تَقْيِيدًا وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا، وَفِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفُ عَطْفٍ وَمَشُورَةٍ وَلَيْسَ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا وَقَّتَ لِلْمُضَارَبَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِعَيْنِهَا جَازَ وَبَطَلَ الْعَقْدُ بِمُضِيِّهَا) ؛ لِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ فَتَوَقَّتَ بِمَا وَقَّتَهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْعُمُومَ وَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِهِ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي الْكُوفَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهَا جَازَ، وَإِنْ قَالَ: لَا تَعْمَلْ إلَّا فِي سُوقِ الْكُوفَةِ فَعَمِلَ فِي غَيْرِ سُوقِهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ وَيَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ تَبِيعَ مِنْهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ فَائِدَةً وَهُوَ الثِّقَةُ بِفُلَانٍ فِي الْمُعَامَلَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَبَا رَبِّ الْمَالِ وَلَا ابْنَهُ وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بِقَرَابَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى عَبْدٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ وَذَلِكَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَبِدُخُولِهِمْ فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ يَعْتِقُونَ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِمْ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ قَدْ وَلَدَتْ مِنْ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْرًا وَلَا جُلُودَ الْمَيْتَةِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَرَاهُمْ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْمُضَارَبَةِ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي نَفَذَ عَلَيْهِ وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا مِمَّا يُمْلَكُ إذَا قَبَضَ فَلَيْسَ بِمُخَالِفٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الشِّرَاءِ عَامٌّ فِي الصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ وَذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ بَيْعُهُ بَعْدَ قَبْضِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ وَيَفْسُدُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ يَعْتِقُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ، فَيُمْنَعُ التَّصَرُّفَ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَرَاهُمْ ضَمِنَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَهُمْ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ إذْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهِمْ بِحُكْمِ الْمُضَارَبَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمْ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَضْمَنْ لِرَبِّ

الْمَالِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَا فِي تَمَلُّكِهِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ وَوَلَاؤُهُ لِلْمُضَارِبِ وَيَسْعَى فِي رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّةِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْعَى الْمُعْتَقُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ الْمَالَ امْرَأَةٌ فَاشْتَرَى بِهِ الْمُضَارِبُ زَوْجَهَا صَحَّ الشِّرَاءُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي مِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا، وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ ظَهَرَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ وَذَلِكَ نِصْفُ الرِّبْحِ حَتَّى إنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي رُبُعِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ عَتَقَ وَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ مَالِهِ. وَإِنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلُ رَأْسِ الْمَالِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَظْهَرُ لِلْمُضَارِبِ فِيهِ نَصِيبٌ حَتَّى إنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا، أَوْ مُتَفَرِّقًا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا رَبُّ الْمَالِ نَظَرْتَ: إنْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا عَتَقَا جَمِيعًا وَيَضْمَنُ لِلْمُضَارِبِ خَمْسَمِائَةٍ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَوَلَاؤُهُمَا جَمِيعًا لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى الْمُضَارِبِ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ ضَمَانَ إتْلَافٍ فَيَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا مُتَفَرِّقًا فَإِنَّ الْعَبْدَ الْأَوَّلَ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ وَيَتَعَيَّنُ الْعَبْدُ الْآخَرُ لِلرِّبْحِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا) (دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ) فِي ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك (لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي حَتَّى يَرْبَحَ فَإِذَا رَبِحَ ضَمِنَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِرَبِّ الْمَالِ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إذَا عَمِلَ بِهِ ضَمِنَ رَبِحَ، أَوْ لَمْ يَرْبَحْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِيَ فَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ وَقِيلَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ، أَوْ الثَّانِيَ إجْمَاعًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَهُ، وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مُودَعِ الْمُودَعِ أَنَّ الْمُودَعَ الثَّانِيَ يَقْبِضُ لِمَنْفَعَةِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا وَهُنَا يَعْمَلُ الْمُضَارِبُ الثَّانِي لِنَفْعِ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا، ثُمَّ إنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ حِينِ خَالَفَ بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ وَتَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ ضَمِنَهُ ابْتِدَاءً وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ وَلَا خُبْثَ فِي الْعَمَلِ، وَالْأَوَّلَ يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ الْمُسْتَنِدِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ خُبْثٍ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً فَدَفَعَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ السُّدُسُ) ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً قَدْ صَحَّ لِوُجُودِ الْأَمْرِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَرَبُّ الْمَالِ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ إلَّا النِّصْفُ وَقَدْ جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ لِلثَّانِي فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا السُّدُسُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَالَ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَك اللَّهُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ، وَالْمُضَارِبِ

الْأَوَّلِ نِصْفَانِ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَزَقَ اللَّهُ الْأَوَّلَ وَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَافْتَرَقَا، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ: فَمَا رَبِحْتَ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ إلَى غَيْرِهِ بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ فَيَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ جَعَلَ رَبُّ الْمَالِ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ إلَّا النِّصْفَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلِي نِصْفُهُ وَدَفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَلِلثَّانِي نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ: فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ مُطْلَقَ الْفَضْلِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي النِّصْفُ بِالشَّرْطِ وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ فَلِرَبِّ الْمَالِ النِّصْفُ وَلِلْمُضَارِبِ الثَّانِي النِّصْفُ وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي سُدُسَ الرِّبْحِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلثَّانِي شَيْئًا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِرَبِّ الْمَالِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّهِ لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى صَحِيحًا فِي عَقْدٍ يَمْلِكُهُ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: اعْمَلْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ ثُلُثُهُ وَلِي ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِي ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَالثُّلُثَانِ لِرَبِّ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، أَوْ لَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَهُ كَانَ عَلَى مَا شَرَطَ لِلْعَبْدِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَوْلَى كَسْبَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا شَرَطَ لَهُ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِك ثُلُثُهُ وَلِي ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَالثُّلُثَانِ لِلْمُضَارِبِ وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْمَالِ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَالْمَشْرُوطُ لَهُ مَشْرُوطٌ لِلْمُضَارِبِ. وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ إذَا كَانَ مَدْيُونًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوطٍ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَسْتَحِقُّهُ بِرَأْسِ مَالِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ، وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا يَعْنِي فِيمَا إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ، وَإِنْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِابْنِ الْمُضَارِبِ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَمَا شَرَطَ لَهُمَا فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمُضَارِبِ وَزَوْجَتَهُ لَا يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا مَالٍ فَصَارَ الْمَشْرُوطُ لَهُمَا كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ مِنْ الرِّبْحِ اسْتَحَقَّهُ رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ رِبْحُهُ، وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ رِبْحَهُ لِي فَهُوَ بِضَاعَةٌ، وَإِنْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ، أَوْ ثُلُثَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَلِلْمُضَارِبِ مَا شَرَطَ لَهُ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ النِّصْفُ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لِي وَلَك ثُلُثُهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَالثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَنَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْنَ كَلِمَةُ الْقِسْمَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّنَا شَرِيكَانِ فِي الرِّبْحِ جَازَ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] ، وَإِنْ قَالَ لِلْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّ لَك شِرْكًا فِي الرِّبْحِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرِكَةِ وَالشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الشِّرْكَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّصِيبِ وَهُوَ مَجْهُولٌ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَطَأَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ وَوَطْءُ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ فَلِلْمُضَارِبِ حَقٌّ يُشْبِهُ الْمِلْكَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ مَاتَ كَانَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَهَا فَأَشْبَهَتْ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ الْمُضَارِبُ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ) أَمَّا مَوْتُ الْمُضَارِبِ فَلِأَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ عَقْدٌ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ، وَأَمَّا مَوْتُ رَبِّ الْمَالِ

فَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تُصْرَفُ بِالْإِذْنِ، وَالْمَوْتَ يُزِيلُ الْإِذْنَ، وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَوْكِيلٌ، وَمَوْتَ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ فَإِنْ ارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ مِنْ يَوْمِ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ وَتَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَصَارَ كَمَوْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِلَحَاقِهِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ إنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ وَلَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ قَدْ اشْتَرَى بِالْمَالِ عَرَضًا فَارْتَدَّ رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَبَيْعُ الْمُضَارِبِ لِذَلِكَ الْعَرَضِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ فَلَا يَنْعَزِلُ بِرِدَّتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَصَرُّفُهُ كَذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا الرِّدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي حُكْمِ الْأَمْلَاكِ فَتَصَرُّفُ الْمُضَارِبِ فِي حَالِ رِدَّةِ رَبِّ الْمَالِ جَائِزٌ فَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ قُتِلَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ أَيْضًا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ تُزِيلُ الْأَمْلَاكَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الْمُرْتَدَّ فَالْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِنْ مَاتَ الْمُضَارِبُ، أَوْ قُتِلَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَالْمَوْتِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَارْتِدَادُهَا وَغَيْرُ ارْتِدَادِهَا سَوَاءٌ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ صَاحِبَةَ الْمَالِ، أَوْ الْمُضَارِبَةَ إلَّا أَنْ تَمُوتَ، أَوْ تَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُحْكَمَ بِلَحَاقِهَا؛ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي أَمْلَاكِهَا فَكَذَا لَا تُؤَثِّرُ فِي تَصَرُّفِهَا. (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَزَلَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ فَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ حَتَّى اشْتَرَى وَبَاعَ فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ قَصْدًا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ، وَالْمَالُ عُرُوضٌ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا يَمْنَعُهُ الْعَزْلُ عَنْ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالشِّرَاءِ وَصَحَّتْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَزْلُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الرِّبْحِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ تُبْتَنَى عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَنِضُّ بِالْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا شَيْئًا آخَرَ) يَعْنِي الْعُرُوضَ إذَا بَاعَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ نَقْدًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَزَلَهُ وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمُ، أَوْ دَنَانِيرُ قَدْ نَضَّتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا) هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَنَانِيرَ وَاَلَّذِي نَضَّ لَهُ دَرَاهِمُ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا افْتَرَقَا، وَفِي الْمَالِ دُيُونٌ وَقَدْ رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِيهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى اقْتِضَاءِ الدُّيُونِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَهُ كَالْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّ عَمَلَهُ حَصَلَ بِعِوَضٍ فَيُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِهِ كَالْأَجِيرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاقْتِضَاءُ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَالْمُتَبَرِّعُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إيفَاءِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَلِأَنَّ الدُّيُونَ مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهَا فَلَا يُجْبَرُ. (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ وَكِّلْ رَبَّ الْمَالِ فِي الِاقْتِضَاءِ) لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ إلَى الْعَاقِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْكِيلِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُقَالُ لَهُ: أَحِلْ، مَكَانَ قَوْلِهِ " وَكِّلْ "، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَكَالَةُ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ فَإِنَّ مَعْنَى الْحَوَالَةِ: نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَمَعْنَى الْوَكَالَةِ: نَقْلُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فَاسْتَعَارَ لَفْظَ الْحَوَالَةِ لِلْوَكَالَةِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ بِالْأَجْرِ كَالسِّمْسَارِ، وَالْبَيِّعِ بِالْأَجْرِ يُجْبَرَانِ عَلَى الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْأُجْرَةِ فَكَانَ الْأَجْرُ لَهُمَا بَدَلَ عَمَلِهِمَا. . (قَوْلُهُ: وَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَصَرْفُ الْهَلَاكِ إلَى مَا هُوَ التَّبَعُ أَوْلَى كَمَا يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مَقْبُوضٌ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي هَلَاكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ كَمَا يُقْبَلُ فِي الْوَدِيعَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً، أَوْ فَاسِدَةً فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً

كتاب الوكالة

فَالْمَالُ مَضْمُونٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ، وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ) لِأَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ لَا تَصِحُّ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَيْهِ وَتَبَعٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ) أَيْ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ (كَانَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ) الْأَوَّلَ (وَفَسَخَا الْمُضَارَبَةَ، ثُمَّ عَقَدَاهَا وَهَلَكَ الْمَالُ) أَوْ بَعْضُهُ (لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ) لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدْ تَمَّتْ وَانْفَصَلَتْ، وَالثَّانِيَةَ عَقْدٌ جَدِيدٌ فَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الثَّانِي لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأَوَّلِ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ وَهَذَا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ مُعْتَادٍ أَمَّا إذَا كَانَ إلَى أَجَلٍ لَا يَبِيعُ التُّجَّارُ إلَيْهِ وَلَا هُوَ مُعْتَادٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْعَامَّ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَكْرِيَهَا اعْتِبَارًا لِعَادَةِ التُّجَّارِ وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِ الْمُضَارَبَةِ فِي التِّجَارَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ وَلَوْ بَاعَ، ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِاسْتِئْجَارِهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ تَصَرُّفًا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ، ثُمَّ الْبَيْعَ بِالنَّسَاءِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ عِنْدَهُمَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَتَأْخِيرَ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْوَكِيلِ إذَا أَخَّرَ الثَّمَنَ ضَمِنَ، وَالْمُضَارِبُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَقِيلَ، ثُمَّ يَبِيعَ بِنَسِيئَةٍ فَكَذَلِكَ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَخِّرَ ابْتِدَاءً وَلَا يَضْمَنُ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُقَايِلَ، ثُمَّ يَبِيعَ بِالنَّسَاءِ فَإِذَا أَخَّرَ ضَمِنَ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَكِيلِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُضَارِبِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ احْتَالَ الْمُضَارِبُ بِالثَّمَنِ عَلَى رَجُلٍ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ أَيْسَرُ أَوْ أَعْسَرُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا تَمَكَّنُوا مِنْ الِاقْتِضَاءِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ اقْتِضَاءِ الْمُحِيلِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْوَصِيِّ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَصْلَحُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَصْلَحَ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ لِلْيَتِيمِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ فَمَا لَا احْتِيَاطَ فِيهِ لَا يَجُوزُ وَتَصَرُّفُ الْمُضَارِبِ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ فِيمَا اعْتَادُوهُ جَازَ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ: لَا تَبِعْ إلَّا بِالنَّقْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ إلَّا بِالنَّقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ يَدْخُلُهَا التَّخْصِيصُ وَلَهُ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْمَالِ فَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّ بِالنَّقْدِ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَلَا يَبِيعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِأَلْفٍ وَبِمَا زَادَ عَلَيْهِ. . (قَوْلُهُ: وَلَا يُزَوِّجُ عَبْدًا وَلَا أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ) أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَيْنٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُضَارَبَةِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُزَوِّجُهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَأْذُونَةَ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّ فِي تَزْوِيجِهَا تَحْصِيلَ عِوَضٍ وَهُوَ الْمَهْرُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ فِي تَزْوِيجِهَا سُقُوطَ نَفَقَتِهَا عَنْ الْمَوْلَى وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُكَاتِبَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ. [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] الْوَكَالَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْحِفْظُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ أَيْ وَنِعْمَ الْحَافِظُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ

التوكيل بالخصومة

إقَامَةِ الْغَيْرِ مَقَامَهُ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ عَقْدٍ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ جَازَ أَنْ يَعْقِدَهُ لِنَفْسِهِ أَيْ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ مُسْتَبِدًّا بِهِ، وَهَذَا الدَّفْعُ نَقَضَ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ كُلُّ فِعْلٍ جَازَ أَنْ يَفْعَلَهُ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعُقُودِ وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ مِثْلُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ ثُمَّ الْوَكَالَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الْوَكَالَةُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي هَذَا أَوْ بِشِرَاءِ كَذَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ أَحْبَبْت أَنْ تَبِيعَ عَبْدِي هَذَا أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت فَهُوَ تَوْكِيلٌ، وَلَوْ قَالَ لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ امْرَأَتِي لَا يَكُونُ هَذَا تَوْكِيلًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. [التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ] قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ) أَيْ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَوْ بِالْجَوَابِ الصَّرِيحِ قَوْلُهُ (فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِثْبَاتِهَا) أَيْ فِي جَمِيعِهَا، وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَاللِّعَانِ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِيهَا وَلَا فِي إثْبَاتِهَا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ بِالِاسْتِيفَاءِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بِاسْتِيفَائِهِمَا مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ) يَعْنِي الْمَقْذُوفَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَوَلِيَّ الْقِصَاصِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) سَوَاءٌ كَانَ وَكِيلَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَعْنِي مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُصُومَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَمْنَعُهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ وَقَوْلُهُ أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَمَّا دُونَهَا فَهُوَ كَالْحَاضِرِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْلَفْ خِطَابَ الرِّجَالِ فَإِذَا حَضَرَتْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ انْقَبَضَتْ فَلَمْ تَنْطِقْ بِحُجَّتِهَا لِحَيَائِهَا وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِفَوَاتِ حَقِّهَا، وَهَذَا شَيْءٌ اسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ جَعَلُوهَا كَالْمَرِيضِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا تَحْضُرُ مَجَالِسَ الرِّجَالِ فَهِيَ كَالرَّجُلِ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُوجِبُ لُزُومَ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَيْضُ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ هِيَ طَالِبَةً قُبِلَ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَإِنْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً إنْ أَخَّرَهَا الطَّالِبُ حَتَّى يَخْرُجَ الْقَاضِي مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ الطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ بِهَا إلَى التَّوْكِيلِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ يَعْنِي هَلْ تَرْتَدُّ الْوَكَالَةُ بِرَدِّ الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ وَعِنْدَهُمَا لَا وَيُجْبَرُ وَاخْتَارَ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ الْقَصْدَ بِالْإِضْرَارِ إلَى الْمُدَّعِي بِالتَّوْكِيلِ بِحِيَلِهِ وَأَبَاطِيلِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَا خَصْمِهِ وَإِلَّا فَيَقْبَلُهُ وَقَيَّدَ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَالتَّقَاضِي وَالْقَضَاءَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ إجْمَاعًا ثُمَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ إذَا أَقَامَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ إيَّاهَا سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ فِي مَنْعِ الْوَكِيلِ مِنْ الْقَبْضِ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْبَيْعُ. قَوْلُهُ (وَمِنْ شَرْطِ الْوَكَالَةِ أَنْ يَكُون الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِيُمَلِّكَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُمَا يَصِحُّ مِنْهُمَا

التَّصَرُّفُ وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّصَرُّفُ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِبَيْعِهِ قَوْلُهُ (وَيَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ) قَيَّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ تَصَرُّفِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرَى وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ وَقِيلَ احْتِرَازًا عَنْ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَا يَمْلِكَانِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُمَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِيُمَلِّكَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ (وَالْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْعِبَارَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ أَوْ مَجْنُونًا كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا وَقَوْلُهُ وَيَقْصِدُهُ احْتِرَازًا عَنْ بَيْعِ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ هَازِلًا لَا يَقَعُ عَلَى الْآمِرِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ الْحُرُّ الْبَالِغُ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ مِثْلَهُمَا جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ مِثْلَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا إذَا وَكَّلَا مِثْلَيْهِمَا تَعَلَّقَتْ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ، وَإِنْ وَكَّلَا دُونَهُمَا جَازَ أَيْضًا وَلَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ وَفِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ مِثْلَهُمَا غَيْرُ مُنْحَصِرٍ عَلَى الْمِثْلِيَّةِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرَّقَبَةِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ فَوْقَهُ كَتَوْكِيلِ الْمَأْذُونِ حُرًّا أَوْ دُونَهُ كَتَوْكِيلِ الْحُرِّ مَأْذُونًا قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَا صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) أَيْ يَعْرِفُ أَنَّ الشِّرَاءَ جَالِبٌ وَالْبَيْعَ سَالِبٌ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ وَالْفَاحِشَ (أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ جَازَ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ وَيَتَعَلَّقُ بِمُوَكِّلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ عَلَى نَفْسِهِ مَالِكٌ لَهُ، وَإِنَّمَا لَا يَمْلِكُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَالتَّوْكِيلُ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي حَقِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ الصَّبِيُّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ وَالْعَبْدُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْبَائِعٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ يَتَخَيَّرُ كَمَا إذَا عَثَرَ عَلَى عَيْبٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي قَاضِي خَانْ فَرْقًا بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ فِي حَقِّ لُزُومِ الْعُهْدَةِ فَالْعَبْدُ إذَا عَتَقَ يَلْزَمُهُ تِلْكَ الْعُهْدَةُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِهَا حَقُّ الْمَوْلَى، وَقَدْ زَالَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ، وَالصَّبِيُّ لِأَجْلِ حَقِّهِ وَحَقُّهُ لَا يَزُولُ بِالْبُلُوغِ. قَوْلُهُ (وَالْعُقُودُ الَّتِي يَعْقِدُهَا الْوُكَلَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ كُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَحُقُوقُ ذَلِكَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي مَا لِلْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ، وَلَوْ حَلَفَ مَا لِلْوَكِيلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ حَانِثًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ قَوْلُهُ (فَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُطَالِبُ بِالثَّمَنِ إذَا اشْتَرَى وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَيُخَاصِمُ فِي الْعَيْبِ) ؛ لِأَنَّ

كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْهُ اعْتِبَارًا لِلتَّوْكِيلِ السَّابِقِ كَالْعَبْدِ يَنْهَبُ وَيَصْطَادُ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ خِلَافَةً عَنْهُ أَيْ يَثْبُتُ الْمِلْكَ أَوَّلًا لِلْوَكِيلِ وَلَا يَسْتَقِرُّ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ سَاعَتَهُ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ فِي عِتْقِ قَرِيبِ الْوَكِيلِ وَلَا فَسَادِ نِكَاحِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُقُوقُ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ هُوَ قَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ صَبِيًّا مَحْجُورًا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا لَا يُخَاطَبَانِ بِالتَّسْلِيمِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَأَمَّا إذَا كَانَا مَأْذُونَيْنِ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا الْحُقُوقُ فَيُخَاطَبَانِ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ أَمَرَ الْوَكِيلُ الْمُوَكِّلَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَأَيُّهُمَا طَالَبَهُ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إلَيْهِ، وَلَوْ نَهَى الْوَكِيلُ الْمُوَكِّلَ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحَّ نَهْيُهُ، وَإِنْ نَهَى الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ غَيْرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ يَبْرَأُ عَنْهُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ حَطَّ عَنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا حَطُّهُ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ الثَّمَنَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُوَكِّلُ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْمِلْكُ فِي الشِّرَاءِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَكِيلِ مِلْكًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ وَمِنْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ ابْتِدَاءً وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَوْ انْتَقَلَ إلَى الْوَكِيلِ لَعَتَقَ عَلَيْهِ مَحَارِمُهُ إذْ اشْتَرَاهُمْ بِالْوَكَالَةِ وَيُجَابُ لِلْكَرْخِيِّ أَنَّهُمْ إنَّمَا لَا يُعْتَقُونَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَكِيلِ لَا يَسْتَقِرُّ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى مُوَكِّلِهِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَلَا يُطَالِبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالصَّدَاقِ وَلَا يَلْزَمُ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمُهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ صَارَ النِّكَاحُ لَهُ فَصَارَ كَالرَّسُولِ بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ، وَقَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك، وَقَالَ الْأَبُ قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ لِابْنِي جَازَ النِّكَاحُ لِلِابْنِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّ الْمُزَوِّجَ أَضَافَ الْإِيجَابَ إلَى الِابْنِ، وَقَوْلُ الْأَبِ قَبِلْت جَوَابٌ لَهُ وَالْجَوَابُ يَتَقَيَّدُ بِالْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ قَبِلْت لِابْنِي، وَلَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ لِأَبِي الصَّغِيرِ زَوَّجْت ابْنَتِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو الصَّغِيرِ قَبِلْت النِّكَاحَ يَقَعُ النِّكَاحُ لِلْأَبِ هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَاطَ فِيهِ فَيَقُولَ قَبِلْت لِابْنِي وَيَنْبَغِي لِلْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ أَنْ يَقُولَ قَبِلْت النِّكَاحَ لِأَجْلِ فُلَانٍ وَالْوَكِيلُ بِالْخُلْعِ إنْ كَانَ وَكِيلَ الزَّوْجِ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُ بَدَلِ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ إلَّا إذَا ضَمِنَ فَيُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ لَا بِالْعَقْدِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْكِتَابَةِ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُوَكِّلُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ لِمَا أَنَّ الْحُقُوقَ إلَى الْعَاقِدِ قَوْلُهُ (فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ حَقُّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ وَبِدَيْنِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْفَصْلَيْنِ أَيْ فِي الْإِبْرَاءِ وَالْمُقَاصَّةِ، وَقَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إيَّاهُ فَإِنْ وَكَّلَهُ الْوَكِيلُ جَازَ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ فَإِنْ نَهَاهُ الْوَكِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ مَنْعُهُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ) لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكِّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ أَمَّا تَسْمِيَةُ جِنْسِهِ فَقَوْلُهُ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً. وَأَمَّا صِفَتُهُ فَقَوْلُهُ حَبَشِيٌّ أَوْ تُرْكِيٌّ أَوْ مُوَلَّدٌ وَالْمُرَادُ بِالصِّفَةِ هَا هُنَا النَّوْعُ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ النَّوْعَ وَذَكَرَ الثَّمَنَ، فَقَالَ اشْتَرِ لِي عَبْدًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ وَإِنْ كَانَ لَفْظًا يَجْمَعُ أَجْنَاسًا كَدَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ رَقِيقٍ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ حَتَّى يُبَيِّنَ النَّوْعَ مَعَ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ كَالدَّارِ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّوْكِيلُ، وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَلَا يَدْرِي مُرَادَ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ

التوكيل بعقد الصرف والسلم

الْجِنْسَ أَوْ وَالصِّفَةَ أَوْ الْجِنْسَ وَمِقْدَارَ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْمُ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا لَا أَجْنَاسًا كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ؛ لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا وَبِذَكَرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ مِثْلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ نَوْعًا وَلَا ثَمَنًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا فَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ كَالتُّرْكِيِّ أَوْ الْحَبَشِيِّ أَوْ الْهِنْدِيِّ جَازَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ بِهَذَا الثَّمَنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. أَمَّا إذَا وُجِدَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ فَإِنَّ الدَّابَّةَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وَفِي الْعُرْفِ تُطْلَقُ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَقَدْ جَمَعَ أَنْوَاعًا، وَكَذَا الثَّوْبُ يَتَنَاوَلُ الْقُطْنَ وَالْكَتَّانَ وَالْحَرِيرَ وَالصُّوفَ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا، وَكَذَا الدَّارُ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْبُلْدَانِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى دَارٍ لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَةً صَحِيحَةً فَإِنْ سَمَّى جِنْسَ الدَّارِ وَثَمَنَهَا أَوْ نَوْعَ الدَّابَّةِ وَثَمَنَهَا بِأَنْ قَالَ حِمَارًا وَنَوْعَ الثَّوْبِ بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٌّ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى عُرْوَةَ دِينَارًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً» فَذَكَرَ الْجِنْسَ وَالثَّمَنَ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ وَإِنْ قَالَ اشْتَرِ لِي شَاةً أَوْ عَبْدًا وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا وَلَا صِفَةً فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ وَمَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فَهُوَ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ نَوْعَهُ فَيَقُولَ هَرَوِيًّا أَوْ مَرْوِيًّا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَقَعُ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ فَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا بِقَدْرِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي كُلِّ أَجْنَاسِ الثِّيَابِ مَا يَتَقَدَّرُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً فَيَقُولَ لَهُ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا كَمَا إذَا قَالَ لَهُ اشْتَرِ لِي أَيَّ ثَوْبٍ شِئْت أَوْ أَيَّ دَابَّةٍ أَرَدْت أَوْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْك مِنْهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ سَمَّى جِنْسَهَا وَثَمَنَهَا فَاشْتَرَى لَهُ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ مُقْعَدَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَادَةِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَشْتَرُونَ ذَلِكَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ مَوْجُودٌ فِي الصَّحِيحَةِ وَالْمَعِيبَةِ فَإِنْ اشْتَرَى لَهُ عَوْرَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا مَعِيبَةٌ، وَقَدْ يَشْتَرُونَ الْمَعِيبَ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرِ لِي جَارِيَةً تَخْدُمْنِي أَوْ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلْخَبْزِ فَاشْتَرَى عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْعَمَلِ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرِ لِي رَقَبَةً لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ الْعَمْيَاءِ وَلَا مَقْطُوعَةِ الْيَدَيْنِ إجْمَاعًا فَإِنْ اشْتَرَى عَوْرَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ إحْدَى الْيَدَيْنِ لَزِمَتْ الْمُوَكِّلَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ تَنْصِيصَهُ عَلَى الرَّقَبَةِ يَقْتَضِي مَا يَجُوزُ عِتْقُهَا فِي الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرِ لِي جَارِيَةً أَطَؤُهَا أَوْ أَسْتَوْلِدُهَا فَاشْتَرَى لَهُ رَتْقَاءَ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مَجُوسِيَّةً لَمْ يَلْزَمْ الْمُوَكِّلَ وَنَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْقَيْدَ. قَوْلُهُ (فَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلِأَنَّ أَخْذَ الْآمِرِ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ حَجْرٌ عَلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ. [التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ] قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ السَّلَمِ أَمَّا التَّوْكِيلُ مِنْ قِبَلِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَنْ وَكَّلَهُ يَقْبَلُ لَهُ السَّلَمَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ طَعَامٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ (فَإِنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ) لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ قَوْلُهُ (وَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ

لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسَلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ لَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ بِالرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُرْسَلِ وَهُمَا مُفْتَرِقَانِ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ إنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ إذَا جَاءَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَمَّا إذَا جَاءَ فِي مَجْلِسِ عَقْدِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ الْعَقْدُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَيُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ صَارِفٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ) ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا لَمْ يُحْبَسْ يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) سَوَاءٌ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ. وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَكَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَكَذَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ قَوْلُهُ (فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَضَمَانَ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَضَمَانَ الْغَصْبِ عِنْدَ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فَهُوَ بِحَبْسِهِ مُتَعَدٍّ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ التَّعَدِّي وَلَهُمَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الْحَبْسِ لَهُ فَأَشْبَهَ الرَّهْنَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ يُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ عَشَرَةٌ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِخَمْسَةٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَصُورَةُ ضَمَانِ الْبَيْعِ أَنْ يَسْقُطَ الثَّمَنُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَكِيلَ يُجْعَلُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ وَيُجْعَلُ الْمَبِيعُ كَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَصُورَةُ ضَمَانِ الْغَصْبِ هُوَ أَنْ تَجِبَ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَكْثَرَ وَيَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَا فِيهِ دُونَ الْآخَرِ) هَذَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُكُمَا بِبَيْعِ عَبْدِي هَذَا أَمَّا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامَيْنِ بِأَنْ وَكَّلَ أَحَدَهُمَا بِبَيْعِهِ ثُمَّ وَكَّلَ الْآخَرَ أَيْضًا أَنْ يَبِيعَهُ فَأَيُّهُمَا بَاعَ جَازَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنْ وَكَّلَهُمَا فَبَاعَ أَحَدُهُمَا أَوْ اشْتَرَى وَالْآخَرُ حَاضِرٌ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ وَكَّلَهُمَا وَأَحَدُهُمَا عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَوْ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهِ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِرَأْيِ وَاحِدٍ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُمَا بِالْخُصُومَةِ أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ غَصْبٍ أَوْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ

فِي اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْخُصُومَةِ مُتَعَذِّرٌ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّهُمَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الْخُصُومَةِ لَمْ يُفْهِمَا فَيَقُومُ أَحَدُهُمَا فِيهَا مَقَامَ الْآخَرِ إلَّا إذَا انْتَهَيَا إلَى قَبْضِ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْقَبْضُ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا طَلَاقُ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَعِتْقُ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ فَأَشْيَاءُ لَا تَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ بَلْ هِيَ تَعْبِيرٌ مَحْضٌ فَعِبَارَةُ الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا أَوْ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا طَلَّقَ وَأَبَى الْآخَرُ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى رَأْيِهِمَا وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهِمَا فَاعْتُبِرَ بِدُخُولِهِمَا الدَّارَ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقَاهَا جَمِيعًا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا الْآخَرُ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى ثَلَاثٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ قَيَّدَ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُمَا بِقَبْضِهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْقَبْضِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا قَبَضَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا وَهُوَ مُمْكِنٌ وَلَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ حِفْظَ اثْنَيْنِ أَنْفَعُ فَإِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا صَارَ قَابِضًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ. وَأَمَّا إذَا قَبَضَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا يَضْمَنُ وَقَوْلُهُ أَوْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ يَعْنِي زَوْجَةً بِعَيْنِهَا أَوْ عَبْدًا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ أَمَّا إذَا وَكَّلَهُمَا بِطَلَاقِ زَوْجَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي إخْرَاجِ زَوْجَةٍ دُونَ زَوْجَةٍ وَعِتْقِ عَبْدٍ دُونَ عَبْدٍ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِذَلِكَ دُونَ صَاحِبِهِ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ عَلَى مَالٍ أَوْ خُلْعِ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْعِوَضُ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِقَبْضِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَهُ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَالشَّيْءُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَيْدِي. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ بِهِ الْمُوَكِّلُ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ مِثْلُهُ وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْآرَاءِ. وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (أَوْ يَقُولَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك) لِإِطْلَاقِ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ ثُمَّ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ قَالَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَوَكَّلَ وَكِيلًا كَانَ الْوَكِيلُ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ، وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ وَيَنْعَزِلَانِ جَمِيعًا بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وَكَّلَ رَجُلًا وَفَوَّضَ إلَيْهِ الْأَمْرَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَلَهُ عَزْلُهُ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ وَكِّلْ فُلَانًا فَوَكَّلَهُ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (فَإِنْ وَكَّلَ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلٍ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ رَأْيِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ حَصَلَ رَأْيُهُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْعُهْدَةِ وَحُقُوقِ الْعَقْدِ عَلَى مَنْ هِيَ قَالَ الْبَقَّالِيُّ عَلَى الْأَوَّلِ. وَفِي الْعُيُونِ وَقَاضِي خَانْ عَلَى الثَّانِي قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ إجَازَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ مَا عَقَدَ الثَّانِي بِحَضْرَتِهِ أَمْ لَا قَالَ فِي الْأَصْلِ لَا يُشْتَرَطُ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ يَقُولُونَ يُشْتَرَطُ وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَجَازَهُ وَقَوْلُهُ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ قَيَّدَ بِالْعَقْدِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ بِذَلِكَ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ لِلْأَوَّلِ كَالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِتَطْلِيقِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقَعُ بِدُونِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَقَدَ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ جَازَ) إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَى فَالشِّرَاءُ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا عَقَدَ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فَاتَهُ رَأْيُهُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَهُ فَيُجِيزَهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ غَيْرُ الْوَكِيلِ فَأَجَازَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ. قَوْلُهُ (وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِغَيْرِ رِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ كَمَا لَوْ وَضَعَ الرَّهْنَ عِنْدَ عَدْلٍ وَسَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ ثُمَّ عَزَلَهُ الرَّاهِنُ لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ إذَا كَانَتْ

الْوَكَالَةُ مَشْرُوطَةً فِي الرَّهْنِ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ غَائِبًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا بِالْعَزْلِ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَعَلِمَ مَا فِيهِ انْعَزَلَ، وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا كَائِنًا مَنْ كَانَ الرَّسُولُ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا بَعْدَ أَنْ يُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ وَيَقُولَ إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ إنِّي عَزَلْتُكَ عَنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ، وَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهِ وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ عَزَلَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى عَزْلِهِ وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِالْعَزْلِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ غَيْرُ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ انْعَزَلَ إجْمَاعًا سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ غَيْرُ عَدْلٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ انْعَزَلَ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَنْعَزِلُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ. وَأَمَّا الْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عِلْمِ الْوَكِيلِ وَيَنْعَزِلُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ نَحْوُ أَنْ يَمُوتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ يُوَكِّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ إنَّهُ أَخْرَجَ الْعَبْدَ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ الْوَكِيلُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ وَهَبَهُ انْعَزَلَ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْمَوْلَى إنْ عَادَ بِفَسْخٍ عَادَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ عَادَ بِحُكْمِ مِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ تَعُدْ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ) ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ نَهْيٌ وَالْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا فَعَلَى هَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ ثُمَّ عَزَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَبَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ وَمَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ وَيَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى مَوْلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ فَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَمَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى بَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ زَالَ بِهِ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ عَزَلَ الْوَكِيلَ وَغَرَّهُ حِينَ لَمْ يُعْلِمْهُ بِالْعَزْلِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ مِثْلُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ جَازَ لِلْوَكِيلِ بَيْعُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ عَلَى حُكْمِ مِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ مِثْلُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ دُخُولًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ شِرَاءً مُسْتَقْبَلًا. (فَرْعٌ) رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ غَدًا كَانَ وَكِيلًا فِي الْغَدِ وَفِيمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا قَبْلَ الْغَدِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِطْلَاقَاتِ بِالْخَطَرِ جَائِزٌ كَالتَّوْكِيلِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ وَكَّلْتُك أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ وَكَّلْتُك وَكَالْإِذْنِ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَأَمَّا تَعْلِيقُ التَّمْلِيكَاتِ وَالتَّقْيِيدَاتِ بِالْخَطَرِ فَلَا يَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَالْحَجْرِ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالرَّجْعَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ لِلْوَكِيلِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ عَزَلْتُك لَا يَنْعَزِلُ. قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَبِجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَبِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ عَزْلَهُ أَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ كَمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ إلَيْهَا فِي الطَّلَاقِ ثُمَّ جُنَّ، وَكَذَا الْعَدْلُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ مِنْ طَرِيقِ الْآمِرِ وَبِمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ يَبْطُلُ أَمْرُهُ فَيَحْصُلُ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ أَمْرٍ فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ تَعُودُ الْوَكَالَةُ كَذَا ذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ فِي بَابِ الْمَأْذُونِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ كَوْنَهُ مُطْبِقًا؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ وَالْإِغْمَاءُ مَرَضٌ وَالْمَرَضُ لَا يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَحَدُّ الْمُطْبِقِ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الصَّوْمُ عَنْدَهُ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَوْلٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ حَدُّ الْمُطْبِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَهْرٌ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ حَوْلٌ كَامِلٌ وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا أَكْثَرُ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَقَوْلُهُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ، وَكَذَا وَكَالَتُهُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ فَلَا تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ امْرَأَةً فَارْتَدَّتْ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَلْحَقَ وَيُحْكَمَ بِلَحَاقِهَا؛ لِأَنَّ رِدَّتَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي عُقُودِهَا وَلَا تُزِيلُ أَمْلَاكَهَا، وَإِنْ جَاءَ الْمُرْتَدُّ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ عَلَى

وَكَالَتِهِ، وَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ لَمْ يَعُدْ الْوَكِيلُ فِي الْوَكَالَةِ الْأُولَى، وَإِنْ ارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ انْقَطَعَتْ وَكَالَتُهُ، وَإِنْ عَادَ لَمْ تَعُدْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَعُودُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأَخَذَ الْوَرَثَةُ مَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَأَكَلُوهُ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ، وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِي حَكَمَ بِلَحَاقِهِ وَقَضَى بِمَالِهِ لِلْوَرَثَةِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا فَوَجَدَ جَارِيَةً فِي يَدِ الْوَارِثِ فَأَبَى الْوَارِثُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ أَوْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا كَانَ مَا صَنَعَهُ جَائِزًا وَلَا شَيْءَ لِلْمُرْتَدِّ قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ الْمَأْذُونُ لَهُ فَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوْ الشَّرِيكَانِ فَافْتَرَقَا فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُبْطِلُ الْوَكَالَةَ عَلِمَ الْوَكِيلُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) ؛ لِأَنَّ عَجْزَ الْمُكَاتَبِ يُبْطِلُ إذْنَهُ كَمَوْتِهِ، وَكَذَا الْحَجْرُ عَلَى الْمَأْذُونِ وَافْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ يُبْطِلُ إذْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا اشْتَرَكَا فِيهِ وَلِأَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ بَقَاءَ الْأَمْرِ، وَقَدْ بَطَلَ بِالْعَجْزِ وَالْحَجْرِ وَالِافْتِرَاقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْمَوْتِ وَقَوْلُهُ أَوْ الشَّرِيكَانِ فَافْتَرَقَا سَوَاءٌ اشْتَرَكَا عَنَانًا أَوْ مُفَاوَضَةً ثُمَّ وَكَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَالِثًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهُ بَعْدَ جُنُونِهِ وَمَوْتِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا) قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ حَتَّى عَادَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يَعُودُ وَكِيلًا إجْمَاعًا، وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ ثُمَّ عَادَ مُسْلِمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعُودُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ وَكَّلَ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ تَعَذَّرَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْتَظِمُ وُجُوهًا مِثْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَيَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَيُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَنْقَضِ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَيْضًا أَمَّا إذَا انْقَضَتْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْخُلْعِ فَخَالَعَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِتَعَذُّرِ التَّصَرُّفِ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْهِبَةِ فَوَهَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ دَلِيلُ عَدَمِ الْحَاجَةِ إمَّا الرَّدُّ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَهُوَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلَ زَوَالِ الْحَاجَةِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ ثُمَّ مَلَكَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُوَكِّلِ إخْرَاجٌ لِلْوَكِيلِ مِنْ الْوَكَالَةِ. قَوْلُهُ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) ، وَكَذَا مَنْ لَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُؤْتَمَنٌ فَإِذَا بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَحِقَتْهُ تُهْمَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ مُتَّصِلَةٌ وَالْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا فِي عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ وَلَا تُهْمَةَ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ

مُتَبَايِنَةٌ بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى، وَكَذَا لِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةً بِالْعَجْزِ وَفِي قَوْلِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا فِي الْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْبَيْعَ مِنْهُمْ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِالْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ قَالَ لَهُ بِعْ مِمَّنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَطْعًا وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لَهُ بِذَلِكَ وَقَيَّدَ فِي الْمَبْسُوطِ بِالْعَبْدِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَأَنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَدْيُونًا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ عِنْدَ تَعْمِيمِ الْمَشِيئَةِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ ابْنَتَهُ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً فَكَذَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ أَمَتَهُ أَوْ مَنْ لَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَإِنْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ أَوْ مَنْ يَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهَا جَازَ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) ، وَكَذَا بِالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْبَيْعِ عَامٌّ وَمِنْ حُكْمِ اللَّفْظِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْخِلَافُ فِي الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ أَمَّا إذَا قَالَ بِعْهُ بِمِائَةٍ أَوْ بِأَلْفٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقِصَ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَقَالَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِالنُّقُودِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ هِبَةٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ هُوَ مَأْمُورٌ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ، وَقَدْ أَتَى بِبَيْعٍ مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ اسْمٌ لِمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْبَيْعِ بِالْعُرُوضِ كَمَا يُوجَدُ فِي الْبَيْعِ بِالنُّقُودِ، وَكَذَا الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ بَيْعٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ مُحَابَاةً حَنِثَ ثُمَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ يَنْتَظِمُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً إلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَتَقَيَّدُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْآمِرُ وَالْوَكِيلُ، فَقَالَ الْآمِرُ أَمَرْتُك أَنْ تَبِيعَ بِنَقْدٍ فَبِعْت بِنَسِيئَةٍ، وَقَالَ الْوَكِيلُ أَمَرْتنِي بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَجَائِزٌ لِمَنْ وَكَّلَ بِبَيْعِ شَيْءٍ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ نَقْدًا وَلَا نَسِيئَةً أَنْ يَبِيعَهُ نَسِيئَةً إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهَا) قَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا فِيمَا لَيْسَتْ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ. وَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ عِنْدَهُمْ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ إذَا زَادَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ كَذَا فِي شَاهَانْ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ) ثُمَّ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ إجْمَاعًا فَإِنْ أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ هَؤُلَاءِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ جُمْلَةُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِالتَّسْلِيطِ حُكْمُهُمْ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ مِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ، وَقَدْرُ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ يُجْعَلُ عَفْوًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَعَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ يَجُوزُ لَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَبِيعُوا مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِدِرْهَمٍ وَيَشْتَرُوا مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِأَلْفٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ. وَأَمَّا الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْفَمَا كَانَ، وَكَذَلِكَ شِرَاؤُهُ إجْمَاعًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَيْفَمَا كَانَ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ يَجُوزُ بَيْعُ هَؤُلَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا عَزَّ وَهَانَ وَبِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَعْرُوفِ. وَأَمَّا شِرَاؤُهُمْ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ إجْمَاعًا فَإِنْ اشْتَرَوْا بِخِلَافِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَوْ بِغَيْرِ النُّقُودِ نَفَذَ شِرَاؤُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَمِنُوا مَا تَعَدَّوْا فِيهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِمْ إجْمَاعًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُجْعَلُ قَدْرُ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عَفْوًا وَهُوَ الْمَرِيضُ إذَا بَاعَ مَالَهُ

فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَحَابَا فِيهِ قَلِيلًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُحَابَاتُهُ، وَإِنْ قَلَّتْ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ زَادَ فِي الثَّمَنِ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ. وَأَمَّا وَصِيَّتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا بَاعَ تَرِكَتَهُ لِقَضَاءِ دُيُونِهِ وَحَابَى فِيهِ قَدْرَ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ صَحَّ بَيْعُهُ وَيُجْعَلُ عَفْوًا، وَكَذَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ بَعْضِ وَرَثَتِهِ وَحَابَى فِيهِ، وَإِنْ قَلَّ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِمَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَ سَائِرُ وَرَثَتِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ مِنْهُمْ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَحَابَاهُ فِيهِ قَلِيلًا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَحَابَى فِيهِ قَلِيلًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ مَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا وَهُوَ الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ الْيَتِيمِ أَوْ اشْتَرَى فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ (وَاَلَّذِي لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ) ؛ لِأَنَّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِهِمْ زِيَادَةٌ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَوِّمُهُ إنْسَانٌ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَحَقِّقَةً عُفِيَ عَنْهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الَّذِي يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ فَهُوَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى قَدْرُ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فِي الْعُرُوضِ ده نيم وَهُوَ نِصْفُ الْعُشْرِ وَفِي الْحَيَوَانِ ده يازده وَهُوَ الْعُشْرُ وَفِي الْعَقَارِ ده وازده وَهُوَ الْخُمُسُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فِي الْعُرُوضِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَفِي الْحَيَوَانِ فِي الْعَشَرَةِ دِرْهَمٌ، وَفِي الْعَقَارِ فِي الْعَشَرَةِ دِرْهَمَانِ وَمَا خَرَجَ مِنْ هَذَا فَهُوَ مِمَّا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّصَرُّفَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْعُرُوضِ وَيَقِلُّ فِي الْعَقَارِ وَيَتَوَسَّطُ فِي الْحَيَوَانِ وَكَثْرَةُ الْغَبْنِ لِقِلَّةِ التَّصَرُّفِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ عَنْ الْمُبْتَاعِ فَضَمَانُهُ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكِيلِ إذَا بَاعَ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَجُزْ نَفْيُ مُوجَبِ الْقَبْضِ مِنْ كَوْنِهِ أَمِينًا فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُودَعِ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَصِحَّ كَذَا هَذَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْآمِرُ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ عَلَى أَنْ يُبَرِّئَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ كَانَتْ الْحَوَالَةُ بَاطِلَةً وَالْمَالُ عَلَى حَالِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ، وَكَذَا إذَا بَاعَ جُزْءًا مِنْهُ مَعْلُومًا غَيْرَ النِّصْفِ مِثْلَ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ بَاعَ الْبَاقِي مِنْهُ أَوْ لَمْ يَبِعْهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِافْتِرَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِثَمَنِ النِّصْفِ جَازَ عِنْدَهُ فَإِذَا بَاعَ النِّصْفَ بِهِ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا أَوْ يُجِيزَهُ الْآمِرُ، وَكَذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْأَمَةِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ نِصْفَ مَا وَكَّلَ بِهِ وَلَيْسَ فِي تَفْرِيقِهِ ضَرَرٌ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ غَيْرَ النِّصْفِ فَهُوَ مِثْلُ النِّصْفِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ التُّهْمَةُ فَلَعَلَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ لِنَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَنِصْفُ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ وَقَوْلُهُ فَالشِّرَاءُ مَوْقُوفٌ أَيْ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُوَكِّلُ نَفَذَ عِتْقُهُ وَيَكُونُ الْعِتْقُ إجَازَةً مِنْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِي قَبْلَ الْعِتْقِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَوَّلُ إلَى الْآمِرِ قَوْلُهُ (فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَى الِامْتِثَالِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ شِقْصًا شِقْصًا فَإِذَا اشْتَرَى الْبَاقِيَ قَبْلَ رَدِّ الْآمِرِ الْبَيْعَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا اشْتَرَى بَاقِيَهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَإِذَا اخْتَصَمَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَكِيلُ الْبَاقِيَ وَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي الْوَكِيلَ ثُمَّ إنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى الْبَاقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَ الْوَكِيلَ إجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ مَا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَزِمَ الْآمِرَ سَوَاءٌ

اشْتَرَى الْبَاقِيَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِ نَحْوُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ كُرِّ حِنْطَةٍ بِمِائَةٍ فَاشْتَرَى نِصْفَ كُرٍّ بِخَمْسِينَ لَزِمَ الْآمِرَ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ فَاشْتَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا لَزِمَ الْآمِرَ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَاشْتَرَى وَاحِدًا مِنْهَا لَزِمَ الْآمِرَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِنْ لَحْمٍ يُبَاع مِثْلُهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ وَهُوَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِعَشَرَةٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ مِنْ ذَلِكَ اللَّحْمِ تُسَاوِي قِيمَتَهُ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ عَشَرَةٌ مِنْهُ لَا تُسَاوِي ذَلِكَ نَفَذَ الْكُلُّ عَلَى الْوَكِيلِ إجْمَاعًا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُوَكِّلَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ تَثْبُتُ ضِمْنًا فِي الْعِشْرِينَ لَا قَصْدًا، وَهَذَا قَدْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةٍ قَصْدًا وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا إذَا قَالَ طَلِّقْ امْرَأَتِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ الْوَاحِدَةُ لِثُبُوتِهَا فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ وَالْمُتَضَمِّنُ لَا يَثْبُتُ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ بِهِ قُلْنَا ذَاكَ مُسَلَّمٌ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَضَمِّنَ لَا يَثْبُتُ أَصْلًا لَا مِنْ الْمُوَكِّلِ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ بِهِ وَلَا مِنْ الْوَكِيلِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ امْرَأَةُ الْمُوَكِّلِ وَهُنَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ الشِّرَاءُ مِنْ الْمُوَكِّلِ ثَبَتَ مِنْ الْوَكِيلِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي شَرْحِهِ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَحْدَهُ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى مِمَّا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ السَّمِينُ، وَهَذَا مَهْزُولٌ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ الْوَكَالَةَ تَعَيَّنَتْ فَفِعْلُ مَا يَتَعَيَّنُ يَقَعُ لِمُسْتَحِقِّهِ سَوَاءٌ نَوَى عِنْدَ الْعَقْدِ الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ صَرَّحَ بِهِ لِنَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت لِنَفْسِي فَهُوَ لِلْمُوَكِّلِ إلَّا إذَا خَالَفَ فِي الثَّمَنِ إلَى شِرَاءٍ وَإِلَى جِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوَكِّلُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا أَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا، وَقَدْ صَرَّحَ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ يَصِيرُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزَلَ نَفْسَهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ دُونَ غَيْبَتِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَى الثَّانِي وَهُوَ غَائِبٌ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَإِنْ اشْتَرَى الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيَهُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا، وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا عَيَّنَهُ فَاشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ لَزِمَ الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ إلَى شِرَاءٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ إنْ نَوَاهُ لِلْآمِرِ فَلِلْآمِرِ وَإِنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ، وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ نِيَّةٌ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْكَمُ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ مَوْقُوفًا فَأَيُّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ فَعَلَ الْمُحْتَمَلَ لِصَاحِبِهِ قَوْلُهُ (أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ) أَرَادَ بِهِ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ النَّقْدَ مِنْ مَالِهِ أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِدَرَاهِمَ

مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ الْمَدْفُوعَةَ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَفْصِيلًا وَفِيمَا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ لِلْآمِرِ سَوَاءٌ نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ مَا أَضَافَ إلَيْهِ الْعَقْدَ أَوْ نَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَذَا فِي شَاهَانْ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ أَنْ يَكُون فُلَانٌ أَمَرَهُ فَإِنَّ فُلَانًا يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ لَمْ آمُرْهُ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ فَيَكُونَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ وَدَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي بِالتَّعَاطِي، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَا بُدَّ فِي بَيْعِ التَّعَاطِي مِنْ نَقْدِ الثَّمَنِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّهُ رَضِيَ بِخُصُومَتِهِ وَالْقَبْضُ غَيْرُ الْخُصُومَةِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَلَنَا أَنَّ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا يَمْلِكُ إتْمَامَهُ وَتَمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ مَأْمُورٌ بِقَطْعِهَا وَهِيَ لَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ، وَقَدْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَصُورَتُهُ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَأَثْبَتَهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُوَكِّلُ بِالْقَبْضِ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ إلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ كَانَ وَاثِقًا بِقَبْضِهِ لَنَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَقْبِضَانِ إلَّا مَعًا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا لَا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ (وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوْ إبْرَائِهِ يُقْبَلُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْلُحُ لِلْقَبْضِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخُصُومَةِ فَلِمَ يَكُونُ رِضَاهُ بِقَبْضِهِ رِضًا بِخُصُومَتِهِ وَلَيْسَ كُلُّ مُؤْتَمَنٍ عَلَى الْقَبْضِ يَصْلُحُ لِلْخُصُومَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمُطَالَبَةٍ وَمُخَاصَمَةٍ كَالْوَكِيلِ بِأَخْذِ الشُّفْعَةِ وَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فِيهَا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالنَّقْلِ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِنَقْلِ الزَّوْجَةِ وَالنَّقْلُ لَيْسَ بِمُبَادَلَةٍ فَأَشْبَهَ الرَّسُولَ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ إقْرَارُهُ) صُورَتُهُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ أَوْ كَانَ وَكِيل الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِلُزُومِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَصِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) اسْتِحْسَانًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ ظَالِمٌ لَهُ بِمُطَالَبَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا تَصِحُّ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْخُصُومَةِ وَهِيَ مُنَازَعَةٌ وَالْإِقْرَارُ يُضَادُّهُ؛ لِأَنَّهُ مُسَالَمَةٌ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ لَا يَتَنَاوَلُ ضِدَّهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ ثُمَّ الْوَكِيلُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَهَلْ تُقْبَلُ لَهُ؟ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَا وُكِّلَ بِهِ قُبِلَتْ وَإِنْ كَانَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ إنْ

كتاب الكفالة

شَهِدَ قَبْلَ الْعَزْلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ خَاصَمَ فِيهِ لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَلَمْ يُخَاصِمْ قُبِلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْمُصَفَّى إذَا عُزِلَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَخَاصَمَ ثُمَّ عَزَلَهُ فَشَهِدَ الْوَكِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْحَقِّ فَإِنْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْوَكَالَةِ خَاصَمَ أَوْ لَمْ يُخَاصِمْ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ) أَيْ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ ظَهَرَتْ بِالتَّصْدِيقِ وَلِأَنَّ تَصْدِيقَهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَيَّدَ بِالتَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَكَتَ أَوْ كَذَّبَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ وَلَكِنْ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ فَصَدَّقَهُ وَإِلَّا دَفَعَ الْغَرِيمُ إلَيْهِ الدَّيْنَ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ حَيْثُ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ) قَيَّدَ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَاعَ فِي يَدِهِ أَوْ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الْقَبْضِ وَهُوَ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ وَالْمَظْلُومُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى ادِّعَائِهِ فَإِنْ رَجَعَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَدْفُوعَ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى صَارَ حَقًّا لِلْغَائِبِ أَمَّا ظَاهِرًا أَوْ مُحْتَمَلًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا جَاءَ الْمُوَكِّلُ إنْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ مَضَى الْأَمْرُ عَلَى وَجْهِهِ وَإِنْ أَنْكَرَهَا أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ الْغَرِيمِ ثَانِيًا وَالْغَرِيمُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ إنْ كَانَ صَدَّقَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ سَكَتَ رَجَعَ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا رَجَعَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْغَرِيمِ وَأَرَادَ الْغَرِيمُ أَنْ يُحَلِّفَهُ مَا وَكَّلْت كَانَ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ عَنْ تَصْدِيقٍ وَإِنْ كَانَ عَنْ سُكُوتٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ إلَّا إذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ عَنْ جُحُودٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَإِنْ عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ إنِّي وَكِيلُ الْغَائِبِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ ثَمَّ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ وَإِقْرَارُهُ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مَا فِي مِلْكِهِ. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَهِيَ عَيْنُ مَالِ الْغَيْرِ وَالْإِقْرَارُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ وَمَنْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ فَالْعَشَرَةُ بِالْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفًا لِيَقْضِيَ بِهَا دَيْنَهُ فَدَفَعَ الْوَكِيلُ إلَى الْغَرِيمِ أَلْفًا مِنْ مَالِهِ وَاقْتَضَى الْأَلْفَ الَّتِي دُفِعَتْ إلَيْهِ جَازَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِهَذِهِ الْأَلْفِ فَاشْتَرَى بِأَلْفٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ أَخَذَهَا عِوَضًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْكَفَالَةِ] الْكَفَالَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الضَّمُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أَيْ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِهَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْكَفَالَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا ضَمُّ إحْدَى الذِّمَّتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ دُونَ الدَّيْنِ بَلْ أَصْلُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ عَلَى حَالِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الْكَفَالَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ) سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْمَالِ فَإِنْ قِيلَ إذَا تَكَفَّلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إحْضَارِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ قُلْنَا أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى

إحْضَارِهِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ وَجَوَازُ الْكَفَالَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْكَانِ الْأَدَاءِ دُونَ اسْتِحْقَاقِهِ قَوْلُهُ (وَعَلَى الضَّامِنِ بِهَا إحْضَارُ الْمَكْفُولِ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ هُوَ الَّذِي لَزِمَ الْمَكْفُولَ بِهِ، وَقَدْ الْتَزَمَهُ الْكَفِيلُ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إحْضَارِهِ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ ذَلِكَ فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَتَنْعَقِدُ إذَا قَالَ تَكَفَّلْتُ بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِرُوحِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ) أَوْ بِوَجْهِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ قَوْلُهُ (أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ) ، وَكَذَا بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَ ذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَكَفَّلْت بِيَدِ فُلَانٍ أَوْ بِرِجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. وَأَمَّا إذَا أَضَافَ الْجُزْءَ إلَى الْكَفِيلِ بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ كَفَلَ لَك نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الرَّهْنِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ ضَمِنْته لَك أَوْ هُوَ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ أَنَا زَعِيمٌ بِهِ أَوْ كَفِيلٌ بِهِ أَوْ قَبِيلٌ بِهِ) أَوْ أَنَا ضَامِنٌ بِوَجْهِهِ أَمَّا إذَا قَالَ أَنَا ضَامِنٌ بِمَعْرِفَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَالَ تَكَلَّفْتُ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَفِيلٌ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَقُولَ فَإِنْ مَضَتْ فَأَنَا بَرِيءٌ فَيَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى مَا شَرَطَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ تَسْلِيمَ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ إذَا طَالَبَهُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ وَإِذَا أَحْضَرَهُ وَسَلَّمَ فِي مَكَان يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى مُحَاكَمَتِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ) فَإِنْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِهِ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةَ الْمَسَافَةِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ، وَهَذَا إذَا عَلِمَ الْكَفِيلُ مَكَانَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ مَكَانَهُ، وَإِنْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ بِالنَّفْسِ نَفْسَهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ بِجِهَةِ الْكَفَالَةِ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ حَتَّى إنَّهُ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ الْأَمْرِ لَا يَبْرَأُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ، وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةً كُفِّلُوا بِنَفْسِ رَجُلٍ كَفَالَةً وَاحِدَةً فَأَحْضَرَهُ أَحَدُهُمْ بَرِئُوا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُتَفَرِّقَةٌ لَمْ يَبْرَأْ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ أَوْجَبَ إحْضَارًا عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ تَكَفَّلَ ثَلَاثَةٌ بِمَالٍ كَفَالَةً وَاحِدَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فَأَدَّى أَحَدُهُمْ جَمِيعَ الْمَالِ بَرِئَ الْبَاقُونَ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَكَفَّلَ بِهِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَسَلَّمَهُ فِي السُّوقِ بَرِئَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُعَاوَنَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَا عَلَى الْإِحْضَارِ، وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ فِي نَوَاحِي الْبَلَدِ الَّذِي ضَمِنَ لَهُ فِيهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ (وَإِنْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ لَمْ يَبْرَأْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ فِيهَا وَلَا عَلَى إحْضَارِهِ إلَى الْقَاضِي، وَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ فِي الْوَادِي لِعَدَمِ قَاضٍ يَفْصِلُ الْحُكْمَ بِهِ، وَإِنْ سَلَّمَ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ فِيهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ شُهُودُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ قُلْنَا وَلَعَلَّ شُهُودَهُ فِي هَذَا الْمِصْرِ أَيْضًا فَتَعَارَضَتْ الْمُوهِمَاتُ، وَلَوْ سَلَّمَهُ فِي السِّجْنِ، وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرُ الطَّالِبِ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُحَاكَمَةِ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ مِنْ الْكَفَالَةِ وَإِذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ يَبْرَأْ) لِعَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِهِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ بِنَفْسِهِ وَمَالُهُ

الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص

لَا يَصْلُحُ لِإِيفَاءِ هَذَا الْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ فَعَلَى الْكَفِيلِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى بَعْضِهِمْ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ لَهُ خَاصَّةً وَلِلْبَاقِينَ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فَلِوَصِيِّهِمْ أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِحْضَارِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى أَحَدِ الْوَصِيِّينَ بَرِئَ فِي حَقِّهِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يُطَالِبَهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فِي وَقْتِ كَذَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْمَالِ وَلَمْ يُبْرَأْ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) وَعَلَى هَذَا إذَا كَفَلَ لِامْرَأَةٍ بِنَفْسِ زَوْجِهَا فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فَإِذَا وَفَّى أَحَدَهُمَا بَقِيَ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَائِدَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ ضَمَانُ الْأَلْفِ قُلْنَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ. [الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ] قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِدَرْءِ الْحُدُودِ وَتَرْكِ التَّوَثُّقِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ وَفِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَالَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَفِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ فَيَلِيقُ بِهِمَا الِاسْتِيثَاقُ بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ، وَلَوْ سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَتُهُ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فِي قَذْفٍ فَأَنْكَرَهُ فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ لَازِمْهُ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ قِيَامِي فَإِنْ أَحْضَرَ شُهُودَهُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَاضِي وَإِلَّا خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُقِيمَ لَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْكَفِيلُ إنَّمَا يَضْمَنُ الْإِحْضَارَ. وَأَمَّا نَفْسُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ فَلَا يَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ. قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَجَائِزَةٌ مَعْلُومًا كَانَ الْمَالُ الْمَكْفُولُ بِهِ أَوْ مَجْهُولًا إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ تَكَفَّلْت عَنْهُ بِأَلْفٍ أَوْ بِمَا لَكَ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا يُدْرِكُك مِنْ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فَيَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا مِثْلُ أَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ وَالْقَرْضِ وَالصَّدَاقِ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ بِخِلَافِ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ إزَالَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ مِنْ غَيْرِ أَدَاءً وَالْكَفِيلُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ قَوْلُهُ (وَالْمَكْفُولُ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ كَفِيلَهُ) ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ فِي الْمُطَالَبَةُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِيَامَ الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا الضَّمُّ. [تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ] قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ سَبَبًا لَهُ وَمُلَائِمًا لَهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ مَا بَايَعْت فُلَانًا أَوْ دَايَنْته أَوْ مَا ثَبَتَ لَك عَلَيْهِ فَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك مَا لَكَ عَلَى فُلَانٍ لَمْ يَجُزْ الشَّرْطُ. وَأَمَّا الْمَالُ فَيَلْزَمُ الْكَفِيلَ حَالًّا وَإِنْ تَكَفَّلَ إلَى أَجَلٍ إنْ كَانَ أَجَلًا مُعَيَّنًا يَتَعَارَفُهُ التُّجَّارُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ تَكَفَّلَ إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ أَوْ الْقِطَافِ جَازَ، وَإِنْ قَالَ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ وَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا قَوْلُهُ (مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك

عَلَيْهِ) أَيْ تَقَرَّرَ (فَعَلَيَّ) إنَّمَا قَالَ فُلَانًا لِيُعْلَمَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ مَا بَايَعَتْ مِنْ النَّاسِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَالْمَكْفُولِ بِهِ فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي شَاهَانْ، وَإِنْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ عَلَيَّ لَمْ تَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَا ذَابَ عَلَيْك لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ عَلَيَّ لَمْ تَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ تَكَفَّلْت بِمَا لَك عَلَيْهِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ ضَمِنَهَا الْكَفِيلُ) إنَّمَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ كَفِيلٌ وَحِمْلُ الْبَعِيرِ مَجْهُولٌ قَدْ يَزِيدُ، وَقَدْ يَنْقُصُ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ مَا يَعْتَرِفُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُلْتَزِمُ لَهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اعْتَرَفَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى كَفِيلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِيهِ نَفْعُ الطَّالِبِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِثُبُوتِ الرُّجُوعِ إذْ هُوَ عِنْدَ أَمْرِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَيْهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْآمِرُ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالدُّيُونِ وَيَمْلِكُ التَّبَرُّعَ حَتَّى لَوْ كَانَ صَبِيًّا مَحْجُورًا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَكْفُلَ عَنْهُ فَالْكَفَالَةُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اضْمَنْ لِفُلَانٍ عَنِّي بِأَلْفٍ لَهُ عَلَيَّ أَمَّا إذَا قَالَ اضْمَنْ الْأَلْفَ الَّذِي لِفُلَانٍ عَلَيَّ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا،. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ حِرِّيفًا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ حِرِّيفًا لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ خَلِيطًا لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا اسْتِحْسَانًا وَالْخَلِيطُ هُوَ الَّذِي فِي عِيَالِهِ كَالْوَالِدِ الَّذِي هُوَ فِي عِيَالِهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ مِنْ الْأُجَرَاءِ وَالشَّرِيكِ شَرِكَةَ عِنَانٍ وَقِيلَ الْخَلِيطُ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ وَيُدَايِنُهُ وَيَضَعُ عِنْدَهُ الْمَالَ، وَلَوْ تَكَفَّلَ الْعَبْدُ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ ثُمَّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ. وَقَوْلُهُ رَجَعَ بِمَا يُؤَدِّي عَلَيْهِ هَذَا إذَا أَدَّى مِثْلَ الدَّيْنِ الَّذِي ضَمِنَهُ قَدْرًا وَصِفَةً أَمَّا إذَا أَدَّى خِلَافَهُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى كَمَا إذَا تَكَفَّلَ بِصِحَاحٍ أَوْ جِيَادٍ فَأَدَّى مُكَسَّرَةً أَوْ زُيُوفًا وَتَجَوَّزَ بِهَا الطَّالِبُ أَوْ أَعْطَاهُ دَنَانِيرَ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ أَيْ بِالصِّحَاحِ وَالْجِيَادِ وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَمْلِكَ الدَّيْنَ بِالْأَدَاءِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا يُؤَدِّي عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَائِهِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ كَفَلَ لِلرَّجُلِ بِأَلْفٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَمَاتَ الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَارِثُهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ مَا فِي ذِمَّتِهِ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ وَمَلَكَهُ، وَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمَكْفُولِ عَنْهُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَفَلَ بِأَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ الْمَالَ عَنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ الطَّالِبُ الْمَالَ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّ الْكَفِيلَ فِي حُكْمِ الْمُقْرِضِ وَمَنْ سَأَلَ رَجُلًا أَنْ

يُقْرِضَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لُوزِمَ بِالْمَالِ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ حَتَّى يُخَلِّصَهُ) يَعْنِي مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ. وَكَذَا إذَا حُبِسَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي ذَلِكَ وَمَا لَحِقَهُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيُعَامِلَهُ بِمِثْلِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) سَوَاءٌ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ إنَّمَا ضَمِنَ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَإِذَا أَدَّى مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْء تَعُودُ الْكَفَالَةُ إلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ الْبَرَاءَةَ فَإِنْ رَدَّهَا ارْتَدَّتْ وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْكَفِيلِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَعُودُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعُودُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ يَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ قَوْلُهُ (وَإِنْ بَرِئَ الْكَفِيلُ لَمْ يُبْرَأْ الْأَصِيلُ) ، وَكَذَا إذَا أَخَّرَ الطَّالِبُ عَنْ الْأَصِيلِ فَهُوَ تَأْخِيرٌ عَنْ كَفِيلِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يَكُنْ تَأْخِيرًا عَنْ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَبَرَاءَةُ الْكَفِيلِ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلَ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ الْبَرَاءَةَ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ فَيَقُومَ ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَدُيِّنَ الطَّالِبُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ سَوَاءٌ قَبِلَ الْبَرَاءَةَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ الدَّيْنَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فَإِذَا قَبِلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا إذَا أَدَّى، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْت إلَيَّ صَارَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك بَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ، وَإِنْ قَالَ بَرِئْت وَلَمْ يَقُلْ إلَيَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ كَقَوْلِهِ بَرِئْت إلَيَّ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَالْأَصِيلُ جَمِيعًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتُك يَبْرَأُ الْكَفِيلُ خَاصَّةً دُونَ الْأَصِيلِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَسَائِرِ الْبَرَاءَاتِ وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ. وَأَمَّا بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشُّرُوطِ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) مَعْنَاهُ بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إيجَابُهُ عَلَيْهِ إذْ الْعُقُوبَةُ لَا تُجْزِي فِيهَا النِّيَابَةُ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَكَفَّلَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ قَوْلُهُ (وَإِنْ تَكَفَّلَ عَنْ الْبَائِعِ بِالْمَبِيعِ لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَيْنٌ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ إذْ هِيَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمُّ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ فَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ) ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الدَّابَّةِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَلَا يَبْقَى ثَمَّةَ إجَازَةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ بِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَمْلُ وَيُمْكِنُهُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) ، وَكَذَا الْحَوَالَةُ أَيْضًا، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ بَلْ إذَا بَلَغَهُ فَأَجَازَهُ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِجَازَةَ عِنْدَهُ وَتَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ فَيَقُومُ بِهِمَا

الكفالة بمال الكتابة

جَمِيعًا أَيْ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْإِيجَابُ شَطْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ وَلِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَكْفُولِ لَهُ فَوَقَفَ عَلَى رِضَاهُ وَقَبُولِهِ كَالْبَيْعِ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إيجَابُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِالْقَوْلِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ تَكَفَّلْت لِفُلَانٍ كُلَّ الْعَقْدِ عَلَى أَصْلِهِ فَيَقِفُ عَلَى غَائِبٍ عَنْ الْمَجْلِسِ كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ أَنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ عِنْدَهُ وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ فَاكْفُلْ لَهُ بِهِ عَنِّي أَوْ احْتَلْ لَهُ بِهِ، فَقَالَ كَفَلْت أَوْ ضَمِنْت أَوْ احْتَلْت ثُمَّ بَلَغَ الطَّالِبَ ذَلِكَ فَأَجَازَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ أَنَّ فُضُولِيًّا قَالَ ضَمِنْت مَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ فَبَلَغَهُمَا فَأَجَازَا فَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَإِذَا قَبِلَ مِنْ الْغَائِبِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا قَوْلُهُ (إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ تَكَفَّلْ عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ فَتَكَفَّلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ) يَعْنِي إذَا أَجَازَ الطَّالِبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَكْفُولَ لَهُمْ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ يُقَالُ أَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ وَفِيهِ نَفْعُ الطَّالِبِ كَمَا إذَا حَضَرَ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ وَصَارَ كَأَنَّ الدَّيْنَ انْتَقَلَ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى التَّرِكَةِ فَصَارَ خِطَابُهُ كَخِطَابِ الْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُخَاطَبَ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا فَإِنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى اثْنَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ) كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا بِأَلْفٍ وَكَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ (فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى شَرِيكِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا يُؤَدِّيهِ عَلَى النِّصْفِ فَيَرْجِعَ بِالزِّيَادَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَانِ نِصْفٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَايَنَةِ وَنِصْفٌ مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّى النِّصْفَ أَوْ أَقَلَّ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِ الْمُدَايَنَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ فَإِنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَأَدَّاهُ رَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي الضَّمَانِ، وَإِنْ كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَكَفَّلَ اثْنَانِ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا) يَعْنِي إذَا تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ تَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ الْمَالِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا تَكَفَّلَا لَهُ بِأَلْفٍ مَعًا وَتَكَفَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنَّهُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُدَايَنَةِ فَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ حَتَّى يَزِيدَ مَا أَدَّاهُ عَلَى النِّصْفِ فَإِذَا زَادَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الزِّيَادَةِ. [الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ] قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ حُرٌّ تَكَفَّلَ بِهَا أَوْ عَبْدٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْعَبْدِ إزَالَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ مِنْ غَيْرِ أَدَاءً وَالْكَفِيلُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَمِنْ شَرْطِ الْكَفَالَةِ الِاتِّحَادُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَذِمَّةِ الْكَفِيلِ فَإِنْ قُلْتُ إذَا لَمْ تَصِحَّ كَفَالَةُ الْحُرِّ لَا تَصِحُّ كَفَالَةٌ لِعَبْدٍ فَلِأَيِّ مَعْنًى ذَكَرَ الْعَبْدَ قُلْتُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْكَفِيلُ تَبَعٌ لِلْأَصِيلِ فَرُبَّمَا يُقَالُ عَدَمُ الْجَوَازِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُرَّ يَصِيرُ تَبَعًا لَوْ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ، فَقَالَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لِدَفْعِ ذَلِكَ الظَّنِّ فَعَدَمُ صِحَّتِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ مَضْمُونٍ لَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَبَعِيَّةِ الْحُرِّ لِلْعَبْدِ كَذَا فِي الْمُشْكِلِ وَقَيَّدَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَكَفَلَ بِهِ إنْسَانٌ عَنْهُ جَازَ وَإِذَا كُوتِبَ الْعَبْدَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا حَتَّى أُعْتِقَ أَحَدُهُمَا جَازَ الْعِتْقُ وَبَرِئَ عَنْ النِّصْفِ وَبَقِيَ النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِحِصَّةِ الَّذِي لَمْ يُعْتَقْ أَيَّهمَا شَاءَ الْمُعْتَقُ بِالْكَفَالَةِ وَصَاحِبُهُ بِالْأَصَالَةِ فَإِنْ أَخَذَ الَّذِي أُعْتِقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرَ

كتاب الحوالة

لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعْتَقِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَتَكَفَّلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِلْغُرَمَاءِ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) سَوَاءٌ كَانَ ابْنَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْمَالَ ثُمَّ كَفَلَ عَنْهُ إنْسَانٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا مَاتَ فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ مِنْ دَيْنٍ قَالُوا نَعَمْ عَلَيْهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَقَالَ الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ مَضْجَعَهُ» قُلْنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَكَفَّلَ بِهِمَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] [أَرْكَانُ الْحَوَالَةِ] (كِتَابُ الْحَوَالَةِ) الْحَوَالَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحْوِيلِ وَالنَّقْلِ وَهُوَ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْوِيلِ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَثُّقِ بِهِ وَيُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَسْمَاءٍ أَرْبَعَةٍ الْمُحِيلِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْأَصْلِيُّ وَالْمُحَالِ لَهُ وَهُوَ الطَّالِبُ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي قَبِلَ الْحَوَالَةَ وَالْمُحَالِ بِهِ وَهُوَ الْمَالُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْحَوَالَةُ جَائِزَةٌ بِالدُّيُونِ) قَيَّدَ بِالدُّيُونِ احْتِرَازًا عَنْ الْأَعْيَانِ وَالْحُقُوقِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ بِهَا لَا تَصِحُّ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِالدُّيُونِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ هِيَ الَّتِي تَنْتَقِلُ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَكُلُّ دَيْنٍ لَا تَجُوزُ بِهِ الْكَفَالَةُ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَجُوزُ بِهِ وَلَا تَجُوزُ بِهِ الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ احْتَلْ لِهَذَا عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَقُولُ احْتَلْت وَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يَقُولَ احْتَلْ بِالْأَلْفِ الَّتِي لِي عَلَيْك فَيَقُولُ احْتَلْت وَكِلَاهُمَا جَائِزَانِ وَفِي كِلَيْهِمَا يَبْرَأُ الْمُحِيلُ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْحَوَالَةِ عَلَى الْمُحِيلِ سَبِيلٌ إلَّا أَنْ يَتْوَى مَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَكِنْ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً انْقَطَعَتْ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ. فَإِنْ بَطَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُقَيَّدَةِ أَوْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا بِأَلْفٍ وَلَمْ يُؤَدِّ الْأَلْفَ حَتَّى أَحَالَ بِهَا لِرَجُلٍ عَلَيْهِ فَقَبِلَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَظَهَرَ حُرًّا فَإِنَّ الْحَوَالَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَبْطُلُ وَكَانَ لِلْمُحَالِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَا لَوْ قَيَّدَ الْحَوَالَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ الْأَلْفُ عِنْدَ الْمُودَعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُحَالِ لَهُ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَبْطُلُ. وَأَمَّا إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ بِأَمْرٍ عَارِضٍ وَلَمْ تَتَبَيَّنْ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْأَصِيلِ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ مِثْلُ أَنْ يَحْتَالَ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْهُ وَلَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ وَلَكِنَّهُ إذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ بِمَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَلَا تَنْقَطِعُ فِيهَا مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ عَنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ فَإِذَا أَدَّى سَقَطَ مَا عَلَيْهِ قِصَاصًا، وَلَوْ تَبَيَّنَ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ لَا تَبْطُلُ أَيْضًا، وَلَوْ أَنَّ الْمُحَالَ لَهُ أَبْرَأَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ سَوَاءٌ قَبِلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إسْقَاطٌ وَلَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ فَلِهَذَا لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا لَوْ أَدَّى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْهِبَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ. وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُحَالُ لَهُ وَوَرِثَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُحَالُ لَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِدُونِ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَاقِي نَحْوَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَاقِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَنْ الْمُحِيلِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَا غَيْرُ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ أَوْ عَلَى الْعُرُوضِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ

بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَا أَدَّى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ) أَمَّا الْمُحَالُ لَهُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ وَالذِّمَمُ مُتَفَاوِتَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ. وَأَمَّا الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ وَلَا لُزُومَ بِدُونِ الْتِزَامِهِ. وَأَمَّا الْمُحِيلُ فَالْحَوَالَةُ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ رَضِيَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَأَمْرُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى إنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنَّ لَك عَلَى فُلَانٍ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ فَاحْتَلْ بِهِ عَلَيَّ وَرَضِيَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الدَّيْنِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ فَإِنْ أَدَّى الْمَالَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَقَدْ بَرِئَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ قَوْلُهُ (فَإِذَا تَمَّتْ الْحَوَالَةُ بَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ) بِالْقَبُولِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْرَأُ اعْتِبَارًا بِالْكَفَالَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إذَا نَقَدَ الْمُحِيلَ وَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَنَا أَنَّ الْحَوَالَةَ لِلنَّقْلِ وَالدَّيْنُ مَتَى انْتَقَلَ مِنْ ذِمَّةٍ لَا يَبْقَى فِيهَا أَمَّا الْكَفَالَةُ فَلِلضَّمِّ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى وِفَاقِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ إذَا نَقَدَ الْمُحِيلَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْحَوَالَةُ مُبْرِئَةٌ وَالْكَفَالَةُ غَيْرُ مُبْرِئَةٍ وَيَكُونُ الطَّالِبُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَالَبَ الْأَصِيلَ أَوْ الْكَفِيلَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَوَالَةً. وَقَالَ زُفَرُ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ سَوَاءٌ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُبْرِئَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ كِلَاهُمَا مُبْرِئَةٌ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ لَصَارَ حَقَّيْنِ قُلْنَا الْحَوَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحْوِيلِ وَالْحَقُّ إذَا تَحَوَّلَ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ تَبْقَى ذِمَّةُ الْأَوَّلِ فَارِغَةً؛ لِأَنَّك إذَا حَوَّلْت الشَّيْءَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بَقِيَ مَكَانُ الْأَوَّلِ فَارِغًا وَالْكَفَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكَفِيلِ وَهُوَ الضَّمُّ وَضَمُّ الشَّيْءِ إلَى الشَّيْءِ لَا يُوجِبُ فَرَاغَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا أَنْ يَتْوَى حَقُّهُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ تَوَى قَوْلُهُ (وَالْتَوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا) أَيْ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُحَالِ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُحِيلِ وَلَا لِلْمُحَالِ لَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا أَيْ لَمْ يَتْرُكْ عَيْنًا وَلَا دَيْنًا وَلَا كَفِيلًا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ لَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْمُحْتَالُ مَاتَ مُفْلِسًا، وَقَالَ الْمُحِيلُ خِلَافَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ وَفِي غَيْرِ الْمَبْسُوطِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِفَلَسِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ) هَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ صَحِيحٌ. وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِفْلَاسُ بِحُكْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ تَعَالَى غَادٍ وَرَائِحٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمِثْلِ مَالِ الْحَوَالَةِ، فَقَالَ الْمُحِيلُ أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحِيلَ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَلَا تَكُونُ الْحَوَالَةُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِدُونِهِ. قَوْلُهُ (، وَإِنْ طَالَبَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ بِمَا أَحَالَهُ بِهِ، وَقَالَ إنَّمَا أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي، وَقَالَ الْمُحْتَالُ أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ مَعَ

كتاب الصلح

يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَلَفْظَةُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ الْأَلْفَ الْمَقْبُوضَةَ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُحْتَالُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الدَّيْنِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحِيلُهُ لِيَسْتَوْفِيَ لَهُ الْمَالَ. قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ السَّفَاتِجُ وَهُوَ قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ) مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْحَوَالَةِ أَنَّ الْحَوَالَةَ هِيَ النَّقْلُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقَلَ حَالَةَ التَّوَى مِنْ مَالِهِ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْرِضْ لَكَانَ التَّوَى فِي مَالِهِ فَبِالْقَرْضِ يُحِيلُ التَّوَى إلَى مَالِ الْمُسْتَقْرِضِ كَذَا فِي الْمُشْكِلِ وَالسَّفَاتِجُ جَمْعُ سَفْتَجَةٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ الْوَرَقَةُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ التَّاجِرُ أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِشَرْطِ أَنْ تَكْتُبَ لِي كِتَابًا إلَى وَكِيلِك بِبَلَدِ كَذَا فَيُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَسَأَلَهُ ذَلِكَ فَفَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ أَمْنُ خَطَرِ الطَّرِيقِ مَشْرُوطًا؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ نَفْعٍ اُسْتُفِيدَ بِالْقَرْضِ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصُّلْحِ] [أَرْكَانُ الصُّلْحِ] (كِتَابُ الصُّلْحِ) هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُصَالَحَةِ وَهِيَ الْمُسَالَمَةُ بَعْدَ الْمُخَالَفَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ وُضِعَ بَيْنَ الْمُتَصَالِحِينَ لِدَفْعِ الْمُنَازَعَةِ بِالتَّرَاضِي يُحْمَلُ عَلَى عُقُودِ التَّصَرُّفَاتِ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الْمَوْضُوعَانِ لِلصُّلْحِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مَالًا أَوْ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقًّا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] . وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهِ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَدِّدُوا الْخُصُومَ لِكَيْ يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا» هُوَ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ وَقَوْلُهُ «أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَهُوَ الصُّلْحُ عَلَى عَبْدٍ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَسْتَخْدِمَهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْحَرَامُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْحَرَامُ لِعَيْنِهِ كَالْخَمْرِ وَالْحَلَالُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْحَلَالُ لِعَيْنِهِ كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الضَّرَّةَ. [الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الصُّلْحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ صُلْحٌ مَعَ إقْرَارٍ وَصُلْحٌ مَعَ سُكُوتٍ وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرُ وَصُلْحٌ مَعَ إنْكَارٍ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ) أَمَّا مَعَ الْإِقْرَارِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] . وَأَمَّا مَعَ السُّكُوتِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ السَّاكِتَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْكِرًا فَإِذَا صَالَحَ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الصِّحَّةِ دُونَ الْفَسَادِ. وَأَمَّا مَعَ الْإِنْكَارِ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِقَطْعِ الدَّعْوَى وَالْمُخَاصَمَةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِتَرَاضِيهِمَا فَتَجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةُ إذَا كَانَ عَقَارًا وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطُ وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ وَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الصُّلْحُ عَلَى عَيْنِ مَا يَدَّعِيهِ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَعَلَى غَيْرِ مَا يَدَّعِيهِ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ وَعَلَى أَقَلَّ مِمَّا يَدَّعِيهِ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ وَعَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَدَّعِيهِ فَضْلٌ وَرِبَا ثُمَّ الصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ مَجْهُولٍ عَنْ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ لَا يَصِحُّ وَعَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ يَصِحُّ وَقَوْلُهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَبَدَلُ الصُّلْحِ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ

إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ اُعْتُبِرَ بِالْإِجَارَاتِ) لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِيهَا وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ رَجَعَ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَفَعَ بِنِصْفِ الْمُدَّةِ أَوْ ثُلُثِهَا بَطَلَ مِنْ دَعْوَاهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَرَجَعَ عَلَى دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ جَعَلَهُ كَالْإِجَارَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الصُّلْحُ مُخَالِفٌ لِلْإِجَارَةِ فَإِذَا مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَوْفِيَ الذِّمَّةَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمُدَّعِي لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ أَيْضًا فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَيَبْطُلُ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَلَا يَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْمَنَافِعِ هَلَاكُ رَبِّ الْعَيْنِ غَيْرُ قَاطِعٍ ... كَذَاك مَوْتُ الْمُدَّعِي فِي الدَّارِ وَالْعَبْدِ لَا فِي الثَّوْبِ وَالْحِمَارِ ، وَإِنْ هَلَكَ الشَّيْءُ الَّذِي وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَنْفَعَتِهِ أَوْ اُسْتُحِقَّ بَطَلَ الصُّلْحُ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَالصُّلْحُ عَنْ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُدَّعَى عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ الْمَدْفُوعُ عِوَضًا عَنْهُ، وَقَدْ لَزِمَتْهُ الْخُصُومَةُ فَجَازَ لَهُ الِافْتِدَاءُ مِنْهَا. وَأَمَّا الْمُدَّعِي فَفِي زَعْمِهِ أَنَّ الَّذِي ادَّعَاهُ حَقٌّ وَأَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ عِوَضُ حَقِّهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا صَالَحَ عَنْ دَارٍ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ وَصُورَتُهُ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أَوْ عَقَارًا فَأَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ لَمْ تَجِبْ فِيهَا شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ الدَّارَ لَمْ تَزَلْ عَلَى مِلْكِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بِالصُّلْحِ، وَإِنَّمَا دَفَعَ الْعِوَضَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَلَهُ ذَلِكَ وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ وَلِهَذَا لَوْ ظَهَرَ بِالدَّارِ عَيْبٌ لَا يَرْجِعُ بِأَرْشِهِ وَلَا يَرُدُّهَا؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا صَالَحَ عَلَى دَارٍ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ وَمَنْ مَلَكَ دَارًا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْحَقِّ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ أَخَذَهَا عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ الْحَقِّ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ كَانَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَعَ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ فَاسْتُحِقَّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي بِالْخُصُومَةِ) أَيْ مَعَ الْمُسْتَحَقِّ (وَرَدَّ الْعِوَضَ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا بَدَّلَ الْعِوَضَ إلَّا لِدَفْعِ خُصُومَتِهِ عَنْهُ فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا خُصُومَةَ لَهُ فَقَدْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ غَيْرِ شَيْءٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ ذَلِكَ رَدَّ حِصَّتَهُ وَرَجَعَ بِالْخُصُومَةِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارِ لَمْ يُبَيِّنْهُ فَصُولِحَ عَنْهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الدَّارِ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَقِيَ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْرَى الْعِوَضُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ يُقَابِلُهُ فَيَرْجِعُ بِكُلِّهِ وَقَوْلُهُ حَقًّا فِي دَارٍ يَعْنِي حَقًّا فِي عَيْنِ الدَّارِ لَا حَقًّا لَهُ بِسَبَبِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الشُّفْعَةِ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُهُ لَمْ

يُبَيِّنْهُ أَيْ لَمْ يَنْسُبْهُ إلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ وَلَا إلَى جَانِبٍ مَعْلُومٍ كَالشَّرْقِيِّ أَوْ الْغَرْبِيِّ أَوْ الْقِبْلِيِّ فَإِنْ نَسَبَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الدَّارِ نُظِرَ إنْ بَقِيَ مِنْ الدَّارِ مِقْدَارُ الْمُشَاعِ أَوْ أَكْثَرُ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِوَضِ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْهُ قُسِّمَ الْعِوَضُ عَلَى جَمِيعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحَقَّ رَدَّهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ وَقَوْلُهُ لَمْ يُبَيِّنْهُ فِيهِ إشَارَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَوْلُهُ (وَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي دَعْوَى الْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ) صُورَةُ دَعْوَى الْمَنَافِعِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ ثُمَّ تَصَالَحَا لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلُهُ (وَجِنَايَةُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ) إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ بِهَا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْحَقُّ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ مُبَادَلَةً بِخِلَافِ الصُّلْحِ ابْتِدَاءً قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالدِّيَةِ مِائَةَ بَعِيرٍ فَصَالَحَ الْقَاتِلُ الْوَلِيَّ عَنْ الْمِائَةِ الْبَعِيرِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَهِيَ عِنْدَهُ وَدَفَعَ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي عَيَّنَ الْوُجُوبَ فِي الْإِبِلِ فَإِذَا صَالَحَ عَلَى الْبَقَرِ فَالْبَقَرُ الْآنَ لَيْسَتْ بِمُسْتَحَقَّةٍ وَبَيْعُ الْإِبِلِ بِالْبَقَرِ جَائِزٌ، وَإِنْ صَالَحَ عَنْ الْإِبِلِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا صَالَحَ عَنْهَا بِكَيْلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مُؤَجَّلٍ فَقَدْ عَاوَضَ دَيْنًا بِدَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى مِثْلِ قِيمَةِ الْإِبِلِ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ فِي دَعْوَى حَدٍّ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ لَا حَقُّهُ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ نَسَبَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ لَا حَقُّهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ فِي سَرِقَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ زِنًا أَمَّا الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ فَلِأَنَّ الْحَدَّ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ أَيْضًا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الشَّرْعِ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْقَاضِي لَا يَجِبُ بَدَلُ الصُّلْحِ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ صَالَحَ فِيهِ بَعْدَ التَّرَافُعِ لَا يَجِبُ الْبَدَلُ وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَذَا فِي الْمُشْكِلِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ لَهُ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى جَازَ وَكَانَ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ) ؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَوْلُهُ جَازَ يَعْنِي فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا كَانَ كَاذِبًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهَا الْمَالَ لِتَرْكِ الدَّعْوَى فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً فَالزَّوْجُ لَا يُعْطَى الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فُرْقَةً فَلَا شَيْءَ فِي مُقَابَلَةِ الْعِوَضِ الَّذِي بَذَلَهُ لَهَا فَلَا يَصِحُّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَالُ الَّذِي بَذَلَهُ لَهَا زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَعْطَاهُ إيَّاهُ جَازَ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَجْهُولَ النَّسَبِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ (وَكَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فِي مَعْنَى الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَالَ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الرِّقِّ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَفِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ الْخُصُومَةَ وَذَلِكَ

جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَكُونُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَلِهَذَا يَصِحُّ عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكُونُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِإِنْكَارِ الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَيُقْبَلُ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الصُّلْحِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فَصَالَحَهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا (وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيَهُ) ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ أَوْ ادَّعَى عَيْنًا فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى دَرَاهِمَ جَازَ وَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَقَوْلُهُ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ يَعْنِي أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الصُّلْحَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُدَايَنَةُ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ، وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَايَنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْغَصْبِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ قَوْلُهُ (كَمَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ جِيَادٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ جَازَ وَكَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِ حَقِّهِ) وَقَبْضُ الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ حَطَطْت عَنْك خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْحَطُّ جَائِزٌ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ وَلَكِنَّهُ أَزْيَدُ مِنْ جِهَةِ الْوَصْفِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ نَبَهْرَجَةٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جَيِّدَةٍ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِجَمِيعِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُعَاوَضَةَ الْجَوْدَةِ بِمَا حَطَّ فَيَكُونُ اصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنْ كَانَ اصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ جَازَ الصُّلْحُ قَوْلُهُ (وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ وَكَأَنَّهُ أَجَّلَ نَفْسَ الْحَقِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ، وَقَدْ أَخَذَ مِثْلَ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَنْ أَجَّلَ دِينَهُ الْحَالَّ وَلِذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَجَّلَ نَفْسَ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً؛ لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْخِيرِ قَوْلُهُ (وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ إلَى شَهْرٍ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى التَّأْخِيرِ وَلَا وَجْهَ لَهُ سِوَى الْمُعَاوَضَةِ وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَكَذَا لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ. قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ جِيَادٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَيَكُونُ بِإِزَاءِ مَا حَطَّ عَنْهُ وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِرَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ، فَقَالَ مَتَى أَدَّيْتَ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي فَأَدَّى خَمْسَمِائَةٍ فَأَبَى الطَّالِبُ أَنْ يَفِيَ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا بَقِيَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ بَرَاءَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ وَبَرَاءَةُ صَاحِبِ الْأَصْلِ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ تَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لِزَوْجِهَا فِي مَهْرِهَا وَالرَّجُلُ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لِمُكَاتَبِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ خَمْسَمِائَةٍ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ مُكَاتَبَتِك ثُمَّ أَبَى أَنْ يَفِيَ بَعْدَمَا أَدَّى فَذَلِكَ لَهُ وَلَا تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ. وَفِي الْهِدَايَةِ مَنْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفٌ، فَقَالَ لَهُ أَدِّ إلَيَّ غَدًا مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ فَهُوَ بَرِيءٌ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا عَادَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُطْلَقٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ أَدَاءَ الْخَمْسِمِائَةِ عِوَضًا حَيْثُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى وَهِيَ لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْأَدَاءُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَجَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ فَبَقِيَ الْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا فَلَا يَعُودُ كَمَا لَوْ بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِأَدَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْغَدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا لَهُ حَذَارِ إفْلَاسِهِ أَوْ تَوَسُّلًا إلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ مِنْهُ وَكَلِمَةُ عَلَى وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ فَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلشَّرْطِ. وَأَمَّا إذَا بَدَأَ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْخَمْسَمِائَةِ غَدًا فَالْإِبْرَاءُ فِيهِ وَاقِعٌ أَعْطَى الْخَمْسَمِائَةِ أَوْ لَمْ يُعْطِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْإِبْرَاءَ أَوَّلًا وَأَدَاءُ الْخَمْسِمِائَةِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا مُطْلَقًا وَلَكِنَّهُ يَصْلُحُ شَرْطًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ سُودٌ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بِيضٍ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْبِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ وَهِيَ زَائِدَةٌ وَصْفًا فَتَكُونُ مُعَاوَضَةُ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ سُودٍ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ وَهُوَ رِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا

صَالَحَ عَلَى الْأَلْفِ الْبِيضِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ سُودٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ كُلِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالصِّفَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ نَبَهْرَجَةٌ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ جَيِّدَةٍ جَازَ وَيَكُونُ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْدَالٌ فَيَكُونُ صَرْفًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا لِيُصَالِحَ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ وَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ) يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ أَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَكِيلُ فِيهِ سَفِيرًا عَنْ الْمُوَكِّلِ أَوْ مُعَبِّرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ أَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَيْهِ عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا أَوْ نَحْوَهُمَا فَوَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ الْمَالَ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ هُنَا عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ إذَا ضَمِنَ الْمَالَ رَجَعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ وَجُعِلَ الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ أَمْرًا بِالضَّمَانِ، وَكَذَا إذَا أَمَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بِأَنْ يُخَالِعَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَفَعَلَ يَعُودُ عَلَيْهَا وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالْخُلْعِ أَمْرًا بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ إذَا ضَمِنَ الْمَهْرَ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُلْعَ يَجُوزُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ فُضُولِيًّا لَوْ قَالَ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى مِائَةٍ مِنْ مَالِي فَخَلَعَهَا جَازَ فَلَمَّا كَانَ يَجُوزُ فَفَائِدَةُ أَمْرِهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِالضَّمَانِ، وَكَذَا الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ أَمْرٌ بِالضَّمَانِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ عَلَى الرَّجُلِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَفَائِدَةُ أَمْرِهِ جَوَازُ النِّكَاحِ لَا ثُبُوتُ الرُّجُوعِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُؤَاخَذٌ بِعَقْدِ الضَّمَانِ لَا بِعَقْدِ الصَّرْفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ صَالَحَ بِمَالٍ وَضَمِنَهُ تَمَّ الصُّلْحُ وَلَزِمَهُ الْمَالُ) يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَقُولَ صَالِحْنِي مِنْ دَعْوَاك مَعَ فُلَانٍ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِهَا أَوْ قَالَ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِي أَوْ بِأَلْفٍ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَلْفِي هَذِهِ فَإِذَا فَعَلَ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا لَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفِي هَذِهِ أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا تَمَّ الصُّلْحُ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى مَالِ نَفْسِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ، وَهَذَا وَجْهٌ ثَانٍ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ وَسَلَّمَهَا) ، وَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يُوجِبُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ لَهُ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ وَسَكَتَ فَالْعَقْدُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ أَلْفٌ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَطَلَ) ، وَهَذَا وَجْهٌ رَابِعٌ، وَإِنَّمَا وَقَفَ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ تَبَرَّعَ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَتَبَرَّعْ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَطْلُوبُ لَزِمَهُ الْمَالُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَطَلَ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ وَجْهًا خَامِسًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَالِحْنِي مِنْ دَعْوَاك عَلَى فُلَانٍ بِإِضَافَةِ الصُّلْحِ إلَى نَفْسِهِ كَمَا لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمَالِ فَيَجُوزُ وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَلَى الْمُصَالِحِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَيَرْجِعُ الْمُصَالِحُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يَنْسِبْهُ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ صَارَ شَارِطًا سَلَامَتَهُ فَيَتِمُّ بِقَبُولِهِ فَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ أَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْإِيفَاءَ مِنْ مَحَلٍّ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا سِوَاهُ فَإِنْ سَلِمَ الْمَحَلُّ تَمَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ

فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَبِعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِنِصْفِهِ) الْأَصْلُ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَمَتَى قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَإِنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَلَكِنَّهُ قَبْلَ الْمُشَارَكَةِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْقَابِضِ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَضْمَنَ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا قَسَّمْنَا الدَّيْنَ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُمَيِّزُ الْحُقُوقَ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَإِذَا لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ صَارَ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْحَقَّيْنِ وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ يَكُونُ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَثَمَنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَوْرُوثِ بَيْنَهُمَا وَقِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ الْمُشْتَرَكِ فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا نَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ نَصِيبَهُ لَكِنْ لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْقَابِضِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ نِصْفَ الثَّوْبِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى غَرِيمِهِ فَتَوَى الْمَالُ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ مُشْتَرَكًا فَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَلَمْ يُؤَخِّرْ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُؤَجَّلًا وَنَصِيبَ الْآخَرِ مُعَجَّلًا فَيَتَمَيَّزُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ فِي تَأْخِيرِ أَحَدِهِمَا لِنَصِيبِهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ كَالْبَرَاءَةِ وَالْهِبَةِ قَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَوْفَى نِصْفَ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ بِالْبَاقِي) ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ صَارَ مُشْتَرَكًا فَهُوَ مِنْ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ سِلْعَةً كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ بِالْمُقَاصَّةِ كَمُلًا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِغْمَاضِ وَالْحَطِيطَةِ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ دَفْعَ رُبُعِ الدَّيْنِ فِي الصُّلْحِ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتَخَيَّرُ الْقَابِضُ فِي الصُّلْحِ وَقَوْلُهُ (كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) هَذَا إذَا كَانَ ثَمَنُ السِّلْعَةِ مِثْلَ نِصْفِ الدَّيْنِ وَلَا سَبِيلَ لِلشَّرِيكِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِعَقْدِهِ وَالِاسْتِيفَاءُ بِالْمُقَاصَّةِ بَيْنَ ثَمَنِهِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَتَّبِعَ الْغَرِيمَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّتِهِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ حَقِيقَةً لَكِنْ لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ وَلَهُ أَنْ لَا يُشَارِكَهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا) (كَانَ السَّلَمُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ) أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ (فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ) (لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الصُّلْحُ) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ وَبِمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَكُونُ قَسْمُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا لَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَسْخَ الْعَقْدِ عَلَى شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي نُسْخَةٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي نُسْخَةٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.

كتاب الهبة

قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ عَنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إيَّاهُ فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ عَقَارًا أَوْ عُرُوضًا جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَوْ كَثِيرًا) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بَيْعًا وَفِيهِ أَثَرُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ صَالَحَ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِضَّةً فَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا أَوْ ذَهَبًا فَأَعْطَوْهُ فِضَّةً فَهُوَ جَائِزٌ) وَيُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالصَّرْفِ وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمِيرَاثِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ نَصِيبَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَإِنْ كَانَ بَدَلُ الصَّرْفِ عَرْضًا جَازَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الرِّبَا وَقَوْلُهُ (فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ) إنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِهِ أَوْ أَقَلَّ حَالَ التَّصَادُقِ أَمَّا إذَا كَانُوا جَاحِدِينَ أَنَّهَا امْرَأَةُ الْمَيِّتِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْطَى إنَّمَا هُوَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ لَا لِلْمُعَاوَضَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَهَبًا فَصَالَحُوا عَنْهُ بِذَهَبٍ أَقَلَّ مِنْهُ جَازَ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْمُصَالِحَ عَنْهُ وَيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ) الْمُصَالِحُ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَالضَّمِيرُ فِي عَنْهُ رَاجِعٌ إلَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ وَقَوْلُهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ أَيْ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ أَوْ هُوَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِهِمْ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالِحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوهُ عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَيُحِيلُهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. [كِتَابُ الْهِبَةِ] الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ التَّبَرُّعُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] أَيْ هَنِيئًا لَا إثْمَ فِيهِ مَرِيئًا لَا مَلَامَةَ فِيهِ وَقِيلَ الْهَنِيءُ الطَّيِّبُ الْمَسَاغِ الَّذِي لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ وَالْمَرِيءُ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَلَا يُؤْذِي وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْهِبَةُ تَصِحُّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) إنَّمَا قَالَ تَصِحُّ وَفِي الْبَيْعِ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَنِثَ أَمَّا الْبَيْعُ فَلَا

يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ لَا يَحْنَثُ فَلِهَذَا اسْتَعْمَلَ لَفْظَ يَنْعَقِدُ فِي الْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْقَبْضُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَفِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ فَلَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْقَبْضُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ حَتَّى إنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ وَهَبْت لَك عَبْدِي هَذَا وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ فَقَبَضَهُ جَازَ إنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْت، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا، فَقَالَ وَهَبْته مِنْك فَاذْهَبْ فَاقْبِضْهُ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت فَذَهَبَ وَقَبَضَهُ جَازَ، وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ مِنْ الْغَرِيمِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْقَبُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. وَقَالَ زُفَرُ يَقِفُ عَلَى الْقَبُولِ فَإِنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ دَيْنًا عَلَى آخَرَ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ مِنْهُ فَقَبَضَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَفِي شَرْحِهِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَوَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ إسْقَاطٌ لَهُ وَبَرَاءَةٌ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ عَيْنٌ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَإِنْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُجِيبًا لَهُ لَا أَقْبَلُهَا فَالدَّيْنُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ غَائِبًا فَلَمْ يَعْلَمْ بِالْهِبَةِ حَتَّى مَاتَ جَازَتْ الْهِبَةُ وَبَرِئَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَنْفَرِدُ بِالْوَاحِدِ فَتَتِمُّ بِالْإِيجَابِ، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَقَدْ فَاتَ الرَّدُّ فَبَقِيَتْ. قَوْلُهُ (فَإِنْ قَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاهِبِ جَازَ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ كَمَا أَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمُوجِبِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فَكَذَا الْهِبَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ) أَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ لَا بَعْدَهُ فَإِذَا قَبَضَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ. وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ فَالْإِذْنُ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيطُ يَبْقَى بَعْدَ الْمَجْلِسِ كَالتَّوْكِيلِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مَوْجُودًا فِي الْمَجْلِسِ، فَقَالَ لَهُ قَدْ خَلَّيْت بَيْنَك وَبَيْنَهُ فَاقْبِضْ وَانْصَرَفَ الْوَاهِبُ وَقَبَضَهُ بَعْدَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ لَا يَبْطُلُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى عَزَلَهُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَلِأَنَّ بِمَوْتِهِ زَالَ مِلْكُهُ وَفَاتَ تَسْلِيطُهُ كَالْمُوَكِّلِ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مَوْرُوثًا عَنْهُ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ الْهِبَةَ مَا لَمْ تُقْبَضْ فَهِيَ عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ رَجَعَ فِيهَا قَبْلَ قَبْضِهَا صَحَّ رُجُوعُهُ، وَلَوْ وَهَبَ لِلْعَبْدِ هِبَةً فَالْقَبُولُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ الْمَوْلَى لَهُ وَلَا قَبْضُهُ لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَكُونُ هَذَا كَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْعَبْدِ لَا يَسْتَقِرُّ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ، وَلَوْ قَبِلَ الْعَبْدُ الْهِبَةَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمَوْلَى صَحَّتْ، وَلَوْ رَدَّهَا الْعَبْدُ وَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ تَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ الْمَوْلَى وَلَا قَبُولُهُ لِمَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَوْلُهُ (وَتَنْعَقِدُ الْهِبَةُ بِقَوْلِهِ وَهَبْتُك وَنَحَلْتُك وَأَعْطَيْتُك وَأَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ وَجَعَلَتْ هَذَا الشَّيْءَ لَك) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْإِطْعَامُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُطْعَمُ قَوْلُهُ (وَأَعْمَرْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحُمْلَانِ الْهِبَةَ) ، وَإِنْ نَوَى الْعَارِيَّةَ كَانَتْ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُهُمَا، وَإِنْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ كَانَ هِبَةً؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] ، وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا مَنَحَهُ بَعِيرًا أَوْ شَاةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَارًا فَهِيَ عَارِيَّةٌ، وَإِنْ مَنَحَهُ طَعَامًا أَوْ لَبَنًا أَوْ دَرَاهِمَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا هِبَةٌ وَالْأُخْرَى قَرْضٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلُّبْسِ أَوْ لِلرُّكُوبِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ وَكُلُّ مَا لَا يُنْتَفَعُ إلَّا بِأَكْلِهِ أَوْ اسْتِهْلَاكِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ فِيمَا يُقْسَمُ إلَّا مَحُوزَةً مَقْسُومَةً) ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ وَتَجُوزُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي إذَا وُهِبَ مِنْ شَرِيكِهِ لَا يَجُوزُ

وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ أَيْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا وَقَعَتْ جَائِزَةً لَكِنْ غَيْرَ مُثْبِتَةٍ لِلْمِلْكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا مَحُوزَةً فَإِنَّهُ لَوْ قَسَّمَهَا وَسَلَّمَهَا مَقْسُومَةً صَحَّتْ قَوْلُهُ (وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِي مَا لَا يُقْسَمُ جَائِزَةٌ) كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَوْ رَهَنَ مُشَاعًا لَا يَجُوزُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ وُهِبَ شِقْصًا مُشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ يُحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى أُصُولٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَبَيْنَ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَالثَّانِي الشُّيُوعُ الْمُفْسِدُ هَلْ هُوَ الْمُقَارِنُ أَوْ الطَّارِئُ وَالثَّالِثُ بَيَانُ الْعِبْرَةِ فِي الشُّيُوعِ هَلْ هُوَ لِوَقْتِ الْقَبْضِ أَوْ لِوَقْتِ الْهِبَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ إذَا وُهِبَ لَهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ أَوْ نِصْفَ مِثْقَالٍ صَحِيحٍ يَجُوزُ هُوَ الصَّحِيحُ وَجُعِلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مُشَاعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَهُ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُفْسِدُ هُوَ الشُّيُوعُ الْمُقَارِنُ دُونَ الطَّارِئِ حَتَّى إنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً ثُمَّ رَجَعَ فِي بَعْضِهَا لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَذَا فِي شَاهَانْ. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا وَهَبَ لَهُ دَارًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا بَطَلَتْ الْهِبَةُ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الشُّيُوعِ لِوَقْتِ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ وَهَبَ لَهُ نِصْفَ دَارٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ جَازَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْقَبْضِ وَالْمُشَاعُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ. وَقَوْلُهُ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ أَيْ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَلَوْ أَنَّهُ وَهَبَ مُشَاعًا فِيمَا يُقْسَمُ وَسَلَّمَهُ عَلَى الْفَسَادِ هَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَقَعُ مَضْمُونًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمْ لَا؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَيَجِبُ الضَّمَانُ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ، وَلَوْ وَهَبَ شَيْئًا مُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْفَصْلُ وَالتَّمْيِيزُ، وَالْقَبْضُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ حِينَئِذٍ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا مِثْلُ أَنْ يَهَبَ ثَمَرًا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ فَإِنْ مَيَّزَهُ وَفَصَلَهُ وَأَقْبَضَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ فَإِنْ فَصَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ كَانَ الْفَصْلُ وَالْقَبْضُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْأَشْجَارَ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ، وَلَوْ وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعٌ لِلْوَاهِبِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهِ أَوْ سَلَّمَهَا مَعَ الْمَتَاعِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مَشْغُولَةٌ بِالْمَتَاعِ وَالْفَرَاغُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّسْلِيمِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُودِعَ الْمَتَاعَ أَوَّلًا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثُمَّ يُسَلِّمَ الدَّارَ إلَيْهِ فَيَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعٍ هُوَ فِي يَدِهِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ دُونَ الدَّارِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ جَمِيعًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا صَحَّ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ وَهَبَ أَحَدَهُمَا وَسَلَّمَ ثُمَّ وَهَبَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ إنْ قَدَّمَ هِبَةَ الدَّارِ فَالْهِبَةُ فِيهَا لَا تَصِحُّ وَفِي الْمَتَاعِ تَصِحُّ، وَإِنْ قَدَّمَ هِبَةَ الْمَتَاعِ صَحَّ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ وَقْتَ تَسْلِيمِهَا كَانَتْ مَشْغُولَةً بِمَتَاعِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَمْنَعُ الْقَبْضَ. قَوْلُهُ (وَلَوْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَوَقَعَ الْعَقْدُ بَاطِلًا فَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ بِخِلَافِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ مَحَلٌّ لِلتَّمَلُّكِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشَاعِ وَبَيْعُ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ، وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَذَا هِبَتُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهِبَةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فِي الْأَرْضِ وَالثَّمَرِ فِي النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَبْضَ كَالشَّائِعِ فَإِنْ أَذِنَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْقَطْعِ وَالْقَبْضِ جَازَ وَجَعَلَ فِي الْكَرْخِيِّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ الدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ قَالَ فِيهِ، وَلَوْ وَهَبَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ أَوْ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهِ أَوْ مَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ عِنْدَ اسْتِخْرَاجِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هِبَةُ الْمُشَاعِ إذَا قُسِّمَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ حَتَّى يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ (، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَلَكَهَا بِالْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا) ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضِهِ وَالْقَبْضُ

هُوَ الشَّرْطُ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَإِذَا اخْتَلَفَا نَابَ الْمَضْمُونُ عَنْ غَيْرِ الْمَضْمُونِ وَلَا يَنُوبُ غَيْرُ الْمَضْمُونِ عَنْ الْمَضْمُونِ بَيَانُهُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مَغْصُوبًا فِي يَدِهِ أَوْ مَقْبُوضًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ بَيْعًا صَحِيحًا جَازَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ آخَرَ لِاتِّفَاقِ الْقَبْضَيْنِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً فَوَهَبَهُ لَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ آخَرَ لِاتِّفَاقِهِمَا؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا أَمَانَةٌ، وَلَوْ كَانَ مَغْصُوبًا فِي يَدِهِ أَوْ مَقْبُوضًا بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَوَهَبَهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً فَبَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْمَضْمُونِ وَقَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا يَعْنِي إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ مَغْصُوبَةً أَوْ مَقْبُوضَةً بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَمَّا إذَا كَانَتْ رَهْنًا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ هِبَةً مَلَكَهَا الِابْنُ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مُودَعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا أَوْ مَبِيعًا بَيْعًا فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَتْ لَهُ أُمُّهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهَا وَالْأَبُ مَيِّتٌ وَلَا وَصِيَّ لَهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَعُولُهُ وَيَنْبَغِي لِلْأَبِ أَنْ يُعْلِمَ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ أَوْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَجْحَدَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ زَوَالُ مِلْكِهِ إلَّا بِذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ هِبَةً تَمَّتْ بِقَبْضِ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَيًّا فَقَبَضَهُ لَهُ أَجْنَبِيٌّ إنْ كَانَ يَعُولُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْقَابِضُ لَهُ أَخًا أَوْ عَمًّا أَوْ خَالًا فَالْقَبْضُ لِمَنْ يَعُولُهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ دَفَعَهَا الْوَاهِبُ إلَى الصَّبِيِّ إنْ كَانَ يَعْقِلُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرَةِ هِبَةً وَلَهَا زَوْجٌ إنْ كَانَتْ قَدْ زُفَّتْ إلَيْهِ جَازَ قَبْضُهُ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُزَفَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا نَقَلَهَا مَعَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَقَدْ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حِفْظِهَا وَحِفْظِ مَالِهَا وَقَبْضُ الْهِبَةِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَكِنْ بِهَذَا لَا تَنْعَدِمُ وِلَايَةُ الْأَبِ حَتَّى إذَا قَبَضَ لَهَا الْأَبُ صَحَّ. وَإِنْ قَبَضَتْ هِيَ لِنَفْسِهَا صَحَّ إذَا كَانَتْ تَعْقِلُ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الْقَبْضَ لَهَا مَعَ حَضْرَةِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَكُلِّ مَنْ يَعُولُهَا غَيْرِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ لِلضَّرُورَةِ لَا بِتَفْوِيضِ الْأَبِ وَمَعَ حُضُورِ الْأَبِ لَا ضَرُورَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَتْ لَمْ يَجُزْ قَبْضُ الْأَبِ وَلَا الزَّوْجِ عَلَيْهَا إلَّا بِإِذْنِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَلِيَّةَ نَفْسِهَا قَوْلُهُ (وَإِذَا وُهِبَ لِلْيَتِيمِ هِبَةٌ فَقَبَضَهَا لَهُ وَلِيّه جَازَ) وَهُوَ وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ جَدُّهُ أَوْ وَصِيُّ جَدِّهِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يَجُوزُ قَبْضُ الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ أَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ يَعُولُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِي حِجْرِ أُمِّهِ فَقَبْضُهَا لَهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ لَهَا الْوِلَايَةَ فِيمَا تَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ وَحِفْظِ مَالِهِ، وَهَذَا مِنْ بَابِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي حِجْرِ أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ يَدًا مُعْتَبَرَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِهِ، وَهَذَا مَعَ عَدَمِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ الْوَاهِبُ فَأَعْلَمَهَا وَأَبَانَهَا جَازَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَ الصَّبِيُّ الْهِبَةَ لِنَفْسِهِ جَازَ) يَعْنِي إذَا كَانَ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ فِي حَقِّهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَ

اثْنَانِ لِوَاحِدٍ دَارًا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً وَهُوَ قَبَضَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً فَلَا شُيُوعَ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَهَا وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةُ الْجُمْلَةِ مِنْهُمَا إذْ التَّمْلِيكُ وَاحِدٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ كَمَا إذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا لَا يُقْسَمُ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ وَهُوَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَلِهَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ لَا تَجُوزُ لَوْ قَسَّمَ وَسَلَّمَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ جَازَ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الِابْتِدَاءِ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا إلَّا بِالِاسْتِئْنَافِ، وَإِنْ قَالَ وَهَبْتهَا لَكُمَا لِأَحَدِكُمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ وَهَبْتهَا مِنْكُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَأَمَّا إذَا وَهَبَ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ شَيْئًا لَا يَنْقَسِمُ كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْهِبَةِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرَيْنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا جَازَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِلْغَنِيَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ كِلَاهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، فَقَالَ الصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْهِبَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغَنِيِّ وَهُمَا اثْنَانِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ وَالْهِبَةُ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا وَهَبَ مِنْ اثْنَيْنِ إنْ كَانَا فَقِيرَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ كَالصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ تَقَعُ لِوَاحِدٍ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ، وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا) فَإِذَا عَوَّضَهُ سَقَطَ الرُّجُوعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ عَنْهَا» أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ عَنْهَا وَلِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ بَدَلَهَا فَلَا يَرْجِعُ كَالْبَيْعِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْعِوَضِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَعَدَمِ الْإِشَاعَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مِنْ جِنْسِ الْهِبَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْعِوَضَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يَعْلَمُ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضُ هِبَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ مُكَافَأَةً عَنْهَا أَوْ بَدَلَهَا أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا أَوْ مُجَازَاةً عَلَيْهَا أَوْ ثَوَابَهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عِوَضٌ فِي هَذَا كُلِّهِ إذَا سَلَّمَهُ وَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ أَمَّا لَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً وَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ هِبَتِهِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمَوْهُوبِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَيْسَ لِلْمُعَوِّضِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ وَهُوَ سُقُوطُ الرُّجُوعِ، وَإِنْ عَوَّضَهُ عَنْ نِصْفِ الْهِبَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَلَا يَرْجِعُ فِي الَّذِي عَوَّضَهُ عَنْهُ، وَإِنْ عَوَّضَهُ بَعْضَ مَا وَهَبَ لَهُ عَنْ بَاقِيهَا لَمْ يَكُنْ عِوَضًا كَمَا إذَا وَهَبَ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَوَّضَهُ دِرْهَمًا مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عِوَضًا وَكَانَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي الْمِائَةِ. وَكَذَا إذَا وَهَبَهُ دَارًا وَعَوَّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا، وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ عِوَضًا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَدْ تَمَّ فِي الْهِبَةِ وَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَسَائِرُ أَمْوَالِهِ تَصِحُّ عِوَضًا فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنَّا نَقُولُ مَقْصُودُ الْوَاهِبِ بِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَهَبْ مِائَةً فِي تَحْصِيلِ دِرْهَمٍ مِنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي يَدِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا وَهَبَ لَهُ جَارِيَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَوَّضَهُ الْوَلَدَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ مَا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ فَصَارَ ذَلِكَ عِوَضًا فَمُنِعَ الرُّجُوعُ قَوْلُهُ (أَوْ يَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) بِأَنْ كَانَتْ جَارِيَةً هَزِيلَةً

فَسَمِنَتْ أَوْ دَارًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ بِعُصْفُرٍ أَوْ قَطَّعَهُ وَخَاطَهُ قَمِيصًا فَإِنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ إلَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً حَامِلًا أَوْ بَهِيمَةً حَامِلًا فَرَجَعَ فِيهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إنْ كَانَ رُجُوعُهُ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُعْلَمُ فِيهَا زِيَادَةُ الْحَمْلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ وَهَبَ لَهُ بَيْضًا فَصَارَ فَرُّوخًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَا لَمْ تَحْبَلْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِوَطْئِهِ حُكْمٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ لَوْ كَانَ أَبًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَقَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا انْتَقَصَتْ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَرْشُ النُّقْصَانِ وَقَيَّدَ بِالْمُتَّصِلَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُنْفَصِلَةِ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ كَمَا إذَا وَهَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْأُمِّ لَا يَسْتَتْبِعُ الْوَلَدَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا دُونَ الْوَلَدِ وَلِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالثِّمَارِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ إذَا اسْتَغْنَى الْوَلَدُ عَنْهَا. وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدًا فَاكْتَسَبَ كَسْبًا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْكَسْبِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَقُطِعَتْ يَدُهَا وَأَخَذَ أَرْشَهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْجَارِيَةِ دُونَ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْهِبَةِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً عَجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ وَالْكِتَابَةَ وَالْقُرْآنَ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي قَاضِي خَانْ لَا يَرْجِعُ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ زِيَادَةٌ فِيهِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ وَصِيفًا فَشَبَّ وَكَبِرَ ثُمَّ صَارَ شَيْخًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ زَادَ سَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ زَادَ الْمَوْهُوبُ زِيَادَةً فِي نَفْسِهِ تُورِثُ نُقْصَانًا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَمَا إذَا طَالَ طُولًا فَاحِشًا يُنْقِصُهُ فِي ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِالْمَاءِ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ هَذَا نُقْصَانٌ كَمَا إذَا وَهَبَ لَهُ حِنْطَةً فَبَلَّهَا بِالْمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ لَهُ تُرَابًا فَبَلَّهُ بِالْمَاءِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ اسْمَ التُّرَابِ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْبَلِّ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طِينًا بِخِلَافِ السَّوِيقِ وَالْحِنْطَةِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي سِعْرٍ لَمْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا غَيْرَ مَقْسُومٍ رَجَعَ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْهَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّهَا فَكَذَا فِي نِصْفِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ (أَوْ يَمُوتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَيَاتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَهُ قَوْلُهُ (أَوْ تُخْرَجَ الْهِبَةُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ وَسَوَاءٌ أُخْرِجَتْ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ دُونَ الزَّائِلِ، وَلَوْ وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا) هَذَا إذَا كَانَ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ حُرًّا أَمَّا إذَا وَهَبَ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ فَقَبَضَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَحْصُلْ صِلَةً لِلرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا، وَإِنْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ وَقَبَضَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ لِلْعَبْدِ وَعِنْدَهُمَا لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ فَصَارَ بِالرُّجُوعِ يَفْسَخُ مِلْكَ أَخِيهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْهِبَةَ حَصَلَتْ لِلْعَبْدِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهَا بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ أَوَّلًا ثُمَّ يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى مِنْ جِهَتِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ قَبِلَهَا وَلَمْ يَقْبَلْهَا الْمَوْلَى صَحَّتْ، وَلَوْ رَدَّهَا الْعَبْدُ وَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ بِيعَتْ فِي دَيْنِهِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا صِلَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْقَرَابَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْإِرْثُ فِي

جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى هَذَا وَقْتَ الْهِبَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ لَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ لَهُ الرُّجُوعَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ فَكَذَا بَعْدَهُ، وَإِنْ أَبَانَهَا بَعْدَمَا وَهَبَ لَهَا وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فِي يَدِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلرُّجُوعِ، وَإِنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ أَوْ مُحَرَّمٍ غَيْرِ رَحِمٍ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ لَهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْوَاهِبِ خُذْ هَذَا عِوَضًا عَنْ هِبَتِك أَوْ بَدَلًا مِنْهَا أَوْ فِي مُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعِوَضِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَوَّضَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ مُتَبَرِّعًا فَقَبَضَ الْعِوَضَ سَقَطَ الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ وَلَيْسَ لِلْمُتَبَرِّعِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ مِنْ الْعِوَضِ إذَا قَبَضَهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْوَاهِبِ مِنْ الرُّجُوعِ فَصَارَ كَالْهِبَةِ بِعِوَضٍ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ مُتَبَرِّعًا وَالْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمُتَبَرِّعِ يُبْطِلُ الرُّجُوعَ بِأَنْ أَمَرَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالتَّعْوِيضِ فَعَوَّضَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قُلْنَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ لَمَّا بَطَلَ بِتَعْوِيضِ الْمُتَبَرِّعِ فَأَوْلَى أَنْ يَبْطُلَ بِتَعْوِيضِ غَيْرِ الْمُتَبَرِّعِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُنَا مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا عَوَّضَ الْوَاهِبَ عَنْ هِبَتِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مَا لَمْ يَضْمَنْ لَهُ صَرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ عَوِّضْهُ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إذَا أَمَرَ إنْسَانًا بِقَضَاءِ دَيْنِهِ فَقَضَاهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ ضَمَانِ الْآمِرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَا التَّعْوِيضَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِمَالِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يُثْبِتُ الرُّجُوعَ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْمُطَالَبَةَ بِمَالٍ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَ الْعِوَضِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ. وَأَمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْهِبَةِ بَطَلَ فِي الْبَاقِي وَيَرْجِعُ بِالْعِوَضِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ ثُمَّ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ) إلَّا أَنْ يَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ اعْتِبَارًا بِالْعِوَضِ الْآخَرِ وَلَنَا أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْعِوَضِ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ دَارًا فَعَوَّضَهُ مِنْ نِصْفِهَا رَجَعَ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُعَوَّضْ عَنْهُ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْمَوَانِعَ فِي قَوْلِهِ وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ... يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعٍ خَزَقَهُ فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ وَالْمِيمُ مَوْتُهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ وَالْخَاءُ الْخُرُوجُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ وَالْهَاءُ هَلَاكُ الْمَوْهُوبِ. (مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ تَمْرًا بِبَغْدَادَ فَحَمَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى بَلْخِي فَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ مَاتَ الْوَاهِبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ تُرَدُّ الْهِبَةُ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ الْعَقْرُ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ أَيْضًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِ الرَّاجِعِ فِي الْهِبَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ مَا طَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى وَإِذَا لَمْ يَقْبِضْ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ هَلَكَتْ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لِلْهِبَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ فَإِذَا انْفَسَخَ عَقْدُهَا بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ وَلَا تُضْمَنُ إلَّا بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الْأَمَانَاتُ مِنْ التَّعَدِّي، وَلَوْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ نَقَصَ أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَأَخَذَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَرْشَهُ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ وَلَا أَنْ يُضَمِّنَهُ شَيْئًا مِنْ النُّقْصَانِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَبْدِ خَاصَّةً نَاقِصًا؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ زِيَادَةٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ

الهبة بشرط العوض

عَلَيْهَا الْفَسْخُ وَقَوْلُهُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا حَتَّى لَوْ وَهَبَ لَهُ ثَوْبًا فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ اخْتَلَسَهُ مِنْهُ الْوَاهِبُ وَاسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. وَأَلْفَاظُ الرُّجُوعِ رَجَعْت فِي هِبَتِي أَوْ رَدَدْتهَا إلَى مِلْكِي أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ نَقَضْتهَا فَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ بَاعَهَا أَوْ رَهَنَهَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ أَوْ دَبَّرَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعًا، وَكَذَا لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ أَوْ خَلَطَ الطَّعَامَ بِطَعَامِ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ ارْتَجَعْتهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْفُسُوخَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ إذَا كَانَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الرُّجُوعِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْهِبَةِ لِلْأَرْحَامِ وَشَبَهِهِ جَازَ ثُمَّ إذَا انْفَسَخَتْ الْهِبَةُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِالتَّرَاضِي عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ وَالْقَبْضُ لَا يُعْتَبَرُ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ أَوْ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ فَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ لَمْ يُوجِبْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ سَلَامَةَ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مِلْكُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى مَنْ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ وَرِثَهَا فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَرْجِعْ فِي مَالِ الْوَارِثِ بِقِيمَتِهَا كَذَا هَذَا، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعِيرِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ السَّلَامَةُ. [الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ] قَوْلُهُ (وَإِذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ اُعْتُبِرَ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَمَا لَمْ يَتَقَابَضَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَهُ وَيَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْأَبِ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ يَعْنِي إذَا وَهَبَ لِلصَّغِيرِ هِبَةً فَعَوَّضَ الْأَبُ عَنْهَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ تَعْوِيضُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُتَبَرِّعًا وَدَفْعُ مَالِ الصَّغِيرِ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ بَيْعٌ فِي الِانْتِهَاءِ فَاللَّفْظُ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالْمَعْنَى مَعْنَى الْبَيْعِ فَقَوْلُهُ هِبَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ يَعْنِي إذَا كَانَ مُشَاعًا لَا يَجُوزُ وَلَا يَقَعُ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَوْلُهُ بَيْعٌ فِي الِانْتِهَاءِ وَهُوَ أَنَّهُمَا إذَا تَقَابَضَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَتَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ. وَقَالَ زُفَرُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً قَوْلُهُ (فَإِذَا تَقَابَضَا صَحَّ الْعَقْدُ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ) ، وَكَذَا يَرْجِعُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ انْتِهَاءً. وَقَالَ زُفَرُ هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ التَّعْوِيضَ فِيهِ بِكَلِمَةِ عَلَى أَمَّا بِحَرْفِ الْبَاءِ بِأَنْ قَالَ وَهَبْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِثَوْبِك هَذَا أَوْ بِأَلْفٍ وَقَبِلَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَالْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِلْمُعَمَّرِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ عُمُرَهُ وَإِذَا مَاتَ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّمْلِيكُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْهِبَةُ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ صُورَةُ الْعُمْرَى أَنْ يَقُولَ جَعَلْت دَارِي هَذِهِ لَك عُمُرِي أَوْ جَعَلْتهَا لَك عُمُرَك أَوْ هِيَ لَك حَيَاتَك فَإِذَا مِتّ فَهِيَ رَدٌّ عَلَيَّ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا هِبَةٌ وَهِيَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَإِذَا كَانَتْ هِبَةً اُعْتُبِرَ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْهِبَةِ وَيُبْطِلُهَا مَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ قَوْلُهُ (وَالرُّقْبَى بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَصُورَتُهَا أَرْقَبْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَهِيَ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ وَهِيَ الِانْتِظَارُ وَمَعْنَاهَا إنْ مِتّ قَبْلَك فَهِيَ لَك، وَإِنْ مِتّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ فَإِذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ عَلَى هَذَا تَكُونُ عَارِيَّةً عِنْدَهُمَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا مَتَى شَاءَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ هِبَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك تَمْلِيكٌ وَقَوْلُهُ رُقْبَى شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَلَوْ قَالَ دَارِي رُقْبَى لَك أَوْ حَبِيسٌ لَك كَانَتْ عَارِيَّةً إجْمَاعًا وَإِذَا وَهَبَ هِبَةً وَشَرَطَ فِيهَا شَرْطًا فَاسِدًا فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا أَوْ أَنْ يَتَّخِذهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ شَهْرٍ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يُفْسِدُهُ كَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ. وَفِي الْهِدَايَةِ الرَّهْنُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَاَلَّذِي يُفْسِدُهُ الشَّرْطُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَأْذُونِ وَعَزْلٌ لِوَكِيلِ فِي رِوَايَةِ الْخُجَنْدِيِّ وَاَلَّذِي لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ

وَالْخُلْعُ وَالرَّهْنُ وَفِي رِوَايَةٍ وَالْهِبَةُ وَالْوِصَايَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْإِقَالَةُ وَإِذْنُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ وَهَبَ جَارِيَةً إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ صَحَّتْ فِي الْجَارِيَةِ وَالْوَلَدِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَهَا جَازَتْ الْهِبَةُ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ وَهَبَهَا لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِيهَا لِمَكَانِ التَّدْبِيرِ فَيَقَعُ هِبَةُ الْمُشَاعِ أَوْ هِبَةُ شَيْءٍ مَشْغُولٍ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ. وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ إذَا عَقَدَ فِيهِ عَلَى الْأُمِّ دُونَ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعًا وَصُورَتُهُ فِي الْإِجَارَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْأُمَّ إلَّا وَلَدهَا لَمْ تَصِحَّ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهِيَ لَك أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهَا وَإِذَا أَدَّيْت إلَيَّ النِّصْفَ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَتَعَدَّاهَا قَوْلُهُ (وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْهِبَةِ وَصُورَتُهُ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيَّيْنِ بِشَيْءٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَمْ يَجُزْ أَمَّا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرَيْنِ بِذَلِكَ جَازَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ فِيهَا الثَّوَابُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا إذَا وَهَبَ لِلْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ قَدْ حَصَلَ. وَأَمَّا إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَالْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْعِوَضُ كَالْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا، فَقَالُوا لَا رُجُوعَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا بِالصَّدَقَةِ، وَلَوْ أَرَادَ الْهِبَةَ لَعَبَّرَ بِلَفْظِهَا وَلِأَنَّ الثَّوَابَ قَدْ يُطْلَبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَهُ نِصَابٌ وَلَهُ عِيَالٌ لَا يَكْفِيهِ ذَلِكَ فَفِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ ثَوَابٌ فَلِهَذَا لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُتَمَوَّلُ كَمَا أَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُتَمَلَّكُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِلْكِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ فَكَذَا هَذَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النُّذُورَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أُصُولِهَا فِي الْفُرُوضِ وَالْمَالُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ فَرْضُ الصَّدَقَةِ هُوَ بَعْضُ مَا يَمْلِكُهُ بِدَلَالَةِ الزَّكَاةِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالسَّوَائِمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مِقْدَارِ النِّصَابِ وَمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَكَأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْجِنْسَ دُونَ الْقَدْرِ وَلِهَذَا قَالُوا إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَالْأَثَاثِ وَالْعَوَامِلِ وَالْعُرُوضِ الَّتِي لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ نَوَى بِهَذَا النَّذْرِ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ دَخَلَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَرَةً عُشْرِيَّةً أَوْ غَلَّةً عُشْرِيَّةً تَصَدَّقَ بِهَا إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِلْكِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُتَمَلَّكُ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ وَيُرْوَى أَنَّهُ وَالْأَوَّلَ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْقِيَاسُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَيَنْصَرِفُ إيجَابُهُ إلَى مَا أَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ الصَّدَقَةَ مِنْ الْمَالِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَهِيَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَلَا تَخْتَصُّ بِمَالٍ دُونَ مَالٍ، وَلَوْ قَالَ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ فَقَدْ قِيلَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي مَسَائِلِ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ (وَيُقَالُ لَهُ أَمْسِكْ مِنْهُ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِك وَعِيَالِك إلَى أَنْ تَكْتَسِبَ مَالًا فَإِذَا اكْتَسَبَ مَالًا قِيلَ لَهُ تَصَدَّقْ

مسألة قال رجل لآخر مازحا هب لي هذا الشيء فقال وهبته لك فقال قبلت وسلم الهبة

بِمِثْلِ مَا أَمْسَكْت) ؛ لِأَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فِي الْحَالِ أَضْرَرْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى إيفَاءِ الْحَقَّيْنِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَدِّرْ لِلَّذِي يُمْسِكُهُ قَدْرًا مَعْلُومًا لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ ذَا حِرْفَةٍ أَمْسَكَ قُوتَ يَوْمِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَا غَلَّةٍ أَمْسَكَ قُوتَ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ ضَيْعَةٍ أَمْسَكَ قُوتَ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا أَمْسَكَ إلَى حِينِ يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ. [مَسْأَلَةٌ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ مَازِحًا هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ فَقَالَ وَهَبْته لَك فَقَالَ قَبِلْت وَسَلَّمَ الْهِبَةَ] (مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ هَبْ لِي هَذَا الشَّيْءَ، فَقَالَ وَهَبْته لَك، فَقَالَ قَبِلْت وَسَلَّمَ الْهِبَةَ جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَضْرِبُونَ فِي طُنْبُورٍ، فَقَالَ لَهُمْ هَبُوا لِي هَذَا حَتَّى تَرَوْا كَيْفَ أَضْرِبُ فَدَفَعُوهُ إلَيْهِ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ فَكَسَرَهُ، وَقَالَ أَرَأَيْتُمْ كَيْفَ ضَرَبْت قَالُوا خَدَعْتنَا أَيُّهَا الشَّيْخُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ. (مَسَائِلُ) مِنْ الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا رَجُلٌ بَعَثَ إلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ فِي إنَاءٍ أَوْ فِي ظَرْفٍ هَلْ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ؟ إنْ كَانَ ثَرِيدًا أَوْ نَحْوَهُ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا حَوَّلَهُ إلَى إنَاءٍ آخَرَ ذَهَبَتْ لَذَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاكِهَةً أَوْ نَحْوَهَا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا انْبِسَاطٌ يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إذَا بَعَثَ بِهَا فِي ظَرْفٍ أَوْ إنَاءٍ مِنْ الْعَادَةِ رَدُّهُمَا لَمْ يَمْلِكْهُمَا كَالْقِصَاعِ وَالْجِرَابِ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْكُلَهَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَادَةِ أَنْ لَا يُرَدَّ الظَّرْفُ كَقَوَاصِرِ التَّمْرِ مَلَكَ الظَّرْفَ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ. رَجُلٌ كَتَبَ إلَى آخَرَ كِتَابًا وَذَكَرَ فِيهِ اُكْتُبْ الْجَوَابَ عَلَى ظَهْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِلَّا مَلَكَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عُرْفًا رَجُلٌ دَعَا قَوْمًا عَلَى طَعَامٍ وَفَرَّقَهُمْ عَلَى أَخْوِنَةٍ لَيْسَ لِأَهْلِ خِوَانٍ أَنْ يَتَنَاوَلُوا مِنْ خِوَانٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ خِوَانَهُمْ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَيْسَ لِأَهْلِ خِوَانٍ أَنْ يُنَاوِلُوا أَهْلُ خِوَانٍ آخَرَ مِنْ طَعَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ خَاصَّةً فَإِنْ نَاوَلُوهُمْ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ رَجُلٌ كَانَ ضَيْفًا عِنْدَ إنْسَانٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ سَائِلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ الْخَدَمِ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ الْمَائِدَةِ وَلَا هِرَّةً لِغَيْرِ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَإِنْ كَانَتْ هِرَّةَ صَاحِبِ الْبَيْتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ كَلْبٌ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ فِيهِ عَادَةً فَإِنْ نَاوَلَهُ الْخُبْزَ الْمُحْتَرِقَ وَسِعَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْإِذْنَ عَادَةً. رَجُلٌ مَاتَ فَبَعَثَ رَجُلٌ إلَى ابْنِهِ بِثَوْبٍ لِيُكَفِّنَهُ فِيهِ هَلْ يَمْلِكُهُ الِابْنُ حَتَّى يَكُون لَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي غَيْرِهِ وَيُمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِتَكْفِينِهِ لِفِقْهٍ أَوْ وَرَعٍ فَإِنَّ الِابْنَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ كَفَّنَهُ فِي غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ جَازَ لِلِابْنِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى حَيْثُ أَحَبَّ الْمُبْرِئُ مِنْ الدَّيْنِ إذَا سَكَتَ جَازَ، وَإِنْ قَالَ لَا أَقْبَلُ بَطَلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَقْفِ] الْوَقْفُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَبْسُ يُقَالُ وَقَفْت الدَّابَّةَ وَأَوْقَفْتهَا أَيْ حَبَسْتهَا وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ حَبْسِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حَبْسِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَصِلُ الْمَنْفَعَةُ إلَى الْعِبَادِ فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُورَثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) يَعْنِي الْمَوْلَى أَمَّا الْمُحَكَّمُ فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَطَرِيقُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مُحْتَجًّا بِعَدَمِ اللُّزُومِ فَيَتَخَاصَمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيَقْضِيَ بِلُزُومِهِ، وَكَذَا إذَا أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ فَإِذَا رَضُوا بِزَوَالِ مِلْكِهِمْ جَازَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ قَوْلُهُ (أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ فَيَقُولُ إذَا مِتّ فَقَدْ وَقَفْت دَارٍ عَلَى كَذَا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ فَكَانَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْمَرَضِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. قَوْلُهُ (

مسألة رجل باع أرضا وادعى بعد ذلك أنه أوقفها قبل البيع

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ وَلِيًّا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ عِنْدَهُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَالْهِبَةِ وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْقَبْضُ أَقَامَ إنْسَانًا يَتَوَلَّى ذَلِكَ لِيَصِحَّ ثُمَّ إذَا جَعَلَ لَهُ وَلِيًّا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ هَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ عَزْلَ الْقُوَّامِ وَالِاسْتِبْدَالَ بِهِمْ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا عَزَلَهُ فِي حَيَاتِهِ يَصِحُّ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْقَوَّامِ؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ إلَّا إذَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ وَصِيًّا كَذَا فِي الْفَتَاوَى ثُمَّ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ عِنْدَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ كَانَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ وَقَفَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْهِبَةِ قَوْلُهُ (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ) حَتَّى لَوْ كَانُوا عَبِيدًا فَأَعْتَقَهُمْ لَا يَعْتِقُونَ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ فِيهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إذَا صَحَّ الْوَقْفُ أَيْ ثَبَتَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْحُكْمِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا بِالْوَقْفِ وَالتَّسْلِيمِ. [مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ] (مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ بَاعَ أَرْضًا وَادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ وَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِلتَّنَاقُضِ ثُمَّ إذَا عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالدَّعْوَى لَمْ تَصِحَّ لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ ادَّعَى مُشْتَرِي الْأَرْضِ أَنَّهَا وَقْفٌ، فَقَالَ لِلْبَائِعِ إنَّكَ بِعْتنِي هَذِهِ الْأَرْضَ وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمُخَاصَمَةُ إلَى الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا هِيَ إلَى الْمُتَوَلِّي لِلْوَقْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلٍّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُنَصِّبُ مُتَوَلِّيًا فَيُخَاصِمَهُ فَإِنْ أَثْبَتَ الْوَقْفَ بِالْبَيِّنَةِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ. [وَقْفُ الْمُشَاعِ] قَوْلُهُ (وَوَقْفُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ) أَمَّا فِيمَا لَمْ يَحْتَمِلْهَا فَيَجُوزُ مَعَ الشُّيُوعِ أَيْضًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ بِأَنْ يُقْبَرَ فِيهَا الْمَوْتَى سَنَةً وَتُزْرَعَ سَنَةً وَيُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذُ إصْطَبْلًا فِي وَقْتٍ بِخِلَافِ مَا عَدَا الْمَقْبَرَةِ وَالْمَسْجِدِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْلَالِ وَقِسْمَةِ الْغَلَّةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ يَعْنِي فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَصِحُّ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْهِبَةِ، وَلَوْ وَقَفَ الْكُلَّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ بَطَلَ فِي الْبَاقِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مُقَارِنٌ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مِنْهُ مُمَيَّزٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ الشُّيُوعِ، وَلَوْ وَقَفَ أَرْضًا وَفِيهَا زَرْعٌ لَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَذَا لَا يَدْخُلُ فِي

مسألة رجل قال إن مت من مرضي هذا فقد وقفت أرضي

الْوَقْفِ إلَّا بِالشَّرْطِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يُجْعَلَ آخِرُهُ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ كَالْعِتْقِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ جَعَلْت أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ مَا تَنَاسَلُوا فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَتْ غَلَّتُهَا لِلْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَسَاكِينِ لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا وَإِذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ لَا يَمْلِكُ كَالْعَبْدِ وَالْحَمْلِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى ذِمِّيٍّ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلْقُرْبَةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَلَا عَلَى قُطَّاعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَعْدُومٍ كَالْوَقْفِ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وَقَفَ وَقْفًا مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَلْفَاظُ الْوَقْفِ سِتَّةٌ وَقَفْت وَحَبَسْت وَسَبَّلْت وَتَصَدَّقْت وَأَبَّدْت وَحَرَّمْت فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى صَرِيحٌ فِيهِ وَبَاقِيهِ كِنَايَةٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَمَّى جِهَةً تَنْقَطِعُ جَازَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ) وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ جَعَلْتهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً لِلَّهِ تَعَالَى أَبَدًا عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفُقَرَاءَ وَلَا الْمَسَاكِينَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهَا لِلَّهِ فَقَدْ أَبَّدَهَا؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ لِلَّهِ فَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَسَاكِينِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُمْ وَقِيلَ إنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِدُونِ التَّمْلِيكِ كَالْعِتْقِ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ فِي بَيَانِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَصَارَ بَعْدَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ هَذَا صَدَقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ الْغَلَّةِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا، وَقَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ جَعَلْت أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةً لِلَّهِ تَعَالَى أَبَدًا عَلَى وَلَدِي فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهِيَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنَّ غَلَّتَهَا تَكُونُ لِوَلَدِهِ مِنْ صُلْبِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالْخُنْثَى قَالَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ يَوْمَ الْوَقْفِ وَلِكُلِّ وَلَدٍ يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ حُدُوثِ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِمَنْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ يَوْمَ تَأْتِي الْغَلَّةُ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ دَخَلُوا فِي الْوَقْفِ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الْغَلَّةِ إنْ كَانَ هَذَا الْوَلَدُ وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ طَلَعَتْ الْغَلَّةُ دَخَلَ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ قَبْلَهَا فَلِهَذَا دَخَلَ مَعَهُمْ. فَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ الْغَلَّةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِيهَا وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ مَجِيئِهَا فَحِصَّتُهُ لَهُ تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَتِهِ وَإِذَا قَالَ وَقَفْت هَذِهِ الْأَرْضَ عَلَى أَوْلَادِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى نَسْلِهِ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ ذُرِّيَّتِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ قَرُبُوا أَوْ بَعُدُوا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ نَسْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] فَجَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى الْبُعْدِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَجَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَهُوَ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْأُمِّ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْخُنْثَى، وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْبَنَاتِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْخُنْثَى أَيْضًا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَا هُوَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ دَخَلَ الْخُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْنًا أَوْ بِنْتًا وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَنِينَ وَلَا مِنْ الْبَنَاتِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِي زَيْدٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بَنَاتُهُ. [مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ وَقَفْت أَرْضِي لَا يَصِحُّ بَرِئَ أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ وَتَعْلِيقُ الْوَقْفِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَاجْعَلُوا أَرْضِي وَقَفَا جَازَ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ التَّوْكِيلِ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ يَجُوزُ. [وَقْفُ الْعَقَارِ] قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ وَقْفُ الْعَقَارِ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَالْوَقْفُ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُولِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَنْ يَقِفَ أَرْضًا فِيهَا أَثْوَارٌ وَعَبِيدٌ لِمَصَالِحِهَا فَيَكُونُونَ وَقْفًا مَعَهَا تَبَعًا أَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَقْفِهِ كَالْمَرِّ لِحَفْرِ الْقُبُورِ أَوْ الْجِنَازَةِ وَثِيَابِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ وَقَفَ الْأَشْجَارَ الْقَائِمَةَ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَيُنْتَفَعُ بِثِمَارِهَا دُونَ أَغْصَانِهَا إلَّا فِيمَا يُعْتَادُ قَطْعُهُ لِيُبْنَى

بِهِ كَشَجَرِ الْخِلَافِ وَهُوَ الضَّرْحُ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا وَقَفَ ثَوْرًا عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ لِلْإِنْزَاءِ عَلَى بَقَرِهِمْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا فِيهِ تَعَارُفٌ وَلَا تَعَارُفَ فِي هَذَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَهُ الْوَقْفُ عَلَى الْإِنْزَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَرْثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِفْهُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا وَقَفَ ضَيْعَةً بِبَقَرِهَا وَأَكَرَتِهَا وَهُمْ عَبِيدُهُ جَازَ) ، وَكَذَا سَائِرُ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فِي تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ عِتْقُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا عَنْ مِلْكِهِ فَإِنْ أَعْتَقَهُمْ لَمْ يَعْتِقُوا وَنَفَقَةُ الْعَبِيدِ وَالْبَهَائِمِ مِنْ حَيْثُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ شَيْئًا فَفِي أَكْسَابِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ كَاسِبًا أَوْ تَعَطَّلَ كَسْبُهُ لِمَرَضٍ أَوْ لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِنَفَقَتِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا إذَا أَعْتَقَ مَا لَا كَسْبَ لَهُ وَقِيلَ نَفَقَتُهُ عَلَى الْوَاقِفِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ الْعَبْدُ إلَيْهِمْ فَلَا يَلْزَمُهُمْ نَفَقَتُهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فَكَفَنُهُ وَتَجْهِيزُهُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ حَبْسُ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْكُرَاعُ هُوَ الْخَيْلُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ عَلَى مَا قَالُوا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يُجَاهِدُونَ عَلَيْهَا وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا السِّلَاحَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَيَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ كَالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا صَحَّ الْوَقْفُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَلَا تَمْلِيكُهُ) إلَّا أَنْ يَكُون مُشَاعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيَطْلُبُ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ فَتَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُ أَمَّا امْتِنَاعُ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ فَلِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَتَعْدِيلُ الْأَنْصِبَاءِ، وَإِنَّمَا خُصَّ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ وَقْفُ الْمُشَاعِ ثُمَّ إنْ وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ فَهُوَ الَّذِي يُقَاسِمُ شَرِيكَهُ، وَإِنْ وَقَفَ نِصْفَ عَقَارٍ خَالِصٍ لَهُ فَاَلَّذِي يُقَاسِمُهُ الْقَاضِي أَوْ يَبِيعُ الْبَاقِي مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ يُقَاسِمُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا وَإِذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْلُ دَرَاهِمَ إنْ أَعْطَى الْوَاقِفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْوَقْفِ، وَإِنْ أَعْطَى الْوَاقِفُ جَازَ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ شِرَاءً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ (وَالْوَاجِبُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ الْوَاقِفُ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ) ؛ لِأَنَّ عِمَارَتَهُ مِنْ مَصَالِحِهِ وَفِي الْبُدَاءَةِ بِذَلِكَ تَبْقِيَةٌ لَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) يَعْنِي الْمُطَالَبَةَ بِالْعِمَارَةِ لَا أَنْ يُجْبَرَ عَلَى فِعْلِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ فَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْحَاكِمُ وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا فَإِذَا عُمِّرَتْ رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَاقِفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى وَلِأَنَّهُ إذَا آجَرَهَا وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا يَفُوتُ حَقُّ صَاحِبِ السُّكْنَى فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَا يُجْبَرُ

الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ قَوْلُهُ (وَمَا انْهَدَمَ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ وَآلَتِهِ صَرَفَهُ الْحَاكِمُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى عِمَارَتِهِ فَيَصْرِفَهُ فِيهَا) ، وَإِنْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ عَيْنِهِ إلَى مَوْضِعِهِ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى الْإِصْلَاحِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّي الْوَقْفِ) يَعْنِي النَّقْضَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ فِي الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ الْقَبْضَ فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فَصَارَ كَمَنْ شَرَطَ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ لِنَفْسِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ صَدَقَتِهِ الْمَوْقُوفَةِ» وَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِشَرْطٍ، وَلَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْوَقْفُ بَاطِلٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ نَظَرًا لِلصِّغَارِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يُفْرِدَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِطَرِيقِهِ وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ) أَمَّا الْإِفْرَادُ فَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بِهِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَسْلِيمُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ فَإِذَا صَلَّوْا فِيهِ فَكَأَنَّهُمْ قَبَضُوهُ قَوْلُهُ (فَإِذَا صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ زَالَ مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ النَّاسِ مُتَعَذِّرٌ فَيُشْتَرَطُ أَدْنَاهُمْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُبْنَى لَهَا فِي الْغَالِبِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته مَسْجِدًا) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ، وَإِنْ اتَّخَذَ فِي وَسَطِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَلَمْ يُفْرِدْهُ عَنْ دَارِهِ كَانَ عَلَى مِلْكِهِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيُورَثَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِهِ وَلَهُ حَقُّ الْمَنْعِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى الطَّرِيقَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمَسْجِدِ طَرِيقًا عَلَى حِدَةٍ. وَأَمَّا إذَا أَظْهَرَهُ لِلنَّاسِ وَأَفْرَدَ لَهُ طَرِيقًا وَمَيَّزَهُ صَارَ مَسْجِدًا خَالِصًا، وَإِنْ بَنَى عَلَى سَطْحِ مَنْزِلِهِ مَسْجِدًا أَوْ سَكَنَ أَسْفَلَهُ فَهُوَ مِيرَاثٌ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مَسْجِدًا، وَإِنْ جَعَلَ أَسْفَلَهُ مَسْجِدًا وَفَوْقَهُ مَسْكَنًا وَأَفْرَدَ لَهُ طَرِيقًا جَازَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي السُّفْلِ دُونَ الْعُلْوِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُعَظَّمٌ فَإِذَا كَانَ فَوْقَهُ مَسْكَنٌ لَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ حِينَ دَخَلَ بَغْدَادَ وَرَأَى ضِيقَ الْمَنَازِلِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ أَيْضًا حِينَ دَخَلَ الرَّيَّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا غَصَبَ

كتاب الغصب

أَرْضًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ لِلِاغْتِسَالِ، وَإِنْ غَصَبَ دَارًا فَبَنَاهَا مَسْجِدًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا أَنْ يَدْخُلَهُ، وَإِنْ جُعِلَ جَامِعًا لَا يُجْمَعُ فِيهِ وَإِنْ جَعَلَهَا طَرِيقًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بِهَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ أَحَدٌ يَبْقَى مَسْجِدًا أَبَدًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصَلِّي فِيهِ الْمَارَّةُ وَالْمُسَافِرُونَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعُودُ مِلْكُ الْبَانِي فِيهِ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِنَوْعِ قُرْبَةٍ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَإِنْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَخَشَبِهِ وَحَنَفِيَّتِهِ نُقِلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ نَقْضِهِ إلَى عِمَارَةِ بِئْرٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَسْجِدِ. وَكَذَا الْبِئْرُ لَا يُصْرَفُ نَقْضُهَا إلَى مَسْجِدٍ بَلْ يُصْرَفُ إلَى بِئْرٍ أُخْرَى، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى دُهْنِ السِّرَاجِ لِلْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ بَلْ بِقَدْرِ حَاجَةِ الْمُصَلِّينَ وَيَجُوزُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْرَسَ الْكِتَابُ عَلَى سِرَاجِ الْمَسْجِدِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ وُضِعَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَى أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ خَانًا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الرِّبَاطَ وَالْخَانَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ) لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْعَبْدِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَيَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ وَيَدْفِنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ حَقُّ الِانْتِفَاعِ فَخَلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَازِمٍ فَكَانَ كَالْعِتْقِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْبِئْرُ وَلِأَنَّهُمْ إذَا دَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا فَصَارَ كَالْمَسْجِدِ إذَا صُلِّيَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْفَنْ فِيهَا أَحَدٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا قَبْضٌ فَبَقِيَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَيَشْتَرِكُ الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ فِي الدَّفْنِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَالشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةٌ وَمَا كَانَ إبَاحَةً لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْفَقِيرُ دُونَ الْغَنِيِّ بِخِلَافِ غَلَّةِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّمْلِيكُ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ، وَلَوْ تَلِفَتْ الْكِيزَانُ الْمُسَبَّلَةُ عَلَى السِّقَايَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ وَصِفَةُ التَّعَدِّي أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي غَيْرِ مَا وُقِفَتْ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْغَصْبِ] هُوَ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهٍ يُزِيلُ يَدَهُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ اسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبًا دُونَ الْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ وَالْبِسَاطِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِخْدَامُ غَصْبًا إذَا اسْتَخْدَمَهُ الْغَاصِبُ لِنَفْسِهِ كَمَا إذَا غَصَبَهُ لِيَرْكَبَ لَهُ نَخْلًا وَيَجْنِيَ لَهُ ثَمَرَتَهُ أَمَّا إذَا قَالَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ فَفَعَلَ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ الْغَصْبُ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ قَصْدًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ضِمْنًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ قَصْدًا وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ضِمْنًا وَفَائِدَتُهُ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهِيَ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةٌ كَالْوَلَدِ وَمُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَكِلَاهُمَا عِنْدَنَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَعِنْدَهُ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى

الْوَلَدِ وَعِنْدَنَا لَمْ تُوجَدْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَالْغَصْبُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ الْمَأْثَمُ وَالْمَغْرَمُ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ فَحُكْمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ وَالْغَصْبُ مُحَرَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الْآيَةَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ وَمَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ) ، وَهَذَا فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ فَإِنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فِي حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ آخِرَ مَا انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ فَلَمَّا انْقَطَعَ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ وَصَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ أَصْلُهُ إذَا غَصَبَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمِثْلَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ حَتَّى وُجِدَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمِثْلِ إلَى الْقِيمَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَوَجَبَ أَنْ تُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَحْضَرَ الْغَاصِبُ الْمِثْلَ فِي حَالِ الِانْقِطَاعِ وَتَكَلَّفَ ذَلِكَ أُجْبِرَ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهِ. وَأَمَّا إذَا غَصَبَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ إجْمَاعًا قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) يَعْنِي يَوْمَ الْغَصْبِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ وَفِي الْبُرِّ الْمَخْلُوطِ بِالشَّعِيرِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ فِي عَيْنِ مَالِهِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الظُّلَامَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَإِذَا دَفَعَ بَدَلَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَهِيَ ظُلَامَةٌ أُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى زِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي السِّعْرِ وَلَا إلَى نُقْصَانِهَا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ. قَوْلُهُ (وَعَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ) يَعْنِي مَا دَامَتْ قَائِمَةً وَهُوَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصُ خَلَفًا وَقِيلَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَفَائِدَتُهُ فِي الْبَرَاءَةِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِالْمَغْصُوبِ فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ يَعْنِي إذَا أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ مِنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ مَنْ قَالَ الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَيْنِ، وَكَذَا الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ يَصِحَّانِ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَعَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا فِيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَلَهُ أَلْفٌ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَصَبَهُ فِيهِ لِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ بِتَفَاوُتِ الْأَمَاكِنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهَا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لَأَظْهَرَهَا ثُمَّ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِبَدَلِهَا) ، وَإِنَّمَا حَبَسَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى هَلَاكِهَا أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً فِي بَدَنِهَا يَوْمَ غَصَبَهَا فَرَدَّهَا نَاقِصَةً ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَإِنْ كَانَتْ يَوْمَ غَصَبَهَا زَائِدَةً فِي السِّعْرِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا مِائَتَيْنِ فَرَدَّهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الْعَيْنِ وَالنُّقْصَانُ فِي السِّعْرِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فُتُورٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ فَيَزْهَدُونَ فِي شِرَاءِ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ فَإِنْ غَصَبَهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَزَادَتْ فِي بَدَنِهَا حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَقَصَتْ فِي الْبَدَنِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْقَبْضُ فَلَا

تَكُونُ مَضْمُونَةً كَزِيَادَةِ السِّعْرِ وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَهَلَكَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَالزِّيَادَةُ بَاقِيَةٌ فَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهَا حَتَّى نَقَصَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ صَارَ ضَامِنًا كَالْمُودَعِ إذَا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ. قَوْلُهُ (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَالَ بَيْنَ رَجُلٍ وَبَيْنَ مَتَاعِهِ أَوْ غَصَبَ مَالِكَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ حِفْظِ مَالِهِ حَتَّى تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ حَوَّلَ الْمَتَاعَ وَنَقَلَهُ فَهَلَكَ ضَمِنَهُ وَالنَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَاحِدٌ وَقِيلَ التَّحْوِيلُ النَّقْلُ مِنْ مَكَان وَإِثْبَاتُهُ فِي مَكَان آخَرَ وَالنَّقْلُ يُسْتَعْمَلُ بِدُونِ الْإِثْبَاتِ فِي مَكَان آخَرَ قَوْلُهُ (وَإِذَا غَصَبَ عَقَارًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُهُ) وَهَلَاكُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِانْهِدَامِ الْبِنَاءِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِذَهَابِ تُرَابِهِ أَوْ بِغَلَبَةِ السَّيْلِ عَلَى الْأَرْضِ فَيَذْهَبُ بِأَشْجَارِهِ وَتُرَابِهِ فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ فَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِفِعْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فَضَمَانُهُ عَلَى الْمُتْلِفِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُتْلِفَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ مِنْ سُكْنَاهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِتَحَقُّقِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْغَاصِبَةِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ زَوَالُ يَدِ الْمَالِكِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْيَدَيْنِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْغَصْبَ بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ بِفِعْلٍ فِي الْعَيْنِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنْهَا وَهُوَ فِعْلٌ فِيهِ لَا فِي الْعَقَارِ فَصَارَ كَمَا إذَا بَعُدَ الْمَالِكُ عَنْ مَاشِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْعَقَارَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ يَدُ صَاحِبِهِ ثَابِتَةً عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ وَالْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ قَوْلُهُ (وَمَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ وَسُكْنَاهُ ضَمِنَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ضَمِنَهُ) هَذَا إذَا كَانَ مَنْقُولًا فَإِنْ كَانَ الْهَلَاكُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَوْلُهُ (فَإِنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ) يَعْنِي النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْجُزْءِ لَا مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ وَمُرَادُهُ غَيْرُ الرِّبَوِيِّ أَمَّا فِي الرِّبَوِيِّ لَا يُمْكِنُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا وَإِذَا وَجَبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ قُوِّمَتْ الْعَيْنُ صَحِيحَةً يَوْمَ غَصْبِهَا ثُمَّ تُقَوَّمُ نَاقِصَةً فَيَغْرَمُ مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَزَنَتْ فِي يَدِهِ وَلَمْ تَكُنْ زَنَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ سَرَقَتْ فَعَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْإِبَاقِ وَالزِّنَا، وَإِنْ أَصَابَهَا حُمَّى فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا مَحْمُومَةً فَمَاتَتْ عِنْدَ صَاحِبِهَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ مَا نَقَصَتْهَا الْحُمَّى دُونَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ مِنْ الْحُمَّى الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْحُمَّى الَّتِي حَدَثَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْحُمَّى يَحْصُلُ مِنْهَا الْأَلَمُ جُزْءًا فَجُزْءًا ثُمَّ تَتَكَامَلُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الْحُمَّى مِنْ بَعْدِهِ فَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ غَصَبَهَا مَحْمُومَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مَحْمُومَةً يَوْمَ غَصَبَهَا فَإِنْ كَانَتْ زَنَتْ فِي يَدِ الْمَوْلَى أَوْ سَرَقَتْ ثُمَّ غَصَبَهَا فَأُخِذَتْ بِحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى، وَكَذَا لَوْ حَبِلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَحْبَلَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ الْحَبَلِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا الْمَوْلَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ غَصَبَهَا وَهِيَ حُبْلَى مِنْ غَيْرِ إحْبَالٍ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمَوْلَى وَلَا

بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَإِنْ زَنَتْ أَوْ سَرَقَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهَا عَلَى الْمَوْلَى فَأُخِذَتْ بِذَلِكَ فِي يَدِهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نُقْصَانَهَا) ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا لَوْ سَلَخَهَا وَقَطَّعَ لَحْمَهَا وَلَمْ يَشْوِهِ وَفِي رِوَايَةٍ يُضَمِّنُهُ نُقْصَانَهَا وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ طَرَفَهَا فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَأْكُولَةِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا يَسِيرًا ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) وَالثَّوْبُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَضْمَنُ الْعَيْبَ قَوْلُهُ (وَإِنْ خَرَقَهُ خَرْقًا كَثِيرًا يُبْطِلُ عَامَّةَ مَنَافِعِهِ فَلِمَالِكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ وَإِذَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمَّا مَلَكَ الْقِيمَةَ مَلَكَ الْغَاصِبُ بَدَلَهَا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ فِي مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْبَدَلَانِ، وَإِنْ شَاءَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ اسْتِهْلَاكًا تَامًّا وَلَا اتَّصَلَ بِزِيَادَةٍ وَالْمُمَاثَلَةُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فَلِهَذَا جَازَ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَيَأْخُذَهُ كَذَا فِي شَرْحِهِ فَقَوْلُهُ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ اسْتِهْلَاكًا تَامًّا يُحْتَرَزُ مِمَّا لَوْ أَحْرَقَهُ وَقَوْلُهُ وَلَا اتَّصَلَ بِزِيَادَةٍ يُحْتَرَزُ مِمَّا لَوْ صَبَغَهُ وَقَوْلُهُ وَالْمُمَاثَلَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ يُحْتَرَزُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَقَوْلُهُ خَرَقَ هُوَ بِالتَّخْفِيفِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ خَرْقًا وَلَمْ يَقُلْ تَخْرِيقًا وَقَوْلُهُ كَثِيرًا هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ يَسِيرًا، وَلَوْ كَانَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ لَقَالَ فِي الْأَوَّلِ خَرْقًا صَغِيرًا كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ الْبَاقِي بَعْدَهُ لِثَوْبٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ إشَارَةُ الْكِتَابِ إلَى أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَبْطُلُ بِهِ عَامَّةُ الْمَنَافِعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ النُّقْصَانُ. وَفِي الْمُحِيطِ الْفَاحِشُ مَا يَسْتَنْكِفُ أَوْسَاطُ النَّاسِ مِنْ لُبْسِهِ مَعَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اخْرِقْ ثَوْبِي هَذَا فَفَعَلَ يَأْثَمُ وَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ خَرَقَ صَكَّ غَيْرِهِ يَضْمَنُ قِسْمَتَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ صَادَفَ الصَّكَّ وَلَمْ يُصَادِفْ الْمَالَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا وَعُظْمَ مَنَافِعِهَا زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا إلَى آخِرِهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا وَقَوْلُهُ وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ أَوْ الْقَضَاءِ بِالضَّمَانِ أَوْ بِتَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ عَلَى الضَّمَانِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَإِلَّا فَلَا وَبَعْدَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَا يَحِلُّ لِلْغَاصِبِ تَنَاوُلُهُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالضَّمَانِ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الضَّمَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالضَّمَانِ ثُمَّ إذَا أَدَّى الْبَدَلَ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْبَدَلِ فَجُعِلَ

مُبَادَلَةً بِالتَّرَاضِي، وَكَذَا إذَا أَبْرَأَهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ، وَكَذَا إذَا ضَمَّنَهُ الْحَاكِمُ أَوْ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي الْحَاكِمُ إلَّا بِطَلَبِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ آنِيَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَيَأْخُذَهَا وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَلَا يُعْطِيهِ لِعَمَلِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا بَاقٍ أَيْضًا، وَكَذَا جَرَيَانُ الرِّبَا فِيهِ مَوْجُودٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا سَبِيلَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ وَعَلَيْهِ مِثْلُ الْفِضَّةِ الَّتِي غَصَبَهَا وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهَا صَنْعَةً مُعْتَبَرَةً. وَأَمَّا إذَا سَبَكَ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ وَلَمْ يَصُغْهُمَا وَلَمْ يَضْرِبْهُمَا دَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ بَلْ جَعَلَهُمَا صَفَائِحَ مَطْلُوَّةً لَمْ تَنْقَطِعْ يَدُ صَاحِبِهَا عَنْهَا إجْمَاعًا، وَلَوْ غَصَبَهُ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَرَاهِمِهِ حَتَّى صَارَتْ لَا تَتَمَيَّزُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهَا، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ بِقَدْرِهَا يَعْنِي إذَا صَاغَهَا حُلِيًّا أَوْ آنِيَةً قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا غَصَبَهُ طَعَامًا فَزَرَعَهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، وَهَذَا إذَا ضَمِنَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْحَبِّ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ أَمَّا لَوْ ضَمِنَ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَبِّ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا كُلُّ نَوًى غَرَسَهُ فَنَبَتَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَعْنِي إذَا غَصَبَهُ فَغَرَسَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَبَتَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فَهُوَ كَالْحَبِّ إذَا نَبَتَ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فَرُّوخًا مَلَكَهُ لِزَوَالِ اسْمِهِ أَوْ تُرَابًا فَجَعَلَهُ لَبِنًا أَوْ آنِيَةً أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ أَوْ خَشَبًا فَعَمِلَهُ سَفِينَةً فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَزُولُ مِلْكُ مَالِكِهِ عَنْهُ. قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ سَاجَةً فَبَنَى عَلَيْهَا زَالَ مِلْكُ مَالِكِهَا عَنْهَا وَلَزِمَ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا) ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْبِنَاءَ وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنَّمَا لَا يَنْقُضُ الْبِنَاءَ عِنْدَنَا إذَا بَنَى حَوَالَيْهَا أَمَّا إذَا بَنَى عَلَى نَفْسِهَا يَنْقُضُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَرُدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ سَوَاءٌ بَنَى عَلَيْهَا أَوْ حَوَالَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَفِي قَلْعِ الْبِنَاءِ ضَرَرٌ وَيُمْكِنُنَا تَوْفِيَةُ الْحَقَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِأَنْ يُلْزَمَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا إذْ هِيَ تَقُومُ مَقَامَهَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى فِيهَا قِيلَ لَهُ اقْلَعْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» وَلِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَاقٍ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً وَالْغَصْبُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا فَيُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِتَفْرِيغِهَا كَمَا إذَا أَشْغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَهُوَ الَّذِي يَغْرِسُ فِي الْأَرْضِ غَصْبًا وَوُصِفَ الْعِرْقُ بِالظُّلْمِ وَالْمُرَادُ صَاحِبُهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ عَلَى الْإِضَافَةِ إلَى الْعِرْقِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ ذَلِكَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ الْمَقْلُوعُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا رَدُّهَا فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ وَتُقَوَّمُ وَهُمَا بِهَا وَلَكِنْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْمُرَ بِقَلْعِهِ فَيَضْمَنَ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ غَصَبَ فَصِيلًا وَأَدْخَلَهُ بَيْتَهُ فَكَبِرَ حَتَّى صَارَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ وَقَلْعِ الْبَابِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْفَصِيلِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الدَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْمُ الْبِنَاءِ وَرَدُّ الْفَصِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ أَكْثَرَ غَرِمَ قِيمَةَ الْفَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَكَذَا إذَا ابْتَلَعَتْ

