الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر

السخاوي، شمس الدين

مقدمة التحقيق

مقدمة التحقيق إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده اللَّه فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71]. اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، لك الحمد ربنا على أن هدايتنا للإيمان، ولك الحمد على أن علمتنا، ولك الحمد على آن ألهمتنا الحمد، فلك الحمد في الأولى، ولك الحمد في الأخرى، ولك الحمد في كل حين. {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. والصلاة والسلام على خير الحامدين وخير الشاكرين، وخير الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله وصحبه، خير آل وخير صحب، رضي اللَّه عنهم أجمعين، وحشَرَنَا في زمرتهم يوم الدين.

وبعد، فهذه ترجمة لأحد أعلام الإسلام العاملين، الذين أثرَوا العلوم الإسلامية بالعديد من المؤلفات النافعة، ألا وهو حافظ عصره أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852 هـ، كتبها تلميذه العالم الفذ أبو الخير شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى سنة 911 هـ. ولا أعلم أحدًا قبل السخاوي أفرد ترجمة ابن حجر بكتاب مستقل، وهذا ما قاله المؤلف أيضًا عند إيراده قول ابن الشحنة في ابن حجر (¬1): "وترجمته لا يسعها هذا المكان، وقد أُفرِدت بالتأليف، لكني لم أقف عليه"، فقال السخاوي: وكأنه -رضي اللَّه عنه- عنى تصنيفي هذا، فما علمتُ أحدًا غيري أفردها. أما نسبة الكتاب للسخاوي، فأمر لا يختلف عليه اثنان، حيث ذكره هو نفسه في كتبه الأخرى، مثل الضوء اللامع، فذكره في عشرات المواضع، منها: 1/ 21، 56، 177، 234، و2/ 11، 40، 51، 65، 115، 128، 150، 190، 208، و3/ 34، 93، 156، 161، 191، 196، 228، 302، و4/ 18، 56، 57، 85، 94، 116، 196، 202، 337، و5/ 111، 223، 295 و6/ 129، 153، 329، و7/ 13، 19، 38، 86، 88، 91، 160، 162، 178، 187، 188، 195، 211، 232، 236، 246، 289، و8/ 17، 51، 103، 124، 164، 177، 221، 232 و9/ 18، 107، 259 و10/ 163، 233، 261، 263، 314 و11/ 55، و12/ 11، 34. وفي وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام 2/ 532، وفي التبر المسبوك ص 32، 134، 207، 238، 247، 285، وفي التحفة اللطيفة 1/ 99 - 100، وفي الذيل على رفع الإصر ص 32، 33، 85، 87، 240، 353، 489، وفي الإعلان بالتوبيخ ص 229. وكذا ذكره من ترجم للسخاوي، مثل الشوكاني في البدر الطالع 2/ 185، والنجم الغزي في الكواكب السائرة 1/ 53 وغيرهم. منهم من ذكره بعنوانه الصريح، ومنهم من ذكر باسم ترجمة شيخه أو ترجمة ابن حجر، وخالف الجميع ¬

_ (¬1) 1/ 329.

في ذكر العنوان البصروي في مختصره "جمان الدرر"؛ حيث سماه "تناسق الدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، ولا أعرف مستنده في هذه التسمية. وقد كتب اللَّه القبول لهذا الكتاب بين طلبة العلم، فتداولوه كتابة وقراءة ودرسًا على مؤلفه، وانتشرت نسَخُه في حياته في شتى الأمصار، حيث نجد النسخ المعتمدة في التحقيق كتبت كلُّها في حياة المؤلف، وأكثر من نسخة منها قُرِئت عليه، ودوَّن عليها الكثير من الزيادات والإضافات التي اجتمعت لديه في فترات لاحقة. وقد قال المصنف في ترجمة شيخه من كتاب "التبر المسبوك" ص 231: قد أفردت له ترجمة حافلة في مجلد ضخم، لا تفي ببعض أحواله وما له عليَّ من الحقوق، كتبها عنِّي الأكابر وتهادوها بينهم. والكتاب وإن كان موضوعًا في ترجمة الحافظ ابن حجر، إلا أن فيه الكثير الكثير من الفوائد التي لا نجدها مجتمعة في كتاب مفرد (¬1)، والمؤلف -رحمه اللَّه- يستطرد كثيرًا في ذكر هذه الفوائد، حتى إنه في كثير من الأحيان يبتعد عن الموضوع الذي يبحثه، ثم يقول: "وكل هذا استطراد"، أو: "وذكرت هذا هنا استطرادًا"، أو: "وكل هذه استطرادات، لكنها نافعة" أو: "وإن خرجت عن المقصود". وشبه هذه العبارات. وكانت فكرة جمع هذه الترجمة عند السخاوي تراوده في حياة شيخه الحافظ ابن حجر، حيث قال: "وكان وقع في خاطري جمع ترجمة شيخنا في حياته، والتمستُ منه أن يملي عليَّ منها ما لا أطَّلع عليه إلا من قِبَله". إلا أن هذه الفكرة لم تولد إلا بعد وفاة الحافظ ابن حجر، وتحديدًا سنة 871 هـ، حيث فرغ السخاوي من كتابة هذه الترجمة في مكة المكرمة كما ذكر في نهاية الكتاب. لكن هذا التاريخ لم يكن نهاية المطاف بالنسبة للكتاب، إذ زاد مؤلفه فيه زيادات كثيرة في سنوات لاحقة، فكان كلما تجدَّد له شيء ألحقه في مكانه، فنجده عند حديثه عن مجالس الإملاء التي كان يتولاها شيخه، والتي انقطعت بموته وجددها هو، يقول: وزادت عدة ما ¬

_ (¬1) وضعت فهرسًا مستقلًّا لبعض الفوائد الواردة في الكتاب.

أمليته منه إلى حين كتابتي هذه الأحرف في أثناء سنة سبع وسبعين على المائتين، ثم انتهت إلى أزيد من ثلاثمائة في أواخر سنة تسع وسبعين. ويقول في أثناء ثناء الأئمة على شيخه الحافظ: ومنهم جماعة بقيد الحياة في هذا الحين، وهو سنة ست وثمانين (¬1)، كما يذكر إنشاد أحد المادحين لابن حجر بقصيدة سنة ثلاث وسبعين (¬2). ويلاحظ أن بعض هذه العبارات لم يرد في نسخة ما، وورد في غيرها في أثناء النص، بينما ورد في نسخة ثالثة في الهامش بخط المصنف، ومرد ذلك إلى أن النسخة الأولى كتبت من نسخة لم ترد فيها هذه الزيادات، بينما الثانية كتبت عن الأصل المعدل، وسيأتي بيان ذلك عند وصف النسخ المعتمدة في التحقيق. واختلاف التاريخ بين تأليف الكتاب وإعادة النظر فيه من قبل المؤلف، أدى إلى الاختلاف في بعض العبارات، فضلًا عن الزيادات الكثيرة الملحقة؛ فنجد في نسخة تتكرر عبارة "نفع اللَّه به" عند ذكره أحد الأشخاص، بينما استبدلت في النسخ الأخرى بعبارة "رحمه اللَّه"، أو "كان اللَّه له"، فهو عند كتابة النسخة الأولى كان ذلك الشخص على قيد الحياة، وقد توفي حال كتابة النسخة الثانية أو إلحاق الزيادات بها. ومن الطريف أن اختلاف النسخ هذا يرشدنا إلى تاريخ سوء العلاقة بين المصنف وقرينه برهان الدين البقاعي، المتوفى سنة 885 هـ، ومعلوم ما بينهما من ملاسنات ظهرت مسطورة على صفحات كتبهم، فالمصنف رحمه اللَّه كان أولًا عندما يرد ذكر البقاعي يقول: الشيخ أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي، أو الشيخ برهان الدين البقاعي، بينما نجد أن لقب الشيخ قد حذف من النسخ الأخرى المعدلة، ويزيد في هذه أشياء لم تكن موجودة في النسخة الأولى، بل هو فيها يشن الغارة على البقاعي، ويؤرخ ذلك في سنة سبع وسبعين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) 1/ 329. (¬2) 1/ 493.

ترجمة المؤلف

ترجمة المؤلف أفرد المؤلف ترجمة موسعة لنفسه في كتاب كبير سماه "إرشاد الغاوي بل إسعاد الطالب والراوي بترجمة السخاوي" (¬1). كما ترجم لنفسه ترجمة مختصرة أيضًا في كتابه "التحفة اللطيفة". وكذلك ترجم لنفسه ترجمة مطولة في كتابه ذئاع الصيت "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع"، حيث استغرقت الترجمة الصفحات 2 - 32 من الجزء الثامن من الكتاب، فرأيت من الخير إيراد هذه الترجمة مع شيء من الاختصار وحذف بعض العبارات والفقرات، ولعل اللَّه يفسح في الأجل، فييسر تحقيق كتابه "إرشاد الغاوي"، ففيه فوائد جليلة ولا شك، لا توجد في "الضوء اللامع" أو "التحفة اللطيفة". فأقول وباللَّه التوفيق: [اسمه ونسبه:] محمدُ بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد، الملقب شمس الدِّين أبو الخير وأبو عبد اللَّه، ابن الزّين أو الجلال أبي الفضل وأبي محمد، السخاوي الأصل القاهريُّ الشافعيُّ، ويعرف ¬

_ (¬1) منه نسخة مكتبة لايدن بهولندا رقمها 1106 (2366. Or)، ونسخة ثانية في مكتبة أيا صوفيا بتركيا رقمها 2950. وقد زودني بمصورتهما مشكورًا أخونا الفاضل محمد ابن ناصر العجمي الكويتي، وفي النية القيم على تحقيق هذا الكتاب بعون اللَّه وتوفيقه.

[مولده:]

بالسَّخاوي، وربما يقال له: ابنُ الباردِ، شهرةً لجدّهِ بين أناس مخصوصين، ولذا لم يشتهر بها أبوه بين الجمهور ولا هو، بل يكرهها كابن عُلَيْبَة وابن الملقِّن في الكراهة، ولا يذكره بها إلا من يحتقره. [مولده:] ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة بحارة بهاء الدِّين، علو الدَّرب المجاور لمدرسة شيخ الإسلام البُلقينيّ محلّ أبيه وجدِّه، ثم تحوَّل منه حين دخل في الرابعة مع أبويه لمُلْكٍ اشتراه أبوه مجاورٍ لسكن شيخه ابن حَجَر. [نشأته العلمية:] أدخله أبوه المكتب بالقرب من المَيْدان عند المؤدِّب الشَّرف عيسى بن أحمد المقسيّ الناسخ، فأقام عنده يسيرًا جدًّا، ثم نقله لزوج أخته الفقيه الصَّالح البدر حسين بن أحمد الأزهري أحد أصحاب العارف باللَّه يوسف الصَّفِّي، فقرأ عنده القرآن، وصلَّى به للناس التراويح في رمضان بزاويةٍ لأبي أُمِّه الشيخ شمس الدِّين العدويّ المالكيّ، ثم توجَّه به أبوه لفقيهه المُجاور لسَكَنِهِ، الشَّيخِ المفيدِ النفَّاع القُدوة الشمسِ محمد بن أحمد النحريريّ الضَّرير -مؤدِّب البرهان بن خضر والجلالِ بن المُلقِّن وابن أسد وغيرهم من الأئمة، وأحد من علّق شيخه في "تذكرته" من نوادره، وسمع منه الطَّلبَةُ والفُضلاءُ، ويعرف بالسُّعوديّ، وذلك حين انقطاعه بمنزله لضعفه، فجوَّده عليه وانتفع به في آداب التجويد وغيرها، وعلّق عنه فوائد ونوادر، وقرأ عليه حديثًا والتحق في قراءته عليه بشيوخه، وتلاهُ في غُضُون ذلك مرارًا على مؤدّبه بعد زوج عمَّته الفقيه الشمس محمد بن عمر الطَّباخ أبوه، أحد قُرَّاء السَّبع هو، وحفظ عندهُ بعض "عمدة الأحكام"، ثم انتقل بإشارة السُّعودي المذكور للعلَّامة الشِّهاب بن أسد، فأكمل عنده حفظها مع حفظ "التَّنبيه" كتاب عمه، و"المنهاج الأصلي"، و"ألفية ابن مالك" و"النُّخبة"، وتلا عليه لأبي عمرو، ثمَّ لابن كثير، وسمع عليه غيرهما من الرِّوايات إفرادًا

وجمعًا، وتدرَّب به في المطالعة والقراءة، وصار يشارك غالب من يتردَّد إليه للتَّفهُّم في الفقه والعربية والقراءات وغيرها. وكلَّما انتهى حفظُه لكتاب عرضه على شيوخ عصره، فكان من جملة من عَرَضَ عليه ممَّن لم يأخذ عنه بعدُ: المحبُّ ابن نصر اللَّه البغدادي الحنبليّ، والشَّمسُ بن عمَّار المالكي، والنُّورُ التِّلْوانيّ، والجمال عبد اللَّه الزَّيتُوني، وكذا الزَّينِ عُبادة ظنًّا، فقد اجتمع به وبالشَّمس البِسَاطيّ مع جدّه، ثم حفظ بعدُ "ألفية العراقي"، و"شرح النخبة"، وغالب "الشاطبيَّة"، وبعض "جامع المختصرات"، و"مقدمة السَّاوي في العروض"، وغير ذلك مما لم يكمله. وقرأ بعض القرآن على النُّور البِلْبِيسيّ إمام الأزهر، والزَّين عبد الغني الهيثمي "ابن كثيرٍ" ظنًّا، وسمع الكثير من الجمع للسَّبع وللعَشْر على الزين رضوان العُقْبِيّ، البعض من ذلك على الشِّهاب السّكندري وغيره، بل سمع (الفاتحة) وإلى (المفلحون) للسَّبع على شيخه بقراءة ابن أسد وجعفر السّنهوري وغيرهما من أئمة القُرّاء. ولزم الأستاذ الفريد البرهان بن خضر أحد أصحاب عمّه ووالده، حتَّى أمْلى عليه عدَّة كراريس من مقدّمة في العربية مفيدةٍ، وقرأ عليه غالب "شرح الألفية" لابن عقيل، وسمع الكثير من "توضيحها" لابن هشام وغيره من كتب الفنِّ وغيره. وكذا قرأ على أوحد النُّحاة الشهاب أبي العباس الحنَّاوي مقدمته المسماة "بالدُّرة المضيَّة"، وكتبها له بخطه إكرامًا لجدّه، وتدرَّب بهما في الإعراب؛ حيث أعرب على الأول من (الأعلى) إلى (الناس)، وعلى الثاني مواضع من "صحيح البخاري"، وأخذ العربية أيضًا عن الشهاب الأُبَّذي المغربي والجمال بن هشام الحنبلي حفيد سيبويه وقته الشهير وغيرهما. وقرأ "التَّنبيه" تقسيمًا على ابن خضر، والسّيِّد البدر النَّسَّابة، وبعضه على الشَّمس الشَّنْشي. وحضر تقسيمه مرارًا عند غير هؤلاء، بل حضر عند الشمس الونائيّ تلك الدّروس الطنَّانة التي أقرأها في "الروضة"، ولم يسمع الفقه عن أفصح منه، ولا أجمع. واليسير جدًّا عند القاياتي، وكذا أخذ

الكثير من الفقه عن العلم صالح البُلْقينيّ، ومن جملة ذلك في "الروضة"، و"المنهاج"، وبعض "التدريب" لوالده، و"التكملة" التي له، وسمع دروسًا من "شرح الحاوي" لابن الملقن على شيخه، وكذا من التفسير والعروض. وحضر تقسيم "البَهْجَة" بتمامه عند الشرف المُناوي، وتقسيم "المهذَّب" أو غالبه عند الزين البُوتَيْجيّ، وتردّد إليه في الفرائض وغيرها. بل أخذ طرفًا من الفرائض والحساب والميقات وغيرها عن الشهاب بن المجدي، وقرأ الأصول على الكمال ابن إمام الكامليّة، قرأ عليه غالب "شرحه الصغير على البيضاويّ"، وسمع غير ذلك من فقه وغيره، وقرأ على غيره في "متن البيضاوي"، وحضر كثيرًا من دروس التقي الشُّمُنِّي في الأصلين والمعاني والبيان والتفسير، وعليه قرأ شرحه نظم والده لـ "النُّخْبة" مع شرح أبيه لها، بل أخذ عن العز عبد السَّلام البغدادي في العربية والصَّرف والمنطق وغيرها، وكذا أخذ دروسًا كثيرة عن الأمين الأقصرائي وكثيرًا من التَّفسير وغيره عن السعد بن الديري، ومن "شرح ألفيَّة العراقي" عن الزَّين السّندبيسيّ، بل قرأ الشّرح بتمامه على الزَّين قاسم الحنفي، وأخذ قطعة من "القاموس في اللُّغة" تحريرًا وإتقانًا مع المحبّ بن الشّحنة. وكتب يسيرًا على شيخ الكتاب الزين عبد الرحمن بن الصَّائغ، ثم ترك لِمَا رأى عنده من كثرة اللَّغط، ولزم الشَّمس الطَّنتَدائيّ الحنفي أمام مجلس البيبرسيَّة فيها أيامًا. وقبل ذلك كلِّه سمع مع والده ليلًا الكثيرَ من الحديث على شيخه إمام الأئمة الشِّهاب ابن حَجَر، فكان أوَّل ما وقف عليه من ذلك في سنة ثمانٍ وثلاثين، وأوقع اللَّه في قلبه صحبته، فلازم مجلسه، وعادت عليه بركتُه في هذا الشّأن الذي باد جمالُه، وحادَ عن السَّنن المعتبر عمَّالُه، فأقبل عليه بكلِّيته إقبالًا يزيد على الوصف، بحيث تقلَّل ممَّا عداه، لقول الحافظ الخطيب: "إنَّه علمٌ لا يعلق إلا بمن قَصَر نفسَه عليه، ولم يضمّ غيرَه من الفنون إليه". وقول إمامنا الشّافعي لبعض أصحابه: "أتريد أن تجمعَ بين الفقه والحديث؟ هيهات"!

وتوجيه شيخنا تقديم شيخه له فيه على ولده وغيره بعدم التوغُّل فيما عداه، كتوجيهه لكثير ممَّن وصف من أئمة المحدّثين وحفّاظهم وغيرهم باللَّحن، بأن ذلك بالنسبة للخليل وسيبويه ونحوهما دون خلوّهم أصلًا منه حسبما بسط ذلك معنى وأدلة في عدة من تصانيفه؛ ولذا توهم الغبيُّ الغمْرُ ممَّن لم يخالطْهُ أنه لا يحسُنها، وقال العارف المخالط: إنَّ من قصرَهُ على هذا العلم ظلمَهُ. وداوم الملازمة لشيخه حتى حَمَلَ عنه علمًا جمًّا، واختص به كثيرًا، بحيث كان من أكثر الآخذين عنه، وأعانه على ذلك قربُ منزله منه، فكان لا يفوته مما يقرأ علبه إلَّا النَّادر، إمّا لكونه حمله أو لأن غيره أهم منه، وينفرد عن سائر الجماعة بأشياء. وعلم شدَّةَ حرصه على ذلك، فكان يرسل خلفه أحيانًا بعض خدمه لمنزله يأمره بالمجيء للقراءة. وقرأ عليه "الاصطلاح" بتمامه، وسمع عليه جلّ كتبه؛ "كالألفية" وشرحها مرارًا، و"علوم الحديث" لابن الصلاح إلَّا اليسير من أوائله، وأكثر تصانيفه في الرجال وغيرها "كالتقريب" وثلاثة أرباع أصله، ومعظم "تعجيل المنفعة"، و"اللِّسان" بتمامه، و"مشتبه النّسبة"، و"تخريج الرَّافعي"، و"تلخيص مسند الفردوس"، و"المقدّمة" و"بَذْل الماعون" و"مناقب كل من الشافعي واللّيث"، و"أماليه الحلبية"، و"الدمشقية"، وغالب "فتح الباري"، و"تخريج المصابيح" و"ابن الحاجب الأصلي"، وبعض "إتحاف المهرة"، و"تغليق التعليق"، و"مقدمة الإصابة" وجملة، وفي بعضه ما سمعه أكثر من مرة، وقرأ بنفسه منها "النخبة" و"شرحها"، و"الأربعين المتباينة"، و"الخصال المكفِّرة"، و"القول المسدّد"، و"بلوغ المرام"، و"العشرات العشاريات"، و"المائة"، والملحق بها لشيخه التَّنُوخي، و"الكلام على حديث أم رافع"، و"ملخص ما يقال في الصَّباح والمَسَاء"، و"ديان خُطَبِهِ" و"ديوان شعره" وأشياء يطول إيرادها. وسمع بسؤاله له من لفظه أشياء؛ كـ "العشرة العشريات"، و"مسلسلات الإبراهيمي" خارجًا عمّا كتبه عنه في الإملاء مع الجماعة من سنة ستٍّ وأربعين وإلى أن مات.

وأذن له في الإقراء والإفادة والتَّصنيف، وصلَّى به إمامًا التَّروايح في بعض ليالي رمضان. وتدرَّب به في طريق القوم، ومعرفة العالي والنازل والكَشْف عن التراجم والمُتُون وسائر الاصطلاح وغير ذلك. وكذا تدرَّب في الطَّلبة بمستمليه مفيد القاهرة الزين رِضوان العُقْبِيّ، وأكثر من ملازمته قراءة وسماعًا، وبصاحبه النَّجم عمر بن فهد الهاشمي، وانتفع بإرشاد كلٍّ منهم وأجزائه وإفادته، بل كتب شيخُه من أجله إلى دمياط لمن عنده "المعجم الصغير" للطبراني بإرساله إليه، حتى قرأه عليه، لكون نسخته قد انمحى الكثيرُ منها، وما علم أنَّه في أوقات سعيد السُّعداء إلَّا بعدُ. ولم ينفكَّ عن ملازمته ولا عدل عنه بملازمة غيره من علماء الفنون خوفًا على فقده، ولا ارتحل إلى الأماكن النائية، بل ولا حجَّ إلَّا بعد وفاته، لكنَّه حمل عن شيوخ مصر والواردين إليها كثيرًا من دواوين الحديث وأجزائه، بقراءته وقراءة غيره في الأوقات التي لا تعارض أوقاته عليه غالبًا، ولا سيما حين اشتغاله بالقضاء وتوابعه، حتَّى صار أكثرَ أهل العصر مسموعًا، وأكثرَهم رواية، ومن محاسن من أخذ عنه من عنده: الصَّلاح بن أبي عُمَرَ، وابن أمية، وابن النَّجم، وابن الهبل، والشمس بن المحب، والفخر بن بشارة، وابن الجُوخي، والمنيجي، والزيتاوي، والبياني، والسُّوقي، والطبقة، ثم من عنده القاضي العزّ بن جماعة، والتَّاج السُّبكي، وأخوه البهاء، والجمال الإسنائي، والشهاب الأذرعيّ، والكرْماني، والصَّلاح الصَّفدي، والقيراطي، والحراوي، ثم الحسين التكريتي، والأميوطي، والباجي، وأبو البقاء السُّبكي، والنَّشَاوريّ، وابن الذّهبي، وابن العلائي، والآمدي، والنَّجم بن الكشك، وأبو اليمن بن الكويك، وابن الخشاب، وابن حاتم، والمليجي وابن رزين، والبدر بن الصَّاحب، ثم السّراج الهندي، والبُلْقيني، وابن المُلَقِّن، والغَرَاقي الهيثمي، والإبناسيّ، والبرهان بن فرحون، وهكذا حتى سمع من أصحاب أبي الطَّاهر بن الكويك، والعزّ بن جماعة، وابن خير، ثم من أصحاب الولي العراقي، والفُوّيّ، وابن الجَزَري، ثم من يليهم.

[رحلاته:]

وقمش وأخذ عمَّن دبَّ ودَرَج وكتب العاليَ والنازلَ، حتى بلغت عدَّةُ من أخذ عنه بمصر والقاهرة وضواحيها كإنبابة، والجِيْزة، وعُلوِّ الأهرام، والجامع العمريّ وسَرْيَاقُوس، والخانقاه، وبلبيس، وسفط الحناء، ومُنْية الرّديني، وغيرها زيادةً على أربعمائة نفس؛ كل ذلك وشيخُه يمدُّه بالأجزاء والكتب والفوائد التي لا تنحصر، وربما نبَّهه على عوالٍ لبعض شيوخ العصر، ويحضُّه على قراءتها. وشكا إليه ضيقَ عَطَن بعضهم، فكاتبه يستعطفه عليه، ويرغِّبُهُ في الجلوس معه، ليقرأ ما أحبَّه. [رحلاته:] بعد وفاة شيخه سافر لدِمْيَاطَ، فسمع بها من بعض المُسندِين، وكتب عن نفر من المتأدّبين. ثم توجَّه في البحر لقضاء فريضة الحج، وصحب والدته معه، فلقي بالطُّور واليَنْبُوع وجُدّة غير واحدٍ أخذ عنهم، ووصل لمكّة أوائل شعبان، فأقام بها إلى أن حجَّ. وقرأ بها من الكتب الكبار والأجزاء القصار ما لم يتهيَّأ لغيره من الغُرَباء، حتى قرأ داخل البيت المعظَّم، وبالحِجْر، وعلو غار ثَوْر، وجبل حراء، وبكثير من المشاهد المأثورة بمكّة، وظاهرها، كالجِعْرَانَةِ، ومِنًى، ومسجد الخِيْف على خَلْق، كأبي الفتح المراغيّ، والبرهان الزَّمزمي، والتَّقي بن فهد، والزَّين الأميوطيّ، والشّهاب الشّوائطي، وأبي السَّعادات بن ظهيرة، وأبي حامد بن الضّياء، وزيادة على ثلاثين نفسًا، فمنهم من يروي عن البهاء بن خليل، والكَرْماني، والأذرعي، والنَّشاوري، والجمال الأمْيوطي، وابن أبي المجد، والتَّنُوخي، وابن صديق، والعراقي، والهَيْثَمي، والأبناسي، والمجدين اللُّغوي وإسماعيل الحنفي، ومن لا أحصره سوى من أجاز له فيها، وهم أضعاف ذلك، وأعانه عليه صاحبُه النَّجم بن فهد بكتبه وفوائده ونفسه ودلالته على الشيوخ، وكذا بكتب والده، ثمَّ انفصَلَ عنها، وهو متعلِّق الأمل بها.

وقرأ في رجوعة بالمدينة الشَّريفة تجاه الحُجْرة النبويَّة على البدر عبد اللَّه بن فرحون، وبغيره من أماكنها على الشّهاب أحمد بن النُّور المحلّي، وأبي الفرج المرَاغي في آخرين. ثم يَنْبُوع أيضًا وعقبة أيْلَة، وقبل ذلك برابغ وخُلَيص. ورجع للقاهرة، فأقام بها ملازمًا السَّماع والقراءة والتَّخريجَ والاستفادة من الشُّيوخِ والأقران غيرَ مشتغل بما يعطِّله عن مزيد الاستفادة، إلى أن توجه لَمنُوفٍ العُلْيا، فسمع بها قليلًا، وأخذ بفيشا الصغرى عن بعض أهلها ثم عاد لوطنه، فارتحل إلى الثغر السكندري، وأخذ عن جمع من المُسنِدين والشُّعراء بها وبأمّ دينار، ودسوق، وفُوَّة، ورشيد، والمحلَّة، وسَمَنُّود، ومُنْية عسّاس، ومُنية نابت، والمنصورة، وفارَسْكُور، ودُنْجية، والطويلة، ومسجد الخَضِر. ودخل دِمْياط، فسمع بها. وحصَّل في هذه الرحلة أشياء جليلة من الكتب والأجزاء والفوائد عن نحو خمسين نفسًا، فيهم من يروي عن ابن الشيخة، والتَّنوخي، والصَّلاح الزِّفتاوي، والمطرِّز، وعبد اللَّه بن أبي بكر الدَّماميني، والبُلْقيني، وابن الملقّن، والعراقي، والهيثمي، والكمال الدَّميري، والحَلَاوي، والسّويداوي، والجمال الرّشيدي، وأبي بكر بن إبراهيم بن العزّ، وابن صديق، وابن أَقْبرس، وناصر الدّين بن الفرات، والنَّجم البالسي، والتاج بن موسى السّكندري، والزين الفيشي المرجاني، وناصر الدين بن الموفق، وابن الخرّاط، والهزبر، والشوف بن الكُوَيْك. ثم ارتحل إلى حلب، وسمع في توجّهه إليها بَسَرْيَاقُوس، والخانقاه، وبَلْبيس، وقَطْيَا، وغزّة، والمجدل، والرّملة، وبيت المقدس، والخليل، ونابلس، ودمشق، وصالحيتهيا، والزَّبداني، وبعلبك، وحمص، وحماة، وسِرْمين، وحلب، وجِبْرين، ثُمَّ بالمعرَّة، وطَرَابُلس، وبرزة، وكفربَطْنا، والمِزَّة، وصالحيَّة مصر، والخطَّارة وغيرها شيئًا كثيرًا، من قريب مائة نفس؛ وفيهم من أصحاب الصَّلاح بن أبي عُمر، وابن أميلة، وابن الهبل، والزين عبد الرحمن بن الأستاذ، وأبي عبد اللَّه محمد بن عمر بن قاضي شُهْبة،

ويحيى بن يُوسف الرّحبي، والحافظ أبي بكر بن المحب، وناصر الدين بن داود، وأبي الهَوْل الجزري، وأبي العباس أحمد بن العماد بن العز المقدسي، وابن عوض، والشهاب المَرْدَاوي، وأبي الفرج بن ناظر الصاحبة، والكمال بن النحاس، ومحمد بن الرشيد عبد الرحمن بن أبي عمر، والشرف أبي بكر الحرّاني، والشِّهاب أبي العباس بن المرحّل، وفرج الشرفي فمن بعدهم. واستمدَّ في بيت المقدس من أجزاء التقّي أبي بكر القَلْقشَنْدِيّ، وكتبه وإرشاده، فقد كان ذا أُنْسَةٍ بالفنِّ. وفي الشام من أجزاء الضيائيَّة وغيرها بمعاونة الإمام التقي بن قُنْدس، والبُرْهان القادري، وآخرين. ثمّ في حلب بمحدِّثها وابن حافظها أبي ذرٍّ الحلبي، فأعاره، وأرشده، وطافَ معه على من بقي عندهم، وساعده غيرُه بتجهيز ساعٍ بإحضار "سنن الدَّارقُطْني" من دمشق حتى أخذها عن بعض من يرويها بحلب. وأجر له خلقٌ باستدعائه واستدعاء غيره من جهات شتَّى ممَّن لم يتيسَّر له لقيُّهم أو لقيَهُم، ولكن لم يسمع منهم، بل كان وهو صغير قبلَ أن يتميَّز ألهمَ اللَّه سبحانه بفضله بعض أهل الحديث استِجازةَ جماعةٍ من محاسن الشُّيوخ له تبعًا لأبيه، فيهم من يروي عن الميدومي، وابن الخبّاز، والخلاطي، وابن القيّم، وابن الملوك، والعز محمد بن إسماعيل الحَمَوي، وأبي الحرم القَلَانسي، وابن نُباتة، وناصر الدّين الفارقي، والكمال بن حبيب، والظَّهير بن العجمي، والتَّقي السُّبكي، والصَّلاح العلائي، وابن رافع، ومُغْلَطَاي، والنَّشَّائي، وابن هشام، وأبي عبد اللَّه بن جابر، ورفيقه أبي جعفر الرُّعيني، المعروفين بالأعمى والبصير وشبههم، بل من يروي بالسماع عمّن حدَّث عنه بالإجازة كالزِّيتاوي، وابن أميلة، والصلاح بن أبي عمر، والعماد محمد بن موسى الشيرجي، والعز محمد بن أبي بكر السوقي، وأبي عبد اللَّه البياني، والشهاب بن النّجم، وأبي علي بن الهبل، وزينب ابنة قاسم وغيرهم، وكذا دخل في استدعاء صاحبه النَّجم بن فهد الهاشمي، بل وكثير من استدعاءات شيخه الزين رضوان، وغيره؛ إما لكونه من أبناء صوفية

[مروياته:]

الخانقاه البيبرسية، أو نحو ذلك ممَّا هو أخصُّ من العامة، بل تكاد أن تكون خاصة. كما ألهم اللَّه المحب بن نصر اللَّه حين عرضِهِ عليه كتابة الإجازة، مع كونه إنما كتب له بالهامش، وكونه لم يكتب بها لكل من أبيه وعمّه مع كتابته لهما نحو ورقة؛ ولهذا كلِّه زاد عددُ من أخذ عنه من الأعلى والدُّون والمُساوي حتى الشُّعراء ونحوهم على ألفٍ ومائتين، والأماكن التي تحمّل فيها من البلاد والقرى على الثمانين. [مروياته:] واجتمع له من المرويات بالسّماع والقراءة ما يفوق الوصف، وهي تتنوع أنواعًا: أحدها: ما رُتب على الأبواب الفقهية ونحوها، وهي كثيرة جدًّا، منها ما تقيَّد فيه بالصَّحيح؛ كـ "الصحيحين" للبخاري ولمسلم، ولابن خزيمة -ولم يوجد بتمامه- ولأبي عُوانة الإسفرايني، وهو وإن كان مستخرجًا على ثاني الصَّحيحين، فقد أتى فيه بزيادات طرق، بل وأحاديث كثيرة. وعنده من المستخرجات بالسماع "المستخرج على صحيح مسلم" لأبي نُعيم، كما أنَّ في مروياته -لكن بالإجازة- من الكتب الي تقيد فيها بالصّحة كتاب "المستدرك على الصَّحيحين" أو أحدهما للحاكم، وهو كثير التَّساهل، بحيث أدرج في كتابه هذا الضَّعيف، بل والموضوع المنافيين لموضوع كتابه. ومن الكتب الصَّحيحة "الموطَّأ" لمالك، ووقع له بالسَّماع عن دون عشرة من أصحابه، وإدراجُه في الصّحاح إنما هو بالنسبة للتَّصانيف قبله، وإلَّا فلا يتمشَّى الأمر في جميعه على ما استقرَّ الأمرُ عليه في تعريف الصَّحيح. ومنها ما لم يتقيَّد فيه بالصِّحة، بل اشتمل على الصَّحيح وغيره، كـ "السُّنن لأبي داود" رواية أبي علي اللُّؤلؤي وأبي بكر بن داسة عنه، وقيل: إنه يكفي المجتهد، ولأبي عبد الرحمن النَّسائي رواية ابن السني وابن الأحمر وغيرهما عنه، ولأبي عبد اللَّه بن ماجه القزويني، ولأبي الحسن الدَّارقُطني،

ولأبي بكر البَيْهَقيّ، و"السُّنن" التي له أجمع كتاب سمعه في معناه. ولمحمد بن الصباح، وكـ "الجامع" لأبي عيسى الترمذي، ولأبي محمد الدارمي. ويقال له أيضًا "المُسْنَد"؛ بحيث اغترَّ بعضهم بتسميته، وأدرجه في النوع بعده، وقد أطلق بعضُهم عليه الصحَّة، وكان بعض الحفَّاظ ممَّن روى عن بعض الآخذين عنه يقول: إنه لو جُعل بَدَل ابن ماجه بحيث يكون سادسًا للكتب الشَّهيرة أصول الإسلام لكان أولى؛ وكـ "المُسْنَد" للإمام الشَّافعي، وليس هو من جمعه، وإنَّما التقطه بعضُ النَّيسابوريّين من "الأم" له و"السُّنن" له رواية المُزَنيّ، ورواية ابن عبد الحكم، و"شرح معاني الآثار" لأبي جعفر الطحاوي. ثم إنّ في بعض هذه ما يميّز فيه مصنفه المقبول من غيره "كالجامع" للترمذي، ونحوه "السُّنن" لأبي داود، ومما يلتحق بهذا النوع ما يقتصر فيه على ما فرد من أفراده أو غيره "كالشَّمائل النبويَّة" للتِّرمذي، و"دلائل النبوة" للبَيْهَقي، و"الشِّفا" لعياض، و"المغازي" لموسى بن عقبة، و"السيرة النبوية" لابن هشام، ولابن سيد الناس، و"بشرى اللَّبيب" له، و"فضل الصَّلاة على النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-" لإسماعيل القاضي ولابن أبي عاصم، ولابن فارس وللنُّمَيريّ، و"حياة الأنبياء في قبورهم" و"فضائل الأوقات" و"الأدب المفرد" ثلاثتها للبيهقي، وكذ للبخاري "الأدب المفرد"، وفي معناهما "مكارم الأخلاق"، للطبراني، وكذا للخرائطي مع "مساويها" له. وكـ "التَّوكُّل" و"ذم الغيبة" و"الشُّكر" و"الصَّمت" و"الفرج" و"اليقين"، وغيرها من تصانيف أبي بكر بن أبي الدنيا. وكـ "برِّ الوالدين" و"القراءة خلف الإمام" و"رفع اليدين في الصَّلاة" للبخاري، و"البسملة" لأبي عمر بن عبد البر، و"العلم" للمرهبي ولأبي خيثمة زهير بن حرب، و"الطهارة" و"فضائل القرآن" و"الأمْوال" ثلاثتها لأبي عبيد، و"الإيمان" لابن مَنْدَة ولأبي بكر بن أبي شيبة. و"ذم الكلام" للهروي و"الأشربة الصَّغير" و"البيوع" و"الورع" ثلاثتها لأحمد، وكـ "الجامع لأخلاق الرّاوي والسَّامع" للخطيب. و"المحدِّث الفاصل بين الرَّاوي والواعي" للرَّامَهُرْمُزي، و"علوم الحديث" لابن الصَّلاح، ومن قبله للحاكم "شرف أصحاب الحديث"، و"رواية الآباء عن الأبناء"، و"اقتضاء العلم

العمل"، و"الزُّهد" و"الطفيليين" خمستُها للخطيب. وفي مسموعاته أيضًا: "الزُّهد" لابن المبارك، وكـ "الدّعوات" للمحاملي وللطبراني وهو أجمعُ كتاب فيها، و"عمل اليوم والليلة" لابن السّني، و"فضل عشر ذي الحجّة" للطّبراني، ولأبي إسحاق الغازي، وكذا في مسموعاته من التَّصانيف في "فضل رجبٍ وشعبانَ ورمضان" جملة، و"اختلاف الحديث" و"الرسالة" كلاهما للشافعي، و"عوارف المعارف" للسَّهْرَوَرْدي، و"بداية الهداية" للغزالي، و"صفة التصوُّف" لابن طاهر. ثانيها: ما رُتِّب على المسانيد كـ "مسند أحمد" وهو أجمع مسند سمعه، وأبي داود الطيالسي، وأبي محمد عبد بن حميد، وأبي عبد اللَّه العدني، وأبي بكر الحميدي ومسدَّد، وأبي يَعْلى الموصلي. وليس في واحد منها ما هو مرتبا على حروف المعجم؛ نعم ممَّا رُتِّب فيه على الحروف من المسانيد مع تقييده بالمحتج به "المختارة" للضياء المقدسي، ولكن لم يكمل تصنيفًا ولا استوفى الموجود سماعًا و"المعجم الكبير" الطبراني، وهو مع كونه يلي "مسند أحمد" في الكبر أكثرها فوائد. و"المعجم" لابن قانع، والأحاديثُ فيه قليلة، ونحوه "الاستيعاب" لابن عبد البرّ، إذ ليس القصد فيه إلَّا تراجم الصحابة وأخبارهم، وقريب منه في كون موضوعه التَّراجم، ولكن لم يقتصر فيه على الصحابة، مع الاستكثار فيه من الحديث. ونحوه "حلية الأولياء" لأبي نُعَيْم، وكذا ممَّا يذكر فيه أحوال الصُّوفية الأعلام "الرِّسالة القُشَيْريّة". وقد يقتصر على صحابيّ واحد كـ "مسند عمر" للنجاد، و"سعد" للدَّورقي. كما أنّه قد يقتصر على الفضائل خاصة كـ "فضائل الصحابة" لطراد ووكيع. ونحوه "الذرية الطَّاهريَّة" للدُّولابيّ. وقد يكون في مطلق التَّراجم لكن لأهل بلدٍ مخصوص كأصبهان لأبي نُعَيْم وبغداد للخطيب، وعنده بالسماع منهما جملة. وقد يكون في فضائل البلدان كـ "فتوح مصر" لابن عبد الحكم و"فضائل الشام" للربعي.