الدَّجَاجَةُ لُؤْلُؤَةً لِغَيْرِ صَاحِبِهَا لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُهَا عَلَى ذَبْحِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلٍ حَصَلَ مِنْهُ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ اللُّؤْلُؤَةِ إنْ شِئْت فَخُذْ الْقِيمَةَ. وَإِنْ شِئْت فَاصْبِرْ حَتَّى تَزْرِقَهَا الدَّجَاجَةُ أَوْ يَذْبَحَهَا مَالِكُهَا بِاخْتِيَارِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِ اللُّؤْلُؤَةِ أَعْطِ صَاحِبَ الدَّجَاجَةِ قِيمَةَ الدَّجَاجَةِ وَخُذْ الدَّجَاجَةَ وَفِي رِوَايَةٍ يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ كَذَا فِي الْعُيُونِ، وَلَوْ وَقَعَ دِرْهَمٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ فِي مِحْبَرَةٍ وَكَانَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِكَسْرِهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِ صَاحِبِ الْمِحْبَرَةِ وَكَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الْمِحْبَرَةِ كُسِرَتْ وَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِ الشَّيْءِ الْوَاقِعِ فِيهَا، وَإِنْ وَقَعَ بِفِعْلِ صَاحِبِ الشَّيْءِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كُسِرَتْ أَيْضًا وَعَلَى صَاحِبِ الشَّيْءِ قِيمَةُ الْمِحْبَرَةِ إنْ شَاءَ وَإِلَّا صَبَرَ حَتَّى تَنْكَسِرَ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ أَوْ بُرْمَةٍ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْفَصِيلِ، وَلَوْ غَصَبَ خَيْطًا فَخَاطَ بِهِ ثَوْبًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُنْزَعُ وَمَنْ رَكِبَ دَارَ غَيْرِهِ لِإِطْفَاءِ حَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْبَلَدِ فَانْهَدَمَ جِدَارٌ مِنْ الدَّارِ بِرُكُوبِهِ لَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الْجِدَارِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْحَرِيقِ عَامٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَفْعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ كَمَا إذَا حَمَلَ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَدَفَعَ عَنْهُمْ رَجُلٌ ذَلِكَ الْعَدُوَّ بِآلَةِ غَيْرِهِ حَتَّى تَلِفَتْ الْآلَةُ لَمْ يَضْمَنْ مِنْ قِيمَتِهَا شَيْئًا كَذَلِكَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْخِيَرَةُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مَتْبُوعٌ وَمَالُ الْغَاصِبِ تَبَعٌ. وَأَمَّا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ لَيْسَتْ بِزِيَادَةِ عَيْنٍ فِي الثَّوْبِ وَمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ مِنْ الصَّابُونِ وَغَيْرِهِ يَتْلَفُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَيْنٌ، وَكَذَا إذَا غَسَلَهُ بِالصَّابُونِ وَالْمَاءِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَصَبَغَهُ إذْ لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي صَبْغِ إنْسَانٍ فَانْصَبَغَ بِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ قِيمَةِ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ صَاحِبِ الصَّبْغِ أَوْ يَكُونُ الثَّوْبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الثَّوْبِ الْقِيمَةَ وَفِي السَّوِيقِ الْمِثْلَ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ مِثْلِيٌّ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ يَضْمَنُ قِيمَةَ السَّوِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْقَلْيِ فَلَمْ يَبْقَ مِثْلِيًّا، وَهَذَا إذَا كَانَ الصَّبْغُ يَزِيدُ فِي الثَّوْبِ فِي الْعَادَةِ كَالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ أَمَّا إذَا كَانَ يُنْقِصُهُ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَسَلَّمَهُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ وَالصُّفْرَةُ فِي الصَّبْغِ كَالْحُمْرَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ احْتِرَازٌ عَنْ السَّوَادِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ فَإِذَا صَبَغَهُ أَسْوَدَ كَانَ صَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَتَرَكَهُ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ أَسْوَدَ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ نَقْصًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ كَالْعُصْفُرِ فَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَكَانَ نُقْصَانًا عِنْدَهُمْ وَهُمَا أَجَابَا عَلَى مَا فِي زَمَانِهِمَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَكَانَ زِيَادَةً عِنْدَهُمْ فَعَلَى هَذَا هُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ هُوَ الَّذِي غَصَبَ الْعُصْفُرَ فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبَهُ كَانَ الثَّوْبُ لَهُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِ الْعُصْفُرِ، إنْ كَانَ يُكَالُ فَمِثْلُ كَيْلِهِ، وَإِنْ كَانَ يُوزَنُ فَمِثْلُ وَزْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ أَخَذَهُ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُصْفُرِ أَنْ يَحْبِسَ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَتْبُوعٌ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ غَصَبَ عَيْنًا فَغَيَّبَهَا فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهَا مَلَكَهَا الْغَاصِبُ بِالْقِيمَةِ وَالْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَوْلَى مِنْ الْيَمِينِ قَوْلُهُ (فَإِنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ، وَقَدْ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْمَالِكِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَقَامَهَا أَوْ بِنُكُولِ الْغَاصِبِ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ) وَهِيَ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِرِضَا الْمَالِكِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْمِقْدَارَ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهَا بِقَوْلِ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الضَّمَانَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ

وَرَدَّ الْعِوَضَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَلَوْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا مِثْلُ مَا ضَمِنَ أَوْ دُونَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْآخَرِ فَكَذَا الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِرِضَاهُ حَيْثُ لَمْ يُعْطَ مَا يَدَّعِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ. قَوْلُهُ (وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ وَنَمَاؤُهَا وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إنْ هَلَكَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهَا أَوْ يَطْلُبَهَا مَالِكُهَا فَيَمْنَعَهُ إيَّاهَا) ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - زَوَائِدُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْغَصْبَ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ قَصْدًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ضِمْنًا وَعِنْدَهُ الْغَصْبُ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ قَصْدًا وَإِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ضِمْنًا وَفَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَهِيَ نَوْعَانِ مُنْفَصِلَةٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَمُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَكِلَاهُمَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ كِلَاهُمَا مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ عِنْدَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْوَلَدِ وَعِنْدَنَا لَمْ تُوجَدْ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَيَدُ الْمَالِكِ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يُزِيلَهَا الْغَاصِبُ ثُمَّ حُدُوثُ الْوَلَدِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ حَدَثَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْغَصْبِ فَهُوَ أَمَانَةٌ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى فِيهِ أَوْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغْصِبَهَا حَامِلًا أَوْ حَائِلًا فِي أَنَّ الْوَلَدَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَغْصِبَهَا وَالْوَلَدُ مَعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْقَبْضُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ. قَوْلُهُ (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ فَمِنْ ضَمَانِ الْغَاصِبِ) وَصُورَتُهُ إذَا حَبِلَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَوْ زَنَتْ بِعَبْدِ الْغَاصِبِ أَمَّا إذَا كَانَ الْحَبَلُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءٌ بِهِ جُبِرَ النُّقْصَانُ بِالْوَلَدِ وَسَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يَنْجَبِرُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِلْكُهُ فَلَا يَصِحُّ جَابِرًا لِمِلْكِهِ وَلَنَا أَنَّ الْوِلَادَةَ فَوَّتَتْ جُزْءًا وَأَفَادَتْ مَالًا فَوَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ الْفَائِتُ بِالْفَائِدَةِ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ الْمَغْصُوبَةِ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ أَرْشَهَا وَفِيهِ وَفَاءٌ وَكَمَنْ قَلَعَ سِنَّهَا فَنَبَتَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ وَفَاءٌ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ مَا بِإِزَائِهِ وَيَغْرَمُ الْغَاصِبُ فَضْلَ النُّقْصَانِ، وَكَذَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صَارَ كَتَلَفِ الْأَرْشِ فِي يَدِهِ، وَلَوْ تَلِفَ الْأَرْشُ فِي يَدِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِغَيْرِهِ فَكَذَا إذَا تَلِفَ الْوَلَدُ وَمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَحَبِلَتْ وَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ عَلِقَتْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ صَحَّ وَالْهَلَاكُ بَعْدَهُ بِسَبَبٍ حَدَثَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ فَلَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ كَمَا إذَا حُمَّتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ رَدَّهَا فَهَلَكَتْ أَوْ زَنَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا فَجُلِدَتْ فَهَلَكَتْ مِنْهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَمَا انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ وَرَدَّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَخَذَهُ فَلَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ. قَوْلُهُ (وَلَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ مَا غَصَبَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ فَيَغْرَمَ النُّقْصَانَ) صُورَتُهُ إذَا غَصَبَ عَبْدًا خَبَّازًا فَأَمْسَكَهُ شَهْرًا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْمَالِكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَنَافِعِ الشَّهْرِ عِنْدَنَا وَصُورَةُ إتْلَافِ الْمَنَافِعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ أَيَّامًا ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ فَعِنْدَنَا لَا يَضْمَنُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْغَاصِبِ فِي اسْتِخْدَامِهِ عَبْدِ الْغَصْبِ وَلَا فِي سُكْنَى دَارٍ غَصَبَهَا وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا آجَرَ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ فَالْأُجْرَةُ لِلْغَاصِبِ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا، وَلَوْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ الْمَالِكُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ الْغَاصِبُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَأَلْبَسهُ إيَّاهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْهُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لَهُ بِالْأَكْلِ وَاللُّبْسِ فَلَوْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ لَسَلَّمَ لَهُ الْعِوَضَ وَالْمُعَوَّضَ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا وَأَطْعَمَهَا الْمَغْصُوبَ مِنْهُ أَنْ لَا يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ

مَلَكَهَا بِالطَّحْنِ فَبَانَ أَنَّهُ أُطْعِمَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الْكَبِيرِ مَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ الْمَالِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ بَرِئَ مِنْهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ حَقِيقَةً فَإِنَّ عَيْنَ مَالِهِ وَصَلَ إلَيْهِ فَجَهْلُهُ بِهِ لَا يُبْطِلُ قَبْضَهُ لَهُ أَيْ جَهْلُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُبْطِلُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا، فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدُهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَيُجْعَلُ قَبْضًا وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ وَجَهْلُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ مَا وُجِدَ مِنْهُ كَذَا هَذَا،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَدَاءٍ مَأْمُورٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ وَالشَّرْعُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْغُرُورِ فَبَطَلَ الْأَدَاءُ نَفْيًا لِلْغُرُورِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَهْلَكَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ الذِّمِّيِّ أَوْ خِنْزِيرَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَهُمْ كَالْخَلِّ لَنَا وَالْخِنْزِيرُ فِي حَقِّهِمْ كَالشَّاةِ لَنَا وَنَحْنُ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَتَدَيَّنُونَ وَالسَّيْفُ مَوْضُوعٌ فَتَعَذَّرَ الْإِلْزَامُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَجِبُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ تَمْلِيكِهِ وَتَمَلُّكِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُمَا مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ لَمْ يَضْمَنْ) ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَهُمَا ذِمِّيٌّ لِمُسْلِمٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَلَوْ غَصَبَ مُسْلِمٌ خَمْرَ الْمُسْلِمِ فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ أَوْ خَلَّلَهَا الْغَاصِبُ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فَإِنْ هَلَكَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَمَا صَارَتْ خَلًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ مِثْلَهَا خَلًّا؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةُ وَاسْتَهْلَكَهُ لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ مَدْبُوغًا وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ، وَإِنْ هَلَكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ وَالْغَصْبُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا قِيمَةَ لَهُ. وَأَمَّا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَهَلَكَ بَعْدَ الدِّبَاغِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ صَارَ مَالًا وَهُوَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ هَلَاكِ الْجِلْدِ أَمَّا حَالُ وُجُودِهِ فَنَقُولُ إذَا غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ مَالًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَالَ بِالشَّمْسِ وَالتُّرَابِ وَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَغْرَمَ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ صَارَ مَالًا بِمَالِ الْغَاصِبِ وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنَ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَخَذَ جِلْدَ الْمَيْتَةِ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهَا أَمَّا إذَا أَلْقَاهَا الْمَالِكُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ فَدَبَغَهُ فَقَدْ قِيلَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إلْقَاءَ الْمَيْتَةِ فِي الطَّرِيقِ إبَاحَةٌ لِأَخْذِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرُّجُوعُ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ. (مَسَائِلُ شَتَّى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ غَصَبَ أَلْفًا فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً فَبَاعَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ الرِّبْحِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا الْمُودَعُ عَلَى هَذَا وَمَنْ كَسَرَ لِمُسْلِمٍ بَرْبَطًا أَوْ طَبْلًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ دُفًّا فَهُوَ ضَامِنٌ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقْوِيمُهَا كَالْخَمْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَمْوَالٌ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ صَلُحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ فَصَارَ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلَّهْوِ وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمُدَبَّرَةِ مُتَقَوِّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَلِلْوَرَثَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إلَّا الْمَنَافِعَ لَا غَيْرُ بِدَلَالَةِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَالٍ وَأَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمَنَافِعُ إذَا تَلِفَتْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَوْ غَصَبَ صَبِيًّا فَمَرِضَ فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ عَقَرَهُ سَبُعٌ فَقَتَلَهُ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ خَطَأً فَإِنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَتَّبِعُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا بِالدِّيَةِ فَإِنْ اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ وَكُلُّ هَذَا الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا

كتاب الوديعة

قَتَلُوا الْقَاتِلَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَتَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الَّذِي قَتَلَ رَجُلًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ إلَى أَبِيهِ فَضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ فَلَا يُضْمَنُ جِنَايَتُهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَتَلَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ أَوْ طَرَحَ نَفْسَهُ مِنْ دَابَّةٍ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ ضَمِنَ الْغَاصِبُ، وَإِنْ فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ قَفَصٍ فَطَارَ مِنْهُ طَائِرٌ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا نَفَّرَهُ، وَكَذَا إذَا فَتَحَ بَابَ دَارٍ فَهَرَبَ مِنْهُ الْعَبْدُ أَوْ حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَهَرَبَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْنُونًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَابَّةٍ مَرْبُوطَةٍ فِي مَرْبِطٍ فَحَلَّهَا رَجُلٌ أَوْ كَانَتْ فِي بَيْتٍ فَفَتَحَ الْبَابَ فَذَهَبَتْ الدَّابَّةُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ فَإِنْ حَلَّ رِبَاطَهَا رَجُلٌ وَفَتَحَ الْبَابَ آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَى فَاتِحِ الْبَابِ. وَقَالَ فِي الْعَبْدِ إذَا حَلَّ قَيْدَهُ أَوْ فَتَحَ الْبَابَ عَلَيْهِ فَهَرَبَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ طَارَ الطَّائِرُ مِنْ فَوْرِهِ ضَمِنَ، وَإِنْ طَارَ بَعْدَ مُهْلَةٍ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ حَلَّ رِبَاطَ الزِّقِّ فَإِنْ كَانَ السَّمْنُ الَّذِي فِيهِ ذَائِبًا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَذَابَ بِالشَّمْسِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ سَالَ بِفِعْلِ الشَّمْسِ لَا بِفِعْلِهِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا فَجَاءَ إلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، فَقَالَ لَا آخُذُهَا وَلَا أَجْعَلُك فِي حِلٍّ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَجْبُرَهُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقَّ الْمُسْتَهْلِكِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَى الْحَاكِمِ وَلَكِنْ وَضَعَهُ فِي حِجْرِ صَاحِبِهِ بَرِئَ، وَإِنْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَبْرَأُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ إذَا وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهَا، وَكَذَلِكَ عَيْنُ الْمَغْصُوبِ يَبْرَأُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ حَقِيقَةُ الْقَبْضِ لِتَحَقُّقِ الْمُعَاوَضَةِ وَفِي الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ يَتَحَقَّقُ الرَّدُّ بِالتَّخْلِيَةِ لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ إذَا كَانُوا فِي مَجْلِسٍ وَمَعَهُمْ مَحَابِرُ فَكَتَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ دَلَالَةً إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى. (مَسْأَلَةٌ) رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ وَدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ اخْتَلَطُوا فَضَاعَ دِرْهَمَانِ وَبَقِيَ دِرْهَمٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيُّهَا هُوَ، فَقَالَ الدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَلَقِيت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَسَأَلْته عَنْهَا، فَقَالَ أَسَأَلْت عَنْهَا أَحَدًا؟ قُلْت نَعَمْ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ إنَّهُ قَالَ لَك الدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا قُلْت نَعَمْ قَالَ أَخْطَأَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ دِرْهَمٌ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ الضَّائِعَيْنِ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَالدِّرْهَمُ الثَّانِي مِنْ الضَّائِعَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ الثَّانِي مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ فَالدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَاسْتَحْسَنْت جَوَابَهُ جِدًّا وَعُدْت إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقُلْت لَهُ خُولِفْت فِي الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ أَلَقِيَك ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَقَالَ لَك كَذَا، وَكَذَا وَذَكَرَ جَوَابَهُ بِعَيْنِهِ قُلْت نَعَمْ قَالَ إنَّ الثَّلَاثَةَ لَمَّا اخْتَلَطَتْ صَارَتْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ فَلِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ ثُلُثَا كُلِّ دِرْهَمٍ وَلِصَاحِبِ الدِّرْهَمِ ثُلُثُ كُلِّ دِرْهَمٍ فَأَيُّ دِرْهَمٍ ذَهَبَ ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ فَالدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] (كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ قَالَ الشَّاعِرُ سَلْ أَمِيرِي مَا الَّذِي غَيَّرَهُ ... عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَّعَهُ أَيْ تَرَكَهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْأَعْيَانِ مَعَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْحِفْظِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَالِكِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالْأَمَانَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ هِيَ الِاسْتِحْفَاظُ قَصْدًا وَالْأَمَانَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي وَقَعَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بَائِنٍ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي حِجْرِهِ وَالْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إذَا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَفِي الْأَمَانَةِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَى صَاحِبِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُودَعِ فَإِذَا هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا) ؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِهَا فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُهُمْ. قَوْلُهُ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظَهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ فِي عِيَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحِفْظِ إلَّا بِهِمْ وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ

مُلَازَمَةُ بَيْتِهِ وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ وَاَلَّذِي فِي عِيَالِهِ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ مَعَهُ وَيُجْرِي عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَوَلَدِهِ وَأَجِيرِهِ وَعَبْدِهِ وَفِي الْفَتَاوَى هُوَ مَنْ يُسَاكِنُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَوْ لَا وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَجِيرِ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا مُشَاهَرَةً وَطَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ أَجِيرًا مُيَاوَمَةً وَيُعْطِيهِ نَفَقَتَهُ دَرَاهِمَ فَلَيْسَ هُوَ فِي عِيَالِهِ فَيَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى شَرِيكِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ أَوْ إلَى عَبْدٍ لَهُ مَأْذُونٍ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَحْفَظُونَ أَمْوَالَهُ فَيَدُهُمْ كَيَدِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إيدَاعٌ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ يَعْنِي بِأُجْرَةٍ. وَقَوْلُهُ أَوْ أَوْدَعَهَا يَعْنِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَإِنْ أَوْدَعَهَا فَضَاعَتْ فِي يَدِ الثَّانِي فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَظَهَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ لَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّانِي مُتَعَدِّيًا بِالْقَبْضِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قَبْضَ الثَّانِي قَبْضُ الْأَوَّلِ وَإِذَا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ بِهَذَا الْقَبْضِ لَمْ يَجِبْ بِهِ ضَمَانٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الثَّانِي ضَمِنَ إجْمَاعًا وَيَكُونُ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ مُودِعَ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَبْضَيْنِ مَضْمُونَيْنِ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُودَعِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ مِنْ الْغَاصِبِ غَاصِبٌ آخَرُ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الثَّانِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ حَاصِلُ الضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي. وَكَذَا إذَا وَهَبَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ أَوْ أَعَارَهَا فَهَلَكَتْ عِنْدَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَبْضَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَالْمُسْتَعِيرَ يَقْبِضَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَبْضِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إنْ قَبَضَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ضَمِنَ أَيْضًا إجْمَاعًا، وَإِنْ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ أَوْدَعَهُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ ضَمِنَ إجْمَاعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ عَادَتِهِ تَضْيِيعُ الْأَمْوَالِ فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَذِهِ الْعَادَةِ فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِإِتْلَافِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَضْمِينُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الصِّبْيَانِ فَيَضْمَنُهُ وَتَكُونُ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِنْ أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا وَتَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَى بَعْدِ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَضْمَنْهَا فِي الْحَالِ وَيَضْمَنُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُهَا فِي الْحَالِ وَيُبَاعُ فِيهَا قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَيُسَلِّمَهَا إلَى جَارِهِ أَوْ تَكُونَ فِي سَفِينَةِ فَخَافَ الْغَرَقَ فَيَنْقُلُهَا إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَرْتَضِيهِ الْمَالِكُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةَ مُسْقِطِهِ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إذَا وَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى بَعْضِ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ وَشَرَطَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي الْحَرِيقِ الْغَالِبِ أَنْ يُحِيطَ الْوَدِيعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ضَمِنَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. قَوْلُهُ (فَإِنْ خَلَطَهَا الْمُودَعُ بِمَالِهِ حَتَّى صَارَتْ

لَا تَتَمَيَّزُ ضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا صَارَتْ شَرِكَةً إنْ شَاءَ، مِثْلُ أَنْ يَخْلِطَ الدَّرَاهِمَ الْبِيضَ بِالْبِيضِ أَوْ السُّودَ بِالسُّودِ أَوْ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى غَيْرِ حَقِّهِ صُورَةً وَأَمْكَنَهُ مَعْنًى بِالْقِسْمَةِ فَكَانَ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْخَالِطَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَخْلُوطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي الدَّيْنِ، وَقَدْ سَقَطَ وَعِنْدَهُمَا بِالْإِبْرَاءِ سَقَطَ خِيرَةُ الضَّمَانِ فَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ وَخَلْطُ الْخَلِّ بِالزَّيْتِ وَكُلُّ مَانِعٍ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا خَلْطُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ حَبَّاتِ الْآخَرِ فَيَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ وَالْقِسْمَةُ، وَلَوْ خُلِطَ الْمَائِعُ بِجِنْسِهِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَى الضَّمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْأَقَلُّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ شَرِكَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ قَالُوا لَا يَسَعُ الْخَالِطَ أَكْلُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مِثْلَهُ إلَى صَاحِبِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَحَبَسَهَا عَنْهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَهَا فَقَدْ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَإِذَا مَسَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ غَاصِبًا مَانِعًا لَهُ فَيَضْمَنُهَا لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِالْمَنْعِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ نَاءٍ أَيْ بَعِيدٍ لَا يَقْدِرُ فِي الْحَالِ عَلَى رَدِّهَا لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّدِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِصَاحِبِهَا) كَمَا إذَا انْشَقَّ الْكِيسَانِ فَاخْتَلَطَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُودَعُ بَعْضَهَا ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي ضَمِنَ الْجَمِيعَ) ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُتْلِفًا لَهَا بِإِنْفَاقِ بَعْضِهَا وَخَلْطِ بَاقِيهَا بِمَالِهِ لِأَنَّ الْمِثْلَ الَّذِي دَفَعَهُ هُوَ مَالُهُ وَالْخَلْطُ بِمَعْنَى الِاسْتِهْلَاكِ وَإِنْ أَخَذَ بَعْضَهَا لِنَفَقَتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَدَّهُ وَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَقَوْلُهُ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي إنَّمَا ذُكِرَ الْخَلْطُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا هَلَكَ الْبَاقِي قَبْلَ الْخَلْطِ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ أَمَانَةً أَمَّا إذَا خَلَطَهُ بِالْبَاقِي صَارَ مُتَعَدِّيًا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ وَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ زَالَ الضَّمَانُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ ارْتَفَعَ حِينَ صَارَ ضَامِنًا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ وَلَنَا أَنَّ أَمْرَهُ بِالْحِفْظِ عَامٌ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْرُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّعَدِّي بِدَلَالَةِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَشَجَّهُ الْوَكِيلُ شَجَّةً أَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً ثُمَّ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ بِالْأَمْرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَاللُّبْسُ لَمْ يَنْقُصْهَا أَمَّا إذَا نَقَصَهَا ضَمِنَهَا. وَأَمَّا الْمُسْتَعِيرُ إذَا تَعَدَّى ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهُ إيَّاهَا ضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَقَدْ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ بِالْإِمْسَاكِ غَاصِبٌ مَانِعٌ فَيَضْمَنُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ جَحَدَهَا بِحَضْرَةِ الْمُودِعِ أَوْ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ ضَمِنَهَا وَإِنْ جَحَدَهَا عِنْدَ غَيْرِهَا لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُخْفِي وَدِيعَتَهُ فَجُحُودُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَمَعٍ لَفَقِيرَيْنِ قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَ إلَى الِاعْتِرَافِ لَمْ يَبْرَأْ

مِنْ الضَّمَانِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَهَا حُكِمَ لَهُ فِيهَا بِالْمِلْكِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِهِ لِغَيْرِهِ بَعْدَ هَلَاكِهِ لَزِمَهُ ضَمَانٌ، وَإِنْ طَلَبَ الْوَدِيعَةَ صَاحِبُهَا، فَقَالَ الْمُودَعُ قُمْت فَنَسِيتهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ سَقَطَتْ مِنِّي لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ قَالَ أَسْقَطْتهَا ضَمِنَ. قَوْلُهُ (وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا أَمَّا إذَا كَانَ مَخُوفًا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَنَهَاهُ صَاحِبُهَا عَنْ السَّفَرِ بِهَا فَسَافَرَ بِهَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ فِي الْمِصْرِ أَبْلَغُ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَصَدَ السُّلْطَانُ أَخْذَهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَمْ يُسَافِرْ بِهَا فَإِنْ سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أُجْرَةُ النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إطْلَاقُ الْأَمْرِ بِالْحِفْظِ لِلْفَقِيرَيْنِ مَحَلٌّ لِلْحِفْظِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ الْوَدِيعَةَ لِيَتْرُكَ أَشْغَالَهُ وَالسَّفَرُ مِنْ أَشْغَالِهِ فَلَا تَمْنَعُهُ الْوَدِيعَةُ مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ لَا يَضْمَنُ الْمُودَعَ بِالْمُسَافَرَهْ ... عِنْدَ انْعِدَامَ النَّهْيِ وَالْمُخَاطَرَهْ وَيَجْعَلَانِ هَذِهِ مَضْمُونَهْ ... فِي كُلِّ مَا لِحَمْلِهِ مُؤَنَهْ قَيَّدَ بِانْعِدَامِ النَّهْيِ وَالْمُخَاطَرَةِ لِأَنَّهُ إذَا نَهَاهُ فَخَرَجَ بِهَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِمْلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ لَا يَضْمَنُ بِالْمُسَافَرَةِ إجْمَاعًا وَاَلَّذِي لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ هُوَ مَا كَانَ يَحْتَاجُ فِي حَمْلِهِ إلَى ظَهْرٍ أَوْ أُجْرَةِ حَمَّالٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْدَعَ رَجُلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً ثُمَّ حَضَرَ أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ نَصِيبَهُ مِنْهَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبَهُ) وَالْخِلَافُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَهُمَا أَنَّهُ طَالَبَهُ بِدَفْعِ نَصِيبِهِ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِدَفْعِ نَصِيبِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالْمُفْرَزِ وَحَقِّهِ فِي الْمُشَاعِ، وَالْمُفْرَزُ الْمُعَيَّنُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقَّيْنِ وَلَا يَتَمَيَّزُ حَقُّهُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ وَيَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ أَنْ يَحْفَظَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْآخَرِ كَمَا فِي مَا لَا يُقْسَمُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا فَوَقَعَ التَّسْلِيمُ إلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ الدَّافِعُ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمُودَعِ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لَا تُسَلِّمْهَا إلَى زَوْجَتِك فَسَلَّمَهَا إلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَنَهْيُهُ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا إذَا قَالَ لَا تَحْفَظْهَا بِنَفْسِك وَلَا فِي صُنْدُوقِك، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ سِوَى الَّتِي نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَيْهَا الْوَدِيعَةُ مِمَّا تُحْفَظُ عَلَى أَيْدِي

مسائل في الوديعة

النِّسَاءِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهُ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْتُ الَّذِي حَفِظَهَا فِيهِ أَنْقَصَ حِرْزًا مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ فِيهِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْتُ الثَّانِي أَحْرَزَ ضَمِنَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّارَيْنِ مُخْتَلِفٌ فِي الْحِرْزِ وَالْحِفْظِ. وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْحِرْزِ أَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَحْرَزَ لَا يَضْمَنُ. [مَسَائِلُ فِي الْوَدِيعَةَ] (مَسَائِلُ) الْمُودَعُ إذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي الدَّارِ فَخَرَجَ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَضْيِيعٌ. الدَّابَّةُ الْوَدِيعَةُ إذَا أَصَابَهَا مَرَضٌ أَوْ جُرْحٌ فَأَمَرَ الْمُودَعُ إنْسَانًا يُعَالِجُهَا فَعَطِبَتْ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ أَوْ الْمُعَالِجَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُودَعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُعَالِجَ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ أَوْ ظَنَّهَا لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ. الْمُودَعُ إذَا خَافَ عَلَى الْوَدِيعَةِ الْفَسَادَ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ رَفَعَ أَمْرَهَا إلَيْهِ وَاسْتَأْذَنَهُ فِي بَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ بَاعَهَا وَضَمِنَهَا وَحَفِظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا وَعَلَى هَذَا اللُّقَطَةُ. رَجُلٌ غَابَ عَنْ مَنْزِلِهِ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ فِيهِ وَفِيهِ وَدِيعَةٌ فَلَمَّا رَجَعَ لَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ إنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمِينَةً لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ أَمِينَةٍ ضَمِنَ. قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ سُوقِيٌّ قَامَ مِنْ حَانُوتِهِ إلَى الصَّلَاةِ وَفِيهِ وَدَائِعُ لِلنَّاسِ فَضَاعَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٌ لِمَا فِي حَانُوتِهِ؛ لِأَنَّ جِيرَانَهُ يَحْفَظُونَهُ. رَجُلٌ دَفَعَ إلَى آخَرَ شَيْئًا لِيَنْثُرَهُ فِي عُرْسٍ إنْ كَانَ دَرَاهِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِيَنْثُرَهُ، وَلَوْ نَثَرَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ سُكَّرًا لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِيَنْثُرَهُ وَلَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مِنْهُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا زِنْبِيلًا فِيهِ آلَاتُ النَّجَّارِينَ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَرِدُّهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ فِيهِ قَدُومًا فَذَهَبَتْ مِنْهُ، وَقَالَ الْمُودَعُ قَبَضْت مِنْك الزِّنْبِيلَ وَلَا أَدْرِي مَا فِيهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ صُنْعًا، وَكَذَا إذَا أَوْدَعَ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ وَلَمْ يَزِنْهَا عَلَى الْمُودَعِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْفِعْلَ وَهُوَ التَّضْيِيعُ أَوْ الْخِيَانَةُ. الْمُودَعُ إذَا قَالَ ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ مَنْزِلِي وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِي شَيْءٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. غَرِيبٌ مَاتَ فِي دَارِ رَجُلٍ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ وَخَلَّفَ شَيْئًا يَسِيرًا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا وَصَاحِبُ الدَّارِ فَقِيرٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اللُّقَطَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] (كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ وَقِيلَ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَشَنَارٌ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ الْعَارِيَّةُ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّ يَاءَ النَّسَبِ مُشَدَّدَةٌ وَالْعَارَةُ لُغَةٌ فِي الْعَارِيَّةِ قَالَ الْحَرِيرِيُّ حَتَّى إنَّ بِزَّتِي هَذِهِ عَارَةٌ وَبَيْتِي لَا يَطُوفُ بِهِ فَارَةٌ أَيْ لَا يَدُورُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَسُمِّيَتْ عَارِيَّةً لِتَعَرِّيهَا عَنْ الْعِوَضِ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ قَابِلَةً لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا حَتَّى لَا تَكُونَ عَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ إلَّا قَرْضًا وَالْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ حَتَّى إنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْعَارِيَّةُ جَائِزَةٌ) أَيْ مُفِيدَةٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ إحْسَانٍ وَفِعْلُ خَيْرٍ قَوْلُهُ (وَهِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ، وَلَوْ كَانَتْ إبَاحَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا كَمَنْ أُبِيحَ لَهُ طَعَامٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ وَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْإِجَارَةِ لَمَّا كَانَتْ تَمْلِيكًا لِلْمَنَافِعِ جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا قُلْنَا امْتِنَاعُ إجَارِهِ الْعَارِيَّةِ لَيْسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ لَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُعِيرَ مَلَّكَهُ الْمَنَافِعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا مَتَى شَاءَ فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ لَتَعَلَّقَ بِالْإِجَارَةِ الِاسْتِحْقَاقُ فَقُطِعَ حَقُّ الْمُعِيرِ مِنْهَا فَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ وَدَارِي لَك سُكْنَى وَدَارِي لَك عُمْرَى

سُكْنَى) أَمَّا قَوْلُهُ أَعَرْتُك فَهُوَ صَرِيحُ الْعَارِيَّةِ وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ عَارِيَّةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُطْعَمُ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَنْفَعَةَ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ كَانَ إبَاحَةً لِلْعَيْنِ وَقَوْلُهُ مَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَارِيَّةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ تَقْتَضِي مِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ رَدُّهَا الْمِنْحَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْعَطِيَّةُ يُقَالُ مَنَحَهُ يَمْنَحُهُ وَيَمْنَحُهُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا إذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقَوْلُهُ عُمْرَى سُكْنَى بَيَانٌ لِلْمَنْفَعَةِ وَتَوْقِيتُهَا بِعُمُرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ سُكْنَاهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ رَاجِعٌ إلَى مَنَحْتُك وَحَمَلْتُك فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِهِمَا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] وَلَمْ يَقُلْ بَيْنَ ذَلِكُمَا. قَوْلُهُ وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ صَرِيحٌ فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ. وَقَوْلُهُ وَدَارِي لَك سُكْنَى أَيْ سُكْنَاهَا لَك. قَوْلُهُ (وَلِلْمُعِيرٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَهِيَ تَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا فَمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ قَبْضٌ فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ. قَوْلُهُ (وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ) قَالَ عَبْدُ السَّلَامِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ فَإِنْ شَرَطَ فِيهَا الضَّمَانَ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِالشَّرْطِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرُعًا، وَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ أَغَصْبًا تَأْخُذُهَا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً فَأَخَذَهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ قَالَ أَعِرْنِي دَابَّتَك أَوْ ثَوْبَك فَإِنْ ضَاعَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ فَالشَّرْطُ لَغْوٌ وَلَا يَضْمَنُ. وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ وَالْإِجَارَةُ لَا يُضْمَنَانِ أَبَدًا، وَلَوْ شَرَطَ فِيهِمَا الضَّمَانَ، وَإِنَّمَا يُضْمَنَانِ بِالتَّعَدِّي كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا تَعَدَّى ضَمِنَ؛ لِأَنَّ لِلتَّعَدِّي تَأْثِيرًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ فِي الْوَدِيعَةِ ضَمِنَهَا فَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ فَجَاوَزَ بِهَا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَصَارَ بِرُكُونِهِ فِيهِ غَاصِبًا فَلِهَذَا ضَمِنَ فَإِنْ رَجَعَ بِهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعَارَهَا إلَيْهِ فَعَطِبَتْ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ. وَقَالَ زُفَرُ يَبْرَأُ اعْتِبَارًا الْوَدِيعَةِ إذَا تَعَدَّى فِيهَا الْمُودَعُ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ وَلَنَا أَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي فَلَا يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهَا كَالْغَاصِبِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَعَارَهُ) فَإِنْ آجَرَهُ فَعَطِبَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَارِيَّةِ الرُّجُوعُ وَتَعَلُّقُ الْمُسْتَأْجِرِ بِهَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ فَإِنْ آجَرَهَا ضَمِنَ حِينَ سَلَّمَهَا، وَإِنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَهُ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ رَجَعَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغَرُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ. قَوْلُهُ (وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ إذَا كَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَإِذَا كَانَتْ تَمْلِيكًا فَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا جَازَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَلَى حَسَبِ مَا مَلَكَ، وَإِنَّمَا شَرْطٌ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ دَفْعًا لِمَزِيدِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاسْتِعْمَالِهِ لَا بِاسْتِعْمَالِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْءٌ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ وَيُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ فَلَهُ أَنْ يُعِيرَ حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ رُكُوبُهُ، وَلَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ الْإِرْكَابُ فَأَمَّا إذَا اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ أَوْ اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ هُوَ فَأَرْكَبَهَا غَيْرَهُ أَوْ أَلْبَسَهُ غَيْرَهُ فَتَلِفَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ هُنَا بِرُكُوبِهِ وَلُبْسِهِ، وَإِنْ اسْتَعَارَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا هُوَ فَأَعَارَهَا غَيْرَهُ فَسَكَنَهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الدُّورَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ. قَوْلُهُ (وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ قَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانِهَا، وَكَذَا الْمَعْدُودُ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَارِيَّةُ

الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قَرْضًا إذَا أَطْلَقَ الْعَارِيَّةَ أَمَّا إذَا اسْتَعَارَهَا لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يَزِينَ بِهَا دُكَّانًا كَانَتْ عَارِيَّةً لَا قَرْضًا فَإِنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ يَغْرِسَ نَخْلًا جَازَ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيُكَلِّفَهُ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تُوجِبُ الِاسْتِرْجَاعَ فَيُكَلَّفُ تَفْرِيغُهَا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُوقِفْ الْعَارِيَّةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) يَعْنِي فِي نُقْصَانِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُغْتَرٌّ غَيْرُ مَغْرُورٍ حَيْثُ اغْتَرَّ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ مِنْهُ بِالْوَعْدِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَارِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ فَلَمْ يَكُنْ مَغْرُورًا وَالرُّجُوعُ إنَّمَا يَجِبُ بِالْغُرُورِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَّتَ الْعَارِيَّة فَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ ضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِتَوْقِيتِ الْمُدَّةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا وَقَعَتْ الْعَارِيَّةُ وَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ وَيَضْمَنُ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ حَيْثُ وَقَّتَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَيَكُونَانِ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَقَالُوا إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ، وَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُتْرَكُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ، وَإِنَّمَا يُتْرَكُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَتَضَرَّرَ الْمُعِيرُ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَرْسُ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ. قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَفِي الْوَدِيعَةِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهَا وَفِي الرَّهْنِ مُؤْنَةُ رَدِّ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَنَفَقَةُ الْمُسْتَعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْكِسْوَةُ عَلَى الْمُعِيرِ وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَإِنْ أَعَارَهُ مَوْلَاهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى فَالِاسْتِعَارَةُ أَنْ يَقُولَ أَعِرْنِي عَبْدَك وَالْإِعَارَةُ أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى خُذْ عَبْدِي وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ قَبْضِهِ شَامِلَةٌ لِلْمُؤَجَّرِ مَعْنًى. قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَالْإِعَادَةُ إلَى يَدِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ نَقَلَهَا مِنْ مَالِكِهَا غَصْبًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا إلَى إصْطَبْلِ صَاحِبِهَا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ إصْطَبْلَه يَدُهُ، وَلَوْ رَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ فَالْمَالِكُ يَرُدُّهَا إلَى الْإِصْطَبْلِ وَلِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا وَلَا إلَى وَكِيلِهِ فَكَانَ مُضَيِّعًا لَهَا وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَرَدَّهَا مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ أَنْ يَكُونَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ، وَكَذَا إذَا رَدَّهَا مَعَ عَبْدِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَرْضَى بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَدَّهَا إلَيْهِ فَهُوَ يَرُدُّهُ إلَى عَبْدِهِ، وَقِيلَ هَذَا فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ وَقِيلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْإِعَارَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَعَارَ عَيْنًا فَرَدَّهَا إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ ضَمِنَ) وَفِي نُسْخَةٍ لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا هُوَ فِي شَرْحِهِ لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ فِي آلَاتِ الْمَنْزِلِ. وَفِي الْهِدَايَةِ إنْ اسْتَعَارَ عَبْدًا وَرَدَّهُ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ كَانَتْ

مسائل في العارية

الْعَارِيَّةُ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الْمُعِيرِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي مَتْنِ الْكِتَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ ضَمِنَ) وَكَذَا الْمَغْصُوبُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ الْوَدِيعَةُ لَا يَرْضَى الْمَالِكُ بِرَدِّهَا إلَى الدَّارِ وَلَا إلَى يَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَى ذَلِكَ لَمَا أَوْدَعَهَا بِخِلَافِ الْعَوَارِيِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا عُرْفًا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدَ جَوْهَرٍ لَمْ يَرُدَّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ فِيهِ وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُعَارُ إنَّك قَدْ أَطْعَمْتَنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكْتُبُ أَنَّك قَدْ أَعَرْتَنِي؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْإِعَارَةِ مَوْضُوعَةٌ لَهُ وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الدَّارِ وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا تَخُصُّ الزِّرَاعَةَ وَالْإِعَارَةُ تَنْتَظِمُ الزِّرَاعَةَ وَغَيْرَهَا كَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِهَا أَوْلَى بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنَّهَا لَا تُعَارُ إلَّا لِلسُّكْنَى. [مَسَائِلُ فِي الْعَارِيَّةِ] (مَسَائِلُ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَنَامَ الْمُسْتَعِيرُ فِي الْمَفَازَةِ وَمِقْوَدُهَا فِي يَدِهِ فَجَاءَ إنْسَانٌ فَقَطَعَ الْمِقْوَدَ وَذَهَبَ بِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَدَّ الْمِقْوَدَ فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُضَيِّعٍ وَهَا هُنَا مُضَيَّعٌ، وَهَذَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَمَّا إذَا نَامَ قَاعِدًا لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ كَانَ الْمِقْوَدُ لَيْسَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٍ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ إذَا نَامَ قَاعِدًا فَسُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي هَذَا سَوَاءٌ نَصَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا السَّرَخْسِيُّ. رَجُلٌ اسْتَعَارَ كِتَابًا لِيَقْرَأَ فِيهِ فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ يَكْرَهُ إصْلَاحَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصْلِحَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُ إصْلَاحَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ دَلَالَةً وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ. رَجُلٌ اسْتَعَارَ ثَوْرًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمَرْعَى فَضَاعَ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُعِيرَ يَرْضَى بِكَوْنِهِ هُنَاكَ يَرْعَى وَحْدَهُ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، رَجُلٌ طَلَبَ مِنْ آخَرَ ثَوْرًا عَارِيَّةً، فَقَالَ لَهُ غَدًا أُعْطِيك فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَخَذَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ وَاسْتَعْمَلَهُ وَمَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ رَدَّهُ فَمَاتَ عِنْدَ صَاحِبِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. امْرَأَةٌ أَعَارَتْ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ إنْ أَعَارَتْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مِمَّا يَكُونُ عَلَى أَيْدِي النِّسَاءِ عَادَةً فَضَاعَ لَا يُضْمَنُ. وَلَوْ زَلَقَ مُسْتَعِيرُ السَّرَاوِيلِ فَتَخَرَّقَ لَا يَضْمَنُ رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَاسْتَعْمَلَ آنِيَةَ الْحَمَّامِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ صَاحِبُ الْفُقَّاعِ كُوزَ الْفُقَّاعِ لِيَشْرَبَهُ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِذْنِهِ ، وَلَوْ أَتَى إلَى سُوقِيٍّ يَبِيعُ الْآنِيَةَ وَأَخَذَ إنَاءً بِغَيْرِ إذْنِهِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ اللَّقِيطِ] اللَّقِيطُ اسْمٌ لِمَنْبُوذٍ مِنْ بَنِي آدَمَ نُبِذَ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ التُّهْمَةِ مُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَمُحْرِزُهُ غَانِمٌ وَأَخْذُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَسُمِّيَ لَقِيطًا بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ لِمَا أَنَّهُ يُلْقَطُ وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرَ وَوَاجِبٌ إذَا كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اللَّقِيطُ حُرٌّ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى إنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ وَالدَّارُ دَارُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ دَارُ الْإِحْرَازِ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَحْرَارِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مِثْلَ أَوْلَادِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا الْتَقَطَ لَقِيطًا فَجَاءَ بِهِ إلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فَقَالَ هُوَ حُرٌّ قَوْلُهُ (وَنَفَقَتُهُ مِثْلُ بَيْتِ الْمَالِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا قَرَابَةٌ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَنْبُوذٍ، فَقَالَ وَجَدْته عَلَى بَابِي، فَقَالَ عُمَرُ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا نَفَقَتُهُ عَلَيْنَا وَهُوَ حُرٌّ فَقَوْلُهُ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ اتَّهَمَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ وَأَنَّ الْبَأْسَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ وَالْغُوَيْرُ بَلَدٌ وَالْبُؤْسُ الْقَحْطُ وَالْمَنْبُوذُ الطِّفْلُ الْمَرْمِيُّ بِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى اللَّقِيطِ لِعَدَمِ وَلَايَتِهِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْأَمْرِ مِنْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي

وَلَكِنْ صَدَّقَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فَإِنْ أَبَى الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُلَهُ عَنْهُ إلَى يَدِ عَدْلٍ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَقِيطٌ، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْبَيِّنَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَابْنِهِ وَعَبْدِهِ فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَطْلُبُ رَدَّهُ إلَى يَدِهِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ عَلَى يَدِ الْعَدْلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ الْتَقَطَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِهِ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْزِعَهُ إلَّا لِيَدٍ هِيَ أَوْلَى مِنْ يَدِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ ابْنُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُلْتَقِطُ نَسَبَهُ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ غَيْرُ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَهُوَ لِلْمُدَّعِي صَدَّقَهُ الْمُلْتَقِطُ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْرُفُ بِالنَّسَبِ وَيُعَيَّرُ بِعَدَمِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَوَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ تَدُلُّ عَلَى سَبَقِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْرِفُ عَلَامَةَ وَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصِفْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فَهُوَ ابْنُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ، وَإِنْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّهُ فِي زَمَانٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ وَالْآخَرُ ذِمِّيٌّ قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بِهِ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَإِنْ أَقَامَاهَا جَمِيعًا قُضِيَ بِهِ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَوَّزَهُ إلَى خَمْسَةٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ أَوْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ وَأَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ ابْنَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ تَلِدَ امْرَأَتَانِ وَلَدًا وَاحِدًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْوِلَادَةِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ أُخَرُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَحَقِّ الْحَضَانَةِ وَوُجُوبِ الْإِرْثِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وُجِدَ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَادَّعَى ذِمِّيٌّ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ مُسْلِمًا) ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ نَسَبِهِ نَفْعًا لَهُ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِهِ فَمَا يُكْسِبُهُ الضَّرَرَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا يَحْصُلُ لَهُ فِيهِ النَّفْعُ فَهُوَ جَائِزٌ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ فِي بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ كَانَ ذِمِّيًّا) الْبِيعَةُ لِلْيَهُودِ وَالْكَنِيسَةُ لِلنَّصَارَى، وَهَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مُسْلِمًا فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ ذِمِّيًّا فِي مَكَانِ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ اللَّقِيطِ اُعْتُبِرَ الْمَكَانُ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ وَفِي رِوَايَةٍ أَيَّهُمَا كَانَ الْوَاجِدُ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِقُوَّةِ الْيَدِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ حُرٌّ بِالظَّاهِرِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِنَفْسِ الدَّعْوَى إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ يُنْظَرُ إنْ جَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ أَوْ حَدِّ قَاذِفِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يَصِيرُ عَبْدًا بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي ادَّعَاهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَكَانَ حُرًّا) ؛ لِأَنَّا نُرَاعِي حُصُولَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ وَثُبُوتُ النَّسَبِ أَنْفَعُ لَهُ وَكَوْنُهُ رَقِيقًا ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَصَحَّ مَا فِيهِ نَفْعُهُ وَبَطَلَ مَا فِيهِ ضَرَرُهُ وَلِأَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْ تَلِدُ لَهُ الْحُرَّةُ فَلَا تَبْطُلُ الْحُرِّيَّةُ الظَّاهِرَةُ بِالشَّكِّ وَإِنْ ادَّعَاهُ مَمْلُوكَانِ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَيَكُونُ عَبْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُهُمَا وَيَكُونُ حُرًّا، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ هُوَ عَبْدِي، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ هُوَ ابْنِي فَهُوَ ابْنُ النَّصْرَانِيِّ وَيَكُونُ حُرًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ

كتاب اللقطة

عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ) اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَيْهَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِقُرْبِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ وَيَكُونُ لُقَطَةً، وَإِنْ وُجِدَ اللَّقِيطُ عَلَى دَابَّةٍ فَهِيَ لَهُ وَحُكِيَ أَنَّ لَقِيطَةً وُجِدَتْ بِبَغْدَادَ وَعِنْدَ صَدْرِهَا رَقٌّ مَنْشُورٌ فِيهِ: وَهَذِهِ بِنْتُ شَقِيٍّ وَشَقِيَّةٍ، بِنْتُ الطَّبَاهِجَةِ وَالْقِلِّيَّة، وَمَعَهَا أَلْفُ دِينَارٍ جَعْفَرِيَّةٌ، يُشْتَرَى بِهَا جَارِيَةٌ هِنْدِيَّةٌ، وَهَذَا جَزَاءُ مَنْ لَمْ يُزَوِّجْ بِنْتَهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ وَهِيَ صَغِيرَةٌ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُلْتَقِطِ اللَّقِيطَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْقَرَابَةِ وَالسَّلْطَنَةِ وَالتَّصَرُّفِ عَلَى الصَّغِيرِ إنَّمَا هُوَ بِالْوَلَايَةِ وَلَا يُزَوِّجُهُ إلَّا الْحَاكِمُ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ اللَّقِيطِ) اعْتِبَارًا بِالْأُمِّ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ لَهُ الْهِبَةَ) ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ. قَوْلُهُ (وَيُسَلِّمُهُ فِي صِنَاعَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ بَابُ تَثْقِيفِهِ وَاسْتِجْلَابُ الْمَنَافِعِ لَهُ قَوْلُهُ (وَيُؤَجِّرُهُ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَمَّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهَا، وَجِنَايَةُ اللَّقِيطِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ لَا لِلَّذِي الْتَقَطَهُ فَإِذَا قُتِلَ اللَّقِيطُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَإِنَّمَا كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَإِنْ شَاءَ صَالَحَهُ عَلَى الدِّيَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَكِنْ يَأْخُذُ مِنْهُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ وَلَايَةَ الْإِمَامِ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَهُوَ كَالْوَصِيِّ وَالْوَصِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إسْقَاطَ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] (كِتَابُ اللُّقَطَةِ) هِيَ بِإِسْكَانِ الْقَافِ وَتَحْرِيكِهَا وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُلْتَقَطُ مِنْ الْمَالِ وَأَخْذُهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهُمَا يُخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ وَالتَّلَفُ فَفِي أَخْذِهِ صِيَانَةٌ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اللُّقَطَةُ أَمَانَةٌ إذَا أَشْهَدَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا لِيَحْفَظَهَا وَيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ وَاجِبٌ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا كَالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ، وَقَالَ أَخَذْتهَا لِلْمَالِكِ وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَضْمَنُهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ اللُّقَطَةِ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَخْذًا مَضْمُونًا وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَخْذُ وَادَّعَى مَا يُبْرِئُهُ وَهُوَ الْأَخْذُ لِمَالِكِهِ فَلَا يَبْرَأُ، وَلَوْ أَخَذَ لُقَطَةً لِيَأْكُلَهَا أَوْ لِيَمْسِكَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إلَى يَدِ صَاحِبِهَا. وَقَالَ زُفَرُ إذَا رَدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ بَرِيءَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلَنَا أَنَّ الْأَخْذَ وَقَعَ لِنَفْسِهِ فَصَارَ غَاصِبًا وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ، وَكَذَا الْغَاصِبُ إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَرُدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا فَتَلِفَتْ فِي ذَلِكَ الرُّكُوبِ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا إلَّا إلَى يَدِ وَكِيلِهِ فَإِنْ أَخَذَ اللُّقَطَةَ لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا إنْ كَانَ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى رَدَّهَا فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ ذَهَبَ بِهَا عَنْهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَرَدَّهَا ضَمِنَ وَيَكْفِي فِي الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يُنْشِدُ لُقَطَةً فَدُلُّوهُ عَلَيَّ سَوَاءٌ كَانَتْ اللُّقَطَةُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا

أَوْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً ثُمَّ إذَا أَشْهَدَ فَجَاءَ صَاحِبُهَا يَطْلُبُهَا، فَقَالَ قَدْ هَلَكَتْ فَهُوَ مُصَدَّقٌ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ حِينَ أَشْهَدَ وَالْأَمِينُ لَا يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَقَوْلُهُ إذَا أَشْهَدَ الْإِشْهَادُ حَتْمٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُشْهِدَ أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُشْهِدُهُ أَوْ خَافَ إذَا أَشْهَدَ أَنْ يَأْخُذَهُ الظَّلَمَةُ فَتَرَكَ الْإِشْهَادَ لَمْ يَضْمَنْ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا، وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا كَامِلًا) وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ أَيَّامًا مَعْنَاهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ بِالْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّعْرِيفَ عَلَى قَدْرِ خَطَرِ الْمَالِ إنْ كَانَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلًا، وَإِنْ كَانَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهْرًا، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا عَرَّفَهَا جُمُعَةً، وَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمًا فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَتْ دَانِقًا فَيَوْمًا يَعْنِي إذَا كَانَ الدَّانِقُ فِضَّةً أَمَّا إذَا كَانَ ذَهَبًا فَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ كِسْرَةً أَوْ تَمْرَةً أَوْ نَحْوَهَا تَصَدَّقَ بِهَا مَكَانَهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَكَلَهَا وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ الْمَقَادِيرَ كُلَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، وَإِنَّمَا يُعَرِّفُهَا مُدَّةً يَقَعُ بِهَا التَّعْرِيفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ التَّعْرِيفُ إنَّمَا يَكُونُ جَهْرًا فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ وَفِي الْمَجَامِعِ، وَإِنْ وَجَدَ اللُّقَطَةَ رَجُلَانِ عَرَّفَاهَا جَمِيعًا وَاشْتَرَكَا فِي حُكْمِهَا، وَلَوْ ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ يَدِ مُلْتَقِطِهَا فَوَجَدَهَا فِي يَدِ آخَرَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ارْتَفَعَتْ يَدُهُ، وَلَوْ كَانَا يَمْشِيَانِ فَرَأَى أَحَدُهُمَا لُقَطَةً، فَقَالَ صَاحِبُهُ هَاتِهَا فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَهِيَ لِلْآخِذِ دُونَ الْآمِرِ وَإِذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا كَالنَّوَى الْمُبَدَّدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إبَاحَةً يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَالِكِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ فِي أَيَّامِ الْحَصَادِ إنْ كَانَ قَلِيلًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ وَإِلَّا فَلَا يَأْخُذُهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا) أَمَّا إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ سَلَّمَهَا إلَيْهِ إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِئْ يَتَصَدَّقْ بِهَا لِيَصِلَ خَلْفُهَا إلَيْهِ وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إجَازَتِهِ التَّصَدُّقَ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا رَجَاءَ الظَّفَرِ بِصَاحِبِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا) يَعْنِي بَعْدَ التَّصَدُّقِ بِهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الصَّدَقَةَ وَلَهُ ثَوَابَهَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُلْتَقِطَ فَإِنْ ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْمِسْكِينِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّضْمِينِ مَلَكَهَا فَظَهَرَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ فَلَهُ ثَوَابُهَا، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَإِذَا ضَمَّنَهَا الَّذِي تَبَرَّعَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ) هَذَا إذَا خَافَ عَلَيْهِمْ التَّلَفَ وَالضَّيَاعَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ فِيهَا الْأُسْدُ وَاللُّصُوصُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةَ التَّلَفِ لَا يَأْخُذُهَا أَمَّا الشَّاةُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ» . وَأَمَّا الْإِبِلُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا لَك وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ حَتَّى يَأْتِيَهَا صَاحِبُهَا فَيَأْخُذَهَا» . قَوْلُهُ (فَإِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ) لِقُصُورِ وَلَايَتِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْفَقَ بِأَمْرِهِ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا) ؛ لِأَنَّ

كتاب الخنثى

لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي مَالِ الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْإِنْفَاقِ قَوْلُهُ (وَإِذَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ نَظَرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ مَنْفَعَةٌ آجَرَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ وَخَافَ أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا بَاعَهَا وَأَمَرَ بِحِفْظِ ثَمَنِهَا) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَصْلَحَ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَحُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا أَذِنَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ النَّفَقَةَ دَيْنًا عَلَى مَالِكِهَا) ؛ لِأَنَّهُ نَصَّبَ نَاظِرًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يَأْمُرُ بِبَيْعِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ النَّفَقَةِ مُسْتَأْصِلَةٌ فَلَا نَظَرَ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةَ مَدِّ يَدِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَلَا يُؤْمَرُ فِيهِ بِالْإِنْفَاقِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ لِكَشْفِ الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا فِيمَا قُلْت حَتَّى يَرْجِعَ عَلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ صَادِقًا وَلَا يَرْجِعُ إنْ كَانَ غَاصِبًا. قَوْلُهُ (فَإِذَا حَضَرَ الْمَالِكُ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا حَتَّى يَأْخُذَ النَّفَقَةَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَا مِلْكَهُ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ ثُمَّ لَا يَسْقُطُ دَيْنُ النَّفَقَةِ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ قَبْلَ الْحَبْسِ وَيَسْقُطُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْحَبْسِ يُشْبِهُ الرَّهْنَ. قَوْلُهُ (وَلُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ سَوَاءٌ) هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ عِنْدَهُ مَا يُلْتَقَطُ فِي الْحَرَمِ يُعَرِّفُهُ أَبَدًا إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا حَضَرَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ اللُّقَطَةَ لَهُ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ) ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَلَا يُصَدَّقُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ جَازَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَّفَ عِفَاصَهَا» قَوْلُهُ (فَإِنْ أَعْطَى عَلَامَتَهَا حَلَّ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجْبَرُ، وَالْعَلَامَةُ أَنْ يُسَمِّيَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَلَوْ صَدَّقَهُ قِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ وَقِيلَ يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هَا هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالْمُودَعُ مَالِكٌ ظَاهِرًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَصَدَّقُ بِاللُّقَطَةِ عَلَى غَنِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ لَيْسُوا بِمَحَلٍّ لِلصَّدَقَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ وَالْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلصَّدَقَةِ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا) ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَاجَةٍ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعَرِّفُ أَبَدًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَلَا تَحِلُّ اللُّقَطَةُ» . قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا إذَا كَانَ غَنِيًّا عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إذَا كَانَ فَقِيرًا جَازَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى هَؤُلَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْخُنْثَى] (كِتَابُ الْخُنْثَى) هُوَ اسْمٌ لِمَوْلُودٍ لَهُ فَرْجٌ وَذَكَرٌ يُورَثُ مِنْ حَيْثُ مَبَالِهِ فَإِذَا اشْتَبَهَ حَالُهُ وَرِثَ بِالْأَحْوَطِ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرْجٌ وَلَا ذَكَرٌ وَيَخْرُجُ الْحَدَثُ مِنْ دُبُرِهِ أَوْ مِنْ سُرَّتِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا كَانَ

لِلْمَوْلُودِ فَرْجٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ خُنْثَى فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الذَّكَرِ فَهُوَ غُلَامٌ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا وَالْبَوْلُ يَسْبِقُ مِنْ أَحَدِهِمَا يُنْسَبُ إلَى الْأَسْبَقِ) ؛ لِأَنَّ السَّبْقَ مِنْ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ وَأَنَّهُ عَدَلَ إلَى الْمَجْرَى الْآخَرِ لِعِلَّةٍ أَوْ عَارِضٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَا فِي السَّبْقِ سَوَاءً فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ لِأَجْلِ ضِيقِ الْمَخْرَجِ وَسَعَتِهِ فَلَا دَلَالَةَ لِقِلَّتِهِ وَلَا لِكَثْرَتِهِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا) بَوْلًا؛ لِأَنَّ كَثْرَتَهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَجْرَى فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْكَثْرَةِ قَالُوا جَمِيعًا لَا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ يَنْتَظِرُ بِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ. قَوْلُهُ (فَإِذَا بَلَغَ الْخُنْثَى وَخَرَجَ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَهُوَ رَجُلٌ) وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ كَمَا يَحْتَلِمُ الرِّجَالُ أَوْ كَانَ لَهُ ثَدْيٌ مُسْتَوِي. قَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ نَزَلَ لَهُ لَبَنٌ فِي ثَدْيِهِ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ أَوْ أَمْكَنَ الْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ امْرَأَةٌ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ. وَأَمَّا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْمَرْأَةِ كَمَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّجُلِ كَذَا فِي شَرْحِهِ وَصُورَةُ الْحَبَلِ بِأَنْ يَتَمَسَّحَ بِخِرْقَةٍ فِيهَا مَنِيٌّ فَإِنْ قِيلَ ظُهُورُ الثَّدْيَيْنِ عَلَامَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ اللَّبَنِ قِيلَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ قَدْ يَنْزِلُ وَلَا ثَدْيَ أَوْ يَظْهَرُ لَهُ ثَدْيٌ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ ثَدْيِ الرَّجُلِ فَإِذَا نَزَلَ اللَّبَنُ وَقَعَ التَّمْيِيزُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ إحْدَى هَذِهِ الْعَلَامَاتِ فَهُوَ خُنْثَى مُشْكِلٌ) إنَّمَا قَالَ فَهُوَ وَلَمْ يَقُلْ فَهِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنَّثَهُ يَكُونُ تَعْيِينًا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَقِيلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ هُوَ الْأَصْلُ لَا عَلَى التَّعْيِينِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ يُؤْخَذُ لَهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ بِالْأَحْوَطِ فِي أُمُورِ الدِّينِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا يَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَإِذَا وَقَفَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَإِذَا وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَفْسَدْنَ عَلَيْهِ فَأُمِرَ بِالْوُقُوفِ بَيْنَ ذَلِكَ لِيَأْمَنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ أَعَادَ صَلَاتَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَاَلَّذِي عَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ صَلَاتَهُمْ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ وَيَجْلِسَ فِي صَلَاتِهِ كَمَا تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ قِنَاعٍ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ وَأَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَأَنْ يُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ مِنْ الرِّجَالِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، وَقَدْ رَاهَقَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَهُوَ امْرَأَةٌ أَفْحَشُ مِنْ لُبْسِهِ وَهُوَ رَجُلٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ وَفِي شَرْحِهِ إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ مَا بَلَغَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا عِلْمَ لِي بِلِبَاسِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْبَسُ لِبَاسَ امْرَأَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَسَتْرُهُ أَوْلَى مِنْ كَشْفِهِ وَيَنْبَغِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ لَمْ يُغَسِّلْهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ بَلْ يُيَمَّمُ فَإِنْ يَمَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ يَمَّمَهُ بِخِرْقَةٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ وَلَا يُقَالُ هَلَّا يُشْتَرَى لَهُ جَارِيَةٌ تُغَسِّلُهُ كَمَا قُلْتُمْ فِي الْخِتَانِ قُلْنَا الْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ فَالْجَارِيَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُجْعَلُ فِي كُوَّارَةٍ وَيُغَسَّلُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ يُشْتَهَى أَمَّا إذَا كَانَ طِفْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَسِّلَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَيُسْجَى قَبْرُهُ وَيُكَفَّنُ كَمَا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةِ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَا يُقْتَلُ الْخُنْثَى بِالرِّدَّةِ وَيُحَدُّ فِي الْقَذْفِ فِي السَّرِقَةِ إذَا كَانَ قَدْ بَلَغَ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ

وَقَاذِفُ الْمَجْبُوبِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ فِي أَطْرَافِهِ وَيَجِبُ فِيهِ دِيَةُ الْأُنْثَى إذَا قُتِلَ خَطَأً. قَوْلُهُ (وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَجُلًا فَأَمَةُ الرَّجُلِ تَنْظُرُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَالْمَرْأَةُ تَنْظُرُ إلَى الْمَرْأَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ يُشْتَهَى أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُشْتَهَى جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَخْتِنُوهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ابْتَاعَ لَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمَةً تَخْتِنُهُ فَإِذَا خَتَنَتْهُ بَاعَهَا الْإِمَامُ وَرَدَّ ثَمَنَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهَا إنَّمَا هُوَ لِلْحَاجَةِ وَبَعْدَ فَرَاغِهَا زَالَتْ الْحَاجَةُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ أَبُوهُ وَخَلَّفَ ابْنًا وَخُنْثَى فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْخُنْثَى وَهُوَ ابْنَةُ عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ نَصِيبَ الْأُنْثَى أَكْثَرُ مِنْ نَصِيبِ الذَّكَرِ فَيُعْطَى حِينَئِذٍ نَصِيبَ ذَكَرٍ وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَوَلَدٍ خُنْثَى فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَبَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ إذْ لَوْ كَانَ أُنْثَى لَكَانَ لَهُ سِتَّةٌ وَكَانَتْ تَعُولُ الْمَسْأَلَةُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَمِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ وَأُمٍّ مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى وَهُوَ سَهْمَانِ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى لَهَا ثَلَاثَةٌ وَمِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ مِنْ اثْنَيْنِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ سَهْمٍ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ سَهْمٍ وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى مَتَى وَرِثَ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ لَا يَرِثُ بِالشَّكِّ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لِلْخُنْثَى نِصْفُ مِيرَاثِ رَجُلٍ وَنِصْفُ مِيرَاثِ أُنْثَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ) وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَحِيلَ. قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ) يَعْنِي قَوْلَ الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ إذَا انْفَرَدَ وَالْخُنْثَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا هَذَا يُضْرَبُ بِثَلَاثَةٍ وَذَاكَ بِأَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ أَرْبَعَةُ أَرْبَاعٍ وَنَصِيبُ الْخُنْثَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِلِابْنِ سَبْعَةٌ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ) وَوَجْهُهُ أَنْ يَقُولَ لَوْ كَانَ ذَكَرًا لَكَانَ لَهُ النِّصْفُ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَ لَهُ الثُّلُثُ فَيُعْطَى نِصْفَ النِّصْفِ وَنِصْفَ الثُّلُثِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لِنِصْفِهِ نِصْفٌ وَلِثُلُثِهِ نِصْفٌ وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ فَيُعْطِيهِ نِصْفَ النِّصْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفُ الثُّلُثِ وَهُوَ سَهْمَانِ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَلِلِابْنِ سَبْعَةٌ وَطَرِيقٌ أُخْرَى أَنْ تَقُولَ لَوْ كَانَ ذَكَرًا كَانَتْ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلَوْ كَانَ أُنْثَى كَانَتْ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى يَكُونُ سِتَّةً فَالنِّصْفُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ اقْسِمْ النِّصْفَ الثَّانِيَ بَيْنَهُمْ نِصْفَيْنِ فَيَنْكَسِرُ فَأَضْعِفْ الْفَرِيضَةَ وَهِيَ سِتَّةٌ تَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ اقْسِمْ النِّصْفَ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ اقْسِمْ النِّصْفَ الثَّانِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَحْصُلُ لِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ إلَى هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ يَكُونُ خَمْسَةً، وَإِنْ شِئْت قُلْت لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا لَكَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَهُوَ أَثْلَاثٌ فَاحْتَجْت إلَى شَيْءٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ سِتَّةٌ فَفِي حَالِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ وَلِلِابْنِ ثَلَاثَةٌ وَفِي حَالِ أَثْلَاثٍ لِلْخُنْثَى سَهْمَانِ وَلِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ فَسَهْمَانِ لِلْخُنْثَى ثَابِتَانِ بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّهْمِ الزَّائِدِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهُ سَهْمَانِ وَنِصْفٌ فَانْكَسَرَ فَأَضْعِفْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّك لَوْ زِدْت نِصْفَ السَّبْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْبَاعٍ يَصِيرُ نِصْفَ الْمَالِ وَالْخَمْسَةُ لَا تَصِيرُ نِصْفَ الْمَالِ إلَّا بِزِيَادَةِ سَهْمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَذَلِكَ

كتاب المفقود

نِصْفُ السُّدُسِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ السَّبْعِ فَثَبَتَ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ أَنْفَعُ لِلْخُنْثَى وَالطَّرِيقُ الْوَاضِحُ أَنْ تَضْرِبَ السَّبْعَةَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ حَيْثُ لَا مُوَافَقَةَ بَيْنَهُمَا تَكُونُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ اضْرِبْ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ سَبْعَةٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ لِلْخُنْثَى سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَاضْرِبْ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فِي سَبْعَةٍ وَلِلْخُنْثَى خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مَضْرُوبَةٌ فِي سَبْعَةٍ يَكُونُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَظَهَرَ أَنَّ التَّفَاوُتَ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ نِصْفُ سُدُسِ سَبْعٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمَفْقُودِ] (كِتَابُ الْمَفْقُودِ) هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي جِهَةٍ فَيُفْقَدُ وَلَا تُعْرَفُ جِهَتُهُ وَلَا مَوْضِعُهُ وَلَا يَسْتَبِينُ أَمْرُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ أَوْ يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ وَلَا يَسْتَبِينُ أَمْرُهُ وَلَا قَتْلُهُ وَلَا حَيَاتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَوْضِعٌ وَلَمْ يُعْلَمْ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْفِي حُقُوقَهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَصَّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَالْمَفْقُودُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ حِفْظِ مَالِهِ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقَوْلُهُ وَيَسْتَوْفِي حُقُوقَهُ يَعْنِي الدُّيُونَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غَرِيمٌ مِنْ غُرَمَائِهِ وَيَسْتَوْفِي غَلَّاتِهِ يَتَقَاضَاهَا وَيُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عَرُوضٍ فِي يَدِ رَجُلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْهُ جِهَةَ الْقَاضِي وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ وَمَا كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ أَمَرَ الْقَاضِي بِبَيْعِهِ كَالثِّمَارِ وَنَحْوِهَا وَمَا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لَا يُبَاعُ لَا فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا وَلَايَةَ عَلَى الْغَالِبِ إلَّا فِي حِفْظِ مَالِهِ وَمَا لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْمَفْقُودُ مَيِّتٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَيٌّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ مُورِثِهِ فَلَا يَرِثُ بِالشَّكِّ وَحَيٌّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى إنَّهُ لَا يُورَثُ مِنْهُ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا الْمَالَ لَهُ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا النِّكَاحَ قَائِمًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَفْقُودَ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ أَمَّا كَوْنُهُ حَيًّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنَّا لَا نُزِيلُ أَمْلَاكَهُ عَنْهُ لِاسْتِصْحَابِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَا نُورِثُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ حَيَاتَهُ فَلَا نُوَرِّثُهُ بِالشَّكِّ. قَوْلُهُ (وَيُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ) يَعْنِي أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ، وَكَذَا يُنْفِقُ عَلَى أَبَوَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى جَمِيعِ قَرَابَةِ الْوَلَاءِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَالَ حَضْرَتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَمِنْ الْأَوْلَى الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ وَالْإِنَاثُ مِنْ أَوْلَادِ الْكِبَارِ وَالزَّمْنَى مِنْ الذُّكُورِ الْكِبَارِ وَمِنْ الثَّانِي الْأَخُ وَالْأُخْتُ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَالْكِسْوَةَ وَالْمَأْكُولَ فَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ فَلَا يُبَاعُ إلَّا الْأَبَ فَإِنَّهُ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ فِي النَّفَقَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَبِيعُ غَيْرَ الْمَنْقُولِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبِيعُ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ إذَا مَضَتْ أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا قَضَى فِي الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ فِي الْمَدِينَةِ وَكَفَى بِهِ إمَامًا وَقُدْوَةً وَلِأَنَّهُ مَنَعَ حَقَّهَا بِالْغَيْبَةِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ وَبَعْدَ هَذَا الِاعْتِبَارِ أُخِذَ الْمِقْدَارُ مِنْهُمَا الْأَرْبَعُ مِنْ الْإِيلَاءِ وَالسِّنِينَ

كتاب الإباق

مِنْ الْعُنَّةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هِيَ امْرَأَتُهُ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَسْتَبِينَ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ خَرَجَ بَيَانًا لِلْبَيَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَرْفُوعِ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَوْ قَضَى فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَانَ الْإِمَامُ السَّمَرْقَنْدِيُّ يُفْتِي بِأَنَّهُ يَنْفُذُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلُهُ (فَإِذَا تَمَّ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ حَكَمْنَا بِمَوْتِهِ وَاعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُقَدَّرُ بِمَوْتِ الْأَقْرَانِ وَفِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِمِائَةِ سَنَةٍ وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِتِسْعِينَ سَنَةً فَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ وَجَبَ عَلَى امْرَأَتِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ وَقْتِ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ. قَوْلُهُ (وَقُسِّمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) كَأَنَّهُ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُعَايَنَةً. قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ) لِأَنَّهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ مُبْقًى عَلَى الْحَيَاةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ فِي كَوْنِهِ مَيِّتًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ بَلْ يُوقَفُ نَصِيبُهُ وَلَا يُصْرَفُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَكَذَا إذَا أُوصِي لَهُ بِوَصِيَّةٍ كَانَتْ مَوْقُوفَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا فَلَا يَصِحُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فَيَصِحُّ فَلِهَذَا وُقِفَتْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الْإِبَاقِ] (كِتَابُ الْإِبَاقِ) وَالْإِبَاقُ هُوَ التَّمَرُّدُ وَالِانْطِلَاقُ وَهُوَ مِنْ سُوءِ الْأَخْلَاقِ وَرَدَاءَةِ الْأَعْرَاقِ وَرَدُّهُ إلَى مَوْلَاهُ إحْسَانٌ وَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانُ وَأَخْذُ الْآبِقِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ فِي حَقِّ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ الْآبِقُ الْهَارِبُ مِنْ غَيْرِ ظُلْمِ السَّيِّدِ فَإِنْ هَرَبَ مِنْ الظُّلْمِ لَا يُسَمَّى آبِقًا بَلْ يُسَمَّى هَارِبًا فَعَلَى هَذَا الْإِبَاقُ عَيْبٌ وَالْهَرَبُ لَيْسَ بِعَيْبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أَبَقَ الْمَمْلُوكُ فَرَدَّهُ رَجُلٌ عَلَى مَوْلَاهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ عَلَيْهِ جُعْلٌ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ. وَأَمَّا رَدُّ الْعَبْدِ الضَّالِّ أَوْ الشَّاةِ أَوْ الْبَعِيرَ فَلَا شَيْءَ فِيهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ رَدُّهُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَبِحِسَابِهِ) . وَفِي الْهِدَايَةِ يُقَدَّرُ الرَّضْخُ فِي الرَّدِّ عَمَّا دُونَ الثَّلَاثَةِ بِاصْطِلَاحِهِمَا أَوْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ يُقْسَمُ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَإِنْ جَاءَ بِالْآبِقِ رَجُلٌ إلَى مَوْلَاهُ فَأَنْكَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي بِرَدِّهِ وُجُوبِ حَقٍّ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ آبِقٌ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَجِبُ الْجُعْلُ وَفِي رَدِّ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا كَانَ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بِهِمَا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا عَتَقَا بِمَوْتِهِ وَيَجِبُ الْجُعْلُ فِي رَدِّ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ وَإِبَاقُهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَقَ الْمُكَاتَبُ فَرَدَّهُ رَجُلٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَسْتَفِدْ الْمَوْلَى بِالرَّدِّ مِلْكًا زَالَ عَنْهُ بِالْإِبَاقِ فَإِنْ كَانَ الرَّادُّ اثْنَيْنِ وَالْعَبْدُ وَاحِدًا فَجُعْلُ الْوَاحِدِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ اثْنَيْنِ وَالْعَبْدُ وَاحِدًا فَالْجُعْلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ اثْنَيْنِ وَالسَّيِّدُ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ جُعْلَانِ وَلِمَنْ جَاءَ بِالْآبِقِ أَنْ يَمْسِكَهُ بِالْجُعْلِ فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَمْسِكُهُ بِالْجُعْلِ، وَكَذَا لَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجُعْلَ سَقَطَ بِالْهَلَاكِ وَإِنْ جَاءَ بِالْآبِقِ فَوَجَدَ السَّيِّدَ قَدْ مَاتَ فَالْجُعْلُ فِي تَرِكَتِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْعَبْدِ حَتَّى

كتاب إحياء الموات

يُعْطَى الْجُعْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ بِيعَ الْعَبْدُ وَبُدِئَ بِالْجُعْلِ ثُمَّ قُسِّمَ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُرَمَاءِ. وَإِنْ كَانَ الرَّادُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَوْلَى كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ وَجَدَ الرَّجُلُ عَبْدَ أَبِيهِ فَرَدَّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَإِنْ وَجَدَ الْأَبُ عَبْدَ ابْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَهُ الْجُعْلُ وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَ الرَّادُّ أَبًا لِلْمَوْلَى أَوْ ابْنِهِ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ رَدَّهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا جُعْلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَتَبَرَّعُونَ بِالرَّدِّ عَادَةً، وَإِنْ أَبَقَ عَبْدُ الصَّبِيِّ فَرَدَّهُ إنْسَانٌ فَالْجُعْلُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَأَمَّا إذَا رَدَّهُ وَصِيُّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى يَدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ رَدَّ السُّلْطَانُ آبِقًا عَلَى مَوْلَاهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَالْوَصِيِّ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا قُضِيَ لَهُ بِقِيمَتِهِ إلَّا دِرْهَمًا) هَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأَرْبَعِينَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ حِينَ أَوْجَبُوا ذَلِكَ لَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ قَلِيلِ الْقِيمَةِ وَكَثِيرِهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى الرَّدِّ لِيَحْيَى مَالُ الْمَالِكِ فَيَنْقُصُ دِرْهَمًا لِيَسْلَمَ لِلْمَالِكِ شَيْءٌ تَحْقِيقًا لِلْفَائِدَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَبَقَ مِنْ الَّذِي رَدَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لَكِنْ هَذَا إذَا أَشْهَدَ حِينَ أَخْذِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ الْمَالِكِ وَلِهَذَا إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْآبِقَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْجُعْلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ فِي يَدِهِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي حَالِ إبَاقِهِ وَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ بِالْعِتْقِ فَصَارَ كَأَنَّهُ رَدَّ حُرًّا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ حِينَ رَدَّهُ فَلَهُ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ قَابِضٌ لَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ الرَّادِّ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ وَبِقَبْضِهِ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ الْبَدَلُ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ حِينَ أَخَذَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْهَدَ صَارَ أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ ضَمِنَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ إذَا أَخَذَهُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ فَاشْتُرِطَتْ الشَّهَادَةُ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْإِشْهَادُ حَتْمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى لَوْ رَدَّهُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَقْتَ الْأَخْذِ لَا جُعْلَ لَهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ أَمَارَةُ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَإِذَا جَاءَ بِالْآبِقِ إلَى مَوْلَاهُ فَوَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ فَلَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ مِصْرَ مَوْلَاهُ فَأَبَقَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بِهِ إلَى مَوْلَاهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ فَإِنْ جَاءَ بِهِ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلَّذِي جَاءَ بِهِ الْجُعْلُ إذَا رَدَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَيَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ ظِهَارِهِ إذَا كَانَ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى قَبْضِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْآبِقُ رَهْنًا فَالْجُعْلُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ) وَإِبَاقُهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ فِي حَيَاةِ الرَّاهِنِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً وَأَدَّى الرَّاهِنُ الْجُعْلَ قَضَاءً مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ الْآبِقُ أَمَةً وَمَعَهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ فَالْجُعْلُ وَاحِدٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالْوَلَدِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] (كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) أَرْضُ الْمَوَاتِ هِيَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ مَرَافِقِ الْبَلَدِ وَكَانَتْ خَارِجَ الْبَلَدِ قَرُبَتْ مِنْ الْبَلَدِ

أَوْ بَعُدَتْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمَوَاتُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهُ أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الزِّرَاعَةَ) بِأَنْ صَارَتْ سَبِخَةً أَوْ نَزِيَّةً؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ قَوْلُهُ (فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًا لَا مَالِكَ لَهُ أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ لَمْ يُسْمَعْ الصَّوْتُ مِنْهُ فَهُوَ مَوَاتٌ) الْعَادِي هُوَ مَا تَقَدَّمَ خَرَابُهُ لَا أَنَّهُ مَكَانٌ لِعَادٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَوَاتِ لَمْ تَكُنْ لِعَادٍ وَقَوْلُهُ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ يَعْنِي إنْسَانًا جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَا لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا هِيَ مِنْ مَرَافِقِ الْبَلَدِ وَكَانَتْ خَارِجَ الْبَلَدِ سَوَاءٌ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ فَهِيَ مَوَاتٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَأَبُو يُوسُفَ اشْتَرَطَ الْبُعْدَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ ارْتِفَاقُ أَهْلِهَا عَنْهُ وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ انْقِطَاعَ ارْتِفَاقِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ عَنْهَا حَقِيقَةً. قَوْلُهُ (مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَحْيَاهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ» وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَمْلِكْهَا بِالْإِحْيَاءِ وَمَلَّكَهُ إيَّاهَا الْإِمَامُ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ إذَا أَحْيَاهَا وَلَا يَسْتَرِدُّهَا مِنْهُ، وَهَذَا إذَا تَرَكَ الِاسْتِئْذَانَ جَهْلًا أَمَّا إذَا تَرَكَهُ تَهَاوُنًا بِالْإِمَامِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا زَجْرًا لَهُ فَإِذَا تَرَكَهَا لَهُ الْإِمَامُ تَرَكَهَا بِعُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ تَوْظِيفِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا سَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ حِينَئِذٍ يَكُونُ إبْقَاءُ الْخَرَاجِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَاءِ. قَوْلُهُ (وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبُ الْمِلْكِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذْنُ الْإِمَامِ مِنْ شَرْطِهِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَجَّرَ أَرْضًا وَلَمْ يَعْمُرْهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ) حَجَّرَ بِالتَّشْدِيدِ وَيُرْوَى بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ عِمَارَتَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَقَدْ أَهْمَلَهَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إظْهَارُ عِمَارَةِ أَرَاضِيهَا تَحْصِيلًا لِمَنْفَعَةٍ

الْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ وَلِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ يُمْلَكُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْإِحْيَاءُ هُوَ الْعِمَارَةُ وَالتَّحْجِيرُ إنَّمَا هُوَ لِلْإِعْلَامِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَهُ بِوَضْعِ الْحِجَارَةِ حَوْلَهُ أَوْ يَعْلَمُونَهُ بِحَجَرِ غَيْرِهِمْ عَنْ إحْيَائِهِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْأَرَاضِيَ تُزْرَعُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَأَكْثَرَ مَا جُعِلَ لِلِارْتِيَاءِ فِي جِنْسِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرَّغْبَةِ وَالِاخْتِيَارِ الثَّلَاثُ وَهِيَ الثَّلَاثُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فَإِذَا تَرَكَهَا هَذَا الْقَدْرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهَا وَمَوْتَهَا فَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ دِيَانَةً، أَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا، وَإِنَّمَا هَذَا كَالِاسْتِيَامِ فَيُكْرَهُ، وَلَوْ فَعَلَهُ جَازَ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَيُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ) وَمُحْتَطَبِهِمْ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا فَلَا تَكُونُ مَوْتًا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهَا. قَوْلُهُ (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي بَرِّيَّةٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا) مَعْنَاهُ إذَا حَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِإِذْنِهِ وَغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ وَلِأَنَّ حَرِيمَ الْبِئْرِ كَفِنَاءِ الدَّارِ وَصَاحِبُ الدَّارِ أَحَقُّ بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَذَا حَرِيمُ الْبِئْرِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ لِلْعَطَنِ فَحَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) يَعْنِي مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعُونَ هُوَ الصَّحِيحُ عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ الَّذِي يَنْزِعُ بِهِ يُجَاوِزُ الْأَرْبَعِينَ فَلَهُ مُنْتَهَى الْحَبْلِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَسِتُّونَ ذِرَاعًا) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعُونَ كَمَا فِي الْعَطَنِ وَالْكَلَامُ فِي طُولِ الْحَبْلِ كَالْكَلَامِ فِي الْعَطَنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا سِتُّونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ وَالذِّرَاعُ الْمُعْتَبَرُ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ وَالنَّاضِحُ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَحَرِيمُهَا ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ) . وَفِي الْهِدَايَةِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ نَهْرٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَلِهَذَا قُدِّرَ بِالزِّيَادَةِ وَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي حَرِيمِهَا بِئْرًا مُنِعَ مِنْهُ) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ حَقِّهِ وَالْإِخْلَالِ بِهِ فَإِنْ حَفَرَ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَكْبِسَهَا تَبَرُّعًا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِيَ بِكَبْسِهَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَفْرَهُ جِنَايَةٌ مِنْهُ كَمَا فِي الْكُنَاسَةِ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ ثُمَّ يَكْبِسُهَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ حَفَرَ الثَّانِيَ بِئْرًا وَرَاءَ حَرِيمِ الْأُولَى فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْحَفْرِ فَلِلثَّانِي الْحَرِيمُ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْجَانِبِ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ وَالشَّجَرَةُ تُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَهَا حَرِيمٌ أَيْضًا حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي حَرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى حَرِيمٍ لِيَجِدَ فِيهِ ثَمَرَهُ وَيَضَعَهُ فِيهِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (مَا تَرَكَ الْفُرَاتُ أَوْ الدِّجْلَةُ وَعَدَلَ عَنْهُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ عَوْدُهُ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ) لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى كَوْنِهِ نَهْرًا قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمَوَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ

كتاب المأذون

حَرِيمًا لِعَامِرٍ يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) اشْتِرَاطُ إذْنِ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ مُسَنَّاةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ) ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِحَرِيمٍ يُلْقِي عَلَيْهِ طِينَهُ وَيَجْتَازُ عَلَيْهِ إلَى النَّهْرِ لِيَنْظُرَ مَصَالِحَهُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَرِيمَ لَهُ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ لِيَسِيلَ الْمَاءُ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَادَةً فِي بَطْنِ النَّهْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ إلْقَاءُ الطِّينِ إلَى مَكَان بَعِيدٍ إلَّا بِحَرَجٍ فَيَكُونُ لَهُ الْحَرِيمُ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَرِيمَ فِي الْبِئْرِ عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَاءِ فِي النَّهْرِ مُمْكِنٌ بِدُونِ الْحَرِيمِ وَلَا يُمْكِنُ فِي الْبِئْرِ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ وَلَا اسْتِيفَاءَ إلَّا بِالْحَرِيمِ. وَقَوْلُهُ مُسَنَّاةٌ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَقِيلَ هُوَ الزَّبِيرُ بِلُغَتِنَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ قَدْرُ نِصْفِ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَدْرُ جَمِيعِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ وَلَايَةَ الْغَرْسِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ. وَأَمَّا إلْقَاءُ طِينِ النَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْقُلُهُ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِأَحَدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى الْمُسَنَّاةِ مَا لَمْ يَفْحُشْ. وَأَمَّا الْمُرُورُ فَقَدْ قِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ عِنْدَهُ وَقِيلَ لَا يُمْنَعُ لِلضَّرُورَةِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِ مَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْمَأْذُونِ] (كِتَابُ الْمَأْذُونِ) الْإِذْنُ عِبَارَةٌ عَنْ فَكِّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ عِنْدَنَا وَالْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِذْنِ بَقِيَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بِلِسَانِهِ النَّاطِقِ وَعَقْلِهِ الْمُمَيِّزِ وَانْحِجَارِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا يَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ وَذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذْنًا عَامًّا جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي سَائِرِ التِّجَارَاتِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَذِنْتُ لَك فِي التِّجَارَةِ وَلَا يُقَيِّدُهُ. قَوْلُهُ (يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يَعْنِي بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَبِنُقْصَانٍ) لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ إجْمَاعًا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ فَلَا يَنْظِمُهُ الْإِذْنُ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَعَلَى هَذَا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فَإِنْ حَابَى الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ فَمِنْ جَمِيعِ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ فِي الْحُرِّ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا وَارِثَ لِلْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحْبَطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إذْ جَمِيعُ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَارْدُدْ الْمَبِيعَ كَمَا فِي الْحُرِّ وَلَهُ أَنْ يُسْلِمَ وَيَقْبَلَ السَّلَمَ؛ لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ بِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ (وَيَرْهَنُ وَيَسْتَرْهِنُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهَا إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَيَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأُجَرَاءَ وَالْبُيُوتَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَانً وَيَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ يَنْحَجِرُ وَلَا أَنْ يَرْهَنَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمَوْلَى، أَمَّا الْإِجَارَةُ فَلَا يَنْحَجِرُ بِهَا وَيَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ وَهُوَ الرِّبْحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي جَمِيعِهَا) ، مِثْلُ أَنْ يَأْذَنَ فِي الْبُرِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ إلَّا فِي ذَلِكَ

إقرار المأذون بالديون والغصوب

النَّوْعِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ مِنْ الْمَوْلَى، وَلَنَا أَنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَفَكُّ الْحَجْرِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ مَالِكِيَّةُ الْعَبْدِ فَلَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَإِنْ وَقَّتَ لَهُ الْإِذْنَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَذِنْت لَك شَهْرًا فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ أَبَدًا حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ إذْنَهُ إطْلَاقٌ مِنْ حَجْرٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَالْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ، وَكَذَا إذَا رَآهُ الْمَوْلَى يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَلَمْ يَنْهَهُ وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ إذْنًا؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَوْلَى حَقٌّ فِي تَصَرُّفِهِ فَصَارَ سُكُوتُهُ رِضًا بِهِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا كَانَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ وَلِلشَّفِيعِ حَقٌّ فِي تَصَرُّفِهِ كَانَ سُكُوتُهُ عَنْ الطَّلَبِ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ كَذَا هَذَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا رَأَى رَجُلًا يَبِيعُ لَهُ شَيْئًا فَسَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهُ إذْنًا فِي جَوَازِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ بَائِعَ عَبْدِ غَيْرِهِ إنَّمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالتَّوْكِيلِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِالتَّوْكِيلِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ قَالَ أَجِّرْ نَفْسَك أَوْ اُقْعُدْ قَصَّارًا أَوْ صَبَّاغًا فَهُوَ إذْنٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ التِّجَارَةِ وَذِكْرُ بَعْضِ التِّجَارَةِ إذْنٌ لَهُ فِي جَمِيعِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ، مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ لِلْكِسْوَةِ أَوْ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَارَ مَأْذُونًا بِهَذَا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُ الِاسْتِخْدَامِ وَلَوْ قَالَ لَهُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَذِنْتُ لَك فِي التِّجَارَةِ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ إذَا جَاءَ غَدٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَجَاءَ غَدٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ عَزَلْتُك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ حَجَرْت عَلَيْك أَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا كُلُّهُ وَلَا يَصِيرُ الْوَكِيلُ مَعْزُولًا وَلَا الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَلَا الْمُطْلَقَةُ مُرَاجَعَةً ثُمَّ الْعَبْدُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا إلَّا بِالْعِلْمِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَوْلَى أَذِنْتُ لِعَبْدِي فِي التِّجَارَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لِلتِّجَارَةِ كَالْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَالَ بَايِعُوا عَبْدِي فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَبَايَعُوهُ وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْمَأْذُونِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَكُونُ مَأْذُونًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا عَلِمَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا وَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي سُوقِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، إنْ أَخْبَرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَدْلَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ وَامْرَأَةٌ عَدْلَةٌ صَارَ مَحْجُورًا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا غَيْرَ عَدْلٍ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا إلَّا إذَا صَدَّقَهُ وَعِنْدَهُمَا يَنْحَجِرُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ إذَا ظَهَرَ صِدْقُ الْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ رَسُولًا صَارَ مَحْجُورًا بِالْإِجْمَاعِ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ. [إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ] قَوْلُهُ (وَإِقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِالدُّيُونِ وَالْغُصُوبِ جَائِزٌ) وَكَذَا بِالْوَدَائِعِ إذَا أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَاجْتَنَبَتْ النَّاسُ مُبَايَعَتَهُ وَمُعَامَلَتَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ دُيُونَ التِّجَارَةِ أَمَّا الْمَهْرُ وَالْجِنَايَةُ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْ رَقَبَتِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ مَا كَانَ مِنْ التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَلَوْ أَقَرَّ بِمَهْرِ امْرَأَةٍ وَصَدَّقَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ افْتَضَّ حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِكْرًا بِأُصْبُعِهِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَالِ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى وَهُوَ إقْرَارٌ بِجِنَايَةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ إقْرَارٌ بِالْمَالِ وَيُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ قَالَ مَأْذُونٌ أَزَالَتْ أُصْبُعِي ... بِغَسْلُ يُؤْخَذُ لِلْحَالِ اسْمَعْ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَا إذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَهْرِ كَمَا إذَا دَفَعَ أَجْنَبِيَّةً فَسَقَطَتْ فَذَهَبَتْ بِغَسْلُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ مَمَالِيكَهُ) ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَالْإِذْنُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى التِّجَارَةِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُجِزْهُ الْمَوْلَى فَسَدَ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى. وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ لِمَمَالِيكِهِ فَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رَقَبَتَهُ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْمَالُ بِمَنَافِعِهَا فَأَشْبَهَ إجَارَتَهَا وَلَهُمَا أَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُضَارِبُ وَالشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانٍ، قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَمْلِكُ الْمَأْذُونُ تَزْوِيجَ الْأَمَهْ ... وَصَاحِبُ الْعِنَانِ وَالْمُضَارَبَهْ قُيِّدَ بِالْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَقُيِّدَ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ إجْمَاعًا وَقُيِّدَ بِصَاحِبِ

الْعِنَانِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوِضَ يَمْلِكُ ذَلِكَ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَلَا يُكَاتِبُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْبَدَلُ فِي الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ فَلَمْ يَكُنْ تِجَارَةً إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ مَلَّكَهُ وَيَصِيرُ الْعَبْدُ نَائِبًا عَنْهُ وَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْكِتَابَةِ سَفِيرٌ عَنْهُ فَإِذَا كَاتَبَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَأَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ فَمَالُ الْكِتَابَةِ لِلْمَوْلَى لَا سَبِيلَ لِلْعَبْدِ عَلَى قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَقَبْضُ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَبْدِ فَإِنْ دَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَى الْعَبْدِ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ الْمَوْلَى بِقَبْضِهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ فَإِنْ لَحِقَ الْمَأْذُونَ دَيْنٌ بَعْدَمَا أَجَازَ الْمَوْلَى فَالْكِتَابَةُ لِلْمَوْلَى لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَمَّا صَحَّتْ بِالْإِجَازَةِ خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ كَسْبِ الْمَأْذُونِ وَصَارَ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ قَبْلَ الدَّيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْذُونُ كَاتَبَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ فَلَا يَمْلِكُ إجَازَةَ الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَعْتِقُ عَلَى مَالٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْكِتَابَةَ فَالْعِتْقُ أَوْلَى لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ وَلَا يُقْرَضُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَرْضُ مَرَّتَيْنِ صَدَقَةُ مَرَّةٍ» . قَوْلُهُ (وَلَا يَهَبُ بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَلَا يَتَصَدَّقُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِالنَّفْسِ وَلَا بِالْمَالِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْيُونًا فَلَا يَجُوزُ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا تَجُوزُ كَفَالَتُهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فَإِنْ كَفَلَ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا فِي الْحَالِ وَيُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يُعِيرَ الدَّابَّةَ وَالثَّوْبَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَأَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَيَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَانٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَهُوَ يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُهْدِيَ الْيَسِيرَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ يُضَيِّفَ مَنْ يَصِلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا أَعْطَاهُ الْمَوْلَى قُوتَ يَوْمِهِ فَدَعَا بَعْضَ رُفَقَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ لَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ قُوتَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَكَلُوهُ قَبْلَ الشَّهْرِ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَوْلَى قَالُوا وَلَا بَأْسَ أَنْ تَتَصَدَّقَ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ. قَوْلُهُ (وَدُيُونُهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ يُبَاع فِيهَا لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى) وَالْمُرَادُ دَيْنُ التِّجَارَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَضَمَانُ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ إذَا جَحَدَهَا وَمَا يَجِبُ مِنْ الْعُقْرِ بِوَطْءِ الْمُشْتَرَاةِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عَقَرَ دَابَّةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا أَمَّا الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَوْلُهُ يُبَاعُ فِيهَا يَعْنِي يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى وَلِلْغُرَمَاءِ فِيهِ حَقٌّ وَفِي بَيْعِهِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَخْتَارُونَ تَرْكَ الْبَيْعِ لِيَسْتَوْفُوا مِنْ كَسْبِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَإِذَا بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وُقِفَ عَلَى إجَازَتِهِمْ كَمَا فِي الرَّهْنِ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى يَعْنِي يَفْدِيَهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذْ أَفْدَاهُ لَمْ يَبْقَ فِي رَقَبَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ شَيْءٌ يُبَاعُ لِأَجْلِهِ قَوْلُهُ (وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ) سَوَاءٌ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ أَوْ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ بَقِيَ لَهُمْ دَيْنٌ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْمَوْلَى وَلَكِنْ يَتَّبِعُونَ بِهِ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهَذَا إذَا بَاعَهُ الْقَاضِي أَمَّا إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَهُمْ حَقُّ الْفَسْخِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الثَّمَنِ وَفَاءٌ بِدُيُونِهِمْ أَوْ قَضَى الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ أَوْ أَبْرَءُوا الْعَبْدَ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْفَسْخِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْوَصِيِّ إذَا بَاعَ التَّرِكَةَ فِي الدَّيْنِ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَا لِلْغُرَمَاءِ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ فَلَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْبَيْعَ وَيَسْتَسْعُوهُ فِي دَيْنِهِمْ وَهُنَاكَ لَيْسَ لَهُمْ اسْتِسْعَاءُ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى عَبْدٍ دَيْنٌ فَوَهَبَهُ الْمَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَقَبِلَهُ سَقَطَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَإِنْ رَجَعَ الْمَوْلَى فِي هِبَتِهِ لَمْ يَعُدْ الدَّيْنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ فَهُوَ كَالنِّكَاحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَجُلًا لَوْ وَهَبَ أَمَةً لِزَوْجِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ لَمْ يَعُدْ النِّكَاحُ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْعَبْدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ

أُخْرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ نَقْصٌ فِيهِ فَزَوَالُهُ عَنْهُ زِيَادَةٌ حَصَلَتْ وَالْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ مَتَى حَصَلَتْ فِيهَا زِيَادَةٌ فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَنَعَتْ الرُّجُوعَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دُيُونِهِ طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ) لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ بِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ حَجَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَجْرُ بَيْنَ أَهْلِ سُوقِهِ) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مُعْتَقِدِينَ جَوَازَ التَّصَرُّفِ مَعَهُ وَالْمُدَايَنَةَ لَهُ فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعِلْمِ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ حَتَّى لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَنْحَجِرُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ خُرُوجُهُ مِنْ الْإِذْنِ بِالشُّهْرَةِ وَبِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَشْتَهِرُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ جُنَّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا صَارَ الْمَأْذُونُ مَحْجُورًا) ؛ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَسْقُطُ الْإِذْنُ، وَكَذَا بِالْجُنُونِ إذَا كَانَ مُطْبِقًا أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُطْبِقٍ فَالْإِذْنُ عَلَى حَالِهِ. وَأَمَّا اللِّحَاقُ إنْ حُكِمَ بِهِ فَهُوَ كَالْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ حَتَّى رَجَعَ مُسْلِمًا فَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ جُنَّ الْعَبْدُ جُنُونًا مُطْبِقًا صَارَ مَحْجُورًا فَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إذْنُهُ، وَإِنْ جُنَّ جُنُونًا غَيْرَ مُطْبِقٍ لَا يَنْحَجِرُ، وَإِنْ ارْتَدَّ الْمَأْذُونُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ مَحْجُورًا عِنْدَ الِارْتِدَادِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِاللَّحَاقِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَقَ الْعَبْدُ صَارَ مَحْجُورًا) فَإِنْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَمْ يَعُدْ الْإِذْنُ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْنَاهُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ أَوْ غَصَبْته مِنْهُ أَوْ يُقِرُّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَيَقُولُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ فَيَقْضِي مِمَّا فِي يَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي شَرْحِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَا فِي يَدِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ عِنْدَ الْحَجْرِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا لَزِمَتْهُ دُيُونٌ تُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ) لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى مَا فِي يَدِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ لَمْ يَعْتِقُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَيَعْتِقُ مَنْ أَعْتَقَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُحِيطٌ بِمَالِهِ جَازَ عِتْقُهُ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ) هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِلْمَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا بَاعَهُ بِنُقْصَانٍ يَجُوزُ وَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى إنْ شَاءَ أَزَالَ الْمُحَابَاةَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَهَذَا خِلَافُ مَا إذَا حَابَى الْأَجْنَبِيَّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مِنْ الْوَارِثِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ أَمَّا حَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا غَيْرُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى شَيْئًا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ تُهْمَةٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بَطَلَ الثَّمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ حَصَلَ الثَّمَنُ

مسائل قال لعبده إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر

دَيْنًا لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَإِذَا بَطَلَ الثَّمَنُ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَمُرَادُهُ بِبُطْلَانِ الثَّمَنِ بُطْلَانُ تَسَلُّمِهِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهِ لِلْمَوْلَى اسْتِرْجَاعُ الْمَبِيعِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمْسَكَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَبِيعِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ وَهِيَ رَقَبَتُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا وَلِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ضَمِنَ قَدْرَ الدَّيْنِ لَا غَيْرَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ وَقَوْلُهُ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عَلِمَ بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ اسْتِهْلَاكٍ فَاسْتَوَى فِيهِ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ. قَوْلُهُ (وَمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ يُطَالَبُ بِهِ الْمُعْتَقُ بَعْدَ الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ وَرَقَبَتِهِ، وَقَدْ ضَمِنَ الْمَوْلَى مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ رَقَبَتِهِ وَبَقِيَ فَاضِلُ دَيْنِهِمْ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ الْمَأْذُونَ لَهُمَا، وَقَدْ لَزِمَتْهُمَا دُيُونٌ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمَوْلَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ مُتْلِفًا حَقَّهُمْ فَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَذَلِكَ حَجْرٌ عَلَيْهَا) خِلَافًا لِزُفَرَ فَهُوَ يَعْتَبِرُ الْبَقَاءَ بِالِابْتِدَاءِ وَنَحْنُ نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخُصُّهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَيَكُونُ دَلَالَةً عَلَى الْحَجْرِ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ قَاضٍ عَلَى الدَّلَالَةِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا إنْ رَكِبْتهَا دُيُونٌ لِإِتْلَافِهِ مَحَلًّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ إذْ بِهِ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا لَا تَنْحَجِرُ ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَالْوَلَدُ لِلْمَوْلَى حَتَّى لَوْ لَحِقَهَا دَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِ الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ ثَبَتَ حَقُّهُمْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ دُونَ الَّذِينَ ثَبَتَ حَقُّهُمْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى وَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى فِي الْأَمَةِ بَيْنَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأُولَى الدَّيْنُ ثَابِتٌ فِي رَقَبَتِهَا فَيَسْرِي إلَى وَلَدِهَا. وَأَمَّا الْجَانِيَةُ لَمْ يَثْبُتْ فِي رَقَبَتِهَا، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ قَبْلَ الدَّيْنِ لَا يَدْخُلُ فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَسْبِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إذَا كَانَ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ الْمَوْلَى حَتَّى لَحِقَ الدَّيْنُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَسْبَ فِي يَدِهَا بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُهَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَوْلَى. وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَيْسَ هُوَ فِي يَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فَصَارَ كَالْكَسْبِ الْمَأْخُوذِ مِنْهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَذِنَ وَلِي الصَّبِيِّ لِلصَّبِيِّ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ) حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ، ذِكْرُ الْوَلِيِّ يَنْتَظِمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ يَعْقِلُ كَوْنَ الْبَيْعِ سَالِبًا لِلْمِلْكِ جَالِيًا لِلرِّبْحِ وَالتَّشْبِيهُ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ يُفِيدُ أَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ مِنْ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ فِي الصَّبِيِّ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا بِالسُّكُوتِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَلَا كِتَابَتَهُ كَمَا فِي الْعَبْدِ. [مَسَائِلُ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ] (مَسَائِلُ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَدَاءَ الْأَلْفِ إلَّا بِالِاكْتِسَابِ فَصَارَ مَأْذُونًا دَلَالَةً وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَلَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَتَى أَدَّيْت إلَيَّ أَوْ مَتَى مَا أَدَّيْت إلَيَّ أَوْ حِينَ أَدَّيْت إلَيَّ أَوْ إذَا مَا أَدَّيْت إلَيَّ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَإِنْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ، وَإِنْ قَالَ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ فِي الْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ، وَإِنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ يَعْتِقُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا مَا لَمْ يَقْبَلْ لَا يَعْتِقُ فَإِذَا عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنْ أَدَّى فِي الْمَجْلِسِ يَعْتِقُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَوْلَى الْأَلْفَ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَمَتَى خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ عَتَقَ سَوَاءٌ أَخَذَ الْمَالَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كتاب المزارعة

[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ] (كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) الْمُزَارَعَةُ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَقْدِ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مُخَابَرَةً؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ خَبِيرٌ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَقْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَاطِلَةٌ) إنَّمَا ذَكَرَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ «وَمَا الْمُخَابَرَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَأْخُذَ أَرْضًا بِثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ» وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقِيلَ إنَّمَا قَيَّدَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعَ بِاعْتِبَارِ عَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَتَزَارَعُونَ هَكَذَا وَقَوْلُهُ بَاطِلَةٌ أَيْ فَاسِدَةٌ وَإِذَا كَانَتْ فَاسِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْء فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا فَاسِدَةٌ أَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَعْدُومٌ أَوْ مَجْهُولٌ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ جَائِزَةٌ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَجِدُ أُجْرَةً يَسْتَعْمِلُ بِهَا وَمَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْ حُجَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» فَالْمُحَاقَلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْحَقْلِ وَهُوَ الزَّرْعُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالزَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْمُزَارَعَةُ. وَأَمَّا الْمُزَابَنَةُ فَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ نَخْرِصُهُ تَمْرًا. قَوْلُهُ (وَهِيَ عِنْدَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ أَصْلُ الْمُزَارَعَةِ وَلَا يُقَالُ هَلَّا بَطَلَتْ لِدُخُولِ الْبَقَرِ مَعَهُ فِي الْعَمَلِ فَنَقُولُ الْبَقَرُ غَيْرُ مُسْتَأْجَرَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِعَمَلِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْعَمَلِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ بِإِبْرَةِ الْخَيَّاطِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلِأَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا كَانَتْ الْإِبْرَةُ تَابِعَةً لِعَمَلِهِ وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهَا أُجْرَةٌ كَذَلِكَ هَذَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ جَازَتْ أَيْضًا) وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَامِلَ مُسْتَأْجَرٌ لِلْأَرْضِ بِبَعْضٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ جَازَتْ أَيْضًا) وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِإِبْرَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِوَاحِدٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) وَهَذَا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ بَاطِلٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ هَا هُنَا مُسْتَأْجَرَةٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ تَابِعَةً لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَطْ عَلَى الْعَامِلِ، وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ

بِبَعْضِ الْخَارِجِ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهَا تُؤَدِّي إلَى الِاخْتِلَافِ فَرُبَّمَا يَدَّعِي أَحَدُهُمَا مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ هَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا بِالْكُوفَةِ فَإِنَّ مُدَّةَ الزَّرْعِ عِنْدَهُمْ مُتَفَاوِتَةٌ فَابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مَجْهُولٌ أَمَّا فِي بِلَادِنَا فَوَقْتُ الزِّرَاعَةِ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ. قَوْلُهُ (وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا) تَحْقِيقًا لِلْمُشَارَكَةِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً فَهِيَ بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّ بِهِ تَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ لِجَوَازِ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ فَيَسْتَحِقُّهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ صَاحِبُ الْبَذْرِ أَنْ يَرْفَعَ بِقَدْرِ بَذْرِهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي جَمِيعِهِ بِأَنْ لَا تُخْرِجَ إلَّا قَدْرَ الْبَذْرِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَا مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ وَالسَّوَّاقِي) يَعْنِي شَرَطَاهُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ فَاسِدٌ وَالْمَاذِيَانَاتُ اسْمٌ عَجَمِيٌّ وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ أَصْغَرَ مِنْ النَّهْرِ وَأَعْظَمَ مِنْ الْجَدْوَلِ وَهُوَ الْمَشْرَبُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَسْقِي بَعْضَ الْأَرْضِ وَالسَّوَّاقِي جَمْعُ سَاقِيَةٍ وَكَأَنَّهَا الَّتِي يُسْقَى بِهَا كُلُّ الْأَرْضِ وَهِيَ فَوْقَ الْجَدْوَلِ وَقِيلَ الْمَاذِيَانَاتُ الْعُيُونُ وَهِيَ لُغَةٌ فَارِسِيَّةٌ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا زَرْعَ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا التِّبْنَ وَلِلْآخَرِ الْحَبَّ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُصِيبُهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَبُّ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا التِّبْنُ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ التِّبْنَ نِصْفَيْنِ وَالْحَبَّ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ، وَإِنْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ التِّبْنُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي التِّبْنُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدَانِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ وَالتَّبَعُ يَقُومُ بِشَرْطِ الْأَصْلِ، وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَالتِّبْنَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعَقْدِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرِ أَمَّا صَاحِبُ الْبَذْرِ فَيَسْتَحِقُّ الْخَارِجَ بِبَذْرِهِ فَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ أَرْضًا وَبَذْرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا الْعَامِلُ وَلَهُ ثُلُثُ مَا يَخْرُجُ أَوْ نِصْفُهُ وَلَمْ يُسَمِّ غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى الشَّرْطِ هُوَ الَّذِي لَا بَذْرَ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ. وَأَمَّا إذَا سَمَّى لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَلَمْ يُسَمِّ لِلْعَامِلِ شَيْئًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الْخَارِجِ صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالشَّرْطِ وَالْبَاقِي إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ لِلْمُزَارِعِ يَسْتَحِقُّهُ بِبَذْرِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَى أَنَّ لِي النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَ فَقُلْ بَذْلُ الْبَاقِي لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) هَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا كَانَ

الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ يَجِبُ فِيهِ الْمُسَمَّى وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسَمَّى فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً وَلَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْعَامِلِ فَإِذَا فَسَدَتْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى فِي الْمَنْفَعَةِ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) أَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَهَلْ يُزَادُ عَلَى مَا شُرِطَ لَهُ مِنْ الْخَارِجِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ حَتَّى فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ هُوَ الصَّحِيحُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا عَقَدَ الْمُزَارَعَةَ فَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْبَذْرِ مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِهَدْمِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لِصَاحِبِ الدَّارِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ امْتَنَعَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ الْبَذْرُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ عُذْرًا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ فَتُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ) يَعْنِي مَاتَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَهَا فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ تُرِكَتْ فِي يَدِ الْعَامِلِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ وَيُقْسَمَ عَلَى الشَّرْطِ وَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْعَامِلُ، فَقَالَ وَرَثَتُهُ نَحْنُ نَعْمَلُ فِي الزَّرْعِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَأَبَى صَاحِبُ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الضَّرَرُ عَلَيْهِمْ فِي قَلْعِ الزَّرْعِ فَوَجَبَ تَبْقِيَتُهُ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ فِيمَا عَمِلُوا، وَإِنْ أَرَادُوا قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْعَمَلِ وَقِيلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَقْلِعْهُ فَيَكُونُ بَيْنَكُمْ أَوْ أُعْطِهِمْ قِيمَةَ حِصَّتِهِمْ وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لَك أَوْ أَنْفِقْ عَلَى حِصَّتِهِمْ وَتَعُودُ بِنَفَقَتِك فِي حِصَّتِهِمْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرَكْ كَانَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا عَلَى مِقْدَارِ حُقُوقِهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِي تَبْقِيَةِ الْعَقْدِ إيفَاءُ الْحَقَّيْنِ وَفِي فَسْخِهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا فَكَأَنَّ تَبْقِيَتَهُ إلَى الْحَصَادِ أَوْلَى وَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ انْتَهَى بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا عَمَلٌ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ حَيْثُ يَكُونُ الْعَمَلُ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَقَّيْنَا الْعَمَلَ فِي مُدَّتِهِ وَالْعَقْدُ يَسْتَدْعِي الْعَمَلَ عَلَى الْعَامِلِ أَمَّا هُنَا الْعَقْدُ قَدْ انْتَهَى فَلَمْ يَكُنْ هَذَا إبْقَاءَ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَخْتَصَّ الْعَامِلُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَجْرِ سَقْيِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمَّا إذَا لَمْ تَنْقَضِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ خَاصَّةً. قَوْلُهُ (وَأُجْرَةُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَصِ) وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَاهُ قَصِيلًا وَيَبِيعَاهُ فَالْحَصَادُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ شَرَطَاهُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) يَعْنِي الْحَصَادَ وَالدِّيَاسَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَلْزَمَا الْمُزَارِعَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ عَلَى الزَّرْعِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ وَعَنْ

كتاب المساقاة

أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ شَرْطُ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِلتَّعَامُلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ مِثْلَ السَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَأَشْبَاهِهِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا نَحْوُ الْحَمْلِ وَالْحِفْظِ وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَمَا كَانَ قَبْلَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ مِنْ السَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِفْظِ فَعَلَى الْعَامِلِ وَمَا كَانَ بَعْدَهُ كَالْجِدَادِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ شَرَطَا الْجِدَادَ عَلَى الْعَامِلِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ وَإِنْ شَرَطَا الْحَصَادَ فِي الزَّرْعِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) الْمُسَاقَاةُ دَفْعُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ أَوْ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَهَا الْمُعَامَلَةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ (أَبُو حَنِيفَةَ الْمُسَاقَاةُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرَةِ مُشَاعًا بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَعْمُولِ فِيهِ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ جَائِزَةٌ إذَا ذَكَرَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَسَمَّيَا جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ مُشَاعًا) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ فَسُومِحَ فِي جَوَازِهَا لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّةَ جَازَ وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ. قَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) الرِّطَابُ جَمْعُ رَطْبَةٍ كَالْقَصْعَةِ وَالْقِصَاعِ وَالْجَفْنَةِ وَالْجِفَانِ وَالْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ فَالْبُقُولُ مِثْلُ الْكُرَّاثِ وَالْبَقْلِ وَالسَّلَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالرِّطَابُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ مُسَاقَاةً وَالثَّمَرَةُ تَزِيدُ بِالْعَمَلِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَهَتْ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي وَالْإِدْرَاكِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَصَارَ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى مَا شُرِطَ لَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ. [مَا تَبْطُلُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ] قَوْلُهُ (وَتَبْطُلُ الْمُسَاقَاةُ بِالْمَوْتِ) أَمَّا مَوْتُ صَاحِبِ النَّخْلِ فَلِأَنَّ النَّخْلَ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا مَوْتُ الْعَامِلِ فَلِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ النَّخْلِ وَالثَّمَرَةُ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرَكَ، وَلَوْ كَرِهَ ذَلِكَ وَرَثَتُهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِالْوَرَثَةِ فَإِنْ رَضِيَ الْعَامِلُ بِالضَّرَرِ بِأَنْ قَالَ أَنَا آخُذُ نَصِيبِي بُسْرًا أَخْضَرُ فَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إنْ شَاءُوا صَرَمُوهُ وَقَسَمُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَإِنْ شَاءُوا أَنْفَقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَرْجِعُونَ بِمَا أَنْفَقُوا فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ صَاحِبُ النَّخْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَصْرِمُوهُ بُسْرًا كَانَ

صَاحِبُ النَّخْلِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ فَإِنْ أَبَى وَرَثَةُ الْعَامِلِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ كَانَ الْخِيَارُ لِوَرَثَةِ صَاحِبِ النَّخْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُعَامَلَةِ وَهُوَ بُسْرٌ أَخْضَرُ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْرَكَ لَكِنْ بِغَيْرِ أَجْرٍ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ هَا هُنَا وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ (وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ كَمَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ) وَمِنْ الْأَعْذَارِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ سَارِقًا يُخَافُ مِنْهُ سَرِقَةُ السَّعَفِ وَالثَّمَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِ النَّخْلِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ فَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ الْعَمَلِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا وَالثَّانِيَةُ نَعَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

كتاب النكاح

[كِتَابُ النِّكَاحِ] النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَطْءِ فَسُمِّيَ نِكَاحًا كَمَا سُمِّيَ الْكَأْسُ خَمْرًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِيهِ الْوَطْءُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ لِأَنَّ الْأَمَةَ إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ حُرِّمَتْ عَلَى الِابْنِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: 3] وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ نَاكِحَ الْبَهِيمَةِ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَافْتَقَرَ إلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْبُضْعَ عَلَى مِلْكِ الْمَرْأَةِ وَالْمَالُ يَثْبُتُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إيجَابٍ مِنْ الْمَرْأَةِ أَوْ مِمَّنْ يَلِي عَلَيْهَا وَقَبُولٍ مِنْ الزَّوْجِ قَوْلُهُ (بِلَفْظَيْنِ) وَقَدْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِثْلُ ابْنِ الْعَمِّ يُزَوِّجُ ابْنَةَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ إنِّي تَزَوَّجْتُ بِهَذِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ وَلِيَّ صَغِيرَيْنِ أَوْ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَفَاهُ أَنْ يَقُولَ زَوَّجْتُ هَذِهِ مِنْ هَذَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَذَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ يَعْنِي الصَّغِيرَيْنِ قَوْلُهُ (يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي) أَيْ يُبَيَّنُ بِهِمَا وَالتَّعْبِيرُ هُوَ الْبَيَانُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] أَيْ تُبَيِّنُونَ قَوْلُهُ (أَوْ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولُ قَدْ زَوَّجْتُك) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ اسْتِفْهَامٌ وَعِدَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُسَاوَمَةُ فَكَانَ الْقَصْدُ بِلَفْظِهِ الْإِيجَابَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاضِي وَقَوْلُهُ وَالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ يُرِيدُ بِالْمُسْتَقْبَلِ لَفْظَ الْأَمْرِ مِثْلُ زَوِّجْنِي. قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ) وَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَقَيَّدَ بِالْحُرِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَقَيَّدَ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي النِّكَاحَ

عَلَى ابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا فِي مِثْلِهِ قَوْلُهُ (أَوْ رَجُلٍ أَوْ وَامْرَأَتَيْنِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَكَالَةِ قَوْلُهُ (عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ) وَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا بِالْعُدُولِ حَتَّى لَوْ تَجَاحَدَا وَتَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا الْعُدُولُ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَهُ حُكْمَانِ: حُكْمُ الِانْعِقَادِ وَحُكْمُ الْإِظْهَارِ فَحُكْمُ الِانْعِقَادِ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ الْقَبُولَ لِنَفْسِهِ انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ وَمَنْ لَا فَلَا فَعَلَى هَذَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى وَالْأَخْرَسِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَبِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ أَوْ ابْنَيْهَا وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ لَيْسَتْ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَأَمَّا حُكْمُ الْإِظْهَارِ وَهُوَ عِنْدَ التَّجَاحُدِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا الْعُدُولُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ أَنْ يَسْمَعَ الشُّهُودُ كَلَامَهُمَا جَمِيعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّاهِدِينَ أَصَمَّ فَسَمِعَ الْآخَرُ ثُمَّ خَرَجَ وَأَسْمَعَ صَاحِبَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا سَمِعَ الشَّاهِدَانِ كَلَامَ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدِينَ وَلَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فَهْمُ الشَّاهِدِينَ الْعَقْدَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمُعْتَبَرُ السَّمَاعُ دُونَ الْفَهْمِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ أَعْجَمِيَّيْنِ جَازَ وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ يُشْتَرَطُ الْفَهْمُ أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي فِي حَقِّ الِانْعِقَادِ لَا فِي حَقِّ الْإِظْهَارِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ) فَإِنْ وَقَعَ التَّجَاحُدُ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ أَوْ جِنْسِهِ فَشَهِدَ ذِمِّيَّانِ وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي وَهِيَ تُنْكِرُهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي قَوْلِهِمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَنَا مُسْلِمَانِ غَيْرَنَا تُقْبَلُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ دُونَ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ هَذَا إذَا كَانَا وَقْتَ الْأَدَاءِ كَافِرَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَا وَقْتَ التَّحَمُّلِ كَافِرَيْنِ وَوَقْتَ الْأَدَاءِ مُسْلِمَيْنِ فَعِنْدَهُمَا شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ قَالَا كَانَ عِنْدَنَا مُسْلِمَانِ غَيْرَنَا تُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً فَلَهُ مَنْعُهَا عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْبَيْعِ وَالْكَنَائِسِ وَلَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَزَوَّجَهَا وَالْأَبُ حَاضِرُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ سِوَاهُمَا جَازَ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَيَبْقَى الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَبُ مُبَاشِرًا وَعَلَى هَذَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِمَحْضَرِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً تُجْعَلُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي بَاشَرَتْ الْعَقْدَ وَكَانَ الْأَبُ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ شَاهِدَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وَلَا بِجَدَّاتِهِ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ أُمَّهُ بِغَيْرِ بَاءٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَلَمْ يَقُلْ زَوَّجْنَاك بِهَا فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 54] قُلْنَا مُرَادُهُ قَرَنَّاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَ فِيهَا عَقْدُ نِكَاحٍ قَوْلُهُ (وَلَا بِابْنَتِهِ وَلَا بِابْنَةِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَتْ وَلَا بِأُخْتِهِ وَلَا بِبَنَاتِ أَخِيهِ وَلَا بِبَنَاتِ أُخْتِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ وَلَا بِعَمَّتِهِ وَلَا بِخَالَتِهِ) وَكَذَلِكَ عَمَّةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَخَالَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ حَرَامٌ وَإِنْ عَلَوْنَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ هَؤُلَاءِ تَعْظِيمُ الْقَرَائِبِ وَصَوْنُهُنَّ عَنْ الِاسْتِخْفَافِ وَفِي الِافْتِرَاشِ اسْتِخْفَافٌ بِهِنَّ قَوْلُهُ (وَلَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ دَخَلَ بِابْنَتِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا فَاسِدًا فَلَا تَحْرُمُ أُمُّهَا إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ أَوْ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ. قَوْلُهُ (وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ حِجْرِ غَيْرِهِ) وَكَذَلِكَ بِنْتُ الرَّبِيبَةِ وَأَوْلَادُهَا وَإِنْ سَفَلْنَ؛ لِأَنَّ جَدَّتَهُنَّ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَحَرُمْنَ عَلَيْهِ كَأَوْلَادِهَا مِنْهُ وَصَارَتْ كَأُمِّ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ هِيَ وَأُمَّهَاتُهَا وَجَدَّاتُهَا وَإِنْ عَلَوْنَ وَأُمَّهَاتُ آبَائِهَا وَإِنْ عَلَوْنَ ثُمَّ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ حَلَّ لَهُ تَزْوِيجُ الْبِنْتِ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ الْحُكْمِيَّ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ قَوْلُهُ (وَلَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ فَكُلُّ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا

الْأَبُ عَقْدَ النِّكَاحِ جَائِزًا فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الِابْنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ أَمَّا إذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْوَطْءُ أَوْ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا الْأَبُ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا؛ لِأَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ فِي تَحْرِيمِ مَنْكُوحَتِهِ وَمَوْطُوءَتِهِ وَمَنْ مَسَّهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَكَذَلِكَ نِسَاءُ أَجْدَادِهِ حَرَامٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلَا بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَبَنِي أَوْلَادِهِ) وَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِي امْرَأَةِ الِابْنِ وَالْأَبِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا أَمَّا إذَا كَانَ فَاسِدًا يَجُوزُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ابْنُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ النَّسَبِ، وَكَذَا امْرَأَةُ ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ حَرَامٌ عَلَى الْأَبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلِابْنِ أَمَةٌ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ مَا لَمْ يَطَأْهَا الِابْنُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى حَلِيلَةً وَالتَّحْرِيمُ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ رَبِيبَةَ أَبِيهِ وَأُمَّ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَكَذَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ حَلِيلَةِ ابْنِهِ وَبِنْتِهَا قَوْلُهُ (وَلَا بِأَمَةٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا بِأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ وَبَنَاتُهَا وَأَخَوَاتُهَا وَبَنَاتُ أَخِيهِ وَبَنَاتُ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . قَوْلُهُ (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) مَعْنَاهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ يَعْنِي عَقْدًا وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ يَعْنِي وَطْئًا أَمَّا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ مَا شَاءَ وَسَوَاءٌ كَانَتَا أُخْتَيْنِ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا صَحَّ النِّكَاحُ وَلَا يَطَأُ الْأَمَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا وَلَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ إلَّا إذَا حَرَّمَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِبَيْعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى اشْتَرَى أُخْتَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِالْمُشْتَرَاةِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ ثَبَتَ لِأُخْتِهَا بِنَفْسِ النِّكَاحِ فَلَوْ وَطِئَ الَّتِي اشْتَرَاهَا صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا بِالْفِرَاشِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تَزَوَّجَ أُخْتَهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمَنْكُوحَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ وَطْئًا إذْ الْمَرْقُوقَةُ لَيْسَتْ مَوْطُوءَةً حُكْمًا وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنْ الْمُسَمَّى ثُمَّ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْأُخْرَى وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ فَنِكَاحُ الْأُولَى جَائِزٌ وَنِكَاحُ الْأُخْرَى بَاطِلٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنْ الْمُسَمَّى وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأُولَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَطَأُ الْأُولَى مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ الْأُخْرَى، وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهُمَا أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَا يَتَحَرَّى فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى التَّقْيِيدِ مَعَ التَّجْهِيلِ فَيَتَعَيَّنُ التَّفْرِيقُ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا يَعْنِي نِصْفَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْأُولَى وَانْعَدَمَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا جَمِيعًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا وَلَا بِنْتِ أُخْتِهَا وَلَا بِنْتِ أَخِيهَا) فَإِنْ قُلْتَ لِمَ قَالَ: وَلَا بِنْتِ أَخِيهَا وَقَدْ عُلِمَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا؟ قُلْت لِإِزَالَةِ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّ نِكَاحَ ابْنَةِ الْأَخِ عَلَى الْعَمَّةِ لَا يَجُوزُ وَنِكَاحُ الْعَمَّةِ عَلَيْهَا يَجُوزُ لِتَفْضِيلِ الْعَمَّةِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَجُلًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى) سَوَاءٌ كَانَ التَّحْرِيمُ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالنَّسَبِ قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَابْنَةِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ابْنَةَ الزَّوْجِ لَوْ قَدَّرْتَهَا ذَكَرًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ قُلْنَا امْرَأَةُ الْأَبِ لَوْ صَوَّرْتهَا رَجُلًا جَازَ لَهُ تَزَوُّجُ هَذِهِ فَالشَّرْطُ أَنْ يُتَصَوَّرَ التَّحْرِيمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النِّكَاحِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، النَّسَبُ وَالسَّبَبُ وَالْجَمْعُ وَحَقُّ الْغَيْرِ وَالدِّينُ فَالنَّسَبُ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَالسَّبَبُ الرَّضَاعُ وَالصُّهُورِيَّةُ وَالْجَمْعُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَالتَّحْرِيمُ لِحَقِّ الْغَيْرِ زَوْجَةُ غَيْرِهِ وَمُعْتَدَّتُهُ وَالتَّحْرِيمُ لِأَجْلِ الدِّينِ الْمَجُوسِيَّاتُ

وَالْوَثَنِيَّاتُ سَوَاءٌ كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ. قَوْلُهُ (وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا) ، وَكَذَا إذَا مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَكَذَا إذَا مَسَّتْهُ هِيَ بِشَهْوَةٍ وَالْمُشْتَهَاةُ أَنْ تَكُونَ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا، وَبِنْتُ خَمْسٍ فَمَا دُونَهَا لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً وَمَا فَوْقَهَا إلَى الثَّمَانِ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً فَهِيَ مُشْتَهَاةٌ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْعُيُونِ إنْ لَمْ تَكُنْ سَمِينَةً فَإِلَى عَشْرٍ وَإِنْ كَانَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ مُشْتَهَاةٌ، وَيُكْتَفَى بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشْتَرَطُ انْتِشَارُ الْآلَةِ. وَفِي الْهِدَايَةِ يُشْتَرَطُ أَوْ يَزْدَادُ انْتِشَارًا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا فَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّكَ قَلْبُهُ بِالِاشْتِهَاءِ وَإِنْ مَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثَوْبٍ إنْ كَانَ صَفِيقًا يَمْنَعُ وُصُولَ حَرَارَةِ بَدَنِهَا إلَى يَدِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَمْنَعُ، ثَبَتَتْ وَأَمَّا مَسُّ شَعْرِهَا بِشَهْوَةٍ إنْ مَسَّ مَا اتَّصَلَ بِرَأْسِهَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ وَإِنْ مَسَّ الْمُسْتَرْسِلَ لَا تَثْبُتُ، وَإِنَّمَا يُحَرِّمُ الْمَسُّ إذَا لَمْ يُنْزِلْ أَمَّا إذَا أَنْزَلَ بِاللَّمْسِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِنْزَالِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ وَإِنْ مَسَّ امْرَأَةً وَقَالَ لَمْ أَشْتَهِ أَوْ قَبَّلَهَا وَقَالَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إذَا كَانَ اللَّمْسُ عَلَى غَيْرِ الْفَرْجِ وَالْقُبْلَةُ فِي غَيْرِ الْفَمِ أَمَّا إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ. وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَتَكَلَّمُوا فِي النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ النَّظَرُ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ يَكْفِي. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الشَّقِّ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ لِدَاخِلٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ النَّظَرُ إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ لَا إلَى جَوَانِبِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ اتِّكَائِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً مُسْتَوِيَةً أَوْ قَائِمَةً فَنَظَرَ إلَيْهِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ تَحْرِيكُ الْآلَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْفَتَاوَى يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى دُبُرِهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ نَظَرَتْ الْمَرْأَةُ إلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَتْهُ أَوْ قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ تَعَلَّقَتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا لَوْ وُجِدَ مِنْهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ الْحُرْمَةُ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كَالنَّظَرِ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ وَمِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ؛ لِأَنَّهُ خَيَالٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرَاهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ عَلَى شَفَا الْحَوْضِ فَنَظَرَ فَرْجَهَا فِي الْمَاءِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا وَهِيَ فِيهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ حَيَّةً، أَمَّا الْمَيِّتَةُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِلَمْسِهَا وَلَا بِوَطْئِهَا وَلَا بِتَقْبِيلِهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ فِي عِلَّةِ الْأُخْتِ كَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَإِنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فِي عِدَّتِهَا أَوْ أَرْبَعًا مِنْ الْأَجَانِبِ قَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ نِكَاحُ الْأُخْتِ لَا يَجُوزُ وَنِكَاحُ الْأَرْبَعِ يَجُوزُ أَمَّا تَزَوُّجُ الْأَرْبَعِ سِوَاهَا فِي عِدَّتِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ كَالْحُرَّةِ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ إذَا حَرَّمَتْ نِكَاحَ الْأُخْتِ حَرَّمَتْ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ وَلَنَا أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ يَجِبُ تَحْرِيمُهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ لَمْ تَجِبْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَحْرُمْ الْجَمْعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَأُخْتُهَا تَحْتَهُ يَطَأهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا فِرَاشَ لَهَا، وَكَذَا أُخْتُ أُمِّ وَلَدِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الزَّوْجَةَ حَتَّى يُحَرِّمَ أَمَتَهُ بِأَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يُعْتِقَهَا أَوْ يُزَوِّجَهَا، وَكَذَا أُمُّ وَلَدِهِ يُعْتِقُهَا أَوْ يُزَوِّجُهَا وَكَذَا لَا يَطَأُ الْأَمَةَ حَتَّى يُطَلِّقَ الزَّوْجَةَ وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَإِنْ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا جَازَ عِنْدَهُمَا وَلَا يَطَأهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ وَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُهَاجِرَةً جَازَ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ حَائِلًا أَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَجُزْ

حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِوَلَدٍ ثَابِتِ النَّسَبِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَلَا امْرَأَةَ عَبْدِهَا) يُرِيدُ بِذَلِكَ فِي حَقِّ أَحْكَامٍ لَا زَوَاجٍ مِنْ ثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَبَقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا مُتَنَزِّهًا عَنْ وَطْئِهَا حَرَامًا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ حَسَنٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ مُعْتَقَةَ الْغَيْرِ أَوْ مَحْلُوفًا بِعِتْقِهَا وَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ وَلَا سِيَّمَا إذَا تَدَاوَلَهَا الْأَيْدِي، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ يَمْلِكُ مِنْهَا شِقْصًا وَلَا الْمَرْأَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ مَنْ تَمْلِكْ شِقْصًا مِنْهُ، وَكَذَا إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ بَعْضَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ فَسَدَ النِّكَاحُ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَأَمَّا الْمَأْذُونُ وَالْمُدَبَّرُ إذَا اشْتَرَيَا زَوْجَتَيْهِمَا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِهَا بِالْعَقْدِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمِلْكِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ لَمْ يَفْسُدْ نِكَاحُهَا عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يُدْخِلَ الْمَبِيعَ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّاتِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْكِتَابِيَّةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْحَرَائِرِ مِنْهُمْ دُونَ الْإِمَاءِ وَأَمَّا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَلَا الْوَثَنِيَّاتِ الْمَجُوسِ) قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النَّارَ وَيَسْتَحِلُّونَ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ كِتَابِيَّةً فَتَمَجَّسَتْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَإِنْ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً فَتَنَصَّرَتْ أَوْ نَصْرَانِيَّةً فَتَهَوَّدَتْ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهَا وَلَوْ تَصَابَأَتْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَفْسُدُ وَعِنْدَهُمَا يَفْسُدُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَزَوُّجُ الصَّابِئَاتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِدِينٍ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ) وَالصَّابِئُونَ قَوْمٌ عَدَلُوا عَنْ دَيْنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ مِنْ صَبَا يَصْبُو إذَا خَرَجَ مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ وَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ يُؤْمِنُونَ بِإِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيُعَظِّمُونَهُ وَقِيلَ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقِبْلَتُهُمْ مَهَبُّ الْجَنُوبِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا كِتَابَ لَهُمْ لَمْ تَجُزْ مُنَاكَحَتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَزْوِيجُ الْمُحْرِمِ وَلِيَّتَهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لِمَوْلَاهَا فَإِنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَالِهِ وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِاحْتِمَالِ الشُّغْلِ بِمَاءِ الْمَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ، وَكَذَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (وَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ - بِرِضَاهَا وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا وَلِيّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا) . وَفِي الْهِدَايَةِ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِوَلِيٍّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ ثُمَّ إذَا انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَلِيِّ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِجَازَةِ لَمْ يَجُزْ بِإِجَازَةِ الْحَاكِمِ بَلْ يُسْقِطُ الْحَاكِمُ وِلَايَةً لِوَلِيٍّ وَيَعْقِدُ عَلَيْهَا عَقْدًا مُسْتَأْنَفًا وَبَطَلَ الْعَقْدُ الْمُتَقَدِّمُ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ إنْسَانٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقَفَ عَلَى إجَازَةِ غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْإِجَازَةِ أَجَازَهُ الْحَاكِمُ يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ الْوَلِيَّ أَوَّلًا بِالْإِجَازَةِ فَإِنْ أَبَى يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْعَضْلِ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ

مَاتَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَإِنْ كَانَ كُفْئًا وَرِثَهُ الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَرِثُهُ كُفْئًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَهِيَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا ظِهَارُهُ وَإِنْ وَطِئَ كَانَ وَطْؤُهُ حَرَامًا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ فَعَقَدَتْ فَجَازَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ بِحَالٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إجْبَارُ الْبَالِغَةِ عَلَى النِّكَاحِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ إجْبَارُ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَأْذَنَهَا فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ فَذَلِكَ إذْنٌ مِنْهَا) وَقِيلَ إذَا ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ لَا يَكُونُ رِضًا. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا اسْتَأْمَرَهَا غَيْرُ وَلِيّ أَوْ اسْتَأْمَرَهَا وَلِيٌّ وَهُنَاكَ أَوْلَى مِنْهُ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا رِضًا حَتَّى تَتَكَلَّمَ؛ لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَكُنْ دَلَالَةً عَلَى الرِّضَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْمِرُ رَسُولَ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ لَهَا الْمَعْرِفَةُ بِهِ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ يَعْنِي أَنَّ سُكُوتَهَا لَا يَكُونُ رِضًا إلَّا إذَا بَيَّنَ لَهَا مَنْ يَخْطُبُهَا فَسَكَتَتْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ رِضًا مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْهُ فَالسُّكُوتُ لَا يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْمَارَ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكُونُ رِضًا بِدُونِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُزَوِّجَ إذَا كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا فَذَكَرَ الزَّوْجَ يَكْفِي وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَهُمَا فَتُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ أَيْضًا وَإِنْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَإِنْ بَكَتْ عِنْدَ الِاسْتِئْذَانِ لَمْ يَكُنْ رِضًا؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ السُّخْطِ وَالْكَرَاهَةِ وَنَفْيِ الرِّضَا وَقِيلَ إنْ بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَمْ يَكُنْ كَرَاهَةً وَإِنْ كَانَ مَعَ الصَّوْتِ فَهُوَ دَلِيلُ الْكَرَاهَةِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ حُزْنٌ عَلَى مُفَارَقَةِ أَبَوَيْهَا وَأَهْلِهَا وَذَلِكَ دَلِيلُ الْإِجَازَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الصَّوْتِ كَالْوَيْلِ وَالسُّخْطِ فَهُوَ دَلِيلُ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَكُونُ رِضًا وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الدُّمُوعُ عَذْبَةً فَهُوَ رِضًا، وَإِنْ كَانَتْ مَلْحَةً فَهُوَ كَرَاهَةٌ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ بَارِدَةً فَهُوَ مِنْ السُّرُورِ وَالرِّضَا وَإِنْ كَانَتْ حَارَّةً فَلَيْسَ بِرِضًا وَإِذَا قَالَ الْوَلِيُّ لِلْبِكْرِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَانًا فَقَالَتْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا إذْنًا وَإِنْ زَوَّجَهَا رَجُلًا ثُمَّ أَخْبَرَهَا فَقَالَتْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَانَ هَذَا إجَازَةً، وَإِنْ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا أَوْ فُلَانًا حَتَّى عَدَّ جَمَاعَةً فَسَكَتَتْ فَبِأَيِّهِمْ زَوَّجَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا بِأَيِّهِمْ زَوَّجَهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَأْذَنَ الثَّيِّبَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِالْقَوْلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَالثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا» ؛ وَلِأَنَّ النُّطْقَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا مِنْهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ فِي حَقِّهَا بِخِلَافِ الْبِكْرِ فَإِنَّهُ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى قِلَّةِ حَيَائِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ مَارِسْ الْأَزْوَاجَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ) أَيْ تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الْبِكْرُ فَيَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا، وَكَذَا إذَا زَالَتْ بِطَفْرَةٍ وَهُوَ الْوَثْبَةُ مِنْ تَحْتٍ إلَى فَوْقٍ وَالْوَثْبَةُ مِنْ فَوْقٍ إلَى تَحْتٍ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا حِينَ وَطِئَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا وَلِلْأَبِ أَنْ يَقْبِضَ مَهْرَ الْبِكْرِ بِغَيْرِ إذْنِهَا مَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مَهْرَ الثَّيِّبِ إلَّا بِإِذْنِهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ زَالَتْ بِزِنًا فَهِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيَعْنِي أَنَّهَا تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الْبِكْرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الثَّيِّبُ وَلَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا، وَإِنْ زَالَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الثَّيِّبِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَظْهَرَ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَلَيْهَا حِينَ أَلْزَمهَا الْعِدَّةَ وَالْمَهْرَ وَأَثْبَتَ النَّسَبَ بِذَلِكَ ثُمَّ الْخِلَافُ فِي زَوَالِهَا بِالزِّنَا إذَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ

وَلَمْ يَصِرْ الزِّنَا عَادَةً لَهَا وَلَمْ تُشْتَهَرْ بِهِ أَمَّا إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ بَلَغَكِ النِّكَاحُ فَسَكَتِّ فَقَالَتْ - مُجِيبَةً لَهُ -: بَلْ رَدَدْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَإِنْ أَقَامَاهَا جَمِيعًا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الرَّدَّ وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْإِثْبَاتِ وَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا أَجَازَتْ حِينَ أُخْبِرَتْ وَأَقَامَتْ هِيَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا رَدَّتْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الصُّورَةِ وَبَيِّنَتُهُ أَثْبَتَتْ اللُّزُومَ فَتَرَجَّحَتْ عَلَى بَيِّنَتِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ ثَمَّ قَامَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْعَدَمِ وَهُوَ السُّكُوتُ لَا عَلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ حَادِثٍ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا قَامَتْ عَلَى السُّكُوتِ وَهُوَ عَدَمُ الْكَلَامِ وَبَيِّنَتُهَا قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ الرَّدِّ وَقَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ لَزِمَهَا النِّكَاحُ. قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ) قَالَ فِي الْكَنْزِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي ثَمَانِيَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقُّ وَالِاسْتِيلَادُ وَالْوَلَاءُ وَالنَّسَبُ وَالْحُدُودُ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ فِي جَمِيعِهِمَا إلَّا فِي الْحُدُودِ وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهَا نِكَاحًا أَوْ هِيَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَفِي الرَّجْعَةِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهَا أَوْ هِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَفِي الْإِيلَاءِ ادَّعَى عَلَيْهَا أَوْ هِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ أَنَّهُ فَاءَ إلَيْهَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ، وَفِي الرِّقِّ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَوْلَاهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ وَفِي الْوَلَاءِ ادَّعَى عَلَى مَعْرُوفٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ هُوَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَفِي النَّسَبِ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ وَفِي الِاسْتِيلَادِ ادَّعَتْ أَمَةٌ عَلَى مَوْلَاهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ أَوْ وَلَدًا قَدْ مَاتَ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْمَوْلَى ذَلِكَ عَلَيْهَا فَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهَا فَالدَّعْوَى تُتَصَوَّرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ وَفِي جُحُودِ الْمَرْءِ الِاسْتِيلَاءُ فَقَيَّدَ بِجُحُودِهِ. قَوْلُهُ (وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ النِّكَاحَ عِنْدَنَا يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ يَقَعُ بِهَا التَّمْلِيكُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَهَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ هُوَ الصَّحِيحُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ بِعْتُ نَفْسِي مِنْك أَوْ قَالَ أَبُوهَا بِعْتُك ابْنَتِي بِكَذَا وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَأَجَابَتْ بِنَعَمْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيُّ يَنْعَقِدُ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةٍ وَالْإِبَاحَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مُؤَقَّتَةٌ وَذَلِكَ يُنَافِي النِّكَاحَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِحْلَالُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ) ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِيهَا مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَقَالَتْ قَبِلْتُ النِّكَاحَ وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ أَصْلٌ وَالْمَالُ تَبَعٌ وَقَدْ قَبِلَتْ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ تَزَوَّجْتُكَ عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ إنْ أَجَازَ أَبِي أَوْ رَضِيَ فَقَالَ قَبِلْتُ لَا يَصِحُّ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ رَضِيَتْ أَوْ أَجَزْت جَازَ وَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ زَوَّجْتُك نِصْفَ ابْنَتٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مُمْتَنِعٌ إذْ الْحُرْمَةُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ تَغْلِبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نِصْفُك طَالِقٌ حَيْثُ تَصِحُّ الْإِضَافَةُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ هُنَا كَانَ ثَابِتًا فِي كُلِّ الْأَجْزَاءِ فَلَمَّا أَوْقَعَ الْحُرْمَةَ فِي بَعْضِهَا وَقَعَ فِي الْكُلِّ احْتِيَاطًا لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْوَلِيُّ بِكْرًا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ أَوْ ثَيِّبًا) وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إلَّا الْأَبُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ عِنْدَهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَعْقِدَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَهْرٍ مُسَمًّى وَمَرَّةً بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي التَّسْمِيَةِ نُقْصَانٌ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَيَصِحُّ الثَّانِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ أَنَّ صَغِيرَةً لَا يُسْتَمْتَعُ بِهَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الزَّوْجَ بِمَهْرِهَا دُونَ نَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ بِإِزَاءِ الِاحْتِبَاسِ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَهِيَ غَيْرُ مَحْبُوسَةٍ لِحَقِّهِ وَالْمَهْرُ بِإِزَاءِ الْمِلْكِ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا

الصَّغِيرَةَ وَقَبَضَتْ مَهْرَهَا ثُمَّ أَدْرَكَتْ الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ وَصِيَّةً فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَ أُمَّهَا بِمَهْرِهَا دُونَ زَوْجِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَ الزَّوْجَ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى أُمِّهَا إنْ كَانَ الْمَهْرُ قَائِمًا، وَكَذَا هَذَا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ. قَوْلُهُ (وَالْوَلِيُّ هُوَ الْعَصَبَةُ) وَيُعْتَبَرُ فِي الْوِلَايَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَإِذَا اجْتَمَعَ وَلِيَّانِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا جَازَ سَوَاءٌ أَجَازَ الْآخَرُ أَوْ فَسَخَ بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْآخَرِ وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ حَتَّى ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُمَا جَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِتَزْوِيجِهِ أَيُّهُمَا كَانَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَوْلُهُ (فَإِنْ زَوَّجَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ) لِكَمَالِ وِلَايَتِهِمَا وَوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا بَاشَرَاهُ بِرِضَاهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ قَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ إنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَهُمَا أَنَّ قَرَابَةَ الْأَخِ نَاقِصَةٌ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْقَاضِيَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقُصُورِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ وَالشَّفَقَةِ فِي الْقَاضِي فَيَتَخَيَّرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي شَرْحِهِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ بَلَغَا فَلَا خِيَارَ لَهُمَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُمَا الْخِيَارُ وَهُمَا يَقُولَانِ الْقَاضِي يَلِي عَلَيْهِمَا فِي الْمَالِ وَالنِّكَاحِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَأَشْبَهَ الْأَبَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ يَحْتَرِزُ مِنْ الْعَمِّ إذَا كَانَ وَصِيًّا وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ عَقْدُ الْحَاكِمِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عَقْدِ الْعَمِّ. فَإِذَا ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ بِوِلَايَةِ الْعَمِّ فَالْحَاكِمُ أَوْلَى ثُمَّ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْفَوْرِ فَمَتَى عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ عَنْ رَدِّهِ بَطَلَ خِيَارُهَا وَلَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ وَقَدْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ فَلَهَا الْخِيَارُ حَتَّى تَعْلَمَ فَتَسْكُتَ شَرْطَ الْعِلْمِ بِأَصْلِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَّا بِهِ وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِهِ فَعُذِرَتْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالدَّارُ دَارُ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَتِهَا فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَيُشْتَرَطُ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ يَعْنِي إذَا أَدْرَكَتْ الصَّغِيرَةُ وَبَلَغَهَا النِّكَاحُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رَضِيَ، وَكَذَا الْجَارِيَةُ إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ يَعْنِي أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا غَيْرَ أَنَّ السُّكُوتَ مِنْ الْبِكْرِ رِضًا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ كَمَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ ثُمَّ خِيَارُ الْعِتْقِ بِفَارِقِ خِيَارِ الْبُلُوغِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ يَقَعُ بِاخْتِيَارِهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ وَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْجَهْلِ. كَذَا فِي الْوَجِيزِ ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ لَهَا، وَكَذَا خِيَارُ الْعِتْقِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي مَلَكَهَا وَهُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَرِثَهُ الْآخَرُ، وَكَذَا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا زَوَّجَ الْعَمُّ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ ثُمَّ بَلَغَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَسَكَتَتْ عَقِيبَ بُلُوغِهَا سَقَطَ خِيَارُهَا وَإِنْ كَانَتْ وُطِئَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا إلَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرِّضَا، وَكَذَا الْغُلَامُ أَمَّا الْبِكْرُ فَلِأَنَّ سُكُوتَهَا أُجْرِيَ مَجْرَى قَوْلِهَا قَدْ رَضِيَتْ وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَسُكُوتُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَوُقِفَ الرِّضَا عَلَى قَوْلِهَا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ وَكَذَا الْغُلَامُ لَا يُسْتَدَلُّ بِسُكُوتِهِ عَلَى الرِّضَا فَمَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يَفْعَلُ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ الرِّضَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ. وَفِي الْعُيُونِ قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الصَّغِيرَةِ زَوَّجَهَا عَمُّهَا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا فَحَاضَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ قَالَ هِيَ عَلَى خِيَارِهَا مَا لَمْ يُجَامِعْهَا الزَّوْجُ قَالَ قُلْتُ فَإِنْ مَكَثَتْ سَنَةً لَمْ يُجَامِعْهَا وَهِيَ فِي خِدْمَتِهِ قَالَ هِيَ عَلَى خِيَارِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ النَّفَقَةَ. قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ: خِيَارُ الْإِدْرَاكِ وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ وَخِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ فَخِيَارُ الْمُدْرِكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ

لِلزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَعِلْمُ عَقْدِ النِّكَاحِ شَرْطٌ وَعِلْمُ الْخِيَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَمَّا خِيَارُ الْمُعْتَقَةِ لَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَكَذَلِكَ هَذَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَيَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْخِيَارِ ثُمَّ إذَا أَدْرَكَتْ الصَّغِيرَةُ وَاخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ، وَكَذَا الصَّغِيرُ إذَا اخْتَارَ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْفُصُولِ فُرْقَةٌ تَقَعُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا وِلَايَةَ لِصَغِيرٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا مَجْنُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلُوا عَنْ غَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثَانِ وَيَجُوزُ لِلْكَافِرِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْكَافِرَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] وَلِهَذَا يَتَوَارَثَانِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ التَّزْوِيجُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْأُمُّ وَالْخَالُ وَكُلُّ ذِي رَحِمْ ... لِكُلِّهِمْ تَزْوِيجُ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَأَوْلَاهُمْ الْأُمُّ ثُمَّ الْجَدَّةُ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ ثُمَّ أَوْلَاهُمْ. وَفِي الْمُصَفَّى أَوْلَاهُمْ الْأُمُّ ثُمَّ الْبِنْتُ ثُمَّ بِنْتُ الِابْنِ ثُمَّ بِنْتُ الْبِنْتِ ثُمَّ بِنْتُ ابْنِ الِابْنِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْجَدُّ الْفَاسِدُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ النِّسَاءُ اللَّاتِي هُنَّ مِنْ قَوْمِ الْأَبِ وِلَايَتُهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهِيَ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْعَمَّةُ وَبِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ وَأَمَّا الْأُمُّ وَالْخَالَةُ وَاَللَّاتِي هُنَّ مِنْ قَوْمِ الْأُمِّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمْ الْوِلَايَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ وَأَبُو يُوسُفَ قِيلَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ أَوْلَى مِنْ الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَا وَلِي لَهَا إذَا زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا الَّذِي أَعْتَقَهَا جَازَ) أَيْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا مِنْ الْعَصَبَةِ زَوَّجَهَا مَوْلَى الْعَتَاقَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً جَازَ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ خِلَافًا لِزُفَرَ) وَالْأَصْلُ أَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَلِيَّ الْأَبْعَدَ أَوْلَى مِنْ السُّلْطَانِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ مَعَ حُضُورِهِ لَمْ يَجُزْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ السُّلْطَانُ أَوْلَى مِنْهُ وَقَوْلُهُ جَازَ لِلْأَبْعَدِ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ إلَّا الْأَمَةَ إذَا غَابَ مَوْلَاهَا لَيْسَ لِلْأَقَارِبِ تَزْوِيجُهَا وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ وَلَوْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ لَهُ قَوْلُهُ (وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً) هَذَا اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ. وَفِي الْمُصَفَّى وَالْفَتَاوَى الْكُبْرَى قَدَّرُوهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى وَقِيلَ إذَا كَانَ بِحَالٍ يَفُوتُ الْكُفْءَ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ وَعَلَيْهِ فَتْوَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ زُفَرُ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ فَهِيَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ السَّعْدِيُّ

الكفاءة في النكاح معتبرة

إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ سَيَّاحًا لَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ أَوْ مَفْقُودًا لَا يُعْلَمُ مَكَانُهُ أَوْ مُسْتَخْفِيًا فِي بَلَدٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَإِذَا اجْتَمَعَ الْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ فَالْجَدُّ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ أَوْ مِنْ أَبٍ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُزَوِّجَ وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ. [الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ] قَوْلُهُ (وَالْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ مُعْتَبَرَةٌ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى تُعْتَبَرُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَا يُعْتَبَرُ اسْتِمْرَارُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ ثُمَّ صَارَ فَاجِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ ثُمَّ الْكَفَاءَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِحَقِّ النِّسَاءِ لَا لِحَقِّ الرِّجَالِ فَإِنَّ الشَّرِيفَ إذَا تَزَوَّجَ وَضِيعَةً دَنِيئَةً لَيْسَ لِأَوْلِيَائِهِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفْرِشٌ لَا مُسْتَفْرَشٌ وَالْحَسِيبُ كُفْءٌ لِلنَّسِيبِ حَتَّى إنَّ الْفَقِيهَ يَكُونُ كُفْئًا لِلْعَلَوِيِّ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ فَوْقَ شَرَفِ النَّسَبِ حَتَّى إنَّ الْعَالِمَ الْعَجَمِيَّ كُفْءٌ لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ كُفْءٌ لِلْغَنِيِّ الْجَاهِلِ وَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا. وَفِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فِي الْعَقْلِ حَتَّى إنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ لَا كَابْنِ الْعَمِّ هُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَسُكُوتُ الْوَلِيِّ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّفْرِيقِ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ فِي الْفَسْخِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ حَتَّى تَلِدَ فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا كَيْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ عَمَّنْ يُرَبِّيهِ وَمَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَحُكْمُ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْمِيرَاثِ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَالْفُرْقَةُ تَكُونُ فَسْخًا لَا طَلَاقًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ دَخَلَ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ خَلَا بِهَا خَلْوَةً صَحِيحَةً لَزِمَهُ كُلُّ الْمُسَمَّى وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَقَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَلَوْ أَنَّهَا لَمَّا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ جَهَّزَهَا الْوَلِيُّ وَقَبَضَ مَهْرَهَا كَانَ رَاضِيًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ ثُمَّ فَارَقَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ كَانَ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي وَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ بِرِضَاهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْوَلِيِّ وَلَا لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ حَقُّ الْفَسْخِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ حَقَّهُ مِنْ الْكَفَاءَةِ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ إذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ الْمَرْأَةُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مَنْ لَمْ يَرْضَ. قَوْلُهُ (وَالْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْمَالِ) أَمَّا النَّسَبُ فَقُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَيْسَتْ الْعَرَبُ أَكْفَاءٌ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فَخَرُوا بِقُرْبِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عِبْرَةَ لِفَضْلِ الْبَعْضِ مِنْهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى إنَّ الْهَاشِمِيَّةَ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ قُرَشِيٍّ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ لَا يَكُونُ لِأَوْلِيَائِهَا الِاعْتِرَاضُ، وَكَذَا سَائِرُ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَبَنَوْا بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِالْخَسَاسَةِ قِيلَ: إنَّهُمْ يَسْتَخْرِجُونَ النِّقْيَ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَيَأْكُلُونَهُ قَالَ الشَّاعِرُ إذَا قِيلَ لِلْكَلْبِ يَا بَاهِلِيُّ ... عَوَى الْكَلْبُ مِنْ لُؤْمِ هَذَا النَّسَبِ وَأَمَّا الْمَوَالِي فَبَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ سَوَاءٌ كَانُوا مَوَالِيَ قُرَيْشٍ أَوْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي فَخَرَتْ بِهِ قُرَيْشٌ لَيْسَ هُوَ فِي مَوَالِيهِمْ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَوَالِيَ الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ مَوَالِي أَشْرَفِ الْقَوْمِ لَا يُسَاوِيهِ مَوَالِي الْوَضِيعِ حَتَّى إنَّ مَوْلَاةَ بَنِي هَاشِمٍ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ مَوَالِي الْعَرَبِ كَانَ لِمَوَالِيهَا التَّعَرُّضُ ثُمَّ الْمَوَالِي مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَصَاعِدًا فَهُوَ كُفْءٌ لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ. وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ النَّسَبِ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَأَبُو يُوسُفَ أَلْحَقَ الْوَاحِدَ بِالْمَثْنَى وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْعَرَبُ فَمَنْ تَقَدَّمَ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ تَقَدَّمَ لَهُ آبَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ فَخْرَهُمْ بِالنَّسَبِ لَا بِالْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْعَجَمِ وَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ يَعْنِي الدِّيَانَةَ فَيُعْتَبَرُ أَيْضًا عِنْدَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ

إلَى الْأَسْوَاقِ سَكْرَانَ وَتَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ قَوْلُهُ (وَتُعْتَبَرُ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهَا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى أَنَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكْهُمَا أَوْ يَمْلِكْ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيفَائِهِ وَبِالنَّفَقَةِ قِوَامُ الِازْدِوَاجِ وَدَوَامُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقُدْرَةَ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِي الْمُهُورِ وَأَمَّا الْكَفَاءَةُ فِي الْغِنَى فَمُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى أَنَّ الْفَائِقَةَ فِي الْيَسَارِ لَا يُكَافِئُهَا الْقَادِرُ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاخَرُونَ بِالْغِنَى وَيَتَعَيَّرُونَ بِالْفَقْرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَبَاتَ لَهُ إذَا الْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ مَذْمُومٌ فِي الْأَصْلِ. قَوْلُهُ (وَتُعْتَبَرُ فِي الصَّنَائِعِ أَيْضًا) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يُعْتَبَرُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ حَتَّى أَنَّ الْبَيْطَارَ يَكُونُ كُفْئًا لِلْعَطَّارِ وَفِي رِوَايَةٍ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إلَّا الْحَائِكَ وَالْحَجَّامَ وَالدَّبَّاغَ وَالْكَنَّاسَ وَالْحَلَّاقَ فَإِنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ أَكْفَاءً لِسَائِرِ الْحِرَفِ وَيَكُونُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءً لِبَعْضٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ يُفَارِقَهَا) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَهَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى مُحَمَّدٍ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَتْ لَهُ لِي وَلِيّ لَا يُزَوِّجُنِي إلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِّي مَالًا كَثِيرًا فَقَالَ لَهَا مُحَمَّدٌ: اذْهَبِي فَزَوِّجِي نَفْسَكِ وَصُورَتُهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا الْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا فَعَقَدَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَالثَّانِيَةِ أَنَّ السُّلْطَان إذَا أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ وَوَلِيَّهَا عَلَى تَزْوِيجِهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ ثُمَّ إنَّهُ إذَا زَالَ الْإِكْرَاهُ وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ الْمَهْرِ دُونَ الْوَلِيِّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ الْفَسْخُ لِأَجْلِ التَّبْلِيغِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (أَوْ يُفَارِقَهَا) وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ فَحُكْمُ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْمِيرَاثِ قَائِمٌ ثُمَّ إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ لَهَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَزَادَ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا) وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ لَا بِمَا يَتَغَابَنُ فِيهِ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا أَصْلًا وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا أَصْلُ النِّكَاحِ فَيَجُوزُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ سَوَاءٌ اخْتِيَارُ الْأَبِ مَجَانَةً أَوْ فِسْقًا أَمَّا إذَا عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَاَلَّذِي يُتَغَابَنُ فِيهِ فِي النِّكَاحِ مَا دُونَ نِصْفِ الْمَهْرِ كَذَا أَفَادَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقِيلَ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ مَنْ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ فَزَوَّجَهُمَا الْوَكِيلُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَمَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَبْدًا أَوْ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ) يَعْنِي إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ مِمَّا يُتَغَابَنُ فِيهِ إجْمَاعًا قَالَ فِي النَّوَادِرِ إذَا زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَعْقِدَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَهْرٍ مُسَمًّى وَمَرَّةً

بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي التَّسْمِيَةِ نُقْصَانٌ فَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ وَيَصِحُّ الثَّانِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ إذَا سَمَّى فِيهِ مَهْرًا وَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَهْرًا) ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَقَدْ قَالُوا: إنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ مُنْعَقِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الزَّوْجُ أُخْتَهُ أَوْ أُمَّهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقَ الْأُخْرَى فَعِنْدَنَا يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ وَأَمَّا نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ فَهُوَ الْخَالِي عَنْ الْمَهْرِ، وَهُوَ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ أَوْ يَتَزَوَّجَ بِرَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا بِرَقَبَتِهِ مَلَكَتْهُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ بِلَا مَهْرٍ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ نِكَاحٌ الشِّغَارِ. قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ الْمَهْرِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ) أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ يَوْمَ الْعَقْدِ لَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَالْمُعْتَبَرُ زِنَةُ سَبْعَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ زِنَةُ كُلِّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشْرَ قِيرَاطًا قَوْلُهُ (فَإِنْ سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ فَلَهَا عَشْرَةٌ) . وَقَالَ زُفَرُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا خَمْسَةٌ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي خَمْسَةً فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَلَهَا الثَّوْبُ لَا غَيْرُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي ثَمَانِيَةً فَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي عَشْرَةً فَلَهَا الثَّوْبُ وَدِرْهَمَانِ قَوْلُهُ (وَإِنْ سَمَّى عَشْرَةً فَمَا زَادَ فَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ فَلَهَا الْمُسَمَّى أَيْضًا، وَكَذَا إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهَا نَفْسَهَا كَمَوْتِهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَسْقُطُ مَهْرُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَقَتَلَتْ نَفْسَهَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ قَتَلَهَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهَا عَلَى نَفْسِهَا هَدَرٌ كَمَوْتِهَا وَإِنْ قَتَلَهَا مَوْلَاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ مَهْرُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا يَسْقُطُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَتَلَ الْمَوْلَى زَوْجَهَا لَا يَسْقُطُ إجْمَاعًا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِ السَّيِّدِ فَقَوْله يَسْقُطُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا رَدَّهُ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَالْخَلْوَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى) فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ مَا سَمَّى وَتَمَامُ خَمْسَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي نِصْفِ الْمُسَمَّى فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الطَّلَاقَ يُسْقِطُ نِصْفَ الْمَهْرِ وَيُبْقِي نِصْفَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُسْقِطُ جَمِيعَهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُتْعَةِ وَصَحَّحَ هَذَا فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ وَفَائِدَتُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَرَهَنَهَا بِهَا رَهْنًا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَهَا إمْسَاكُ الرَّهْنِ وَعَلَى الثَّانِي لَا. وَفِي الْمُصَفَّى إذَا رَهَنَهَا بِالْمُسَمَّى وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَهُوَ رَهْنٌ بِالنِّصْفِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ نَخْلٍ فَحَدَثَ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ إنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً حَادِثَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالسِّمَنِ وَزَوَالِ الْبَيَاضِ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ كَانَ أَخْرَسَ فَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْلًا فَأَثْمَرَ أَوْ مُنْفَصِلَةً حَادِثَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ وَكَانَ ذَلِكَ الْحُدُوثُ فِي يَدِ الزَّوْجِ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ الْمَرْأَةُ الْأَصْلَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ الْأَصْلَ وَالزِّيَادَةَ يَتَنَصَّفَانِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ يَتَنَصَّفُ وَالزِّيَادَةُ كُلُّهَا لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كِلَاهُمَا يَتَنَصَّفَانِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَّصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالصَّبْغِ صَارَتْ الْمَرْأَةُ قَابِضَةً بِذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ حَكَمَ بِالْقَبْضِ وَأَمَّا إذَا قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ الْأَصْلَ وَحَصَلَتْ الزِّيَادَةُ فِي يَدِهَا إنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً حَادِثَةً مِنْهُ كَالسِّمَنِ وَزَوَالِ الْبَيَاضِ مِنْ الْعَيْنِ امْتَنَعَ التَّنْصِيفُ وَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ يَوْمَ سَلَّمَهُ إلَيْهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَمْتَنِعُ التَّنْصِيفُ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً حَادِثَةً مِنْهُ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ امْتَنَعَ التَّنْصِيفُ إجْمَاعًا وَكَانَ الْأَصْلُ وَلِزِيَادَةٍ لَهَا وَلِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ سَلَّمَهُ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ حَادِثَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إجْمَاعًا وَالْأَصْلُ

بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ إجْمَاعًا أَيْضًا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) ، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا) وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ ثُمَّ إذَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بَدَلٌ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَوْلُهُ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا إشَارَة إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] . قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ وَالْفَرْقُ أَنَّ دُخُولَ الْبُضْعِ مُتَقَوِّمٌ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِعِوَضٍ وَخُرُوجُهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهَا مِثْلُ وَزْنِهِ خَلًّا وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخَلِّ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْبَاقِي مِنْهُمَا إذَا سَاوَى عَشْرَةً دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا الْبَاقِي وَقِيمَةُ الْآخَرِ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَيْنِ الدَّنَّيْنِ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا أَحَدُهُمَا خَمْرٌ فَلَهَا الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهَا الْبَاقِي وَمِثْلُ ذَلِكَ الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الشَّاةِ الْمَسْلُوخَةِ فَإِذَا هِيَ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَتْرُوكَةُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ مَيْتَةٌ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا قِيمَتُهَا لَوْ كَانَتْ ذَكِيَّةً وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْلُوخَتَيْنِ فَإِذَا إحْدَاهُمَا مَيْتَةٌ فَعِنْدَهُمَا الْبَاقِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا الْبَاقِي، وَقِيمَةُ الْأُخْرَى وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْحُرِّ وَأَشَارَ إلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا هِيَ ذَكِيَّةٌ فَلَهَا ذَلِكَ إجْمَاعًا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ دُونَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مَالٌ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَهُ يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَالِ مِنْهُمَا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ حَلَالٌ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَمْرِ فَإِذَا هُوَ خَلٌّ فَلَهَا ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَالِ مِنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَةِ مَهْرٍ فَهُوَ لَهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا) ، وَكَذَا إذَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَامَ مَقَامَ فَرْضِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا نِصْفُ الْفَرِيضَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ) يَعْنِي إذَا قَبِلَتْ الْمَرْأَةُ بِالزِّيَادَةِ. وَقَالَ زُفَرُ هِيَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ إنْ قَبَضَتْهَا صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهَا لَمْ تَصِحَّ لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] وَقَدْ تَرَاضَيَا بِالزِّيَادَةِ وَإِذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَطَّتْ عَنْهُ مِنْ مَهْرِهَا صَحَّ الْحَطُّ) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِي حَقَّهَا وَكَذَا إذَا وَهَبَتْ مَهْرَهَا لِزَوْجِهَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَائِهَا أَبٍ وَلَا غَيْرِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا وَهَبَتْ مِلْكَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَقَصُرَتْ عَنْ مَهْرِهَا فَإِنَّ لَهُمْ الِاعْتِرَاضَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأَمْهَارَ مِنْ حَقِّهِمْ وَقَدْ تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ

حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهَا تُلْحِقُ بِهِمْ الشَّيْنَ بِذَلِكَ وَيَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَهَبَ صَدَاقَ أَمَتِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَهْرَ مُكَاتَبَتِهِ وَلَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا خَلَا الزَّوْجُ بِامْرَأَتِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ فَاسِدَةً فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ وَلَا تُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ إنَّمَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي الْوَطْءِ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ لِلِاحْتِيَاطِ وَالْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ تُسْلِمَ نَفْسَهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ لَا مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَالْفَاسِدَةُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ إمَّا طَبْعًا وَإِمَّا شَرْعًا فَالطَّبْعُ أَنْ يَكُونَا مَرِيضَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَرَضًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْجِمَاعُ أَوْ بِهَا رَتْقٌ أَوْ مَعَهُمَا ثَالِثٌ وَاَلَّذِي مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا إحْرَامَ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ صَائِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا صَوْمَ فَرْضٍ وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ أَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي صَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ إنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ لَا تَمْنَعُ الْخَلْوَةَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهَا بِالْفِطْرِ يَسِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقَضَاءُ لَا غَيْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ رَمَضَانُ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلِهَذَا سَوَّوْا بَيْنَ حَجِّ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ نَفْلَ الصَّوْمِ كَفَرْضِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَائِضًا فَلَيْسَتْ بِخَلْوَةٍ صَحِيحَةٍ) حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَدَمِ الدُّخُولِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَرَضِ مَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَرَضُ بِالرَّجُلِ أَوْ بِالْمَرْأَةِ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ وَقِيلَ سُنَّةُ الْفَجْرِ وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ سَوَاءٌ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَكَذَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ أَيْ مِنْ الدَّمِ وَفَسَادِ النُّسُكِ وَالْقَضَاءِ وَإِنْ خَلَا بِهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهَا وَلَبِثَتْ مَعَهُ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ هُوَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَا تَكُونُ هَذِهِ خَلْوَةً مَا لَمْ يَعْرِفْهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ خَلَا بِهَا وَهُنَاكَ إنْسَانٌ يَعْقِلُ حَالَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الْخَلْوَةُ وَأَمَّا النَّائِمُ فَيُؤَثِّرُ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ النَّوْمُ، وَهُوَ مُنْتَبِهٌ فَلَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ مَعَهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ صَحَّتْ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أَعْمَى أَوْ عَمْيَاءَ إنْ كَانَا يَقِفَانِ عَلَى حَالِهِمَا لَمْ تَصِحَّ الْخَلْوَةُ وَإِنْ لَمْ يَقِفَا صَحَّتْ وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ إنْ كَانَ بِالنَّهَارِ لَا تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ لَيْلًا صَحَّتْ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا جَارِيَةُ الرَّجُلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَصِحُّ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا جَارِيَةُ الْمَرْأَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهَا تَصِحُّ وَإِنْ خَلَا بِهَا وَمَعَهَا كَلْبُ أَحَدِهِمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ لَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَآهَا سَاقِطَةً تَحْتَ رَجُلٍ يَصِيحُ وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ صَحَّتْ. وَإِنْ خَلَا بِهَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ طَرِيقٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَلَيْسَ بِخَلْوَةٍ وَإِنْ خَلَا بِهَا فِي الْحَمَّامِ إنْ كَانَ نَهَارًا لَا تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ لَيْلًا صَحَّتْ وَإِنْ خَلَا بِهَا عَلَى سَطْحٍ لَا حِجَابَ عَلَيْهِ فَلَيْسَتْ بِخَلْوَةٍ وَإِنْ كَانَ لَيْلًا صَحَّتْ وَإِنْ خَلَا بِهَا فِي مَحْمِلٍ عَلَيْهِ سَتْرٌ مَضْرُوبٌ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا إنْ أَمْكَنَ الْوَطْءُ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ خَلَا بِهَا وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَصِحُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَمْكَنَهُ وَطْؤُهَا صَحَّتْ قَالَ فِي الْفَتَاوَى كُلُّ مَوْضِعٍ فَسَدَتْ فِيهِ الْخَلْوَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَنْ الْجِمَاعِ حَقِيقَةً فَطَلَّقَهَا كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْجِمَاعِ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ خَلْوَةَ الْمَرِيضِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْجِمَاعِ، وَكَذَا خَلْوَةُ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ هِيَ مَرِيضَةً مُدْنَفَةً لَا تُجَامَعُ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُجَامَعُ، ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا أَقَامُوا الْخَلْوَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ تَأْكِيدُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى وَتَأْكِيدُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ وَحُرْمَةُ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَثُبُوتُ النَّسَبِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ وَحُرْمَةُ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْإِحْصَانِ وَحُرْمَةُ الْبَنَاتِ وَحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ يَعْنِي الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إذَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَخَلَا بِهَا وَلَمْ يَطَأْهَا لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ، وَكَذَا لَمْ يُقِيمُوا الْخَلْوَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ وَالْمِيرَاثِ وَأَمَّا وُقُوعُ طَلَاقٍ آخَرَ فَقَدْ قِيلَ لَا يَقَعُ وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ فَإِنَّهُ كَالطَّلَاقِ