ثالثها: ما هو على الأوامر والنَّواهي وهو صحيح أبي حاتم بن حبَّان، المسمَّى بـ "التَّقاسيم والأنواع"، والكشف منه عسرٌ على من لم يتقن مُراده. رابعها: ما هو على الحروف في أول كلمات الأحاديث، وهو "مسند الشِّهَاب" للقُضاعي. خامسها: ما هو في الأحاديث الطوال خاصة، وهو "الطِّوالات" للطبراني، ولابن عساكر منها: "كتابُ الأربعين". سادسها: ما يقتصر فيه على أربعين حديثًا فقط، ويتنوَّع أنواعًا كـ "الأربعين الإلهية" لابن المفضّل، وكـ "الأربعين المسلسلات" له، وكـ "الأربعين في التصوُّف" لأبي عبد الرحمن السلمي، إلى غيرها، كالأحكام وقضاء الحوائج وما لا تقيد فيه كـ "أربعين الآجريّ" والحاكم وهي شيء كثير، وقد لا يقتصر على الأربعين كـ "الثمانين" للآجري و"المئة" لغيره. سابعها: ما هو على الشُّيوخ للمصنف كـ "المعجم الأوسط" و"الصغير" كلاهما للطبراني، و"معجم الإسماعيلي" و"ابن جميع"، ونحوها كالمشيخات التي منها "مشيخة ابن شاذان الكبرى" و"الصُّغرى" و"مشيخة الفَسوي". وبعضها مرتب على حروف المعجم؛ ومنه ما لم يرتّب، ونحو هذا جمع ما عند الحافظ أبي بكر بن المقرىء وكذا الحارثي وغيرهما ممّا هو مسموعٌ عنده ممَّا عندهم من حديث الإمام أبي حنيفة وترتيبه على شيوخه، ويسمى كل واحد منهما "مسند أبي حنيفة". ثامنها: ما هو على الرُّواة عن إمام كبير ممن يجمع حديثه كـ "الرُّواة عن مالك" للخطيب، و"من روى عن مالك من شيوخه" لابن مَخْلَد. تاسعها: ما يقتصر فيه على الأفراد والغرائب كـ "الأفراد" لابن شاهين وللدَّارقُطني، وهي في فئة جزء سمع منها الكثير، ومنه "الغرائب عن مالك" وغيره من المكثرين. عاشرها: ما لا تقيُّد فيه بشيء ممَّا ذُكر، بل يشتمل على أحايث نثرية من العوالي، وهو على قسمين:

أولهما ما كل تخريج منه في مجلد ونحوه كـ "الثقفيات" و"الجعديات" و"الحنائيات" و"الخلْعيَّات" و"السَّمعونيات" و"الغيلانيات" و"القطيعيات" و"المحامليات" و"المخلصيات" و"فوائد تمام" و"فوائد سَمَوَيْه" وجملة؛ ونحوها "المجالسة" للدّينوري. وما هو دون ذلك؛ كـ "جزء" أبي الجهم، والأنصاري؛ وابن عرفة، وسفيان وما يزيد على ألف جزء. حادي عشرها: ما لا إسناد فيه، بل اقتصر فيه على المتون مع الحكم عليها وبيان جملةٍ من أحكامها كـ "الأذكار" و"التبيان" و"الرِّياض" وغيرها من تصانيف النَّوويّ وغيره، إلى غيرها من المسموعات التي لا تقيُّدَ فيها بالحديث؛ كـ "الشَّاطبية" و"الرَّائية" في علمي القراءة والرَّسم، و"الألفية" في علمي النَّحو والصَّرف، و"جمع الجوامع" في الأصلين والتَّصَوُّف، و"التَّنبيه" و"المنهاج" و"بهجة الحاوي" في الفقه و"تلخيص المفتاح" في المعاني والبيان، و"قصيدة بانت سُعاد" و"البُردة" و"الهمزيَّة". وليس ما ذكر بآخر التنبيه؛ كما أنه ليس المراد بما ذُكر في الأنواع الحصر، إذ لو سرد كل نوع منه لطال ذكرُه، وعَسُرَ الآن حصرُه، بل لو سرد مسموعه ومقروءه على شيخه فقط لكان شيئًا عجبًا. وأعلى ما عنده من المرويِّ ما بينه وبين الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسَّنَد المتماسك فيه عشرة أنفس، وليس ما عنده من ذلك بالكثير، وأكثر منه وأصح ما بين شيوخه وبين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- العدد المذكور. واتَّصَلَتْ له الكتب الستَّة وكذا حديث كلّ من الشَّافعي وأحمد والدَّرامي وعبدٍ بثمانية وسائط، بل وفي بعض الكتب الستَّة كأبي داود من طريق ابن داسة، وأبواب من النَّسائي ما هو بسبعة -بتقديم المهملة- واتصل له حديث مالك وأبي حنيفة بتسعة، بتقديم المثناة. ولما وُلِدَ ولدُه أحمد، جدّد العزمَ لأجله؛ حيث قرأ له على بقايا المُسْندِين شيئًا كثيرًا جدًّا في أسرع وقت، وانتفع بذلك الخاصُّ والعامُّ والكبير والصغير، وانتشرت الأسانيدُ المحرَّرة والأسمعة الصَّحيحة والمرويات

المُعتبرة، وتنبَّه النَّاسُ لإحياء هذه السُّنَّة بعد أن كادت تنقطع، فلزموه أشدَّ ملازمة، وصار من يأنف الاستفادة منه من المهملين يتسوَّر على خطِّه، فيستفيد منه، وما يدري أنَّ الاعتماد على الصُّحف فقط في ذلك فيه خلل كبير، ولعَمري إنَّ المرء لا ينبُل حتى يأخذ عمَّن فوقه ومثله ودونه، على أنَّ الأساطين من علماء المذاهب ومحقّقيهم من الشيوخ وأماثل الأقران البعيد غرضهم عن المقاصد الفاسدة غير متوقفين عن مسألته فيما يَعْرضُ لهم من الحديث ومُتَعلقاته، مرةً بالكتابة التي ضبطها بخطوطهم عنده، ومرَّة باللَّفظ، ومرَّة بإرسال السائل لهم نفسه وبغير هذا ممَّا يستهجن إيراد مثله، مع كونه أفرد أسماءهم في محل آخر، وطالما كان التَّقيُّ الشُّمُنِّي يحضُّ أماثَل جماعته كالنَّجمي بن حجي على ملازمته، ويقول: متى يسمح الزمان بقراءته، بل حضَّه على عقد مجلس الإملاء غيرَ مرَّةٍ، ولذا لما صارت مجالس الحديث آنسة عامرة منضبطة، ورأى إقبالهم على هذا الشأن وللَّه الحمد، امتثل إشارته بالإملاء فأملى بمنزله يسيرًا، ثم تحوَّل لسعيد السعداء وغيرها، متقيدًا بالحوادث والأوقات، حتى أكمل تسعةً وخمسين مجلسًا. ثُمَّ توجه وعيالُه وأكبرُ إخوته ووالده للحجّ في سنة سبعين، فحجُّوا وجاوَرُوا، وحدَّث هناك بأشياء من تصانيفه وغيرها، وأقرأ "ألفية الحديث" تقسيمًا، وغالب شرحها لناظمها، و"النُّخْبة" وشرحها وأملى مجالس كل ذلك بالمسجد الحرام، وتوجَّه لزيارة ابن عباس رضي اللَّه عنهُما بالطَّائف رفيقًا لصاحبه النَّجم بن فهد، فسمع منه هناك بعض الأجزاء. ولمَّا رجع إلى القاهرة شرعَ في إملاء تكملة تخريج شيخه لـ "الأذْكَار" إلى أنْ تمَّ، ثم أملى تخريج "أربعين النووي" ثم غيرها مما يقيَّد فيه، بحيث بلغت مجالس الإملاء ستمئة مجلس فأكثر، وممّن حضر إملاءه ممّن شهد إملاء شيخه: النَّجمُ بن فهد والشَّمس الأمْشَاطيّ، والجمال بن السَّابق. وممَّن حضر إملاء شيخه والولي العراقي: البهاءُ العلقميُّ، وممن حضر إملاءهما والزَّين العراقي: الشِّهابُ الحجازي، والجلال القمصي، والشهاب الشّاوي.

وكذا حجَّ في سنة خمس وثمانين، وجاور سنة ست، ثمّ سنة سبعٍ، وأقام منها ثلاثة أشهر بالمدينة النبوية، ثم في سنة اثنتين وتسعين، وجاور سنة ثلاث، ثم سنة أربع، ثم في سنة ست وتسعين، وجاور إلى أثناء سنة ثمان، فتوجه إلى المدينة النبوية، فأقام بها أشهرًا وصامَ رمضانَ بها، ثم عاد في شوَّالها إلى مكة وهو الآن في جُمادى الثانية من التي تليها بها خُتم له بخير. وحمل النّاسُ من أهلهما والقادمين عليهما عنه الكثير جدًّا روايةً ودرايةً، وحصَّلوا من تصانيفه جملةً؛ وسئل في الإملاء هناك فما وافق، نعم أملى بالمدينة النبوية شيئًا لأناس مخصوصين. ثمّ لمَّا عاد للقاهرة من المجاورة التي قبل هذا تزايد انجماعُه عن النَّاس، وامتنع من الإملاء لمزاحمة من لا يحسن فيها، وعدم التَّمييز من جلِّ الناس أو كلِّهم بين العلمين، وراسل من لامه على ترك الإملاء بما نصه: "إنَّه ترك ذلك عند العلم بإغفال الناس لهذا الشأن، بحيث استوى عندهم ما يشتمل على مقدِّمات التصحيح وغيره، من جمع الطرق التي يتبين بها انتفاء الشذوذ والعلَّة، أو وجودهما مع ما يورد بالسَّند مجرّدًا عن ذلك، وكذا ما يكون متصلًّا بالسماع مع غيره، وكذا العالي والنَّازل والتَّقيُّد بكتابٍ ونحوه مع ما لا تقيّد فيه، إلى غيرها ممَّا ينافي القصد بالإملاء، وينادي الذاكر له العامل به على الخالي منه بالجهل". كما أنَّه التزم ترك الإفتاء مع الإلحاح عليه فيه، حين تزاحم الصِّغَارُ على ذلك، واستوى الماء والخشبة، ولا سيّما إنما يُعْمَل بالأغراض، بل صار يكتب على الاستدعاءات وفي عرض الأبناء من هو في عداد من يلتمس له ذلك حين التقيّد بالمراتب والأعمال بالنيات. وقد سبقه للاعتذار بنحو ذلك شيخُ شيوخه الزَّينُ العراقي وكفى به قدوة، بل وأفحشُ مِن إغفالهم النَّظر في هذا، وأشد في الجهالة إيرادُ بعض الأحاديث الباطلة على وجه الاستدلال، وإبرازها حتَّى في التَّصانيف والأجوبة، كل ذلك مع ملازمة النَّاس له في منزله للقراءة درايةً وروايةً في تصانيفه وغيرها، بحيث خَتَمَ عليه ما يفوقُ الوصف من ذلك، وأخذ عنه من

[مصنفاته]

الخلائق من لا يُحصى كثرةً، وأفردهم بالجمع، بحبث أخذ عنه قاضي المالكيَّة بطيبة الشَّمس السَّخاوي ابن القصبي، ومدحه بغير قصيد، ثم ولده قاضي المالكية أيضًا الخيري أبي الخير أيضًا، ثم ولده المحبي محمَّد أوحد النجباء الفُضلاء، ثم بنوه، فكانوا أربعةً في سلسلة، كما اتّفق لشيخنا حسبما أوردته في "الجواهر"، وقد قال الواقديُّ في أحمد بن محمد بن الضحَّاك بن عثمان بن الضحَّاك بن عثمان بن عبد اللَّه بن خلة بن حرام: إنه خامسُ خمسةٍ جالستُهم وجالسوا على طلب العلم، يعني فيهم من شيوخه ومن طلبته. [مصنَّفاته] (¬1) [علوم الحديث:] وشرع في التَّصنيف والتَّخريج قبل الخمسين وهلُمَّ جرّا. فكان ممَّا خرَّجه من المشيخات لكلِّ من الرَّشيدي، وسماه "العقد الثمين في مشيخة خطيب المسلمين"، والعُقْبي، وسماها "الفتح القُرْبي في مشيخة الشهاب العُقْبي"؛ والتَّقي الشُّمُنِّي في كبرى وصغرى. ومن "الأربعينيات" لكل من زوجة شيخه، والكمال بن الهُمام، والأمين الأقصرائيّ، والتقي القَلْقَشَنْديّ المقدسي، والبدر ابن شيخه، والشرف المُنَاويّ، والمحبَيْن ابن الأشقر وابن الشِّحنة، والزَّين بن مُزْهر. وللعلم البُلقيني "مئة حديث عن مئة شيخ"، و"أحاديث مسلسلات"، وللأقصرائي، وابن يعقوب، والمحبَّيْن القُمْني والفاقُوسي وأخيه، والعلم البُلقيني، والمُنَاويّ، والشَّمس القَرَافي، وابنة الهُوريني، وهاجر القدسيّة، والفخر الأسْيُوطي، والملتُوتي، والحسام بن حُريز، وابن إمام الكامليَّة، والعبادي، وزكريا وابن مُزْهر "فهرستًا"، وكذا لحفيد سيدي يوسف ¬

_ (¬1) جمع أخوانا الفاضلان مشهور حسن سلمان وأحمد الشقيرات أسماء مؤلفات السخاوي في جزء مفرد، طبع في دار ابن حزم ببيروت سنة 1419 هـ.

العجميّ، ولتَغْرِي بَرْدِي لقادري، وللشَّمس الأَمْشاطيّ معجمًا، وكذا لابن السيّد عفيف الدين، بسؤال الكثير منهم في ذلك، وتوسُّلهم بما يقتضي الموافقة، ولنفسه "الأحاديث المتباينة المتُون والأسانيد" بشروطٍ كثيرة لم يُسْبَق لمجموعها، بلغت أحاديثُها نحو المائتين، وهي في مجلد كبير، استفتحه بمن سبقه لذلك من الأئمة والحفَّاظ؛ و"الأحاديث البُلْدانيّات" في مجلد، ترجم فيه الأماكن مع ترتيبها على حروف المعجم، مخرِّجًا في كل مكان حديثًا، أو شعرًا، أو حكاية عن واحد من أهلها أو الواردين عليها مستفتحة بمن سبقه أيضًا، لذلك وإن لم يرَ من تقدّمه لمجموع ما جمعه فيها أيضًا و"الأحاديث المسلسلات"، وهي مئة استفتحها أيضًا بمن سبقه لجمع المسلسلات مع انفراده بما اجتمع فيها، وسماها "الجواهر المكلَّلَة في الأخبار المسلسلة"، و"تراجم من أخذ عنه على حروف المعجم" في ثلاث مجلدات سماه: "بغية الراوي بمن أخذ عنه السَّخاوي". وعزمه انتقاءه واختصاره لنقص الهمم، و"فهرست مروياته" وهو إن بيض يكون في أزيد من ثلاثة أسفار ضخمة، شرع في اختصاره وتلخيصه بحيث يكون على الثلث منه لنقص الهمم أيضًا، و"عشاريات الشُّيوخ" مع ما وقع له من "العشريات" في عدة كراريس، و"الرِّحلة السِّكندريَّة وتراجمها"، وكذا "الرِّحلة الحلبيّة مع تراجمها" أيضًا و"الرِّحلة المكيَّة"، و"الثَّبْت المصريّ" في ثلاث مجلدات، و"التَّذْكرة" في مجلدات، و"تخريج أربعين النَّوويّ" في مجلد لطيف، وتكملةُ تخريج شيخنا لـ "الأذْكار" ويسمى "القول البار"، و"تخريج أحاديث العادلين" لأبي نُعيم، و"أربعين الصُّوفية" للسّلمي، و"الغُنية" المنسوبة للشيخ عبد القادر وتسمى "البُغْيَة" كتب منه اليسير، وتخريج طرق "إنَّ اللَّه لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا" عمله تجربة للخاطر في يوم، وإن سُبِقَ لجمعه فيما لم يقف عليه، و"التُّحفة المنيفة فيما وقع له من حديث الإمام أبي حنيفة"، و"الأمالي المطلقة". وممَّا صنَّفه في علوم هذا الشأن: "فتح المُغيث بشرح ألفية الحديث" وهو -مع اختصاره- في مجلّد ضخم، وسبك المتن فيه على وجهٍ بديع لا يُعلمُ في هذا الفن أجمع منه ولا أكثر تحقيقًا لمن تدبّره. وتوضيح لها حاذى به المتن بدون إفصاح في المسوَّدة، و"الغاية في شرح منظومة ابن

[الشروح:]

الجزري الهداية" في مجلّد لطيف؛ و"الإيضاح في شرح نظم العراقي للاقتراح" في مجلد لطيف أيضًا، و"النّكت على الألفية وشرحها"، بيَّض منه نحو ربعه في مجلّد؛ و"شرح التقريب" للنّووي في مجلّد متقن، "بلوغُ الأمل بتلخيص كتاب الدَّارقُطني في العِلَل" كتب منه الربع مع زوائد مفيدة، "تكملة تلخيص شيخنا للمتَّفق والمُفْتَرق". [الشروح:] ومه في الشروح: "تكملة شرح التِّرمذي للعراقي" كتب منه أكثر من مجلّدين في عدَّة أوراق من المتن، وحاشية في أماكن من "شرح البخاري" لشيخه وغيره من تصانيفه، وشرح "الشَّمائل النبوية" للتِّرمذي ويسمى "أقرب الوسائل" كتب منه نحو مجلد، و"القول المفيد في إيضاح شرح العمدة لابن دقيق العيد" كتب منه اليسير من أوّله، "شرح ألفيّة السِّيرة للعراقي" في المسودة ثمّ عدم، و"الجمع بين شرحي الألفية" لابن المصنِّف وابن عقيل و"توضيحها" كتب منه اليسير. [التاريخ:] ومنه في التاريخ: التعريف به وتشعُّب مقاصده وسببه؛ بل اسمه "الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ التَّوْريخ"، و"التِّبْرُ المسبوك في الذيل على تاريخ المقريزي السُّلوك"، يشتمل على الحوادث والوفيات من سنة خمس وأربعين وإلى الآن في نحو أربعة أسفار، و"الضَّوء اللَّامع لأهل القرن التَّاسع" وهو هذا الكتاب يكون ست مجلدات؛ و"الذَّيل على قضاة مصر" لشيخه في مجلد ويُسمَّى "الذيل المُتَنَاهِ"، و"الذَّيل على طبقات القرَّاء لابن الجزري" في مجلد، و"الذَّيل على دول الإسلام" للذهبي نافع جدًّا، والوفيات في القرنين الثامن والتاسع على السنين يكتب في مجلدات واسمه "الشافي من الألم في وفيات الأمم"، و"معجم" من أخذ عنه وإن كان هو بعض أفراد هذا الكتاب، و"التحصيل والبيان في قصَّة السيِّد سلمان"، و"المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النَّووي"، و"الاهتمام بترجمة النَّحوي

[ختم الكتب:]

الجمال بن هشام"، و"القول المُبين في ترجمة القاضي عُضُد الدِّين". و"الجواهر والدُّرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" في مجلد ضَخْم، وربَّما في مجلَّدين، و"الاهتمام بترجمة الكمال بن الهُمام". وترجمة نفسه إجابة لمن سأله فيها. وكذا أفرد من أثنى عليه من الشيوخ والأقران فمن دونهم، وما علمه ممّا صدر عنه من السّجع. و"تاريخ المدنيِّين" في نحو مجلدين في المسوّدة. و"التَّاريخ المحيط" وهو في نحو ثلاث مئة رزمة على حروف المعجم لا يعلم من سبقه إليه. و"تجريد حواشي شيخه على الطبقات الوسطى لابن السُّبْكي". وتقفيص قطعة من "طبقات الحنفية" كان وقع الشّروع فيه لسائل، و"طبقات المالكية" في أربعة أسفار تقريبًا بيض منه المجلد الأول في ترجمة الإمام والآخذين عنه. و"ترتيب طبقات المالكية" لابن فرحون. وتجريد ما في "المدارك" للقاضي عياض مِمَّا لم يذكره ابن فرحون إجابة لسائل فيه وفي الذي قبله. "تَقْفيص ما اشتمل عليه الشِّفا من الرجال" ونحوهم. و"القول المُنْبي في ترجمة ابن عربي" نافعة جدًّا، تجريد أسماء الآخذين عن ابن عربي، و"أحسن المساعي في إيضاح حوادث البقاعي"؛ و"الفرجة بكائنة الكاملية التي ليس فيها للمُعَارض حُجَّة"، و"دفع التلبيس ورفع التنجيس عن الذيل الطاهر النَّفيس"، و"تلخيص تاريخ اليمن"، وكذا "طبقات القراء" لابن الجزري، و"منتقى تاريخ مكة" للفاسي، "عمدة الأصحاب في معرفة الألقاب"، "ترتيب شيوخ الطبراني"؛ "ترتيب شيوخ أبي اليُمن الكندي"، "ترتيب شيوخ جماعة من شيوخ الشيوخ" ونحوهم. [ختم الكتب:] ومنه في ختم كل من "الصَّحيحين"، و"أبي داود"، و"التِّرمذي"، و"النَّسائي"، و"ابن ماجه"، و"البيهقيّ"، و"الشِّفا"، و"سيرة ابن هشام"، و"سيرة ابن سيد النَّاس"، و"التَّذكرة" للقُرطبي. واسم الأول: "عمدة القارىء والسامع في ختم الصحيح الجامع". والثاني: "غُنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجَّاج".

والثالث: "بذل المجهود في ختم السُّنن لأبي داود". والرابع: "اللَّفظ النَّافع في ختم كتاب التِّرمذي الجامع". والخامس: "القول المعتبر في ختم النَّسائي رواية ابن الأحمر"، بل له فيه مصنَّف آخر حافل سماه "بغية الرَّاغب المُتَمنِّي في ختم سنن النَّسائي رواية ابن السُّنِّي". والسادس: "عُجالة الضَّرورة والحاجة عند ختم السُّنن لابن ماجه". والسابع: "القول المرتقي في ختم دلائل النُّبُوَّة للبَيْهقي". والثامن: "الانتهاض في ختم الشِّفا لعياض"، بل له مصنَّفٌ آخر حافل اسمه "الرِّياض". والتاسع: "الإلمام في ختم السّيرة النَّبوية لابن هشام". والعاشر: "رفع الإلباس في ختم سيرة ابن سيد الناس". والحادي عشر: "الجوهرة المزهرة في ختم التَّذكرة". ومنه في أبواب ومسائل: "القول البديع في الصَّلاة على الحبيب الشفيع -صلى اللَّه عليه وسلم-"، "الفوائد الجليَّة في الأسماء النبويَّة" لم يبيَّض، "الصَّلاة على النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد موته"، "موالي النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-"، "المقاصدُ الحَسَنَةُ في بيان كثير من الأحاديث المُشتهرة على الألسنة"، "الابتهاج بأَذْكار الحَاجّ"، "القول النافع في بيان المساجد والجوامع"، ورُبَّما سُمِّي "تحريكُ الغنيِّ الواجد لبناء الجوامع والمساجد"، "الاحتفال الجمع أولي الضلال"، "الإيضاح والتَّبيين في مسألة التَّلقين"، "ارتياح الأكباد بأرباح فقد الأولاد"، "قرَّةُ العين بالثَّواب الحاصل للميّت وللأبوين"، "البستان في مسألة الاختتان"، "القول التَّام في فضل الرّمي بالسِّهام"، "استجلاب ارتقاء الغُرَف بحبِّ أقرباء الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وذوي الشرف"، "عُمْدة الناس أو الإيناس بمناقب العبَّاس"، "الفخر العلوي في المولد النبوي"، "عُمْدة المُحتج في حكم الشّطرنج"، "التماس السَّعد في الوفاء بالوعد"، "الأصل الأصيل في تحريم النَّقل من التَّوراة

والإنجيل"، "القول المألوف في الردِّ على منكر المعروف"، "الأحاديث الصَّالحة في المصافحة"، "القول الأتمّ في الاسم الأعظم"، "السرُّ المكتوم في الفرق بين المَالَيْن المحمود والمذموم"، "القول المعهود فيما على أهل الذِمّة من العهود"، "الكلام على حديث الخاتم"، "الكلام على قصِّ الظفر"، "الكلام على الميزان"، "القناعة فيما تمسُّ إليه الحاجة من أشراط السَّاعة"، "تحرير المقال في الكلام على حديث كل أمر ذي بال"، "القول المتين في تحسين الظنِّ بالمخلوقين"، "الكلام على قول: لا تكن حلوًا فتسترط"، "الكلام على قول: كل الصَّيْد في جَوْف الفرَا"، "الكلام على حديث: إنَّ اللَّه يكرَهُ الحَبْرَ السَّمين" "الكلام على حديث: المُنْبَتُّ لا أرضًا قَطَعَ ولا ظَهْرًا أبْقى"، "الكلام على حديث: تنزل الرحماتُ على البَيْتِ المعظَّم"، "الإيضاحُ المرشدُ من الغيِّ في الكلام على حديث: حُبِّبَ من دُنياكم إليَّ"، "المستجابُ دعاؤهم"، "تجديدُ الذِّكر في سجود الشُّكر"، "نظم الَّلآل في حديث الأبدْال"، "انتقاد مدَّعي الاجتهاد"، "الأسئلة الدَّمياطيَّة"، "الاتِّعاظ بالجواب عن مسائل بعض الوعَّاظ"، "تحرير الجواب عن مسألة ضرب الدواب"، "الامتنان بالخرس من دفع الافتتان بالفرس"، "المقاصد المباركة في إيضاح الفرق الهالكة"، بل استقرَّ اسمه "رفع القلق والأرَق بجمع المبتدعين من الفرق"، "بذل الهمَّة في أحاديث الرَّحمة"، "السَّير القويّ في الطِبِّ النبويّ" شرع فيه، "رفع الشكوك في مفاخر الملوك"، "الإيثار بنبْذَة من حقوق الجار"، "الكنز المدَّخر في فتاوى شيخه ابن حَجَر" قفَّص منه الكثير، "الرَّأي المُصيب في المُرور على التَّرغيب" كتب فه اليسير، "الحثّ على تعلُّم النحو"، "الأجوبة العليَّة عن المسائل النثرية" تكون في مجلدين، "الاحتفال بالأجوبة عن مئة سؤال"، "التوجُّه للربّ بدعوات الكَرْب"، "ما في البُخاري من الأذْكار"، "الإرشاد والموعظة لزاعم رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد موته في اليَقَظَة". ومن "جامع الأمَّهات والمسانيد" إجابةً لسائل فيه كتب منه مجلدًا، ولو تمَّ لكان في مئة مجلد فأزيد. جمع الكتب الستة بتميز أسانيدها وألفاظها، كتب منه أيضًا مجلدًا فأكثر. ترتيب كل من "فوائد تمَّام" و"الحنائيَّات" و"الخلعيَات" وكل من "مسند الحميدي" و"الطَّيالسي" و"العدني" و"أبي يَعْلى" على المسانيد. تطريف "مشيخة الزَّين المراغي"، وعدة أجزاء على المسانيد أيضًا. وكذا ترتيب "الغيلانيات" و"فوائد تمّام" على الأبواب، كتب منه

[وظائفه:]

قطعةً قبل العلم بسبقِ الهَيْثَمي له، "تجريد ما وقع في كتب الرجال"، ولا سيما المختصة بالضُّعفاء من الأحاديث وترتيبها على المسانيد، كتب منه جملة. [وظائفه:] واستقرَّ في تدريس الحديث بدار الحديث الكاملية عَقِبَ موتِ الكمال، ولكن تعصَّبَ مع أولاده من يحسَبُ أنَّه يُحسِنُ صُنْعًا، وكانت كوائن أشير إليها في الفرجة، ثَّم رغب الابن عنها لعبد القادر بن النَّقيب. وكذا استقرَّ في تدريس الحديث بالصَّرْغَتْمُشِيَّة عقب الأمين الأقصُرائي؛ وناب قبل ذلك في تدريس الحديث بالظَّاهرية القديمة بتعيينه وسؤاله، ثم في تدريس الحديث بالبرقوقية عقب موت البهاء المشهدي، وقرَّره المقرُّ الزينيُّ بنُ مُزْهر في الإملاء بمدرسته التي أنشأها، فاستعفى من ذلك لالتزامه تركه كما قدمه؛ وكذا قرَّره المُناوي في تدريس الحديث بالفاضِليَّة، لظنِّه أنه وظيفة فيها. كما أنَّه سأل شيخه بعد موت شيخه البرهان بن خضر في تدريس الحديث بالمَنْكوتَمُرِيّة، فأجابه بأنّه لم يكن معه إنّما كان معه الفقه، وقد أخذه تقي الدين القَلْقَشَنْدِيّ، بل عينه الأمير يَشْبَك الفقيه الدَّوادار حين غيبته بمكَّة لمشيخة الحديث بالمَنْكُوتَمُرِيَّة عقب التَّقي المذكور، فلا زال به صهره حتى أخذها لنفسه. وكذا ذُكر في غيبته التالية لها لقراءة الحديث بمجلس السُّلطان بعد إمامه وما كان يفعل؛ لأن الدَّوادار المشار إليه سأله في المبيت عند الظاهر خُشْقَدَم ليلتين في الأسبوع ليقرأ له نُخبًا من التَّاريخ، كما كان العَينيُّ يفعلُ، فبالغ في التَّنَصُّل كما تنصَّل منه حين التماس الدَّوادار يشْبَك من مهدي له عند نفسه، ومن مُطْلق التردُّد لتمُرْبُغا المستقر بعدُ في السَّلطنة وفي الحضور عند بُرْدْبَك، والشَّهابي بن العينيّ وغيرهما. نعم طلبه الظَّاهرُ نفسه في مرض موته، فقرأ عنده "الشِّفا" في ليلة بعض ذلك بحضرته، وفي غيبته الَّتي بعدها لمشيخة سعيد السُّعداء بعد الكُوراني،

وعرض عليه الأتابَكُ شفاهًا قضاءَ مصرَ فاعتذر له، فسأله في تعيين من يرضاه فقال له: لا أنسب من السُّيوطي قاضيك، إلى غير هذا مما يرجو به الخيرَ مع أنَّ مالَهُ من الجهات لا يسمنُ ولا يُغني من جوعٍ، وللَّه درُّ القائل: تقدَّمَتني أُناسٌ كَانَ شَوْطُهُم ... ورَاءَ خَطْويَ لو أَمْشي على مَهَلِ هذا جزاءُ امريءٍ أقرانُهُ دَرَجُوا ... من قَبله فتمنَّى فُسحَةَ الأجَلِ فإنْ عَلانيَ مَنْ دوني فلا عَجَبٌ ... لي أُسْوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحَلِ فاصبرْ لها غَيْرَ مُحْتَالٍ وَلَا ضَجِرٍ ... في حادثِ الدَّهرِ ما يُغْني عن الحِيلِ أعدى عدُوِّكَ مَنْ وثِقْتَ بِه ... فَعَاشِرِ النَّاسِ واصْحَبهُم على دَخَلِ فإنَّما رَجُلُ الدُّنْيا وَوَاحِدُهَا ... مَنْ لَا يُعَوِّلُ في الدُّنْيا على رَجُلِ وقال أحمد بن يحيى ثَعْلَبُ النَّحويُّ فيما رويناه عنه يقول: دخلتُ على أحمد بن حنبل فسمعتُه يقولُ: إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَومًا فَلَا تَقُل ... خَلَوْتُ، وَلَكِنْ قُل: عَلَيَّ رَقيبُ إذا مَا مَضَى القَرْنُ الذي أَنْتَ فِيهِمُ ... وخُلِّفْتَ في قَرْنٍ فأنْتَ غريبُ فلا تكُ مَغرورًا تعلّل بالمُنى ... فَعَلَّكَ مَدْعُوٌ غدًا فَتُجِيبُ ألمْ تَرَ أَنَّ الدَّهْرَ أسْرَعُ ذاهِبٍ ... وأَنَّ غدًا للنَّاظِريْنَ قَرِيْبُ هذا كله وهو عارفٌ بنفسه، معترف بالتقصير في يومه وأمسه، خبير بعيوبه التي لا يُطَّلعُ عليها، مستغفرٌ مما لعله يبدو منها، لكنَّه أكثر الهَذَيان طمعًا في صفح الإخوان، مع كونه في أكثره ناقلًا، واعتقاد أنه فضل ممن كان له قائلًا. والله يسأَلُ أن يجعله كما يظنُّون، وأن يغفرَ له ما لا يعلمون، وللَّه در القائل: لئِنْ كان هذا الدَّمْعُ يجري صَبَابَةً ... عَلَى غَيرِ لَيْلَى فهو دَمْعٌ مُضَيَّعُ وقول غيره:

سَهَرُ العيونِ لغير وَجْهِك باطلٌ ... وبحاؤهُنَّ لغير وَصْلك ضَائِع قلت: وكانت وفاته - رحمه اللَّه يوم الأحد سادس عشر شعبان سنة اثنتين وتسعمائة أثناء مجاورته في المدينة النبوية الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. ودفن بالبقيع بجوار إمام دار الهجرة مالك بن أنس، رضي اللَّه عنهم ورحمهم جميعًا، ونفعنا بعلومهم، وجمعنا وإياهم مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. والحمد للَّه رب العالمين.

النسخ المعتمدة في التحقيق

النسخ المعتمدة في التحقيق تعرف لهذا الكتاب أربع نسخ مخطوطة، موزعة في أمصار شتى، وقد تيسر لي بفضل اللَّه عز وجل الحصول عليها جميعًا، وهذه النسخ كلها كتبت في عصر المؤلف. كما أن للكتاب مختصرين، تيسر لي اقتناؤهما كذلك. وهذا وصف موجز للنسخ المعتمدة. 1 - نسخة محفوظة في مكتبة أحمد الثالث بتركيا، ورقمها 2991، وتقع في 345 ورقة، في كل منها 29 سطرًا، وقد كتبت هذه النسخة سنة 895 هـ، فهي آخر نسخة كتبت في حياة المصنف رحمه اللَّه، ويمكن القول: إنها النسخة المعتمدة، نظرًا لتأخرها عن مثيلاتها وللزيادات الكثيرة الموجودة فيها، كما أنها قرئت من قبل أحد العلماء العارفين، ويبدو أنه قابلها على نسخة أخرى، حيث نجد إشارات لذلك في هوامش النسخة، كما كان يدون بعض مطالعاته عليها، ويرقم للمكان الذي انتهى إليه في المطالعة بعبارة "بلغ"، أو"بلغ مطالعة". وهذا العالم هو محمد بن أحمد المظفري، حيث دون تملُّكَه لهذه النسخة على لوحة العنوان. والمظفري هذا هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد اللَّه، وهو من تلامذة المؤلف، فقد ترجمه في كتابه "الضوء اللامع" 7/ 76، فقال: إنه ولد سنة تسع وسبعين [وثمانمائة] بسويقة المظفر وحفظ القرآن، وقرأ عليه الكثير من مؤلفاته ومؤلفات غيره. قال: وله همة ورغبة في الاشتغال. قلت: وهمته العالية هذه دعته إلى اقتناء كتب شيخه ومطالعتها، خصوصًا هذا الكتاب، فنجد أنه ملك هذه النسخة التي نصفها، وكان عنده

أيضًا نسخة (ب) الآتي وصفها، حيث طالعها أكثر من مرة كما دون ذلك على الصفحة الأولى منها. وفي ظني أن هذه النسخة منقولة من النسخة (ح) الآتي وصفها؛ لأنها تتطابق معها في كثير من المواضع، حتى في الزيادات الملحقة بخط المصنف في الهامش، بينما لا نجد ذلك في النسختين الأخريين، وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (أ). 2 - النسخة الثانية محفوظة في مكتبة الأحقاف بتريم برقم 2035، وتقع في 253 ورقة، في كل واحدة 29 سطرًا، وتنقص من البداية ورقة واحدة، وكذا بها نقص من آخرها من أواخر الباب العاشر مع الخاتمة. وقد حصلت عليها بمعاونة شيخنا القاضي إسماعيل بن علي الأكوع جزاه اللَّه خير الجزاء. وهذه النسخة في غاية النفاسة، حيث كتبت في عصر المؤلف وأظنها بخط عز الدين بن فهد المكي، حيث قرأها على المصنف كما دون ذلك على كثير من أوراقها. وعز الدين ابن فهد هو عبد العزيز بن عمر بن محمد، المعروف كأسلافه بابن فهد، ولد سنة 850 هـ، وقرأ على المصنف الكثير من مؤلفاته، وتوفي سنة 920 هـ. انظر ترجمته في الضوء اللامع 4/ 224، وشذرات الذهب 8/ 100، وعليها خطُّه في كثير من المواضع بالإضافات والإلحاقات المتكررة التي لا نجد كثيرًا منها في النسخة (ب) مثلًا، وبعضها لا نجدها في النسخة (ط)، إلا أننا نجد هذه الزيادات في النسخة (أ) السابق ذكرها، ويبدو أن الأولى نقلت عن هذه، واللَّه أعلم. كما نجد على الورقة الأولى من هذه النسخة مجموعة تملكات لبعض علماء اليمن وأعيانهم، مثل المتوكل على اللَّه إسماعيل، حيت دون تملكه عليها بعبارة: الحمد للَّه. من كتب أمير المؤمنين المتوكل على اللَّه إسماعيل ابن أمير المؤمنين رضوان اللَّه عليه. والمتوكل على اللَّه هذا هو إسماعيل بن القاسم بن محمد، المولود سنة 1019 والمتوفى سنة 1087 هـ تولى الإمامة باليمن سنة 1054 هـ، وكان عالمًا محققًا في الفقه الهادوي الزيدي، ألف مجموعة من الكتب، وكان له رغبة

كبيرة في جمعها، حيث حوت مكتبته أكثر من ثلاثين ألف كتاب (¬1). وجاء عقب تملك المتوكل على اللَّه عبارة: الحمد للَّه، وهو في يد الفقير إلى اللَّه الغني الراجي من فضله اللطف التوفيق إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل الصديق، غفر اللَّه لهم وأحسن خاتمته. وإسماعيل الصديق هذا ذكره شيخنا العلامة القاضي إسماعيل بن علي الأكوع عرضًا في هامش ترجمة الشيخ أحمد بن الإمام محمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1281 هـ "من كتاب هجر العلم ومعاقله في اليمن" 4/ 2288، فقال: لم يعقب سوى بنت، يعني الشوكاني، وعلق في الهامش فقال: تزوجت بالقاضي إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن يحيى الصديق، المتوفى سنة 1289 هـ، وأنجبت له فيما أنجبت بنتًا اسمها صفية، تزوج بها القاضي علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن ناصر الشجني، وأنجبت له فيما أنجبت بنتًا سميت تقية، تزوجت بالقاضي حسين بن عبد اللَّه المجاهد، وأنجبت له ابنًا وبنتين، كبراهما والدتي رحمها اللَّه. وقد رمزت لهذه النسخة بالرمز (ح). 3 - نسخة ثالثة محفوظة في الخزانة العامة بالرباط، ورقمها 1500، وتقع في مجلدين الأول فيه 140 ورقة، والثاني فيه 117 ورقة في كل منها 29 سطرًا، وكتبت سنة 890 هـ على الأرجح، إذ إن كلمة (تسعين) غير واضحة في الأصل، وخمنتها تخمينًا وأظنها الصواب، واللَّه أعلم. ومما يرجح ذلك أن بها نقصًا عن النسخة (أ) المكتوبة سنة 895 هـ، كما أن بها زيادة عن النسخة (ب) الآتي وصفها، والتي كتبت قبل ذلك. وقد رمزت لها بالرمز (ط). وهي كثيرة الشبه بالنسخة الباريسية، مع زيادات عنها. وقد كتبت هذه النسخة بالخط الفارسي الجميل، إلا أن بها نقصًا في عدة مواضع، أولها في البداية، حيث تنقص بمقدار ورقة واحدة، وكذا بها ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في البدر الطالع 1/ 146، وهجر العلم ومحاقله في اليمن 2/ 1075 و3/ 1244.