قَبْلَ الدُّخُولِ فِي حُكْمِ الْبَيْنُونَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ تُوجِبُ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ الْعِدَّةَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ وَلَا يُبِيحُ الْوَطْءَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَهُمَا لَهَا نِصْفُهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ إجْمَاعًا احْتِيَاطًا وَالْمَجْبُوبُ هُوَ الَّذِي اُسْتُؤْصِلَ ذَكَرُهُ وَخُصْيَتَاهُ أَيْ قُطِعُوا وَأَمَّا الْعِنِّينُ إذَا خَلَا بِامْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَجَبَ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ إجْمَاعًا، وَكَذَا الْخَصِيُّ أَيْضًا وَلَوْ خَلَا بِالرَّتْقَاءِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الرَّتْقَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا مُتَعَذِّرٌ وَالْعِدَّةُ إنَّمَا تَجِبُ لِلِاحْتِيَاطِ. قَوْلُهُ (وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا مُطَلَّقَةً وَاحِدَةً: وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا) فَالْمُتْعَةُ لَهَا وَاجِبَةٌ إلَّا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا وَهَذَا الْكَلَامُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِبُّ لَهَا الْمُتْعَةَ عَلَى قَوْدِ هَذَا الْكَلَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ الْمُطَلَّقَاتُ أَرْبَعٌ مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَهَذِهِ تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَمُطَلَّقَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَهَذِهِ الْمُتْعَةُ لَهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَمُطَلَّقَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَهَذِهِ أَيْضًا الْمُتْعَةُ لَهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَمُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَهَذِهِ لَا تَجِبُ لَهَا مُتْعَةٌ وَلَا تُسْتَحَبُّ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الْمَرْأَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الْمُتْعَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الرَّجُلِ وَمَهْرُ الْمَرْأَةِ عَلَى قَدْرِهَا وَالنَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ فَيَكُونُ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ فَالْعَقْدَانِ جَائِزَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ نِكَاحُ الشِّغَارِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ هَذَا بِنِكَاحِ الشِّغَارِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْحُرِّ نَمَاءٌ مِنْهُ كَوَلَدِهِ وَلِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ أَوْ يَكُونُ مَهْرًا لَمْ تَكُنْ مَنَافِعُهُ مَهْرًا وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَنَافِعُهُ مَهْرًا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا قِيمَةُ خِدْمَتِهِ سَنَةً وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَاجِبٌ فَتَعْلِيمُهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ إلَّا مَالًا؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ وَأَمَّا خِدْمَةُ الْعَبْدِ فَهِيَ مَالٌ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً جَازَ) وَلَهَا خِدْمَتُهُ سَنَةً؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَالًا فَيَجِبُ بِتَسْلِيمِهَا مَا هُوَ مَالٌ وَلِأَنَّ مَنَافِعَهُ نَمَاءٌ مِنْهُ كَوَلَدِهِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجْنُونَةِ أَبُوهَا وَابْنُهَا فَالْوَلِيُّ فِي نِكَاحِهَا ابْنُهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْجَدُّ وَالِابْنُ

وَكَذَلِكَ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ حُكْمُهُ حُكْمُ الِابْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا زَوَّجَهَا ابْنُهَا ثُمَّ عَقَلَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ وَإِنْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ جَدُّهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَيَنْبَغِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا ابْنُهَا وَعَقَلَتْ أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ عِنْدَهُ وَإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَهَا الْخِيَارُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُمَا) وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَمَلَكَ النِّكَاحَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ» أَيْ زَانٍ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمَأْذُونُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّزْوِيجُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَلِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِأَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْكَسْبِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ حَتَّى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ وَيَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِسَابِ، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا تَمْلِكُ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَتَمْلِكُ تَزْوِيجَ أَمَتِهَا، وَكَذَا الْمَأْذُونُ لَا يُزَوِّجُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مِنْهَا وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ لَا يَمْلِكُ النِّكَاحَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ بِمَنْزِلَةِ حُرٍّ مَدْيُونٍ فَيَجُوزُ نِكَاحُهُ، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لَا يَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ أَنْفُسِهِمَا فَإِنْ تَزَوَّجَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ وَيَجُوزُ لِلْمَوْلَى إجْبَارُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إجْبَارَ فِي الْعَبْدِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ بِكُرْهٍ مِنْهُمَا وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا جَمِيعًا فَالْعَبْدُ لَا خِيَارَ لَهُ وَلِلْأَمَةِ الْخِيَارُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ وَالْمُكَاتَبَةُ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُكْرِهَهَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَعْتَقَهَا نَفَذَ الْعَقْدَ بِالْعَتَاقِ وَلَا خِيَارَ فِيهِ، وَكَذَا إذَا أَدَّتْ فَعَتَقَتْ وَإِنْ عَجَزَتْ إنْ كَانَ بَعْضُهَا يَحِلُّ لَهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا صَحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَالِامْتِنَاعِ كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ وَلَا خِيَارَ لَهَا، وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ثُمَّ عَتَقَ صَحَّ نِكَاحُهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِذَلِكَ الْإِذْنِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِإِطْلَاقِهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَهُوَ عَلَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ تَزْوِيجًا صَحِيحًا بَعْدَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِانْتِهَاءِ الْأَمْرِ وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا إذَا دَخَلَ بِالْمَنْكُوحَةِ عَلَى الْفَسَادِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ فَالْمَهْرُ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيُبَاعُ فِيهِ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ وَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ وَقِيلَ يَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى الْجَائِزِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَلَا عُرْفَ فِي الْفَاسِدِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَالْمَهْرُ دَيْنٌ فِي رَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ) أَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ فَيَسْعَوْنَ فِي الْمَهْرِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَمَا لَزِمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى أُتْبِعُوا بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَوَّأَهَا بَيْتَ الزَّوْجِ وَلَكِنَّهَا تَخْدُمُ الْمَوْلَى وَيُقَالُ لِلزَّوْجِ مَتَى ظَفِرْتَ بِهَا وَطِئْتهَا) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي الِاسْتِخْدَامِ بَاقٍ وَصُورَةُ التَّبْوِئَةِ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِذَا بَوَّأَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ فَإِنْ عَادَ فَبَوَّأَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ وَقَدْ قَالُوا أَنَّهُ إذَا بَوَّأَهَا فَكَانَتْ تَخْدُمُ الْمَوْلَى أَحْيَانَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَمْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَمَةِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ إذَا تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَلَهَا النَّفَقَةُ سَوَاءٌ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى مَعَهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ نَفْسِهَا لَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي اسْتِخْدَامِهَا وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ طَلَاقًا بَائِنًا وَقَدْ كَانَ الْمَوْلَى بَوَّأَهَا مَعَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى تَخْدُمُهُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَلَوْ أَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يُعِيدَهَا إلَى الزَّوْجِ وَيَأْخُذُ النَّفَقَةَ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي تَبْوِئَةِ الزَّوْجِ يَوْمَ طَلَّقَ فَأَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يُبَوَّأَهَا فِي الْعِدَّةِ لِتَجِبَ لَهَا النَّفَقَةُ لَمْ تَجِبْ وَفِي قَوْلِ زُفَرَ تَجِبُ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا ارْتَدَّتْ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا ثُمَّ إذَا أَسْلَمَتْ لَا تَعُودُ النَّفَقَةُ ثُمَّ الْأَمَةُ إذَا زَوَّجَهَا مَوْلَاهَا وَجَاءَتْ بِأَوْلَادِ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا

نكاح المتعة والنكاح المؤقت باطل

نَفَقَةَ لَهُمْ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُمْ مِلْكُ الْمَوْلَى فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى مَالِكِهِمْ لَا عَلَى أَبِيهِمْ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَجَاءَتْ بِأَوْلَادٍ مِنْ الزَّوْجِ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى مَنْ يَرِثُ الْوَلَدَ مِنْ الْقَرَابَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ مُكَاتَبَةً فَأَوْلَادُهَا مُكَاتَبُونَ كَالْأُمِّ وَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِمَا عَلَى مَوْلَاهُمَا. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَإِنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فَلَهَا الْمُسَمَّى وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) مَعْنَاهُ سَمَّى لَهَا مَهْرًا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ لَمْ يَفِ لَهَا إنْ كَانَ مَا سَمَّى لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي سَمَّى لَهَا أَقَلَّ كَمَّلَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ أَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ بِهِ مِنْ أَلْفٍ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْأَقَلِّ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الْحَبَشِيِّ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ التُّرْكِيِّ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ عَنْ قِيمَةِ التُّرْكِيِّ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ الْحَبَشِيِّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الْأَقَلِّ إجْمَاعًا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالثَّانِي فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ وَلَكِنَّ مَعَ هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْأَقَلِّ وَعِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ فَلَهَا ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ) يَعْنِي سَمَّى جِنْسَ الْحَيَوَانِ دُونَ وَصْفِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حِمَارٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْلُهُ (وَالزَّوْجُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا الْحَيَوَانَ وَإِنْ شَاءَ قِيمَتَهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا بِدَلَالَةِ أَنَّ مُسْتَهْلِكَهُ لَا يَلْزَمُهُ مِثْلَهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ الْوَسَطُ مِنْ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا إذَا لَمْ يُسَمِّ أَبْيَضَ فَإِنْ سَمَّى أَبْيَضَ فَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ دِينَارًا ثُمَّ الْجَيِّدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرُّومِيُّ وَالْوَسَطُ السِّنْدِيُّ وَالرَّدِيءُ الْهِنْدِيُّ وَعِنْدَهُمَا الْجَيِّدُ التُّرْكِيُّ وَالْوَسَطُ الصَّيْقَلَانِيُّ وَالرَّدِيءُ الْهِنْدِيُّ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَيِّدُ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَالْوَسَطُ أَرْبَعُونَ وَالرَّدِيءُ ثَلَاثُونَ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْمُعْتَبَرُ عَلَى قَدْرِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ فِي الْبُلْدَانِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى وَقَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ فَلَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ فَرَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَهَذَا إذَا ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ كَثِيرَةٌ أَمَّا إذَا سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيًّا أَوْ مَرَوِيًّا أَوْ ذَاشَرِيًّا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ إعْطَائِهِ أَوْ إعْطَاءِ قِيمَتِهِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ وَفِي رِوَايَةٍ يَوْمَ التَّسْلِيمِ. [نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتِ بَاطِلٌ] قَوْلُهُ (وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتِ بَاطِلٌ) وَصُورَةُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةِ خُذِي هَذِهِ الْعَشَرَةَ لِأَتَمَتَّعَ بِك أَوْ مَتِّعِينِي بِنَفْسِك أَيَّامًا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَةُ الْمُؤَقَّتِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرًا. وَقَالَ زُفَرُ هُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ التَّزْوِيجِ فِي الْمُؤَقَّتِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُتْعَةِ ثُمَّ عِنْدَ زُفَرَ إذَا جَازَ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ مُؤَبَّدًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى النِّكَاحِ التَّأْبِيدُ وَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْتُكِ عَلَى أَنْ أُطَلِّقَك إلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَبَّدَ الْعَقْدَ وَشَرَطَ قَطْعَ التَّأْبِيدِ بِذِكْرِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَبَّدُ لَا يُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ فَجَازَ

النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ. قَوْلُهُ (وَتَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُمَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ) لَيْسَ هَذَا بِتَكْرَارٍ لِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَوَّلِ بِأَنْ بَاشَرَا الْعَقْدَ بِأَنْفُسِهِمَا وَهُنَا زَوَّجَهُمَا الْفُضُولِيُّ فَلَا يَكُونُ تَكْرَارًا وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَمْ يُجِزْ الْمَوْلَى حَتَّى مَاتَ فَإِنْ كَانَ وَارِثُهُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بَطَلَ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ؛ لِأَنَّ كُلَّ اسْتِبَاحَةٍ صَحِيحَةٍ طَرَأَتْ عَلَى اسْتِبَاحَةٍ مَوْقُوفَةٍ فَإِنَّهَا تُبْطِلُهَا وَإِنْ وَرِثَ الْأَمَةَ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِثْلَ أَنْ يَرِثَهَا جَمَاعَةٌ أَوْ يَرِثُهَا ابْنُهُ وَقَدْ كَانَ الْمَيِّتُ وَطِئَهَا فَلِلْوَارِثِ الْإِجَازَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ لَمْ تَطْرَأْ اسْتِبَاحَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى مَوْقُوفَةٍ فَبَقِيَ الْمَوْقُوفُ بِحَالِهِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ بَاعَهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَالْحُكْمُ فِي إجَازَةِ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ يَعْنِي إذَا اشْتَرَاهَا رَجُلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ صُهُورِيَّةٍ فَأَجَازَ نِكَاحَهَا جَازَ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا امْرَأَةٌ فَأَجَازَتْ النِّكَاحَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ بَاعَهُ فَإِنَّ لِلْوَارِثِ وَالْمُشْتَرِي الْإِجَازَةَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُسْتَبَاحُ بِالْمِلْكِ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَى الِاسْتِبَاحَةِ الْمَوْقُوفَةِ مَا يُنَاقِضُهَا. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا أَوْ رَجُلًا بِغَيْرِ رِضَاهُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَقْدَ عِنْدَنَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ وَشَرْطُ الْعَقْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ فَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ أَوْ قَالَتْ هِيَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ عَنْ الْغَائِبِ قَابِلٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ الْوَكِيلُ ابْنَتَهُ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً جَازَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا إذَا زَوَّجَهُ بِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا بِوِلَادٍ كَالْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَبِنْتِ الِابْنِ وَأَمَّا الْأُخْتُ وَبِنْتُ الْأُخْتِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِلْمُخَالَفَةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ وَتَتَعَيَّنُ بِبَيَانِ الزَّوْجِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ أَوْ أَفْصَحَتْ بِالرِّضَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ، وَكَذَا الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَالْحَاكِمُ وَالسُّلْطَانُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا ضَمِنَ الْوَلِيُّ الْمَهْرَ صَحَّ ضَمَانُهُ وَلِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي مُطَالَبَةِ زَوْجِهَا أَوْ وَلِيِّهَا) اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْكَفَالَاتِ وَيَرْجِعُ الْوَالِي إذَا أَدَّى عَلَى الزَّوْجِ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ فِيهِ بِالْخَلْوَةِ، وَكَذَا لَوْ لَمَسَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ جَامَعَهَا فِي الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَالْخَلْوَةِ بِالْحَائِضِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالْخَلْوَةِ الْفَاسِدَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا

فروع في النكاح

لَا يُزَاد عَلَى الْمُسَمَّى) هَذَا إذَا كَانَ ثَمَّةَ مُسَمًّى أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَيُعْتَبَرُ الْجِمَاعُ فِي الْقُبُلِ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ أَوْجَبَ كَمَالَ الْمَهْرِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَوْ عِنْدَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ زُفَرُ هُوَ مِنْ آخِرِ وَطْأَةٍ وَطِئَهَا فَإِنْ كَانَتْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَ آخِرِ وَطْأَةٍ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْتَقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُ وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إنَّ التَّفْرِيقَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ مِثْلَ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَإِذَا حَلَّ التَّفْرِيقُ مَحَلَّ الطَّلَاقِ اُعْتُبِرَتْ الْعِدَّةُ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَوْلُهُ (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ عَمِّهَا وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَلَا خَالَتِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبِيلَتِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْسَبُ إلَى قَبِيلَةِ أَبِيهَا وَتَشْرُفُ بِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ عَمِّ أَبِيهَا فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ بِمَهْرِهَا وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَنْ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ وَلَيْسَ لَهَا مِثَالٌ فِي قَبِيلَةِ أَبُوهَا فِي الْمَالِ وَالْجَمَالِ فَقَالَ يُنْظَرُ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى مِثْلَ قَبِيلَةِ أَبِيهَا فَيُقْضَى لَهَا بِمِثْلِ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ نِسَاءِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ. قَوْلُهُ (وَيُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَنْ يَتَسَاوَى الْمَرْأَتَانِ فِي السِّنِّ وَالْجَمَالِ وَالْمَالِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالنَّسَبِ وَالْبَلَدِ وَالْعَصْرِ وَالْعِفَّةِ) وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَأْخُذَ الْمَهْرَ وَتَمْنَعَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمُبْدِلِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ يَعْنِي الْمُعَجَّلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا أَجَّلَ الثَّمَنَ لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَهْرَ إذَا كَانَ حَالًّا فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِرِضَاهَا وَأَرَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَمْنَعَ لِأَجْلِ الْمَهْرِ فَلَهَا ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا دَخَلَ بِهَا بِرِضَاهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً فَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ لَهَا الْحَبْسَ فَلَا يَثْبُتُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا فَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إذَا أَعْطَاهَا الْحَالَّ. [فُرُوعٌ فِي النِّكَاحِ] (فُرُوعٌ) رَجُلٌ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ بِشَيْءٍ فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ وَقَالَ هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلُهَا يَعْنِي مَا يَكُونُ مِنْهُ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ مِثْلَ الْخُبْزِ وَالرُّطَبِ وَالْبِطِّيخِ وَاللَّبَنِ وَالْحَلْوَى وَالشَّوِيِّ وَمَا لَا يَبْقَى وَيَفْسُدُ وَأَمَّا الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالدَّقِيقُ وَالشَّاةُ الْحَيَّةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالْكِسْوَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْسِبَهُ مِنْ الْمَهْرِ قِيلَ لِأَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ فَمَا تَقُولُ فِي الْخُفِّ قَالَ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُهَيِّئَ لَهَا أَمْرَ الْخُرُوجِ وَهُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةُ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ خُفُّهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ خُفُّ أَمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ دُونَ أَمَتِهَا رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَفَعَهُ إلَيْهَا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى جَارِيَةٍ حُبْلَى عَلَى أَنَّ مَا يَكُونُ فِي بَطْنِهَا لَهُ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ وَمَا فِي بَطْنِهَا لَهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى امْرَأَةٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةً فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُؤَجِّلَهَا عَلَيْهَا كَانَ لَهُ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ أَلْفًا جَازَ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ الْأَلْفُ وَالنَّفَقَةُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا سَوَاءٌ وَهَبَ لِأَبِيهَا أَلْفًا أَوْ لَا فَإِنْ وَهَبَ لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا تَزَوَّجْتُك عَلَى دَرَاهِمَ كَانَ لَهَا مَهْرُ

الْمِثْلِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْخُلْعَ كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَطَأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَإِنْ قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إذَا قَدَرَ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ) ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةُ تَعْتَدُّ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ فِي حَبْسِهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمَةِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» . قَوْلُهُ (وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ وَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ إحْدَى الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً غَيْرَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فُقِدَتْ إحْدَاهُنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَكَانَهَا أُخْرَى حَتَّى يَأْتِيَهُ خَبَرُ مَوْتِهَا أَوْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَعِيشُ مِثْلُهَا إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ وَإِنْ طَلَّقَ الْمَفْقُودَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهَا أَوْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ فَيَتَرَبَّصَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَتَزَوَّجَ قَوْلُهُ (وَإِنْ زَوَّجَ الْأَمَةَ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) وَخِيَارُهَا فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي تَعْلَمُ فِيهِ بِالْعِتْقِ وَتَعْلَمُ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فَإِنْ عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْخِيَارِ ثُمَّ عَلِمَتْ بِالْخِيَارِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ قَوْلُهُ (وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ. وَقَالَ زُفَرُ لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا وَلِهَذَا كَانَ الْمَهْرُ لَهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ لَهَا) ، وَكَذَا الْعَبْدُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَمَةَ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْمَهْرُ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ إذَا جَازَ النِّكَاحُ أَعْتَقَهَا أَوْ لَمْ يُعْتِقْهَا وَسَوَاءٌ حَصَلَ الدُّخُولُ قَبْلَ الْعَتَاقِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ حَتَّى أَعْتَقَهَا جَازَ الْعَقْدُ فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ كَانَ الدُّخُولُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْمَهْرُ لَهَا. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى) وَيَكُونُ الْمَهْرُ كُلُّهُ لِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ الْمُسَمَّى عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا لَزِمَ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى بَطَلَ وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرًا أَوْ جَمَعَهُمَا وَقَوْلُهُ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى وَلَوْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُجَاوِزُ بِهِ حِصَّتَهَا مِنْ الْمُسَمَّى. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ بِالْمَرْأَةِ عَيْبٌ فَلَا خِيَارَ لِزَوْجِهَا) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ الْخِيَارُ

بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالرَّتْقِ وَالْقَرْنِ وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا عَجُوزًا عَمْيَاءَ بَخْرَاءَ شَوْهَاءَ ذَاتَ قُرُوحٍ لَهَا شِقٌّ مَائِلٌ وَعَقْلٌ زَائِلٌ وَلُعَابٌ سَائِلٌ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ عَمْيَاءَ أَوْ شَوْهَاءَ لَهَا لُعَابٌ سَائِلٌ وَشِقٌّ مَائِلٌ وَعَقْلٌ زَائِلٌ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا مِنْ خَصِيٍّ أَوْ عِنِّينٍ أَوْ مَجْبُوبٍ جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤَجَّلُ فِي الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ سَنَةً وَتُخَيَّرُ فِي الْمَجْبُوبِ لِلْحَالِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً لَا تُكَافِئُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَهُ صَغِيرَةً لَا تُجَامَعُ جَازَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً فَزَوَّجَهُ حُرَّةً لَمْ يَجُزْ فَإِنْ زَوَّجَهُ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ جَازَ فَإِنْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ بِنْتَه لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً يَجُوزُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ بِالزَّوْجِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَلَا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا كَمَا فِي الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ بِخِلَافِ جَانِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِالطَّلَاقِ وَلِأَنَّهَا يَلْحَقُهَا الضَّرَرُ بِالْمُقَامِ مَعَ الْجُنُونِ أَكْثَرَ مِمَّا يَلْحَقُهَا بِالْمُقَامِ مَعَ الْعِنِّينِ فَإِذَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ مَعَ الْعِنِّينِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ فِي الْخِيَارِ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا يُخِلَّانِ بِالْوَطْءِ وَهَذِهِ الْعُيُوبُ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِهِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى الزَّوْجِ تَصْحِيحُ مَهْرِهَا بِوَطْئِهِ إيَّاهَا وَهَذَا مَوْجُودٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا أَجَّلَهُ الْحَاكِمُ حَوْلًا كَامِلًا فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَإِلَّا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا إنْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رَتْقَاءَ أَمَّا إذَا كَانَتْ رَتْقَاءَ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَحُكْمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ حُكْمُ الْعِنِّينِ يَعْنِي إذَا وَجَدَتْ زَوْجَهَا خُنْثَى وَالْعِنِّينُ مَنْ لَهُ صُورَةُ آلَةٍ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنَاهَا، وَهُوَ الْجِمَاعُ وَقَوْلُهُ حَوْلًا أَيْ سَنَةً شَمْسِيَّةً. وَفِي الْهِدَايَةِ قَمَرِيَّةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالشَّمْسِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالْقَمَرِيَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَأَوَّلُ السَّنَةِ. قِيلَ مِنْ حِينِ يَتَرَافَعَانِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا قَبْلَ التَّرَافُعِ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ أَيَّامُ الْحَيْضِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَرَضُهُ وَلَا مَرَضُهَا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ثُمَّ إذَا أَجَّلَهُ سَنَةً وَتَرَافَعَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَقَالَ هُوَ قَدْ وَطِئْتُهَا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَخُيِّرَتْ وَيُجْزِئُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدَةِ الْعَدْلَةِ وَالِاثْنَتَانِ أَحْوَطُ وَأَوْثَقُ وَلَا عَيْنَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَقَوَّتْ بِالْأَصْلِ وَهِيَ الْبَكَارَةُ وَإِنْ قُلْنَ هِيَ ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ خُيِّرَتْ لِتَأَيُّدِهَا بِالنُّكُولِ وَإِنْ حَلَفَ لَا تُخَيَّرُ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ شَكَّ النِّسَاءُ فِي أَمْرِهَا فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ حَتَّى تَبُولَ عَلَى الْجِدَارِ فَإِنْ رَمَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَهِيَ بِكْرٌ وَإِلَّا فَهِيَ ثَيِّبٌ وَقِيلَ تُمْتَحَنُ بِبَيْضَةِ الدِّيكِ فَإِنْ وَسِعَتْهَا فَهِيَ ثَيِّبٌ وَإِلَّا فَهِيَ بِكْرٌ ثُمَّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا إمَّا بِاعْتِرَافِهِ أَوْ بِظُهُورِ الْبَكَارَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخَيِّرُهَا فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ بَطَلَ حَقُّهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا وَلَا خُصُومَةَ فِي هَذَا النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَإِنْ طَلَبَتْ الْفُرْقَةَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ يَخْتَصُّ سَبَبُهَا بِالْحَاكِمِ فَلَا تَقَعُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ التَّفْرِقَةُ بِنَفْسِ اخْتِيَارِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ مَا لَمْ يَقُلْ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَكُمَا كَخِيَارِ الْمُدْرِكَةِ ثُمَّ هَذَا التَّخْيِيرُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ تَخْيِيرَ الْقَاضِي إيَّاهَا كَتَخْيِيرِ الزَّوْجِ قَوْلُهُ (وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً) ثُمَّ إذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ عِنِّينٌ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَكَانَ زَوْجُهَا عِنِّينًا لَمْ يُؤَجِّلْهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ وَلَوْ أَقَامَتْ امْرَأَةُ الْعِنِّينِ مَعَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مُطَاوِعَةً فِي الْمُضَاجَعَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا رِضًا؛ لِأَنَّهَا تَفْعَلُ ذَلِكَ اخْتِبَارًا لِحَالِهِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الرِّضَا فَإِنْ قَالَتْ قَدْ رَضِيتُ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِالْإِسْقَاطِ وَإِنْ وَطِئَهَا فِي دُبُرِهَا فِي الْمُدَّةِ فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَطْءِ وَإِنْ وَطِئَهَا وَهِيَ حَائِضٌ سَقَطَ خِيَارُهَا وَإِنْ وَصَلَ إلَى غَيْرِهَا فِي الْمُدَّةِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ وَلَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّ وَطْءَ غَيْرِهَا لَا يَسْتَقِرُّ بِهِ مَهْرُهَا فَلَا

عِبْرَةَ بِهِ وَلَوْ أَجَّلَ الْعِنِّينَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَدْ جُنَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي الطَّلَاقَ عَلَى امْرَأَةِ الْمَجْنُونِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَوْ أَنَّ الْمَجْنُونَ زَوَّجَهُ أَبُوهُ فَلَمْ يَصِل إلَيْهَا لَمْ يُؤَجِّلْهُ؛ لِأَنَّ فُرْقَتَهُ طَلَاقٌ وَالْمَجْنُونُ لَا طَلَاقَ لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ عِنِّينًا فَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَى الْأَمَةِ قَوْلُهُ (وَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ إذَا كَانَ قَدْ خَلَا بِهَا) ؛ لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ تَجِبُ بِهَا الْعِدَّةُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ وَلَمْ يُؤَجِّلْهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِهِ ثُمَّ إذَا خَلَا بِهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَجْبُوبُ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الِانْتِظَارِ وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ مِنْ الصَّبِيِّ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ بَعْدَمَا عَقَلَ وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُدْرِكَ قَوْلَهُ (وَالْخَصِيُّ يُؤَجَّلُ كَمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ) ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَرْجُوٌّ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي أُخْرِجَتْ أُنْثَيَاهُ وَبَقِيَ ذَكَرُهُ فَهُوَ وَالْعِنِّينُ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ بَعْضُ الذَّكَرِ مَجْبُوبًا وَبَقِيَ مَا يُمْكِنُ بِهِ مِنْ الْجِمَاعِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْجِمَاعِ وَقَالَ هُوَ أَنَا أَتَمَكَّنُ مِنْهُ قَالَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَا يُمْكِنُ بِهِ الْإِيلَاجُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ إذَا قُطِعَ بَعْضُهُ ضَعُفَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ عَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ أَبَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَهَذَا إذَا كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَهَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْنُونًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحْضِرُ أَبَاهُ فَيَعْرِضُ عَلَى الْأَبِ الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ قَدْ مَاتَ وَلَهُ أُمٌّ عَرَضَ عَلَيْهَا كَالْأَبِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْحَرْبِيَّةُ إذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا لَا تَبِينُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ هُنَاكَ مَرْجُوٌّ مِنْ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّ الْعَرْضَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَأَشْبَهَ الْمُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَسْلَمَتْ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ أَبَتْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكُنْ الْفُرْقَةُ طَلَاقًا) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّ الْفُرْقَةَ هُنَاكَ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) يَعْنِي إذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَصَارَتْ مَانِعَةً لِنَفْسِهَا كَالْمُطَاوَعَةِ لِابْنِ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إبَاءُ الْإِسْلَامِ وَرِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا حَصَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَهُوَ فَسْخٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ فَسْخٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي كِلَيْهِمَا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَلَاقٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الرِّدَّةُ فَسْخٌ وَإِبَاءُ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ طَلَاقٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَإِذَا حَاضَتْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ

بِهَا فِي ذَلِكَ أَيْ فِي تَوَقُّفِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ عَلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحِيَضَ لَا تَكُونُ عِنْدَهُ فَيَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولَةُ وَغَيْرُهَا ثُمَّ نَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ فَكَذَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ قَوْلُهُ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا الْفُرْقَةُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُسْلِمُ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَقَعُ قَوْلُهُ (وَإِذَا سُبِيَ أَحَدُهُمَا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ) لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ بِهِمَا دِينٌ وَلَا دَارٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا مُهَاجِرَةً جَازَ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وَفِي الْمَنْعِ مِنْ تَزْوِيجِهَا تَمَسُّكٌ بِعِصْمَتِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يُقِرُّ بِهَا الزَّوْجُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَمَا فِي الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ مَاءَ الْحَرْبِيِّ لَا حُرْمَةَ لَهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الزِّنَا وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا حَامِلٌ بِوَلَدٍ ثَابِتِ النَّسَبِ فَتُمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ احْتِيَاطًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ) عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْهَا فَهِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ هُوَ يُعْتَبَرُ بِالْإِبَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْإِبَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ إبَاءَ الزَّوْجِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ فَالرِّدَّةُ كَذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فَتَعَذَّرَتْ الرِّدَّةُ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا بِخِلَافِ الْإِبَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَلِهَذَا تَتَوَقَّفُ الْفُرْقَةُ بِالْإِبَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَ ارْتِدَادُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ فَسْخَ النِّكَاحِ عِنْدَنَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ امْرَأَةٌ ارْتَدَّتْ لِتُفَارَقَ زَوْجَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إلَّا بِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى يُجَدِّدُ الْعَقْدَ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ رَضِيَتْ أَوْ أَبَتْ يَعْنِي أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدُّ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَهَا النِّصْفُ) ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَصَارَتْ كَالطَّلَاقِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ بُضْعَهَا بِالِارْتِدَادِ فَصَارَتْ كَالْبَائِعِ إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَا مَعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) . وَقَالَ زُفَرُ يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ أَحَدِهِمَا مُنَافِيَةٌ وَفِي رِدَّتِهِمَا رِدَّةُ أَحَدِهِمَا وَزِيَادَةٌ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِارْتِدَادِ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَبْطُلُ لِإِصْرَارِ الْآخَرِ عَلَى الرِّدَّةِ وَهِيَ مُنَافِيَةٌ مِثْلَ ابْتِدَائِهَا وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا تَزَوَّجَ حَرْبِيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَالْفُرْقَةُ لَا تَقَعُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ مَا لَمْ تَحِضْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ حِيَضٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ

تَحِيضُ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَإِنْ أَسْلَمَ الْبَاقِي مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ فَهِيَ كَالْمُهَاجِرَةِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ الزَّوْجُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمَةً وَلَا كَافِرَةً وَلَا مُرْتَدَّةً) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ وَالْإِمْهَالُ إنَّمَا هُوَ ضَرُورَةُ التَّأَمُّلِ وَالنِّكَاحُ يَشْغَلُهُ عَنْ التَّأَمُّلِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدَّةُ لَا يَتَزَوَّجُهَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ وَلَا مُرْتَدٌّ) ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِلتَّأَمُّلِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ تَشْغَلُهَا عَنْ التَّأَمُّلِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ صَارَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا لِلْوَلَدِ وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً وَالزَّوْجُ كَافِرًا فِي حَالِ الْبَقَاءِ بِأَنْ أَسْلَمَتْ هِيَ وَلَمْ يُسْلِمْ فَهُمَا زَوْجَانِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ مَعَ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ كَانَ الْوَلَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَاَلَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ حَتَّى أَنَّهُ يَصِحُّ سَبْيُهُ وَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِلَّذِي سَبَاهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ نَظَرٍ لَهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ كَافِرٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فِي دِينِهِمْ ثُمَّ أَسْلَمَا أَقَرَّا عَلَيْهِ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ النِّكَاحُ فَاسِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي بِغَيْرِ شُهُودٍ وَفِي عِدَّةٍ مِنْ كَافِرٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي كَمَا قَالَ زُفَرُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَحُرْمَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي عِدَّةٍ مِنْ كَافِرٍ احْتِرَازًا مِنْ الذِّمِّيَّةِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ وَتَفْرِيعُ الْمَسَائِلِ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِغَيْرِ شُهُودٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِنْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً فِي عِدَّةِ ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَسْلَمَا أُقِرَّا عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَلَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَحَارِمِ فَهُوَ فَاسِدٌ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا أَوْ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَمْ لَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا فَرَّقْتُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ تَزَوَّجَ الْكَافِرُ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا يُقِرُّ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا أَسْلَمَ اخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَمِنْ الْخَمْسِ أَرْبَعًا فَإِنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِهَا فَهُوَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ دَخَلَ بِهِمَا فَرَّقْت بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْأُمُّ وَيُمْسِكُ الْبِنْتَ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَنِكَاحُ الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ ثُمَّ اسْتَرَقَّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ بِذِمِّيَّةٍ عَلَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا صَدَاقَ لَهَا كَالْحَرْبِيِّ وَالْحَرْبِيَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كَالْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمَهْرُ فِي نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّهْ ... لَوْ نَفَيَاهُ لَمْ يَجِبْ فِي الذِّمَّهْ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَه ثُمَّ أَسْلَمَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) ، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يُسْلِمَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا أَمَّا إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمَا لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِهَذَا النِّكَاحِ بَيْنَهُمْ حُكْمُ الصِّحَّةِ مَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ وَعِنْدَهُمَا لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَفَائِدَتُهُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ عِنْدَ التَّفْرِيقِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ ذَلِكَ خِلَافًا لَهُمَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ بِكْرَيْنِ كَانَتَا أَوْ ثِيبَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا بِكْرًا وَالْأُخْرَى

كتاب الرضاع

ثَيِّبًا) أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَدِيثَةً وَالْأُخْرَى قَدِيمَةً وَسَوَاءٌ كُنَّ مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ أَوْ إحْدَاهُمَا مُسْلِمَةً وَالْأُخْرَى كِتَابِيَّةً فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حُرَّةً وَالْأُخْرَى أَمَةً فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ) وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِنَّ قَائِمٌ وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ فِي اعْتِبَارِ الْقَسْمِ سَوَاءٌ ثُمَّ التَّسْوِيَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى النَّشَاطِ وَلِأَنَّ الْمُجَامَعَةَ حَقُّهُ فَإِذَا تَرَكَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ وَلَا يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَا يَدْخُلُ بِاللَّيْلِ عَلَى الَّتِي لَا قَسْمَ لَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ لِحَاجَةٍ وَيَعُودُهَا فِي مَرَضِهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا وَإِنْ ثَقُلَ مَرَضُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تُشْفَى أَوْ تَمُوتَ. وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلَهُ ذَلِكَ وَيُسَوِّيَ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْمُرَاهِقَةِ وَالْبَالِغَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالصَّحِيحَةِ وَالْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَكَذَا الْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَدْلِ فِي الْمُؤَانَسَةِ دُونَ الْمُجَامَعَةِ وَيُسَوِّيَ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْحَدِيثَةِ وَالْقَدِيمَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ كَانَتْ الْحَدِيثَةُ بِكْرًا فَضَّلَهَا بِسَبْعِ لَيَالٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَبِثَلَاثٍ قُلْنَا لَوْ وَجَبَ التَّفْضِيلُ لَكَانَتْ الْقَدِيمَةُ أَحَقَّ؛ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ فِي جَانِبِهَا أَكْثَرُ حَيْثُ أَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا يَغِيظُهَا قَوْلُهُ (وَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْقَسْمِ فِي حَالِ السَّفَرِ وَيُسَافِرُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَيُسَافِرَ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا) فَإِنْ سَافَرَ بِإِحْدَاهُنَّ ثُمَّ عَادَ مِنْ سَفَرِهِ فَطَلَبَ الْبَاقِيَاتُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُنَّ مِثْلَ سَفَرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ بِأَيَّامِ سَفَرِهِ فِي الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ وَلَكِنْ يَسْتَقْبِلُ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَسْمِ يُضْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ الْحَقُّ فِيهِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَطَالَبَتْهُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَهُوَ يَشْتَغِلُ عَنْهَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَرَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَيُفْطِرَ لَهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ وَلَا تَوْقِيتٌ. وَفِي الْخُجَنْدِيِّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يَجْعَلُ لَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا أُخَرَ فَيَكُونُ لَهَا مِنْ الْقَسْمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ الْأَرْبَعِ وَبِهَذَا حَكَمَ كَعْبُ بْنُ سُوَرٍ وَاسْتَحْسَنَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ فَقَالَ عُمَرُ نِعْمَ الزَّوْجُ زَوْجُكِ فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ كَلَامَهَا مِرَارًا فَقَالَ لَهَا مَا أَحْسَنَ ثَنَاءَك عَلَى زَوْجِك فَقَالَ كَعْبُ بْنُ سُوَرٍ أَنَّهَا تَشْكُوهُ قَالَ وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ: إنَّهَا تَشْكُو إذْ صَامَ بِالنَّهَارِ وَقَامَ بِاللَّيْلِ هَجَرَ صُحْبَتَهَا وَلَمْ يَتَفَرَّغْ لَهَا فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ اقْضِ بَيْنَهُمَا يَا كَعْبُ فَحَكَمَ كَعْبٌ لَهَا بِلَيْلَةٍ وَلِزَوْجِهَا بِثَلَاثٍ فَاسْتَحْسَنَهُ عُمَرُ وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ هَذَا وَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا فَطَلَبْنَهُ بِالْوَاجِبِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَيْلَةٌ مِنْ الْأَرْبَعِ فَلَوْ جَعَلْنَا هَذَا حَقًّا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لَكَانَ لَا يَتَفَرَّغُ لِأَفْعَالِهِ فَلَمْ يُؤَقِّتْ لِهَذَا وَقْتًا وَإِنَّمَا يُجْعَلُ لَهَا لَيْلَةً مِنْ الْأَيَّامِ بِقَدْرِ مَا يَحْسُنُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ يَجْعَلُ لَهَا لَيْلَةً مِنْ كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثَلَاثَ حَرَائِرَ فَيَكُونَ لَهَا لَيْلَةٌ مِنْ سَبْعِ لَيَالٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا رَضِيت إحْدَى الزَّوْجَاتِ بِتَرْكِ قَسْمِهَا لِصَاحِبَتِهَا جَازَ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ فَلَا يَسْقُطُ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّبَرُّعِ وَلَوْ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بَذَلَتْ مَالًا لِلزَّوْجِ لِيَجْعَلَ لَهَا مِنْ الْقَسْمِ أَكْثَرَ أَوْ بَذَلَ لَهَا الزَّوْجُ مَالًا لِتَجْعَلَ يَوْمَهَا لِصَاحِبَتِهَا أَوْ بَذَلَتْ هِيَ الْمَالَ لِصَاحِبَتِهَا لِتَجْعَلَ يَوْمَهَا لَهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْزِلَ مَاءَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْإِذْنُ إلَى مَوْلَاهَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْأَمَةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ أَمَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [كِتَابُ الرَّضَاعِ]

مدة الرضاع

هُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَصُّ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إرْضَاعٍ مَخْصُوصٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فَقَوْلُنَا مَخْصُوصٍ أَنْ تَكُونَ الْمُرْضِعَةُ آدَمِيَّةً وَالرَّاضِعُ فِي مُدَّةِ الْإِرْضَاعِ وَسَوَاءٌ وَصَلَ اللَّبَنُ إلَى جَوْفِ الطِّفْلِ مِنْ ثَدْيٍ أَوْ مُسْعَطٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ حُقِنَ بِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ فِي الْمَشْهُورِ وَإِنْ أَقُطِرَ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ فِي جَائِفَةٍ أَوْ آمَّةٍ لَمْ يُحَرِّمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) يَعْنِي بَعْدَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْقَلِيلُ مُفَسَّرٌ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ. [مُدَّةُ الرَّضَاعِ] قَوْلُهُ (وَمُدَّةُ الرَّضَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُونَ شَهْرًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ سَنَتَانِ) . وَقَالَ زُفَرُ ثَلَاثُ سِنِينَ وَفِي الذَّخِيرَةِ مُدَّتُهُ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ أَدْنَى وَوَسَطٌ وَأَقْصَى فَالْأَدْنَى حَوْلٌ وَنِصْفٌ وَالْوَسَطُ حَوْلَانِ وَالْأَقْصَى حَوْلَانِ وَنِصْفٌ حَتَّى لَوْ نَقَصَ عَنْ الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ شَطَطًا وَإِنْ زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا وَإِذَا كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَوَلَدَتْ فَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى إرْضَاعِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِفِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ الْفِطَامُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقَّ التَّرْبِيَةِ إلَى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ هِيَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالرَّضَاعِ تَحْرِيمٌ) قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ فُصِلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَاسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ فِي الْمُدَّةِ عَلَى قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ رَضَاعٍ فِي الثَّلَاثِينَ شَهْرًا قَبْلَ الْفِطَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ رَضَاعٌ يُحَرِّمُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا فُطِمَ فِي السَّنَتَيْنِ حَتَّى اسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ فَارْتَضَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ وَإِنْ هِيَ فَطَمَتْهُ فَأَكَلَ أَكْلًا ضَعِيفًا لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ عَادَ فَارْتَضَعَ فَهُوَ رَضَاعٌ يُحَرِّمُ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَكَانَ لَا يَعْتَدُّ بِالْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ. [يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ] قَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا أُمَّ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ) ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أُمَّهُ أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَرْأَةِ يُحَرِّمُ أُمَّهَا مِنْ النَّسَبِ فَكَذَا مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُ بِنْتِ امْرَأَته مِنْ الرَّضَاعِ إنْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الرَّبِيبَةِ مِنْ النَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِوَطْءِ الْأُمِّ فَكَذَا الرَّبِيبَةُ مِنْ الرَّضَاعِ. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ النَّسَبِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَطِئَ أُمَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الرَّضَاعِ قَوْلُهُ (وَامْرَأَةَ ابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ) وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ فِي النَّصِّ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي. قَوْلُهُ (وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ إنْ ارْتَضَعَ الْمَرْأَةَ صَبِيَّةٌ فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَعَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ الَّذِي نَزَلَ مِنْهُ اللَّبَنُ أَبًا لِلْمِرْضَعَةِ) وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُ أَمَّا إذَا لَمْ

تَلِدْ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَخْتَصُّ بِهَا دُونَهُ حَتَّى لَا تَحْرُمَ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى وَلَدِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَقَوْلُهُ فَتَحْرُمُ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ عَلَى زَوْجِهَا وَقَعَ اتِّفَاقًا وَخَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً بِلَبَنِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّ الرَّضَاعَ يَكُونُ مِنْهَا خَاصَّةً لَا مِنْ الزَّانِي وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ ابْنُ الْوَاطِئِ مِنْ الرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ ثَبَتَ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تُرْضِعَ كُلَّ صَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَإِنْ أَرْضَعَتْ فَلْتَحْفَظْ وَلْتَكْتُبْ احْتِيَاطًا حَتَّى لَا يَنْسَى بِطُولِ الزَّمَانِ وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَهَا لَبَنٌ مِنْهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ ثُمَّ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا عِنْدَ الثَّانِي إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَحْبَلَ مِنْ الثَّانِي فَالرَّضَاعُ يَكُونُ مِنْ الْأَوَّلِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا حَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ تَلِدَ فَالرَّضَاعُ مِنْ الْأُولَى إلَى أَنْ تَلِدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا وَلَدَتْ فَالتَّحْرِيمُ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ بِالْغَلَبَةِ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَهُوَ مِنْهُمَا وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ هَذَا اللَّبَنَ مِنْ الثَّانِي كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا إلَى أَنْ تَلِدَ فَإِذَا وَلَدَتْ فَالتَّحْرِيمُ مِنْ الثَّانِي. قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ النَّسَبِ وَذَلِكَ مِثْلَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا كَانَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ تَحْرِيمًا. (قَوْلُهُ وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ) الْمُرَادُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الرَّضَاعِ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ تَقَدَّمَ رَضَاعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ أُمَّهُمَا وَاحِدَةٌ فَهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ اجْتِمَاعَهُمَا مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ إذَا كَانَ رَضَاعُهُمَا مِنْ ثَدْيٍ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً فَأَرْضَعَتْهَا أَمَةٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُخْتَهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَتَيْنِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا مَعًا أَوْ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى صَارَتَا أُخْتَيْنِ وَحُرِّمَتَا عَلَيْهِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا عَزَمَ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ كُنَّ ثَلَاثَ صَبَايَا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ بَانَتْ الْأُولَيَانِ وَكَانَتْ الثَّالِثَةُ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضَعَتْ الثَّانِيَةُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ أُخْتَيْنِ فَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ثُمَّ لَمَّا أَرْضَعَتْ الثَّالِثَةَ صَارَتْ أُخْتًا لَهُمَا وَهُمَا أَجْنَبِيَّتَانِ وَالتَّحْرِيمُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمْعِ وَإِنْ أَرْضَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ الثِّنْتَيْنِ مَعًا بِنَّ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إرْضَاعَ الْأُولَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الْأَخِيرَتَيْنِ مَعًا صِرْنَ أَخَوَاتٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَفْسُدُ نِكَاحُهُنَّ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعَ صَبَايَا فَأَرْضَعَتْهُنَّ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى بِنَّ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَرْضَعَتْ الثَّانِيَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلْأُولَى فَبَانَتَا فَلَمَّا أَرْضَعَتْ الرَّابِعَةَ صَارَتْ أُخْتًا لِلثَّالِثَةِ فَبَانَتَا جَمِيعًا. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُرْضَعَةَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهَا وَلَا وَلَدُ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَخِيهَا. قَوْلُهُ (وَلَا يَتَزَوَّجُ الصَّبِيُّ الْمُرْضَعُ بِأُخْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ) قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) وَغَلَبَةُ اللَّبَنِ أَنْ يُوجَدَ طَعْمُهُ وَلَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْمَاءُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ التَّغَذِّي كَمَا فِي الْيَمِينِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ اللَّبَنَ فَشَرِبَ لَبَنًا مَخْلُوطًا بِالْمَاءِ وَالْمَاءُ غَالِبٌ لَمْ يَحْنَثْ وَقِيلَ الْغَلَبَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إخْرَاجُهُ مِنْ الِاسْمِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا تَعَلَّقَ بِهِ

التَّحْرِيمُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ حَتَّى لَوْ طَبَخَ بِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَفِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ أَمَّا إذَا حَسَاهُ حَسْوًا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَقِيلَ إنْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا بِحَيْثُ أَنْ يَصِيرَ اللَّبَنُ مَشْرُوبًا فِيهِ فَشَرِبَهُ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَطَ بِالدَّوَاءِ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَبْقَى مَقْصُودًا فِيهِ إذْ الدَّوَاءُ لِتَقْوِيَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَبَ اللَّبَنَ مِنْ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَلْحَقُهُ بِالْمَوْتِ فَحَالُهُ بَعْدَهُ كَحَالِهِ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَةَ فُقِدَ فِعْلُهَا وَفِعْلُ الْمُرْضِعَةِ لَا يُعْتَبَرُ بِدَلَالَةِ ارْتِضَاعِ الصَّبِيِّ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ وَفَائِدَةُ التَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَضَعَ بِلَبَنِهَا صَغِيرَةً وَلَهَا زَوْجٌ فَإِنَّ الْمَيِّتَةَ تَصِيرُ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَتَصِيرُ مَحْرَمًا لِلْمَيِّتَةِ فَلَهُ أَنْ يُيَمِّمَهَا وَيَدْفِنَهَا وَهَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّبَنِ التَّغَذِّي وَالْمَوْتُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَطْءِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي وَطْءِ الْمَيِّتَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِلَبَنِ شَاةٍ وَاللَّبَنُ هُوَ الْغَالِبُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ غَلَبَ لَبَنُ الشَّاةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) كَمَا فِي الْمَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا اخْتَلَطَ بِالدُّهْنِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَكْثَرِهِمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا تَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا نَزَلَ لِلْبِكْرِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَلَوْ أَنَّ صَبِيَّةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ التَّحْرِيمُ بِهِ إذَا حَصَلَ مِنْ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا. قَوْلُهُ (وَإِذَا نَزَلَ لِلرَّجُلِ لَبَنٌ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ وَإِذَا نَزَلَ لِلْخُنْثَى لَبَنٌ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِنْ أَشْكَلَ إنْ قَالَ النِّسَاءُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِامْرَأَةٍ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ وَإِذَا تَجَبَّنَ لَبَنُ امْرَأَةٍ وَأَطْعَمَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا شَرِبَ صِبْيَانٌ مِنْ لَبَنِ شَاةٍ فَلَا رَضَاعَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةِ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمُومَةَ لَا تَثْبُتُ بِهِ وَلَا أُخُوَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهَا وَلِأَنَّ لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ صَغِيرَةً وَكَبِيرَةً فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ) ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ صَارَتْ أَمَّا لَهَا فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَذَلِكَ حَرَامٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْكَبِيرَةِ فَلَا مَهْرَ لَهَا) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَانِعَةً لِنَفْسِهَا قَبْلَ

كتاب الطلاق

الدُّخُولِ قَوْلُهُ (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا فِعْلٌ قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ) بِأَنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَقَصَدَتْ بِالْإِرْضَاعِ الْفَسَادَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ عَلَيْهَا تَعَمَّدَتْ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَعَمَّدْ مَعَ يَمِينِهَا وَتَفْسِيرُ التَّعَمُّدِ هُوَ أَنْ تُرْضِعَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِأَنْ كَانَتْ شَبْعَانَةً وَأَنْ تَعْلَمَ بِقِيَامِ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ أَمَّا إذَا فَاتَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَمْ تَكُنْ مُتَعَمِّدَةً وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جَائِعَةٌ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا شَبْعَانَةٌ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ صَغِيرَةٌ وَمَجْنُونَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْمَجْنُونَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْمَجْنُونَةِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلِلصَّغِيرَةِ النِّصْفُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَجْنُونَةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ، وَكَذَا إذَا جَاءَتْ الصَّغِيرَةُ إلَى الْكَبِيرَةِ الْعَاقِلَةِ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَأَخَذَتْ ثَدْيَهَا وَجَعَلَتْهُ فِي فَمِهَا وَارْتَضَعَتْ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا بَانَتَا مِنْهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ بَانَتَا مِنْهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ فَإِنْ تَعَمَّدَ الرَّجُلُ الْفَسَادَ وَغَرِمَ نِصْفَ الصَّدَاقِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ الصَّغِيرَةَ امْرَأَتُهُ مَعْنَاهُ إذَا قَصَدَتْ دَفْعَ الْجُوعِ عَنْهَا وَخَوْفَ الْهَلَاكِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ فَرْضٌ عَلَيْهَا إذَا خَافَتْ هَلَاكَهَا وَإِنْ عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْفَسَادِ لَمْ تَكُنْ مُتَعَدِّيَةً فَلَا يَلْزَمُهَا ضَمَانٌ. قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ يَنْظُرُ إلَى الثَّدْيِ وَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) إذَا كَانُوا عُدُولًا فَإِذَا شَهِدُوا بِذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى قَالَ الْكَرْخِيُّ رُوِيَ «أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: إنِّي أَرْضَعَتْكُمَا قَالَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْرَضَ ثُمَّ ذَكَرْتُهُ لَهُ فَأَعْرَضَ حَتَّى قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَدَعْهَا إذًا وَرُوِيَ فَارِقْهَا فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا سَوْدَاءُ فَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ أَيْ قِيلَ: إنَّهَا أُخْتُك وَإِنَّمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّهِ» أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا وَلَوْ وَجَبَ التَّفْرِيقُ لَمَا أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ فِي أَوَّلِ سُؤَالِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّنَزُّهَ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَارِقْهَا دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ. [كِتَابُ الطَّلَاقِ] [الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ] (كِتَابُ الطَّلَاقِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْقَيْدِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِطْلَاقِ تَقُولُ الْعَرَبُ أَطْلَقْتُ إبِلِي وَأَسِيرِي، وَطَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهُمَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ فَجَعَلُوهُ فِي الْمَرْأَةِ طَلَاقًا وَفِي غَيْرِهِ إطْلَاقًا كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ حِصَانٍ وَحَصَانٍ فَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ حَصَانٌ وَلِلْفَرَسِ حِصَانٌ، وَهُوَ سَوَاءٌ فِي اللَّفْظِ مُخْتَلِفٌ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لِحِلِّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَيُقَالُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ وَلِهَذَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَالطَّلَاقُ عِنْدَهُمْ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَقِيبَهُ إذَا كَانَ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَائِنًا وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَقَفَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَيْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الطَّلَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) يَعْنِي أَنَّهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَبِدْعِيٌّ وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ طَلَاقُ سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ أَمَّا تَقْسِيمُ الشَّيْخِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ سُنَّةٍ وَطَلَاقَ بِدْعَةٍ وَطَلَاقًا خَارِجًا عَنْهُمَا وَهُوَ طَلَاقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَطَلَاقُ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَيَحْتَمِلُ

طلاق السنة

أَيْضًا أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ صَرِيحٍ وَطَلَاقَ كِنَايَةٍ وَطَلَاقًا فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةً وَهُوَ قَوْلُهُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ (فَأَحْسَنُ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ أَحْسَنُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطَّلَاقِ مَا هُوَ حَسَنٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ قِيلَ هُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارِ لَا يُجَامِعُهَا فِيهِ حَسَنٌ، وَهُوَ طَلَاقٌ السُّنَّةِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ. [طَلَاقُ السُّنَّةِ] قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ) ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ آخَرُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَكَذَا عِنْدَهُمَا يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَيْنِ بِشَهْرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْحَامِلُ لَا تَطْلُقَ لِلسُّنَّةِ إلَّا مَرَّةً. [طَلَاقُ الْبِدْعَةِ] قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ وَكَانَ عَاصِيًا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ فَالدِّينِيَّةُ حِفْظُ النَّفْسِ مِنْ الزِّنَا وَحِفْظُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَنْهُ وَفِيهِ تَكْثِيرٌ لِلْمُوَحِّدِينَ وَتَحْقِيقُ مُبَاهَاةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَأَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَقِوَامُ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْمَلُ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَالرَّجُلُ خَارِجَهُ فَيَنْتَظِمُ أَمْرُهُمَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْحَظْرِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ حِبَالَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْأَطْهَارِ وَإِنَّمَا كَانَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ «قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا قَالَ إذًا عَصَيْت رَبَّكَ وَبَانَتْ مِنْك» وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ «طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِنَا امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُؤْتَى بِرَجُلٍ طَلَّقَ ثَلَاثًا إلَّا أَوْجَعَهُ ضَرْبًا، وَكَذَا إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ فِي الطُّهْرِ الْوَاحِدِ بِدْعَةٌ، وَكَذَا الطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَكَذَا فِي النِّفَاسِ أَيْضًا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ صِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ. وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ النَّاجِزِ. قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ إنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ النَّدَمِ وَأَنْ يَبْدُوَ لَهُ فَيَسْتَدْرِكَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَيُقَالُ: إنَّ السُّنَّةَ فِي الْعَدَدِ هُوَ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً لَا غَيْرُ وَسَمَّيْت الْوَاحِدَةُ عَدَدًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ فَقَدْ وُجِدَتْ السُّنَّةُ فِي طَلَاقِهَا مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتِ أَمْرٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ كَانَ سُنِّيًّا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ كَانَ بِدْعِيًّا وَقَوْلُهُ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولَةُ وَغَيْرُهَا حَتَّى لَوْ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ وَاحِدَةً سَاعَةَ تَكَلَّمَ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ أُخْرَى سَاعَةَ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَا الثَّالِثَةُ سَاعَة تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقَعُ أُخْرَى حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ الْأُولَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ تَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ) أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ طَوَّلَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَإِنْ

طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَكُونَ عَلِقَتْ مِنْ ذَلِكَ الْجِمَاعِ فَيَنْدَمَ عَلَى طَلَاقِهَا وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَدْخُولَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولَةِ فَلَا تَثْبُتُ فِيهَا السُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ طَلَاقُهَا وَهِيَ حَائِضٌ؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَخَوْفُ الْحَبَلِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ بَعْدَمَا جَاءَ مَعَهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا طَلَاقُ السُّنَّةِ بِالْعَدَدِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً مَتَى شَاءَ ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أُخْرَى ثُمَّ يَتْرُكُهَا شَهْرًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا أُخْرَى قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ) يَعْنِي الَّتِي لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ. وَقَالَ زُفَرُ يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ وَالْحَبَلُ أَمَّا إذَا كَانَتْ يُرْجَى مِنْهَا ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِشَهْرٍ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْحَامِلِ يَجُوزُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ الْعِدَّةِ قَوْلُهُ (وَيُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الْأَشْهُرُ أَوْ الْحَيْضُ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لَيْسَ مِنْ فُصُولِهَا وَهُمَا يَقِيسَانِهَا عَلَى الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا وَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ» فَإِنْ قِيلَ الْأَمْرُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْوُجُوبَ عَلَى عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ ابْنَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ وُجُوبُ الْمُرَاجَعَةِ بِقَوْلِ عُمَرَ قُلْنَا فِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ فَثَبَتَ الْوُجُوبُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْخُلْعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ. وَفِي الْمُنْتَقَى لَا بَأْسَ بِهِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَهُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ طَهُرَتْ وَحَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا) وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إذَا رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ جَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ بِالْقَوْلِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِلسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ إذَا رَاجَعَهَا بِاللَّمْسِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ لَيْسَ لَهُ

الطلاق على ضربين صريح وكناية

ذَلِكَ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا) سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا هَازِلًا كَانَ أَوْ جَادًّا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» قَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ أَيْضًا، وَهُوَ مِنْ كَانَ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ بَعْضُ كَلَامِهِ مِثْلُ كَلَامِ الْعُقَلَاءِ وَبَعْضُهُ مِثْلُ كَلَامِ الْمَجَانِينِ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي حَالِ الْعَتَهِ أَمَّا فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاقِعٌ، وَكَذَا النَّائِمُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ عَدِيمُ الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِ النَّائِمٍ طَلَاقٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَوْ اسْتَيْقَظَ وَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ. قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ ثُمَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَعَ طَلَاقُهُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِي إسْقَاطِ حَقِّ مَوْلَاهُ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي هَذَا النِّكَاحِ قَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ مَلَكَ السَّاقَ» وَلِأَنَّ الْحِلَّ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فَكَانَ رَفْعُهُ إلَيْهِ. [الطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ] قَوْلُهُ (وَالطَّلَاقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ) فَالصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ بِهِ ظُهُورًا بَيِّنًا مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ حُرَّةٌ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَصْرُ صَرْحًا لِارْتِفَاعِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْنِيَةِ وَالْكِنَايَةُ مَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ (فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَقَدْ طَلَّقْتُك فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَلَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقَعُ مَا نَوَى قَوْلُهُ (وَلَا يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ) يَعْنِي الصَّرِيحَ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِبَانَةَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّرْعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ الْعَمَلِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ وَالتَّخْفِيفِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا صَارَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا تَصِيرُ ثَلَاثًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ لَهَا كُونِي طَالِقًا أَوْ أَطْلِقِي قَالَ مُحَمَّدٌ أَرَاهُ وَاقِعًا وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ كُونِي حُرَّةً أَوْ أَعْتِقِي قَوْلَهُ (وَقَوْلُهُ أَنْتِ الطَّالِقُ وَأَنْتِ طَالِقُ الطَّلَاقِ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَيْضًا وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نِيَّةٍ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْكَثْرَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ: إنَّ الثِّنْتَيْنِ بَعْضُ الثَّلَاثِ فَلَمَّا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ صَحَّتْ نِيَّةُ بَعْضِهَا وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا جِنْسًا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِيَّةِ أَمَّا الثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ عَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقُ الطَّلَاقِ وَقَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي الطَّلَاقَ أُخْرَى صُدِّقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَالِحَةٌ لِلْإِيقَاعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَيَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ) هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ وَتَحْرُمُ أَوْ يَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْحُرَّةِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ اثْنَتَانِ إذَا نَوَاهُمَا يَعْنِي مَعَ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ إنَّمَا يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لَا غَيْرُ كَقَوْلِك قُمْت قِيَامًا وَأَكَلْت

أَكْلًا وَالتَّأْكِيدُ لَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَهُ الْمُؤَكِّدُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُفِيدُ مَعْنَى الْكَثْرَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ عَنَيْتُ الْأَوَّلَ صُدِّقَ دِيَانَةً، وَكَذَا إذَا قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا قُلْت قَالَ قَدْ طَلَّقْتهَا أَوْ قَالَ قُلْت هِيَ طَالِقٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثِنْتَانِ. قَوْلُهُ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي الْكِنَايَاتُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ أَوْ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ (وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ يَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَمَّا قَوْلُهُ اعْتَدِّي فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ وَالِاعْتِدَادَ بِنِعَمِ اللَّهِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ أَنِّي أُرِيدُ طَلَاقَك وَقَوْلُهُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْتِ وَاحِدَةٌ فِي قَوْمِك وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ نَصَبَ الْوَاحِدَةَ يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَإِنْ رَفَعَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى وَإِنْ سَكَّنَهَا فَفِيهِ الْكَلَامُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ قَوْلُهُ (وَبَقِيَّةُ الْكِنَايَاتِ إذَا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً) الْكِنَايَاتُ كُلُّهَا بَوَائِنُ إلَّا الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّهَا رَجْعِيٌّ قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَتَارَةً تَكُونُ الْبَيْنُونَةُ بِوَاحِدَةٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِالثَّلَاثِ فَيَقَعُ مَا نَوَى مِنْهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً) وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ اثْنَتَانِ، لَنَا أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَا تَتَضَمَّنُ الْعَدَدَ أَلَا تَرَى أَنَّك لَا تَقُولُ أَنْتِ بَائِنَتَانِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ بِالنِّيَّةِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْهُ الْكَلَامُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَرَادَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ وَلَكِنَّهَا نَوْعُ بَيْنُونَةٍ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي اثْنَتَيْنِ وَقَعَتَا؛ لِأَنَّهَا الْبَيْنُونَةُ الْعُلْيَا فِي حَقِّهَا كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ. قَوْلُهُ (وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَحَرَامٌ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ إلَى آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فَقَوْلُهُ أَنْتِ بَائِنٌ

يَحْتَمِلُ الْبَيْنُونَةَ مِنْ النِّكَاحِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ وَبَتَّةٌ الْبَتُّ هُوَ الْقَطْعُ فَيَحْتَمِلُ الْقَطْعَ مِنْ النِّكَاحِ وَعَنْ الْمُرُوءَةِ وَالْخَيْرِ وَبَتْلَةٌ بِمَنْزِلَةِ بَتَّةٍ وَقَوْلُهُ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَالْيَمِينَ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ أَنَّك لَا تُطِيعِينِي وَالْحَقِي بِأَهْلِك يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ لِأَهْلِهَا وَخَلِيَّةٌ يَحْتَمِلُ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ الْخَيْرِ وَمِنْ الشُّغْلِ وَبَرِيَّةٌ يَحْتَمِلُ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك سَوَاءٌ قَبِلُوهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوهَا يَحْتَمِلُ وَهَبْتُك لَهُمْ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ هِبَةَ الْعَيْنِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ وَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ لِأَبِيك أَوْ لِأُمِّكِ أَوْ لِلْأَزْوَاجِ فَهُوَ طَلَاقٌ إذَا نَوَى؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ بِالطَّلَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَيَمْلِكُهَا الْأَزْوَاجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَإِذَا قَالَ وَهَبْتُكِ لِأَخِيك أَوْ لِعَمِّك أَوْ لِخَالِك أَوْ لِفُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ لَمْ يَكُنْ طَلَاقُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَرِدُ بِالطَّلَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَقَوْلُهُ وَسَرَّحْتُكِ وَفَارَقْتُكِ هُمَا كِنَايَتَانِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ يُقَالُ سَرَّحْتُ إبِلِي وَفَارَقْتُ صَدِيقِي فَقَوْلُهُ سَرَّحْتُكِ يَحْتَمِلُ بِالطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ فِي حَوَائِجِي وَفَارَقْتُك يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَيَحْتَمِلُ بِبَدَنِي وَقَوْلُهُ وَأَنْتِ حُرَّةٌ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ وَيَحْتَمِلُ كَوْنَهَا حُرَّةً. وَقَوْلُهُ وَتَقَنَّعِي يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّك مُطَلَّقَةٌ وَيَحْتَمِلُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَمِثْلُهُ وَاسْتَتِرِي وَقَوْلُهُ وَاغْرُبِي يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّكِ قَدْ بِنْتِ مِنِّي وَيَحْتَمِلُ أَنَّك لَا تُطِيعِينِي وَمِثْلُهُ اُعْزُبِي بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ غِيبِي وَابْعُدِي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} [يونس: 61] وَالْعُزُوبُ الْبَعْدُ وَالذَّهَابُ وَقَوْلُهُ وَأَبْتَغِي الْأَزْوَاجَ يَحْتَمِلُ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ إبْعَادَهَا مِنْهُ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَيْضًا اُخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي وَتَزَوَّجِي وَانْطَلِقِي وَانْتَقِلِي وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَلَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ نِكَاحِكِ وَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا نَوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الشَّيْءِ تَرْكٌ لَهُ وَإِعْرَاضٌ عَنْهُ وَالْمُعْرِضُ عَنْ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ مُطَلِّقًا وَالْمُعْرِضُ عَنْ النِّكَاحِ يَكُونُ مُطَلِّقًا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ قَالَ خُذِي طَلَاقَكِ فَقَالَتْ قَدْ أَخَذْتُهُ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقَك اللَّهُ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَعْتَقَك اللَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَلَوْ قَالَ جَمِيعُ نِسَاءِ الدُّنْيَا طَوَالِقُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا وَإِنْ قَالَ عَبِيدُ أَهْلِ الدُّنْيَا أَحْرَارٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَقُ وَلَوْ قَالَ أَوْلَادُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ إجْمَاعًا، وَكَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ قَالَ لَسْتِ لِي امْرَأَةً أَوْ قَالَ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا مَا أَنَا بِزَوْجِكِ أَوْ سُئِلَ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا فَإِنَّهُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ طَلَاقًا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّوْجِيَّةِ كَذِبٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ كَقَوْلِهِ لَمْ أَتَزَوَّجْك وَقَدْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْتِ وَاَللَّهِ لِي بِامْرَأَةٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى النَّفْيِ يَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَكَّدَ النَّفْيَ بِالْيَمِينِ صَارَ ذَلِكَ إخْبَارًا لَا إيقَاعًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُؤَكَّدُ بِهَا إلَّا الْخَبَرُ وَالْخَبَرُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُنْتُ طَلَّقْتُكِ أَمْسِ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا أَمْسِ كَذَا فِي شَرْحِهِ وَلَوْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَوْ قَالَ أَفْلِحِي أَوْ فَسَخْتُ النِّكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَقَعْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَكُونَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ) ، وَهُوَ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ تُطَالِبَهُ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا قَوْلُهُ (فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ) أَمَّا إذَا كَانَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْفُرْقَةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ وَاخْتَارِي وَاعْتَدِّي وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَمَّا خَرَجَتْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَكَانَا فِي غَصْبٍ أَوْ خُصُومَةٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ لَا يَقْصِدُ بِهَا السَّبَّ

وَالشَّتِيمَةَ) مِثْلَ اعْتَدِّي اخْتَارِي أَمْرَك بِيَدِك؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَصْلُحُ لِلشَّتِيمَةِ بَلْ تَحْتَمِلُ الْفُرْقَةَ وَحَالُ الْغَضَبِ حَالُ الْفُرْقَةِ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ الْفُرْقَةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكِنَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كِنَايَاتٌ وَمَدْلُولَاتٌ وَتَفْوِيضَاتٌ فَالْكِنَايَاتُ أَنْتِ حَرَامٌ وَبَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَبَتْلَةٌ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك فَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي حَالَةِ الرِّضَا إنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَا فِي حَالَةِ الْغَصْبِ صُدِّقَ فِي خَمْسَةِ أَلْفَاظٍ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ وَهِيَ أَنْتِ حَرَامٌ وَبَائِنٌ وَبَتَّةٌ وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصْلُحُ لِلشَّتِيمَةِ يَحْتَمِلُ بَائِنٌ مِنْ الدَّيْنِ وَبَتَّةٌ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَخَلِيَّةٌ مِنْ الْخَيْرِ وَبَرِيَّةٌ مِنْ الْإِسْلَامِ وَحَرَامٌ الِاجْتِمَاعُ مَعَك وَالْحَالُ حَالُ الشَّتِيمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ وَالْمَدْلُولَاتُ اذْهَبِي وَقُومِي وَاسْتَتِرِي وَتَقَنَّعِي وَاخْرُجِي وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بَائِنًا وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا سَوَاءٌ كَانَا فِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْ الْغَضَبِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَالتَّفْوِيضَاتُ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي فَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يُصَدَّقُ فِي التَّفْوِيضَاتِ وَلَا فِي الْكِنَايَاتِ الرَّجْعِيَّةِ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي التَّفْوِيضَاتِ إذَا قَالَتْ مُجِيبَةٌ لَهُ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي ثُمَّ فِي قَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ طَلْقَةً بَائِنَةً وَفِي قَوْلِهَا طَلَّقَتْ نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً. قَوْلُهُ (وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ وَبِضَرْبٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالشِّدَّةِ كَانَ بَائِنًا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَإِذَا وَصَفَهُ بِزِيَادَةٍ أَفَادَ مَعْنًى لَيْسَ فِي لَفْظِهِ قَوْلُهُ (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْحَبْلِ أَوْ مِلْءِ الْبَيْتِ) ، وَكَذَا أَخْبَثَ الطَّلَاقِ أَوْ أَسْوَأَ الطَّلَاقِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وَنَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَائِنَةٌ وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءِ الْبَيْتِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَكُونَ ثَلَاثًا لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ وَفِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ كَأَلْفٍ إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ كَمَا إذَا قَالَ كَعَدَدِ الْأَلْفِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً دَيَّنْته فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أُدَيِّنُهُ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةٌ كَأَلْفٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إجْمَاعًا وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ الْأَلْفِ أَوْ مِثْلَ عَدَدِ الْأَلْفِ أَوْ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ أَوْ مِثْلَ عَدَدِ ثَلَاثٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ أَوْ مِلْءَ الْكَوْنِ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِثْلَ أَلْفٍ كَانَ بَائِنًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصْلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا بِأَيِّ شَيْءٍ شَبَّهَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا سَوَاءٌ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْعِظَمَ يَكُونُ رَجْعِيًّا وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ يُوصَفُ بِالشِّدَّةِ وَالْعِظَمِ كَانَ بَائِنًا وَإِلَّا فَهُوَ رَجْعِيٌّ وَمُحَمَّدٌ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ بَيَانُهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ عِظَمِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ كَانَ بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ زُفَرُ هُوَ رَجْعِيٌّ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ أَوْ مِثْلَ حَبَّةِ الْخَرْدَلِ فَهُوَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجْعِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ الْجَبَلِ كَانَ بَائِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَجْعِيٌّ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ عِظَمِ الْجَبَلِ كَانَ بَائِنًا إجْمَاعًا فَإِنْ نَوَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ عَدَدِ كَذَا وَأَضَافَ إلَى شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ عَدَدٌ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ الشَّمْسِ أَوْ عَدَدَ الْقَمَرِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ قَالَ كَالنُّجُومِ فَوَاحِدَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَالنُّجُومِ ضِيَاءً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَدَدَ فَيَكُونَ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَإِنْ قَالَ عَدَدَ الرَّمَلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ يَقَعُ ثَلَاثًا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ وَالْكَثِيرُ ثَلَاثٌ فَإِذَا قَالَ أَوَّلًا لَا قَلِيلٌ فَقَصَدَ الثَّلَاثَ

ثُمَّ لَا يُعْمِلُ قَوْلَهُ وَلَا كَثِيرٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ لَا كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ يَقَعُ وَاحِدَةً عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدُ مَا فِي هَذَا الْحَوْضِ مِنْ السَّمَكِ وَلَيْسَ فِيهِ سَمَكٌ يَقَعُ وَاحِدَةً وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ قَوِيَّةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِهَا فَيَلْغُو وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَا هُنَا إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى بَلَدِ كَذَا كَانَ رَجْعِيًّا عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ طَلْقَةً بَائِنَةً وَإِنْ قَالَ طَلْقَةً نَبِيلَةً أَوْ جَمِيلَةً أَوْ عَدْلَةً أَوْ حَسَنَةً فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقَعُ لِلْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَلَا يَكُونُ لِلسُّنَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِلسُّنَّةِ وَيَقَعُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ طَلَاقَ الدِّينِ أَوْ طَلَاقَ الْإِسْلَامِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَخْيَرَهُ أَوْ طَلَاقَ الْحَقِّ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ فَهَذَا كُلُّهُ لِلسُّنَّةِ إنْ صَادَفَ وَقْتَ السُّنَّةِ يَقَعُ وَإِلَّا فَيُنْتَظَرُ إلَى وَقْتِ السُّنَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ يَقَعُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ طَلُقَتْ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ طَلُقَتْ عِنْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ زُفَرُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْك مِنْ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْك بَاطِلٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك يَلْغُو وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَمَا سَكَتَ كَمْ فَقَالَ ثَلَاثٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَذَا وَأَشَارَ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ فَإِنْ نَوَى الْمَضْمُومَتَيْنِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَذَا وَأَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَشَارَ بِثِنْتَيْنِ فَهُمَا اثْنَتَانِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ وَقِيلَ إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ يَعْنِي إذَا جَعَلَ ظَاهِرَ الْكَفِّ إلَى الْمَرْأَةِ وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَى نَفْسِهِ فَالْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِشَارَةِ بِعَدَدِ مَا قَبَضَهُ مِنْ أَصَابِعِهِ دُونَ مَا أَرْسَلَهُ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي فَقَالَ قَدْ طَلَّقْتُك فَهِيَ ثَلَاثٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهَا أَمَرَتْهُ بِالثَّلَاثِ وَهَذَا يَصْلُحُ جَوَابًا وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي بِغَيْرِ وَاوٍ فَقَالَ طَلَّقْتُك إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك فَهِيَ ثَلَاثٌ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ رَقَبَتُكِ طَالِقٌ أَوْ عُنُقُكِ أَوْ رُوحُكِ أَوْ جَسَدُكِ أَوْ فَرْجُكِ أَوْ وَجْهُكِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك رَقَبَةَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ أَوْ جَسَدَهَا أَوْ فَرْجَهَا فَكَذَا فِي الطَّلَاقِ، وَكَذَا إذَا قَالَ نَفْسُك طَالِقٌ أَوْ بَدَنُكِ، وَكَذَا الدَّمُ فِي رِوَايَةٍ إذَا قَالَ دَمُك طَالِقٌ فِيهِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ يُقَالُ ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا وَإِذَا قَالَ الرَّأْسُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهَا أَوْ وَجْهِهَا وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهَا وَكَذَا الْعَتَاقُ مِثْلُ الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (وَكَذَا إنْ طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ نِصْفُكِ طَالِقٌ أَوْ ثُلُثُكِ) أَوْ رُبُعُك أَوْ سُدُسُك أَوْ عُشْرُك وَإِنْ قَالَ أَنْتِ نِصْفُ طَالِقٍ طَلُقَتْ كَمَا إذَا قَالَ نِصْفُك طَالِقٌ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ ثَدْيُك طَالِقٌ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَقَعُ، وَكَذَا اللِّسَانُ وَالْأَنْفُ وَالْأُذُنُ وَالسَّاقُ وَالْفَخِذُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَإِنْ قِيلَ الْيَدُ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَمِيعِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» قِيلَ أَرَادَ بِالْيَدِ صَاحِبَهَا وَعِنْدَنَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ أَرَدْت صَاحِبَتَهَا طَلُقَتْ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ هُنَاكَ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ مَقْرُونًا بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْيَدِ يَكُونُ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ مَقْرُونًا بِالطَّلَاقِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ثُمَّ يَسْرِي إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّعَدِّيَ مُمْتَنِعٌ إذْ الْحُرْمَةُ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ

طلاق المكره والسكران

تَغْلِبُ الْحِلَّ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَفِي الطَّلَاقِ الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى رِيقِهَا أَوْ ظُفْرِهَا. وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ مَا يَكُونُ فِيهِ الْقَيْدُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُنْبِئُ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَلَا قَيْدَ فِي الْيَدِ يَعْنِي بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهَا إجْمَاعًا وَإِنَّمَا مُلِكَتْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ تَبَعًا لَا أَصَالَةً وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِخِلَافِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ عِنْدَنَا حَتَّى تَصِحَّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَفِي الْفَتَاوَى إذَا أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ الصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قَالَ دُبُرُك طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ وَكَذَا فِي الْمَمْلُوكَةِ لَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ شَعْرُكِ طَالِقٌ أَوْ ظُفْرُكِ أَوْ رِيقُكِ أَوْ دَمْعُكِ أَوْ عَرَقُكِ لَمْ تَطْلُقْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدًا) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَرُبُعًا أَوْ طَلْقَةً وَنِصْفًا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ طَلْقَةً وَنِصْفَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ النِّصْفَ إلَى الْمُوقَعَةِ وَقَدْ وَقَعَتْ جُمْلَتُهَا فَلَمْ تَقَعْ ثَانِيًا وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ سُدُسَ طَلْقَةٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَإِنْ أَثْبَتَ الْوَاوَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً كَامِلَةً، وَكَذَا إذَا أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَلْقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا وَقَعَ عَلَيْهِنَّ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ اثْنَتَيْنِ، وَكَذَا إلَى الثَّمَانِ وَإِنْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تِسْعُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ طَلْقَةٌ فَإِذَا قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافٍ كُنَّ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ قِيلَ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَكَامَلَ وَقِيلَ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ تَتَكَامَلُ فِي نَفْسِهَا وَإِنْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ وَرُبُعَ طَلْقَةٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى طَلْقَةٍ نَكِرَةٍ وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ كُلَّ جُزْءٍ إلَى تَطْلِيقَةٍ مُعَرَّفَةٍ بِالْكِنَايَةِ وَالْمُعَرَّفَةُ إذَا أُعِيدَتْ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ [طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ] قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) أَمَّا الْمُكْرَهُ فَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقَعُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ فَأَقَرَّ بِهِ لَا يَقَعُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بَلْ قَصَدَ الْإِقْرَارَ وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ وَالْهَازِلُ بِالطَّلَاقِ يَقَعُ طَلَاقُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ» وَقَوْلُهُ وَالسَّكْرَانِ هَذَا إذَا سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ أَمَّا مِنْ الْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ لَا يَقَعُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَفِي شَاهَانْ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَنْجٌ أَمَّا إذَا عَلِمَ يَقَعُ. وَفِي الْمُحِيطِ السُّكْرُ مِنْ الْبَنْجِ حَرَامٌ وَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ وَإِنْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَسَكِرَ فَطَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ يَقَعُ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ لَا يَقَعُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَاقُ مِنْ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ سَوَاءٌ شَرِبَ الْخَمْرَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَوْ مُضْطَرًّا (مَسْأَلَةٌ) عَشْرَةُ أَشْيَاءَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِيهِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُعْتَبَرُ زَوَالُهُ زَجْرًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ وَالْقَوَدُ بِالْقَتْلِ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالشَّرَائِعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ قُلْنَا زَالَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ بَاقِيًا حُكْمًا زَجْرًا لَهُ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ، وَكَذَا الْعَتَاقُ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ

طلاق الأخرس

يَقُولَ لِعَبْدِهِ اسْقِنِي فَقَالَ أَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ نَوَيْتُ بِهِ الطَّلَاقَ) يَعْنِي الْمُكْرَهَ وَالسَّكْرَانَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ وَالسُّكْرَ لَا يُؤَثِّرَانِ فِي الطَّلَاقِ فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِذَلِكَ فَقَدْ أَكَّدَهُ فَوَقَعَ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّيْخَ تَرَجَّحَ قَوْلُهُمَا عِنْدَهُ فَإِذَا أَفَاقَ السَّكْرَانُ وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ صُدِّقَ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ مِنْ السَّكْرَانِ مِنْ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ يُوقِعُ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ نَوَيْتُ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِنَايَاتِ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ، وَهُوَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَاتِ هِيَ الَّتِي تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِتَابِ فَإِنْ كَانَ كَذَا فَالْمُرَادُ بِهِ إذَا كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ كِتَابًا مُسْتَبِينًا عَلَى لَوْحٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ وَرِقِ الْأَشْجَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَبِينٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ وَقِيلَ الْمُسْتَبِينُ كَالصَّرِيحِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَبِينُ بِأَنْ كَتَبَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْمَاءِ أَوْ عَلَى الْحَدِيدِ أَوْ عَلَى صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَا يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا كَتَبَ عَلَى وَجْهِ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْخِطَابِ مِثْلَ أَنْ يَكْتُبَ يَا فُلَانَةُ إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِوُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهَا وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ. [طَلَاقُ الْأَخْرَسِ] قَوْلُهُ (وَيَقَعُ طَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ يُعْرَفُ بِهَا كَلَامُهُ وَقَعَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يُعْرَفُ بِهَا كَلَامُهُ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بَقَاءَ نِكَاحِهِ وَشَكَكْنَا فِي زَوَالِهِ وَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ ثُمَّ طَلَاقُهُ الْمَفْهُومُ بِالْإِشَارَةِ إذَا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ فَهُوَ رَجْعِيٌّ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ) فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ عِنْدَنَا ثُمَّ إذَا طَلُقَتْ وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ " إنْ " لَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ وَأَمَّا كُلٌّ فَإِنَّهَا تُكَرِّرُ الْأَسْمَاءَ وَلَا تُكَرِّرُ الْأَفْعَالَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى طَلُقَتْ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا كَانَ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَهِيَ غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ بِالثَّلَاثِ أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ كُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ يَمِينٌ. قَوْلُهُ (وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى شَرْطٍ وَقَعَ عَقِيبَ الشَّرْطِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَارَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ تَطْلُقْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَاصِلُهُ إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُتَكَلِّمِ بِالْجَوَابِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ لَوْ ابْتَدَأَهُ لَمْ يَقَعْ قُلْنَا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْوُقُوعَ حُكْمًا وَالْمَجْنُونُ إنَّمَا يَقَعُ طَلَاقُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِنِّينَ إذَا أُجِّلَ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَدْ جُنَّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ قَالَ الْمَجْنُونُ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَمْ تَطْلُقْ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الصَّحِيحُ فَدَخَلَتْ وَهُوَ مَجْنُونٌ طَلُقَتْ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَكُون الْحَالِفُ مَالِكًا أَوْ يُضِيفَهُ إلَى مِلْكٍ) فَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ فِي نِكَاحٍ وَلَا أَضَافَهُ إلَى نِكَاحٍ قَوْلُهُ (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ

إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلٌّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) إنَّمَا قَالَ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا أَسْمَاءٌ وَبَعْضَهَا حُرُوفٌ فَالْأَسْمَاءُ مِثْلَ كُلٌّ وَإِذَا وَلِهَذَا يَدْخُلُهُمَا التَّنْوِينُ فَيُقَالُ كُلٌّ وَإِذًا وَالتَّنْوِينُ عَلَامَةُ الِاسْمِيَّةِ، وَكَذَا مَتَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَالْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ الْحُرُوفَ وَالْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَفْظٌ فَلِهَذَا قَالَ وَأَلْفَاظُ لِيَشْمَلَ الْحُرُوفَ وَالْأَسْمَاءَ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِإِنْ؛ لِأَنَّهَا صَرْفٌ لِلشَّرْطِ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا وَإِذَا تَصْلُحُ لِلْوَقْتِ وَالشَّرْطِ فَيُجَازَى بِهَا تَارَةً وَلَا يُجَازَى بِهَا تَارَةً وَمَتَى اسْمٌ لِلْوَقْتِ الْمُبْهَمِ وَلَزِمَ فِي بَابِ الْمُجَازَاةِ مِثْلَ إنْ لَكِنْ مَعَ قِيَامِ الْوَقْتِ وَكُلٌّ لِلْإِحَاطَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ وَهِيَ تَعُمُّ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّهَا تَلَازُمُهَا فَإِذَا وُصِلَتْ بِمَا أَوْجَبَتْ عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ هَذِهِ شُرُوطًا؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ تَلِيهَا وَالشَّرْطُ إنَّمَا جُعِلَ شَرْطًا لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَلِيهَا الِاسْمُ دُونَ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّهَا جُعِلَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَهَا تَعُودُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا كُلٌّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ مِثْلَ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ. قَوْلُهُ (وَكُلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ إذَا وُجِدَتْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) أَيْ انْتَهَتْ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ وَلَا بَقَاءَ لِلْيَمِينِ بِدُونِهِ قَوْلُهُ (إلَّا فِي كُلَّمَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ حَتَّى يَقَعَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ) ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْأَفْعَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] وَ {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20] فَكَرَّرَتْ النُّضْجَ وَإِرَادَةَ الْخُرُوجِ وَذَلِكَ أَفْعَالٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) أَيْ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ لَنَا أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْقَضَى وَالتَّطْلِيقَاتُ الَّتِي اسْتَأْنَفَهَا فِي الثَّانِي لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْيَمِينِ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا وَلَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّمَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى نَفْسِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ بِالتَّزْوِيجِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَحْصُورٍ بَيَانُهُ إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا تَكْرَارُ الْفِعْلِ وَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى تَزَوُّجِهَا فَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلَهُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ وَكُلَّمَا كَلَّمْت فُلَانًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ فَإِذَا زَالَ طَلَاقُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لَمْ يَنْصَرِفْ التَّكْرَارُ إلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَانْحَلَّتْ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَتْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْحَلَّتْ وَهِيَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَكَانَ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا زَوَالُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ لَا زَوَالُ الْحِلِّ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ وَدَخَلَتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ وَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ عِنْدَهُمَا فَتَعُودُ إلَيْهِ بِالثَّلَاثِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَهْدِمُ فَتَعُودُ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ وَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحٍ أَنْ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْمَاضِيَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّك دَخَلْت الدَّارَ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ يَقَعُ فِي الْحَالِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَاضِيَ وَحُرُوفُ الشَّرْطِ مَا وَقَعَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهَا طَالِقٌ

بِالدُّخُولِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت أَوْ لَمْ تَدْخُلِي وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ كَانَتْ طَالِقًا السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أُخْرَى وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَلَاقَهَا مُعَلَّقًا بِدُخُولِ الدَّارِ لَوْ وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ السَّاعَةَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَتَدْخُلُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَهِيَ تَدَّعِي عَلَيْهِ زَوَالَهُ بِالْحِنْثِ فِي شَرْطٍ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ حِضْت طَلُقَتْ) ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الْحَيْضِ إذَا أَخْبَرَتْ وَشَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَاقٍ أَمَّا إذَا أَخْبَرَتْ بَعْدَ فَوَاتِهِ لَا يُقْبَلُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت لَا يُقْبَلُ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت يُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا لَمْ تَرَ حَيْضَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ وُجُودُ الطُّهْرِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا مَا بَقِيَ الطُّهْرُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت ثُمَّ الْآنَ أَنَا حَائِضٌ أَوْ طَهُرْت مِنْهَا لَا يُقْبَلُ (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فَقَالَتْ حِضْت طَلُقَتْ هِيَ وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةُ) ؛ لِأَنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ حَضْرَتِهَا وَهَذَا إذَا كَذَّبَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا خَاصَّةً أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا وَقَعَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُ الْحَيْضِ مِنْهَا أَمَّا إذَا عُلِمَ طَلُقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَمْ يُعْلَمْ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغُضِينِي فَأَنْتَ طَالِقٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْبُغْضَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ إنْ كُنْت تَبْغُضِينَ الْجَنَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَبْغَضُ الْجَنَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْجَوَابُ فِي هَذَا عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِهَا فَوَقَفَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا إنْ قُلْت أَنَا أُحِبُّ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ أَوْ أَبْغَضُ الْجَنَّةَ وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِالنَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك طَلُقَتْ وَلَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ صَاحِبَتُهَا وَإِنْ قَالَ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ وَلَدْت لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَوْ يَشْهَدُ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ. وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ دَخَلْت أَوْ كَلَّمْت لَمْ تَطْلُقْ مَا لَمْ يُصَدِّقْهَا أَوْ يَشْهَدْ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَقَالَتَا جَمِيعًا حِضْنَا إنْ صَدَّقَهُمَا طَلُقَتَا جَمِيعًا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ يُطَلَّقَا وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَلَمْ تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِوُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ فِي الْمُكَذَّبَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا عَلِقَتْ بِشَرْطَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا وَهُنَا قَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَيْضِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا قَالَتَا حِضْنَا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مُخَبِّرَةٌ عَنْ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ عَلَى نَفْسِهَا مُكَذِّبَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَإِذَا صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ، وَهُوَ إخْبَارُهَا عَنْ نَفْسِهَا أَنَّهَا حَاضَتْ وَتَصْدِيقُهُ لِصَاحِبَتِهَا بِحَيْضِهَا فَلِهَذَا طَلُقَتْ وَأَمَّا الْمُصَدَّقَةُ فَوُجِدَ فِيهَا أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، وَهُوَ إخْبَارُهَا عَنْ نَفْسِهَا وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الْآخَرُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبَتِهَا؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلِهَذَا لَمْ تَطْلُقْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لَهَا إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى

يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا قَوْلُهُ (فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِذَلِكَ كَانَ فِي الثَّلَاثِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَحْرَارِ وَلَوْ خَالَعَهَا فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ صَحَّ التَّزْوِيجُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لَهَا إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلُ مِنْهَا وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ ثُمَّ إذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَتِهَا بِالِانْقِطَاعِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ كَامِلٍ لِجَوَازِ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فِي الْمُدَّةِ فَتَكُونَ حَائِضًا وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشْرَةً وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِمُضِيِّهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا فَائِدَتُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنِّيٌّ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِذَلِكَ كَانَ فِي الثَّلَاثِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ وَإِنْ خَالَعَهَا صَحَّ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِنْ قَالَ إنْ حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، وَكَذَا إذَا قَالَ ثُلُثَ حَيْضَةٍ أَوْ سُدُسَ حَيْضَةٍ وَإِذَا قَالَ إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا حِضْت نِصْفَهَا الْآخَرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك فَحِينَ مَا رَأَتْ الدَّمَ تَطْلُقُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ فِي حَيْضَتِك أَوْ مَعَ حَيْضَتِك فَمَا لَمْ تَحِضْ وَتَطْهُرْ لَا تَطْلُقُ وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ، وَهُوَ مَرِيضٌ إذَا مَرِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا عَلَى حَيْضٍ مُسْتَقْبَلٍ وَمَرَضٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ أَوْ مَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ذُو أَجْزَاءٍ فَيَحْدُثُ حَالًا فَحَالًا. وَكَذَا الْمَرَضُ فَإِذَا نَوَى جُزْءًا حَادِثًا مِنْ ذَلِكَ صُدِّقَ، وَكَذَا صَاحِبُ الرُّعَافِ إذَا قَالَ إنْ رَعَفْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى هَذَا، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلْتِ فَهُوَ عَلَى حَبَلٍ مُسْتَقْبَلٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْحَبَلَ الَّذِي هِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا صُمْت يَوْمًا طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا صُمْتُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ إذَا أَصْبَحَ صَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَوَّلًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ طَلْقَةً وَفِي التَّنَزُّهِ ثِنْتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذًا فِي حَالٍ يَقَعُ وَاحِدَةً وَفِي حَالٍ اثْنَتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَوْلُودٌ فَيَكُونُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، وَهُوَ وِلَادَةُ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ (وَطَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ عِنْدَنَا مُعْتَبَرَانِ بِالنِّسَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ وَتَفْسِيرُهُ حُرَّةٌ تَحْتَ عَبْدٍ طَلَاقُهَا ثَلَاثٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثِنْتَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ أَمَةٌ تَحْتَ حُرٍّ طَلَاقُهَا ثِنْتَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثَلَاثٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَطَلَاقُهَا ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ عِدَّةَ الْمَنْكُوحَةِ مُعْتَبَرَةٌ بِالرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا يَمْلِكُ أَرْبَعًا مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا يَمْلِكُ اثْنَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا تَفْسِيرٌ وَصِفَةٌ وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ إيقَاعٍ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ كَلَامٌ وَاحِدٌ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ

بِالْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا صَادَفَتْهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلِهَذَا لَمْ تَقَعْ وَسَوَاءٌ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِحَرْفِ عَطْفٍ أَوْ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ فَإِنَّهُ تَقَعُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْكَلَامِ شَرْطٌ وَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ فَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا إيقَاعٌ عَلَى حِدَةٍ فَتَقَعُ الْأُولَى فِي الْحَالِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الْوَصْفَ بِالْعَدَدِ فَكَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَبَطَلَ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ) وَكَذَا إذَا قَالَ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ أَوَّلًا إنْ كَانَ مُوقَعًا أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَلْفُوظُ بِهِ مُوقَعًا آخَرَ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ أَوَّلًا فَتَقَعُ الْأُولَى وَتُصَادِفُهَا الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ وَكَذَا وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ أَوَّلًا فَتَقَعُ الْأُولَى لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً وَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْدَهَا أُخْرَى وَقَدْ بَانَتْ بِهَذِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ) ؛ لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ أَوَّلًا مُوقَعٌ آخَرَ فَوَقَعَتَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْوَاحِدَةَ وَأَخْبَرَ أَنَّ قَبْلَهَا وَاحِدَةً قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ يَقَعُ ثِنْتَانِ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَعَ لِلْمُقَارَنَةِ فَكَأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَوَقَعَتَا وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى وَإِنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ أَوْ وَاحِدَةً وَثَلَاثِينَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا إلَّا هَكَذَا جُمْلَةً وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ أَحَدَ عَشْرَ طَلْقَةً. وَقَالَ زُفَرُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً كَذَا هَذَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مَعْطُوفٍ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً وَعَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةً وَنِصْفًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ قَالَ نِصْفًا وَوَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يُرِيدُ بِهِ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ وَأَمَّا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ يَقَعُ ثِنْتَانِ إجْمَاعًا ثُمَّ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَكَرَّرَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثَلَاثٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ وَكَرَّرَ الثَّلَاثَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْوَجْهَيْنِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ وَيَبْطُلُ مَا بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ بِخِلَافِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَقَعَتْ الْأُولَى لِلْحَالِ وَسَقَطَ مَا بَعْدَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا

لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ فَيَقَعَ الثَّلَاثُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَعَلَّقَتْ الثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَكَّةَ طَلُقَتْ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ) ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِمَكَّةَ وَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهَا بِالطَّلَاقِ فِي مَكَّةَ وَمَتَى طَلُقَتْ فِيهَا طَلُقَتْ فِي كُلِّ الْبِلَادِ. قَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ) يَعْنِي أَنَّهَا تَطْلُقُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فِي الْحَالِ فَإِنْ قِيلَ إذَا عُرِفَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِمَكَّةَ عُرِفَ أَيْضًا عَدَمُهُ بِالدَّارِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ الدَّارِ قُلْنَا إنَّمَا ذَكَرَ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَخْتَصَّ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَمَاكِنِ فَإِذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فِيهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُطَلَّقَةً فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ فَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّارِ لِيُعْلِمَ أَنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ بِالْمَكَانِ لَا بِاعْتِبَارِ شَرَفِ مَكَّةَ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَهَابِك إلَى مَكَّةَ فَهُوَ عَلَى الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي عَلَى فِعْلٍ فَصَارَ شَرْطًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّمْسِ وَهِيَ فِي الظِّلِّ كَانَتْ طَالِقًا مَكَانَهَا؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَيْسَتْ بِفِعْلٍ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي مَكَانِ الشَّمْسِ وَالْمُطَلَّقَةُ فِي مَكَان الْمُطَلَّقَةُ فِي كُلِّ مَكَان وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَيَّامَ ظَرْفًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ فَصَارَ الظَّرْفُ جُزْءًا مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَ عَقِيبَ كَلَامِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْتِ مَكَّةَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ، وَهُوَ فِعْلٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَمْ تَطْلُقْ دُونَ وُجُودِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَذَلِكَ بِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِنْ نَوَى بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ وَنِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ صَحِيحَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا قَالَ لَا آكُلُ طَعَامًا، وَهُوَ يَنْوِي طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُؤْخَذُ بِأَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ الَّذِي تَفَوَّهَ بِهِ فَيَقَعُ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ الْيَوْمَ كَانَ تَنْجِيزًا وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَإِذَا قَالَ غَدًا كَانَ إضَافَةً وَالْمُضَافُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْإِضَافَةِ فَلَغَا الشَّرْطَ فِي اللَّفْظَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا طَلُقَتْ الْيَوْمَ طَلْقَةً فِي الْحَالِ وَلَا تَطْلُقُ أُخْرَى فِي غَدٍ؛ لِأَنَّ بِوُقُوعِ هَذِهِ الطَّلْقَةِ الْيَوْمَ تَتَّصِفُ بِهَا الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ الْيَوْمَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي غَدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ غَدًا وَبِالطَّلَاقِ الَّذِي يَقَعُ فِي غَدٍ لَا تَكُونُ مَوْصُوفَةً بِهِ الْيَوْمَ فَلَغَا. قَوْلَهُ الْيَوْمَ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا بِالْوَاوِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ وَقَدْ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَهِيَ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى تَتَّصِفُ بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ وَإِنْ قَالَ غَدًا وَالْيَوْمَ تَطْلُقُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى. وَقَالَ زُفَرُ لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ قَالَ نَوَيْتُ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ صُدِّقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَعَلَ الْغَدَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ وَكَوْنُهُ ظَرْفًا لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا مُطَلَّقَةً فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الظَّرْفِيَّةَ لَا تَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت صُمْت فِي شَعْبَانَ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ صَائِمًا فِي جَمِيعِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَدًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيعَابُ حَيْثُ وَصَفَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُضَافًا إلَى جَمِيعِ الْغَدِ أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت صُمْت شَعْبَانَ اقْتَضَى صَوْمَ جَمِيعِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ غَدًا وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ أَمْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا أَمْسِ يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقَهُ الْيَوْمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ كَوْنِهَا طَالِقًا أَمْسِ لَا يَحْرُمُ نِكَاحَهَا الْيَوْمَ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَوَّلَ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى حَالِ مِلْكِهِ. وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ

فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا طَلُقَتْ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ، وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا هِيَ الْمَمْنُوعَةُ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجُ وَالزَّوْجُ يَنْطَلِقُ إلَى مَا شَاءَ مِنْ التَّزْوِيجِ بِثَلَاثٍ سِوَاهَا وَيَسْتَمْتِعُ بِإِمَائِهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، وَكَذَا التَّحْرِيمُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ كَلِمَةِ أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَلَا يَدْرِي أَطَلَّقَهَا أَمْ لَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهَا وَكَانَ عَلَى يَقِينِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ يَقِينًا. وَإِذَا ضَمَّ إلَى امْرَأَتِهِ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مِثْلَ الْحَجَرِ وَالْبَهِيمَةِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا مَنْ يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ طَلَاقَهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَإِنْ ضَمَّ إلَيْهَا رَجُلًا فَقَالَ أَحَدُكُمَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِحُّ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ بِحَالٍ كَالْبَهِيمَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تُسَمَّى طَلَاقًا، وَهُوَ يُوصَفُ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَيِّتَةٍ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ تُوصَفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ مَوْتِهَا وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْكَلْبَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا الْحِمَارُ حُرٌّ عَتَقَ. قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي نَفْسَك يَنْوِي بِذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ) وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تَقُمْ مِنْهُ أَوْ تَأْخُذُ فِي عَمَلٍ آخَرَ، وَكَذَا إذَا قَامَ هُوَ مِنْ الْمَجْلِسِ فَالْأَمْرُ فِي يَدِهَا مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْهَاهَا عَمَّا جَعَلَ إلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ قَوْلَهُ (فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا) يَعْنِي إذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا قَامَتْ صَارَتْ مُعَرَّضَةً، وَكَذَا إذَا اُشْتُغِلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ كَمَا إذَا دَعَتْ بِطَعَامٍ لِتَأْكُلَهُ أَوْ نَامَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ خَاطَبَتْ رَجُلًا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ خِيَارَهَا وَإِنْ أَكَلَتْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ شَرِبَتْ جَرْعَةً أَوْ جَرْعَتَيْنِ أَوْ نَامَتْ قَاعِدَةً أَوْ لَبِسَتْ ثِيَابًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ أَوْ فَعَلَتْ فِعْلًا قَلِيلًا وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِالِاخْتِيَارِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَكَذَا لَوْ قَالَتْ اُدْعُوَا لِي شُهُودًا أُشْهِدُهُمْ عَلَى اخْتِيَارِي أَوْ اُدْعُوَا لِي أَبِي أَسْتَشِيرُهُ أَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالثَّانِيَةُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَقَامَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا. وَكَذَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَرَكِبَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا إعْرَاضٌ وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ رَاكِبَةٌ فَإِنْ سَارَتْ الدَّابَّةُ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا، وَكَذَا إذَا خَيَّرَهَا وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ فَسَارَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ بَطَلَ خِيَارُهَا وَإِنْ أَوْقَفَتْهَا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي السَّفِينَةِ فَسَارَتْ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى إيقَافِهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَيْتِ فَكُلُّ مَا أَبْطَلَ خِيَارُهَا فِي الْبَيْتِ أَبْطَلَهُ فِيهَا وَمَا لَا فَلَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ كَانَا فِي مَحْمِلٍ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ ابْتَدَأَتْ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَ خِيَارُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَمَّتْهَا إنْ كَانَتْ فَرِيضَةً أَوْ وِتْرًا فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا إنْ سَلَّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِمَا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي التَّطَوُّعِ كَالدُّخُولِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَتْ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى لَمْ يُبْطِلْ خِيَارُهَا بِانْتِقَالِهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي، وَكَذَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ وَعَلَى هَذَا الشُّفْعَةُ وَإِنْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ شَيْئًا يَسِيرًا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا وَإِنْ طَالَ بَطَلَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك كَمَا شِئْتِ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ وَاحِدَةً حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا أَنَّهَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ

ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَلَا خِيَارَ لَهَا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَكَذَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فَإِنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت فَلَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ أَنْ تَخْتَارَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ إذَا وَمَتَى يُفِيدَانِ الْوَقْتَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا اخْتَارِي أَيَّ وَقْتٍ شِئْت فَإِنْ اخْتَارَتْ فِي الْمَجْلِسِ زَوْجَهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي كُلَّمَا وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً) وَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ قَوْلُهُ (وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ ثَلَاثًا إذَا نَوَى ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا) حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ فَهَذَا كُلُّهُ دَلَالَةٌ عَلَى الطَّلَاقِ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت زَوْجِي لَا بَلْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت زَوْجِي وَنَفْسِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَإِنْ قَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدَ وَعْدٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ. وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يَقَعُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي كَانَ جَوَابًا وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي كَانَ جَوَابًا وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَكُونُ جَوَابًا وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك وَنَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا أَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَبَنْتُكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ابْتِدَاءً اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ طَلَاقًا إذَا حَصَّلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ فَيَلْغُو وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهَا أَبَنْتُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تُغَايِرُ الطَّلَاقَ وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي ضَرَّتَك؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَيُقْبَلُ الرُّجُوعُ قَوْلُهُ (مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ مُؤَقَّتًا أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا سَوَاءٌ أَعْرَضَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ أَوْ اُشْتُغِلَتْ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ لَمْ تُعْرِضْ فَهُوَ سَوَاءٌ وَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي الْيَوْمَ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَلَهَا الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ لَا غَيْرُ وَإِنْ قَالَ يَوْمًا فَهُوَ مِنْ سَاعَةِ تَكَلَّمَ إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ وَإِنْ قَالَ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا إلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالْخِيَارُ إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ سَوَاءٌ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ. مِثَالُهُ إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَهِيَ تَسْمَعُ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا فِي مَجْلِسِهَا فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً إنْ لَمْ يُؤَقِّتْ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا وَإِنْ وَقَّتَهُ بِوَقْتٍ فَبَلَغَهَا الْعِلْمُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ وَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ ثُمَّ عَلِمَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ خَصَّ التَّفْوِيضَ بِزَمَانٍ فَيَبْطُلُ بِمُضِيِّهِ عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِالْوَاوِ أَوْ بِالْفَاءِ أَوْ بِالْأَلِفِ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مَرَّةً أَوْ بِمَرَّةٍ أَوْ دُفْعَةً أَوْ بِدُفْعَةٍ أَوْ وَاحِدَةً أَوْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اخْتِيَارُهُ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت تَطْلِيقَةً أَوْ بِتَطْلِيقَةٍ تَقَعُ

وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا وَاحِدَةً وَإِنَّمَا لَا يُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهَا لِلْمَرَّةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَائِنًا كَانَ رَجْعِيًّا قَوْلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَقَلِّ مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ فَلِهَذَا يَعْمَلُ فِيهِ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ وَيَنْصَرِفُ إلَى الثَّلَاثِ عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ إنَّمَا أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْتِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَلَهَا الْمَشِيئَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ إذَا وَمَتَى لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَإِذَا شَاءَتْ وُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ فَطَلُقَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَشِيئَةٌ حَتَّى لَوْ اسْتَرْجَعَهَا فَشَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُؤَثِّرْ مَشِيئَتُهَا وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا شِئْت كَانَ ذَلِكَ لَهَا أَبَدًا حَتَّى يَقَعَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَكُلَّمَا شَاءَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ سَقَطَتْ مَشِيئَتُهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ " إنْ " لَا تَقْتَضِيَ الْوَقْتَ، وَكَذَا إنْ أَحْبَبْتِ أَوْ رَضِيَتْ أَوْ أَرَدْتِ كُلُّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَهُوَ مِثْلُ الْخِيَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ وَاسْتِعَانَةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ طَلِّقِي نَفْسَك سَوَاءٌ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً) وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ وَعِنْدَ زُفَرَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ تَفْوِيضًا فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ النَّهْيَ عَنْهُ وَكُلُّ مَا كَانَ تَوْكِيلًا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَالنَّهْيَ عَنْهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ سَوَاءٌ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت أَوْ لَا فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي وَقَرَنَهُ بِالْمَشِيئَةِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقْرُنْهُ بِالْمَشِيئَةِ كَانَ تَوْكِيلًا وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الْعَزْلَ عَنْهُ وَإِذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَصَاحِبَتَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ فِي حَقِّهَا وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا وَإِنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ طَلِّقَا امْرَأَتِي إنْ شِئْتُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا التَّفَرُّدُ بِالطَّلَاقِ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقَا امْرَأَتِي وَلَمْ يَقْرُنْهُ بِالْمَشِيئَةِ كَانَ تَوْكِيلًا وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا وَإِنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهَا فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَقَعَتْ بَائِنَةً اعْتِبَارًا لِأَمْرِ الزَّوْجِ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ وَهِيَ مَا شَاءَتْ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَ مَشِيئَةً لِلْوَاحِدَةِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ مَشِيئَةٌ لِلْوَاحِدَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا

إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغُضِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك أَوْ أَبْغَضُك وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَتْ) وَإِنْ قَالَ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنَا أُحِبُّك وَهِيَ كَاذِبَةٌ طَلُقَتْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ إذَا عَلِقَتْ بِالْقَلْبِ يُرَادُ بِهَا حَقِيقَةُ الْحُبِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَهُمَا يَقِيسَانِهِ عَلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ طَلَاقًا بَائِنًا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ مِنْهُ) ، وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَمَعْنَاهُ إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهَا وَلَا رِضًا أَمَّا إذَا سَأَلَتْهُ ذَلِكَ فَطَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَالَعَهَا أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَائِنَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْمِيرَاثَ فِي الْعِدَّةِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا أَوْ بِغَيْرِ سُؤَالِهَا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ مِنْهُ وَانْقَلَبَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَرِثَتْ مِنْ الزَّوْجِ، وَهُوَلَا يَرِثُ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ وَقْتَ الطَّلَاقِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقْتَ الطَّلَاقِ مَمْلُوكَةً أَوْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَسْلَمَتْ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْفِرَارَ لَمْ يُوجَدْ وَإِنْ قَالَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ طَلِّقْنِي لِلرَّجْعَةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ. وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُهُ ثُمَّ الْمَرِيضُ الَّذِي تَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يَعِيشُ مِنْهُ غَالِبًا وَيَخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكَ غَالِبًا بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ لَا يَجِيءُ وَلَا يَذْهَبُ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَقِيلَ أَنْ يَكُونَ مُضْنًى لَا يَقُومُ إلَّا بِشِدَّةٍ، وَهُوَ فِي حَالٍ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، وَهُوَ يُحَمُّ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ وَإِنْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا فَطَلَّقَ حِينَئِذٍ وَرِثَتْ، وَكَذَا إذَا انْكَسَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ وَقَعَ فِي فَمِ سَبُعٍ فَطَلَّقَ ثَلَاثًا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَرِثَتْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) سَوَاءٌ سَمِعَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ إذَا كَانَ قَدْ حَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ بِالْوَاوِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا كَذَا فِي شَرْحِهِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِذِكْرِ الْوَاوِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَثْنِيًا وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِقَضَاءِ اللَّهِ أَوْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِمَا أَحَبَّ اللَّهُ أَوْ بِمَا أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ مِثْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ وَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا يَظْهَرُ لَنَا مَشِيئَتُهُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْجِنُّ أَوْ إبْلِيسُ، وَكَذَا إذَا ضَمَّ مَعَ مَشِيئَةِ اللَّهِ مَشِيئَةَ غَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ وُقِفَ عَلَى مَشِيئَةِ زَيْدٍ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ شَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَكَذَا إذَا كَانَ غَائِبًا وُقِفَ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَ وَإِنْ قَامَ بَطَلَ وَصُورَةُ مَشِيئَتِهِ أَنْ يَقُولَ شِئْت مَا جَعَلَهُ إلَى فُلَانٍ وَلَا يَشْتَرِطُ نِيَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا ذِكْرَهُ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَدَ الثَّانِيَ لَغْوٌ لَا حُكْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَاللَّغْوُ حَشْوٌ فَيَفْصِلُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَالسُّكُوتِ وَلَهُمَا أَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ سِتًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ إجْمَاعًا.

؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لَيْسَ بِلَغْوٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً) وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ وَاحِدَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ كُلَّ الْكَلَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُوصِي إذَا اسْتَثْنَى جَمِيعَ الْمُوصَى بِهِ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ رُجُوعًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَوَّلِ الْكَلَامِ مَوْقُوفٌ عَلَى آخِرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَّا ثَلَاثًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اسْتِثْنَاءُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ جَائِزٌ وَبَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ وَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ قَدْ صَحَّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ جَازَ فَإِذَا ذَكَرَ الثَّالِثَةَ فَقَدْ اسْتَثْنَى مَا لَا يَصِحُّ فَبَطَلَ وَصَحَّ اسْتِثْنَاءُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَصِحَّ. وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ جُمْلَةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا فَلَا يَصِحُّ وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ وَقَعَ اثْنَتَانِ وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ وَاحِدَةً. وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى مَا يَلِيهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ وَمَتَى رَجَعَ إلَى مَا يَلِيهِ كَانَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَهَذَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءَ جَمِيعِ الْجُمْلَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ إلَّا اثْنَتَيْنِ قَالَ هِيَ ثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّا إنْ رَدَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ أَبْطَلْنَاهُمَا وَإِنْ رَدَدْنَا بَعْضَهُ إلَى هَذِهِ وَبَعْضَهُ إلَى هَذِهِ أَبْطَلْنَاهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَقْسِمُهُ عَلَى قَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا بُطْلَانُ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ اسْتِثْنَاءٍ مِمَّا يَلِيهِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِنْ الثَّلَاثِ بَقِيَ ثِنْتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً فَاسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ مِنْ اثْنَتَيْنِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ يَسْتَثْنِيهَا مِنْ الثَّلَاثِ يَبْقَى ثِنْتَانِ يَسْتَثْنِيهِمَا مِنْ الثَّلَاثِ يَبْقَى وَاحِدَةٌ. وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَدْخُلُ الِابْتِدَاءُ دُونَ الْغَايَةِ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلَانِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَدْخُلَانِ جَمِيعًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالِابْتِدَاءُ يَدْخُلُ وَالْغَايَةُ تَسْقُطُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَحْتَمِلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ يَعْنِي مِنْهَا إلَيْهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَا يَقَعُ أَكْثَرُ مِنْهَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ الِابْتِدَاءَ وَالْغَايَةَ وَإِذَا سَقَطَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ زُفَرَ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ حَدًّا وَمَحْدُودًا وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فَيَلْغُو آخِرُ كَلَامِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ مِنْ ثِنْتَيْنِ إلَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَإِنْ قَالَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ وَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثِنْتَانِ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَادْخُلِي فِي عِبَادِي أَيْ مَعَ عِبَادِي وَإِنْ نَوَى الظَّرْفَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ ثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ وَالْحِسَابَ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعًا إلَّا أَنَّهُ لَا مَزِيدَ لِلطَّلَاقِ عَلَى ثَلَاثٍ قَوْلُهُ (وَإِذَا مَلَكَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا أَوْ مَلَكَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَأْذُونُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ كُلًّا مِنْهُمْ زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا لَا مِلْكًا تَامًّا ثُمَّ إذَا

كتاب الرجعة

مَلَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا هَلْ يَمْلِكُ عَلَيْهَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمَا لَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَعَمْ يَعْنِي إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا لَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي، وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الرَّجْعَةِ] (كِتَابُ الرَّجْعَةِ) هِيَ الْمُرَاجَعَةُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ ارْتِجَاعِ الْمُطَلِّقِ مُطَلَّقَتَهُ عَلَى حُكْمِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ تَثْبُتُ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ جُمْلَةَ عَدَدِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْصُلْ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهَا عِوَضٌ وَيُعْتَبَرُ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْضَ) إنَّمَا شُرِطَ بَقَاؤُهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا إذَا انْقَضَتْ زَالَ الْمِلْكُ وَحُقُوقُهُ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الظِّهَارِ عَلَيْهَا وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالتَّوَارُثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً بِالْإِجْمَاعِ وَلِلزَّوْجِ إمْسَاكُ زَوْجَتِهِ رَضِيَتْ أَوْ لَمْ تَرْضَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] سَمَّاهُ بَعْلًا وَهَذَا يَقْتَضِي بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا. [الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ] (قَوْلُهُ وَالرَّجْعَةُ أَنْ يَقُولَ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْتُ امْرَأَتِي) هَذَا صَرِيحُ الرَّجْعَةِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَقَوْلُهُ رَاجَعْتُك هَذَا فِي الْحَضْرَةِ وَقَوْلُهُ رَاجَعْت امْرَأَتِي فِي الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ ثُمَّ الرَّجْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ وَيُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا شَاهِدِينَ وَيُعْلِمَهَا بِذَلِكَ فَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لَهَا رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْت امْرَأَتِي وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِذَلِكَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْفِعْلِ مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا عِنْدَنَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ وَإِنْ نَظَرَ إلَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ مُرَاجِعًا. (قَوْلُهُ أَوْ يَطَأَهَا أَوْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ) يَعْنِي الْفَرْجَ الدَّاخِلَ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ انْكِبَابِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا عِوَضَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَالْعِوَضُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِهِ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا صَارَ مُرَاجِعًا لَهَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ امْرَأَتِي وَنَوَى الرَّجْعَةَ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ هُوَ رَجْعَةٌ وَمِنْ أَلْفَاظِ الرَّجْعَةِ أَيْضًا رَدَدْتُك وَأَمْسَكْتُك أَوْ أَنْتَ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَهَذِهِ كِنَايَاتُ الرَّجْعَةِ وَلَوْ جَامَعَتْهُ وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ صَارَ مُرَاجِعًا وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَبِّلَهَا بِشَهْوَةٍ يَعْنِي عَلَى الْفَمِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْخَدِّ أَوْ الذَّقَنِ أَوْ الْجَبْهَةِ أَوْ الرَّأْسِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَظَاهِرُ مَا أَطْلَقَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ تُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَلْمِسَهَا بِشَهْوَةٍ. وَكَذَا إذَا لَمَسَتْهُ هِيَ أَيْضًا بِشَهْوَةٍ كَانَ رَجْعَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا لَمَسَتْهُ فَتَرَكَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا فَهُوَ رَجْعَةٌ وَإِنْ مَنَعَهَا وَلَمْ يَتْرُكْهَا لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا لَمَسَتْهُ مُخْتَلِسَةً وَهُوَ كَارِهٌ أَوْ نَائِمٌ أَوْ زَائِلُ الْعَقْلِ وَأَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهَا فَعَلَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ رَجْعَةً عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إلَّا إذَا تَرَكَهَا وَهُوَ يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَكُنْ رَجْعَةً بِالْإِجْمَاعِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا قَبَّلَتْهُ بِشَهْوَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ لَا يُشَاهِدُونَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ لِلشَّهْوَةِ نَشَاطٌ فِي الْوَجْهِ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الْجِمَاعِ جَازَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى شَرْطِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ نَظَرَتْ هِيَ إلَى فَرْجِهِ بِشَهْوَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رَجْعَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَإِنْ نَظَرَ إلَى دُبُرِهَا بِشَهْوَةٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْفَرْجِ. [تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ] وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ رَاجَعْتُك أَوْ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ إذَا فَعَلْت كَذَا فَهَذَا

لَا يَكُونُ رَجْعَةً إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ شَاهِدَيْنِ) يَقُولُ لَهُمَا: اشْهَدَا أَنِّي قَدْ رَاجَعْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ أَوْ مَا يُؤَدِّي عَنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَلَا تُصَدِّقُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ لِلْآيَةِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ عَنْ قَيْدِ الْإِشْهَادِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وقَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] وقَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِشْهَادَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلِأَنَّهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ كَمَا فِي الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ كَيْ لَا يَجْرِيَ التَّنَاكُرُ فِيهَا وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهَا بِالْمُفَارَقَةِ أَيْ قَرَنَ الْمُرَاجَعَةَ بِالْمُفَارَقَةِ فِي قَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَالْإِشْهَادُ فِي الْمُفَارَقَةِ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا فِي الْمُرَاجَعَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَالَ قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَدَّقَتْهُ فَهِيَ رَجْعَةٌ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا أَنَّ بِالتَّصْدِيقِ تَرْتَفِعُ التُّهْمَةُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ الَّتِي لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي النِّكَاحِ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ قَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَتْ مُجِيبَةً لَهُ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَهُ عَلَى الْفَوْرِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ أَمَّا إذَا سَكَتَتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَتُسْتَحْلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا بِنُكُولِهَا تَبْذُلُ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَالْكَوْنِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَهَذَا مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ فَلِهَذَا صَحَّ مِنْهَا وَلَا يُقَالُ إذَا نَكَلَتْ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَالرَّجْعَةُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا فَنَقُولُ إنَّمَا ثَبَتَ بِنُكُولِهَا الْعِدَّةُ وَالزَّوْجُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ لَا بِقَوْلِهَا وَلَوْ بَدَأَتْ الْمَرْأَةُ بِالْكَلَامِ فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي فَقَالَ الزَّوْجُ مُجِيبًا لَهَا مَوْصُولًا بِكَلَامِهَا: رَاجَعْتُك لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَدْ كُنْت رَاجَعْتهَا فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى وَكَذَّبَتْهُ الْأَمَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ بُضْعَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ لِلزَّوْجِ فَشَابَهُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ وَلَهُمَا أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ يُبْتَنَى عَلَى الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا فَكَذَا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إلَى الزَّوْجِ وَالْعِدَّةَ مِنْ الْأَمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ قَالَ لِلزَّوْجِ أَنْتَ قَدْ رَاجَعْتهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَصَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ فِي الْحَالِ وَقَدْ ظَهَرَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ لِلْمَوْلَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي إبْطَالِهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِالتَّصْدِيقِ فِي الرَّجْعَةِ مُقِرٌّ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَلَا يَظْهَرُ مِلْكُهُ مَعَ الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَقَالَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لِعَشْرَةِ أَيَّامٍ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ) ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ

فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ (قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ) كَامِلَةً؛ لِأَنَّ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ أَوْ مُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ وَانْقَطَعَتْ رَجْعَتُهَا سَوَاءٌ كَانَ الِانْقِطَاعُ لِأَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ لِأَقَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ فِي حَقِّهَا أَمَارَةٌ زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ لَا يَلْزَمُهَا وَقَوْلُهُ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ، وَهَذَا إذَا انْقَطَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَإِنْ انْقَطَعَ آخِرَهُ يُعْتَبَرُ أَدْنَى وَقْتٍ تَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَيَمَّمَتْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً فَتَيَمَّمَتْ. لَهُمَا إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ بَطَلَ تَيَمُّمُهَا وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا صَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالتَّيَمُّمِ حُكْمٌ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْمَاءَ لَمْ تُبْطِلْ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَارَ كَالْغُسْلِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا تَيَمَّمَتْ اسْتَبَاحَتْ بِهِ مَا تَسْتَبِيحُهُ بِالْغُسْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ، ثُمَّ قِيلَ: تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا، وَقِيلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا فَوْقَهُ لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ) وَذَلِكَ قَدْرُ إصْبَعٍ أَوْ إصْبَعَيْنِ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ غَسَلَتْ أَكْثَرَ بَدَنِهَا، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ تَبْقَى الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ بِبَقَائِهِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَغْتَسِلْ. وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عُضْوٍ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا تَيَقُّنَ لِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا: تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ إلَّا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ احْتِيَاطًا وَأَمَّا إذَا بَقِيَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ قَالَ مُحَمَّدٌ أُبِينُهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ مَا لَمْ تَأْتِ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ فِي عُضْوٍ كَامِلٍ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِمَا وَالرَّجْعَةُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاحْتِيَاطُ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالشَّكِّ، وَلَا تَسْتَبِيحُ الْأَزْوَاجَ بِالشَّكِّ وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ حِمَارٍ وَتَيَمَّمَتْ فَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا بَقِيَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ فَاعْتُبِرَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحَيْثِيَّتَيْنِ فَقَالُوا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ. (قَوْلُهُ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّقُ وَتَتَزَيَّنُ) ؛ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ إذْ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ: تَتَشَوَّقُ أَيْ تَنْتَظِرُ وَتَتَطَاوَلُ كَيْ يَرَاهَا الزَّوْجُ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِزَوْجِهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا) يَعْنِي بِالتَّنَحْنُحِ وَمَا أَشْبَهَهُ (قَوْلُهُ أَوْ يُسْمِعَهَا خَفْقَ نَعْلَيْهِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْمُرَاجَعَةَ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَكُونُ مُتَجَرِّدَةً فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ثَابِتِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَتَّى إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إلَّا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَكَادَتْ تَبِينُ مِنْهُ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَفَعَلَ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى مَضَتْ عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَشْهُرٍ مُضَارَّةً لَهَا بِذَلِكَ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَارَّ

الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء

امْرَأَتَهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَحِيضَ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَتَطُولُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231] الْآيَةَ وَمَعْنَاهَا {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 231] أَيْ قَارَبْنَ وَقْتَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] أَيْ أَمْسِكُوهُنَّ بِالرَّجْعَةِ عَلَى أَحْسَنِ الصُّحْبَةِ لَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] أَيْ اُتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة: 231] أَيْ وَلَا تَحْبِسُوهُنَّ مُضَارَّةً لَهُنَّ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ {لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] عَلَيْهِنَّ أَيْ تَظْلِمُوهُنَّ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى رَجَعْتهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] نَزَلَتْ فِي الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ الرَّجْعِيِّ فَإِنْ قِيلَ الرَّجْعَةُ تَصِحُّ بِدَلَالَةِ فِعْلٍ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ فَلِمَ لَا تَكُونُ الْمُسَافَرَةُ بِهَا رَجْعَةً قُلْنَا الْمُسَافَرَةُ لَا تَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ السُّكْنَى مَعَهَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً فَكَذَا الْمُسَافَرَةُ بِهَا. [الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ] (قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُهُ وَفَائِدَتُهُ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ فَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُ يَجِبُ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا. لَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ مُرَاجَعَتَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا وَيَلْحَقُهَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَاللِّعَانُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ دَخَلَتْ فِي جُمْلَتِهِنَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ زَوَالَهُ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ قَبْلَهُ وَلَهُ مَنْعُ الْغَيْرِ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إطْلَاقِهِ لَهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي الْحُرَّةِ أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي الْأَمَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَمُوتَ عَنْهَا) الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ الْوَطْءُ حَقِيقَةً وَثَبَتَ شَرْطُ الْوَطْءِ بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ قَدْ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ يُزَادُ عَلَى النَّصِّ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا سِوَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَأَغْلَقَ الْبَابَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَكَشَفَ الْخِمَارَ ثُمَّ فَارَقَهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ» وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُسَيِّبِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] قُلْنَا لَا حُجَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ النِّكَاحَ وَالزَّوْجَ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ أَمْرَيْنِ وَلَوْ كَانَ يَكْفِي أَحَدُهُمَا لَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ الشَّرْطُ فِي الْوَطْءِ هُوَ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ كَمَالٌ وَمُبَالَغَةُ وَالْكَمَالِ قَيْدٌ وَالنَّصُّ مُطْلَقٌ وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِذَلِكَ الْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَبْدًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ ثَالِثٍ فَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلَيْنِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. مَسْأَلَةٌ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا إذَا كَانَتْ مُفْضَاةً فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَصَلَ فِي الدُّبُرِ فَإِذَا حَبِلَتْ عَلِمْنَا أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ فِي الْقُبُلِ وَقَدْ نَظَمَ الْفَقِيهُ الْأَجَلُّ سِرَاجُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيِّ بِنْ مُوسَى الْهَامِلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ نَظْمًا جَيِّدًا فَقَالَ وَفِي الْمُفْضَاةِ مَسْأَلَةٌ عَجِيبَهْ ... لَدَى مَنْ لَيْسَ يَعْرِفُهَا غَرِيبَهْ إذَا حَرُمَتْ عَلَى زَوْجٍ وَحَلَّتْ ... لِثَانٍ نَالَ مِنْ وَطْءٍ نَصِيبَهْ فَطَلَّقَهَا فَلَمْ تَحْبِلْ فَلَيْسَتْ ... حَلَالًا لِلْقَدِيمِ وَلَا خَطِيبَهْ لِشَكٍّ أَنَّ ذَاكَ الْوَطْءَ مِنْهَا ... بِفَرْجٍ أَوْ شَكِيلَتِهِ الْقَرِيبَهْ فَإِنْ حَبِلَتْ فَقَدْ وُطِئَتْ بِفَرْجٍ ... وَلَمْ تَبْقَ الشُّكُوكُ لَنَا مُرِيبَهْ. (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ فِي التَّحْلِيلِ كَالْبَالِغِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ آلَتُهُ تَتَحَرَّك وَتَشْتَهِي وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ بِوَطْئِهِ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا

وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي مَسْلُولًا يَنْتَشِرُ وَيُجَامِعُ حَلَّتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ الْمُخَالَطَةُ وَإِنَّمَا يُعْدَمُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَصَارَ كَالْفَحْلِ إذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ وَالْمَسْلُولُ هُوَ الَّذِي خُلِسَتْ أُنْثَيَاهُ وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ فَإِنَّ وَطْأَهُ لَا يَحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا الْمُلَاصَقَةُ وَالْإِبَاحَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ مُحْصَنَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً. (قَوْلُهُ وَوَطْءُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ لَا يَحِلُّهَا لَهُ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ مِنْ زَوْجٍ وَالْمَوْلَى لَيْسَ بِزَوْجٍ وَالْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَقَدْ قَالُوا فِي الْأَمَةِ إذَا اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ وَقَدْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ وَيَدْخُلَ بِهَا وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَتْ فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَوْجَبَ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِوَطْءِ الزَّوْجِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَوْ لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَقَالَ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، قِيلَ مَنْ هُوَ؟ قَالَ الْمُحَلِّلُ» ، وَهَذَا يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحَلِّلَكِ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا أَضْمَرَ الثَّانِي فِي قَلْبِهِ الْإِحْلَالَ لِلْأَوَّلِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْعَقْدِ لَفْظًا وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَقَوْلُهُ فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ يَعْنِي لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ النِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَقَّتِ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ لِفَسَادِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ فَيُجَازَى بِمَنْعِ مَقْصُودِهِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُورِثِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ) ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْتُ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصَدِّقَهَا إذَا كَانَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ) إنَّمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا مُطَوَّلًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَتْ: إنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَدْخُلْ بِي إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرْطِ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ لَمْ تُصَدَّقْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِهِ صُدِّقَتْ وَأَمَّا إذَا ذَكَرَتْهُ مُطَوَّلًا كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَتْ حَلَلْت لَك لَا تَحِلُّ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا وَلَمْ تُخْبِرْهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ أَتَزَوَّجْ زَوْجًا آخَرَ أَوْ تَزَوَّجْتُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَعْرِفُ شَرَائِطَ الْحِلِّ فَدُخُولُهَا فِي الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ أَنْكَرَ الدُّخُولَ وَادَّعَتْ هِيَ الدُّخُولَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ بِالدُّخُولِ وَهِيَ تُنْكِرُ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُصَدِّقُ الثَّانِي عَلَيْهَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كتاب الإيلاء

[كِتَابُ الْإِيلَاءِ] هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْيَمِينُ وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالْإِيلَاءُ مَمْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرُ آلَى إيلَاءً وَالْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ امْرَأَتِهِ فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ) وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَأَنْتِ حَائِضٌ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَلَمْ يَكُنْ الْمَنْعُ مُضَافًا إلَى الْيَمِينِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا أَقْرَبُكِ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَطَؤُكِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَأَرَادَ بِهِ الْجِمَاعَ فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكِ أَوْ لَا أُبَاضِعُكِ أَوْ لَا أَطَؤُكِ أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْكِ مِنْ جَنَابَةٍ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُمْسِكُ أَوْ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُك أَوْ لَا أَدْنُو مِنْك أَوْ لَا أَدْخُلُ عَلَيْك أَوْ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك أَوْ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ فَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِهَا الْجِمَاعَ كَانَ مُولِيًا. وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْتِيهَا أَوْ لَا يَغْشَاهَا إنْ نَوَى الْجِمَاعَ كَانَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَيَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ بِكُلِّ لَفْظَةٍ يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ إنْ قَرَبْتُكِ وَإِنْ جَعَلَ لِلْإِيلَاءِ غَايَةً إنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ كَانَ مُولِيًا كَمَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى أَصُومَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ فِي رَجَبٍ أَوْ لَا أَقْرَبُكِ إلَّا فِي مَكَانِ كَذَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَفْطِمِي طِفْلَك وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِطَامِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ أَوْ الدَّجَّالُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ يُرْجَى وُجُودُ ذَلِكَ سَاعَةً فَسَاعَةً وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّأْبِيدِ وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ فِي الْمُدَّةِ لَا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ حَتَّى تَمُوتِي أَوْ تُقْتَلِي أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ أُقْتَلَ أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَك ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إجْمَاعًا. وَكَذَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَقَالَ لَا: أَقْرَبُكِ حَتَّى أَمْلِكَك أَوْ أَمْلِكَ شِقْصًا مِنْك يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا لِغَيْرِهِ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَكَذَا لَوْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ شِرَاءً فَاسِدًا وَإِنْ قَالَ حَتَّى أَشْتَرِيَك لِنَفْسِي وَأَقْبِضَك كَانَ مُولِيًا وَإِنْ كَانَ يُرْجَى وُجُودُهُ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ كَانَ مُولِيًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي الْأُخْرَى طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا وَكَذَا إذَا قَالَ: فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ وَإِنْ قَالَ فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ لَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ جَعَلَهُ غَايَةً فَقَالَ حَتَّى أُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي كَانَ مُولِيًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا. وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى يُجْعَلُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى يَوْمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ صَارَ كُلُّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ كَأَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: صُمْت فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَوْمًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي ابْتِدَائِهِمَا وَأَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا وَأَمَّا إذَا قَالَ إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ كَانَ مُولِيًا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَكُونُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا بَقِيَ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ يَرْتَفِعُ بِالْحِنْثِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ) بَائِنَةٍ؛ لِأَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِزَوَالِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ

مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ) ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِهَا فَزَالَتْ بِانْقِضَائِهَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ إلَّا إنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَنْعُ الْحَقِّ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا عَادَ الْإِيلَاءُ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ (فَإِنْ وَطِئَهَا وَإِلَّا وَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى) فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ حِينِ التَّزْوِيجِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا عَادَ الْإِيلَاءُ وَوَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إنْ لَمْ يَقْرَبْهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ مَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ) لِتَقْيِيدِهِ بِطَلَاقِ هَذَا الْمِلْكَ وَالْآنَ قَدْ اسْتَفَادَ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْيَمِينِ، وَلَا أَضَافَ يَمِينَهُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ) لِعَدَمِ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِوُجُودِ الْحِنْثِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا) ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى جِمَاعِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ يَلْزَمُهُ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ، وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى بِشَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ يَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْمَنْعِ وَكَذَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْي صَارَ الثَّانِي إيجَابًا آخَرَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَا أَجَلَيْنِ فَتَدَاخَلَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَنَّ الْيَمِينَ يَنْقَضِي بِيَوْمَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ فَهُوَ مُولٍ) لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ أَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِأَجْلِهِ مَالٌ فِي الْغَالِبِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِعُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ يُحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إلَى مَالٍ، وَالْهَدْيُ مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا الصَّوْمُ مِنْ مُوجِبِ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ وَالِاعْتِكَافُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا إنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ يَمْضِي قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَضَى أَمْكَنَهُ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْضِي إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى وَطْئِهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِصِيَامٍ يَلْزَمُهُ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى وَطْئِهَا إلَّا بِمَعْنًى يَلْزَمُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْيَمِينِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِظِهَارٍ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ حَلَفَ بِصَلَاةٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ وَزُفَرُ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ يَصِحُّ إيجَابُهَا بِالنَّذْرِ فَصَارَتْ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَلَهُمَا إنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْأَيْمَانِ وَلَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِهَا مَالٌ فِي الْغَالِبِ فَصَارَ كَمَنْ حَلَفَ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ بِالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَأَمَّا إذَا آلَى بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ يَكُونُ مُولِيًا بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالصَّوْمِ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَمَّا إذَا قَالَ هَذَا الشَّهْرِ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالْحَجِّ أَنْ يَقُولَ: إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ حِجَّةٌ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِالصَّدَقَةِ أَنْ يَقُولَ: إنْ قَرَبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ كَذَا وَصُورَتُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إنْ قَرَبْتُكِ فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ عِتْقُ عَبْدِي هَذَا وَفِي الطَّلَاقِ إنْ قَرَبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ طَالِقٌ وَزَوْجَةٌ لَهُ أُخْرَى، وَفِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ الْمُدَّةُ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ. ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ

مدة إيلاء الأمة

بَعْدَ الْقُرْبَانِ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ، مِثَالُهُ إذَا قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ شَيْءٌ ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بَعْدَ الْقُرْبَانِ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَبْدَايَ هَذَانِ حُرَّانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا لَا يَبْطُلُ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالْقُرْبَانِ عِتْقُ الْبَاقِي وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا أَوْ بَاعَهُمَا جَمِيعًا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بَطَلَ الْإِيلَاءُ فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ قَبْلَ الْقُرْبَانِ انْعَقَدَ الْإِيلَاء ثُمَّ إذَا دَخَلَ الْآخَرُ فِي مِلْكِهِ انْعَقَدَ الْإِيلَاءُ مِنْ وَقْتِ دُخُولِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ إنْ قَرَبْتُكِ فَعَلَيَّ نَحْرُ وَلَدِي فَهُوَ مُولٍ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مُولِيًا، وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّذْرَ يُوجِبُ ذَبْحَ شَاةٍ وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَّارَاتِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ كَانَ مُولِيًا) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا قَائِمَةٌ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ آلَى مِنْ الْبَائِنٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا) ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ مَانِعًا حَقَّهَا بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَإِذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِيلَاءِ كَانَ وَهِيَ زَوْجَةٌ فَصَحَّ الْإِيلَاءُ فَإِذَا أَبَانَهَا فَالْمَبْتُوتَةُ تَلْحَقُهَا الْبَيْنُونَةُ بِعَقْدٍ سَابِقٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْحَقُهَا ابْتِدَاءً كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ، وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ وَالتَّشْدِيدَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ قَرَبَهَا أَوْجَبَ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْإِيلَاءُ ثَلَاثٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ وَالْإِيلَاءُ الْأَوَّلُ يَنْعَقِدُ حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ حِينَ مَا يَلْفِظُ بِالثَّالِثِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ فَإِذَا مَضَتْ سَاعَةٌ بَانَتْ بِأُخْرَى فَإِذَا مَضَتْ سَاعَةٌ بَانَتْ بِأُخْرَى وَإِذَا قَرَبَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ فَالْإِيلَاءُ ثَلَاثٌ وَالْيَمِينُ ثَلَاثٌ ثُمَّ الْإِيلَاءُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إيلَاءٌ وَاحِدٌ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِيلَاءَانِ وَيَمِينَانِ وَهُوَ إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مَجْلِسَيْنِ أَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَإِيلَاءٌ وَاحِدٌ وَيَمِينَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ إذَا قَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَأَرَادَ بِهِ التَّغْلِيظَ فَالْإِيلَاءُ وَاحِدٌ وَالْيَمِينُ ثِنْتَانِ عِنْدَهُمَا حَتَّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ قَرَبَهَا وَجَبَ كَفَّارَتَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الْإِيلَاءُ اثْنَانِ وَالْيَمِينُ ثِنْتَانِ وَإِيلَاءَانِ وَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلَّمَا دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا دَخْلَتَيْنِ أَوْ دَخَلَتْهُمَا جَمِيعًا دَخْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ إيلَاءَانِ وَيَمِينٌ وَاحِدٌ فَالْأَوَّلُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الدَّخْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي عِنْدَ الدَّخْلَةِ الثَّانِيَةِ. [مُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ] (قَوْلُهُ وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) وَذَلِكَ نِصْفُ مُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ فَإِنْ أُعْتِقَتْ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ تَصِيرُ مُدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ أُعْتِقَتْ تَكُونُ عِدَّتُهَا عِدَّةَ الْإِمَاءِ وَمُدَّةُ إيلَائِهَا مُدَّةُ الْحَرَائِرِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا تَتَحَوَّلُ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِي الْعِدَّةِ تَحَوَّلَتْ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ وَالْعَبْدُ فِي الْإِيلَاءِ كَالْحُرِّ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الزَّوْجَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَمُدَّتُهَا شَهْرَانِ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْفَيْءَ هُوَ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ فَاءَ الظِّلُّ إذَا رَجَعَ فَلَمَّا كَانَ الزَّوْجُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ مَانِعًا لَهَا مِنْ حَقِّهَا جُعِلَ رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيْئًا وَالْفَيْءُ يَخْتَصُّ بِالْمُدَّةِ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ وَالْفَيْءُ عِنْدَنَا هُوَ الْوَطْءُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ قَامَ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ مَقَامَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا فَيْءَ إلَّا بِالْجِمَاعِ ثُمَّ الْعَجْزُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَجْزٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ هِيَ كَذَلِكَ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهَا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا.

أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ يَكُونَ هُوَ مَجْبُوبًا أَوْ تَكُونَ هِيَ مَحْبُوسَةً فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا أَوْ نَاشِزَةً لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا فَفَيْؤُهُ فِي جَمِيعِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْخِلُوهَا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ فَيْؤُهُ الْقَوْلُ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ فَيْؤُهُ الْجِمَاعُ وَالْعَجْزُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا أَوْ هِيَ كَذَلِكَ فَهَذَا فَيْؤُهُ الْوَطْءُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَالْمَنْعِ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَقَوْلُهُ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا أَوْ رَاجَعْتهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي فِئْت إلَى امْرَأَتِي وَأَبْطَلْت إيلَاءَهَا، وَهَذَا الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِيَاطٌ حَتَّى إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَادَّعَى الزَّوْجُ الْقَوْلَ فَكَذَّبَتْهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْفَيْءِ مَعَ بَقَاءِ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فِيهَا الْفَيْءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْفَيْءَ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُهُ فِيهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ وَقَوْلُهُ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ فِئْت إلَيْهَا هَذَا إذَا آلَى وَهُوَ مَرِيضٌ أَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ مَرِضَ فَفَيْؤُهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْجِمَاعِ ثُمَّ إذَا كَانَ فَيْؤُهُ بِالْقَوْلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَمَّا الْيَمِينُ إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَهِيَ عَلَى حَالِهَا وَإِذَا وَطِئَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ إلَّا بِالْحِنْثِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْقَوْلُ فَلَيْسَ بِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَفَاءً فِيهَا ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ سَقَطَ الْإِيلَاءُ يَعْنِي إذَا قَالَ فِئْت إلَيْهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَمَّا إذَا قَرَبَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَحَّ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَيْءُ وَصَارَ فَيْؤُهُ الْجِمَاعَ) أَيْ إذَا قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَصَارَ فَيْؤُهُ الْجِمَاعَ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الْإِيلَاءِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَصِحَّ الْفَيْءُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ بِالْقَوْلِ أُقِيمَ مَقَامَ الْوَطْءِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَا تَبِينَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ثُمَّ الْفَيْءُ بِالْقَوْلِ يَرْفَعُ الْمُدَّةَ وَلَا يَرْفَعُ الْيَمِينَ وَالْفَيْءُ بِالْفِعْلِ يَرْفَعُ الْمُدَّةَ وَالْيَمِينَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ هُوَ كَذِبٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يَكُونُ إيلَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ، وَهَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يُصَدَّقُ وَيَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَرَامَ فِي الشَّرْعِ يَمِينٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ نَوَيْت الطَّلَاقَ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَرَامٌ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى نِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِانْعِدَامِ التَّشْبِيهِ بِالْمَحَارِمِ وَلَهُمَا أَنَّهُ وَصَفَهَا بِالتَّحْرِيمِ وَفِي الظِّهَارِ نَوْعُ تَحْرِيمٍ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا نَوَاهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يَصِيرُ بِهَا مُولِيًا) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إنَّمَا هُوَ الْيَمِينُ عِنْدَنَا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت التَّحْرِيمَ فَقَدْ أَرَادَ الْيَمِينَ وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ شَيْئًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ الْيَمِينِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ كَانَ بِهَا مُولِيًا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ قَدْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ قَدْ حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ فَهُوَ كُلُّهُ

كتاب الخلع

سَوَاءٌ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُولٍ إنْ تَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ الْيَمِينِ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ نَوَى جَمِيعَ الْمُبَاحَاتِ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ نَوَى الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ شَرَابًا أَوْ لِبَاسًا دُونَ غَيْرِهِ أَوْ امْرَأَتَهُ دُونَ غَيْرِهَا صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ خَاصَّةً وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَالدَّمِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ كَالْخَمْرِ إنْ نَوَى كَذِبًا فَهُوَ كَذِبٌ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ فَهُوَ إيلَاءٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ. وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ أُمِّي يُرِيدُ بِهِ التَّحْرِيمَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا جَعَلَهَا مِثْلَ أُمِّهِ فَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ كَذِبٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي حَرَامٌ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِيلَاءَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَمْرَيْنِ فَإِذَا أَرَادَهُمَا حُمِلَ عَلَى أَغْلَظِهِمَا فَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ هَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ وَهَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الْيَمِينَ كَانَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ، وَإِنْ قَالَ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا، وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً فَهُمَا طَالِقَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَغْلَظِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْخُلْعِ] (كِتَابُ الْخُلْعِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ: مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْخِلَاعِ وَمِنْهُ خَلْعُ النَّعْلِ وَالْقَمِيصِ وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمَالُ فِيهِ مِنْ الْمَرْأَةِ تَبْذُلُهُ فَيَخْلَعُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا وَحُكْمُهُ مِنْ جِهَتِهَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَجُوزَ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْهُ وَيَبْطُلَ بِإِعْرَاضِهَا وَيَجُوزَ لَهَا فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ وَحُكْمُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ حُكْمُ التَّعْلِيقِ أَيْ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَلَا يَبْطُلُ بِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْخَطَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا تَشَاقَّ الزَّوْجَانِ وَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ يَخْلَعُهَا بِهِ) الْمُشَاقَّةُ الْمُخَالَفَةُ وَالتَّبَاعُدُ عَنْ الْحَقِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يُدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا جَاءَ النُّشُوزُ وَحُدُودُ اللَّهِ مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ مُوجِبِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا وَلَهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّشَاقُقُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا نُشُوزٌ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا (قَوْلُهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً) سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالٌ؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْخُلْعِ يَتَعَيَّنُ الِانْخِلَاعُ مِنْ النِّكَاحِ مُرَادًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُقَابِلْهُ مَالٌ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ الْمَالُ فَوُجُودِ الْمَالِ مُغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ الْمَالَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ ثُمَّ الْخُلْعُ عِنْدَنَا طَلَاقٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَسْخٌ وَفَائِدَتُهُ إذَا خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَادَتْ إلَيْهِ بِتَطْلِيقَتَيْنِ لَا غَيْرُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ بِثَلَاثٍ (قَوْلُهُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضُ مِنْهَا وَقَدْ وُجِدَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَزِمَهَا الْمَالُ وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ إلَّا بِالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ. فَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُهَا لَا مَجْلِسُهُ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ صَحَّ قَبُولُهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَالْخُلْعُ مِنْ جَانِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ وَمِنْ جَانِبِهَا بِمَنْزِلَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ حَتَّى إنَّهَا تَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخْطَارِ بَيَانُهُ إذَا قَالَ خَالَعْت امْرَأَتِي عَلَى أَلْفٍ أَوْ طَلَّقْتهَا عَلَى أَلْفٍ وَهِيَ غَائِبَةٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي قَالَتْ ذَلِكَ وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَهُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْكَرْخِيُّ إذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ لَمْ يَصِحَّ

رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِوَقْتٍ فَيَقُولُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَإِنْ قَبِلْت قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا إذَا ابْتَدَأَتْ هِيَ فَقَالَتْ خَالَعْت نَفْسِي عَنْك بِأَلْفٍ فَذَلِكَ مِثْلُ إيجَابِ الْبَيْعِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَرْطٍ وَلَا وَقْتٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ إذَا قَبِلَتْ وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لَهَا فَقَالَ خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ أَوْ شَرَطَتْ هِيَ لِنَفْسِهَا الْخِيَارَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهُ تَمَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جِهَتِهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ خَالَعْتُكِ بَارَأْتُكِ بَايَنْتُكِ فَارَقْتُكِ طَلِّقِي نَفْسَكِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْوِ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِوَضًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: 20] إلَى أَنْ قَالَ {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) يَعْنِي مِنْ الْمَهْرِ دُونَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ جَاءَتْ إلَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ فَقَالَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ الزِّيَادَةَ وَكَذَا إذَا أَخَذَتْ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) صُورَتُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَبُولَهَا يُوقَفُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَ الْمُسْلِمَةَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مَا سَمَّتْ مَالًا وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ وَلَا إلَى إيجَابِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ خَمْرًا؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا فَصَارَ مَغْرُورًا فَيَجِبُ الْمَهْرُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُولِي فِيهِ مُتَقَوِّمٌ وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا أَمَّا مِلْكُ الْبُضْعِ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالْكِنَايَاتُ بَوَائِنُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ كَانَ رَجْعِيًّا) هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ إذَا خَلَا عَنْ الْعِوَضِ وَلَمْ يُوصَفْ بِالْبَيْنُونَةِ كَانَ رَجْعِيًّا، وَهَذَا أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ إذَا بَذَلَتْ مَالًا لِلزَّوْجِ وَطَلَّقَهَا كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُون بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى حَيَوَانٍ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لَهُ الْوَسَطُ مِنْهُ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ دَفْعِ عَيْنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ عَلَى الْبُضْعِ فَمَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي النِّكَاحِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْخُلْعِ

إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُ النِّكَاحَ فِي أَنَّهَا إذَا سَمَّتْ فِي الْخُلْعِ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ فَخُلْعُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَصَحَّ الْخُلْعُ وَفِي النِّكَاحِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ لَهُ قِيمَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثَبَتَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ وَفِي الْخُلْعِ لَوْ خَالَعَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَتْ لَهُ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي فَخَالَعَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَغُرَّهُ حَيْثُ لَمْ تُسَمِّ لَهُ مَالًا وَلَا سَمَّتْ لَهُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ وَكَذَا إذَا قَالَتْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا شَيْءٌ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا شَيْءَ لَهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ فَخَالَعَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَهْرَهَا) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَا لَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى أَوْ قِيمَتِهِ لِلْجَهَالَةِ وَلَا إلَى قِيمَةِ الْبُضْعِ أَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ مَا قَامَ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ إذَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَهْرِ وَكَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ قَدْ سَلِمَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا لَرَجَعَ لِأَجْلِ الْهِبَةِ، وَهِيَ لَا تُوجِبُ عَلَى الْوَاهِبِ ضَمَانًا. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَلَهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) ؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ الْجَمْعَ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِهَا دَرَاهِمُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى أَكْثَرَ فَهِيَ لِلزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى الْمَهْرِ صَحَّ فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ الْمَرْأَةُ سَقَطَ عَنْهُ وَإِنْ قَبَضَتْهُ اسْتَرَدَّهُ مِنْهَا وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ النَّفَقَةُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَعَلَيْهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَلَبَتْ الثَّلَاثَ بِأَلْفٍ فَقَدْ طَلَبَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِكُلِّ الْأَلْفِ فَلَمْ يَجُزْ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ بِبَعْضِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَعِنْدَهُمَا هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ فِي الْمُعَوَّضَاتِ حَتَّى إنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ كَلِمَةَ عَلَى لِلشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ كَانَ شَرْطًا وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ لَا يَتَقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الْمَشْرُوطِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمَشْرُوطُ عِنْدَ وُجُودِ جَمِيعِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَدَخَلَتْ الدَّارَ مَرَّةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِعَدَمِ كَمَالِ الشَّرْطِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمَّا لَمْ يُوجَدْ كَمَالُ الشَّرْطِ الْمُسْتَحِقِّ بِهِ جَمِيعُ الْبَدَلِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَإِنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ الْأَلْفَ غَيْرَ مُعَلَّقَةٍ بِالطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِوَضٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمُهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأَعْوَاضِ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْوَاوِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ احْمِلْ لِي هَذَا الْمَتَاعَ وَلَك دِرْهَمٌ فَحَمَلَهُ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ فَكَذَا هَذَا وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالطَّلَاقُ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِزَوْجٍ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا لِتُسَلِّمَ لَهُ الْأَلْفَ كُلَّهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَرْضَى، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ. (قَوْلُهُ وَالْمُبَارَأَةُ كَالْخُلْعِ) وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ بَرِئْت مِنْ النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَك عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ (قَوْلُهُ وَالْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ يُسْقِطَانِ كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي النِّكَاحَ الْقَائِمَ حَالَةَ الْمُبَارَأَةِ أَمَّا الَّذِي قَبْلَهُ لَا يُسْقِطُ حُقُوقَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا الْخُلْعُ فَهُوَ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ

مسألة تزوج امرأة على مهر مسمى ثم طلقها بائنا ثم تزوجها على مهر آخر ثم اختلعت منه على مهرها

فِيهِمَا جَمِيعًا لَا يُسْقِطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ وَكَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَزِمَهَا مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ بِنِصْفِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَوْ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ ثُمَّ بَارَأَهَا أَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْمَهْرُ كُلُّهُ لَهَا وَلَا يَتْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْمَهْرِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلِلزَّوْجِ مَا سَمَّتْ لَهُ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَهْرِ. وَفِي التَّتِمَّةِ إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَهْرَ وَقَبِلَتْ هَلْ يَسْقُطُ الْمَهْرُ هَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْقُطُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِهِ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ بِنِصْفِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَفِي شَرْحِهِ إذَا خَالَعَهَا أَوْ بَارَأَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَرَاهِمَ وَكَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُبَارَأَةِ وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَلَمْ يُوَافِقْهُ وَقَالَ إنَّ الْخُلْعَ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِلَيْهِمَا هُوَ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبَارَأَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إنْ كَانَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ بَرِئَ الزَّوْجُ مِنْ كُلِّ حَقٍّ وَجَبَ لَهَا بِالنِّكَاحِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْكِسْوَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا سَلَّمَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا مَا سَمَّيَا عِنْدَ الْخُلْعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْقُطُ إلَّا مَا سَمَّيَا سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ بِلَفْظِ الْمُبَارَأَةِ فَعَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُوَ لَهَا وَلَهُ عَلَيْهَا جَمِيعُ مَا سَمَّتْ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَيْنٌ غَيْرُ الْمَهْرِ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الَّذِي احْتَرَزَ بِهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ. [مَسْأَلَةٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةٍ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا عَلَى مَهْرٍ آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا يَبْرَأُ الزَّوْجُ مِنْ الْمَهْرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الظِّهَارِ] الظِّهَارُ: هُوَ أَنْ يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِهَا أَوْ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَأَصْلُ ثُبُوتِهِ أَوَّلُ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ نَزَلَتْ فِي خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةٍ مِنْ الْخَزْرَجِ وَفِي زَوْجِهَا أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «وَكَانَتْ خَوْلَةُ حَسَنَةَ الْجِسْمِ فَرَآهَا زَوْجُهَا وَهِيَ سَاجِدَةٌ فِي صَلَاتِهَا فَنَظَرَ إلَى عَجُزِهَا فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ صَلَاتِهَا رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ عَلَيْهِ فَغَضِبَ وَقَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ وَقَالَتْ وَاَلَّذِي نَفْسُ خَوْلَةَ بِيَدِهِ لَا تَصِلُ إلَيَّ وَقَدْ قُلْت مَا قُلْت حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَنَا وَيَحْكُمَ اللَّهُ فِي وَفِيك بِحُكْمِهِ قَالَتْ خَوْلَةُ فَوَقَعَ عَلَيَّ فَدَفَعْته بِمَا تَدْفَعُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الضَّعِيفَ ثُمَّ خَرَجْت إلَى جِيرَتِي فَأَخَذْت مِنْهُمْ ثِيَابًا فَلَبِسْتهَا وَمَضَيْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدْت عَائِشَةَ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ تَزَوَّجَنِي وَأَنَا شَابَّةٌ مَرْغُوبٌ فِي وَكُنْت غَنِيَّةً ذَاتَ مَالٍ وَأَهْلٍ حَتَّى إذَا أَكَلَ مَالِي وَأَفْنَى شَبَابِي وَتَفَرَّقَ أَهْلِي وَكَبِرَ سِنِي وَنَثَرْت لَهُ دَاءَ بَطْنِي ظَاهَرَ مِنِّي وَجَعَلَنِي كَأُمِّهِ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ وَلِي مِنْهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ إنْ ضَمَمْتَهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتَهُمْ إلَيَّ جَاعُوا فَهَلْ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَجْمَعُنِي وَإِيَّاهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَاك إلَّا قَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا وَإِنَّهُ زَوْجِي وَابْنُ عَمِّي وَأَبُو أَوْلَادِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ

لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرُمْت عَلَيْهِ قَالَتْ فَجَعَلْت أُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ حَرُمْت عَلَيْهِ حَرُمْت عَلَيْهِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاَللَّهِ مَا ذَكَرَ طَلَاقًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِنْدِي فِي أَمْرِك شَيْءٌ وَإِنْ نَزَلَ فِي أَمْرِك شَيْءٌ بَيَّنْته لَكِ، فَهَتَفَتْ وَبَكَتْ وَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَتْ اللَّهُمَّ إنِّي أَشْكُو إلَيْك شِدَّةَ وَجْدِي وَفَاقَتِي وَوَحْدَتِي وَمَا يَشُقُّ عَلَيَّ مِنْ فِرَاقِهِ وَرَفَعَتْ يَدَهَا إلَى السَّمَاءِ تَدْعُو وَتَتَضَرَّعُ فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إذْ تَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَحْيُ كَمَا كَانَ يَغْشَاهُ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ يَا خَوْلَةُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي زَوْجِك الْقُرْآنَ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة: 1] إلَى آخِرِ الْآيَاتِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] أَيْ سَمِيعٌ بِمَنْ يُنَاجِيهِ وَيَتَضَرَّعُ إلَيْهِ بَصِيرٌ بِمَنْ يَشْكُو إلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا عِنْدَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ: إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صَوْمٍ قَالَ: مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا يَجِدُ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَسَعُ ثَلَاثِينَ صَاعًا قَالَتْ: وَأَنَا أُعِينُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ افْعَلِي وَاسْتَوْصِي بِهِ خَيْرًا» . وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ لَا فَإِنِّي قَلِيلُ الْمَالِ قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّنِي إذَا لَمْ آكُلْ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَلَّ بَصَرِي وَخِفْت أَنْ تَغْشُوَ عَيْنِي قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا وَاَللَّهِ إلَّا أَنْ تُعِينَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنِّي مُعِينُك بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَدَاعٍ لَك بِالْبَرَكَةِ فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ» . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ حَرُمْت عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا لَمْسُهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ عَنْ ظِهَارِهِ) يَعْنِي لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا إلَّا بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَلَا بَعْدَ زَوْجٍ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْكَفَّارَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَكَذَا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدَعَهُ يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَرَامِ كَمَا لَزِمَ الرَّجُلَ وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ دَوَاعِيهِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالصَّائِمِ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حَرُمْت الدَّوَاعِي لَكَانَ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِحْرَامُ وَالظِّهَارُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُؤَبَّدِ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ كَمَا إذَا ظَاهَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَالْيَوْمِ وَالشُّهُورِ وَالسَّنَةِ فَإِنَّهُ إنْ قَرَبَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَبَطَلَ الظِّهَارُ وَقَوْلُهُ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَيَقَعُ بِهِ الظِّهَارُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ إلَّا ظِهَارًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ وَأَقْوَالُهُمَا لَا حُكْمَ لَهَا كَالطَّلَاقِ وَإِذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُظَاهِرُ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَرَفَعَتْهُ امْرَأَتُهُ إلَى الْقَاضِي حَبَسَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ) ، وَلَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَتَزَوَّجَهَا فَالظِّهَارُ بِحَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا بَعْدَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ وَالْعَوْدُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى وَطْئِهَا) يَعْنِي إنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ وَطْأَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ فَإِذَا رَضِيَ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى وَطْئِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنْ عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ عَزَمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَطَأَهَا سَقَطَتْ وَكَذَا

إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَزْمِ فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ ظِهَارِهِ، وَهِيَ مُبَانَةٌ أَوْ تَحْتَ زَوْجٍ آخَرَ أَجْزَاهُ وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَإِذَا أَرَادَ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَفَخِذِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ) وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ مِنْ أُمِّهِ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَتَشْبِيهِهِ بِظَهْرِهَا (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا شَبَّهَهَا بِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مِثْلُ أُخْتِهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ) ؛ لِأَنَّهُنَّ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا يَصِحُّ الظِّهَارُ إلَّا بِالتَّشْبِيهِ بِالْأُمِّ وَقَالَ مَالِكٌ يَصِحُّ بِالتَّشْبِيهِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّك كَانَ مُظَاهِرًا سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا وَإِنْ قَالَ كَظَهْرِ ابْنَتِك إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَانَ مُظَاهِرًا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إذَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهِ كَانَ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَى بِأُمِّهَا أَوْ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَى بِهَا أَبُوهُ كَانَ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ نِكَاحِهِ لَمْ أُبْطِلْهُ فَلَمْ تَصِرْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ. وَإِنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِابْنَتِهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فِي حَالٍ آخَرَ مِثْلُ أُخْتِ امْرَأَتِهِ أَوْ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَإِنْ شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِلِعَانٍ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إجْمَاعًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَمُظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا جَازَ ثُمَّ الظِّهَارُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ قَالَ كَفَرْجِ أَبِي أَوْ كَفَرْجِ ابْنِي كَانَ مُظَاهِرًا وَإِنْ قَالَ أَنَا مِنْك مُظَاهِرٌ أَوْ قَدْ ظَاهَرْت مِنْك فَهُوَ مُظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي كَظَهْرِ أَبِي أَوْ عِنْدِي أَوْ مَعِي فَهُوَ مُظَاهِرٌ وَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُظَاهِرَةً مِنْ زَوْجِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَكُونُ مُظَاهِرَةً وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا وَطِئَهَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ أَنْتِ حَرَامٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا وَطِئَهَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ التَّحْرِيمَ كَالطَّلَاقِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ رَأْسُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ فَرْجُك أَوْ وَجْهُك أَوْ بَدَنُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك أَوْ عُشْرُك كَانَ مُظَاهِرًا) ؛ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَبَطْنِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا أَوْ بَطْنُك أَوْ فَخِذُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُضْوَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يُعَبَّرُ عَنْ جَمِيعِ الشَّخْصِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مُظَاهِرًا إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْهَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الشَّخْصِ بِمَنْ لَا تَحِلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي رُجِعَ إلَى نِيَّتِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَرَادَ الْإِكْرَامَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَإِنْ أَرَادَ التَّحْرِيمَ فَهُوَ إيلَاءٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمُ وَأَدْنَاهُ الْإِيلَاءُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَفَرْجِ أُمِّي؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْكَرَامَةِ لَا يَكُونُ بِالْفَرْجِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّحْرِيمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِجَمِيعِهَا وَفِيهِ تَشْبِيهٌ بِالظَّهْرِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ) ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكُونُ ظِهَارًا؛ لِأَنَّ

كفارة الظهار

التَّشْبِيهَ بِعُضْوٍ مِنْهَا لَمَّا كَانَ ظِهَارًا فَالتَّشْبِيهُ بِجَمِيعِهَا أَوْلَى لَهُمَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى الْكَرَامَةِ فَلَمْ يَكُنْ ظِهَارًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الظِّهَارَ لِمَكَانِ التَّشْبِيهِ وَيَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ لِمَكَانِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ نَوَى التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ كَانَ ظِهَارًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ إيلَاءً وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظِهَارًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ ظِهَارٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ نَوَى ظِهَارًا أَوْ إيلَاءً أَوْ طَلَاقًا أَوْ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ أُمِّي فَهُوَ كَذِبٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ الظِّهَارُ إلَّا مِنْ زَوْجَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وَالْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كِتَابِيَّةً وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا) وَكَذَا مِنْ مُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَإِنْ ظَاهَرَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْحُرِّ إلَّا إنَّ التَّكْفِيرَ بِالْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَجُوزُ مِنْهُ مَا لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ كَفَّرَ بِهِمَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ الْمَوْلَى كَفَّرَ بِهِمَا عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَيَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصِّيَامِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ. (قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ) سَوَاءٌ كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا آلَى مِنْ نِسَائِهِ فَجَامَعَهُنَّ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَمَّا هُنَا فَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَجِبُ لِرَفْعِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غَيْرُ التَّحْرِيمِ فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يَسْقُطْ التَّحْرِيمُ عَنْ الْبَاقِيَاتِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ وَكَذَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَيَكُونَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ إيقَاعٌ وَالثَّانِيَ إخْبَارٌ فَإِذَا نَوَى الْإِخْبَارَ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَرَدْت التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا فِي عِدَّتِهَا صَحَّ ظِهَارُهُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَصِحَّ ظِهَارُهُ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ زَوْجَةٍ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَلِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِالطَّلَاقِ وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ آكَدُ مِنْ تَحْرِيمِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ وَالظِّهَارُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَيَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ. [كَفَّارَةُ الظِّهَارِ] (قَوْلُهُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ) يَعْنِي كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ مَقْرُونًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَجِنْسُ مَا يُبْتَغَى مِنْ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ بِلَا بَدَلٍ فَقَوْلُنَا كَامِلَةَ الرِّقِّ حَتَّى إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ الرَّقَبَةِ ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهَا الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَبَعْدَ مَا جَامَعَهَا لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ النِّصْفِ بِمَنْزِلَةِ عِتْقِ الْكُلِّ عِنْدَهُمَا إذْ هُوَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ السِّعَايَةِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ عِتْقًا بِالْبَدَلِ وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا جَازَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَصَامَ شَهْرًا أَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا رَقَبَةً كَامِلَةَ الرِّقِّ فِي مِلْكِهِ وَقَوْلُنَا مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَنْوِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَكَذَا إذَا نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، وَلَوْ دَخَلَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ كَمَا إذَا دَخَلَ بِالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعِهِ إنْ نَوَى عَنْ كَفَّارَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصُّنْعِ جَازَ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا وَجِنْسُ مَا يَبْتَغِي مِنْ الْمَنَافِعِ قَائِمٌ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَقْطُوعَ

الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ أَشَلَّ الْيَدَيْنِ أَوْ زَمِنًا أَوْ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مَقْطُوعَ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ أَوْ أَعْمَى أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ أَخْرَسَ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَقْطُوعَ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافٍ أَوْ أَشَلَّ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَقْطُوعَ إصْبَعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ أَوْ أَعْوَرَ أَوْ أَعْشَى أَوْ مَقْطُوعَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ الْأَنْفِ أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خُنْثَى أَوْ أَمَةً رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ صِيحَ فِي أُذُنِهِ لَمْ يَسْمَعْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَوْلُنَا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى بَدَلٍ وَنَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَبْرَأهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْبَدَلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا وَحَدُّ عَدَمِ الْوُجُودِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا فَيَجُوزُ ثُمَّ إذَا كَفَّرَ بِالصِّيَامِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ وَكَذَا لَوْ جَاءَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ فَإِنْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا عَمَّا وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَصَامَتْ عَنْ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ أَوْ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ وَلَكِنْ تُصَلِّي الْقَضَاءَ بَعْدَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ صَوْمَ شَهْرَيْنِ لَا حَيْضَ فِيهِمَا فَإِنْ أَفْطَرَتْ يَوْمًا بَعْدَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ وَإِنْ كَانَتْ تَصُومُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّهَا تَجِدُ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا حَيْضَ فِيهَا وَإِنْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَجِبُ الْعِتْقُ وَيَكُونُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ وَأَفْطَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) وَلَا يَكُونُ إلَّا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَسِيسِ) هَذَا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ ظَاهِرٌ لِلنَّصِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهِمَا {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَكَذَا فِي الْإِطْعَامِ أَيْضًا عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ الْإِطْعَامَ جَازَ أَنْ يَطَأَ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ وَيُجْزِي فِي الْعِتْقِ الرَّقَبَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ) ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّقَبَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الْكَافِرَةِ وَيَقُولُ الْكَفَّارَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوِّهِ كَالزَّكَاةِ قُلْنَا الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْإِيمَانِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الزَّكَاةِ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ عَدَمُ النَّصِّ فِي الْمَقِيسِ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ (قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الْعَمْيَاءُ وَلَا مَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا وَهُوَ الْأَخْرَصُ بِالصَّادِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُرَادَانِ لِلزِّينَةِ وَالْمَنْفَعَةُ قَائِمَةٌ بَعْدَ ذَهَابِهِمَا وَكَذَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْجَمَالِ وَمَنْفَعَةُ الشَّمِّ بَاقِيَةٌ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ فَقْدَهُ أَصْلًا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِأَنْ كَانَتْ أُنْثَى (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ إبْهَامَيْ الرِّجْلَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ وَالتَّنَاوُلِ تَفُوتُ بِفَقْدِهِمَا فَصَارَ فَوَاتُهُمَا كَفَوَاتِ جَمِيعِ الْأَصَابِعِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَقْطُوعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ لِفَوَاتِ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجُوزُ الذَّاهِبُ الْأَسْنَانِ وَلَا مَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ الْأَخْرَسُ وَالْخُرْسَى؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْكَلَامِ انْعَدَمَتْ وَيَجُوزُ ذَاهِبُ

الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلزِّينَةِ (قَوْلُهُ وَلَا الْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَقْلِ فَكَانَ فَائِتَ الْمَنَافِعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يُجْزِي وَإِنْ أَعْتَقَ طِفْلًا رَضِيعًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَعْتَقَ مَرِيضًا يُرْجَى لَهُ الْحَيَاةُ وَيُخَاف عَلَيْهِ الْمَوْتُ أَجْزَأَهُ فَإِنْ كَانَ فِي حَدِّ الْمَوْتِ لَمْ يُجْزِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ وَأُمُّ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُمَا (قَوْلُهُ وَلَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِبَدَلٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ فِيهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ الِانْفِسَاخَ وَلَمْ يَحْصُلْ عَنْهُ عِوَضٌ وَيُسَلِّمُ لِلْمُكَاتِبِ الْأَوْلَادَ وَالْأَكْسَابَ وَيَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي شَاهَانْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ جَازَ عِنْدَنَا) بِخِلَافِ مَا لَوْ وَرِثَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَضَمِنَ قِيمَةَ بَاقِيهِ وَأَعْتَقَهُ لَمْ يُجْزِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ عَنْهَا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِكَلَامَيْنِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ بِجِهَةِ الْكَفَّارَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ هُنَاكَ تَمَكَّنَ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ لَمْ يُجْزِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَشَرْطُ الْإِعْتَاقِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْد الْمَسِيسِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ عِنْدَهُمَا إعْتَاقُ الْكُلِّ فَحَصَلَ إعْتَاقُ الْكُلِّ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتَأْنَفَ عِتْقَ رَقَبَةٍ أُخْرَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُظَاهِرُ مَا يَعْتِقُ فَكَفَّارَتُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يَوْمُ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمُ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ وَصَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ جَامَعَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا عَامِدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ عِنْدَهُمَا) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى صِيَامِهِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا مَسِيسَ فِيهِمَا فَإِذَا

جَامَعَ فِيهِمَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ هُنَا لَمْ يَخْتَصَّ بِالصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الِاعْتِكَافِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا وَطِئَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ نَهَارًا نَاسِيًا أَوْ لَيْلًا عَامِدًا حَيْثُ لَا يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ فِيهَا لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالصَّوْمِ وَلِأَبِي يُوسُفَ إنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ دَلِيلُهُ الْوَطْءُ نَاسِيًا بِالنَّهَارِ وَعَامِدًا بِاللَّيْلِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ نَهَارًا نَاسِيًا قَيْدٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامِدًا اسْتَأْنَفَ إجْمَاعًا لِعَدَمِ التَّتَابُعِ وَقَيَّدَ بِجِمَاعِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ غَيْرَهَا بِالنَّهَارِ نَاسِيًا أَوْ بِاللَّيْلِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَسْتَأْنِفْ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ) لِفَوَاتِ التَّتَابُعِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ فِي خِلَالِ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَأْنِفْ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا ظَاهَرَ الْعَبْدُ لَمْ يُجْزِهِ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الصَّوْمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ فَلَزِمَهُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ) وَظِهَارُ الذِّمِّيِّ عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمُظَاهِرُ الصِّيَامَ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) الْمُعْتَبَرُ الْعَجْزُ الْحَالِيُّ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ بِخِلَافِ الشَّيْخِ الْفَانِي حَيْثُ يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ فِيهِ إلَى الْمَوْتِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي ذَلِكَ وَقْتُ التَّكْفِيرِ لَا وَقْتُ الظِّهَارِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ وَكَانَ وَقْتَ التَّكْفِيرِ مُعْسِرًا أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الظِّهَارِ وَهُوَ فَقِيرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ وَقَوْلُهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا سَوَاءٌ كَانُوا مُسْلِمِينَ أَوْ ذِمِّيِّينَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ فُقَرَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) وَدَقِيقُ الْبُرِّ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ فِي اعْتِبَارِ نِصْفِ الصَّاعِ (قَوْلُهُ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ وَسَوِيقُهُ مِثْلُهُ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءً فَإِنْ أَعْطَاهُ مَنًّا مِنْ بُرٍّ وَمَنَوَيْنِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ عِنْدَنَا تُجْزِي فِي الزَّكَاةِ فَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْخَلَّةِ وَدَفْعُ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْقِيمَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ جَازَ قَلِيلًا أَكَلُوا أَوْ كَثِيرًا) يَعْنِي بَعْدَ أَنْ وَضَعَ لَهُمْ مَا يُشْبِعُهُمْ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الشِّبَعُ لَا مِقْدَارُ الطَّعَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ غَدَاءً وَعِشَاءً أَوْ سُحُورًا وَعِشَاءً أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عِشَاءَيْنِ أَوْ سَحُورَيْنِ وَلَا يُجْزِي فِي غَيْرِ الْبُرِّ إلَّا بِالْإِدَامِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ وَفِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْإِدَامُ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَا يُجْزِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي الْأَكْلَ كَامِلًا وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْتَوْفِي الْأَكْلَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا أَكْلَتَيْنِ مُشْبِعَتَيْنِ أَجْزَأَهُ) وَكَذَا إذَا أَعْطَاهُ سِتِّينَ يَوْمًا كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ) ، وَلَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَكْلَةً مُشْبِعَةً أُخْرَى وَكَذَا إذَا غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ أَكْلَةً مُشْبِعَةً أُخْرَى (قَوْلُهُ فَإِنْ قَرَبَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ) كَمَا إذَا أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا ثُمَّ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَأَنْ يُطْعِمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا وَالْجِمَاعُ لَا يَنْقُضُ الْإِطْعَامَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ الْمَسِيسِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ أَوْ الصَّوْمِ فَيَقَعَانِ بَعْدَ الْمَسِيسِ، وَلَوْ أَعْطَى سِتِّينَ مِسْكَيْنَا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ عَنْ ظِهَارَيْنِ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِهِمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْزِيهِ عَنْهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ

كتاب اللعان

مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إجْمَاعًا كَمَا إذَا أَطْعَمَ عَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ. (قَوْلُهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ لَا يَنْوِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا جَازَ عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ إنْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا جَازَ وَإِنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً وَصَامَ شَهْرَيْنِ جَازَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ إحْدَاهُمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ اللِّعَانِ] لَقَّبَهُ بِاللِّعَانِ دُونَ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْغَضَبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللَّعْنَ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ وَسَابِقٌ وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ ثُمَّ اللِّعَانُ شَهَادَاتٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْمَانٌ فِيهَا مَعْنَى الْحَدِّ وَفَائِدَتُهُ إذَا عُزِلَ الْحَاكِمُ بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَانْتَقَلُوا إلَى غَيْرِهِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَأْنِفُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُبْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا فَطَالَبَتْهُ بِمُوجِبِ الْقَذْفِ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا يَا زَانِيَةُ أَوْ أَنْتِ زَنَيْت أَوْ رَأَيْتُك تَزْنِي أَوْ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الزِّنَا أَوْ لَيْسَ هُوَ مِنِّي يُوجِبُ اللِّعَانَ وَإِنْ قَالَ جُومِعَتْ جِمَاعًا حَرَامًا أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَنَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ وَمَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] فَسَمَّاهُمْ شُهَدَاءَ وَاسْتَثْنَاهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ وَقَالَ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] نَصٌّ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فَقُلْنَا الرُّكْنُ هُوَ الشَّهَادَةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ قَرَنَ الرُّكْنَ فِي جَانِبِهِ بِاللَّعْنِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي جَانِبِهَا بِالْغَضَبِ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا بُدَّ مِنْ إحْصَانِهَا وَيَجِبُ أَيْضًا بِنَفْيِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَاهُ صَارَ قَاذِفًا لَهَا وَمَتَى سَقَطَ اللِّعَانُ فِي الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِهَا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَقَوْلُهُ فَطَالَبَتْهُ إنَّمَا شُرِطَ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَوْ لَمْ تُطَالِبْهُ وَسَكَتَتْ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا، وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ طُولَ الْمُدَّةِ لَا يُبْطِلُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا الْقِصَاصَ وَلَا حُقُوقَ الْعِبَادِ وَلَا لِعَانَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْأَمَةِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ وَالْكَافِرَةَ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا وَمِنْ شَرَائِطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ قَذَفَهَا لَمْ يَتَلَاعَنَا؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لَمْ يُصَادِفْ الزَّوْجِيَّةَ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ وَلِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ كَقَاذِفِ الصَّغِيرَةِ. قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَتْ قَدْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا فِي جَمِيعِ عُمْرِهَا مَرَّةً أَوْ خَرْسَاءَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَكَذَا إذَا كَانَا صَبِيَّيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ أَوْ أَخْرَسَيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ فَإِنْ كَانَا أَعْمَيَيْنِ أَوْ فَاسِقِينَ يَجِبُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةُ كَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، وَلَوْ كَانَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْبُدَاءَةُ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً عَفِيفَةً وَكَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ قَذْفَهَا صَحِيحٌ وَقَدْ سَقَطَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْهُ اللِّعَانُ وَمَتَى كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ قَذْفُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالزَّوْجَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا فَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا غَيْرَ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ أَوْ زَانِيَةٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ قَذْفَهَا لَيْسَ بِقَذْفٍ صَحِيحٍ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَفِيفَةً إلَّا أَنَّهَا مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ اللِّعَانُ لِمَعْنًى مِنْ

صفة اللعان

جِهَتِهَا وَهُوَ إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَجِبُ اللِّعَانُ وَلَا الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ فَقَذَفَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ لِمَعْنًى فِي الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِهِ وَقَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا يَحْتَرِزُ مِمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ إلَّا إنَّهَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ فَهَذِهِ لَا يَجِبُ بِقَذْفِهَا لِعَانٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدَّ) ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ حَقٌّ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إيفَائِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ لِيَرْتَفِعَ الشَّيْنُ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَاعَنَ وَجَبَ عَلَيْهَا اللِّعَانُ فَإِنْ امْتَنَعَتْ حَبَسَهَا الْحَاكِمُ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتَحِلَّ) يَعْنِي حَدَّ الزِّنَا قَالُوا هَذَا غَلَطٌ مِنْ النُّسَّاخِ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهَا إيَّاهُ لَا يَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ إقْرَارِهَا بِالزِّنَا وَثَمَّ لَا تُحَدُّ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَهَاهُنَا أَوْلَى وَإِنْ صَدَّقَتْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَا تُحَدُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُصَرِّحْ بِالزِّنَا وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ وَإِنَّمَا بَدَأَ فِي اللِّعَانِ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَقَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اللِّعَانُ بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَاللِّعَانُ خَلَفٌ عَنْهُ وَصُورَةُ كَوْنِ الزَّوْجِ كَافِرًا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ فَقَذَفَهَا بِالزِّنَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ أَوْ نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَذَفَهَا ثَانِيًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْحَدِّ ثُمَّ تَلَاعَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ إنَّمَا تَبْطُلُ بَعْدَ كَمَالِ الْحَدِّ وَعِنْدَ زُفَرَ تَبْطُلُ بِأَوَّلِ سَوْطٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ إذْ لَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي زِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ أَوْ مَحْدُودَةٌ فِي قَذْفٍ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا بِأَنْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ زَانِيَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَذْفِهَا وَلَا لِعَانَ) ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ قَدْ صَحَّ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا سَقَطَ مُوجِبُهُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا مُحْصَنَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ صَدَقَتْهُ وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ خَرْسَاءَ. [صِفَةُ اللِّعَانِ] (قَوْلُهُ وَصِفَةُ اللِّعَانِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْقَاضِي بِالزَّوْجِ فَيَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ فَيَقُولَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا) إلَى أَنْ قَالَ وَيُشِيرُ إلَيْهَا إنَّمَا شُرِطَ الْإِشَارَةُ لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ غَيْرَهَا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ ثُمَّ تَشْهَدُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ) يَعْنِي، وَهِيَ قَائِمَةٌ وَكَذَا الرَّجُلُ يُلَاعِنُ وَهُوَ قَائِمٌ وَفِي الْكَرْخِيِّ الْقِيَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَشْهَرُ وَأَبْلَغُ (قَوْلُهُ تَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لِمَنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] إنَّمَا ذُكِرَ الْغَضَبُ فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا فَيَكُونُ ذِكْرُ الْغَضَبِ أَدْعَى لَهُنَّ إلَى الصِّدْقِ ثُمَّ اللَّعْنُ يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ قَالَ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ أَوْ قَالَتْ هِيَ

ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ. (قَوْلُهُ فَإِذَا الْتَعْنَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يَقْضِيَ بِالْفُرْقَةِ عَلَى الزَّوْجِ فَيُفَارِقَهَا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَقَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَالزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةٌ يَقَعُ طَلَاقُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَيَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ زُفَرُ إذَا فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَلَوْ أَنَّهُمَا امْتَنَعَا مِنْ اللِّعَانِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ أَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا أَجْبَرَهُمَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّهَا جُنَّتْ بَعْدَمَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَلْتَعِنَ هِيَ سَقَطَ اللِّعَانُ وَلَا حَدَّ، وَلَوْ أَنَّهُمَا لَمَّا فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ سَأَلَا الْقَاضِيَ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يُجِبْهُمَا إلَى ذَلِكَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَدَأَ بِلِعَانِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالزَّوْجِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَلْتَعِنَ ثَانِيًا فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلَوْ أَنَّهُمَا الْتَعَنَا فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى مَاتَ أَوْ عُزِلَ وَنُصِبَ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ الثَّانِيَ يَسْتَقْبِلُ اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَسْتَقْبِلُ، وَلَوْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ فَلَمْ يَلْتَعِنَا حَتَّى طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ تَعَذَّرَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ وَقَدْ انْقَطَعَ بِالطَّلَاقِ فَلَا مَعْنَى لِلِّعَانِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا تَلَاعَنَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَأَخَذَتْهُ بِذَلِكَ الْقَذْفِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النِّكَاحَيْنِ يَنْفَرِدُ بِحُقُوقِهِ عَنْ الْآخَرِ وَاللِّعَانُ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَلَاعَنَا فِي نِكَاحٍ بِقَذْفٍ فِي نِكَاحٍ آخَرَ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ أَمَّا سُقُوطُ الْحَدِّ فَلِأَنَّ الْقَذْفَ أَوْجَبَ اللِّعَانَ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ زَالَتْ وَإِنْ قَذَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا تَلَاعَنَا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَقَطَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ الزَّوْجِيَّةُ وَقَدْ زَالَتْ بِالطَّلَاقِ وَإِذَا سَقَطَ اللِّعَانُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْحَدِّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ (قَوْلُهُ وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّهَا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْعِنِّينِ وَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَى سَنَتَيْنِ إنْ كَانَ مُعْتَدَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» وَهُمَا يَقُولَانِ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ فَأَمَّا إذَا كَذَّبَ نَفْسَهُ لَمْ يَبْقَ التَّلَاعُنُ بَعْدَ الْإِكْذَابِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِوَلَدٍ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَيُشْتَرَطُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ حِينِ الْعَلُوقِ إلَى حِينِ الْوَضْعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً حِينَ الْعُلُوقِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَأَعْتَقَتْ لَا يَصِحُّ نَفْيُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا عَلِقَتْ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا ثُبُوتًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِ حَالِهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزَّوْجَةِ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ، وَلَوْ نَفَى وَلَدَ الْحُرَّةِ فَصَدَّقَتْهُ فَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ ابْنُهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ وَالْأُمُّ لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حُقُوقِ وَلَدِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَهَا مَعَ تَصْدِيقِهَا لَهُ فِي الْقَذْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَشْهَدَ بِاَللَّهِ إنَّهُ لِمَنْ الْكَاذِبِينَ وَقَدْ قَالَتْ إنَّهُ صَادِقٌ وَصُورَةُ اللِّعَانِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ أَنْ يَأْمُرَ الْحَاكِمُ الزَّوْجَ فَيَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُك بِهِ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ فَكَذَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَنَفْيِ الْوَلَدِ ذَكَرَ فِي اللِّعَانِ الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ يَنْفِي الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ وَيُلْحِقُهُ بِأُمِّهِ فَيَقُولُ قَدْ أَلْزَمْت الْوَلَدَ أُمَّهُ وَأَخْرَجْته مِنْ نَسَبِ الْأَبِ ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ مَا قَطَعَ نَسَبَهُ مِنْ الْأَبِ جَمِيعُ أَحْكَامِ نَسَبِهِ بَاقِيَةٌ مِنْ الْأَبِ سِوَى الْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ حَتَّى إنَّ شَهَادَةَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ لَا تُقْبَلُ وَدَفْعُ زَكَاةِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ ابْنَةً فَتَزْوِيجُهُ لَهَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْوَلَدِ لِبِنْتِ الزَّوْجِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِ الْمُلَاعِنِ أَنْ يَدَّعِيَ

الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ وَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ) بِأَنْ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فِيمَا رَمَيْتهَا مِنْ الزِّنَا (حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ حَرُمْت حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا فَحُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا زَنَتْ فَحُدَّتْ) ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَتَصِيرُ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَصُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ بِكْرًا وَقْتَ اللِّعَانِ أَوْ تَكُونُ مُحْصَنَةً ثُمَّ تَرْتَدَّ ثُمَّ تَلْحَقَ بِدَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ تُسْبَى وَتُسْلِمَ وَتَزْنِيَ فَحَدُّهَا فِي الْوَجْهَيْنِ الْجَلْدُ فَيَكُونُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ أَيْ زَنَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَلْدُ إلَّا أَنْ تَرْتَدَّ وَتَلْحَقَ وَتُسْبَى ثُمَّ تُسْلِمَ وَتَزْنِيَ وَرِوَايَةُ الْفَقِيهِ ابْنِ دَعَّاسٍ زَنَّتْ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قُذِفَتْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَلِأَنَّ الصَّغِيرَةَ يَسْتَحِيلُ مِنْهَا الزِّنَا وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونَةُ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ اللِّعَانَ إلَى حَالَةٍ لَا يَصِحُّ مِنْهَا فِيهَا فِعْلُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ كَانَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا لَهَا فِي الْحَالِ بِزِنًا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا زَنَيْت قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك كَانَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاذِفًا لَهَا فِي الْحَالِ بِزِنًا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْت مِنْ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً كَانَ قَاذِفًا لَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ سِنُّ الْقَائِلِ عِشْرِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَالَ لَهُ فِي الْحَالِ كَذَلِكَ هَذَا (قَوْلُهُ وَقَذْفُ الْأَخْرَسِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِعَانٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِصَرِيحِ لَفْظِ الزِّنَا وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ فَهِيَ كَالْكِتَابَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ حَمْلُك مِنِّي فَلَا لِعَانَ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِقِيَامِ الْحَمْلِ فَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا (وَعِنْدَهُمَا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَاذِفٌ وَيُلَاعِنُ) ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وُجُودَهُ عِنْدَ الْقَذْفِ قُلْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا فِي الْحَالِ صَارَ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ بِك حَمْلٌ فَلَيْسَ مِنِّي وَالْقَذْفُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ وُجُودَهُ عِنْدَ الْقَذْفِ فَلَا يُلَاعِنُ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ زَنَيْت، وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا تَلَاعَنَا وَلَمْ يَنْفِ الْقَاضِي الْحَمْلَ) ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِصَرِيحِ الزِّنَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِتَمَكُّنِ الِاحْتِمَالِ قَبْلَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِلْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَاعَنَ بَيْنَ هِلَالٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ حَامِلٌ وَأَلْحَقَ الْحَمْلَ بِأُمِّهِ» فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ قِيَامَ الْحَمْلِ وَحْيًا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا نَفَى الرَّجُلُ وَلَدَ امْرَأَتِهِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فِي الْحَالِ الَّتِي يَقْبَلُ فِيهَا التَّهْنِئَةَ وَيَبْتَاعُ لَهُ آلَةَ الْوِلَادَةِ صَحَّ نَفْيُهُ وَلَاعَنَ بِهِ وَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَاعَنَ وَثَبَتَ النَّسَبُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَوْلُودَ فِي فِرَاشِ الزَّوْجَةِ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ وَالْفِرَاشُ ثَلَاثَةٌ قَوِيٌّ وَوَسَطٌ وَضَعِيفٌ فَالْقَوِيُّ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ وَالضَّعِيفُ فِرَاشُ الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِيهِ إلَّا بِالدَّعْوَةِ وَالْوَسَطُ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِي مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ وَإِذَا نَفَى وَلَدَ الزَّوْجَةِ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ هُوَ مِنِّي أَوْ هُوَ مِنْ الزِّنَا وَسَقَطَ اللِّعَانُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ أَبَدًا وَكَذَا إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ وَلَمْ يَتَلَاعَنَا فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إذَا نَفَاهُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ صَحَّ نَفْيُهُ وَلَاعَنَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي مَا لَمْ يَظْهَرْ

كتاب العدد

مِنْهُ اعْتِرَافٌ أَوْ دَلَالَةٌ عَلَى الِاعْتِرَافِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُدَّةِ النَّفْيِ وَقْتًا وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ لَهُ نَفْيَهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَرَوَى الْحَسَنُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْوِلَادَةِ إلَى الْعَقِيقَةِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ) ، وَهَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَمَّا إذَا وَلَدَتْ وَهُوَ غَائِبٌ وَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قَدِمَ فَلَهُ النَّفْيُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ مَا تُقْبَلُ فِيهِ التَّهْنِئَةُ بَعْدَ قُدُومِهِ وَعِنْدَهُمَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ النِّفَاسِ بَعْدَ قُدُومِهِ أَيْضًا وَقَدْ قَالُوا فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ إذَا هُنِّيَ بِهِ فَسَكَتَ كَانَ اعْتِرَافًا وَإِنْ هُنِّيَ بِوَلَدِ الْأَمَةِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا؛ لِأَنَّ نَسَبَ وَلَدِ الزَّوْجَةِ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَإِنَّمَا يُتَرَقَّبُ النَّفْيُ مِنْ الزَّوْجِ فَإِذَا سَكَتَ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ صَارَ بِذَلِكَ مُعْتَرِفًا وَأَمَّا وَلَدُ الْأَمَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ؛ لِأَنَّهُ لَا فِرَاشَ لَهَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالدَّعْوَى فَالسُّكُوتُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الدَّعْوَى وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ كَوَلَدِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا فِرَاشًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَنَفَى الْأَوَّلَ وَاعْتَرَفَ بِالثَّانِي ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَحُدَّ الزَّوْجُ وَلَا لِعَانَ) ؛ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَحُدَّ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَمْلَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بَعْضُ نَسَبِهِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَلَاعَنَ) ؛ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ لِلثَّانِي فَثَبَتَا جَمِيعًا وَعَلَيْهِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا لِلزَّوْجَةِ بِنَفْيِ الثَّانِي وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ كَانَ نَفْيُهُ لِلثَّانِي رُجُوعًا فَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا مَيِّتًا فَنَفَاهُمَا لَاعَنَ وَلَزِمَهُ الْوَلَدَانِ وَإِنْ نَفَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ وَيَلْزَمُهُ نَسَبُهُمَا جَمِيعًا أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ فَلِأَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ عَلَيْهِ وَالْمَيِّتُ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ لَهُ خَصْمٌ وَالثَّانِي لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ نَفْيُ النَّسَبِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي اللِّعَانِ فَائِدَةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ يَنْفَرِدُ عَنْ نَفْيِ النَّسَبِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَإِنْ جَاءَتْ بِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَأَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ وَأَقَرَّ بِالثَّالِثِ لَاعَنَ وَإِنْ نَفَى الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي يُحَدُّ وَهُمْ بَنُوهُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْعِدَدِ] الْعِدَدُ جَمْعُ عِدَّةٍ وَالْعِدَّةُ هِيَ التَّرَبُّصُ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ بِزَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ، وَهِيَ مُدَّةٌ وُضِعَتْ شَرْعًا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْحَيْضُ وَالشُّهُورُ وَوَضْعُ الْحَمْلِ فَالْحَيْضُ يَجِبُ بِالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَبِالْوَطْءِ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَبِعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ وَمَوْتِ مَوْلَاهَا وَأَمَّا الشُّهُورُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ مِنْهُمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ الْحَيْضِ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا أَمَّا الْفَاسِدُ فَعِدَّتُهَا فِيهِ الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ وَأَمَّا وَضْعُ الْحَمْلِ فَتَنْقَضِي بِهِ كُلُّ عِدَّةٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَهُ إلَّا فِي الْمَرْأَةِ الصَّغِيرَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ ثَلَاثًا أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَهِيَ حُرَّةٌ مِمَّنْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُرَّةُ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَهَذَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِثْلُ أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِأَنْ تُمَكِّنَ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ بِالتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَالْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي تَخَلُّلُ الْحَيْضَ وَفَائِدَتُهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَتَى شَرَعَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ

انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» أَيْ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ» . (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) ثُمَّ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ إذَا اتَّفَقَا فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ إجْمَاعًا وَإِنْ نَقَصَتْ فِي الْعَدَدِ وَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ فَتَعْتَدُّ بِالطَّلَاقِ بِتِسْعِينَ يَوْمًا وَفِي الْوَفَاةِ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَذَا قَالَ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ إذَا ابْتَدَأَهُمَا فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ وَتُكْمِلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالذِّمِّيَّةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةُ كَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةُ كَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِحَقِّ الزَّوْجِ، وَالذِّمِّيَّةُ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَاطَبَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي مَوْتٍ وَلَا فُرْقَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَتَّى تَضَعَ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ ثَابِتَ النَّسَبِ أَمْ لَا وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ بِالْحَمْلِ مُدَّةٌ سَوَاءٌ وَلَدَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ بِيَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَالْمَيِّتُ عَلَى سَرِيرِهِ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ إذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَكْثَرُ الْوَلَدِ بَانَتْ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِظُهُورِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ وَإِنْ أَسْقَطَتْ سَقْطًا إنْ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ مِمَّنْ تَحِيضُ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِالْحَيْضِ لَا بِالشُّهُورِ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَحَاضَتْ بَطَلَ حُكْمُ الشُّهُورِ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَالْحَيْضَ لَا يَتَجَزَّأُ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهِنَّ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَالْحُرَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ) فَإِنَّهُ يَتَجَزَّأُ فَأَمْكَنَ تَنْصِيفُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسَاءِ وَإِنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَفِي كَمْ تُصَدَّقُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا إذَا كَانَتْ حُرَّةً مِمَّنْ تَحِيضُ وَفِي تَخْرِيجِهِ رِوَايَتَانِ فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا عَقِيبَ حَيْضِهَا فَيُقَدَّرُ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهُورًا وَخَمْسَةٌ حَيْضًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ سِتُّونَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُقَدَّرُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقَلُّ الطُّهْرِ ثُمَّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا وَعِنْدَهُمَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَتَخْرِيجُهُ كَأَنَّهَا طَلُقَتْ فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيَبْدَأُ بِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ ثُمَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَيْضٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٍ حَيْضٍ. وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَطَلَّقَهَا عَقِيبَ الْوِلَادَةِ أَوْ قَالَ لَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ: إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَتَخْرِيجُهُ أَنْ يُجْعَلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا نِفَاسًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا فَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ وَذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ الْحَيْضَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ النِّفَاسَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةٌ حَيْضًا فَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا يُجْعَلُ النِّفَاسُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةً يُجْعَلُ النِّفَاسُ سَاعَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا

وَثَلَاثَةٌ حَيْضًا. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا عَقِيبَ الْحَيْضِ فَيُعْتَبَرُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا عَشْرَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُصَدَّقُ فِي أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَإِنْ طَلُقَتْ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ يُجْعَلُ نِفَاسُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ خَمْسَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَخَمْسَةً حَيْضًا وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا بُدَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ الطُّهْرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ عَشْرَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَعَشْرَةً حَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَسَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ النِّفَاسَ سَاعَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَثَلَاثَةً حَيْضًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ امْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةٌ) وَهَذِهِ الْعِدَّةُ لَا تَجِبُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَالْمُعْتَبَرُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ صَغِيرَةً إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا أَوْ صَغِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي فُرْقَةٍ وَلَا مَوْتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ فِي دِينِهِمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَلَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ مِثْلُهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (قَوْلُهُ وَإِذَا وَرِثَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ فَعِدَّتُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) يَعْنِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ثَلَاثُ حِيَضٍ لَا غَيْرُ وَصُورَتُهُ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا وَمَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَرِثُ عِنْدَنَا وَأَمَّا إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَانَ فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَتَبْطُلُ عِدَّةُ الْحَيْضِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِقِيَامِ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ، وَهِيَ مَبْتُوتَةٌ أَوْ مُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَمْ تَنْتَقِلْ عِدَّتُهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْمَوْتِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ) وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا لِلْإِيَاسِ فِيهَا قَدْرًا فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ يَبْطُلُ الْإِيَاسُ وَظَهَرَ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا لَمْ يَكُنْ خَلَفًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ

تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّذِي قَدَّرُوا الْإِيَاسَ فِيهَا بِمُدَّةٍ إذَا بَلَغَتْهَا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَهَا لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَيَكُونُ كَمَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تَحِيضُ مِثْلُهَا وَفِي الْمَرْتَبَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَا تَرَاهُ الْآيِسَةُ حَيْضٌ عَلَى الرِّوَايَاتِ أَجْمَعَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِيَاسِ بَعْدَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً بِالِاجْتِهَادِ وَرُؤْيَةُ الدَّمِ نَصٌّ فَيَبْطُلُ بِهِ الِاجْتِهَادُ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ أَحْمَرَ عَلَى مَا هُوَ الْعَادَةُ أَمَّا إذَا كَانَ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ لَا يَبْطُلُ الْإِيَاسُ ثُمَّ عَلَى هَذَا الِاخْتِيَارِ إذَا كَانَ أَحْمَرَ تَبْطُلُ عِدَّةُ الْأَشْهُرِ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَهَذَا بَعِيدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِجَوَازِ النِّكَاحِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ لَا يُقْضَى بِفَسَادِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْضَى بِفَسَادِهِ قَضَى أَوْ لَمْ يَقْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ الْمَرْئِيَّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ إذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا فَهُوَ حَيْضٌ وَيُنْتَقَضُ الْحُكْمُ بِالْإِيَاسِ لَكِنْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ لَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الْمَرْئِيُّ كُدْرَةً أَوْ خُضْرَةً لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ يُشْتَرَطُ حُكْمٍ الْحَاكِمِ بِالْإِيَاسِ لِعَدَمِ بُطْلَانِ مَا مَضَى أَوْ لَا يُشْتَرَطُ إذَا بَلَغَتْ مُدَّةَ الْإِيَاسِ وَلَمْ تَرَ الدَّمَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْإِيَاسِ قَالَ بَعْضُهُمْ سِتُّونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ. وَفِي النِّهَايَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّهَا تَصْبِرُ إلَى خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ وَإِنْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا. (قَوْلُهُ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ عِدَّتُهَا الْحَيْضُ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) هَذَا إذَا دَخَلَ بِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا كَانَ عِدَّتُهَا الْحَيْضَ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِأَجْلِ الْوَطْءِ لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةُ إذَا وَجَبَتْ لِأَجْلِ الْوَطْءِ كَانَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ كَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ يَقُومُ مَقَامَ حَيْضَةٍ وَإِنَّمَا اسْتَوَى الْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] هَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ حَيْضَتَانِ وَبِالْأَشْهُرِ شَهْرٌ وَنِصْفٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ عَنْهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً وَلَا تَحْتَ زَوْجٍ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَإِنَّمَا اسْتَوَى فِيهَا الْمَوْتُ وَالْعِتْقُ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ وَطْءٍ وَإِنْ مَاتَ عَنْ أَمَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا أَوْ مُدَبَّرَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِفِرَاشٍ لَهُ وَإِذَا زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا، وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ فَإِنْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لِزَوْجٍ فَعِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَإِنْ أَعْتَقَهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً تَغَيَّرَتْ عِدَّتُهَا وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا لَمْ تَتَغَيَّرْ وَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا قَدْ انْقَضَتْ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَيْهَا بِمَوْتِهِ ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ فِرَاشًا لَهُ. فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ وَبَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا فَعَلَيْهِمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ عِدَّةُ الْمَوْلَى فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوَّلًا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ فَلَمَّا مَاتَ الزَّوْجُ، وَهِيَ حُرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَالشُّهُورُ يَدْخُلُ أَقَلُّهَا فِي أَكْثَرِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إجْمَاعًا وَلَيْسَ عَلَيْهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَالَةَ لِوُجُوبِ الْحَيْضِ هَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ مَاتَ أَوَّلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ زَوْجٍ وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ ثُمَّ بِمَوْتِ الزَّوْجُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا وَجَبَ عَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَبِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهَا عِدَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ نِكَاحٍ فَيَلْزَمُهَا فِي حَالٍ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَفِي حَالٍ نِصْفُهُ فَأَلْزَمْنَاهَا الْأَكْثَرَ احْتِيَاطًا. وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا

وَلَا أَيُّهُمَا أَوَّلًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ بِلَا حَيْضٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ حَادِثَيْنِ لَا يُعْلَمُ تَارِيخُ مَا بَيْنَهُمَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِهِمَا مَعًا كَالْغَرْقَى وَإِذَا حَكَمْنَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ مَعَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ وَلَمْ يَكُنْ لِإِيجَابِ الْحَيْضِ مَعْنًى فَسَقَطَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الزَّوْجِ مُتَقَدِّمًا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَالْعِدَّةُ يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاحْتِيَاطُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الشُّهُورِ وَالْحَيْضِ وَإِذَا اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَأَعْتَقَهَا فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ حَيْضَتَانِ مِنْ النِّكَاحِ تَجْتَنِبُ فِيهَا مَا تَجْتَنِبُ الزَّوْجَةُ وَحَيْضَةٌ مِنْ الْعِتْقِ لَا تَجْتَنِبُ فِيهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا فَسَدَ نِكَاحُهَا فَصَارَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِذَا أَعْتَقَهَا صَارَتْ مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَانِعَ مِنْ كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً فِي حَقِّهِ إبَاحَةُ وَطْئِهَا وَقَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا حَيْضَتَانِ مِنْ فَسَادِ النِّكَاحِ وَمِنْ الْعِتْقِ وَعِدَّةٌ لِنِكَاحٍ يَجِبُ فِيهَا الْإِحْدَادُ وَأَمَّا الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّمَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْعِتْقِ خَاصَّةً وَعِدَّةُ الْمُعْتِقِ لَا إحْدَادَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ فِي الْإِبَاحَةِ فَإِذَا حَصَلَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ صَارَ كَعَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنْ حَاضَتْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ الْعِتْقِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى إنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَتَعْتَدَّ مِنْ الْعِتْقِ ثَلَاثَ حِيَضٍ أُخْرَى كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الصَّغِيرُ عَنْ امْرَأَتِهِ وَبِهَا حَمْلٌ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِثَابِتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَصَارَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُمَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (قَوْلُهُ وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا مَاءَ لَهُ وَقَوْلُهُ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعْرِفَةُ حُدُوثِهِ أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَتَفْسِيرُ الْحَمْلِ يَوْمَ الْمَوْتِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَمَّا امْرَأَةُ الْكَبِيرِ إذَا حَدَثَ بِهَا حَبَلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْعِدَّةِ انْتَقَلَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الشُّهُورِ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْهُ فَكَانَ كَالْقَائِمِ عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا مَاتَ الْخَصِيُّ عَنْ امْرَأَته، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَالْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ إذَا مَاتَ عَنْهَا، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ كَالْفَحْلِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ يُحْذَفُ بِالْمَاءِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ كَالصَّبِيِّ إنْ حَدَثَ الْحَمْلُ قَبْلَ مَوْتِهِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا تَنْقَضِي بِالشُّهُورِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُولِجُ فَاسْتَحَالَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لَمْ تَعْتَدَّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ وَهَذِهِ قَدْ فَاتَ بَعْضُهَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وُطِئَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى) وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ أَنْوَاعٌ مِنْهُ الْمُعْتَدَّةُ إذَا زُفَّتْ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا ثُمَّ بَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَمِنْهَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا وَمِنْهَا إذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَمِنْهَا إذَا طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ بِعِوَضٍ أَوْ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَمِنْهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَلَهَا زَوْجٌ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَطْءِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ وَيَتَدَاخَلَانِ وَيَمْضِيَانِ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ فَيَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَدَاخَلَانِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِدَّةِ هَلْ هُوَ الْفِعْلُ أَمْ تَرْكُ الْفِعْلِ فَعِنْدَهُ هُوَ الْفِعْلُ لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِالتَّرَبُّصِ الَّذِي هُوَ الْكَفُّ عَنْ التَّزَوُّجِ وَعَنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ فِعْلٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِعْلَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالصَّوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَنَا الرُّكْنُ تَرْكُ الْفِعْلِ وَهُوَ تَرْكُ التَّزَوُّجِ وَتَرْكُ الْخُرُوجِ وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَتَرْكِ مُطَالَبَاتٍ كَثِيرَةٍ. وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا فِعْلَ عَلَيْهَا أَصْلًا كَالصَّبِيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ ثُمَّ إذَا تَدَاخَلَتَا عِنْدَنَا وَكَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَا نَفَقَةَ عَلَى وَاحِدٍ

العدة في النكاح الفاسد

مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَائِنٍ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِي وَقَدْ وَطِئَهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْعُيُونِ وَقَوْلُهُ وَتَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ سَوَاءٌ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْمُطَلَّقَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ وَتَعْتَدُّ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ فِي الْأَشْهُرِ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا بِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَعْنِي بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي فَإِنَّهَا مِنْ عِدَّةِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَيَكُونُ عَلَيْهَا مِنْ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضَتَانِ وَمِنْ الثَّانِي ثَلَاثُ حِيَضٍ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ كَانَتْ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَانْقَضَتْ عِدَّةُ الْأَوَّلِ وَبَقِيَتْ مِنْ عِدَّةِ الثَّانِي حَيْضَةٌ (قَوْلُهُ فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ تُكْمِلْ الثَّانِيَةَ فَإِنَّ عَلَيْهَا تَمَامَ عِدَّةِ الثَّانِي) وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْحَيْضَتَيْنِ وَلَا يُرَاجِعَهَا فِي الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فِي حَقِّهِ وَلِلثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ فِي حَقِّهَا. (قَوْلُهُ وَابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ مُضِيُّ الزَّمَانِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ مُنْذُ سَنَةٍ فَإِنْ كَذَّبَتْهُ فِي الْإِسْنَادِ أَوْ قَالَتْ لَا أَدْرِي فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَالْمُخْتَارُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلَا يَجِبُ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ وَلَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا [الْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ] (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَقِيبَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا أَوْ عِنْدَ عَزْمِ الْوَاطِئِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا) . وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ فَإِنْ كَانَتْ حَاضَتْ ثَلَاثًا بَعْدَ آخِرِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا عِنْدَهُ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ وَطِئَهَا وَجَبَ الْحَدُّ وَصُورَةُ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَنْ يَقُولَ تَرَكْت وَطْأَهَا أَوْ تَرَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا الْقَوْلِ أَمَّا مُجَرَّدُ الْعَزْمِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ نِكَاحَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَارَكَةٍ إنَّمَا الْمُتَارَكَةُ بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُك أَوْ تَرَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَهَا، وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَكْفِي تَفَرُّقُ الْأَبَدَانِ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَنْقُصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ فَسْخٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ الْخَلْوَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ وَإِنْ تَزَوَّجَ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَوَطِئَهَا إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ غَيْرِهِ تَجِبُ الْعِدَّةُ وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِنًا مَحْضًا. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً مُسْلِمَةً الْإِحْدَادُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إحْدَادَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى مَوْتِ زَوْجٍ وَفَاءً بِعَهْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ، وَهَذَا قَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأْسَفُ بِفَوْتِهِ وَلَنَا أَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةُ مُؤْنَتِهَا لِإِبَانَةٍ أَقْطَعَ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا وَلَا تُشْبِهُ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ

لِأَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْ زَوْجَهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ (قَوْلُهُ وَالْإِحْدَادُ أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَالْكُحْلَ وَالدُّهْنَ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّهْنُ الْمُطَيِّبُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِينَةَ الشَّعْرِ وَيُقَالُ الْحِدَادُ وَالْإِحْدَادُ لُغَتَانِ (قَوْلُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) بِأَنْ كَانَ بِهَا وَجَعُ الْعَيْنِ فَتَكْتَحِلُ أَوْ حَكَّةٌ فَتَلْبَسُ الْحَرِيرَ أَوْ تَشْكِي رَأْسَهَا فَتَدَّهِنُ وَتَمْتَشِطُ بِالْأَسْنَانِ الْغَلِيظَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَدَاوٍ لَا زِينَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَلِأَنَّهُ زِينَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ وَلَا وَرْسٍ) فَإِنْ غُسِلَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ حَتَّى صَارَ لَا يَنْفُضُ جَازَ أَنْ تَلْبَسَهُ لِزَوَالِ الطِّيبِ مِنْهُ وَكَذَا لَا تَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمُطَيَّبَ وَأَمَّا لُبْسُ الْحَرِيرِ إنْ قَصَدَتْ بِهِ الزِّينَةَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَبِسْته لِعُذْرٍ كَمَا إذَا كَانَ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ لِعَدَمِ غَيْرِهِ جَازَ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الزِّينَةِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهَا لُبْسُ الْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهَا تُلْبَسُ لِلزِّينَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا إحْدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ قِيَاسًا عَلَى الْعِدَّةِ قُلْنَا الْإِحْدَادُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمْهَا وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَلَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُضِيُّ الزَّمَانِ قَدْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ) وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُنَّ مُخَاطَبَاتٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إحْدَادٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِحُرْمَةِ الزَّوْجِيَّةُ وَالْفَاسِدُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ عِدَّتُهَا وَطْءٌ فَهِيَ كَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ يَعْنِي مِنْ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا مَاتَ زَوْجُهَا فَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) وَصُورَةُ التَّعْرِيضِ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنِّي أُرِيدُ النِّكَاحَ وَأُحِبُّ امْرَأَةً صِفَتُهَا كَذَا فَيَصِفُهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا أَوْ يَقُولُ لَيْتَ لِي مِثْلُك أَوْ أَرْجُو أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك وَإِنْ قَضَى اللَّهُ لَنَا أَمْرًا كَانَ، وَهَذَا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتَهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا) بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ بَائِنًا كَانَ أَوْ رَجْعِيًّا وَالصَّغِيرَةُ تَخْرُجُ فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ وَكَذَا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَقِيلَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ الْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا كَمَا لَوْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا وَأَصْلُ هَذَا قَوْله تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَاتِ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَاحِشَةِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ أَنْ تَزْنِيَ فَتَخْرُجَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَقَالَ النَّخَعِيُّ هُوَ نَفْسُ الْخُرُوجِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَيِّدٌ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: الصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهَا فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق: 1] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاحِشَةَ غَيْرُ الْخُرُوجِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَالْبَائِنُ وَالثَّلَاثُ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُعْتَدَّةَ سَوَاءٌ أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلِأَنَّهَا زَوْجَةٌ فَلَهُ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَكَذَا الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لَهُ مَنْعُهُمَا لِتَحْصِينِ مَائِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَهَا الْخُرُوجُ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ فِي مَنْزِلِهِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَكَذَا فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي خِدْمَتِهَا وَالْمُكَاتَبَةِ فِي سِعَايَتِهَا فَلَوْ مَنَعْنَاهَا الْخُرُوجَ تَعَذَّرَتْ السِّعَايَةُ وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهَا فَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَعِنْدَهُمَا حُرَّةٌ مَدْيُونَةٌ. (قَوْلُهُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ وَلَا تَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ وَقَدْ يَمْتَدُّ ذَلِكَ إلَى هُجُومِ اللَّيْلِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَقَوْلُهُ وَبَعْضَ اللَّيْلِ يَعْنِي مِقْدَارَ مَا تَسْتَكْمِلُ حَوَائِجَهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَبِيتُ فِي مَنْزِلِهَا أَكْثَرَ اللَّيْلِ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمَّا إذَا كَانَ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا فَلَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ وَلَا تَخْرُجُ عَمَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا فَحَسَنٌ وَإِنْ ضَاقَ بِهَا الْمَنْزِلُ خَرَجَتْ وَلَا تَنْتَقِلُ عَمَّا تَخْرُجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ يَكْفِيهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) بِأَنْ يَنْهَدِمَ الْبَيْتُ أَوْ كَانَتْ فِي الرُّسْتَاقِ فَخَافَتْ اللُّصُوصَ أَوْ الظُّلْمَةَ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا فَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ انْتَقَلَتْ) ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ الزَّوْجُ بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ) . وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ مُسَافِرٌ لِلْحَجِّ فَطَلَّقَهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَادَتْ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ سَفَرٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَمْضِي لِمَقْصِدِهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ فِي عَوْدِهَا إلَى إنْشَاءِ سَفَرٍ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ السَّفَرِ وَلَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا كَذَلِكَ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرٌ وَهِيَ فِي الْمَفَازَةِ فَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُكْثَ هُنَاكَ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا مَضَتْ وَبَلَغَتْ إلَى أَقْرَبِ بُقْعَةٍ فِيهَا الْأَمْنُ، وَهِيَ تَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ أَقَامَتْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ أَوْ لَا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَ مَعَهَا مُحْرِمٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَتْ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمُحْرِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي السَّفَرِ تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا انْقَطَعَ حُكْمُ سَفَرِهَا التَّابِعِ لَهُ وَصَارَ الْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِنِيَّتِهَا فَخُرُوجُهَا إنْشَاءُ سَفَرٍ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ لِلْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ فَلِمَا حَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ مُحْرِمٍ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ مَهْرٌ كَامِلٌ وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا تَمَامُ الْعِدَّةِ الْأُولَى) وَأَصْلُهُ أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ دُخُولٌ فِي الثَّانِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ

فَعِنْدَهُمَا نَعَمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا فَعَلَى هَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ بِهَا فَرَفَعَ الْوَلِيُّ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمهُ الْمَهْرَ وَأَلْزَمهَا الْعِدَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ بِغَيْرِ وَلِيَّ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ تَزَوَّجَ صَغِيرَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ بَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ نِكَاحًا صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا كَامِلًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَقَالَ زُفَرُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا تَعُودُ وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَرَدَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ كَمَالَ الْمَهْرِ وَلَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي حَالَةِ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ بِلَا خِلَافٍ وَأَكْثَرَهَا سَنَتَانِ عِنْدَنَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا إذَا جَاءَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِوَلَدٍ لِسَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ وَمُدَّةَ الْحَمْلِ بَاقِيَةٌ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ أَيْضًا وَكَانَ عُلُوقُهَا بِهِ رَجْعَةً إذَا لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ عُلِمَ أَنَّهُ بِوَطْءٍ حَادِثٍ، وَهِيَ مُبَاحَةُ الْوَطْءِ فَحُمِلَ أَمْرُهُ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَصَارَ مُرَاجِعًا بِوَطْئِهَا فَلِهَذَا لَزِمَهُ وَكَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً وَأَمَّا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهُ حَدَثَ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا كَذِبَهَا بِالْإِقْرَارِ وَعَلِمْنَا أَنَّهَا أَقَرَّتْ، وَهِيَ حُبْلَى فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَطَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ الثَّانِيَ صَادَفَهَا، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالثَّالِثِ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَكَرَّرَ الْأَفْعَالُ فَقَدْ تَكَرَّرَ الْجَزَاءُ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَبَقِيَتْ مُعْتَدَّةً لِبَقَاءِ الْوَلَدِ فِي بَطْنِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ الثَّانِيَ طَلُقَتْ أُخْرَى؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا لَمْ تَضَعْ الثَّالِثَ فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّالِثَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَيُصَادِفُهَا الطَّلَاقُ الثَّالِثُ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِوَضْعِهِ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ لِوُجُوبِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ الْعِدَّةَ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَكَانَتْ رَجْعِيَّةً) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ مُرَاجِعًا. (قَوْلُهُ وَالْمَبْتُوتَةُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْكَلَامُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ رَحِمَهَا مَشْغُولٌ بِالْحَمْلِ وَمُدَّتُهُ سَنَتَانِ وَذَكَرَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا خَرَجَ رَأْسُ الْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ انْفَصَلَ عَنْهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّأْسُ وَنِصْفُ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْبَدَنِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْبَاقِي لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ فَقَدْ الْتَزَمَهُ وَلَهُ وَجْهٌ بِأَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ إذَا ادَّعَاهُ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا فِيهِ رِوَايَتَانِ. (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَا بَيْنَ الْوَفَاةِ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ) سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ

الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ زُفَرُ إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَذَلِكَ لِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ، وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَبِلَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ مِنْ الزِّنَا أَمَّا إذَا قَالَ هُوَ ابْنِي مِنْ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اعْتَرَفَتْ الْمُعْتَدَّةُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْعِدَّةِ) وَكَذَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْإِقْرَارِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ أَوْ وَفَاةٍ وَقَوْلُهُ حَمْلٌ ظَاهِرٌ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ يَعْنِي تَامَّةً؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ شَرْطُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَمْلُ ظَاهِرٌ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا قَابِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا وَأَرَادَتْ إلْزَامَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَالْفِرَاشُ مُلْزِمُ النَّسَبِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً عَدْلَةً عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَذَكَرَ الْإِمَامُ خواهر زاده أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ تُقْبَلُ عَلَى أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثُمَّ إذَا وَطِئَهَا فِي هَذَا النِّكَاحِ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي عَقْدٍ وَقَوْلُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ يَعْنِي إذَا لَمْ يَدَّعِهِ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ مِنْ الزِّنَا ثَبَتَ نَسَبُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ثَبَتَ نَسَبُهُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفِهِ فِي وَقْتِ النَّفْيِ وَكَذَا إذَا سَكَتَ أَيْضًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَحَدَ الْوِلَادَةَ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَشْهَدُ بِالْوِلَادَةِ) وَكَذَا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ نَفَاهُ يُلَاعِنُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَصُورَتُهُ مَنْكُوحَةٌ وَلَدَتْ فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ تَلِدْ بِهِ فَشَهِدَتْ بِهِ امْرَأَةٌ فَنَفَاهُ لَاعَنَ فَإِنْ وَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ تَزَوَّجْتُك مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَقَالَتْ مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا فَإِنَّهَا تَلِدُ ظَاهِرًا مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِحْلَافَ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالْحَبَلِ طَلُقَتْ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ لِدَعْوَاهَا الْحِنْثَ. (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُ سِنِينَ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.

كتاب النفقات

قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ وَكَذَا إذَا مَاتَ عَنْهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّ الزَّوْجِ، وَهِيَ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ اللَّهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّوْجُ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ حَقًّا. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْحَامِلُ مِنْ الزِّنَا جَازَ النِّكَاحُ) وَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَضَعَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَاءَ الزَّانِي لَا حُرْمَةَ لَهُ وَالْمَنْعُ مِنْ تَزَوُّجِ الْحَامِلِ لِحُرْمَةِ مَاءِ الْوَاطِئِ (قَوْلُهُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ» إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الزَّانِيَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ نِكَاحُ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَاسِدٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ الْحَمْلَ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا وَلَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ الْكُلّ ثُمَّ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ النِّكَاحِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مِنْهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ مِنْهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ النَّفَقَاتِ] النَّفَقَةُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ النِّفَاقِ وَهُوَ الْهَلَاكُ يُقَالُ نَفَقَ فَرَسُهُ إذَا هَلَكَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ صَرْفِ الْمَالِ وَإِهْلَاكِهِ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَعِدَّتِهِ أَمَّا الْفَاسِدُ وَعِدَّتُهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِيهِ (قَوْلُهُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً) يَعْنِي بِالْكَافِرَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَالنَّفَقَةِ هِيَ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ وَهُوَ الطَّعَامُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَد وَالْإِدَامُ مِنْ غَالِبِ أُدُمِ الْبَلَدِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّأٍ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ السِّعْرَ يَغْلُو وَيَرْخُصُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ آلَةُ الطَّبْخِ وَآنِيَةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِثْلُ الْكُوزِ وَالْجَرَّةِ وَالْقِدْرِ وَالْمِغْرَفَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالْمِلْكِ فَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا تَسْقُطُ بِيَسَارِ الْمَرْأَةِ وَلَا بِكُفْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا. وَنَفَقَةُ النَّسَبِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ مِنْهَا نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ وَهِيَ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَبِ كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فَقِيرًا أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَمِنْهَا نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ فَتَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهُمَا مُعْسِرَانِ وَلَا تَسْقُطُ بِكُفْرِهِمَا وَمِنْهَا نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهُمْ مُعْسِرُونَ وَلَا تَجِبُ مَعَ كُفْرِهِمْ. وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمِلْكِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَسُكْنَاهَا) بِشَرْطِ تَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ تُنْقَلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ انْتِقَالَهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ ابْتِدَاءً فَأَمَّا بَعْدَ مَا انْتَقَلَتْ إلَى مَنْزِلِهِ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا إنَّهَا إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ قَبْلَ تَحَوُّلِهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ يُطَالِبْهَا بِالنَّقْلَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَةَ حَقٌّ لَهُ وَالنَّفَقَةَ حَقٌّ لَهَا فَإِذَا تَرَكَ حَقَّهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا وَإِنْ طَالَبَهَا بِالنَّقْلَةِ فَامْتَنَعَتْ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَسْتَوْفِي مَهْرَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا وَالنَّفَقَةَ حَقُّهَا وَالْمُطَالَبَةُ بِأَحَدِ الْحَقَّيْنِ لَا تُسْقِطُ الْآخَرَ وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا مَهْرَهَا أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ

(قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِحَالِهِمَا جَمِيعًا مُوسِرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ مُعْسِرًا) هَذَا اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَتَفْسِيرُهُ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ تَجِبُ نَفَقَةُ الْيَسَارِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَتْ كَرُهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ أَسْلَفَهَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَنَفَقَةُ الْإِعْسَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] (قَوْلُهُ وَكِسْوَتُهَا) ، وَهِيَ دِرْعَانِ وَخِمَارَانِ وَمِلْحَفَةٌ. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعٌ هَرَوِيٌّ وَمِلْحَفَةٌ وَخِمَارٌ وَكِسَاءٌ وَفِي الصَّيْفِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعٌ هَرَوِيٌّ وَمِلْحَفَةٌ دِينَوَرِيَّةٌ وَخِمَارٌ إبْرَيْسَمٌ وَكِسَاءٌ وَلِخَادِمِهَا قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَكِسَاءٌ وَيُفْرَضُ لَهَا فِي الصَّيْفِ دِرْعٌ سَابُورِيٌّ وَخِمَارٌ إبْرَيْسَمٌ وَمِلْحَفَةٌ، وَلَوْ فُرِضَ لَهَا الْكِسْوَةُ فِي مُدَّةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ لَبِسَتْهَا مُعْتَادًا لَمْ تَتَخَرَّقْ لَمْ تَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَإِنْ بَقِيَ الثَّوْبُ بَعْدَ الْمُدَّةِ إنْ كَانَ بَقَاؤُهُ لِعَدَمِ اللُّبْسِ أَوْ لِلُبْسِ ثَوْبٍ غَيْرِهِ أَوْ لِلُبْسِهِ يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا كِسْوَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا إذَا أَمْسَكَتْ نَفَقَتَهَا وَلَمْ تُنْفِقْهَا فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةٌ أُخْرَى فَإِنْ لَبِسَتْ كِسْوَتَهَا لُبْسًا مُعْتَادًا فَتَخَرَّقَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ جَدَّدَ لَهَا أُخْرَى وَإِذَا لَمْ تَتَخَرَّقْ فِي الْمُدَّةِ لَا يَجِبُ غَيْرُهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ. وَلَوْ سُرِقَ الثَّوْبُ لَا يَجِبُ غَيْرُهُ وَإِنْ قَتَرَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي النَّفَقَةِ وَفَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَ غَيْرُهَا. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا ضَاعَتْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ عِنْدَهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا تَفْتَرِشُهُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ طَنْفَسَةٌ فِي الشِّتَاءِ وَنِطْعٌ فِي الصَّيْفِ وَعَلَى الْفَقِيرِ حَصِيرٌ فِي الصَّيْفِ وَلِبْدٌ فِي الشِّتَاءِ وَلَا تَكُونُ الطَّنْفَسَةُ وَالنِّطْعُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَفْتَرِشَ الْحَصِيرَ وَيَجِبُ لَهَا مَا تَتَنَظَّفُ بِهِ وَيُزِيلُ الْوَسَخَ كَالْمُشْطِ وَالدُّهْنِ وَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَأَمَّا الْخِضَابُ وَالْكُحْلُ فَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ هُوَ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَأَمَّا الطِّيبُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يَقْطَعُ بِهِ السَّهُوكَةَ لَا غَيْرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَقْطَعُ بِهِ الصُّنَانَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّوَاءُ لِلْمَرَضِ وَلَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَلَا الْفَصَّادِ وَلَا الْحَجَّامِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا تَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهَا وَبَدَنَهَا مِنْ الْوَسَخِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَإِنْ كَانَتْ كَرُهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَلَهُ إلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَذْهَبَ لِتَنْقُلَهُ لِنَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً اسْتَأْجَرَتْ مَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَاءُ الْوُضُوءِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَدَاسٌ لِلرِّجْلِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ) يَعْنِي الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ أَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مُؤَجَّلًا وَبَعْضُهُ حَالًا وَاسْتَوْفَتْ الْحَالَّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ عِنْدَهُمَا وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَجَلًا مَعْلُومًا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إلَى اسْتِيفَاءِ الْمُؤَجَّلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُصُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْحَبْسِ بِالْإِنْفَاقِ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا النَّفَقَةُ وَعِنْدَهُمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالِامْتِنَاعُ لِابْتِغَاءِ الصَّدَقَهْ ... بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُزِيلُ النَّفَقَهْ. وَفِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ يَكُنْ صَدَاقُهَا مُؤَجَّلَا ... فَقَبْلَ نَقْدِ مَهْرِهَا الدُّخُولُ لَا وَصُورَتُهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةً إلَى سَنَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ حَتَّى يُعْطِيَهَا جَمِيعَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَشَزَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ) النُّشُوزُ خُرُوجُهَا مِنْ بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا فِي بَيْتِهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ

عَلَيْهَا كَانَتْ نَاشِزَةً إلَّا إذَا سَأَلَتْهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا وَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ سَلَّمَتْ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِمَعْنًى فِيهَا وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَجِبُ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُنْتَفَعُ بِهَا لِلِاسْتِئْنَاسِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ فَأَمْسَكَهَا فِي بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءُ وَالْمَرْأَةُ كَبِيرَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا صَغِيرَانِ لَا يُطِيقَانِ الْجِمَاعَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَرِيضَةً مَرَضًا لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهَا فَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ وَلَمْ يَكُنْ نَقَلَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إذَا لَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ الِانْتِقَال عِنْدَ طَلَبِهِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِانْتِقَالِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فِي عِدَّتِهَا رَجْعِيًّا كَانَ الطَّلَاقُ أَوْ بَائِنًا) وَكَذَا الْكِسْوَةُ أَيْضًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَهَا السُّكْنَى بِلَا نَفَقَةٌ وَالْمُبَانَةُ بِالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَمُجَامَعَةِ أُمِّهَا فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهَا حَامِلٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا إلَى سَنَتَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَهَا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً تَطَاوَلَتْ عِدَّتُهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَإِنْ امْتَدَّ ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ اتَّهَمَهَا حَلَّفَهَا بِاَللَّهِ مَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. (قَوْلُهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا إلَّا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَهِيَ حَامِلٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ زَالَ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا أَوْجَبْنَاهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) مِثْلُ الرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ تَمْكِينِهِ مِنْ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَانِعَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ كَالنَّاشِرَةِ وَأَمَّا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ ارْتَدَّتْ فِي الْعِدَّةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فَإِنْ أَسْلَمَتْ عَادَتْ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لِلْإِدْرَاكِ أَوْ لِلْعَتَاقِ أَوْ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى، وَلَوْ خَلَعَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى إلَّا إذَا خَلَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ النَّفَقَةِ دُونَ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ السُّكْنَى خَالِصِ حَقِّ اللَّه تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا) سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حُبِسَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَيْنٍ أَوْ غَصَبَهَا رَجُلٌ كَرْهًا فَذَهَبَ بِهَا أَوْ حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ مُحْرِمٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) وَفِي الْكَرْخِيِّ إذَا حُبِسَتْ فِي الدَّيْنِ لَا تَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِاخْتِيَارِهَا وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ حَبَسَهَا الزَّوْجُ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كَرْهًا فَذَهَبَ بِهَا أَشْهُرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ مِنْ جِهَةِ آدَمِيٍّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْهَا وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّل وَقَوْلُهُ أَوْ حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ يَعْنِي

حِجَّةَ الْإِسْلَامِ وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ نَقَلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وُجِدَ وَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ لِأَدَاءِ فَرْضٍ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَالصَّائِمَةِ فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا سَوَاءٌ حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ أَوْ لَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ لِنَفْسِهَا وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ قَبْلَ النَّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ حَجَّتْ بِمُحْرِمٍ ثُمَّ إذَا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهَا الْمُسْتَحَقَّةُ عَلَيْهِ فَإِنْ جَاوَرَتْ بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَتْ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ إقَامَةً لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَأَمَّا إذَا حَجَّ الزَّوْجُ مَعَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي طَرِيقِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَضَرِ دُونِ السَّفَرِ وَلَا يَجِبُ الْكِرَى وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ لِلتَّطَوُّعِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إجْمَاعًا إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَرِضَتْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ) ؛ لِأَنَّهَا مُسَلِّمَةٌ لِنَفْسِهَا وَالْمَنْعُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتهَا وَلِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ وَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ كَالْحَيْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ مَرِضَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يَصِحّ، وَهَذَا حَسَنٌ وَفِي لَفْظِ الْكِتَابُ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ مَرِضَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ احْتَرَزَ عَمَّا إذَا مَرِضَتْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي الرَّتْقَاءِ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا مَا لَمْ يَنْقُلْهَا فَإِذَا نَقَلَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَالْحَائِضِ. (قَوْلُهُ وَيُفْرَضُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ مُوسِرًا نَفَقَةُ خَادِمِهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يُصْلِحُ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ مُوسِرًا فَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ الْأَصَحُّ وَعَنْهُ أَيْضًا يُفْرَضُ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْرَضُ لِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ) وَاحِدٌ، هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ لَهَا خَادِمَانِ فَرَضَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى خَادِمَيْنِ أَحَدُهُمَا يَخْدُمُهَا فِي مَنْزِلهَا وَالثَّانِي تُرْسِلُهُ إلَى زَوْجِهَا يَطْلُبُ مِنْهُ النَّفَقَةَ وَيَبْتَعْ لَهَا مَا يَصْلُحُ لَهَا وَتُرْسِلُهُ إلَى أَبَوَيْهَا وَيَقْضِي حَوَائِجَهَا وَلَهُمَا أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَةُ خَادِمٍ فَكَذَا إذَا أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَالْخَادِمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ وَقِيلَ أَيُّ خَادِمٍ كَانَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ مَمْلُوكَةَ الْغَيْرِ، وَالْمَنْكُوحَةُ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي دَارٍ مُنْفَرِدَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْتَضِرُّ بِمَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيُخَافُ مِنْهُ عَلَى مَتَاعِهَا وَقَدْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُسْكِنَهُ مَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَقَدْ تَخَافُ مِنْهُ عَلَى مَتَاعِهَا. (قَوْلُهُ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ وَالِدِيهَا وَوَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَهْلَهَا الدُّخُولَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا الْخَلْوَةَ مَعَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَبِدُخُولِ هَؤُلَاءِ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ وَالِدِيهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَحَارِمِ التَّقْدِيرُ بِسَنَةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَكَلَامُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ شَاءُوا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلِأَنَّ أَهْلَهَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ افْتِقَادِهِمْ وَالْعِلْمِ بِحَالِهَا وَلَا يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْوَالِدَيْنِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَهُ اسْتَدِينِي عَلَيْهِ) فَائِدَةُ الْإِذْنِ فِي الِاسْتِدَانَةِ أَنَّهَا تُحِيلُ الْغَرِيمَ عَلَى الزَّوْجِ

فَيُطَالِبُهُ بِالدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ وَإِنْ اسْتَدَانَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهَا خَاصَّةً وَإِنْ اسْتَدَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهَا الْحَاكِمُ فَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ يَعْنِي إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ لَمْ تُفْرَضْ لَهَا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ فُرِضَتْ لَمْ تَكُنْ مُتَطَوِّعَةً بَلْ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ رَجُلٍ مُعْتَرِفٍ بِهِ وَبِالزَّوْجِيَّةِ فَرَضَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَالِ نَفَقَةَ زَوْجَةِ الْغَائِبِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَوَالِدِيهِ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَرِفْ فَإِنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ أَوْ دَيْنًا أَوْ مُضَارَبَةً وَأَمَّا إذَا جَحَدَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ رُبَّمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى طَلَاقِهَا أَوْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا نَفَقَتَهَا فَيَضْمَنُ الْكَفِيلُ وَكَذَا أَيْضًا يُحَلِّفُهَا الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمَا سَبَبٌ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ مِنْ نُشُوزٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ) يَعْنِي الزَّوْجَةَ وَالْأَوْلَادَ الصِّغَارَ وَالْوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَنْفُسِهِمْ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةً لَهُمْ. أَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَحَارِمِ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِلْأَبَوَيْنِ أَنْ يَبِيعَا عَلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَ غَائِبًا الْعُرُوضَ فِي نَفَقَتِهِمَا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمَا وَلَا يَبِيعَانِ الْعَقَارَ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَخَاصَمَتْهُ إلَى الْقَاضِي تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرِ) ؛ لِأَنَّهُ تَجَدَّدَ لَهَا حَقٌّ بِيَسَارِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الزَّوْجُ فِيهَا وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ صَالَحَتْ الزَّوْجَ عَلَى مِقْدَارِهَا فَيَقْضِي لَهَا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ عِنْدَنَا فَلَا يَسْتَحِكُمْ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ أَمَّا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا إذَا فَرَضَهَا الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ بِاصْطِلَاحِهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَإِذَا صَارَتْ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالِاصْطِلَاحِ لَمْ تَسْقُطْ بِطُولِ الزَّمَانِ إلَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ تَسْقُطُ (قَوْلُهُ وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ أَوْ مَضَتْ شُهُورٌ سَقَطَتْ) وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الزَّوْجَةُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا فِي الْأَوْقَاتِ

الْمُسْتَقْبَلَةِ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّهَا بَرَاءَةٌ عَمَّا سَيَجِبُ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ وَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ فِي مَالِ الزَّوْجِ مَا دَامَا حَيَّيْنِ وَتَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَنْفَقَتْهُ دَيْنًا بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَفَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ) أَيْ عَجَّلَهَا (ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَمْ يُسْتَرْجَعْ مِنْهَا شَيْءٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا إذَا أَعْطَاهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِلْكًا لَهَا وَتُورَثُ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُحْسَبُ لَهَا نَفَقَةُ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ لِلزَّوْجِ) أَيْ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ وَيُرَدُّ مَا بَقِيَ إلَى الزَّوْجِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ هَالِكَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُرَدُّ الْبَاقِي مِنْهَا وَكَذَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا قَبَضَتْ قَبْضًا مَضْمُونًا لَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَجِبُ رَدُّهُ كَالدَّيْنِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَوْتُهُ أَوْ مَوْتُهَا فِي الْمُدَّهْ ... يُوجِبُ فِيمَا اسْتَعْجَلَتْهُ رَدَّهْ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَا دُونَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْيَسِيرِ وَإِنْ قَبَضَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ دَفَعَ عَنْهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ وَرَدَّتْ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْكَثِيرِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً فَنَفَقَتُهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ فِيهَا) قَيَّدَ بِالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً فَلَيْسَ عَلَى مَوْلَاهَا أَنْ يُبَوِّئَهَا مَعَهُ وَبِدُونِ التَّبْوِئَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنَّمَا يُبَاعُ فِيهَا إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي عَيْنِ النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَكَذَا إذَا قُتِلَ فِي الصَّحِيحِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَوْلَى فِي التَّزْوِيجِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَلَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ بِيعَ فِي مَهْرِهَا وَلَمْ يَفِ بِالثَّمَنِ يُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ نَفَقَةُ امْرَأَةِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَوْلَى كَالْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا يُبَاعُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ السَّيِّدُ وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ فَلَا يُبَاعَانِ بَلْ يُسْتَسْعَيَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بَلْ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَعَلَى مَوْلَاهَا وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَنَفَقَتُهُ عَلَى أُمِّهِ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى مَنْ يَرِثُ الْوَلَدَ مِنْ الْقَرَابَةِ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُسْتَسْعَاةِ دَاخِلٌ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ مُكَاتَبٌ مِثْلُهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِمَا عَلَى مَوْلَاهُمَا وَالْمُكَاتَبُ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَإِذَا كَانَ الْأَبَوَانِ مُكَاتَبَيْنِ فَوَلَدُهُمَا يَدْخُلُ فِي كِتَابَةِ الْأُمِّ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَةً فَبَوَّأَهَا مَوْلَاهَا مَعَهُ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَوِّئْهَا مَعَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) وَالتَّبْوِئَةُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا الْمَوْلَى فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ وَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْأَمَةِ. (قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ كَمَا لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ أَحَدٌ)

وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا إلَّا إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا وَالْأَبُ كَذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ الْإِنَاثِ إذَا كُنَّ فُقَرَاءَ وَالذُّكُورِ إذَا كَانُوا زُمَنَاءَ أَوْ عُمْيَانًا أَوْ مَجَانِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنْ كَانَ مَالُ الصَّغِيرَةِ غَائِبًا أُمِرَ الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِهِ فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرْجِعَ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ وَإِذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُعْسِرًا وَلَهُ أَبَوَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ الْأُمَّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا فَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ أَنْ تُرْضِعَهُ) ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ يَجْرِي مَجْرَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] أَيْ بِإِلْزَامِهَا إرْضَاعَهُ مَعَ كَرَاهَتِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ يُوجَدُ فِي الْمَوْضِعِ مَنْ تُرْضِعُهُ غَيْرُهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ سِوَاهَا فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ فَعَلَى هَذَا لَا أُجْرَةَ لَهَا (قَوْلُهُ وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) يَعْنِي إذَا أَرَادَتْ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا أَرْضَعَتْهُ الظِّئْرُ عِنْدَهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَعُودَ الظِّئْرُ إلَى مَنْزِلِهَا فَلَهَا ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِ الْأُمِّ إذَا لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ الْإِرْضَاعُ فِي بَيْتِ الْأُمِّ لَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ قَالَ فِي الْحُسَامِيَّةِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الظِّئْرِ الْإِرْضَاعَ عِنْدَ الْأُمِّ كَانَ لَهَا أَنْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ إلَى مَنْزِلِهَا أَوْ تَقُولَ أَخْرِجُوهُ فَتُرْضِعَهُ عِنْدَ فِنَاءِ دَارِ الْأُمِّ ثُمَّ يُدْخَلَ الْوَلَدُ إلَى أُمِّهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا، وَهِيَ زَوْجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ لِتُرْضِعَ وَلَدهَا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِي الْحُكْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] إلَّا أَنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا فَإِذَا قَدِمَتْ عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ مُعْتَدَّةً) يَعْنِي مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ وَأَمَّا الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْبَائِنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحَةُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ الرَّجْعِيِّ لِإِرْضَاعِ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ سَوَاءٌ أَوُجِدَ غَيْرُهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَاسْتَأْجَرَهَا عَلَى إرْضَاعِهِ جَازَ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْأَبَ إذَا الْتَمَسَ مَنْ يُرْضِعُهُ فَأَرَادَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ فَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَمُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ أُجْرَةً مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ الْأَبُ لَا أَسْتَأْجِرُهَا وَجَاءَ بِغَيْرِهَا فَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِمِثْلِ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ) كَانَتْ أَحَقَّ وَإِنْ الْتَمَسَتْ زِيَادَةً لَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ بِإِلْزَامِهِ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَتَجِبُ نَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي دِينِهِ) صُورَتُهُ ذِمِّيٌّ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ

يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ الْكَافِرِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَدَّ فَارْتِدَادُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَإِنْ خَالَفَاهُ فِي الدِّينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] يَعْنِي الْكَافِرَيْنِ وَحُسْنُ الْمُصَاحَبَةِ أَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا وَيُعَاشِرَهُمَا مُعَاشَرَةً جَمِيلَةً وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ صَغِيرٌ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَقْدَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ مِنْ الْأَبِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ أُمِّ ابْنِهِ عَاصِمٍ وَنَازَعَهَا فِيهِ رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ شَهْدٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك يَا عُمَرُ قَالَهُ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ وَمُتَوَافِرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَرُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَزَعَمَ أَبُوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمٌّ أَوْ كَانَتْ إلَّا أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ) يَعْنِي إنَّ أُمَّ الْأُمِّ وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْهَا فَمَنْ أَوْلَى بِهَا أَوْلَى (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأُمُّ الْأَبِ) وَإِنْ بَعُدَتْ (أَوْلَى مِنْ الْأَخَوَاتِ) ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَايَةً فَهِيَ أَدْخَلُ فِي الْوِلَايَةِ وَأَكْثَرُ شَفَقَةً. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ فَالْأَخَوَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ) ؛ لِأَنَّهُنَّ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُنَّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ وَلِهَذَا قُدِّمْنَ فِي الْمِيرَاثِ وَأَوْلَاهُنَّ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ وَالْخَالَةِ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُخْتَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ الْأَبِ وَالْخَالَةُ بِنْتُ الْجَدِّ وَالْقُرْبَى أَوْلَى وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَأَمَّا أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَاتِ أَوْلَى مِنْهُنَّ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ فَأَمَّا بَنَاتُ الْعَمِّ وَبَنَاتُ الْخَالِ وَبَنَاتُ الْعَمَّةِ وَبَنَاتُ الْخَالَةِ فَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ رَحِمٌ بِلَا مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ وَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ) تَرْجِيحًا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ (قَوْلُهُ وَيَنْزِلْنَ كَمَا تَنْزِلُ الْأَخَوَاتُ) أَيْ تُرَجَّحُ ذَوَاتُ قَرَابَتَيْنِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا قِيلَ لَك مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ الْأَبِ وَهُوَ خُلِقَ مِنْ مَائِهِمَا جَمِيعًا فَالْجَوَابُ إنَّ مَاءَ الْأُمِّ مِنْ قُدَّامِهَا مِنْ بَيْنِ تَرَائِبِهَا قَرِيبًا مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الشَّفَقَةِ وَمَحِلُّ الْمَحَبَّةِ وَالْأَبُ يَخْرُجُ مَاؤُهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ مِنْ الصُّلْبِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ فَإِنْ قِيلَ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ قِيلَ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْأُمِّ يُخْلَقُ مِنْهُ الْحُسْنُ فِي الْوَلَدِ وَالسِّمَنُ وَالْهُزَالُ وَالشَّعْرُ وَاللَّحْمُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَدُومُ فِي الْوَلَدِ بَلْ تَزُولُ وَتَتَغَيَّرُ وَتَذْهَبُ وَمَاءُ الرَّجُلِ يُخْلَقُ مِنْهُ الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ وَالْعُرُوقُ وَالْمَفَاصِلُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَزُولُ مِنْهُ وَلَا تُفَارِقُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ (قَوْلُهُ وَكُلّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ سَقَطَ حَقُّهَا) أَيْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا وَتَصِيرُ كَالْمَيِّتَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ مِنْ زَوْجِ أُمِّهِ إذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ شَزْرًا وَيُعْطِيهِ نَزْرًا الشَّزْرُ نَظَرُ الْغَضْبَانِ بِمُؤَخِّرِ الْعَيْنِ وَالنَّزْرُ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ جِدًّا وَكُلُّ مَنْ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ هَؤُلَاءِ بِالتَّزْوِيجِ فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ أَبَانَهَا عَادَ حَقُّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ إلَّا الْجَدَّةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا الْجَدَّ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ لَهُ أَبٌ بِمَنْ لَهَا أُمٌّ فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَتَمُوتَ الزَّوْجَةُ فَحَضَانَتُهَا لِأُمِّهَا فَإِذَا تَزَوَّجَتْ سَقَطَ حَقُّهَا إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ جَدَّ الطِّفْلِ الَّذِي هُوَ أَبُو زَوْجِ بِنْتِهَا وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ عَمَّ الطِّفْلِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

مِنْهُ مِمَّنْ لَهُ حَضَانَتُهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا لِقِيَامِ الشَّفَقَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَاخْتَصَمَ فِيهِ الرِّجَالُ فَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَقْرَبُهُمْ تَعْصِيبًا) وَكَذَا إذَا اسْتَغْنَى الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ أَوْ بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ فَالْعَصَبَات أَوْلَى بِهِمَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْقَرَابَةِ وَالْأَقْرَبُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَإِذَا اجْتَمَعَ مُسْتَحِقُّو الْحَضَانَةِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَا حَقَّ لِابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ الْخَالِ فِي كَفَالَةِ الْجَارِيَةِ وَلَهُمَا حَقٌّ فِي كَفَالَةِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَحْرَمٍ لَهَا فَلَا يُؤْمَنَانِ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ) قَدَّرَهُ الْخَصَّافُ بِسَبْعِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ قَالَ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّاتُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ وَهُنَا بِلَفْظِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُنَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفِي الْكَرْخِيِّ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ اسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ النِّسَاءِ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الرِّجَالِ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّثْقِيفِ (قَوْلُهُ وَبِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تُشْتَهَى مَا لَمْ تَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَنْ بَلَغَ مَعْتُوهًا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا أَوْ بِنْتًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ بِنْتٌ بَالِغَةٌ وَطَلَبَتْ الِانْفِرَادَ مِنْهُ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَهِيَ مَأْمُونَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَلَهَا رَأْيٌ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَرِهَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِانْفِرَادِ وَإِنْ كَانَتْ مَأْمُونَةً وَإِذَا اخْتَلَفَ الْأُمُّ وَالْأَبُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يُخَيَّرْ قَبْلَ الْبُلُوغِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ إذَا عَقَلَا التَّخْيِيرَ لَنَا أَنَّ مَصَالِحَ الصَّغِيرِ لَا يُرْجَعُ فِيهَا إلَى اخْتِيَارِهِ كَمَصَالِحِ مَالِهِ وَلِأَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يُخْلِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّعِبِ وَيَتْرُكُ تَأْدِيبَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَنْتَزِعَ ابْنَهُ مِنِّي وَإِنَّهُ قَدْ نَفَعَنِي وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ فَقَالَ اسْتَهِمَا عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَنْ يُشَاقُّنِي فِي ابْنِي فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْغُلَامِ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت فَاخْتَارَهَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ» فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ» فَوُفِّقَ لِاخْتِيَارِهِ إلَّا نَظَرَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ بَالِغٌ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ نَفَعَنِي أَيْ اكْتَسَبَ عَلَيَّ وَقِيلَ إنَّ بِئْرَ أَبِي عُتْبَةَ لَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ الِاسْتِسْقَاءُ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ الصَّغِيرَ مِنْ أُمِّهِ وَيُسَافِرَ بِهِ قَبْلَ بُلُوغِ الْحَدِّ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ فِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى) ؛ لِأَنَّ حَقَّ هَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْوِلَادَةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ مَا دَامَ الصَّغِيرُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَضَانَةِ فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ فَهِيَ فِي الْوَلَدِ كَالْحُرَّةِ) يَعْنِي فِي الْحَضَانَةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَقٌّ فِي الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ وَلَا حَقَّ لِلْإِمَاءِ فِي الْوِلَايَةِ وَلِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَبِالِاشْتِغَالِ بِالْحَضَانَةِ تَنْقَطِعُ خِدْمَةُ الْمَوْلَى ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَهِيَ أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ. (قَوْلُهُ وَالذِّمِّيَّةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ وَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَصُورَتُهُ أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى عَقَلَ

عَوَّدَتْهُ أَخْلَاقَ الْكُفْرِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى وَطَنِهَا وَقَدْ كَانَ الزَّوْجُ تَزَوَّجَهَا فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ فِي بَلَدِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهِ فَقَدْ الْتَزَمَ لَهَا الْمُقَامَ فِي بَلَدِهَا وَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْقُلَهُ إلَى بَلَدِهَا وَقَدْ وَقَعَ النِّكَاحُ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْمُقَامَ فِي بَلَدِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دَارُ غُرْبَةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ تَفَاوُتٌ أَمَّا إذَا تَقَارَبَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْأَبَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى وَلَدِهِ وَيَبِيتَ فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ) وَيَعْتَبِرَ فِيهِمْ الْفَقْرَ وَلَا تَعْتَبِرَ الزَّمَانَةَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا وَالْأَبُ فَقِيرًا إلَّا أَنَّهُ صَحِيحُ الْبَدَنِ لَمْ يُجْبَرْ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الِابْنَ فِي نَفَقَتِهِ وَأَمَّا الْأُمُّ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الِابْنَ نَفَقَتُهَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهِيَ غَيْرُ زَمِنَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَإِذَا كَانَ الِابْنُ يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فَالْأُمُّ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَبُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الِابْنِ فِي صِغَرِهِ دُونَ الْأُمِّ وَقِيلَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ أَبٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِهِمَا فَالِابْنُ أَحَقُّ وَقِيلَ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يَأْكُلَانِ مَعَهُ مَا أَكَلَ وَإِنْ احْتَاجَ الْأَبُ إلَى زَوْجَةٍ وَالِابْنُ مُوسِرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا كَمَا يَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ وَكِسْوَتُهُ فَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ أُمُّ وَلَدٍ لَزِمَ الِابْنَ نَفَقَتُهَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ زَوْجَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَلْزَمْ الِابْنَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَدْفَعُهَا إلَى الْأَبِ وَهُوَ يُوَزِّعُهَا عَلَيْهِنَّ وَقَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي دِينِهِ يَعْنِي إذَا كَانَا ذِمِّيَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَا حَرْبِيَّيْنِ لَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَا مُسْتَأْمِنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ بِرِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا فِي الدِّينِ (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ) وَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِرْثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] بِخِلَافِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» (قَوْلُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ أَحَدٌ) مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ غَنِيٌّ وَابْنٌ غَنِيٌّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الِابْنِ دُونَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مُضَافٌ إلَى الْأَبِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَهِيَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَابْنُ ابْنٍ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَإِنْ كَانَ

الِابْنُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَنَفَقَةُ هَؤُلَاءِ تُقَدَّرُ فِي مَالِهِ. (قَوْلُهُ وَالنَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ بَالِغَةً فَقِيرَةَ أَوْ كَانَ ذَكَرًا زَمِنًا أَوْ أَعْمَى فَقِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَقِيرًا فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ إلَّا لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ وَالِابْنُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ فَإِذَا كَانَ فَقِيرًا فَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِمْكَانُ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ) كَمَا إذَا كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَعَلَى الْجَدِّ سُدُسُ النَّفَقَةِ وَالْبَاقِي عَلَى ابْنِ الِابْنِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ أَوْ أُمٌّ وَعَمٌّ فَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ إذَا كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقُونَ وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ مُعْسِرٌ أَوْ كَبِيرٌ زَمِنٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَعَلَى أَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ أَسْدَاسًا وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا زَمِنًا وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ وَلَهُ أَخٌ مُوسِرٌ فُرِضَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى عَمِّهِ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُعْسِرًا وَلَهُ زَوْجَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ أَخٌ مُوسِرٌ أُجْبِرَ أَخُوهَا عَلَى نَفَقَتِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ يَتْبَعُهُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ؛ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمَّةٌ وَخَالَةً وَابْنُ عَمٍّ فَعَلَى الْخَالَةِ الثُّلُثُ وَعَلَى الْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّ رَحِمَ ابْنِ الْعَمِّ غَيْرُ كَامِلٍ وَإِذَا كَانَ لَهُ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ مُتَفَرِّقُونَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَعَلَى الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ أَسْدَاسًا؛ لِأَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأَبِ لَا يَرِثُ مَعَهُمَا. (قَوْلُهُ وَتَجِبُ نَفَقَةُ الِابْنِ الزَّمِنِ وَالِابْنَةِ الْبَالِغَةِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ ثَلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ) اعْتِبَارًا لِلْمِيرَاثِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ

الْخَصَّافِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ) لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ وَالضَّمِيرُ فِي نَفَقَتِهِمْ رَاجِعٌ إلَى غَيْرِ الِابْنَةِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَيُجْبَرُ الْكَافِرُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنَتِهِ الْمُسْلِمَةِ وَيُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى نَفَقَةِ ابْنَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا لِرَحِمٍ مُتَأَكِّدٍ فَتَجِبُ صِلَتُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ. (قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ عَلَى فَقِيرٍ) ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ صِلَةً وَالْفَقِيرُ يَسْتَحِقُّهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الْعَبْدَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَدَ وَلِأَنَّ إكْسَابَهُ لِمَوْلَاهُ وَكَذَا لَا تَجِبُ عَلَى الْحُرِّ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ قُضِيَ فِيهِ بِنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ) وَلَا يُنْفَقُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ إلَّا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الِابْنِ الْغَائِبِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ مِلْكٍ فِي مَالِهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَ أَبَوَاهُ مَتَاعَهُ فِي نَفَقَتِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِنَّمَا يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ أَمَّا الْأُمُّ إذَا انْفَرَدَتْ لَا تَتَوَلَّاهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَبِيعُ لِلْأَبِ الْعُرُوضَ وَلَكِنْ لَا يَتَعَرَّضُ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الْعَقَارَ لَمْ يَجُزْ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لِلِابْنِ الْغَائِبِ مَالٌ فِي يَدِ أَبَوَيْهِ فَأَنْفَقَا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنَا) ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مِنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ بِالنَّفَقَةِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ مَعَ الْيَسَارِ وَقَدْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَيْهِ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَيَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَكَانَ لَهُمْ الرُّجُوعُ بِهِ، وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا صَغِيرًا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ

مسألة طلق امرأته فجاء رجل إليها وهي في العدة وقال لها أنا أنفق عليك ما دمت في العدة

عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَرَابَةٌ أَغْنِيَاءُ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَمَالِيكِ «إنَّهُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا مَرْهُونًا أَوْ مُؤْجَرًا وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ لِرَقِيقِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَبِيدٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالْكِسْوَةِ وَتَكُونُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ وَإِدَامِهِ وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى إرْضَاعِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَلَدَ إلَى غَيْرِهَا وَأَرَادَتْ هِيَ إرْضَاعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ وَقَدْ يُرِيدُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا أَوْ خِدْمَتَهَا وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ وَكَانَ لَهُمَا كَسْبٌ اكْتَسَبَا وَأَنْفَقَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ بَقَاءَ الْمَمْلُوكِ حَيًّا وَبَقَاءَ مِلْكِ الْمَالِكِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ كَسْبَهُمَا بِنَفَقَتِهِمَا فَالْبَاقِي عَلَى الْمَوْلَى وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْعَبْدِ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى وَيَأْكُلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا فَإِنْ كَانَ مُكْتَسِبًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا أَنْفَقَ الثَّانِي وَرَجَعَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا كَسْبٌ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى نَفَقَتِهِمَا أَوْ بَيْعِهِمَا) وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَالْجَارِيَةُ لَا يُؤَجَّرُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِهِمَا إيفَاءَ حَقِّهِمَا وَحَقِّ الْمَوْلَى بِالْعِوَضِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى تَكْلِيفُ الْعَبْدِ مَا لَا يُطِيقُ مِنْ الْعَمَلِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا اسْتَخْدَمَهُ نَهَارًا أَنْ يَتْرُكَهُ لَيْلًا وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِالْقَيْلُولَةِ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ إذَا أَعْيَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَعَلَى الْعَبْدِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي الْخِدْمَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَتَرَكَ الْكَسَلِ وَمَنْ مَلَكَ بَهِيمَةً لَزِمَهُ عَلْفُهَا وَسَقْيُهَا فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إمَّا بِالْإِنْفَاقِ وَإِمَّا بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ تَعْذِيبًا لَهَا وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ» وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُكْرَهُ الِاسْتِقْصَاءُ فِي حَلْبِ الْبَهِيمَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا لِقِلَّةِ الْعَلَفِ وَيُكْرَهُ تَرْكُ الْحَلْبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُصَّ الْحَالِبَ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا مَا دَامَ لَا يَأْكُلُ غَيْرُهُ وَيُكْرَهُ تَكْلِيفُ الدَّابَّةِ مَا لَا تُطِيقُهُ مِنْ تَثْقِيلِ الْحِمْلِ وَإِدَامَةِ السَّيْرِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ نَحْلٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْقِيَ لَهَا فِي كُورَاتِهَا شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَإِنْ قَامَ شَيْءٌ بِغَدَائِهَا مَقَامَ الْعَسَلِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ إبْقَاءُ الْعَسَلِ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ. [مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ إلَيْهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ لَهَا أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْك مَا دُمْت فِي الْعِدَّةِ] (مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَجَاءَ رَجُلٌ إلَيْهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ لَهَا: أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْك مَا دُمْت فِي الْعِدَّةِ بِشَرْطِ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك فَرَضِيَتْ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى مَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ، وَهَذَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِهَذَا الشَّرْطِ أَمَّا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهَا التَّزْوِيجَ لَكِنْ عَلِمَتْ بِهِ عُرْفًا أَنَّهُ أَنْفَقَ لِذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْعِتْقِ] (كِتَابُ الْعِتْقِ) الْعِتْقُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقُوَّةُ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الضَّعْفِ وَهُوَ الرِّقُّ وَإِثْبَاتُ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُرِّيَّةُ قُوَّةً حُكْمِيَّةً لِأَنَّ بِهَا يَظْهَرُ سُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ وَنَفَاذُ الْوِلَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ إذْ الْمَمْلُوكُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] ، وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْمَوْلَى حَقَّهُ عَنْ مَمْلُوكِهِ بِوَجْهٍ يَصِيرُ بِهِ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَالْإِعْتَاقُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» ؛ وَلِهَذَا اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ، وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِتَحَقُّقِ مُقَابَلَةِ الْأَعْضَاءِ. «وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الرِّقَابِ خَيْرٌ قَالَ: أَعْلَاهَا

ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْعِتْقُ يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ) فِي مِلْكِهِ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْمَمْلُوكِ وَشَرْطُ الْبُلُوغِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ عَلَيْهِ وَشَرْطُ الْعَقْلِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا إذَا قَالَ الصَّبِيُّ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إذَا احْتَلَمَتْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِقَوْلٍ مُلْزِمٍ وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» . قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ قَدْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك فَقَدْ عَتَقَ نَوَى الْمَوْلَى الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِيهِ فَأَغْنَى عَنْ نِيَّتِهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ الصَّرِيحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ إخْبَارٍ كَقَوْلِهِ: قَدْ أَعْتَقْتُك أَوْ حَرَّرْتُك وَصِفَةٍ كَقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ وَنِدَاءٌ كَقَوْلِهِ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يَا مُعْتَقُ فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ نَوَيْت الْكَذِبَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَإِنْ قَالَ: يَا حُرُّ، وَاسْمُهُ حُرُّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِحْضَارُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ، وَلَوْ زَاحَمَتْهُ امْرَأَةٌ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ فَبَانَتْ أَمَتَهُ لَا تُعْتَقُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ قُلْ لِمَنْ اسْتَقْبَلَك أَنَا حُرٌّ فَقَالَ الْعَبْدُ ذَلِكَ عَتَقَ إلَّا إذَا قَالَ لَك سَمَّيْتُك حُرًّا حِينَئِذٍ لَا يَعْتِقُ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يَعْتِقُ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا أَرَادَ بِهِ الْكَذِبَ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ: قُلْ لِعَبْدِك أَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عِتْقٌ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَعْتِقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْعِتْقُ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ مَرِيضٌ: أَنَا حُرٌّ؟ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ أَيْ نَعَمْ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: نَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَسْبِيٌّ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْبِيًّا عَتَقَ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَا يَعْتِقُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَتَهَجَّى ذَلِكَ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ يَجْعَلُوهُ صَرِيحًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: رَأْسُك حُرٌّ أَوْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ بَدَنُك) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَإِنْ قَالَ: رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَوْ وَجْهُك وَجْهُ حُرٍّ أَوْ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ بِالْإِضَافَةِ لَا يَعْتِقُ وَكَذَا إذَا قَالَ مِثْلُ رَأْسِ حُرٍّ أَوْ مِثْلُ وَجْهِ حُرٍّ أَوْ مِثْلُ بَدَنِ حُرٍّ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَوْ وَجْهُك وَجْهٌ حُرٌّ أَوْ بَدَنُك بَدَنٌ حُرٌّ بِالتَّنْوِينِ عَتَقَ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ وَكَذَا إذَا قَالَ: فَرْجُك فَرْجٌ حُرٌّ بِالتَّنْوِينِ عَتَقَتْ لِمَا ذَكَرْنَا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك حُرٌّ) عَتَقَتْ لِأَنَّ الْفَرْجَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ، وَفِي الدُّبُرِ، وَالِاسْتِ رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ لَا تَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ ذَكَرُك حُرٌّ أَوْ فَرْجُك حُرٌّ فَالصَّحِيحُ لَا يَعْتِقُ، وَفِي الدَّمِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الْعِتْقُ وَإِنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى عُضْوٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لَا يَعْتِقُ مِثْلُ يَدِك حُرٌّ أَوْ رِجْلُك أَوْ سَاقَك أَوْ فَخِذُك أَوْ شَعْرُك لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ نَوَى. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَنَوَى بِهِ الْحُرِّيَّةَ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَعْتِقْ وَكَذَلِكَ كِنَايَاتُ الْعِتْقِ) مِثْلُ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِي وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْت سَبِيلَك لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مِنْ هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ فَقَوْلُهُ: خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِي يَحْتَمِلُ بِالْبَيْعِ وَبِالْعِتْقِ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِأَنَّك وَفَّيْت بِالْخِدْمَةِ فَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك بِاللَّوْمِ، وَالْعُقُوبَةِ وَيَحْتَمِلُ لِأَنَّك مُعْتَقٌ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: قَدْ أَطْلَقْتُك وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَتْ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي زَوَالَ الْيَدِ وَقَدْ نَزَلَ يَدُهُ عَنْهَا بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مِثْلُ خَلَّيْت سَبِيلَك، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلَّقْتُك وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُزِيلُ الْيَدَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَالرِّقُّ يَجْتَمِعُ مَعَ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ جَارِيَةً قَدْ وَطِئَ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا فَلَمْ يَكُنْ التَّحْرِيمُ دَلَالَةً عَلَى الْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ: فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ يُرِيدُ الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ

لِمَا ذَكَرْنَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَنَوَى الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَدِ وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَدَ لِي عَلَيْك بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: لَا سَبِيلَ عَلَيْك وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا إنَّمَا يَكُونُ بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ وَإِنْ قَالَ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إلَّا سَبِيلَ الْوَلَاءِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَرْفِهِ عَنْ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى السَّبِيلَ عَنْهُ وَأَثْبَتَ الْوَلَاءَ، وَالْوَلَاءُ يَقْتَضِي الْحُرِّيَّةَ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا قَالَ: عِتْقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ لَا يَعْتِقُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ: هَذَا ابْنِي وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ عَتَقَ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ بِنْتِي أَوْ أُمِّي أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا أَبِي أَوْ عَمِّي أَوْ خَالِي فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت بِهِ الْكَذِبَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَقَوْلُهُ: وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَعْتِقُ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَيَعْتِقُ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا، وَقِيلَ احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ مَنْ لَا يُولَدُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا أَبِي وَمِثْلُهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: هَذَا ابْنِي مِنْ الزِّنَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَلَوْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْأَخُ لِلْأُمِّ عَتَقَ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَمْلُوكُ وَلَدَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَإِنْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ سَيِّدِهِ عَتَقَ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَاشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَعْتِقُ عِنْدَهُمَا فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَمْ يَعْتِقْ إجْمَاعًا فَإِنْ اشْتَرَتْ الْمُكَاتَبَةُ ابْنَهَا مِنْ سَيِّدِهَا عَتَقَ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا ابْنَتِي قِيلَ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ وَقِيلَ: لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: (أَوْ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ) وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ مَوْلَاتِي وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِهِ الْكَذِبَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ثُمَّ فِي قَوْلِهِ هَذَا مَوْلَايَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَكَذَا يَا مَوْلَايَ لِأَنَّ النِّدَاءَ بِالصَّرِيحِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَقَوْلِهِ: يَا حُرُّ وَيَا عَتِيقُ ثُمَّ الْحُرِّيَّةُ لَا تَقَعُ بِالنِّدَاءِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يَا مَوْلَايَ فَإِنْ قَالَ: يَا سَيِّدِي يَا مَالِكِي لَا يَعْتِقُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ يَا ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعَادَةِ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِكْرَامِ، وَالشَّفَقَةِ وَلَا يُرَادُ بِهِ إلَّا تَحْقِيقَ وَإِنْ قَالَ: يَا ابْنُ بِالضَّمِّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ لِغُلَامٍ لَهُ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي عَتَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ، وَالْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ هَذَا أَبِي أَوْ جَدِّي أَوْ هَذِهِ أُمِّي كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي عَلَى الْخِلَافِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ إجْمَاعًا وَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ أَمَّا وُقُوعُ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِأَنْ وَطِئَ بِزِنًا أَوْ بِشُبْهَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ نَسَبٌ عَتَقَ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمُمْكِنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ فَقُبِلَ إقْرَارُهُ وَقَوْلُنَا وَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَالَ هَذَا أَخِي وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ: هَذَا جَدِّي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُوجِبٌ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ الْأَبُ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي كَلَامِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ الْأُبُوَّةِ، وَالْبُنُوَّةِ لِأَنَّ لَهُمَا مُوجِبًا فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ. وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذِهِ بِنْتِي قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا يُعْتَبَرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرٌّ عَتَقَ كَذَا فِي

الْوَاقِعَاتِ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ وَهِيَ تُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ: هَذِهِ بِنْتِي لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بِذَلِكَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَنْوِي الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَعْتِقْ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الْعِتْقُ وَإِنْ نَوَاهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ تُخَمَّرِي وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ لَمْ تَعْتِقْ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ، وَالطَّلَاقُ رَفَعَ الْقَيْدَ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَى فَيَقْدِرُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى، وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَمَّا هُوَ فَوْقَهُ فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْإِعْتَاقِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ مِثْلَ الْحُرِّ لَمْ يَعْتِقْ) يَعْنِي، وَلَوْ نَوَى كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ لِلْإِثْبَاتِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَفِي إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ. وَإِنْ قَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا مِثْلَ الْحُرِّ لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ قَالَ: كُلُّ مَالِي حُرٌّ، وَلَهُ عَبِيدٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَإِنْ قَالَ: عَبِيدُ الدُّنْيَا كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ قَالَ: أَوْلَادُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَلَوْ قَالَ لِثَوْبٍ خَاطَهُ مَمْلُوكُهُ هَذِهِ خِيَاطَةُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا شَتَمْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهُ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيك لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَتْمٍ بَلْ هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَالْبَهِيمَةِ أَوْ الْحَائِطِ أَوْ السَّارِيَةِ فَقَالَ: عَبْدِي حُرٌّ وَهَذَا أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَا لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ إجْمَاعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ عَبْدَ الْغَيْرِ يُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ جِهَةِ مَوْلَاهُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْقَعَ حُرِّيَّةً مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ أَمَةٍ حَيَّةٍ وَأَمَةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ هَذِهِ أَوْ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ لَمْ تَعْتِقْ أَمَتُهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ تُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ فَيُقَالُ مَاتَتْ حُرَّةً وَمَاتَتْ أَمَةً فَلَا تَخْتَصُّ الْحُرِّيَّةُ بِأَمَتِهِ وَإِنْ قَالَ لِجِدَارٍ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَبْدِي عَتَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ خَيَّرَ نَفْسَهُ فِيهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْعَبْدِ أَوْ الْحَائِطِ. وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ حُرٍّ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَجِئْ غَدٌ وَإِنْ قَالَ الْيَوْمَ وَغَدًا عَتَقَ الْيَوْمَ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَوْ غَدٍ فَقَدْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ لَا فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَوْ أَوْقَعْنَاهُ فِي الْيَوْمِ كَانَ وَاقِعًا فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ الْيَوْمَ عَتَقَ غَدًا، وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَغَدًا فَقَدْ أَوْقَعَهُ فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا فَإِذَا وَقَعَ فِي الْيَوْمِ كَانَ وَاقِعًا فِي الْغَدِ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْغَدِ لَا يَكُونُ وَاقِعًا فِي الْيَوْمِ وَإِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَقْدَمَا جَمِيعًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ كَمَالِهِ وَكَمَالُهُ آخِرُهُ وَإِنْ قَالَ: إذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ فَقَدِمَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِأَحَدِهِمَا وَقَدْ وُجِدَ وَإِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ عَتَقَ وَإِذَا جَاءَ غَدٌ أَوْ لَا لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَقْدَمَ فُلَانٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتِقُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ فِعْلٍ وَوَقْتٍ وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ أَوْ فَإِنْ وُجِدَ الْفِعْلُ أَوَّلًا يَقَعُ وَإِنْ وُجِدَ الْوَقْتُ أَوَّلًا لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ الْفِعْلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَعَلَّقُ بِأَسْبَقِهِمَا وُجُودًا. وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا تَطْلُقُ فِي الْيَوْمِ وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ فِي الْغَدِ إلَّا إذَا قَالَ: عَنَيْت فِي الْغَدِ أُخْرَى، وَلَوْ قَالَ غَدًا، وَالْيَوْمَ طَلُقَتْ فِي الْيَوْمِ وَاحِدَةً، وَفِي الْغَدِ أُخْرَى لِأَنَّ عَطْفَ الْيَوْمِ عَلَى الْغَدِ لَا يَصِحُّ فَكَانَ ذَلِكَ لِلِاسْتِئْنَافِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ أَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لِأَنَّ عِتْقَهُمْ بِالْمِلْكِ وَمِلْكُ هَؤُلَاءِ صَحِيحٌ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا إذَا مَلَكَ الْحَرْبِيُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْتِقُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ

أَبُو يُوسُفَ يَعْتِقُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ عَتَقَ إجْمَاعًا، وَلَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ هُنَاكَ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَعْتِقُ بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَمْلُوكُ وَلَدَهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فَإِنْ اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ عَتَقَ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَاشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَعْتِقُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ الْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: نِصْفُك حُرٌّ أَوْ ثُلُثُك أَوْ رُبْعُك فَإِنَّهُ يَعْتِقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ جُزْءًا مَجْهُولًا كَمَا إذَا قَالَ: بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك حُرٌّ فَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ وَإِنْ قَالَ: سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْتِقُ سُدُسُهُ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَعْضِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالِاسْتِيلَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ أَوْ هُوَ إزَالَةُ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّهُ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ وَحَقُّ التَّصَرُّفِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْمُتَصَرِّفِ وَهُوَ إزَالَةُ حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: الْإِعْتَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ مُتَجَزِّئٌ ثُبُوتًا وَزَوَالًا لِمَا عُرِفَ فِي بَيْعِ النِّصْفِ وَشِرَاءِ النِّصْفِ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ يَظْهَرُ بِهَا سُلْطَانُ الْمَالِكِيَّةِ وَنَفَاذُ الْوِلَايَةِ، وَالشَّهَادَةِ، وَالْقُوَّةُ لَا تَتَجَزَّأُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشَّخْصِ قَوِيًّا وَبَعْضُهُ ضَعِيفًا وَهَذَا كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهَا مُتَجَزِّئَةٌ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَكَذَلِكَ عَدَدُ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ فَلَا يَزُولُ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ لِأَنَّ سُقُوطَ الرِّقِّ وَثُبُوتَ الْعِتْقِ حُكْمٌ بِسُقُوطِ كُلِّ الْمِلْكِ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ فَقَدْ وُجِدَ شَطْرُ عِلَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَكُونُ حُرًّا أَصْلًا فِي شَهَادَاتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُكَاتَبٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ إلَّا أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ الْإِعْتَاقَ إزَالَةُ الْمِلْكِ قَصْدًا لِأَنَّ الْمِلْكَ حَقُّ الْعَبْدِ، وَالرِّقَّ حَقُّ الشَّرْعِ لِأَنَّ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَيْهِ لِلْمُجَازَاةِ عَلَى الِاسْتِنْكَافِ عَنْ السَّلَامِ، وَعَنْ الِانْقِيَادِ، وَالتَّعَبُّدِ لِلَّهِ تَعَالَى فَجُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِضَرْبِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، وَالْجَزَاءُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ قَصْدًا وَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ ضِمْنًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ تَعَدَّى إلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَإِزَالَةُ الرِّقِّ كَالْإِعْلَامِ إثْبَاتُ الْعِلْمِ وَإِزَالَةُ الْجَهْلِ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ لِأَنَّ الرِّقَّ عُقُوبَةٌ، وَالْعُقُوبَةُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُهَا عَلَى النِّصْفِ لِأَنَّ الذَّنْبَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا أُثْبِتَ بَعْضُهُ ثَبَتَ كُلُّهُ كَالطَّلَاقِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمِلْكَ مُتَجَزِّئٌ إجْمَاعًا، وَالْإِعْتَاقَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ أَمَّا إثْبَاتُ الْعِتْقِ فَعِنْدَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ قَصْدًا، وَالرِّقِّ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَعِنْدَهُمَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَيُزِيلُ الرِّقَّ قَصْدًا، وَالْمِلْكَ تَبَعًا فَأَحْكِمْ هَذَا الْأَصْلَ وَاحْفَظْهُ، فَفِيهِ فِقْهٌ كَثِيرٌ، وَقَوْلُهُ: عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِغَيْرِ سِعَايَةٍ. وَقَوْلُهُ: وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ إمَّا إلَى الْمُعْتَقِ إذَا ضَمِنَ وَإِمَّا إلَى الْآخَرِ إذَا اخْتَارَ السِّعَايَةَ لِأَنَّ الرِّقَّ بَاقٍ وَإِنَّمَا يَسْعَى لِتَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَتَزَوَّجُ وَلَهُ خِيَارُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ إلَّا أَنَّهُ يُفَارِقُ الْمُكَاتَبَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلسِّعَايَةِ وُقُوعُ الْحُرِّيَّةِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ بَعْدَ الْعَجْزِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

وَمُحَمَّدٌ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ حُرٍّ مَدْيُونٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ وُقُوعٌ فِي جَمِيعِهِ وَإِنَّمَا يُؤَدِّي دَيْنَهُ مَعَ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ ثُمَّ الْمُسْتَسْعَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ كُلُّ مَنْ يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ وَكُلُّ مَنْ يَسْعَى فِي بَدَلِ رَقَبَتِهِ الَّذِي لَزِمَهُ بِالْعِتْقِ فَهُوَ كَالْحُرِّ فِي أَحْكَامِهِ وَكَالْمَرْهُونِ، وَالْمَأْذُونِ إذَا أَعْتَقَا وَعَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ، وَالْأَمَةُ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَأَبَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ) يَعْنِي إذَا قَالَ: نَصِيبِي مِنْك حُرّ أَوْ قَالَ: نِصْفُك حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَمَّا إذَا قَالَ نَصِيبُ صَاحِبِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ) الْمُعْتِقُ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَلِشَرِيكِهِ ثَلَاثُ خِيَارَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ شَاءَ أَعْتَقَ كَمَا أَعْتَقَ شَرِيكُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْبَاقِي إذْ الْإِعْتَاقُ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ أَوْ يَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سِوَى الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ وَمَتَى ضَمِنَهُ فَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلضَّامِنِ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ حِينَ يَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَيُّ الْوَجْهَيْنِ اخْتَارَ الشَّرِيكُ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ السِّعَايَةِ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ) وَلَيْسَ لَهُ التَّضْمِينُ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ أَوْ السِّعَايَةِ مَعَ الْإِعْسَارِ) لِأَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَقَدْ وَجَبَ لَهُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلَّذِي لَمْ يَعْتِقْ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ مَعَ يَسَارِ الْمُعْتِقِ عِنْدَهُمَا ثُمَّ إذَا ضَمِنَ الْمُعْتِقُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا السِّعَايَةُ، وَالْوَلَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا عَلَى قَوْلِهِمَا لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ وَانْتَقَلَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَيْهِ وَيَعْنِي بِالْوَجْهَيْنِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَسْعَى عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ سَعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ لَا لِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى الْمُعْتِقِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعُسْرَتِهِ بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ الْمُعْسِرُ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي رَقَبَةٍ قَدْ فُكَّتْ أَوْ يَقْضِي دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي بَعْدَهُ فَلِلثَّالِثِ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ مُوسِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِيُسَاوِيَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ النَّقْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْوَلَاءِ، وَالْوَلَاءُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ الْأَوَّلِ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَعْتِقَ لِأَنَّ السَّهْمَ انْتَقَلَ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُضَمِّنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ الثَّانِيَ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَقَدْ قَامَ هَذَا مَقَامَهُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا لَمَّا أَعْتَقَ الْأَوَّلُ عَتَقَ جَمِيعُ الْعَبْدِ فَعِتْقُ الثَّانِي بَاطِلٌ ثُمَّ مَعْرِفَةُ الْيَسَارِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مَالِكًا لِمِقْدَارِ قِيمَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ الْعُرُوضِ مِقْدَارُ قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُهُ وَهُوَ الْمُعْسِرُ الْمُرَادُ بِالْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِ الْعَبْدِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي الضَّمَانِ، وَالسِّعَايَةِ يَوْمَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ سَبَبُ

الضَّمَانِ وَكَذَا حَالُ الْمُعْتِقِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ أَيْضًا يَوْمَ الْعِتْقِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ ابْنَ أَحَدِهِمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ عَلِمَ الْآخَرُ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثَاهُ) يَعْنِي يَعْتِقُ نَصِيبَ الْأَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ) وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الشِّرَاءِ يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَأَمَّا فِي الْإِرْثِ فَلَا يَضْمَنُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهِ السِّعَايَةُ لَا غَيْرُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَكَاهُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَعِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي نَصِيبِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الَّذِي عَتَقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا وَرِثَاهُ صُورَتُهُ امْرَأَةٌ اشْتَرَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَعَنْ أَخِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ لِلرَّجُلَيْنِ ابْنُ عَمٍّ وَلِابْنِ الْعَمِّ جَارِيَةٌ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ ابْنُ الْعَمِّ عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْحُرِّيَّةِ سَعَى الْعَبْدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَهُ وَأَنَّ لَهُ الضَّمَانَ أَوْ السِّعَايَةَ وَقَدْ تَعَذَّرَ الضَّمَانُ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ فَبَقِيَتْ السِّعَايَةُ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ، وَفِي السِّعَايَةِ، وَالْوَلَاءِ لَهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ عِتْقُ نَصِيبِ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ، وَعِتْقُ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ السِّعَايَةَ لَا تَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ فَوُجُودُ الْيَسَارِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْرَاءٌ لِلْعَبْدِ مِنْ السِّعَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالْآخَرُ مُعْسِرًا سَعَى لِلْمُوسِرِ وَلَمْ يَسْعَ لِلْمُعْسِرِ) لِأَنَّ الْمُوسِرَ يَقُولُ: لَا ضَمَانَ لِي عَلَى شَرِيكِي لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا وَلِي السِّعَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ وَأَمَّا الْمُعْسِرُ فَيَقُولُ: إنَّ الْعِتْقَ أَوْجَبَ لِي الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِي وَأَسْقَطَ السِّعَايَةَ عَنْ الْعَبْدِ فَكَانَ مُبَرِّئًا لَهُ وَيَعْتَقِدُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى شَرِيكِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الشَّرِيكِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِالسِّعَايَةِ لِإِبْرَائِهِ مِنْهَا، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يَتَبَرَّأُ مِنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى لِمَ إعْتَاقُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ؟ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ حِينَ شَهِدَ الْمَوْلَيَانِ وَتَعَذُّرُ السِّعَايَةِ عِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُ الْحُرِّيَّةَ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَلَمْ يَشْهَدْ الْآخَرُ جَازَ إقْرَارُ الشَّاهِدِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الْعِتْقَ فِي نَصِيبِهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا السِّعَايَةُ فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ فِي زَعْمِ الشَّاهِدِ أَنَّ الشَّرِيكَ قَدْ أَعْتَقَهُ وَأَنَّ لَهُ الضَّمَانَ أَوْ السِّعَايَةَ وَقَدْ تَعَذَّرَ الضَّمَانُ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَبَقِيَتْ السِّعَايَةُ، وَأَمَّا الْمُنْكِرُ فَفِي زَعْمِهِ أَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِإِقْرَارِ شَرِيكِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: السِّعَايَةُ لَا تَثْبُتُ مَعَ الْيَسَارِ

فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُوسِرًا فَلَا سِعَايَةَ لِلشَّاهِدِ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ شَرِيكِهِ وَلَا حَقَّ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ فَقَدْ أَبْرَأ الْعَبْدَ مِنْ السِّعَايَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُعْسِرًا فَلِلشَّاهِدِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ لِأَنَّ السِّعَايَةَ تَثْبُتُ مَعَ الْإِعْسَارِ وَأَمَّا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَيُسْتَسْعَى بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ السِّعَايَةِ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَزْعُمُ أَنَّ الْوَلَاءَ لِشَرِيكِهِ وَشَرِيكُهُ يَجْحَدُ فَلِهَذَا وَقَفَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ) إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ كَفَرَ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَوْلُهُ: (وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ، وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْمُكْرِهِ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ أَوْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَكَذَا إذَا قَالَ: إذَا شَاءَ هَذَا الْحَائِطُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْتَ حُرٌّ يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَالَ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ كَمَا يَصِحُّ فِي الطَّلَاقِ) فَالْإِضَافَةُ إلَى الشَّرْطِ مِثْلُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ إلَّا فِي التَّدْبِيرِ خَاصَّةً وَإِذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ مَلَكَ مَمْلُوكًا: لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ إذَا أَعْتَقْت فَمَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَعْتَقَ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحُرِّيَّةَ إلَى مِلْكٍ صَحِيحٍ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَمْلِكُهُ يَوْمَ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَلَا يَعْتِقُ مَنْ اسْتَقْبَلَ مِلْكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: إذَا اشْتَرَيْت مَمْلُوكَيْنِ فَهُمَا حُرَّانِ فَاشْتَرَى أَمَةً حَامِلًا لَمْ يَعْتِقَا، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي غَيْرَك حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَمْلُهَا لِأَنَّ اسْمَ الْمَمْلُوكِ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَمَالِيكِهِ، وَلَوْ قَالَ إنَّ عَبْدًا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ نَسَمَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الشَّاةَ فَهِيَ هَدْيٌ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ إنْ اشْتَرَيْتهَا بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَرَجَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَيْنَا مُسْلِمًا عَتَقَ) لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ لَيْسَ مُسْتَأْمَنًا فِي تِجَارَةٍ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَأَسْلَمَ بَاعَهُ الْإِمَامُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّا أَمَّنَّاهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبْقِيَتُهُ عَلَى مِلْكِ الْكَافِرِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَذَلَّةِ اسْتِرْقَاقِ الْكَافِرِ لَهُ، وَلَوْ كَانَ مَوْلَاهُ حَاضِرًا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ فَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعْتَقَ جَارِيَةً حَامِلًا عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا لِاتِّصَالِهِ بِهَا، وَلَوْ أَنَّ جَارِيَةً مُوصًى بِهَا لِرَجُلٍ وَبِحَمْلِهَا الْآخَرِ فَأَعْتَقَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ الْأُمَّ عَتَقَ الْحَمْلُ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ خَاصَّةً عَتَقَ وَلَمْ تَعْتِقْ الْأُمُّ) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وُجُودَهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَمْ يَعْتِقْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ فَلَا تَعْتِقُ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ وَجَاءَتْ بِهِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهَا عَتَقَا جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ مِثْلُ أَنْ تَلِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ يَبِيعَهَا فَتَلِدَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَا يَعْتِقُ. وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ وَلَدًا حَيًّا فَإِنَّ الثَّانِيَ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ شَرْطَ الْيَمِينِ وُجُودُ الْأَوَّلِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِوَضْعِهِ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ عَلَى الثَّانِي وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ إلَّا عَلَى حَيٍّ وَاسْتَحَالَ وُقُوعُهُ عَلَى الْمَيِّتِ صَارَتْ الْحَيَاةُ مَشْرُوطَةً فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ: أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ فَهُوَ حُرٌّ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ بَعْدَهُ عَبْدٌ حَيٌّ عَتَقَ الْحَيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ

فِيهِ خِلَافًا فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ الْحَيُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ وَيَعْتِقُ الْحَيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الرِّقُّ، وَالرِّقُّ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَلَيْسَ هَذَا بِعَبْدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَعْتِقُ الثَّانِي وَإِنْ قَالَ: إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا عَتَقَتْ وَطَلَقَتْ الْمَرْأَةُ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ يَقُولُ الْوَلَدُ: الْمَيِّتُ وَلَدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِوَلَدٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدِهِ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يَرِثُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَوُقُوعُ الْعِتْقِ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلَمْ يَكُنْ وَلَدًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ الَّذِي عَلَّقَ عِتْقَهُ بِوِلَادَتِهِ وَلَا يُقَالُ فَهَلَّا كَانَ وَلَدًا فِي حَقِّ الثَّانِي حَتَّى لَا يَعْتِقَ قُلْنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّ الثَّانِي أَنْ لَا يَعْتِقَ وَإِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يَعْتِقَ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِمَا فِي بَطْنِ هَذِهِ فَوَلَدَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا كَانَ جَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لِلْحَيِّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ كَلِمَةَ " مَا " عَامَّةٌ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَرًا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ وَإِنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْمَالُ وَصَارَ مَأْذُونًا) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفًا أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ تَجِينِي بِهَا فَقَبِلَ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَعَتَقَ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهَا بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَقَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ أَنْوَاعَهُ مِنْ النَّقْدِ، وَالْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ وَكَذَا الْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ الْوَصْفِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ وَأَمَّا إذَا كَثُرَتْ الْجَهَالَةُ بِأَنْ قَالَتْ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى ثَوْبٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ مَأْذُونًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِذَا مَا أَدَّيْت أَوْ مَتَى أَدَّيْت أَوْ حَيْثُ أَدَّيْت فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَلَا يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا لَمْ يَقْبَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَيُؤَدِّ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْأُولَى وَيُؤَدِّيَ فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَكَانَ الْعَبْدُ رَقِيقًا كَمَا إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى قَبْضِهِ وَعَتَقَ الْعَبْدُ) هَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَمَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَيَعْتِقُ بِالْقَبُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي غَيْرِهَا أَنَّهُ يَنْزِلُ قَابِضًا بِالتَّخْلِيَةِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ قَبْضِهِ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبْضِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَإِنْ أَبْرَأهُ الْمَوْلَى عَنْ الْبَعْضِ أَوْ عَنْ الْكُلِّ لَا يَبْرَأُ أَوْ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ أَدَّى الْعَبْدُ الْمَالَ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ عَتَقَ وَكَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ وُجُودُ الْأَدَاءِ وَقَدْ وُجِدَ فَعَتَقَ بِهِ وَإِنَّمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ مَالُ الْمَوْلَى فَإِذَا أَدَّاهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَدَّى مَالًا مَغْصُوبًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الْأَدَاءُ فِي قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ لِلْعَبْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت فَيَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ. وَفِي قَوْلِهِ: إذَا أَدَّيْت لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ مَتَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ: أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا أَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ فِي الْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ قِيلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي أَرْبَعَ سِنِينَ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْخِدْمَةِ بَطَلَتْ الْخِدْمَةُ وَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَدَمَهُ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ فَعِنْدَهُمَا

عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَةِ نَفْسِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَةُ خِدْمَةِ ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَذَا لَوْ مَاتَ تَرَكَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا يُقْضَى فِي مَالِهِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ لِمَوْلَاهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقِيمَةِ الْخِدْمَةِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَعِنْد مُحَمَّدٍ بِقِيمَةِ الْجَارِيَة، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّه بَطَل الِاسْتِثْنَاء وَعَتَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَقَعَتْ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي لَغْوٌ فَفَصَلَ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ كَالسُّكُوتِ وَعِنْدَهُمَا الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ وَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ لِلَّهِ إنْ شَاءَ اللَّه، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَقَالَ: أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ عَتَقَ كُلُّهُمْ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَتَقَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَوْقَعَ الْعِتْقَ الثَّانِي عَلَى عَبْدَيْنِ فَعَتَقَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا وَاحِدٌ فَيَعْتِقُ بِاللَّفْظِ الثَّالِثِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ حُرٌّ أَحَدُكُمْ حُرٌّ أَحَدُكُمْ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا وَاحِدٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَتَقَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدَيْنِ. فَقَالَ: أَحَدُكُمْ حُرٌّ فَلَمْ يَعْتِقْ بِاللَّفْظِ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ حُكْمٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ. (مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَ أَحَدُهُمَا وَثَبَتَ الْآخَرُ ثُمَّ دَخَلَ الثَّالِثُ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ فَمَا دَامَ حَيًّا يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: كَذَلِكَ إلَّا فِي الدَّاخِلِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبْعَهُ أَمَّا الْخَارِجُ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّابِتِ فَأَوْجَبَ عِتْقَ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فَيُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا النِّصْفُ غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ اسْتَفَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي رُبْعًا آخَرَ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الدَّاخِلِ فَيَتَنَصَّفُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الثَّابِتَ قَدْ كَانَ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْحُرِّيَّةِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَشَاعَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي فِي نِصْفَيْهِ فَمَا أَصَابَ الْمُسْتَحِقَّ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لَغَا وَمَا أَصَابَ الْفَارِغَ يَبْقَى فَيَكُونُ لَهُ الرُّبْعُ فَتَمَّ لَهُ ثَلَاثُ أَرْبَاعٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي عَتَقَ نِصْفُهُ الْبَاقِي، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الدَّاخِلُ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ فَيَتَنَصَّفُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ الرُّبْعُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَالنِّصْفُ بِالْأَوَّلِ وَلِلدَّاخِلِ نِصْفُ حُرِّيَّةٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِي حَالٍ وَلَا يَعْتِقُ فِي حَالٍ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَقِلُّ لِمَا دَارِ الْإِيجَابِ بَيْنَ الثَّابِتِ، وَالدَّاخِلِ وَقَدْ أَصَابَ الثَّابِتُ مِنْهُ الرُّبْعَ. فَكَذَا يُصِيبُ الدَّاخِلُ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَهُمَا وَقَضِيَّتُهُ التَّنْصِيفُ وَإِنَّمَا نَزَلَ إلَى الرُّبْعِ فِي حَقِّ الثَّابِتِ لِاسْتِحْقَاقِهِ النِّصْفَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَلَا اسْتِحْقَاقَ لِلدَّاخِلِ مِنْ قَبْلُ فَيَثْبُتُ فِيهِ النِّصْفُ وَإِنْ شِئْت قُلْت فِي الِاحْتِجَاجِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ دَائِرٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ، وَالْفَسَادِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلَ الْخَارِجَ صَحَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الثَّابِتَ لَا يَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ عَبْدٍ وَحُرٍّ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَا مَحَالَةَ أَفَادَ حُرِّيَّةَ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ وَإِذَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الصِّحَّةِ، وَالْفَسَادِ يُفِيدُ حُرِّيَّةَ نِصْفِ رَقَبَةٍ بَيْنَهُمَا فَأَصَابَ الدَّاخِلُ نِصْفَ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ الثَّابِتُ فِي الْإِيجَابِ الثَّانِي الرُّبْعَ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا يُصِيبُ الدَّاخِلُ الرُّبْعَ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ضَرَبُوهُ فِي الثُّلُثِ بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقُّوا وَيُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا وَمَعْنَاهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سِهَامِ الْعِتْقِ وَهِيَ سَبْعَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّا نَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ فَيُضْرَبُ الثَّابِتُ فِي رَقَبَتِهِ بِثَلَاثَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّاخِلِ، وَالْخَارِجِ بِسَهْمَيْنِ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةُ وَمِنْهُمَا أَرْبَعَةٌ، وَالْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ وَيَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ سِهَامُ الْوَرَثَةِ ضِعْفَ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سَبْعَةٍ وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ سُبْعَاهُ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْبَاعِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى سِتَّةٍ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَهُ مِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ وَمِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَلِلْوَرَثَةِ مِثْلُ ذَلِكَ فَيَكُونُ جَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةً فَيُضْرَبُ الثَّابِتُ فِيهَا بِثَلَاثَةٍ فَيَسْتَحِقُّ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْخَارِجُ ثُلُثَ رَقَبَةٍ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَيَسْتَحِقُّ الدَّاخِلُ سُدُسَ رَقَبَةٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ ثَابِتُ

كتاب التدبير

النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى وَهَذَا إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَوَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَ بِهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ. قَوْلُهُ: (وَوَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ الْعَبْدِ حُرٌّ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا. (مَسَائِلُ) إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَالْعَبْدُ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أَمَةٌ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى إجْمَاعًا وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى بِالِاتِّفَاقِ، وَالْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ يَشْتَمِلُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حُرْمَةُ الِاسْتِرْقَاقِ وَعَلَى حُقُوقِ الْعَبْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّتُهُ وَدَفْعُ الْقَهْرِ عَنْهُ لَكِنَّهُمَا قَالَا الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَالشَّهَادَةُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِتْقِ نَفْعُ الْعَبْدِ فَلَا يُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي دَعْوَى الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفُرُوجِ وَهُوَ حَقُّ الشَّرْعِ. إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ دَخَلَهَا لَا يَعْتِقُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ وَكَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ طَلَقَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ التَّدْبِيرِ] التَّدْبِيرُ هُوَ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ يَذْكُرُ صَرِيحَ التَّدْبِيرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ مِثَالُهُ: إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، وَيُقَالُ التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْلِيقِ الْمَوْلَى عِتْقَ عَبْدِهِ بِشَرْطٍ مُتَحَقِّقٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ الْمَوْتُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَيَقَعُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ لَهُ بِرَقَبَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتُكَ فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا تَمْلِيكُهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي إثْبَاتَ الْعِتْقِ عَنْ دُبُرٍ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي أَوْ عِنْدَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي وَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَكَانَ الْمَوْتِ الْوَفَاةَ أَوْ الْهَلَاكَ وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ مِتّ أَوْ مَتَى مِتّ ثُمَّ التَّدْبِيرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ فَالْمُطْلَقُ مَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ شَيْءٍ إلَيْهِ مِثْلُ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ إنْ مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَوْصَيْت لَك بِرَقَبَتِك أَوْ بِثُلُثِ مَالِي فَتَدْخُلُ رَقَبَتُهُ فِيهِ، وَالْمُقَيَّدُ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ مِثْلُ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا أَوْ غَرِقْت أَوْ قُتِلْت قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ: إنْ مِتّ وَدُفِنْت أَوْ غُسِّلْت أَوْ كُفِّنْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَبِمَعْنًى آخَرَ، وَالتَّدْبِيرُ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَمَوْتِي فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوَّلًا فَهُوَ مُدَبَّرٌ لِأَنَّهُ وُجِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ فِي مِلْكِهِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي مَوْتُ الْمَوْلَى عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ لَا لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَلَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ الشَّرْطَ الثَّانِيَ وُجِدَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَهُوَ مُدَبَّرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْحُرِّيَّةَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَا يَعْتِقُ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ. قَوْلُهُ: (وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُؤَاجِرَهُ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَمْنَعُ الِاسْتِخْدَامَ، وَالْإِجَارَةَ فَكَذَا التَّدْبِيرُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحُرِّ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمُدَبَّرِ كَالْإِجَارَةِ، وَالِاسْتِخْدَامِ، وَالْوَطْءِ فِي الْأَمَةِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَجُوزُ فِي الْحُرِّ لَا يَجُوزُ فِي الْمُدَبَّرِ إلَّا الْكِتَابَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ الْمُدَبَّرَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَطِئَهَا) لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا) لِأَنَّ مَنَافِعَ بَعْضِهَا عَلَى مِلْكِهِ فَجَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَخْذِ الْعِوَضِ قَالُوا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا لِأَنَّ وَطْأَهَا عَلَى مِلْكِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إنْ خَرَجَ

مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مُضَافٌ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَيَسْتَوِي فِيهِ التَّدْبِيرُ الْمُطْلَقُ، وَالْمُقَيَّدُ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَا إذَا زَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى عَنْ الْمُدَبَّرِ بِغَيْرِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِثْلُ أَنْ يَرْتَدَّ وَيَلْحَقَ فَيُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ عِتْقَهُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا عَتَقَ ثُلُثُهُ سَعَى فِي ثُلُثَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ عَلَى الْوَلِيِّ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ سَعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِغُرَمَائِهِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ قُلْنَا لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالدَّيْنُ مَنَعَ الْوَصِيَّةَ إلَّا أَنَّ تَدْبِيرَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ وَمَنْ دَبَّرَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَإِنَّ التَّدْبِيرَ يَتَبَعَّضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْعِتْقِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا فِي الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلِشَرِيكِهِ خَمْسُ خِيَارَاتٍ إنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ وَيَكُونُ مُدَبَّرًا بَيْنَهُمَا فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلْبَاقِي إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَخْذِ السِّعَايَةِ حِينَئِذٍ تَبْطُلُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُدَبَّرُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَيَكُونُ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُدَبِّرِ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِأَنَّ الشَّرِيكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ فَلَمَّا ضَمِنَ شَرِيكَهُ قَامَ مَقَامَهُ فِيمَا كَانَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَسَعَى الْعَبْدُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَامِلًا لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ كَانَ غَيْرَ مُدَبَّرٍ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّ نَصِيبَهُ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ فَإِذَا أَدَّى السِّعَايَةَ عَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ فَيَسْتَسْعِيَهُ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ كُلُّهُ وَإِذَا مَاتَ الْمُدَبِّرُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ السِّعَايَةَ بَطَلَتْ السِّعَايَةُ وَعَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا مَاتَ يَكُونُ نَصِيبُهُ مَوْرُوثًا لِوَرَثَتِهِ وَيَكُونُ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْعِتْقِ، وَالسِّعَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَ ذَلِكَ النِّصْفُ مِنْ الثُّلُثِ وَلِغَيْرِ الْمُدَبِّرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَبِّرُ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلشَّرِيكِ أَرْبَعُ خِيَارَاتٍ وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ إنْ شَاءَ دَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ. هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا قَدْ صَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ ضَامِنٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَبَعَّضُ فَقَدْ صَارَ جَمِيعُهُ مُدَبَّرًا وَانْتَقَلَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ إلَيْهِ فَضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ ضَمَانَ النَّقْلِ لَا يَخْتَلِفُ الْيَسَارُ، وَالْإِعْسَارُ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِأُمِّهِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا) فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَتَقَ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ) يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ جَنَى الْمُدَبَّرُ عَلَى مَوْلَاهُ إنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مَعَ مَوْلَاهُ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْأَجْنَبِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ وَهِيَ لَا تُسَلَّمُ لِلْقَاتِلِ إلَّا أَنَّ فَسْخَ الْعِتْقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَصِحُّ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَجَّلُوا الْقِصَاصَ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَوْفُوا السِّعَايَةَ ثُمَّ قَتَلُوهُ وَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُ السِّعَايَةِ مُسْقِطًا لِلْقِصَاصِ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الرِّقِّ لَا عِوَضَ عَنْ الْمَقْتُولِ وَإِنْ قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ وَكَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إلَّا أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَصِيَّةٌ وَلَا وَصِيَّةَ لِقَاتِلٍ وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى عَبِيدِ مَوْلَاهُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ كَذَا أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ إذَا قَتَلَ الْآخَرَ عَمْدًا وَهُمَا لِوَاحِدٍ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ عَلَى عَبِيدِ مَوْلَاهُ خَطَأً فَهِيَ هَدَرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ عَلَى مُدَبَّرِهِ دَيْنٌ وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا جَنَى عَلَى مُدَبَّرِهِ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْقَتْلَ مَوْتٌ فَإِنْ كَانَ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ خَطَأً لَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ سِعَايَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ عِتْقَهَا لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ وَتَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهَا يَعْنِي إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا خَطَأً كَانَ رَدًّا لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

باب الاستيلاد

[بَابُ الِاسْتِيلَادِ] الِاسْتِيلَادُ طَلَبُ الْوَلَدِ وَهُوَ فَرْعُ النَّسَبِ فَإِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ ثَبَتَ فَرْعُهُ فَكُلُّ مَمْلُوكَةٍ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكٍ لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَكَذَا إذَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِ مَمْلُوكَةٍ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِنِكَاحٍ أَوْ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حِينِ مَلَكَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا اسْتَوْلَدَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَقَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ سِقْطًا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ إذَا أَقَرَّ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ الْحَيِّ الْكَامِلِ الْخَلْقِ لِأَنَّ السِّقْطَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ بِدَلَالَةِ الْعِدَّةِ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا وَلَا هِبَتُهَا) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ غَيْرِهَا أَمَّا لَوْ بَاعَهَا مِنْ نَفْسِهَا جَازَ وَتَعْتِقُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الرَّهْنِ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ رَقَبَتِهَا بِبَيْعِهَا وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا قَائِمٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ) قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَنْفِيَهُ وَيَجِبُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحْصِنْهَا جَازَ لَهُ نَفْيُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاعْتِرَافُ بِالشَّكِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَعْتِقَهَا فَإِذَا مَاتَ أَعْتَقَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِئَلَّا يُسْتَرَقَّ بِالشَّكِّ، وَمَنْ تَزَوَّجَ مَمْلُوكَةَ غَيْرِهِ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَأَمَّا وَلَدُهَا الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ اسْتِيلَادِهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إذَا مَلَكَهُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَقَالَ زُفَرُ: إذَا مَلَكَهُ صَارَ ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ الَّذِي تَجِيءُ بِهِ مِنْ الْغَيْرِ بَعْدَ مِلْكِ الْمَوْلَى إيَّاهَا فَهُوَ ابْنُ أُمِّ وَلَدٍ إجْمَاعًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ مِنْهُ) مَعْنَاهُ بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَفَاهُ انْتَفَى بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي وَلَدَهَا بِنَفْيِهِ إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأَكُّدِ فِرَاشِهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ) لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ، وَالنَّسَبِ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَعْتِقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُهَا السِّعَايَةُ لِلْغُرَمَاءِ إذَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا تَضْمَنَ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْعَى لِلْوَرَثَةِ، وَلِلْغُرَمَاءِ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لِرَقَبَتِهَا لِأَنَّهَا لَا تَسْعَى لِلْوَرَثَةِ؛ وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَلَمْ تَسْعَ فِي نَصِيبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قَالَ فِي الْمُصَفَّى: قِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَهُمَا ثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثُ قِيمَةِ الْقِنِّ وَقِيلَ نِصْفُ قِيمَةِ الْقِنِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا قِيمَةَ لِأُمِّ الْوَلَدِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ حَتَّى تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ. وَقَالَ زُفَرُ: تَعْتِقُ فِي الْحَالِ، وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَرَضَ عَلَى الْمَوْلَى

الْإِسْلَامَ فَأَبَى فَإِنْ أَسْلَمَ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا أَمَّا إذَا مَاتَ مَوْلَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ بِلَا سِعَايَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) هَذَا عِنْدَنَا،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَوْ زَنَى بِأَمَةِ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا الزَّانِي لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ لَا نِسْبَةَ فِيهِ لِلْوَلَدِ إلَى الزَّانِي وَإِنَّمَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ عَلَى الزَّانِي إذَا مَلَكَهُ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا حَيْثُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جُزْءُ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الِابْنُ أَوْ كَذَّبَهُ ادَّعَى الْأَبُ شُبْهَةً أَوْ لَمْ يَدَّعِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ حُرًّا مُسْلِمًا وَسَكَتَ الِابْنُ عَنْ دَعْوَى الْوَلَدِ أَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا وَابْنُهُ مُسْلِمًا لَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ مِنْ الْأَبِ فَإِنْ ادَّعَاهُ الِابْنُ مَعَ أَبِيهِ فَالْوَلَدُ لِلِابْنِ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَذَكَرَ الْجَارِيَةَ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلتَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلِابْنِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ بِحَيْثُ لَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ فَدَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَلْزَمُ الْأَبَ الْعُقْرُ ثُمَّ دَعْوَتُهُ الْأَبَ إنَّمَا تَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى وَأَنْ تَكُونَ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةً مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ أَوْ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَا يَصِحُّ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ دَعْوَةُ الْجَدِّ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ مِلْكِ الِابْنِ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ فَادَّعَاهُ الْأَبُ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ لِزَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْ مَالِ الِابْنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الِابْنُ فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ فَادَّعَاهُ الْأَبُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) يَعْنِي الْأَبَ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّا نَقَلْنَاهَا إلَيْهِ مِنْ مِلْكِ الِابْنِ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَّا بِعِوَضٍ وَيَسْتَوِي الْيَسَارُ، وَالْإِعْسَارُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ نَقْلٍ كَالْبَيْعِ وَتَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعُلُوقِ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا) أَمَّا عُقْرُهَا فَلِأَنَّا ضَمَّنَّاهُ قِيمَتَهَا وَهُوَ ضَمَانُ الْكُلِّ وَضَمَانُ الْعُقْرِ ضَمَانُ الْجُزْءِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَمَاتَ وَأَمَّا قِيمَةُ وَلَدِهَا فَلِأَنَّا نَقَلْنَا إلَيْهِ بِالْعُلُوقِ فَمَلَكَهَا حِينَئِذٍ فَصَارَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا قِيمَةَ لَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ، وَالْوَلَدُ حُرُّ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْأُمَّ بِالضَّمَانِ حَصَلَ الْوَلَدُ حَادِثًا عَلَى مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ الْعُقْرُ إذَا ذُكِرَ فِي الْحَرَائِرِ يُرَادُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا ذُكِرَ فِي الْإِمَاءِ فَهُوَ عُشْرُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا كَذَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ مِنْ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَخْلُو مِنْ حَسَدٍ أَوْ مَهْرٍ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَبَقِيَ الْمَهْرُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّا نَقَلْنَاهُ إلَيْهِ مِنْ مِلْكِ وَلَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيجَابِ الْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ وُلِدَ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِيهِ لَا يَصِحَّ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا وَطِئَ أَبٌ الْأَبِ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ حَالَ قِيَامِ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْجَدِّ كَمَا يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ) لِظُهُورِ وِلَايَتِهِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ وَكُفْرِ الْأَبِ وَرِقُّهُ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْوِلَايَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ نَصْرَانِيًّا، وَالْجَدُّ، وَالِابْنُ مُسْلِمَيْنِ صَحَّتْ دَعْوَةُ الْجَدِّ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى ابْنِهِ الْمُسْلِمِ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْجَدِّ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُ الْأَبِ أَمَّا أَبُ الْأُمِّ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ كَمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ فِي

الْعُلُوقِ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَتَعَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ إذْ هُوَ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ حُكْمًا وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ بِالِاسْتِيلَادِ وَيَسْتَوِي فِيهَا الْيَسَارُ، وَالْإِعْسَارُ لِأَنَّهُ ضَمَانُ نَقْلٍ كَضَمَانِ الْبَيْعِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ نِصْفُ عُقْرِهَا) لِأَنَّ الْحَدَّ لَمَّا سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَ الْعُقْرُ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَيَاهُ جَمِيعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا) مَعْنَاهُ إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَهُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَكْثَرُ إذَا ادَّعَوْهُ مَعًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَثْبُتُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ. قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعُقْرِ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَى الْآخَرِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاطِئٌ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ لَزِمَهُ الْعُقْرُ وَيَكُونُ قِصَاصًا بِمَالِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَبَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَيَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ فَادَّعَيَاهُ فَهُوَ ابْنُهُمَا وَلَا عُقْرَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ وَطْءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ مِلْكِ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فَالْكِتَابِيُّ أَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى، وَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَةِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى كَائِنًا مَنْ كَانَ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ: (وَيَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنِ كَامِلٍ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ. قَوْلُهُ: (وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا أَقَرَّ الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ صَحَّ إقْرَارُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يَعْتِقُ الْمُدَبَّرُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَطِئَ الْمَوْلَى جَارِيَةَ مَكَاتِبِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَكَانَ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي صِحَّةِ دَعْوَتِهِ إلَى تَصْدِيقِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ أَقْوَى مِنْ حَقِّهِ فِي جَارِيَةِ ابْنِهِ فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ فَهَذَا أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ مُكَاتَبِهِ، وَالْأَبُ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَقَيَّدَ بِجَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُكَاتَبَةِ نَفْسَهَا فَإِنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَدَّقَتْ أَوْ كَذَّبَتْهُ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ إذَا اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ

كتاب المكاتب

لِلْوَلَدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ. وَقَوْلُهُ: وَقِيمَةُ وَلَدِهَا يَعْنِي قِيمَتَهُ يَوْمِ الْخُصُومَةِ قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ فِي النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ) لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَمَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِزَوَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَانِعُ. [كِتَابُ الْمُكَاتَبِ] الْكِتَابَةُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ أَيَّ ضَمٍّ كَانَ وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ، وَالْكِتَابَةُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمٍّ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ ضَمُّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ لِلْمُكَاتَبِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ فِي الْمَالِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَالْمُكَاتَبُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِمَنْزِلَةِ الْأَحْرَارِ، وَفِي بَعْضِهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَرِقَّاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا: الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ قَيْدِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ بِسَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ، وَالْكِتَابَةُ مُسْتَحَبَّةٌ إذْ طَلَبَهَا الْعَبْدُ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وقَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ لَا أَمْرُ حَتْمٍ وَإِيجَابٍ وقَوْله تَعَالَى {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ إقَامَةَ الصَّلَاةِ وَأَدَاءَ الْفَرَائِضِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَا دَامَ عَبْدًا يَكُونُ تَحْتَ يَدِ مَوْلَاهُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْأَفْضَلُ أَنَّهُ لَا يُكَاتِبُهُ فَإِنْ كَاتَبَهُ جَازَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ رُشْدًا إشْفَاقًا وَأَمَانَةً وَوَفَاءً وَقُدْرَةً عَلَى الْكَسْبِ وقَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: 33] قِيلَ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ بَعْضَ مَالِ الْكِتَابَةِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ صَرْفَ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ هُوَ الْإِعْطَاءُ دُونَ الْحَطِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] . قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَارَ مُكَاتَبًا) شَرَطَ الْمَالَ احْتِرَازًا عَنْ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِمَا وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِالشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَدَّى الْخَمْرَ أَوْ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَشَرْطُ قَوْلِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَبُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِأَدَاءِ الْكُلِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» قَالَ لِخُجَنْدِيٌّ الْمُكَاتَبُ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّهُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَيَكُونُ غَرِيمًا كَالْغُرَمَاءِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى قَدْرَ الْقِيمَةِ عَتَقَ، وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى، وَالْعَبْدُ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ إذَا شَرَطَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا سُمِّيَ لَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَالَ حَالًّا، وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ حَالًّا وَلَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ) لِأَنَّ الْعَاقِلَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، وَالتَّصَرُّفِ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا حَتَّى لَوْ قَبِلَ عَنْهُ غَيْرُهُ لَا يَعْتِقُ وَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا قَبِلَ عَنْهُ إنْسَانٌ جَازَ وَيَتَوَقَّفُ إلَى إدْرَاكِهِ فَإِنْ أَدَّى هَذَا الْقَابِلُ عَتَقَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ جَنَى عَلَيْهِ

وَجَبَ الْأَرْشُ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا وَجَبَ الْعُقْرُ ثُمَّ الْكِتَابَةُ فِي الْحَالِ فَكُّ الْحَجْرِ وَبَعْدَ الْأَدَاءِ عِتْقُهُ وَعِتْقُ أَوْلَادِهِ وَكَذَا إذَا أَبْرَأهُ مَوْلَاهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ، وَالشِّرَاءُ وَالسَّفَرُ) لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يُوجِبُ الْإِذْنَ فِي الِاكْتِسَابِ وَلَا يَحْصُلُ الِاكْتِسَابُ إلَّا بِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا قَالُوا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْمَوْلَى وَيَبِيعَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْآخَرِ مُرَابَحَةً عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فَبَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى) يَعْنِي لَا يُزَوِّجُ نَفْسَهُ وَلَا عَبْدَهُ وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا وَهُوَ يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ مَهْرِهَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ وَكَذَا تَزْوِيجُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَفْسَهُ الدَّيْنُ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّ بُضْعَهَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ عِتْقُ عَبْدِهِ لَا بِبَدَلٍ وَلَا بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّحْقِيقَ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ إلَّا الْكِتَابَةَ فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْهُ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُبَادَلَةٍ، وَالْعِتْقُ يَنْزِلُ بِالْأَدَاءِ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ، وَالْوَصِيَّ، وَالْمُفَاوِضَ لَا يَمْلِكُونَ الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ وَيَمْلِكُونَ الْكِتَابَةَ وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَلِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَهَبُ وَلَا يَتَصَدَّقُ إلَّا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ) يَعْنِي كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ، وَالْبَصَلِ، وَالْمِلْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ فَإِنْ وَهَبَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَكَفَّلُ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ فَلَا يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ نَفْسًا وَمَالًا وَلَا يُقْرِضُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْكَفَالَةِ فَكَفَلَ أُخِذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ، وَالشِّرَاءُ إلَّا عَلَى الْمَعْرُوفِ فِي قَوْلِهِمَا وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَيْفَمَا كَانَ وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ، وَالِاسْتِيفَاءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ لَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ وَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَكَسْبُهُ لَهُ) فَإِنْ قِيلَ اسْتِيلَادُ الْمُكَاتَبِ جَارِيَةَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هَذَا قُلْنَا يُمْكِنُ أَنَّهُ وَطْءٌ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ نَقُولُ صُورَتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا كُوتِبَ اشْتَرَاهَا فَتَلِدُ لَهُ وَلَدًا وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَلَدًا مِنْ زَوْجِهَا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا أَيْضًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمِلْكِ وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ " إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَإِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ إنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ مِنْهُ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَإِذَا اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ الْوَلَدِ فَعَلَى قَوْلِهِمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَلَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَلَهُ بَيْعُهَا كَالْحُرِّ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَلَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ، وَلَوْ اشْتَرَتْ الْمُكَاتَبَةُ زَوْجَهَا لَا يَتَكَاتَبُ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ ثُمَّ كَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَكَانَ كَسْبُهُ لَهَا) لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ؛ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ، وَالْحُرِّيَّةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهَا وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا

وَطِئَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ لَزِمَهُ الْعُقْرُ) لِأَنَّ الْمَوْلَى عَقَدَ مَعَهَا عَقْدًا مَنَعَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا أَوْ فِي مَنَافِعِهَا، وَالْوَطْءُ مِنْ مَنَافِعِهَا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْمُكَاتَبَةَ حَرَامٌ عَلَى مَوْلَاهَا مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ يَدِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا لَزِمَتْهُ الْجِنَايَةُ) لِمَا بَيَّنَّا فِي الْوَطْءِ يَعْنِي جِنَايَةَ خَطَأٍ فَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا عَمْدًا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَتْلَفَ مَالَهَا غَرِمَهُ) لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَيَرِقُّ بِرِقِّهِ وَلَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ مَلَكَهُ مِنْ قَرَابَةِ الْوِلَادَةِ كَالْأَجْدَادِ، وَالْجَدَّاتِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا إذَا عَجَزَ حِينَئِذٍ لَهُ الرَّدُّ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ دَخَلَ وَلَدُهَا فِي الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا) يُرِيدُ بِهَذَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مَعَ وَلَدِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْوَلَدَ بَعْدَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ بَيْعُهَا وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا سَوَاءٌ كَانَ وَلَدُهَا بَاقِيًا أَوْ مَيِّتًا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا وِلَادَةَ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) حَتَّى إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مَالَ الْكِتَابَةِ وَهُمْ فِي مِلْكِهِ عَتَقُوا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَحَقُّ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ وَاسْتِدَامَتَهُ وَيَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ وَصُورَتُهُ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً مِنْ مُسْلِمٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ حَتَّى وَجَبَتْ الْعِدَّةُ يَبْقَى النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَصُورَتُهُ فِي الْعَبْدِ إذَا زَوَّجَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ الْمُتَقَدِّمُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ نَجْمِ نَظَرَ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْتَضِيهِ أَوْ مَالٌ يَقْدَمُ عَلَيْهِ لَمْ يَعْجَلْ بِتَعْجِيزِهِ وَانْتُظِرَ عَلَيْهِ الْيَوْمَيْنِ، وَالثَّلَاثَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ هِيَ الْعِدَّةُ الَّتِي ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ، وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ فَلَا يَزِدْ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَطَلَبَ الْمَوْلَى تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ) هَذَا. قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ) تَيْسِيرًا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَادَ إلَى أَحْكَامِ الرِّقِّ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ عَادَ إلَى الرِّقِّ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ ثَابِتٌ إلَّا أَنَّ الْكِتَابَةَ مَنَعَتْ الْمَوْلَى عَنْ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَإِذَا عَجَزَ عَادَ إلَى أَحْكَامِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الِاكْتِسَابِ لِمَوْلَاهُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى مَوْلَاهُ ثُمَّ عَجَزَ فَهُوَ طَيِّبٌ لِلْمَوْلَى لِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَتَمَلَّكُهُ صَدَقَةً، وَالْمَوْلَى عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ «هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَاحَ لِلْغَنِيِّ أَوْ لِلْهَاشِمَيَّ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَى الْوَلِيِّ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ وَقُضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ اكْتِسَابِهِ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) وَمَا بَقِيَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ وَيَعْتِقُ أَوْلَادُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ وَيَمُوتُ عَبْدًا وَمَا تَرَكَهُ

لِمَوْلَاهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَتَرَكَ وَلَدًا مَوْلُودًا فِي الْكِتَابَةِ سَعَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ) صُورَتُهُ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَاعْتَرَفَ بِهِ ثُمَّ مَاتَ عَنْهُ سَعَى فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ وَكَسْبُهُ مِثْلُ كَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ فَإِنْ تَرَكَ مَعَهُ أَبَوَيْهِ وَوَلَدًا آخَرَ مُشْتَرًى فِي الْكِتَابَةِ فَهُمْ مَوْقُوفُونَ عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُمْ وَلَا لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُمْ فَإِذَا أَدَّى الْمَوْلُودُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ وَعَتَقُوا جَمِيعًا، وَلَوْ عَجَزَ رُدَّ فِي الرِّقِّ وَرُدَّ هَؤُلَاءِ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الْمَالَ السَّاعَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعَجْزِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَدَّى حَكَمْنَا بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَعَتَقَ الْوَلَدُ) لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ حَالَّةً وَإِلَّا رُدِدْت إلَى الرِّقِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْلُودِ فِي كِتَابَتِهِ، وَالْمُشْتَرَى فِي أَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ عَلَى نُجُومِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَاتَبَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ) لِأَنَّ الْخَمْرَ، وَالْخِنْزِيرَ لَيْسَا بِمَالٍ فِي حَقِّهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَأَمَّا عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَهِيَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَوَصْفًا وَجِنْسًا فَتَفَاحَشَ الْجَهَالَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْمُسَمَّى وَيُزَادُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْبَدَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ عَلَى مُرَادِ الْعَاقِدِ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ وَكَذَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَيَجِبُ الْأَكْثَرُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ يَلْزَمُ الْقِيمَةُ وَإِنْ كَانَتْ بَدَلُ الْكِتَابَةِ أَكْثَرَ لَا يَسْتَرِدُّ الْفَضْلَ وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَقُولَ إذَا أَدَّيْت إلَى ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لَا لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ، وَالْجَائِزَةِ أَنَّ فِي الْفَاسِدَةِ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْعَبْدِ، وَفِي الْجَائِزَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إلَّا بِرِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزَةِ، وَالْفَاسِدَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا ثُمَّ الْقِيمَةُ تَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا فَإِنْ اخْتَلَفَا يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَإِنْ اتَّفَقَ اثْنَانِ عَلَى شَيْءٍ يُجْعَلُ ذَلِكَ قِيمَةً وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَعَشَرَةٍ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْأَقْصَى. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَدَّاهُ لَمْ يَعْتِقْ) لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى إلَيْهِ ثَوْبًا عَتَقَ لِأَجْلِ الشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ) يَعْنِي أَنَّهُ بَيَّنَ جِنْسَ الْحَيَوَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فَرَسٌ أَوْ بَغْلٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ بَعِيرٌ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ مِنْهُ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ

أَمَّا إذَا قَالَ دَابَّةٌ أَوْ حَيَوَانٌ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى عَبْدٍ جَازَ وَلَهُ عَبْدٌ وَسَطٌ فَإِنْ أَحْضَرَ عَبْدًا دُونَ الْوَسَطِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبْضِهِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى عَبْدٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَدَّاهُ لَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الثَّوْبِ، وَالدَّابَّةِ وَإِنْ قَالَ كَاتَبْتُك عَلَى دَرَاهِمَ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ فَإِذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي ذَلِكَ مُتَفَاحِشَةٌ وَلَيْسَ لِلدَّرَاهِمِ وَسَطٌ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَقَبِلَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَاكَ بِالْقَبُولِ، وَالْجَهَالَةُ فَاحِشَةٌ فَوَجَبَتْ قِيمَةُ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْهِ كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَإِنْ كَاتَبَهُمَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ الْآخَرِ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَا وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى) وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ قَبُولُهُمَا جَمِيعًا فَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَطَلَ لِأَنَّهُمَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِهِمَا كَالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا أَدَّيَا مَعًا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَإِنْ عَجَزَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَجْزِهِ حَتَّى إذَا أَدَّى الْآخَرُ الْمَالَ عَتَقَا جَمِيعًا وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالنِّصْفِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْجَمِيعِ نِصْفَهُ بِحَقِّ الْأَصَالَةِ وَنِصْفَهُ بِحَقِّ الْكَفَالَةِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى شَيْئًا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي ضَمَانِ الْمَالِ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا عَتَقَ وَسَقَطَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْآخَرِ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا بِمَا بَقِيَ وَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ لِأَجَلِ الْأَصَالَةِ، وَالْمُعْتِقُ لِأَجَلِ الْكَفَالَةِ فَإِذَا أَدَّاهَا الْمُعْتِقُ رَجَعَ بِهَا عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ أَدَّاهَا الْمُكَاتَبُ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ عَتَقَ بِعِتْقِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ مَالُ الْكِتَابَةِ) يَعْنِي مَعَ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ، وَالْأَوْلَادِ لَهُ لِأَنَّهُ بِعِتْقِهِ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَهُ إلَّا مُقَابِلًا بِالْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ دُونَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ، وَقِيلَ لَهُ: أَدِّ الْمَالَ إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى عَلَى نُجُومِهِ) لِأَنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَ الْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُتَزَوِّجًا بِنْتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ رَقَبَتَهُ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ دَيْنًا فِيهَا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَعْتِقْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِمْ بِالْإِرْثِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَالِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعْتَقُوهُ جَمِيعًا عَتَقَ وَسَقَطَ عَنْهُ مَالُ الْكِتَابَةِ) مَعْنَاهُ يَعْتِقُ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ لِلذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهِ دُونَ الْإِنَاثِ وَإِنَّمَا عِتْقُهُمْ اسْتِحْسَانًا وَأَمَّا فِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرِثُوا رَقَبَتَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ وَرِثُوا دَيْنًا فِيهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عِتْقَهُمْ تَتْمِيمُ الْكِتَابَةِ فَصَارَ كَالْأَدَاءِ، وَالْإِبْرَاءِ وَلِأَنَّهُمْ بِعِتْقِهِمْ إيَّاهُ مُبَرِّئُونَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَبَرَاءَتُهُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ تُوجِبُ عِتْقَهُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَوْا مِنْهُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ إبْرَاءَهُ لَهُ إنَّمَا يُصَادِقُ حِصَّتَهُ لَا غَيْرُ، وَلَوْ بَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَعْتِقْ كَذَا هَذَا، وَلَوْ دَفَعَ الْمُكَاتَبُ إلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ عَتَقَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَمْ لَا لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْوَارِثِ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَبْضَ مِنْهُ، فَصَارَ كَالدَّفْعِ إلَى أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ حِصَّتَهُ وَيَدْفَعَ إلَى الْوَصِيِّ حِصَّةَ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْفَعْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ جَازَ) لِأَنَّهَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَطْأَهَا وَإِجَارَتَهَا فَمِلْكُ مُكَاتَبَتِهَا كَالْمُدَبَّرَةِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى

عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ وَيُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ، وَالْأَكْسَابُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى سَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّ مَوْتَهُ يُوجِبُ عِتْقَهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَلَدَتْ مُكَاتَبَتُهُ مِنْهُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلٍ بِبَدَلٍ وَآجِلٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَتُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى وَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ الْعُقْرَ مِنْ مَوْلَاهَا وَاسْتَعَانَتْ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا فَإِذَا أَدَّتْ عَتَقَتْ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِكَوْنِهِ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَتَرَكَتْ مَا لَا يُؤَدِّي مِنْهُ كِتَابَتَهَا وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِابْنِهَا وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا فَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذْ هُوَ وَلَدُهَا فَيَتْبَعُهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَاتَبَ مُدَبَّرَتَهُ جَازَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ كَانَتْ بِالْخِيَارِ وَبَيْنَ أَنْ تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ فِي جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَهُ مَالٌ تَخْرُجُ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَتْ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَهَذَا قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ انْعَقَدَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الرِّقِّ وَلَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَلَا تُخَيَّرُ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْأَقَلِّ وَلَا يَقِفُ عِتْقُهَا عَلَى الْأَكْثَرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ الْبَدَلَ بِالْكُلِّ وَقَدْ سَلَّمَ لَهَا الثُّلُثَ بِالتَّدْبِيرِ فَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ أَوْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذَا كَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ سَعَتْ عَلَى النُّجُومِ وَإِنْ اخْتَارَتْ السِّعَايَةَ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ سَعَتْ حَالًّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْعَى فِي الْأَصْلِ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ بِلَا خِيَارٍ فَاتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْمِقْدَارِ وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدٌ وَاتَّفَقَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي نَفْيِ الْخِيَارِ وَخَالَفَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: (تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا) يَعْنِي مُدَبَّرَةً لَا قِنَّةً لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عُقِدَتْ حَالَ كَوْنِهَا مُدَبَّرَةً قَالَ فِي الْحُسَامِيَّةِ: رَجُلٌ دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ وَقِيمَته ثَلَثُمِائَةٍ وَذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ سَعْي فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ مِائَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ مِائَةٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهُ بَلْ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ وَهُوَ مِائَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَتَهُ صَحَّ التَّدْبِيرُ وَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَصَارَتْ مُدَبَّرَةً) وَإِنَّمَا صَحَّ تَدْبِيرُ الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ إيجَابِ عِتْقٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكِتَابَةَ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ، وَالتَّدْبِيرُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَلِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَالْعِتْقُ إبْرَاءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهَا وَهِيَ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ بِلَا خِيَارٍ، وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْخِيَارِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمِقْدَارِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّهَا تَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إبْرَاءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَالْإِبْرَاءُ فِي الْمَرَضِ لَا يَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي ثُلُثِ الْكِتَابَةِ وَبَقِيَ ثُلُثَاهَا فَتَسْعَى فِي ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنَّهَا تَبْرَأُ بِالْأَقَلِّ فَلَا يَلْزَمُهَا الْأَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا وَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تَسْعَى فِي الْأَقَلِّ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْخِيَارِ أَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَالَ فِي الْمُصَفَّى: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ

مسألة كاتب الرجل نصف عبده على مال

فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَقِيَ الثُّلُثَانِ عَبْدًا، وَقَدْ تَلَقَّاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ بِبَدَلَيْنِ مُؤَجَّلٍ بِالتَّدْبِيرِ وَمُعَجَّلٍ بِالْكِتَابَةِ فَتُخَيَّرُ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعَ فَائِدَةٍ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِيهِ فَعَسَى يَخْتَارُ الْكَثِيرَ الْمُؤَجَّلَ عَلَى الْقَلِيلِ الْمُعَجَّلِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا أَعْتَقَ بَعْضَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ فَهُوَ حُرٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْمَالَيْنِ فَهُوَ يَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَهَبَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ جَازَ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّهُ إيجَابُ عِتْقٍ بِبَدَلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْبَيْعِ فَلَمَّا جَازَ لَهُ بَيْعُ عَبْدِهِ جَازَ لَهُ مُكَاتَبَتُهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ الْأَوَّلُ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَوْعَ مِلْكٍ وَكَذَا إذَا أَدَّيَا مَعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَصِحُّ الْوَلَاءُ مِنْهُ فَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ مَوْلَاهُ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَعْتِقُ لِيُرَاجِعَ الْوَلَاءَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَدَّى الثَّانِي بَعْدَ عِتْقِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِأَنَّ الْعَاقِدَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الْأَوَّلَ لَمَّا أَدَّى صَارَ حُرًّا فَإِذَا أَدَّى الثَّانِي بَعْدَ كَوْنِهِ حُرًّا عَتَقَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ. [مَسْأَلَةٌ كَاتَبَ الرَّجُلُ نِصْفَ عَبْدِهِ عَلَى مَالٍ] (مَسْأَلَةٌ) إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ نِصْفَ عَبْدِهِ عَلَى مَالٍ جَازَ وَكَانَ نِصْفُهُ مُكَاتَبًا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ نِصْفُهُ وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ نِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى وَصَارَ النِّصْفُ الْآخَرُ مُسْتَسْعًى فَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَاهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُخْرِجُهُ إلَى الْعِتْقِ، وَالْعِتْقُ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ فَكَذَا الْكِتَابَةُ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ كُلُّهُ مُكَاتَبًا عِنْدَهُمَا فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ كُلُّهُ وَمَا اكْتَسَبَ فَهُوَ كُلُّهُ لِلْمُكَاتَبِ. [كِتَابُ الْوَلَاءِ] (كِتَابُ الْوَلَاءِ) الْوَلَاءُ نَوْعَانِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَيُسَمَّى وَلَاءَ نِعْمَةٍ وَسَبَبُهُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ قَرِيبُهُ بِالْوِرَاثَةِ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ عَمَّا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ فَعِنْدَهُمْ إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْإِعْتَاقِ، وَالثَّانِي وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَسَبَبُهُ الْعَقْدُ وَهُوَ أَنْ يُسْلِمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَيَقُولُ لَهُ، وَالَيْتُك عَلَى أَنِّي إنْ مِتّ فَإِرْثِي لَك وَإِنْ جَنَيْت فَعَقْلِي عَلَيْك وَعَلَى عَاقِلَتِك، وَقَبِلَ الْآخَرُ فَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنْ جَنَى الْأَسْفَلُ يَعْقِلُهُ الْأَعْلَى وَإِنْ مَاتَ يَرِثُهُ الْأَعْلَى وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ عَلَى يَدِهِ بِدُونِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ يَجْرِي التَّوَارُثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَذَا فِي الْمُصَفَّى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ مَمْلُوكَهُ فَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَعْتِقُ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْإِعْتَاقُ بِمَالٍ وَبِغَيْرِ مَالٍ أَوْ عَتَقَ بِالْقَرَابَةِ أَوْ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ الْوَفَاةِ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ الْإِفْطَارِ أَوْ الْيَمِينِ أَوْ النَّذْرِ وَسَوَاءٌ شَرَطَ الْوَلَاءَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ أَوْ تَبْرَأُ مِنْ الْوَلَاءِ، وَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَهُ يَكُونُ الْعِتْقُ لِلْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَالْوَلَاءُ لَهُ. وَقَالَ زُفَرُ يَكُونُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَإِنْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ فَأَعْتَقَهُ يَكُونُ عَنْ الْمَأْمُورِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْآمِرِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ سَائِبَةٌ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ «، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ. قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

ولاء العتاقة تعصيب

«الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَالسَّائِبَةُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنَّ وَلَاءَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (وَإِذْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى وَكَذَا إنْ أُعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَوَلَاؤُهُ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى) أَيْ، وَلَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَعِتْقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَتَقَ الْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ، وَالْمَجُوسِيُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ بِالْعِتْقِ سَوَاءٌ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ ذِمِّيًّا، وَالْمُعْتِقُ لَهُ مُسْلِمًا ثَبَتَ الْوَلَاءُ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ ذِمِّيًّا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَالْكُفْرُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ فَكَذَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُهُ الْكَافِرُ إلَّا إذَا أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ قَبْلَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَوَلَاؤُهُمْ لَهُ) لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا مِنْ جِهَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ) صُورَتُهُ " أُخْتَانِ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا أَبَاهُمَا فَمَاتَ عَنْهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ بِالْفَرْضِ، وَالثُّلُثُ لِلْمُشْتَرِيَةِ بِالْوَلَاءِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَبْعَدُ مِنْ الْعَصَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا) لِأَنَّ الْمَوْلَى بَاشَرَ الْحَمْلَ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأَمَةِ فَلِهَذَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْوَلَاءُ عَنْهُ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّيَقُّنِ بِالْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَا حَمْلٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدًا فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ) لِأَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لَهَا لِاتِّصَالِهِ بِهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الْوَلَاءِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ وَانْتَقَلَ عَنْ مَوْلَى الْأُمِّ إلَى مَوْلَى الْأَبِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا ثَبَتَ فِي الْوَلَدِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ الْعَجَمِ بِمُعْتَقَةِ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حُكْمُهُمْ فِي هَذَا حُكْمُ أَبِيهِمْ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَوَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَبَ مَجْهُولُ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَلَا وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَيْسَ لَهُ عَاقِلَةٌ فَكَانَ وَلَاءُ وَلَدِهِ لِمَوَالِي أُمِّهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ " رَجُلٌ حُرُّ الْأَصْلِ عَجَمِيٌّ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ لَيْسَ بِمُعْتِقٍ لِأَحَدٍ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ الْعَرَبِ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا فَعِنْدَهُمَا وَلَاءُ الْأَوْلَادِ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ فَصَارَ كَمُعْتَقَةٍ تَزَوَّجَتْ عَبْدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِي أَبِيهِمْ قَالَ فِي شَاهَانْ الْوَضْعُ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ كَانَ التَّزَوُّجُ بِمُعْتَقَةِ غَيْرِ الْعَرَبِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةً لَا وَلَاءَ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ، وَالْأَبُ مَوْلًى فَالْوَلَدُ حُرٌّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي حُكْمِهَا. [وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ] قَوْلُهُ: (وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ) أَيْ مُوجِبًا لِلْعُصُوبَةِ اعْلَمْ أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَبْعَدُ مِنْ الْعَصَبَةِ وَمُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَيَرِثُهُ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ ابْنَ مَوْلًى وَبِنْتَ مَوْلًى فَالْمِيرَاثُ لِلِابْنِ دُونَهَا وَإِنْ تَرَكَ ابْنَ مَوْلًى وَأَبَ مَوْلًى فَالْمِيرَاثُ لِلِابْنِ خَاصَّةً عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عُصُوبَةٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسًا لِلْأَبِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَإِنْ تَرَكَ جَدًّا مَوْلًى وَأَخًا مَوْلًى فَالْمِيرَاثُ لِلْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ سَوَاءٌ كَانَ

الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَهُمْ أَوْلَى مِنْهُ) لِأَنَّ مَوَالِي الْعَتَاقَةِ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَإِنَّمَا يَرِثُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُعْتِقِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ فِي حَالٍ أَمَّا إذَا كَانَ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فِي حَالٍ أَيْ صَاحِبُ فَرْضٍ لَهُ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْبِنْتِ بِخِلَافِ الْأَبِ فَإِنَّ لَهُ حَالَ فَرْضٍ وَحَالَ تَعْصِيبٍ فَلَا يَرِثُ الْمُعْتِقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَمِيرَاثُهُ لِبَنِي الْمَوْلَى دُونَ بَنَاتِهِ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ تَعْصِيبٌ وَلَا تَعْصِيبَ لِلْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ) بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَدَّ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ «أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتَقِهِنَّ» وَصُورَةُ الْجَرِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَوَّجَتْ عَبْدَهَا امْرَأَةً حُرَّةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَإِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ دُونَ مَوَالِي أَبِيهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ يَكُونُ مِيرَاثُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى مَوْلَاتِهِ، وَالْمَرْأَةُ جَرَّتْ وَلَاءَ مُعْتَقِهَا إلَى نَفْسِهَا فَبَعْدَ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ الِابْنُ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ لِأَبِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ فَمِيرَاثُهُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي أَعْتَقَتْ أَبَاهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ فِي بَابِ الْفَرَائِضِ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَعْتَقَ مِنْ أَعْتَقْنَ يَعْنِي أَنَّ مُعْتَقَهَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ وَبَقِيَ الثَّانِي وَلَا وَارِثَ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لَهَا لِأَنَّهَا أَعْتَقَتْ مَنْ أَعْتَقَهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ ابْنَ مَوْلَاتِهِ وَأَخَاهَا فَالْوَلَاءُ لِابْنِهَا دُونَ أَخِيهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ عُصُوبَةً إلَّا أَنَّ عَقْلَ جِنَايَتِهَا عَلَى أَخِيهَا لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ دَبَّرَتْ) صُورَتُهُ امْرَأَةٌ دَبَّرَتْ عَبْدَهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقُضِيَ بِلَحَاقِهَا حَتَّى عَتَقَ مُدَبَّرُهَا ثُمَّ جَاءَتْ مُسْلِمَةً إلَيْنَا ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ وَتَرَكَ مُدَبَّرَتَهُ هَذِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ) صُورَتُهُ أَنَّ هَذَا الْمُدَبَّرَ بَعْدَ مَا عَتَقَ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ الثَّانِي فَوَلَاؤُهُ لِمُدَبِّرِ مُدَبِّرِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَكَ الْمَوْلَى ابْنًا وَأَوْلَادَ ابْنٍ آخَرَ فَمِيرَاثُ الْمُعْتَقِ لِلِابْنِ دُونَ بَنِي الِابْنِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُمْ قَوْلُهُ: (وَالْوَلَاءُ لِلْكَبِيرِ) أَيْ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ فَالْوَلَاءُ صَحِيحٌ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ) صُورَتُهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ قَالَ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالَيْتُك عَلَى أَنِّي إنْ مِتّ فَمِيرَاثِي لَك وَإِنْ جَنَيْت فَعَقْلِي عَلَيْك فَقَبِلَ الْآخَرُ صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَيَكُونُ الْقَائِلُ مَوْلًى لَهُ إذَا مَاتَ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ إذَا جَنَى وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَا تَصِحُّ الْمُوَالَاةُ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْوَارِثِ وَإِنْ شَرَطَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَعَلَى مَا شَرَطَ فَإِنْ جَنَى الْأَسْفَلُ يَعْقِلُهُ الْأَعْلَى وَإِنْ مَاتَ يَرِثُهُ الْأَعْلَى وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ التَّوَارُثَ يَجْرِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ إذَا شَرَطَاهُ وَكَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ ثُمَّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ لَهُ شَرَائِطُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْمُوَالَاةِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَقًا لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمِيرَاثَ، وَالْعَقْلَ، وَالْمَرْأَةُ إذَا عَقَدَتْ مَعَ رَجُلٍ عَقْدَ الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهَا وَوَلَاءُ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَأَمَّا الرَّجُلُ إذَا، وَالَى أَحَدًا ثَبَتَ وَلَاؤُهُ وَوَلَاءُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَلَا يَثْبُتُ وَلَاءُ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ

كتاب الجنايات

لَهُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَمِيرَاثُهُ لِلْمَوْلَى) يَعْنِي الَّذِي عَاقَدَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَهُوَ أَوْلَى مِنْهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ كَانَتْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. (قَوْلُهُ: وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ بِوِلَايَةٍ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ الْأَعْلَى) يَعْنِي الْأَسْفَلَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ لَحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ وَلَيْسَ لِلْأَعْلَى وَلَا لِلْأَسْفَلِ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْوَلَاءِ قَصْدًا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ ثُمَّ الْفَسْخُ عَلَى ضَرْبَيْنِ فَسْخٌ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْلِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فَسَخْت الْوَلَاءَ مَعَك وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِحَضْرَتِهِ وَفَسْخٌ مِنْ طَرِيقِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَ الْأَسْفَلُ مَعَ آخَرَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَبِغَيْرِ حَضْرَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا) لِأَنَّ وَلَاءَ الْعِتْقِ فَرْعُ النَّسَبِ، وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يُخَالِفُ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ فِي فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ يَتَوَارَثَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، وَالثَّانِي أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ لَا يَحْتَمِلُهَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمْ. [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] [الْقَتْلُ الْعَمْدِ] (كِتَابُ الْجِنَايَاتِ) الْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ التَّعَدِّي، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي النُّفُوسِ، وَالْأَطْرَافِ وَيُقَالُ الْجِنَايَةُ مَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَهِيَ تَعُمُّ الْأَنْفُسَ، وَالْأَطْرَافَ، وَالْأَمْوَالَ إلَّا أَنَّ اسْمَهَا اخْتَصَّ بِالْأَنْفُسِ فِي تَعَارُفِ أَهْلِ الشَّرْعِ؛ وَلِهَذَا سَمَّى الْفُقَهَاءُ التَّعَدِّيَ فِي الْأَنْفُسِ جِنَايَةً، وَالتَّعَدِّيَ فِي الْأَمْوَالِ غَصْبًا وَإِتْلَافًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشِبْهِ وَعَمْدٍ وَخَطَأٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ) وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَمْدٍ وَشَبَهِ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَإِنَّمَا زَادَ الشَّيْخُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِهِمَا وَإِنْ دَخَلَا فِي حُكْمِ الْخَطَأِ وَقَوْلُهُ: عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ يَعْنِي الْقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِلَّا فَأَنْوَاعُهُ أَكْثَرُ كَالْقَتْلِ الَّذِي هُوَ رَجْمٌ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ، وَالْقَتْلِ قِصَاصًا، وَالْقَتْلِ صَلْبًا لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَتُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنْهُ فَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنْهُ لَا يَتَحَتَّمُ دُخُولُهُ النَّارَ بَلْ هُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ فَإِنْ دَخَلَهَا لَمْ يُخَلَّدْ فِيهَا. قَوْلُهُ: (فَالْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا أُجْرِيَ مُجْرَى السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالْمُحَرَّرِ مِنْ الْخَشَبِ، وَالْحَجَرِ، وَالنَّارِ) الْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ، وَالرُّمْحِ، وَالْخَنْجَرِ، وَالنُّشَّابَةِ، وَالْإِبْرَةِ، وَالْأَشْفَارِ وَجَمِيعِ مَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ يَقْطَعُ أَوْ يُبْضِعُ أَوْ يَرُضُّ كَالسَّيْفِ وَمِطْرَقَةِ الْحَدَّادِ، وَالزَّبْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ أَمْنَهُ الْهَلَاكَ أَمْ لَا وَلَا يُشْتَرَطُ الْحَدُّ فِي الْحَدِيدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْقَتْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25] وَكَذَا كُلُّ مَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالصُّفْرِ، وَالرَّصَاصِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ كَانَ يُبْضِعُ أَوْ يَرُضُّ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُثَقَّلِ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ مِنْ صُفْرٍ أَوْ رَصَاصٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا أُجْرِيَ مُجْرَى السِّلَاحِ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ كَالزُّجَاجِ، وَاللِّيطَةِ، وَالْحَجَرِ الْمُحَدَّدِ وَكُلِّ مَا كَانَ يَقَعُ بِهِ الذَّكَاةُ إذَا قَتَلَهُ بِهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمِزْرَاقٍ فَقَتَلَهُ إنْ أَصَابَهُ الْعُودُ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَغَرِقَ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ الْمَاءُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ قَالَ

القتل شبه العمد

فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَمَّطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ. وَلَوْ غَلَّقَ عَلَى حُرٍّ بَيْتًا أَوْ طَيَّنَهُ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَإِنَّمَا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرُ وَهُوَ فَقْدُ الطَّعَامِ، وَالْمَاءِ فَلَمْ يَبْقَ لَا الْيَدَ، وَالْحُرُّ لَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ أَدَّاهُ إلَى التَّلَفِ كَسَقْيِ السُّمِّ وَإِنْ سَقَى رَجُلًا سُمًّا أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي أَطْعَمَهُ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَيُضْرَبُ وَإِنْ أَوْجَرَهُ إيَّاهُ أَوْ كَلَّفَهُ أَكْلَهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ الْقَاتِلُ لَهَا وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ إلَيْهِ إنَّمَا غَرَّهُ، وَالْغُرُورُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُ النَّفْسِ وَإِنْ أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ أَوْ مِنْ جَبَلٍ عَلَى رَأْسِهِ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ) سَوَاءٌ تَعَمَّدَ الْمَقْتَلَ أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَخْطَأَهُ فَوَقَعَ فِي غَيْرِهِ فَمَاتَ مِنْهُ فَهُوَ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْمَأْثَمُ، وَالْقَوَدُ وَلَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ عِنْدَنَا) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْعَمْدَ وَحُكْمَهُ فَقَالَ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ وَذَكَرَ الْخَطَأَ وَحُكْمَهُ فَبَيَّنَ الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَأِ فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي الْعَمْدِ كَوُجُوبِهَا فِي الْخَطَأِ لَبَيَّنَهَا وَمِنْ حُكْمِ الْقَتْلِ أَنْ يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَكَذَا لَهُمْ أَنْ يُصَالِحُوا عَنْهُ عَلَى مَالٍ فَإِذَا صَالَحُوا سَقَطَ حَقُّهُمْ عَنْ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ عَفَوْا. (قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ ثُمَّ إذَا صَالَحَ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ مَالٍ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا فَإِنْ لَمْ يُصَالِحُوا وَلَكِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ بَطَلَ الْقِصَاصُ وَلَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْعَافِي مَالًا وَيَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْبَاقِي مَالًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَا يَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا وَمَتَى تَعَذَّرَ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُهُ مَالًا ثُمَّ نَصِيبُ الْعَافِي لَا يَنْقَلِبُ مَالًا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ تَعَذَّرَ مِنْ جِهَتِهِ وَنَصِيبُ الَّذِي لَمْ يَعْفُ يَنْقَلِبُ مَالًا لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ. [الْقَتْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ] قَوْلُهُ: (وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى السِّلَاحِ) بَلْ يَضْرِبُهُ بِشَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ كَمِدَقَّةٍ الْقَصَّارِينَ، وَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ، وَالْعَصَا الْكَبِيرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا قَتَلَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَهُ وَقَالَا هُوَ عَمْدٌ وَأَمَّا إذَا ضَرَبَهُ بِعَصًا صَغِيرَةٍ أَوْ لَطَمَهُ عَمْدًا فَمَاتَ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فَمَاتَ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ إجْمَاعًا وَإِنْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ صَغِيرٍ وَوَالَى الضَّرْبَ حَتَّى قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: وَشِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَهُمَا أَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا) لِأَنَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ يُقْصَدُ التَّأْدِيبُ. قَوْلُهُ: (وَمُوجَبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَأْثَمُ، وَالْكَفَّارَةُ) فَإِنْ قُلْت: وَجَمَعَ فِي هَذَا بَيْنَ الْإِثْمِ، وَالْكَفَّارَةِ وَهِيَ سِتَارَةٌ قُلْت: جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَالْإِثْمُ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَسْقُطُ الْإِثْمُ بِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَوَدَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ وَإِذَا الْتَقَى صَفَّانٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّهُ كَافِرًا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ أَيْضًا إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ أَمَّا إذَا كَانَ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ أَيْضًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَدْخُلُ الْقَاتِلُ مَعَهُمْ فِي الدِّيَةِ فَيَكُونُ كَأَحَدِهِمْ. [الْقَتْلُ الْخَطَأِ] قَوْلُهُ: (وَالْخَطَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ) أَوْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَإِذَا

هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ رَمَى إلَى حَرْبِيِّ أَسْلَمَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ رَمَى إلَى رَجُلٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَأَمَّا إذَا قَصَدَ عُضْوًا مِنْ شَخْصٍ فَأَصَابَ عُضْوًا آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَهُوَ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ خَطَأٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي الْفِعْلِ، وَالْآخَرَ فِي الْقَصْدِ. قَوْلُهُ: (وَمُوجَبُ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَسَوَاءٌ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ، وَالْكَفَّارَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَإِنْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إلَيْنَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا يُحْرَزْ دَمُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ هُنَاكَ وَهَاجَرَ إلَيْنَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَهُ بِدَارِنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا مَأْثَمَ فِيهِ) يَعْنِي لَا إثْمَ فِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ أَوْ خَطَأً فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ، وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ أَمَّا نَفْسُ الْإِثْمِ فَلَا يَعْرَى عَنْهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّثَبُّتَ فِي حَالَةِ الرَّمْيِ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ وَيُظْهِرَ الْخَطَأَ فَاتُّهِمَ فَسَقَطَ مِيرَاثُهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قَتْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَمَا لَا فَلَا أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَهُوَ الْقَتْلُ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ تَطَؤُهُ دَابَّةٌ وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ انْقَلَبَ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ فَقَتَلَهُ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ حَجَرٌ أَوْ لَبِنَةٌ أَوْ خَشَبَةٌ أَوْ حَدِيدَةٌ فَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ بِالْمُبَاشَرَةِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ إنْ كَانَ وَارِثًا، وَالْوَصِيَّةَ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَأَمَّا الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ فَهُوَ أَنْ يَقْتُلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ مُورِثَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ عِنْدَنَا وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُورِثَهُ بِالسَّبَبِ كَمَا إذَا أَشْرَعَ جَنَاحًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ عَلَى مُورِثِهِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا مُورِثُهُ فَمَاتَ لَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ إذَا قَتَلَهُ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فَرُجِمَ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ. وَكَذَا إذَا وَضَعَ حَجَرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَعَقَّلَ بِهِ مُورِثُهُ أَوْ سَاقَ دَابَّةً أَوْ قَادَهَا فَأَوْطَأَتْ مُورَثَهُ فَمَاتَ لَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَكَذَا إذَا وَجَدَ مُورَثَهُ قَتِيلًا فِي دَارِهِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ وَلَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَكَذَا الْعَادِلُ إذَا قَتَلَ الْبَاغِيَ لَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الْكَفَّارَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْبَاغِيَ الْعَادِلَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَرِثُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى الْحَقِّ، وَالْآنَ أَيْضًا أَنَا عَلَى الْحَقِّ وَرِثَهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ هَذَا قَتْلٌ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا وَلَا كَفَّارَةً وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرِثُهُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ وَيُشْكِلُ هَذَا عَلَى أَصْلِنَا إلَّا أَنَّا نَقُولُ قَدْ وَجَبَ الْقِصَاصُ هُنَا ثُمَّ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرِثُ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَتْلِ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَعَاقِلٍ وَمَجْنُونٍ وَمُتَأَوِّلٍ وَيُورَثُ دَمُ الْمَقْتُولِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَيَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ وَلَيْسَ لِلْبَعْضِ أَنْ يَقْتَصَّ حَتَّى يَجْتَمِعُوا كُلُّهُمْ فَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَلِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتَصُّوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اقْتَصَّ مِنْ ابْنِ مُلْجَمٍ، وَفِي وَرَثَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صِغَارٍ وَقَدْ أَوْصَى إلَيْهِ عَلِيٌّ بِذَلِكَ، وَقَالَ اضْرِبْهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَيْسَ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتَصُّوا حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَدِيَةُ الْمَقْتُولِ خَطَأً تَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ لِجَمِيعِ وَرَثَتِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجَانِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالزَّوْجِيَّةُ تَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ وَلَنَا حَدِيثُ «الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا أَشَيِمَ» وَإِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِثُلُثِ مَالِهِ دَخَلَتْ دِيَتُهُ فِي تِلْكَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ مَالُ الْمَيِّتِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ مِثْلُ النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ) يَعْنِي مِنْ سُقُوطِ

الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ لَهُمْ وَإِنْ اجْتَمَعُوا مَعَ الْمَوْلَى) لِأَنَّ الْمَوْلَى سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ فَاجْتِمَاعُهُ مَعَ الْوَارِثِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَبَقِيَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ، وَالْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِيهِ، وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ فَشُرِطَ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ وَهَذَا. قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا قِصَاصَ لَهُ وَإِنْ اجْتَمَعَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ وَقَيَّدَ بِاجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فَلَهُمَا الْقِيمَةُ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَلَوْ قُتِلَ عَبْدُ الْإِجَارَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمُؤَجِّرِ وَأَمَّا الْمَبِيعُ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إجَازَةَ الْبَيْعِ فَلَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنْ اخْتَارَ رَدَّ الْمَبِيعِ فَلِلْبَائِعِ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا قِصَاصَ وَلِلْبَائِعِ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِأَنَّ سَبَبَ الْقَتْلِ وُجِدَ مِنْهُ وَاتَّصَلَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمَا مَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ، وَلَوْ شَقَّ بَطْنَ رَجُلٍ وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهٌ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَالْقَاتِلُ الَّذِي ضَرَبَ الْعُنُقَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ بَعْدَ شَقِّ الْبَطْنِ وَلَا يَعِيشُ بَعْدَ ضَرْبِ الْعُنُقِ فَإِنْ كَانَ ضَرَبَ رَقَبَتَهُ خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَعَلَى الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ ثُلُثُ الدِّيَةِ أَرْشُ الْجَائِفَةِ فَإِنْ كَانَ الشَّقُّ نَفَذَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَجَبَ ثُلُثَا الدِّيَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ الشَّقُّ يُتَوَهَّمُ مَعَهُ الْحَيَاةُ بِأَنْ كَانَ يَعِيشُ مَعَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ الْحَيَاةُ وَإِنَّمَا يَضْطَرِبُ اضْطِرَابَ الْمَقْتُولِ فَالْقَاتِلُ الَّذِي شَقَّ الْبَطْنَ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَاَلَّذِي ضَرَبَ الْعُنُقَ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْمُنْكَرَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ذَبَحَ الْمَفْرُوغَ مِنْهُ وَكَذَا إذَا جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يَعِيشُ مِنْهَا وَجَرَحَهُ آخَرُ فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ أَمَّا إذَا كَانَتَا مَعًا فَهُمَا قَاتِلَانِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَرِجْلَيْهِ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ اقْتَصَّ مِنْهُ وَتُحَزُّ رَقَبَتُهُ وَلَا يُقْطَعُ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْصِلِ عَمْدًا قُطِعَتْ يَدُهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ يَدِ الْمَقْطُوعِ) وَهَذَا كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ وَلَا قِصَاصَ قَبْلَ الْبُرْءِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ، وَالْأُذُنُ) يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ بِقَطْعِ ذَلِكَ الْقِصَاصُ أَمَّا الرِّجْلُ فَمَعْنَاهُ إذَا قَطَعَهَا مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ أَوْ مِنْ مَفْصِلِ الرُّكْبَةِ وَأَمَّا الْأَنْفُ فَإِنْ قُطِعَ مِنْهُ الْمَارِنُ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ بَعْضَ الْقَصَبَةِ أَوْ كُلَّهَا فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ إلَّا السِّنَّ وَأَمَّا الْأُذُنُ إذَا قَطَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَجَبَ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ فَقَلَعَهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَذَهَبَ ضَوْءُهَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) وَأَمَّا إذَا انْخَسَفَتْ أَوْ قَوِرَتْ فَلَا قِصَاصَ وَكَيْفِيَّةُ الْقِصَاصِ فِيهَا إذَا كَانَتْ وَتُرْبَطُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَهُوَ. قَوْلُهُ: تُحْمَى لَهُ الْمِرْآةُ وَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ أَيْ مَبْلُولٌ عَيْنُهُ الْأُخْرَى بِقُطْنٍ رَطْبٍ أَيْضًا وَيُقَابِلُ عَيْنَهُ بِالْمِرْآةِ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا قَضَى بِذَلِكَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى وَكَذَا الْيَدَانِ، وَالرِّجْلَانِ وَكَذَا أَصَابِعُهُمَا وَيُؤْخَذُ إبْهَامُ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى السَّبَّابَةِ بِالسَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى بِالْوُسْطَى وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْيُمْنَى إلَّا بِالْيُمْنَى وَلَا الْيُسْرَى إلَّا بِالْيُسْرَى. قَوْلُهُ: (وَفِي السِّنِّ الْقِصَاصُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وَسَوَاءٌ كَانَ سِنُّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ لِأَنَّ

مَنْفَعَتَهَا لَا تَتَفَاوَتُ وَكَذَا الْيَدُ وَمَنْ نَزَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَنْزُوعَةُ سِنُّهُ سِنَّ النَّازِعِ فَنَبَتَ سِنُّ الْأَوَّلِ فَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ لَمَّا نَبَتَتْ أُخْرَى انْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ؛ وَلِهَذَا يَسْتَأْنِي حَوْلًا وَقِيلَ إنْ فِي سِنِّ الْبَالِغِ لَا يَسْتَأْنِي لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَنْبُتُ، وَالنَّادِرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ لَكِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْقَلْعِ أَمَّا فِي التَّحْرِيكِ يَسْتَأْنِي حَوْلًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَلَوْ قَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا عَمْدًا لَمْ تُقْلَعْ سِنُّ الْقَالِعِ بَلْ تُؤْخَذُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطَ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَفِي كُلِّ شَجَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ الْقِصَاصُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنّ) وَلَا تُؤْخَذُ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى وَتُؤْخَذُ الثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ، وَالنَّابُ بِالنَّابِ، وَالضِّرْسُ بِالضِّرْسِ وَلَا يُؤْخَذُ الْأَعْلَى بِالْأَسْفَلِ وَلَا الْأَسْفَلُ بِالْأَعْلَى، وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ يُؤْخَذُ مِنْ سِنِّ الْكَاسِرِ بِقَدْرِ ذَلِكَ بِالْمِبْرَدِ وَلَا قِصَاصَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَا قِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ، وَاللَّكْمَةِ، وَاللَّكْزَةِ، وَالْوَجَاءَةِ، وَالدَّقَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ عَمْدٍ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَإِذَا آلَتْ الضَّرْبَةُ إلَى النَّفْسِ فَإِنْ كَانَتْ بِحَدِيدَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ مُحَدَّدَةٍ فَفِيهِ الْقِصَاصُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ بِشَيْءٍ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ السِّلَاحِ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَبَعٌ لِلْجِنَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) حَتَّى لَوْ قَطَعَ يَدَهَا عَمْدًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْأَرْشَ مُخْتَلِفُ الْمِقْدَارِ، وَالتَّكَافُؤُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْيَمِينَ بِالْيَسَارِ وَلَا الْيَدَ الصَّحِيحَةَ بِالشَّلَّاءِ وَنَاقِصَةِ الْأَصَابِعِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فِي الْأَنْفُسِ فَإِنَّ التَّكَافُؤَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الصَّحِيحُ بِالزَّمِنِ، وَالْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ فَإِنْ كَانَ التَّكَافُؤُ مُعْتَبَرًا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا تَكَافُؤَ بَيْنَ يَدِ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ يَدَهَا تَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ يَدُهُ كَالطَّحْنِ، وَالْخَبْزِ، وَالْغَزْلِ وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْأَنْفُسِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ) لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ لَا تُكَافِئُ يَدَ الْحُرِّ لِأَنَّ أَرْشَهُمَا مُخْتَلِفٌ فَأَرْشُ يَدِ الْعَبْدِ قِيمَتُهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ) لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ، وَالظَّنِّ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ) يَعْنِي الذِّمِّيَّ وَكَذَا بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ الْحُرَّتَيْنِ، وَالْمُسْلِمَةِ، وَالْكِتَابِيَّةِ وَكَذَا بَيْنَ الْكِتَابِيَّتَيْنِ، وَلَوْ رَمَى بِسَهْمٍ إلَى مُسْلِمٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ السَّهْمُ ارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ فَوَقَعَ بِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّامِي فِي الْخَطَأِ، وَفِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتُبِرَ حَالَةُ خُرُوجِ السَّهْمِ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مُبَاحَةَ الدَّمِ، وَلَوْ رَمَى إلَى مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ وَهُوَ مُسْلِمٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ زُفَرُ تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالَةُ الْإِصَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ أَوْ جَرَحَهُ جَائِفَةً) فَبَرِئَ مِنْهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ السَّاعِدَ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ وَلِأَنَّ هَذَا كَسْرٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكْسِرَ سَاعِدَهُ مِثْلَ مَا كَسَرَهُ وَكَذَا إذَا قَطَعَ نِصْفَ السَّاقِ وَكَذَا إذَا جَرَحَهُ جَائِفَةً لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ وَيَجِبُ الْأَرْشُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ صَحِيحَةً وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ فَالْمَقْطُوعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ الْيَدَ الْمَعِيبَةَ وَلَا شَيْء لَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ كَامِلًا) وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا قَطَعَ لَهُ أُصْبُعَيْنِ وَلَيْسَ لِلْقَاطِعِ إلَّا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهَا وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْأُخْرَى وَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً، وَفِي يَدِهِ مِثْلُهَا فَلَا قِصَاصَ

الْقِصَاصُ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ أَمَّا سُقُوطُ الْقِصَاصِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَأَمَّا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِثِقَلِهِ وَأَمَّا حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ قَتْلَهُ وَأَظْهَرَ النَّوْمَ وَإِنَّمَا أُجْرِيَ ذَلِكَ مُجْرَى الْخَطَأِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ الْخَطَأِ لِأَنَّ النَّائِمَ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا يُوصَفُ فِعْلُهُ بِعَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ فَلِهَذَا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَطَأِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَمِّدٍ الْقَتْلَ وَلَا خَاطِئٍ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ لِتَعَدِّيهِ. (قَوْلُهُ: وَمُوجِبُ ذَلِكَ إذَا تَلِفَ فِيهِ آدَمِيٌّ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ. قَوْلُهُ: (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ وَلَا وَقَعَ بِثِقَلِهِ وَلَا يُشْبِهُ الرَّاكِبَ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا وَطِئَتْ آدَمِيًّا أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِوَطْئِهَا وَثِقَلِ الرَّاكِبِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَى السَّائِقِ، وَالْقَائِدِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا الْقَتْلَ وَلَا مَاتَ بِثِقَلِهِمَا وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ بِسَبَبِ الْحَفْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَفَرَهَا فِي مَمَرِّ النَّاسِ أَمَّا فِي غَيْرِ مَمَرِّهِمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَوَاضِعُ الْحَجَرِ) إنَّمَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَى الْحَجَرِ أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ الْمَارُّ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَنَى عَلَى نَفْسِهِ بِتَعَمُّدِهِ الْمُرُورَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ غَيْرُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَلِيُّ، وَالْحَافِرُ فَقَالَ الْحَافِرُ هُوَ الَّذِي أَسْقَطَ نَفْسَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَافِرِ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْخُجَنْدِيِّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: (وَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّ دَمَهُ إنَّمَا هُوَ مَحْقُونٌ فِي دَارِنَا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِهِ وَصَارَ مُبَاحَ الدَّمِ، وَالْحَقْنُ هُوَ الْمَنْعُ يُقَالُ حَقَنَ دَمَهُ أَيْ مَنَعَهُ أَنْ يُسْفَكَ، وَالْحَقْنُ أَيْضًا الْحِفْظُ. قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِسَيِّدِهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ طَرَفُ الْحُرِّ بِطَرَفِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ نَاقِصُ عَنْ الْمَقْتُولِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَسْتَوِيَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَهُوَ أَكْمَلُ فَهَذَا أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) ، وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَ وَهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ثَبَتَ لِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إذَا قَتَلَ عَبْدًا لِمَوْلَاهُ. قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا سَرَقَ مِنْ الذِّمِّيِّ أَنَّهُ يُقْطَعُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الْكُفْرُ. قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ) وَكَذَا بِالْمَجْنُونِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي النَّفْسِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالْأُذُنَيْنِ، وَالْمَذَاكِيرِ وَمَفْقُوءَ الْعَيْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِابْنِهِ وَلَا بِعَبْدِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي قَتْلِ الِابْنِ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَكَذَا لَا قِصَاصَ عَلَى الْأَبِ فِيمَا جَنَى عَلَى الِابْنِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَيْضًا وَكَذَا حُكْمُ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا لَا يُقْتَلُ بِابْنِ الِابْنِ وَكَذَا الْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَا الْجَدُّ وَسَفَلَ الْوَلَدُ وَكَذَا الْأُمُّ وَإِنْ عَلَتْ وَكَذَا الْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْنَ فَأَمَّا الِابْنُ إذَا قَتَلَ الْأَبَ أَوْ الْأُمَّ أَوْ الْجَدَّةَ أَوْ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَفِيمَا دُونَهَا.

إذَا كَانَ عَمْدًا وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ الْأَبِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَأَمَّا الْأَبُ فَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْجُزْءِ مِنْ الْوَلَدِ فَكَانَ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي قَتْلِ إنْسَانٍ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ، وَالْآخَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْأَبِ، وَالْخَاطِئِ، وَالْعَامِدِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِالسَّيْفِ، وَالْآخَرُ بِالْعَصَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَاَلَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْخَاطِئِ وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ شَرِيكِ الْأَبِ فَأَمَّا الْأَبُ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا اشْتَرَكَا الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِعَبْدِهِ) لِأَنَّهُ مَالُهُ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِإِتْلَافِ مَالِهِ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمُطَالَبَةِ بِدَمِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِمُدَبَّرِهِ وَلَا بِمَكَاتِبِهِ) لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَمْلُوكٌ، وَالْمُكَاتَبَ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَكَذَا لَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ. قَوْلُهُ: (وَلَا بِعَبْدِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِوَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ فَكَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهَا كَأَمَتِهِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَوْلَى بِقَتْلِ عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِ وَلَدِهِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ) لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَإِذَا سَقَطَ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَصُورَتُهُ بِأَنْ قَتَلَ أُمَّ ابْنِهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَ أَخَا وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ وَهُوَ وَارِثُهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ الْأَبُ وَوَلَدُهُ وَارِثُهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ. قَوْلُهُ: وَرِثَ الْقِصَاصَ وَهُوَ لِلْوَارِثِ ثَبَتَ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْوُ الْوَارِثِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُورَثِ، وَالْمُورَثُ يَمْلِكُ الْقِصَاصَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً قُلْنَا ثَبَتَ عِنْدَ الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ أَوْ نَقُولُ تَعَيَّنَ صُورَةٌ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِرْثُ بِأَنْ قَتَلَ رَجُلٌ أَبَا امْرَأَتِهِ يَكُونُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَرْأَةِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الْوَاجِبَ عَلَى أَبِيهِ كَذَا فِي الْمُشْكِلِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا عَفَا الْمَجْرُوحُ ثُمَّ مَاتَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَفَوْهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَأَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَجُوزُ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَائِهِ فَأَسْقَطَ حَقَّهُ فَإِذَا أَسْقَطَهُ جَازَ وَيَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَيْسَ بِمَالٍ كَالطَّلَاقِ وَقَالُوا فِي الْوَارِثِ إذَا عَفَا عَنْ الْجَارِحِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجْرُوحَ لَوْ عَفَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ الْحَقُّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِذَا عَفَا قَبْلَ ثُبُوتِ حَقِّهِ لَمْ يَجُزْ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَجُوزُ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ الْجُرْحِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا أَبْرَأَ عَنْهُ عِنْدَ ثُبُوتِ سَبَبِ الْمَوْتِ وَهُوَ الْجِرَاحَةُ جَازَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ إلَّا بِالسَّيْفِ) سَوَاءٌ قَتَلَهُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدَّدِ أَوْ النَّارِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْتَلُ بِمِثْلِ الْآلَةِ الَّتِي قَتَلَ بِهَا وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ لِأَنَّهُ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَلَنَا. قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» . قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى فَلَهُ الْقِصَاصُ) هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مِلْكُ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا، وَالْحُرُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ وَإِذَا تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ فِيهِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ وَقَعَتْ، وَالْمُسْتَحِقُّ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ وَحَصَلَ الْمَوْتُ، وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَمَّا تَغَيَّرَ الْمُسْتَحِقُّ صَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ وَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِيَ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي قِصَاصٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا الْمَوْلَى فَلِلْمَوْلَى الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قِصَاصَ لَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ جِهَتَا الِاسْتِحْقَاقِ صَارَ كَاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فَمَنَعَ الْقِصَاصَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِحُقُوقِ الْمُكَاتَبِ فِي الْحَالَيْنِ فَوَجَبَ لَهُ

مسألة رجل قتل رجلين ووليهما واحد فعفا الولي عن القصاص في أحدهما

عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الثُّؤْلُولِ وَذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَاقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَدِيَتُهُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لِأَنَّ حَقَّهُ الْيَدُ وَقَدْ اسْتَوْفَى النَّفْسَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقَطْعِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ. (مَسْأَلَةٌ) إذَا قَالَ لِرَجُلٍ اقْطَعْ يَدٌ وَذَلِكَ لِعِلَاجٍ كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِيهَا أَكَلَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَا يَحِلُّ لَهُ قَطْعُهَا فِي الْحَالَيْنِ ثُمَّ لَوْ سَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ بِالْأَمْرِ وَإِنْ قَالَ لَهُ: اُقْتُلْنِي لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَإِنْ قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي فَقَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَالْحِجَامُ، وَالْخِتَانُ، وَالْبَزَّاغُ، وَالْفِصَادُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ إذَا كَانَ بِالْإِذْنِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا شَجَّةً فَاسْتَوْعَبَتْ الشَّجَّةُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَالْمَشْجُوجُ بِالْخِيَارِ) إنْ شَاءَ (اقْتَصَّ بِمِقْدَارِ شَجَّتِهِ يَبْتَدِئُ مِنْ أَيْ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ كَامِلًا) يَعْنِي يَأْخُذُ مِقْدَارَهَا طُولًا وَعَرْضًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ الشَّجَّةُ لَا تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَهِيَ تَأْخُذُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمَشْجُوجُ أَيْضًا إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ قَدْرَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ كَامِلًا لِلتَّعَدِّي إلَى غَيْرِ حَقِّهِ وَإِنْ شَجَّهُ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُجَّهُ فِي مُؤَخِّرِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ فِي اللِّسَانِ) هَذَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهُ أَمَّا إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ فَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الذَّكَرِ إذَا قُطِعَ) لِأَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ فَلَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَقْطَعَ الْحَشَفَةَ) لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ مَعْلُومٌ كَالْمَفْصِلِ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ ذَلِكَ، وَالشَّفَةُ إذَا اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْمُسَاوَاةُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اصْطَلَحَ الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا) ثُمَّ إذَا لَمْ يَذْكُرُوا حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا فَهُوَ حَالٌّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ الْأَجَلَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَفَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الدَّمِ أَوْ صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عِوَضٍ سَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ مِنْ الْقِصَاصِ وَكَانَ لَهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ سَقَطَ كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ وَعَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْآخَرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ قِصَاصَانِ وَهُنَا الْوَاجِبُ قِصَاصٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا انْقَلَبَ حَقُّ الْبَاقِينَ مَالًا لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا تَعَذَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ انْتَقَلَ إلَى الْمَالِ وَأَمَّا الْعَافِي فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِفِعْلِهِ وَرِضَاهُ ثُمَّ مَا يَجِبُ لِلْبَاقِينَ مِنْ الْمَالِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَالْعَمْدُ لَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَيَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَوْ عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ الْقِصَاصِ فَقَتَلَهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَفْوِ أَوْ عَلِمَ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِالْعَفْوِ فَصَارَ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ أَبَاهُ فَقَتَلَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أَبَاهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِعَفْوِ صَاحِبِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ دَمَهُ صَارَ حَرَامًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إجْمَاعًا وَلَهُ عَلَى الْمَقْتُولِ نِصْفُ الدِّيَةِ. [مَسْأَلَةٌ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلَيْنِ وَوَلِيُّهُمَا وَاحِدٌ فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْقِصَاصِ فِي أَحَدِهِمَا] (مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلَيْنِ وَوَلِيُّهُمَا وَاحِدٌ فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْقِصَاصِ فِي أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا نَسَمَةً وَاحِدَةً فِي الِاثْنَيْنِ فَإِذَا عَفَا فِي أَحَدِهِمَا فَكَأَنَّهُ أَسْقَطَ الْقِصَاصَ فِي نِصْفِهِ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ أَنْ يَقْتَصَّ دُونَ بَعْضٍ.

حَتَّى يَجْتَمِعُوا فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا لَمْ يَقْتُلْ الْقَاتِلَ حَتَّى يَحْضُرُوا جَمِيعًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ قَدْ عَفَا وَلَيْسَ لِلْغَائِبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ اسْتَوْفَى مَعَ غَيْبَتِهِ اسْتَوْفَاهُ مَعَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ عَفَا لَأَظْهَرَ الْعَفْوَ وَمَنْ عَفَا مِنْ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقِصَاصِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ امْرَأَةً فَعَفَا زَوْجُهَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ لِأَنَّ الدَّمَ مَوْرُوثٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا اُقْتُصَّ مِنْ جَمِيعِهِمْ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَبْعَةَ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَتَلُوا رَجُلًا فَقَتَلَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَحَضَرَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ قُتِلَ بِجَمَاعَتِهِمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قُتِلَ لَهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا قُتِلَ بِجَمَاعَةٍ صَارَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَتَلَهُ عَلَى الِانْفِرَادِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَمَاتَ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ الْيَدَ تَتَبَعَّضُ فَيَصِيرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آخِذًا لِبَعْضِهَا وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ بِخِلَافِ النَّفْسِ لِأَنَّ الْإِزْهَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ (. قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي نِصْفَ دِيَةِ جَمِيعِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ دِيَةَ الْيَدِ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا إذَا جَنَى رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ فِيهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ قَلَعَا سِنَّهُ أَوْ قَطَعَا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَعَلَيْهِمَا الْأَرْشُ نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ هَذَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ الْأَرْشُ عَلَى عَدَدِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِينَ وَإِنْ كَثُرُوا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَطَعَ وَاحِدٌ يُمْنًى رَجُلَيْنِ فَحَضَرَا فَلَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا يَمِينَهُ وَيَأْخُذَا مِنْهُ نِصْفَ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِهَا نِصْفَيْنِ) يَعْنِي يَأْخُذَانِ مِنْهُ دِيَةَ يَدٍ وَاحِدَةٍ يَقْتَسِمَانِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ وَبَقِيَ لَهُ الْبَعْضُ فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ إلَى الْأَرْشِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَطَعَ يَدَهُ وَلِلْآخِرِ عَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ) يَعْنِي نِصْفَ دِيَةِ جَمِيعِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْيَدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ بَعْضِهَا بِالْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا غَابَ الْآخَرُ فَلَا مُزَاحَمَةَ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَلَا يَلْزَمُهُ انْتِظَارُ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ حَقَّهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ دِيَةُ يَدِهِ وَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَكَانَ لِلثَّانِي أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا تَعَيَّنَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَالَ اقْطَعُوهُ ثُمَّ اُقْتُلُوهُ وَإِنْ شَاءَ قَالَ اُقْتُلُوهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ مَعْنَاهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُهُ وَسَقَطَ حُكْمُ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ يُلَاقِي حَقَّ الْمَوْلَى بِالْإِبْطَالِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ بِنَفْسِهِ فَقِيلَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى وَكَانَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ مِنْهُ السَّهْمُ إلَى آخَرَ فَمَاتَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِلْأَوَّلِ، وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ إحْدَاهُمَا عَمْدٌ وَمُوجَبُهَا الْقِصَاصُ، وَالثَّانِيَةُ خَطَأٌ وَمُوجَبُهَا الدِّيَةُ وَمَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ كَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ.

كتاب الديات

[كِتَابُ الدِّيَاتِ] (كِتَابُ الدِّيَاتِ) الدِّيَةُ بَدَلُ النَّفْسِ، وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، وَالدِّيَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُؤَدَّى فِي بَدَلِ الْإِنْسَانِ دُونَ غَيْرِهِ، وَالْقِيمَةُ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَائِبِ وَلَمْ يُسَمِّ الدِّيَةَ قِيمَةً لِأَنَّ فِي قِيَامِهَا مَقَامَ الْفَائِتِ قُصُورًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الدِّيَةُ تَجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ، وَفِي شَبَهِ الْعَمْدِ، وَفِي الْقَتْلِ بِسَبَبٍ، وَفِي قَتْلِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ وَهَذِهِ الدِّيَاتُ كُلُّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا قَتْلَ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا شَبَهَ عَمْدٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) سُمِّيَ هَذَا الْقَتْلُ شَبَهَ عَمْدٍ لِأَنَّهُ شَابَهُ الْعَمْدَ حِينَ قَصَدَ بِهِ الْقَتْلَ وَشَابَهُ الْخَطَأَ حِينَ لَمْ يَضْرِبْهُ بِسِلَاحٍ وَلَا بِمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَصَارَ عَمْدًا خَطَأً. قَوْلُهُ: (وَدِيَةُ شَبَهِ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا إلَى آخِرِهِ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَثْلَاثًا ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا حَامِلَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا يَعْنِي الْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُثْبِتُوهُ إلَّا فِيهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ) حَتَّى أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي الْفِضَّةِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا فِي الذَّهَبِ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: (وَقَتْلُ الْخَطَأِ يَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] قَوْلُهُ: (وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إلَّا أَنَّهُمَا جَعَلَا بَدَلَ ابْنِ الْمَخَاضِ ابْنَ لَبُونٍ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْعَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافٍ) يَعْنِي وَزْنَ سَبْعَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ، وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ) إزَارٌ وَرِدَاءٌ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ: (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ جُعِلَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ فِي مِيرَاثِهَا وَشَهَادَتِهَا فَكَذَا فِي دِيَتِهَا وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُعْتَبَرٌ بِدِيَتِهَا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَتِهَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَأَلَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ قَطَعَ أُصْبُعَ امْرَأَةٍ فَقَالَ فِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ قَالَ فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ قَالَ فِيهَا ثَلَاثُونَ قَالَ فَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعًا قَالَ فِيهَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ رَبِيعَةُ لَمَّا عَظُمَ أَلَمُهَا وَزَادَتْ مُصِيبَتُهَا قَلَّ أَرْشُهَا فَقَالَ لَهُ أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا بَلْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ قَالَ هَكَذَا السُّنَّةُ أَرَادَ سُنَّةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. قَوْلُهُ: (

وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَيُسَمَّى الْأَرْنَبَةَ، وَلَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ) يَعْنِي اللِّسَانَ الْفَصِيحَ أَمَّا لِسَانُ الْأَخْرَسِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَكَذَا فِي قَطْعِ بَعْضِ اللِّسَانِ إذَا مَنَعَ الْكَلَامَ تَجِبُ الدِّيَةَ كَامِلَةً لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ بَعْضٍ قُسِمَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرُوفِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِيهِ الدِّيَةُ بِقِسْطِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى حُرُوفِ اللِّسَانِ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا الْأَلِفُ، وَالتَّاءُ، وَالثَّاءُ، وَالدَّالُ، وَالْجِيمُ، وَالذَّالُ، وَالرَّاءُ، وَالزَّايُ، وَالسِّينُ، وَالشِّينُ، وَالصَّادُ، وَالضَّادُ، وَالطَّاءُ، وَالظَّاءُ، وَالْكَافُ، وَاللَّامُ، وَالنُّونُ، وَالْيَاءُ قَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَوْلُهُ: (وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ) يَعْنِي الذَّكَرَ الصَّحِيحَ أَمَّا ذَكَرُ الْعِنِّينِ، وَالْخَصِيِّ، وَالْخُنْثَى فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةُ الْوَطْءِ، وَالْإِيلَاجِ، وَالرَّمْيِ بِالْبَوْلِ وَدَفْعُ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْإِعْلَاقِ وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ، وَالدَّفْقِ، وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَطَعَ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَيَانِ بَاقِيَتَانِ أَمَّا إذَا قُطِعَ وَقَدْ كَانَتَا قُطِعَتَا فَفِيهِ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ بِقَطْعِهَا يَصِيرُ خَصِيًّا، وَفِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ حُكُومَةٌ وَلِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلذَّكَرِ مَعَ فَقْدِهِمَا وَإِنْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالذَّكَرَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ قَطَعَهُمَا عَرَضًا يَجِبُ دِيَتَانِ وَإِنْ قَطَعَهُمَا طُولًا إنْ قَطَعَ الذَّكَرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ دِيَتَانِ وَإِنْ بَدَأَ بِالْأُنْثَيَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالذَّكَرِ فَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَفِي الذَّكَرِ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلذَّكَرِ مَعَ فَقْدِهِمَا، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْأَعْضَاءُ الَّتِي تَجِبُ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ ثَلَاثَةٌ اللِّسَانُ، وَالْأَنْفُ، وَالذَّكَرُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْعَقْلِ إذَا ضَرَبَ رَأْسَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ الدِّيَةُ) لِأَنَّ بِذَهَابِ الْعَقْلِ يَتْلَفُ مَنْفَعَةُ الْأَعْضَاءِ فَصَارَ كَتَلَفِ النَّفْسِ وَلِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَجْنُونِ تَجْرِي مَجْرَى أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ وَكَذَا إذَا ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ أَوْ كَلَامُهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَكَلَامُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي اللِّحْيَةِ إذَا حُلِقَتْ فَلَمْ تَنْبُتْ الدِّيَةُ) يَعْنِي لِحْيَةَ الرَّجُلِ أَمَّا لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِأَنَّهَا نَقْصٌ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّ اللِّحْيَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ كَانَتْ وَافِرَةً تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَإِنْ كَانَتْ شُعَيْرَاتٍ قَلِيلَةً مُجْتَمَعَةً لَا يَقَعُ بِهَا جَمَالٌ كَامِلٌ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَتْ شَعَرَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ تَشِينُهُ فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِأَنَّهُ أَزَالَ عَنْهُ الشَّيْنَ فَإِنْ نَبَتَتْ بَيْضَاءَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فِي الْحُرِّ، وَفِي الْعَبْدِ تَجِبُ حُكُومَةٌ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ حُكُومَةٌ فِي الْحُرِّ أَيْضًا وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ، وَالْخَطَأُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا، وَفِي لِحْيَةِ الْعَبْدِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ حُكُومَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قِيمَتُهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِيهَا كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ، وَفِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: (، وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْبُتْ سَوَاءٌ حَلَقَهُ أَوْ نَتَفَهُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي التَّجَمُّلِ بِهِ وَأَمَّا شَعْرُ الصَّدْرِ، وَالسَّاقِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَجَمَّلُ بِهِ الْجَمَالَ الْكَامِلَ وَلَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ وَإِنْ حَلَقَ رَأْسَ رَجُلٍ فَنَبِتْ أَبْيَضَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَفِيهِ أَرْشُ النُّقْصَانِ. قَوْلُهُ: (، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ) ، وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ

الْمُبْصِرَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَا فِي عَيْنِ الْأَحْوَلِ، وَالْأَعْمَشِ وَقَوْلُهُ: وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ يَعْنِي دِيَةَ الْمَرْأَةِ وَهِيَ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ، وَفِي حَلَمَتَيْ ثَدْيَيْهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً لِفَوَاتِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي ثَدْيَيْ الْخُنْثَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا فِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ وَعِنْدَهُمَا نِصْفُ مَا فِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ وَنِصْفُ مَا فِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ عَلَى أَصْلِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ، وَفِي يَدِ الْخُنْثَى مَا فِي يَدِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا نِصْفُ مَا فِي يَدِ الرَّجُلِ وَنِصْفُ مَا فِي يَدِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ قُتِلَ الْخُنْثَى عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَفِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا رُبْعُ الدِّيَةِ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ أَمَّا إذَا نَبَتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ إذَا لَمْ يَنْبُتْ لِأَنَّهُ شَعْرٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ، وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا فَفِيهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَصَارَ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ عُشْرُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ) يَعْنِي صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا سَوَاءٌ قَطَعَ الْأَصَابِعَ دُونَ الْكَفِّ أَوْ قَطَعَ الْكَفَّ، وَفِيهِ الْأَصَابِعُ وَكَذَا الْقَدَمُ مَعَ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ قَطَعَ الْكَفَّ مَعَ الزَّنْدِ، وَفِيهِ الْأَصَابِعُ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْأَصَابِعِ وَيَدْخُلُ الْكَفُّ فِيهَا تَبَعًا لِأَنَّ الْكَفَّ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا إلَّا بِهَا وَإِنْ قَطَعَ الْيَدَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْأَصَابِعِ دِيَتُهَا، وَفِي السَّاعِدِ حُكُومَةٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَدْخُلُ أَرْشُ السَّاعِدِ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ وَإِنْ قَطَعَ الذِّرَاعَ مِنْ الْمَفْصِلِ خَطَأً فَفِي الْكَفِّ، وَالْأَصَابِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الذِّرَاعِ حُكُومَةٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَالذِّرَاعُ تَبَعٌ وَمَا فَوْقَ الْكَفِّ تَبَعٌ وَكَذَا لَوْ قَطَعَ الْيَدَ مَعَ الْعَضُدِ أَوْ الرِّجْلَ مَعَ الْفَخِذِ فَفِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَمَا فَوْقَ الْقَدَمِ عِنْدَهُ تَبَعٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتْبَعُ الْأَصَابِعَ غَيْرُ الْكَفِّ وَكَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلِ لَا يَتْبَعُهَا غَيْرُ الْقَدَمِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَمَا فِيهَا مَفْصِلَانِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ) لِأَنَّ مَا فِي الْأُصْبُعِ يَنْقَسِمُ عَلَى أَصْلِهَا كَمَا انْقَسَمَ مَا فِي الْيَدِ عَلَى عَدَدِ الْأَصَابِعِ، وَالْقَطْعُ، وَالشَّلَلُ سَوَاءٌ إذَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) يَعْنِي إذَا كَانَ خَطَأً أَمَّا فِي الْعَمْدِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَدِيَةُ سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ سِنِّ الرَّجُلِ وَقَوْلُهُ: خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَذَا إذَا سَقَطَتْ أَوْ اسْوَدَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ وَلَمْ تَسْقُطْ فَإِنَّ فِيهَا الْأَرْشَ تَامًّا وَلَا قِصَاصَ فِيهَا إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُضْرَبَ سِنُّهُ فَتَسْوَدَّ أَوْ تَخْضَرَّ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ وَأَمَّا إذَا اصْفَرَّتْ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ تَجِبُ حُكُومَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَحُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا احْمَرَّتْ أَوْ اصْفَرَّتْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ حُرًّا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحُكُومَةٌ وَعِنْدَهُمَا حُكُومَةٌ فِي الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ. وَعِنْدَ زُفَرَ يَجِبُ أَرْشُهَا تَامًّا. قَوْلُهُ: (وَالْأَسْنَانُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا سَوَاءٌ) لِأَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الطَّوَاحِينَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةُ الطَّحْنِ فَفِي الضَّوَاحِكِ زِينَةٌ تُسَاوِي ذَلِكَ، وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى فَمِهِ حَتَّى أَسْقَطَ أَسْنَانَهُ كُلَّهَا وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنْهَا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ كَانَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ دِيَةٍ وَهِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِهَا، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخْمَاسِ، وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ ضَرَبَ عُضْوًا فَأَذْهَبَ مَنْفَعَتَهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ كَالْيَدِ إذَا شُلَّتْ، وَالْعَيْنِ إذَا ذَهَبَ ضَوْءُهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعُضْوِ الْمَنْفَعَةُ فَذَهَابُ مَنْفَعَتِهِ كَذَهَابِ عَيْنِهِ وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ رَجُلٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ يَجِبُ الدِّيَةُ وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ

وَهُوَ اسْتِوَاءُ الْقَامَةِ فَإِنْ زَالَتْ الْحُدُوبَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَالشِّجَاجُ عَشَرَةٌ) يَعْنِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْوَجْهِ، وَالرَّأْسِ لِأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ فِي الْبَدَنِ لَا يُقَالُ لَهُ شَجَّةٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ جِرَاحَةٌ. قَوْلُهُ: (الْحَارِصَةُ، وَالدَّامِعَةُ، وَالدَّامِيَةُ، وَالْبَاضِعَةُ، وَالْمُتَلَاحِمَةُ) فَالْحَارِصَةُ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ، وَالدَّامِعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ، وَقِيلَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسِيلُهُ وَالدَّامِيَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ وَيَسِيلُ، وَالْبَاضِعَةُ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ أَيْ تَقْطَعُهُ، وَالْمُتَلَاحِمَةُ هِيَ الَّتِي تَذْهَبُ فِي اللَّحْمِ أَكْثَرَ مِنْ الْبَاضِعَةِ. قَوْلُهُ: (وَالسِّمْحَاقُ، وَالْمُوضِحَةُ، وَالْهَاشِمَةُ، وَالْمُنَقِّلَةُ، وَالْآمَّةُ) فَالسِّمْحَاقُ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ تُسَمَّى تِلْكَ الْجِلْدَةُ السِّمْحَاقَ لِخِفَّتِهَا وَرِقَّتِهَا وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغَيْمِ الرَّقِيقِ سَمَاحِيقُ، وَالْمُوضِحَةُ هِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ، وَالْهَاشِمَةُ هِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ، وَالْمُنَقِّلَةُ هِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ، وَالْآمَّةُ هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ جِلْدَةٌ تَحْتَ الْعَظْمِ فَوْقَ الدِّمَاغِ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الرَّأْسِ وَهِيَ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغُ وَبَعْدَهَا الدَّامِغَةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعِيشُ مَعَهَا فِي الْغَالِبِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهَا. قَوْلُهُ: (فَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَتْ عَمْدًا) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهَا مُمْكِنَةٌ بِأَنْ تَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَسَاوَيَانِ وَلَا تَكُونُ الْمُوضِحَةُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُوضِحَةَ لِأَنَّ مَا فَوْقَهَا مِنْ الشِّجَاجِ لَا قِصَاصَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالْآمَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا لِأَنَّ الْهَاشِمَةَ تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ وَكَذَا الْمُنَقِّلَةُ، وَالْآمَّةُ يَتَعَذَّرُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ وَأَمَّا مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ تَنْتَهِي السِّكِّينُ إلَيْهِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ إلَّا فِي السِّمْحَاقِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا إجْمَاعًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا إذْ لَيْسَ فِيهَا كَسْرُ عَظْمٍ وَلَا خَوْفُ هَلَاكٍ غَالِبًا فَيُسْبَرُ غَوْرُ الْجِرَاحَةِ بِمِسْمَارٍ ثُمَّ تُعْمَلُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَيَنْفُذُهَا فِي اللَّحْمِ إلَى آخِرِهَا فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، وَأَمَّا السِّمْحَاقُ فَلَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشُقَّ جِلْدَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ السِّكِّينُ إلَى جَلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَرَجَعَ إلَى الْأَرْشِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ فِي بَقِيَّةِ الشِّجَاجِ) هَذَا بِعُمُومِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ) تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يُقَوَّمَ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَلَيْسَ بِهِ هَذِهِ الشَّجَّةُ وَيُقَوَّمُ وَهِيَ بِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَإِنْ كَانَ نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرٍ فَرُبْعُ عُشْرٍ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يُنْكِرُ هَذَا وَيَقُولُ اعْتِبَارُهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْمُوضِحَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ الشَّجَّةِ الَّتِي هِيَ السِّمْحَاقُ فِي الْعَبْدِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِهِ فَإِذَا أَوْجَبْنَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ أَوْجَبْنَا فِي السِّمْحَاقِ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: تَفْسِيرُ حُكُومَةِ الْعَدْلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَدْنَى شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ وَهِيَ الْمُوضِحَةُ فَإِنْ كَانَ هَذَا نِصْفَ ذَلِكَ وَجَبَ نِصْفُ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى غَيْرِهِمَا كَانَتْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ أُجْرَةِ

الطَّبِيبِ، وَالْأَدْوِيَةِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعًا مِنْ الْإِبِلِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى وَجْهِ الْحُكُومَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَدَّرُوا فِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا قِيمَةُ أَرْبَعٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُتَلَاحِمَةِ ثَلَاثِينَ مِثْقَالًا قِيمَةُ ثَلَاثٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْبَاضِعَةِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا قِيمَةُ بَعِيرَيْنِ، وَفِي الدَّامِيَةِ الْكُبْرَى الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ اثْنَيْ عَشَرَ مِثْقَالًا وَنِصْفًا قِيمَةُ بَعِيرٍ وَرُبْعٍ، وَفِي الدَّامِيَةِ الصُّغْرَى وَهِيَ الَّتِي يَلْتَحِمُ فِيهَا الدَّمُ وَلَا يَسِيلُ سِتَّةُ مَثَاقِيلَ، وَفِي الْحَارِصَةِ خَمْسَةُ مَثَاقِيلَ، وَفِيمَا دُونَهَا أَرْبَعَةُ مَثَاقِيلَ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُوضِحَةِ إذَا كَانَتْ خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي الرَّجُلِ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فِي الْمَرْأَةِ وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ أَدَّى مِنْ الْإِبِلِ أَدَّى فِي مُوضِحَةِ الرَّجُلِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمَرْأَةِ نِصْفَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُ الدِّيَةِ) وَهُوَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِنْ الْإِبِلِ عَشْرٌ، وَفِي الْمَرْأَةِ نِصْفُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ) وَهُوَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَمِنْ الْإِبِلِ خَمْسَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) ، وَفِي ثَلَاثِ آمَّاتٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي أَرْبَعٍ دِيَةٌ وَثُلُثٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) وَهِيَ مِنْ الْجِرَاحَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ الشِّجَاجِ، وَالْجَائِفَةُ مَا تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ الصَّدْرِ أَوْ مَا يَتَوَصَّلُ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي إذَا وَصَلَ إلَيْهِ الشَّرَابُ كَانَ مُفْطِرًا فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ بَيْنَ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالذَّكَرِ حَتَّى تَصِلَ إلَى الْجَوْفِ فَهِيَ جَائِفَةٌ ثُمَّ مَا كَانَ أَرْشُهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَهَا فِي الْخَطَأِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إجْمَاعًا وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَفِي مَالُ الْجَانِي وَهَذَا فِي الرَّجُلِ أَمَّا فِي الْمَرْأَةِ فَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَصَاعِدًا لِأَنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَفَذَتْ فَهُمَا جَائِفَتَانِ فَفِيهِمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ) قَضَى بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَوْلُهُ: (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فَكَانَ فِي الْخَمْسِ نِصْفُ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ فَفِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لَهَا إذْ الْبَطْشُ إنَّمَا هُوَ بِهَا، وَلَوْ قُطِعَتْ الْيَدُ، وَفِيهَا أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْأُصْبُعِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْكَفِّ شَيْءٌ وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهَا أُصْبُعَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَفِيهِ دِيَةُ الْأَصَابِعِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ قَطَعَ كَفًّا لَا أَصَابِعَ فِيهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ حُكُومَةٌ لَا يَبْلُغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ يَتْبَعُهَا الْكَفُّ، وَالتَّبَعُ لَا يُسَاوِي الْمَتْبُوعَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ فَفِي الْأَصَابِعِ، وَالْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي السَّاعِدِ حُكُومَةٌ) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَفِّ، وَالْقَدَمِ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْعَضُدِ أَوْ الرِّجْلَ مِنْ الْفَخِذِ فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الدِّيَةُ وَمَا فَوْقَ الْكَفِّ، وَالْقَدَمِ فِيهِ حُكُومَةٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَا فَوْقَ الْكَفِّ، وَالْقَدَمِ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَكَذَا إذَا قَطَعَ الْيَدَ مِنْ الْمَنْكِبِ فَهُوَ عَلَى هَذَا. قَوْلُهُ: (وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) تَشْرِيفًا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ يَدِهِ لَكِنْ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَلَا زِينَةَ وَكَذَا السِّنُّ الزَّائِدَةُ عَلَى هَذَا. قَوْلُهُ: (وَفِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَلِسَانِهِ وَذَكَرِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ صِحَّةَ ذَلِكَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَمَعْرِفَةُ الصِّحَّةِ فِي اللِّسَانِ بِالْكَلَامِ، وَفِي الذَّكَرِ بِالْحَرَكَةِ، وَفِي الْعَيْنِ بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى النَّظَرِ وَقِيلَ فِي مَعْرِفَةِ عَيْنِ الصَّبِيِّ إذَا قُوبِلَ بِهَا الشَّمْسُ مَفْتُوحَةً إنْ دَمَعَتْ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ صَوْتٍ، وَفِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ، وَالْخَصِيِّ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَفِي سِنِّ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَثْغَرْ إذَا نَبَتَ لَا شَيْءَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا حُكُومَةٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَفِيهَا دِيَةُ السِّنِّ كَامِلَةً، وَفِي أُذُنِ الصَّغِيرِ وَأَنْفِهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَفِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ حُكُومَةٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَمْشِ وَلَمْ يَقْعُدْ وَلَمْ يُحَرِّكْهُمَا أَمَّا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَفِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ ذَلِكَ، وَفِي حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ حُكُومَةٌ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الذَّاهِبِ نُورُهَا، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ الْقَائِمَةِ، وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ، وَالذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ، وَالْأَنْفِ الْمَقْطُوعِ الْأَرْنَبَةِ حُكُومَةٌ وَكَذَا ثَدْيُ الْمَرْأَةِ

الْمَقْطُوعِ الْحَلَمَةِ، وَالْكَفِّ الْمَقْطُوعِ الْأَصَابِعِ، وَالْجَفْنِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا فِي مَكَانِهَا وَنَبَتَ اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ الْأَرْشُ كَامِلًا لِأَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا قَطَعَ أُذُنَهُ وَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ، وَفِي الظُّفْرِ إذَا نَبَتَ كَمَا كَانَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ) فَلَمْ يَنْبُتْ (دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ) وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ إلَّا فِي الشَّعْرِ خَاصَّةً، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَدْخُلُ أَرْشُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ يَعْنِي جَمِيعَهُ أَمَّا إذَا تَنَاثَرَ بَعْضُهُ أَوْ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَدَخَلَ فِيهِ الشَّعْرُ وَذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَإِلَى الْحُكُومَةِ فِي الشَّعْرِ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً يَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُ رَأْسِهِ أَمَّا إذَا نَبَتَ وَرَجَعَ كَمَا كَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ الدِّيَةِ) هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَعَ الْجِنَايَةِ مَوْتٌ أَمَّا إذَا حَصَلَ سَقَطَ الْأَرْشُ وَيَكُونُ عَلَى الْجَانِي الدِّيَةُ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَفِي مَالِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ سَوَاءٌ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ أُخْرَى إلَى جَانِبِهَا فَفِيهِمَا الْأَرْشُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْأُولَى، وَالْأَرْشُ فِي الْأُخْرَى) وَعَلَى هَذَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا فَذَهَبَ مِنْهَا عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا وَعَلَيْهِ دِيَةُ الْعَقْلِ، وَالشَّعْرِ إذَا لَمْ يَمُتْ وَيَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِيهَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ دَخَلَ أَرْشُ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ وَمَتَى وَقَعَتْ فِي عُضْوَيْنِ وَكَانَتْ خَطَأً لَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْجَمِيعِ وَلَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَوَّلِ، وَالْأَرْشُ فِي الثَّانِي كَمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَلَعَ سِنَّ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ فِي مَوْضِعِهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ، وَالْحَادِثُ نِعْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجِنَايَةَ انْعَدَمَتْ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا إذَا قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ فَنَبَتَتْ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ شَجَّ رَجُلًا شَجَّهُ فَالْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَيَنْبُتُ الشَّعْرُ سَقَطَ الْأَرْشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِزَوَالِ الشَّيْنِ، وَالْأَرْشِ إنَّمَا يَجِبُ بِالشِّينِ فَإِذَا زَالَ لَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ وَمُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يَجِبُ بِهِ الْأَرْشُ كَمَا لَوْ لَطَمَهُ فَآلَمَهُ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ) وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ) لِأَنَّ الْجُرْحَ مُعْتَبَرٌ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ فَرُبَّمَا يَسْرِي إلَى النَّفْسِ فَيُوجِبُ حُكْمَهَا فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَظِرَ بِهِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْيَدِ) مَعْنَاهُ قَتَلَهُ خَطَأً لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي النَّفْسِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْطَعَ

يَدَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَسَقَطَ حُكْمُ الْيَدِ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فَاقْتَصَّ لَهُ بِهَا ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلَ عَمْدٍ وَحَقُّ الْمُقْتَصِّ الْقَوَدُ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَمَّا وَرَاءَهُ قُلْنَا: إنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْقَطْعِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ حَقَّهُ فِيهِ وَبَعْدَ السِّرَايَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْقَوَدِ فَلَمْ يَكُنْ مُبَرِّئًا عَنْهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ وَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ، وَمَاتَ ضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقَطْعِ وَهَذَا وَقَعَ قَتْلًا إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ فَوَجَبَ الْمَالُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ وَلَا يُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الْقِصَاصِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقْطَعُ يَدُهُ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قَتَلَهُ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ الْقِصَاصُ بِشُبْهَةٍ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) يَعْنِي فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ أَوْ عَشَرَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا وَأَحَدُهُمْ أَبُوهُ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ جَمِيعًا عِنْدَنَا وَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُهَا وَذَلِكَ الْعُشْرُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَجِبُ فِي مَالِهِمْ إذَا كَانَ عَمْدًا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ إنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ أَرْشٍ وَجَبَ بِالصُّلْحِ فَهُوَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) وَيَجِبُ حَالًّا لِأَنَّهُ مَالٌ اُسْتُحِقَّ بِالْعَقْدِ وَكُلُّ مَالٍ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَهُوَ حَالٌّ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ الْأَجَلُ كَأَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ وَأَصْلُهُ. قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» . قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدًا أَيْ إذَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ فِيهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا جَنَى يَجِبُ عَلَى مَوْلَاهُ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَ الرَّجُلُ عَبْدًا خَطَأً يَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْخَبَرِ. قَوْلُهُ: وَلَا صُلْحًا أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ قِصَاصًا فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا أَوْ خَطَأً فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ فَإِنْ صَالَحَهُ جَازَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِرَافًا أَيْ وَلَا إقْرَارًا إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ عَمْدًا فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) ، وَلَوْ اشْتَرَكَ الْأَبُ، وَالْأَجْنَبِيُّ فِي قَتْلِ الِابْنِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِذَا اشْتَرَكَ عَامِدَانِ فِي قَتْلِ رَجُلٍ فَعَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْآخَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْقَطَ عَنْ أَحَدِهِمَا صَارَ كَأَنَّ جَمِيعَ النَّفْسِ مُسْتَوْفَاةٌ بِفِعْلِهِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ جِنَايَةٍ اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي فَهِيَ فِي مَالِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَتَكُونُ فِي مَالِهِ حَالًّا لِأَنَّهُ مَالٌ الْتَزَمَهُ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَثْبُتُ التَّأْجِيلُ فِيهِ إلَّا بِالشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ، وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَلَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِذَلِكَ إنْسَانٌ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ تَلِفَ

فِيهَا بَهِيمَةٌ فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ ضَمَانُ مَالٍ وَضَمَانُ الْمَالِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ وَحَافِرُ الْبِئْرِ لَيْسَ بِقَاتِلٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ بَعْدَ مَوْتِ الْحَافِرِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ، وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ فِيهَا إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَعَمَّقَهَا رَجُلٌ آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَمْ يُعَمِّقْهَا وَلَكِنْ وَسَّعَ رَأْسَهَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَلَوْ وَضَعَ رَجُلٌ حَجَرًا فِي قَعْرِ الْبِئْرِ فَسَقَطَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ. وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ سَدَّ رَأْسَهَا أَوْ كَبَسَهَا فَجَاءَ رَجُلٌ وَفَتَحَ رَأْسَهَا إنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَبَسَهَا بِالتُّرَابِ أَوْ الْحِجَارَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي وَإِنْ كَبَسَهَا بِالْحِنْطَةِ، وَالدَّقِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ غَمًّا أَوْ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ مَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ غَمًّا يَضْمَنُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا حَدَثَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَنَحَّاهُ آخَرُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ التَّعَدِّيَ الْأَوَّلَ قَدْ زَالَ بِفِعْلِ الثَّانِي وَأَلْقَاءُ الْخَشَبَةِ، وَالتُّرَابِ، وَالطِّينِ فِي الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْفِرُ لَهُ بِئْرًا فَحَفَرُوهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْحَافِرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْحَافِرُ أَنَّهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ عَلِمَ ضَمِنَ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَا غُرُورَ فِيهِ فَبَقِيَ الْفِعْلُ مُضَافًا إلَى الْحَافِرِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْبَعَةً يَحْفِرُونَ بِئْرًا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ حَفْرِهِمْ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَيَسْقُطُ الرُّبْعُ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةِ أَصْحَابِهِ فَيَسْقُطُ مَا أَصَابَهُ بِفِعْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ فِي الطَّرِيقِ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُبَاحٌ فَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَشْرَعَ فِي الطَّرِيقِ رَوْشَنًا أَوْ مِيزَابًا فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الدَّاخِلُ الَّذِي هُوَ فِي الْحَائِطِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ ضَمِنَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا ضَمِنَ النِّصْفَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّ الطَّرَفَيْنِ أَصَابَهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِلشَّكِّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ وَإِنْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا ضَمِنَهُ فَإِذَا حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَحْرَقَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ وَقِيلَ إذَا كَانَ يَوْمَ الرِّيحِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِعَاقِبَتِهِ فَجُعِلَ كَمُبَاشَرَتِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ صَاحِبُ الدَّارِ الْأُجَرَاءَ لِإِخْرَاجِ الْجُنَاحِ وَوَقَعَ فَقَتَلَ إنْسَانًا قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَعَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ سَقَطَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ سَقَطَ مِنْ أَيْدِيهِمْ آجُرٌّ أَوْ حِجَارَةٌ أَوْ خَشَبٌ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ وَجَبَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ سَقَطَ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ وَهَذَا لَيْسَ بِقَاتِلٍ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَيَتَعَثَّرُ بِالْحَجَرِ بَعْدَ مَوْتِ الْفَاعِلِ بِذَلِكَ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفِعْلُ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّهُ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَعَطِبَ فِيهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (وَالرَّاكِبُ ضَامِنٌ لِمَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ) وَمَا أَصَابَتْ (بِيَدِهَا أَوْ كَدَمَتْ) بِفَمِهَا وَكَذَا مَا صَدَمَتْهُ بِرَأْسِهَا أَوْ صَدْرِهَا دُونَ ذَنَبِهَا فَيَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ، وَالْوَصِيَّةَ وَهُوَ قَاتِلٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ صَارَتْ لَهُ كَالْآلَةِ فَإِنْ كَانَ الْعَاطِبُ بِذَلِكَ عَبْدًا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا لِأَنَّ دِيَتَهُ قِيمَتُهُ وَإِنْ أَصَابَتْ مَالًا فَأَتْلَفَتْهُ وَجَبَ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ وَإِذَا أَصَابَتْ مَا دُونَ النَّفْسِ إنْ كَانَ أَرْشُهُ

أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَفِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِذَنَبِهَا) هَذَا إذَا كَانَتْ تَسِيرُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مَعَ السَّيْرِ أَمَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي النَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ، وَالذَّنَبِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ وَإِنْ أَثَارَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ غُبَارًا فَفَقَأَتْ عَيْنَ إنْسَانٍ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ كَبِيرًا ضَمِنَ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَعْرَى عَنْهُ، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا هُوَ بِتَعَسُّفِ الرَّاكِبِ وَشِدَّةِ ضَرْبِهِ لَهَا، وَالْمُرْتَدِفُ فِيمَا ذَكَرْنَا كَالرَّاكِبِ وَكُلُّ شَيْءٍ ضَمِنَهُ الرَّاكِبُ ضَمِنَهُ السَّائِقُ، وَالْقَائِدُ إلَّا أَنَّ عَلَى الرَّاكِبِ الْكَفَّارَةُ فِيمَا أَوْطَأَتْهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى السَّائِقِ، وَالْقَائِدِ لِأَنَّهُمَا مُسَبِّبَانِ وَلَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ، وَالْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُبَاشِرَيْنِ لِلْقَتْلِ وَلَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا إلَى الْمَحِلِّ شَيْءٌ وَكَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَى الرَّاكِبِ فِيمَا وَرَاءَ الْإِيطَاءِ وَأَمَّا فِي الْإِيطَاءِ فَالرَّاكِبُ مُبَاشِرٌ فِيهِ لِأَنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَيُحْرَمُ الرَّاكِبُ الْمِيرَاثَ، وَالْوَصِيَّةَ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ بِخِلَافِ السَّائِقِ، وَالْقَائِدِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ تَسِيرُ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَنْ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِيقَافِ فَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَعَطِبَ إنْسَانٌ بِرَوْثِهَا أَوْ بِبَوْلِهَا ضَمِنَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْإِيقَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَخَسَ دَابَّةً وَعَلَيْهَا رَاكِبٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَوَثَبَتْ فَأَلْقَتْ الرَّاكِبَ فَالنَّاخِسُ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ تُلْقِهِ وَلَكِنْ جَمَحَتْ بِهِ فَمَا أَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا ضَمِنَهُ النَّاخِسُ فَإِنْ نَفَحَتْ النَّاخِسَ فَقَتَلَتْهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ، وَالنَّاخِسُ إذَا كَانَ عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا فَفِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَالسَّائِقُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا، وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا دُونَ رِجْلِهَا) ، وَالْمُرَادُ النَّفْحَةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّفْحَةَ بِمَرْأًى مِنْ عَيْنِ السَّائِقِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَغَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِ الْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ إنَّ السَّائِقَ لَا يَضْمَنُ بِالنَّفْحَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرَاهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَوْطَأَ) لِأَنَّهُ مُقَرِّبٌ لَهُ إلَى الْجِنَايَةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَوَّلُ الْقِطَارِ وَآخِرُهُ فَإِنْ وَطِئَ بَعِيرُ إنْسَانٍ ضَمِنَ دِيَتَهُ وَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ رَبَطَ رَجُلٌ بَعِيرًا إلَى الْقِطَارِ، وَالْقَائِدٌ لَا يَعْلَمُ فَوَطِئَ الْمَرْبُوطُ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صِيَانَةُ الْقِطَارِ مِنْ رَبْطِ غَيْرِهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ وَهَذَا إذَا رَبَطَ، وَالْقِطَارُ يَسِيرُ أَمَّا إذَا رَبَطَ، وَالْإِبِلُ قِيَامٌ ثُمَّ قَادَهَا ضَمِنَ الْقَائِدُ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ السَّرْجُ أَوْ اللِّجَامُ أَوْ سَائِرُ الْأَدَوَاتِ أَوْ الْحِمْلُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الرَّبْطِ، وَالْأَحْكَامُ فِيهِ وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً وَكَانَ لَهَا سَائِقًا فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا إنْسَانًا أَوْ شَيْئًا ضَمِنَهُ وَإِنْ أَرْسَلَ طَائِرًا وَأَصَابَ شَيْئًا فِي فَوْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَنَ الْبَهِيمَةِ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ، وَالطَّيْرُ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمُوتُ

مسائل قال لرجل اقتلني فقتله عمدا

مِنْ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَمُوتُ مِنْ عَشْرِ جِرَاحَاتٍ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْوَاحِدَةِ وَاحْتَمَلَ يَكُونُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ جَرَحَهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ سَبُعٌ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ وَأَصَابَهُ حَجَرٌ رَمَتْ بِهِ الرِّيحُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُجْعَلُ الْبَاقِي كُلُّهُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا هَدَرٌ، وَالْأُخْرَى مَضْمُونَةٌ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ ثُمَّ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَيُهْدَرُ الثُّلُثُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: شَاةٌ لِقَصَّابٍ فُقِئَتْ عَيْنُهَا فَفِيهَا مَا نَقَصَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا النُّقْصَانُ، وَفِي عَيْنِ غَيْرِ بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَكَذَا فِي عَيْنِ الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَالْفَرَسِ لِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالْحَمْلِ، وَالرُّكُوبِ، وَالْحِرَاثَةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ فَكَأَنَّهَا ذَاتَ أَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهَا. [مَسَائِلُ قَالَ لِرَجُلٍ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا] (مَسَائِلُ) إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ، وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَأَمَّا الدِّيَةُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ قَالَ اقْطَعْ يَدٍ أَوْ افْقَأْ عَيْنِي فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ قَالَ اُقْتُلْ أَخِي وَهُوَ وَارِثُهُ فَقَتَلَهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةَ خَطَأٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِهَا أَوْ تَفْدِيَهُ) قَيَّدَ بِالْخَطَأِ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ ثُمَّ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ هُوَ الدَّفْعُ دُونَ الْفِدَاءِ؛ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجَبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ لَمْ يَسْقُطْ الْفِدَاءُ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ نَقَلَ الْحَقَّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّتِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنْ الْمَوْلَى قَتَلَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ إنْ كَانَ عَمْدًا بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَخَذَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ وَدَفَعَهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَلَا يُخَيَّرُ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ ثُمَّ إذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ وَأَعْشَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ وَيَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى إلَى أَنْ يَجِدَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمَوْلَى وَقْتَ الِاخْتِيَارِ مِقْدَارُ الْأَرْشِ كَانَ اخْتِيَارُهُ بَاطِلًا وَكَانَ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) وَكُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ حَالًّا فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمَوْلَى شَيْئًا مِنْ الدَّفْعِ، وَالْفِدَاءِ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ حُكْمَ الْأُولَى) مَعْنَاهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا فَدَاهُ فَقَدْ أَسْقَطَ الْجِنَايَةَ عَنْ رَقَبَتِهِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ قِيلَ لِلْمَوْلَى: إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَفْدِيَهُ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ تَعَلُّقُ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ الثَّانِيَةَ بِرَقَبَتِهِ فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدًا وَفَقَأَ عَيْنَ الْآخَرِ اقْتَسَمَاهُ أَثْلَاثًا لِأَنَّ أَرْشَ الْعَيْنِ نِصْفُ أَرْشِ النَّفْسِ وَكَذَا إذَا كَانُوا جَمَاعَةً اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ أُرُوشِهِمْ فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ رَقَبَةً تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ فَلَمْ يَتْلَفْ

بِالْعِتْقِ سِوَاهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا أَوْ دَبَّرَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ) وَكَذَا إذَا وَهَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ قَامَ مَقَامَهُ فِي الْعِتْقِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَعَطِبَ بِالْخِدْمَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا اخْتِيَارًا فَإِنْ أَجَّرَهُ نَقَضَ الْحَاكِمُ الْإِجَارَةَ، وَقَالَ لِلْمَوْلَى: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، وَالْإِجَارَةُ، وَالرَّهْنُ لَيْسَتْ بِاخْتِيَارٍ، وَلَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ ثُمَّ عَجَزَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا قِيلَ لَهُ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ، وَالتَّزْوِيجُ لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ جِنَايَةً ضَمِنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا) اعْلَمْ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ تَكُونُ عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ حَالَّةً وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ قَتِيلًا خَطَأً أَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْمَوْلَى وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرِ مِنْ الْقِيمَةِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ جَنَى لَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ وَقَوْلُهُ: ضَمِنَ الْمَوْلَى الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا، وَفِي الْمُدَبَّرِ الثُّلُثَانِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى وَقَدْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الدَّفْعِ. قَوْلُهُ: (يَتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) فَيُشَارِكُهُ فِيمَا أَخَذَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى دَفَعَ الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ وَاحِدٌ وَيَتْبَعُ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِالدَّفْعِ فَلَا يَضْمَنُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ يَسْتَنِدُ ضَمَانُهَا إلَى التَّدْبِيرِ السَّابِقِ الَّذِي صَارَ الْمَوْلَى بِهِ مَانِعًا فَإِنْ دَفَعَهَا بِقَضَاءٍ فَقَدْ زَالَتْ يَدُهُ عَنْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ سَلَّمَ لِلْأَوَّلِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الثَّانِي وَكَانَ الثَّانِي بِالْخِيَارِ فِي تَضْمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ يَوْمَ جَنَى لَا يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ وَلَا يَوْمَ التَّدْبِيرِ وَأَمَّا جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ فَهِيَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ سَيِّدِهِ وَدُونَ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ أَكْسَابَهُ لِنَفْسِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَطُولِبَ صَاحِبُهُ بِنَقْضِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ فِيهَا حَتَّى سَقَطَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ فِيهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِنَقْضِهِ حَتَّى تَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ مَالٌ لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا إذَا كَانَ بِنَاؤُهُ مِنْ أَوَّلِهِ مُسْتَوِيًا لِأَنَّ أَصْلَ الْبِنَاءِ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا، وَالْمَيْلُ حَصَلَ لِغَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا إذَا بَنَاهُ فِي ابْتِدَائِهِ مَائِلًا ضَمِنَ مَا تَلِفَ

بِسُقُوطِهِ سَوَاءٌ طُولِبَ بِهَدْمِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاءِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَا تَلِفَ مِنْ نَفْسٍ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا تَلِفَ مِنْ مَالٍ فَهُوَ فِي مَالِهِ. قَوْلُهُ: (وَطُولِبَ صَاحِبُهُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّقْدِيمَ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالسَّاكِنِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ فَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَقْضَ الْحَائِضِ وَيَصِحُّ التَّقْدِيمُ إلَى الرَّاهِنِ، وَالْمُؤَجِّرِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَيَهْدِمَهُ وَكَذَا الْمُؤَجِّرُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ لِلْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ، وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ وَأُمِّ الْيَتِيمِ فِي هَدْمِ حَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى انْهَدَمَ وَحَصَلَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلصَّغِيرِ فَمَا كَانَ مِنْهَا يَلْزَمُ فِي مَالِ الْبَالِغِ فَهُوَ لَازِمٌ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَالِغِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ وَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ وَإِلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ سَوَاءٌ كَانَ مَدْيُونًا أَوْ لَا لِأَنَّ النَّقْضَ إلَيْهِ ثُمَّ التَّالِفُ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَصُورَةُ الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَائِلٌ أَوْ مَخُوفٌ أَوْ مُتَصَدِّعٌ فَانْقُضْهُ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ وَيُتْلِفَ شَيْئًا وَصُورَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ الْمُتَقَدِّمُ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَى هَذَا فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ إذَا كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا أَوْ وَاهِيًا أَوْ مَخُوفًا. وَقِيلَ الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّقْضِ، وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْهَدَمَ لَزِمَهُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِشْهَادَ تَحَرُّزًا عَنْ الْجُحُودِ كَمَا فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى التَّقَدُّمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْقَتْلِ، وَلَوْ بَاعَ الدَّارَ بَعْدَ مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ فَلَا يَبْرَأُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ ضَامِنٌ. وَقَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا تَلِفَ أَيْ مَا تَلِفَ مِنْ النُّفُوسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ كَانَ مَا دُونَ النَّفْسِ إنْ بَلَغَ أَرْشُهُ مِنْ الرَّجُلِ نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ عُشْرَ دِيَتِهَا فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَفِي مَالِهِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ الْعُرُوضِ فَفِي مَالِهِ خَاصَّةً لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْأَمْوَالَ وَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَا عَقْلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَيْهِ وَعَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ سُقُوطِهِ وَعَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّارِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى نَقْضِهِ ضَمِنَ لِأَنَّهُ فَرَّطَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ وَلَكِنْ ذَهَبَ يَطْلُبُ مَنْ يَهْدِمُهُ فَكَانَ فِي طَلَبِ ذَلِكَ فَسَقَطَ وَأَتْلَفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَأَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ فَتَعَقَّلَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَسَقَطَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَتَعَقَّلَ بِنَقْضِهِ أَوْ بِتُرَابِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ، وَلَوْ سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ عَلَى إنْسَانٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَتَعَثَّرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَعَطِبَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَيِّتِ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَإِنَّمَا هُوَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَطِبَ بِجَرَّةٍ أَوْ خَشَبَةٍ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ ضَمِنَهُ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ خَمْسَةٍ أَشْهَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَ إنْسَانًا ضَمِنَ خُمُسَ الدِّيَةِ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ بَعْضُهَا مُعْتَبَرٌ وَهُوَ نَصِيبُ مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا هَدَرٌ وَهُوَ نَصِيبُ مَنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَيَضْمَنُ النِّصْفَ كَمَا إذَا جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَلَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ وَلَسَعَتْهُ حَيَّةٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ فَمَاتَ مِنْ الْكُلِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ كَذَلِكَ هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْحَائِطِ فَيَجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَوِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُكَاتَبًا كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَالَ

إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالْمُطَالَبَةُ إلَى مَالِكِ الدَّارِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ فَلَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ سَوَاءٌ سَكَنُوهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اصْطَدَمَ فَارِسَانِ فَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دِيَةُ الْآخَرِ) هَذَا إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ خَطَأً أَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْخَطَأِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ صَدْمَةِ صَاحِبِهِ فَالْمَوْتُ مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ سَبَبًا لِلضَّمَانِ وَيَكُونُ مُلْزَمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَمَّا إذَا اصْطَدَمَا عَمْدًا فَمَاتَا فَإِنَّهُمَا مَاتَا بِفِعْلَيْنِ مَحْظُورَيْنِ وَقَدْ مَاتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ مَدَّا حَبْلًا وَجَذَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نَفْسِهِ فَانْقَطَعَ بَيْنَهُمَا فَسَقَطَا فَمَاتَا فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ سَقَطَا جَمِيعًا عَلَى ظُهُورِهِمَا فَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا وَيَكُونَانِ هَدَرًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ إذْ لَوْ أَثَّرَ فِعْلُ صَاحِبِهِ فِيهِ لَجَذَبَهُ إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ وَإِنْ سَقَطَا جَمِيعًا عَلَى وُجُوهِهِمَا فَدِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِجَذْبِ الْآخَرِ وَقُوَّتِهِ وَإِنْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى قَفَاهُ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ فَدِيَةُ السَّاقِطِ عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ. وَأَمَّا الَّذِي سَقَطَ عَلَى قَفَاهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَإِنْ قَطَعَ الْحَبْلَ بَيْنَهُمَا قَاطِعٌ غَيْرُهُمَا فَسَقَطَا فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَاطِعِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مِنْهُ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَوْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ أَبِيهِ جَذَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَدِهِ، وَالْأَبُ يُمْسِكُهُ حَتَّى مَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى الْجَاذِبِ وَيَرِثُهُ أَبُوهُ لِأَنَّ الْأَبَ مُمْسِكٌ لَهُ بِحَقٍّ وَالْجَاذِبُ مُتَعَدٍّ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَجَاذَبَ رَجُلَانِ صَبِيًّا وَأَحَدُهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ، وَالْآخَرُ يَدَّعِي عَبْدَهُ فَمَاتَ مِنْ جَذْبِهِمَا فَعَلَى الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدَهُ دِيَتُهُ لِأَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْوَلَدِ إذَا زَعَمَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَبُوهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ عَبْدَهُ فَصَارَ إمْسَاكُهُ بِحَقٍّ وَجَذْبُ الثَّانِي بِغَيْرِ حَقٍّ فَضَمِنَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ ثَوْبٌ وَتَشَبَّثَ بِهِ آخَرُ فَجَذَبَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مِنْ يَدِهِ فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ الْمُمْسِكُ نِصْفَ الْخَرْقِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَضَّ ذِرَاعَ رَجُلٍ فَجَذَبَ ذِرَاعَهُ مِنْ فَمِهِ فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهُ وَذَهَبَ لَحْمُ ذِرَاعِ الْآخَرِ فَالْأَسْنَانُ هَدَرٌ وَيَضْمَنُ الْعَاضُّ أَرْشَ الذِّرَاعِ لِأَنَّ الْعَضَّ ضَرَرٌ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْجَذْبِ فَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ مِنْ سُقُوطِ الْأَسْنَانِ لَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ جَلَسَ رَجُلٌ بِجَنْبِ رَجُلٍ فَجَلَسَ عَلَى ثَوْبِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَامَ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَانْشَقَّ ثَوْبُهُ مِنْ جُلُوسِ هَذَا ضَمِنَ نِصْفَ الشَّقِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِكَ تَعَدِّيًا وَقَدْ حَصَلَ التَّلَفُ مِنْ الْجُلُوسِ، وَالْجَذْبِ فَانْقَسَمَ الضَّمَانُ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَجَذَبَ الْآخَرُ يَدَهُ فَسَقَطَ الْجَاذِبُ فَمَاتَ إنْ كَانَ أَخَذَهَا لِيُصَافِحَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَهَا لِيَعْصِرَهَا فَأَذَاهُ فَجَذَبَهَا ضَمِنَ الْمُمْسِكُ لَهَا دِيَتَهُ لِأَنَّهُ إذَا صَافَحَهُ كَأَنْ جَذَبَ لَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَصَارَ جَانِيًا عَلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْصِرَهَا فَهُوَ دَافِعٌ لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَزِمَ الْمُمْسِكَ الضَّمَانُ وَإِنْ انْكَسَرَتْ يَدُ الْمُمْسِكِ لَمْ يَضْمَنْ الْجَاذِبُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَرْخِيِّ. (مَسْأَلَةٌ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى عَلَى الْقَارِصَةِ، وَالْوَاقِصَةِ، وَالْقَامِصَةِ بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا ذَلِكَ أَنَّ ثَلَاثَ جَوَارٍ كُنَّ يَلْعَبْنَ فَرَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ الْأُخْرَى فَجَاءَتْ الثَّالِثَةُ فَقَرَصَتْ الْمَرْكُوبَةَ فَقَمَصَتْ الْمَرْكُوبَةُ فَسَقَطَتْ الرَّاكِبَةُ فَانْدَقَّ عُنُقُهَا فَجَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْقَارِصَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَعَلَى الْقَامِصَةِ الثُّلُثَ وَأَسْقَطَ الثُّلُثَ لِأَنَّ الْوَاقِصَةَ أَعَانَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَرُوِيَ أَنَّ عَشَرَةً مَدُّوا نَخْلَةً فَسَقَطَتْ عَلَى أَحَدِهِمْ فَمَاتَ فَقَضَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعُشْرِ الدِّيَةِ وَأَسْقَطَ الْعُشْرَ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ عَبْدًا خَطَأً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى مَالٍ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَهُمَا أَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى نَفْسِ آدَمِيٍّ فَلَا يُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الْعَبْدِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَقَوْلُهُ: إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إنَّمَا قُدِّرَ النُّقْصَانُ بِهَا لِأَنَّ لَهَا أَصْلًا

فِي الشَّرْعِ مِنْ تَقْدِيرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ، وَالْمَهْرِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْأَمَةِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) . وَفِي الْهِدَايَةِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ هَذِهِ دِيَةُ الْحُرَّةِ فَيَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ كَمَا يَنْقُصُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْقُدُورِيِّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهَا أَنَّ دِيَةَ الْحُرَّةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَاعْتُبِرَ فِي الْأَمَةِ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى دِيَةِ الْحُرَّةِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ آلَافٍ كَانَ اعْتِبَارُ النُّقْصَانِ خَمْسَةً. قَوْلُهُ: (وَفِي يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ أَمَّا إذَا كَانَتْ خَمْسَةَ آلَافٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ، وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهٌ عِشْرُونَ أَلْفًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا غَصَبَ أَمَةً قِيمَتُهَا عِشْرُونَ فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْمَالِيَّةِ لَا ضَمَانَ الْآدَمِيَّةِ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يَضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، وَالْحُرُّ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَمَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ بِحُمَّى أَوْ فَجْأَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ صَاعِقَةٍ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ قَتَلَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ أَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَإِنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَأَوْلِيَاؤُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ فَقَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ خَطَأً فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَتَّبِعُوا أَيَّهُمَا شَاءُوا بِالدِّيَةِ إمَّا الْغَاصِبَ وَإِمَّا الْقَاتِلَ فَإِنْ اتَّبَعُوا الْغَاصِبَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ وَإِنْ اتَّبَعُوا الْقَاتِلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّ حَاصِلَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا يُقَدَّرُ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ مُقَدَّرٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ) يَعْنِي أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ مِنْ الْحُرِّ الدِّيَةُ فَهُوَ مِنْ الْعَبْدِ فِيهِ الْقِيمَةُ وَمَا وَجَبَ فِي الْحُرِّ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَفِيهِ مِنْ الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ ثُمَّ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَى ضَمَانِ الْأَمْوَالِ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ خَطَأً فَقِيمَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِقَوْلِ عُمَرَ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا جَنَى الْعَبْدُ لَا مَا جُنِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَيْهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) أَيْ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بَعْدَ مَا اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْدَ خَلْقِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً ضَرَبَتْ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبَةِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ» وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُمْ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا سَوَاءٌ وَخَمْسُمِائَةٍ هُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ عَلَى عَاقِلَةِ الضَّارِبِ عِنْدَنَا فِي سَنَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي الْجَنِينِ الْحُرِّ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ مِنْ مَغْرُورٍ فَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا فَيَجِبُ مَا ذَكَرْنَا وَيَكُونُ مَوْرُوثًا عَنْهُ وَلَا يَكُونُ لِلْأُمِّ خَاصَّةً، وَعِنْدَ مَالِكٍ لِلْأُمِّ، وَلَوْ كَانَ الضَّارِبُ وَارِثًا لَا يَرِثُ هَذَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَالْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا) ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَغُرَّةٌ) الدِّيَةُ بِقَتْلِ الْأُمِّ، وَالْغُرَّةُ بِإِتْلَافِ الْجَنِينِ وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ تَجِبُ دِيَتَانِ وَتَرِثُ الْأُمُّ.

باب القسامة

مِنْ دِيَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَتْ ثُمَّ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ) وَتَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ وَجَبَ دِيَتَانِ. قَوْلُهُ: (وَمَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ مَوْرُوثٌ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ، وَالْبَدَلُ عَنْ الْمَقْتُولِ لِوَرَثَتِهِ ثُمَّ الْجَنِينُ إذَا خَرَجَ حَيًّا يَرِثُ وَيُورَثُ وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا لَا يَرِثُ وَيُورَثُ. وَفِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ أَرْبَعَةٌ لَا يَرِثُونَ وَيُورَثُونَ الْمُكَاتَبُ، وَالْمُرْتَدُّ، وَالْجَنِينُ، وَالْقَاتِلُ وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ يَجِبُ غُرَّتَانِ فَإِنْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَالْآخَرُ خَرَجَ مَيِّتًا تَجِبُ غُرَّةٌ وَدِيَةٌ وَعَلَى الضَّارِبِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ خَرَجَا مَيِّتَيْنِ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ وَحْدَهَا وَإِنْ خَرَجَا حَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَا تَجِبُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ وَسُمِّيَتْ غُرَّةً لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُقَدَّرٍ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ غُرَّتُهُ كَمَا يُقَالُ لِأَوَّلِ الشَّهْرِ غُرَّةُ الشَّهْرِ. قَوْلُهُ (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ ذَكَرًا نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى) وَصُورَتُهُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجَنِينِ الذَّكَرِ لَوْ كَانَ حَيًّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ فَيَجِبُ دِينَارٌ كَامِلٌ فَإِنْ قِيلَ فِي هَذَا تَفْضِيلُ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ فِي الْأَرْشِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قُلْنَا كَمَا لَا يَجُوزُ التَّفْضِيلُ فَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ أَيْضًا وَقَدْ جَاءَتْ التَّسْوِيَةُ هُنَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا التَّفْضِيلُ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِ قَطْعِ النَّشْوِ لَا بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ إذْ لَا مَالِكِيَّةَ فِي الْجَمِيعِ، وَالْأُنْثَى فِي مَعْنَى النَّشْوِ تُسَاوِي الذَّكَرَ وَرُبَّمَا تَكُونُ أَسْرَعَ نَشْوًا كَمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلِهَذَا جَوَّزْنَا تَفْضِيلَ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ يَعْنِي الْمَمْلُوكَةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ أَمَّا جَنِينُ أُمِّ الْوَلَدِ يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ: مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ فَضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا فَإِنَّ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا ضَرَبَ بَطْنَ الْأَمَةِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ حَيًّا وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الرِّقِّ فَلِهَذَا تَجِبُ الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَمَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ فَهُوَ فِي مَالِ الضَّارِبِ يُؤْخَذُ بِهِ حَالًّا مِنْ سَاعَتِهِ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الرَّقِيقِ ضَمَانُهُ ضَمَانُ الْأَمْوَالِ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ بِحَالٍ وَلَا كَفَّارَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْجَنِينِ) لِأَنَّهَا عُرِفَتْ فِي النُّفُوسِ الْكَامِلَةِ، وَالْجَنِينُ نَاقِصٌ بِدَلِيلِ نُقْصَانِ دِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْقَتْلِ، وَالْجَنِينُ لَا يُعْلَمُ حَيَاتُهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا جَازَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ فِي شَبَهِ الْعَمْدِ، وَالْخَطَأُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وَلَا يَجْزِيهِ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ لِأَنَّ رِقَّهُمَا نَاقِصٌ وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّى شَيْئًا لَمْ يَجْزِيه مَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّ لَا يُبْصِرُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَا يَجْزِي فِيهَا الْإِطْعَامُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعِتْقَ، وَالصَّوْمَ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْقَسَامَةِ] قَالَ (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً وَاللَّوْثُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةٌ لِلْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٍ

يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةِ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَقَوْلُهُ مَا قَتَلْنَاهُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى جُمْلَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا يَحْلِفُ مَا قَتَلْنَا لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنَّهُ قَتَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ فَيَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت قُلْنَا مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَكَانَ قَدْ قَتَلَ مَعَ غَيْرِهِ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ إذَا قَتَلُوا وَاحِدًا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَحْلِفَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي شَاهَانْ هَذَا فِي الْعَمْدِ. أَمَّا فِي الْخَطَإِ إذَا نَكَلُوا قُضِيَ عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، وَلَوْ اخْتَارَ الْوَلِيُّ عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ جَازَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا حَلَفُوا قُضِيَ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِالدِّيَةِ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ) (الدِّيَةُ مَعَ الْأَيْمَانِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ عُهِدَتْ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئَةً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمَةً وَلَنَا «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ أَخِي قُتِلَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا فَقَالَ أَلَيْسَ لِي مِنْ أَخِي غَيْرُ هَذَا قَالَ بَلَى وَلَك مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» . وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَحْلَفَ فِي الْقَسَامَةِ خَمْسِينَ رَجُلًا وَغَرَّمَهُمْ الدِّيَةَ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الْأَزْمَعِ غَرٌّ أَنَغْرَمُ أَيْمَانَنَا وَأَمْوَالَنَا قَالَ نَعَمْ فَبِمَ بَطَلَ دَمُ هَذَا فَإِنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا الدِّيَةَ حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَلِيُّ ثُمَّ يَقْضِي لَهُ بِالْجِنَايَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْ أُعْطَى النَّاسُ بِدَعَاوِيهِمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ خَمْسِينَ كُرِّرَتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا) لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا. قَوْله (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا مُكَاتَبٌ) أَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَالْيَمِينُ قَوْلٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، وَالْعَبْدُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْقَسَامَةِ الْأَعْمَى، وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُمَا يُسْتَحْلَفَانِ فِي الْحُقُوقِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ، وَالْأَثَرُ أَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ بَدَنِ الْقَتِيلِ أَوْ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فِي مَحَلَّةٍ فَعَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ وَإِنْ وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ فَمِهِ) لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ أَنْفِهِ رُعَافٌ وَمِنْ دُبُرِهِ عِلَّةٌ وَمِنْ فَمِهِ قَيْءٌ وَسَوْدَاءُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْقَتْلِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ فَهُوَ قَتِيلٌ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ عَلَى دَابَّةٍ يَسُوقُهَا رَجُلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّ

دَابَّتَهُ فِي يَدِهِ كَدَارِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ قَائِدَهَا أَوْ رَاكِبَهَا. قَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده هَذَا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا سِرًّا مُتَحَشِّمًا أَمَّا إذَا سَاقَهَا نَهَارًا جِهَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ مِنْهُمْ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ فَتُكَرَّرُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِ وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا فَلَمْ يَقْبِضْهَا فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْبَائِعِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ فِي الْقَسَامَةِ مَعَ الْمُلَّاكِ عِنْدَهُمَا) ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ دُونَ السُّكَّانِ لِأَنَّ سُكْنَى الْمُلَّاكِ أَلْزَمُ وَقَرَارُهُمْ أَدْوَمُ فَكَانَتْ وِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ فَيَتَحَقَّقُ التَّقْصِيرُ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ (وَهِيَ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ الْمُشْتَرِينَ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ) وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْكُلُّ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِتَرْكِ الْحِفْظِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ أَصِيلٌ، وَالْمُشْتَرِي دَخِيلٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَى الْأَصِيلِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) بِأَنْ بَاعُوا كُلُّهُمْ فَهِيَ عَلَى الْمُشْتَرِينَ الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ وَزَالَتْ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُمْ. قَوْلُهُ (وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي الدَّارِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ) وَقَوْمُهُ وَتَدْخُلُ الْعَاقِلَةُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ كَانُوا حُضُورًا فَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا فَعَلَى صَاحِبِ الدَّارِ تُكَرَّرُ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَسَامَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَنْ وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي سَفِينَةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ، وَالْمَلَّاحِينَ) لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَالْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِهَا) لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ بِمَسْجِدِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ وُجِدَ فِي السَّجْنِ وَلَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةُ، وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السَّجْنِ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِّيَّةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عِمَارَةٌ فَهُوَ هَدَرٌ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْبَرِّيَّةُ بِحَيْثُ لَوْ صَاحَ فِيهَا سَائِحٌ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَمَّا إذَا كَانَ يُسْمَعُ مِنْهَا الصَّوْتُ فَالْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى إلَيْهَا. قَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ كَانَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ) هَذَا إذَا كَانَ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُسْمَعُ فَهُوَ هَدَرٌ وَإِنْ كَانَا فِي الْقُرْبِ سَوَاءً فَهُوَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ هَدَرٌ) لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ فَهُوَ كَالْمَفَازَةِ الْمُنْقَطِعَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُحْتَبَسًا فِي الشَّاطِئِ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ

كتاب المعاقل

الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ) لِأَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ إلَيْهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) ، وَالْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ بِحَالِهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَسْقُطُ فَإِنَّ دَعْوَاهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إبْرَاءٌ لِلْبَاقِينَ قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ) لِأَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلَفُ قَتَلَهُ فُلَانٌ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ فُلَانٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ فَالشَّاهِدُ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا وَمَنْ شَهَرَ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي الْمِصْرِ أَوْ نَهَارًا فِي الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ، وَالْعَصَا وَإِنْ كَانَ يَلْبَثُ لَكِنْ فِي اللَّيْلِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَإِذَا قَتَلَهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْمَعَاقِلِ] هُوَ جَمْعُ مَعْقِلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ، وَالْعَاقِلَةُ هُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْقَاتِلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَالْخَطَإِ وَكُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَمَّا تَجِبُ بِالصُّلْحِ. قَوْلُهُ: (وَالْعَاقِلَةُ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ) وَهُوَ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمْ الْعَشِيرَةُ. قَوْلُهُ: (تُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) الْعَطَاءُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَيُعْتَبَرُ مُدَّةُ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ

بِالدِّيَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَتْلِ، وَالْعَطَاءُ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَالرِّزْقُ مَا يَخْرُجُ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَقِيلَ يَوْمًا بِيَوْمٍ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَاجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ كَانَ فِي سَنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ فَفِي سَنَةٍ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا كَانَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّهِ نِصْفًا ثُمَّ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّصْفِ مِثَالُهُ دِيَةُ الْيَدِ فِي سَنَتَيْنِ وَمَا يَجِبُ فِي الْأُنْمُلَةِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَطَايَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْهَا) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا بِالسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ خَرَجَ لِلْعَاقِلَةِ ثَلَاثُ عَطَايَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يُؤْخَذُ مِنْهَا كُلُّ الدِّيَةِ ثُمَّ إذَا كَانَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكُلُّ ثُلُثٍ مِنْهَا فِي سَنَةٍ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَقَلَّ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَتَلَ عَشَرَةٌ رَجُلًا خَطَأً فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ. قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ وَتُقَسَّطُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ وَدَانِقَانِ وَيُنْقَصُ مِنْهُمْ) فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ. وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهَا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهَا) يَعْنِي نَسَبًا وَيُضَمُّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ الْأُخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَأَمَّا الْآبَاءُ، وَالْبَنُونَ فَقَدْ قِيلَ يَدْخُلُونَ لِقُرْبِهِمْ وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُونَ. قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ فِي الْعَاقِلَةِ الْقَاتِلُ فَيَكُونُ فِيمَا يُؤَدِّي كَأَحَدِهِمْ) لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَمُؤَاخَذَةِ غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ، وَالذُّرِّيَّةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ، وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا مِنْ الدِّيَةِ. قَوْلُهُ (وَعَاقِلَةُ الْمُعْتَقِ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ) مِنْ أَهْلِ نُصْرَتِهِ فَكَانُوا مِنْ أَهْلِ عَقْلِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . قَوْلُهُ (وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَعْقِلُ عَنْهُ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ) لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَتَتَحَمَّلُ نِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا) لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِجْحَافِ وَلَا إجْحَافَ فِي الْقَلِيلِ ثُمَّ الْعَاقِلَةُ إذَا حَمَلَتْ نِصْفَ الْعُشْرِ كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِلِ قَبِيلَةٌ وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ نُصَّارُهُ فَإِنْ كَانَتْ نُصْرَتُهُ بِالْحِرْفَةِ فَعَلَى الْمُحْتَرِفِينَ الَّذِينَ هُمْ أَنْصَارُهُ كَالْقَصَّارِينَ، وَالصَّفَّارِينَ بِسَمَرْقَنْدَ، وَالْأَسَاكِفَةِ بِإِسْبِيجَابَ،. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا مُلْزَمُهُ مِنْ الْغَرَامَةِ يَلْزَمُ بَيْتَ الْمَالِ وَابْنُ الْمُلَاعَنَةِ تَعْقِلُهُ قَبِيلَةُ أُمِّهِ فَإِنْ عَقَلُوا عَنْهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْأَبُ رَجَعَتْ عَاقِلَةُ الْأُمِّ بِمَا أَدَّتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ

كتاب الحدود

سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يَقْضِي الْقَاضِي لِعَاقِلَةِ الْأُمِّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ قَوْلُهُ: (وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي مَالِ الْجَانِي) يَعْنِي مَا نَقَصَ أَرْشُهُ عَنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ كَانَ عَلَى الْجَانِي دُونَ الْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ جِنَايَةَ الْعَبْدِ) يَعْنِي إذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ أَوْ عَلَى غَيْرِ الْحُرِّ. . قَوْلُهُ: (وَلَا تُعْقَلُ الْجِنَايَةُ الَّتِي اعْتَرَفَ بِهَا الْجَانِي إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ) فَإِنْ قُلْت قَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي الدِّيَاتِ فَلِمَ أَعَادَهُ هُنَا قُلْت ذَكَرَ هُنَاكَ كُلَّ أَرْشٍ وَجَبَ بِالْإِقْرَارِ، وَالصُّلْحِ فَهُوَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُنَا قَالَ وَلَا تَعْقِلُ مَا لَزِمَ بِالصُّلْحِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي فَلَا تَكْرَارَ مَعَ أَنَّ فِي هَذَا فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّصْدِيقَ هُنَا بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ. . قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ خَطَأٍ وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إلَى الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ سِنِينَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُقْضَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّأْجِيلَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فَفِي الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَلَا تَعْقِلُ مُلْزَمًا بِالصُّلْحِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. قَوْلُهُ (وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) يَعْنِي عَاقِلَةَ الْجَانِي وَمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْحُدُودِ] الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَكَذَا سُمِّيَ حَدُّ الدَّارِ الَّذِي تَنْتَهِي إلَيْهِ حَدًّا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ مَا حُدَّ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ فَلَمَّا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْمَنْعُ مِنْ الْفِعْلِ سُمِّيَ ذَلِكَ حَدًّا، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ كُلُّ عُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَسْتَوْفِي حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا وَإِنْ كَانَ عُقُوبَةً لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ، وَالِاعْتِيَاضَ عَنْهُ وَكَذَا التَّعْزِيرُ لَا يُسَمَّى حَدًّا لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارِ) الْمُرَادُ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصِفَةُ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْعَارِي عَنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِمَا وَيَتَجَاوَزُ الْخِتَانُ الْخِتَانَ هَذَا هُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا شُرِطَ مُجَاوَزَةُ الْخِتَانِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ مُلَامَسَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنْ الْغُسْلِ وَفَسَادِ الْحَجِّ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ. وَفِي الْيَنَابِيعِ: الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ الْوَطْءُ الْحَرَامُ الْخَالِي عَنْ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ وَشُبْهَةِ النِّكَاحِ وَشُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَطْءِ الْمَمْلُوكِ بَعْضَهَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَلَيْسَ بِزِنًا وَكَذَا وَطْءُ امْرَأَتِهِ الْحَائِضٍ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ وَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ، وَالْجَارِيَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ مَا أُحْرِزَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ خَمْسًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ فَوَطِئَهَا، وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُحَدُّ فِي كُلِّ وَطْءٍ حَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ كَوَطْءِ مَحَارِمِهِ، وَالتَّزْوِيجُ لَا يُوجِبُ شُبْهَةً فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَعَقْدُ النِّكَاحِ يُوجِبُ شُبْهَةً فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ وَشَبَهُ ذَلِكَ وَشُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ أَنْ يَقُولَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ. قَوْلُهُ (فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا) فَإِنْ قِيلَ الْقَتْلُ أَعْظَمُ مِنْ الزِّنَا وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ أَرْبَعَةٌ قُلْنَا لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتِمُّ.

إلَّا بِاثْنَيْنِ وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَالْقَتْلُ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا أَحْرَارًا عُدُولًا مُسْلِمِينَ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَإِنْ شَهِدَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ جَمِيعًا حَدَّ الْقَذْفِ إذَا طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَامَ زِيَادٌ وَكَانَ الرَّابِعَ فَقَالَ: رَأَيْت أَقْدَامًا بَادِيَةً وَنَفَسًا عَالِيًا، وَأَمْرًا مُنْكَرًا وَرَأَيْت رِجْلَيْهَا عَلَى عَاتِقِهِ كَأُذُنَيْ حِمَارٍ وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَفْضَحْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّ الثَّلَاثَةَ. وَكَذَا إذَا جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ فَشَهِدُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَأَمَّا إذَا حَضَرُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَجَلَسُوا مَجْلِسَ الشُّهُودِ وَقَامُوا إلَى الْقَاضِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَشَهِدُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ الشَّهَادَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ أَجْلَسَ الْمُغِيرَةَ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ قَالَ ذَهَبَ رُبْعُك يَا مُغِيرَةُ فَلَمَّا شَهِدَ الثَّانِي قَالَ ذَهَبَ نِصْفُك فَلَمَّا شَهِدَ الثَّالِثُ قَالَ ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِك وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَفْتِلُ شَارِبَهُ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ فَلَمَّا قَامَ زِيَادٌ وَكَانَ الرَّابِعَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: قُمْ يَا سَلْحَ الْعُقَابِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ لَوْنَهُ كَانَ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ فَشَبَّهَهُ بِهِ وَقِيلَ: وَصَفَهُ بِالشَّجَاعَةِ لِأَنَّ الْعُقَابَ إذَا سَلَحَ عَلَى طَائِرٍ أَحْرَقَ جَنَاحَهُ وَأَعْجَزَهُ عَنْ الطَّيَرَانِ فَكَذَلِكَ كَانَ زِيَادٌ فِي مُقَابَلَةِ أَقْرَانِهِ وَهَذَا مَدْحٌ، وَالْأَوَّلُ ذَمٌّ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ فِي هَتْكِ سِتْرِ صَاحِبِهِ وَتَحْرِيضٌ لَهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ، فَقَالَ زِيَادٌ لَا أَدْرِي مَا قَالُوا لَكِنِّي رَأَيْتُهُمَا يَضْطَرِبَانِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ كَاضْطِرَابِ الْأَمْوَاجِ وَرَأَيْت نَفَسًا عَالِيًا، وَأَمْرًا مُنْكَرًا وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَدَرَأَ عَنْهُ عُمَرُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ وَضَرَبَ الثَّلَاثَةَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، وَقَالُوا: لَا نَعْرِفُهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ: إذَا شَهِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا أَحَدُهُمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الزَّوْجِ قَذْفٌ قَبْلَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا وَإِنْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ وَجَاءَ بِثَلَاثَةٍ سِوَاهُ يَشْهَدُونَ فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ وَإِنْ جَاءَ هُوَ وَثَلَاثَةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهَا قَدْ زَنَتْ وَلَمْ يَعْدِلُوا دُرِئَ عَنْهَا وَعَنْهُمْ الْحُدُودُ وَدُرِئَ عَنْ الزَّوْجِ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَذُكِرَ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ الْكَرْخِيِّ فِي الْقَذْفِ فِي بَابِ رُجُوعِ الشُّهُودِ أَنَّ الزَّوْجَ يُلَاعِنُ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ، وَلَوْ جَاءَ بِأَرْبَعَةٍ فَلَمْ يَعْدِلُوا فَهُوَ قَاذِفٌ فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا أُسْقِطَتْ تَعَلَّقَ بِقَذْفِ اللِّعَانِ. قَوْلُهُ: (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ) لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَفِيهِ الْحَقِيقَةُ، وَالْمَجَازُ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ يَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ يَزْنِيَانِ، وَالْفَرْجُ يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» وَإِنَّمَا يَسْأَلُهُمْ كَيْفَ زَنَى لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُكْرَهًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَوْلُهُ: (وَأَيْنَ زَنَى) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي عَسَاكِرِ الْبُغَاةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ يَدٌ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَمَتَى زَنَى) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَنَى وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ التَّقَادُمِ الَّذِي يُسْقِطُ الْحَدَّ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقَدِّرُ فِيهِ وَقْتًا وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَعِنْدَهُمَا إذَا شَهِدُوا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ عَايَنُوا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حُكْمِ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ: (وَبِمَنْ زَنَى) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَرُبَّمَا إذَا سُئِلُوا قَالُوا لَا نَعْرِفُهَا فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً وَقَدْ تَكُونُ جَارِيَةَ ابْنِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) أَوْ كَالْقَلَمِ فِي الْمِحْبَرَةِ أَوْ كَالرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ صَحَّ ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ إلَّا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَاهُ تَلَذُّذًا فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ، قَوْلُهُ: (سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ فَإِنْ عُدِّلُوا فِي السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ) وَلَمْ يَكْتَفِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ احْتِيَاطًا لِلدَّرْءِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» قَالَ فِي الْأَصْلِ: يَحْبِسُهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْسِبُهُ وَقَدْ قِيلَ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ وَلَيْسَ فِي حَبْسِهِ ذَلِكَ.

قِيلَ: إنَّمَا حُبِسَ تَعْزِيرًا لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا لِارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَوُجِدُوا فُسَّاقًا وَهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَلَا حَدَّ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ تُقْبَلْ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فَإِنْ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ عُمْيَانًا فَعَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْعُمْيَانَ لَا يَرَوْنَ مَا شَهِدُوا عَلَيْهِ فَتَحَقَّقْنَا كَذِبَهُمْ فَكَانُوا قَذَفَةً وَأَمَّا الْعَبِيدُ، وَالْمَحْدُودُونَ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَكَانُوا قَذَفَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ فِي السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ التَّزْكِيَةُ نَوْعَانِ فَالْعَلَانِيَةُ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُعَدِّلِ، وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ الْمُعَدِّلُ هُوَ الَّذِي عَدَلْته، وَالسِّرُّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَى الْمُزَكِّي وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ الْمُزَكِّي فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَمْ يَكْتُب تَحْتَ اسْمِهِ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السِّتْرِ أَوْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا كَانَ عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةَ، وَالْعَبْدَ، وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، وَالْمُخْبَرُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَقْبُولٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِمْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ نَظِيرُ الشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا تَزْكِيَةُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ فِي السِّرِّ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْإِقْرَارُ أَنْ يُقِرَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ الْقَاضِي) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُهُ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ حَتَّى يَتَوَارَى مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَزْجُرَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ وَيُظْهِرَ لَهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ وَيَأْمُرَ بِتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ عَادَ ثَالِثًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ وَكَذَا فِي السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إلَّا أَنَّ فِي السَّرِقَةِ يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَالِ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَهُوَ يُنْكِرُ ثُمَّ أَقَرَّ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ وَيُؤْخَذُ فِيهِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا لَمْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ فَإِذَا أَقَرَّ أَرْبَعًا بَطَلَتْ إجْمَاعًا وَيُؤْخَذُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَجَحَدَتْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهَا فَجَحَدَتْ فَحُدَّ الرَّجُلُ وَهُوَ مَحْمُولٌ» عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَدَّهُ حَدَّ الْقَذْفِ لِلْمَرْأَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ مَحِلِّهِ، وَالزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْمَرْأَةِ وَإِنْكَارُهَا حُجَّةٌ لِنَفْيِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي حَقِّهَا فَاقْتَضَى النَّفْيُ عَنْ الرَّجُلِ ضَرُورَةً فَعَارَضَ النَّفْيَ الْإِقْرَارُ فَسَقَطَ الْحَدُّ وَلِأَنَّا صَدَّقْنَاهَا حِينَ جَحَدَتْ وَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا وَأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ زِنًا فِي حَقِّهَا كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَقَرَّ بِالزِّنَا بِهَا غَائِبَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَدَّ لِجَوَازِ أَنْ تَحْضُرَ فَتَجْحَدَ فَتَدَّعِي حَدَّ الْقَذْفِ أَوْ تَدَّعِي نِكَاحًا فَتَطْلُبَ الْمَهْرَ، وَفِي حَدِّهِ إبْطَالُ حَقِّهَا، وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ يُحَدَّ لِحَدِيثِ مَاعِزٍ لِأَنَّهُ حُدَّ مَعَ غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ جَاءَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَادَّعَتْ التَّزْوِيجَ وَطَلَبَتْ الْمَهْرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ زِنًا، وَفِي إيجَابِ الْمَهْرِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِّ، وَالْمَهْرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، قَوْلُهُ: (فَإِذَا تَمَّ إقْرَارُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ كَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَبِمَنْ زَنَى) وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ مَتَى زَنَى لِأَنَّ تَقَادُمَ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا رَجَمَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ) الْمُحْصَنُ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ وَهِيَ سَبْعَةٌ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ، وَالدُّخُولُ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدُّخُولِ الْإِيلَاجُ فِي الْقُبُلِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِنْزَالُ

وَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ، وَالدُّخُولَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَنَا. قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» . وَأَمَّا الدُّخُولُ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُ إذَا حَصَلَ الْوَطْءُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ أُعْتِقَا صَارَا مُحْصَنَيْنِ بِالْوَطْءِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا وَطِئَ الْكَافِرَةَ صَارَ بِهَا مُحْصَنًا عِنْدَهُ وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا كَالزِّنَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَمَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَكَذَا إذَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَتْ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا، وَقَوْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ يَعْنِي إذَا بَقِيَ الْمَرْجُومُ كَذَلِكَ أَمَّا إذَا هَرَبَ بَعْدَ مَا أَخَذُوا فِي رَجْمِهِ إنْ كَانَ ثَبَتَ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ لَا يُتْبَعُ وَكَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا فَيُخْلَى سَبِيلُهُ وَإِنْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ اُتُّبِعَ وَلَا يُخْلَى سَبِيلُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ قَوْلُهُ: (يُخْرِجُهُ إلَى أَرْضٍ فَضَاءٍ) لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِرَجْمِهِ، وَكَيْلَا يُصِيبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُمْ يَصْطَفُّونَ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ إذَا أَرَادُوا رَجْمَهُ وَكُلَّمَا رَجَمَ قَوْمٌ تَنَحَّوْا وَيُقَدَّمُ آخَرُونَ وَرَجَمُوا وَلَا يُحْفَرُ لَهُ وَلَا يُرْبَطُ وَلَكِنَّهُ يَقُومُ قَائِمًا وَيَنْتَصِبُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ حَفَرَ لَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ لِأَنَّ الْحَفْرَ أَسْتَرُ لَهَا مَخَافَةَ أَنْ تَنْكَشِفَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْفِرْ لَهَا لِأَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الرُّجُوعُ بِالْهَرَبِ. قَوْلُهُ: (وَتَبْتَدِئُ الشُّهُودُ بِرَجْمِهِ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ بُدِئَ بِهِمْ امْتِحَانًا لَهُمْ فَرُبَّمَا اسْتَعْظَمُوا الْقَتْلَ فَرَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ الْإِمَامُ اسْتِظْهَارًا فِي حَقِّهِ فَرُبَّمَا يَرَى فِي الشَّهَادَةِ مَا يُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ قَوْلُهُ: (فَإِنْ امْتَنَعَ الشُّهُودُ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ الْحَدُّ) وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالْقَذْفِ وَكَذَا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ سَقَطَ أَيْضًا وَكَذَا إذَا غَابُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ غَابَ بَعْضُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قُذِفَ فَضُرِبَ الْحَدَّ بَطَلَ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ بِدَايَتَهُمْ شَرْطٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا امْتَنَعُوا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ وَكَذَا إذَا عَمُوا أَوْ جُنُّوا أَوْ ارْتَدُّوا فَهَذَا كُلُّهُ إذَا امْتَنَعُوا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانُوا مَرْضَى أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالرَّمْيِ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْدَءُوا بِالرَّجْمِ وَكَذَا الْإِخْوَةُ وَذُو الرَّحِمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَعَمَّدُوا لَهُ مَقْتَلًا وَكَذَا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ لِأَنَّ رَحِمَهُ لَمْ يَكْمُلْ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَقَدْ قَالُوا: ابْنُ الِابْنِ إذَا شَهِدَ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَجِبُ بِالْمَوْتِ، وَالشَّهَادَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَى الزِّنَا وَذَلِكَ غَيْرُ الْمَوْتِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فَقُتِلَ لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَمَى الْغَامِدِيَّةَ بِحَصَاةٍ مِثْلَ الْحِمَّصَةِ، وَقَالَ: ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ وَكَانَتْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ وَيُفْطَمَ الْوَلَدُ لِأَنَّ رَجْمَهَا يُتْلِفُ الْوَلَدَ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حُبْلَى وَأَشْكَلَ أَمْرُهَا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ إنَّهَا حُبْلَى تُرُبِّصَ بِهَا الْمُدَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا، وَقَالَتْ أَنَا بِكْرٌ أَوْ رَتْقَاءُ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ لَمْ تُحَدَّ لِأَنَّهُ بَانَ كَذِبُهُمْ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ أَيْضًا لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِمْ أَوْجَبْنَاهُ لِقَوْلِ النِّسَاءِ، وَالْحُدُودُ لَا تَجِبُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الزَّانِي مَرِيضًا وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ رُجِمَ وَلَا يُنْتَظَرُ بُرْؤُهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي انْتِظَارِهِ لِأَنَّ الرَّجْمَ يُهْلِكُهُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ اُنْتُظِرَ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا لَحِقَهُ الضَّرَرُ بِالضَّرْبِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدًا.

اُنْتُظِرَ زَوَالُ ذَلِكَ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى النُّفَسَاءِ حَتَّى تَتَعَلَّى مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّ النِّفَاسَ مَرَضٌ وَرُوِيَ «أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَمَّا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَهِيَ حَامِلٌ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي فَلَمَّا وَضَعَتْ أَتَتْهُ بِالْوَلَدِ فِي خِرْقَةٍ فَقَالَتْ: هُوَ هَذَا قَدْ وَلَدْته فَقَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْ بِهِ، وَفِي يَدِهِ كِسْرَةٌ مِنْ خُبْزٍ فَقَالَتْ: هُوَ هَذَا قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ بِرَجْمِهَا فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَافْتَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَشَتَمَهَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مُكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ» . وَفِي رِوَايَةٍ «صَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى» . وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا الْمُوجِبِ لِلرَّجْمِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَجَبَ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ قَضَى بِرَجْمِهِ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ دَمُهُ. قَوْلُهُ: (وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الْغُسْلُ كَالْمَقْتُولِ قِصَاصًا وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْغَامِدِيَّةِ، وَقَالَ فِي مَاعِزٍ «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلَا بَأْسَ لِلنَّاسِ فِي حَالَةِ الرَّجْمِ أَنْ يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَتْلُهُ فَمَا كَانَ أَسْرَعُ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا وَكَانَ حُرًّا فَحَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ) أَيْ لَا شَوْكَ وَلَا عُقَدَ وَلَا شَمَارِيخَ. قَوْلُهُ: (ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا) أَيْ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ يُهْلِكُ وَغَيْرَ الْمُؤْلِمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ. قَوْلُهُ: (وَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) يَعْنِي مَا خَلَا الْإِزَارَ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَمْنَعُ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] . قَوْلُهُ: (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ يُهْلِكُهُ، وَالْجَلْدُ زَاجِرٌ لَا مُهْلِكٌ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ الْأَلَمُ إلَى كُلِّ الْأَعْضَاءِ كَمَا وَصَلَتْ إلَيْهَا اللَّذَّةُ قَوْلُهُ: (إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْجَلَّادِ «اتَّقِ الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ، وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ، وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ فَرُبَّمَا يَخْتَلُّ بِالضَّرْبِ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ وَيَجْتَنِبُ الصَّدْرَ، وَالْبَطْنَ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَضْرِبُ الرَّأْسَ سَوْطًا وَاحِدًا لِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا أَوْ لِأَنَّ السَّوْطَ الْوَاحِدَ لَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا قَائِمًا غَيْرَ مَمْدُودٍ وَلَا يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يُشَدُّ يَدَاهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُحَدُّ قَاعِدَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا فَتُلَفُّ ثِيَابُهَا عَلَيْهَا وَتُرْبَطُ الثِّيَابُ وَيَتَوَلَّى لَفَّ ثِيَابِهَا عَلَيْهَا امْرَأَةٌ وَيُوَالِي بَيْنَ الضَّرْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِيلَامُ، وَلَوْ جَلَدَهُ فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَمِثْلَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ الْمَجْلُودِ نَجَاسَةٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي جُلِدَ عَلَيْهَا الْحُرُّ مِنْ نَزْعِ ثِيَابِهِ وَاتِّقَاءِ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَفَرْجِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ) بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَالْقَذْفُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ وَيَقُولُ لَهُ لَعَلَّك لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت) أَوْ لَعَلَّك وَطِئْتهَا بِالشُّبْهَةِ أَوْ يَقُولُ: أَبِك خَبَلٌ؟ أَبِك جُنُونٌ؟ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ

عَنْ إقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ وَسَقَطَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلشَّهَادَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ قَوْلُهُ: (وَالرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِي صِفَةِ الْحَدِّ وَقَبُولِ الرُّجُوعِ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ أَنَّ) (الْمَرْأَةَ لَا يُنْزَعُ عَنْهَا مِنْ ثِيَابِهَا إلَّا الْفَرْوَ، وَالْحَشْوَ) لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفُ عَوْرَتِهَا وَتُضْرَبُ جَالِسَةً لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَفَرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثَدْيِهَا، وَالْحَفْرُ لَهَا أَحْسَنُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَيُحْفَرُ لَهَا إلَى الصَّدْرِ وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَرْبَعَةٌ إلَى الْوُلَاةِ الْجُمُعَةُ، وَالْفَيْءُ، وَالْحُدُودُ، وَالصَّدَقَاتُ» وَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَلِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَلِيهِ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى عَبْدِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ. . قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ قَبْلَ الرَّجْمِ ضُرِبُوا الْحَدَّ وَسَقَطَ الرَّجْمُ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) هَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ صَحَّتْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَتَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْحُكْمِ حُدُّوا جَمِيعًا فَكَذَا هَذَا وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَكْمُلْ فِي حَقِّهِ فَسَقَطَتْ، وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا حُدُّوا جَمِيعًا عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ يُحَدُّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ قُلْنَا كَلَامُهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً لِلِاتِّصَالِ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَضَاءُ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ وَأَمَّا إذَا كَانَ جَلْدًا فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ خَاصَّةً إجْمَاعًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاجِعِ فِي أَثَرِ السِّيَاطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ. قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْجَلْدُ إنْ يَجْرَحْ فَقَالَ وَاحِدٌ ... كَذَبْتُ لَا يَضْمَنُ هَذَا الشَّاهِدُ صُورَتُهُ " أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِ مُحْصَنٍ بِالزِّنَا فَجَلَدَهُ الْقَاضِي فَجَرَحَهُ الْجَلْدُ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ لَا يَضْمَنُ الرَّاجِعُ أَرْشَ الْجِرَاحَةِ وَكَذَا إنْ مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَضْمَنُ الرَّاجِعُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّجْمِ جُلِدَ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَضَمِنَ رُبْعَ الدِّيَةِ) . وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِأَنَّهُ صَارَ قَاذِفًا لَهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَمَنْ قَذَفَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَلَنَا أَنَّ الرَّاجِعَ صَارَ قَاذِفًا عِنْدَ رُجُوعِهِ بِالشَّهَادَةِ السَّابِقَةِ وَلَمْ يَصِرْ قَاذِفًا فِي الْحَالِ، وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنَّمَا ضَمِنَ رُبْعَ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْمَقْذُوفَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ، وَلَوْ كَانَ الشُّهُودُ خَمْسَةً أَوْ أَكْثَرَ فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَقْطَعُ جَمِيعَ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ وَهُمْ خَمْسَةٌ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ رُبْعَ الدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بَقِيَ مَنْ ثَبَتَ بِهِمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَإِذَا هُمْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُزَكِّينَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا وَلَكِنَّهُمْ يُعَزَّرُونَ عِنْدَهُمَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً وَعَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَزَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذْ ثَبَتُوا عَلَى التَّزْكِيَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ بَلْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إجْمَاعًا، وَلَوْ قَالَ الْمُزَكِّي: أَخْطَأْت فِي التَّزْكِيَةِ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا قَالَ: عَلِمْت أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَتَعَمَّدْت ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ حُدُّوا) لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ. . قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ إحْصَانِ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ) فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ

مسألة الشهادة على الإحصان

أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَكَذَا لَوْ دَخَلَ بِالْأَمَةِ ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ وَطْءٌ حَتَّى زَنَى فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَقَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ احْتِرَازًا عَنْ إحْصَانٍ لِمَقْذُوفٍ فَإِنَّهُ هُنَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ خَمْسِ شَرَائِطَ لَا غَيْرُ وَهُوَ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعِفَّةُ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا وَيَنْقُصُ عَنْ إحْصَانِ الرَّجْمِ بِشَيْئَيْنِ النِّكَاحِ، وَالدُّخُولِ. [مَسْأَلَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِحْصَانِ] (مَسْأَلَةُ) الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِحْصَانِ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَتْلُ قُلْنَا الْقَتْلُ يَثْبُتُ بِالزِّنَا وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ فَلَوْ وَجَبَ اعْتِبَارُ الذُّكُورِيَّةِ فِيهِ كَمَا وَجَبَ فِي الزِّنَا لَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ هُوَ النِّكَاحُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالدُّخُولُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. . قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْمَعُ فِي الْمُحْصَنِ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالرَّجْمِ وَلَا يُجْمَعُ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالنَّفْيِ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً فَيُعَزِّرُ بِهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَرَاهُ) مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ فَعَلَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّعْزِيرِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْحَدِّ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْحَدِّ لَنَا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَهَذَا بَيَانٌ لِجَمِيعِ الْحَدِّ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ التَّغْرِيبُ مَعَهُ حَدًّا لَكَانَتْ الْغَايَةُ بَعْضَ الْحَدِّ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ مَعْلُومَةُ الْمَقَادِيرِ وَلَيْسَ لِلنَّفْيِ مِقْدَارٌ فِي مَسَافَةِ الْبُلْدَانِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ رُجِمَ) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِلِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدُ لَمْ يُجْلَدْ حَتَّى يَبْرَأَ) كَيْ لَا يُفْضِي لِلْهَلَاكِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا أَوْ الْبَرْدُ شَدِيدًا اُنْتُظِرَ بِهِ زَوَالُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا زَنَتْ الْحَامِلُ لَمْ تُحَدَّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ فَحَتَّى تَتَعَلَّى مِنْ نِفَاسِهَا) ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: تَتَعَالَى وَهُوَ سَهْوٌ، وَالصَّوَابُ تَتَعَلَّى بِغَيْرِ أَلِفٍ أَيْ تَرْتَفِعَ يُرِيدُ بِهِ تَخْرُجَ مِنْهُ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ وَتُجْلَدُ الْحَائِضُ فِي حَالِ الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَيْسَ بِمَرَضٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ رُجِمَتْ فِي النِّفَاسِ) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِي وَلَدُهَا عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ ثُمَّ الْحُبْلَى تُحْبَسُ إلَى أَنْ تَلِدَ إذَا كَانَ الزِّنَا ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ كَيْ لَا تَهْرُبَ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ مَقْبُولٌ فَلَا يُفِيدُ الْحَبْسُ. . قَوْلُهُ: (وَإِذَا شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ وَلَمْ يَقْطَعْهُمْ عَنْ إقَامَتِهِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ خَاصَّةً) يَعْنِي إذَا شَهِدُوا بِسَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَيَضْمَنُ فِي السَّرِقَةِ الْمَالَ وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا كُلُّهُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَبْطُلُ.

بِالتَّقَادُمِ إلَّا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ وُجُودَ الرَّائِحَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فِي الْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارِ جَمِيعًا وَإِنْ جَاءُوا بِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ تَذْهَبُ الرَّائِحَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ يُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَوْلُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَهَلْ يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ كَامِلَةُ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ ثُمَّ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَمْنَعُ وَفَائِدَتُهُ إذَا هَرَبَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عُزِّرَ) لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا. قَوْلُهُ: (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ) لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ حُكْمِيَّةٌ وَهِيَ نَشَأَتْ عَلَى دَلِيلٍ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّبْهَةَ نَوْعَانِ شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً وَشُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ فَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ ابْنِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ بَائِنًا بِالْكِنَايَاتِ، وَالْمَبِيعَةُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَالْمَمْهُورَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَالْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَاهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي جَدًّا مَعَ وُجُودِ الْأَبِ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِ هَؤُلَاءِ وَأَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ فَفِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ جَارِيَةُ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَبَائِنًا بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فِي الْعِدَّةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَجَارِيَةُ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَالْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَإِنْ ادَّعَاهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا ادَّعَاهُ وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَتَكُونُ الشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةً وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ إذْ أَثَرُ الْمِلْكِ قَائِمٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ، وَالْحَبْسِ، وَالنَّفَقَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا، وَالْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامُ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ لَمْ يُحَدَّ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ الْعَارِيَّةُ، وَالْمُسْتَعَارَةُ لِلْخِدْمَةِ، الْوَدِيعَةِ فَيَجِبُ الْحَدُّ فِيهِنَّ مُطْلَقًا وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ مِلْكٍ وَإِنْ وَطِئَ الِابْنُ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ جَارِيَةَ أُمِّهِ مِرَارًا وَقَدْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ لِأَنَّ وَطْأَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا مِرَارًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ مَهْرٍ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَطِئَ الْعَبْدُ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ فَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُمَا فِي الْمَوْطُوءَةِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ أَيْضًا) لِأَنَّ ظَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرٍ لِأَنَّ لَهُ تَبَسُّطًا فِي مَالِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَكَذَا الْعَبْدُ فِي مَالِ مَوْلَاهُ يَأْكُلُ مِنْهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعُ فَكَانَ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ إلَّا أَنَّهُ زِنًا حَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ: ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي، وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ الْحِلَّ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ فَأَيُّهُمَا قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي دُرِئَ عَنْهُمَا الْحَدُّ حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا أَنَّهُمَا قَدْ عَلِمَا أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ زَنَى بِجَارِيَةِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهٍ أَوْ جَدَّتِهِ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، وَقَالَتْ الْجَارِيَةُ إنَّهُ حَرَامٌ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا إجْمَاعًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ بِأَنْ قَالَتْ الْأَمَةُ: ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ، وَقَالَ هُوَ عَلِمْت أَنَّهُ حَرَامٌ دُرِئَ الْحَدُّ أَيْضًا عَنْهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَدُرِئَ عَنْهَا وَقَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يُحَدَّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ابْنَهُ مِنْ هَذَا.

الْوَطْءِ فَإِنْ مَلَكَ الصَّبِيَّ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَكَانَ لَهُ بَيْعُهَا وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ مِنْ الْغَانِمِينَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلَهُ حُكْمُ الْمِلْكِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ، وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَالِ وَكَذَا سَائِرِ الْمَحَارِمِ سِوَى الْأَوْلَادِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرَ امْرَأَتِهِ، وَقَالَتْ النِّسَاءُ: إنَّهَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) يَعْنِي مَهْرَ الْمِثْلِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ وَطْأَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ وَلَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الزِّفَافِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ جَاهِلٌ بِهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي مَسْأَلَةِ الزِّفَافِ وَلَا يَثْبُتُ فِي وَلَدِ هَذِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ أَعْمَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ بِالسُّؤَالِ إلَّا إذَا ادَّعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ، وَقَالَتْ: أَنَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ وَهِيَ كَالْمَزْفُوفَةِ إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَوَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ) وَيُعَزَّرُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ فَيَلْغُوَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ الزِّنَا فِي شَرِيعَةِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ أَبَاحَ نِكَاحَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي شَرِيعَةِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا عُزِّرَ لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا. . قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَزَّرُ) وَيُودَعُ فِي السَّجْنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ كَالزِّنَا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ فِعْلُهُ فِي زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ وَإِنْ فَعَلَهُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ فِي رَجُلٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ أَتَى مُنْكَرًا وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْغُلَامِ أَمَّا إذَا أَتَى أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا يُحَدُّ إجْمَاعًا، وَلَوْ فَعَلَهُ فِي عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ لَا يُحَدُّ بِلَا خِلَافٍ وَيُعَزَّرُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى، وَالِاسْتِمْنَاءُ حَرَامٌ، وَفِيهِ التَّعْزِيرُ، وَلَوْ مَكَّنَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ مِنْ الْعَبَثِ بِذَكَرِهِ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَتَى أَجْنَبِيَّةً فِي دُبُرِهَا أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رَجْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ جُلِدَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا ثُمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى اللِّوَاطِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ عِنْدَهُمَا كَالزِّنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ قُتِلَ الْفَاعِلُ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُحْصَنَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا وَقَوْلُهُ: وَيُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَاهِدَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، وَلَوْ مَكَّنَتْ امْرَأَةٌ قِرْدًا مِنْ نَفْسِهَا فَوَطِئَهَا كَانَ حُكْمُهَا كَإِتْيَانِ الرَّجُلِ الْبَهِيمَةَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَدُّ لَنَا أَنَّهُ زَنَى فِي مَوْضِعٍ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ فِيهِ فَلَمْ يُحَدَّ وَلَا يُقَامُ

باب حد الشرب

بَعْدَمَا أَتَانَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ، وَالْحَرْبِيَّةَ الْمُسْتَأْمَنَةَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ، وَالْغَائِبَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ، وَالْمَجْنُونَةِ، وَالصَّبِيِّ، وَالصَّبِيَّةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ، وَالذِّمِّيَّةِ بَيَانُهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ، وَالذِّمِّيَّ إذَا زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ الْمُسْلِمُ وَلَا تُحَدُّ الْمُسْتَأْمَنَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهَا كَالْغَائِبَةِ وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ غَابَتْ يُحَدُّ الرَّجُلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَالْمَجْنُونَةِ فَصَارَ كَعَاقِلٍ زَنَى بِمَجْنُونَةٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَذِمِّيٍّ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ، وَلَوْ زَنَى حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ لَا يُحَدُّ الْحَرْبِيُّ وَهُوَ كَغَائِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُحَدُّ الذِّمِّيَّةُ أَوْ الْمُسْلِمَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَمَجْنُونِ زَنَى بِعَاقِلَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَدَّانِ جَمِيعًا كَذِمِّيٍّ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ جَمِيعًا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ بِالشُّبْهَةِ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ وَمَتَى سَقَطَ لِقُصُورِ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهَا وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْ الرَّجُلِ كَمَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً وَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهِ سَقَطَ عَنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا إذَا كَانَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مُكْرَهًا ثُمَّ حَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا لَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقَامُ عَلَيْهِ وَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَحَدُّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ يُقَامُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَهُوَ فِيمَا سِوَى حَدِّ الشُّرْبِ كَالْمُسْلِمِ إجْمَاعًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الشُّرْبِ وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا. وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَإِذَا زَنَى صَحِيحٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً إجْمَاعًا لَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا وَهِيَ مَوْطُوءَةً وَمُزْنًى بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلُّقُ الْحَدِّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ قُبْحِ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ أَثِمَ بِمُبَاشَرَتِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَإِذَا زَنَى بِجَارِيَةٍ فَقَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا حُدَّ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِهَا فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ وُهِبَتْ لَهُ وَقَبَضَهَا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهَا أَوْ مَلَكَ شَيْئًا مِنْهَا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ غَصَبَ أَمَةً فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ أَوْ غَصَبَ حُرَّةً ثَيِّبًا فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ دِيَةُ الْحُرَّةِ وَقِيمَةُ الْأَمَةِ أَمَّا الْحُرَّةُ فَلَا إشْكَالَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِدَفْعِ الدِّيَةِ. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ إنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَيِّتُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، وَلَوْ لَمْ تَمُتْ وَلَكِنْ ذَهَبَ بَصَرُهَا غَرِمَ الْقِيمَةَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي الْأَمَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَيَصِيرُ كَمِلْكِهَا بِالشِّرَاءِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِهَا قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا يُمْلَكُ بُضْعَهَا بِالنِّكَاحِ وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَيْضًا إذَا زَنَى ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَهِيَ تُنْكِرُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَأُخِذَ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ) مَعَهُ أَوْ جَاءُوا بِهِ سَكْرَانَ (فَشَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ) (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) وَكَذَا إذَا أَقَرَّ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ مَعَهُ وَسَوَاءٌ شَرِبَ مِنْ الْخَمْرِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَإِنَّمَا شُرِطَ وُجُودُ رِيحِهَا مَعَهُ وَقْتَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ مُتَقَادِمٍ أَوْ سَرِقَةٍ قَدِيمَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَهَابِ رِيحِهَا لَمْ يُحَدَّ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَهَابِ رِيحِهَا، وَالسُّكْرِ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُحَدُّ فَالتَّقَادُمُ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ

الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالزَّمَانِ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَا وَعِنْدَهُمَا مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ فَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا مَعَهُ أَوْ سَكْرَانَ فَذَهَبُوا بِهِ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَتْ الرَّائِحَةُ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا بِهِ حُدَّ إجْمَاعًا. رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِابْنِ أَخِيهِ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ: إنَّ هَذَا ابْنُ أَخِي وَإِنَّهُ كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِي، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَسَأَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَأَقَرَّ فَقَالَ لِعَمِّهِ: بِئْسَ كَافِلُ الْيَتِيمِ أَنْتَ إنَّكَ لَمْ تُحْسِنْ أَدَبَهُ وَلَا سَتَرْت عَلَيْهِ جَرِيمَتَهُ ثُمَّ قَالَ تَرْتِرُوهُ وَمَزْمِزُوهُ فَإِنْ وَجَدْتُمْ رِيحًا فَاجْلِدُوهُ. التَّرْتَرَةُ أَنْ يُحَرَّكَ وَيُسْتَنْكَهَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ شَرْطٌ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ، وَقَوْلُهُ مَزْمِزُوهُ بِالزَّايِ أَيْ حَرِّكُوهُ وَأَقْبِلُوا بِهِ وَأَدْبِرُوا. . قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ) إنَّمَا شُرِطَ السُّكْرُ لِأَنَّ شُرْبَهُ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِشُرْبِ قَلِيلِهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ السُّكْرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْخَمْرِ أَوْ تَقَيَّأَهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى شُرْبِهَا بِاخْتِيَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أُكْرِهَ أَوْ شَرِبَهَا فِي حَالِ الْعَطَشِ مُضْطَرًّا لِعَدَمِ الْمَاءِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الشَّكِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ غَيْرِ النَّبِيذِ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ أَوْ شَرِبَ النَّبِيذَ مُكْرَهًا فَلَا يُحَدُّ بِالشَّكِّ قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ) لِيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ لِأَنَّهُ زَائِلُ الْعَقْلِ كَالْمَجْنُونِ، وَالسَّكْرَانِ الَّذِي يُحَدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ نُطْقًا وَلَا جَوَابًا وَلَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ الَّذِي يَهْذِي وَيَخْلِطُ كَلَامَهُ وَإِلَى هَذَا مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَقْرَأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ قِرَاءَتَهَا وَإِلَّا حُدَّ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيَحْتَالُ الدَّرْءَ بِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدُ فَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً لَهُ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الشَّكِّ. . قَوْلُهُ: (وَحَدُّ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ سَوْطًا) يَجُوزُ فِي السُّكْرِ ضَمُّ السِّينِ وَفَتْحُهَا مَعَ سُكُونِ الْكَافِ وَبِفَتْحِ السِّينِ وَتَحْرِيكِ الْكَافِ فَإِذَا قَالَ بِفَتْحَتَيْنِ يَكُونُ الْعَصِيرُ وَإِذَا قَالَ بِالسُّكُونِ وَضَمِّ السِّين يَكُونُ حَدُّ الْخَمْرِ بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ وَحَدُّ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ حُصُولِ السُّكْرِ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَالَ إلَى السُّكُونِ، وَالضَّمِّ قَوْلُهُ: (يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى بَدَنِهِ كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِّ الزِّنَا) وَيُجْتَنَبُ الْوَجْهُ، وَالرَّأْسُ وَيُجَرَّدُ فِي الْمَشْهُورَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُجَرَّدُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ سَوْطًا) لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ. قَوْلُهُ (وَمَنْ أَقَرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ فَقُبِلَ فِيهِ الرُّجُوعُ كَحَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالسَّكَرُ هَهُنَا بِفَتْحَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ. (وَيَثْبُتُ) حَدُّ الشُّرْبِ (بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ

باب حد القذف

مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ) (شَهَادَةُ النِّسَاءٍ مَعَ الرِّجَالِ) لِأَنَّهُ حَدٌّ وَلَا مَدْخَلَ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ الرَّمْيُ بِالزِّنَا بِالْإِجْمَاعِ دُونَ الرَّمْيِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْفُسُوقِ، وَالْكُفْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي، وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا قَذَفَ الرَّجُلُ رَجُلًا مُحْصَنًا أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنَةً بِصَرِيحِ الزِّنَا) بِأَنْ قَالَ: يَا زَانِي أَوْ أَنْتَ زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانِي أَمَّا إذَا قَالَ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْتَ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الزِّنَا وَإِنَّمَا قَالَ بِصَرِيحِ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْكِنَايَةِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا، وَقَالَ لَهُ آخَرُ صَدَقْت لَا حَدَّ عَلَى الَّذِي قَالَ صَدَقْت لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ. قَوْلُهُ: (فَطَالَبَهُ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ) بِشَرْطِ مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ فِعْلُ الزِّنَا حَتَّى لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ خُنْثَى لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ بِتَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ أَوْ بِأَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةً عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ سَوَاءٌ أَقَامَهَا قَبْلَ الْحَدِّ أَوْ فِي خِلَالِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ فَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ الْحَدِّ. قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ أُطْلِقَتْ شَهَادَتُهُ وَأُجِيزَتْ لِأَنَّ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ثَبَتَ زِنَاهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَالضَّرْبُ الَّذِي لَيْسَ بِحَدٍّ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَفِي شَرْحِهِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ عَلَى الْكَمَالِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَإِنْ قِيلَ النَّصُّ وَرَدَ فِي قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ فَكَيْفَ أَشْرَكْتُمْ الْمُحْصَنِينَ مَعَهُنَّ قُلْنَا النَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِيهِنَّ فَالْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي الْمُحْصَنِينَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِدَفْعِ الْعَارِ وَهُوَ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ لِأَنَّ الْقَذْفَ فِي الْأَعَمِّ لَهُنَّ قَوْلُهُ: (حَدَّهُ الْحَاكِمُ ثَمَانِينَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ حَقَّ الشَّرْعِ، وَحَقَّ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا وَمِنْهُ سُمِّيَ حَدًّا وَهَذَا آيَةُ حَقِّ الشَّرْعِ حَتَّى إنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ ثُمَّ عَفَا فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْمَقْذُوفِ فَبَانَ لَنَا أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ مُخْتَلِطٌ بِحَقِّ الْعِبَادِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْجِهَتَانِ فَأَصْحَابُنَا مَالُوا إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَتَوَلَّاهُ مَوْلَاهُ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَضَمَّنُ عَدَدًا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْهُ فَكَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُورَثْ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَالَ فِيهِ إلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ حَاجَتِهِ وَغِنَى الشَّرْعِ حَتَّى أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَمَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَبْطُلُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمَ بَعْضُ الْحَدِّ بَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُورَثُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَعِنْدَنَا لَا يُورَثُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَطَالَبَ الْمَقْذُوفُ بِالْحَدِّ فَقَالَ الْقَاذِفُ: أَنَا عَبْدٌ فَحُدَّنِي حَدَّ الْعَبْدِ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ حَتَّى يُقِيمَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ أَنْتَ عَبْدٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ فِي قَذْفِك حَدٌّ، وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: أَنْتَ حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ أَيْضًا، وَلَوْ كَرَّرَ الْقَذْفَ بَعْدَ الْحَدِّ لَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَرْخِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ اللِّعَانِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُلَاعِنُ إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ، وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ فِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَخَاصَمُوا ضُرِبَ لَهُمْ حَدًّا وَاحِدًا وَكَذَا إذَا خَاصَمَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَحُدَّ فَالْحَدُّ يَكُونُ لَهُمْ جَمِيعًا وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا عَلَى الْقَاذِفِ حَدٌّ وَاحِدٌ لَا غَيْرَ فَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ فِي قَذْفِهِ بَطَلَ الْحَدُّ فِي حَقِّهِ وَلَمْ يُحَدَّ لَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ حَدٌّ وَاحِدٌ وَإِنْ كَرَّرَ الْقَذْفَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْحَدُّ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا حُدَّ الْقَاذِفُ وَفَرَغَ مِنْ حَدِّهِ ثُمَّ قَذَفَ رَجُلًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلثَّانِي حَدٌّ آخَرُ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَضُرِبَ تِسْعَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ

ضُرِبَ السَّوْطَ الْبَاقِيَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلثَّانِي، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ الْحَدِّ الْأَوَّلِ شَيْءٌ فَقَذَفَ آخَرَ قَبْلَ تَمَامِهِ ضُرِبَ بَقِيَّةَ الْحَدِّ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُحَدَّ لِلثَّانِي، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَقْذُوفِ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ بِاَللَّهِ مَا قَذَفَهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْتَحْلِفُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ دَعْوَى حَدٍّ كَحَدِّ الزِّنَا،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْتَحْلَفُ وَيَجُوزُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَذْفِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَإِنْ أَقَامَ الْقَاذِفُ عَلَى الْمَقْذُوفِ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَدَّقَهُ عَلَى قَذْفِهِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ أَتَى بِكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ جَازَ قَوْلُهُ: (يُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ جَمْعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَلَيْسَ التَّلَفُ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ، وَالرَّأْسَ قَوْلُهُ: (وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ) بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ يُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ عَنْهُ الثِّيَابُ وَإِنَّمَا يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ، وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ بَقَاءَ ذَلِكَ يَمْنَعُ حُصُولَ الْأَلَمِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ عَلَى ذَلِكَ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُلْقَى عَنْهُ الرِّدَاءُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا جُلِدَ أَرْبَعِينَ) لِأَنَّ حَدَّ الْعَبْدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ فَإِنْ قُلْت الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَمِنْ أَيْنَ جُعِلَ حَدُّ الْعَبْدِ أَرْبَعِينَ قُلْنَا مُرَادُ الْآيَةِ الْأَحْرَارُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] ، وَالْعَبْدُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ. قَوْلُهُ (وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا) هَذِهِ خَمْسُ شَرَائِطَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي إحْصَانِ الْقَذْفِ، وَالْعَفِيفُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِالشُّبْهَةِ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمُرِهِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ. . قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ فَطَالَبَهُ الِابْنُ بِحَدِّهَا حُدَّ الْقَاذِفُ) هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً مُحْصَنَةً كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَبَاك فَإِنْ قَالَهُ فِي رِضًا فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَزْحُ وَإِنْ قَالَهُ فِي غَضَبٍ حُدَّ لِأَنَّهُ قَصَدَ نَفْيَ نَسَبِهِ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت لِأُمِّك لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْصُولٌ وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأُمِّك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمْ تَلِدْك أُمُّك وَكَذَا إذَا قَالَ: لَسْت لِأَبَوَيْك لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَإِنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ يَعْنِي جَدَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَوْ نَسَبَهُ إلَى جَدِّهِ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ: لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ وَأَبُوهُ عَبْدٌ لَزِمَهُ الْحَدُّ لِأُمِّهِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً وَأَبُوهُ حُرًّا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّ أُمَّهُ لَيْسَتْ مُحْصَنَةً وَيُعَزَّرُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: مَيِّتَةٌ لِأَنَّهُ إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ بَطَلَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَتَيْنِ وَكَانَتْ أُمُّهُ مُسْلِمَةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يُبَالِي إنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ مُسْلِمَةً أَمْ لَا وَإِنْ كَانَتْ الْجَدَّةُ مُسْلِمَةً، وَالْأُمُّ كَافِرَةً لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَإِنْ قَالَ: يَا ابْنَ أَلْفِ زَانِيَةٍ حُدَّ لِأَنَّهُ قَذَفَ الْأُمَّ وَمَنْ فَوْقَهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَقَذْفُ الْأُمِّ يَكْفِي فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَلَوْ قَالَ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ لَمْ يُحَدَّ وَيُعَزَّرُ لِأَنَّ الْقَحْبَةَ قَدْ تَكُونُ الْمُتَعَرِّضَةَ لِلزِّنَا وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا صَرِيحُ قَذْفٍ وَكَذَا إذَا قَالَ: يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ أَوْ ابْنَ الْفَاسِقَةِ، وَلَوْ قَالَ: يَا قَوَّادُ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ قَوَّادُ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدَحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ) وَهُوَ الْوَلَدُ، وَالْوَالِدُ لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُ بِهِ لِمَكَانِ الْحُرِّيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَعِنْدَنَا وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا لِلْمَحْرُومِ عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ

حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْإِخْوَةُ، وَالْأَعْمَامُ، وَالْأَخْوَالُ وَأَوْلَادُهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْخُصُومَةِ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: لَمْ يَلِدْك أَبُوك فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ لِأَنَّ حَالَ مَا طَرَحَهُ الْأَبُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ إنَّمَا كَانَ نُطْفَةً وَلَمْ يَكُنْ وَلَدًا وَإِنَّمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ، وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ) . وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَذْفَ يَتَنَاوَلُهُمَا لِرُجُوعِ الْعَارِ إلَيْهِمَا وَلَنَا أَنَّهُ عَيَّرَهُ بِقَذْفِ مُحْصَنٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مَيِّتَةً نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً وَلَهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَاذِفِهَا حَدٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ مُحْصَنَةً. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ مَوْلَاهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأُمِّهِ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ مَوْلَاهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ لِأُمِّهِ فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ لِأُمِّ الْمَمْلُوكِ وَلَدٌ حُرٌّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ كَانَ لَهُمَا الْمُطَالَبَةُ لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ) لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيٌّ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي الْأَخْلَاقِ وَعَدَمَ الْفَصَاحَةِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا، وَالنَّبَطُ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ وَكَذَا إذَا قَالَ: لَسْت بِعَرَبِيٍّ أَوْ يَا ابْن الْخَيَّاطِ أَوْ يَا ابْنَ الْأَعْوَرِ وَلَيْسَ أَبُوهُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، وَلَوْ قَالَ: لَسْت بِابْنِ آدَمَ أَوْ لَسْت بِإِنْسَانٍ أَوْ لَسْت بِرَجُلٍ أَوْ مَا أَنْتَ بِإِنْسَانٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا وَإِنْ قَالَ لَسْت لِأَبٍ أَوْ لَسْت وَلَدَ حَلَالٍ فَهُوَ قَذْفٌ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَمْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُحَدُّ لِأَنَّ الْهَاءَ قَدْ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ يُقَالُ رَجُلٌ عَلَّامَةٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَحَالَ كَلَامَهُ فَوَصَفَ الرَّجُلَ بِصِفَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي بِغَيْرِ الْهَاءِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَأَتْ حُدَّ وَإِنْ قَالَ زَنَأَتْ فِي الْجَبَلِ حُدَّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ مِنْهُ لِلصُّعُودِ حَقِيقَةً قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ وَهِيَ تُرَقِّصُ ابْنَهَا أَشْبِهْ أَبَا أُمِّك أَوْ أَشْبِهْ عَمَل ... وَلَا تَكُونَنَّ كَهِلَّوْفٍ وَكَلْ وَارْقَ إلَى الْخَيْرَاتِ زَنْئًا فِي الْجَبَلِ عَمَلُ اسْمُ خَالِهِ أَيْ لَا تَتَجَاوَزْنَا فِي الشَّبَهِ، وَالْهِلَّوْفُ الثَّقِيلُ الْجَافِي الْعَظِيمُ اللِّحْيَةِ، وَالْوَكِلُ الْعَاجِزُ الَّذِي يَكِلُ أَمْرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْجَبَلِ يُقَرِّرُهُ مُرَادُ أَوَّلِهِمَا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَاحِشَةِ مَهْمُوزًا أَيْضًا وَحَالَةُ الْغَضَبِ، وَالْمُشَاتَمَةِ تُعَيِّنُ الْفَاحِشَةَ مُرَادًا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِئُ بِالْهَمْزَةِ أَوْ قَالَ زَنَأَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَبَلَ وَذِكْرُ الْجَبَلِ إنَّمَا يُعَيِّنُ الصُّعُودَ مُرَادًا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ عَلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ زَنَأَتْ عَلَى الْجَبَلِ لَمْ يُحَدَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ يُحَدُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَيَّ لِسَانٍ كَانَ فَهُوَ قَاذِفٌ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت بِك حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ حِينَ قَالَتْ: زَنَيْت وَقَذَفَتْهُ بِقَوْلِهَا بِك فَسَقَطَ حُكْمُ قَذْفِهِ وَبَقِيَ حُكْمُ قَذْفِهَا، وَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: لَا بَلْ أَنْتِ الزَّانِي حُدَّا جَمِيعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرَ وَلَمْ يُوجَدُ مِنْ الْمَقْذُوفِ تَصْدِيقٌ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت مَعَك فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهَا زَنَيْت تَصْدِيقٌ وَقَوْلَهَا مَعَك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْتَ حَاضِرٌ أَوْ شَاهِدٌ فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا، وَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي حُدَّ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَلَيْسَتْ هِيَ بِقَاذِفَةٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي بِالزِّنَا، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا رَأَيْت زَانِيًا خَيْرًا مِنْك أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِامْرَأَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُخَاطَبِينَ خَيْرًا مِنْ الزُّنَاةِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الزِّنَا. ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَى بِك زَوْجُك قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَك فَهُوَ قَذْفٌ لِأَنَّ الزِّنَا يَصِحُّ مِنْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَوْ قَالَ زَنَى فَخْذُك أَوْ ظَهْرُك فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنْ قَالَ زَنَى فَرْجُك فَهُوَ قَاذِفٌ وَإِنْ قَالَ زَنَى بِك فُلَانٌ بِأُصْبُعِهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ وَإِنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ مُكْرَهَةٌ أَوْ نَائِمَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ لَمْ يُحَدَّ وَكَذَا إذَا قَالَ وُطِئْت وَطْئًا حَرَامًا لِأَنَّ وَطْءَ الْحَرَامِ قَدْ يَكُونُ بِالزِّنَا وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَةٍ قَدْ أَعْتَقَتْ أَوْ لِكَافِرَةٍ قَدْ أَسْلَمَتْ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ يَوْمَ تَكَلَّمَ بِزِنَاهَا، وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْقَذْفِ حَالَ ظُهُورِهِ دُونَ حَالِ الْإِضَافَةِ. ، وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اذْهَبْ فَقُلْ لِفُلَانٍ: يَا زَانِي أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ فَلَا حَدَّ عَلَى الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْقَذْفِ وَلَمْ.

يَقْذِفْ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ بِقَذْفٍ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالزِّنَا لَيْسَ بِزِنًا وَأَمَّا الرَّسُولُ فَإِنْ قَذَفَ قَذْفًا مُطْلَقًا حُدَّ وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ لَك كَذَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِلْقَذْفِ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت وَفُلَانٌ مَعَك فَهُوَ قَذْفٌ لَهُمَا وَإِنْ قَالَ عَنَيْت فُلَانًا مَعَك شَاهِدًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ عَطَفَ فُلَانًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي زَنَيْت فَاقْتَضَى اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْفِعْلِ. وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَنَيْت بِبَعِيرٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ أَوْ بِفَرَسٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إلَى مَنْ يَكُونُ مِنْهُ الْوَطْءُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَطِئَك حِمَارٌ أَوْ ثَوْرٌ وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِشَاةٍ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فَهُوَ قَاذِفٌ لِأَنَّ الْأُنْثَى لَا يَكُونُ مِنْهَا فِعْلُ الزِّنَا لِأُنْثَى فَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الْعِوَضِ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: زَنَيْت بِبَقَرَةٍ أَوْ بِنَاقَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ زَانِيًا وَإِنْ قَالَ زَنَيْت بِأَمَةٍ حَدّ وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت بِثَوْرٍ أَوْ بِبَعِيرٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَدْحَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَالْكَرَمِ، وَالصَّفَاءِ وَلِأَنَّ ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِجَدِّ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ إلَى خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَإِسْمَاعِيلَ كَانَ عَمًّا لَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ «الْخَالُ أَبٌ» وَزَوْجُ الْأُمِّ يُسَمَّى أَبًا لِلتَّرْبِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ) قُيِّدَ بِغَيْرِ الْمِلْكِ احْتِرَازًا عَنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي الْمِلْكِ وَإِنَّمَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُ الْوَاطِئِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ يُشْبِهُ الزِّنَا وَهُوَ كَمَنْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ فَهَذَا وَطْءٌ حَرَامٌ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهَا حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِخِلَافِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَةً وَعَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَوَطِئَهُمَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا إذَا وَطِئَ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ أَمَةً قَدْ وَطِئَهَا أَبُوهُ أَوْ وَطِئَ هُوَ أُمَّهَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَإِنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ فَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهَا مِلْكَهُ وَتَحْرِيمُهَا عَارِضٌ فَهِيَ كَالْحَائِضِ، وَالْمَجُوسِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ: لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْ وَطْئِهَا بِدَلَالَةِ وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ امْرَأَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ فَوَطِئَهَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَإِنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَدُّ وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ فَوَطِئَهَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَإِنْ لَمَسَ امْرَأَةً لِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا أَوْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا وَدَخَلَ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفَةُ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَسْقُطُ إحْصَانُهُ حَتَّى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ. . قَوْلُهُ: (، وَالْمُلَاعَنَةُ بِوَلَدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا) لِأَنَّ وَلَدَهَا غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ مِنْ أَحَدٍ فَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ بَعْدَ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا وَإِنْ قَذَفَهَا قَاذِفٌ بَعْدَ مَا ادَّعَى الْأَبُ الْوَلَدَ حُدَّ وَإِنْ كَانَتْ مُلَاعَنَةً بِغَيْرِ وَلَدٍ فَقَذَفَهَا قَاذِفٌ حُدَّ وَإِنْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا حُدَّ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ كَالذِّمِّيِّ وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقَامُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ بِالْإِجْمَاعِ. . قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَذَفَ أَمَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا بِالزِّنَا) عُزِّرَ وَيُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتُهُ لِأَنَّهُ قَذْفٌ بِجِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ قَوْلُهُ: (أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ الزِّنَا فَقَالَ: يَا فَاسِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ عُزِّرَ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ غَايَتَهُ فِي هَذَا بَلْ يَكُونُ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ فَيُعَزِّرُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى وَكَذَا إذَا قَالَ: يَا فَاجِرُ أَوْ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا مَجُوسِيُّ أَوْ يَا كَافِرُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاجِرِ أَوْ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْفَاسِقَةِ أَوْ يَا ابْنَ الْخَبِيثَةِ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا سَارِقُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا قَالَ: يَا فَاسِقُ أَوْ يَا لِصُّ أَوْ يَا سَارِقُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَمْ يُعَزَّرْ وَكَذَا إذَا قَالَ يَا آكِلَ الرَّبَّا أَوْ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَمْ يُعَزَّرْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ عُزِّرَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ لَمْ يُعَزَّرْ) وَكَذَا إذَا قَالَ: يَا كَلْبُ أَوْ يَا قِرْدُ أَوْ يَا ثَوْرُ أَوْ يَا ابْنَ الْكَلْبِ أَوْ يَا ابْنَ الْحِمَارِ لَمْ يُعَزَّرْ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ.

وَلِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَتَسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ يُقَالُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَبًّا وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَسْبُوبُ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَحْسَنُ، وَلَوْ قَالَ: يَا لَاهِي يَا مَسْخَرَةُ أَوْ يَا ضَحْكَةُ أَوْ يَا مُقَامِرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَإِنْ قَالَ يَا بَلِيدُ عُزِّرَ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَإِنْ قَالَ يَا سَفَلَةُ عُزِّرَ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفَلَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْكَافِرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ الْمُقَامِرُ، وَاللَّاعِبُ بِالطُّنْبُورِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْأَفْعَالَ الدَّنِيئَةَ، وَقَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى هُوَ الَّذِي إذَا دُعِيَ إلَى الطَّعَامِ أَكَلَ وَحَمَلَ. قَوْلُهُ: (، وَالتَّعْزِيرُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ جَلَدَاتٍ) لِأَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ الِانْزِجَارُ وَهَذَا قَوْلُهُمَا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى الْأَرْبَعِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَتَى حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» ، وَالْأَرْبَعُونَ حَدٌّ فِي الْعَبِيدِ فِي الْقَذْفِ فَيَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَيَسْتَوِي فِي التَّعْزِيرِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالرَّجُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الِانْزِجَارُ قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا) اعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلَّ الْحَدِّ فِي الْأَحْرَارِ إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ وَأَقَلُّ حَدٍّ فِي الْحُرِّ ثَمَانُونَ فَيَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَفِي رِوَايَةِ الْكِتَابِ يَنْقُصُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَسْوَاطٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - كَانَ يَعْقِدُ لِكُلِّ خَمْسَةٍ عُقْدَةً فَلَمَّا بَلَغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ عَقَدَ وَذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ عُقْدَةً ثُمَّ لَمْ يَعْقِدْ فِي الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعُ جَلَدَاتٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسًا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَيُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ لِأَنَّ أَدْنَى حَدِّهِ أَرْبَعُونَ فَيَنْقُصُ خَمْسَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ وَكَذَا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ الْعَبْدُ مَا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ إلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْقَاضِي ثُمَّ التَّعْزِيرُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ كَالدَّهَاقِنَةِ، وَالْقُوَّادِ وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ، وَالْعَلَوِيَّةِ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَتَعْزِيرُ الْخِسَاسِ فَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ، وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ لَا غَيْرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ كَالسُّوقَةِ الْإِعْلَامُ، وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي، وَالْحَبْسُ وَتَعْزِيرُ الْخِسَاسِ الْجَرُّ، وَالضَّرْبُ، وَالْحَبْسُ وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّعْزِيرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ كَالْحَدِّ، وَالْقِصَاصِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالدُّيُونِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ الْحَبْسَ فَعَلَ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الرَّدْعُ، وَالزَّجْرُ فَإِذَا رَأَى أَنَّ الشَّاتِمَ لَا يَرْتَدِعُ بِالضَّرْبِ حَبَسَهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَرْتَدِعُ لَا يَحْبِسُهُ. قَوْلُهُ: (وَأَشَدُّ الضَّرْبِ التَّعْزِيرُ) لِأَنَّهُ مُخَفَّفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَمُؤَكَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] . قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقِّنٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُحْتَمِلٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ صَادِقًا وَلِأَنَّهُ قَدْ جَرَى فِيهِ التَّغْلِيظُ مِنْ حَيْثُ رَدُّ الشَّهَادَةِ فَلَا يُغَلَّظُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ شِدَّةِ التَّعْزِيرِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُجْمَعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشِّدَّةُ مِنْ حَيْثُ الضَّرْبُ، وَفِي حُدُودِ الْأَصْلُ يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يُضْرَبُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ إنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَمَوْضُوعُ الْأَوَّلِ إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ، وَفِي الثَّانِي إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَقْصَاهُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَحَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الشُّرْبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسُ فَإِذَا بَرِئَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَدَّمَ حَدَّ الزِّنَا عَلَى حَدِّ.