نقص في عدة مواضع منه بمقدار كراستين. ومن النقص ما استكمل بخط مغاير، وأثرت الأرضة على النص في كثير من المواضع. وقد أشرت إلى ذلك في موضعه من الكتاب. كما أن أوراقها قد انفرط عقدها واختل ترتيبها، ثم جمعت وتم تجليدها على حالتها هذه، مما أتعبني غاية التعب في إعادة ترتيبها وإعادة كل ورقة في موضعها الصحيح. وتمتاز هذه النسخة بوجود بعض الحواشي والتعليقات المكتوبة في هامش بعض صفحاتها، وقد أثبت بعضها في تعليقات الكتاب. 4 - نسخة محفوظة بمكتبة باريس الوطنية برقم 2105، ومنها مصورة فيلمية بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض، وعدد أوراقها 298، في كل منها 31 سطرًا، ورمزت لها بالرمز (ب). وقد قرئت هذه النسخة على المصنف، أو قام بقراءتها بنفسه، حيث أضاف في هوامشها الكثير من المعلومات غير الموجودة في المتن، ورغم ذلك، فإننا نجد بها نقصًا كثيرًا عن النسخ السابقة، وذلك لأنها أول النسخ كتابة عن أصل المؤلف كما يبدو، ويدل على ذلك اختلاف بعض العبارات بينها وبين النسخة السابقة، مثل قوله في هذه النسخة: "منهم جماعة بقيد الحياة الآن"، وقد حذفت هذه العبارة من النسخ الأخرى، وكقوله: "حين كتابتي هذه الأحرف سنة سبع وسبعين ثم. . . في سنة تسع وسبعين"، وهذه العبارة غير موجودة في نسخة باريس، وكثيرًا ما يذكر عقب ذكره أحد الأعلام عبارة "نفع اللَّه به" بينما نجد العبارة في النسخ الأخرى "رحمه اللَّه"، أي أن المذكور كان حيًّا حال كتابة هذه النسخة، بينما كان قد توفي عند كتابة النسخ الأخرى. وهذه الإضافات التي كان يلحقها المؤلف رحمه اللَّه ناشئة عن ما كان يتحصل عليه من معلومات وأخبار تخص موضوع كتابه، فيضيفها باستمرار على نسخته أو على نسخ تلامذته الذين قاموا بنسخ الكتاب وقراءته عليه. وهي ليست مقتصرة على هذا الكتاب وحده، بل نجده -وكأي مؤلف آخر- يضيف إلى كتابه ما يستجد من معلومات، ويحذف منه ما لا يراه مناسبًا؛ يقول رحمه اللَّه في كتابه "وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام"

3/ 1218 في حوادث سنة سبع وتسعين وثمانمائة: وتجدد لي من التصانيف جزء في ختم سيرة ابن سيد الناس، وتبييض مؤلفي التوبيخ لمن ذم التاريخ في كراريس، ومسودة ثانية، لمؤلفي في الفِرَق، وهو مجلد ضخم لم أستوف إلى الآن فيه الغرض. فها هو يكتب كتابًا للمرة الثانية، ورغم ذلك لم يستوف فيه الغرض، ولو مد اللَّه في عمره لأضاف إليه الشيء الكثير، وكذا الأمر بالنسبة لباقي مؤلفاته. ونستطيع ترتيب النسخ الأربع حسب تسلسلها الزمني في الكتابة كما يأتي: 1 - نسخة باريس، والمرموز لها بالرمز (ب). 2 - نسخة الرباط، والمرموز لها بالرمز (ط). 3 - نسخة الأحقاف، والمرموز لها بالرمز (ح). 4 - نسخة أحمد الثالث، والمرمز لها بالرمز (أ). ويوجد للكتاب مختصران، تيسر لي بفضل اللَّه الحصول عليهما: الأول: من تأليف شمس الدين محمد بن عمر بن أحمد الحلبي السفيري (¬1)، وهو أحد علماء القرن العاشر الهجري، توفي سنة 956 هـ، وكان عالمًا بالحديث، له شرح صحيح البخاري، منه مجلدان في المكتبة التيمورية في مصر، وكتاب تحفة الأخيار في حكم أطفال المسلمين والكفار. وهو من تلامذة الحافظ السيوطي والكمال ابن شريف كما يتضح من مختصره هذا. وهذا المختصر أسبق في التأليف من المختصر الآخر الآتي ذكره. والنسخة محفوظة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، وهي بخط ولد المصنف، وتقع في 190 ورقة، في كل منها 17 سطرًا. ¬

_ (¬1) مترجم في شذرات الذهب 8/ 312، الكواكب السائرة 2/ 56، الأعلام للزركلي 6/ 317.

الثاني: من اختصار عبد اللَّه بن زين الدين بن أحمد البصروي، المتوفى سنة 1170 هـ (¬1)، وسماه "جمان الدرر من ترجمة الحافظ بن حجر". ومن كتابه هذا نسخة في دار الكتب المصرية رقمها 276 تاريخ، وعنها مصورة في معهد المخطوطات بالقاهرة، ونسخة ثانية -وهي التي توفَّرت لي- محفوظة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض رقمها 1379، وهي ناقصة من أثناء الباب الثامن إلى نهاية الكتاب. وتقع في 132 ورقة، في كل ورقة 25 سطرًا. ومختصر البصروي هذا جاء بعد مختصر السفيري؛ لتأخره عنه في الوفاة، وقد انتقد السفيريَّ في أشياء حذفها من أصل الكتاب، وأمور أخرى أثبتها كان حقها الاختصار كما قال. ولا يخلو هذان المختصران من فوائد عزيزة لا توجد في أصل الكتاب، أضافاها من كتب الحافظ ابن حجر، ومن كتب غيره، وقد أثبت بعض هذه الفوائد تعميمًا للفائدة. ملاحظات على المطبوع: سبق أن طبع الجزء الأول من هذا الكتاب سنة 1406 هـ/ 1986م في وزارة الأوقات المصرية، بتحقيق كل من الدكتور حامد عبد المجيد والدكتور طه الزيني، وأشرف على التحقيق فضيلة الدكتور محمد الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف حينئذٍ، وروجع هذا الجزء من قبل لجنة مكونة من اثني عشر أستاذًا، ذكرت أسماؤهم في الصفحة "هـ" من الكتاب. ورغم هذا العدد الكبير من المحققين والمشرفين والمراجعين، إلا أنه وقعت في التحقيق أخطاء كثيرة، سواء في قراءة النص أو في التعليقات والهوامش، نلخصها فيما يأتي: 1 - نقص بعض العبارات من المطبوع، مع وجودها في المخطوط، ¬

_ (¬1) مترجم في معجم المؤلفين 6/ 56، سلك الدرر 3/ 86، الأعلام 4/ 88.

كما في الصفحات 8، 25، 32، 65، 68، 388، 390، 42، 439، 443، 451، وغيرها، وكذا حذف الأرقام التي أثبتها المؤلف فوق أسماء شيوخ الحافظ ابن حجر، حيث قال: "فرقمت علو كل اسم بالقلم الهندي محله منهما، وأخرجت منهما دون العشرين نفسًا إلى ذكر الطلبة مع الرقم عليهم أيضًا، وكذا زدت طائفة قليلة لم يذكرهم، رقمت عليهم (زاي) ". إلا أننا لا نجد هذه الرقوم في المطبوع! 2 - إضافة عبارات غير موجودة في المتن، ونقلوها من مصادر أخرى، كالمجمع المؤسس والمعجم المفهرس، كلاهما لابن حجر، وتكرر ذلك كثيرًا في ضبط شيوخ الحافظ في الصفحات 135 - 177، وكذا الأمر في سرد مروياته في الصفحات 178 - 203، وفي غيرها من المواضع من هذا الجزء. 3 - التحريفات الكثيرة في كتابة النص، منها ما هو من أخطاء الطباعة، وأكثرها ناتج عن خطأ في قراءة المخطوط وعدم الدقة في المقابلة، بل إننا نجد أنهم أثبتوا فروقًا بين النسخ لا تصح، مثل إثباتهم لفروق بين النسختين (أ) و (ب) لقصيدة وردت ص 383 - 385 بينما هذه القصيدة لم ترد في النسخة (ب) أصلًا. 4 - أخطاء في قراءة النص، بنيت عليه أخطاء في كتابة التعليق، فورد قول المؤلف في حديثه عن لقب شيخ الإسلام ص 16: ونحوه أن شيخنا صاحب الترجمة أرسل له (يقصد صالح البلقيني) سؤالًا، ففتحه بقوله: ما يقول الفقهاء؟ فأرسل إلى نقيبه القزويني فقال: يقول لكم القاضي، أي فرق بين وصف المفتي وبين فقيه الكتَّاب؟ فأجابه بقوله: كنت مستعجلًا وابتذلت هذه اللفظة. فكتبوا في الهامش: ابتذلت هذه اللفظة: "لم أصن لساني عنها بسبب العجلة"، والصواب أن الكلام يتم عند قوله: "كنت مستعجلًا"، ثم يستأنف الكلام بقوله: وابتُذِلَت هذه اللفظة. . . ومن الأخطاء والتحريفات العجيبة: ما ورد ص 26 عند نقل المؤلف ما نقل عن من سأل الإمام أحمد فيمن يطلق عليه لقب الحافظ، فقال بيده

كذا، يروح عنه ويسره. فعلق المحققون في الهامش: في (ب) ثمنه بدل عنه، ويكون المعنى على (عنه) يروح عنه يكون مستريحًا مسرورًا، وعلى الثاني لا يمكن إلا إذا جعلنا الحاء في يروح جيمًا، والمعنى يزيد ثمنه وترتفع قيمته ويكون ميسرًا! وهذا خطأ فاحش، إذ العبارة الصحيحة: فقال بيده كذا، يروِّح يمنة ويسرة. ومثله ما ورد في ص 202 في سند حديث المخلص: "بسماع الأول له للمغير وعليه على أبي النُّون الدبوسي، فكتبوا في الهامش تعليقًا على كلمة المغير: هو أبو الحسن علي بن أبي عبد اللَّه بن المغير! وهذا خطأ فاحش أيضًا، إذ العبارة الصحيحة، وكما وردت في المخطوط "بسماع الأول للمقروء عليه على أبي النون الدبوسي". 5 - أخطاء الواقعة في تراجم الأعلام الواردين في النص، مثال ذلك: ص 18، قال السخاوي: كما أخبرني الإمام خاتمة المسندين العز أبو محمد القاضي. .، فعرفوا العز في الهامش بأنه العز بن عبد السلام، المتوفى سنة 660 هـ، والعجب كيف يكون المتوفى في هذه السنة شيخ السخاوي المولود سنة 831 هـ؟! بل العز المذكور هو عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم، المتوفى سنة 859 هـ، وقد ترجمه السخاوي في الضوء اللامع 4/ 198 - 203. وما ورد ص 34 عند قول الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ: لم أر من أطلق عليه اسم الحافظ غير رجلين: أبو نعيم الأصفهاني وأبو حازم العبدوي. فعرفوا العبدوي بأنه أحمد بن علي العبدوي، المتوفى سنة 678 هـ. وما كنا ندري أن اللَّه مد في عمره حتى يعيش بعد الدارقطني أكثر من مائتي سنة! بل هو عمر بن أحمد بن عبدويه أبو حازم النيسابوري العبدوي. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 17/ 333. وأيضًا ما ورد ص 42 تعريفه للحافظ أبي نعيم المستملي، فقالوا في الهامش: المستملي: إبراهيم بن أحمد البلخي، المعروف بالمستملي من أهل بلخ، له معجم في شيوخ الحديث. وفاته 376! وهذا خطأ فاحش أيضًا، فأبو نعيم المستملي هو الزين رضوان بن محمد العقبي (ت 852)

شيخ المصنف وتلميذ الحافظ ابن حجر، وقد ورد ذكره كثيرًا في هذا الكتاب، انظر ترجمته في الضوء اللامع 3/ 226. * * * وبعد، فهذه ترجمة عالم كبير كتبها تلميذ مخلص وفيٌّ لشيخه، أقدمها لمحبي تراثنا الإسلامي الحافل بالكنوز، راجيًا أن ينفعني اللَّه بها ومن قرأها. وقد بذلت فيها الوسع كي تخرج خالية من عيوب النقص والتحريف، وحاولت قدر المستطاع عدم إثقال الحواشي إلا ما ندر، حيث أثبتُّ المهم من الفروق بين النسخ المعتمدة في التحقيق، وكذا وضحت بعض العبارات الغامضة، ووضعت عددًا من الفهارس التفصيلية للكتاب ليسهل الانتفاع به. وقبل أن أضع القلم، لا بد من إزجاء الشكر لمن أسدى إلي معروفًا في تحقيق هذا الكتاب، فإنه من لا يشكر الناس لا يشكر اللَّه كما قال نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-. والشكر كل الشكر إلى من سهرت معي ليالي طوالًا في قراءة النص ومقابلته معي على الأصول الخطية، كل الشكر مقرون بالدعاء إلى زوجتي أم مالك، التي ما فتئت تساعد في كل كتاب قمت على تحقيقه، فلها مني الشكر الجزيل، ومن اللَّه خير الجزاء والمثوبة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد للَّه رب العالمين. وكتب أبو مالك إبراهيم باجس عبد المجيد يوم السبت 22/ 7/ 1418 هـ الموافق 22/ 11/ 1997 م

صفحة العنوان من نسخة أحمد الثالث (أ)

الصفحة الأولى من نسخة أحمد الثالث (أ)

الصفحة الأخيرة من نسخة أحمد الثالث (أ)

صفحة العنوان من نسخة الأحقاف (ح)

الصفحة الأولى الموجودة من نسخة الأحقاف (ح)

الصفحة الأولى الموجودة من نسخة الرباط (ط) الصفحة الأخيرة من نسخة الرباط (ط)

صفحة العنوان من نسخة باريس (ب)

الصفحة الأولى من نسخة باريس (ب) الصفحة الأخيرة من نسخة باريس (ب)

تقديم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رب يسر وأعن يا كريم الحمد للَّه الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، والصلاة والسلام على نبيه محمد سيد الأصفياء، وعلى آله وصحبه السادة الأتقياء، صلاةً وسلامًا دائمين (¬1) يستوجبان رتبة الأولياء. وبعد، فإنَّ الأحاديث النبوية والآثار المحمدية، أصل العلوم بعد القرآن، وقاعدة الشريعة وأركان الإيمان، ومن أراد اللَّه تعالى به الخير، وحفظه من السوء والضَّيْر، وفَّقه لجمعها وتحريرها، وأرشده لتفهيمها وتقريرها، مخلصًا في ذلك النية والعمل، متجنبًا طريق الخطأ والزلل. وكان ممن اعتنى بهذا الفن أعظم عناية إلى أن بلغ الغاية القصوى في الدراية والرواية، وفاق كثيرًا من الرجال، وحاز شرف الرتبة في الحال والمآل: شيخ الإسلام، وأوحدُ الأئمة الأعلام، حافظُ العصر، وخاتمة المجتهدين، قاضي القضاة، أبو الفضل شهاب الدين الشهير بابن حَجَر. حامل راية العلوم والأثر، فألَّف فيه كتابةً وقراءةً وسماعًا، وجمع فنونًا عديدة منه وأنواعًا، وحرر فيه ما لم يُسبق إليه، وصار المعوَّل في حفظ السنة النبوية وغيرها عليه، مع ما رزقه اللَّه من فرط الذكاء والتدقيق، ومن حاذق التعبير والتحقيق، فليس لأحد بعده إلى درجته وصول، ولا للقلب إلى كلام غيره مِنْ أهل عصره قبول، سارت بفضائله الرُّكبان، وشُدَّت إليه ¬

_ (¬1) "دائمين" ساقطة من (ب).

الرِّحالُ مِنْ أقطار البلدان، إلى أن أتاه الوعد الصادق ممن هو بالحق ناطق، نزول الموت المحتوم في القضاء السابق، فعظُمَ على الخلق ذلك المصاب، وأجزل اللَّه لهم بالصبر على فقده الثواب، وعلموا أنَّ قضاء اللَّه سبحانه فصْلٌ لا يُدفع، وقدر اللَّه عز وجل عدل لا يمنع، وأنَّه لا يتمكن من مدافعته سلطانٌ بكثرة جمعه وعَدده، ولا ملِكٌ بتوفير سلاحه وعُددِه، وأنَّ الموت حوضٌ لا بدَّ لكل حيٍّ من وروده، ومنزلٌ لا مدفع لإنسان من حلوله ووفوده، وأنَّ الجزع غير متكقل برده، وفزعوا إلى الصبر الجميل فأحسن اللَّه العزاء للمسلمين من بعده، وإلا لكانت هذه الفجيعة النازلة، والوجيعةُ الهائلةُ، والرَّزِية العظيمة، والبلية الجهيمة، والواقعة العميمة، والمصيبة الجسيمة، موجبةً لتلف النفوس، وذهاب العقول، وأن تخِرَّ نجومُ السماء، وتَجْنَحَ شمسُ النهار للأفول. فعندما أيِسَ الناس من وجوده بفقده، وفارقوا ما ألفوه من علمه ورِفده، انطلقت الألسُن برثاثه، وظهرت آثارُ بركته في أعدائه، وافتخر بصحبته أهل محبته وولائه، وتبجَّحُوا بذكر ما حضرهم من مناقبه، وعِظَم (¬1) مراتبه، وجميل سيرته في مناصبه، ورُؤيت له من المنامات الصالحة جملة بعد موته وقبله. فلمَّا عاينت هذا الأمر، وانشرح بذكرِ فضائله ومناقبه الصَّدر: أساميًا لم تَزِده معرفةً ... وإنَّما لَذَّة ذكرناها أردت أن أُجدد لي ذكرًا بذكره، وأن أجمع لي (¬2) ترجمةً حافلة منَوِّهةً بعظم قدره، لتكونَ عن مآثره ومحاسنه سافرة، قيامًا بحقه في الدنيا، ورجاءً لثواب ذلك في الآخرة، وتكرَّر طلبُ ذلك من جماعة، فلم أرَ منعَه ودفاعه. ¬

_ (¬1) في (ب): و"عظيم". (¬2) في (ب): "له".

[حديث: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم]

[حديث: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم] وأيضًا، فحداني على جمع ترجمته: ما أُمرنا به من إنزال كلِّ واحدٍ إلى (¬1) منزلته، وذلك فيما أخبرنا (¬2) الأستاذ صاحبُ الترجمة رحمه اللَّه، عن أبي محمد عبد اللَّه بن محمد الصالحي، قراءة عليه بها، أن أبا عبد اللَّه بن أبي الهيجاء أنبأه -إن لم يكن سماعًا- أخبرنا أبو علي البكري الحافظ، أخبرنا أبو رَوْح الهَرَوِي، أخبرنا أبو القاسم المُسْتَمْلي، أخبرنا أبو سعد الكَنْجَروذي، أخبرنا أبو نصر المَرْواني الضَّبي، حدثنا أحمد بن حَمدون بن رُستم، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشَّهيد. (ح) وقرأت على الشيخ الرُّحْلَة أبي الحسن المالكي، عن أبي الفرج بن حمَّاد سماعًا، أخبرنا أبو الحسن المخزومي. (ح) وكتب إليَّ عاليا أبو عبد اللَّه الخليلي منها، عن أبي الفتح البكري مشافهة، كلاهما عن أبي الفرج الحراني، قال الأول: سماعًا، والثاني: مشافهة، عن أبي الحسن بن أبي منصور الأصفهاني، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني، حدثنا محمد بن الحسين الآجُرِّي، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن عبد الحميد، حدثنا أبو هشام (¬3) الرفاعي، قال هو وابن الشَّهيد، واللفظ له: حدثنا يحيى بن يمان، عن الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، قال: جاء سائلٌ إلى عائشة رضي اللَّه عنها، فأمرت له بكسرةٍ، وجاء رجل ذو هيئة، فأقعدته معها، فقيل لها: لم فعلتِ ذلك؟ قالت: أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نُنْزل الناس منازلهم. ¬

_ (¬1) من هنا بداية النسخة (ح). (¬2) من هنا بداية النسخة (ط). (¬3) في (أ، ب) "هاشم"، والمثبت من (ط، ح)، وهو محمد بن يزيد بن محمد بن كثير، أبو هشام الكوفي. وسيصرح المؤلف باسمه بعد قليل. وانظر ترجمته في (السير) 12/ 153.

[القول في رواية ميمون بن أبي شبيب عن عائشة]

[القول في رواية ميمون بن أبي شبيب عن عائشة] هذا حديث حسن، أورده مسلم في مقدمة "صحيحه" بلا إسناد، حيث قال: ونذكر عن عائشة إلى آخره، فقال النووي نقلًا عن ابن الصلاح ما معناه: أن ذلك لا يقتضي الحكم له بالصحة، نظرًا لعدم الجزم في إيراده، ويقتضيه نظرًا لاحتجاجه به وإيراده إيراد الأصول والشواهد. انتهى. لكن قد جزم الحاكم بتصحيحه في النوع السادس عشر من "معرفة علوم الحديث" له، فقال: صحَّت الرواية عن عائشة رضي اللَّه عنها، وساقه بلا إسناد، وكذا صححه ابن خزيمة، لأنه أخرجه في كتاب السياسة من "صحيحه" وكذا أخرجه البزَّار في "مسنده"، كلاهما عن إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، ورواه أبو داود في الأدب من "سننه" عن يحيى بن إسماعيل، وابن أبي خلف، ثلاثتهم عن ابن يمان به، وأخرجه أبو أحمد العسكري في كتاب "الأمثال" له عن عبد الوهاب بن عيسى، وصالح ابن أحمد، فرَّقهما، كلاهما عن محمد بن يزيد الرفاعي - هو أبو هشام. ورواه أبو يعلى في "مسنده" عن أبي هشام، فوافقناه هو وابن خزيمة في شيخيهما، وكذا البزار بعُلوٍّ، ووقع لنا بدلًا للباقين مع العلو أيضًا. وقد رواه البيهقي في "الأدب" (¬1) من طريق أبي هريرة محمد بن أيوب الجبلي (¬2)، عن يحيى بن يمان بالمتن فقط، فوقع لنا عاليًا [من طريق أبي هريرة هذا، أخرجه أبو نُعيم في "الحِلْيَة"، بلفظ: أنها كانت في سفر، فأمرت لناس من قريش بغداءٍ، فمر رجل غنيٌّ ذو هيئة، فقالت: ادْعوه ينزل فأكل ومضى، وجاء سائل فأمرت له بكِسرة، فقالت: إن هذا لغنيٌّ لم يجمُل بنا إلا ما صنعنا به، وإنَّ هذا السائل سأل، فأمرتُ له بما يرضاه، وإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرنا أن نُنزل الناس منازلهم] (¬3). وقال أبو داود عقيب تخريجه: حديث يحيى مختصرًا بالمتن دون ¬

_ (¬1) ص 193 - 194 برقم 322. (¬2) في (أ): أبي هريرة عن أيوب الجيلي، وهو خطأ. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

القصة، وميمون بن أبي شبيب لم يدرك عائشة، وتعقبه ابن الصلاح بأنه أدرك المغيرة، وهو قد مات قبل عائشة، وأشار إلى أنه على شرط مسلم؛ لاكتفائه بالتَّعاصر، مع إمكان التلاقي، وأقرَّه النووي على ذلك، وفيما أشار إليه نظر، فإن الاكتفاء بالتعاصر محله في غير المُدلِّس، وميمون قد قال فيه عمرو بن علي الفلاس: ليس يقول في شيء من حديثه: سمعت، ولم أُخبَر أن أحدًا يزعم أنه سمع من الصحابة. انتهى. وصرح غيره بأنه روى عن جماعة من الصحابة لم يدركهم؛ منهم معاذ، وأبو ذرّ، وعلي، رضي اللَّه عنهم، فلذلك قال أبو حاتم: إن روايته عنهم مُرسلة، بل صرح أيضًا بأن روايته عن عائشة غيرُ متصلة، وكذا قال البيهقي: إن حديثه عنها مرسل، وقال ابن معين: إنه ضعيف. نعم، حَسَّن له الترمذي حديثًا من روايته عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه، بل في بعض النسخ تصحيحه، وحديثه عن المغيرة خرَّجه مسلم في مقدمة "صحيحه" استشهادًا، وكذا أخرجه الترمذي وصححه، وساق له الترمذي، وابن ماجه عن علي حديثًا، والترمذي -عن محمود بن غيلان- حديث: "اتق اللَّه حيث ما كنت" عن معاذ وأبي ذرّ من طريقين. قال محمود: والصحيح حديث أبي ذر، وحديثه عن معاذ: "اتق اللَّه" خرَّجه الترمذي أيضًا، وكذا خرَّج له النسائي عن معاذ حديث "الصوم جُنَّة"، وهو والترمذي وابن ماجه عن سَمُرة حديث: "البَسُوا البياض، وكفِّنوا فيها موتاكم". قال بعض الحفاظ: وهذا كله مُشعِر بإدراك ميمون لعائشة، ثم إنَّ الجواب عن أبي داود ممكنٌ بأن يكون مرادُه أنه لم يدرك السماع منها، وجزم ابن القيِّم بفساد التعقب المشار إليه، وأشار إلى أن ميمونًا كان بالكوفة، فسماعه من المغيرة لا يُنكَر، لأنه كان معه بها، بخلاف عائشة، فإنها كانت بالمدينة، قال: وأئمةُ هذا الشأن لهم في ذلك أمر وراء المعاصرة، ولو كان الأمر في ذلك مع هذا الإطلاق، لكان كل من روى عن كل أحد يُحمل على الاتصال، انتهى. لكن قد قال شيخُ صاحب الترجمة الحافظ الحجة أبو الفضل العراقي

رحمهما اللَّه: إنه لم يأت في خبر قط إدراك ميمون للمغيرة، وإنما أخذه ابن الصلاح من كون مسلم روى له في المقدمة عن المغيرة حديثًا استشهادًا، وقال فيه: إنه حديث مشهور. قلت: وقد قال البزّار عقب تخريجه: وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا من هذا الوجه، ويُروى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفًا، يشير إلى ما رواه أبو أُسامة عن أُسامة بن زيد، عن عمر بن مِخْراق، عن عائشة لكن قد أخرجه الخطيب في "المتفق والمفترق"، و"الجامع"، كلاهما له، والبيهقي في "الشعب"، والطبراني، كلهم من طريق أحمد بن أسد البجلي الكوفي، والبيهقي، والطبراني أيضًا، من طريق محمد بن عمار الموصلي، والبيهقي وحده من طريق مسروق بن المرْزُبان، ثلاثتهم عن يحيى بن يمان، عن سفيان الثوري، عن أُسامة، به مرفوعًا، وأخرجه البيهقي في "الأدب" من طريق الطبراني من جهة الثلاثة المذكورين، وقال الطبراني: لم يروه عن سفيان إلا ابن يمان. وكذا أخرجه الدارقطني في "العلل" عن أبي سعيد العدوي، عن أبي همام الخارَكي -هو الصلت بن محمد- عن يحيى، لكنه صوَّب الموقوف. وقد قال الإمام أحمد: إن رواية عمر عن عائشة مرسلة، وكذا قال البيهقي في "الشُّعَب"، وقال البخاري: عُمر (¬1) بن مِخْراق عن رجل، عن عائشة: مُرسَل، روى عنه أُسامة، وكذا ذكره ابن حبَّان له في أتباع التابعين من "ثقاته"، يدلّ على أنه لم يسمع من الصحابة رضي اللَّه عنهم. وحينئذٍ، فهذه الرواية أيضًا مرسلة، والصحيح عن يحيى ما نقدم. قال البيهقي في "الأدب": وكان يحيى رواه على الوجهين جميعًا، قال: وقوله: فأقعدته معها، إن صح، يريد به خارج الحجاب. انتهى. [وبالجملة، فحديث عائشة حسن، وفي "الإحياء": روي أن عائشة كانت في سفر، ننزلت منزلًا، فوضعت طعامها، فجاء سائل، فقالت عائشة ¬

_ (¬1) في (ب): عمرو.

رضي اللَّه عنها: ناولوا هذا المسكين قُرصًا، ثم مرَّ رجل آخر على دابة، فقالت: ادعوه إلى الطعام، فقيل لها: تُعطين المسكين وتَدْعين هذا الغنيَّ، فقالت: إن اللَّه تعالى قد أنزل الناس منازل، لا بد لنا أن ننزلهم تلك المنازل، هذا المسكين يرضى بقُرص، وقبيحٌ بنا أن نعطي هذا الغنيَّ على هذه الهيئة قُرصًا، وفيه زيادة على لفظ "الحلية" الذي أسلفناه] (¬1). وفي الباب عن معاذ، وجابر رضي اللَّه عنهما: فأما الأول، فرواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" له، من رواية عبد الرحمن بن غَنْم، عن معاذ بن جبل، رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنزِلِ الناسَ منازلَهم من الخير والشرِّ، وأحسنْ أدبهم (¬2) على الأخلاق الصالحة"، ولا يصح إسناده. وأما الثاني، فرويناه في "جزء الغسولي" بسند ضعيف، ولفظه في حديث: "جالسوا الناس على قدر أحسابهم، وخالطوا الناس على قدر أديانهم، وأنزلوا الناس على قدر منازلهم، وداروا الناس بعقولكم". وكذا رويناه في حديث أوله: "أنا أشرفُ الناس حسبًا" في "مسند الفردوس" من حديث جابر أيضًا بلفظ: "أنزلوا الناس على قدر مروءاتهم". وقد أورد الغزالي رحمه اللَّه في أواخر الباب الخامس من العلم من كتاب "الإحياء" هذا الحديث بلفظ: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "نحن معاشرَ الأنبياء أُمرنا أن نُنزلَ الناس منازلهم، ونكلّمَ النلس على عقولهم"، وما وقفت عليه بهذا اللفظ في حديث واحد، بل الشقُّ الأول في حديث كما مضى، والثاني رويناه فيي الجزء الثاني من "حديث ابن الشِّخِّير" من حديث ابن عمر مرفوعًا: "أُمرنا معاشر الأنبياء أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم". [ورويناه في "أُنس العاقل وتذكرة الغافل" لأُبيِّ النَّرْسي من طريق أبي ¬

_ (¬1) من قوله: وبالجملة، إلى هنا، لم يرد في (ب)، وورد في نسخة (ح) بالهامش متبوعًا بعلامة التصحيح. (¬2) في (ب): آدابهم.

[أقسام الكتاب]

إسحاق السَّبِيعي، عن الحارث بن مُضرب، عن علي رضي اللَّه عنه، قال: من أنزل الناس منازلهم رفع المُؤنة عن نفسه، ومن رفع أخاه فوق قدره اجترَّ عداوته] (¬1). قال أبو أحمد العسكري في "الأمثال": هذا مما أدَّبَ به النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُمته في إيفاء الناس حقوفهم، من تعظيم العلماء، وإكرام ذي الشيبة، وإجلال الكبير، وما أشبهه. وقال مسلم بن الحجاج في "صحيحه" قُبيل هذا الحديث: إنه لا يُقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يُرفع متَّضِع القدر في العلم فوق منزلته، ويُعطى كلّ ذي حق فيه حقه، ويُنزل منزلته. وقال غيره: المراد بالحديث: الحضُّ على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم، وتفضيل بعضهم على بعض في الإكرام في المجالس، لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليلِني منكم أُولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم"، فيقدِّم الإمامُ في القرب منه الأفضلَ فالأفضل مِنَ البالغين والعقلاء إكرامًا لهم، ويعامل كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف والمرتبة، فإن اللَّه أعطى كل ذي حقٍّ حقه، وكذا في القيام والمخاطبة والمكاتبة، وغير ذلك من الحقوق. نعم، سوّى الشرعُ بينهم في القصاص والحدود، وأشباهها، لكن في التعازير يعزَّرُ كلُّ أحدٍ بما يليق به، وبهذا الحديث تمسَّك المتكلمون في التعديل والتجريح لرواة الأخبار، ليتميَّزَ صالحهم من طالحهم، واللَّه تعالى الموفق. [أقسام الكتاب] ورتبت هذه الكتاب على مقدمة وعشرة أبواب وخاتمة. أما المقدمة، ففي التعريف بشيخ الإسلام والحافظ، والمحدّث، لكون الأوَّلَيْن عند الإطلاق لا يراد بهما في زمنه سواه بالاتفاق. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط).

وأما الأبواب: فالأول: في ذكر نسبه ونسبته ومولده وبلدته، وبشارة أبيه به وشهرته، وفيه نبذة من تراجم مَنْ وقفتُ عليه مِنْ أسلافه وإخوته. والثاني: في صفة مبدأ أمره ونشأته، وذكر طلبه للعلم ورحلته، وتعيين من أخذ عنه دراية، وكذا جملةٌ مِنْ شيوخ الرواية، وبيان الأماكن التي كتب بها الحديث أو العلم مِنَ البلاد والقرى، ليُعلم أنه "عند الصباح يحمَدُ القومُ السُّرى". وختمته بأسماء من عنهم تحمَّل غير مطيلٍ بتراجمهم، اكتفاءً "بمُعْجمه"، فعليه المُعَوّل، معقبًا ذلك بأوراق مهمَّة من أسانيده بالكتب، ونحوه، مما هو متداولٌ بين الأئمة. وإن كان هو في "فهرسته" قد استوفاها؛ لأن الهممَ لقصورها ترتاحُ للطريقة التي سلكناها. والثالث: في ثناء الأئمة عليه من الشيوخ والأقران، والطلبة والشُبَّان، مقدمًا منهم الأقدم فالأقدم، وإن وُجِدَ في المتأخر الزمن مَن هو المُقدَّم، وفيه فصلٌ في بيان مراجعة غير واحدٍ مِن شيوخه له، فيما خفي على الشيخ الأمر فيه واستشكله، ثم بيانُ يسيرٍ مما كان بالهوامش ونحوها يُقيِّده، مما خفي على المصنِّفين وشِبههم تحريره وتقييده، وألحقتُ بالثناء مِنَ النظم الذي امتُدِح به جملةً، وإن كان مُنحَطَّ الرتبة بالنسبة للفصل الذي قلبه. والرابع: في تدريسه وإملائه، ووظائفه السنية، الدَّالَّة على عُلوِّه وارتقائه، وذكر شيء مما اتفق في ولاياته، وما لم يرتضه مما عُرِضَ عليه من المناصب لوفور كمالاته، والإشارة لمحنته، المقتضية في الدارين لشرف مرتبته، وذكر مَنْ رافقه في القضاء من سائر المذاهب، وجماعة من أعيان نوابه البالغين سَنِيَّ المراتب. والخامس: في سرد تصانيفه مع الترتيب المعتبر، وبيان مَنْ علمته مِمَّن رغِبَ في تحصيلها مِنْ أئمة النقل والنظر، والتنبيه على شهرتها في قديم الأزمان، وتهادي الملوك بها من أقاصي البلدان، وألحقتُ به فصلًا فيما وقفت عليه من تصانيف غيره بخطه الفائق في إتقانه وضبطه. والسادس: في سياق شيء من بليغ كلامه نظمًا ونثرًا، واشتمل هذا

الباب على فصول يفوقُ سردُها خبرًا وخَبَرًا، ومنها -وهو آخرها- فيه إشارة إلى بعض مِنْ فتاويه التي لا يمكن الإحاطة بجميعها، وشِرْذِمة مِنْ كلامه في العلوم بتنويعها، وبعض مسائل من اختياراته، وتحقيقاته وإشاراته. والسابع: في أحواله وشمائله الناطقة بتفرده في خصائله، وشيء من وصفه الأسنى، ومناقبه الحُسنى. والثامن: في سرد جماعة ممن أخذ عنه دراية أو رواية. والتاسع: في ذكر مرضه ووفاته، وما يلتحقُ بذلك من غسله وتكفينه، والصلاة عليه، ووصيته قبل مماته، وشيء مِنْ أحوال بنيه وبناته، وكذا أحوال زوجاته وسراريه وخدمه ومواليه. والعاشر: فيما علمته من المراثي فيه، وإن كان الكثير منها ممَّا (¬1) لا أرتضيه، بالنسبة لعليِّ مقامه، وبديع كلامه، لكنه من لم يجد الماء تيمَّم، ومن رأى خللًا أو نقصًا وله لسان في التكميل تمَّم. وأما الخاتمة: ففي سرد مَنْ علمته الآن أفرد لنبيّنا -صلى اللَّه عليه وسلم- سيرةً، وكذا من أفرد لشيخه أو إمامه أو نفسه ونحو ذلك، ترجمة بالتأليف. ووسمت (¬2) هذا الكتاب بـ: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر واللَّه المستعان وعليه التُّكلان، وأسأله من فضله أن يعفو عنَّا بكرمه وطَوْله (¬3)، فهو سبحانه ذو الجُودِ العميم، والفضل الجسيم، حسبي اللَّه لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. ¬

_ (¬1) "مما" ساقطة من (أ). (¬2) في (أ): "وسميت". (¬3) في (ح): "وقوله" تحريف.

المقدمة في التعريف بشيخ الإسلام والمحدث والحافظ

المقدمة في التعريف بشيخ الإسلام والمحدث والحافظ

[شيخ الإسلام]

المقدمة [شيخ الإسلام] أما شيخ الإسلام: فهو يطلق -على ما استقرىء من صنيع المعتبرين- على المتبع لكتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع المعرفة بقواعد العلم والتبحُّر في الاطلاع على أقوال العلماء، والتَّمكُّن من تخريج الحوادث على النصوص، ومعرفة المعقول والمنقول على الوضع المرضيِّ، وربما وُصِفَ به مَنْ بلغ درجة الولاية، وتبرك الناس به حيًّا وميتًا، وكذا (¬1) مَنْ سلك في الإسلام طريقة أهله، وسَلِمَ من شِرَةِ الشباب، وجهله، وكذا من صار هو العُدَّةَ والمفزع إليه في كل شدَّة، كما هو مراد العامة، وقد يوصف به من ¬

_ (¬1) في هامش (ب) ما نصه: فائدة: فيمن يقال له أمير المؤمنين في الحديث. قال الحافظ أبو علي الحسن بن محمد البكري في كتب "التبيين لذكر من يسمى بأمير المؤمنين" قال: فأول من تسمَّى بهذا الاسم -فيما أعلمه وشاهدته ورويته، وسُمِّي بالإمام في أول الإسلام- أبو الزِّناد عبد اللَّه بن ذكوان، وبعده إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ثم بعدهما محمد بن إسحاق صاحب المغازي، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، والبخاري، والواقدي، وإسحاق بن راهويه، وعبد اللَّه بن المبارك، والدارقطني، وأبو إسحاق الشيرازي أمير فيما بين الفقهاء. وأغفل محمد بن علي الذهلي، وأبا نُعَيم الفضل بن دُكَيْن، وهشام بن عبد اللَّه الدستوائي، وحماد بن سلمة. وذكر الذهبي في ترجمة عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عثمان بن عيسى، قال: يصلح الدراوردي أن يكون أمير المؤمنين في الحديث. وقال بعض مشايخي: ومسلم جدير أن يلقب بذلك، ولم أرهم نصُّوا عيه. انتهى ملخّصًا من "النبراس".

[من اشتهر بلقب شيخ الإسلام]

شاب في الإسلام، وانفرد عن أقرانه بطول العمر، ودخل في عداد "من شاب شيبة في الإسلام، كانت له نورًا". ولم تكن هذه اللفظة مشهورة بين القدماء بعد الشيخين: الصِّديق والفاروق رضي اللَّه عنهما، الوارد وصفهما بذلك عن علي رضي اللَّه عنه فيما ذكره المحب الطبري في "الرياض النضرة" له بلا إسناد، عن أنس رضي اللَّه عنه، قال: جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، سمعتك آنفًا تقول على المنبر: اللهم أصلحني بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين، فمن هم؟ قال: فاغرورقت عيناه وأهملهما، ثم قال: أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، إماما الهدى وشيخا الإسلام، ورجلا قريش، والمقتدى بهما بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. من اقتدى بهما عُصم (¬1)، ومن اتبع آثارهما هُدي إلى صراط مستقيم، مَنْ تمسَّك بهما، فهو من حزب اللَّه، وحزبُ اللَّه هم المفلحون. وقال الذهبي في "الكاشف" عن ابن المبارك: وناهيك به شيخ الإسلام، وشيخُ الإسلام (¬2) إنما هو أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه الذي ثبَّت الزكاة، وقاتل أهل الردَّة فاعرفه. انتهى. [من اشتهر بلقب شيخ الإسلام] واشتهر بها أبو إسماعيل الهروي، واسمه عبد اللَّه بن محمد الأنصاري، صاحب كتاب "منازل السائرين" و"ذمِّ الكلام"، وكان حنبليًّا، وأبو علي حسان بن سعيد المنيعي الشافعي، وأبو الحسن علي الهكّاري، قال ابن السمعاني: كان يقال له: شيخ الإسلام، وكان شافعيًّا أيضًا. وكذا لُقِّب بها مِنَ الحنفية: أبو سعيد الخليل بن أحمد بن محمد بن الخليل السِّجْزي، المتوفى بعد السبعين وثلثمائة، وأبو القاسم يونس بن ¬

_ (¬1) في (أ): عَظُمَ. (¬2) عبارة: "وشيخ الإسلام" ساقطة من (ط).