كتاب السرقة وقطاع الطريق

السَّرِقَةِ وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ حَدَّ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَحْبِسُهُ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِذَا بَرِئَ أَقَامَ عَلَيْهِ حَدَّ الشُّرْبِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا رَجْمٌ يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي السَّرِقَةِ ثُمَّ يُرْجَمُ وَيَبْطُلُ مَا عَدَاهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا يَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُقْتَصُّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ثُمَّ يُقْتَصُّ فِي النَّفْسِ وَيَلْغُو مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحُدُودِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَدَّهُ الْإِمَامُ أَوْ عَزَّرَهُ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا حُدَّ الْمُسْلِمُ فِي الْقَذْفِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَلِأَنَّهُ أَذَى الْمَقْذُوفَ بِلِسَانِهِ فَسَلَبَهُ اللَّهُ ثَمَرَةَ لِسَانِهِ مُجَازَاةً لَهُ وَثَمَرَةُ اللِّسَانِ نَفَاذُ الْأَقْوَالِ فَلَوْ قُبِلَ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ قَذْفَهُ كَانَ صِدْقًا فَيَنْهَتِكُ عِرْضُ الْمُسْلِمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قُلْنَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ الْفِسْقِ دُونَ الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ شَيْئَيْنِ الْفِسْقَ وَسُقُوطَ الشَّهَادَةِ فَبِالتَّوْبَةِ يَزُولُ عَنْهُ اسْمِ الْفِسْقِ وَيَبْقَى الْمَنْعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ اللَّهَ أَكَّدَ سُقُوطَ الشَّهَادَةِ بِالتَّأْبِيدِ فَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ تُقْبَلُ بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ التَّأْبِيدِ مَعْنًى فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ حُدَّ فِي الْإِسْلَامِ حَدًّا كَامِلًا وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ كَافِرًا فَحُدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَإِنْ كَانَ الْمَحْدُودُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ لِأَنَّ لَهُ نَوْعُ شَهَادَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ قَذَفَ الْعَبْدُ رَجُلًا فِي حَالِ الرِّقِّ ثُمَّ أُعْتِقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حُدَّ فِي قَذْفٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ لَهُ شَهَادَةً عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ لَهُ عَدَالَةٌ لَمْ تُخْرَجْ وَهِيَ عَدَالَةُ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَحُدَّ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْحَدَّ حَصَلَ وَلَهُ شَهَادَةٌ فَبَطَلَتْ تَتْمِيمًا لِحَدِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حُدَّ وَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ حُدَّ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ فِيمَ يُصَادِفُ الْحَدَّ شَهَادَةً تُبْطِلُهَا، وَلَوْ حَصَلَ بَعْضُ الْحَدِّ فِي حَالَةِ كُفْرِهِ وَبَعْضُهُ فِي حَالَةِ إسْلَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ حَتَّى لَوْ تَابَ قُبِلَتْ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ كَمَالُهُ وَكَمَالُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا وُجِدَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلشَّهَادَةِ هُوَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ لِأَنَّهُ لَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ الْبَاقِي وَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ، وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَدِّ فَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا ضُرِبَ الْكَافِرُ سَوْطًا وَاحِدًا فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ مَا بَقِيَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَالْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَوْ قَذَفَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حُدَّ كُلَّ الْحَدِّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ضُرِبَ الْمُسْلِمُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ هَرَبَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُضْرَبْ جَمِيعُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ أَكْثَرَهُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ضُرِبَ الْأَقَلُّ لَمْ تَسْقُطْ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ شَهَادَةُ الرَّامِي بِسَوْطٍ تُهْدَرُ ... وَجَاءَ عَنْهُ إذْ يُقَامُ الْأَكْثَرُ وَجَاءَ عَنْهُ الرَّدُّ حِينَ تَمَّمَا ... وَذَاكَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ فَاعْلَمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ السَّرِقَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ] السَّرِقَةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخِفْيَةِ وَمِنْهُ اسْتِرَاقُ السَّمْعِ وَقَدْ زِيدَتْ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً أَوْ ابْتِدَاءً لَا غَيْرُ كَمَا إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ عَلَى الْخِفْيَةِ وَأَخَذَ

الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ يَعْنِي لَيْلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ نَهَارًا اُشْتُرِطَ الِابْتِدَاءُ، وَالِانْتِهَاءُ. وَأَمَّا شُرِطَ الْأَخْذُ عَلَى الْخِفْيَةِ لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى غَيْرِ الْخِفْيَةِ يَكُونُ نَهْبًا وَخِلْسَةً وَغَصْبًا، وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ فَهُوَ الْخُرُوجُ لِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْمُجَاهَرَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْغَوْثُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا) (سَرَقَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) يَعْنِي دَفْعَةً وَاحِدَةً وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَشَرَةُ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ إذَا كَانَتْ فِي حِرْزٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَيُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا وَأَنْ يَكُون الْمَسْرُوقُ نِصَابًا كَامِلًا وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رُبْعُ دِينَارٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ عَشَرَةٌ مِنْ حِينِ السَّرِقَةِ إلَى حِينِ الْقَطْعِ فَإِنْ نَقَصَ السِّعْرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَمْ يُقْطَعْ وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا عِبْرَةَ بِالنُّقْصَانِ بَعْدَ الْأَخْذِ وَإِذَا سَرَقَ الْمَالَ فِي بَلَدٍ وَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا فِي الْبَلَدَيْنِ جَمِيعًا. قَوْلُهُ: (مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمَضْرُوبَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَضْرُوبَةِ عُرْفًا حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ تِبْرًا قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَمْ يُقْطَعْ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْمَضْرُوبَةِ وَغَيْرِهَا كَنِصَابِ الزَّكَاةِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ أَنْ يَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ بِدَلِيلِ مَقَادِيرِ الدِّيَاتِ وَإِنْ سَرَقَ دَرَاهِمَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةٍ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُسَاوِيَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ جِيَادٍ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلْوَزْنِ فِيهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ نُقْرَةً وَزْنُهَا عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ جِيَادًا قُطِعَ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يُقْطَعْ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا صَبِيٍّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ وَلَكِنْ يَضْمَنَانِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَسَرَقَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ قُطِعَ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيُّ قَوْلُهُ: (مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَجَبَ الْقَطْعُ) الْحِرْزُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ انْتَهَبَ أَوْ اخْتَلَسَ أَوْ سَرَقَ مَالًا ظَاهِرًا كَالثِّمَارِ عَلَى الْأَشْجَارِ أَوْ الْحَيَوَانِ فِي الْمُرَاعِي لَا يَجِبُ الْقَطْعُ، وَالْحِرْزُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَبْنِيُّ لِحِفْظِ الْمَالِ، وَالْأَمْتِعَةِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَارًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ خَيْمَةً أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ صُنْدُوقًا، وَالْحِرْزُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُحْرَزًا بِصَاحِبِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ وَكَانَ تَحْتَ رَأْسِهِ فَجَعَلَهُ مُحْرَزًا بِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا لِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ نَائِمًا حِينَ سُرِقَ رِدَاؤُهُ فَإِنْ دَخَلَ السَّارِقُ الدَّارَ وَعَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ، وَالسَّارِقُ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهْرٌ وَلَيْسَ بِخِفْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ قُطِعَ وَإِنْ دَخَلَ اللِّصُّ لَيْلًا وَصَاحِبُ الدَّارِ فِيهَا إنْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْلِمُ مِنْ الذِّمِّيِّ قُطِعَ وَقَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَيْ فِي الْحِرْزِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ تُسْقِطُ الْقَطْعَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. قَوْلُهُ: (وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ

لَا يَتَنَصَّفُ وَكَذَا الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَةُ فِيهِ سَوَاءٌ لِلْآيَةِ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ: (أَوْ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) وَلَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ حَدٌّ فَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يُقْطَعْ وَيَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ حُجَّةٌ فِي الْأَمْوَالِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ كَيْفِيَّةِ السَّرِقَةِ وَمَاهِيَّتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا وَقَدْرِهَا لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْحُدُودِ وَيُعْتَبَرُ فِي إقَامَةِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ حُضُورُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَمُطَالَبَتُهُ بِإِقَامَتِهِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي ثُبُوتِهِ بِالشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةٍ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَإِنْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ) وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَطْعُ لَهُمْ جَمِيعًا، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا فَسَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا دِرْهَمًا فَأَخْرَجَهُ إلَى سَاحَتِهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَ دِرْهَمًا آخَرَ وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ هَكَذَا حَتَّى سَرَقَ عَشَرَةً فَهَذِهِ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا خَرَجَ بِالْعَشَرَةِ مِنْ الدَّارِ قُطِعَ وَإِنْ خَرَجَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَفِي طَرَفِهِ دَرَاهِمُ مَصْرُورَةٌ تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالدَّرَاهِمِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ عَلِمَ بِهَا قُطِعَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْخَشَبِ، وَالْحَشِيشِ، وَالْقَصَبِ، وَالسَّمَكِ، وَالصَّيْدِ، وَالطَّيْرِ) وَكَذَلِكَ الزِّرْنِيخُ، وَالْمَغْرَةُ، وَالْمَاءُ، وَالتَّافِهُ هُوَ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ وَيَدْخُلُ فِي الطَّيْرِ الدَّجَاجُ، وَالْإِوَزُّ، وَالْحَمَامُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الطِّينَ، وَالتُّرَابَ، وَالسِّرْقِينَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَالْكُحْلِ، وَالْمِلْحِ، وَالْقُدُورِ، وَالْفَخَّارِ وَكَذَا اللَّبِنُ، وَالْآجُرُّ، وَالزُّجَاجُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الزُّجَاجِ الْقَطْعُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اقْطَعْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ فِي الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا، وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ، وَالْفَيْرُوزَجِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ تَافِهًا فَصَارَ كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَقَوْلُهُ: كَالْخَشَبِ يَعْنِي مَا سِوَى السَّاجِ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ. . قَوْلُهُ: (وَلَا فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَاللَّبَنِ، وَاللَّحْمِ، وَالْبِطِّيخِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» ، وَالْكَثَرُ هُوَ الْجُمَّارُ، وَقِيلَ الْوَدِيُّ وَهُوَ النَّخْلُ الصِّغَارُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَوْ سَرَقَ شَاةً مَذْبُوحَةً أَوْ ذَبَحَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا صَارَتْ لَحْمًا وَلَا قَطْعَ فِيهِ، وَالْفَوَاكِهُ الرَّطْبَةُ مِثْلُ الْعِنَبِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ لَا قَطْعَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَجْدُودَةً فِي حَظِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَابٌ مُقْفَلٌ وَأَمَّا الْفَوَاكِهُ الْيَابِسَةُ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُحْرَزَةً وَكَذَا لَا قَطْعَ فِي بَقْلٍ وَلَا بَاذِنْجَانَ وَلَا رَيْحَانَ وَيُقْطَعُ فِي الْحِنَّاءِ، وَالْوَسْمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهَا الْفَسَادُ. . قَوْلُهُ: (، وَالْفَاكِهَةُ عَلَى الشَّجَرِ، وَالزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُحْصَدْ) يَعْنِي لَا قَطْعَ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَأَمَّا إذَا قُطِعَتْ الْفَاكِهَةُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِهَا وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَجُعِلَ فِي حَظِيرَةٍ وَعَلَيْهَا بَابٌ مُغْلَقٌ قُطِعَ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الثِّيَابِ الَّتِي بُسِطَتْ لِلتَّجْفِيفِ وَإِنْ سَرَقَ شَاةً مِنْ الْمَرْعَى أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَعِيرًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رَاعٍ فَإِنْ آوَاهَا بِاللَّيْلِ إلَى حَائِطٍ قَدْ بُنِيَ لَهَا عَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ أَوْ مَعَهَا حَافِظٌ أَوْ لَيْسَ مَعَهَا حَافِظٌ فَكَسَرَ الْبَابَ وَدَخَلَ وَسَرَقَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً تَسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَهَا وَهُوَ يَقُودُهَا أَوْ يَسُوقُهَا أَوْ رَاكِبٌ عَلَيْهَا قُطِعَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَابٌ مُغْلَقٌ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ إغْلَاقُ الْبَابِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ مِنْ طَبْعِهَا النُّفُورُ أَمَّا الْحِنْطَةُ فِي الْحَظِيرَةِ وَسَائِرُ الْأَمْتِعَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِغْلَاقُ وَيُقْطَعُ فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا، وَالْأَدْهَانِ، وَالطِّيبِ، وَالْعُودِ

وَالْمِسْكِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيُقْطَعُ فِي الْخَلِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، وَالصُّوفِ، وَالدَّقِيقِ، وَالسَّمْنِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْعَسَلِ، وَالْمَلْبُوسِ، وَالْمَفْرُوشِ، وَالْأَوَانِي مِنْ الْحَدِيدِ، وَالصُّفْرِ، وَالرَّصَاصِ، وَالْأُدْمِ، وَالْقَرَاطِيسِ، وَالسَّكَاكِينِ، وَالْمَقَارِيضِ، وَالْمَوَازِينِ وَالْارسان وَلَا يُقْطَعُ فِي الْأُشْنَانِ لِأَنَّهُ يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِي الْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ) أَيْ الْمُسْكِرَةِ، وَالطَّرَبُ النَّشَاطُ وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْفُقَاعِ، وَالدِّبْسِ، وَالْخَلِّ وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخُبْزِ، وَالثَّرِيدِ قَوْلُهُ: (وَلَا فِي) (الطُّنْبُورِ وَكَذَا الدُّفُّ، وَالْمِزْمَارُ) لِأَنَّهُ لِلْمَلَاهِي. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي) (سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ) تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ فِيهِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ يُقْطَعُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْحِلْيَةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَنَاوُلِهِ الْقِرَاءَةُ فِيهِ وَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً، وَالْحِلْيَةُ إنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّبَعِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ آنِيَةً فِيهَا خَمْرٌ وَقِيمَة الْآنِيَةِ تَزِيدُ عَلَى النِّصَابِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَا قَطْعَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَالشِّعْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَوْ سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ مِائَةٌ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ لَا يَبْقَى أَوْ لَبَنٌ لَا يُقْطَعُ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَا فِي الْإِنَاءِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْإِنَاءِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي صَلِيبِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي كَسْرِهِ وَكَذَا الصَّنَمُ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الَّتِي عَلَيْهَا التَّمَاثِيلُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِلْعِبَادَةِ، وَلَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ خَمْرًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهَا نَاقِصٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الشِّطْرَنْجِ وَلَا النَّرْدِ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِأَنَّهَا لِلْمَلَاهِي. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْحِلْيَةُ تَبَعٌ لَهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ نِصَابًا، وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ أَمَّا إذَا كَانَ يَمْشِي وَيَتَكَلَّمُ فَلَا قَطْعَ فِيهِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ كَثِيرَةٌ لِأَنَّ لَهُ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَا عَلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ جِرَابًا فِيهِ مَالٌ كَثِيرٌ أَوْ جَوَالِقَ فِيهَا مَالٌ قُطِعَ لِأَنَّهَا أَوْعِيَةٌ لِلْمَالِ، وَالْمَقْصُودُ بِالسَّرِقَةِ الْمَالُ دُونَ الْوِعَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَكَانَ غَصْبًا لَا سَرِقَةً قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ لِأَنَّهُ مَالٌ وَلَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالْبَهِيمَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْبَالِغِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَعْقِلُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِي الدَّفَاتِرِ كُلِّهَا إلَّا فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ) لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ وَإِنْ كَانَتْ كُتُبَ النَّحْوِ، وَالْفِقْهِ، وَالشِّعْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِسَرِقَتِهَا مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَأَمَّا دَفَاتِرُ الْحِسَابِ وَهُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْوَرِقُ دُونَ مَا فِيهَا، وَالْوَرِقُ مَالٌ فَيَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ دَفَاتِرُ قَدْ مَضَى حِسَابُهَا مَا إذَا لَمْ يَمْضِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ غَرَضَهُ مَا فِيهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَالٍ وَأَمَّا دَفَاتِرُ التُّجَّارِ فَفِيهَا الْقَطْعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْوَرِقُ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ كَلْبٍ وَلَا فَهْدٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ فِي مَالِيَّتِهِمَا قُصُورٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلِهَذَا لَوْ سَرَقَ كَلْبًا، وَفِي عُنُقِهِ طَوْقُ ذَهَبٍ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَرِقَةُ الْكَلْبِ وَهَذَا تَابِعٌ لَهُ إذْ لَوْ أَرَادَ سَرِقَةَ الطَّوْقِ لَقَطَعَهُ مِنْ عُنُقِ الْكَلْبِ وَأَخَذَهُ قَوْلُهُ: (وَلَا دُفٍّ وَلَا طَبْلٍ وَلَا مِزْمَارٍ) لِأَنَّ هَذِهِ مَعَازِفُ قَدْ نُدِبَ إلَى كَسْرِهَا، وَالْمُرَادُ بِالطَّبْلِ طَبْلُ اللَّهْوِ أَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ، وَالْقَنَا، وَالْأَبَنُوسِ، وَالصَّنْدَلِ) لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ عَزِيزَةٌ مُحْرَزَةٌ قَوْلُهُ: (وَإِذَا اتَّخَذَ مِنْ الْخَشَبِ أَوَانِي أَوْ أَبْوَابٌ قُطِعَ فِيهَا) لِأَنَّهَا بِالصَّنْعَةِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ وَلَا يُقْطَعُ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ.

وَلَوْ سَرَقَ فُسْطَاطًا إنْ كَانَ مُرَكَّبًا مَنْصُوبًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا قُطِعَ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْحَصِيرِ وَيُوَارِي الْقَصَبَ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا لَمْ تَغْلِبْ عَلَى الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ) وَهُمَا اللَّذَانِ يَأْخُذَانِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ قَوْلُهُ: (وَلَا نَبَّاشٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْرَزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ الدُّخُولَ فِيهِ لِزِيَارَةِ الْقَبْرِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَهُ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ، وَفِيهِ مَيِّتٌ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْقَبْرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا قَوْلُهُ: (وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ) الِانْتِهَابُ هُوَ الْأَخْذُ عَلَانِيَةً قَهْرًا، وَالِاخْتِلَاسُ أَنْ يَخْطَفَ الشَّيْءَ بِسُرْعَةٍ عَلَى غَفْلَةٍ وَأَمَّا الطَّرَّارُ إذَا طَرَّ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ لَا يُقْطَعُ وَبَيَانُهُ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَشْدُودَةً مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ وَحَلَّ الْعُقْدَةَ وَأَخَذَ مِنْ الْخَارِجِ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَتْ الْعُقْدَةُ مَشْدُودَةً مِنْ خَارِجٍ فَحَلَّهُ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخْرَجَهُ قُطِعَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ سَوَاءٌ طَرَّ مِنْ الْخَارِجِ أَوْ الدَّاخِلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَتْ سَقَطَتْ فِي الْكُمِّ قُطِعَ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا قُطِعَتْ تَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُقْطَعْ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مَالٌ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ) لِأَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِهِ فِي بَعْضِ الْمَالِ شُبْهَةٌ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَسَرَقَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ لَمْ يُقْطَعْ وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ، وَالْحَالُ، وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا قَالَ أَخَذْته رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً بِحَقِّي دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَسَرَقَ دَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ قِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ النُّقُودَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّارِقَ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ الَّذِي يَقُولُهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغَرِيمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يَعْرِفُ الْخِلَافَ وَيُعْتَدُّ بِهِ وَذَلِكَ يُورِثُ شُبْهَةً تُسْقِطُ الْقَطْعَ وَإِنْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَعَلَيْهِ دَرَاهِمُ أَوْ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ وَعَلَيْهِ دَنَانِيرُ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، وَالْمُعَاوَضَةِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ غَرِيمِ مَوْلَاهُ أَوْ الرَّجُلُ مِنْ غَرِيمِ أَبِيهِ قُطِعَ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ حَقَّ قَبْضَ دُيُونِهِ إلَيْهِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَرِيمِ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ غَرِيمِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ قُطِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ فِي دُيُونِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَسَرَقَ مِنْ غَرِيمِهِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِ عَبْدِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ دَيْنَ عَبْدِهِ مَالُهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ) وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ قُطِعَ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا وَحْشَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ) لِأَنَّ بَيْنَهُمَا سَبَبًا يُوجِبُ التَّوَارُثَ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَرَقَ هُوَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَبَانَتْ بِغَيْرِ عِدَّةٍ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ أَصْلَهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ أَوْ الْمُخْتَلِعَةِ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُقْطَعْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُطَلَّقَةً اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَذَا إذَا سَرَقَتْ هِيَ مِنْ زَوْجِهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُقْطَعْ قَوْلُهُ: (أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ.

سَيِّدَتِهِ أَوْ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ سَرَقَتْ مِنْ مَوْلَاهَا وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعْ لِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقًّا قَوْلُهُ: (وَكَذَا السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ) لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا. قَوْلُهُ: (وَالْحِرْزُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ، وَالدُّورِ) وَيُسَمَّى هَذَا حِرْزًا بِالْمَكَانِ وَكَذَلِكَ الْفَسَاطِيطُ، وَالْحَوَانِيتُ فَهَذِهِ كُلُّهَا حِرْزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَافِظٌ سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَفْتُوحُ الْبَابِ أَوْ لَا بَابَ لَهُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِقِيَامِ يَدِ مَالِكِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُحْرِزِ بِالْحَافِظِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ) كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحْرَزٌ بِهِ وَقَدْ قَطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا، وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ، وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ وَقَوْلُهُ بِالْحَافِظِ هَذَا إذَا كَانَ الْحَافِظُ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَمَّا إذَا بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ فَلَيْسَ بِحَافِظٍ قَالَ مَشَايِخُنَا: كُلُّ شَيْءٍ مُعْتَبَرٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ كَمَا إذَا سَرَقَ الدَّابَّةَ مِنْ الْإِصْطَبْلِ أَوْ الشَّاةَ مِنْ الْحَظِيرَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِذَا سَرَقَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الْحُلِيَّ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يُقْطَعُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ فَهُوَ حِرْزٌ لِكُلِّ نَوْعٍ حَتَّى جَعَلُوا شَرِيحَةَ الْبَقَّالِ وَقَوَاصِرَ التَّمْرِ حِرْزًا لِلدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ، وَاللُّؤْلُؤِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الشَّرِيحَةُ الْجِرَارُ أَوْ الوشحة، وَلَوْ سَرَقَ الْإِبِلَ مِنْ الطَّرِيقِ مَعَ حِمْلِهَا لَا يُقْطَعُ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا عَلَيْهَا أَوْ لَا لِأَنَّ هَذَا مَالٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْجَوَالِقَ بِعَيْنِهَا أَمَّا إذَا شَقَّ الْجَوَالِقَ فَأَخْرَجَ مَا فِيهَا إنْ كَانَ صَاحِبُهَا هُنَاكَ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ) يَعْنِي مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لِرَجُلٍ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَتَى مَنْزِلًا آخَرَ فَسَرَقَ مِنْهُ دِرْهَمًا آخَرَ لَمْ يُقْطَعْ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ، وَالْخَانَاتُ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِالْحَافِظِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ) لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي دُخُولِهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً وَكَذَا لَا قَطْعَ عَلَى خَادِمِ الْقَوْمِ إذَا سَرَقَ مَتَاعَهُمْ وَلَا أَجِيرً سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ وَإِذَا آجَرَ دَارِهِ عَلَى رَجُلٍ فَسَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَنْزِلٍ مِنْ الدَّارِ عَلَى حِدَةٍ قُطِعَ السَّارِقُ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَدْ صَارَ أَخَصَّ بِالْحِرْزِ مِنْ الْمَالِكِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِهِ وَعِنْدَهُمَا إذَا سَرَقَ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ وَإِنْ سَرَقَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ مُفْرَدٍ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْحِرْزِ وَلَا فِي الْمَالِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْأَصْهَارِ أَوْ الْأُخْتَانِ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ لِلْخَتَنِ أَمَّا إذَا كَانَ لِلْبِنْتِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الصِّهْرِ إذَا كَانَ الْبَيْتُ لِلزَّوْجَةِ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا، وَلَوْ سَرَقَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ مِنْ بَيْتِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْعِدْلِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَا إذَا سَرَقَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ بَيْتِ الْعَدْلِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِهِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ وَدَخَلَ فَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ

عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ وَكَذَا الْخَارِجُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ وَعِنْدَهُمَا يُقْطَعُ الدَّاخِلُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَاوَلَهُ قَامَتْ يَدُ الثَّانِي مَقَامَ يَدِهِ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ، وَالشَّيْءُ فِي يَدِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهُ مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ قُطِعَا جَمِيعًا، وَلَوْ أَنَّ الدَّاخِلَ رَمَى بِهِ إلَى صَاحِبٍ لَهُ خَارِجَ الْحِرْزِ مِنْ غَيْرِ مُنَاوَلَةٍ فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ سَرَقَ سَرِقَةً وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ قُطِعَ) وَهَذَا إذَا رَمَى بِهِ فِي الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَمَّا إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ وَأَخَذَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِاسْتِهْلَاكِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَطْعٌ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي الْحِرْزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا رَمَى بِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي يَدِهِ فَإِذَا خَرَجَ وَأَخَذَهُ صَارَ كَأَنَّهُ خَرَجَ وَهُوَ مَعَهُ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: فَأَخَذَهُ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ التَّضْيِيعَ لَا السَّرِقَةَ فَكَانَ مُضَيِّعًا لَا سَارِقًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ وَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّ مَا عَلَى الْبَهِيمَةِ يَدُهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: وَسَاقَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَسُقْهُ حَتَّى خَرَجَ الْحِمَارُ بِنَفْسِهِ لَا يُقْطَعُ وَكَذَا لَوْ جَعَلَ لُؤْلُؤًا عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ وَطَيَّرَهُ قُطِعَ وَإِنْ طَارَ بِنَفْسِهِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَالَ فِي الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أَوْ إحْرَاقٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ لُؤْلُؤًا فَابْتَلَعَهُ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا وَلَا يَنْتَظِرُ حَتَّى يَضَعَهَا مَعَ الْغَائِطِ، وَلَوْ نَقَبَ الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا ثُمَّ جَاءَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى فَدَخَلَ وَأَخَذَ شَيْئًا إنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَيْتِ قَدْ عَلِمَ بِالنَّقْبِ وَلَمْ يَسُدَّهُ أَوْ كَانَ النَّقْبُ ظَاهِرًا يَرَاهُ الْمَارُّونَ وَبَقِيَ كَذَلِكَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِلَّا قُطِعَ وَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً مِنْ الْحِرْزِ فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى وَلَمْ تَكُنْ الْأُولَى نِصَابًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ فِي الْحِرْزِ نَهْرٌ جَارٍ فَوَضَعَ الْمَتَاعَ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ الْمَاءُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكٍ قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حِرْزٍ فَدَخَلَ آخَرُ وَحَمَلَ السَّارِقَ، وَالْمَالُ مَعَ السَّارِقِ قُطِعَ الْمَحْمُولُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْحَامِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ طَبَقًا فَحَمَلَ رَجُلًا حَامِلًا لِطَبَقٍ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ الْحِرْزِ دَفْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ فَأَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ سَدَّ النَّقْبَ فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي يَكُونُ سَرِقَةً أُخْرَى فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ فِي كُلِّ دُفْعَةٍ دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قُطِعَ، وَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ إنْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ عَرْضًا قُطِعَ إذَا كَانَ بَعْدَ الشَّقِّ يُسَاوِي نِصَابًا وَإِنْ شَقَّهُ طُولًا فَكَذَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الشَّقَّ بِالطُّولِ اسْتِهْلَاكٌ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَلَمَّا كَانَ لَهُ خِيَارُ التَّرْكِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ بِالضَّمَانِ فَلَا يُقْطَعُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّمَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ قُطِعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الثَّوْبَ لَهُ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا سَقَطَ الْقَطْعُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا قُطِعَ إجْمَاعًا لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزُ جَمَاعَةً فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا) يَعْنِي إذَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا قِيمَتُهُ عَشَرَةً، وَقَالَ زُفَرُ: يُقْطَعُ الْآخِذُ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ وَلَهُمَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ، وَالْكَمَالُ فِي الدُّخُولِ، وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ فَإِنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ أَوْ فِي كُمِّ غَيْرِهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ هَتْكُ الصُّنْدُوقِ، وَالْكُمِّ إلَّا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمْ تُتَمَّمْ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ. قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ) وَهُوَ الْمِعْصَمُ وَكَانَ الْقِيَاسُ.

يَتَنَاوَلُ الْيَدَ كُلَّهَا إلَى الْمَنْكِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] إلَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَفِعْلُهُ بَيَانٌ. قَوْلُهُ: (وَتُحْسَمُ) لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُحْسَمْ أَدَّى إلَى التَّلَفِ وَصُورَةُ الْحَسْمِ أَنْ تُجْعَلَ يَدُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي دُهْنٍ قَدْ أُغْلِيَ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَثَمَنُ الدُّهْنِ عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّ مِنْهُ سَبَبَ ذَلِكَ وَهُوَ السَّرِقَةُ قَالُوا: وَلَا يُقْطَعُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَتَوَسَّطَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى ذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السَّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) أَوْ يَمُوتَ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لِلسَّارِقِ كَفَّانِ فِي مِعْصَمٍ وَاحِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُقْطَعَانِ جَمِيعًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ وَأَمْكَنَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَطْعِهَا لَمْ تُقْطَعْ الزَّائِدَةُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قُطِعَا جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فَإِنْ كَانَ يَبْطِشُ بِأَحَدِهِمَا قُطِعَتْ الْبَاطِشَةُ فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَا تُقْطَعُ هَذِهِ الزَّائِدَةُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ) وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ وَيَضْمَنُ الْمَالَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْإِبْهَامِ أَوْ أُصْبُعَيْنِ سِوَى الْإِبْهَامِ فَإِنَّهَا تُقْطَعُ مِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً قُطِعَتْ فَكَذَا إذَا كَانَتْ شَلَّاءَ وَإِنْ كَانَتْ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ الْمِفْصَلِ فَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ: اقْطَعْ يَمِين هَذَا فِي سَرِقَةٍ فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِبَدَلٍ وَهِيَ الْيُمْنَى فَأَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقَاطِعُ فِي الْعَمْدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ. وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً، وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ أَيْ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ قُلْنَا: إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٌ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هَلْ يَكُونُ هَذَا الْقَطْعُ لِلسَّرِقَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ عَنْهَا حَتَّى لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يَكُونُ عَنْهَا حَتَّى إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْحَدَّادُ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ بِأَنْ اجْتَهَدَ، وَقَالَ الْقَطْعُ مُطْلَقٌ فِي النَّصِّ أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ، وَالْيَسَارِ وَلَا يُجْعَلُ عَفْوًا. وَفِي الْمُصَفَّى إذَا قَطَعَهَا خَطَأً لَا يَضْمَنُ سَوَاءٌ أَخْطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الشِّمَالِ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ فَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي فَقَطَعَهَا لَمْ يَضْمَنْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ وَإِنْ قَطَعَ أَحَدَ يَدِ السَّارِقِ الْيُسْرَى بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ فَفِي الْخَطَأِ تَجِبُ الدِّيَة، وَفِي الْعَمْدِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ فِي الْيُمْنَى وَيَضْمَنُ السَّارِقُ الْمَالَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبَ بِالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لِأَنَّ عِنْدَنَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةٍ لِلْمُسْتَوْدِعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْمُضَارِبِ الْمُسْتَبْضِعِ وَكُلِّ مَنْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَكَذَا بِخُصُومَةٍ مِمَّنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْغَاصِبِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَإِنْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ السَّارِقِ سَارِقٌ آخَرَ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ أَوْ قَبْلُ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِ مَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ وَإِنَّمَا هِيَ يَدٌ ضَائِعَةٌ لَا حَافِظَةٌ فَصَارَ الْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ وَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا لِأَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَالِ، وَلَوْ دُرِئَ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ ثُمَّ سَرَقَ مِنْهُ سَارِقٌ قُطِعَ لِأَنَّ الْقَطْعَ إذَا دُرِئَ عَنْهُ تَعَلَّقَ بِأَخْذِهِ الضَّمَانَ وَيَدُ الضَّامِنِ يَدٌ صَحِيحَةٌ فَإِزَالَتُهَا تُوجِبُ الْقَطْعَ وَيَصِيرُ السَّارِقُ الْأَوَّلُ كَالْغَاصِبِ وَقَدْ قَالُوا هَلْ لِلسَّارِقِ أَنْ يُطَالِبَ بِرَدِّ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ إلَى يَدِهِ فَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ.

الْمَالِكُ الضَّمَانَ وَيَتْرُكَ الْقَطْعَ فَيَتَخَلَّصَ السَّارِقُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ أَمَّا بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا حَقَّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهَا فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَهَبَهَا مِنْ السَّارِقِ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ) وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِمِيرَاثٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، وَالْمَعْنَى فِي الْهِبَةِ بَعْدَ مَا سَلِمَتْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ التَّرَافُعِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا وَهَبَهَا لَهُ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ التَّرَافُعِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ، وَلَوْ رَدَّ السَّارِقُ السَّرِقَةَ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَ، وَلَوْ أَمَرَ الْحَاكِمُ بِقَطْعِ السَّارِقِ فَعَفَا عَنْهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ: شَهِدَتْ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ لَمْ يَسْرِقْ مِنِّي أَوْ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ ثُمَّ أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ الْمَالَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ، وَالْمُطَالَبَةُ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَكِنْ دَفَعَهُ إلَى أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ يَدَهُمْ يَدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ قُطِعَ وَقِيلَ: إنْ دَفَعَهُ إلَى وَالِدَيْهِ أَوْ جَدَّيْهِ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ: وَكَذَا إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي عِيَالِهِ أَمْ لَا وَإِنْ دَفَعَهَا لِي مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِ أَبِيهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا وَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ) . وَقَالَ زُفَرُ يُقْطَعُ وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدنَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ عَادَ فَزَنَى بِهَا حُدَّ أَيْضًا ثَانِيًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي السَّرِقَةِ إذَا سَقَطَ الْقَطْعُ وَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ عِوَضًا عَنْهُ، وَفِي الزِّنَا إذَا سَقَطَ الْحَدُّ لَمْ يَضْمَنْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا مِثْلُ إنْ كَانَتْ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ فَرَدَّهُ ثُمَّ نُسِجَ فَعَادَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَبَدَّلَتْ وَلِهَذَا إذَا غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثَوْبًا انْقَطَعَ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ الْغَزْلِ، وَلَوْ سَرَقَ نُقْرَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَالدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ إلَى صَاحِبِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَكُونُ لِلسَّارِقِ بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالتَّضْمِينُ مُتَعَذِّرٌ لِأَجْلِ قَطْعِ يَدِهِ إذْ الْقَطْعُ، وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ فَعِنْدَهُمَا يَكُونُ لِلسَّارِقِ وَيَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُؤْخَذُ الثَّوْبُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْغَصْبِ، وَلَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ أَخَذَ مِنْهُ نَاقِصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِثْلُ الْعُصْفُرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَإِنْ سَرَقَ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا فَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَجَعَلَهَا آنِيَةً أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ، وَقَالَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَهُمَا. . قَوْلُهُ: (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا) وَكَذَا إذَا كَانَ السَّارِقُ قَدْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي يَدِ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ وَتَصَرُّفُ السَّارِقِ فِيهَا بَاطِلٌ وَكَذَا إذَا فَعَلَ هَذَا بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْغَيْرِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا) وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فِي الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الضَّمَانُ، وَالْقَطْعُ عِنْدَنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ غَيْرُهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُسْتَهْلِكَ وَإِنْ أَوْدَعَهُ السَّارِقُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُهُ الْمُودَعُ وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ لِأَحَدِهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حُصِرَ أَحَدُهُمْ فَإِنْ حُصِرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ

بِحَضْرَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا إجْمَاعًا فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً) مَعْنَاهُ بَعْدَ مَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجَزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الْمَالَ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَالْقَطْعَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ إقْرَارًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ وَأَنْكَرَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ لِأَنَّ الرُّجُوعَ يُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ قَالَ: سَرَقْتُ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَبَقِيَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُقْطَعْ وَضَمِنَ الْمَالَ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ أَوْ وَاحِدٌ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ فَأُخِذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا قَتَلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً) وَيُعَزَّرُونَ أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِمْ مُنْكَرًا، وَلَوْ اشْتَرَكَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي النِّسَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الرِّجَالِ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَطْعَ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ هَذَا الْقَطْعَ إنَّمَا شُرِعَ فِيهِمْ لِكَوْنِهِمْ حَرْبًا، وَالنِّسَاءُ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُنَّ فِي الْحَرْبِ لَا يَقْتُلْنَ فَكَذَا هُنَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَقْطَعْ أَيْدِيَهُنَّ وَلَا أَرْجُلَهُنَّ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْ الرِّجَالِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَسْقُطُ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْقُطُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ) وَإِنَّمَا وَجَبَ قَطْعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى أَخْذِ الْمَالِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَتَغَلَّظَ حُكْمُهُ بِزِيَادَةِ قَطْعِ رِجْلِهِ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِأَنَّ الْقَطْعَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى، وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَمِنْ شَرْطِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ أَمَّا إذَا كَانَ يَلْحَقُهُ فِيهِ الْغَوْثُ لَمْ يَكُنْ قَطْعًا إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْخِيَانَةَ وَإِنْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا) أَيْ سِيَاسَةً لَا قِصَاصًا وَإِنَّمَا كَانَ الْقَتْلُ حَدًّا لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا إلَى الْقَتْلِ إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَانْحَتَمَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ عَفَا عَنْهُمْ الْأَوْلِيَاءُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى عَفْوِهِمْ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُودُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ قَتَلُوا سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ بِخَشَبٍ أَوْ بِسَيْفٍ قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ صَلْبًا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلْبِ وَحْدَهُ وَلَا يَقْطَعُ الْأَيْدِي، وَالْأَرْجُلَ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ لَا أُعْفِيهِ مِنْ الصَّلْبِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ، وَفِي الْكَرْخِيِّ: أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي

الْمَنْظُومَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ) يَعْنِي بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَيُصْلَبُونَ أَحْيَاءً ثُمَّ تُبْعَجُ بُطُونُهُمْ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتُوا) وَكَيْفِيَّةُ الصَّلْبِ أَنْ تُغْرَزَ خَشَبَةٌ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْبَطُ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى عَرْضًا فَيَضَعُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهَا وَيُرْبَطُ مِنْ أَعْلَاهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى وَيُرْبَطُ عَلَيْهَا يَدَيْهِ ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ فِي ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخَضْخَضُ بَطْنُهُ بِالرُّمْحِ إلَى أَنْ يَمُوتَ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ فَرُوِيَ أَنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الصَّلْبَ حَيًّا مُثْلَةٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعْذِيبِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ صَلْبَهُ حَيًّا أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ، وَالزَّجْرِ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُصْلَبُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ فَإِذَا صُلِبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خُلِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَةٍ حَتَّى يَتَمَزَّقَ جِلْدُهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ قُلْنَا قَدْ حَصَلَ الِاعْتِبَارُ بِمَا ذَكَرْنَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمُقْطَعِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ بَاشَرَ الْأَخْذَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ بَاشَرَهُ الْعُقَلَاءُ الْبَالِغُونَ حُدُّوا وَلَمْ يُحَدَّ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ إذَا بَاشَرُوا فَهُمْ الْمَتْبُوعُونَ، وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْمَتْبُوعِ فَسُقُوطُهُ عَنْ التَّبَعِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِي بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْمُخْطِئِ، وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ لِذِي الرَّحِمِ شُبْهَةٌ فِي مَالِ ذِي الرَّحِمِ بِدَلَالَةِ سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْهُ فِي السَّرِقَةِ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ إنْ وَلِيَتْ الْقَتْلَ فَقَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الرِّجَالُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَأَفْعَلُ بِهِمْ مَا أَفْعَلُ بِالْمُحَارِبِينَ وَلَا أَقْتُلُ الْمَرْأَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَقْتُلُهَا إنْ قَتَلَتْ وَأُضَمِّنُهَا الْمَالَ إنْ أَخَذَتْهُ وَلَا أَقْتُلُ الرِّجَالَ وَلَكِنْ أُوجِعُهُمْ ضَرْبًا وَأَحْبِسُهُمْ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ أَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُخْطِئِ، وَالْعَامِدِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: مَنْ بَاشَرَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ لَوْ أَنَّ عَشَرَةً قَطَعُوا الطَّرِيقَ، وَالتِّسْعَةَ مِنْهُمْ قِيَامٌ، وَالْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَقْتُلُ وَيَأْخُذُ الْمَالَ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ فَإِنْ تَابُوا ثُمَّ أُخِذُوا يُقْتَلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا غَيْرُ قَوْلُهُ: (وَصَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا) يَعْنِي إنْ شَاءُوا قَتَلُوا مَنْ قَتَلَ وَهُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَقَدْ قَتَلَ بِحَدِيدٍ أَمَّا إذَا قَتَلَ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَلِيَ الْقَتْلَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَا أَخَذَا الْمَالَ ضَمِنَا. . قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاشَرَ الْفِعْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أُجْرِيَ الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ) يَعْنِي مَنْ بَاشَرَ الْقَتْلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَكَانَ رِدْءًا لَهُمْ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كُلِّهِمْ سَوَاءٌ وَمَا لَزِمَ الْمُبَاشِرَ فَهُوَ لَازِمٌ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مُعِينًا لَهُمْ وَمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَطَلَبَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ تَائِبًا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] الْآيَةَ. وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ

كتاب الأشربة

قَبْلَ الْقُدْرَةِ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ إنْ كَانَ قَتَلَ وَاقْتُصَّ مِنْهُ إنْ كَانَ جَرَحَ وَرَدَّ الْمَالَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَضَمِنَهُ إنْ كَانَ هَالِكًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْآدَمِيِّينَ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَدْ كَانَ قَتَلَ اُعْتُبِرَتْ الْآلَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى أَصْلِهِ، وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَالسَّرِقَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] [الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ] (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ) الْأَشْرِبَةُ جَمْعُ شَرَابٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَشْرِبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ: الْخَمْرُ وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ) يَعْنِي النِّيءَ مِنْهُ (إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ) مِنْ دُونِ أَنْ يُطْبَخَ. قَوْلُهُ: (وَالْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) وَيُسَمَّى الطِّلَاءُ. قَوْلُهُ: (وَنَقِيعُ التَّمْرِ إذْ اشْتَدَّ وَغَلَى) وَيُسَمَّى السَّكَرُ (وَ) نَقِيعُ (الزَّبِيبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ) ، وَالْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِهَا وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا، وَالثَّانِي فِي حَدِّ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ اشْتَرَطَ الْقَذْفَ بِالزَّبَدِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ، وَالثَّالِثُ إنَّ عَيْنَهَا حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ وَلَا مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً كَالْبَوْلِ، وَالْخَامِسُ أَنَّهُ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا، وَالسَّادِسُ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا، وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنٌ فَأَوْفَاهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ لِأَنَّهُ ثَمَنُ بَيْعٍ بَاطِلٍ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُؤَدِّيهِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْهُ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ جَائِزٌ، وَالسَّابِعُ: حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّجِسِ حَرَامٌ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ وَاجِبُ الِاجْتِنَابِ، وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ اقْتِرَابٌ قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] ، وَالثَّامِنُ: أَنَّهُ يُحَدُّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ» . وَالتَّاسِعُ: أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا بَعْدَ الْقَذْفِ بِالزَّبَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهَا مَا لَمْ يَسْكَرْ مِنْهُ عَلَى مَا قَالُوا لِأَنَّ الْحَدَّ بِالْقَلِيلِ فِي النِّيءِ خَاصَّةً وَهَذَا قَدْ طُبِخَ، وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَخْلِيلِهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الْخَمْرِ. وَأَمَّا الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ فَهُوَ الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخٍ وَذَلِكَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَيُسَمَّى الْبَاذَقُ، وَالْمُنَصَّفُ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ بِالطَّبْخِ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا أَيْضًا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ، وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَهُوَ يُسَمَّى السَّكَرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَأَمَّا نَقِيعُ الزَّبِيبِ فَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ فَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: الْأَشْرِبَةُ ثَمَانِيَةٌ الْخَمْرُ، وَالسَّكَرُ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ، وَالْفَضِيخُ، وَالْبَاذِقُ، وَالطِّلَاءُ، وَالْجُمْهُورِيُّ فَالْخَمْرُ: هُوَ النِّيءُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالسَّكَرُ: وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ إذَا غَلَى مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَائِهِ وَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ عَلَى الْخِلَافِ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ، وَالْفَضِيخُ: وَهُوَ الْبُسْرُ يُدَقُّ وَيُكْسَرُ وَيُنْقَعُ فِي الْمَاءِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَغْلِيَ وَيَشْتَدَّ وَيُقْذَفَ بِالزَّبَدِ، وَالْبَاذِقُ وَهُوَ الْعَصِيرُ إذْ طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ حَرَامٌ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ، وَالطِّلَاءُ مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ شُمِّسَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَالْجُمْهُورِيُّ: هُوَ الطِّلَاءُ الْمَذْكُورُ وَلَكِنْ صُبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالطَّبْخِ ثُمَّ طُبِخَ بَعْدَ ذَلِكَ أَدْنَى طَبْخٍ وَصَارَ مُسْكِرًا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَاذَقِ ثُمَّ الْخَمْرُ حَرَامٌ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَمَنْ شَرِبَ مِنْهَا قَلِيلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَمَنْ شَرِبَ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُصَلِّ إلَى الْجَوْفِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَلَوْ خَلَطَ الْخَمْرَ بِالْمَاءِ وَشَرِبَهَا إنْ كَانَ الْخَمْرُ غَالِبًا أَوْ مِثْلَهُ حُدَّ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ إذَا وَصَلَ جَوْفَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا لَمْ يُحَدَّ حَتَّى يُسْكِرَ وَشُرْبُ ذَلِكَ حَرَامٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَالنَّجَاسَةُ إذَا خَالَطَتْ الْمَاءَ لَمْ يَجُزْ شُرْبُهُ، وَلَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَقَرَّرَتْ فِيهِ فَلَا يُزِيلُهَا الطَّبْخُ فَإِنْ شَرِبَهُ إنْسَانٌ حُدَّ لِأَنَّ الطَّبْخَ حَصَلَ فِي عَيْنٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَتِهَا كَطَبْخِ الْخِنْزِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ الطَّبْخَ حَصَلَ فِي عَيْنٍ مُبَاحَةٍ فَتَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَةِ الْعَصِيرِ فَحَدَثَتْ الشِّدَّةُ فِيهِ وَهُوَ لَيْسَ بِعَصِيرٍ فَلِذَلِكَ حَلَّ، وَلَوْ طُبِخَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ ثُمَّ عُصِرَ، فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالطَّبْخِ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْعِنَبَ إذَا طُبِخَ فَالْعَصِيرُ قَائِمٌ فِيهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَطَبْخُهُ قَبْلَ الْعَصِيرِ كَطَبْخِهِ بَعْدَ الْعَصِيرِ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ، وَلَوْ جَمَعَ فِي الطَّبْخِ بَيْنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ أَوْ بَيْنَ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ لِأَنَّ التَّمْرَ وَإِنْ كَانَ يُكْتَفَى بِأَدْنَى طَبْخِهِ فَعَصِيرُ الْعِنَبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْهِ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعِنَبِ احْتِيَاطًا وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَنَقِيعِ التَّمْرِ لِمَا قُلْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَنَبِيذُ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدْنَى طَبْخٍ) أَيْ حَتَّى يَنْضَجَ (فَهُوَ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ إذَا شَرِبَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُسْكِرُهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرَبٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ حَرَامٌ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا شَرِبَهُ لِلتَّقَوِّي فِي الطَّاعَةِ أَوْ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ أَوْ لِلتَّدَاوِي وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالْخَلِيطَيْنِ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَ التَّمْرِ وَمَاء الزَّبِيبِ وَيُطْبَخَانِ أَدْنَى طَبْخٍ وَقِيلَ هُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ التَّمْرِ، وَالْعِنَبِ أَوْ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ وَيُعْتَبَرُ فِي طَبْخِهِمَا ذَهَابُ الثُّلُثَيْنِ، وَلَوْ سَقَى الشَّاةَ خَمْرًا ثُمَّ ذَبَحَهَا إنْ ذَبَحَهَا مِنْ سَاعَتِهَا تَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبَعْدَ يَوْمٍ فَصَاعِدًا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلَوْ بَلَّ الْحِنْطَةَ بِالْخَمْرِ فَإِنَّهَا تُغْسَلُ فَإِذَا جَفَّتْ وَطُحِنَتْ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا طَعْمُ الْخَمْرِ وَلَا رَائِحَتُهَا حَلَّ أَكْلُهَا وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ. قَوْلُهُ: (وَنَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالذُّرَةِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إذَا شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَلَا طَرَبٍ وَكَذَا الْمُتَّخَذُ مِنْ الدَّخَنِ، وَالْإِجَّاصِ، وَالْمُشَمَّسِ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ وَأَشَارَ إلَى الْكَرْمَةِ، وَالنَّخْلَةِ» ثُمَّ قِيلَ: يُشْتَرَطُ الطَّبْخُ لِإِبَاحَتِهِ وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ يُحَدُّ فِي شُرْبِ الْمُتَّخَذٍ مِنْ الْحُبُوبِ إذَا سَكِرَ مِنْهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: لَا يُحَدُّ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ فَوْقَ ثُمَّ إذَا سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ وَذَاهِبِ الْعَقْلِ بِالْبَنْجِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَقَعُ طَلَاقُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا

كتاب الصيد والذبائح

شَرِبَهُ لِلتَّدَاوِي أَمَّا إذَا شَرِبَهُ لِلَّهْوِ، وَالطَّرَبِ فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِجْمَاعِ. قَوْلُهُ: (وَعَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَرَامٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّلَهِّي لَا يَحِلُّ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: حَلَالٌ وَإِنْ اشْتَدَّ هَذَا إذَا طُبِخَ كَمَا هُوَ عَصِيرٌ أَمَّا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزَّبَدِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ ثُمَّ طُبِخَ لَمْ يَحِلَّ فَإِنْ شَرِبَهُ إنْسَانٌ حُدَّ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُقَيَّرِ) الدُّبَّاءُ: الْقَرْعُ، وَالْحَنْتَمُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالتَّاءِ وَكَسْرِهِمَا لُغَتَانِ هُوَ جِرَارٌ خُضْرٌ. وَالْمُزَفَّتُ: الْإِنَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقِيرُ وَقِيلَ: بِالشَّمْعِ وَقِيلَ: بِالضَّفَاعِ، وَالنَّقِيرُ عُودٌ مَنْقُورٌ، وَالْمُقَيَّرُ الْمَطْلِيُّ بِالْقِيرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ لِأَنَّ الظُّرُوفَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ حَلَّتْ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِشَيْءٍ طُرِحَ فِيهَا) مِثْلُ أَنْ يَطْرَحَ فِيهَا الْمِلْحَ أَوْ يُصَبَّ فِيهَا الْمَاءُ الْحَارُّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ إذَا صَارَتْ خَلًّا يَطْهُرُ مَا يُوَازِيهَا مِنْ الْإِنَاءِ فَأَمَّا أَعْلَاهُ وَهُوَ الَّذِي نَقَصَ مِنْهُ الْخَمْرُ قِيلَ يَطْهُرُ تَبَعًا وَقِيلَ: لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ خَمْرٌ يَابِسٌ إلَّا إذَا غُسِلَ بِالْخَلِّ فَتَخَلَّلَ مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ كَذَا فِي الْمُصَفَّى ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَقَالَاتِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا) ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الْبَنْجِ، وَالْحَشِيشَةِ، وَالْأَفْيُونِ وَذَلِكَ كُلُّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْلَ حَتَّى يَصِيرَ الرَّجُلُ فِيهِ خَلَاعَةٌ وَفَسَادٌ وَيَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ لَكِنَّ تَحْرِيمَ ذَلِكَ دُونَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ كَمَا إذَا شَرِبَ الْبَوْلَ وَأَكَلَ الْغَائِطَ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ يُعَزَّرُ بِمَا دُونَ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ] الصَّيْدُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُصَادُ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ قَالَ الشَّاعِرُ: صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ ... وَإِذَا رَكِبْتَ فَصَيْدُك الْأَبْطَالُ إلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ لَهُ أَحْكَامٌ وَشَرَائِطُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ، وَالذَّبَائِحُ: جَمْعُ ذَبِيحَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالْفَهْدِ الْمُعَلَّمِ، وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ) مِثْلُ الْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالدُّبِّ، وَالْفَهْدِ وَلَا يَجُوزُ بِالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالذِّئْبِ، وَالْأَسَدِ لِأَنَّ الْأَسَدَ لَا يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكِبْرِ، وَالذِّئْبَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّعَلُّمُ لِخِيَانَتِهِ وَلِهَذَا يُقَالُ مِنْ التَّعْذِيبِ تَهْذِيبُ الذِّئْبِ وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّعْلِيمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] أَيْ مُسَلِّطِينَ، وَالتَّكْلِيبُ إغْرَاءُ السَّبُعِ عَلَى الصَّيْدِ ثُمَّ لِلِاصْطِيَادِ سَبُعِ شَرَائِطَ أَرْبَعٌ فِي الْمُرْسَلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا وَأَنْ يَكُونَ ذَا جَارِحَةٍ غَيْرَ نَجِسَ الْعَيْنِ وَأَنْ يَجْرَحَهُ

الْكَلْبُ أَوْ الْبَازِي وَأَنْ يُمْسِكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَثَلَاثٌ فِي الْمُرْسِلِ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا يَعْقِلُ الْإِرْسَالَ، وَالثَّانِي التَّسْمِيَةُ فِي حَالِ الْإِرْسَالِ عِنْدَ الذِّكْرِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّلَبِ، وَالتَّوَارِي. . قَوْلُهُ: (وَتَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ أَنَّهُ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ عَلَى ذَلِكَ بِالثَّلَاثِ بَلْ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الصَّائِدِ ثُمَّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ حَتَّى أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا الرَّابِعُ وَعِنْدَهُ يُؤْكَلُ الثَّالِثُ وَإِنَّمَا قَدَّرَاهُ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَقَدْ قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْخَضِرِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: 76] قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ اتَّجَرَ فِي شَيْءٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرْبَحْ فَلْيَنْتَقِلْ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا صَادَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فِي الظَّاهِرِ فَصَادَ بِهِ صَاحِبُهُ صُيُودًا ثُمَّ أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا صَادَهُ بَطَلَ تَعْلِيمُهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ بَعْدَ هَذَا حَتَّى يُعَلَّمَ تَعْلِيمًا فَيَصِيرُ مُعَلَّمًا وَمَا كَانَ قَدْ صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الصُّيُودِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَحِلُّ أَكْلُهَا قَوْلُهُ: (وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ إذَا دَعَوْته) وَتَرْكُ الْأَكْلِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَفِي الْبَازِي لُغَتَانِ: تَشْدِيدُ الْيَاءِ وَتَخْفِيفُهَا وَجَمْعُهُ بُزَاةٌ، وَالْبَازُ أَيْضًا لُغَةٌ فِيهِ وَجَمْعُهُ أَبْوَازٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازَهُ أَوْ صَقْرَهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهِ فَأَخَذَ الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) وَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَقْتَ الرَّمْيِ، وَالْإِرْسَالِ فَإِنْ رَمَى وَلَمْ يُسَمِّ عَامِدًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ وَلَمْ يُسَمِّ عَامِدًا فَالصَّيْدُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسِيًا حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ رَمَى ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ ثُمَّ سَمَّى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ وَوَقْتُ الْإِرْسَالِ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ: وَجَرَحَهُ الْجَرْحُ شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُكْتَفَى بِهِ فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ بَدَنِ الصَّيْدِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَقْدِ التَّعْلِيمِ فَإِنْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ عِلْمه حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَإِنْ أَخَذَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ ثُمَّ قَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا جَازَ أَكْلُ الْبَاقِي وَكَذَا إذَا وَثَبَ الْكَلْبُ عَلَى الصَّيْدِ وَقَدْ صَارَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ لُقْمَةً فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ صَاحِبُهُ وَكَذَا إذَا سَرَقَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ بَعْدَ دَفْعِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْبَاقِي وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَهُ الْكَلْبُ وَأَخَذَ صَيْدًا غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ فَأَخْطَأَ وَأَخَذَ غَيْرَهُ أُكِلَ وَكَذَا إذَا أَرْسَلَهُ عَلَى ظَبْيٍ فَأَخَذَ طَيْرًا أَوْ عَلَى طَيْرٍ فَأَخَذَ ظَبْيًا أُكِلَ، وَالطَّيْرُ فِي هَذَا كُلِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ وَإِنْ انْفَلَتَ كَلْبٌ عَلَى صَيْدٍ وَلَا مُرْسِلَ لَهُ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ وَسَمَّى فَإِنْ انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَمَا أَخَذَ فِي ذَلِكَ الْفَوْرِ مِنْ الصُّيُودِ فَقَتَلَهُ أُكِلَ كُلُّهُ وَإِنْ أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ صَيْدًا آخَرَ فَقَتَلَهُ أُكِلَ ذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَا الْبَازِي عَلَى هَذَا إذَا أَخَذَ فِي فَوْرِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْكَلْبُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ إرْسَالِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَمَنَ الْكَلْبُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ الصَّيْدُ فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ أُكِلَ لِأَنَّ كُمُونَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ أَسْبَابِ الِاصْطِيَادِ فَلَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْإِرْسَالِ وَكَذَا الْبَازِي إذَا أُرْسِلَ فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ طَارَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ أُكِلَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ عَلَى الشَّيْءِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ طَوِيلًا وَكَذَا الرَّامِي إذَا رَمَى بِسَهْمٍ فَمَا أَصَابَ فِي سَنَنِهِ ذَلِكَ أُكِلَ حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ نَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ ثُمَّ نَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ أُكِلُوا جَمِيعًا فَإِنْ أَمَالَتْ الرِّيحُ السَّهْمَ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَعْلِيمِهِ تَرْكُ الْأَكْلِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ) .

لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ وَلَمْ يُذْبَحْ فَصَارَ كَالْمَيْتَةِ وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ، وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ لِفَقْدِ سِكِّينٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِضِيقِ الْوَقْتِ فَكَذَا أَيْضًا لَا يُؤْكَلُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَبَطَلَ حُكْمُ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ وَمَا عَقَرَهُ السَّبُعُ أَوْ جَرَحَهُ السَّهْمُ مِنْ الْأَنْعَامِ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا لَا يَعِيشُ مِنْهُ إلَّا قَدْرَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَذَكَّاهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَوْ بَقِيَ فَهُوَ كَالْمَوْقُوذَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهَا أَكْثَرَ الْيَوْمِ يَحِلُّ بِالذَّبْحِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ بَقَاءِ الْمَذْبُوحِ فَذُبِحَ أُكِلَ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ لَوْ ذُبِحَ الْمَجْرُوحُ حَلَّ إنْ عَلِمْ ... حَيَاتَهُ يَوْمًا لَوْ الذَّبْحُ عُدِمْ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ كَذَا الثَّانِي وَفِي ... قَوْلِ الْأَخِيرِ فَوْقَ مَا يَحْيَى الذَّكِيُّ وَفَسَّرَ حَافِظُ الدِّينِ الْجُرْحَ فِي هَذَا بِأَنْ بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهُ، وَلَوْ قَطَعَ شَاةً بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ ذَبَحَهَا آخَرُ، وَالرَّأْسُ يَتَحَرَّكُ أَوْ شَقَّ جَوْفَهَا وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ ذَبَحَهَا آخَرُ لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَتَلَهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ) وَكَذَا لَوْ صَدَمَهُ بِصَدْرِهِ أَوْ بِجَبْهَتِهِ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِنَابٍ وَلَا بِمِخْلَبٍ لِأَنَّ الْجُرْحَ شَرْطٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْهَرُ الدَّمَ فَصَارَ كَالْخَنْقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَسَرَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ فَأَدْمَاهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ) يَعْنِي عَمْدًا (لَمْ يُؤْكَلْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك» . وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى ظَبْيٍ مُوثَقٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ الْمُوثَقَ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ بِالْكَلْبِ فَهُوَ كَالشَّاةِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى فِيلٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ سَمِعَ حِسًّا فَظَنَّهُ صَيْدًا فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازِيَهُ أَوْ رَمَى إلَيْهِ سَهْمًا فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حِسَّ شَاةٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ حَلَّ مَا اصْطَادَهُ. وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ حِسَّ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ كَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ رَمْيَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إبَاحَةُ الْأَكْلِ فَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا لَوْ كَانَ حِسَّ آدَمِيٍّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ حِسَّ خِنْزِيرٍ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مُتَغَلِّظُ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ حِسَّ سَبُعٍ أُكِلَ الصَّيْدُ لِأَنَّ السِّبَاعَ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةَ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْحِسَّ حِسَّ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يُؤْكَلْ مَا أَصَابَ لِأَنَّ الْحَظْرَ، وَالْإِبَاحَةَ تَسَاوَيَا فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ أَرْسَلَ إلَى ذِئْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَصَابَ طَيِّبًا أُكِلَ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الرَّمْيِ أُكِلَ مَا صَابَهُ إذَا جَرَحَهُ السَّهْمُ فَمَاتَ وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ وَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ، وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ: (وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ

وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ رَمْيَتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ بِحِمَارِ وَحْشٍ عَقِيرٍ فَبَادَرَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ دَعُوهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ نَهْرٍ فَقَالَ: هَذِهِ رَمْيَتِي وَأَنَا فِي طَلَبِهَا وَقَدْ جَعَلْتهَا لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَ الرِّفَاقِ» . وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ أَكْلٌ هَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ بِهِ جِرَاحَةً أُخْرَى سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ أَمَّا إذَا وَجَدَ بِهِ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ فَلَعَلَّهُ مَاتَ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ فَأَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَيْدًا فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: رَمَيْته بِالْأَمْسِ فَكُنْت فِي طَلَبِهِ حَتَّى هَجَمَ عَلَيَّ اللَّيْلُ فَقَطَعَنِي عَنْهُ ثُمَّ وَجَدْته الْيَوْمَ وَمَرْمَاتِي فِيهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّهُ غَابَ عَنْك وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ أَعَانَتْك عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، الْإِصْمَاءُ: مَا عَايَنْته، وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك. وَفِي الْمُصَفَّى الْإِصْمَاءُ: أَنْ يَرْمِيَهُ فَيَمُوتَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيعًا، وَالْإِنْمَاءُ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ بَعْدَ وُقُوعِ السَّهْمِ فِيهِ ثُمَّ يَمُوتُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْغَرَقِ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْمَوْتُ مِنْ السُّقُوطِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدُّ بَابِ الِاصْطِيَادِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَهَذَا خِلَافُ جَوَابِ الْأَصْلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قَوْلُهُ: (وَمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضَ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ جَرَحَهُ أُكِلَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الذَّكَاةِ، وَالْمِعْرَاضُ عَصًا مُحَدَّدَةُ الرَّأْسِ وَقِيلَ هُوَ السَّهْمُ الْمَنْحُوتُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَصَابَتْ الْبُنْدُقَةُ إذَا مَاتَ مِنْهَا) لِأَنَّهَا تَدُقُّ وَتَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ وَكَذَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ، وَلَوْ جَرَحَهُ إذَا كَانَ ثَقِيلًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَّةٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ ثُمَّ الْبُنْدُقَةُ إذَا كَانَ لَهَا حِدَّةٌ تَجْرَحُ بِهِ أُكِلَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: وَلَوْ رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ أَوْ عُودٍ فَكَسَرَ جَنَاحَهُ وَلَمْ يَخْرِقْهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ خَرَقَهُ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَ رَأْسَهُ فَقَطَعَهُ وَأَبَانَهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ أَبَانَهُ بِالثِّقَلِ، وَالْقُوَّةِ وَإِنْ أَبَانَهُ بِمُحَدَّدٍ أُكِلَ وَإِنْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَأَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَجَرَحَهُ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَهُ بِقَفَا السِّكِّينِ أَوْ بِمِقْبَضِ السَّيْفِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ رَمَاهُ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ بِالْجُرْحِ إنْ كَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا أُكِلَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يُحْبَسُ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَاءِ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» ، وَالْعُضْوُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا، وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أُكِلَ الْجَمِيعُ) لِأَنَّ الْأَوْدَاجَ مُتَّصِلَةٌ بِالْقَلْبِ إلَى الدِّمَاغِ فَإِذَا قَطَعَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ صَارَ قَاطِعًا لِلْعُرُوقِ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَفَ الْعَجُزَ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَمْ يُصَادِفْ الْعُرُوقَ فَصَارَ مُبَانًا مِنْ الْحَيِّ فَلَا يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْمُبَانُ مِنْهُ وَإِنْ قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ أُكِلَ الْجَمِيعُ، وَلَوْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا تَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَيُكْرَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ، وَالْمُرْتَدِّ، وَالْوَثَنِيِّ، وَالْمُحْرِمِ) وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الذَّبْحَ، وَالتَّسْمِيَةَ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَذَبْحِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبْحُهُ، وَالْمَجْنُونُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَلَمْ يُثْخِنْهُ وَلَمْ يَخْرُجْهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَيُؤْكَلُ) لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي صَادَهُ وَأَخَذَهُ قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَثْخَنَهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُؤْكَلْ) لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالثَّانِي وَهُوَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الرَّمْيَةُ الْأُولَى بِحَيْثُ يَنْجُو مِنْهَا الصَّيْدُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى رَمْيِ الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَيْثُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ) لِأَنَّهُ بِالرَّمْيِ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالرَّمْيِ الْمُثْخِنِ وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِجِرَاحَتِهِ وَقِيمَةُ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ مَاتَ مِنْ رَمْيَةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمْيَةِ الثَّانِي أُكِلَ وَعَلَى الثَّانِي ضَمَانُ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ صَادَفَتْهُ مَجْرُوحًا وَإِنْ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ الثَّانِيَ رَمَى إلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَصَارَ كَمَنْ رَمَى إلَى شَاةٍ وَيَضْمَنُ الثَّانِي أَيْضًا مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ لِأَنَّهُ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا وَإِنْ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ الْحَظْرُ، وَالْإِبَاحَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْحَظْرِ، وَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَعَلَى الثَّانِي لِلْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمَا فَسَقَطَ عَنْهُ نِصْفُ الضَّمَانِ وَثَبَتَ نِصْفُهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ مَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَضْمَنُ مَا نَقَصَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ أَمَّا الضَّمَانُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا كَالْغَيْرِ وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ أَوَّلًا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَوْتَ أَيْضًا حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفَ نِصْفِهِ وَهُوَ مَمْلُوكُ غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ بِصَنِيعِهِ، وَالثَّانِيَةَ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي فَهَذَا الرَّمْيُ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهِ أَوْ بِشَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ قَرْنِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ. قَوْلُهُ: (وَذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ، وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: هَذَا إذَا كَانَ الْكِتَابِيُّ لَا يَعْتَقِدُ الْمَسِيحَ إلَهًا أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ إلَهًا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ لَا تَحِلُّ لَنَا ذَبِيحَتُهُ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ صَاحِبَ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ إمَّا اعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى كَالْكِتَابِيِّ وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ وَهَذَا الشَّرْطُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ لَا فِي حَقِّ الْأَنْعَامِ وَإِطْلَاقُ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ، وَالْكِتَابِيِّ يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الذَّابِحُ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ وَلَا يَضْبِطُ التَّسْمِيَةَ فَذَبِيحَتُهُ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْمَجْنُونِ، وَالسَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَيَجُوزُ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ، وَالْمُرْتَدِّ، وَالْوَثَنِيِّ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا مِلَّةَ لَهُ، وَالْوَثَنِيَّ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَجُوسِ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الصَّابِئِينَ وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ النَّصَارَى فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُؤْكَلُ إذَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِنَبِيٍّ وَيُقِرُّونَ بِكِتَابٍ وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَا يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تُؤْكَلْ. قَوْلُهُ: (وَالْمُحَرَّمُ) يَعْنِي مِنْ الصَّيْدِ خَاصَّةً وَإِطْلَاقُ الْمُحَرَّمُ يَنْتَظِمُ حُرْمَةَ ذَبْحِهِ فِي الْحِلِّ، وَالْحَرَمِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ مَا ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ سَوَاءٌ ذَبَحَهُ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ وَيَجُوزُ ذَبِيحَةُ مَنْ يَعْقِلُ الذَّبْحَ، وَالتَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا وَمَعْنَى ضَبْطِ الذَّبْحِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ، وَالْأَقْلَفُ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْخَصِيُّ، وَالْخُنْثَى، وَالْمُخَنَّثُ تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا فَالذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أُكِلَتْ) ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ سَوَاءٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إرْسَالِ الْكَلْبِ، وَالْبَازِي، وَالرَّمْيِ ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَهِيَ عَلَى الْمَذْبُوحِ، وَفِي الصَّيْدِ تُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ، وَالرَّمْيِ وَهِيَ عَلَى الْآلَةِ حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ وَكَذَا فِي الْإِرْسَالِ، وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى وَكَلَّمَهُ إنْسَانٌ أَوْ اسْتَسْقَى مَاءً فَشَرِبَ أَوْ شَحَذَ السِّكِّينَ قَلِيلًا ثُمَّ ذَبَحَ عَلَى تِلْكَ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى أَجْزَأَهُ وَأَمَّا إذَا طَالَ الْحَدِيثُ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَاشْتَغَلَ بِهِ ثُمَّ ذَبَحَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى لَمْ تُؤْكَلْ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالذَّبِيحَةِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ وَصُورَةُ التَّسْمِيَةِ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِدُونِ الْوَاوِ وَإِنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ الْمُجَرَّدُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ حَتَّى لَوْ قَالَ مَكَانَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ، وَلَوْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُرِيدُ التَّسْمِيَةَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يُجْزِيهِ عَنْ التَّسْمِيَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ الشُّكْرَ دُونَ التَّسْمِيَةِ لَا تُؤْكَلُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا غَيْرَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا لَهُ لَا مَعْطُوفًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: مَا ذَكَرْنَا فَهَذَا يُكْرَهُ وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ، وَالثَّانِي أَنْ يَذْكُرَهُ مَعْطُوفًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الذَّبِيحَةَ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَوْضِعَانِ لَا ذِكْرَ فِيهِمَا عِنْدَ الذَّبِيحَةِ وَعِنْدَ الْعُطَاسِ» وَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ تُؤْكَلُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقُولَ ذَلِكَ، وَفِي الْمُشْكِلِ الذَّبْحُ عِنْدَ مَرْأَى الضَّيْفِ تَعْظِيمًا لَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَكَذَا عِنْدَ قُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ تَعْظِيمًا لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ عِنْدَ غَيْبَةِ الضَّيْفِ لِأَجْلٍ الضِّيَافَةِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ سَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ الرُّومِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا أَجْزَأَهُ. قَوْلُهُ: (وَالذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ، وَاللَّبَّةِ) اللَّبَّةُ عَلَى الصَّدْرِ وَهِيَ نُقْرَةُ النَّحْرِ.

وَفِي الْكَرْخِيِّ: الذَّكَاةُ فِي اللَّبَّةِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى اللَّحْيَيْنِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَسَطَهُ وَأَعْلَاهُ وَمَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ بَيِّنٌ بِمَعْنَى فِي أَيِّ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ، وَاللَّبَّةِ. قَوْلُهُ: (، وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ) الْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْوَدَجَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَهُمَا الْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ، وَالْمَرِيءُ. قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَطَعَهَا حَلَّ الْأَكْلُ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ الذَّكَاةِ وَوُجِدَ شَرْطُهَا فِي مَحِلِّهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَطَعَ أَكْثَرَهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ وَمَعْنَاهُ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ وَاحِدًا جَازَ أَيُّ الثَّلَاثَةِ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْمَرِيءَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَعَ الْوَدَجَيْنِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِاللِّيطَةِ، وَالْمَرْوَةِ وَبِكُلِّ شَيْءٍ أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا السِّنَّ الْقَائِمَةَ، وَالظَّفْرَ الْقَائِمَ) اللِّيطَةُ قِشْرَةُ الْقَصَبِ، وَالْمَرْوَةُ وَاحِدَةُ الْمَرْوِ وَهِيَ حِجَارَةٌ بِيضٌ بَرَّاقَةٌ تُقْدَحُ مِنْهَا النَّارُ وَقَيَّدَ بِالظُّفْرِ الْقَائِمِ، وَالسِّنِّ الْقَائِمَةِ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَنْزُوعَةً جَازَ الذَّبْحُ بِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ،. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذْبُوحُ بِهِمَا مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ أَكْلُهَا وَأَمَّا الذَّبْحُ بِالسِّنِّ الْقَائِمَةِ، وَالظُّفْرِ الْقَائِمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ ذَبَحَ بِهِمَا كَانَ مَيْتَةً لِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يَسِلْ مِنْهَا دَمٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لَا تُؤْكَلُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوَانِي تُؤْكَلُ لِأَنَّ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ قَدْ حَصَلَ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الشَّاةِ إذَا عُلِفَتْ الْعُنَّابَ.

قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُدَّ الذَّابِحُ شَفْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ» وَلِأَنَّ تَحْدِيدَهَا أَسْرَعُ لِلذَّبْحِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ الْكَلِيلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَ الشَّاةَ ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ بَعْدَمَا أَضْجَعَهَا وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا قَدْ أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مِيتَتَيْنِ أَلَا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» . وَرَأَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا قَدْ أَضْجَعَ شَاةً وَجَعَلَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ وَجْهِهَا وَهُوَ: يَحُدُّ الشَّفْرَةَ فَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ فَهَرَبَ وَشَرَدَتْ الشَّاةُ، فَقَالَ عُمَرُ هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ رِجْلَك مَوْضِعَ وَضَعْتهَا وَلِأَنَّ الْبَهَائِمَ تُحِسُّ بِمَا يُجْزَعُ مِنْهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَادَ فِي أَلَمِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يَجُرَّ بِرِجْلِهَا إذَا أَرَادَ ذَبْحَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسُوقَهَا بِرِفْقٍ وَيُضْجِعَهَا بِرِفْقٍ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَلَغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ أَوْ قَطَعَ الرَّأْسَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ) النُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَكْسِرَ الْعُنُقَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْ يَخْلَعَ جِلْدَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى قَطَعَ الْعُرُوقَ جَازَ وَيُكْرَهُ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَسْنُونِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ) لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ وُجُودِ الذَّكَاةِ فِي مَحِلِّهَا كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا. رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً فَلَمْ يَتَحَرَّك مِنْهَا إلَّا فُوهَا إنْ فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ ضَمَّتْهُ أُكِلَتْ وَإِنْ فَتَحَتْ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ غَمَّضَتْهَا أُكِلَتْ وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَيْهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَبَضَتْهُمَا أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَامَ أُكِلَتْ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَيَّةٌ وَقْتَ الذَّبْحِ أَمَّا إذَا عُلِمَتْ يَقِينًا أُكِلَتْ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ الشَّاةُ إذَا مَرِضَتْ أَوْ شَقَّ الذِّئْبُ بَطْنَهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَإِنْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَتَحَرَّكَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّك وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ لَمْ تُؤْكَلْ وَإِنْ تَحَرَّكَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ تَتَحَرَّك وَخُرُوجُهُ مِثْلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ أُكِلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ: (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ الذَّبْحُ) لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ كَالشَّاةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجُرْحُ) ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الذَّكَاةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَمَتَى قَدَرَ عَلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ لَا تَحِلُّ لَهُ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيَّةُ وَمَتَى عَجَزَ عَنْهَا حَلَّتْ لَهُ الِاضْطِرَارِيَّةُ فَالِاخْتِيَارِيَّة مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ، وَاللَّحْيَيْنِ، وَالِاضْطِرَارِيَّة الطَّعْنُ، وَالْجَرْحُ وَإِنْهَارُ الدَّمُ فِي الصَّيْدِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي عِلَّةِ الصَّيْدِ مِنْ الْأَهْلِيِّ كَالْإِبِلِ إذَا نَدَّتْ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَحْرِهِ فَإِنَّهُ يَطْعَنُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَدَرَ عَلَيْهِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا تَرَدَّتْ بَقَرَةٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهَا فَإِنَّ ذَكَاتَهَا الْعَقْرُ، وَالْجَرْحُ مَا لَمْ يُصَادِفْ الْعُرُوقَ عَلَى هَذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ مُتَعَذِّرٌ وَأَمَّا الشَّاةُ فَإِنَّهَا إذَا نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ عَقْرُهَا لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْبَعِيرِ، وَالْبَقَرَةِ فَإِنَّهُمَا إذَا نَدَّا فِي الْمِصْرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَذَكَاتُهُمَا الْعَقْرُ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِقُوَّتِهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] ، وَقَالَ فِي الْغَنَمِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَحَرَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ) أَمَّا الْجَوَازُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ فَإِنْ قِيلَ: رَوَى جَابِرٌ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَلَمْ يَقُلْ ذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ قِيلَ: الْعَرَبُ قَدْ تُضْمِرُ الْفِعْلَ إذْ كَانَ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِرُ: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا أَيْ وَسَقَيْتهَا مَاءً بَارِدًا فَأَضْمَرَ الْفِعْلَ كَذَا هَذَا مَعْنَاهُ وَذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] يَعْنِي الْبُدْنَ وَلِأَنَّ اللَّبَّةَ مِنْ الْبَدَنَةِ لَيْسَ فِيهَا لَحْمٌ فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ فِيهَا النَّحْرُ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ

عَلَى الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ الْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ فَإِنَّ حَلْقَهُمَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ذَبَحَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ) ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ فَإِنْ ذَبَحَهَا لَمْ تُؤْكَلْ وَكَذَا عِنْدَهُ إذَا نَحَرَ الشَّاةَ، وَالْبَقَرَةَ لَا يُؤْكَلُ لَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» ، وَالسُّنَّةُ فِي الْبَعِيرِ أَنْ يُنْحَرَ قَائِمًا مَعْقُولَ الْيَدِ الْيُسْرَى فَإِنْ أَضْجَعَهُ جَازَ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَالسُّنَّةُ فِي الشَّاةِ، وَالْبَقَرَةِ أَنْ تُذْبَحَ مُضْجَعَةً لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِقَطْعِ الْعُرُوقِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَمِيعِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ: رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً وَقَطَعَ الْحُلْقُومَ، وَالْأَوْدَاجَ إلَّا أَنَّ الْحَيَاةَ فِيهَا بَاقِيَةٌ فَقَطَعَ إنْسَانٌ مِنْهَا قِطْعَةً يَحِلُّ أَكْلُ الْمَقْطُوعِ لِأَنَّ الْمَخْصُوصَ بِعَدَمِ الْحِلِّ مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ وَهَذَا لَا يُسَمَّى حَيًّا مُطْلَقًا قَالَ فِي التَّفْسِيرِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] يَعْنِي الْإِبِلَ إذَا سَقَطَتْ بَعْدَ النَّحْرِ فَوَقَعَتْ جَنُوبُهَا عَلَى الْأَرْضِ وَخَرَجَتْ رُوحُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْبُدْنِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا إنْ تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَلِأَنَّهُ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا وَيُعْتَقُ بِعِتْقِهَا فَصَارَ كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَهِيَ اسْمٌ لِمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَا يَمُوتُ بِمَوْتِ أُمِّهِ لِأَنَّهَا قَدْ تَمُوتُ وَيَبْقَى الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا حَيًّا وَيَمُوتُ وَهِيَ حَيَّةٌ فَحَيَاتُهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِحَيَاتِهَا فَلَا تَكُونُ ذَكَاتُهَا ذَكَاةً لَهُ فَصَارَا كَالشَّاتَيْنِ لَا تَكُونُ ذَكَاةُ إحْدَاهُمَا ذَكَاةً لِلْأُخْرَى وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ، وَالدَّمُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَيَاتُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَهُ دَمٌ عَلَى حِدَةٍ غَيْرُ دَمِهَا، وَالذَّبْحُ شَرَعَ لِتَنْهِيرِ الدَّمِ النَّجِسِ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ وَذَبْحُهَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْهُ وَمَا رَوَيَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ قَدْ رُوِيَ ذَكَاةُ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ كَذَكَاةِ أُمِّهِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الْجَنِينُ حَيًّا وَمَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مَيِّتًا وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْمُلْ فَهُوَ كَالْمُضْغَةِ، وَالدَّمِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ أَيْ تَمَّ خَلْقُهُ أَوْ لَمْ يَتِمَّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ) الْمُرَادُ مِنْ ذِي النَّابِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَابٌ يَصْطَادُ بِهِ وَكَذَا مِنْ ذِي الْمِخْلَبِ وَإِلَّا فَالْحَمَامَةُ لَهَا مِخْلَبٌ، وَالْبَعِيرُ لَهُ نَابٌ وَذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فَذُو النَّابِ مِنْ السِّبَاعِ الْأَسَدُ، وَالنَّمِرُ، وَالْفَهْدُ، وَالذِّئْبُ، وَالضَّبُعُ، وَالثَّعْلَبُ، وَالْكَلْبُ، وَالسِّنَّوْرُ الْبَرِّيُّ، وَالْأَهْلِيُّ، وَالْفِيلُ، وَالْقِرْدُ وَكَذَا الْيَرْبُوعُ وَابْنُ عُرْسٍ مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ وَذُو الْمِخْلَبِ مِنْ الطَّيْرِ الصَّقْرُ، وَالْبَازِي، وَالنَّسْرُ، وَالْعُقَابُ، وَالرَّخَمُ، وَالْغُرَابُ الْأَسْوَدُ، وَالْحَدَأَةُ، وَالشَّاهِينُ وَكُلُّ مَا يَصْطَادُ بِمِخْلَبِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَشَرَةً وَحَرَّمَ خَمْسَةً لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ وَمُمْلِيَهُ، وَالْوَاشِمَةَ، وَالْمَوْشُومَةَ، وَالْوَاصِلَةَ، وَالْمَوْصُولَةَ وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ وَحَرَّمَ الْخَاطِفَةَ، وَالْمُنْتَهِبَةَ، وَالْمُجَثِّمَةَ، وَالْحِمَارَ الْأَهْلِيَّ وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَقَالَ: أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» فَالْخَاطِفَةُ هِيَ مَا تَخْطَفُ مِنْ الْهَوَى مِثْلُ الْبَازِي، وَالْحَدَأَةِ، وَالْمُنْتَهِبَةُ هِيَ مَا تَنْتَهِبُ مِنْ الْأَرْضِ مِثْلُ الذِّئْبِ وَنَحْوُهُ، وَالْمُجَثَّمَةُ يَرْوِي بِفَتْحِ الثَّاءِ وَكَسْرِهَا فَهِيَ بِالْفَتْحِ كُلُّ صَيْدٍ جَثَمَ عَلَيْهِ الْكَلْبُ حَتَّى مَاتَ غَمًّا وَبِالْكَسْرِ هُوَ كُلّ شَيْءٍ عَادَتُهُ أَنْ يَنْجَثِمَ عَلَى الصَّيْدِ مِثْلُ الْكَلْبِ، وَالذِّئْبِ قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِغُرَابِ الزَّرْعِ) لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَقْعَقِ، وَالْهُدْهُدِ، وَالْحَمَامِ، وَالْعَصَافِيرِ لِأَنَّ عَامَّةَ أَكْلِهَا الْحَبُّ، وَالثِّمَارُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ) وَكَذَا كُلُّ غُرَابٍ يَخْلِطُ الْجِيَفَ، وَالْحَبَّ لَا يُؤْكَلُ وَأَمَّا الدَّجَاجُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ.

مسألة حكم أكل المتولد بين الكلب والماعز

وَكَذَا الْبَطُّ الْكَسْكَرِيُّ فِي حُكْمِ الدَّجَاجِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَكْلُ الضَّبُعِ، وَالضَّبِّ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبُعِ، وَالضَّبِّ وَقَوْلُهُ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا يَعْنِي الْمَائِيَّ، وَالْبَرِّيَّ كَالضُّفْدَعِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا السُّلَحْفَاةُ لِأَنَّهَا مِنْ الْحَشَرَاتِ وَكَذَا الْفِئْرَانُ، وَالْأَوْزَاغُ، وَالْعَضَّابَة، وَالْقَنَافِذُ، وَالْحَيَّاتُ وَجَمِيعُ الدَّبِيبِ، وَالزَّنَابِيرِ، وَالْعَقَارِبِ، وَالذُّبَابِ، وَالْجُعْلَانِ، وَالْبُرْمَانِ لِأَنَّ هَذِهِ لِأَشْيَاءَ مُسْتَخْبَثَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَأَمَّا الْوَبَرُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ مِثْلُ الْأَرْنَبِ لِأَنَّهُ يَعْتَلِفُ الْبُقُولَ، وَالنَّبْتَ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَجُوزُ أَكْلُ الظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَالْإِبِلِ وَهُوَ الْوَعْلُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْبِغَالِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَمَرَ طَلْحَةَ أَنْ يُنَادِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ» فَأَرَاقُوا الْقُدُورَ وَهِيَ تَغْلِي وَأَمَّا الْبَغْلُ فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ فَكَانَ مِثْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَأَذِنَ فِي الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] خَرَجَ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ فَلَوْ جَازَ أَكْلُهَا لَذَكَرَهُ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بِالْأَكْلِ أَكْثَرُ مِنْ النِّعْمَةِ بِالرُّكُوبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِبِلَ لَمَّا كَانَتْ تُؤْكَلُ وَتُرْكَبُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ تَعَالَى {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 72] وَلِأَنَّ الْخَيْلَ آلَةُ إرْهَابِ الْعَدُوِّ فَيُكْرَهُ أَكْلُهَا احْتِرَامًا لَهَا وَلِهَذَا يُضْرَبُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ فِي الْغَنِيمَةِ وَلِأَنَّ فِي إبَاحَتِهَا تَقْلِيلَ الْجِهَادِ وَأَمَّا لَبَنُهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ الْجِهَادِ. قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْأَرَانِبِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا مِنْ أَكَلَةِ الْجِيَفِ فَأَشْبَهَتْ الظِّبَاءَ. [مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ الْمُتَوَلِّدْ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْمَاعِزِ] (مَسْأَلَةٌ) الْكَلْبُ إذَا نَزَا عَلَى مَعْزَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا رَأْسُهُ مِثْلُ رَأْسِ الْكَلْبِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ الْأَعْضَاءِ يُشْبِهُ الْمَعْزَ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ إلَيْهِ اللَّحْمُ، وَالْعَلَفُ فَإِنْ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ دُونَ الْعَلَفِ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ كَلْبٌ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ يُرْمَى بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ فَإِنْ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا يُضْرَبُ فَإِنْ نَبَحَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ نَعَرَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَإِنْ نَبَحَ وَنَعَرَ يُقَرَّبُ إلَيْهِ الْمَاءُ فَإِنْ وَلَغَ فَهُوَ كَلْبٌ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ شَرِبَ يُرْمَى بِالرَّأْسِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ مِنْهُ الْكَرِشُ يُؤْكَلُ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ الْأَمْعَاءُ لَا يُؤْكَلُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا ذُبِحَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَهُرَ لَحْمُهُ وَجِلْدُهُ إلَّا الْآدَمِيُّ، وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِمَا شَيْئًا) الْآدَمِيُّ لِحُرْمَتِهِ، وَالْخِنْزِيرُ لِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الدِّبَاغِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ» فَكَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَذَلِكَ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ لِأَنَّ ذَبْحَهُ إمَاتَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدِّبَاغِ وَكَمَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ يَطْهُرُ شَحْمُهُ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ وَهَلْ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ كَالْأَكْلِ وَقِيلَ يَجُوزُ كَالزَّيْتِ إذَا خَالَطَهُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ، وَالزَّيْتُ غَالِبٌ لَا يُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِطَهَارَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هُوَ مُجَرَّدُ الذَّبْحِ أَوْ الذَّبْحُ مَعَ التَّسْمِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَطْهِيرُ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ وَيُكْرَهُ أَكْلُ لُحُومِ الْإِبِلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا وَكَذَا الْبَقَرَةُ، وَالشَّاةُ، وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ، وَالنَّجَاسَاتِ لَا غَيْرُ أَمَّا إذَا خَلَطَتْ فَلَيْسَتْ بِجَلَّالَةٍ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي الْأَغْلَبُ مِنْ أَكْلِهَا النَّجَاسَةُ وَلِذَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَجَّ عَلَيْهَا أَوْ يُغْزَى عَلَيْهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا فِي الْعَمَلِ إلَّا أَنْ تُحْبَسَ أَيَّامًا وَتُعْلَفَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا تُنْتِنُ فِي نَفْسِهَا فَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى لَا تَتَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤَقِّتُ فِي حَبْسِهَا وَقْتًا وَإِنَّمَا قَالَ: يَحْبِسُهَا حَتَّى يَطِيبَ لَحْمُهَا وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ: سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى زَوَالِ النَّتِنِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَيَّامِ وَتَوَقَّفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ وَلَمْ يُؤَقِّتْ فِيهَا وَقْتًا أَحَدُهَا هَذِهِ مَتَى يَطِيبُ لَحْمُهَا، وَالثَّانِيَةُ الْكَلْبُ مَتَى.

مسألة الأشياء التي تكره من الذبيحة

يَصِيرُ مُعَلَّمًا، وَالثَّالِثَةُ مَتَى وَقْتُ الْخِتَانِ، وَالرَّابِعَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ، وَالْخَامِسَةُ سُؤْرُ الْحِمَارِ، وَالسَّادِسَةُ الدَّهْرُ مُنَكَّرًا، وَالسَّابِعَةُ هَلْ الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ أَمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَالثَّامِنَةُ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ هَلْ يَدْخُلُونَ النَّارَ تَوَقَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِغَايَةِ وَرَعِهِ وَأَمَّا الدَّجَاجُ فَإِنَّهَا لَمْ تُكْرَهْ وَإِنْ تَنَاوَلَتْ النَّجَاسَةَ لِأَنَّهُ لَا يُنْتِنُ كَمَا تُنْتِنُ الْإِبِلُ فَإِذَا أُرِيدَ ذَبْحُ الْجَلَّالَةِ حُبِسَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا وَتُعْلَفُ وَهَلْ تُحْبَسُ الدَّجَاجَةُ إذَا أُرِيدَ ذَبْحُهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا وَرُوِيَ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَ ثَلَاثًا ثُمَّ يَأْكُلُهُ قُلْنَا هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّهِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ حَتَّى كَبُرَ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ وَيُكْرَهُ) (أَكْلُ الطَّافِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّمَكِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ الْمَاءُ عَلَى الشَّطِّ، وَالثَّانِيَةُ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَلَوْ أَنَّ سَمَكَةً ابْتَلَعَتْ سَمَكَةً أُكِلَتَا جَمِيعًا لِأَنَّ الْمَبْلُوعَةَ مَاتَتْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ دُبُرِ السَّمَكِ لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَالَتْ عَذِرَةً. قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ) لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ السَّمَكِ فَالْجِرِّيثُ الْبَكَّاسُ وَالْمَارْمَاهِيِّ الْعَرَبِيُّ وَقِيلَ الْقَدُّ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَكْلُ الْجَرَادِ وَلَا ذَكَاةَ لَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ، وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ، وَالطِّحَالُ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ» وَسُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ، وَفِيهِ الْمَيِّتُ فَقَالَ: كُلْهُ كُلَّهُ وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ وَدَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ. [مَسْأَلَةٌ الْأَشْيَاء الَّتِي تَكْرَهُ مِنْ الذَّبِيحَةِ] (مَسْأَلَةٌ) كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الذَّبِيحَةِ سَبْعَةُ أَشْيَاءَ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَالْقُبُلُ، وَالْغُدَدُ، وَالْمَرَارَةُ، وَالْمَثَانَةُ، وَالدَّمُ وَزَادَ فِي الْيَنَابِيعِ الدُّبُرُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا الدَّمَ فَحَرَامٌ بِالنَّصِّ وَأَمَّا السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ فَمَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ النَّفْسَ تَسْتَخْبِثُهَا وَتَكْرَهُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] [حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ] (كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ) الْأُضْحِيَّةُ إرَاقَةُ الدَّمِ مِنْ النَّعَمِ دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا الْإِرَاقَةُ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِعَيْنِ الْحَيَوَانِ لَمْ يَجُزْ، وَالصَّدَقَةُ بِلَحْمِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ جَازَ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خَيْرٌ مِنْ التَّصَدُّقِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ لَا تَحْصُلُ بِالصَّدَقَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ التَّضْحِيَةُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ ذَلِكَ تَوْسِعَةً وَمَجَازًا وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ وَاجِبَةً عَمَلًا لَا اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يَكْفُرَ جَاحِدُهَا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ: (عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى) شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَشَرَطَ الْإِسْلَامَ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَشَرَطَ الْإِقَامَةَ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْمُسَافِرِ لَتَشَاغَلَ بِهَا عَنْ سَفَرِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ مَا هُوَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ وَبَعْضِ الْفَرْضِ حَتَّى لَا يَتَشَاغَلَ عَنْ سَفَرِهِ وَتَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَالْقُرَى، وَالْبَرَارِي وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْيَسَارُ لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ يَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ عَنْ النَّفَقَةِ وَاشْتَرَطَ يَوْمَ الْأَضْحَى لِأَنَّ الْيَوْمَ مُضَافٌ إلَيْهَا وَأَيَّامُ الْأَضْحَى ثَلَاثَةٌ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَأَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ ذَبْحُهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِاسْتِيفَاءِ الْعُرُوقِ وَإِنْ ذَبَحَهَا بِاللَّيْلِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَى.

وقت الأضحية

الْحَاجِّ الْمُسَافِرِ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ حَجُّوا، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَمَّا الْعَتِيرَةُ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ وَهِيَ شَاةٌ كَانَتْ تُقَامُ فِي رَجَبٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) اعْتِبَارًا بِالْفِطْرَةِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْقُرَبِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الْغَيْرِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجِبُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ عَبْدِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ ضَحَّى عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: يُضَحِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَأَدَّى بِالْإِرَاقَةِ. وَالصَّدَقَةُ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا يُمْكِنُ الصَّغِيرَ أَنْ يَأْكُلَهُ كُلَّهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحَّى عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ الصَّغِيرُ مَا أَمْكَنَهُ وَيُدَّخَرُ لَهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَيُبْتَاعُ لَهُ بِمَا بَقِيَ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ الْبَالِغُ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ فِي شَاهَانْ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ مَا يُؤْكَلُ كَالْحِنْطَةِ، وَالْخُبْزِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ مُوسِرًا ضَحَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا ابْنُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضَحِّي عَنْهُ إذَا كَانَ أَبُوهُ مَيِّتًا وَإِنْ كَانَ حَيًّا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ عَلَيْهِ كَالْأَخِ وَإِنْ وُلِدَ لِلرَّجُلِ وَلَدٌ وَهُوَ مُوسِرٌ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ قَالَ الْحَسَنُ: عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ مَا لَمْ تَمْضِ أَيَّامُ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَإِنْ مَاتَ ابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ تَجِبُ عِنْدَنَا بِآخِرِ وَقْتِهَا فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ أَوْلَادِهِ إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ فَإِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ مَعَهُ لَمْ يُضَحِّ عَنْهُمْ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَأَوْلَادُهُ مُسَافِرِينَ ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً وَمَنْ مَاتَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا قَوْلُهُ: (يَذْبَحُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً) شَرْطُ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ الْإِرَاقَةُ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَذْبَحُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةٍ) ، وَالْبَدَنَةُ، وَالْبَقَرَةُ تُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُ الْقُرَبِ بِأَنْ يُرِيدَ أَحَدُهُمْ الْهَدْيَ، وَالْآخَرُ جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَالْآخَرُ هَدْيَ الْمُتْعَةِ، وَالْآخَرُ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْآخَرُ التَّطَوُّعَ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اتَّفَقَتْ الْقُرَبُ كُلُّهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكُلِّ إجْمَاعًا وَكَذَا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ أَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ أَيْضًا لِانْعِدَامِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ وَكَذَا يَجُوزُ عَنْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَنْ أَهْلِ بَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ ثُمَّ إذَا جَازَتْ الشَّرِكَةُ فَالْقِسْمَةُ لِلَّحْمِ بِالْوَزْنِ فَإِنْ اقْتَسَمُوا أَجْزَاءً لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَكَارِعِ، وَالْجِلْدِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ وَإِنْ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الذَّبْحِ فَرَضِيَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَذْبَحَ عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الذَّبْحُ وَفِعْلُ الْوَارِثِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ فَصَارَ نَصِيبُهُ اللَّحْمَ فَلَمْ يَجُزْ وَلَنَا أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ أَنْ يَتَقَرَّبَ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَتَصَدَّقَ عَنْهُ فَصَارَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِلْقُرْبَةِ فَيَجُوزُ عَنْ الْبَاقِينَ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ ذِمِّيًّا أَرَادَ الْقُرْبَةَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ لَهُ فَصَارَ كَمَنْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ اللَّحْمَ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ، وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ) أَمَّا الْفَقِيرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ. [وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ] قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) فَلَوْ جَاءَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ فَسُرِقَتْ مِنْهُ أَوْ هَلَكَتْ أَوْ نَقَصَ عَدَدُهَا فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ مِائَتَيْنِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ

عَلَيْهِ دَيْنٌ قَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الذَّبْحُ حَتَّى يُصَلِّي الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ ذَبِيحَتَهُ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» وَإِنْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ حَتَّى يَنْتَصِفَ النَّهَارُ وَكَذَا إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا فَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ جَازَ، وَلَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُصَلِّي أَهْلُ الْجَبَّانَةِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ اكْتَفَوْا بِهَا أَجْزَأَهُمْ وَكَذَا عَلَى عَكْسِهِ وَقِيلَ فِي عَكْسِهِ يُجْزِيهِ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ ذَبَحَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَجْزَأَهُ وَيُعْتَبَرُ فِي الذَّبْحِ مَكَانُ الْأُضْحِيَّةِ لَا مَكَانُ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْمِصْرِ، وَالشَّاةُ فِي السَّوَادِ فَذَبَحُوا عَنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَمْرِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ فِي السَّوَادِ، وَالشَّاةُ فِي الْمِصْرِ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَحِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فَيُضَحِّي بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الزَّكَاةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْقُرْبِ مَكَانُ الْفِعْلِ لَا مَكَانُ الْفَاعِلِ اعْتِبَارًا بِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ مَسْكَنُهُ فِيهِ دَخَلَ الْمِصْرَ لِصَلَاةِ الْأَضْحَى وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُضَحُّوا عَنْهُ جَازَ أَنْ يَذْبَحُوا عَنْهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَكَانُ الْفِعْلِ دُونَ مَكَانِ الْمَفْعُولِ عَنْهُ وَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ وَلَمْ يَخْطُبْ أَجْزَأَهُ مَنْ ذَبَحَ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. (قَوْلُهُ: فَأَمَّا) (أَهْلُ السَّوَادِ فَيَذْبَحُونَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ جَائِزَةٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ) ، وَلَوْ عَقَلَ أُضْحِيَّةً حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ أَوْ ضَاعَتْ فَأَصَابَهَا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهَا وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَتْرُكُ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةٍ فَضَلَّتْ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ الْكُلَّ وَإِنْ ذَبَحَ الْأُولَى لَا غَيْرُ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ ذَبَحَ الثَّانِيَةَ لَا غَيْرُ إنْ كَانَتْ مِثْلَ الْأُولَى أَوْ أَفْضَلَ جَازَ وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَذْبَحَهُمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ كَانَ مُوسِرًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَلْزَمُهُ ذَبْحُ الْكُلِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَعَلَى الْفَقِيرِ بِشِرَائِهِ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى شَاةً سَلِيمَةً ثُمَّ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ مَانِعٍ إنْ كَانَ غَنِيًّا عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا تُجْزِيهِ هَذِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْغَنِيِّ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالشِّرَاءِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا مَاتَتْ الْمُشْتَرَاةُ لِلتَّضْحِيَةِ فَعَلَى الْمُوسِرِ مَكَانَهَا أُخْرَى وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَلَدًا ذَبَحَهُ مَعَهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَيَّنَ فِيهَا فَيَسْرِي إلَى وَلَدِهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَيَّنَ فِيهَا بِالشِّرَاءِ وَأَمَّا الشَّاةُ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُوسِرُ لِيُضَحِّيَ بِهَا إذَا وَلَدَتْ لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا يَجِبُ ذَبْحُ الْوَلَدِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَسِرْ إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا فَهُوَ كَجِلْدِهَا وَخِطَامِهَا وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ أَكَلَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ فِي الْأَكْلِ وَبِثَمَنِهِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ أَمْسَكَ الْوَلَدَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ

تَصَدَّقَ بِهِ قَالَ فِي الْخُجَنْدِيِّ: إذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَذَبَحَ الْوَلَدَ يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الْأُمِّ أَجْزَأَهُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ وَإِنْ ذَبَحَهُ قَبْلَ ذَبْحِهَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُضَحَّى بِالْعَمْيَاءِ وَلَا الْعَوْرَاءِ وَلَا الْعَرْجَاءِ الَّتِي لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ) وَهُوَ الْمَذْبَحُ (وَلَا بِالْعَجْفَاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا أَرْبَعٌ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» أَيْ لَا نِقْيَ لَهَا وَهُوَ الْمُخُّ لِشِدَّةِ الْهُزَالِ، قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ) قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اسْتَشْفُوا الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ» أَيْ اُطْلُبُوا سَلَامَتَهُمَا وَأَمَّا الذَّنَبُ فَهُوَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ كَالْأُذُنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ ذَنَبُهَا فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ جَازَ) وَكَذَا حُكْمُ الْأَلْيَةِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ أَجْزَاهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يُجْزِهِ فَجَعَلَ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ. وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ الثُّلُثَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ جَازَ فَجُعِلَ الثُّلُثُ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ الذَّاهِبُ الرُّبْعَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الرُّبْعَ فِي حُكْمِ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدَّرُوا بِهِ مَسْحَ الرَّأْسِ وَوُجُوبَ الدَّمِ فِي الْحَلْقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ النِّصْفَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ لِاجْتِمَاعِ الْحَظْرِ، وَالْإِبَاحَةِ فَغَلَبَ الْحَظْرُ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَجُوزُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِالْجَمَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا خِلْقَةً وَتُسَمَّى الْجَلْحَاءُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْقَضْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا قَوْلُهُ (وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا مِنْ غَيْرِ الْخَصِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا زَادَ فِي لَحْمِهِ أَنْفَعُ مِمَّا ذَهَبَ مِنْ خُصْيَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّوْلَاءِ) وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ لِأَنَّ الْعَقْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي الْبَهَائِمِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ تَعْتَلِفُ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَعْتَلِفُ لَا يُجْزِيهِ وَأَمَّا الصَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحَّى بِهَا لِأَنَّهُ فَاتَ بِالْأُذُنِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهَا أُذُنٌ صَغِيرَةٌ خِلْقَةً جَازَ لِأَنَّ الْعُضْوَ مَوْجُودٌ وَصِغَرُهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَأَمَّا الْجَرْبَاءُ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَازَ لِأَنَّ الْجَرَبَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِلْدِ وَلَا نُقْصَانَ فِي اللَّحْمِ وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إحْدَاهُمَا اعْتَبَرَهَا بِالْأُذُنِ فَقَالَ إنْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا أَجْزَأَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إذَا بَقِيَ لَهَا مَا تَعْتَلِفُ بِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْأَكْلُ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْأُضْحِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ) وَلَا يَجُوزُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْوَحْشِ فَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْأَهْلِيِّ، وَالْوَحْشِيِّ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الْأُمُّ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْبَقَرَةُ أَهْلِيَّةً نَزَا عَلَيْهَا ثَوْرٌ وَحْشِيٌّ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ قَوْلُهُ: (يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الشَّيْءُ فَصَاعِدًا إلَّا الضَّأْنُ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَظِيمًا بِحَيْثُ إذَا خُلِطَ بِالثَّنَايَا يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ، وَالثَّنِيُّ مِنْهَا وَمِنْ الْمَعْزِ مَا لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ وَمِنْ الْبَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَانِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ وَمِنْ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَ فِي السَّادِسَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ الْجَوَامِيسُ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِهَا، وَالذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْأُنْثَى إذَا اسْتَوَيَا، وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا. قَوْلُهُ: (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ)

كتاب الأيمان

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] الْبَائِسُ الَّذِي أَصَابَهُ ضَرَرُ الْجُوعِ وَتَبَيَّنَ عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ بِأَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَيْك وَقِيلَ هُوَ الزَّمِنُ الْمُحْتَاجُ قَوْلُهُ: (وَيَدَّخِرُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا» قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا بِالثُّلُثِ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لِلْأَقَارِبِ، وَالثُّلُثَ لِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا جَازَ قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُنْقِصَ الصَّدَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فَالْقَانِعُ: هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ: هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَيُرِيَك نَفْسَهُ وَلَا يَسْأَلُك، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُوا مِنْهَا أَوْ ادَّخِرُوا» فَصَارَتْ الْجِهَاتُ ثَلَاثًا الْأَكْلُ، وَالِاطِّعَامُ، وَالِادِّخَارُ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا إرَاقَةُ الدَّمِ قَوْلُهُ: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا قَوْلُهُ: (أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ) كَالنِّطَعِ، وَالْجِرَابِ، وَالْغِرْبَالِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذَهُ فَرْوًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - اتَّخَذَتْ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهَا سِقَاءً وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِلَحْمِهَا فَكَذَا بِجِلْدِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ مِثْلُ الْمُنْخُلِ، وَالْجِرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَشْتَرِي مَا يُسْتَهْلَكُ عَيْنُهُ كَالْخَلِّ، وَالْمِلْحِ، وَالْأَبْزَارِ، وَالْحِنْطَةِ، وَاللَّبَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أُجْرَةَ جَزَّارِهَا، وَاللَّحْمُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ بَاعَ الْجِلْدَ، وَاللَّحْمَ بِالْفُلُوسِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْحِنْطَةِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ. قَوْلُهُ: (، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَإِذَا وَلِيَهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ وَأَعْطَى الْحَرْبَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ الْبَاقِي وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الذَّبْحَ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك وَسَبْعُونَ ضِعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً أَمْ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ فَقَالَ: لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» . قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَهَا الْكِتَابِيُّ) لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ ذَبَحَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ الْآخَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا قَدْ تَعَيَّنَتَا لِلذَّبْحِ فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلذَّبْحِ إذْنًا لَهُ دَلَالَةٌ. وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ وَلَا يَجُوزُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ دَلَالَةً فَإِنْ كَانَا قَدْ أَكَلَا مِنْهَا فَلْيُحَالِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِيهِمَا وَإِنْ غَصَبَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَجَازَتْ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِسَابِقِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُودِعَ شَاةً فَضَحَّى بِهَا الْمُودَعُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [الْيَمِينِ الْغَمُوسِ] (كِتَابُ الْأَيْمَانِ) الْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ وَالْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْقُوَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] أَيْ الْقُوَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ

اليمين المنعقدة

إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ أَيْ بِالْقُوَّةِ وَعَرَابَةُ اسْمُ رَجُلٍ مَعْدُودٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ قَوِيٍّ بِهِ عَزَمَ الْحَالِفُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ تَتَقَوَّى بِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَيْمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ يَمِينِ غَمُوسٍ وَيَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ وَيَمِينِ لَغْوٍ فَالْغَمُوسُ هِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ) مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ مَا فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ لَقَدْ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ كَاذِبٌ أَوْ يُدَّعَى عَلَيْهِ حَقٌّ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا يَمِينٌ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِهَا حَقَّ الْمُسْلِمِ وَالتَّجَرِّي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ قَوْلُهُ (فَهَذَا الْيَمِينُ يَأْثَمُ بِهَا صَاحِبُهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» قَوْلُهُ (وَلَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا الِاسْتِغْفَارُ) يَعْنِي مَعَ التَّوْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} [آل عمران: 77] الْآيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثَلَاثٌ مِنْ الْكَبَائِرِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ» وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ وَالْعَقْدُ مَا تُصَوِّرَ فِيهِ الْحِلُّ وَالْعَقْدُ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَقَاءُ عَلَى عَقْدِهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِحِلِّهَا وَهُوَ الْحِنْثُ يُقَارِنُهَا فَلَا تَنْعَقِدُ كَالْبَيْعِ الَّذِي يُقَارِنُهُ الْعِتْقُ وَالصَّلَاةُ الَّتِي يُقَارِنُهَا الْحَدَثُ وَصُورَةُ الْبَيْعِ الَّذِي يُقَارِنُهُ الْعِتْقُ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَيُوَكِّلَ آخَرَ بِعِتْقِهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ وَأَعْتَقَ الْآخَرُ وَخَرَجَ كِلَاهُمَا مَعًا فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ وَقَوْلُهُ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ حَالَاتٍ النَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ [الْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ] قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ هِيَ الْحَلِفُ عَلَى الْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوَّلًا يَفْعَلَهُ فَإِذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) ثُمَّ الْمُنْعَقِدُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُرْسَلٌ وَمُؤَقَّتٌ وَفَوْرٌ فَالْمُرْسَلُ هُوَ الْخَالِي عَنْ الْوَقْتِ فِي الْفِعْلِ وَنَفْيِهِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ إثْبَاتًا وَقَدْ يَكُونُ نَفْيًا فَالْإِثْبَاتُ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا وَالنَّفْيُ لَا أَضْرِبُ زَيْدًا فَفِي الْأَوَّلِ مَادَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا حَنِثَ وَفِي الثَّانِي لَا يَحْنَثُ أَبَدًا فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثَانِيًا وَالْمُؤَقَّتُ مِثْلُ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَهَذَا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَمْضِ الْيَوْمُ فَإِذَا مَضَى وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْكُوزِ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ عِنْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ فِي الْوَقْتِ لَا يَحْنَثُ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَحْدَهُ وَالْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَانِ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ وَالْوَقْتُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ فَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ الْوَقْتُ وَالْحَالِفُ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْيَوْمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمَا أَنَّ قِيَامَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فَفَوَاتُهُ يَرْفَعُ الْيَمِينَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَحْنَثُ مِنْ سَاعَتِهِ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ بِلَا مَاءٍ فِيهِ حَنِثَ بِالِاتِّفَاقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَمَّا يَمِين الْفَوْرِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِيَمِينِهِ سَبَبٌ فَدَلَالَةُ الْحَالِ تُوجِبُ قَصْرَ يَمِينِهِ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ وَذَلِكَ كُلُّ يَمِينٍ خَرَجَتْ جَوَابًا لِكَلَامٍ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ فَتَتَقَيَّدُ بِهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ نَحْوُ أَنْ تَتَهَيَّأَ الْمَرْأَةُ لِلْخُرُوجِ فَقَالَ: إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَعَدَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا تَطْلُقُ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ: إنْ ضَرَبْته فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى فَوْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ حِنْثِهِ فِي فَوْرِهِ. وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ: تَغَدَّ مَعِي فَقَالَ

اليمين اللغو

وَاَللَّهِ لَا أَتَغَدَّى مَعَك وَإِنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَلَمْ يَتَغَدَّ مَعَهُ وَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَغَدَّى فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: إذَا فَعَلْت كَذَا وَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى أَثَرِ فِعْلِهِ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَهُوَ كَذَا فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كِلَاهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ قُمْت فَلَمْ أَضْرِبْك فَأَنْتَ حُرٌّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ وَهَبَ السَّكْرَانُ لِامْرَأَتِهِ دِرْهَمًا فَقَالَتْ: إنَّكَ تَسْتَرِدُّهُ مِنِّي إذَا صَحَوْت فَقَالَ: إذَا اسْتَرْدَدْته مِنْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاسْتَرَدَّهُ مِنْهَا فِي سَاعَتِهِ وَهُوَ سَكْرَانٌ لَمْ يَحْنَثْ وَيَكُونُ يَمِينُهُ جَوَابًا لِكَلَامِهَا وَلَوْ حَلَفَ غَرِيمُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَقَضَاهُ دَيْنَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ [الْيَمِينُ اللَّغْوِ] قَوْلُهُ (وَيَمِينُ اللَّغْوِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ) مِثْلُ وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ أَوْ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى الْحَالِ مِثْلُ أَنْ يَرَى شَخْصًا مِنْ بَعِيدٍ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو أَوْ يَرَى طَائِرًا فَيَحْلِفُ أَنَّهُ غُرَابٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ أَوْ وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت الْيَوْمَ وَقَدْ أَكَلَ فَهَذَا كُلُّهُ لَغْوٌ لَا حِنْثَ فِيهِ وَقِيلَ: إنَّ يَمِين اللَّغْوِ مَا يَجْرِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ، بَلَى وَاَللَّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ فِي ذَلِكَ وَاللَّغْوُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْكَلَامُ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ قَوْلُهُ (فَهَذِهِ الْيَمِينُ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ بِهَا عَلَى الْقَطْعِ فَلِمَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ وَالشَّكِّ قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ اللَّغْوَ الَّذِي فَسَّرْنَاهُ لَمْ يَعْلَمْ قَطْعًا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ أَمْ لَا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّوَصُّلِ إلَى حَقِيقَتِهِ فَلِهَذَا قَالَ: نَرْجُو وَالثَّانِي أَنَّ الرَّجَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: رَجَاءِ طَمَعٍ وَرَجَاءِ تَوَاضُعٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجَاءُ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَلَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَمَّا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ فَإِذَا هُوَ كَاذِبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِنَذْرٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَالْعَامِدُ فِي الْيَمِينِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهُ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْيَمِينُ» وَكَذَلِكَ الْخَاطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَبِّحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ فَهُوَ كَالْعَامِدِ قَوْلُهُ (وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَهُوَ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ: الْكَفَّارَةُ شُرِعَتْ لِأَجْلِ سَتْرِ الذَّنْبِ وَلَا ذَنْبَ لِلْمَجْنُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَةَ الْجُنُونِ قُلْنَا: الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ دَائِرٌ مَعَ دَلِيلِ الذَّنْبِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا مَعَ حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ دَائِرٌ مَعَ دَلِيلِ شُغْلِ الرَّحِمِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ لَا مَعَ حَقِيقَةِ الشُّغْلِ حَتَّى أَنَّهُ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشُّغْلُ أَصْلًا بِأَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِكْرًا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأَنَّ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: أَسْمَاءُ اللَّهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ مِثْلُ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَالْحَلِفُ يَنْعَقِدُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ مِثْلُ الْكَبِيرِ وَالْعَزِيزِ وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْقِسْمَيْنِ فَجَعَلَهُمَا يَمِينًا وَلَمْ يَفْصِلْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَالِفَ قَصَدَ يَمِينًا صَحِيحَةً. (قَوْلُهُ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) اعْلَمْ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ فَمَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَانَ بِهِ حَالِفًا وَمَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ لَا يَكُونُ بِهِ حَالِفًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا وُصِفَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوصَفَ بِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَمَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ

بِهِ وَبِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ كَرَحْمَتِهِ وَغَضَبِهِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا مَنْ حَلَفَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِعَظَمَتِهِ أَوْ بِعِزَّتِهِ أَوْ بِقُوَّتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَانَ بِهِ حَالِفًا كَالْحَالِفِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَإِذَا قَالَ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْقَادِرِ قَوْلُهُ (إلَّا قَوْلَهُ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا) وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُرَادُ إذْنُهُ الْمَعْلُومُ يُقَالُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا عِلْمَك فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَمَعْلُومُ اللَّهِ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا قَالُوا: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ وَإِنْ قَالَ: وَوَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْوَجْهَ يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ وَوَجْهِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا فِيهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ يَمِينًا فِيهِمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي قَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ: لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى عِبَادِهِ طَاعَتُهُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي وَجْهِ اللَّهِ شَيْءٌ وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وَجْهِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا وَكَذَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَأَفْعَلَن وَكَذَا بِسْمِ اللَّهِ إذَا عَنَى بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ يَمِينٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِوُجُودِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَلَوْ قَالَ: وَمَلَكُوتِ اللَّهِ وَجَبَرُوتِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَإِنْ نَوَى بِهَا الْيَمِينَ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَغَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا) لِأَنَّ الْغَضَبَ وَالسَّخَطَ هُوَ الْعِقَابُ وَالنَّارُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَرَحْمَةِ اللَّه لِأَنَّ الرَّحْمَةَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْجَنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] وَقَدْ يُرَادُ بِالرَّحْمَةِ أَيْضًا وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ) أَمَّا إذَا قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ كَانَ حَالِفًا لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهُمَا كُفْرٌ قَوْلُهُ (وَالْحَلِفُ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ وَحُرُوفُهُ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَالْبَاءُ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ وَالتَّاءُ كَقَوْلِهِ تَاللَّهِ) فَالْبَاءُ أَعَمُّ مِنْ الْوَاوِ وَالتَّاءِ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ فَتَقُولُ حَلَفْت بِاَللَّهِ وَحَلَفْت بِهِ وَالْوَاوُ أَعَمُّ مِنْ التَّاءِ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَالتَّاءُ مُخْتَصَّةٌ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ سَائِرِ أَسْمَائِهِ تَقُولُ تَاللَّهِ وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (وَقَدْ تُضْمَرُ الْحُرُوفُ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا) وَيُقَالُ: إذَا حُذِفَ حَرْفُ الْقَسَمِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ سَكَّنَ حَرْفَ الْإِعْرَابِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ كَسَرَهُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ سَوَاءٌ نَصَبَ أَوْ كَسَرَ أَوْ سَكَّنَ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ كَانَ يَمِينًا لِأَنَّ اللَّامَ قَدْ تُقَامُ مَقَامَ الْبَاءِ وَتُبْدَلُ مِنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى {آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123] وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ: وَحَقُّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَإِذَا كَانَ الْحَقُّ عِبَارَةً عَنْ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَالْعِبَادَاتِ لَأَفْعَلَنَّ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوصَفُ بِأَنَّهُ الْحَقُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ الْحَقِّ وَلَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي مُطِيعٍ: يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71] وَقَالَ تَعَالَى {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25] . وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ لَا يَكُونُ يَمِينًا

لِأَنَّ الْحَقَّ يُعْرَفُ بِهِ الْحُقُوقُ وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ يَمِينٌ وَإِذَا قَالَ: حَقًّا لَأَفْعَلَنَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَالْمُنْكَرُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ: أُقْسِمُ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَهُوَ حَالِفٌ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَيَكُونُ حَالِفًا فِي الْحَالِ وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلِهَذَا قِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الْعِدَّةِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَإِنْ قَالَ: آلَيْت لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ قَالَ الشَّاعِرُ: قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... إذَا نَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ فَهُوَ يَمِينٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ} [النحل: 91] فَجَعَلَ الْعَهْدَ يَمِينًا وَالْمِيثَاقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَهْدِ وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّهَا كَالْعَهْدِ أَمَّا إذَا قَالَ: وَعَهْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ يَمِينٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَحَقِّ اللَّهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ عَهْدَ اللَّهِ هُوَ أَمْرُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} [يس: 60] وَقَالَ {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ} [طه: 115] فَصَارَ كُلُّهُ قَالَ: وَأَمْرُ اللَّهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ (وَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرُ اللَّهِ عَلَيَّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَكَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِين اللَّهِ عَلَيَّ فَهُوَ حَالِفٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْيَمِينُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ كَانَ يَمِينًا) حَتَّى إذَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَا إذَا قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَكَذَا إذَا قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ يَمِينٌ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى الْمَاضِي مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَكْفُرُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّحْقِيقِ وَكَتَبَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى إلَى ابْنِ شُجَاعٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِالِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يُصَدَّقَ فِي مَقَالَتِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُهُ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) وَكَذَا إذَا قَالَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ عِقَابُهُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا أَوْ مَيْتَةً فَلَيْسَ بِحَالِفٍ) لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَمُرْتَكِبُهَا لَا يَكُونُ كَافِرًا وَلِأَنَّ الْمَيْتَةَ قَدْ أُبِيحَتْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْتَحِلٌّ لِلْخَمْرِ أَوْ لِلْمَيْتَةِ أَوْ لِلرِّبَا فَإِنَّهُ يَكُونُ حَالِفًا لِأَنَّ مُعْتَقِدَ ذَلِكَ كَافِرٌ فَهُوَ كَمَا إذَا قَالَ: فَأَنَا يَهُودِيٌّ وَمَنْ أَدْخَلَ بَيْنَ اسْمَيْنِ حَرْفَ عَطْفٍ كَانَ يَمِينَيْنِ مِثْلُ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَطْفٍ مِثْلُ وَاَللَّهِ اللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك فَهُمَا يَمِينَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا وَهُوَ مَجُوسِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا الشَّيْءُ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ هُوَ مَجُوسِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَمِينٌ وَإِنْ قَالَ: هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ: بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ فَهُمَا يَمِينَانِ وَفِيهِمَا كَفَّارَتَانِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ: الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا كَانَ مَظْلُومًا وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قِيلَ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَعَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ

كفارة اليمين

سَوَاءٌ كَانَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا [كَفَّارَةُ الْيَمِينِ] قَوْلُهُ (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِتْقُ رَقَبَةٍ يَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي الظِّهَارِ) يَعْنِي يُجْزِئُهُ عِتْقُ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَإِنْ قِيلَ: الصَّغِيرُ لَا مَنَافِعَ فِي أَعْضَائِهِ فَهُوَ كَالزَّمِنِ قُلْنَا: مَنَافِعُ أَعْضَائِهِ كَامِلَةٌ وَإِنَّمَا فِيهَا ضَعْفٌ فَهُوَ كَالْكَبِيرِ الضَّعِيفِ وَإِنْ أَعْتَقَ حَمْلًا لَا يَجُوزُ وَإِنْ وُلِدَ بَعْدَ يَوْمٍ حَيًّا لِأَنَّهُ نَاقِصُ الْخَلْقِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى وَإِنْ أَعْتَقَ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ رِقَّهُمْ نَاقِصٌ بِدَلِيلِ امْتِنَاعِ بَيْعِهِمْ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إنْ كَانَ قَدْ أَدَّى شَيْئًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ وَيَجُوزُ عِتْقُ الْآبِقِ وَالْأَعْوَرِ وَمَقْطُوعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا يُجْزِيهِ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَلَا مَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لَا يُجْزِيهِ عِتْقُ الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَإِنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ أَجْزَأَهُ وَيَجُوزُ الْأَصَمُّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا صِيحَ فِي أُذُنِهِ يَسْمَعُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَجُوزُ الْمُقْعَدُ وَلَا يَابِسُ الشِّقِّ وَلَا الزَّمِنُ وَلَا أَشَلُّ الْيَدَيْنِ وَلَا مَقْطُوعُ الْإِبْهَامِ وَلَا الْأَعْمَى وَلَا الْأَخْرَسُ وَإِنْ أَعْتَقَ مُبَاحَ الدَّمِ أَجْزَأَهُ إلَّا الْمُرْتَدَّ وَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ ابْنَهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ الْعِتْقَ عَنْ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَالْأَنْفِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السَّمْعِ وَالشَّمِّ بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا فَاتَتْ الزِّينَةُ وَيَجُوزُ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ لِأَنَّ عَدَمَهُ أَصْلًا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِأَنْ كَانَ أُنْثَى وَيَجُوزُ الْخُنْثَى وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ وَالرَّتْقَاءُ وَلَا يُجْزِئُ الذَّاهِبُ الْأَسْنَانِ وَلَا مَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ فَإِنْ قَدَرَ أَجْزَأَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبًا فَمَا زَادَ وَأَدْنَاهُ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ) وَلَا يُجْزِيهِ الْعِمَامَةُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَالْخُفَّانِ لِأَنَّهُمَا لَا يُسَمَّيَانِ كِسْوَةً وَأَمَّا السِّرْوَالُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَوْبٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُجْزِيهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَسَا رَجُلًا أَمَّا إذَا كَسَا امْرَأَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَزِيدَهَا خِمَارًا لِأَنَّ رَأْسَهَا عَوْرَةٌ وَلَا يَجُوزُ لَهَا الصَّلَاةُ مَعَ كَشْفِهِ وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا وَاحِدًا وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةَ أَثْوَابٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عِنْدَ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْإِطْعَامِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ يَنْوِهِ عَنْ الْإِطْعَامِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا إذَا أَعْطَاهُمْ دَرَاهِمَ وَهِيَ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الْكِسْوَةِ وَتَبْلُغُ قِيمَةَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ لَا تَبْلُغُ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَتَبْلُغُ قِيمَةَ الْكِسْوَةِ جَازَ عَنْ الْكِسْوَةِ وَلَوْ كَسَا خَمْسَةً وَأَطْعَمَ خَمْسَةً أَجْزَأَهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ) وَيُجْزِئُ فِي الْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ وَالتَّمْكِينُ فَالتَّمْلِيكُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْحِنْطَةِ يُجْزِئُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَالشَّعِيرِ وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الْحُبُوبُ كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ أَيْ يُخْرِجُ مِنْهَا قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي سَائِرِ الْحُبُوبِ تَمَامُ كَيْلِهِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهَا وَأَمَّا التَّمْكِينُ فَهُوَ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ فَيَحْصُلُ لَهُمْ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ عَشَاءَيْنِ أَوْ يُغَدِّيَهُمْ غَدَاءَيْنِ أَوْ يُعَشِّيَهُمْ وَيُسَحِّرَهُمْ فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ بِغَيْرِ إدَامٍ لَا يُجْزِيهِ إلَّا فِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا غَيْرُ فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا أَوْ تَمْرًا أَوْ سَوِيقًا لَا غَيْرُ أَجْزَأَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ طَعَامِ أَهْلِهِ وَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ غِذَاءً وَعَشَاءً أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فِي كُلِّ أَكْلَةٍ إلَّا رَغِيفًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشْبَاعُهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ فِي التَّمْلِيكِ وَإِنْ غَدَّى عَشَرَةً وَعَشَّى عَشَرَةً غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِيهِ وَكَذَا إذَا غَدَّى مِسْكِينًا وَعَشَّى غَيْرَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ فَرَّقَ طَعَامَ الْعَشَرَةِ عَلَى عِشْرِينَ فَلَمْ يَحْصُلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمِقْدَارُ الْمُقَدَّرُ كَمَا إذَا فَرَّقَ حِصَّةَ الْمِسْكِينِ وَلَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ الْعَشَاءِ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ أَجْزَأَهُ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ فِي عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فَغَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ عَشَائِهِمْ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ قَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ عَشَّاهُ فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَجْزَأَهُ لِأَنَّ سَدَّ الْجَوْعَةِ فِي أَيَّامٍ لِوَاحِدٍ كَسَدِّ الْجَوْعَةِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِجَمَاعَةٍ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ. وَإِنْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا طَعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ

فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ تَكْرَارَ الدَّفْعِ مُسْتَحَقٌّ كَمَا إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يُجْزِهِ إلَّا عَنْ وَاحِدَةٍ كَذَا هَذَا وَلَوْ صَامَ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ وَفِي مِلْكِهِ عَبْدُهُ قَدْ نَسِيَهُ أَوْ طَعَامٌ قَدْ نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ وَهَذَا وَاحِدٌ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَى مَنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَهُمَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَيْهِمْ كَالزَّكَاةِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فِي كَفَنِ الْمَوْتَى وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) هَذِهِ كَفَّارَةُ الْمُعْسِرِ وَالْأُولَى كَفَّارَةُ الْمُوسِرِ وَحَدُّ الْيَسَارِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَضْلٌ عَنْ كِفَايَةٍ مِقْدَارُ مَا يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَيْنُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ أَوْ كُسْوَةٌ أَوْ طَعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمْ لَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ. قَالَ فِي شَرْحِهِ: إذَا مَلَكَ عَبْدًا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلرَّقَبَةِ فَلَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَعْسَرَ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ مُتَتَابِعَاتٍ التَّتَابُعُ شَرْطٌ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ فَرَّقَ الصَّوْمَ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ وَمِنْ شَرْطِ هَذَا الصَّوْمِ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ أَفْطَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ: يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ كُلَّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَيْسَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَرْأَةِ إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْكَفَّارَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يَجُزْ) هَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ إلَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلُ أَنْ لَا يُصَلِّي أَوَّلًا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الْبِرِّ إلَى الْجَابِرِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ سَأَلَ الشَّعْبِيَّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ فِي مَعْصِيَةٍ فَقَالَ: أَلَيْسَ جَعَلَ اللَّهُ الظِّهَارَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَأَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: أَنْتَ مِنْ الْأرَائِيِّينَ أَيْ مِمَّنْ يَقُولُ بِالرَّأْيِ وَقَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ أَيْ يُكَلِّمَ أَبَاهُ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَعْزِمَ عَلَى تَرْكِ الْقَتْلِ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُكَلِّمْ أَبَاهُ وَقَتَلَ فُلَانًا فَهُوَ عَاصٍ وَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً أَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ. وَأَمَّا النَّذْرُ إذَا كَانَ فِي الْمُبَاحِ أَوْ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْهَبَ إلَى السُّوقِ أَوْ أَعُودَ مَرِيضًا أَوْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ أَضْرِبَ أَوْ أَشْتُمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ لَزِمَهُ ذَبْحُ شَاةٍ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ» وَلَهُمَا أَنَّ ذَبْحَ الْوَلَدِ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِذَبْحِ شَاةٍ وَقَالَ {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ يَتَنَاوَلُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء: 125] وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ عَبْدِهِ فَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِعَبْدِهِ مِنْ ابْنِهِ وَإِنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ فَكَذَا عِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّ مَا جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ عَنْ ابْنِهِ جَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ عَنْ نَفْسِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ النَّذْرِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَعَبْدِهِ وَنَفْسِهِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ شَاةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَنْوَاعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ فِيهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ شَاةٌ فِي الْوَلَدِ خَاصَّةً وَوَلَدُ الِابْنِ فِي هَذَا

بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَأَمَّا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إجْمَاعًا قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ تَنْفِيذَ الْيَمِينِ أَمَّا إذَا أَرَادَ تَنْفِيذَ الْفِعْلِ فِي الْيَمِينِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَذْرٌ فِي مَعْصِيَةٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ الْكُفْرِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا وَلَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَزِمَهُ وَإِنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ صَحَّ إيلَاؤُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَبْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَكْلُهُ فَإِنْ أَكَلَهُ حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَصَارَ كَمَا إذَا حَرَّمَ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ إنْ اسْتَبَاحَهُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا لِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ تَقْتَضِي الْحُرْمَةَ قُلْنَا: لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا حَرَامًا لِعَيْنٍ وَالْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ أَنْ يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لِأَنَّ الْمُبَاحَ يُؤْكَلُ وَقَدْ أَكَلَهُ بَعْدَ مَا حَلَفَ فَيَكُونُ مُعَامَلًا مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ صَارَ حَلَالًا بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا إذَا فَعَلَ مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا حَنِثَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا ثَبَتَ تَنَاوَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا إنْ كَانَ طَعَامًا مَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَكْلَهُ مَرَّةً حَنِثَ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أَوْ حَبَّتَيْنِ حَنِثَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَإِنْ تَرَكَ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآكِلٍ لِجَمِيعِهَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ لَحْمَ هَذَا الْجَزُورِ أُوَلًا يَبِيعُ هَذِهِ الْخَابِيَةَ الزَّيْتَ فَبَاعَ نِصْفَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى الْكُلِّ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ) فَائِدَتُهُ أَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا تُصْرَفُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَكَذَا اللِّبَاسُ لَا يَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِنْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي امْرَأَتَهُ كَانَ عَلَيْهَا وَعَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِأَنَّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ يَلْزَمُهُ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَتَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ يَلْزَمُهُ بِنِيَّتِهِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ وَفِي الْأُخْرَى الْإِيلَاءَ كَانَتَا طَلْقَتَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَمْرَيْنِ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدَهُمَا حُمِلَ عَلَى الْأَغْلَظِ مِنْهُمَا وَهُوَ الطَّلَاقُ وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُمَا: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي أَحَدِهِمَا ثَلَاثًا وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً يُطَلَّقَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: فَيُحْمَلُ عَلَى أَشَدِّهِمَا كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ قَوْلُهُ (وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ) بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ عَشْرُ حِجَجٍ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَكَذَا أَيْضًا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا يُجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُطْلِقَ النَّذْرَ فَيَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ نَذْرٌ لِلَّهِ عَلَيَّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَهُوَ مُطْلَقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَرْطٍ الثَّالِثَةِ أَنْ يُعَلِّقَ نَذْرَهُ بِشَرْطٍ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ بَعْدَ هَذِهِ الرَّابِعَةِ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهَذِهِ تَنْعَقِدُ يَمِينًا وَمُوجِبُهَا مُوجِبُ الْيَمِينِ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلَّقَ نَذْرَهُ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ

إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُ أَجْزَأَهُ عَنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ بِأَنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَمَالِي صَدَقَةٌ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَدَّ غَائِبِي فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ أَوْ رَدَّ غَائِبَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ بِلَا خِلَافٍ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَدَقَةٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ وَإِنْ قَالَ: إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَزِمَهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْمَسْجِدَ أَوْ الْبِيعَةَ أَوْ الْكَنِيسَةَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ هَذِهِ لَا تُسَمَّى بُيُوتًا فِي الْعَادَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الِاسْمُ وَالْعَادَةُ وَلِأَنَّ الْبَيْتَ هُوَ مَا أُعِدَّ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ الْبِقَاعُ مَا بُنِيَتْ لَهَا وَلَا يُقَالُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَسَاجِدَ بُيُوتًا فَقَالَ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ دُونَ تَسْمِيَةِ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِكَلَامٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إنَّ هَذِهِ صَلَاتَنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا يُؤْتَى بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْأَذْكَارِ لَيْسَ بِكَلَامٍ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا سَبَّحَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَقِيلَ: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بَلْ يُسَمَّى قَارِئًا أَوْ مُسَبِّحًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَصَلَّى لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْيَمِينِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَصَلَّى خَلْفَهُ فَسَهَا الْإِمَامُ فَسَبَّحَ بِهِ الْحَالِفُ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ بِالْقِرَاءَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهَذَا لَا يُبْطِلُهَا وَإِنْ فَتَحَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَلْفَهُ فَسَلَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ سَلَامَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكَلَامٍ كَتَكْبِيرِهَا وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ فِيهِ وَفَهِمَهُ وَلَمْ يَنْطِقْ فِيهِ بِشَيْءٍ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَالْأَيْمَانُ تَقَعُ عَلَى الْعُرْفِ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَنَظَرَ فِيهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا لَا يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: الْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمُ مَا فِيهِ وَقَدْ حَصَلَ بِالنَّظَرِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا عَيْنُ الْقِرَاءَةِ إذْ الْغَرَضُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الثَّوَابُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً فَتَرَكَ مِنْهَا كَلِمَةً حَنِثَ وَإِنْ كَانَ آيَةً كَامِلَةً لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَقَرَأَهُ إلَّا سَطْرًا حَنِثَ وَكَأَنَّهُ قَرَأَهُ كُلَّهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِيهِ فَإِنْ قَرَأَ نِصْفَهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ: يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَالْكَلَامُ لَا يَمْتَدُّ وَإِنْ عَنَى بِهِ النَّهَارَ خَاصَّةً دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ وَأَنْ قَالَ: لَيْلَةَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ) وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ جُعِلَ لَابِسًا مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ إلَى أَنْ نَزَعَهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَقَصْدُ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَبَقَاءُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ إلَى أَنْ يَنْزِعَهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ يَمِينِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُعْقَدُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحْلِفُ لِيَبَرَّ لَا لِيَحْنَثَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالنَّزْعِ لَا يُمْكِنُ

الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَا سِوَاهُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً حَنِثَ) لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ لُبْسٌ وَرُكُوبٌ فَإِذَا تَرَكَ النَّزْعَ وَالنُّزُولَ بَعْدَ يَمِينِهِ جُعِلَ رَاكِبًا وَلَابِسًا فَحَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا شَيْئًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكَسَاهُ قَلَنْسُوَةً أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَعْلَيْنِ حَنِثَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا تُكْسَى وَلِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ فَحَنِثَ بِوُجُودِ الْيَسِيرِ مِنْهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْسُهُ وَإِنَّمَا وَهَبَ دَرَاهِمَ وَشَاوَرَهُ فِيمَا يَفْعَلُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْقُعُودِ حَتَّى يَخْرُجَ ثُمَّ يَدْخُلَ) لِأَنَّ الدُّخُولَ لَا دَوَامَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ وَلَيْسَ الْمُكْثُ دُخُولًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارًا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَكَثَ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا يَقُولُ دَخَلْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسَوَاءٌ دَخَلَهَا رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الدُّخُولِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ فَإِنْ أُدْخِلَهَا مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُدْخَلٌ فَإِنْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ الْأُخْرَى لَا يَحْنَثُ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ جَعَلْنَاهُ خَارِجًا بِالْأُخْرَى فَلَا يَكُونُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ دَاخِلًا وَخَارِجًا وَإِنْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُدْخِلْ قَدَمَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدُخُولٍ عَلَيْهِ عَادَةً وَإِنَّمَا الدُّخُولُ الْمُعْتَادُ فِي الْبُيُوتِ خَاصَّةً وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَحَمَلَهُ وَأَخْرَجَهُ حَنِثَ وَإِنْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ حَنِثَ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي مَكَّةَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَهَا لِأَنَّ الْإِتْيَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} [الشعراء: 16] وَإِنْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَهُوَ كَالْإِتْيَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ كَالْخُرُوجِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا خَرَابًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي يَمِينِهِ دَارًا مُعْتَادًا دُخُولُهَا وَسُكْنَاهَا إذْ الْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَادَةِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللُّبْسُ الْمُعْتَادُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ) لِأَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهَا تَعَلَّقَ ذَلِكَ بِبَقَاءِ اسْمِهَا وَالِاسْمُ فِيهَا بَاقٍ كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ سُقُوفُهَا وَبَقِيَتْ حِيطَانُهَا وَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ بِعَيْنِهِ فَارْتَدَى بِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ عَلَى الِاسْمِ لَا عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ اللُّبْسِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الصِّفَةَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ شَرْطٌ وَقِيَامُ الِاسْمِ شَرْطٌ فِيهِمَا جَمِيعًا بَيَانُهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَأَشَارَ إلَيْهَا أَوْ دَارًا بِعَيْنِهَا فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا انْهَدَمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ حَنِثَ لِأَنَّ الِاسْمَ بَاقٍ إذْ الدَّارُ اسْمٌ لِلسَّاحَةِ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا وَالصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَإِنْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْمَ قَدْ زَالَ فَلَوْ بَنَاهَا دَارًا أُخْرَى بَعْدَمَا جَعَلَهَا مَسْجِدًا فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا غَيْرُ الدَّارِ الْأُولَى وَإِنْ بَنَاهَا دَارًا بَعْدَ مَا صَارَتْ صَحْرَاءَ فَدَخَلَهَا حَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَدَخَلَ دَارًا قَدْ هُدِمَتْ وَصَارَتْ صَحْرَاءَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْغَائِبِ شَرْطٌ إلَّا إذَا كَانَتْ حِيطَانُهَا قَائِمَةً حِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ سَقْفُهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ غَيْرُ الْوَصْفِ وَإِنْ زَالَتْ حِيطَانُهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ زَالَ الِاسْمُ وَلَا يُسَمَّى بَيْتًا بَعْدَ زَوَالِ الْحِيطَانِ بِخِلَافِ الدَّارِ قَالَ الشَّاعِرُ: الدَّارُ دَارٌ وَإِنْ زَالَتْ حَوَائِطُهَا ... وَالْبَيْتُ لَيْسَ بِبَيْتٍ بَعْدَ تَهْدِيمٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَدَخَلَهُ بَعْدَمَا انْهَدَمَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ فَإِذَا زَالَ الْبِنَاءُ لَمْ يُسَمَّ بَيْتًا وَإِنْ كَانَ انْهَدَمَ سَقْفُهُ وَبَقِيَتْ حِيطَانُهُ فَدَخَلَ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ وَلِأَنَّهُ بِهَدْمِ السَّقْفِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْبَيْتِ مَا دَامَتْ الْحِيطَانُ بَاقِيَةً وَإِنَّمَا يُقَالُ: بَيْتٌ خَرَابٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا لَا سَقْفَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهِ وَالْوَصْفُ فِي الْغَائِبِ شَرْطٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ فَانْهَدَمَ وَبَنَى بَيْتًا آخَرَ فَدَخَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ قَوْلُهُ (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ

زَوْجَةَ فُلَانٍ فَطَلَّقَهَا فُلَانٌ) أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا (ثُمَّ كَلَّمَهَا) (حَنِثَ) هَذَا إذَا كَانَ الْيَمِينُ عَلَى زَوْجَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُشَارٍ إلَيْهَا بِأَنْ قَالَ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ وَعَيَّنَهُ فَعَادَاهُ فُلَانٌ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُونَا مُعَيَّنَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَمْ يَحْنَثْ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَكَذَا أَيْضًا لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَبَاعَ فُلَانٌ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ فَكَلَّمَ الْعَبْدَ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ قَاسَهُ عَلَى صَدِيقِ فُلَانٍ وَزَوْجَةِ فُلَانٍ وَلَهُمَا أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ كَلَامِ الْعَبْدِ لِأَجْلِ مَوْلَاهُ إذْ لَوْ أَرَادَ الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمَوْلَى فَلَمَّا أَضَافَ الْمِلْكَ فِيهِ إلَى الْمَوْلَى زَالَتْ يَمِينُهُ عَنْهُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَكَذَا الدَّارُ لَا تُعَادَى وَلَا تُوَالَى فَإِذَا حَلَفَ عَلَى دُخُولِهَا مَعَ الْإِضَافَةِ صَارَ الِامْتِنَاعُ بِالْيَمِينِ لِأَجْلِ صَاحِبِهَا فَإِذَا زَالَ الْمِلْكُ زَالَتْ الْيَمِينُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ فُلَانٍ أَوَّلًا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَبَاعَهُمَا فَلَبِسَ الثَّوْبَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا إلَّا لِمَعْنًى فِي الْمَالِكِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا دَامَا مِلْكًا لِفُلَانٍ وَكَذَا الْعَبْدُ لَا يُعَادَى وَلَا يُوَالَى لِخَسَاسَتِهِ وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَجْلِ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّدِيقُ وَالزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُعَادَوْنَ وَيُوَالَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ فَعُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَهُمْ بِالْيَمِينِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا يَسْكُنُهَا فُلَانٌ بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ حَنِثَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ بِنْتَ فُلَانٍ فَوُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ بَعْدَ الْيَمِينِ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِنْتَ فُلَانٍ يَقْتَضِي بِنْتًا مَوْجُودَةً فِي الْحَالِ وَإِنْ قَالَ بِنْتًا لِفُلَانٍ أَوْ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ وَلَا بَنَاتَ لَهُ وَقْتَ الْيَمِينِ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ بِنْتٌ فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَالِفِ حَنِثَ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ يُسَمَّى طَعَامًا فَقَدْ أَكَلَ مِنْ طَعَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَا تَحْتَمِلُ إلَّا التَّعْرِيفَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادَى لِمَعْنًى فِي الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ وَقَدْ صَارَ شَيْخًا حَنِثَ) لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ إذْ الصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَإِنْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ شَابًّا أَوْ شَيْخًا أَوْ صَبِيًّا بِلَفْظِ النَّكِرَةِ تَقَيَّدَ بِهِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ فَصَارَ كَبْشًا فَأَكَلَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تَعَلَّقَتْ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ) فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى أَكْلُهَا فَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَإِنْ أَكَلَ مِنْ عَيْنِهَا لَمْ يَحْنَثْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا أَوْ جُمَّارِهَا أَوْ طَلْعِهَا أَوْ دِبْسِهَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْهَا وَالْمُرَادُ بِالدِّبْسِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ أَمَّا إذَا طُبِخَ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ خَلِّهَا أَوْ نَبِيذِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا قَدْ تَغَيَّرَ بِصَنْعَةٍ جَدِيدَةٍ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ شَيْئًا فَهُوَ عَنْ عِنَبِهِ وَزَبِيبِهِ وَعَصِيرِهِ وَالْكَرْمُ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَهُوَ عَلَى لَحْمِهَا خَاصَّةً دُونَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ وَالزَّبَدِ وَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الشَّاةَ مَأْكُولَةٌ فِي نَفْسِهَا فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى لَحْمِهَا دُونَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ النَّخْلَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ فِي نَفْسِهَا فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهَا وَلَوْ نَظَرَ إلَى عِنَبٍ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى الْعِنَبِ فِي نَفْسِهِ دُونَ زَبِيبِهِ لِأَنَّ الْعِنَبَ مَأْكُولٌ فِي نَفْسِهِ فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَيْهِ كَالشَّاةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ بَقِيَتْ بِبَقَاءِ اسْمِهِ وَزَالَتْ بِزَوَالِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ انْتِقَالَهُ إلَى الرُّطَبِ يُزِيلُ عَنْهُ اسْمَ الْبُسْرِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَأَكَلَ مِنْ جُبْنٍ صُنِعَ مِنْهُ أَوْ مَصْلٍ أَوْ أَقِطٍ أَوْ شِيرَازِ الْمَصْلُ الْمَوَّاهُ وَالشِّيرَازُ الْجَدَابَةُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَأَكَلَ مِنْ فَرْخٍ خَرَجَ مِنْهَا أَوَّلًا يَذُوقَ هَذِهِ الْخَمْرَ فَصَارَتْ خَلًّا فَشَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ نَوَى مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّهُ

شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنَّبًا حَنِثَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَوَافَقَهُ مُحَمَّدٌ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِاسْمٍ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ اسْمِ الرُّطَبِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُنْتَقَى بِيَمِينِهِ أَكْلُ الرُّطَبِ وَالْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ فِيهِ الرُّطَبُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا فِيهِ بُسْرٌ يَسِيرٌ حَنِثَ عِنْدَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الَّذِي فِي الرُّطَبِ لَا يُسَمَّى بُسْرًا فِي الْغَالِبِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْغَلَبَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ فَصَارَ هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنَّبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا بِهِ بُسْرٌ يَسِيرٌ فَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ زَالَ الِاسْمُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْبُسْرَ فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ لِهَذَا الْمَعْنَى هَذَا كُلُّهُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ أَمَّا فِي الشِّرَاءِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بُسْرًا أَوْ رُطَبًا فَاشْتَرَى بُسْرًا مُذَنَّبًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ إجْمَاعًا فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَنِثَ إجْمَاعًا فَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشِّرَاءِ فَقَالَا: إنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ فَيَتْبَعُ الْقَلِيلُ فِيهِ الْكَثِيرَ وَفِي الْأَكْلِ يُصَادِفُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِير أَوْ أَوْ لَا يَأْكُلُهُ فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتٌ شَعِيرًا وَأَكَلَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْأَكْلِ دُونَ الشِّرَاءِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ قَسْبًا أَوْ رُطَبًا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ السَّمَكَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ اللَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَسْمِيَتِهِ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا تُحْمَلُ عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا فَخَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ أَوَّلًا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى الْكَافِرَ دَابَّةً فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 55] وَكَذَا جَمِيعُ مَا فِي الْبَحْرِ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّمَكِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَيُّ لَحْمٍ أَكَلَهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ غَيْرَ السَّمَكِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مُحَرَّمُهُ وَمُبَاحُهُ وَمَطْبُوخُهُ وَمَشْوِيُّهُ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ أَكْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ مَيْتَةً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ، ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا وَهَذَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي يَجُوزُ شِرَاؤُهُ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ كَبِدًا أَوْ كِرْشًا أَوْ رَأْسًا أَوْ الْكَلَأَ أَوْ الرَّيَّةَ أَوْ النَّشَّاشَةَ أَوْ الْأَمْعَاءَ أَوْ الطِّحَالَ حَنِثَ فِي هَذَا كُلِّهِ وَأَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَلَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَكَذَا الْأَلْيَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الشَّحْمِ وَإِنْ أَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ أَوْ مَا عَلَى اللَّحْمِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: لَحْمٌ سَمِينٌ فَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ الطُّيُورِ أَوْ لَحْمَ صَيُودِ الْبَرِّ حَنِثَ وَكَذَا لَحْمُ الرَّأْسِ لِأَنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ مِنْ الْحَيَوَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: اشْتَرَى لَحْمًا وَإِنَّمَا يُقَالُ اشْتَرَى رَأْسًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا وَلَا شَحْمًا فَاشْتَرَى أَلْيَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ وَإِنَّمَا هِيَ نَوْعٌ ثَالِثٌ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ أَنْ يُبَاشِرَ الْمَاءَ بِفِيهِ فَإِنْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ وَالِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ وَالْإِنَاءِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَهُ إذَا كَانَتْ لَهَا حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُتَعَارَفٌ مُسْتَعْمَلٌ حُمِلَتْ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَرْعَ فِي الدِّجْلَةِ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ مُتَعَارَفَةٌ يَفْعَلُهَا كَثِيرٌ مِنْ

النَّاسِ وَالْمَجَازُ أَيْضًا مُتَعَارَفٌ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ فَحُمِلَتْ عِنْدَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ لَمْ يَحْنَثْ إجْمَاعًا سَوَاءٌ كَرَعَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ بِإِنَاءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مِنْ دِجْلَةَ وَإِنَّمَا شَرِبَ مِنْ غَيْرِهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ أَوْ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ فَحَوَّلَ مَاءَهُ إلَى كُوزٍ آخَرَ أَوْ إنَاءٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَكَرَعَ فِي نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهَا حَنِثَ إجْمَاعًا لِأَنَّ مَاءَ دِجْلَةَ مَوْجُودٌ فِي النَّهْرِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهَا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَاسْتَقَى لَهُ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْهَا فَشَرِبَهُ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذَا النَّهْرِ قَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ حَنِثَ) لِأَنَّهُ شَرِبَ مَاءً مُضَافًا إلَى دِجْلَةَ فَحَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً مِنْ دِجْلَةَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَشَرِبَهُ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ فِي الدِّجْلَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مِنْ وَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ صَارَتْ الْيَمِينُ عَلَى النَّهْرِ فَلَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْكَرْعِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْجُبِّ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوءًا فَهُوَ عَلَى الْكَرْعِ لَا غَيْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْكَرْعِ وَالِاغْتِرَافِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوءٍ فَعَلَى الِاغْتِرَافِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ هَذَا الْبِئْرِ فَهُوَ عَلَى الِاغْتِرَافِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُتَعَارَفَةٍ فِيهَا فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجَازِ فَإِنْ تَكَلَّفَ وَكَرَعَ مِنْ أَسْفَلِهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَمْ يَحْنَثْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا قَضَمَهَا لِأَنَّ لَهَا حَقِيقَةً مُسْتَعْمَلَةً فَإِنَّهَا تُغْلَى وَتُقْلَى وَتُؤْكَلُ قَضْمًا وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهَا خُبْزًا أَوْ قَضْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعُمُومِ الْمَجَازِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى أَنْ يَأْكُلَهَا حَبًّا فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا لَمْ يَحْنَثْ إجْمَاعًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَأَكَلَ مِنْ سَوِيقِهَا لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْيَمِينَ تُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَحَقِيقَتُهَا أَنْ تُؤْكَلَ حَبًّا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ كَمَا فِي الْخُبْزِ عَلَى أَصْلِهِ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْخُبْزِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْخُبْزِ وَالسَّوِيقِ لِأَنَّ الْخُبْزَ يُسَمَّى حِنْطَةً مَجَازًا يُقَالُ خُبْزُ حِنْطَةٍ وَالسَّوِيقُ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَزَرَعَهَا وَأَكَلَ مِنْ غَلَّتِهَا لَمْ يَحْنَثْ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ حَنِثَ) لِأَنَّ الْعَادَةَ أَكْلُهُ هَكَذَا وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ تُعْرَفُ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَأْكُلَهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ إذَا أَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَوْلُهُ (وَلَوْ اسْتَفَّهُ كَمَا هُوَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَالَهُ مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ وَلَيْسَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ تَنَاوَلَتْ الْيَمِينُ الْمَجَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَالدَّقِيقُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْغَزْلَ فَتَعَمَّمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْسَجَ لَمْ يَحْنَثْ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا اللَّبَنَ أَوْ هَذَا الْعَسَلَ أَوْ هَذَا الْخَلَّ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ أَوْ تَمْرٍ حَنِثَ وَإِنْ شَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الشُّرْبَ لَا يُسَمَّى أَكْلًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ وَدَقَّهُ وَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا شُرْبٌ وَلَيْسَ بِأَكْلٍ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا فَجَعَلَ يَمُصُّهُ وَيَرْمِي بِثُفْلِهِ وَيَبْلَعُ مَاءَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَكْلِ وَلَا فِي الشُّرْبِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا بِشُرْبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَصٌّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا فَجَعَلَ فِي فِيهِ سُكَّرَةً وَجَعَلَ يَبْلَعُ مَاءَهَا حَتَّى ذَابَتْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ حِينَ أَوْصَلَهَا إلَى جَوْفِهِ وَصَلَتْ وَهِيَ مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْمَضْغُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ لِلْوُضُوءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ التَّطْهِيرُ دُونَ مَعْرِفَةِ الطَّعْمِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا أَوْ تَمْرًا وَفَاكِهَةً حَنِثَ لِأَنَّ الطَّعَامَ كُلُّ مَا يُطْعَمُ وَيُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَالْإِدَامُ يُسَمَّى طَعَامًا فَيَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ أَكَلَ أَهْلِيلَجَةً أَوْ مَحْمُودَةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَعَامًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ فَأَكَلَ مِنْ خَلِّهِ أَوْ زَيْتِهِ أَوْ مِلْحِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا يَأْكُلُهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ حَنِثَ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ نَبِيذِهِ أَوْ مَائِهِ فَأَكَلَ بِهِ خُبْزًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا مَلْتُوتًا بِسَمْنٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ

السَّوِيقُ بِحَيْثُ إذَا عُصِرَ سَالَ مِنْهُ السَّمْنُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَلَّمَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ نَائِمٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ وَوَصَلَ إلَى سَمْعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِنَوْمِهِ كَمَا لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ غَافِلٌ وَكَذَا إذَا نَادَاهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ لِغَفْلَتِهِ وَكَذَا لَوْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ الْحَالِفُ: مَنْ هَذَا أَوْ أَنْتَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُكَلِّمٌ لَهُ وَلَوْ نَادَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: لَبَّيْكَ حَنِثَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَؤُمُّ أَحَدًا فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ لِنَفْسِهِ فَجَاءَ قَوْمٌ فَاقْتَدُوا بِهِ حَنِثَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ أَمَّهُمْ فَحَنِثَ قَضَاءً لَكِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إمَامَتَهُمْ فَلَمْ يَحْنَثْ دِيَانَةً إنْ أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَحْنَثْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً فِي كُلِّ الْوُجُودِ لِأَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَ الْإِمَامَةِ تُصْرَفُ إلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى كَلَّمَهُ حَنِثَ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ زَيْدٌ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ يَمِينُهُ فَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَتَى كَلَّمَهُ حَنِثَ وَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَضَرَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَكْسُوهُ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكُسْوَةِ السَّتْرَ وَإِنْ قَالَ: إنْ غَسَّلْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَغَسَّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَنِثَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَوَّلًا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ قَوْلُهُ (وَإِذَا اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لِيُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ خَبِيثٍ دَخَلَ الْبَلَدَ فَهُوَ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ بِزَجْرِهِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتُهُ بَعْدَ وِلَايَتِهِ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ عُزِلَ ثُمَّ عَادَ وَالِيًا لَمْ تَعُدْ الْيَمِينُ وَتَبْقَى الْيَمِينُ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَالِي أَوْ يُعْزَلُ وَصُورَتُهُ اسْتَحْلَفَ رَجُلًا لَيَرْفَعَنَّ إلَيْهِ كُلَّ مَنْ عَلِمَ بِهِ مِنْ فَاسِقٍ أَوْ سَارِقٍ فِي مَحَلَّتِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى عُزِلَ الْعَامِلُ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ عَلِمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ يَمِينِهِ. وَبَطَلَتْ عَنْهُ الْيَمِينُ فَإِنْ عَادَ الْعَامِلُ بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ بَطَلَتْ بِيَمِينِهِ الدَّاعِرُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْفَاجِرُ الْخَبِيثُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ لَمْ يَحْنَثْ) الْمُرَادُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ سَوَاءٌ كَانَ مَدْيُونًا أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّ الدَّابَّةَ مِلْكُ الْمَوْلَى وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا أَوْ دَخَلَ دِهْلِيزَهَا حَنِثَ) لِأَنَّ سَطْحَهَا مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِصُعُودِهِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَكَذَا الدِّهْلِيزُ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ الدَّارَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الدَّائِرَةُ وَقِيلَ: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ بِالصُّعُودِ إلَى السَّطْحِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ وَقَفَ عَلَى طَاقِ الْبَابِ بِحَيْثُ إذَا غُلِقَ الْبَابُ كَانَ خَارِجًا لَمْ يَحْنَثْ) وَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْبَابِ إذَا غُلِقَ حَنِثَ وَإِنْ أَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ الْأُخْرَى إنْ كَانَتْ الدَّارُ مُنْهَبِطَةً حَنِثَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً لَا يَحْنَثُ وَفِي الْكَرْخِيِّ لَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُنْهَبِطَةً أَوْ مُسْتَوِيَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ وَلَمْ يُدْخِلْ قَدَمَيْهِ أَوْ تَنَاوَلَ مِنْهَا شَيْئًا بِيَدِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدُخُولٍ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ فَعَلَهُ لَمْ يُقْطَعْ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشِّوَاءَ فَهُوَ عَلَى اللَّحْمِ دُونَ الْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ) لِأَنَّ الشِّوَاءَ يُرَادُ بِهِ

اللَّحْمُ حَتَّى لَوْ أَكَلَ سَمَكًا مَشْوِيًّا لَا يَحْنَثُ فَإِنْ نَوَى كُلَّ مَا يُشْوَى مِنْ بَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَهُوَ عَلَى مَا يُطْبَخُ مِنْ اللَّحْمِ) اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فَإِنْ أَكَلَ سَمَكًا مَطْبُوخًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَكَلَ لَحْمًا مَقْلِيًّا لَا مَرَقَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ طَبَخَ لَحْمًا لَهُ مَرَقٌ وَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْمَرَقَ فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّحْمِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ شَيْئًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمَرَقَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّبِيخَ فَأَكَلَ شَحْمًا مَطْبُوخًا حَنِثَ فَإِنْ طَبَخَ عَدَسًا بِوَدَكٍ أَوْ بِشَحْمٍ أَوْ أَلْيَةٍ فَهُوَ طَبِيخٌ وَإِنْ طَبَخَهُ بِسَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ لَمْ يَكُنْ طَبِيخًا وَلَا يَكُونُ الْأُرْزُ طَبِيخًا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاع فِي الْمِصْرِ) الْكَبْسُ هُوَ الضَّمُّ وَكَانَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ عَلَى رُءُوسِ الْإِبِل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْ رُءُوسِ الْإِبِلِ وَجَعَلَهَا عَلَى رُءُوسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رَأْسًا فَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رُءُوسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ لَا غَيْرُ وَلَا يَقَعُ عَلَى رُءُوسِ الْإِبِلِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا فِي الشِّرَاءِ أَمَّا فِي الْأَكْلِ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ رُءُوسُ الْجَرَادِ وَالسَّمَكِ وَالْعَصَافِيرِ إجْمَاعًا لَا فِي الْأَكْلِ وَلَا فِي الشِّرَاءِ وَكَذَا رُءُوسُ الْإِبِلِ لَا تَدْخُلُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ عَلَى بَيْضِ الطَّيْرِ كُلِّهِ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَحْنَثُ فِي بَيْضِ السَّمَكِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يَعْتَادُ أَهْلُ الْمِصْرِ أَكْلَهُ خُبْزًا) مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالدَّخَنِ وَكُلِّ مَا يُخْبَزُ عَادَةً فِي الْبِلَادِ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَكَلَ الْقَطَائِفَ أَوْ خُبْزَ الْأُرْزِ بِالْعِرَاقِ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ عِنْدَهُمْ وَإِنْ أَكَلَهُ فِي طَبَرِسْتَانَ أَوْ فِي بَلَدٍ عَادَتُهُمْ يَأْكُلُونَ الْأُرْزَ خُبْزًا حَنِثَ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي وَلَا يُؤَجِّرُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ لِأَنَّ حُقُوقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ دُونَ الْآمِرِ فَأَمَّا إذَا نَوَى ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ هُوَ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُقُوقَ هَذَا الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِثْلُ السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الْآمِرِ بِهِ فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ دِينَ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يُعْتِقُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ حَنِثَ) وَكَذَا الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ لَا يَقُولُ: تَزَوَّجْت وَإِنَّمَا يَقُولُ: زَوَّجْت فُلَانًا وَطَلَّقْت امْرَأَةَ فُلَانٍ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْآمِرِ لَا إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الْآمِرُ نَوَيْت أَنْ آلِي ذَلِكَ بِنَفْسِي لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ أَوَّلًا يَذْبَحُ شَاتَه فَأَمَرَ إنْسَانًا فَفَعَلَ ذَلِكَ حَنِثَ وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت أَنْ أَلِيَهُ بِنَفْسِي دِينَ فِي الْقَضَاءِ. وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا حَلَفَ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ضَرْبِ الْوَلَدِ عَائِدَةٌ إلَى الْوَلَدِ وَهُوَ التَّأْدِيبُ وَالتَّثْقِيفُ فَلَمْ يُنْسَبْ فِعْلُهُ إلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِضَرْبِ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ الِائْتِمَارُ بِأَمْرِهِ فَيُضَافُ الْفِعْلُ إلَيْهِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَأَمَرَ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا أَوْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَجَازَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ بِالْعَاقِدِ فَتَعَلَّقَتْ بِالْمُجِيزِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُؤَخِّرُ عَنْ فُلَانٍ حَقَّهُ شَهْرًا فَلَمْ يُؤَخِّرْهُ شَهْرًا بَلْ سَكَتَ عَنْ تَقَاضِيهِ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ هُوَ التَّأْجِيلُ وَتَرْكُ التَّقَاضِي لَيْسَ بِتَأْجِيلٍ. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً بِكْرًا حَلَفَتْ أَنْ تَأْذَنَ فِي تَزْوِيجِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ فَإِنَّهَا

لَا تَحْنَثُ وَالنِّكَاحُ لَازِمٌ لَهَا لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِذْنٍ وَإِنَّمَا قِيَم مَقَامَ الْإِذْنِ بِالسُّنَّةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لَهُ شَيْئًا أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْ حَنِثَ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُعِير ثُمَّ قَالَ: أَعَرْتُك حَنِثَ سَوَاءٌ قَبِلَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَانِبَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يُؤَجِّرُ أَوْ لَا يُكَاتِبُ فَفَعَلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقْبَلَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ حُصُولُ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنْ بَاعَ بَيْعًا فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي حَنِثَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُوبِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا الْقِرَاضُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ كَالْبَيْعِ وَفِي رِوَايَةٍ كَالْهِبَةِ وَالطَّحَاوِيُّ جَعَلَهُ كَالْبَيْعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يُصَلِّي فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ دُونَ الْفَاسِدِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُمْلَكُ بِفَاسِدِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْمِلْكُ وَهُوَ يَقَعُ بِفَاسِدِهِ وَكَذَا الصَّلَاةُ الْغَرَضُ مِنْهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بِالْفَاسِدِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي صَلَاةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَصَلَّى صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَأَصْبَحَ نَاوِيًا لِلصَّوْمِ وَصَامَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ حَنِثَ وَأَنْ قَالَ: لَا أَصُومُ صَوْمًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا كَامِلًا : قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِبَاسُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا وَلِأَنَّ الْجَالِسَ عَلَى الْأَرْضِ هُوَ مَنْ بَاشَرَهَا وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ) (حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ) أَيْ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ (فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ بِسَاطٌ) أَوْ حَصِيرٌ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَيْهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى سَرِيرٍ أَيْ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَجَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لَا يُتَصَوَّرُ آخَرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَهُ مِثْلُهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى سَرِيرٍ مُعَرَّفٍ بِأَنْ قَالَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَعَدَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَحْنَثُ أَمَّا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى سَرِيرٍ مُنَكَّرٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ فَبَنَى عَلَيْهِ سَطْحًا آخَرَ فَجَلَسَ عَلَى الثَّانِي لَا يَحْنَثُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ إلَى هَذَا الْحَائِطِ فَهُدِمَ ثُمَّ بَنَى بِنَقْضِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجُلُوسِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا انْهَدَمَ زَالَ الِاسْمُ عَنْهُ وَهَذَا حَائِطٌ آخَرُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَرَاهُ ثُمَّ بَرَاهُ ثَانِيًا لَمْ يَحْنَثْ إذَا كَتَبَ بِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَنَامَ عَلَيْهِ وَفَوْقَهُ قِرَامٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْفِرَاشِ فَيُعَدُّ نَائِمًا عَلَيْهِ وَالْقِرَامُ الْمَجْلِسُ قَوْلُهُ (فَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ) هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ وَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِزِيَادَةِ التَّوْطِئَةِ فَصَارَ نَائِمًا عَلَى الْفِرَاشِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ فَلَبِسَهُ فَوْقَ قَمِيصٍ آخَرَ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِذَلِكَ كَذَا هَذَا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ بِقَضَاءِ اللَّهِ أَوْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِمَا أَحَبَّ اللَّهُ أَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَوْ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ أَوْ بِمَعُونَةِ اللَّهِ يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ فَهُوَ مُسْتَثْنٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنه إنْ اسْتَطَاعَ فَهُوَ عَلَى اسْتِطَاعَةِ الصِّحَّةِ دُونَ الْقُدْرَةِ) يَعْنِي اسْتِطَاعَةَ الْحَالِ وَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْرَضْ أَوْ يَجِئْ أَمْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ فَإِنْ نَوَى اسْتِطَاعَةَ الْقَضَاءِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَقِيلَ: يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَيَكْفِيهِ فِي الْإِتْيَانِ أَنْ يَصِلَ إلَى مَنْزِلِهِ

لَقِيَهُ أَمْ لَا وَكَذَا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ إذَا حَلَفَ بِأَنْ يَعُودَهُ فَعَادَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْ لَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ الْحِينَ أَوْ الزَّمَانَ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ قَالَ: دَهْرًا أَوْ الدَّهْرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةُ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَمَا أَدْرِي مَا الدَّهْرُ وَعِنْدَهُمَا إذَا قَالَ: دَهْرًا فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ قَالَ: الدَّهْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا خِلَافَ فِي الدَّهْرِ أَنَّهُ الْأَبَدُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا الْحِينُ وَالزَّمَانُ فَتَارَةً يَكُونَانِ لِأَقَلِّ الْأَوْقَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] وَأَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَاةَ الصُّبْحِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْحَالِفِ إذْ لَوْ أَرَادَهُ لَامْتَنَعَ مِنْ كَلَامِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَتَارَةً يَقَعُ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] يَعْنِي أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْحَالِفِ أَيْضًا إذْ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ أَبَدًا وَتَارَةً يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّخْلَةِ {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] أَيْ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ الرُّطَبِ إلَى وَقْتِ خُرُوجِ الطَّلْعِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَهَذَا أَوْسَطُ مَا قِيلَ: فِي الْحِينِ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» وَكَذَا الزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ يُقَالُ مَا رَأَيْته مُنْذُ زَمَانٍ وَمُنْذُ حِينٍ بِمَعْنَى وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ دَهْرًا فَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ تَقْدِيرًا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ فِي قَوْلِهِمْ الْمَشْهُورُ عَلَى يَعْنِي جَمِيعَ عُمُرِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّهْرَ وَدَهْرًا سَوَاءٌ لَا يُعْرَفُ تَفْسِيرُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حُقْبًا فَهُوَ عَلَى ثَمَانِينَ سَنَةً وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ شَهْرٌ فَصَاعِدًا وَإِنْ قَالَ: إلَى قَرِيبٍ فَمَا دُونِ الشَّهْر وَلَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ عَاجِلًا فَهُوَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) اعْتِبَارًا لِأَقَلِّ الْجَمْعِ وَإِنْ قَالَ أَيَّامًا كَثِيرَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَعِنْدَهُمَا هُوَ عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَإِنْ قَالَ: بِضْعَ عَشَرَةَ يَوْمًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى تِسْعَةٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّهَا قَوْلُهُ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى أَيَّامِ أُسْبُوعٍ) وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْجُمَعَ أَوْ السِّنِينَ فَهُوَ عَلَى عَشْرِ جُمَعٍ وَعَشْرِ سِنِينَ فَصَاعِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ وَإِنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُهُ سِنِينَ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَالَ جُمَعًا فَهُوَ ثَلَاثُ جُمَعٍ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْجُمَعَ أَوْ جُمَعًا فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ الْجُمَعِ لَمْ يَلْزَمْهُ صَوْمُ مَا بَيْنَهَا قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك مَا دَامَ أَبَوَاك حَيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ كَلَّمَهَا لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَكَلَّمَهُ الرَّسُولُ أَوْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَالْكَلَامُ يَقَعُ عَلَى النُّطْقِ دُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُحَدِّثُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ (وَإِذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا) لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى النَّفْيِ وَالنَّفْيُ لَا يُتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَحُمِلَ عَلَى التَّأْبِيدِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَفَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيجَادُ الْفِعْلِ وَقَدْ