طاهر بن محمد بن يونس البصري، ذكره ابن مَنْدَه، ومات سنة إحدى عشرة وأربعمائة، والقاضي أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد السَّعدي، المتوفى في سنة إحدى وستين وأربعمائة، وربما لُقِّبَ ركن الإسلام أيضًا، وأبو نصر أحمد بن محمد بن صاعد الصاعدي، قال فيه الذهبي: أحدُ مَنْ يُقال له: شيخ الإسلام، مات سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وعلي بن محمد (¬1) بن إسماعيل بن علي الإسبيجابي، مات سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وتلميذه صاحب "الهداية" برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفَرْغاني مات في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، ومحمد بن محمد بن محمد الحُلْمِي، والعماد مسعود بن شيْبة بن الحُسين السِّندي، وأبو سعد المطهِّر بن سليمان الزَّنْجانِي، وسديد بن محمد الحنَّاطي. واشتهر بها الأستاذ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني الشافعي، [لقّبه بها ابن السمعاني في "الذَّيل"] (¬2)، وتاج الدين ابن الفِرْكاح وهو شافعي. ووصف بها ابنُ دقيق العيد شيخَه ابنَ عبد السلام، فقال: هو شيخ الإسلام. وأبو الفرج بن أبي (¬3) عمر، وهو حنبلي، أول مَنْ ولي قضاء الحنابلة، وابن دقيق العيد، وابن تيمية. ولم يكن أبو الحجاج المِزِّي يثبتها في عصره لغير ابن تيمية، وابن أبي عمر، والتقيُّ السبكيِّ، وتزايد ظهورها في أيامه وأيام بنيه، خصوصًا بالشام. ثمَّ لقِّب (¬4) السراج البلقيني بها، وكان -كما قرأته بخط ابن عمار- مقصورًا عليه، قال: فلما توفي، بلغني أن ولده ألبسه السلطانُ تشريفًا؛ ليكون ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "أحمد"، خطأ. وانظر "تاج التراجم" لابن قطلوبغا ص 212 - 213. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) "أبي" ساقطة من (أ). وهو شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، توفي سنة 582 هـ. انظر "المقصد الأرشد في ذكر أصحب الإمام أحمد" لابن مفلح 2/ 107 - 109. (¬4) في (ب): لقَّبه، خطأ.

[تعريف المحدث]

متصدِّيًا للفتوى مكان أبيه -فيما يظهر- خلافًا لكثير من الغوغاء، حيث صرَّحوا بأن السلطان ألبسه تشريفًا بمشيخة الإسلام، وارتاح هو لذلك، بحيث كان مَنْ قدَّم له فُتيًا أو نحوها، ولم يلقِّبه بها، يمتنع غالبًا من إجابته مع زجره وإهانته، إن لم يكن ذا وجاهة بجاه أو غيره. قلت: ونحوه أن شيخنا صاحب الترجمة أرسل له سؤالًا، افتتحه بقوله: ما يقول الفقهاء؟ فأرسل إليه نقيبه القزويني، فقال: يقول لكم القاضي: أيُّ فرقٍ بين وصفِ المفتي وبين فقيه الكُتَّاب؟ فأجابه بقوله: كنت مستعجلًا. وابتُذِلتُ هذه اللفظة، فوصف بها على رأس المائة الثامنة، وما بعد ذلك مَنْ لا يُحصى كثرةً، حتى صارت لقبًا لكلِّ مَن وليَ القضاء الأكبر، ولو كان عاريًا عن العلم والسنّ، وغيرهما، بل صار جَهَلَةُ الموقِّعين وغيرهم يجمعون جُلَّ الأوصاف التي لا توجد الآن متفرقة في سائر الناس للشخص الواحد، والعجب ممن يُقِرُّهم على ذلك، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون!. وقد كان صاحب الترجمة رحمه اللَّه جديرًا بوصفه بهذه اللفظة، لوجدان أكثر المعاني التي سقناها فيه، وعند إطلاقها من المعتبرين في زمنه لا يُراد بها، ولا يُفهم منها غيره، ولو لم يكن إلا أنه قد انتهت إليه مشيخة الإسلام في الحديث النبوي من غير مدافعة. وقد وصف الإمام المبجل أحمد بن حنبل -وناهيك بورعه وتحرِّيه- أبا الوليد الطيالسي، وأحمد بن يونس بمشيخة الإسلام، ولم يكن لهما سوى فن الحديث، ولم تنحصر مشيخته في واحد منهما، رحمهم اللَّه وإيانا. [تعريف المحدِّث] وأما المحدث: فهو العارفُ بشيوخ بلده وغيرها، والضَّابطُ لمواليدهم، ووفياتهم ومراتبهم في العلوم. وما لهم من المرويات على اختلاف أنواعها، والمميِّزُ لعالي ذلك من نازله والمقتدرُ على تلخيص ما يقف عليه من الطِّباق والأسانيد، مُحرَّرًا، واستخراج الخطوط ولو تنوعت، والانتقاء على الشيوخ

[آداب المحدث]

والتخريج لهم ولنفسه، مع التنبيه على البَدَل والموافقة، والمصافحة والمساواة، ونحو ذلك، وضبط أسماء السامعين ولو كانوا ألفًا، والممارسُ لأسماء الرجال، لا سيما المشتبهة، وأخذ ضبطها عن أئمة الفن. والضابط لغريب ألفاظ الحديث، أو جُلِّها؛ خشية التصحيف، والعارفُ بطرفٍ مِنَ العربية يأمَنُ معه مِنَ اللَّحن غالبًا، والماهرُ باصطلاح أهله، بحيث يصلُحُ لتدريسه وإفادته ويُراعي اصطلاحهم في ذلك ونحوه. وقد يطلق على مَنْ لم يجتمع له ذلك مُحدِّث، لكن أكثر عملهم على هذا. [آداب المحدث] وله آداب دونها أئمتنا، وأجل مصنَّف في ذلك، كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب. قرأته. وسمعتُ صاحب الترجمة يقول: -والظاهر أنه حكاه عن غيره- ويكون (¬1) سريع الكتابة، والقراءة، والأكل، والمشي، انتهى. وللحافظ أبي الفتح ابن سيد الناس رحمه اللَّه كلام في تعريفه، حيث قال: المحدِّث في عصرنا هو مَن اشتغل بالحديث رواية وكتابة، وجمع رواة، واطلع على كثير من الرواة. والروايات في عصره، وتبصّر بذلك، حتى عُرف خطُّه، واشتهر فيه ضبطُه. وهذا أسهل مما قاله العلامة القاضي تاج الدين أبو نصر (¬2) السبكي في كتابه "مُعيد النِّعَم ومُبيد النقم" (¬3)، كما أخبرني الإمام خاتمة المُسندين العز أبو محمد القاضي عنه، قال: المحدث مَن عرف الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال، والعالي والنازلَ، وحفظ -مع ذلك- جملة مستكثرة من المتون، ¬

_ (¬1) في (أ): وبكونه. (¬2) في (ط): أبو بكر، خطأ. وهو تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي. توفي سة 771 هـ. الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 425 - 428. (¬3) ص 82 - 83.

وسمع الكتب الستة، و"مسند الإمام أحمد بن حنبل"، و"سنن البيهقي"، و"معجم الطبراني"، وضمَّ إلى هذا القدر ألفَ جزء من الأجزاء الحديثية، هذا أقل درجاته، فإذا سمع ما ذكرناه، وكتبَ الطِّباق، ودار على الشيوخ، وتكلَّم في العلل والوفيات والأسانيد، كان في أول درجات المحدّثين، ثم يزيد اللَّه تعالى من شاء ما شاء. ويقرب منه قول العلامة مُغَلْطَاي: الذي يطلق عليه اسم المحدث في عُرف المحدثين أن يكون كتب وقرأ وسمع ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصَّل أصولًا، وعلَّق فروعًا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف. انتهى. والمقتصر على السماع لا يسمى محدثًا. قال الإمام تاج الدين ابن يونس في "شرح التعجيز": إذا أُوصي للمحدث تناول مِنْ علم طرق إثبات الحديث، وعدالة رجاله؛ لأن من اقتصر على السمع فقط ليس بعالم. ويشهد له قول الرافعي، تبعًا للأصحاب فيما إذا أوصى للعلماء: إنه لا يدخل فيها الذين يسمعون الحديث، ولا عِلْمَ لهم بطرقه، ولا بأشياء مِنَ الرواة والمتون، فإن السماع المجرد ليس بعلم. ونحوه قول السبكي: لا يدخل في الحديث مَنِ اقتصر على السمع المجرّد، وكذا قال بعض المتأخرين: المحدث عند الفقهاء لا يطلق إلا على من حفظ متون الحديث، وعلم عدالة رجاله، وجرحها فقط. والمقتصر على السماع خارج عن هذين. وقال الفارقي: لا يصرف لمن عرف طرق الحديث ولم يعرف أحكامه، لأنه لا يصير من علماء الشرع بذلك القدر، وتابعه تلميذه ابن أبي عصْرُون في "الانتصار". وتوقف صاحب الترجمة في ذلك، فإنه قال: هذه مكابرة، لأن القسمة رباعية، وأرفع الأربعة من له السَّماعُ الكثير، والعلم بالطرق والعلل. قلت: ولعل الأولين إنما منعوا تسميته بذلك حقيقةً؛ لأنه مُسند، ومن عداهم أراد المجاز.

ثمَّ، ما المراد بطرق الحديث؟ فقال في "الذخائر": هو معرفة ما تضمنته الأحاديثُ مِنَ الأحكام مع معرفة رواته، وهذا مخالف لاصطلاحهم، فإنهم إنما يريدون بالطرق تعدادَ الأسانيد والوجوه للحديث الواحد. وقال صاحب "الوافي": المراد بطرقه: معرفة (¬1) الصحيح والضعيف والغريب، ومعرفة أسماء الرجال، وعدالتهم وجرحهم، وتعرُّف معانيه، فيكون حينئذٍ عالمًا، وألا يكون كقارىء القرآن، وليس ذلك بعلم، بل هو نقل، والى آخر كلامه يُرشد قول الماوردي في الوقف: إنه لا يُصْرَفُ للقراء، وأصحاب الحديث، لأن العلم ما تُصرِّفَ في معانيه دون ما كان محفوظًا للتلاوة. وعليه يُحمل ما رويناه عن الحافظ السِّلفي، قال: استفتيت شيخنا الإمام أبا الحسن الطبري -عرف بالكِيَا- عن رجل وصَّى بثلث ماله للعلماء والفقهاء، هل تدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية؟ فقال: نعم كيف لا، وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حفظ على أُمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه اللَّه يوم القيامة فقيهًا عالمًا"؟. قلت: ويُروى عن مالك: أن المقتصر على السماع لا يُؤخذ عنه العلم، وعبارته فيما نقله القاضي عبد الوهاب في "الملخص" نقلًا عن عيسى بن أبان عنه: لا يؤخذ العلم عن أربعة، فذكرهم، وقال: ولا عن مَنْ لا يعرِفُ هذا الشأن، وفسّر القاضي مراده بما إذا لم يكن ممن يعرف الرجال مِنَ الرواة، ولا يعرف هل زِيدَ في الحديث شيءٌ أو نُقص، لكن العمل على خلاف هذا، والاعتماد في هذه الأعصار -غالبًا- على القارىء، ولذلك أقول بامتناع قراءة كثيرٍ مِنَ الطلبة الذين لا ممارسة لهم بالمتون ولا الأسانيد، بل ولا معرفة لهم بشيء -في الجملة- أصلًا على من لا تمييزَ عنده مِنَ المُسنِدين، ولا أقلَّ من أن يصحح حديثه أولًا. ¬

_ (¬1) "معرفة" ساقطة من (أ).

[وصية الذهبي للمحدثين]

[وصية الذهبي للمحدثين] وللَّه در الحافظ أبي (¬1) عبد اللَّه الذهبي حيث قال فيما قرأته بخطه في حقِّ هؤلاء، وإن بالغ، لكنه واللَّه معذور-: المحدثون، فغالبهم لا يفقهون ولا هِمَّةَ لهم في معرفة الحديث ولا في التديُّن به، بل الصحيح والموضوع عندهم نسبةٌ، إنما همَّتُهم في السماع على جَهَلة الشيوخ، وتكثير العدد من الأجزاء والرواة، لا يتأدبون بآداب الحديث، ولا يستفيقون مِنْ سكرة السماع، الآن يَسمَعُ الجزء ونفسه تُحدّثه متى يرويه، أبعْدَ خمسين سنة؟ ويحك! ما أطول أملك! وما أسوأ عملك، معذورٌ سفيان الثوري إذ يقول فيما رواه أحمد بن يوسف التغلبي: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حمّاد بن زيد، قال: قال سفيان الثوريُّ: لو كان الحديث خيرًا، لذهب كما ذهب الخير. صدق واللَّه، وأيُّ خيرٍ في حديث مخلوط صحيحه بواهيه، وأنت لا تَفْليه ولا تبحث عن ناقليه، ولا تدينُ اللَّه به. أمَّا اليوم في زماننا، فما يفيد المحدّثَ الطلبُ والسماعُ مقصود الحديث أبدًا من التدين به، بل فائدة السماع ليُروى، فهذا واللَّه لغير اللَّه. خطابي معك يا محدِّث، لا مع مَنْ يسمع ولا يعقل، ولا يحافظ على الصلاة، ولا يجتنب الفواحش، ولا قَرْشَ الحشائش، ولا يُحسِن أن يَصْدُقَ: فيا هذا، لا تكن مُجرمًا مثلي، فإنا نَحْسٌ أبغضُ المناحيس، فطالب الحديث اليوم ينبغي له أن ينسخ أولًا "الجمع بين الصحيحين"، و"أحكام عبد الحق"، و"الضياء"، ويُدمن النظر فيهم، ويكثر من تحصيل تواليف البيهقي، فإنها نافعة، ولا أقل من تحصيل مختصرٍ (¬2) "كالإلمام"، ودرسه. فأيش السماع على جَهَلَةِ الشيوخ الذين ينامون والصبيانُ يلعبون، والشبيبةُ يتحدثون، ويمزحون، وكثيرٌ منهم ينعسون ويكابرون، والقارىء يُصَحّف، وإتقانه في تكثير (¬3) -أو كما قال- والرضع يتضاغون. باللَّه خلُّونا، فقد بقينا ¬

_ (¬1) في (أ): "أبو"، خطأ. (¬2) في (ب): "من أن يحصل مختصرًا". (¬3) في (أ): "في كثير"، والعبارة غير واضحة، ولذا قال المصنف: أو كما قال.

[أقسام علوم الحديث]

ضُحكةً لأُولي المعقولات، يَطنُزُون بنا، ويقولون: أهؤلاء هم أهل الحديث؟ وقال في موضع آخر -وقد نقل عن سفيان الثوري أنه قال: ليس طلب الحديث من عُدّة الموت، ولكنه علة يتشاغل به الرجال- ما نصه: لقد صدق فيما قال؛ لأن طلب الحديث شيء غير الحديث، وطلب الحديث اسمٌ عُرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهيَّة الحديث، وكثير منها مراقٍ إلى العلم، وأكثرها أمور يشغف بها المحدث، من تحصيل النُّسخ المليحة، وتطلب الإسناد العالي، وتكثير الشيوخ. والفرح بالألقاب، وتمنِّي العمر الطويل ليروي (¬1)، وحب الانفراد، إلى أمورٍ عديدة لازمةٍ للأغراض النفسانية، لا للأعمال الربّانية، فإذا كان طلبك للحديث النبويِّ محفوفًا بهذه الآفات، فمتى خلاصُك فيها إلى الإخلاص؟ وإذا كان علم الآثار مدخولًا، فما ظنُّك بعلوم الأوائل التي تَنْكُب الإيمان، وتورث الشكوك التي لم تكن -واللَّه- في عصر الصحابة والتابعين؟ بل كانت علومهم القرآن والحديث والفقه. انتهى. [أقسام علوم الحديث] وقال الإمام أبو شامة رحمه اللَّه: علوم الحديث الآن ثلاثة: أشرفها: حفظ متونه، ومعرفة غريبها وفقهها. والثاني: حفظ أسانيدها، ومعرفة رجالها، وتمييز صحيحها من سقيمها، وهذا كان مُهمًّا، وقد كفيه المشتغلُ بالعلم بما صُنِّف وأُلِّف في ذلك، فلا فائدة تدعو إلى تحصيل ما هو حاصل. الثالث: جمعه وكتابته وسماعه، وتطريقه، وطلبُ العلو فيه، والرحلة بسببه إلى البلدان. والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهمُّ من علومه النافعة، فضلًا عن العمل به الذي هو المطلوب الأول، قال اللَّه تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. إلا أن هذا لا بأس به للبطالين، ¬

_ (¬1) "ليروي" ساقطة من (ب).

لما فيه من إبقاء سلسلة العنعنة المتَّصِلةِ بأشرف البشر -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهي من خصائص هذه الأمة. قال: ومما يُزهِّد في ذلك، أن فيه يتشارك الصغير والكبير، والفَدْمُ والفاهم، والجاهل والعالم، وقد قال الأعمش: حديث يتداوله الفقهاء خيرٌ من حديث يتداوله الشيوخ. ولام إنسانٌ أحمد رحمه اللَّه في حضور مجلس الشافعي رضي اللَّه عنه، وتركه مجلس سُفيان بن عُيَينة، فقال له أحمد: اسكت، فإن فاتك حديثٌ بعلوٍّ، تجده بنزول، ولا يضرُّك، وإن فاتك عقلُ هذا الفتى، أخافُ أن لا تجده. انتهى. قال صاحب الترجمة: وهذا في بعضه نظر؛ لأن قوله: وهذا قد كفيه المشتغل بالعلم بما صُنِّف فيه، قد أنكره العلامة أبو جعفر بن الزبير وغيره، ويقال عليه: إن كان التصنيف في الفن يوجب الاتكال (¬1) على ذلك وعدم الاشتغال به، فالقول كذلك في الفن الأول، فإن فقه الحديث وغريبه لا يُحصى كم صُنِّف فيه، بل لو ادعى مُدّع أن التصانيف التي جمعت في ذلك أجمعُ من التصانيف التي جُمعت في تخيير الرجال، وكذا في تمييز الصحيح من السقيم لما أبْعَدَ، بل ذلك هو الواقع، فإن كان الاشتغال بالأول مُهِمًّا، فالاشتغال بالثاني أهمُّ، لأنه المرقاة إلى الأول، فمن أخلّ به، خلط السقيم بالصحيح، والمُعَدَّل بالجريح وهو لا يشعُر، وكفى بذلك عيبًا، فالحق أن كلًّا منهما في علم الحديث مُهمّ، ولا شك أن مَن جمعهما، حاز القدح المُعَلَّى، مع قصورٍ فيه إن أخلَّ بالثالث، ومن أخلّ بهما، فلا حظّ له في اسم الحافظ، ومن حرَّرَ الأول وأخلَّ بالثاني، كان بعيدًا من اسم المحدث عُرفًا، ومن حرر الثاني وأخل بالأول، لم يبعُد عنه اسم المحدّث، ولكن فيه نقص بالنسبة إلى الأولى. وبقي الكلام في الفن الثالث، وهو السماع وما ذكر معه، ولا شك أنَّ ¬

_ (¬1) في (ب): الإنكار.