وَجَدَهُ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِوُقُوعِ الْيَأْسِ مِنْهُ وَذَلِكَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِفَوْتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَوْلُهُ (وَمَنْ) (حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ) وَرَجَعَتْ (ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِغَيْرِ إذْنِهِ) (حَنِثَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ) فَإِنْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَفِي الْكَرْخِيِّ يُصَدَّقُ دِيَانَةً أَوْ قَضَاءً وَالْحِيلَةُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ أَنْ يَقُولَ: أَذِنْت لَك بِالْخُرُوجِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَوْ أَذِنْت لَك كُلَّمَا خَرَجْت وَإِنْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الْإِذْنِ حَنِثَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَقَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي كُلِّ خُرُوجٍ أَوْ يَقُولُ أَذِنْت لَك كُلَّمَا خَرَجْت قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَخَرَجَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ) وَكَذَا إذَا قَالَ حَتَّى أَرْضَى أَوْ إلَّا أَنْ أَرْضَى فَإِنْ نَوَى الْإِذْنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ هُوَ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ وَالْعَشَاءُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَكْلِ الْعَشِيِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَكْلِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ فِي الْعَادَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فِي غَالِبِ عَادَتِهِمْ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْحَضَرِ إذَا حَلَفُوا عَلَى تَرْكِ الْغَدَاءِ فَشَرِبُوا اللَّبَنَ لَمْ يَحْنَثُوا لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ الشِّبَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْبَادِيَةِ حَنِثُوا لِأَنَّهُ غَدَاءٌ عِنْدَهُمْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ فَاكِهَةً أَوْ تَمْرًا حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ لِأَنَّ الْغَدَاءَ فِي غَيْرِ الْبَوَادِي لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْخُبْزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي أَكْلِ الْأُرْزِ وَالْهَرِيسَةِ وَالْفَالُوذَجِ الْحِنْثُ وَعَنْهُ أَيْضًا فِي الْهَرِيسَةِ وَالْحَلْوَى لَا يَحْنَثُ وَغَدَاءُ كُلِّ بَلَدٍ مَا يَتَعَارَفُونَهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْغَدَاءِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَبَّحُ قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّصَبُّحُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَيْنَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ. (قَوْلُهُ وَالسَّحُورُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) وَفِي الْكَرْخِيِّ مِنْ بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ فَالْإِدَامُ كُلُّ شَيْءٍ يُصْبَغُ بِهِ الْخُبْزُ وَيُؤْكَلُ مَعَهُ مُخْتَلِطًا بِهِ كَاللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمَرَقِ وَالْعَسَلِ. وَأَمَّا مَا لَا يُصْبَغُ بِهِ فَلَيْسَ بِإِدَامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ مِثْلُ الشِّوَاءِ وَالْجُبْنِ وَالْبَيْضِ وَاللَّحْمِ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ إدَامٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَالْمِلْحُ إدَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِانْفِرَادِهِ بِخِلَافِ اللَّحْمِ وَمَا يُضَاهِيهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَحْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِنْ ثُرِدَ خُبْزٌ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ لَمْ يَكُنْ إدَامًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعُرْفِ وَأَمَّا السَّمْنُ فَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِدَامٍ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ إدَامٌ وَالْفَاكِهَةُ لَيْسَتْ بِإِدَامٍ إجْمَاعًا وَالْبَقْلُ وَالْبِطِّيخُ وَالْعِنَبُ لَيْسَ بِإِدَامٍ وَالتَّمْرُ وَالْجَوْزُ لَيْسَ بِإِدَامٍ لِأَنَّ التَّمْرَ يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ فِي الْغَالِبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّمْرَ إدَامٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَخَذَ لُقْمَةً بِيَدِهِ وَتَمْرَةً بِيَدِهِ الْأُخْرَى وَقَالَ: هَذِهِ إدَامٌ» هَذِهِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي وَجْهٍ يَحْنَثُ إجْمَاعًا وَهُوَ مَا إذَا أَكَلَ الْمِشْمِشَ أَوْ الْفِرْسِكَ أَوْ السَّفَرْجَلَ أَوْ الْإِجَّاصَ أَوْ التِّينَ أَوْ الْبِطِّيخَ أَوْ نَحْوَهَا وَكَذَا قَصَبُ السُّكَّرِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَكَلَ الْقِثَّاءَ أَوْ الْخِيَارَ أَوْ الْجَزَرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ الرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ عِنْدَهُ مَا يَقْصِدُ بِأَكْلِهِ التَّفَكُّهَ دُونَ الشِّبَعِ وَالرُّطَبُ يُؤْكَلُ لِلشِّبَعِ وَالرُّمَّانُ لَا يُقْصَدُ أَكْلُهُ وَإِنَّمَا يُمَصُّ. وَكَذَا الْعِنَبُ وَعِنْدَهُمَا كُلُّ ذَلِكَ فَاكِهَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَعَزِّ الْفَوَاكِهِ وَالتَّنَعُّمُ بِهِ يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] فَعَطَفَهُمَا عَلَى الْفَاكِهَةِ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {حَبًّا} [عبس: 27] {وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 28] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس: 29] ثُمَّ قَالَ وَفَاكِهَةً فَعَطَفَ الْفَاكِهَةَ عَلَى الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ نَوَى بَدَلَهُ لَا آكُلُ فَاكِهَةَ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ حَنِثَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَلْوَى فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حُلْوٍ لَيْسَ فِي جِنْسِهِ حَامِضٌ كَالْخَبِيصِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ فَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا حُلْوًا أَوْ رُمَّانًا حُلْوًا أَوْ بِطِّيخًا

لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ فِي جِنْسِ الْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ مَا هُوَ حَامِضٌ وَكَذَا الزَّبِيبُ لَيْسَ مِنْ الْحَلْوَى لِأَنَّهُ فِي جِنْسِهِ حَامِضٌ فَإِنْ أَكَلَ تِينًا أَوْ رُطَبًا فَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جِنْسِهِ حَامِضٌ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلَاوَةً فَهُوَ مِثْلُ الْحَلْوَى أَوْ إنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمًا مِنْ الْفِضَّةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ لَيْسَ بِحُلِيٍّ حَتَّى أُبِيحَ لِلرِّجَالِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الذَّهَبِ حَنِثَ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ حَتَّى لَا يُبَاحَ لِلرِّجَالِ وَإِنْ لَبِسَ عُقَدَ لُؤْلُؤٍ غَيْرَ مُرَصَّعٍ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ حُلِيٌّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ دُونَ الشَّهْرِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ وَكَذَا لَأَقْضِيَنَّكَ عَاجِلًا وَلَوْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ حَقَّهُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ فَلَهُ وَقْتُ الظُّهْرِ إلَى آخِرِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنَّهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ نِصْفُهُ فَإِنْ مَضَى نِصْفُهُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ حَنِثَ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ إلَى بَعِيدٍ فَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ يُعَدُّ قَرِيبًا قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ مِنْهَا بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ فِيهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاكِنًا بِبَقَاءِ أَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا عُرْفًا وَمَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي بَلَدٍ فَخَرَجَ مِنْهُ وَتَرَكَ أَهْلَهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ بِالْبَصْرَةِ أَنَّهُ سَاكِنٌ فِي الْكُوفَةِ بِخِلَافِ الدَّارِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا يَبَرَّ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ الَّذِينَ مَعَهُ وَمَتَاعِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْ فِي النُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَهُوَ يُمْكِنُهُ حَنِثَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ كُلِّ الْمَتَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ بَقِيَ فِيهَا وَتَدٌ حَنِثَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَتْخُدَا بَيْتِهِ أَيْ أَثَاثُ بَيْتِهِ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بِلَا تَأَخُّرٍ حَتَّى يَبَرَّ فَإِنْ تَنَقَّلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا: لَا يَبَرُّ فَإِنْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ الِانْتِقَالَ مَعَهُ فَخَرَجَ هُوَ وَلَمْ يَعُدْ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا وَجَدَ الْبَيْتَ مَغْلُوقًا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ فَخَرَجَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ لَمْ يَحْنَث وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُصْبِحَ أَوْ كَانَتْ أَمْتِعَتُهُ كَثِيرَةً فَخَرَجَ وَهُوَ يَنْقُلُهَا بِنَفْسِهِ وَيُمْكِنُهُ اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ وَالْحَمَّالِينَ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا إذَا خَرَجَ لِدَابَّةٍ يَطْلُبُهَا لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْمَتَاعَ لَمْ يَحْنَثْ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَحَنِثَ عَقِيبَهَا) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْيَمِينِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً وَلَنَا أَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ وَقَدْ صَعِدَتْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَإِنَّمَا يَنْقُصُ قُدْرَةُ غَيْرِهِمْ وَهَذَا إذَا أَطْلَقَ الْيَمِينَ أَمَّا إذَا وَقَّتَهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَمْضِيَ الْوَقْتُ كَمَا إذَا قَالَ: لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُتَرَقَّبْ فِي الْيَمِينِ بِرٌّ حَنِثَ فِي الْحَالِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَاءٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ لَا مَوْجُودٌ وَلَا مُتَوَهَّمٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مُتَوَهَّمٌ وُجُودُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ قَادِرٍ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَصْعَدُونَ السَّمَاءَ فِي كُلِّ وَقْتٍ إنَّمَا يَنْقُصُ قُدْرَةُ غَيْرِهِمْ فَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُتَوَهَّمًا وُجُودُهَا انْعَقَدَتْ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ يُؤَكِّدُ شَرْطَ الْحِنْثِ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَقِّتْ أَمَّا إذَا قَالَ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ فَهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَهُمْ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْيَمِينَ الْمُؤَقَّتَةَ إذَا لَمْ يَتَرَقَّبْ لَهَا بِرٌّ مُنْعَقِدَةٌ فِي الْحَالِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ السَّاعَةَ وَلَا مَاءَ فِيهِ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ هَذَا كُلُّهُ إذَا حَلَفَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ أَمَّا إذَا قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ وَفِيهِ مَاءٌ فَانْصَبَّ حَنِثَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنَاوَلَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ مَوْجُودًا فَإِذَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ ثُمَّ عُدِمَ شَرْطُ الْبِرِّ فَحَنِثَ فَإِنْ وَقَّتَ فَقَالَ: لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَفِيهِ مَاءٌ فَانْصَبَّ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّ الْمُؤَقَّتَةَ يَتَعَلَّقُ انْعِقَادُهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْغُرُوبِ: لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي

كتاب الدعوى

فِي هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْنَثُ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَأَمَّا لَوْ انْصَبَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَحْنَثُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ عُدِمَ شَرْطُ الْبِرِّ فَحَنِثَ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ ثُمَّ وَجَدَ فُلَانٌ بَعْضَهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةَ أَوْ مُسْتَحَقَّةً لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الزِّيَافَةَ عَيْبٌ وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهَا الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ، الزُّيُوفُ مَا رَدَّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَهِيَ دَرَاهِمُ فِيهَا غِشٌّ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا ضُرِبَ فِي غَيْرِ دَارِ الضَّرْبِ قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا حَنِثَ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ، السَّتُّوقَةُ صُفْرٌ مُمَوَّهٌ بِالْفِضَّةِ وَهِيَ الْمُشَبَّهَةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ بَاعَهُ بِدَيْنِهِ عَبْدًا وَقَبَضَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ الدَّيْنَ لَمْ يَبَرَّ لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُهُ وَالْهِبَةُ إسْقَاطٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيعَهُ مُتَفَرِّقًا) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْضُ الْكُلِّ لَكِنَّهُ بِوَصْفِ التَّفْرِيقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مَعْرُوفٍ مُضَافٍ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ وَلِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى جَمِيعِ دَيْنِهِ أَنْ لَا يَقْبِضَهُ مُتَفَرِّقًا فَإِنْ أَخَذَ بَعْضَهُ لَمْ يَكُنْ آخِذًا لِجَمِيعِهِ مُتَفَرِّقًا فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ أَخَذَ بَقِيَّتَهُ وَقَدْ كَانَ أَخَذَ بَعْضَهُ مُتَفَرِّقًا حَنِثَ لِأَنَّهُ عَدِمَ شَرْطَ الْبِرِّ وَلَوْ كَانَ قَالَ: إنْ قَبَضْت مِنْهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَضَ بَعْضَهُ وَمَضَى حَنِثَ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ أَخَذْت بَعْضَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ وَقَدْ فَعَلَ حَنِثَ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّهُ عَدِمَ شَرْطَ الْبِرِّ وَإِنْ قَالَ: إنْ قَبَضْت الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بَعْضَهُ وَأَخَذَ الْبَاقِيَ فِي آخِرِ النَّهَارِ حَنِثَ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ مُتَفَرِّقًا فِي الْيَوْمِ وَقَدْ أَخَذَهُ فَحَنِثَ وَلَوْ جَعَلَ يَزِنُهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّهُ هَكَذَا تُسْتَوْفَى الدُّيُونُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَالَهُ عَلَيْهِ فَهَرَبَ أَوْ غَالَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَنَعَهُ إنْسَانٌ مِنْهُ أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مُفَارَقَتُهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قَالَ: لَا يُفَارِقُنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقِّي فَوَجَدَ ذَلِكَ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ وَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَحَنِثَ كَذَا فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ قَبَضَ دَيْنَهُ فِي وَزْنَيْنِ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْرِيقٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَلِأَنَّ الدُّيُونَ هَكَذَا تُقْبَضُ قَوْلُهُ (وَمَنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ الْبَصْرَةَ فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ) لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: حَتَّى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْفَارِّ وَلَوْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ لَمْ يَتَعَذَّرْ بِمَوْتِهَا قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ: إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَأْتِ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهَا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ قَبْلَ الزَّوْجِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهَا وَلَمْ يَرِثْ الزَّوْجُ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالطَّلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الدَّعْوَى] (كِتَابُ الدَّعْوَى) جَمْعُهَا دَعَاوَى وَالدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قَوْلٍ

لَا حُجَّةَ لِمُدَّعِيهِ عَلَى دَعْوَاهُ حَتَّى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ حُجَّةٌ يُسَمَّى مُحِقًّا لَا مُدَّعِيًا وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُسَيْلِمَةَ مُدَّعٍ لِلنُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ مَعَهُ وَلَا يُقَالُ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّعٍ لِلنُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ وَكَذَا الْحَاكِمُ إذَا قَامَتْ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ لَا يُقَالُ لِلطَّالِبِ أَنَّهُ مُدَّعٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ إقَامَتِهَا وَيُقَالُ: كُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ أَنَّ مَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ أَنَّ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ أَنَّ مَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مُقِرٌّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَيْهَا إذَا تَرَكَهَا) وَيُقَالُ الْمُدَّعِي هُوَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى بَاطِنًا لِيُزِيلَ بِهِ ظَاهِرًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ ادَّعَى ظَاهِرًا وَقَرَّرَ الشَّيْءَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى الْمُنْكِرُ قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يُذَاكِرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ) فَجِنْسُهُ أَنْ يَقُولَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَقَدْرُهُ أَنْ يَقُولَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ كَانَ مَجْهُولًا وَالْمَجْهُولُ لَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ نَكَلَ الْخَصْمُ فِيهِ عَنْ الْيَمِينِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارُهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى) وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ حَتَّى يَقُولَ الشَّاهِدُ: إنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ حَقُّهُ وَكَذَا فِي الِاسْتِحْلَافِ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا) لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَقَدْ تَتَعَذَّرُ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ وَيُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى عَقَارًا حَدَّدَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ وَبِالْمُطَالَبَةِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَيَذْكُرُ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ أَصْحَابِ الْحُدُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِذِكْرِ الْأَبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ فَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ حُدُودٍ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ لِيُعْرَفَ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا قَضَى عَلَيْهِ

بِهَا) فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَهُوَ مُنْكِرٌ عِنْدَهُمَا فَيُسْتَحْلَفُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِمُنْكِرٍ فَلَا يُسْتَحْلَفُ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ فَيَقْضِيَ عَلَيْهِ أَوْ يُنْكِرَ فَيُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُنْكِرِ صَرِيحًا قَوْلُهُ (وَإِنْ أَنْكَرَ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُنْكِرُ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْضَرَهَا قَضَى بِهَا وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينُ خَصْمِهِ اُسْتُحْلِفَ عَلَيْهَا) وَلَا يَسْتَحْلِفُهُ إلَّا بِمُطَالَبَتِهِ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ تَأْخِيرَ الْيَمِينِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْبَيِّنَةِ فَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَلِذَلِكَ وَقَفَتْ الْيَمِينُ عَلَى مُطَالَبَتِهِ ثُمَّ إذَا قَطَعَ الْقَاضِي الْخُصُومَةَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ قُبِلَتْ فَإِذَا قُبِلَتْ هَلْ يَظْهَرُ كَذِبُهُ أَمْ لَا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمَالَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ بِالْبَيِّنَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ الْإِبْرَاءَ وَفِي الْجَامِعِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا أَقْرَضَهُ أَلْفًا قَبْلَ الْيَمِينِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْمَالِ لَا يَحْنَثُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ الْإِبْرَاءَ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ يَحْنَثُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) مَعْنَاهُ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْتَحْلَفُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يُسْتَحْلَفْ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ يُسْتَحْلَفُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ فَحَلَّفَهُ فَإِنْ حَلَفَ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ حَلَّفَهُ إجْمَاعًا فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَتَهُ بَعْدَمَا حَلَفَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي عَلَى دَعْوَايَ فَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ ذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: لَا تُقْبَلُ وَفِي شَرْحِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي وَكُلُّ بَيِّنَةٍ لِي فَهِيَ زُورٌ بُهْتَانٌ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِبَيِّنَتِهِ بِإِقْرَارِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُمَا يَقُولَانِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ تَكُونَ لَهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَقَرَّ عِنْدَ رَجُلَيْنِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُدَّعِي ثُمَّ عَلِمَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ مَا سَبَقَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ (لَا يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَدُّ لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَوْلُهُ (وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) الْمُطْلَقُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ هَذَا مِلْكُهُ وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْته أَوْ وَرِثْته لَا يَكُونُ دَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْضِي بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ فَيَقْوَى الظُّهُورُ وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لَا تُفِيدُنَا أَكْثَرُ مِمَّا تُفِيدُنَا يَدُهُ فَلَا مَعْنَى لِسَمَاعِهَا وَلِأَنَّ يَدَهُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى الْمِلْكِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا وَإِظْهَارًا قَوْلُهُ (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَزِمَهُ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بَلْ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَفَ قَضَى عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ النُّكُولُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً كَقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ وَحُكْمًا بِأَنْ يَسْكُتَ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَخْرَسَ وَلَا أَصَمَّ ثُمَّ النُّكُولُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَذْلِ وَعِنْدَهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ النُّكُولَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْوَكِيلِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَصِحُّ بَذْلُهُمْ فَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَلَهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ بَرِيئًا فِي الظَّاهِرِ مِنْ الدَّعْوَى جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ

إسْقَاطِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْتِزَامِ الْحَقِّ وَبَدَلِهِ فَلَمَّا اخْتَارَ إحْدَاهُمَا كَانَ بَاذِلًا لِمَا اخْتَارَهُ وَلِأَنَّ الْوَاهِبَ لَمَّا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَهَبَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَهَبَ فَإِذَا وَهَبَ كَانَ بَاذِلًا لِمَا وَهَبَ وَلَا كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثًا فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ فَإِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الْعَرْضَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) هَذَا احْتِيَاطٌ فَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً وَاحِدَةً جَازَ وَصُورَةُ الْعَرْضِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْمَالُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبَى يَقُولُ لَهُ: بَقِيَتْ الثَّالِثَةُ فَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ قَضَيْت عَلَيْك بِالنُّكُولِ فَإِنْ حَلَفَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ قَالُوا: فَإِذَا حَلَفَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ قَضَى بِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى نِكَاحًا لَمْ يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْلِ وَالنِّكَاحُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهُ وَفَائِدَةُ الْيَمِينِ النُّكُولُ فَلِهَذَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ فِيهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِلْقَاضِي: لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لِأَنَّ هَذَا زَوْجِي وَقَدْ أَنْكَرَ النِّكَاحَ فَلْيُطَلِّقْنِي لِأَتَزَوَّجَ وَالزَّوْجُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّهُ بِالطَّلَاقِ يَصِيرُ مُقِرًّا بِالنِّكَاحِ فَمَاذَا يَصْنَعُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: يَقُولُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ: قُلْ لَهَا إنْ كُنْت امْرَأَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا النِّكَاحَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ وَالرِّقِّ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْحُدُودِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَذْلِ عِنْدَهُ وَهَذَا الْأَشْيَاءُ لَا يَصِحُّ بَذْلُهَا وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا قَالَ لَهَا: بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ فَقَالَتْ رَدَدْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا. وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ هِيَ النِّكَاحَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ وَصُورَةُ الرَّجْعَةِ ادَّعَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ ادَّعَى هُوَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَصُورَةُ الْفَيْءِ ادَّعَى الْمَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ فَاءَ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ أَوْ هِيَ ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصُورَةُ الرِّقِّ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ أَنَّهُ مَوْلَاهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَقُولَ الْجَارِيَةُ: أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ وَهَذَا ابْنِي مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى أَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا قَدْ مَاتَ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَأَمَّا الْمَوْلَى إذَا ادَّعَى الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يُتَصَوَّرُ الدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا فِي الِاسْتِيلَادِ خَاصَّةً وَصُورَةُ الْوَلَاءِ ادَّعَى مَجْهُولٌ عَلَى مَعْرُوفٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ ادَّعَى الْمَعْرُوفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَصُورَتُهُ فِي النَّسَبِ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ وَلَدُهُ بِأَنْ قَالَ: هَذَا ابْنِي وَهُوَ يُنْكِرُ أَوْ يَدَّعِي هُوَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْحُدُودُ فَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا إلَّا فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ وَصُورَتُهُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُقْطَعْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ وَكَذَا اللِّعَانُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحُدُودِ وَصُورَتُهُ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي النِّكَاحِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْمَالَ أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ وَجَبَ الِاسْتِحْلَافُ بِأَنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى كَذَا وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَزِمَهُ نِصْفُ مَهْرِهَا فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا قَصَدَ الْإِرْثَ وَالنَّفَقَةَ كَذَا فِي الْمُصَفَّى. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُسْتَحْلَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّكُولَ عِنْدَهُمَا إقْرَارٌ وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَأَمَّا دَعْوَى الْقِصَاصِ فَيُسْتَحْلَفُ فِيهَا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَحْلَفَ فِي الْقَسَامَةِ فَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَامْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ مُسْتَعْظَمَةٌ فَلَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِالنُّكُولِ يَعْنِي إذَا حَلَفَ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ إذَا نَكَلَ وَقَالَ زُفَرُ يُقْضَى عَلَيْهِ

بِالْقِصَاصِ وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ إنْ حَلَفَ فِيهَا بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ اُقْتُصَّ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ يُقْتَصُّ بِالنُّكُولِ فِي الْأَطْرَافِ ... وَفِي النُّفُوسِ الْحُكْمُ بِالْخِلَافِ يُحْبَسُ كَيْ يُقِرَّ أَوْ كَيْ يَقْسِمَا ... وَبِالنُّكُولِ الْمَالُ قَالَا فِيهِمَا قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا ادَّعَيَا ذَلِكَ مِلْكًا مُطْلَقًا وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا أَوْ كَانَ تَارِيخُهُمَا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ تَارِيخًا فَهِيَ لَهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا عِبْرَةَ لِلْوَقْتِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْضَى بِهَا لِصَاحِبِ التَّارِيخِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْضَى بِهَا لِلَّذِي لَمْ يُؤَرِّخْ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قَضَى بِهَا لِلْخَارِجِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَا تَارِيخًا تَارِيخُ صَاحِبِ الْيَدِ أَسْبَقُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى مِنْ الْخَارِجِ قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ لَمْ يُقْضَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ قَوْلُهُ (وَرَجَعَ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ لِأَحَدِهِمَا) فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْ أَحَدًا مِنْهُمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهَا فَإِنْ دَخَلَا بِهَا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ فَإِنْ مَاتَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَنِصْفُ مِيرَاثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ مَاتَتْ هِيَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: هُوَ الْأَوَّلُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَالْمِيرَاثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقَ فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَصَاحِبُهَا أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ) (ادَّعَى اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْعَبْدَ) مَعْنَاهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ (وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ) (فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاقِدٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ نِصْفُهَا وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْبَاقِي فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا فَإِنْ أَرَّخَا فَأَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى وَإِنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ التَّارِيخِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ رَجُلَيْنِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ إذَا أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَا أَخْتَارُ) أَيْ لَا أَخْتَارُ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ (لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ) هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ أَمَّا إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا التَّرْكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَوْلُهُ (وَلَوْ ذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الثَّانِي الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ

لِأَنَّهُ دَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَبِيعَ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ فَهُوَ أَوْلَى) مَعْنَاهُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ فَإِنْ ذَكَرَ صَاحِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ قَبْلَ شِرَاءِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا) مَعْنَاهُ مِنْ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ اثْنَيْنِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَتَانِ وَيَتَنَصَّفُ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا فَالشِّرَاءُ أَوْلَى) لِأَنَّا إذَا لَمْ نَعْلَمْ تَارِيخَهُمَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الْعَقْدَيْنِ مَعًا وَإِذَا حَكَمْنَا بِهِمَا مَعًا قُلْنَا: عَقْدُ الشِّرَاءِ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَعَقْدُ الْهِبَةِ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَبْضِ فَسَبَقَ الْمِلْكُ فِي الْبَيْعِ الْمِلْكَ فِي الْهِبَةِ فَكَانَ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشِّرَاءَ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ فَهُمَا سَوَاءٌ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ: الشِّرَاءُ أَوْلَى مِنْ النِّكَاحِ وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ تَصْحِيحَ الْبَيِّنَتَانِ مَا أَمْكَنَ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا هُنَا بِأَنْ يُقَالَ: النِّكَاحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَةِ عِوَضٍ فِي صِحَّتِهِ وَالْبَيْعُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْعِوَضِ فِي صِحَّتِهِ فَصَارَ عَقْدُ الْبَيْعِ مُنْعَقِدًا عَلَى الْمُسَمَّى وَالنِّكَاحُ مُنْعَقِدًا عَلَى غَيْرِ الْمُسَمَّى وَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَائِمٌ وَهُوَ النِّكَاحُ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ وَالْبَيْعَ يَتَسَاوَيَانِ فِي وُقُوعِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالْبَيْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ مِنْ الزَّوْجِ نِصْفَ الْقِيمَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا وَقَبْضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا فَالرَّهْنُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ) يَعْنِي بِغَيْرِ عِوَضٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً وَالْبَيْعُ أَوْلَى مِنْ الرَّهْنِ وَقَوْلُهُ فَالرَّهْنُ أَوْلَى هَذَا إذَا كَانَتْ دَعْوَاهُمَا مِنْ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَا مِنْ اثْنَيْنِ فَهُمَا سَوَاءٌ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَالتَّارِيخِ فَصَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَبْعَدِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَابَّةً أَوْ أَمَةً فَوَافَقَ سِنُّهَا أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ سِنَّ الدَّابَّةِ مُكَذِّبٌ لِأَحَدِهِمَا فَكَانَ مَنْ صَدَّقَهُ أَوْلَى قَوْلُهُ (فَإِنْ) (ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ (وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى تَارِيخَيْنِ) (فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ وَذَكَرَا تَارِيخًا فَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعَيْهِمَا فَيَصِيرَا كَأَنَّهُمَا حَضَرَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَقَوْلُهُ وَذَكَرَا تَارِيخًا فَهُمَا سَوَاءٌ يَعْنِي تَارِيخًا وَاحِدًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُؤَرِّخْ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ فَهُمَا سَوَاءٌ وَيُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَلَمْ تُؤَقِّتْ الْأُخْرَى قَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ تَوْقِيتَ إحْدَاهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا حَكَمَ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءٌ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ تَارِيخًا كَانَ أَوْلَى) هَذَا عِنْدَهُمْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَكَأَنَّهُمَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ. (وَإِنْ أَقَامَ

الْخَارِجُ وَصَاحِبُ الْيَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَيِّنَةً بِالنِّتَاجِ فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ أَنَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ تُقْبَلُ عِنْدَ ابْنِ أَبَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ النَّسْجُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) كَغَزْلِ الْقُطْنِ (وَكُلُّ سَبَبٍ فِي الْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ) كَالْأَوَانِي إذَا كُسِرَتْ لَا تَعُودُ وَأَمَّا الَّتِي تَتَكَرَّرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَقْضِي بِهِ لِلْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَذَلِكَ مِثْلُ الثَّوْبِ الْمَنْسُوجِ مِنْ الشَّعْرِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَإِنْ أَشْكَلَ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ وَكُلُّ مَا يُصْنَعُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالزُّجَاجِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ وَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ النِّتَاجِ وَإِنْ كَانَ حُلِيًّا قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْحُلِيَّ يُصَاغُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَصَاحِبُ الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْأُولَى إنْ كَانَتْ أَثْبَتَتْ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَهَذَا تَلْقَى مِنْهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ) أَيْ تَسَاقَطَتَا وَبَطَلَتَا وَتُرِكَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: اقْضِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَاجْعَلْ الْخَارِجَ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ آخِرًا فَيَكُونُ لَهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَرْبَعَةِ كَشَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَ اُسْتُحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا) لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ وَيَثْبُتُ بِهِ الْأَرْشُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَطْرَافَ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ قِيلَ: لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا أُمِرَ بِمُلَازَمَتِهِ) كَيْ لَا يَذْهَبَ حَقُّهُ وَقَوْلُهُ حَاضِرَةٌ أَيْ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَامِلِ وَالْوَجِيهِ وَالْحَقِيرِ

مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: يُؤْمَرُ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمُلَازَمَةِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ أَسْقَطَ الْمُلَازَمَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَقِيَتْ الْمُلَازَمَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا عَلَى الطَّرِيقِ فَيُلَازِمُهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) وَكَذَا لَا يَكْفُلُ إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ لِأَنَّ فِي الْمُلَازَمَةِ وَأَخْذِ الْكَفِيلِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةَ ضَرَرٍ بِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ وَقَوْلُهُ بِمُلَازَمَتِهِ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِمُلَازَمَةِ الْمَنْعِ مِنْ الذَّهَابِ لَكِنْ يَذْهَبُ الطَّالِبُ مَعَهُ وَيَدُورُ مَعَهُ أَيْنَمَا دَارَ فَإِذَا انْتَهَى إلَى بَابِ دَارِهِ وَأَرَادَ الدُّخُولَ يَسْتَأْذِنُهُ الطَّالِبُ فِي الدُّخُولِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ دَخَلَ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ يَحْبِسُهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ ثُمَّ إذَا لَازَمَ الْمُدَّعِي غَرِيمَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ بِغُلَامِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُلَازِمُهُ بِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَصْمُ وَحْدَهُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ رَهَنَهُ عِنْدِي أَوْ غَصَبْته مِنْهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي) وَكَذَا إذَا قَالَ أَعَارَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ وَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ إلَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ قَدْ يَدْفَعُ مَالَهُ إلَى مُسَافِرٍ يُودِعُهُ إيَّاهُ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ فَيَحْتَالُ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَغْصِبُ مَالَ إنْسَانٍ وَيَدْفَعُهُ فِي السِّرِّ إلَى مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُودِعَهُ إيَّاهُ عَلَانِيَةً وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودَ حَتَّى إذَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ يُقِيمُ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مُودَعُ فُلَانٍ الْغَائِبِ لِيَدْفَعَ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا اتَّهَمَهُ الْقَاضِي لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَ عَدْلًا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ يَدَّعِي الْفِعْلَ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا إذَا قَالَ: غَصَبْت مِنِّي هَذَا الشَّيْءَ أَوْ سَرَقْته فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَدْفَعُ الْخُصُومَةَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْوَدِيعَةِ وَإِنْ قَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ انْدَفَعَتْ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَهُوَ خَصِيمٌ) لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: سُرِقَ مِنِّي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ الْخُصُومَةُ) هَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْدَفِعُ لِأَنَّهُ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: غُصِبَ مِنِّي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفَاعِلَ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَإِقَامَةً لِحِسْبَةِ السَّتْرِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ: سَرَقْت بِخِلَافِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَ) (الْمُدَّعِي: ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ) أَيْ مِنْ زَيْدٍ (وَقَالَ صَاحِبُ الْيَدِ: أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ) (سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُمَا تَوَافَقَا عَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ وُصُولُهَا إلَى ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهَا قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ

تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» قَوْلُهُ (وَيُؤَكَّدُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) يَعْنِي بِدُونِ حَرْفِ الْعَطْفِ مِثْلُ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحِيمُ الرَّحْمَنُ مَا لِفُلَانٍ عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَأَمَّا بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ كَانَ أَيْمَانًا ثَلَاثًا وَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي لَمْ يُغَلِّظْ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ وَقِيلَ: لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ: يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ) وَقِيلَ: فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ مُبَالَاةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَكَثْرَةِ الِامْتِنَاعِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ نَكَلَ لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: الشَّاهِدُ كَاذِبٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يُحَلِّفُهُ وَكَذَا لَا يَحْلِفُ الشَّاهِدُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَلَيْسَ مِنْ إكْرَامِهِمْ اسْتِحْلَافُهُمْ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحْلَفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ خَاصَّةً وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّارِ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعْظِيمًا لَهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ مُعَظَّمَةٌ وَيُسْتَحْلَفُ الْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْوَثَنَ قَوْلُهُ (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَنْ يَحْضُرَهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَجَحَدَهُ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت) لِأَنَّهُ قَدْ يُبَاعُ الشَّيْءُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهِ أَوْ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحْلَفُ فِي الْغَصْبِ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك رَدَّ هَذِهِ الْعَيْنِ وَلَا رَدَّ قِيمَتَهَا وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَصَبَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَكَذَا دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ لَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا أَوْدَعَك وَلَا أَعَارَك وَلَكِنْ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك رَدَّ هَذِهِ الْعَيْنِ وَلَا رَدَّ قِيمَتِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقِيمَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِتَعَدٍّ مِنْهُمَا قَوْلُهُ (وَفِي النِّكَاحِ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ) هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَسْتَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ وَإِنَّمَا اُسْتُحْلِفَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ خَالَعَهَا فَإِذَا حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ يَقُولُ: فَرَّقْت بَيْنَكُمَا كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ امْرَأَتُك فَهِيَ طَالِقٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ التَّرْكِ وَقَضَاءِ الْإِلْزَامِ أَنَّ فِي قَضَاءِ الْإِلْزَامِ إذَا ادَّعَى ثَالِثٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ التَّرْكِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِدُونِ التَّلَقِّي مِنْهُ فَإِذَا حَلَّفَهُ الْحَاكِمُ يَقُولُ: فَرَّقْت بَيْنَكُمَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ امْرَأَتَك فَهِيَ طَالِقٌ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: نَعَمْ وَالْحِيلَةُ فِي دَفْعِ الْيَمِينِ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فَإِنْ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ لَا تُسْتَحْلَفُ لِلْمُدَّعِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي وَأَقَامَ

الْبَيِّنَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَيْضًا لِأَنَّ إنْكَارَهَا لِلنِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ النُّشُوزِ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتُهَا) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ قَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبُعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُزَاحِمُ صَاحِبَ الْجَمِيعِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَانْفَرَدَ بِهِ صَاحِبُ الْجَمِيعِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ يَدَّعِي سَهْمَيْنِ وَصَاحِبَ النِّصْفِ يَدَّعِي سَهْمًا فَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَدَّعِيهِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا سَلِمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ نِصْفُهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِ شَرِيكِهِ (وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَمَعْنَاهُ قَضَاءُ تَرْكٍ لَا قَضَاءُ إلْزَامٍ وَقِيلَ: قَضَاءُ إلْزَامٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهَا فَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْجَمِيعِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقُبِلَتْ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ النِّصْفِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ إذْ النِّصْفُ فِي يَدِهِ حَكَمْنَا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ فِي يَدِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ يَأْخُذُ نِصْفَهَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَالنِّصْفُ الثَّانِي يُتْرَكُ فِي يَدِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلَا يَمِينَ عَلَى مُدَّعِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ مُدَّعِيَ النِّصْفِ أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفِ الدَّارِ وَيَدَّعِي أَنَّ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِ نَفْسِهِ لَهُ فَلَا يَمِينَ عَلَى مُدَّعِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَمِيعِ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ النِّصْفَ الَّذِي فِي يَدِهِ وَيَحْلِفُ مُدَّعِي النِّصْفِ فَإِذَا حَلَفَ تَرَكَ الدَّارَ فِي أَيْدِيهِمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ نَكَلَ قَضَى لَهُ (مَسْأَلَةٌ) دَارٌ فِي يَدِ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمْ يَدَّعِي جَمِيعَهَا وَالثَّانِي ثُلُثَيْهَا وَالثَّالِثُ نِصْفَهَا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَتَكُونُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ سِتَّةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنَّا نُسَمِّي مُدَّعِيَ الْكُلِّ الْكَامِلَ وَمُدَّعِيَ الثُّلُثَيْنِ اللَّيْثَ وَمُدَّعِيَ النِّصْفَ النَّصْرَ فَتُجْعَلُ الدَّارُ عَلَى سِتَّةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثَيْنِ وَالنِّصْفِ فَيَكُونُ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَاللَّيْثِ عَلَى مَا فِي يَدِ نَصْرٍ فَالْكَامِلُ يَدَّعِي كُلَّهُ وَاللَّيْثُ يَدَّعِي نِصْفَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: حَقِّي الثُّلُثَانِ وَبِيَدِي الثُّلُثُ بَقِيَ لِي الثُّلُثُ نِصْفُهُ فِي يَدِ الْكَامِلِ وَنِصْفُهُ فِي يَدِ نَصْرٍ. وَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ فَالنِّصْفُ لِلْكَامِلِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهُوَ مُنْكَسِرٌ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ يَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَنَصْرٍ عَلَى مَا فِي يَدِ اللَّيْثِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ فَالْكَامِلُ يَدَّعِي كُلَّهُ وَنَصْرٌ يَدَّعِي رُبُعَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ: حَقِّي النِّصْفُ سِتَّةٌ مَعِي مِنْهُ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ بَقِيَ السُّدُسُ سَهْمَانِ سَهْمٌ فِي يَدِ اللَّيْثِ وَسَهْمٌ فِي يَدِ الْكَامِلِ فَسَلِمَ ثَلَاثَةٌ لِلْكَامِلِ وَتَنَازَعَا فِي سَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ يَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَيَجْعَلُ فِي يَدِ كُلٍّ وَاحِدٍ ثَمَانِيَةً ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَاللَّيْثِ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي يَدِ نَصْرٍ فَأَرْبَعَةٌ سَلِمَتْ لِلْكَامِلِ بِلَا مُنَازَعَةٍ لِأَنَّ اللَّيْثَ لَا يَدَّعِي إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ الْكُلِّ بِثَمَانِيَةٍ مِنْهَا فِي يَدِهِ وَأَرْبَعَةٍ فِي يَدِ نَصْرٍ وَأَرْبَعَةٍ فِي يَدِ الْكَامِلِ فَبَقِيَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأُخْرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُنَازَعَةِ فَيَحْصُلُ لِلْكَامِلِ سِتَّةٌ وَلِلَّيْثِ سَهْمَانِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَنَصْرٍ عَلَى مَا فِي يَدِ اللَّيْثِ فَنَصْرٌ يَدَّعِي رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ سَهْمَيْنِ فَالسِّتَّةُ سَلِمَتْ لِلْكَامِلِ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي سَهْمَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ فَحَصَلَ لِلْكَامِلِ سَبْعَةٌ وَلِنَصْرٍ سَهْمٌ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى اللَّيْثِ وَنَصْرٍ عَلَى مَا فِي يَدِ الْكَامِلِ فَاللَّيْثُ يَدَّعِي نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَرْبَعَةً وَنَصْرٌ يَدَّعِي لِأَرْبَعٍ مَا فِي يَدِهِ سَهْمَيْنِ وَفِي الْمَالِ سِعَةٌ فَأَخَذَ اللَّيْثُ أَرْبَعَةً وَنَصْرٌ سَهْمَيْنِ وَيَبْقَى لِلْكَامِلِ سَهْمَانِ. فَإِذَا حَصَلَ لِلْكَامِلِ مِمَّا فِي يَدِ نَصْرٍ

سِتَّةٌ وَمِمَّا فِي يَدِ اللَّيْثِ سَبْعَةٌ وَمَعَهُ سَهْمَانِ صَارَ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الدَّارِ وَحَصَلَ لِلَّيْثِ مِنْ نَصْرٍ سَهْمَانِ وَمِنْ الْكَامِلِ أَرْبَعَةٌ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَهُوَ رُبُعُ الدَّارِ وَحَصَلَ لِنَصْرٍ مِنْ اللَّيْثِ سَهْمٌ وَمِنْ الْكَامِلِ سَهْمَانِ فَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ ثُمُنُ الدَّارِ وَبِالِاخْتِصَارِ تَكُونُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ فَخَمْسَةُ أَثْمَانِهَا لِلْكَامِلِ وَرُبُعُهَا لِلَّيْثِ وَثُمُنُهَا لِنَصْرٍ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَقْسِيمُ الدَّارِ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَتَصِحُّ مِنْ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا وَوَجْهُهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَاللَّيْثِ عَلَى نَصْرٍ فَالْكَامِلُ يَدَّعِي كُلَّهُ وَاللَّيْثُ نِصْفَهُ وَأَقَلُّ مَالٍ لَهُ نِصْفُ اثْنَانِ فَالْكَامِلُ يَضْرِبُ بِكُلِّهِ سَهْمَيْنِ وَاللَّيْثُ بِنِصْفِ سَهْمٍ وَعَالَتْ إلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى الْكَامِلِ وَنَصْرٍ عَلَى اللَّيْثِ فَالْكَامِلُ يَدَّعِي كُلَّهُ وَنَصْرٌ يَدَّعِي رُبُعَهُ وَمَخْرَجُ الرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ يَضْرِبُ هَذَا بِرُبُعِهِ وَهَذَا بِكُلِّهِ فَعَالَتْ إلَى خَمْسَةٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ دَعْوَى اللَّيْثِ وَنَصْرٍ عَلَى الْكَامِلِ فَاللَّيْثُ يَدَّعِي نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَنَصْرٌ يَدَّعِي رُبُعَهُ وَذَلِكَ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَيَجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَفِيهِ سَبْعَةٌ فَنِصْفُهُ سَهْمَانِ لِلَّيْثِ وَرُبُعُهُ سَهْمٌ لِنَصْرٍ يَبْقَى الرُّبُعُ لِلْكَامِلِ فَحَصَلَ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَكُلُّهَا مُتَبَايِنَةٌ فَاضْرِبْ الثَّلَاثَةَ فِي الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ فِي الْخَمْسَةِ يَكُونُ سِتِّينَ وَالدَّارُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَاضْرِبْ السِّتِّينَ فِي ثَلَاثَةٍ تَكُونُ مِائَةً وَثَمَانِينَ يَكُونُ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِتُّونَ فَمَا فِي يَدِ نَصْرٍ ثُلُثُهُ لِلَّيْثِ عِشْرُونَ وَثُلُثَاهُ لِلْكَامِلِ أَرْبَعُونَ وَاَلَّذِي فِي يَدِ اللَّيْثِ خُمُسُهُ لِنَصْرٍ وَهُوَ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْكَامِلِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ. وَاَلَّذِي فِي يَدِ الْكَامِلِ نِصْفُهُ لِلَّيْثِ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ وَرُبُعُهُ لِنَصْرٍ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَبْقَى فِي يَدِهِ الرُّبُعُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَجَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلَّيْثِ خَمْسُونَ مَرَّةً عِشْرُونَ وَمَرَّةً ثَلَاثُونَ وَجَمِيعُ مَا حَصَلَ لِنَصْرٍ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مَرَّةً اثْنَا عَشَرَ وَمَرَّةً خَمْسَةَ عَشَرَ وَجَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلْكَامِلِ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ مَرَّةً أَرْبَعُونَ وَمَرَّةً ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَبَقِيَ مَا فِي يَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ سَبْعَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ اثْنَانِ وَوَجْهُهُ أَنَّك تَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثَانِ وَنِصْفٌ وَأَقَلُّهُ سِتَّةٌ فَاللَّيْثُ يَدَّعِي أَرْبَعَةً وَنَصْرٌ يَدَّعِي ثَلَاثَةً وَلَا مُنَازَعَةَ لَهُمَا فِي الْبَاقِي وَذَلِكَ سَهْمَانِ فَهُمَا لِلْكَامِلِ وَنَصْرٌ لَا يَدَّعِي إلَّا ثَلَاثَةٌ فَخَلَا عَنْ مُنَازَعَتِهِ سَهْمٌ اسْتَوَتْ فِيهِ مُنَازَعَةُ الْكَامِلِ وَاللَّيْثِ فَيَكُونُ سَهْمٌ بَيْنَهُمَا فَانْكَسَرَ فَضَرَبْنَا اثْنَيْنِ فِي سِتَّةٍ يَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ فَاللَّيْثُ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَنَصْرٌ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعَةٌ سَلِمَتْ لِلْكَامِلِ وَسَهْمَانِ بَيْنَ اللَّيْثِ وَالْكَامِلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ وَتَبْقَى سِتَّةٌ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمْ فِيهَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمَانِ فَأَصَابَ الْكَامِلُ سَبْعَةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مَرَّةً أَرْبَعَةٌ وَمَرَّةً سَهْمٌ وَمَرَّةً سَهْمَانِ وَأَصَابَ اللَّيْثُ ثَلَاثَةً مَرَّةً سَهْمَانِ وَمَرَّةً سَهْمٌ وَأَصَابَ النَّصْرُ سَهْمَانِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ لِلْكَامِلِ سِتَّةٌ وَلِلَّيْثِ أَرْبَعَةٌ وَلِنَصْرٍ ثَلَاثَةٌ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْكَامِلَ يَضْرِبُ بِالْكُلِّ وَهُوَ سِتَّةٌ لِأَنَّ الدَّارَ قُسِّمَتْ عَلَى سِتَّةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثَيْنِ وَالنِّصْفِ فَاللَّيْثُ يَضْرِبُ بِأَرْبَعَةٍ وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَالنَّصْرُ بِالنِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَالْكَامِلُ يَضْرِبُ بِسِتَّةٍ فَصَارَ الْجَمِيعُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ ثَمَنِ الدَّارِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا أَلْفًا فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا أَصَابَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْكَامِلِ سَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ أَلْفٍ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَطَرِيقُهُ أَنْ تُقَسَّمَ الْأَلْفُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ يَخْرُجُ الْقِسْمُ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ فَاضْرِبْ ذَلِكَ فِي سَبْعَةِ نَصْرٍ خَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ وَإِنْ شِئْت قُلْت: سَبْعَةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ نِصْفُهَا وَنِصْفُ سُدُسِهَا فَخُذْ تِلْكَ النِّسْبَةَ مِنْ الْأَلْفِ تَجِدْهُ كَذَلِكَ وَعَلَى اللَّيْثِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَوَجْهُهُ أَنَّك تَضْرِبُ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا وَهِيَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الْقِسْمِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ تَصِحُّ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَإِنْ شِئْت قُلْت: بِيَدِهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهِيَ رُبُعُهَا فَخُذْ تِلْكَ النِّسْبَةَ مِنْ الْأَلْفِ وَعَلَى نَصْرٍ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَوَجْهُهُ أَنْ تَضْرِبَ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ بِيَدِهِ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَثُلُثٍ وَإِنْ شِئْت قُلْت: بِيَدِهِ سُدُسُ اثْنَيْ عَشَرَ فَخُذْ مِنْ الْأَلْفِ سُدُسَهَا تَجِدْهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا اقْسِمْ الْأَلْفَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَصِحُّ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ وَاثْنَا عَشَرَ جُزْءًا مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَضْرِبُ سِهَامَ الْكَامِلِ وَالنَّصْرِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَى الْكَامِلِ

أَرْبَعُمِائَةٍ وَوَاحِدٌ وَسِتُّونَ وَسَبْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ وَعَلَى نَصْرٍ نِصْفُهُ مِائَتَانِ وَثَلَاثُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَكَذَلِكَ تَضْرِبُ سِهَامَ اللَّيْثِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا يَكُونُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ وَذَكَرَا تَارِيخًا وَسِنُّ الدَّابَّةِ يُوَافِقُ أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى) لِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ لَهُ فَيَتَرَجَّحُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ فِي يَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَأَمَّا إذَا كَانَ سِنُّهَا يُخَالِفُ الْوَقْتَيْنِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ وَتُتْرَكُ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ كَانَتْ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ سَقَطَ التَّوْقِيتُ وَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا إذَا ادَّعَيَاهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَحْكُومًا بِهَا وَلَيْسَ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَتَسَاوَيَا فِيهَا فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِبَيِّنَتِهِ وَمَعَهُ الْيَدُ فَهُوَ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا فَالرَّاكِبُ أَوْلَى) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ أَظْهَرُ وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا فِي السَّرْجِ وَالْآخَرُ رَدِيفَهُ فَالرَّاكِبُ فِي السَّرْجِ أَوْلَى لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَالِكَ الدَّابَّةِ يَرْكَبُ عَلَى السَّرْجِ وَيُرْدِفُ غَيْرَهُ مَعَهُ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ وَأَمَّا إذَا كَانَا جَمِيعًا رَاكِبَيْنِ عَلَى السَّرْجِ فَهُمَا سَوَاءٌ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إذَا تَنَازَعَا بَعِيرًا وَعَلَيْهِ حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا فَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى) وَكَذَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا حِمْلٌ وَلِلْآخَرِ كَوْرٌ مُعَلَّقٌ فَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَنَازَعَا قَمِيصًا أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَاللَّابِسُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَصَرُّفًا وَلَوْ تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا جَالِسٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقُعُودَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ وَكَذَا إذَا كَانَ ثَوْبٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَطَرَفٌ مِنْهُ فِي يَدِ آخَرَ فَهُمَا سَوَاءٌ قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْبَيْعِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قَضَى لَهُ بِهَا وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى) لِأَنَّ مُثْبِتَ الزِّيَادَةِ مُدَّعٍ وَنَافِيَهَا مُنْكِرٌ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ: لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ وَقِيلَ: لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى

دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ قَوْلُهُ (يَبْتَدِئُ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ قَوْلُهُ (فَإِذَا حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا طَلَبَا ذَلِكَ أَمَّا بِدُونِ الطَّلَبِ فَلَا يَفْسَخُ قَوْلُهُ (فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ يُجْعَلُ بَاذِلًا فَلَمْ تَبْقَ دَعْوَاهُ مُعَارِضَةً دَعْوَى الْآخَرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودِ بِهِ قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ تَعَارُضَ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الْعَوَارِضِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الْعَقْدُ مِنْهُ وَالْخِيَارُ مِثْلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ قَدْ افْتَرَقَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْخِيَارِ فِي الْحَالَيْنِ هَذَا كُلُّهُ إذَا اخْتَلَفَا وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ بِيَدِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ) مَعْنَاهُ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ قَوْلُهُ (مَعَ يَمِينِهِ) يَعْنِي إذَا طَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ سَلِمَ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا قَالَ الْبَائِعُ قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ) أَيْ يَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ بَعْدَ التَّحَالُفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ) فَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي الْحَيِّ وَقِيمَةِ الْهَالِكِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) ثُمَّ إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا مَعًا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَقَالَتْ: بِأَلْفَيْنِ فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَبَيِّنَةُ الزَّوْجِ تَنْفِي ذَلِكَ فَالْمُثْبِتَةُ أَوْلَى قَوْلُهُ (

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ وَلَكِنْ يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ قَضَى بِمَا قَالَ الزَّوْجُ) يَعْنِي مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ قَضَى بِمَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ) أَيْ مَعَ يَمِينِهَا أَيْضًا قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَقَلُّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ قَضَى لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ قِيمَةُ الْبُضْعِ وَإِنَّمَا سَقَطَ ذَلِكَ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَا فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لَهُ رَجَعَ إلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَنْكَرِ قِيلَ: هُوَ أَنْ يَدَّعِيَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنْكَرٌ فِي الشَّرْعِ وَقَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده: هُوَ أَنْ يَدَّعِيَ مَهْرًا لَا يَتَزَوَّجُ مِثْلُهَا عَلَيْهِ عَادَةً كَمَا لَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُسْتَنْكَرُ مَا دُونَ نِصْفِ الْمَهْرِ فَإِذَا جَاوَزَ نِصْفَ الْمَهْرِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَرًا (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) مَعْنَاهُ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ أَوْ فِي الْمُبْدَلِ فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنَافِعِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِيهَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ نَحْوَ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ يَقْضِي بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَمْ يَتَحَالَفَا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَاضِي قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ) مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يَتَحَالَفَانِ فِيهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَيَصِيرُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَإِذَا لَمْ يَتَحَالَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ مَعَ يَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ) ثُمَّ تُفْسَخُ الْكِتَابَةُ قَوْلُهُ (وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ) كَالْعِمَامَةِ وَالْخُفِّ وَالْكُتُبِ وَالْقَوْسِ وَالْفَرَسِ وَالسِّلَاحِ قَوْلُهُ (وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ) كَالْوِقَايَةِ وَالْخَلْخَالِ وَالدُّمْلُجِ وَالْخَرَزِ وَثِيَابِ الْحَرِيرِ قَوْلُهُ (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ) كَالسَّرِيرِ وَالْحَصِيرِ وَالْآنِيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ

الرَّجُلَ يَتَوَلَّى آلَةَ الْبَيْتِ وَيَشْتَرِيَهَا فَكَانَ أَظْهَرَ يَدًا مِنْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهَا) لِأَنَّ الْيَدَ لِلْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَدْفَعُ لِلْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ مِنْ بَيْتِ أَهْلِهَا ثُمَّ فِيمَا عَدَاهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ لِظَاهِرِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَا حُرَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ يَدَهُ أَقْوَى وَلِلْحَيِّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ زَوْجَانِ مَأْذُونٌ وَحُرٌّ خُصَمَا ... وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ قَدْ تَكَلَّمَا فَذَاكَ لِلْحُرِّ وَقَالَا لَهُمَا قَوْلُهُ (وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ بَاعَهَا فَهُوَ ابْنُ الْبَائِعِ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَقَالَ زُفَرُ: دَعْوَتُهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ أَنَّهُ عَبْدٌ فَكَانَ فِي دَعْوَاهُ مُنَاقِضًا وَلَنَا أَنَّ اتِّصَالَ الْعَلُوقِ بِمِلْكِهِ شَهَادَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَةُ أُسْنِدَتْ إلَى وَقْتِ الْعَلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ لِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مَعَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَوْ بَعْدَهُ فَدَعْوَةُ الْبَائِعِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَسْبَقُ لِاسْتِنَادِهَا إلَى وَقْتِ الْعَلُوقِ وَهَذِهِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعَلُوقِ فِي مِلْكِهِ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعَلُوقَ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ وَلَا حَقُّهُ وَهَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ادَّعَاهُ قَبْلَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمُمْكِنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَالْأَمَةُ فِي مِلْكِهِ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ أَقَرَّ بِمُمْكِنٍ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا مَعَ الْحَبَلِ فَإِذَا ادَّعَاهُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ قُبِلَ مِنْهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مَعْنَى لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَوْلُهُ (وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الْبَائِعِ فِيهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ هُنَا دَعْوَةُ مِلْكٍ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْعَلُوقَ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِذَا كَانَتْ دَعْوَةُ مِلْكٍ فَدَعْوَةُ الْمِلْكِ كَعَتَاقٍ مُوَقَّعٍ وَعِتْقُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا قُبِلَتْ دَعْوَتُهُ إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ: وَإِذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ وَبَطَلَ الْمَبِيعُ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَالْأُمُّ أُمُّ وَلَدٍ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّصْدِيقِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَتُهُ لِأَنَّ النَّسَبَ

كتاب الشهادات

لَمَّا ثَبَتَ مِنْ الْبَائِع بِتَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي زَالَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَتُهُ فِي إزَالَةِ نَسَبٍ ثَابِتٍ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأُمِّ) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَلَا يَتْبَعُهُ اسْتِيلَادُ الْأُمِّ قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ النَّسَبُ فِي الْوَلَدِ وَأَخَذَهُ الْبَائِعُ وَيَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرُدُّ حِصَّةَ الْأُمِّ) أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ فَلِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْأُمَّ تُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ: أُمُّ الْوَلَدِ وَتَسْتَفِيدُ هِيَ الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا وَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى وَأَمَّا رَدُّ الثَّمَنِ كُلِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْجَارِيَةَ أُمُّ وَلَدٍ وَمَنْ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ فَهَلَكَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ عِنْدَهُ لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلِذَلِكَ يَرُدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَعِنْدَهُمْ تَكُونُ مَضْمُونَةً لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا فَيَرُدُّ مِنْ الثَّمَنِ مِقْدَارَ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَيُعْتَبَرُ الْقِيمَتَانِ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى مِقْدَارِ قِيمَتِهِمَا فَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْأُمِّ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَرُدُّهُ هَذَا إذَا مَاتَتْ أَمَّا إذَا قَتَلَهَا رَجُلٌ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهَا ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ الْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَمَنْ ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَالْحَمْلُ الْوَاحِدُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْجَارِيَةَ وَأَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ فَادَّعَى الْمَوْلَى الْوَلَدَ الْبَاقِيَ فِي يَدِهِ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِي الْجَمِيعِ وَفُسِخَ الْبَيْعُ وَكَانَتْ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] الشَّهَادَةُ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّوَثُّقِ صِيَانَةً لِلدُّيُونِ وَالْعُقُودِ عَنْ الْجُحُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالشَّهَادَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِصِحَّةِ الشَّيْءِ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ فَعَلَى هَذَا هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ وَقِيلَ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشُّهُودِ وَهُوَ الْحُضُورُ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْقَاضِي لِلْأَدَاءِ فَسُمِّيَ الْحَاضِرُ شَاهِدًا وَأَدَاؤُهُ شَهَادَةً وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ الشَّهَادَةُ لَهَا شُرُوطٌ وَسَبَبٌ وَرُكْنٌ وَحُكْمٌ فَسَبَبُهَا طَلَبُ الْمُدَّعِي مِنْ الشَّاهِدِ أَدَاءَهَا وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ الْكَامِلُ وَالضَّبْطُ وَالْأَهْلِيَّةُ وَرُكْنُهَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا تَقْتَضِيهِ الشَّهَادَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الشَّهَادَةُ فَرْضٌ) يَعْنِي أَدَاؤُهَا وَهَذَا إذَا تَحَمَّلَهَا وَالْتَزَمَ حُكْمَهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَمَّلْهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّحَمُّلِ وَتَرْكِهِ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِلْوُجُوبِ فَهُوَ كَمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ النَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا. وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُثْبِتَ شَهَادَتَهُ أَوْ يَشْهَدَ عَلَى عَقْدٍ فَأَبَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ يَجِدُ غَيْرَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ. (قَوْلُهُ يَلْزَمُ الشُّهُودَ أَدَاؤُهَا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ فَرْضٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَسَعُهُمْ كِتْمَانُهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فَإِنَّا نَرْجُو أَنْ يَسَعَهُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ فِي الصَّكِّ جَمَاعَةٌ سِوَاهُ مِمَّا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَأَجَابُوهُ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْ كَانُوا وَلَكِنْ مِمَّنْ لَا يَظْهَرُ الْحَقُّ بِشَهَادَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ كَانَ يَظْهَرُ إلَّا أَنَّ شَهَادَتَهُ أَسْرَعُ قَبُولًا لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ لَهُ شُهُودٌ كَثِيرٌ فَدَعَا بَعْضَهُمْ لِلْأَدَاءِ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ

الشهادة على مراتب

لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا لَوْ دُعِيَ لِلْأَدَاءِ وَالْقَاضِي مِمَّنْ يُقْضَى بِشَهَادَتِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّاهِدِ لَا أَرَى لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فَإِنْ شَهِدَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ خَلْفُ بْنُ أَيُّوبَ: لَوْ رُفِعَتْ الْخُصُومَةُ إلَى قَاضٍ غَيْرِ عَدْلٍ فَلَهُ أَنْ يَكْتُمَ الشَّهَادَةَ حَتَّى يَرْفَعَهَا إلَى قَاضٍ عَدْلٍ وَكَذَا إذَا خَافَ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَسِعَهُ الِامْتِنَاعُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَى بَاطِلٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ أَخَذَ سُوقَ النَّحَّاسِينَ مُقَاطَعَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَدُعِيَ إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَدَاءُ حَتَّى قَالُوا: لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ اسْتَوْجَبَ اللَّعْنَةَ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ عِنْدَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَرَفَ الشَّاهِدُ أَنْ سَبَبَهُ مِنْ وَجْهٍ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا. (قَوْلُهُ إذَا طَالَبَهُمْ الْمُدَّعِي) هَذَا بَيَانُ وَقْتِ الْفَرْضِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ) هَذَا إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً أَمَّا إذَا كَانُوا أَقَلَّ فَالسَّتْرُ وَاجِبٌ لِأَنَّهَا تَكُونُ قَذْفًا وَإِنَّمَا كَانَ مُخَيَّرًا فِيهَا لِأَنَّهُ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّوَقِّي عَنْ الْهَتْكِ فَإِنْ سَتَرَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ أَظْهَرَ فَقَدْ أَظْهَرَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ خُيِّرَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَلِأَنَّ الْإِظْهَارَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَالسَّتْرُ تَرْكُ كَشْفِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُشْهِدَ بِالْمَالِ فِي السَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْمَالَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَسَعُهُ كِتْمَانُهُ. (قَوْلُهُ فَيَقُولُ: أَخَذَ وَلَا يَقُولُ: سَرَقَ) لِأَنَّ قَوْلَهُ أَخَذَ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَوْلُهُ سَرَقَ يُوجِبُ الْقَطْعَ وَقَدْ نُدِبَ إلَى السَّتْرِ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ فِيمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلِأَنَّ فِي قَوْلِهِ أَخَذَ إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: سَرَقَ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَالضَّمَانُ لَا يُجَامِعُ الْقَطْعَ فَلَا يَحْصُلُ فِي قَوْلِهِ سَرَقَ إحْيَاءُ حَقِّهِ. [الشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبَ] (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى مَرَاتِبَ مِنْهَا الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى اللِّوَاطِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ التَّعْزِيرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا وَأَمَّا إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِأَنَّ الْحُدُودَ تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ وَالنِّسَاءُ شَهَادَتُهُنَّ شُبْهَةٌ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَةِ الرِّجَالِ فَهِيَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ يَقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَلَا يَقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ «مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ» وَقَدْ قَالُوا: إنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ تُقْبَلُ فِي الْإِحْصَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُقْبَلُ إلَّا الرِّجَالِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ النِّسَاءٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِي السَّرِقَةِ تُقْبَلُ فِيهَا فِي حَقِّ الْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ إلَّا رَجُلَانِ فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ. (قَوْلُهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ

وَالْوَصِيَّةِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ هَهُنَا الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ قَالَ: أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَصِيَّةَ لَكَانَ مَالًا. (قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) إلَّا أَنَّ الِاثْنَيْنِ أَحْوَطُ وَقَوْلُهُ وَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْعَيْبَ بِالْجَارِيَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ وَيَحْلِفُ الْبَائِعُ أَيْضًا وَأَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ عَلَى اسْتِهْلَالِ الْمَوْلُودِ فَلَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ صَوْتٌ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ وَأَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَمَقْبُولَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ بِدَلِيلِ أَنَّ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى ثَدْيِهَا وَيُشَاهِدَ إرْضَاعَهَا. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ حَتَّى تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ حَتَّى اخْتَصَّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَشُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ فِي لَفْظِهَا زِيَادَةَ تَوْكِيدٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ مِنْ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْكَذِبِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَشَدَّ وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ: فِي تَفْسِيرِ الْعَدْلِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ وَلَا يَكُونُ مُصِرًّا عَلَى الصَّغَائِرِ وَيَكُونُ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: الْعَدْلُ مَنْ لَمْ يُطْعَنْ عَلَيْهِ فِي بَطْنٍ وَلَا فَرْجٍ أَيْ لَا يُقَالُ: إنَّهُ يَأْكُلُ الرِّبَا وَالْمَغْصُوبَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ زَانٍ فَإِنَّ مَوْضِعَ الطَّعْنِ الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَلَهُمَا تَوَابِعُ فَإِذَا سَلِمَ عَنْهُمَا وَعَنْ تَوَابِعِهِمَا كَانَ عَدْلًا وَالْكَذِبُ مِنْ جُمْلَةِ الطَّعْنِ فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّاهِدُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ: أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ لَمْ يَكُنْ شَاهِدًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَبَرَ الشَّهَادَةَ بِقَوْلِهِ {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور: 6] . (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقْتَصِرُ الْحَاكِمُ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ) يَعْنِي لَا يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ» . (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ) لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيَشْتَرِطُ الِاسْتِقْصَاءَ

فِيهِمَا. (قَوْلُهُ فَإِنْ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ سَأَلَ عَنْهُمْ) وَكَذَا إذَا وَقَعَ لِلْقَاضِي فِي شَهَادَتِهِمْ الشَّكُّ وَالِارْتِيَابُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ وَلَا تَزُولُ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَسَائِرِ الْحَوَادِثِ سَوَاءٌ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ أَوْ لَمْ يَطْعَنْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَيْفِيَّةُ السُّؤَالِ عَنْهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ الْمُزَكِّي وَيَسْأَلَ عَنْ جِيرَانِهِمْ وَأَصْدِقَائِهِمْ وَيُرْسِلُ بِالْكِتَابِ إلَيْهِمْ فَيَكْتُبُ الْمُزَكُّونَ الْعَيْنَ تَحْتَ اسْمِ الْعَدْلِ وَلَا يَكْتُبُونَ الْفَاءَ تَحْتَ اسْمِ الْفَاسِقِ صِيَانَةً لِعِرْضِ الْمُسْلِمِ. وَفِي النِّهَايَةِ تَزْكِيَةُ السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَى الْمُزَكِّي وَيَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ أَسْمَاءُ الشُّهُودِ حَتَّى يَعْرِفَهُمْ وَيَكُونُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَدْلًا لَهُ خِبْرَةٌ بِالنَّاسِ وَلَا يَكُونُ مُنْزَوِيًا غَيْرَ مُخَالِطٍ لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُمْ لَمْ يَعْرِفْ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ وَيَرُدُّ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْجَوَابَ فَمَنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا تَحْتَ اسْمِهِ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السَّتْرِ أَوْ يَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَدَالَةٍ وَلَا فِسْقٍ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ مَسْتُورٌ وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فَيُخْدَعُ الْمُعَدِّلُ أَوْ يَتَهَدَّدُ أَوْ يُسْتَمَالُ بِالْمَالِ. وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا فِي تَزْكِيَةٍ فِي الْعَلَانِيَةِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُعَدِّلِ: هَذَا الَّذِي عَدَّلْته فِي السِّرِّ فَإِنْ قَالَ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: نَعَمْ قُضِيَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَقِيلَ: صِفَةُ التَّزْكِيَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ: إنَّهُ عَدْلٌ مَرْضِيُّ الْقَوْلِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: هُوَ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا وَشَهَادَتُهُ لَا تَجُوزُ وَقِيلَ: يَكْفِي بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالدَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَقُولُ فِي تَعْدِيلِهِ: مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا وَلَوْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ عَدَّلَهُ وَزَكَّاهُ وَالتَّزْكِيَةُ كَانَتْ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ عَلَانِيَةً وَلَمْ يَكُنْ فِي السِّرِّ تَزْكِيَةٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا صُلَحَاءَ وَكَانَ الْمُعَدِّلُ لَا يَخَافُ الْأَذِيَّةَ مِنْ الشُّهُودِ إذَا جَرَّحَهُمْ وَفِي زَمَانِنَا تُرِكَتْ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ وَاكْتُفِيَ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ وَالْأَذِيَّةِ لِأَنَّ الشُّهُودَ يُؤْذُونَ الْجَارِحَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا رَأَى الْمُزَكِّي رَجُلًا حَافِظًا لِلْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ رِيبَةً قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: يَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ فَجَاءَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَعَدَّلَاهُ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ بِقَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَتَعْدِيلُ الْوَاحِدِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُتَرْجِمُ عَنْ الشَّاهِدِ وَرَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُعَدِّلِ يَعْنِي إذَا كَانَ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُعَدِّلِ وَاحِدًا وَالْمُتَرْجِمُ عَنْ الشُّهُودِ جَازَ عِنْدَهُمَا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ كَمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَالَةُ وَهُمَا يَقُولَانِ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَلَا أَقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ إلَّا تَزْكِيَةَ مَنْ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالْمُخْبَرُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَقْبُولٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِهِمْ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ نَظِيرُ الشَّهَادَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ وَعَلَى هَذَا فَتَزْكِيَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فِي السِّرِّ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَكَذَا تَعْدِيلُ الْأَعْمَى وَالْمَمْلُوكِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَذَا فِي

الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ وَمَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَوْ رَآهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) وَأَمَّا إذَا سَمِعَ الْحَاكِمَ يَقُولُ: حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ سَمِعَهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَمِعَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ) هَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّرِيحِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فَإِنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الْبَيْعِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ شَهِدَ عَلَى الْبَيْعِ جَازَ وَفِي الْإِقْرَارِ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ: أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ لَا يُقْبَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي) لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَوْ سَمِعَهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَلَوْ فَسَّرَهُ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ فِيهِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الرَّجُلِ وَلَا يَرَاهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رَجُلٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَكًّا بِحَقٍّ وَقَالَ لِقَوْمٍ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الصَّكِّ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُوجِبَةً بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّجَمُّلِ وَلَمْ يُوجَدْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يُلْزِمْهُ الْحَاكِمُ شَيْئًا وَلَمْ يَقْطَعْ بِشَهَادَتِهِ حَقًّا فَإِذَا صَحَّ هَذَا قُلْنَا مَنْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَمَّا لَوْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَّلَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُحَمِّلْهُ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِرَجُلٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ: فَاشْهَدْ بِمَا شَهِدْت بِهِ أَوْ اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا شَهِدْت بِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ بِالشَّهَادَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ التَّحْمِيلِ وَهَذَا الْمَأْمُورُ لَمْ يُعَايِنْ إقْرَارَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا أَشْهَدَهُ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِنَابَةٌ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِ وَإِشْهَادٌ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ) لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ بِيَقِينٍ وَهَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَفِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ لِأَنَّ مَا فِي قِمْطَرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الصَّغِيرِ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ شَيْءٌ بِأَنْ كَانَ مَخْبُوءًا عِنْدَهُ أَوْ عَلِمَ بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَ فَعِنْدَهُمَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

يَسَعُهُ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ قَالَ فِي التَّقْوِيمِ قَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) وَكَذَا قَضَاؤُهُ لَا يَجُوزُ ثُمَّ شَهَادَتُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إنْ كَانَ تَحَمَّلَهَا وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ أَدَّاهَا وَهُوَ أَعْمَى لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْقَدْ مِنْهُ فِي حَالِ الْأَدَاءِ إلَّا مُعَايَنَةُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا صَحَّ تَحَمُّلُهُ جَازَ أَدَاؤُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بَصِيرٌ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ التَّحَمُّلَ فَمَنَعَ الْأَدَاءَ كَالْجُنُونِ وَلِأَنَّ حَالَةَ الْأَدَاءِ آكَدُ مِنْ حَالَةِ التَّحَمُّلِ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّحَمُّلَ يَصِحُّ فِي حَالٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْأَدَاءُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا وَقْتَ التَّحَمُّلِ فَإِنَّ تَحَمُّلَهُ صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ الْعَمَى يَمْنَعُ التَّحَمُّلَ فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَمْنَعَ الْأَدَاءَ وَالثَّانِي إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا عِنْدَنَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا بَقَاءُ الشُّهُودِ عَلَى حَالِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِهَا الْحَاكِمُ حَتَّى إذَا ارْتَدُّوا أَوْ فَسَقُوا أَوْ خَرِسُوا أَوْ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِهَا فَكَذَا إذَا عَمِيَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ بَطَلَتْ يَعْنِي فِي الْمَالِ وَكَذَا فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي الرَّجْمِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إذَا غَابَتْ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ لِفَوَاتِ الْبُدَاءَةِ بِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ الرَّجْمُ أَيْضًا بِمَوْتِهِمْ وَلَا بِغَيْبَتِهِمْ وَقَدْ قَالُوا: إنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا. وَقَالَ زُفَرُ: تُقْبَلُ فِيمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةَ كَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالْمَوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا طَرِيقُهُ الِاسْتِفَاضَةُ كَمَا يَقَعُ لِلْبَصِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَا الْمَمْلُوكِ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ لَا يَلِي عَلَى نَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلِي عَلَى غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] فَلَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ تَحْتَ هَذَا لِأَنَّ عَلَيْهِ خِدْمَةَ مَوْلَاهُ يَمْتَنِعُ بِهَا عَنْ الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَلِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ الْحُدُودِ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ وَهُوَ الْفِسْقُ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ مَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي إبْطَالِهَا إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ فَهَرَبَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يُضْرَبْ جَمِيعَهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ سَوْطًا وَاحِدًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا ضُرِبَ أَكْثَرَ الْحَدِّ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ ضُرِبَ الْأَقَلَّ لَا تَسْقُطُ وَلَوْ حُدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ قَدْ حَدَثَتْ لَهُ شَهَادَةٌ أُخْرَى بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أُعْتِقَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا فَتَمَامُ حَدِّهِ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَذْفُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ فَحُدَّ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَوْ حَصَلَ بَعْضُ الْحَدِّ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ وَبَعْضُهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ تَابَ تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ كَمَالُ الْحَدِّ وَكَمَالُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةٍ إذَا وُجِدَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَهَا هُوَ السَّوْطُ الْأَخِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْحَدِّ فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا تَبْطُلُ. (قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ) لِأَنَّ مَالَ الِابْنِ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَبِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ) لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ بِالْوِلَادَةِ وَالْمَنَافِعُ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِمْ التُّهْمَةُ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بَيْنَهُمَا مُتَّصِلٌ عَادَةً فَيَكُونُ مُتَّهَمًا. (قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ

أَوْ مِنْ وَجْهٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى. (قَوْلُهُ وَلَا لِمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَكَذَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يُعَدُّ ضَرَرُ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً. (قَوْلُهُ وَلَا شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَالِ فَإِنْ شَهِدَ بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ لِلشَّاهِدِ مَغْنَمًا أَوْ دَفَعَتْ عَنْهُ مَغْرَمًا لَا تُقْبَلُ وَشَهَادَةُ الشَّرِيكِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا تَجْلِبُ لَهُ مَغْنَمًا فَتَجُورُ وَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ وَدِيعَةً فَجَاءَهُ مُدَّعٍ فَادَّعَاهَا فَشَهِدَ لَهُ الْمُودَعَانِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا دَفَعَا بِهَا مَغْرَمًا وَكَذَا إذَا شَهِدَ الْمُرْتَهِنَانِ بِالرَّهْنِ لِرَجُلٍ غَيْرِ الرَّاهِنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ نَفْعٌ بَلْ فِيهَا إبْطَالُ حَقِّهِمَا مِنْ الْوَثِيقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ عَيْنًا عَلَى اثْنَيْنِ فَادَّعَى مُدَّعٍ تِلْكَ الْعَيْنَ فَشَهِدَا بِهَا لَهُ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمَا مَغْرَمًا وَهُوَ إبْطَالُ الثَّمَنِ عَنْهُمَا فَهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ. (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ وَعَمِّهٍ) لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِيَ مُتَحَيِّزَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَبَسُّطٌ فِي مَالِ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُخَنَّثٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ رَدِيءَ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ أَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ وَلَمْ يَفْعَلْ الْفَوَاحِشَ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَلَا نَائِحَةٍ) يَعْنِي الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا أَمَّا الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَتِهَا فَشَهَادَتُهَا مَقْبُولَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا خَيْرَ فِي النَّائِحَةِ لِأَنَّهَا تَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَتَنْهَى عَنْ الصَّبْرِ وَتَبْكِي شَجْوَ غَيْرِهَا وَتَأْخُذُ الْأُجْرَةَ عَلَى دَمْعِهَا وَتُحْزِنُ الْحَيَّ وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ. (قَوْلُهُ وَلَا مُغَنِّيَةٍ) لِأَنَّهَا مُرْتَكِبَةٌ حَرَامًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ» . (قَوْلُهُ وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) يَعْنِي شُرْبَ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَمَّا الْخَمْرُ فَشُرْبُهَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ لَهْوٍ وَالْإِدْمَانُ الْمُدَاوَمَةُ وَالْمُلَازَمَةُ أَنْ يَشْرَبَ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهَا وَإِنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ فَأَمَّا مَنْ يُتَّهَمُ بِالشُّرْبِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعَدَالَةِ قَبْلَ ظُهُورِ ذَلِكَ مِنْهُ وَكَذَا مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ الْفُجُورِ وَالشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ. (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ) وَهُوَ الْمُغَنِّي وَكَذَا مَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ وَالْحَمَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ غَفْلَةً وَقَدْ يَقِفُ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِصُعُودِ سَطْحِهِ إذَا أَرَادَ تَطْيِيرَ الْحَمَامِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَبِيعُهَا وَلَا يُطَيِّرُهَا وَلَا يُعْرَفُ فِيهَا بِقِمَارٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) لَا يُقَالُ فِي هَذَا تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُغَنِّيَةَ قُلْنَا: ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا عَامٌّ أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي التَّغَنِّي مُطْلَقًا وَهَذَا فِي التَّغَنِّي لِلنَّاسِ وَقَيَّدَ بِالتَّغَنِّي لِلنَّاسِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُغَنِّي لِغَيْرِهِ وَلَكِنْ يُغَنِّي لِنَفْسِهِ أَحْيَانَا لِإِزَالَةِ الْوَحْشَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى بَيْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَمِعَ عُمَرَ يَتَرَنَّمُ فِي بَيْتِهِ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ عُمَرُ خَجَلًا فَقَالَ لَهُ: أَسَمِعْتنِي يَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ لَهُ: إنَّا إذَا خَلَوْنَا قُلْنَا مَا يَقُولُ النَّاسُ أَتَدْرِي مَا كُنْت أَقُولُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ إنِّي قُلْت لَمْ يَبْقَ مِنْ شَرَفِ الْعُلَا ... إلَّا التَّعَرُّضُ لِلْحُتُوفِ فَلَأَرْمِيَنَّ بِمُهْجَتِي ... بَيْنَ الْأَسِنَّةِ وَالسُّيُوفِ. (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحَدُّ) أَيْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِهَا وَالْكَبِيرَةُ مَا كَانَتْ حَرَامًا مَحْضًا شُرِعَ عَلَيْهَا عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ بِنَصٍّ قَاطِعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْقَتْلُ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تِسْعٌ وَلَعَلَّهُ زَادَ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالْإِيَاسَ مِنْ رُوحِ اللَّهِ أَوْ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزِّنَا وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ قَالَ هُنَّ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَقِيلَ: هُنَّ سَبْعَ عَشْرَةَ أَرْبَعٌ فِي الْقَلْبِ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ

وَالْإِصْرَارُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَأَرْبَعٌ فِي اللِّسَانِ التَّلَفُّظُ بِالْكُفْرِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَثَلَاثٌ فِي الْبَطْنِ أَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَاثْنَانِ فِي الْفَرْجِ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَاثْنَانِ فِي الْيَدِ الْقَتْلُ وَالسَّرِقَةُ وَوَاحِدَةٌ فِي الرِّجْلِ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَوَاحِدَةٌ فِي سَائِرِ الْبَدَنِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَمِنْ الْكَبَائِرِ السِّحْرُ وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَطْعُ الرَّحِمِ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا وَمَنْعُ الزَّكَاةِ وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَسَبُّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْخِيَانَةُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَأَخْذُ الرِّشْوَةِ وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَامْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنْ زَوْجِهَا بِلَا سَبَبٍ وَالْوَقِيعَةُ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ بِغَيْرِ اضْطِرَارٍ وَالْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ وَالْغَيْبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالْكَذِبُ وَالنِّيَاحَةُ وَالْحَسَدُ وَالْكِبْرُ وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَقَتْلُ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ وَالْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ وَتَحْقِيرُ الْمُسْلِمِينَ وَالظِّهَارُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُلُّ ذَنْبٍ أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَالصَّغَائِرُ النَّظَرُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ وَاللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ وَهِجْرَانُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْعَبَثُ فِي الصَّلَاةِ وَتَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْكَلَامُ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ وَالتَّغَوُّطُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَمُسَافَرَةُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَالنَّجْشُ وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَتَلَقِّي الْجِلْدِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَالِاحْتِكَارُ وَبَيْعُ الْمَعِيبِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَالْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَالتَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ وَالصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَالسُّكُوتُ عِنْدَ سَمَاعِ الْغَيْبَةِ وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ) لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ مُسْتَقْبَحٌ بَيْنَ النَّاسِ وَكَذَا مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِسِرْوَالٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا آكِلِ الرِّبَا) لِأَنَّهُ مُتَأَكِّدُ التَّحْرِيمِ وَشُرِطَ فِي الْأَصْلِ الشُّهْرَةُ فِي أَكْلِ الرِّبَا وَكَذَا أَكْلُ مَنْ اشْتَهَرَ بِأَكْلِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا الْمُقَامِرِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ) بِشَرْطِ الْقِمَارِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ أَمَّا الْقِمَارُ فَحَرَامٌ وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ وَفِي شَرْحِهِ مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مِنْ غَيْرِ قِمَارٍ وَلَا ذِكْرِ فَاحِشَةٍ وَلَا تَرْكِ صَلَاةٍ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا أَوْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَأَمَّا اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَسَائِرِ مَا يَلْعَبُ بِهِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ بِخِلَافِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ النَّاسِ. (قَوْلُهُ وَلَا) (مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَقْبَحَةَ) كَالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ فَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِي عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ وَكَذَا مَنْ يَأْكُلُ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَمَّا إذَا شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ أَكَلَ الْفُولَ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يُقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا تَسْتَقْبِحُ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْبَوْلِ عَلَى الطَّرِيقِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّخَّاسِ وَهُوَ الدَّلَّالُ إلَّا إذَا كَانَ عَدْلًا لَا يَكْذِبُ وَلَا يَحْلِفُ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ الصَّالِحِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ تَارِكِ الْجُمُعَةِ رَغْبَةً عَنْهَا لِأَنَّ تَارِكَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَاسِقٌ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اشْتَهَرَ بِتَرْكِ زَكَاةِ مَالِهٍ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ الْفَاحِشِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ بِهِ وَإِنَّمَا اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَالْخَيْرُ فِيهِ أَغْلَبُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَيُرْوَى أَنَّ وَزِيرَ هَارُونَ الرَّشِيدِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: مَا مَنَعَك مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ مَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا قَالَ: سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لَك فِي مَجْلِسِك أَنَا عَبْدُك فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَشَهَادَةُ الْعَبْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَالْكَذِبُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ.

(قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِتَصْدِيقِ الْمَشْهُودِ لَهُ يَعْتَقِدُونَ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ نُسِبُوا إلَى ابْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ رَجُلٌ بِالْكُوفَةِ يَعْتَقِدُ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ وَقَدْ قَتَلَهُ الْأَمِيرُ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَصَلَبَهُ. (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ) إذَا كَانُوا عُدُولًا فِي دِينِهِمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ) وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ إذَا ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ وَأُعْطُوا الذِّمَّةَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ) يَعْنِي بِالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنَ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ وَعَلَى هَذَا الْإِرْثُ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْوِلَايَةَ وَيَمْنَعُ التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُحِقٌّ فِي عَدَاوَتِهِ لِلذِّمِّيِّ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَالذِّمِّيُّ مُبْطِلٌ فِي عَدَاوَتِهِ لِلْمُسْلِمِ فَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ) هَذَا هُوَ حَدُّ الْعَدَالَةِ الْمُعْتَبَرَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَقِّي الْكَبَائِرِ كُلِّهَا وَبَعْدَ تَوَقِّيهَا يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَمَنْ كَثُرَتْ مَعَاصِيهِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ وَمَنْ نَدَرَتْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ اجْتِنَابِ الْكُلِّ سَدَّ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ إحْيَاءً لِلْحُقُوقِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ دُونِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَا يَخْلُو مِنْ ارْتِكَابِ خَطِيئَةٍ فَلَوْ وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ أَصْلًا لَتَعَذَّرَ وُجُودُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَسُومِحَ فِي ذَلِكَ وَاعْتُبِرَ الْأَغْلَبُ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ يَعْنِي الصَّغَائِرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ. (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَتَنْ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِلشُّبْهَةِ الْوَارِدَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ إذَا تَرَكَ الِاخْتِتَانَ مِنْ عُذْرٍ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ وَاسْتِهَانَةً بِالسُّنَّةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. (قَوْلُهُ وَالْخَصِيِّ) لِأَنَّهُ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ ظُلْمًا قَوْلُهُ (وَوَلَدِ الزِّنَا) يَعْنِي إذَا كَانَ عَدْلًا لِأَنَّ فِسْقَ الْوَالِدَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الزِّنَا لِأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ كَمِثْلِهِ فَيُتَّهَمُ قُلْنَا: الْعَدْلُ لَا يُحِبُّ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدْلِ (قَوْلُهُ وَشَهَادَةُ الْخُنْثَى جَائِزَةٌ) الْمُرَادُ الْمُشْكِلُ وَحُكْمُهُ فِي الشَّهَادَةِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَافَقَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى قُبِلَتْ وَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِكُرِّ حِنْطَةٍ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَةِ أَنْ تُطَابِقَ الدَّعْوَى فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ. (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ

بَرِيَّةٌ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ اتَّفَقَ الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَيْنِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُقْبَلُ بِالْأَلْفِ) لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْأَلْفَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفَيْنِ أَمَّا إذَا ادَّعَى أَلْفًا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَى هَذَا: الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ فَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِطَلْقَةٍ وَوَاحِدٌ بِطَلْقَتَيْنِ وَشَاهِدٌ بِثَلَاثٍ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ يَقَعُ ثِنْتَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّ الْأُولَى اتَّفَقُوا فِيهَا جَمِيعًا وَالِاثْنَيْنِ اتَّفَقَ فِيهِمَا شَاهِدُهُمَا وَشَاهِدُ الثَّلَاثِ فَصَارُوا ثَلَاثًا (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِأَلْفٍ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ جُمْلَتَانِ فَالْأَلْفُ جُمْلَةٌ وَالْخَمْسُمِائَةِ جُمْلَةٌ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِ الْجُمْلَتَيْنِ مَعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي لَهَا فَثَبَتَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِيهَا فَلَا تُقْبَلُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي إنَّمَا ادَّعَى أَلْفًا لَا غَيْرَ لَمْ تُقْبَلْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الَّذِي شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ الطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَةُ وَالنِّصْفُ وَالْمِائَةُ وَالْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ عَطْفٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ دَعْوَى فِي مَالٍ كَالْقَرْضِ وَنَحْوِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى دَعْوَى عَقْدٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفَيْنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ وَقَالَ آخَرُ: قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بِأَلْفٍ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ (وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) أَنَّهُ قَضَاهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ فَرْدٍ (إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ شَاهِدَ الْقَضَاءِ مَضْمُونٌ شَهَادَتُهُ أَنَّهُ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِأَلْفٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ) كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا لَهُ عَلَى الظُّلْمِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي يَجِبُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ زَيْدًا قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَقْبَلْ الشَّهَادَتَيْنِ) لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلِأَنَّ الْقَتْلَ فِعْلٌ وَالْفِعْلُ لَا يُعَادُ وَلَا يُكَرَّرُ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ وَأَقَامَ الْوَرَثَةُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قُتِلَ بِمَكَّةَ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ أَوْ فِي مَكَانَيْنِ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ وَالْأَقْوَالُ تُعَادُ وَتُكَرَّرُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ فَتُقْبَلُ عَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الثَّوْبَ أَمْسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ الْيَوْمَ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمْسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ الْيَوْمَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مَعْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَوْلُ وَالْأَقْوَالُ يَجُوزُ أَنْ تُعَادَ وَتُكَرَّرَ

الشهادة على الشهادة

وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ ثُبُوتِهِ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ وَقَعَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَإِنَّمَا شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى جُرْحٍ وَلَا نَفْيٍ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ) وَهُوَ أَنْ يُجَرِّحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ فَيَقُولُ إنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرُونَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا وَلَكِنْ يَسْأَلُ عَنْ شُهُودِ الْمُدَّعِي فِي السِّرِّ وَيُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ فَإِذَا ثَبَتَ عَدَالَتُهُمْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ وَقَوْلُهُ وَلَا نَفْي الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ مَقْبُولَةٌ إذَا كَانَ النَّفْيُ مَقْرُونًا بِالْإِثْبَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ حَتَّى أَنَّهُ يُسَلِّمُ إلَيْهِ كُلَّ الْمَالِ وَكَذَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَيُقْضَى بِعِتْقِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشُّرُوطِ فِي النَّفْيِ مَسْمُوعَةٌ وَإِنَّمَا قَالَ إذَا كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَحُجَّ هَذَا الْعَامَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ ضَحَّى بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَالتَّضْحِيَةُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُعْتَقُ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَقَوْلُهُ وَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ قُلْنَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تُسْمَعَ وَلَكِنْ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَأَمَّا إذَا حَكَمَ بِجَوَازِ بَيْعِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنْ عَدَّلَ الشَّاهِدَ وَجَرَّحَهُ آخَرُ فَسَأَلَ الْقَاضِي آخَرَ فَإِنْ عَدَّلَهُ قَضَى بِذَلِكَ وَإِنْ جَرَّحَهُ اثْنَانِ لَا يُقْضَى بِهِ وَإِنْ عَدَّلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَلْفٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ لَمْ يُعَايِنْهُ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِذَلِكَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُمْ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَقِيلَ: فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ إمَّا رَجُلٌ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُشَاهِدُ غَيْرُ الْوَاحِدِ إذْ الْإِنْسَانُ يَهَابُهُ وَيَكْرَهُهُ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَلَا يُفَسِّرُهَا أَمَّا إذَا فَسَّرَهَا لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ: أَنَا أَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَصَرَ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُحِ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهَا وَهَذَا يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ وَالْوَقْفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَمَرِّ الْعُصُورِ وَالدُّهُورِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ المرغيناني: لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ. [الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ] (قَوْلُهُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ) احْتِرَازًا عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهَا

صفة الإشهاد في الشهادة على الشهادة

تُؤَثِّرُ فِيهَا الشُّبْهَةُ فَلَا تَثْبُتُ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ شَاهِدَانِ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ وَاحِدٍ وَصُورَتُهُ شَاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ ثُمَّ إنَّهُمَا بِعَيْنِهِمَا شَهِدَا أَيْضًا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ وُجِدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاهِدَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ شَاهِدَانِ وَعَلَى شَهَادَةِ الْآخَرِ شَاهِدَانِ غَيْرُهُمَا وَيَجُوزُ عِنْدَنَا شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ جَمِيعًا يَشْهَدَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ ثَبَتَتْ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ. [صِفَةُ الْإِشْهَادِ فِي الشَّهَادَة عَلَى الشَّهَادَة] (قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْإِشْهَادِ أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ) إنَّمَا يَقُولُ: وَأَشْهَدَنِي إذَا كَانَ الْمُقِرُّ أَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ سَمِعَهُ وَلَمْ يُشْهِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَقَرَّ عِنْدِي وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي التَّحْمِيلِ: اشْهَدْ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ كَفَى وَإِنْ قَالَ فَاشْهَدْ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ أَوْ كَمَا شَهِدْت أَوْ عَلَى مَا شَهِدْت لَا يَصِحُّ حَتَّى يَقُولَ: فَاشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ جَازَ) وَأَمَّا قَوْلُهُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ عَدَالَةِ الْأَصْلِ وَالنَّاقِلِ. (قَوْلُهُ وَيَقُولُ شَاهِدُ هَذَا الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَلَفْظِ التَّحْمِيلِ وَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ شُهُودِ الْأَصْلِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ فَسَقَا أَوْ عَمِيَا أَوْ خَرِسَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْفَرْعِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَوْ يَمْرَضُوا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهُ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ كَالْبَدَلِ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ وَالْبَدَلُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ بِدَلَالَةِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ عَدَّلَ شُهُودُ الْأَصْلِ شُهُودَ الْفَرْعِ جَازَ) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَرْعَ هُمْ الْمُزَكُّونَ لِلْأُصُولِ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَقْلَهُمْ لِشَهَادَتِهِمْ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ تَعْدِيلِهِمْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْدِيلِهِمْ وَتَعْدِيلِ غَيْرِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ تَصْحِيحُ شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّ تَصْحِيحَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ لَا تُؤَثِّرُ فِي شَهَادَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّلَاحَ وَالْعَدَالَةَ وَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ تَعْدِيلُهُ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِهِمْ جَازَ وَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِمْ) لِأَنَّ التَّعْدِيلَ لَا يَلْزَمُهُمْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ

التَّعْدِيلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ عَدَالَتُهُمْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ لَمْ تُعَدِّلْ شُهُودُ الْفَرْعِ شُهُودَ الْأَصْلِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا فِيهِمْ لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا تُقْبَلْ ثُمَّ إنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا شَهِدُوا وَهُمْ عُدُولٌ وَسَكَتُوا عَنْ تَعْدِيلِ أُصُولِهِمْ سَأَلَ الْحَاكِمُ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ فَإِنْ عَدَّلُوا حُكِمَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَاكِمُ بِحَالِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ سَأَلَ عَنْ جَمِيعِهِمْ فِي السِّرِّ وَزَكَّاهُمْ فِي الْعَلَانِيَةِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَإِذَا كَانَ شَاهِدُ الْأَصْلِ مَحْبُوسًا فِي الْمِصْرِ فَأَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي هَلْ يُحْكَمُ بِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: اخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُ زَمَانِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي سِجْنِ هَذَا الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ سِجْنِهِ حَتَّى يَشْهَدَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى السِّجْنِ وَإِنْ كَانَ فِي سِجْنِ الْوَالِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِخْرَاجُ لِلشَّهَادَةِ يَجُوزُ وَقَوْلُهُ وَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي حَالِهِمْ يَعْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَعْدِيلِ الشَّاهِدِ قَبْلَ طَعْنِ الْخَصْمِ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: يُقْبَلُ الْوَاحِدُ فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيَثْبُتُ بِالرِّسَالَةِ وَيُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ خَصْمٍ وَلَا يَفْتَقِرُ تَعْدِيلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا إلَى أَرْبَعَةٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَالْخِلَافُ فِي تَعْدِيلِ السِّرِّ أَمَّا تَعْدِيلُ الْعَلَانِيَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا: يُشْتَرَطُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي التُّرْجُمَانِ إذَا لَمْ يَفْهَمْ الْقَاضِي كَلَامَ الْخَصْمِ عَلَى هَذَا يُقْبَلُ فِيهِ عِنْدَهُمَا قَوْلُ الْوَاحِدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُهَا فِي غَيْرِ الْعُقُوبَاتِ أَمَّا فِي الْعُقُوبَةِ فَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ التَّزْكِيَةَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ هِيَ الشَّهَادَةُ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ التَّزْكِيَةُ وَيَقُولُ الْمُزَكِّي: هُوَ عَدْلٌ رِضًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ وَلِي لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: هُوَ عَدْلٌ رِضًا فَهُوَ عَدْلٌ عَلَيْهِ وَلَهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا احْتَاجَ الْمُدَّعِي إلَى إخْرَاجِ الشُّهُودِ إلَى مَوْضِعِ فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ دَوَابَّ لِلرُّكُوبِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ أَكَلُوا مِنْ طَعَامِهِ فِي الطَّرِيقِ قُبِلَتْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى: لَا بَأْسَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ لِلشَّاهِدِ دَابَّةً إذَا كَانَ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ كَانَ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ مَا يَسْتَكْرُونَ بِهِ دَابَّةً فَهُوَ كَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ) بِأَنْ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ شَهَادَةٌ وَغَابُوا أَوْ مَاتُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَوْ قَالُوا: لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ وَهُوَ شَرْطٌ (مَسَائِلُ) إذَا شَهِدَ الْفَاسِقَانِ بِشَهَادَةٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ تَابَا وَأَنَابَا ثُمَّ جَاءَا فَشَهِدَا بِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَا تَوَصَّلَا بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ إلَى تَصْحِيحِ شَهَادَتِهِمَا وَكَذَا إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ الْحُرُّ لِزَوْجَتِهِ بِشَهَادَةٍ فَرُدَّتْ ثُمَّ أَبَانَهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهَا بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَوَصَّلَ بِطَلَاقِهَا إلَى تَصْحِيحِ شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَتْ لَهُ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدُ أَوْ الْكَافِرُ أَوْ الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّبِيُّ بِشَهَادَةٍ فَرُدَّتْ ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ ثُمَّ عَادُوا فَشَهِدُوا بِهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ حَالَ أَدَائِهَا وَلَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ وَإِنَّمَا رُدَّتْ لِكَوْنِهِمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ صَارُوا مِنْ أَهْلِهَا فَزَالَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ فَلِهَذَا قُبِلُوا. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ: أُشْهِرُهُ فِي السُّوقِ وَلَا أُعَزِّرُهُ) أَيْ وَلَا أَضْرِبُهُ وَتَفْسِيرُ الشُّهْرَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَبْعَثُ بِشَاهِدِ الزُّورِ إلَى أَهْلِ سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا أَوْ إلَى قَوْمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ سُوقِيًّا بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعُ مَا يَكُونُ وَيَقُولُ إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكُمْ: أَنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ سَوَاءٌ ثُمَّ إذَا تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ فَشَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَادِثَةٍ هَلْ

كتاب الرجوع عن الشهادة

تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ فَاسِقًا ثُمَّ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ فِسْقَهُ زَالَ بِالتَّوْبَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ مُدَّةَ ظُهُورِ التَّوْبَةِ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ مُقَدَّرَةٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالثَّانِي إنْ كَانَ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا فِي الْحُكْمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَشَاهِدُ الزُّورِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ إذْ لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلشَّهَادَةِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَشْهَدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ ثُمَّ يَجِيءُ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا حَتَّى يَثْبُتَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ أَمَّا إذَا قَالَ أَخْطَأْت فِي الشَّهَادَةِ أَوْ غَلِطْت لَا يُعَزَّرُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: نُوجِعُهُ ضَرْبًا وَنَحْبِسُهُ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ بِشَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى عُزِّرَ وَسَخِمَ وَجْهُهُ وَطِيفَ بِهِ وَحُبِسَ قُلْنَا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُعَزَّرُ وَلِهَذَا جَمَعَ عُمَرُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ وَالتَّسْخِيمَ وَالشُّهْرَةَ وَالْحَبْسَ [كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] (كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) هَذَا الْبَابُ لَهُ رُكْنٌ وَشَرْطٌ وَحُكْمٌ فَرُكْنُهُ قَوْلُ الشَّاهِدِ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ إيجَابُ التَّعْزِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا وَالضَّمَانُ مَعَ التَّعْزِيرِ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا وَقَدْ أَزَالَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُتْلِفُوا بِهَا شَيْئًا. (قَوْلُهُ فَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِالتَّعَدِّي فَلَزِمَهُمْ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ أَيُّ حَاكِمٍ كَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ الَّذِي حَكَمَ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ خُصُومَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّسَبُّبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَمَا فِي الْيَدِ وَقَدْ تَسَبَّبَا لِلْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ بِالْمَالِ ثَلَاثَةٌ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ

الْحَقُّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الرَّاجِعِ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْمَالِ) لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ رُبُعَ الْحَقِّ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا نِصْفَ الْحَقِّ) لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ يَبْقَى نِصْفُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ ثَمَانٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ) لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى كَانَ عَلَى النِّسْوَةِ رُبُعُ الْحَقِّ) لِأَنَّهُ بَقِيَ النِّصْفُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالرُّبُعُ بِشَهَادَةِ الْبَاقِيَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسْوَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِشَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ مِثْلُ مَا انْقَطَعَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةَ رِجَالٍ فَرَجَعُوا ضَمِنُوا الْمَالَ أَسْدَاسًا. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ) لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدَةٍ وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الِاعْتِبَارَ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ دُونَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَوُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّهَا بَعْضُ شَاهِدٍ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ النِّصْفَ وَلَمْ تَضْمَنْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا عِنْدَهُمَا وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنَانِ النِّصْفَ أَثْلَاثًا عَلَيْهِ الثُّلُثَانِ وَعَلَيْهَا الثُّلُثُ وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ عَلَيْهِ النِّصْفُ وَعَلَيْهِنَّ النِّصْفُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ خُمُسَا الْمَالِ وَعَلَيْهِنَّ أَخْمَاسُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَ الْمَرْأَتَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ يَحْفَظَانِ الْمَالَ فَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلَانِ وَبَقِيَ الْمَرْأَتَانِ فَالْمَرْأَتَانِ قَامَتَا بِنِصْفِ الْمَالِ وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ نِصْفُ الْمَالِ وَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَاحِدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَبَقِيَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ رُبُعُ الْمَالِ أَثْلَاثًا وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ الضَّمَانُ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ عَيْنَ مَالٍ بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ الْإِتْلَافِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا النُّقْصَانَ) لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ ثُمَّ يَرْجِعَانِ فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا عَنْ مِلْكِهَا مَا لَهُ قِيمَةٌ وَالْمَالُ يَلْزَمُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى ذَلِكَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى: إذَا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلَى مِائَةٍ وَقَالَتْ: هِيَ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى مِائَةٍ وَقُضِيَ لَهَا ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنَانِ لَهَا تِسْعَمِائَةٍ بِنَاءً عِنْدَهُمَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا فَكَانَ يُقْضَى لَهَا بِأَلْفٍ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا تِسْعَمِائَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهَا شَيْئًا. (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّ هَذَا إتْلَافٌ بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَالْإِتْلَافِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ هَذَا النِّكَاحُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الظَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَاطِنِ

وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعٍ بِمِثْلِ الْقِيمَة أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُمَا حَصَلَا لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا مِثْلُ مَا أَزَالَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَدَّعِي وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا هَذَا الْجُزْءَ بِلَا عِوَضٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَالسُّقُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ الْمَهْرُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا وَضَمِنَ الْمُتْعَةَ رَجَعَ بِهَا أَيْضًا عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ قِيمَةٌ لَهُ وَالْمَهْرُ يَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ هَذِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهَا الِاسْتِيلَادُ وَالْجَارِيَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَتْ وَضَمِنَا قِيمَتَهَا أَمَةً لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِشَهَادَتِهِمَا الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَجِبُ ضَمَانُهَا لِلْوَرَثَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنَا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا الْقَتْلَ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا إكْرَاهٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا ثُمَّ عِنْدَنَا يَكُونُ ضَمَانُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُمَا مُعْتَرِفَانِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الِاعْتِرَافَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ بِأَنْ كَانَا وَلَدَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَرِثَانِهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ. (قَوْلُهُ وَإِنْ) (رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ) يَعْنِي بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ (وَقَالُوا: لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا) (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْإِشْهَادَ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالُوا: أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ضَمِنُوا) هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرُوا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأُصُولِ إذَا رَجَعُوا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَإِنْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ فَعِنْدَهُمَا الضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ أَوْ الْأُصُولَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ: كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا أَمْضَى مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْقَضُ بِقَوْلِهِمْ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ

كتاب آداب القاضي

(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَشَاهِدَانِ بِالْإِحْصَانِ فَرَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَمْ يَضْمَنُوا) لِأَنَّ شُهُودَ الْإِحْصَانِ غَيْرُ مُوجِبِينَ لِلرَّجْمِ وَإِنَّمَا الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِيهِ كَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَلِأَنَّ الرَّجْمَ عُقُوبَةٌ وَالْإِحْصَانُ لَا يَجُوزُ الْعِقَابُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ الْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهَذِهِ مَعَانٍ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِالزِّنَا لَا بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ قَبْلَ الزِّنَا غَيْرُ مُوجِبٍ لِلرَّجْمِ فَلَمَّا وُجِدَ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَجَبَ الرَّجْمُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ رَجْمٌ لَمْ يَضْمَنُوا بِالرُّجُوعِ (قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنُوا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا شَهَادَةَ الشُّهُودِ شَهَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّزْكِيَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَصُورَتُهُ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزَكَّوْا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا: عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذَا ثَبَتُوا عَلَى التَّزْكِيَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الشُّهُودِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا صُدِّقُوا فِي ذَلِكَ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عِنْدَنَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكُّونَ بِالْحُرِّيَّةِ بِأَنْ قَالُوا: هُمْ أَحْرَارٌ أَمَّا إذَا قَالُوا: هُمْ عُدُولٌ فَبَانُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا. (قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ وَدُخُولُ الدَّارِ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ فَهُمْ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ مَعَ شُهُودِ الزِّنَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ يَمِينُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ فِيمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَهَا فَحُكِمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ دُونَ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ بِالْيَمِينِ لَا بِالدُّخُولِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ ضَرَبَك فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ فُلَانٌ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَلَا يَضْمَنُ الضَّارِبُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِيَمِينِ مَوْلَاهُ لَا بِالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ آدَابِ الْقَاضِي] (كِتَابُ آدَابِ الْقَاضِي) الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَمَصْلَحَةٌ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ يَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ لِأَنَّ بِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةً عَظِيمَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ) وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُوَلَّى بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَلَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي لِيَكُونَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ لَهُ بِدُونِ طَلَبِهِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِلْقَاضِي وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا كَانَ فِيهِ نُفُوذُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ الَّتِي

طلب الولاية

تُوجِبُ الْحَقَّ عَلَى الْغَيْرِ قَالَ فِي شَرْحِهِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ إلَّا الْمَوْثُوقُ بِعَفَافِهِ وَصَلَاحِهِ وَدِينِهِ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالسُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ وَيَعْرِفُ نَاسِخَهَا وَمَنْسُوخَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ لِمَنْ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَهُ) وَقَدْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَاجْتَنَبَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَرْكُ الدُّخُولِ فِيهِ أَحْوَطُ وَأَسْلَمُ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ الْعَظِيمِ وَالْأَمْرِ الْمَخُوفِ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَاف الْعَجْزَ عَنْهُ وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفَ فِيهِ) قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا فَقَضَى بِمَا عَلِمَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ جَهِلَ فَقَضَى بِمَا جَهِلَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ عَلِمَ فَقَضَى بِغَيْرِ مَا عَلِمَ فَهُوَ فِي النَّارِ» . [طَلَبُ الْوِلَايَةِ] (قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ وَلَا يَسْأَلَهَا) أَيْ لَا يَطْلُبُهَا بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْأَلُهَا بِلِسَانِهِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَبُ أَنْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ وَلِّنِي وَالسُّؤَالُ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: لَوْ وَلَّانِي الْإِمَامُ قَضَاءَ مَدِينَةِ كَذَا لَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَيُقَلِّدُهُ الْقَضَاءَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلِكٌ يُسَدِّدُهُ» . (قَوْلُهُ وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يُسَلَّمُ إلَيْهِ دِيوَانُ الْقَاضِي الَّذِي قَبْلَهُ) وَهِيَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالصُّكُوكُ وَنُصُبُ الْأَوْصِيَاءِ وَالْقِوَامُ بِأَمْوَالِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ فِي حَالِ الْمَسْجُونِينَ) لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ فَمَنْ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَمَنْ أَنْكَرَ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْمَعْزُولُ إنِّي حَبَسْته بِحَقٍّ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِسَائِرِ النَّاسِ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادِي عَلَيْهِ وَيَسْتَظْهِرَ فِي أَمْرِهِ) وَصُورَةُ النِّدَاءِ أَنْ يُنَادَى فِي مَجْلِسِهِ أَيَّامًا مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَصْمٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَأَطْلَقَهُ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْكَفِيلَ جَوَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ غَائِبٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَتَوَثَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ. (قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ فِي الْوَدَائِعِ وَفِي ارْتِفَاعَاتِ الْوُقُوفِ) أَيْ غَلَّاتِ الْوُقُوفِ (فَيَعْمَلُ عَلَى) حَسَبِ (مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ)

وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيَجْلِسُ الْحَاكِمُ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ) كَيْ لَا يَشْتَبِهَ مَكَانُهُ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ وَيَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَهُ وَيُسَدِّدَهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْخُصُومِ مُفَرِّغًا نَفْسَهُ لَهُمْ فَإِنْ دَخَلَهُ هَمٌّ أَوْ ضَجَرٌ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ غَضَبٌ كَفَّ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ اشْتَغَلَ قَلْبُهُ فَلَمْ يَفْهَمْ كَلَامَ الْخُصُومِ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ أَوْ حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ أَوْ حَابِسٌ أَوْ مَرِيضٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُ قَلْبَهُ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ رَاكِبٌ أَوْ مَاشٍ وَلَا يَرْتَشِي لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذ كَاتِبًا مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالصَّلَاحِ وَيُقْعِدَهُ بِحَيْثُ يَرَى مَا يَكْتُبُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْكَاتِبُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَى شَهَادَتِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَرِيبِ خُصُومَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا يَقْبَلُ وَكَذَا الْمُهْدِي إذَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً) وَهِيَ الَّتِي مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضَيِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا يَعْمَلُهَا وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ: فِي تَفْسِيرِهَا وَقِيلَ: هِيَ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَالْخَاصَّةُ هِيَ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضَيِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَمْ يَعْمَلْهَا ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَفْصِلْ فِي الْخَاصَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ. وَفِي الْهِدَايَةِ لَا يُجِيبُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ وَمِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ فَلَا يَمْنَعُ الْقَضَاءُ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَهُوَ أَفْضَلُ الْحُكَّامِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ خَصْمِهِ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ التَّسْوِيَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُضَيِّفَهُمَا جَمِيعًا لِوُجُودِ التَّسْوِيَةِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا حَضَرَا سَاوَى بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِقْبَالِ) وَكَذَا فِي النَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالْكَلَامِ مَعَهُمَا وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَدْخُلُ مَجْلِسَ الْقَاضِي لِأَجْلِ الْخُصُومَةِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَى الْقَاضِي فَإِنْ سَلَّمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ سَلَامِهِ فَإِنْ أَرَادَ جَوَابَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَيُسَلِّمُ الشَّاهِدُ عَلَى الْقَاضِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَكَمَ بِهَا وَلَا يَنْتَظِرُ عَوْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُسَارِرْ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً) لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ الْآخَرِ وَإِضْعَافًا لَهُ وَكَذَا لَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَرْفَعْهُ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُدْهِشُهُ وَرُبَّمَا تَحَيَّرَ وَتَرَكَ حَقَّهُ وَكَذَا لَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَبْسَ غَرِيمِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا هُوَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ حَتَّى يُثْبِتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا طَمِعَ الْحَاكِمُ فِي أَنْ يَصْطَلِحَ الْخَصْمَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرُدَّهُمَا وَلَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا لَعَلَّهُمَا يَصْطَلِحَانِ أَوْ يُعْلِمُهُمَا أَنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُدُّوا الْخُصُومَ كَيْ يَصْطَلِحُونَ فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُوَرِّثُ الضَّغَائِنَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُمْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ

كتاب القاضي إلى القاضي

الْقَرْضِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ) لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَحْبِسُهُ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) كَعِوَضِ الْمَغْصُوبِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ. (إذَا قَالَ: إنِّي فَقِيرٌ) إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسُهُ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ وَيَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَلَيْسَ تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِلَازِمٍ بَلْ التَّقْدِيرُ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُضْجِرُهُ الْحَبْسُ الْقَلِيلُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُضْجِرُهُ الْكَثِيرُ فَفُوِّضَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ أَوْ قَبْلَ الْمُدَّةِ تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تُقْبَلُ فِي أُخْرَى وَهِيَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَطَّلِعُ عَلَى إعْسَارِهِ وَلَا يَسَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَبْسِهِ ثُمَّ إذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ بِإِعْسَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بَلْ إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ حَالَ مُنَازَعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِأَنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْإِعْسَارَ وَقَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُوسِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ) بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ فَإِنْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَةٍ لَا يَتْبَعُونَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تُلَازِمُهَا. (قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهَا وَيُحْبَسُ أَيْضًا فِي دَيْنِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِذَلِكَ وَالْحَبْسُ إنَّمَا هُوَ جَزَاءُ الظُّلْمِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) يَعْنِي لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُونَ وَإِنْ عَلَوْا لِأَجْلِ دَيْنِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْحَبْسَ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْوَلَدُ عَلَى وَالِدَيْهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وَالْحَبْسُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْيَاءَ الْوَلَدِ وَالنَّفَقَةُ لَا تُسْتَدْرَكُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يُحْبَسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَ الْمَدْيُون صَغِيرًا وَلَهُ وَلِيٌّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ حَبَسَ الْقَاضِي الْوَلِيَّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) اعْتِبَارًا لِشَهَادَتِهَا. [كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي] (قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ) يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي آخَرَ وَمِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي رُسْتَاقَ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إذَا وَرَدَ عَلَى قَاضِي مِصْرٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا شَرْطُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَّا بِهَا وَقَوْلُهُ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ يَعْنِي بِالْحُقُوقِ وَيَرْوِي بِهِ عِنْدَهُ أَيْ بِالْكِتَابِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَاضِيَانِ جَازَ كِتَابُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الْأَحْكَامِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّ كِتَابَهُ يَقُومُ مَقَامَ خِطَابِهِ

وَخِطَابُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِهِ لِأَنَّ خِطَابَهُ قَدْ بَطَلَ وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ فَقَرَأَهُ ثُمَّ مَاتَ الْكَاتِبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عُزِلَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوَّلًا أَوْ عُزِلَ وَوَلِيَ غَيْرُهُ الْقَضَاءَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ لِأَنَّهُ كَتَبَ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ وَكُتِبَ بِحُكْمِهِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ يَكْتُبُ هَذَا الْقَاضِي كِتَابًا إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَهُ فَيَأْخُذُهُ بِالْكِتَابِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ حَضْرَةِ خَصْمٍ لَمْ يُحْكَمْ) أَيْ إنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَقَوْلُهُ وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِهَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ كَانَ كِتَابُهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ) أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ (ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ) كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ عِلْمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ بِحَضْرَتِهِمْ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا حِفْظُ مَا فِي الْكِتَابِ أَيْضًا عِنْدَهُمَا شَرْطٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَفْتَحُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّا فِي الْكِتَابِ وَيَقُولُ هَلْ قَرَأَهُ عَلَيْكُمْ وَهَلْ خَتَمَهُ بِحَضْرَتِكُمْ فَإِنْ قَالُوا: لَا أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَلَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا أَوْ خَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا لَا يَفْتَحُهُ وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا فَتَحَهُ حِينَئِذٍ. (قَوْلُهُ وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ حُضُورِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَالشَّهَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمُدَّعٍ وَخَصْمٍ. (قَوْلُهُ فَإِذَا سَلَّمَهُ الشُّهُودُ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَضَّهُ حِينَئِذٍ وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَيْ فِي مَجْلِسٍ يَصِحُّ حُكْمُهُ فِيهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي

شَاهَانْ وَقَوْلُهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: ذَلِكَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي قَبِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا: قَرَأَهُ عَلَيْنَا. (قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي شُبْهَةٌ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَاضِي وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ فِيهِ فَصَارَ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا إذَا قِيلَ: لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَهُنَا إذَا قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: وَلِّ مَنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ وَمِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِي فِي مَعْنَى الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي جُعِلَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِيمَا جُعِلَ إلَيْهِ فَإِنْ قَضَى الْمُسْتَخْلَفُ بِمَحْضَرِ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الْمُسْتَخْلَفُ فَأَجَازَ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُضَاةَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْأُمَرَاءِ وَلَا الْأُمَرَاءُ وَالْقُضَاةُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُمْ نُوَّابٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بَاقُونَ وَلَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ آخَرَ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ أَوْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ) مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ مِثْلُ الْحُكْمِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَالْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَمُخَالَفَةُ السُّنَّةِ كَحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعُ مِثْلُ تَجْوِيزِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ مِنْ الْخَصْمِ فَيَشْتَبِهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ لَهُ فَكَذَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) كَالْوَكِيلِ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ جَازَ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِصِفَةِ الْحَاكِمِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صَبِيًّا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَالْحُكْمِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَقْتَ التَّحْكِيمِ عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُخَاصَمَةٌ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدَ بْنُ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا فَقَالَ زَيْدٌ لِعُمَرَ هَلَّا بَعَثْت إلَيَّ فَآتِيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحُكْمُ فَأَلْقَى لِعُمَرَ وِسَادَةً فَقَالَ عُمَرُ هَذَا أَوَّلُ الْجَوْرِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ زَيْدٌ لِأُبَيٍّ لَوْ أَعْفَيْت عَنْهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ يَمِينٌ لَزِمَتْنِي بَلْ أَحْلِفُ فَقَالَ أُبَيٌّ بَلْ نُعْفِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا وَنُصَدِّقُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا حَكَّمَاهُ لِفِقْهِهِ وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ فِيهِمْ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ بِرِكَابِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا بِأَنْ نَصْنَعَ بِفُقَهَائِنَا فَيُقَبِّلُ زَيْدٌ يَدَهُ وَيَقُولُ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِأَشْرَافِنَا وَأَمَّا

كتاب القسمة

وَضْعُ زَيْدٍ الْوِسَادَةَ لِعُمَرَ فَامْتِثَالٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ» وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَحْسِنْهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا الْوَقْتِ وَفِي قَوْلِهِ هَذَا أَوَّلُ الْجَوْرِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى زَيْدٍ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ فِي هَذَا لَيْسَ كَالْقَاضِي فَبَيَّنَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ كَالْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ الذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ) لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ. (قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكَّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا. (قَوْلُهُ فَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا) يَعْنِي إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَفَائِدَةُ إمْضَائِهِ هَهُنَا أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الْقَاضِي النَّقْضُ فِيمَا أَمْضَاهُ هَذَا الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يُصْدَرْ عَنْ وِلَايَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا. (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَتَهُ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَنُقْصَانُ وِلَايَةِ الْمُحَكَّمِ شُبْهَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ تَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَا فِي دَمِ الْخَطَأِ فَقَضَى الْحَاكِمُ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْضِيَ بِالنُّكُولِ) وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ بَاطِلٌ) أَيْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ وَالْمُوَلَّى جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُمْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لَهُمْ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْقِسْمَةِ] (كِتَابُ الْقِسْمَةِ) الْقِسْمَةُ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَتَعْدِيلُ الْأَنْصِبَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ قَاسِمًا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ أَجْرٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهَا قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَإِنَّمَا يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ نَصْبِ الْقَاسِمِ تَعُمُّ الْكَافَّةَ فَكَانَتْ كِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ غُرْمًا بِغُنْمٍ

شروط المقسم

(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَصَّبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ) مَعْنَاهُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ. [شُرُوطُ الْمُقَسِّمِ] (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُون عَدْلًا مَأْمُونًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) يَعْنِي عَدْلًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَمِينًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ حَصَلَ مِنْهُ الْحَيْفُ. (قَوْلُهُ وَلَا يُجْبِرُ الْقَاضِي النَّاسَ عَلَى قَاسِمٍ وَاحِدٍ) أَيْ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ لِأَنَّ فِي إجْبَارِهِمْ عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِمْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ وَيَتَقَاعَدُ بِهِمْ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُ الْقُسَّامَ يَشْتَرِكُونَ) لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا تَحَكَّمُوا عَلَى النَّاسِ فِي الْأَجْرِ وَتَقَاعَدُوا عَنْهُمْ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ يَتَبَادَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَى ذَلِكَ خَشْيَةَ الْفَوْتِ فَتَرْخُصُ الْأُجْرَةُ. (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ وَرُبَّمَا يَتَصَعَّبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ قُلْنَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ: الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ وَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إنْ كَانَا لِلْقِسْمَةِ قِيلَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا لَهَا فَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ وَقَوْلُنَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا لِلْقِسْمَةِ بِأَنْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا وَأَمَرَ إنْسَانًا لِيَكِيلَهُ لِيَصِيرَ الْكُلُّ مَعْلُومَ الْقَدْرِ فَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ الشُّرَكَاءُ عِنْدَ الْقَاضِي وَفِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ أَوْ ضَيْعَةٌ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ زِيَادَةٌ يَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا وَيُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَإِذَا كَانَتْ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ إذَا ادَّعُوهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يَقْسِمُهَا وَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهَا التَّوَى. وَأَمَّا الْعَقَارُ فَهُوَ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَقْسِمُهَا بِاعْتِرَافِهِمْ) وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ الدَّارَ مِلْكُهُمْ فِي الْحَالِ الظَّاهِرِ إذْ الْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ أَمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْبَائِعِ بَلْ هُوَ مِلْكٌ مُسْتَأْنَفٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَى بَائِعٍ بِعَيْبٍ فَإِذَا قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ كَانَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا عَلَيْهِمْ وَلَا يَكُونُ تَصَرُّفًا عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّ التَّرِكَةَ فِيهِ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَالْوَارِثُ يَخْلُفُهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرُدُّ الْوَارِثُ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ بِالْعَيْبِ فَالْقِسْمَةُ فِيهَا تَصَرُّفٌ عَلَى الْمَيِّتِ وَنَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ حُكْمِ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُصَدَّقُونَ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (قَوْلُهُ وَيَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِقَوْلِهِمْ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّ حُكْمَ الْقِسْمَةِ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَمَتَى كَانَتْ بِالْبَيِّنَةِ يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْمَيِّتِ وَبِالْإِقْرَارِ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَا تَبِينَ امْرَأَتُهُ وَلَا يُعْتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَلَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ مَوْتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا عَلِمْنَاهُ بِإِقْرَارِهِمْ

وَإِقْرَارُهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مِمَّا سِوَى الْعَقَارِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَرِثُوهُ قَسَمَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) يَعْنِي إذَا كَانَ عُرُوضًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ حِفْظًا لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ فَإِذَا قَسَمَ حَفِظَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا حَصَلَ لَهُ وَالْعَقَارُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَوْا فِي الْعَقَارِ أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِرَافِهِمْ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي أَيْدِيهِمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُمْ وَلَا يَدَّعُونَ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِاعْتِرَافِهِمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ مَا أَقَرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ وَهَذِهِ رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَقْسِمُهَا حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ قَسَمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَنْتَفِعُ وَالْآخَرُ يَتَضَرَّرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَسَمَ وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُنْتَفِعٌ بِهِ فَاعْتُبِرَ طَلَبُهُ وَالثَّانِي مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَقَوْلُهُ وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْ وَلَكِنْ تَجِبُ الْمُهَايَأَةُ بَيْنَهُمْ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَضَرَّرُ لَمْ يَقْسِمْ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا) لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا وَيَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا. (قَوْلُهُ وَيَقْسِمُ الْعُرُوضَ إذَا كَانَتْ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هِيَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ يُمْكِنُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ كَالْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الدَّوَابِّ أَوْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ يَقْسِمُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى حِدَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَانِ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا) لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً وَسَبِيلُهَا التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقْسِمُ الرَّقِيقَ) يَعْنِي بِانْفِرَادِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ قَسَمَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إنَّمَا لَا يَقْسِمُ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِتَرَاضِيهِمْ جَازَ. (قَوْلُهُ وَلَا الْجَوَاهِرَ) الْمُتَفَاوِتَةَ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ لِأَنَّ هَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا يَنْقَسِمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَأَمَّا إذَا انْفَرَدَ جِنْسٌ مِنْهَا فَالتَّعْدِيلُ فِيهِ يُمْكِنُ فَيَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ ضَبْطُ الْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُبْتَغَاةَ مِنْهُمْ الْعَقْلُ وَالْفَطِنَةُ وَالصَّبْرُ عَلَى الْخِدْمَةِ وَالِاحْتِمَالُ وَالْوَقَارُ وَالصِّدْقُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْوَفَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَصَارُوا كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ خَيْرًا مِنْ أَلْفٍ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ الشَّاعِرُ

وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوُتًا ... إلَى الْفَضْلِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَصَارَ كَالْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ سِوَاهُ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا قَسَمَ وَأَدْخَلَ فِيهِ الرَّقِيقَ تَبَعًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَرَاضِي الْمُلَّاكِ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَقْسِمُ الرَّقِيقَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ قُلْنَا: رَقِيقُ الْمَغْنَمِ إنَّمَا قُسِمَ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا وَهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ تَبَعٌ فَافْتَرَقَا. (قَوْلُهُ وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا رَحًا إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى الشُّرَكَاءُ) وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ لِاشْتِمَالِ الضَّرَرِ فِي الطَّرَفَيْنِ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِكُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا. (قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ وَارِثَانٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَفَاةِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ قَسَمَهَا الْقَاضِي بِطَلَبِ الْحَاضِرِينَ وَنَصَّبَ لِلْغَائِبِ وَكِيلًا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) وَكَذَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْغَائِبِ صَبِيٌّ يَقْسِمُ وَيُنَصِّبُ لَهُ وَصِيًّا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانُوا مُشْتَرِينَ لَمْ يَقْسِمْ مَعَ غَيْبَةِ أَحَدِهِمْ) وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ (وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَقْسِمْ) لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ اسْتِحْقَاقًا لِيَدِ الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ وَلَا خَصْمَ هُنَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يَقْسِمْ) وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ خَصْمَيْنِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا فَكَذَا مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ كَبِيرًا وَالْغَائِبُ صَغِيرًا نَصَّبَ الْقَاضِي لِلصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِيهَا طَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قُسِمَتْ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الدُّورَ الْمُخْتَلِفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ قِسْمَةَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَسَمَهَا) لِأَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ اسْمًا وَصُورَةً نَظَرًا إلَى أَنَّ أَصْلَ

السُّكْنَى أَجْنَاسٌ مَعْنًى نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ وَوُجُوهِ السُّكْنَى فَيُفَوَّضُ التَّرْجِيحُ إلَى الْقَاضِي وَفِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الدَّارَيْنِ إذَا كَانَتَا فِي مِصْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَهُمَا وَهِيَ رِوَايَةُ هِلَالٍ عَنْهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُقْسَمُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ فِي مَحَالَّ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيمَا بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قَسَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ) لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الدَّارَ وَالضَّيْعَةَ جِنْسَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجِنْسَيْنِ لَا يُقْسَمُ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْحَقَّيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ جِنْسَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ. وَفِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ) لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ يَعْنِي يَكْتُبُ عَلَى كُلِّ كَاغِدَةٍ: نَصِيبُ فُلَانٍ كَذَا وَنَصِيبُ فُلَانٍ كَذَا لِيَرْفَعَ تِلْكَ الْكَاغَدَةَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَتَوَلَّى الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ. وَفِي الْحَوَاشِي مَعْنَاهُ يُصَوِّرُ مَا يَقْسِمُهُ قِطَعًا وَيُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ وَيَعْتَبِرُ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ سُدُسًا جَعَلَهُ أَسْدَاسًا وَإِنْ كَانَ رُبُعًا جَعَلَهُ أَرْبَاعًا لِيُمْكِنَ الْقِسْمَةُ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ سُدُسٌ وَلِآخَرَ ثُلُثٌ وَلِلْآخَرِ نِصْفٌ جَعَلَهُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ وَيُلَقِّبُ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى هَذَا وَيَكْتُبُ أَسَامِيهِمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً وَيُلْقِيهَا فِي كُمِّهِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ يَفِي بِسَهْمِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَاحِبَ السُّدُسِ فَلَهُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَلَهُ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ النِّصْفِ فَلَهُ الْأَوَّلُ وَاَللَّذَانِ يَلِيَانِهِ. (قَوْلُهُ وَيُعَدِّلَهُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْقِيمَةُ أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى يَعْزِلُهُ بِالزَّايِ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَيَذْرَعَهُ) لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ. (قَوْلُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ) يَعْنِي إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ ثُمَّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يُقَوِّمُ الْبِنَاءَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ إذْ الْبِنَاءُ يُقْسَمُ عَلَى حِدَةٍ فَيُقَوَّمُ حَتَّى إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ بِالْمِسَاحَةِ وَوَقَعَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمْ يَعْرِفُ قِيمَةَ الدَّارِ لِيُعْطِيَ الْآخَرَ مِثْلَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ عَنْ الثَّانِي بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ الْآخَرِ تَعَلُّقٌ) فَتَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ عَلَى التَّمَامِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً ثُمَّ يُلَقِّبُ نَصِيبًا بِالْأَوَّلِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي وَاَلَّذِي يَلِيهِ بِالثَّالِثِ وَعَلَى هَذَا ثُمَّ يُخْرِجُ الْقُرْعَةَ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي) وَالْقُرْعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ لِتَطْيِيبِ الْأَنْفُسِ وَسُكُونِ الْقَلْبِ وَلِنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِ إقْرَاعٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكُ الْإِلْزَامَ

(قَوْلُهُ وَلَا يُدْخِلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ) لِأَنَّ إدْخَالَ ذَلِكَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ مُعَاوَضَةً وَالْمُعَاوَضَةُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَصُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ أَرَادُوا قِسْمَتَهَا وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلُ بِنَاءٍ وَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَكُون عِوَضُ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَكُون عِوَضُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِوَضَ الْبِنَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُكَلِّفُ الَّذِي وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَرُدَّ بِإِزَاءِ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لِلْقَاضِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ أَوْ طَرِيقٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ وَيُسَيِّلَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَّةٌ لِبَقَاءِ الِاخْتِلَاطِ فَتُسْتَأْنَفُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَاسِمُ فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ بِحَقِّهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَصِيرُ مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ فَلِهَذَا فُسِخَتْ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَاسِمُ شَرَطَ فِيهَا أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُ بِحُقُوقِهِ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الطَّرِيقَ وَالْمَسِيلَ فِي حَقِّ الْآخَرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ سُفْلٌ لَا عُلُوَّ لَهُ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ قَوَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ وَقَسَمَ بِالْقِيمَةِ وَلَا يَعْتَبِرُ بِغَيْرِ ذَلِكَ) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعِنْدَهُمَا يَقْسِمُ بِالذِّرَاعِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ سُفْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَعُلُوٌّ لِآخَرَ وَقَوْلُهُ عُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ أَيْ عُلُوٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَسُفْلُهُ لِآخَرَ وَقَوْلُهُ وَسُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ أَيْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالذِّرَاعِ هِيَ الْأَصْلُ فَيُصَارُ إلَيْهِ مَا أَمْكَنَ وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ مِنْ اتِّخَاذِهِ بِئْرًا أَوْ إصْطَبْلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذِّرَاعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الَّذِي لَا عُلُوَّ لَهُ. بَيَانُهُ سُفْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلُوٌّ فِي بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا أَرَادَا قِسْمَتَهُمَا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الْبِنَاءَ عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا السَّاحَةُ فَتُقْسَمُ بِالذِّرَاعِ فَذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذِرَاعٌ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا السُّكْنَى وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْعُلُوِّ أَنْقَصُ مِنْ مَنْفَعَةِ السُّفْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْفَعَةَ السُّفْلِ السُّكْنَى وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ وَأَنْ يَجْعَلَ فِيهِ أَوْتَادًا وَمِرْبَطًا لِلدَّوَابِّ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْعُلُوُّ فَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا السُّكْنَى لَا غَيْرَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْبِنَاءُ عَلَى عُلُوِّهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعُلُوِّ لَا تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ السُّفْلِ وَمَنْفَعَةُ السُّفْلِ تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْعُلُوِّ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقْسِمَانِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (مَسَائِلُ) بَيْتٌ كَامِلٌ وَهُوَ سُفْلٌ وَعُلُوٌّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلُوٌّ فِي بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَرَادَا قِسْمَةَ ذَلِكَ بِالتَّعْدِيلِ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ بَيْتِ الْكَامِلِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ لِأَنَّ ذِرَاعًا مِنْ عُلُوِّهِ بِذِرَاعٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُلُوِّ وَذِرَاعٌ مِنْ سُفْلِ هَذَا بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوِّ ذَلِكَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذِرَاعٌ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ فَإِنْ كَانَ سُفْلٌ وَبَيْتٌ كَامِلٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْكَامِلِ بِذِرَاعٍ وَنِصْفٍ مِنْ السُّفْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ السُّفْلِ فَعَلَى قَوْلِ

أَبِي حَنِيفَةَ يُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَذَلِكَ أَنْ يَقْسِمَ مِائَةً عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ بِذِرَاعٍ مِنْ الْكَامِلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ لِأَنَّ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَخَمْسُونَ مِنْ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مِائَةٍ خَمْسُونَ مِنْهَا سُفْلٌ وَخَمْسُونَ عُلُوٌّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَقَاسِمُونَ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا) هَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قَاسِمُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَفِي شَرْحِهِ إنْ قَسَمَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ قَسَمَا بِأُجْرَةٍ لَا تُقْبَلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْقَبْضُ لَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ وَأَمَّا إذَا قَسَمَا بِالْأَجْرِ فَإِنَّ لَهُمَا مَنْفَعَةً إذَا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ فَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ سَوَاءٌ قَسَمَا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَصَابَهُ شَيْءٌ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَسْخَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا وَقَدْ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ فَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ جَمَعَ بَيْنَ نَصِيبِ النَّاكِلِ وَالْمُدَّعِي فَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمَا. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت حَقِّي ثُمَّ قَالَ: أَخَذْت بَعْضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِتَمَامِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِيفَائِهِ لِنَصِيبِهِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا عَلَى خَصْمِهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ: أَصَابَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ

كتاب الإكراه

لَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ لَمْ يُقِرَّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضٌ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُفْسَخْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُفْسَخُ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْخِلَافُ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَمَّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ فَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَكُونُ فِي مُعَيَّنٍ لَا فِي جَمِيعِ الدَّارِ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ مُشَاعًا تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَبْطُلْ احْتَجْنَا إلَى الْقِسْمَةِ لِمَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْمُسْتَحَقِّ فَيَتَفَرَّقُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ فَيَتَضَرَّرُ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَعْلُومًا مَقْسُومًا فَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهُ تَفَرَّقَ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ كَانَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ فَإِذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ يَرْجِعُ بِرُبُعِ مَا فِي يَدِهِ وَهَذَا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مُشَاعًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ بِالْخِيَارِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ مَا فِي يَدِهِ مَعْلُومًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ ظَهَرَ شَرِيكٌ ثَالِثٌ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِ رِضَاهُ بَاطِلَةٌ كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي النَّصِيبَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] [بِمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِكْرَاهُ] (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) الْإِكْرَاهُ اسْمٍ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا خَافَ الْمُكْرَهُ تَحْقِيقَ مَا تُوُعِّدَ بِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْقَادِرِ سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَوْلُنَا فَيَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا أَيْ فِيمَا يَصِيرُ آلَةً لَهُ كَالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ أَيْ فِيمَا يَصِيرُ آلَةً لَهُ كَالْإِتْلَافِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ كَامِلًا بِأَنْ يَكُونَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْقَطْعِ فَيَنْتَفِي بِهِ الرِّضَا وَيَفْسُدُ بِهِ الِاخْتِيَارُ لِتَحَقُّقِ الْإِلْجَاءِ إذْ الْإِنْسَانُ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ يَضْطَرُّهُ إلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْإِكْرَاهُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا حَصَلَ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَقْدِرْ

الْمُكْرَهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ قَوْلُهُ (وَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ أَوْ عَلَى شِرَاءِ سِلْعَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ وَأُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوْ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْحَبْسِ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَرَجَعَ بِالْمَبِيعِ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْعُقُودِ التَّرَاضِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ثُمَّ إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا ثَبَتَ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَالْفَسَادُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ التَّرَاضِي فَصَارَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ اسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي بِخِلَافِ سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَا يُفْسَخُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا هُنَاكَ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّهُ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ أَمَّا هُنَا الرَّدُّ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْأَوَّلِ لِحَقِّ الثَّانِي وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَى أَبْعَاضِهَا وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْأَوَّلَ أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ وَالْأَلْفَ الثَّانِيَ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْإِكْرَاهِ وَإِنَّمَا ابْتَدَأَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَزِمَهُ وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ صِنْفٍ آخَرَ غَيْرَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَوْله (وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ طَوْعًا فَقَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ) وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ الْمَبِيعَ طَائِعًا؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِجَازَةِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ مُكْرَهًا فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ) يَعْنِي الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى قَوْلُهُ (وَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) وَإِنْ كَانَ قَائِمًا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلِلْمُكْرَهِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ إنْ شَاءَ) فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا ضَمِنَ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ أَوْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ) أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِذَا خَافَ ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ) وَمِثْلُ هَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الدَّمِ أَوْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُمْ يُوقِعُونَ بِهِ مَا تَوَعَّدُوهُ بِهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْعَهُ تَنَاوُلُهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى أَوْقَعُوا بِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَهُوَ آثِمٌ) لِأَنَّ الْمَيْتَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالطَّعَامِ الْمُبَاحِ وَمَنْ وَجَدَ طَعَامًا مُبَاحًا فَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ حَتَّى مَاتَ كَانَ آثِمًا

(قَوْلُهُ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِإِكْرَاهٍ حَتَّى يُكْرَهَ بِأَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ) وَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَذْفِ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ أَوْ شَتْمِهِمَا قَوْلُهُ (فَإِذَا خَافَ ذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَمَرُوهُ بِهِ) إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ فَاعِلُوهُ قَوْلُهُ (فَإِذَا أَظْهَرَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَأَكْرَهُوهُ حَتَّى قَالَ فِي آلِهَتِهِمْ خَيْرًا وَقَالَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرًّا فَلَمَّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ مَا وَرَاءَك قَالَ شَرٌّ أَكْرَهُونِي حَتَّى قُلْت فِي آلِهَتِهِمْ خَيْرًا وَقُلْت فِيك شَرًّا قَالَ كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ لَا إلَى الْكُفْرِ» وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوَاتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً وَإِنْ أَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ وَقَالَ كُنْت مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَمْ يُصَدَّقْ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ قَوْلُهُ (وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ كَانَ مَأْجُورًا) أَيْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ إقْدَامِهِ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا حَبِيبَ بْنَ عَدِيٍّ فَقَالُوا لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَذْكُرَنَّ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ وَتَشْتُمُ مُحَمَّدًا فَكَانَ يَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَيَذْكُرُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْرٍ فَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ وَسَمَّاهُ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ» قَوْلُهُ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَمْرٍ يَخَاف مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ مَالَ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَجَاعَةِ وَالْإِكْرَاهِ ضَرُورَةٌ قَوْلُهُ (وَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةٌ لَهُ فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَا يَسَعُهُ قَتْلُهُ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَقْتُلَ فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا وَيُعَزَّرُ) لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا قَوْلُهُ (وَالْقِصَاصُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا) وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَعَلَى الْمُكْرِهِ الْآمِرِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمَأْمُورِ. وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ هَذَا قَتْلَ عَمْدٍ تَحَوَّلَ مَالًا وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَيَصِيرُ كَالْآلَةِ فَكَأَنَّهُ أُخِذَ بِيَدِ الْمُكْرَهِ وَفِيهَا سَيْفٌ فَقَتَلَهُ بِهِ وَقُيِّدَ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُكْرَهِ إجْمَاعًا وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ لَا يُحْرَمُ الْمُكْرَهُ الْمِيرَاثَ وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْتُلَنَّ فُلَانًا فَقَالَ لَهُ فُلَانٌ إنْ قَتَلْتنِي فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ دَمِي فَقَتَلَهُ عَمْدًا فَهُوَ آثِمٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَتَجِبُ دِيَتُهُ فِي مَالِ الْآمِرِ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ وَإِنْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ عَلَى قَتْلِ مُوَرِّثِهِ مِثْلِ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُكْرَهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ وَلِلْقَاتِلِ الْوَارِثِ أَنْ يَقْتُلَ الَّذِي أَكْرَهَهُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ وَارِثًا لِلْمَقْتُولِ مُنِعَ الْمِيرَاثَ وَإِنْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ لَأَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْطَعَنَّ يَدَك وَسِعَهُ قَطْعُ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ بِقَطْعِهَا إلَى إحْيَاءِ نَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ) هَذَا عِنْدَنَا خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْإِكْرَاهُ لَا يَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْفَيْءِ فِيهِ وَالْإِسْلَامِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْعِتْقِ فَأَعْتَقَ صَحَّ عِتْقُهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ عِنْدَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَالْمُتْعَةِ إنْ كَانَ الْمَهْرُ غَيْرَ مُسَمًّى وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ

جَازَ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُهُ مِثْلُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ مِقْدَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُمَا سَمَّيَا ذَلِكَ الْمِقْدَارَ حَتَّى أَنَّهُ يَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى الْمُعْتِقِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مِلْكِهِ مَعَ تَمَامِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ هَذَا كَعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْمِلْكِ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ السِّعَايَةَ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الشِّرَاءِ دُونَ الْعِتْقِ قَوْلُهُ (وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ) هَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى رَجَعَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمُتْعَةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ إذْ الْمَهْرُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَهْرُ وَالْمُتْعَةُ وَإِنَّمَا تَأَكَّدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ إتْلَافًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ إلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَهُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَالِهِ فَأَتْلَفَهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ كَامِلًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُكْرِهَهُ السُّلْطَانُ) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الزِّنَا لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالِانْتِشَارِ وَهُوَ لَا يَكُونُ مَعَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعَ اللَّذَّةِ وَسُكُونِ النَّفْسِ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ فَكَأَنَّهُ زَنَى بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا تُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا إلَّا التَّمْكِينُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَأَمَّا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِيَةُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يُمْكِنُ مُغَالَبَتُهُ وَلَا التَّظَلُّمُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَفِي الْبَزْدَوِيِّ الْكَبِيرِ إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الزِّنَا لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْفِرَاشِ وَضَيَاعَ النَّسْلِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقَتْلِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ) وَيُعَزَّرُ سَوَاءٌ أَكْرَههُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ فَيَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ يُكْرَهُ عَلَى الْمُوَاقَعَةِ فَيَصِحُّ الْإِكْرَاهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيَجِبُ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَخْلُو مِنْ حَدٍّ أَوْ مَهْرٍ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْمَهْرُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ لَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحَبْسَ وَالْقَيْدَ إكْرَاهٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْعُقُودِ فَأَمَّا الْمَحْظُورَاتُ فَلَا إكْرَاهَ فِيهَا إلَّا بِمَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ قَوْلُهُ (وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا فِي الظَّاهِرِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَكُونُ مُسْلِمًا إنْ أَخْلَصَ الْإِيمَانَ وَتَبِينُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَرِثُ مِنْ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ أُكْرِهَ كَافِرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83]

كتاب السير

/ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَهَذَا إكْرَاهٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ السِّيَرِ] [الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ] (كِتَابُ السِّيَرِ) هُوَ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْأُمُورِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِمَا يَخْتَصُّ بِسِيرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَغَازِيهِ وَالسِّيَرُ هَا هُنَا هُوَ الْجِهَادُ لِلْعَدُوِّ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْكُمْ وقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وقَوْله تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39] أَيْ لَا يَكُونَ شِرْكٌ {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ) يَعْنِي إذَا كَانَ بِذَلِكَ الْفَرِيقِ كِفَايَةٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِمْ كِفَايَةٌ فُرِضَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ إلَّا أَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ بِهِ قَطْعَ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بُطْلَانِ الزِّرَاعَةِ وَمَنَافِعِ الْمَعِيشَةِ [وُجُوبُ قِتَالِ الْكُفَّارِ] قَوْلُهُ (وَقِتَالُ الْكُفَّارِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُونَا) لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لَوْ وُقِفَ عَلَى مُبَادَأَتِهِمْ لَنَا لَكَانَ عَلَى وَجْهِ الدَّفْعِ وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِينَ إذَا حَصَلَ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الْأَذِيَّةُ وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ مُخَالِفٌ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ [عَلَى مَنْ يَجِبُ الْجِهَادِ] قَوْلُهُ (وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا أَعْمًى وَلَا مُقْعَدٍ وَلَا أَقْطَعَ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا وَالْعَبْدُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَالْمَرْأَةُ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الْجُمُعَةِ فَسُقُوطُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْهَا أَوْلَى وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَالْأَقْطَعُ عَاجِزُونَ وَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُمْ فَرْضُ الْحَجِّ وَسَوَاءٌ كَانَ أَقْطَعَ الْأَصَابِعِ أَوْ أَشَلَّ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الْقِتَالِ إلَى يَدٍ يَضْرِبُ بِهَا وَيَدٍ يَتَّقِي بِهَا فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي الْقِتَالِ خَرَجَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُّ النِّكَاحِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ قَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَحَاصَرُوا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوهُمْ كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ قَوْلُهُ (وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعَوْهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ) يَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ احْتِرَازًا عَنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] قَوْلُهُ (فَإِنْ بَذَلُوهَا) أَيْ قَبِلُوهَا (فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ) أَيْ يَكُونُ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ كَدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ امْتَنَعُوا قَاتَلُوهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَعْذَرُوا إلَيْهِمْ فَأَبَوْا فَوَجَبَ قِتَالُهُمْ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ) فَإِنْ قَاتَلُوهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمُوا وَلَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمْ

فِي ذَلِكَ قَالَ الْيَنَابِيعُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ فَاضَ وَاشْتَهَرَ فَمَا مِنْ زَمَانٍ أَوْ مَكَان إلَّا وَقَدْ بَلَغَهُ بَعْثَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدُعَاؤُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَعْثِ إلَيْهِمْ وَتَرْكِهِ وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ جَهْرًا وَخُفْيَةً قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ أَيْ غَافِلُونَ وَنَعَمُهُمْ تَسْتَقِي عَلَى الْمَاءِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَبَوْا اسْتَعَانُوا عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ لِأَعْدَائِهِ قَوْلُهُ (وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ) أَيْ يَنْصِبُونَهَا عَلَى حُصُونِهِمْ وَيَهْدِمُونَهَا كَمَا نَصَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ قَوْلُهُ (وَحَرَّقُوهُمْ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ» وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ فِيهِ نَخْلٌ. قَوْلُهُ (وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ وَقَطَعُوا شَجَرَهُمْ وَأَفْسَدُوا زَرْعَهُمْ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاصَرَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَحَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ وَأَمَرَ بِقَطْعِ كُرُومِهِمْ» قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) يَعْنِي يَرْمِيهِمْ بِالنُّشَّابِ وَالْحِجَارَةِ وَالْمَنْجَنِيقِ لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلُ التَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ ضَرَرٌ خَاصٌّ قَوْلُهُ (فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأُسَارَى لَمْ يَكُفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ وَيَقْصِدُونَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ قَتْلِهِ فَإِنْ أَصَابُوا أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْأُسَارَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ. قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ عَسْكَرٌ عَظِيمٌ يُؤْمَنُ مَعَهُمْ) لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَكَذَلِكَ كُتُبُ الْفِقْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصَاحِفِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعَجَائِزُ يَخْرُجْنَ فِي الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ لِإِقَامَةِ عَمَلٍ يَلِيقُ بِهِنَّ كَالطَّبْخِ وَالسَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ فَأَمَّا الشَّوَابُّ فَمُقَامُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَدْفَعُ لِلْفِتْنَةِ وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُنَّ لِلْمُبَاضَعَةِ وَالْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانُوا لَا بُدَّ مُخْرَجِينَ فَالْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ وَقَدْ «كَانَ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجِهَادِ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ كُنْت أُصْلِحُ لَهُمْ الطَّعَامَ وَأُدَاوِي الْجَرْحَى وَأَقُومُ بِالْمَرْضَى وَكَذَلِكَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَاتَلَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْهُ» . (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ النِّسَاءِ لِلضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ وَخَوْفَ السَّبْيِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَكَذَلِكَ الْمَصَاحِفُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ تَنَالَهَا أَيْدِي الْكُفَّارُ فَيَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

«لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» قَوْلُهُ (وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ قَوْلُهُ (وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَلَا يَغُلُّوا) الْغَدْرُ الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ وَالْخَفْرِ بِالْأَمَانِ وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَالْخِيَانَةُ فِيهِ بِأَنْ يُمْسِكَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا يُظْهِرُهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْغُلُولُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمِ وَالْغُلُولُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ فِي الْخُفْيَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يُمَثِّلُوا) وَهُوَ أَنْ يَقْطَعُوا أَطْرَافَ الْأُسَارَى أَوْ أَعْضَاءَهُمْ كَالْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالْأُصْبُعِ ثُمَّ يَقْتُلُوهُمْ أَوْ يُخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقْطَعُوا رُءُوسَهُمْ وَيَشُقُّوا أَجْوَافَهُمْ وَيَقْطَعُوا مَذَاكِيرَهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْمُثْلَةُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا أَعْمًى وَلَا مُقْعَدًا) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ إلَّا إذَا قَاتَلُوا أَوْ حَرَّضُوا عَلَى الْقِتَالِ وَكَانُوا مِمَّنْ يُطَاعُ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ وَقَوْلُهُ وَلَا شَيْخًا فَانِيًا يَعْنِي الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ قُتِلَ ثُمَّ إذَا قُتِلَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَمْدًا وَعَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ. وَإِذَا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْسَرُوا وَيُحْمَلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا قَدَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُونَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ إذَا تُرِكْنَ تَقَوَّى بِهِمْ أَهْلُ الْحَرْبِ وَكَذَا الصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَكَذَا الْمَعْتُوهُ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَمَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يُتْرَكُونَ فِي دَارٍ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُمْ يَطَئُونَ النِّسَاءَ فَيَنْسِلُونَ وَفِي ذَلِكَ تَكْثِيرُ عَدَدِ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقَاتِلُ وَلَا رَأْيَ لَهُ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُلَقِّحُ فَإِنْ شَاءُوا أَسَرُوهُ وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْكُفَّارِ فِيهِ لَا بِرَأْيِهِ وَلَا بِنَسْلِهِ وَكَذَا الْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى وِلَادَتُهَا إنْ شَاءُوا أَسَرُوهَا وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهَا وَيَجُوزُ قَتْلُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ وَكَذَا يَجُوزُ قَتْلُ الْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ وَأَقْطَعِ الْيَدِ الْيُسْرَى وَأَقْطَعِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِيَمِينِهِ وَيُمْكِنُ الْآخَرَ أَنْ يُقَاتِلَ رَاكِبًا وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا قَاتَلَتْ يَجُوزُ قَتْلُهَا لِأَنَّهَا إذَا قَاتَلَتْ صَارَتْ كَالرَّجُلِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ) لِأَنَّ مَنْ لَهُ رَأْيٌ يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِمُقَاتَلَتِهِ فَلِهَذَا يُقْتَلُ قَوْلُهُ (أَوْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِلْكَهُ) لِأَنَّ فِي قَتْلِهَا تَفْرِيقًا لِجَمْعِهِمْ وَكَذَا إذَا كَانَ مِلْكُهُمْ صَبِيًّا صَغِيرًا فَأَحْضَرُوهُ مَعَهُمْ الْوَقْعَةَ وَكَانَ فِي قَتْلِهِ تَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَقْتُلُوا مَجْنُونًا) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَيُقْتَلُ دَفْعًا لِشَرِّهِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُقْتَلَانِ إلَّا مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ أَبَاهُ الْحَرْبِيَّ بِالْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَفِي قَتْلِهِ مُنَاقَضَةٌ لِذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَالِجَهُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ كَمَا إذَا ضَرَبَ قَوَائِمَ فَرَسِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ فَأَمَّا مَنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الْحَرْبِيِّينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ فَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَالْأَبِ سَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَلِكَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَةَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ خَالَهُ الْعَاص بْن هِشَامٍ يَوْمَ بَدْرٍ قَوْلُهُ (وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ إذَا كَانَتْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ وَقَدْ وَادَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ يَكُونُوا أَقْوَى مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ وَمُوَادَعَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] أَيْ لَا تَضْعُفُوا عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ وَتَدْعُوهُمْ إلَى الصُّلْحِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ بِمَا وَعَدَكُمْ اللَّهُ مِنْ النَّصْرِ فِي الدُّنْيَا

وَالْكَرَامَةِ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَأَنْتُمْ الْغَالِبُونَ وَاَللَّهُ مَعَكُمْ بِالْعَوْنِ وَالنَّصْرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطْلُبَ الْمُسْلِمُونَ مُوَادَعَةَ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهُمْ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مَالًا عَلَى ذَلِكَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ مَالًا لِدَفْعِ ضَرَرِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ» . قَوْلُهُ (فَإِنْ صَالَحَهُمْ مُدَّةً ثُمَّ رَأَى أَنَّ نَقْضَ الصُّلْحِ أَنْفَعَ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ) أَيْ طَرَحَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ فَسَخَ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْغَدْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ وَيُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ وَقَدْ كَانَ «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاهَدَ جَمَاعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْظُرَ فِي عُهُودِهِمْ فَيُقِرَّ مَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى عَهْدِهِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ وَيَحُطَّ مَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَرْفَعَ عَهْدَ مَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ تَعَالَى {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] إلَى تَمَامِ عَشْرِ آيَاتٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ هَذِهِ الْعَشْرُ الْآيَاتُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ النَّحْرِ حَيْثُ مُجْتَمَعُهُمْ وَيَنْبِذَ إلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَوَجِّهًا إلَى مَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَا يُبَلِّغُ عَنْك إلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِك فَبَعَثَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ لَهُ كُنْ أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ الْآيَاتِ فَسَارَ حَتَّى لَحِقَ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الطَّرِيقِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ وَاجْتَمَعَ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ قَامَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْكُمْ فَقَالُوا بِمَاذَا قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَحُجَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ. وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهْدٌ فَإِنَّ أَجَلَهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ثُمَّ قَرَأَ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] إلَى آخِرِ الْآيَاتِ» وَالْبَرَاءَةُ هِيَ رَفْعُ الْعِصْمَةِ وَقَوْلُهُ {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة: 2] أَيْ فَسِيرُوا فِيهَا عَلَى الْمَهْلِ وَأَقْبِلُوا وَأَدْبِرُوا آمَنِينَ غَيْرَ خَائِفِينَ مِنْ قَتْلٍ وَلَا أَسْرٍ وَلَا نَهْبٍ إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِنَّكُمْ وَإِنْ أُجِّلْتُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَنْ تُعْجِزُوا اللَّهَ {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة: 2] فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ وَإِعْلَامٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] بَرِيءٌ مِنْهُمْ {فَإِنْ تُبْتُمْ} [التوبة: 3] مِنْ الشِّرْكِ {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [التوبة: 3] مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْرَضْتُمْ {فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة: 3] وقَوْله تَعَالَى {إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] وَهْم حَيٌّ مِنْ كِنَانَةَ عَاهَدَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنْ لَا يُمَالِئُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا وَلَا يَأْتِي الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَذًى فَلَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمَالِئُوا عَلَيْكُمْ عَدُوًّا وَكَانَ بَقِيَ لَهُمْ مِنْ عَهْدِهِمْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ فَأَمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ إلَى مُدَّتِهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5] أَيْ إذَا مَضَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ الَّتِي حُرِّمَ الْقِتَالُ فِيهَا بِالْعَهْدِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5] وَامْنَعُوهُمْ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ {وَاقْعُدُوا} [التوبة: 5] لِقِتَالِهِمْ كُلَّ طَرِيقٍ يَأْخُذُونَ فِيهِ إلَى الْبَيْتِ أَوْ إلَى التِّجَارَةِ وَهَذَا أَمْرٌ بِتَضْيِيقِ السُّبُلِ عَلَيْهِمْ وَهَذِهِ الْأَشْهُرُ هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَلَيْسَتْ هِيَ الْأَرْبَعَةُ الْحُرُمُ الْمَعْرُوفَةُ قَوْلُهُ (فَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَصِيرُونَ نَاقِضِي الْعَهْدِ وَإِذَا كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَمَضَى الْوَقْتُ فَقَدْ بَطَلَ الْعَهْدُ بِغَيْرِ نَبْذٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُغِيرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَقَّتَ يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ دَخَلَ إلَيْنَا بِتِلْكَ الْمُوَادَعَةِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي دَارِنَا فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَعُودَ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ وَلَا سَبْيُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَزُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمِينَ لِمَوَالِيهِمْ وَكَذَا إذَا أَسْلَمُوا هُنَاكَ وَلَمْ يَخْرُجُوا إلَيْنَا وَظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِمْ كَانُوا أَحْرَارًا وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ

قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مِمَّا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ) كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الشَّيْخُ ذَلِكَ بِالْحَاجَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي رِوَايَةٍ يُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي طَعَامِ خَيْبَرَ «كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلَا تَحْمِلُوا» وَكَذَا لَا يَبِيعُوا مِنْهُ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ. قَوْلُهُ (وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ) وَفِي نُسْخَةٍ وَيَسْتَعْمِلُوا الطِّيبَ قَوْلُهُ (وَيَدْهُنُوا بِالدُّهْنِ) يَعْنِي الدُّهْنَ الْمَأْكُولَ مِثْلَ السَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْخَلِّ وَهُوَ السَّلِيطُ، وَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَالْبَنَفْسَجِ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدْهُنُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلزِّينَةِ فَهُوَ كَالثِّيَابِ وَإِنْ دَخَلَ التُّجَّارُ مَعَ الْعَسْكَرِ لَا يُرِيدُونَ الْقِتَالَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ إلَّا بِالثَّمَنِ لِأَنَّ التَّاجِرَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ عَلَفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْعَسْكَرُ فَلَهُمْ أَنْ يُطْعِمُوا عَبِيدَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا مِثْلَهُمْ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَأْكُلُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ دَخَلَ النِّسَاءُ لِمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَالْمَرْضَى أَكَلْنَ وَعَلَفْنَ وَأَطْعَمْنَ رَقِيقَهُنَّ لِأَنَّ لَهُنَّ حَقًّا فِي الْغَنِيمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُنَّ فَصِرْنَ كَالرِّجَالِ وَلَوْ أَنَّ الْعَسْكَرَ ذَبَحُوا الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْإِبِلَ فَأَكَلُوا اللَّحْمَ رَدُّوا الْجُلُودَ إلَى الْمَغْنَمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْأَكْلِ وَالْعَلَفِ فَهِيَ كَالثِّيَابِ قَوْلُهُ (وَيُقَاتِلُونَ بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ السِّلَاحِ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ قِسْمَةٍ) يَعْنِي إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِأَنْ انْقَطَعَ سَيْفُهُ أَوْ انْكَسَرَ رُمْحُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلَاحٌ وَكَذَا إذَا دَعَتْهُ حَاجَةٌ إلَى رُكُوبِ فَرَسٍ مِنْ الْمَغْنَمِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَإِذَا زَالَتْ الْحَاجَةُ رَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ شَيْئًا لِيَقِيَ بِهِ دَابَّتَهُ وَثِيَابَهُ وَسِلَاحَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إيَّاكُمْ وَرِبَا الْغُلُولِ وَلِأَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَكِنْ لَيَصُونَ ثِيَابَهُ وَفَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلْغَانِمِينَ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ) يَعْنِي لِكَيْ يَتَمَوَّلُوهُ حَتَّى لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِطَعَامٍ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَأْكُلَهُ وَلَا يَبِيعُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ «وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ قَالَ لَا حَتَّى السَّهْمِ يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيهِ وَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَرَةً مِنْ سَنَامِ بَعِيرٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هَذِهِ مِنْ غَنَائِمِكُمْ فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ وَمَا دُونَ ذَلِكَ وَمَا فَوْقَهُ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَارٌ وَشَنَارٌ» قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ) ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا قَوْلُهُ (وَكُلُّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» . (قَوْلُهُ أَوْ وَدِيعَةٍ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَهُوَ مُحْرَزٌ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا صَحِيحَةً مُحْتَرَمَةً فَهِيَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ إذْ يَدُ مُودِعِهِ يَدٌ لَهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَيْسَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ قَوْلُهُ (فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَعَقَارُهُ فَيْءٌ) لِأَنَّ الْعَقَارَ بُقْعَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً فَكَانَتْ غَنِيمَةً وَالزَّرْعُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْصُودٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَقَارِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ مَا كَانَ مَنْقُولًا فَهُوَ لَهُ كَالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي وَلَا يَكُونُ فَيْئًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَبْدُ يُقَاتِلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَاتَلَ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى، وَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالزَّرْعِ غَيْرِ الْمَحْصُودِ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَنْقُولُ وَغَيْرُ الْمَنْقُولِ سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ فَيْئًا قَوْلُهُ (وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ) لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (وَحَمْلُهَا فَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِأُمِّهِ فَهُوَ كَعُضْوٍ مِنْهَا بِدَلِيلِ

أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ فَقُلْنَا هُوَ رَقِيقٌ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلْأَبِ فِي الْإِسْلَامِ وَرَقِيقٌ فِي الْحُكْمِ تَبَعًا لِلْأُمِّ وَالْمُسْلِمُ قَدْ يَكُونُ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ فَإِنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ قَوْلُهُ (وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ وَلَا تَبَعِيَّةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى حُكْمِ أَنْفُسِهِمْ وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ الْحَرْبِ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاع السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ) لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِنَا لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَرْبِ وَكَذَا الْحَدِيدُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَيْنَا وَكَذَا لَا يُبَاع مِنْهُمْ رَقِيقُ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ وَلَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا فَاشْتَرَى سِلَاحًا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إدْخَالِهِ إلَيْهِمْ قَوْلُهُ (وَلَا يُفَادَوْنَ بِالْأُسَارَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي لَا يُفَادَى أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ بِأُسَارَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةَ الْكُفَّارِ عَلَيْنَا وَدَفْعَ شَرِّ حَرْبِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِنْفَاذِ أَسِيرِنَا قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ، وَأَمَّا مُفَادَاةُ أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ بِمَالٍ نَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعُونَةِ لَهُمْ بِمَا يَخْتَصُّ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ فَصَارَ كَبَيْعِ السِّلَاحِ مِنْهُمْ بِالْمَالِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأُسَارَى بَدْرٍ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَادَى الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ الْفَانِيَةُ بِالْمَالِ إذَا كَانَ لَا يُرْجَى مِنْهُمَا الْوَلَدُ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَا يُفَادَى بِهِمْ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ لَا قِتَالَ فِيهِ وَلَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فَلَيْسَ فِي رَدِّهِ إلَيْهِمْ مَعُونَةٌ لَهُمْ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَفِي رَدِّهِمْ مَعُونَةٌ لَهُمْ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَالنِّسَاءَ يَلِدْنَ فَيَكْثُرُ نَسْلُهُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ إذَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ فَطَلَبُوا مُفَادَاتَهُ بِالْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ مَعُونَةً لَهُمْ بِمَا يَخْتَصُّ بِالْقِتَالِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ) (الْمَنُّ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْأُسَارَى بِأَنْ يُطْلِقَهُمْ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ وَلَا جِزْيَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي الطَّبَرَانِيَّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا) (فَتَحَ الْإِمَامُ بَلَدًا عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ) كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ وَقِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَسِّمَهَا عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَأَنْ يَتْرُكَ قِسْمَتَهَا عِنْدَ عَدَمِ حَاجَتِهِمْ وَهَذَا فِي الْعَقَارِ أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ فَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِرَدِّهِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (وَهُوَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا لِأَنَّ فِي قَتْلِهِمْ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ لِمَا يَخَافُ مِنْ غَدْرِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ) سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا إذَا كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْعَرَبِ وَأَيُّ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ أَسِيرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمُوا وَقَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ قَسَّمَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ بَاعَهُمْ حُرِّمَتْ دِمَاؤُهُمْ فَإِنْ قَتَلَهُمْ قَاتِلٌ غَرِمَ قِيمَتَهُمْ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا قَتَلَهُمْ خَطَأً لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَالْبَيْعَ تَقْرِيرٌ لِلرِّقِّ فِيهِمْ وَإِسْقَاطٌ لِحُكْمِ الْقَتْلِ

عَنْهُمْ فَصَارَ الْقَاتِلُ جَانِيًا كَمَنْ قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَصْلِ شُبْهَةٌ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ حُرِّمَ دَمُهُ وَقُسِّمَ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ فَيَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي الِاسْتِرْقَاقَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُ لَا يَتْرُكُهُمْ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَسْلَمُوا لَا يَقْتُلُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِخِلَافِ إسْلَامِهِمْ قَبْلَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ مَوَاشٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا) لِأَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَأَمَّا تَحْرِيقُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ فَلِقَطْعِ مَنْفَعَةِ الْكُفَّارِ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُهَا قَبْلَ الذَّبْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَلَا يَعْقِرُهَا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا) مَعْنَاهُ لَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا مَعْقُورَةً وَلَا يَتْرُكُهَا ابْتِدَاءً بِدُونِ الْعَقْرِ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ لَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَعْقِرُهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَعْقِرُهَا وَقَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَتْرُكُهَا مِنْ غَيْرِ عَقْرٍ وَلَا ذَبْحٍ وَمَا كَانَ مِنْ سِلَاحٍ يُمْكِنُ تَحْرِيقُهُ حَرَقَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَحْرِيقُهُ كَالْحَدِيدِ فَإِنَّهُ يَدْفِنُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ يُكَسِّرُ آنِيَتَهُمْ وَأَثَاثَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيُرَاقُ جَمِيعُ أَدْنَانِهِمْ وَجَمِيعُ الْمَائِعَاتِ مُغَايَظَةً لَهُمْ، وَأَمَّا السَّبْيُ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى نَقْلِهِمْ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الرِّجَالَ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ فِي أَرْضٍ مُضَيِّعَةٍ لِيَهْلِكُوا جُوعًا وَعَطَشًا وَكَذَا إذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يَقْطَعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَيَكْسِرُونَ أَنْيَابَ الْحَيَّةِ وَلَا يَقْتُلُونَهُمَا قَطْعًا لِضَرَرِهِمَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِبْقَاءً لِنَسْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَوْلُهُ (وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْكَرَاهَةُ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِقِسْمَتِهَا هُنَاكَ قَوْلُهُ (وَالرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ سَوَاءٌ) الرِّدْءُ الْمُعِينُ النَّاصِرُ يُقَالُ فُلَانٌ رِدْءُ فُلَانٍ إذَا كَانَ يَنْصُرُهُ وَيَشُدُّ ظَهْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} [القصص: 34] أَيْ عَوْنًا وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الْقِتَالَ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوا الْغَنِيمَةَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا) هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ (وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ فِي الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) وَكَذَا لَا يُسْهِمُ لِلتَّاجِرِ وَلَا لِلْأَجِيرِ فَإِنْ قَاتَلَ التَّاجِرُ مَعَ الْعَسْكَرِ أُسْهِمَ لَهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَكَذَا الْأَجِيرُ إنْ تَرَكَ خِدْمَةَ صَاحِبِهِ وَقَاتَلَ مَعَ الْعَسْكَرِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْخِدْمَةَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَى نِيَّةِ الْقِتَالِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَمْ لَا وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ الْقِتَالِ لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَمَنْ دَخَلَ لِيُقَاتِلَ فَلَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ سَهْمُهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَكَذَا إذَا دَخَلَ مُقَاتِلًا فَأُسِرَ ثُمَّ تَخَلَّصْ قَبْلَ إخْرَاجِ الْغَنِيمَةِ فَلَهُ سَهْمُهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَمِنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ) أَمَّا أَمَانُ الرَّجُلِ لِوَاحِدٍ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

«الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَيْ أَقَلُّهُمْ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَمَعْنَى تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ أَنَّ دَمَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ سَوَاءٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَيْ يُقَاتِلُونَ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَأَمَّا أَمَانُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّنَتْ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ وَأَجَازَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَانَهَا» فَقَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت وَرُوِيَ أَنَّ «أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَجَازَتْ حَمَوَيْنِ لَهَا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَتَفَلَّتَ أَخُوهَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا وَقَالَ أَتُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ وَاَللَّهِ لَا تَقْتُلُهُمَا حَتَّى تَقْتُلَنِي قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَغْلَقَتْ دُونَهُ الْبَابَ وَمَضَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيت مِنْ ابْنِ أَبِي وَأُمِّي وَذَكَرَتْ لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَدْ أَجَرْنَا مِنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت» قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْحَقُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَهَنٌ وَمَذَلَّةٌ كَانَ لِلْإِمَامِ نَقْضُهُ فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ كَمَا إذَا أَمَّنَهُمْ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَالْمُرَاهِقُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَبْلُغَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْبَالِغِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعُقُودَ وَالْأَمَانُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ تَقْوِيَةَ الْكُفَّارِ وَإِظْهَارَ كَلِمَتِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ وَلَا الْأَسِيرِ وَلَا التَّاجِرِ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ) وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَضْطَرُّونَ إلَى مَا يُرِيدُهُ الْكُفَّارُ لِيَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ فَهُمْ آمِنُونَ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْوِلَايَةَ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ أَمَانُهُ) أَذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْأَمَانَ الْأَمَانَ فَقَالَ رَجُلٌ حُرٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ لَا تَخَافُوا وَلَا تَذْهَلُوا أَوْ عَهْدٌ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ أَوْ تَعَالَوْا وَاسْمَعُوا الْكَلَامَ فَهَذَا كُلُّهُ أَمَانٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَإِذَا غَلَبَ التُّرْكُ عَلَى الرُّومِ فَسَبَوْهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا) يَعْنِي أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ وَاسْتَرَقُّوا أَوْلَادَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ وَإِنْ قُطِعَ حَقُّ الْأَوَّلِينَ عَنْهَا فَصَارَتْ مَالًا لَهُمْ وَكَذَا إذَا غَلَبَ الرُّومُ عَلَى التُّرْكِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَالتُّرْكِيُّ حَرْبِيٌّ مِثْلُ الرُّومِيِّ قَوْلُهُ (فَإِنْ غَلَبْنَا عَلَى التُّرْكِ حَلَّ لَنَا مَا نَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَلَا يَمْنَعُ صُلْحُنَا مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُمْ مَلَكْنَاهُ فَكَذَا إذَا غَلَبْنَاهُمْ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَرَاهِم مَلَكُوهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ إذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَغْلِبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَا سَبِيلَ لِأَصْحَابِهَا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» وَإِنْ غَلَبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَاسْتَنْفَذُوهَا مِنْ أَيْدِيهمْ فَإِنْ جَاءَ أَرْبَابُهَا فَوَجَدُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا وَهُوَ قَوْلُهُ (فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَهُمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَحَبُّوا) ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا لَا يَأْخُذُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا

بيع الغنائم قبل القسمة

أَخَذُوهُ رَدُّوا مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ حَقُّ الْمَالِكِ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ قَوْلُهُ (وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرٌ فَاشْتَرَى ذَلِكَ بِثَمَنٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَالِكُهُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ التَّاجِرُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) لِأَنَّ التَّاجِرَ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِهِ مِنْهُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعِوَضَ فِيهِ فَكَانَ أَعْدَلَ النَّظَرِ فِيمَا قُلْنَا وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ قَوْلُهُ (وَلَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا أَهْلُ الْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ مُدَبَّرِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَمُكَاتَبِينَا وَأَحْرَارَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ) لِأَنَّ أَحْرَارَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يُمْلَكُوا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَكَذَا بِالسَّبْيِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَمُدَبَّرُونَا وَمُكَاتَبُونَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِنَا قَدْ تَعَلَّقَ بِهِمْ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ فَكَذَا لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ فَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلُوا تَحْتَ مِلْكِهِمْ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَبَقَ عَبْدُ الْمُسْلِمِ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ زَالَتْ يَدُ مَوْلَاهُ عَنْهُ لِامْتِنَاعِ أَنْ تَبْقَى يَدُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَحَصَلَ الْعَبْدُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِذَا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَارَتْ مَعْصُومَةً فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكُوهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ فَصَارَ كَالْبَعِيرِ أَوْ الْفَرَسِ إذَا نَدَّ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ نَدَّ إلَيْهِمْ بَعِيرٌ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ) لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ تَظْهَرُ عِنْدَ الْخُرُوجِ فَإِذَا أَخَذُوهُ صَارُوا آخِذِينَ لَهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ فَلِذَلِكَ مَلَكُوهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَدَخَلَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ فَصَاحِبُهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَقَ عَبْدٌ إلَيْهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ بِفَرَسٍ أَوْ مَتَاعٍ فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ كُلَّهُ وَأَخْرَجَهُ إلَيْنَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْفَرَسَ وَالْمَتَاعَ بِالثَّمَنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَمَا مَعَهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ فَيُقَامُ الشَّرْطُ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مُقَامَ الْعِلَّةِ وَهِيَ تَخْلِيصُنَا لَهُ كَمَا تُقَامُ ثَلَاثُ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَعْتِقُ قَوْلُهُ (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْغَنِيمَةَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ) لَا قِسْمَةَ تَمْلِيكٍ (لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا مِنْهُمْ وَيَقْسِمُهَا) هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُمْ وَهِيَ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ فِي الْمَغْنَمِ حَمُولَةً حَمَلَ عَلَيْهَا الْغَنَائِمَ لِأَنَّ الْحَمُولَةَ وَالْمَحْمُولَ مَالٌ لَهُمْ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَمُولَةٌ حَمَلَهَا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَالُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ لِلْغَانِمَيْنِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى حَمْلِهَا عَلَى دَوَابِّهِمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ بَلْ يَسْتَأْجِرُهَا مِنْهُمْ لِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَيْهَا. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يَحْمِلُهَا عَلَيْهَا بِالْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ يَقْدِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حَمْلِهِ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ إيدَاعٍ وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْحَمْلِ وَلَا يَجِدُونَ الدَّوَابَّ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُ الرِّجَالَ إذَا كَانُوا لَمْ يُسْلِمُوا وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ وَالشُّيُوخَ فِي الطَّرِيقِ لِيَمُوتُوا جُوعًا وَعَطَشًا وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ وَيُحَرِّقُهَا بِالنَّارِ [بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ] قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ

لِلْحَاجَةِ وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ كَمَنْ أَبَاحَ طَعَامًا لِغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ) لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا مَا لَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا بِالْقِسْمَةِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا قَوْلُهُ (وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهَا قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْفِلَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَيُحَرِّضَ بِالنَّفْلِ عَلَى الْقَتْلِ) ذَكَرَهُ بِلَفْظٍ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ. وَفِي الْهِدَايَةِ التَّحْرِيضُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] أَيْ رَغِّبْهُمْ وَالتَّحْرِيضُ التَّرْغِيبُ فِي الشَّيْءِ وَالتَّنْفِيلُ نَوْعُ تَحْرِيضٍ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الشُّجْعَانَ يَرْغَبُونَ فِي ذَلِكَ فَيُخَاطِرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ وَيُقْدِمُونَ عَلَى الْقِتَالِ قَوْلُهُ (فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَ) مِنْكُمْ (قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ التَّنْفِيلُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَا تَحْرِيضَ ثُمَّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا أَنْ يَقُولَ مَنْ أَخَذَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَوْ يَقُولَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ أَوْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا وَلَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ أَمَّا إذَا قَالَ مَنْ أَخَذَ مِنْكُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا دَخَلَ الْإِمَامُ تَحْتَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا دَخَلَ هُوَ حَتَّى لَوْ قَتَلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَلَهُ سَلَبُهُ. وَإِنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَدْخُلُ ثُمَّ إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَقَتَلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ سَلَبُ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ قَتَلُوا رَجُلًا فَإِنَّك تَنْظُرُ إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُبَارِزًا يُقَاوِمُ كُلًّا مِنْهُمْ كَانَ لَهُ سَلَبُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَاوِمُهُمْ صَارَ عَاجِزًا فَلَا يَسْتَحِقُّونَ سَلَبَهُ وَيَكُونُ غَنِيمَةً لِجَمِيعِ الْجَيْشِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَقُولُ هَذَا لِإِظْهَارِ الْجَلَادَةِ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَلَا جَلَادَةَ فِي قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ قَتِيلًا سَمَّاهُ قَتِيلًا وَهُوَ حَيٌّ اعْتِبَارًا بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وَإِنَّمَا يَعْصِرُ عِنَبًا لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَئُولُ إلَى الْخَمْرِ سُمِّيَ خَمْرًا وَلَوْ قَتَلَهُ رَجُلَانِ اشْتَرَكَا فِي سَلَبِهِ فَإِنْ بَدَا أَحَدُهُمَا فَضَرَبَهُ ثُمَّ أَجْهَزَهُ الْآخَرُ إنْ كَانَ ضَرْبُ الْأَوَّلِ أَثْخَنَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَلَا يُعِينَ بِقَوْلٍ فَالسَّلَبُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ الْأَوَّلِ لَمْ يُصَيِّرْهُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَالسَّلَبُ لِلثَّانِي وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ ضَرَبَ مَرْحَبًا فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ وَضَرَبَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عُنُقَهُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَرَدْت قَتْلَهُ لَقَتَلْته وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أُعَذِّبَهُ كَمَا عَذَّبَ أَخِي فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَهُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ» وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ضَرْبَهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ لَا يُقَاتِلُ وَلَا يُعِينُ عَلَى الْقِتَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ فَقَتَلَ رَجُل قَتِيلًا فَسَلَبُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَوْلُهُ (أَوْ يَقُولُ لِلسَّرِيَّةِ قَدْ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمُسِ) أَيْ بَعْدَ مَا يَرْفَعُ الْخُمْسَ وَكَذَا إذَا قَالَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمْسِ أَوْ النِّصْفُ بَعْدَ الْخُمْسِ مَعْنَاهُ أَنْتُمْ مُنْفَرِدُونَ بِالرُّبْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ خُمْسُ ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَا سُمِّيَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْخُمْسِ وَمَا زَادَ عَلَى مَا سُمِّيَ لَهُمْ يُشَارِكُونَ الْعَسْكَرَ فِيهِ وَإِنْ قَالَ فَلَكُمْ الرُّبْعُ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمْسِ لَمْ يُخَمَّسْ الرُّبْعُ وَصَارَ لَهُمْ النَّفَلُ بِخَمْسَةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ لَمْ يُخَمِّسْ الْأَسْلَابَ وَإِنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ بَعْدَ الْخُمْسِ خَمَّسَ الْأَسْلَابَ قَوْلُهُ (وَلَا يُنْفِلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ الْخُمْسِ) لِأَنَّهَا إذَا أُحْرِزَتْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ جَمِيعِ الْجَيْشِ، وَأَمَّا الْخُمْسُ فَلَا حَقَّ لِلْجَيْشِ فِيهِ فَيَجُوزُ التَّنْفِيلُ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا قَتَلَ كَافِرًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ فَلَهُ سَلَبُهُ قَوْلُهُ (وَالسَّلَبُ مَا عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَرْكَبِهِ) وَكَذَا مَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ

وَمَا مَعَهُ عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ عَلَى وَسَطِهِ، وَأَمَّا جَنِيبُهُ وَغُلَامُهُ وَمَا كَانَ مَعَ غُلَامِهِ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ آخَرَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَلَبٍ وَهُوَ غَنِيمَةٌ لِجَمِيعِ الْجَيْشِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ بَارَزَ الْمَرْزُبَانَ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا جَوْهَرٌ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الْأَسْلَابَ وَإِنَّ هَذَا بَلَغَ مَالًا عَظِيمًا وَإِنَّا نَأْخُذُ خُمْسَهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئًا) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ وَالْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ قَدْ ارْتَفَعَتْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ التَّنَاوُلُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ) لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ فَإِنْ انْتَفَعُوا بِشَيْءٍ مِنْ أَكْلٍ أَوْ عَلَفٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ فِي الْمَغْنَمِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَدَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ الْغَنِيُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ يَعْذُرُ إيصَالُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَيَرُدُّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْغَيْرِ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَمُوجِبُهُ التَّصَدُّقُ وَهُوَ مَحَلٌّ لِلتَّصَدُّقِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ قَوْلُهُ (وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَيُخْرِجُ خُمُسَهَا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] قَوْلُهُ (وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ) يَعْنِي سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ (وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لِلْفَارِسِ ثَلَاثُ أَسْهُمٍ) مَعْنَاهُ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْفَرَسِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤْنَةِ الْآدَمِيِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُ أَكْثَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ كَالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ وَالسَّيْفِ وَالنَّصْلِ وَإِنَّمَا تُرِكَ الْقِيَاسُ لِلْخَبَرِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي بَعْضِهَا أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ أَعْطَاهُ ثَلَاثَةً» فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ أُسْقِطَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَأُثْبِتَ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْفَارِسِ أَعْظَمُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْفَرَسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَرَسَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُقَاتِلُ وَالْفَارِسَ بِانْفِرَادِهِ يُقَاتِلُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِالْفَرَسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِصَاحِبِهِ. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا فَضْلَ لِبَهِيمَةٍ عَلَى إنْسَانٍ وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ وَأَلْفٌ وَمِائَتَا رَاجِلٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا وَاحِدًا» وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَنَّكَ تَقُولُ الرَّجَّالَةُ اثْنَا عَشَرَ مِائَةً فَيَجْعَلُهَا اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا وَتَقُولُ الْفُرْسَانُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَتَجْعَلُهَا ثَلَاثَةً مِنْ الْعَدَدِ كُلُّ مِائَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ تُضَعِّفُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَيْنِ فَتَكُونُ سِتَّةً وَتَضُمُّهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ تَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ لَلْفُرْسَانِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَلِلرَّجَّالَةِ الثُّلُثَانِ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهِمُ لِثَلَاثَةَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى فَرَسَيْنِ أَحَدُهُمَا يَرْكَبُهُ وَالْآخَرُ يَكُونُ جَنِيبَهُ فَإِذَا أَعْيَا الَّذِي تَحْتَهُ رَكِبَ الْآخَرَ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ وَلَهُمْ مَا رُوِيَ أَنَّ «الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ حَضَرَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِأَفْرَاسٍ فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ عَلَى فَرَسَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً. قَوْلُهُ (وَالْبَرَاذِينُ وَالْعُتَّاقُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَالْإِرْهَابُ مُضَافٌ إلَى جَمِيعِ جِنْسِ الْخَيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وَاسْمُ الْخَيْلِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَرَاذِينِ وَالْعُتَّاقِ وَالْهَجِينِ وَالْمُقْرِفِ إطْلَاقًا وَاحِدًا وَلِأَنَّ الْعَتِيقَ إذَا كَانَ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا فَفِي كُلٍّ مِنْهُمْ مَنْفَعَةٌ فَاسْتَوَى الْبِرْذَوْنُ الَّذِي فِيهِ الدَّنَاءَةُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَالْعَتِيقُ الَّذِي لَا دَنَاءَةَ فِيهِ لَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَلَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ بَلْ كِلَاهُمَا عَرَبِيَّانِ وَالْهَجِينُ الَّذِي فِيهِ الدَّنَاءَةُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ

وَالْمُقْرِفُ دَنِيءُ الْأَبَوَيْنِ جَمِيعًا بِأَنْ يَكُونَا أَعْجَمِيَّيْنِ وَفِي الصِّحَاحِ الْمُقْرِفُ هُوَ الدَّنِيءُ الْهُجْنَةِ مِنْ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْرَافَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهِمُ لِرَاحِلَةٍ وَلَا بَغْلٍ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ بَعِيرٌ أَوْ بَغْلٌ أَوْ حِمَارٌ فَهُوَ وَالرَّاجِلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْخَيْلِ مَعْدُومٌ فِيهِمْ. (قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ) وَسَوَاءٌ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِتَالِ فَحَضَرَ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْهِمُ لَهُ وَإِنْ غَصَبَهُ وَحَضَرَ بِهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَوْلُهُ فَنَفَقَ أَيْ مَاتَ يُقَالُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ وَمَاتَ الْإِنْسَانُ وَتَنْبَلَ الْبَعِيرُ كُلُّهُ بِمَعْنَى هَلَكَ وَسَوَاءٌ بَقِيَ فَرَسُهُ مَعَهُ حَتَّى حَصَلَتْ الْغَنِيمَةُ أَوْ مَاتَ حِينَ دَخَلَ بِهِ أَوْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ أَوْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ قَبْلَ حُصُولِ الْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ فَارِسٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا مَاتَ فَرَسُهُ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ رَاجِلٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا حَالَةُ الْمُجَاوَزَةِ وَعِنْدَهُ حَالَةُ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ وَقُلْنَا الْمُجَاوَزَةُ نَوْعُ قِتَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْخَوْفُ بِهَا وَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعَارَهُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَبْطُلُ سَهْمُ الْفَرَسِ وَيَأْخُذُ سَهْمُ رَاجِلٍ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالَ فَارِسًا وَلِأَنَّ بَيْعَهُ لَهُ رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا نَفَقَ فَرَسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمِ فَارِسٍ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ حَصَلَ وَهُوَ دُخُولُهُ فَارِسًا وَبَيْعُ الْفَرَسِ كَمَوْتِهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفَرَسِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّ بَيْعَهُ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ) وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِحَالَةِ الدُّخُولِ وَقَالَ الْحَسَنُ إذَا دَخَلَ رَاجِلًا وَاشْتَرَى فَرَسًا أَوْ وُهِبَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْنَمَ الْعَسْكَرَ شَيْئًا ثُمَّ قَاتَلَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتَّى غَنِمُوا ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِ فَارِسٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالدُّخُولِ الْقِتَالُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَالَةَ الْقِتَالِ أَكْثَرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَالَةَ الدُّخُولِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا فَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ أَعَارَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ سَقَطَ سَهْمُ فَرَسِهِ فَإِنْ اشْتَرَى مَكَانَهُ آخَرَ أَسْهَمَ لَهُ سَهْمَ فَارِسٍ قَوْلُهُ (وَلَا يُسْهَمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى) وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ عَاجِزَانِ وَالْعَبْدَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إلَّا أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمَوْلَى عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَرْضَخُ لِلْعَبْدِ إذَا قَاتَلَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهَا إذَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى أَمَّا إذَا دَخَلَتْ لِخِدْمَةِ زَوْجِهَا أَوْ الْعَبْدُ لِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْعَبْدِ قَتْلٌ وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ مُدَاوَاةٌ وَلَا نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَرْضَخُ لَهُمْ أَصْلًا وَكَذَا الذِّمِّيُّ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ غَدْرُهُمْ وَخِيَانَتُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا حَضَرُوا وَقَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يَبْلُغُ لِرَجَّالَتِهِمْ سَهْمَ الرَّجَّالَةِ وَلَا لِفُرْسَانِهِمْ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِنُقْصَانِ مَنْزِلَتِهِمْ وَانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِمْ قَوْلُهُ (فَأَمَّا الْخُمْسُ فَيُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى) وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْفَقْرُ قَوْلُهُ (وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ) وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَالِهِ قَوْلُهُ (وَيَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ) أَيْ أَيْتَامُ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَمَسَاكِين ذَوَى الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنْ ذَوَى الْقُرْبَى كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَوْلُهُ ذَوِي الْقُرْبَى يَعْنِي قَرَابَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ (وَيُقَدَّمُونَ) أَيْ يُقَدَّمُ ذَوُو الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهُمْ فِي الْآيَةِ فَقَالَ تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]

قَوْلُهُ (وَلَا يَدْفَعُ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ قَوْلُهُ (فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ الْخُمْسِ فَإِنَّمَا هُوَ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى وَسَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ) وَهُوَ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلُ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ قَوْلُهُ (وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّصْرَةِ) وَبِمَوْتِهِ زَالَتْ النُّصْرَةُ. قَوْلُهُ (وَبَعْدَهُ بِالْفَقْرِ) يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَكَانَ أَوْلَادُ عَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةً هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ فَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو نَوْفَلٍ لَا يُعْطَوْنَ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً لِمَا رُوِيَ أَنَّ «جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ قَسَمْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لِإِخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَلَمْ تُعْطِنَا شَيْئًا وَقَرَابَتُنَا مِثْلُ قَرَابَتِهِمْ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ شَيْءٌ وَاحِدٌ إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا وَحَمَلْنَاهُمْ كِبَارًا» وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُعْطِ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَتَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَمَنَعْتَنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ فَقَالَ إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَإِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا هُوَ بِالنُّصْرَةِ لَا بِالْقَرَابَةِ قَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرِينَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ إذْ الْغَنِيمَةُ هِيَ الْمَأْخُوذَةُ قَهْرًا وَغَلَبَةً لَا اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَصَابَهُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُخَمَّسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَى طَرِيقِ التَّلَصُّصِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ فَكَانَ الْمَأْخُوذُ بِظَهْرِهِ لَا بِالتَّلَصُّصِ قَوْلُهُ (وَإِنْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ لَهُمْ مَنْعَةٌ فَأَخَذُوا شَيْئًا خُمِّسَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ الْإِمَامُ) لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَهَا مَنْعَةٌ فَكَانَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَنِيمَةً وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً لَا مَنَعَةَ لَهُمْ وَدَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ إذْ الْغَنِيمَةُ مَا أُخِذَتْ بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ وَهَؤُلَاءِ كَاللُّصُوصِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَسِرُّونَ بِمَا يَأْخُذُونَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً فَمَا أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ قَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ دِمَائِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ بِالِاسْتِئْمَانِ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا قَوْلُهُ (وَإِنْ غَدَرَ بِهِمْ وَأَخَذَ شَيْئًا وَخَرَجَ بِهِ مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ

ما أوجف عليه المسلمون من أموال أهل الحرب بغير قتال

فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ فَكَانَ مَحْظُورًا فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ (وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لَمْ يُمَكَّنْ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا سَنَةً) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَامَ فِي دَارِنَا وَقَفَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْنَا الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ قَطْعُ الْجَلَبِ وَسَدُّ بَابِ التِّجَارَةِ وَالْمِيرَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ هِيَ السَّنَةُ وَالْيَسِيرَةُ مَا دُونَهَا قَوْلُهُ (وَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ إذَا أَقَمْت تَمَامَ السَّنَةِ وَضَعْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ وَقْتِ الْقَوْلِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَا دَخَلَ وَتُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ عَلَى مَا يُرَى وَيَكُونُ دُونَ السَّنَةِ نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَيَقُولُ لَهُ إذَا جَاوَزَتْهَا جَعَلْتُك ذِمِّيًّا وَوَضَعْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَصَارَ ذِمِّيًّا وَلَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بَعْدَ هَذَا صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ فَإِذَا أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ صَارَ ذِمِّيًّا وَالذِّمِّيّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ قَوْلُهُ (فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمْ فَقَدْ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْعَوْدِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ بِرُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ قَوْلُهُ (وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ حَظَرَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَزَوَالُ الْحَظْرِ عَنْ دَمِهِ لَا يُزِيلُ الْحَظْرَ عَنْ مَالِهِ فَبَقِيَ مَالُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَقُتِلَ سَقَطَتْ دُيُونُهُ وَصَارَتْ الْوَدِيعَةُ فَيْئًا) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ مِنْ الْيَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ [مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ] قَوْلُهُ (وَمَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ) أَيْ أَسْرَعُوا إلَى أَخْذِهِ (مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ) الْإِيجَافُ هُوَ الْإِسْرَاعُ وَالْإِزْعَاجُ لِلْغَيْرِ وَالْوَجِيفُ نَوْعٌ مِنْ السَّيْرِ فَوْقَ التَّقْرِيبِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ مِثْلُ الْأَرَضِينَ الَّتِي أَجْلَوْا أَهْلَهَا عَنْهَا لَا خُمْسَ فِيهَا وَقَوْلُهُ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ قَوْلُهُ (وَأَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عَشْرٍ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ إلَى حَدِّ الشَّامِ) الْعُذَيْبُ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ وَقَوْلُهُ حَجَرٍ هُوَ

حكم من أحيا أرضا مواتا

بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ وَاحِدُ الْأَحْجَارِ مَهْرَةُ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ مُسَمَّاةٌ بِمَهْرَةَ بْنِ حَيْدَانَ أَبُو قَبِيلَةٍ تُنْسَبُ إلَيْهَا الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ قَوْلُهُ (وَالسَّوَادُ كُلُّهَا أَرْضٌ خَرَاجٍ) يَعْنِي سَوَادَ الْعِرَاقِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَزَرْعِهِ وَسَوَادُ الْعِرَاقِ أَرَاضِيهِ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ سَوَادُ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ قُرَاهُمَا قَوْلُهُ (وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ وَمِنْ الْعَلْثِ إلَى عَبَّادَانَ) عَقَبَةُ حُلْوَانَ حَدُّ سَوَادِ الْعِرَاقِ عَرْضًا وَالْعَلْثُ قَرْيَةٌ بِالْعِرَاقِ شَرْقِيَّ دِجْلَةَ وَعَبَّادَانُ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَطُولُ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَعَرْضُهُ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَمِسَاحَتُهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ وَقِيلَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ قَوْلُهُ (وَأَرْضُ السَّوَادِ كُلُّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَوُضِعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِمْ وَالْجِزْيَةُ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَبَقِيَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُمْ قَوْلُهُ (وَكُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ) يَعْنِي مَا سِوَى أَرْضِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْخَرَاجِ وَالْعَشْرُ أَلْيَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طُهْرَةٌ وَعِبَادَةٌ وَكَذَلِكَ مَا سِوَى أَرْضِ السَّوَادِ قَوْلُهُ (وَكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ وَهَذَا إذَا وَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَكُلُّ أَرْضٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَإِنَّمَا تُسْقَى بِعَيْنٍ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا سَقَتْهُ مَاءُ السَّمَاءِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَاءُ الْعَيْنِ فِي مَعْنَى مَاءِ السَّمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] [حُكْمُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا] قَوْلُهُ (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَيْزِهَا) أَيْ بِقُرْبِهَا وَالْحَيْزُ الْقُرْبُ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُحْيِي لَهَا مُسْلِمًا أَمَّا إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْعُشْرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَكُونَ الْبَصْرَةُ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ وَضَعُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ قَوْلُهُ (وَالْبَصْرَةُ عِنْدَنَا عُشْرِيَّةٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) لِمَا بَيَّنَّاهُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَحْيَاهَا بِبِئْرٍ حَفَرَهَا أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا أَوْ مَاءِ دِجْلَةَ أَوْ الْفُرَاتِ أَوْ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَاءُ الْعُشْرِيُّ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ

وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَالْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ الْأَنْهَارُ الَّتِي شَقَّهَا الْأَعَاجِمُ وَمَاءُ سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عُشْرِيٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَخَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ) يَزْدَجْرِدُ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِهِمْ قَوْلُهُ (وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ فِي كُلِّ جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزُهَا شَمِّيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمُ) الْخَرَاجِ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَرَاجُ مُقَاطَعَةٍ وَخَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ فَخَرَاجُ الْمُقَاطَعَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ هُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ الْإِمَامُ بَلَدًا وَمَنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ رَأَى أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِمْ جُزْءًا مِنْ الْخَرَاجِ أَمَّا نِصْفُ الْخَرَاجِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبْعُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعُشْرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ لَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى إذَا عَطَّلَ الْأَرْضَ مَعَ التَّمَكُّنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْعُشْرِ وَيُوضَعُ ذَلِكَ فِي الْخَرَاجِ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ الْخُمْسِ ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْجَرِيبُ أَرْضٌ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الذِّرَاعَ الْمُعْتَبَرَ سَبْعٌ قَبَضَاتٍ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ وَقَوْلُهُ قَفِيزُهَا شَمِّيٌّ هُوَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ مِثْلُ الصَّاعِ الْحِجَازِيِّ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَكُونُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ. وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَكُونُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَوْلُهُ وَدِرْهَمٌ مَعْنَاهُ يَكُونُ الدِّرْهَمُ مِنْ وَزْنِ سُبْعِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا. قَوْلُهُ (وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) الْمُتَّصِلُ مَا لَا يُمْكِنُ الزِّرَاعَةُ تَحْتَهُ وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا مُؤْنَةً وَالزَّرْعُ أَكْثَرُهَا مُؤْنَةً وَالرَّطْبَةُ بَيْنَهُمَا وَالْوَظِيفَةُ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهَا فَجُعِلَ الْوَاجِبُ فِي الْكَرْمِ أَعْلَاهَا وَفِي الزَّرْعِ أَدْنَاهَا وَفِي الرَّطْبَةِ أَوْسَطُهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ قَوْلُهُ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَصْنَافِ يُوضَعُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الطَّاقَةِ) مَعْنَاهُ كَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ اعْتَبَرَ عُمَرُ الطَّاقَةَ فِي الْمُوَظَّفِ فَنَعْتَبِرُهَا فِيمَا لَا تَوْظِيفَ فِيهِ قَالُوا وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ النِّصْفَ عَيْنُ الْأَنْصَافِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَفِي جَرِيب الزَّعْفَرَانِ الْخَرَاجُ قَدْرَ مَا يُطِيقُ إنْ كَانَ يَبْلُغُ قَدْرَ غَلَّةِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَدْرُ خَرَاجِ الْمَزْرُوعَةِ وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ غَلَّةَ الرَّطْبَةِ فَفِيهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ خَرَاجٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ زَرَعَهَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرٌ إلَّا بِوُجُودِهِ فِي كُلِّ خَارِجٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا نَقَصَهَا الْإِمَامُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ النَّقْصُ عِنْدَ قِلَّةِ الرِّيعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عِنْدَ زِيَادَةِ الرِّيعِ فَجَائِزَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ وَعِنْدَ

حكم من أسلم من أهل الخراج

أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَزِيدَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ أَرَاضِيهمْ تَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ قَدْرَ الْخَرَاجِ أُخِذَ نِصْفُهُ وَإِنْ أَخْرَجَتْ مِثْلَيْ الْخَرَاجِ أُخِذَ الْخَرَاجُ كُلُّهُ وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْ أَرْضِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ قَوْلُهُ (وَإِنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ الْمَاءُ وَانْقَطَعَ عَنْهَا أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ نَزَّةً أَوْ سَبِخَةً وَقَوْلُهُ أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَعْنِي إذَا ذَهَبَ كُلُّ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ قَفِيزَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مِقْدَارِ الْخَرَاجِ أُخِذَ نِصْفُهُ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا مَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْخَارِجِ فَيَحْسِبُ مَا أَنْفَقَ أَوَّلًا مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْهُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ بِالِاصْطِلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ أَمَّا إذَا بَقِيَ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَقَوْلُهُ أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَعْنِي سَمَاوِيَّةً لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَالِاحْتِرَاقِ وَنَحْوِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَأَكْلِ الْقِرَدَةِ وَالسِّبَاعِ وَالْأَنْعَامِ وَنَحْوِهِ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ عَلَى الْأَصَحِّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَلَاكَ الْخَارِجِ قَبْلَ الْحَصَادِ يُسْقِطُ الْخَرَاجَ وَهَلَاكَهُ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يُسْقِطُهُ وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ خَرَاجُ الْأَرْضِ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِي زَكَاةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ يَسْقُطُ قَوْلُهُ (وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَ الزِّرَاعَةَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ مُوَظَّفًا أَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَمَنْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا تَتَجَزَّأَ الظُّلْمَةُ عَلَى أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ [حُكْمُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ] قَوْلُهُ (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ) لِأَنَّ الْأَرْضَ اتَّصَفَتْ بِالْخَرَاجِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ وَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ لَا غَيْرَ وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ وَلَا يَجْتَمِعُ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا فِي مَحَلَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ فَقَوْلُهُ حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ يَعْنِي أَنَّ أَحَدَهُمَا مُؤْنَةٌ فِي مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَهُوَ الْخَرَاجُ وَالثَّانِي مُؤْنَةٌ فِي مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْعُشْرُ وَقَوْلُهُ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ الْخَرَاجِ الذِّمَّةُ وَمَحَلَّ الْعُشْرِ الْخَارِجُ وَقَوْلُهُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَسَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ النَّمَاءُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ وُجُودُ الْخَارِجِ وَسَبَبُ الْخَرَاجِ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَالْعُشْرُ فِي أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا كَمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا أَرْضَ عُشْرٍ أَوْ أَرْضُ خَرَاجٍ لِلتِّجَارَةِ كَانَ فِيهَا الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ [الْجِزْيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ] قَوْلُهُ (وَالْجِزْيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ جِزْيَةٌ

تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ فَتُقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ) كَمَا «صَالَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ» وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَجِزْيَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ بِوَضْعِهَا إذَا غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ الظَّاهِرِ الْغِنَى فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَأْخُذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ) وَالظَّاهِرُ الْغِنَاءِ هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ عَشْرَةَ آلَافٍ ثُمَّ إذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِهَا فَقِيرًا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ مَرِضَ أَكْثَرَ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ جِزْيَةٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ فَهُوَ كَالزَّمِنِ وَكَذَا إذَا مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَالْمُسْقِطَ تَسَاوَيَا فِيمَا طَرِيقُهُ الْعُقُوبَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْمُسْقِطِ كَالْحُدُودِ فَإِنْ صَحَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ. (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ الْحَالِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ) الْمُتَوَسِّطِ الْحَالِ الَّذِي لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْعَمَلِ وَقِيلَ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا قَوْلُهُ (وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كُلٍّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ) الْمُعْتَمِلُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْحِرْفَةَ أَصْلًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمِلُ صَحِيحًا وَيُكْتَفَى بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَمِلٍ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا قَوْلُهُ (وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِيِّ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا عَلَى الْمُرْتَدِّينَ) لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ كَفَرَ بَعْدَ مَا هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ بِالرِّقِّ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ قَوْلُهُ (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقِتَالِ أَوْ الْقَتْلِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ قَوْلُهُ (وَلَا عَلَى زَمِنٍ وَلَا عَلَى أَعْمًى) وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَلَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ لِمَا بَيَّنَّا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُمْ رَأْيٌ وَلَنَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَأَشْبَهُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ) وَكَذَا لَا تُوضَعُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ قَوْلُهُ (وَلَا عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ أَمَّا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ فَعَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِيهِمْ

أسلم وعليه جزية

مَوْجُودَةٌ وَهْم الَّذِينَ ضَيَّعُوهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ [أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ] قَوْلُهُ (وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ) لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَالْقَتْلِ أَوْ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْإِذْلَالِ وَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا إذَا مَاتَ ذِمِّيًّا وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ لِمَا مَضَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَعْنِي إذَا أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ الْجِزْيَةُ) يَعْنِي تَدْخُلُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَيُقْتَصَرُ عَلَى جِزْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ تُؤْخَذْ حَتَّى دَخَلَتْ السَّنَةُ الْأُخْرَى وَوَجَبَتْ جِزْيَةٌ أُخْرَى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْحُدُودِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدُّيُونِ وَالْخَرَاجِ وَالْأُجْرَةِ وَإِنْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا إنْ مَاتَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَقِيلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْجِزْيَةُ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ حَتَّى تَدْخُلَ السَّنَةُ وَيَمْضِيَ شَهْرَانِ مِنْهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) فَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُمْ بِيَعٌ وَكَنَائِسُ قَدِيمَةٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَلَوْ أَخَذْنَاهُمْ بِنَقْضِهَا كَانَ فِيهِ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ (وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا) إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحَوِّلُوهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي هِيَ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ مَسْكَنًا أَوْ وَطَنًا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَإِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأُخْرِجَنَّ النَّصَارَى مِنْ نَجْرَانَ» قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالتَّمْيِيزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَأْمُرُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَخْتِمُوا فِي رِقَابِهِمْ بِالرَّصَاصِ وَأَنْ يُظْهِرُوا مَنَاطِقَهُمْ وَأَنْ يَجْدِفُوا بَرَاذِينَهُمْ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَثْوَابِهِمْ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا تَجُوزُ مُوَالَاتُهُ وَلَا تَعْظِيمُهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ زِيُّهُمْ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نُوَالِيَهُمْ ظَنًّا مِنَّا أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَأَلْجِئُوهُمْ إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ» فَإِذَا لَمْ نَعْرِفْهُمْ لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ غَيْر مُتَمَيِّزٍ بِزِيِّهِ فَنُصَلِّي عَلَيْهِ وَنَدْفِنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَنَسْتَغْفِرُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَتَشَبَّهُ فِي لِبَاسِهِ بِالْمُسْلِمِ وَلَا فِي مَرْكَبِهِ وَهَيْئَتِهِ وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً مِثْلَ طَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرِدْيَةً مِثْلَ أَرْدِيَتِهِمْ وَيُمْنَعُونَ أَنْ يَلْبَسُوا لِبَاسًا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذُوا حَتَّى يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَسَطِهِ زُنَّارًا وَهُوَ خَيْطٌ عَظِيمٌ مِنْ الصُّوفِ يَعْقِدُهُ عَلَى وَسَطِهِ وَيَكُونُ فِي الْغِلَظِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلرَّائِي وَيَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ مِنْ اللِّبَدِ يُعْرَفُ بِهَا لَا تُشْبِهُ قَلَانِسَ الْمُسْلِمِينَ وَيُجْعَلُ عَلَى بُيُوتِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّا لَا نَأْمَنُ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ تَقْوَى شَوْكَتُهُمْ فَيَعُودُوا إلَى حَرْبِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً وَلَا يُدْخِلُونَ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ

وَلَا قُرَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ فِسْقٌ وَلَا يَحِلُّ إظْهَارُ الْفِسْقِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَظْهَرُوهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ تَأْلَفَهُ الْمُسْلِمُونَ قَوْلُهُ (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ) أَمَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَمْكَنَ الْإِمَامَ أَخْذُهَا مِنْهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَمْكَنَ الْإِمَامَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْهُ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَلِأَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْرِي مَجْرَى سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهْم يَسُبُّونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَقُولُونَ لَهُ وَلَدٌ قَوْلُهُ (وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَا) ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيَعْرَى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ قَوْلُهُ (وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ كُشِفَتْ لَهُ) لِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا ارْتَدَّ الْبَالِغُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَأَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ مَكَانَهُ وَمَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ طَعَنَ فِيهِمَا يَكْفُرُ وَيَجِبُ قَتْلُهُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ وَتَابَ وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَمْ لَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِسْلَامُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إلَّا إذَا طَلَبَ أَنْ يُؤَجَّلَ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ قَوْلُهُ (وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ) هَذَا إذَا اسْتَمْهَلَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَمْهِلْ قُتِلَ مِنْ سَاعَتِهِ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ لَا يَجُوزُ الْإِمْهَالُ بِدُونِ الِاسْتِمْهَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْهَالُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْهِلْ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمْهَالَ فَيُحْتَمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمْهِلْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ وَالْكُفْرُ يُبِيحُ الدَّمَ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْبَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَيُفَوَّضُ ضَرْبَهَا وَتَأْدِيبَهَا إلَيْهِ وَلَا يَطَؤُهَا وَكَيْفِيَّةُ حَبْسِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَحْبِسَهَا الْقَاضِي ثُمَّ يُخْرِجُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَتْ ضَرَبَهَا أَسْوَاطًا ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَتْ حَبَسَهَا يَفْعَلُ بِهَا هَكَذَا كُلَّ يَوْمٍ أَبَدًا حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ وَالْعَبْدُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ وَاكْتِسَابُهُ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ وَإِذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ فَارْتِدَادُهُ ارْتِدَادٌ عِنْدَهُمَا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ حَتَّى لَا يَرِثَ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ وَإِذَا مَاتَ مُرْتَدًّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيَمِيزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ قَوْلُهُ (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْلَاكِهِ بِرِدَّتِهِ) زَوَالًا مُرْعًا

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ أَمْلَاكُهُ عَلَى حَالِهَا وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ انْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْئًا) يَعْنِي أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا كِلَا الْكَسْبَيْنِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ التَّوْرِيثُ إلَى مَا قَبْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلْمَوْتِ جُعِلَتْ مَوْتًا حُكْمًا فَكَانَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ إسْلَامِهِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ حُكْمًا فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْمُسْلِمُ مَا كَانَ مِلْكًا لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَسْبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَسْبُ مُبَاحِ الدَّمِ وَلَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ فَكَانَ فَيْئًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَإِنَّمَا احْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ عَنْ الْمُكَاتَبِ إذَا ارْتَدَّ وَاكْتَسَبَ مَالًا فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَيْئًا وَيَكُونُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ حَالُ وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ بِيَوْمِ ارْتِدَادِهِ لَا بِيَوْمِ مَوْتِهِ وَلَا قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمئِذٍ وَرِثَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا لَمْ يَرِثْ وَإِنْ أُعْتِقَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ يَمُوتَ لَمْ يَرِثْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ أَوْ يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ فَاعْتُبِرَ حَالُ الْوَارِثِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ يَزُولُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ إسْلَامِهِ كَمَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَكَمَا وَجَبَ اعْتِبَارُ حَالِ وَارِثِ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْمَوْتِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ حَالُ وَارِثِ الْمُرْتَدِّ يَوْمَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي شَرْحِهِ. وَفِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ حَتَّى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ قَالُوا وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِأَنَّهَا فَارَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِالرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ قَوْلُهُ (وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ وَحَلَّتْ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ مُرَاعًى وَالْحُكْمُ بِاللَّحَاقِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ وَلَوْ مَاتَ اسْتَقَرَّ زَوَالُ مِلْكِهِ وَعَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَإِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ بِاللَّحَاقِ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ فَاتَّفَقَ الْجَوَابُ فِيهِ، وَأَمَّا مُكَاتَبُهُ فَيُؤَدِّي مَالَ الْكِتَابَةِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُرْتَدِّ كَمَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى الْمَيِّتِ وَإِذَا اسْتَقَرَّ زَوَالُ مِلْكِهِ بِاللَّحَاقِ حَلَّتْ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ كَمَا لَوْ مَاتَ قَوْلُهُ (وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَهْم أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ (وَتُقْضَى الدُّيُونُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ وَمَا لَزِمَهُ مِنْ الدُّيُونِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ) يُقْضَى مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ

وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ قَوْلُ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ دُيُونَهُ كُلَّهَا مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ تَفِ كَانَ الْبَاقِي فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا لَمْ يَفِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ جَائِزَةٌ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَمُحَابَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَتَصَرُّفَاتُهَا كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَإِذَا عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ) لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الْوَارِثُ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَمَّنْ يَمْلِكُهُ فَصَارَ كَمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا زَالَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ هَذَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَارِثِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ عَلَى ظَاهِرِ مِلْكِهِ كَتَصَرُّفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَحِقَ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ أَمَّا إذَا رَجَعَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَجَمِيعُ أَمْوَالِهِ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَلَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ قَوْلُهُ (وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا تَصَرَّفَتْ فِي مَالِهَا فِي حَالِ رِدَّتِهَا جَازَ تَصَرُّفُهَا) لِأَنَّ مِلْكَهَا لَا يَزُولُ بِرِدَّتِهَا ثُمَّ هِيَ لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْحَبْسِ أَوْ لَحِقَتْ كَانَ مَالُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا وَلَا يَرِثُ زَوْجُهَا مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ حِينَئِذٍ يَرِثُ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْفِرَارَ وَالزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ قَوْلُهُ (وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ) وَهْم قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ بِقُرْبِ الرُّومِ طَلَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَقَالُوا نَحْنُ قَوْمٌ لَنَا شَوْكَةٌ نَأْنَفُ مِنْ ذُلِّ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا الْجِزْيَةَ فَإِنَّا نَلْحَقُ بِأَعْدَائِك بِأَرْضِ الرُّومِ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا ضِعْفَ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَكَ ذَلِكَ فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُضَاعَفَةِ وَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَتُوضَعُ عَلَى مَوَالِي التَّغْلِبِيِّ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ. وَقَالَ زُفَرُ يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يَلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَلَنَا أَنَّ أَخْذَ مُضَاعَفَةِ الزَّكَاةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ فَالْمَوْلَى فِيهِ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا قَوْلُهُ (وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ شَيْءٌ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الزَّكَاةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ. وَقَالَ زُفَرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالٌ

وَجَبَ بِالصُّلْحِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ عَلَيْهَا وَفِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ التَّغْلِبِيَّيْنِ مَا فِي أَرْضِ الرَّجُلِ مِنْهُمْ يَعْنِي الْعُشْرَ مُضَاعَفًا فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجَ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِيَّةِ ثُمَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ فَكَذَا يُضَعَّفُ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَا مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَإِذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ أَرْضَ عُشْرٍ فَعَلَيْهِ عُشْرَانِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عُشْرٌ وَاحِدٌ فَإِنْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ أَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْعُشْرَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عُشْرٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ (وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَمِنْ أَمْوَالِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَمَا أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ وَالْجِزْيَةِ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيُسَدُّ بِهِ الثُّغُورُ) الثَّغْرُ مَوْضِعُ الْمَخَافَةِ وَإِمْكَانُ دُخُولِ الْعَدُوِّ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَتُبْنَى بِهِ الْقَنَاطِرُ وَالْجُسُورُ) وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ قَوْلُهُ (وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِمْ وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَدٌّ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا إلَى الْقِتَالِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِمَامُ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُشْرِكَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ الدِّينِ لَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَغْلِبُ الظَّنُّ عَلَى أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ طَمَعًا لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ وَقِيلَ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ شَخْصٍ لَا يُطْمَعُ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ أَمَّا مَنْ يُطْمَعُ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى جَمَاعَتِهِمْ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ) يَعْنِي يَسَالُهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ ظُلْمٍ أَزَالَهُ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُمْ لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا وَادَّعَوْا الْوِلَايَةَ فَهُمْ بُغَاةٌ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُعِينُوا السُّلْطَانَ وَيُقَاتِلُوهُمْ مَعَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] أَيْ حَتَّى تَرْجِعَ عَنْ الْبَغْيِ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالصُّلْحِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْبَغْيُ هُوَ الِاسْتِطَالَةُ وَالْعُدُولُ عَنْ الْحَقِّ وَعَمَّا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (وَلَا يَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ) هَذَا اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ قَوْلُهُ (فَإِنْ بَدَءُونَا قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى نُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتُّبِعَ مُوَلِّيهِمْ) أَيْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إلَيْهَا قُتِلَ مُدْبِرُوهُمْ إذَا

كتاب الحظر والإباحة

انْهَزَمُوا وَهَرَبُوا وَأُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ أَيْ أُسْرِعَ فِي قَتْلِهِ وَالْإِجْهَازُ الْإِسْرَاعُ وَيُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَزُولَ بَغْيُهُمْ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُخَلِّيَ الْأَسِيرَ خَلَّاهُ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إذَا أَخَذَ أَسِيرًا اسْتَحْلَفَهُ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ وَخَلَّاهُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِئَةٌ لَمْ يُجْهَزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يُتْبَعْ مُوَلِّيهمْ) لِانْدِفَاعِ شَرِّهِمْ بِدُونِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ وَلَا يُقَسَّمُ لَهُمْ مَالٌ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُكْشَفُ لَهُمْ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَوْلُهُ لَا يُكْشَفُ لَهُمْ سِتْرٌ مَعْنَاهُ لَا يُسْبَى لَهُمْ نِسَاءٌ وَقَوْلُهُ فِي الْأَسِيرِ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ يُقْتَلُ الْأَسِيرُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ. قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَاتَلُوا بِسِلَاحِهِمْ إنْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ) وَالْكُرَاعُ كَذَلِكَ فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا رَدَّ عَلَيْهِمْ سِلَاحَهُمْ وَكُرَاعَهُمْ لِأَنَّ مَالَهُمْ لَا يُمْلَكُ بِالْغَلَبَةِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِذَا زَالَ بَغْيُهُمْ رُدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (وَيَحْبِسُ الْإِمَامُ أَمْوَالَهُمْ وَلَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ) إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الْكُرَاعَ وَيَحْبِسُ ثَمَنَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْظَرُ وَأَيْسَرُ لِأَنَّ الْكُرَاعَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ وَقَدْ تَأْتِي عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ بَيْعُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ وَمَا أَصَابَ الْخَوَارِجُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْهُمْ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَاتٍ أَوْ مَا اسْتَهْلَكَهُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ هَدَرٌ لَا ضَمَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا مَا فَعَلُوا قَبْلَ الْخُرُوجِ أَوْ بَعْدَ تَفْرِيقِ جَمْعِهِمْ أُخِذُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ شُهَدَاءُ يُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالشُّهَدَاءِ يُدْفَنُونَ بِدِمَائِهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُدْفَنُونَ قَوْلُهُ (وَمَا جَبَاهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَمْ يَأْخُذْهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُجِيبُوا فَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يُطَالِبَهُمْ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ سِنِينَ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُؤْخَذْ بِهَا لِعَدَمِ حِمَايَةِ الْإِمَامِ إذْ لَا يَجْرِي حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَقَّ يَلْزَمُهُ لِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ وَكَذَا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَرَفَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ أَجْزَأَ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ وَأَفْتَى أَهْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعِيدُوا ذَلِكَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مُقَاتِلَةٌ فَكَانُوا مَصَارِفَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَفِي الْعُشْرِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُشْرَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى الْعُشْرِ وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بَاغِيًا وَهُوَ وَارِثُهُ فَهُوَ يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِحَقٍّ فَلَا يُمْنَعَ الْإِرْثَ وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي وَقَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى بَاطِلٍ لَمْ يَرِثْهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ] (كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ) الْحَظْرُ هُوَ الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] أَيْ مَا كَانَ رِزْقُ رَبِّك مَحْبُوسًا مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَهُوَ هُنَا عِبَارَةٌ عَمَّا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ وَالْمُبَاحُ مَا خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَقَّبَ هَذَا الْبَابَ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ ثُمَّ قَالَ

وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى الْمَكْرُوهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ مَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَرَامِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْحَرِيرِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْكَرْخِيُّ فِي بَابِ الْكَفَنِ قَوْلُهُ (وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُحِلَّ الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ إذَا كَانَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَرْبَعٍ يَعْنِي مَضْمُومَةً. (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِتَوَسُّدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَكَذَا افْتِرَاشُهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا جُعِلَ وِسَادَةً وَهِيَ الْمِخَدَّةُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ اسْتِخْفَافٌ بِهِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُكْرَهُ تَوَسُّدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْجَبَابِرَةِ وَالْأَكَاسِرَةِ وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكُمْ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ وَعِنْدَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى الْحَرِيرِ وَلِأَنَّ لُبْسَهُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا الْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ» وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَضَرَ وَلِيمَةً فَجَلَسَ عَلَى وِسَادَةٍ حَرِيرٍ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ جَعَلَهُ سِتْرًا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِي الْهِدَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الدِّيبَاجِ عِنْدَهُمَا فِي الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) اعْلَمْ أَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ يُكْرَهُ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ مُصْمَتًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى الرِّجَالَ عَنْ لُبْسِهِ وَلَمْ يُفَصِّلْ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْحَرْبِ فَلَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لِأَنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ وَقُلْنَا الضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِالْمَخْلُوطِ وَهُوَ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسُدَاهُ غَيْرُ حَرِيرٍ وَالْمَخْلُوطُ لَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ الْخُجَنْدِيُّ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْمُلْحَمِ الْحَرِيرِ إذَا كَانَ سُدَاهُ إبْرَيْسَمًا وَلُحْمَتُهُ قُطْنًا أَوْ خَزًّا) يَعْنِي فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسُدَاهُ غَيْرَ حَرِيرٍ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَرْبِ إجْمَاعًا، وَأَمَّا مَا كَانَتْ لُحْمَتُهُ وَسُدَاهُ كِلَاهُمَا مِنْ حَرِيرٍ لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فِي الْحَرْبِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْحَرْبِ وَهَذَا إذَا كَانَ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّقَاءُ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ قَوْلُهُ (إلَّا الْخَاتَمَ) يَعْنِي مِنْ الْفِضَّةِ لَا غَيْرُ أَمَّا الذَّهَبُ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّخَتُّمُ بِهِ ثُمَّ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ إذَا ضُرِبَ عَلَى صِفَةِ مَا يَلْبَسُهُ الرِّجَالُ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى صِفَةِ خَوَاتِمِ النِّسَاءِ فَمَكْرُوهٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَدْرُ فِضَّةِ الْخَاتَمِ مِثْقَالًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْمِثْقَالَ وَلَوْ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَفَصُّهُ مِنْ عَقِيقٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ نَقَشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ أَوْ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالصُّفْرِ وَالْحَجَرِ حَرَامٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمًا مِنْ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى عَلَى آخَرَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى

عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» وَفِي الْخُجَنْدِيِّ التَّخَتُّمُ بِالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ زِيُّ أَهْلِ النَّارِ، وَأَمَّا الْعَقِيقُ فَفِي التَّخَتُّمِ بِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ إلَى بَاطِنِ كَفِّهِ بِخِلَافِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَزَيُّنٌ فِي حَقِّهِنَّ وَإِنَّمَا يَتَخَتَّمُ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ لِحَاجَتِهِمَا إلَى الْخَتْمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَرْكُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَتَّمَ فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى لَا فِي الْيَمِينِ ثُمَّ الْحَلْقَةُ فِي الْخَاتَمِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْفَصِّ حَتَّى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ قَوْلُهُ (إلَّا الْخَاتَمَ وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلنِّسَاءِ) إنَّمَا قُيِّدَ بِالتَّحَلِّي؛ لِأَنَّهُنَّ فِي اسْتِعْمَالِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَكْلِ فِيهَا وَالِادِّهَانِ مِنْهَا كَالرِّجَالِ قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الصَّبِيُّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْحَرِيرَ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهُ حَرُمَ سَقْيُهُ؛ وَلِأَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَأْلَفُوهُ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَعْلِيمِهِمْ الصَّلَاةَ وَضَرْبِهِمْ عَلَى تَرْكِهَا لِكَيْ يَأْلَفُوهَا وَيَعْتَادُوهَا قَالَ فِي الْعُيُونِ وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُخَضِّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ، وَأَمَّا خَضْبُ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَيُكْرَهُ تَغْيِيرُ الشَّيْبِ بِالسَّوَادِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَلِكَ الْمُكْحُلَةُ وَالْمِبْخَرَةُ وَالْمِرْآةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْآنِيَةُ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهَا وَالِادِّهَانِ وَالتَّطَيُّبِ مِنْهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْخَشَبِ وَالطِّينِ قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ آنِيَةِ الزُّجَاجِ وَالرَّصَاصِ وَالْبَلُّورِ وَالْعَقِيقِ) وَكَذَا الْيَاقُوتُ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ الشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرُّكُوبُ عَلَى السَّرْجِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ) هَذَا إذَا كَانَ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ أَيْ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفَمِ وَقِيلَ مَوْضِعَ الْفَمِ وَمَوْضِعَ الْيَدِ أَيْضًا فِي الْأَخْذِ وَفِي السَّرِيرِ وَالسَّرْجِ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا وَكَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّقْفِ وَالْمَسْجِدِ وَحَلْقَةِ الْمِرْآةِ وَجَعْلُهُ عَلَى الْمُصْحَفِ وَاللِّجَامِ وَكَذَا الْكِتَابَةُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى الثَّوْبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالْخِلَافُ عَلَى مَا تَخَلَّصَ أَمَّا التَّمْوِيهُ لَا بَأْسَ بِهِ إجْمَاعًا قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ التَّعْشِيرُ فِي الْمُصْحَفِ) وَهُوَ

التَّعْلِيمُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ كُلِّ عَشْرِ آيَاتٍ بِعَلَامَةٍ يُقَالُ إنَّ فِي الْقُرْآنِ سِتُّمِائَةِ عَاشِرَةٍ وَثَلَاثًا وَعِشْرِينَ عَاشِرَةً قَوْلُهُ (وَالنَّقْطُ) إنَّمَا كَانَ النُّقَطُ مَكْرُوهًا فِيمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَرَبًا صَرِيحًا لَا يَعْتَرِيهِمْ اللَّحْنُ وَالتَّصْحِيفُ أَمَّا الْآنَ فَقَدْ اخْتَلَطَتْ الْعَجَمُ بِالْعَرَبِ فَالنَّقْطُ وَالشَّكْلُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ إخْلَالٌ بِالْحِفْظِ قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ وَنَقْشِ الْمَسْجِدِ وَالزَّخْرَفَةِ بِمَاءِ الذَّهَبِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ التَّعْظِيمُ وَالتَّشْرِيفُ وَيُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّيَاءِ وَزِينَةِ الدُّنْيَا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ غَلَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ وَيَضْمَن الْمُتَوَلِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي اسْتِخْدَامِهِمْ حَثٌّ لِلنَّاسِ عَلَى هَذَا الطَّبْعِ وَهُوَ مُثْلَةٌ مُحَرَّمَةٌ قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ الْبَهَائِمِ) ؛ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِلنَّفْعِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ تَسْمَنُ وَيَطِيبُ لَحْمُهَا بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَرْكَبُ الْبَغْلَةَ وَيَتَّخِذُهَا» فَلَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مَكْرُوهًا لَمَا اتَّخَذَهَا وَلَا رَكِبَهَا وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَرِهَ ذَلِكَ لِبَنِي هَاشِمٍ فَلِأَنَّ الْخَيْلَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ قَلِيلَةً فَأَحَبَّ تَكْثِيرَهَا قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ قَوْلَ الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالصَّبِيِّ) وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِدْقُهُمْ وَثِقَتُهُمْ أَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ قَبُولُهُ مِنْهُمْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَتَى صَغِيرٌ بِفُلُوسٍ إلَى سُوقٍ لِيَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا مِنْهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ أُمَّهُ أَمَرَتْهُ بِذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ الصَّابُونَ أَوْ الْأُشْنَانَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ وَإِنْ طَلَبَ الزَّبِيبَ أَوْ الْحَلْوَى أَوْ مَا يَأْكُلُهُ الصِّبْيَانُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَاذِبٌ وَقَدْ عَثَرَ عَلَى فُلُوسِ أُمِّهِ فَأَخَذَهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا حَاجَةَ نَفْسِهِ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى نَفْسَهَا أَوْ غَيْرَهَا قَوْلُهُ (وَيَقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلَ الْفَاسِقِ) مِثْلَ الْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَاتِ وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى الرَّأْيِ صِدْقُهُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَذِبُهُ فَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ فِي أَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ إلَّا الْعَدْلَ) وَيَقْبَلُ فِيهَا قَوْلَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَمِنْ الدِّيَانَاتِ الْإِخْبَارُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ مَرْضِيٌّ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا تَحَرَّى فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَإِنْ أَرَاقَ الْمَاءَ وَتَيَمَّمَ كَانَ أَحْوَطَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَهَذَا جَوَابُ الْحُكْمِ أَمَّا فِي الِاحْتِيَاطِ يَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا) لِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَقَدْ يَضْطَرُّ إلَى كَشْفِ وَجْهِهَا لِلشَّهَادَةِ لَهَا وَعَلَيْهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَرُخِّصَ لَهَا فِيهِ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَى قَدَمِهَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبَاحُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَضْطَرُّ إلَى الْمَشْيِ فَيَبْدُو قَدَمُهَا فَصَارَ كَالْكَفِّ وَلِأَنَّ الْوَجْهَ يُشْتَهَى وَالْقَدَمُ لَا يُشْتَهَى فَإِذَا جَازَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا فَقَدَمُهَا أَوْلَى قُلْنَا الضَّرُورَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي كَشْفِ الْقَدَمِ

إذْ الْمَرْأَةُ تَمْشِي فِي الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ فَتَسْتَغْنِي عَنْ إظْهَارِ الْقَدَمَيْنِ فَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ بِشَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الْآنُكُ هُوَ الرَّصَاصُ وَقَوْلُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ هُوَ أَنْ يُرِيدَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ فِي إقَامَةِ الشَّهَادَةِ أَصْلُهُ شُهُودُ الزِّنَا الَّذِينَ لَا بُدَّ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى الْعَوْرَةِ إذَا أَرَادُوا إقَامَةَ الشَّهَادَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لِقِيَامِ الْمُحَرِّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ النَّظَرِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَالْمُحَرِّمُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ اللَّمْسَ أَغْلَظُ مِنْ النَّظَرِ وَلِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى لَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ فَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ وَتُفَلِّي رَأْسَهُ وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً مَدَّتْ يَدَهَا إلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لِتُصَافِحَهُ فَقَالَ لَهَا اكْشِفِي عَنْ وَجْهِك فَكَشَفَتْهُ فَإِذَا هِيَ عَجُوزٌ فَصَافَحَهَا وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَأْمَنُ لَا يَحِلُّ لَهُ مُصَافَحَتُهَا وَإِنْ عَطَسَتْ امْرَأَةٌ إنْ كَانَتْ عَجُوزًا شَمَّتَهَا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا وَلِلشَّاهِدِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) لِلْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِهِ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمَ عَلَيْهَا لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ، وَأَمَّا النَّظَرُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إذَا اشْتَهَى قِيلَ مُبَاحٌ كَمَا فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي يَشْهَدُ فَلَا ضَرُورَةَ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَهِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ مِنْهَا) أَمَّا إذَا كَانَ الْمَرَضُ فِي سَائِرِ بَدَنِهَا غَيْرَ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ عِنْدَ الدَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ امْرَأَةٌ تُدَاوِيهَا وَخَافُوا عَلَيْهَا أَنْ تَهْلِكَ أَوْ يُصْبِيَهَا بَلَاءٌ أَوْ وَجَعٌ لَا يُحْتَمَلُ سَتَرُوا مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْعِلَّةُ ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرَّجُلُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ إلَّا مِنْ مَوْضِعِ الْجُرْحِ وَكَذَلِكَ نَظَرُ الْقَابِلَةِ وَالْخِتَانُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» وَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ لِلرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ يُبَاحُ الْمَسُّ فِيهِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ) وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ قَوْلُهُ (وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ) لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا قَوْلُهُ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ

مِنْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَمِنْ زَوْجَتِهِ إلَى فَرْجِهَا) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَهُوَ فَوْقَ النَّظَرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ النَّظَرُ أَوْلَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ وَفَرْجِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ أَيَمَسُّ الرَّجُلُ فَرْجَ امْرَأَتِهِ وَتَمَسُّ هِيَ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّكَ عَلَيْهِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ قَوْلُهُ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ) وَالْمَحَارِمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهُنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ مِثْلُ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا) ؛ لِأَنَّهُمَا يَحِلَّانِ مَحَلَّ الْفَرْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرِ أُمِّهِ كَانَ مُظَاهِرًا فَلَوْلَا أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ حَرَامٌ لَمَا وَقَعَ التَّحْرِيمُ بِالتَّشْبِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ أُمِّي لَمْ يَقَعْ بِهِ التَّحْرِيمُ وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا تَحْرِيمُ النَّظَرِ إلَى الظَّهْرِ فَالْبَطْنُ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَطْنَ تُشْتَهَى مَا لَا يُشْتَهَى الظَّهْرُ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ) (يَمَسَّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْهَا) إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ الشَّهْوَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ مَعَهُنَّ وَالْمُسَافِرَةِ بِهِنَّ قَوْلُهُ (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ مَمْلُوكَةِ غَيْرِهِ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ) وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالْأَمَةِ الْقِنِّ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَالْحُرَّةِ وَالْمَدْيُونَةِ، وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِالْأَمَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا وَالْمُسَافَرَةُ بِهِنَّ فَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ وَقِيلَ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَفِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الضَّرُورَةَ فِيهِنَّ وَفِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) يَعْنِي مَا سِوَى الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا. وَفِي الْهِدَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ قَوْلُهُ (وَالْخَصِيُّ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْخَصِيُّ مِثْلُهُ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامِعُ وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ؛ لِأَنَّهُ يُسَاحِقُ وَيُنْزِلُ وَكَذَا الْمُخَنَّثُ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ فَاسِقٌ قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا إلَى مَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْهَا)

الاحتكار في أقوات الآدميين والبهائم

لِأَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةٌ لِجَوَازِ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ رَخَّصَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ وَالْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَقَالَ سُفْيَانُ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالَمِ سُنَّةٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْقُبْلَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ قُبْلَةُ تَحِيَّةٍ وَهُوَ أَنْ يُقَبِّلَ بَعْضُنَا بَعْضًا عَلَى الْيَدِ وَقُبْلَةُ رَحْمَةٍ وَهِيَ قُبْلَةُ الْوَالِدَيْنِ وَلَدَهُمَا عَلَى الْخَدِّ وَقُبْلَةُ شَفَقَةٍ وَهِيَ تَقْبِيلُ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ عَلَى رُءُوسِهِمَا وَقُبْلَةُ مَوَدَّةٍ وَهِيَ تَقْبِيلُ الْأَخِ أَخَاهُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَقُبْلَةُ شَهْوَةٍ وَهُوَ تَقْبِيلُ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ عَلَى الْفَمِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قُبْلَةَ دِيَانَةٍ وَهُوَ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَوْلُهُ (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا) لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ عَلَى مَوْلَاهَا قَوْلُهُ (وَلَا يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا) هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَالْإِذْن فِي ذَلِكَ إلَى مَوْلَاهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَى الْأَمَةِ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْوَطْءِ يَحْصُلُ لَهَا وَالْعَزْلُ نَقْصٌ فِيهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ إذْنِهَا كَالْحُرَّةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى أَحَقُّ بِإِمْسَاكِ وَلَدِهَا وَبِبَذْلِ وَطْئِهَا [الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ] قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ الِاحْتِكَارُ بِأَهْلِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ لِمِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ وَكَذَا التَّلَقِّي عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَخُصَّ الِاحْتِكَارُ بِالْأَقْوَاتِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْقَتِّ وَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ ثِيَابًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا احْتِكَارَ فِي الثِّيَابِ وَصِفَةُ الِاحْتِكَارِ الْمَكْرُوهِ أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ مِنْ السُّوقِ أَوْ مِنْ قُرْبِ ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي يُجْلَبُ طَعَامُهُ إلَى الْمِصْرِ فِي حَالِ عَوَزِهِ ثُمَّ الْمُدَّةُ إذَا قَصُرَتْ لَا يَكُونُ احْتِكَارًا وَإِذَا طَالَتْ كَانَ احْتِكَارًا ثُمَّ قِيلَ هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» وَقِيلَ بِالشَّهْرِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ وَمَا فَوْقَهُ كَثِيرٌ آجِلٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ قَوْلُهُ (وَمَنْ احْتَكَرَ غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ أَوْ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِمُحْتَكَرٍ) أَمَّا إذَا احْتَكَرَ غَلَّةَ ضَيْعَتِهِ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَهَا فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ، وَأَمَّا مَا جَلَبَهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جُمِعَ مِنْ الْمِصْرِ وَجُلِبَ إلَى فِنَائِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» [لَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ] قَوْلُهُ (وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «السِّعْرَ غَلَا فِي الْمَدِينَةِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ سَعَّرْت فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَإِلَيْهِ تَقْدِيرُهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَقِّهِ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ دَفْعُ ضَرَرِ الْعَامَّةِ وَإِذَا وَقَعَ الضَّرَرُ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَاضْطُرُّوا إلَى الطَّعَامِ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إلَى الْقَاضِي أَمَرَ الْمُحْتَكِرَ أَنْ يَبِيعَ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ فِي ذَلِكَ وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ فَإِنْ رُفِعَ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ عَلَى مَا يَرَى زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ قَالَ مُحَمَّدٌ أُجْبِرُ الْمُحْتَكَرِينَ عَلَى بَيْعِ مَا احْتَكَرُوا وَلَا أُسَعِّرُ وَأَقُولُ لَهُمْ بِيعُوا كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ وَبِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا وَلَا أَقُولُ لَهُمْ بِيعُوا بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكَرِينَ وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا سَعَةً رَدُّوا مِثْلَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِحَجْرٍ إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَالِ غَيْرِهِ وَخَافَ الْهَلَاكَ جَازَ لَهُ تَنَاوُلُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ [بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ] قَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ) مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ كَالْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَعُونَةً عَلَيْنَا وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ فَلَا بَأْسَ

بيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرا

بِذَلِكَ [بَيْعُ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا] قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) يَعْنِي لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ مِنْ الْمَجُوسِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُقَامُ بِعَيْنِ الْعَصِيرِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقَعُ بِعَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ دَيْنٌ فَبَاعَ الذِّمِّيُّ خَمْرًا وَقَضَى دَيْنَهُ لِلْمُسْلِمِ مِنْ ثَمَنِهَا جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهُ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَهَا مُبَاحٌ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الْمُسْلِمُ خَمْرًا وَقَضَاهُ مِنْ ثَمَنِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْخَمْرِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ الثَّمَنُ حَرَامًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [كِتَابُ الْوَصَايَا] [الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ] (كِتَابُ الْوَصَايَا) الْوَصِيَّةُ مَحْثُوثٌ عَلَيْهَا مُرَغَّبٌ فِيهَا غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ وَلَا وَاجِبَةٍ لَكِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ «سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ مَرِضْت مَرَضًا أَشْرَفْت فِيهِ عَلَى الْمَوْتِ فَعَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مَالِي كَثِيرٌ وَلَيْسَ يَرِثُنِي إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ لَا قُلْت أَفَبِنِصْفِهِ قَالَ لَا قُلْت أَفَبِثُلُثِهِ قَالَ نَعَمْ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّك يَا سَعْدُ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ أَوْ يَمُدُّونَ أَكُفَّهُمْ» فِي الْمَسْأَلَةِ لِلنَّاسِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ مُقَصِّرٌ فِي عَمَلِهِ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ الْمَوْتُ وَخَافَ الْبَيَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَلَافِي تَقْصِيرِهِ بِمَالِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ) لِأَنَّهَا إثْبَاتُ حَقٍّ فِي مَالٍ بِعَقْدٍ كَالْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ قَوْلُهُ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْوَارِثِ ثُمَّ الدَّيْنُ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ وَالْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَالْوَاجِبَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ ثُمَّ هُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْمِيرَاثِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ الْمِيرَاثَ بَعْدَهُمَا بِقَوْلِهِ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] فَإِنْ قِيلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا قِيلَ إنَّ كَلِمَةَ أَوْ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ وَلَكِنَّهَا تُوجِبُ تَأْخِيرَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا إذَا انْفَرَدَ وَعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا اجْتَمَعَا فَإِنْ قِيلَ هَلْ الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى أَمْ تَرْكُهَا أَصْلًا قِيلَ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَهُ فَتَرْكُهَا أَوْلَى وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَقِيلَ هُوَ فِي هَذَا الْوَجْهِ مُخَيَّرٌ وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ قَالَ يَتْرُكُهُ لِوَرَثَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا لَأَنْ يُوصِيَ بِالرُّبْعِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ وَلَأَنْ يُوصِيَ بِالْخُمْسِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ يُوصِيَ بِالرُّبْعِ [الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ] قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ حَيْفٌ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحَيْفُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» وَفَسَّرُوهُ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا عِنْدَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَمَنْ كَانَ وَارِثًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ صَحَّتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَمَنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ صَارَ وَارِثًا وَقْتَ الْمَوْتِ لَمْ تَصِحَّ لَهُ الْوَصِيَّةُ مِثَالُهُ إذَا أَوْصَى لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَبَانَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهَا وَلَوْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَاتَ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهَا وَالْهِبَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ فِي هَذَا نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى أَنَّهَا تُنَفَّذُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ عَلَى عَكْسِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَالٍّ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَقْتَ الْإِقْرَارِ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ) يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِهِ وَهْم أَصِحَّاءُ بَالِغُونَ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ فَيَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ وَإِنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثِهِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ)

يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُمْ أَصِحَّاءُ بَالِغُونَ فَإِنْ أَجَازَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُجِزْهُ بَعْضُهُمْ جَازَ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَيَبْطُلُ فِي حَقِّ الرَّادِّ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا بَيَانُهُ إذَا تَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِلْمُوصَى لَهُ رُبْعَانِ وَهُوَ النِّصْفُ وَلِلِابْنَيْنِ رُبْعَانِ وَهُوَ النِّصْفُ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ وَلِلِابْنَيْنِ الثُّلُثَانِ وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ يُجْعَلُ فِي حَقِّ الَّذِي أَجَازَ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَجَازُوا وَيُعْطَى لِلْمُجِيزِ رُبْعُ الْمَالِ وَفِي حَقِّ الَّذِي لَمْ يُجِزْ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَمْ يُجِيزُوا وَيُعْطَى لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَيَكُونُ الْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ فَيُجْعَلُ الْمَالُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَالرُّبْعُ لِلَّذِي أَجَازَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَالثُّلُثُ لِلَّذِي لَمْ يُجِزْ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَيَبْقَى خَمْسَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِجَازَتِهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ إذْ الْحَقُّ يَثْبُتُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازُوهَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّاقِطَ مُتَلَاشٍ. وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا لِأَنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنْ الْمُوصِي وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ وَصَارَ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّهْنِ قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يَعْنِي إذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَالِ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُهُمَا مَا يَرِثَانِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ سَهْمًا مِنْ الْمِيرَاثِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِحَالٍ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مَالُ الْمَرِيضِ لَا حَقَّ فِيهِ لِأَحَدٍ فَجَازَ أَنْ يُوصِيَ بِهِ فَعَلَى هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَلَمْ تَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَوْصَتْ لِأَجْنَبِيٍّ بِنِصْفِ مَالهَا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَيَكُونُ لِلزَّوْجِ ثُلُثُ الْمَالِ وَلِلْمُوصَى لَهُ النِّصْفُ وَيَبْقَى السُّدُسُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلزَّوْجِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُخْرِجَ الثُّلُثَ أَوَّلًا لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِكُلِّ حَالٍ فَيَبْقَى الثُّلُثَانِ يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ نِصْفَهُ مِيرَاثًا وَيَبْقَى نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ تَكْمِلَةَ النِّصْفِ وَيَبْقَى السُّدُسُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ فَيَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا إذَا أَوْصَتْ بِذَلِكَ لِزَوْجِهَا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لَهُ نِصْفُهُ مِيرَاثًا وَنِصْفُهُ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَارِثٌ وَإِنَّمَا جَازَتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهَا تَقِفُ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ عَلَى إجَازَتِهِ. وَعَلَى هَذَا إذَا تَرَكَ زَوْجَتَهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهَا وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ لَهَا سُدُسٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْئًا حَتَّى يُخْرَجَ الثُّلُثُ الْوَصِيَّةُ فَإِذَا أُخْرِجَ الثُّلُثُ اسْتَحَقَّتْ رُبْعَ الْبَاقِي وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ وَأَصْلُهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ أَرْبَعَةٌ وَهُوَ الثُّلُثُ يَبْقَى الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ لِلزَّوْجَةِ رُبْعُهَا اثْنَانِ يَبْقَى سِتَّةٌ تَعُودُ لِلْمُوصَى لَهُ فَيَكُونُ لَهُ عَشْرَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا وَلَوْ كَانَ أَوْصَى مَعَ الزَّوْجَةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَلَهَا بِجَمِيعِهِ بَدَأْنَا أَوَّلًا بِالْأَجْنَبِيِّ فَأَعْطَيْنَاهُ الثُّلُثَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ نُعْطِيهَا رُبْعَهَا مِيرَاثًا يَبْقَى سِتَّةٌ وَبَقِيَ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ تَمَامِ وَصِيَّتِهِ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِالْجَمِيعِ وَالْمَرْأَةُ مُوصًى لَهَا بِثَمَانِيَةٍ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ بَعْدَ إخْرَاجِ الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ حَصَلَ لَهَا مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ سَهْمَانِ بَقِيَ لَهَا سِتَّةٌ مِنْ تَمَامِ وَصِيَّتِهَا وَالْبَاقِي مِنْ الْمَالِ سِتَّةٌ فَيُضْرَبُ فِيهَا الْأَجْنَبِيُّ بِثَمَانِيَةٍ وَالْمَرْأَةُ بِسِتَّةٍ يَكُونُ لِلرَّجُلِ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ السِّتَّةِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا لِأَنَّك إذَا جَمَعَتْ الثَّمَانِيَةَ الَّتِي تَضْرِبُ بِهَا الرَّجُلَ إلَى السِّتَّةِ الَّتِي تَضْرِبُ بِهَا الْمَرْأَةَ كَانَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتَنْسُبُ الثَّمَانِيَةَ إلَيْهَا تَجِدُهَا أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِهَا وَتَنْسُبُ السِّتَّةَ مِنْهَا تَجِدُهَا ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهَا فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي مَخْرَجِ السُّبْعِ يَكُونُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِنْ ذَلِكَ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ فَيُعْطَى الرَّجُلُ أَوَّلًا ثُلُثَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْمَرْأَةِ رُبْعُهَا سَبْعَةٌ مِيرَاثًا يَبْقَى إحْدَى وَعِشْرُونَ يُعْطَى الرَّجُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَبْقَى مِنْهَا تِسْعَةٌ هِيَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ لِلرَّجُلِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ وَلَهَا سِتَّةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ بِوَصِيَّتِهَا وَسَبْعَةٌ بِمِيرَاثِهَا. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ

الوصية للقاتل

بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ أَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ الثُّلُثِ وَمَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِمِيرَاثِهَا وَهُوَ سِتَّةٌ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ لِلرَّجُلِ خَمْسَةُ أَثْمَانٍ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى السِّتَّةِ إلَى الثَّمَانِيَةِ لَا مُنَازَعَةَ لَهَا فِيهِ وَهُوَ سَهْمَانِ فَيَكُونَانِ لِلرَّجُلِ بَقِيَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ سِتَّةٌ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَهَا ثَلَاثَةٌ وَلَهُ ثَلَاثَةٌ مَعَ سَهْمَيْهِ اللَّذَيْنِ انْفَرَدَ بِهِمَا يَكُونُ خَمْسَةً فَنَقُولُ لَهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ السِّتَّةِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا فَتَضْرِبُ السِّتَّةَ فِي مَخْرَجِ الثُّمُنِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لِلرَّجُلِ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ بِحَقِّ الثُّلُثِ يَبْقَى اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ لَهَا رُبْعُهَا ثَمَانِيَةٌ مِيرَاثًا يَبْقَى أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يُعْطَى الرَّجُلُ خَمْسَةَ أَثْمَانِهَا وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَضْمُومَةٌ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ يَكُونُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِهَا تِسْعَةٌ مَضْمُومَةٌ إلَى ثَمَانِيَةٍ يَكُونُ سَبْعَةَ عَشَرَ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ [الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ] قَوْلُهُ (وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِقَاتِلٍ) سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُبَاشِرًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَيُحْرَمُ الْوَصِيَّةَ كَمَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ فَإِنْ أَوْصَى لِقَاتِلِهِ فَأَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ جَازَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ الْوَصِيَّةِ عَلَى طَرِيقِ الْعُقُوبَةِ فَهُوَ كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَلَهُمَا أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ نَفْعَ بُطْلَانِهَا يَعُودُ إلَيْهِمْ كَنَفْعِ بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ فَإِذَا أَجَازُوهَا جَازَتْ كَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ زَوْجَةً وَأَوْصَى لِقَاتِلِهِ اسْتَحَقَّتْ الزَّوْجَةُ رُبْعَ الْمَالِ كَامِلًا وَمَا بَقِيَ وَصِيَّةً لِلْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ أَوْ يُجِيزُهَا الْوَارِثُ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهَا لَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا سَلَّمْنَا لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعَ مِيرَاثَهَا يَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَالْكَافِرُ لِلْمُسْلِمِ) الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبِيِّ بَاطِلَةٌ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ وَلَمْ تَجُزْ لِلْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] ثُمَّ قَالَ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ. وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّ فِيهَا نَوْعَ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُشْبِهُ الْمِيرَاثَ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَلَا تُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ثَبَتَ جَبْرًا فَلَا يَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِيهِ وَارِدًا فِي الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْإِرْثَ طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْوِلَايَةِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ كَذَا فِي شَاهَانْ [قَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ] قَوْلُهُ (وَقَبُولُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ) الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقِفُ عَلَى قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ لَا تَقِفُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ كَالْمِيرَاثِ وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَوَقَفَ عَلَى الْقَبُولِ كَالتَّمْلِيكِ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ فَإِنْ وُجِدَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَمَّتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي زَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْمُوصَى بِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُزِيلُ الْأَمْلَاكَ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ رَدَّهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ) لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ إذَا قَبِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْقَبُولُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَرِيحٌ وَدَلِيلٌ فَالصَّرِيحُ أَنْ يَقُولَ قَبِلْت مَعَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالدَّلِيلُ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَكُونُ مَوْتُهُ قَبُولًا لِوَصِيَّتِهِ وَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوصِيَ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الثُّلُثِ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ لِأَنَّ فِي التَّنْقِيصِ صِلَةَ الْقَرَابَةِ بِتَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ اسْتِكْمَالِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ تَمَامِ حَقِّهِ فَلَا صِلَةَ وَلَا مِنَّةَ قَوْلُهُ (وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ فِي وَجْهِ الْمُوصِي وَرَدَّهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فَلَيْسَ بِرَدٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهَا فَقَدْ اطْمَأَنَّ قَلْبُ الْمُوصِي إلَى تَصَرُّفِهِ فَمَاتَ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِبَيْعِ مَالِهِ حَيْثُ يَصِحُّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ مُوَكِّلِهِ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْكَرْخِيِّ عَلَى مَا إذَا وَكَّلَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ

أَوْ يَكُونُ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ قَوْلُهُ (وَإِنْ رَدَّهَا فِي وَجْهِهِ فَهُوَ رَدٌّ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِقَبُولِهَا وَالْمُتَبَرِّعُ إنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى التَّبَرُّعِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامٍ فَكَانَ مُخَيَّرًا فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَقَدْ الْتَزَمَهُ لِأَنَّ هَذَا دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوِصَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَخْلُفُ الْمُوصِي عِنْدَ خَلَاءِ مَكَانِهِ كَالْوَارِثِ فَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةٌ فَالْخِلَافَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَلَا كَذَلِكَ التَّوْكِيلُ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْحَيِّ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَوْ نَقُولُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ أَمْرٌ مِنْهُ وَالْعَزْلَ نَهْيٌ عَنْهُ وَأَوَامِرُ الْعِبَادِ وَنَوَاهِيهِمْ مُعْتَبَرَةٌ بِأَوَامِر اللَّهِ تَعَالَى وَنَوَاهِيهِ وَأَوَامِرُ اللَّهِ تَعَالَى وَنَوَاهِيه لَا تَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ شَرِبُوا الْخَمْرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِالتَّحْرِيمِ فَنَزَلَ فِي عُذْرِهِمْ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ أَوْ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ بِهَا فَعَزْلُهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ أَمَّا إذَا حَضَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَالْحَاكِمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ وَصَارَ كَالْوَكِيلِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ قَوْلُهُ (وَالْمُوصَى بِهِ يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَدْخُلُ الْمُوصَى بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَحْلِقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا تُوقَفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ وَالْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ فَالْأَهَمُّ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ قَوْلُهُ (وَمِنْ أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي مِنْ الْوَصِيَّةِ وَنَصَبَ غَيْرَهُمْ) هَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهَا وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ سَتَبْطُلُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فِي الْعَبْدِ بَاطِلٌ حَقِيقَةً لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَكَذَا فِي الْكَافِرِ وَمَعْنَاهُ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَفِي الْفَاسِقِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْكَافِرِ فِي هَذَا الذِّمِّيُّ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهَا مَوْلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَوْ أَجَازَ الْمَوْلَى الْوَصِيَّةَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَمْنَعَ الْعَبْدَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلِهَذَا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَكَانَ عَلَى الْقَاضِي إخْرَاجُهُ مِنْهَا فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ جَازَ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ بِالْوَصِيَّةِ كَتَصَرُّفِهِ بِالْوَكَالَةِ وَالْعَبْدُ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْوَكَالَةِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُكَاتَبَهُ أَوْ مُكَاتَبَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ لِمَنَافِعِ نَفْسِهِ كَالْحُرِّ فَإِذَا عَجَزَ صَارَ حَالُهُ كَحَالِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْكَافِرِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ بِالْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ الْقَاضِي صَحَّ تَصَرُّفُهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ مَخُوفٌ عَلَى الْمَالِ فَإِنْ تَصَرَّفَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ اعْتِبَارًا بِالْوَكَالَةِ وَإِنْ أَوْصَى رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ جَازَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ كَالرَّجُلِ وَإِنْ أَوْصَى إلَى أَعْمًى جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَإِنْ أَوْصَى إلَى مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ جَازَ يَعْنِي التَّائِبَ أَمَّا إذَا لَمْ يَتُبْ فَهِيَ الْوَصِيَّةُ إلَى الْفَاسِقِ وَإِنْ

أَوْصَى ذِمِّيٌّ إلَى مُسْلِمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ إلَى الذِّمِّيِّ جَازَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الذِّمِّيِّ فَهِيَ بَاطِلَةٌ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَفِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكِبَارِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ لِلْكِبَارِ أَنْ يَبِيعُوهُ فَيَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ يَعْنِي أَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فِيهِ الْمُشْتَرَى فَيَعْجِزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ صِغَارًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوَرَثَةِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُمْ فَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ كَالْحُرِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَبْدُ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمَوْلَاهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِهَا إلَى الْوَرَثَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَهَذَا عَكْسُ الْمَشْرُوعِ وَإِنْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ مَضَى الْأَمْرُ وَإِنْ عَجَزَ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (وَمِنْ أَوْصَى إلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ ضَمَّ إلَيْهِ الْقَاضِي غَيْرَهُ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِضَمِّ الْآخَرِ إلَيْهِ فَلَوْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ دُونَ صَاحِبِهِ) إلَّا فِي أَشْيَاءَ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ وَهُوَ شَرْطٌ مُقَيَّدٌ بِرِضَا الْمُوصَى وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِالْمُثَنَّى وَلَيْسَ الْوَاحِدُ كَالْمُثَنَّى بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا. (قَوْلُهُ إلَّا فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ لِلْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَفِي انْتِظَارِ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ تَأْخِيرٌ لِدَفْنِهِ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِتَعْجِيلِ دَفْنِهِ قَوْلُهُ (وَطَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ) يَعْنِي الصِّغَارَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ مَوْتَهُمْ جُوعًا أَوْ عُرْيًا فَتَسْقُطُ وِلَايَةُ الْغَائِبِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا) وَكَذَا رَدُّ الْعَوَارِيِّ وَالْأَمَانَاتِ كُلِّهَا وَكَذَا رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظُ الْمَالِ وَقَضَاءُ الدُّيُونِ. قَوْلُهُ (وَقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ) يَعْنِي لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا جَازَ وَوَقَعَ عَنْ الْقَضَاءِ فَكَذَا إذَا أَخَذَهُ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لَوْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا بِغَيْرِ تَسْلِيمٍ مِنْهُمَا جَازَ فَكَذَا إذَا أَخَذَهَا بِتَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا قَوْلُهُ (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ قَوْلُهُ (وَالْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَتَّى

مِنْهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يُفْهَمْ مَا يَقُولَانِ وَلَكِنْ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْقَبْضِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَكَذَا قَبُولُ الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ وَكَذَا بَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خَشْيَةَ التَّلَفِ وَفِيهِ ضَرُورَةٌ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا أَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ الْآخَرِ إجْمَاعًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ أَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ إجْمَاعًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْأَبَوَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَلَدِ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ إلَّا فِي الْأَشْيَاءِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْوَصِيَّيْنِ إلَّا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّ لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً إنْ كَانَ ابْنًا وَإِنْ كَانَتْ بِنْتًا يُزَوِّجُهَا وَلَيْسَ لِلْآخِرِ أَنْ يُبْطِلَهُ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيِّينَ لَا تَنْتَقِلُ وِلَايَتُهُ إلَى الْآخَرِ حَتَّى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَا لَمْ يَنْصِبْ الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ أَوْ الْوَصِيُّ الَّذِي مَاتَ أَوْصَى إلَى الْحَيِّ أَوْ إلَى رَجُلٍ آخَرَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَا لَمْ يَنْصِبْ الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ اثْنَيْنِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ فِي غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ ثُمَّ أَجَازَهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِ الْعَقْدِ وَإِذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) أَمَّا إذَا أَجَازُوا اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثَ بِكَمَالِهِ فَيَكُونُ لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ الثُّلُثُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِأَنَّ الثُّلُثَ ضَاقَ عَنْ حَقَّيْهِمَا فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا فَيُعْطَى لِلْأَقَلِّ سَهْمٌ وَلِلْأَكْثَرِ سَهْمَانِ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبْعُهُ وَتَخْرِيجُهُ أَنْ تَقُولَ جَمِيعُ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهِ الثُّلُثَ الْمُوصَى بِهِ لِلْآخَرِ كَانَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَثْلَاثٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَاحِدٌ. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) يَعْنِي إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَقَعَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِحَقِّ الْغَيْرِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضْرَبَ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَإِنْ شِئْت قُلْت بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يُدْلِي بِسَبَبٍ غَيْرِ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالثُّلُثِ فَتَسَاوَيَا فَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَيُعْطَى صَاحِبُ الْجَمِيعِ ثُلُثَيْ الْمَالِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ السُّدُسُ وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبْعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ. فَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ نِصْفُ الْمَالِ لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَلِلْآخَرِ الرُّبْعُ وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ الرُّبْعُ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَإِنَّمَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ مُلْغَاةٌ عِنْدَهُ

وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ يَضْرِبُ بِالرُّبْعِ فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالرُّبْعِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبْعٌ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ فَثُلُثُهُ أَرْبَعَةٌ وَرُبْعُهُ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ سَبْعَةٌ فَتَجْعَلُ وَصِيَّتَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَتَكُونُ السَّبْعَةُ ثُلُثَ الْمَالِ وَالْمَالُ كُلُّهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَبْعَةٌ مِنْهُ لِلْمُوصَى لَهُمَا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ لِلْوَرَثَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ سَهْمَانِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ سَهْمٌ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ يَضْرِبُ بِالرُّبْعِ وَالرُّبْعُ مِثْلُ نِصْفِ النِّصْفِ فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبْعٍ سَهْمًا فَالنِّصْفُ يَكُونُ سَهْمَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ) يَعْنِي تُلْغَى الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَصُورَةُ الْمُحَابَاةِ إذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَة الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ وَأَوْصَى أَنْ يُبَاع أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ لِفُلَانٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةٍ لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُنَا قَدْ حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخِرِ بِخَمْسِمِائَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّ مُحَابَاتَهُمَا تَجُوزُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا أَحَدُهُمَا يُضْرَبُ فِيهِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ وَهَذَا ثُلُثُ مَالِهِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ وَصُورَةُ السِّعَايَةِ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا. وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا أَثْلَاثًا فَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَالثُّلُثَانِ لِلْآخَرِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَهُوَ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَلَوْ كَانَ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَجَبَ أَنْ يَسْعَى الَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ فِي خَمْسِمِائَةٍ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَاَلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَضْرِبَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَهُوَ أَلْفٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَصُورَةُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ أَنْ يُوصِيَ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِأَلْفَيْنِ وَثُلُثُ مَالِهٍ أَلْفٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَصُورَةٌ أُخْرَى لِلثَّلَاثِ الْمَسَائِلِ وَصُورَةُ الْمُحَابَاةِ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ بِمِائَةٍ وَقِيمَتَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ ثُمَّ يُوصِي لِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَى الْعَبْدِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ مِائَةٌ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا فَوَصِيَّةُ الْأَوَّلِ مِائَتَانِ وَوَصِيَّةُ الثَّانِي مِائَةٌ فَاقْسِمْ الثُّلُثَ وَهُوَ مِائَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ ثُلُثَاهَا وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ ثُلُثُهَا. وَصُورَةُ السِّعَايَةِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَى الْعَبْدَيْنِ فَاقْسِمْ الثُّلُثَ وَهُوَ مِائَةٌ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِلَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ وَثُلُثُهَا لِلْآخَرِ وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ وَصُورَةُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ فَمَاتَ عَنْ ثَلَاثِمِائَةٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ وَهُوَ مِائَةٌ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ ثُلُثَاهَا وَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ ثُلُثُهَا وَإِنَّمَا يَضْرِبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَخْرُجُ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ أَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ فِي مَخْرَجِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ مَالَهُ لَوْ كَثُرَ أَوْ خَرَجَ لَهُ مَالٌ آخَرُ تَدْخُلُ فِيهِ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ وَرَثَةٌ وَأَجَازُوا فَإِنَّ الْمَالَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي الثُّلُثِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ وَهُوَ سَهْمٌ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ يُضْرَبُ لَهُ بِالْجَمِيعِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فَيُجْعَلُ الْمَالُ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِصَاحِبِ

الثُّلُثِ سَهْمٌ وَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ. وَهَذَا إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الثُّلُثِ فَيَكُونُ ثُلُثُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا فَيُقَسَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ مِنْ الدَّيْنِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ وَالدَّيْنَ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّبَرُّعِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ) لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّرُ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ) لِأَنَّا نَجْعَلُ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ كَابْنٍ ثَالِثٍ فَيَكُونُ مَالُهُ مَقْسُومًا عَلَى ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْمَالِ بِغَيْرِ إجَازَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَجَازَهُ الِابْنُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِنِصْفِ مَالِهِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ وَمَا زَادَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ وَقَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ أَوْ بِنَصِيبِ ابْنَتِهِ وَلَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ وَلَا ابْنَةٌ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ لَا عَيْنُهُ فَيُعْتَبَرُ نَصِيبُ الِابْنِ ثُمَّ يُزَادُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ فَإِنْ أَجَازَهُ الِابْنُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَلَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَلَهُ الثُّلُثُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِجَازَةِ وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتِهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَإِنْ أَجَازَتْهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ تُجِزْهُ فَلَهُ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ لِأَنَّ لِلْبِنْتَيْنِ ثُلُثَيْ الْمَالِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثٌ فَمِثْلُ نَصِيبِ إحْدَاهُمَا الثُّلُثُ وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ يُعْطِي نِصْفَ الْمَالِ إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ يُعْطِي ثُلُثَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ مَعْدُومٍ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ نَصِيبُ ذَلِكَ الِابْنِ بِسَهْمٍ وَمِثْلُهُ سَهْمٌ أَيْضًا فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ هُنَاكَ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ وَلَمْ يَقُلْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ أَوْ بَاعَ وَحَابَى أَوْ وَهَبَ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ وَيَضْرِبُ بِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مَكَانَ قَوْلِهِ جَائِزٌ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي مَرَضِهِ مِنْ الْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالْمُحَابَاةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ فِيهِ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً فَلَا؛ لِأَنَّهُ مُنْجَزٌ قَبْلَ مَوْتِهِ غَيْرُ مُضَافٍ فَصَارَ كَاَلَّذِي يُنْجِزُهُ فِي صِحَّتِهِ لَكِنَّهُ سَاوَى الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ فِيهِ أَوْ نَقُولُ لَعَلَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَصِيَّةً الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ وَالضَّرْبُ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا حَقِيقَةَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا مُنْجَزٌ وَاعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا أَمَّا إذَا اتَّسَعَ لَهُمَا أَمْضَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جِهَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْمُحَابَاةُ أَوْلَى إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَهَا مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ فَصَارَتْ كَالدَّيْنِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الْمَرِيضُ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْمُعَاوَضَةِ قَوْلُهُ (فَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ) ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي هَذَا الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي الْعِتْقِ مَزِيَّةُ التَّقْدِيمِ بِوُقُوعِهِ وَلَا يَلْحَقُ الْفَسْخُ وَلِلْمُحَابَاةِ مَزِيَّةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي فَلَمَّا تَسَاوَيَا تَحَاصَّا. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةَ قَدْ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ فَكَانَ الْعِتْقُ أَوْلَى وَصُورَتُهُ مَرِيضٌ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَاشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ فَحَصَلَ لِلْبَائِعِ أَلْفٌ مُحَابَاةً وَجَمِيعُ مَالِهِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَإِنْ بَدَأَ بِالْعِتْقِ ثُمَّ بِالْمُحَابَاةِ تَحَاصَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى

تَقَدَّمَ عَلَى الْمُحَابَاةِ أَوْ تَأَخَّرَ فَيُصْرَفُ الثُّلُثُ وَهُوَ أَلْفٌ إلَى الْعِتْقِ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ إلَى الْوَرَثَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْجِهَةِ فَمَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا سَاوَاهَا وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَابَاةِ نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْجِهَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ أَعْتَقَ تَسَاوَيَا فِي الثُّلُثِ كَذَلِكَ هَذَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ رَجُلٌ لَهُ عَبْدَانِ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ يُسَاوِي أَلْفًا فَأَعْتَقَهُ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى وَالْعِتْقُ جَائِزٌ وَيَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ بِأَلْفَيْنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ فَإِنْ قُدِّمَ الْعِتْقُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ سَعَى الْمُعْتَقُ لِلْوَرَثَةِ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِالتَّرْكِ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيُتِمُّ لَهُ السُّدُسَ) وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ لَهُ أَخَسَّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى السُّدُسِ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى السُّدُسَ فَقَطْ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْ السُّدُسِ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَاعْتَمَدَهَا السَّرَخْسِيُّ وَأَخَذَ بِهَا صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ حَيْثُ قَالَ وَالسَّهْمُ أَدْنَى حَقِّ أَهْلِ الْإِرْثِ ... فَإِنْ يَزِدْ فَالسُّدُسُ دُونَ الثُّلُثِ أَيْ فَإِنْ يُزَادُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عَلَى السُّدُسِ فَلَهُ السُّدُسُ حِينَئِذٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ إلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا مَزِيدَ لَهَا عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ بَيَانُهُ زَوْجَةٌ وَابْنٌ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْطِي الْمُوصَى لَهُ سُدُسَ الْمَالِ لِأَنَّ أَخَسَّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ الثُّمْنُ وَهُوَ نَصِيبُ الزَّوْجَةِ وَهُوَ نَاقِصٌ عَنْ السُّدُسِ فَيُتِمُّ لَهُ السُّدُسَ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُعْطِي مِثْلَ نَصِيبِ الزَّوْجَةِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا عَنْ السُّدُسِ فَيُزَادُ عَلَى الْفَرِيضَةِ سَهْمٌ يَكُونُ تِسْعَةً فَيُعْطِي الْمُوصَى لَهُ سَهْمًا وَالزَّوْجَةَ سَهْمًا وَيَبْقَى لِلِابْنِ سَبْعَةً وَكَذَا أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ أَخَسَّ سِهَامِهِمْ لَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ وَإِنْ تَرَكَ زَوْجَةً وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَأَخَسُّ سِهَامِهِمْ الرُّبْعُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْطَى السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يُعْطَى الرُّبْعَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ وَيُزَادُ عَلَى الْفَرِيضَةِ سَهْمٌ يَكُونُ خَمْسَةً فَيُعْطِي الْمُوصَى لَهُ الْخُمْسَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَمَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَيُجْعَلُ نِصْفُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ ابْنٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطَوْهُ مَا شِئْتُمْ) ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ بِخِلَافِ السَّهْمِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ فَلَا يَقِفُ عَلَى بَيَانِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِحَظٍّ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِشِقْصٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ أَوْ بِنَصِيبٍ أَوْ بِبَعْضٍ فَإِنَّ الْبَيَانَ إلَى الْمُوصِي مَا دَامَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ فَالْبَيَانُ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ مَالِهِ وَيَدْخُلُ السُّدُسُ فِيهِ وَإِنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ فَلَهُ سُدُسٌ وَاحِدٍ لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ وَالْمَعْرِفَةُ مَتَى أُعِيدَتْ يُرَادُ بِالثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَعْهُودُ فِي اللُّغَةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا سَوَاءٌ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا مِثْلُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ) لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبِدَايَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا مُتَسَاوِيَةً فِي الْقُوَّةِ بَدَأَ مِنْهَا بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ جَمِيعِهَا وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ فَقَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَبْدَأ بِالْحَجِّ وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ

وصية الصبي

وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ لَا غَيْرُ وَكَانَ الْحَجُّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْفَرْضِيَّةِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَكَانَتْ أَقْوَى قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا أَوْصَى أَنْ يَتَّخِذ طَعَامًا لِلنَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلَّذِينَ يَحْضُرُونَ التَّعْزِيَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ لِلَّذِي يَطُولُ مُقَامُهُ عِنْدَهُمْ وَلِلَّذِي يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَلَا يَجُوزُ لِلَّذِي لَا يَطُولُ مُقَامُهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ لِيَقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُضْرَبَ عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةٌ أَوْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ حَمَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ ضَمِنَ مَا أَنْفَقَ فِي حَمْلِهِ وَلَوْ قِيلَ لِمَرِيضٍ أَوْصِ بِشَيْءٍ فَقَالَ بِثُلُثِ مَالِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا إنْ أَخْرَجَهُ عَلَى أَثَرِ السُّؤَالِ يُخْرَجُ ثُلُثُ مَالِهِ وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَالَ تَصَدَّقُوا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَمَصْرِفُهَا لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك فَهُوَ هِبَةٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ قَوْلُهُ (وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي) يَعْنِي النَّوَافِلَ لِأَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ وَالْإِنْسَانُ يُقَدِّمُ الْأَهَمَّ فَكَانَ مَا قَدَّمَهُ أَوْلَى قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَإِنَّمَا قَالَ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَاشِيًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ كَذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَتَّسِعُ لِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْطَانٌ كَثِيرَةٌ حَجَّ عَنْهُ رَاكِبًا مِنْ أَقْرَبِ أَوْطَانِهِ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِالْقِرَانِ فَيَحُجُّ عَنْهُ قَارِنًا مِنْ خُرَاسَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ وَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ لَا يَفِي بِذَلِكَ حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْوَصِيَّةُ النَّفَقَةَ أَحَجُّوا عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ) لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ فَوَجَبَ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَالْمُمْكِنُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ فَعِنْدَهُمَا يَحُجُّ عَنْهُ بِالْبَاقِي مِنْ حَيْثُ مَاتَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضُمُّ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ إلَى مَالِ الْمُوصِي وَيُؤْخَذُ ثُلُثُهُ وَيَحُجُّ بِهِ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا أَنْفَقَ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ [وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ] قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هِبَتُهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَحَالُ الصِّحَّةِ آكَدُ فِي الثُّبُوتِ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْبَالِغِ أَنْ يَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً لَمْ تَصِحَّ لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا أَضَافَا الْوَصِيَّةَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ بِحَيْثُ تَصِحُّ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا مُسْتَتَمَّةٌ وَالْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى حَالِ سُقُوطِهِ قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً) لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ [الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ] قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّهَا نَوْعُ تَبَرُّعٍ لَمْ تَتِمَّ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا كَالْهِبَةِ قَالُوا إلَّا فِيمَا وَقَعَ لَازِمًا كَالْمُحَابَاةِ الْمُنْجَزَةِ وَالتَّبَرُّعِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. (قَوْلُهُ فَإِذَا صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ أَوْ فَعَلَ مَا يَدُلُّ

عَلَى الرُّجُوعِ كَانَ رُجُوعًا) أَمَّا الصَّرِيحُ فَيَقُولُ أَبْطَلْت وَصِيَّتِي أَوْ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانِ فَهُوَ لِفُلَانٍ فَهُوَ رُجُوعٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ إذْ لَوْ أَرَادَهَا لَبَيَّنَ لَفْظَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا، وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِثَوْبٍ ثُمَّ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ أَوْ بِغَزْلٍ فَنَسَجَهُ أَوْ بِدَارٍ فَبَنَى فِيهَا أَوْ بِشَاةٍ فَذَبَحَهَا أَوْ بِأَمَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ كَاتَبَهَا أَوْ دَبَّرَهَا فَهَذَا كُلُّهُ يَكُونُ رُجُوعًا وَإِبْطَالًا لِلْوَصِيَّةِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ الْمُوصَى بِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا قَوْلُهُ (وَمَنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا) هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيَكُونُ رُجُوعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَهُمْ الْمُلَاصِقُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُمْ الْمُلَاصِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ وَجَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَفَسَّرُوهُ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَارَ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِهَذَا الْجِوَارِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِجِيرَانِي فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ لِجِيرَانِهِ الْمُلَاصِقِينَ لِدَارِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لِلْمَمَالِكِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ وَصِيَّةٌ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ لِلْمُوصِي، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ دُونَ مَوْلَاهُ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَمِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَمِنْ زَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَصْهَارُهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الزَّوْجَةُ وَلَا زَوْجَةُ الِابْنِ وَلَا زَوْجَةُ الْأَبِ وَلَا زَوْجَةُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَصْهَارَ يَخْتَصُّونَ بِأَهْلِهَا دُونَهَا وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ أَوْ فِي عِدَّتِهِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَالصِّهْرُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِأَنَّ بَقَاءَ الصِّهْرِيَّةِ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَهُوَ شَرْطٌ وَقْتَ الْمَوْتِ قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَخْتَانَهُ فَالْخَتَنُ زَوْجُ كُلِّ ذَات رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) وَكَذَا مَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّ الْخَتَنَ اسْمٌ لِزَوْجِ الْبِنْتِ وَزَوْجِ الْأُخْتِ وَزَوْجِ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَمِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا وَأُمُّ الزَّوْجِ وَجَدَّتُهُ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا عُرْفُنَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَزْوَاجُ الْمَحَارِمَ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى كُلُّهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ لَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ مِنْ الْمُوصِي قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ ثُلُثُ مَالِي لِذَوِي قَرَابَتِي وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الرَّحِمُ الْمَحْرَمُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ الصِّلَةُ فَاخْتَصَّتْ بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كَالنَّفَقَةِ وَإِيجَابِ الْعِتْقِ قَوْلُهُ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ) لِأَنَّ الْقَرَابَةَ اسْمٌ لِمَا يَقْرُبُ مِنْ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِهِ وَالْأَبَوَانِ أَصْلُ الْقَرَابَةِ وَالْوَلَدُ يَقْرُبُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمْ الِاسْمُ وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ سَمَّى وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ عُقُوقًا مِنْهُ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْأَقْرَبِينَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَتَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ فِي الْمَوَارِيثِ اثْنَانِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْمُرَادُ بِهِ اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَقَدْ قَالُوا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ وَلَمْ يَقُلْ

لِذَوِي فَهُوَ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّ هَذَا اسْمٌ لِلْوَاحِدِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اشْتَرَطَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَرَابَةَ وَعَدَمَ الْوِرَاثَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَوْلَادٌ وَالْجَمْعِيَّةُ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَوَافَقَهُ صَاحِبَاهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَخَالَفَاهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَمْ يَشْتَرِطَاهَا وَهِيَ الْجَمْعِيَّةُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. قَوْلُهُ (فَإِذَا أَوْصَى بِذَلِكَ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَالْوَصِيَّةُ لِعَمَّيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لَمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ اعْتِبَارَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَالْعَمَّانِ أَقْرَبُ مِنْ الْخَالَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَلِلْعَمِّ النِّصْفُ وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ) لِأَنَّ الْبَعِيدَ عِنْدَهُ لَا يُسَاوِي الْقَرِيبَ فَكَأَنَّ الْعَمَّ انْفَرَدَ فَيَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ لِجَمْعٍ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَمُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا وَبَقِيَ النِّصْفُ الثَّانِي لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ أَقْرَبَ مِنْ الْخَالَيْنِ فَكَانَ لَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَمٌّ وَاحِدٌ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا بَقِيَ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ فَتَبْطُلُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ فَيُرَدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْعَمِّ كُلُّ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَرْدِ فَيُحْرِزُهَا كُلَّهَا إذْ هُوَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ تَرَكَ عَمًّا وَعَمَّةً وَخَالًا وَخَالَةً فَالْوَصِيَّةُ لِلْعَمِّ وَالْعَمَّةِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا وَهِيَ أَقْوَى مِنْ قَرَابَةِ الْأَخْوَالِ وَالْعَمَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَهِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ رَقِيقًا أَوْ ذِمِّيًّا. قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مِنْ يُنْسَبُ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ وَالْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ قَرِيبٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ قَرَابَتِهِ جِهَةَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فِي الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا يَشْتَرِكُونَ فِي الثُّلُثِ وَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ وَالْأَبْعَدُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ بَيَانُهُ إذَا أَوْصَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ لِأَقَارِبِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ مِنْ يُنْسَبُ إلَى الْعَبَّاسِ وَكَذَلِكَ الْعَلَوِيُّ إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ثُمَّ عَلَى أَصْلِهِمَا إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ اشْتَرَكَ فِيهِ الْعَمَّانِ وَالْخَالَانِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبَ وَإِنْ تَرَكَ عَمًّا وَخَالَيْنِ فَلِلْعَمِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَلِلْخَالَيْنِ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هِيَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَاحِدٌ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا النِّصْفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَصْلِهِمَا لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ فَهُوَ عَلَى زَوْجَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ اسْمَ الْأَهْلِ حَقِيقَةً فِي الزَّوْجَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ فُلَانٌ بِبَلَدِ كَذَا أَيْ تَزَوَّجَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ اسْمُ الْأَهْلِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَعُولُهُ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ الْقِيَاسُ فِي هَذَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا أَنْ يَكُونَ لِجَمِيعِ مَنْ يَعُولُهُ مِمَّنْ يَجْمَعُهُمْ مَنْزِلُهُ مِنْ الْأَحْرَارِ وَالزَّوْجَةِ وَالْيَتِيمِ فِي حِجْرِهِ وَالْوَلَدِ إذَا كَانَ يَعُولُهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا قَدْ اعْتَزَلَ أَوْ كَانَتْ بِنْتًا قَدْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَمَالِيكُ وَلَا وُرَّاثٌ لِلْمُوصِي وَلَا يَدْخُلُ الْمُوصَى لِأَهْلِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِمَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ وَالْمُضَافُ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَنْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ فِي الْوَصِيَّةِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ) وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ كُلُّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطَى قِيمَةَ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ وَإِنْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَالِ وَبِدُونِهَا يُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَقِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِسَيْفِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ أُعْطِيهِ السَّيْفَ بِجَفْنِهِ وَحِلْيَتِهِ وَكَذَا قَالَ زُفَرُ يَعْنِي أَنَّ لَهُ جَفْنَهُ وَحَمَائِلَهُ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِسَرْجٍ فَلَهُ السَّرْجُ وَتَوَابِعُهُ مِنْ اللِّبْدِ وَالرِّفَادَةِ وَكَذَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِمُصْحَفٍ فَلَهُ الْغِلَافُ عِنْدَ زُفَرَ وَقَالَ

الاستثناء في الوصية

أَبُو يُوسُفَ فِي السَّيْفِ لَهُ النَّصْلُ دُونَ الْجَفْنِ وَفِي السَّرْجِ لَهُ الدَّفَّتَانِ وَالرِّكَابَانِ دُونَ اللِّبْدِ وَالْمِيثَرَةِ وَهِيَ قُطْنٌ مَحْشُوٌّ يُتْرَكُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ وَفِي الْمُصْحَفِ لَهُ الْمُصْحَفُ دُونَ الْغِلَافِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُنْفَصِلَةٌ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ كَمَنْ أَوْصَى بِدَارٍ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْمَتَاعُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِأَنَّ الْغِلَافَ تَابِعٌ لِلْمُصْحَفِ كَجَفْنِ السَّيْفِ عَلَى أَصْلِهِ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِمِيزَانٍ فَلَهُ الْكِفَّتَانِ وَالْعَمُودُ وَاللِّسَانُ وَلَيْسَ لَهُ الصَّنَجَاتُ وَلَا التَّخْتُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمِيزَانِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَكْمُلُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هِيَ مُنْفَصِلَةٌ فَلَا تَدْخُلُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحِنْطَةٍ فِي جَوَالِقَ فَلَهُ الْحِنْطَةُ دُونَ الْجَوَالِقِ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ فَلَهُ الْقَوْصَرَّةُ وَالتَّمْرُ لِأَنَّ الْقَوْصَرَّةَ تَدْخُلُ فِي بَيْعِ التَّمْرِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْجَوَالِقِ وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِعَسَلٍ فِي زِقٍّ أَوْ بِسَمْنٍ فِي ظَرْفٍ أَوْ بِزَيْتٍ فِي إنَاءٍ لَمْ تَدْخُلْ الْآنِيَةُ وَإِنَّمَا لَهُ الْعَسَلُ وَحْدَهُ وَالسَّمْنُ وَحْدَهُ كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثِيَابِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَاهَا وَبَقِيَ ثُلُثُهَا وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ) هَذَا إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّ الثِّيَابَ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً لَا يُقَسَّمُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ فَالْبَاقِي مِنْهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَلَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْبَاقِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمُوصَى لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ مَالٌ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَتْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَتْ إلَى الْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ دَفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَ الْعَيْنِ وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ أَخَذَ ثُلُثَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ فِي الْعَيْنِ فَضْلًا عَلَى الدَّيْنِ (قَوْلُهُ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ لَهُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ إلَّا أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ لَهُ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَيْسَتْ بِاسْتِخْلَافِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ لِيُمَلِّكَهُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ أَيْضًا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ بَابَ الْوَصِيَّةِ وَاسِعٌ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ وَعَجْزِهِ وَلِهَذَا تَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَوْجُودِ كَالثَّمَرَةِ فَلَأَنْ تَصِحُّ فِي الْمَوْجُودِ أَوْلَى وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ بِمَا فِي بَطْنِ دَابَّتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ وَمَعْرِفَةُ وُجُودِهِ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حَدَثَ بَعْدَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي الْعِدَّةِ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ إلَى سَنَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي الْجَارِيَةِ وَالدَّابَّةِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَوْصَى بِالْجَارِيَةِ لِرَجُلٍ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ جَازَ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ حِينَئِذٍ تَكُونُ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَارِيَةِ [الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْوَصِيَّةِ] (قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ أَوْصَى بِهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ فَقَدْ جَعَلَ الْجَارِيَةَ وَصِيَّةً وَمَا فِي بَطْنِهَا مِيرَاثًا وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيمَا فِي الْبَطْنِ وَلِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ لَفْظًا لَكِنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَجَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَمَا لَا فَلَا وَلَوْ أَوْصَى بِرَقَبَةِ الْجَارِيَةِ لِإِنْسَانٍ وَمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْوَلَدِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهَا لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهَا وَغَلَّتِهَا لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَالْغَلَّةِ عَادَ الْمِلْكُ إلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ دُونَ وَرَثَةِ الْمُوصَى (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ

الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ قَبِلَ وَهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدَ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَقْضِيَ بِهَا دُيُونَهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصَى لَهُ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُوصَى لَهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّرْطَ فِي الْهِدَايَةِ وَصَوَابُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَوْلُهُ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَا وَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ذَكَرَ فِي الْكَرْخِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ بِالثُّلُثِ وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا وَلِهَذَا اسْتَحَقَّهُمَا الْمُوصَى لَهُ إذَا خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا لَمْ يَخْرُجَا جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ فِيهِمَا بِالْحِصَّةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْأُمِّ وَالْوَلَدُ يَدْخُلُ مَعَهَا عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ فَإِذَا لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ تَعَيَّنَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْأُمِّ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ. وَفِي الْهِدَايَةِ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَجُعِلَ قَوْلُهُمَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُمَا وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ لَهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَةٌ تُسَاوِي ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَوْصَى بِالْأَمَةِ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الْأُمُّ وَثُلُثُ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ وَهَذَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ ضِدُّ مَا فِي الْقُدُورِيِّ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثًا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ صَحَّتْ فِي الْأُمِّ وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُفْسَخَ الْوَصِيَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّتِهَا وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدَ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا جَمِيعًا تَنْتَقِضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا فِي حَالَةِ الِاتِّصَالِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا بِالِانْفِصَالِ هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهَا فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ خَالِصِ مِلْكِهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ سِنِينَ مَعْلُومَةً وَيَجُوزُ بِذَلِكَ أَبَدًا) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ مِنْ الثُّلُثِ سُلِّمَ إلَيْهِ لِيَخْدُمَهُ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْوَرَثَةُ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ خَدَمَ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ وَهَذَا إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ أَجْزَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ خِدْمَتِهِ عَلَى الْمُهَايَأَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى الدَّارِ إذَا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَيْثُ تُقَسَّمُ عَيْنُ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا ثُمَّ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوهُ إلَّا إذَا أَجَازَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَإِذَا أَجَازَ لَمْ يَنْتَقِلْ حَقَّهُ إلَى الْعِوَضِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّ إيجَابَهَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ وَلِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ الْقَبُولُ وَمِنْ شَرْطِ الْقَبُولِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ عُدِمَ هَذَا (قَوْلُهُ وَإِذَا أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَنْتَظِمُ الْكُلَّ انْتِظَامًا وَاحِدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ وَلَدٌ مِنْ صُلْبِهِ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَدُ الِابْنِ الذُّكُورُ

دُونَ الْإِنَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ الْإِنَاثُ وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا جَمِيعًا كَمَا فِي وَلَدِ الصُّلْبِ فَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ وَإِنْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الذُّكُورَ يَنْفَرِدُونَ بِذَلِكَ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ اسْمُ الْبَنِينَ وَفِي رِوَايَةٍ يَدْخُلُونَ مَعَ الذُّكُورِ وَيَكُونُونَ سَوَاءً وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ اسْمَ الْبَنِينَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] فَالْخِطَابُ مُتَنَاوِلٌ لِلْكُلِّ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لِبَنِي فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بَنَاتٌ مُنْفَرِدَاتٌ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْمِ لِلذُّكُورِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ خَمْسَةٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى سَبْعَةٍ لَهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ سَهْمَانِ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ جِنْسَانِ وَالْمَذْكُورُ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ اثْنَانِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى كَمَا إذَا قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اُعْتُبِرَ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ. وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَالْمَسَاكِينَ فَنِصْفُهُ لِفُلَانٍ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يُصْرَفُ إلَّا إلَى مَسَاكِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْبَائِسِ وَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يُجْعَلُ الثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ لِلْبَائِسِ وَهُوَ الزَّمِنُ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا جُزْءٌ وَجُزْءٌ لِلْمِسْكِينِ وَهُوَ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَجُزْءٌ لِلْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَطُوفُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَلَا يَسْأَلُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْعَلُ عَلَى جُزْأَيْنِ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَاحِدٌ وَالْبَائِسُ وَاحِدٌ وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكَتْك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِ مِائَةٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ بِتَنْصِيفِ نَصِيبِهِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى لَفْظِ الْوَرَثَةِ عُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ التَّفْضِيلَ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ وَإِنْ أَوْصَى لِعَقِبِ فُلَانٍ فَالْعَقِبُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ الْإِنْسَانِ فَأَمَّا فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَلَيْسُوا بِعَقِبٍ لَهُ وَعَقِبُ وَلَدِهِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَوَلَدُ وَلَدِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ أَيْضًا وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ وَلَدُ الْإِنَاثِ لِأَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ لَيْسُوا بِعَقِبٍ لَهُ وَإِنَّمَا هُمْ عَقِبٌ لِآبَائِهِمْ وَيُقَدَّمُ وَلَدُ الصُّلْبِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ عَقِبٌ لِآبَائِهِمْ وَآبَاؤُهُمْ عَقِبٌ لِجَدِّهِمْ فَإِنْ عُدِمَ الْآبَاءُ فَالْعَقِبُ وَلَدُ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا عَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ وَهَذَا كُلُّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ وَنِصْفُهُ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَا حَيَّيْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ فِي حِصَّتِهِ وَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ نَصِيبُهُ مَوْرُوثًا عَنْهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَزَيْدٌ مَيِّتٌ كَانَ لِعَمْرٍو نِصْفُ الثُّلُثِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ كَلِمَةُ تَقْسِيمٍ وَاشْتِرَاكٍ فَقَدْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ كُلُّ الثُّلُثِ وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ سَالِمٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَإِنْ قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِعَمْرٍو وَلِزَيْدٍ إنْ كَانَ فَقِيرًا نَظَرْت إنْ كَانَ زَيْدٌ وَقْتَ الْمَوْتِ فَقِيرًا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ حِصَّتُهُ وَانْتَقَلَ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلِعَمْرٍو نِصْفُ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا اسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ

الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا لِمَا بَيَّنَّا (مَسَائِلُ) إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا وَكَانَتْ زَائِدَةً عَلَى الثُّلُثِ وَأَرَدْت قِسْمَةَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ فَالْوَجْهُ فِيهِ أَنْ تَجْمَعَ الْوَصَايَا كُلَّهَا ثُمَّ تَنْظُرُ إلَيْهَا وَإِلَى الثُّلُثِ وَإِلَى نُقْصَانِهِ مِنْ الْوَصَايَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ مِثْلَ نِصْفِ الْوَصَايَا نَقَصْت مِنْ كُلِّ وَصِيَّةٍ نِصْفَهَا وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ مِثْلَ ثُلُثِ الْوَصَايَا نَقَصْت مِنْ كُلِّ وَصِيَّةٍ ثُلُثُهَا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَكُونُ الْعَمَلُ مِثَالُهُ إذَا بَلَغَتْ الْوَصَايَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لِأَحَدِهِمْ مِائَةٌ وَلِآخَرَ مِائَتَانِ وَلِآخَرَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَلِآخَرَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ خَمْسُمِائَةٍ فَالنُّقْصَانُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ إلَى مَبْلَغِ الْوَصَايَا مِثْلُ نِصْفِ الْوَصَايَا خَمْسُمِائَةٍ فَيَنْقُصُ مِنْ كُلِّ وَصِيَّةٍ نِصْفُهَا فَلِصَاحِبِ الْمِائَةِ خَمْسُونَ وَلِصَاحِبِ الْمِائَتَيْنِ مِائَةٌ وَلِصَاحِبِ الثَّلَاثِمِائَةِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَلِصَاحِبِ الْأَرْبَعِمِائَةِ مِائَتَانِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِرُبْعِ مَالِهِ وَلِثَالِثٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْرِبُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِالثُّلُثِ وَلِصَاحِبِ الرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا كَانَ ثُلُثُ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ كَانَ جَمِيعُهُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ اثْنَا عَشَرَ فَالْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوصَ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْرِبُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَتُعْطِيهِ ثُلُثَ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَلِلثَّانِي أَرْبَعَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةٌ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ النِّصْفُ وَذَلِكَ سِتَّةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ الرُّبْعِ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَةَ فَيَكُونُ الْمَالُ كُلُّهُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ وَإِنْ أَجَازُوا لَا نَصَّ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسٌ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَالسُّدُسُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ لَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِي الثُّلُثَيْنِ فَسَلَّمَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَاسْتَوَيَا فِي الثُّلُثِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَقَالَ الْحَسَنُ هَذَا قَبِيحٌ فَإِنَّ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ مِثْلُ نَصِيبِهِ عِنْدَ عَدَمِهَا بَلْ يَجِبُ لَهُ الرُّبْعُ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَتَخْرِيجُ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ أَنْ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الثُّلُثِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثُّلُثَيْنِ فَنَقُولُ أَصْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ ثُمَّ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ فَانْكَسَرَ فَأَضْعِفْهُ فَيَكُونُ سِتَّةً فَصَارَ الثُّلُثُ سَهْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَبَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهَا وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَدَّعِي مِنْهَا سَهْمًا لِيَصِيرَ لَهُ مَعَ السَّهْمِ الْأَوَّلِ ثُلُثُ الْجَمِيعِ فَسَلَّمَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ مِنْهَا ثَلَاثَةً وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي السَّهْمِ الْبَاقِي فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَانْكَسَرَ فَأَضْعِفْ السِّتَّةَ تَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ تِسْعَةٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَلِلْآخَرِ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ الرُّبْعُ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا صَارَ اثْنَيْ عَشَرَ قُسِّمَ ثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا أَوَّلًا نِصْفَيْنِ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ صَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهَا وَالْآخَرُ لَا يَدَّعِي مِنْهَا إلَّا سَهْمَيْنِ لِيَكْمُلَ لَهُ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَلَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِي السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ فَسُلِّمَتْ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَبَقِيَ سَهْمَانِ اسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِمَا فَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا إلَّا أَنَّ التَّخْرِيجَ مُخْتَلِفٌ فَعِنْدَهُ بِالْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَوْلِ وَتَخْرِيجُ قَوْلِهِمَا أَنْ نَقُولَ اجْتَمَعَ وَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ وَوَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ فَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَجْلِ الثُّلُثِ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِي كُلَّهَا وَالْآخَرُ يَدَّعِي سَهْمًا فَتَعُولُ إلَى أَرْبَعَةٍ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ وَلِلْآخِرِ ثَلَاثَةٌ وَلَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ فَنَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالِانْتِفَاعِ دُونَ الْوَرَثَةِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَالِكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

كتاب الفرائض

[كِتَابُ الْفَرَائِضِ] [الْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنَّسَاءِ] (كِتَابُ الْفَرَائِضِ) الْفَرْضُ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّقْدِيرُ يُقَالُ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا وَالْفَرَائِضُ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهَا لِافْتِقَارِ النَّاسِ إلَيْهَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْفَرَائِضُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنْ الْأُمَّةِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكِلْ قَسْمَ مَوَارِيثِكُمْ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا إلَى نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَكِنْ تَوَلَّى رَبُّنَا بَيَانَهَا فَقَسَمَهَا أَبَيْنَ قَسْمٍ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعُلُومِ وَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَسَيُنْزَعُ الْعِلْمُ مِنْ أُمَّتِي حَتَّى يَخْتَلِفَ الرَّجُلَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَعْرِفُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا» فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ قِيلَ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ حَالَتَيْنِ حَالَةَ حَيَاةٍ وَحَالَةَ مَوْتٍ وَالْفَرَائِضُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَوْتِ فَيَكُونُ لَفْظُ النِّصْفِ هَاهُنَا عِبَارَةً عَنْ قِسْمٍ مِنْ قِسْمَيْنِ وَمُنَاسَبَتُهَا بِالْوَصَايَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُصْرَفُ فِي حَالِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْفَرَائِضُ حُكْمٌ بَعْدَ الْمَوْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشْرَةٌ) إنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ. (قَوْلُهُ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ وَالزَّوْجُ) الْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ أَمَّا أَبُو الْأُمِّ فَهُوَ رَحِمٌ وَلَيْسَ بِعَصَبَةٍ فَلَا يَرِثُ إلَّا مِيرَاثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْعَصَبَاتِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْإِنَاثِ سَبْعٌ الِابْنَةُ وَابْنَةُ الِابْنِ وَإِنْ سَفْلَتَ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ وَالْأُخْتُ وَالزَّوْجَةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ) فَالْجَدَّةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ لَا ذِكْرَ لِمِيرَاثِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «جَدَّةً جَاءَتْ إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا فَقَالَ لَهَا لَمْ أَجِدْ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا فَقَامَ إلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ شَهِدْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَاءَتْهُ جَدَّةٌ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا فَفَرَضَ لَهَا السُّدُسَ فَأَوْجَبَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ» وَأَمَّا مَوْلَاةُ النِّعْمَةِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ مِيرَاثَ عَتِيقِهَا وَلَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ بِهِ» وَالْمُرَادُ بِلَقِيطِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَدُهَا مِنْ الزِّنَا وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» [مَوَانِعُ الْإِرْثِ] (قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُ أَرْبَعَةٌ الْمَمْلُوكُ وَالْقَاتِلُ مِنْ الْمَقْتُولِ وَالْمُرْتَدُّ وَأَهْلُ الْمِلَّتَيْنِ) أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ نَوْعُ تَمْلِيكٍ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ لِسَيِّدِهِ وَلَا قَرَابَةَ بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْمَيِّتِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ فِي رَقَبَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ إلَّا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مِنْهُ كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ وَمَا فَضَلَ يَكُونُ مِيرَاثًا عَنْهُ، وَأَمَّا الْمُسْتَسْعَى فَإِنَّهُ

الفروض المحدودة في كتاب الله تعالى

يُنْظَرُ إنْ كَانَ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَحُرٍّ مَدْيُونٍ وَهَذَا مِثْلُ مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى لَا لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ وَلَكِنْ لِحَقٍّ فِيهَا كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ وَالْمَأْذُونِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى عَلَى الْمَأْذُونِ دَيْنٌ أَوْ الْأَمَةِ إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَأَبَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَرِثُونَ وَيُورَثُونَ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْقَاتِلُ فَلَا يَرِثُ مِنْ الْمَقْتُولِ لَا مِنْ الدِّيَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ» ؛ وَلِأَنَّهُ حُرِمَ الْمِيرَاثَ عُقُوبَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ فَمُنِعَ مِنْ الْمِيرَاثِ وَهَذَا إذَا كَانَ قَتْلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْكَفَّارَةُ أَمَّا مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ وَمِنْ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَلَا الْكَفَّارَةَ هُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ إذَا قَتَلَا مُوَرِّثَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِيرَاثُهُمَا وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ بِالسَّبَبِ كَمَا إذَا أَشْرَعَ رَوْشَنًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ سَاقَ دَابَّةً أَوْ قَادَهَا فَوَطِئَتْ مُوَرِّثَهُ أَوْ قَتَلَهُ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ مَالَ حَائِطُهُ فَأَشْهَد عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى سَقَطَ عَلَى مُوَرِّثِهِ أَوْ وُجِدَ مُوَرِّثُهُ قَتِيلًا فِي دَارِهِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَلَا يُمْنَعُ الْإِرْثَ وَكَذَا الْعَادِلُ إذَا قَتَلَ الْبَاغِيَ لَا يُمْنَعُ الْإِرْثَ، وَأَمَّا إذَا قَتَلَ الْبَاغِي الْعَادِلَ إنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَرِثُهُ إجْمَاعًا وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ فَعِنْدَهُمَا يَرِثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرِثُ وَالْأَبُ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ خَطَأً لَا يَرِثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ وَيُشْكِلُ هَذَا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنَّا نَقُولُ قَدْ وَجَبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَرِثُ مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ، وَأَمَّا أَهْلُ مِلَّتَيْنِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» وَلَا يَرِثُ الْحَرْبِيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ وَلَا الذِّمِّيُّ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَأَهْلُ الْحَرْبِ كُلُّهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا إذَا كَانَتْ دَارُهُمْ مُخْتَلِفَةً فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا إذَا كَانَا فِي حِصْنَيْنِ يَسْتَحِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ فَإِنْ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ أَوْ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَسْبُ الرِّدَّةِ وَكَسْبُ الْإِسْلَامِ مَوْرُوثٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كَسْبُ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ سَوَاءٌ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ [الْفُرُوضُ الْمَحْدُودَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى] (قَوْلُهُ وَالْفُرُوضُ الْمَحْدُودَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ وَالثُّمْنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ الِابْنَةُ وَابْنَةُ الِابْنِ إذَا لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ الصُّلْبِ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ وَلِلْأُمِّ وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ إذَا لَمْ تَكُنْ أُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ) وَلَا أَخُوهَا (وَالزَّوْجُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ) وَمَا فَضَلَ مِنْ هَذَا يُصْرَفُ إلَى الْعَصَبَةِ. (قَوْلُهُ وَالرُّبْعُ فَرْضٌ لِلزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَلِلزَّوْجَاتِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ) وَإِنَّمَا خُصَّ وَلَدُ الِابْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ ذُو رَحِمٍ لَا يَرِثُ إلَّا مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا يَحْجُبُ الزَّوْجَيْنِ. (قَوْلُهُ وَالثُّمْنُ لِلزَّوْجَاتِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ) وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ. (قَوْلُهُ وَالثُّلُثَانِ لِكُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ إلَّا الزَّوْجَ) يَعْنِي الِابْنَتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا. (قَوْلُهُ وَالثُّلُثُ لِلْأُمِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] . (قَوْلُهُ وَيَفْرِضُ

باب أقرب العصبات

لَهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ وَهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ أَوْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ فَلَهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ) وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ فَلَهَا ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ لِكُلِّ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وَهَذَا يَقْتَضِي التَّسَاوِي بَيْنَهُمْ. (قَوْلُهُ وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَهُوَ لِلْأُمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَلِلْجَدِّ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ) وَلِلْجَدَّاتِ وَلِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ وَلِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ (قَوْلُهُ وَتَسْقُطُ الْجَدَّاتُ بِالْأُمِّ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ بِالْأَبِ) أَمَّا الْجَدَّاتُ فَيَسْقُطْنَ بِالْأُمِّ سَوَاءٌ كُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ تَسْقُطُ مَعَ ابْنِهَا وَالْأَبُ يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَا يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ حَتَّى أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ مَعَ الْأَبِ وَالْجَدَّاتُ سِتٌّ ثِنْتَانِ لَك وَثِنْتَانِ لِأَبِيك وَثِنْتَانِ لِأُمِّك وَكُلُّهُنَّ وَارِثَاتٌ غَيْرَ أُمِّ أَبِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ كَالِابْنِ إذَا كَانَ قَاتِلًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ هَذَا كَالِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ مَعَ الْأَبِ وَمَعَ ذَلِكَ يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ حَجَبَهُمَا (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ بِأَحَدِ أَرْبَعَةٍ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَتْ بَنَاتُ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَوْ بِإِزَائِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ابْنُ ابْنٍ فَيَعْصِبُهُنَّ) وَيَكُونُ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَخٌ لَهُنَّ فَيَعْصِبُهُنَّ) وَلَا يَعْصِبُهُنَّ ابْنُ الْأَخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ أَقْرَبِ الْعَصَبَاتِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ الْبَنُونَ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْإِخْوَةُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ

باب الحجب

الْجَدَّ أَبًا لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ عِنْدَهُ وَلَا حَظَّ لَهُمْ مَعَهُ فِي الْمِيرَاثِ لِأَنَّ لَهُ وِلَادًا وَتَعَصُّبًا مِنْ جِهَةِ الْوِلَادَةِ أَيْضًا فَأَشْبَهَ الْأَبَ؛ وَلِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ ابْنِ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ لَهُ فَأَشْبَهَ الْأَبَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ مَا دَامَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ أُعْطِيَ الثُّلُثَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ بَنُوهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَتِهِمْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ بَنُو الْجَدِّ وَهْم الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُو أَبٍ الْجَدِّ) وَهْم أَعْمَامُ الْأَبِ وَأَوْلَادُهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَبْعَدُ الْوَرَثَةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَوَى وَارِثَانٍ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ تَعْصِيبًا وَوِلَايَةً. (قَوْلُهُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَالْإِخْوَةُ يُقَاسِمُونَ أَخَوَاتِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنْ الْعَصَبَاتِ يَنْفَرِدُ ذُكُورُهُمْ بِالْمِيرَاثِ دُونَ إنَاثِهِمْ) مِثْلُ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِ الْجَدِّ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ فَالْعَصَبَةُ هُوَ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَةِ الْمَوْلَى) يَعْنِي الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْحَجْبِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُحْجَبُ الْأُمُّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ أَوْ بِأَخَوَيْنِ) أَوْ أُخْتَيْنِ فَصَاعِدًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَخَوَانِ أَوْ الْأُخْتَانِ وَارِثَيْنِ أَوْ سَقَطَا عَنْ الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَا عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا يَحْجُبَانِهَا. (قَوْلُهُ وَالْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ لِبَنِي الِابْنِ وَأَخَوَاتِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وَالْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا تَرَكَ بِنْتًا وَبَنَاتِ ابْنٍ وَبَنِي ابْنٍ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِبَنِي الِابْنِ وَأَخَوَاتِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وَكَذَا الْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِبَنِي الْأَبِ وَبَنَاتِ الْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) لِأَنَّ لَهُ

باب الرد

قَرَابَتَيْنِ مِنْ جِهَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَالْمُشَرِّكَةُ أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ زَوْجًا وَأُمًّا وَإِخْوَةً مِنْ أُمٍّ وَإِخْوَةً مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِأَوْلَادِ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلَا شَيْءَ لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الثُّلُثُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِالسَّوِيَّةِ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثَ فَاسْتَغْرَقَتْ الْفَرِيضَةُ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الرَّدِّ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ ذَوِي السِّهَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ إلَّا عَلَى الزَّوْجَيْنِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يُرَدَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا بِالسَّبَبِ لَا بِالنَّسَبِ فَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَحَقَّاهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ السَّبَبِ الَّذِي يَسْتَحِقَّانِ بِهِ فَلَا يُزَادَانِ عَلَى فَرْضِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ لِأَنَّ النَّسَبَ بَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَوِيَ حَالُهُمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانُوا أَوْلَى بِالْفَاضِلِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الزَّوْجَيْنِ يَسْتَحِقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ النِّكَاحُ فَإِذَا اسْتَحَقَّا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سَبَبٌ غَيْرَ ذَلِكَ يَسْتَحِقَّانِ بِهِ وَأَهْلُ النَّسَبِ يَسْتَحِقُّونَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فِي الْبِنْتِ وَالْأُخُوَّةُ فِي الْأُخْتِ وَالْبَاقِي بِالرَّحِمِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنْ الْمَقْتُولِ) يَعْنِي إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا وَيَرِثُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ مِنْ أَبِيهِ إذَا قَتَلَهُ وَالْبَالِغُ الْعَاقِلُ إذَا وَقَعَ مُوَرِّثُهُ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ سَقَطَ عَلَى حَجَرٍ وَضَعَهُ فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَجَدَ الْأَبُ فِي دَارِ ابْنِهِ قَتِيلًا أَوْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فِي قِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ قَتَلَهُ مُكْرَهًا أَوْ شَهِدَ الِابْنُ عَلَى أَبِيهِ بِالزِّنَا فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ. (قَوْلُهُ وَالْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَتَوَارَثُ بِهِ أَهْلُهُ وَلَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ. (قَوْلُهُ وَمَالُ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ. (قَوْلُهُ وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْءٌ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَرِثْهُ وَرَثَتُهُ الْكُفَّارُ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِالرِّدَّةِ فَحَالُهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ فِي كَسْبِهِ كَحَالِهِ قَبْلَهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مُبَاحُ الدَّمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيْئًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَارِثُ الْمُرْتَدِّ يُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الرِّدَّةِ فَإِنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمَ رِدَّتِهِ وَرِثَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا يَوْمَ الرِّدَّةِ لَمْ يَرِثْهُ وَإِنْ أُعْتِقَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ لَمْ يَرِثْهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا غَرِقَ جَمَاعَةٌ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ حَائِطٌ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوَّلًا فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ) وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِمْ مَعًا (قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَجُوسِيِّ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَتَا فِي شَخْصَيْنِ وَرِثَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي شَخْصٍ وَرِثَ بِهِمَا جَمِيعًا تَفْسِيرُهُ مَجُوسِيٌّ تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا ثُمَّ مَاتَ عَنْ أُمٍّ هِيَ زَوْجَتُهُ وَعَنْ بِنْتٍ هِيَ أُخْتُهُ لِأُمِّهِ فَلَا تَرِثُ الْأُمُّ بِالزَّوْجِيَّةِ وَلَا ابْنَتُهُ بِالْأُخْتِيَّةِ لِأَنَّ الْأُخْتَ لِلْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الِابْنَةِ وَلَكِنْ لِلْأُمِّ السُّدُسُ بِاعْتِبَارِ الْأُمُومِيَّةِ وَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ مَجُوسِيٌّ تَزَوَّجَ بِنْتَه فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَتَيْنِ فَمَاتَ الْمَجُوسِيُّ ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَى الِابْنَتَيْنِ فَإِنَّهَا مَاتَتْ عَنْ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ وَعَنْ أُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ بِالْأُمُومِيَّةِ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ بِالْأُخْتِيَّةِ لِلْأَبِ لِأَنَّا لَمَّا اعْتَبَرْنَا الْأُخْتِيَّةَ لِلْأَبِ

الَّتِي وُجِدَتْ فِي الْأُمِّ لِاسْتِحْقَاقِ السُّدُسِ بِهَا صَارَ ذَلِكَ كَالْمَوْجُودِ فِي شَخْصٍ آخَرَ كَأَنَّهَا تَرَكَتْ الْأُخْتَيْنِ وَهُمَا يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُ الْمَجُوسِيُّ بِالْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَسْتَحِلُّونَهَا فِي دِينِهِمْ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُوجِبُهُ بَيْنَ الْمَجُوسِيِّ بِخِلَافِ الْأَنْسَابِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَجُوسَ يَرِثُونَ بِالزَّوْجِيَّةِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا جَائِزًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا جَائِزًا فَإِنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ بِالزَّوْجِيَّةِ وَمَعْرِفَةُ الْجَائِزِ مِنْ الْفَاسِدِ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ لَوْ أَسْلَمَا يُتْرَكَانِ عَلَيْهِ فَذَلِكَ نِكَاحٌ جَائِزٌ وَمَا لَا يُتْرَكَانِ عَلَيْهِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَمَا كَانَ يُدْلِي بِسَبَبَيْنِ وَأَحَدُهُمَا لَا يَحْجُبُ الْآخَرَ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالسَّبَبَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحْجُبُ الْآخَرَ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ وَلَا يَرِثُ بِالْمَحْجُوبِ بَيَانُهُ مَجُوسِيٌّ تَرَكَ زَوْجَةً هِيَ أُمُّهُ وَهِيَ أُخْتُهُ لِأَبِيهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا ثُمَّ تَزَوَّجَ هَذَا أُمَّهُ وَهِيَ أُخْتُهُ لِأَبِيهِ فَإِنَّ هَذَا النِّكَاحَ فَاسِدٌ لَا يَرِثُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَيَرِثُ ثُلُثَ الْمَالِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَتَرِثُ أَيْضًا نِصْفَ الْمَالِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ لِأَبِيهِ فَيَرِثُ بِالسَّبَبَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَحْجُبُ الْآخَرَ وَالْبَاقِي رُدَّ عَلَيْهِمَا بِالسَّبَبَيْنِ جَمِيعًا إنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ وَلَوْ تَرَكَ امْرَأَةً وَهِيَ ابْنَتُهُ وَهِيَ أُخْتُهُ لِأُمِّهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا فَهَذِهِ بِنْتُهُ وَأُخْتُهُ لِأُمِّهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا النِّصْفُ بِكَوْنِهَا بِنْتًا وَلَا تَرِثُ بِكَوْنِهَا أُخْتًا لِأُمٍّ لِأَنَّ الْأُخْتَ لِلْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ وَلَدِ الصُّلْبِ (قَوْلُهُ وَعَصَبَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْأُمَّهَاتِ) لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ تَعَلَّقَ ذَلِكَ بِأُمِّهِ وَكَذَا وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْ الْأُمَّهَاتِ فَإِذَا مَاتَ ذَلِكَ الْوَلَدُ يَكُونُ مِيرَاثُهُ لِأُمِّهِ وَأَوْلَادِ أُمِّهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا تَرَكَ أَخًا أَوْ أُخْتًا أَوْ إخْوَةً مِنْ أُمٍّ فَلِلْوَاحِدِ السُّدُسُ وَلِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ مِيرَاثِ الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا يَكُونُ لِعَصَبَةِ الْأُمِّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً لِقَوْمٍ كَانَ الْبَاقِي لِمَوَالِي أُمِّهِ أَوْ لِعَصَبَةِ مَوَالِي أُمِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْبَاقِي رُدَّ عَلَى الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ حَمْلًا وُقِفَ مَالُهُ حَتَّى تَضَعَ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ سِوَى الْحَمْلِ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ سِوَاهُ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا أُعْطِيَ خُمْسَ الْمَالِ وَأُوقِفَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى أُعْطِيت تُسْعَ الْمَالِ وَأُوقِفَ ثَمَانِيَةُ أَتْسَاعِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْطَى الِابْنُ نِصْفَ الْمَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ ثُلُثَ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِدُ فِي الْعَادَةِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَيَسْتَحِقُّ هَذَا الْمَوْجُودُ الثُّلُثَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَلِدُ فِي الْعَادَةِ وَلَدًا وَاحِدًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا تَلِدُ الْمَرْأَةُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ فَيَسْتَحِقُّ الِابْنُ الْخُمْسَ وَالْبِنْتُ تَسْتَحِقُّ التُّسْعَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هَذَا كُلُّهُ إذَا عُرِفَ وُجُودُهُ فِي الْبَطْنِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ مَاتَ الْمُوَرِّثُ أَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ إذَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَالْجَدُّ أَوْلَى بِالْمَالِ مِنْ الْإِخْوَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُقَاسِمُهُمْ إلَّا أَنْ تُنْقِصَهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنْ الثُّلُثِ) ثُمَّ عَلَى قَوْلِهَا لِلْجَدِّ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُقَاسَمَةِ وَبَيْنَ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَالثَّانِيَةُ إذَا كَانَ هُنَاكَ صَاحِبُ فَرْضٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا الْمُقَاسَمَةُ أَوْ ثُلُثُ مَا بَقِيَ أَوْ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ بَيَانُهُ جَدٌّ وَأَخٌ لِلْجَدِّ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ النِّصْفُ جَدٌّ وَأَخَوَانِ الثُّلُثُ وَالْمُقَاسَمَةُ هُنَا سَوَاءٌ جَدٌّ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ الثُّلُث هُنَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ أُعْطِيَ فَرْضَهُ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَإِلَى سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِلَى الْمُقَاسَمَةِ يُنْظَرُ أَوَّلًا إلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَإِلَى سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ أَيُّهُمَا خَيْرٌ لَهُ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى أَخْيَرِهِمَا وَإِلَى الْمُقَاسَمَةِ فَأَيُّهُمَا كَانَ خَيْرًا لَهُ كَانَ لَهُ بَيَانُهُ بِنْتٌ وَجَدٌّ وَأَخٌ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا

باب ذوي الأرحام

نِصْفَانِ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَمِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهُنَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَسُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْمُقَاسَمَةُ سَوَاءٌ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَهِيَ بِحَالِهَا فَثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ بِنْتَانِ وَجَدٌّ وَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٌّ لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ الثُّلُثُ يُعْطَى الْجَدُّ مِنْهُ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَإِنْ تَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَجَدًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمًّا فَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ السُّدُسِ وَمِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ وَلَوْ زَادَ فِي الْفَرِيضَةِ فَرِيضَةً أُخْرَى كَابْنَتَيْنِ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُخْتٍ فَلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَبَقِيَ السُّدُسُ يُعْطَى لِلْجَدِّ لِأَنَّ مَذْهَبَ زَيْدٍ أَنَّ نَصِيبَ الْجَدِّ لَا يُنْتَقَصُ مِنْ السُّدُسِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ لِأَنَّ الْأُخْتَ هَاهُنَا عَصَبَةٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْجَدَّاتُ فَالسُّدُسُ لِأَقْرَبِهِنَّ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ الْجَدَّاتِ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ فَإِنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَجْعَلُ السُّدُسَ لِلْقُرْبَى مِنْ أَيْ جِهَةٍ كَانَتْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَعَنْ زَيْدٍ إنْ كَانَتْ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَالسُّدُسُ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ شَارَكَتْهَا الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُوَرِّثُ الْقُرْبَى وَالْبُعْدَى جَمِيعًا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ قُرْبَى وَبُعْدَى وَرِثَ أَقْرَبَهَا مِثَالُ ذَلِكَ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ السُّدُسُ لِأُمِّ الْأُمِّ وَفِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ بَيْنَهُمَا أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السُّدُسُ لِأُمِّ الْأَبِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَعَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا أُمُّ أَبٍ أَبٍ وَأُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السُّدُسُ لِأُمِّ الْأَبِ وَعَلَى قَوْلِ زَيْدٍ هُوَ بَيْنَهُمَا وَإِذَا كَانَ لِلْجَدَّةِ قَرَابَتَانِ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَهَا نَصِيبُ جَدَّتَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا نَصِيبُ جَدَّةٍ وَاحِدَةٍ بَيَانُهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالَتِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا فَإِنَّ جَدَّةَ الرَّجُلِ أُمَّ أُمِّهِ هِيَ جَدَّةُ هَذَا الْوَلَدِ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ وَهِيَ أَيْضًا جَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّ أَبِيهِ فَإِنْ مَاتَ الرَّجُلُ وَخَلَّفَ جَدَّتَهُ أُمَّ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ وَخَلَّفَ هَاتَيْنِ الْجَدَّتَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِصَاحِبَةِ الْقَرَابَتَيْنِ ثُلُثًا السُّدُسِ وَلِلْأُخْرَى الَّتِي هِيَ أُمُّ أَبٍ الْأَبِ ثُلُثُ السُّدُسِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعِنْدَ مَالِكٍ السُّدُسُ كُلُّهُ لِصَاحِبَةِ الْقَرَابَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَيَحْجُبُ الْجَدُّ أُمَّهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا يَحْجُبُ الْجَدُّ أُمَّهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْجَدُّ غَيْرَ وَارِثٍ أَمَّا إذَا كَانَ وَارِثًا فَإِنَّهُ يَحْجُبُهَا لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ وَقَدْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْمِيرَاثَ فَلَا تَرِثُ مَعَهُ كَأُمِّ الْأُمِّ قَالَ الْخُجَنْدِيِّ وَلَا يَحْجُبُ الْجَدُّ مِنْ الْجَدَّاتِ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ وَلَا تَرِثُ أُمُّ أَبٍ الْأُمِّ) لِأَنَّهَا رَحِمٌ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلِأَنَّهَا تُدْلِي بِابْنِهَا وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْجَدَّةَ الْفَاسِدَةَ وَابْنُهَا الْجَدَّ الْفَاسِدَ (قَوْلُهُ وَكُلُّ جَدَّةٍ تَحْجُبُ أُمَّهَا) لِأَنَّ مَحَلَّ أُمِّ الْجَدَّةِ مَعَ الْجَدَّةِ كَمَحِلِّ الْجَدَّةِ مَعَ الْأُمِّ وَالْأُمُّ تَحْجُبُ أُمَّهَا فَكَذَا الْجَدَّةُ تَحْجُبُ أُمَّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ عَصَبَةٌ وَلَا ذُو سَهْمٍ وَرِثَهُ ذَوُو الْأَرْحَامِ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] . (قَوْلُهُ وَهْم عَشْرَةٌ وَلَدُ الْبِنْتِ وَوَلَدُ الْأُخْتِ وَبِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ وَأَبُو الْأُمِّ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ وَالْعَمَّةُ وَوَلَدُ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ وَمَنْ أَدْلَى بِهِمْ) ثُمَّ تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَتَوْرِيثِ الْعَصَبَةِ يَرِثُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ

مسائل في الميراث

إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ وَقَعَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَقْرَبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقْرَبُهُمْ إلَى الْمَيِّتِ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ كَذَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ أَقْرَبَهُمْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ وَقَالَا الْأَقْرَبُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ ثُمَّ أَوْلَادُهُنَّ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ وَفِي الْقُدُورِيِّ أَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ وَلَدَ الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ سَفَلَ. (قَوْلُهُ ثُمَّ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَهْم بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ) يَعْنِي أَنَّهُمْ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ الْجَدِّ وَهْم الْعَمَّاتُ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ مِنْ أَوْلَادِ الْجَدِّ أَبِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَكَذَلِكَ أَوْلَادُهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهِ كَأَوْلَادِ ابْنِهِ أَمَّا إذَا تَرَكَ جَدَّهُ أَبَا أُمِّهِ وَابْنَةَ أَخِيهِ لِأُمِّهِ فَالْمَالُ لِلْجَدِّ أَبٍ الْأُمِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ لِابْنَةِ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ابْنَةِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ أَنَّ الْمَالَ لِلْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ لِأَنَّ لِلْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ وِلَادًا فَهُوَ أَوْلَى [مَسَائِلٌ فِي الْمِيرَاثِ] (مَسَائِلُ) بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ بِنْتِ بِنْتٍ الْمَالُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، ابْنُ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتٍ أُخْرَى أَوْ هُمَا لِبِنْتٍ وَاحِدَةٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَأَنَّهُ تَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا مِنْ صُلْبِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ الْأَصْلُ فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَبْدَانَ وَيُقَسِّمُ بِالْأَبْدَانِ إنْ كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ أَوَّلَ الْخِلَافِ فَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الْخِلَافِ يَقَعُ بِالْأَبْدَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْأَصْلِ يُعْطِي لَهُمْ مِيرَاثَ الْأَصْلِ بَيَانُهُ إذَا تَرَكَ بِنْتَ بِنْتٍ وَابْنَ بِنْتٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَبْدَانَ وَأَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَوَّلَ الْخِلَافِ وَقَعَ بِالْأَبْدَانِ وَلَوْ تَرَكَ ابْنَ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَ ابْنِ بِنْتٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُلُثَاهُ لِابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ وَثُلُثُهُ لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُ الْمَالِ لِابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ وَثُلُثَاهُ لِبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَوَّلَ الْخِلَافِ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي أَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ كَمَا إذَا تَرَكَ ابْنَ أُخْتٍ وَبِنْتَ أَخٍ كِلَاهُمَا لِأَبٍ وَأُمٍّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُمَا مِيرَاثُ أَصْلِهِمَا ثُلُثَانِ لِبِنْتِ الْأَخِ وَثُلُثٌ لِابْنِ الْأُخْتِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ وَلَدُ أَبَوَيْ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَهْم الْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَالْعَمَّاتُ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ بَعْدَ مَنْ ذَكَرْنَا وَإِنْ اجْتَمَعَ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَثُلُثُ الْمَالِ لِلْخَالَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَثُلُثَاهُ لِلْعَمَّةِ لِأَنَّ الْعَمَّةَ تُدْلِي بِالْأَبِ وَالْخَالَةَ بِالْأُمِّ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نَصِيبُ مَنْ تُدْلِي بِهِ وَإِنْ تَرَكَ عَمًّا لِأُمٍّ وَخَالًا لِأَبٍ فَلِلْخَالِ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْأَبْدَانِ وَالْعَمُّ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ وَالْخَالُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ كَذَلِكَ هَذَا وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةَ بَنِي أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِيرَاثَ أَصْلِهِمْ لِأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلِأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ مِيرَاثَ أَصْلِهِمْ وَالْبَاقِي رُدَّ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمِيرَاثُ لِوَلَدِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ بِمَنْ تُدْلِي بِهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا كَانَ لِأُمِّهَا، وَأَمَّا الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ فِيهِنَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا أَوْلَادُهُنَّ. فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقَسِّمُ بِالْأَبْدَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ بَيَانُهُ ثَلَاثُ خَالَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ الْمَالُ لِلْخَالَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ إجْمَاعًا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَخْوَالٍ مُتَفَرِّقِينَ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْخَالِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَ خَالًا وَخَالَةً كِلَاهُمَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَلَوْ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ وَلَوْ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالًا فَالثُّلُثُ لِلْخَالِ وَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّةِ وَإِنْ تَرَكَ خَالَةً وَابْنَ عَمَّةٍ الْمَالُ لِلْخَالَةِ لِأَنَّ ابْنَ الْعَمَّةِ أَبْعَدُ فِي الدَّرَجَةِ وَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ خَالٍ وَابْنَ خَالَةً فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الثُّلُثَانِ لِابْنَةِ الْخَالِ وَالثُّلُثُ لِابْنِ الْخَالَةِ يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

حساب الفرائض

مِيرَاثَ أَصْلِهِ وَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ عَمٍّ وَابْنَ عَمَّةٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْعَمِّ لِأَنَّهَا مِنْ أَوْلَادِ الْعَصَبَةِ وَالْآخَرُ مِنْ أَوْلَادِ ذَوِي الْأَرْحَامِ (قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَوَى وَارِثَانٍ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَوْلَاهُمْ مَنْ أَدْلَى بِوَارِثٍ) كَرَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَةَ عَمٍّ وَابْنَ عَمَّةٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِبِنْتِ الْعَمِّ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ بِنْتَ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتِ ابْنٍ فَالْمَالُ لِبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ. (قَوْلُهُ وَأَقْرَبُهُمْ أَوْلَى مِنْ أَبْعَدِهِمْ) فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقْرَبُ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ ثُمَّ أَوْلَادُهُنَّ (قَوْلُهُ وَأَبُو الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ وَلَدِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَقُ أَحَقُّ بِالْفَاضِلِ مِنْ سَهْمِ ذَوِي السِّهَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ سِوَاهُ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ يَرِثُ) وَهُوَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ وَيُوَالِيهِ وَيُعَاقِدُهُ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَمِيرَاثُهُ لَهُ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ مِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَرَكَ الْمُعْتَقُ أَبَا مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ فَمَالُهُ لِلِابْنِ) عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ بَيْنَهُمَا لِلْأَبِ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَأَخَ مَوْلَاهُ فَالْمَالُ لِلْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ شَيْئًا فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ (قَوْلُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْإِخْوَةَ يُشَارِكُونَهُ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ قَوْلُهُ (وَلَا يُبَاع الْوَلَاءُ وَلَا يُوهَبُ) ؛ لِأَنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَالنَّسَبُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ [حِسَابُ الْفَرَائِضِ] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نِصْفٌ وَنِصْفٌ أَوْ نِصْفٌ وَمَا بَقِيَ فَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْنِ) فَالْأَوَّلُ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَالثَّانِي كَزَوْجٍ وَعَمٍّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ فِيهَا ثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ أَوْ ثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ فَأَصْلُهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ) فَالْأَوَّلُ كَأُمٍّ وَعَمٍّ وَالثَّانِي كَابْنَتَيْنِ وَعَمٍّ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ فِيهَا رُبْعٌ وَمَا بَقِيَ أَوْ رُبْعٌ وَنِصْفٌ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ) الْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَعَصَبَةٍ وَالثَّانِي كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا ثُمْنٌ وَمَا بَقِيَ أَوْ ثُمْنٌ وَنِصْفٌ وَمَا بَقِيَ فَأَصْلُهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ) فَالْأُولَى كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ وَالثَّانِيَةُ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نِصْفٌ

وَثُلُثٌ أَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ) فَالْأُولَى كَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَالثَّانِيَةُ كَأُمٍّ وَبِنْتٍ. (قَوْلُهُ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَتِسْعَةٍ وَعَشْرَةٍ) فَالْأَوَّلُ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَهَذِهِ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَالثَّانِي كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ فَهَذِهِ تَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ وَالثَّالِثُ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ فَهَذِهِ تَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ وَالرَّابِعُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ هَؤُلَاءِ أُمٌّ فَهِيَ تَعُولُ إلَى عَشْرَةٍ. (قَوْلُهُ وَلَا تَعُولُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ) الْعَوْلُ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْفَرَائِضِ عِنْدَ تَضَايُقِ الْمُسْتَحِقِّينَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ مَعَ الرُّبْعِ ثُلُثٌ أَوْ سُدُسٌ فَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ) فَالْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَالثَّانِي كَزَوْجَةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ. (قَوْلُهُ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ) فَاَلَّتِي تَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَابْنَتَانِ وَاَلَّتِي تَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ زَوْجَةٌ وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَأُخْتَانِ لِأُمٍّ وَاَلَّتِي تَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشَرَ إذَا كَانَ مَعَ هَؤُلَاءِ أُمٌّ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ مَعَ الثُّمُنِ سُدُسَانِ أَوْ ثُلُثَانِ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ) فَالْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنٍ وَالثَّانِي كَزَوْجَةٍ وَابْنَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ) كَزَوْجَةٍ وَابْنَتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ وَهَذِهِ تُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةَ لِأَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَجَابَ بِهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عَادَ ثُمُنُهَا تُسْعًا وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَةً أَوَّلَهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِالْحَقِّ قَطْعًا وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى فَلَمَّا سُئِلَ قَالَ عَادَ ثُمُنُهَا تُسْعًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى الْخُطْبَةِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا انْقَسَمَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَقَدْ صَحَّتْ وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ فِي أَصْلِ الْفَرِيضَةِ وَعَوِّلْهَا إنْ كَانَتْ عَائِلَةً فَمَا خَرَّجَتْ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ) كَامْرَأَةٍ وَأَخَوَيْنِ لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعُ سَهْمٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ ثَمَانِيَةً وَمِنْهَا تَصِحُّ وَقَوْلُهُ وَعَوْلُهَا إنْ عَالَتْ كَمَا إذَا كَانَتْ الْفَرِيضَةُ زَوْجًا وَثَلَاثَ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ فَإِنْ وَافَقَ سِهَامَهُمْ عَدَدُهُمْ ضَرَبْت وَفْقَ عَدَدِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) فَمَا بَلَغَ فَالْمَسْأَلَةُ تَصِحُّ مِنْهُ كَامْرَأَةٍ وَسِتَّةِ أَعْمَامٍ لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعُ سَهْمٌ وَلِلْأَعْمَامِ مَا بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ يُوَافِقُ مَا فِي أَيْدِيهمْ عَدَدَ رُءُوسِهِمْ بِثُلُثٍ وَثُلُثٍ فَاضْرِبْ ثُلُثَ عَدَدِهِمْ وَهُوَ

اثْنَانِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً وَمِنْهَا تَصِحُّ لِلزَّوْجَةِ الرُّبْعُ سَهْمَانِ وَلِلْأَعْمَامِ سِتَّةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ سِهَامُ فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَ فَاضْرِبْ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْآخَرِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي الْفَرِيقِ الثَّالِثِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) كَزَوْجَتَيْنِ وَخَمْسِ جَدَّاتٍ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجَتَيْنِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ سَهْمَانِ وَلِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَانْكَسَرَ عَلَى الزَّوْجَتَيْنِ وَالْجَدَّاتِ وَالْإِخْوَةِ فَاضْرِبْ عَدَدَ الزَّوْجَتَيْنِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي عَدَدِ الْجَدَّاتِ يَكُونُ عَشْرَةً ثُمَّ اضْرِبْ الْعَشَرَةَ فِي ثَلَاثَةٍ عَدَدُ الْإِخْوَةِ يَكُونُ ثَلَاثِينَ ثُمَّ اضْرِبْ الثَّلَاثِينَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ يَكُونُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ ثُمَّ نَقُولُ مَنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الْفَرِيضَةِ مَضْرُوبًا فِي ثَلَاثِينَ لِلزَّوْجَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثِينَ يَكُونُ تِسْعِينَ وَهُوَ الرُّبْعُ مِنْ الْجَمِيعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمَانِ فِي ثَلَاثِينَ يَكُونُ سِتِّينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ اثْنَا عَشَرَ وَلِلْإِخْوَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثِينَ يَكُونُ مِائَةً وَعِشْرِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ وَلِلْعَمِّ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثِينَ يَكُونُ تِسْعِينَ فَذَلِكَ كُلُّهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَسَاوَتْ الْأَعْدَادُ أَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَامْرَأَتَيْنِ وَأَخَوَيْنِ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) وَهَذَا يُسَمَّى التَّمَاثُلُ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَتَيْنِ الرُّبْعُ سَهْمٌ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمَا وَلِلْأَخَوَيْنِ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مُنْكَسِرٌ أَيْضًا وَأَحَدُ الْعَدَدَيْنِ يُغْنِيك عَنْ الْآخَرِ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ يَكُونُ ثَمَانِيَةً لِلزَّوْجَتَيْنِ سَهْمَانِ وَلِلْأَخَوَيْنِ سِتَّةٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْآخَرِ أَجْزَأَ الْأَكْثَرُ عَنْ الْأَقَلِّ كَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأَخَوَيْنِ إذَا ضَرَبْت الْأَرْبَعَةَ أَجْزَأَك عَنْ عَدَدِ الْأَخَوَيْنِ) وَهَذَا يُسَمَّى الْمُتَدَاخِلَ فَتَقُولُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَاتِ سَهْمٌ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمْ وَلِلْأَخَوَيْنِ ثَلَاثَةٌ مُنْكَسِرَةٌ أَيْضًا فَاسْتَغْنِ بِضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَدْخُلَانِ فِيهَا فَاضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ فِي أَرْبَعَةٍ فَتَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ اثْنَا عَشَرَ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مُوَافِقًا لِلْآخَرِ ضَرَبْت وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ) فَمَا اجْتَمَعَ فَاضْرِبْهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَأُخْتٍ وَسِتَّةِ أَعْمَامٍ فَالسِّتَّةُ تُوَافِقُ الْأَرْبَعَةَ بِالْأَنْصَافِ فَاضْرِبْ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي جَمِيعِ الْآخَرِ ثُمَّ مَا اجْتَمَعَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ. (قَوْلُهُ فَإِذَا صَحَّتْ الْمَسْأَلَةُ فَاضْرِبْ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ فِي التَّرِكَةِ ثُمَّ اقْسِمْ مَا اجْتَمَعَ عَلَى مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْفَرِيضَةُ يُخْرِجُ حَقَّ ذَلِكَ الْوَارِثِ) لِأَنَّك

تَقُولُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَاتِ الرُّبْعُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ سِتَّةٌ فَاضْرِبْ نِصْفَ عَدَدِ الزَّوْجَاتِ فِي عَدَدِ الْأَعْمَامِ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ فِي الْفَرِيضَةِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لِلزَّوْجَاتِ اثْنَا عَشَرَ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْأَعْمَامِ اثْنَا عَشَرَ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تُقْسَمْ التَّرِكَةُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ يَنْقَسِمُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ وَرَثَتِهِ فَاقْسِمْهُ وَقَدْ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ صَحَّحْت فَرِيضَةَ الْمَيِّتِ الثَّانِي بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثُمَّ ضَرَبْت إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى إذَا لَمْ يَكُنْ سِهَامُ الْمَيِّتِ الثَّانِي تُوَافِقُ مَا صَحَّتْ مِنْهُ فَرِيضَتُهُ) كَزَوْجَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَرْبَعَةِ أَعْمَامٍ ثُمَّ لَمْ تُقْسَمْ التَّرِكَةُ حَتَّى مَاتَ أَحَدُ الْأَعْمَامِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَى إخْوَتِهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَةِ سَهْمٌ وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ وَلِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ مُنْكَسِرٌ عَلَيْهِمْ فَاضْرِبْ أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ يَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُخْتِ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأَعْمَامِ أَرْبَعَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَهْمٌ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَخَلَّفَ إخْوَتَهُ الثَّلَاثَةَ وَبِيَدِهِ سَهْمٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى وَرَثَتِهِ فَاضْرِبْ مَسْأَلَتَهُ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي سِتَّةَ عَشَرَ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ يَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ رُبْعُ الْجَمِيعِ وَلِلْأُخْتِ ثَمَانِيَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ النِّصْفُ يَبْقَى اثْنَا عَشَرَ بَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةٌ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ سِهَامُهُمْ مُوَافِقَةً فَاضْرِبْ وَفْقَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي) مِثَالُهُ زَوْجٌ وَأَخَوَانِ تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَخَلَّفَ أَرْبَعَةَ بَنِينَ أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَيَتَوَافَقَانِ بِالْإِنْصَافِ فَاضْرِبْ نِصْفَ عَدَدِهِمْ فِي جَمِيعِ الْآخَرِ يَكُونُ ثَمَانِيَةً وَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ لِلْأَخَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِأَوْلَادِ

الزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا صَحَّحَتْ مَسْأَلَةَ الْمُنَاسَخَةِ وَأَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ قَسَمْت مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَمَا خَرَجَ أَخَذْت لَهُ مِنْ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ حَبَّةً) صُورَتُهُ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَابْنٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَخَلَّفَ ابْنًا وَأَبًا وَجَدَّةً وَجَدًّا وَهُمْ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ وَبِيَدِهِ خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَصْلُ فَرِيضَتِهِ مِنْ سِتَّةٍ فَاضْرِبْ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى يَكُونُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِلْأَبِ فِي الْأُولَى اثْنَا عَشَرَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَبُو أُمٍّ وَلِلْأُمِّ سَبْعَةَ عَشَرَ وَلِلزَّوْجِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الْأَبُ فِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلِابْنِ فِي الثَّانِيَةِ عِشْرُونَ فَاقْسِمْ سِهَامَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَخْرُجُ نِصْفُ السِّهَامِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ يُقَابِلُ ذَلِكَ نِصْفُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَثُلُثُ السِّهَامِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يُقَابِلُهَا ثُلُثُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ كُلُّ سَهْمٍ ثُلُثَا حَبَّةٍ وَلِلثَّلَاثَةِ الْأَسْهُمِ حَبَّتَانِ وَالرُّبْعُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالدَّانِقُ اثْنَا عَشَرَ وَالثُّمْنُ تِسْعَةٌ وَالْقِيرَاطُ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَالطَّسُّوجُ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيرَاطِ وَهُوَ حَبَّتَانِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَالْحَبَّةُ سَهْمٌ وَنِصْفٌ وَلِكُلِّ سَهْمٍ ثُلُثَا حَبَّةٍ. وَقَدْ قُلْت إنَّ لِلْأَبِ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا وَذَلِكَ دَانِقٌ وَلِلْأُمِّ سَبْعَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَانِقٌ وَثَلَاثُ حَبَّاتٍ وَثُلُثُ حَبَّةٍ لِأَنَّ الدَّانِقَ اثْنَا عَشَرَ بَقِيَ خَمْسَةٌ قَابِلْهَا بِثُلُثَيْهَا كَمَا قَابَلْت سِتَّةً وَثَلَاثِينَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَقَابَلْت أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ بِسِتَّةَ عَشَرَ فَيُقَابَلُ كُلُّ شَيْءٍ بِثُلُثَيْهِ فَإِنْ قَابَلْت خَمْسَةً بِثُلُثَيْهَا كَانَ ثُلُثَاهَا ثَلَاثَةً وَثُلُثًا كَمَا ذُكِرَ وَلِلزَّوْجِ رُبْعُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثُ حَبَّاتٍ وَثُلُثُ حَبَّةٍ وَلِابْنِ الِابْنِ رُبْعُ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٌ وَثُلُثُ حَبَّةٍ فَجَمِيعُ ذَلِكَ دِرْهَمٌ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ تُقْسَمُ الْغَلَّةُ وَيُقْسَمُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ ثُمَّ الدَّانِقُ سُدُسُ دِرْهَمٍ وَسُدُسُ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثَمَانِيَةٌ حِصَّتُهَا مِنْ سِهَامِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ اثْنَا عَشَرَ وَالطَّسُّوجُ حَبَّتَانِ وَالدَّانِقُ أَرْبَعَةُ طَسَاسِيجَ وَالْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانِقٍ وَيُعْتَبَرُ بِالْقِيرَاطِ نِصْفُ سُدُسِ الدِّرْهَمِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَ نِصْفَ سُدُسِ الدِّرْهَمِ قِيرَاطًا وَهُوَ أَرْبَعُ حَبَّاتٍ وَقَدْ يُقَالُ الدِّرْهَمُ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَالدَّانِقُ ثَمَانِيَةُ حَبَّاتٍ وَالْمُرَادُ حَبَّةُ الشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ الَّتِي لَمْ تُقَشَّرْ لَكِنْ قُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَأَقْرَبُ مِنْ هَذَا أَنْ تَقُولَ صُورَتُهُ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَابْنٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَبِ السُّدُسُ اثْنَانِ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ اثْنَانِ وَيَبْقَى لِلِابْنِ خَمْسَةٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَخَلَّفَ ابْنًا وَأَبًا وَهُوَ الزَّوْجُ فِي الْأُولَى وَجَدَّةٌ وَهِيَ الْأُمُّ فِي الْأُولَى فَرِيضَتُهُ مِنْ سِتَّةٍ وَمَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَبِيَدِهِ خَمْسَةٌ لَا تُوَافَقُ وَلَا تَنْقَسِمُ فَاضْرِبْ الْفَرِيضَةَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى تَكُونُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِنْهُ تَصِحُّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ لِلزَّوْجِ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ وَلِلْأُمِّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَلِلْأَبِ فِي الْأُولَى اثْنَا عَشَرَ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبُو أُمٍّ وَلِلِابْنِ الْهَالِكِ الثَّانِي عِشْرُونَ فَذَلِكَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حَبَّاتِ الدِّرْهَمِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَاضْرِبْ نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَاقْسِمْهُ عَلَى اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ

تَصِحُّ لِلْأَبِ ثَمَانُ حَبَّاتٍ وَلِلْأُمِّ أَحَدَ عَشَرَ حَبَّةً وَثُلُثُ حَبَّةٍ وَلِلزَّوْجِ خَمْسَةَ عَشَرَ حَبَّةً وَثُلُثُ حَبَّةٍ وَلِابْنِ الِابْنِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ حَبَّةً وَثُلُثُ حَبَّةٍ فَلِذَلِكَ كُلِّهِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَبَّةً وَامْتِحَانُهُ أَنْ تَقُولَ التَّرِكَةُ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ ثُلُثًا الْفَرِيضَةُ وَهِيَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ فَتُسْقِطُ مِنْ سِهَامِ كُلِّ وَارِثٍ ثُلُثَهُ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنْ أَسْقَطْت مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ ثُلُثَهُ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَثُلُثَانِ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَكَذَا كُلُّ وَارِثٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا دَائِمًا أَبَدًا

§1/1