مَنْ جمعه مع الفنَّين الأوّلين، كان أوفرَ سَهْمًا وأحظَّ قَسْمًا، ومن اقتصر عليه كان أبخس حظًّا وأبعد حفظًا، فمن جمع الأمور الثلاثة كان فقيهًا محدثًا كاملًا، ومن انفرد باثنين منها، كان دونه، وإن كان لا بدَّ مِنَ الاقتصار على اثنين، فليكن الأول والثاني، وهل يُسمّى محدّثًا أو لا؟ فيه تردُّد، وأما من اقتصر على الثاني والثالث، فهو محدّث صِرْفٌ لا حظَّ له في اسم الفقيه، كما أنَّ مَنِ انفرد بالأول، فلا حظَّ له في اسم المحدث كما ذكرنا، فهذا هو تحريرُ المقال في هذا الفصل، وطريقُ الإنصاف فيه. قال: وقد وجدتُ لي فيما ذكرته بحثًا سلفًا من قول رجل من كبار أهل العلم والزهد، وهو أبو الفتح نصر بن أحمد المقدسي، الذي قال في حقه حجة الإسلام الغزاليّ في "منهاج العابدين" ما قال، حيث ذكر ما رواه الرامهُرمُزِيّ في "المحدث الفاصل" له، قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن محمد بن سهيل، حدثني رجلٌ ذكره من أهل العلم، قال: وقفتِ امرأةٌ على مجلس فيه يحيى بنُ معين (¬1)، وأبو خيثمة وخلف بن سالم، وجماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورواه فلان، وما حدَّث به غير (¬2) فلان، فسألتهم عن الحائض تَغْسِلُ الموتى، وكانت غاسلة، فلم يُجبها أحد منهم، وجعل بعضُهم ينظرُ إلى بعضٍ، فأقبل أبو ثور إبراهيم بن خالد الفقيه، فقالوا لها: عليك بهذا المقبل، فالتفتت إليه وقد دنا منها، فسألته: فقال: نعم تَغْسِل، لحديث القاسم عن عائشة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليستْ حيضتُك في يدك"، ولقول عائشة: كت أفرق رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا حائضٌ، قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحيِّ فالميتُ أولى. فقالوا: نعم، رواه فلان، وأخبرناه فلان، ونعرفه من طريق فلان، وخاضوا في الطُّرُق والروايات، فقالت المرأة: فأين كنتم إلى الآن؟ فقال الفقيه نصر: ليس هذا الذي وقع من يحيى بن معين (1) ورفقته بعَيْب فيهم؛ لأن اللَّه تعالى قد قسّم العلوم بين عباده، كما قسّم الأرزاق، ¬

_ (¬1) في (ط) "سعيد"، تحريف. (¬2) في (أ): "عند" تحريف.

والآجال وسائر الأحكام، فوفَّق قومًا لحفظ أُصول الشريعة، وبيان الصحيح مِنْ ذلك والفاسد، ووفَّق قومًا لمعرفة معاني ذلك، واستنباط الأحكام منها، فكما لم نَعِبْ أبا ثورٍ بترك ذكر الطُّرق والأسانيد، كذلك لا نعيبُ أولئك بترك الاستنباط، إذ لكل مقام مقالٌ، وإنما العيبُ لاحقٌ بمن لم يشتغل بواحدٍ من الطرفين، وربما اجتهد الإنسان فيهما فوُفِّق لهما، قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، فمن قدم النيّة للَّه في شيء، وجدّ فيه وجده. انتهى. وقد سئل صاحب الترجمة رحمه اللَّه عن رجل اشتغل بعلم الحديث، وقرأ فيه على أهله أصلًا من أصوله، وبحثه وفهمه فهمًا ودراسة، ومارس أهله وحضر مجالسهم: هل يقومُ له ذلك مقام علوِّ السند، أو يُعتبر علوُّ السَّند؟ وهل إذا كان كذلك، تترجّحُ مروياته على من علا سنده، ويبلغ بعلُوِّ درجته في الفن درَجةَ المرتفعين بعلو السند، وكثرة المسموعات والمقروءات؟ وأيهما (¬1) أولى بأن يؤخذ عنه، ويقرأ عليه، فأجاب بما قرأته من خطه: لا يكون حافظًا ولا محدّثًا في الاصطلاح إلا مَنْ عرفَ الأمرين، ومارس الفنين، وأما مَنِ اقتصر على أحدهما، كمن اقتصر على المرويات، ومارس القراءة والسماع، ورحل في ذلك للقاء الأشياخ (¬2)، وحصّل مِنْ ذلك ما يُطلق عليه اسم الاستكثار مِنْ ذلك عُرفًا، وأهمل -مع ذلك- معرفة الاصطلاح، بحيث لا يصلُح أن يُدَرِّسه ويُفيدُه، فهذا يقال له: مِسنِد وراوٍ، وقد يطلق عليه اسم مُحدِّث، لكن بالنسبة لمن جمع الأمرين، إنما يقال له ذلك مجازًا. وإن اقتصر على معرفة الاصطلاح المتعلق بالأنواع حتى فهمه، وصلح أن يُدَرسه ويُفيده، فهذا يقال له: عالم بعلوم الحديث، ولا يسمّى مُحدثًا أصلًا، ولا يترجّح ما عنده من رواية على رواية الأول، إذا كان أعلى ¬

_ (¬1) في (أ): "وأيهم". (¬2) في هامش بخط المصنف: "في الشيوخ".

[من يطلق عليه لقب المحدث]

سندًا. إلا إن حصلت السلامة منه غالبًا من الخطأ في الإعراب، وأما الخطأ في أسماء الرواة، فلا يأمن منه غالبًا إلا من أكثر القراءة والسماع، ومارس ذلك، وأكثر منه، وإلا فهو شيء لا يدخلُه القياس، فيقابَل خطأ هذا في الأسماء بخطأ هذا في الكلمات إن اتفق وقوع ذلك من كلٍّ منهما، ويبقى للراوي علوُّ الرواية، فيتقدم (¬1) بها. وأما مَنْ جمع الأمرين فهو الكامل. وأقل ما يكفي من يريد قراءة الحديث أن يعرف من العربية أن لا يلحن، ويمارس أسماء الرجال، بحيث يأمن التصحيف فيها، وتكون له مَلَكَةٌ في قراءة الخطوط، ولو تنوعت، ومن قصَّر في واحد من الثلاثة أثّر فيه تأثيرًا ظاهرًا، ومن زاد بحيث كانت له معرفة (¬2) بشيء من معاني الحديث، كان أرفع درجة. انتهى. [مَنْ يُطلق عليه لقب المحدث] والمنقول عن المتقدمين في سعة الحدّ فيمن يُسمّى محدثًا، كقول أبي بكر بن أبي شيبة الذي ساقه أبو سعد بن السَّمْعاني في "آداب الإملاء والاستملاء" بإسناده إلى أبي زُرْعة الرازي، قال: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء لم يُعدَّ صاحب حديث. وأخرجه الخطيب في مقدمة "الجامع" أيضًا. وعنده من طريق أحمد بن العباس النَّسائي، قال: سألت الإمام أحمد عن الرجل يكون معه مائة ألف حديث: أيقال له صاحب حديث؟ فقال: لا، قلت: فمائتا ألف حديث؟ فقال: لا، قلت: فثلاثمائة ألف حديث؟ فقال بيده كذا، يروح يمنةً ويسرةً. ونحوه ما في مقدمة "الكامل" لابن عدي من جهة النُّفَيْلي، قال: سمعت هُشيْمًا يقول: مَنْ لم يحفظ الحديث، فليس هو مِنْ أصحاب ¬

_ (¬1) في (ط): فيقدم. (¬2) من هنا إلى قوله: رآه بهذا الوصف ص 83 لا بوجد في نسخة (ح) حيث فقدت الورقة من أصل المخطوط.

الحديث حتى يجيء أحدُهم بكتاب يحمله كأنه سجلُّ كاتب، هو كما قال الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس بحسب أزمنتهم. وأبلغ منه ما يُروى عن جماعة من السلف رحمة اللَّه عليهم أنهم تحرَّوا، فلم يطلقوا اسم المحدث إلا على مَنْ كان يستعمل الحديث؛ وممَّن نصّ على ذلك الإمام أحمد رضي اللَّه عنه، فذكر ابن السمعاني في كتابه المذكور، أنَّ أبا القاسم البغوي -وناهيك به، لكن كان ذلك في ابتداء أمره- قال: سألت الإمام أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل أن يكتب لي كتابًا إلى سُوَيْد بن سعيد الحَدَثاني، فكتب: هذا رجل يكتب الحديث، فقلت: يا أبا عبد اللَّه، لو قلت: من أهل الحديث؛ فقال: أهل الحديث عندنا من يستعمل الحديث. وذكر الخليلي في "الإرشاد" بسنده إلى عباس الدُّوري، قال: كتب لي يحيى بن معين (¬1)، وأحمد بن حنبل إلى أبي داود الطيالسي كتابًا، فقالا فيه: إن هذا ممن يكتُب الحديث، وما قالا: إنه من أهل الحديث. وقال عُمَر بن هارون فيما أورده أبو القاسم بن مَنْده في "الوصية" من طريقه: من لم يَجعَل عمره كله في طلب الحديث، لم يكن صاحب حديث. وقال الإمام أبو يحيى (¬2) زكريا الساجي في كتابه "اختلاف الفقهاء": حدثنا أحمد بن محمد، سمعت يحيى بن معين يقول: يحتاج المحدث إلى أربع خلال: الشهرة بطلب العلم، والبراءة من البدعة، ويكون صدوقًا، ولا يعمل بشيء من الكبائر، فمن كنت هذه صفته، فهو محدّث. وقال مروان الفَزَاريُّ (¬3) فيما أورده أبو القاسم ابن منده في "الوصية"، ¬

_ (¬1) في (ط): "سعيد"، تحريف. (¬2) في الأصول: "أبو يعلى"، خطأ. وهو محدث البصرة أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي. توفي سة 307 هـ انظر "السير" 14/ 197. (¬3) تحرف في (أ) إلى "الفرادي" وهو أبو عبد اللَّه مروان بن معاوية بن الحارث الفزاري، مترجم في السير 9/ 51.

[الحافظ]

من طريقه: ثلاثة ليس لأصحاب الحديث عنها غنى: الحفظ، والصدق، وصحة الكتب، فإن أخطأته واحدة، وكانت فيه ثنتان لم تضره. إن أخطأ (¬1) الحفظ ورجع إلى الصدق وصحة الكتب (لم يضرّه) (¬2). إذا علم هذا، فقد قال النووي رحمه اللَّه -وناهيك به ديانةً وورعًا وعلمًا- في "زوائد الروضة" (¬3) من باب الوقف: والمراد بأصحاب الحديث: الفقهاء الشافعية، وأصحاب الرأي: الفقهاء الحنفية. انتهى. وما أحقَّهم بالوصف بذلك، فإن إمامهم الإمام الأعظم المجتهد المقدم ثبت عنه بالسند الصحيح الذي لا غُبار عليه -مع تعدد الطرق إليه- أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وللَّه الحمد. وروى الخطيب في مقدمة "جامعه" من طريق محمد بن سهل بن عسكر، قال: حضرت المأمون بالمصِّيصة، فقام إليه رجل بيده محبرة، فقال: يا أمير المؤمنين، صاحبُ حديث منقطع به. قال: فوقف له المأمون، وقال: أيْشٍ تحفظُ في باب كذا؟ قال: فسكت، فقال المأمون: حدثنا ابنُ عُلَيَّة بكذا، وحدثنا حجاجٌ الأعور بكذا، وسرد عدَّة أحاديث، ثم قال: وأيْشٍ تحفظ في باب كذا؟ قال: فسكت، فسرد له المأمون أيضًا عدة أحاديث، ثم قال: أحدُهم يطلبُ الحديث ثلاثة أيام، ثم يقول: أنا صاحب حديث، أعطوه ثلاثة دراهم. واللَّه المستعان. [الحافظ] وأما الحافظ، فقد روينا عن الحافظ الثقة الحجة أبي بكر الخطيب البغدادي ما نصه: إنَّ مِنْ صفات الذي يجوز إطلاقُ هذا اللفظ في تسميته: أن يكون عارفًا بسنُن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، بصيرًا بطُرقها، مميّزًا لأسانيدها، يحفظ منها ما أجمع أهلُ المعرفة على صحته، وما اختلفوا فيه للاجتهاد في ¬

_ (¬1) في (ب): "أخطأه". (¬2) ساقطة من (أ). (¬3) في (ب): "الوصية" تحريف.

حال نَقَلته، يعرف فرق ما بين قولهم: فلان حجة، فلان ثقة، ومقبول، ووسط، ولا بأس به، وصدوق، وصالح، وشيخ، وليِّن، وضعيف، ومتروك، وذاهب الحديث، ويُمَيِّز الروايات بتغاير العبارات، نحو: عن فلان، وإن فلانًا، ويعرف اختلاف الحكم في ذلك بين أن يكون المسمَّى صحابيًّا أو تابعيًّا، والحكم في قول الراوي: قال فلان، وعن فلان، وأن ذلك غير مقبول من المدلِّسين، دون إثبات السماع على اليقين، ويعرف اللَّفظة في الحديث تكون وهمًا وما عداها صحيحًا، ويميز الألفاظ التي أُدرجت في المتون، فصارت بعضَها لاتصالها بها، ويكون قد أمعن النَّظر في حال الرواة بمعاناة علم الحديث دون ما سواه: لأنه علم لا يَعْلَق (¬1) إلا بمن وقف نفسه عليه، ولم يضمَّ غيره من العلوم إليه. ثم ساق أن الشافعي رضي اللَّه عنه مر بيوسف بن عمرو بن يزيد، وهو يذكر شيئًا من الحديث، فقال: يا يوسف، تريد أن تحفظ الحديث وتحفظ الفقه؟ هيهات. وقد تقدم قريبًا قولُ عمر بن هارون: مَن لم يجعل عمره كلَّه في طلب الحديث، لم يكن صاحبَ حديث. وعند البيهقي في "المناقب" من طريق الربيع: سمعت الشافعي يقول لأبي علي بن مقلاص: تريد تحفظُ الحديث وتكون فقيهًا؟ هيهات، ما أبعدك من ذلك. وقال البيهقي عَقِبَه: وإنما أراد به حفظه على رسم أهل الحديث، من حفظ الأبواب، والمذاكرة بها، وذلك علم كبير، إذا اشتغل به ربما لم يَفْرغ إلى الفقه؛ فأما الأحاديث التي يُحتاج إليها في الفقه، فلا بد من حفظها معه، فعلى الكتاب والسنة بناء أصول الفقه. وحمل البيهقي قول الشافعي لإسحاق بن راهويه وقد ذاكره: لو كنت أحفظ كما تحفظ، لغلبت أهل الدنيا على هذا، حيث قال: إن إسحاق كان يحفظه على رسم أهل الحديث، ويسْرُد أبوابه سَرْدًا، وكان لا يهتدي لما ¬

_ (¬1) في (ط): "يليق".

كان الشافعي يهتدي إليه من الاستنباط والفقه، مع حفظه من الحديث لما كان يحتاج إليه، وكان لشدة اتقائه للَّه عز وجل، وخشيته منه، واحتياطه لدينه، لا يستنكف من الرجوع إلى أهله فيما اشتبه عليه منه وباللَّه التوفيق (¬1). وأخبرني الشيخ أبو محمد اللخمي شفاهًا بمكة حرسها اللَّه تعالى، عن أبيه، أن (¬2) أبا الفتح (¬3) ابن سيِّد الناس اليَعْمُرِيَّ الحافظ قال -وقد سأله الحافظ شهاب الدين أحمد بن أيْبك عن حدِّ المحدِّث والحافظ- ما نصه: المحدث في عصرنا، وساق ما أسلفته عنه، ثم قال: فإن انبسط في ذلك، وعرف أحوال مَن تقدَّمه وشيوخه وشيوخهم وشيوخ شيوخهم، طبقةً طبقة، بحيث تكون السلامة من الوهم في المشهورين غالبة عليه، ويكون ما يعلمه من أحوال الرواة في كل طبقة أكثر مما يجهله، فهو حافظ. وأنبأني الإمام أبو محمد النحوي رحمه اللَّه، عن أبي حفص الدمشقي، أنه سمع الحافظ أبا الحجَّاج المِزِّي -وقد سئل عن الحد الذي إذا انتهى إليه الرجل، جاز أن يُطلق عليه الحافظ. فأجاب بأنه يرجع إلى أهل العرف، فقيل له: وأين أهلُ العرف؟ قال: هم قليل، لكن أقلَّ شيء أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبُلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم، ليكون الحكم للغالب، فقيل له: إن هذا عزيز في الزمان، فهل أدركت أحدًا كذلك؟ فقال: ما رأينا مثل الشيخ شرف الدين، يعني الدمياطي، ثم قال: وابن دقيق العيد كان له في هذا مشاركة جيدة، ولكن أين الثريا من الثرى؟ فقيل له: هل كان يصل إلى هذا الحد؟ فقال: ما هو إلا أن كان يشارك (¬4) مشاركةً جيدة في هذا، أعني الأسانيد، وكان في المتون أكثر لأجل الفقه، والأصول. ¬

_ (¬1) عبارة: "وباللَّه التوفيق" من (ب). (¬2) "أن" ساقطة من (أ). (¬3) في (ط): "أبا القاسم"، خطأ. (¬4) في (ب): أن يشارك.

وقال الحافظ شمس الدين ابن (¬1) ناصر الدين في "شرح منظومته في الحفاظ": وهو -أي الحافظ في المتأخرين- المكثرُ من الحديث حفظًا ورواية. المتقن لأنواعه ومعرفة رواته درايةً، المدرك للعلل، السالم -في الغالب- من الخلل. قال: وأقلُّ محفوظ المحدثين عند المتقدمين، وساق قول أبي بكر بن أبي شيبة الماضي في المحدث. وقرأت بخط صاحب الترجمة رحمه اللَّه ما نصه: للأئمة شروط، إذا اجتمعت في الرَّاوي سموه حافظًا، وهي: الشهرة بالطلب، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصُّحُف، والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم، والمعرفة بالتجريح والتعديل، وتمييز الصحيح من السقيم، حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره، مع استحضار لكثيرٍ من المتون، فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سمَّوْهُ حافظًا. وقال في موضع آخر -وقد وقف على قول أبي الفضل السليماني في آخر كتابه "الحث على طلب الحديث": الحديث أصل، والفقه فرع، والعالمُ من يعرف الإسناد والمتن؛ مثل: مالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. والفقيه: الذي يعرف المتن، ولا يعرف الإسناد، مثل: أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، والشافعي، والمُزني. والحافظ: الذي يعرف الإسناد ولا يعرف المتن؛ مثل: الأعمش، وشعبة، والقطان، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني- ما نصه: اصطلحوا بعد ذلك على أنَّ الحافظ: مَنْ يعرف العلل والجرح، وطرق الحديث (¬2)، والمحدّث: من يعرف الأسانيد، ويفرق بين عاليها ونازلها. ولشيخه حافظ الوقت أبي الفضل العراقي رحمهما اللَّه تعالى في ذلك كلامٌ حسنٌ كتب به يليه، وقد سأله عن الحد الذي إذا بلغه الطالب في هذا الزمان الآخر، استحق أن يُسمَّى حافظًا، وهل يتسامح بنقص بعض الأوصاف التي ذكرها الحافظان أبو الحجاج وأبو الفتح في ذلك لنقص ¬

_ (¬1) "ابن" ساقطة من (ب). (¬2) في هامش (أ) ما نصه: بلغ مطالعة.

الزمان أم لا؟ فأجابه بما نصه كما قرأته من خطه: الاجتهاد في ذلك يختلف باختلاف غَلَبَةِ الظنِّ في وقتٍ ببلوغ بعضهم للحفظ وغلبته، يعني بنقصه في وقت آخر، وباختلاف مَنْ يكون كثير المخالطة الذي يصفه بذلك، أو قليل المخالطة، ومن ذلك اختلاف المتقدمين أيضًا في التوثيق والتجريح، حتى يقع في الشخص الواحد اختلاف في توثيق واحد أو جرحه، كالإمام أحمد، ويحيى بن معين، وابن حبان، فذكر جماعة في "الضعفاء" (¬1) وذكرهم في "الثقات". وقد يتساهل بعضهم في التوثيق، كالحاكم وابن حبّان، وقد يُشدّد إما باعتبار اشتراط أوصافٍ لم يشترطها بعضهم، وكلام الحافظ أبي الحجاج المزِّي في ذلك فيه ضيق، بحيث إنه لم يُسَمِّ ممن رآه (¬2) بهذا الوصف إلا الدمياطي. وأما كلام أبي الفتح اليعمري. فهو أسهل (¬3): بأن ينتشط بعد معرفة شيوخه إلى شيوخ شيوخه، وما فوق، ولا شك أن جماعة من الحفاظ المتقدمين كانوا شيوخهم التابعين أو أتباع التابعين. وشيوخ شيوخهم الصحابة أو التابعين، فكان الأمر في ذلك الزمان أسهل باعتبار تأخر الزَّمان، فإن اكتفي بكون الحافظ يعرف شيوخه وشيوخ شيوخه، أو طبقةً أخرى، فهو سهل لمن جعل فنَّه ذلك دون غيره مِنْ حفظ المتون والأسانيد، ومعرفة أنواع علوم الحديث كلها، ومعرفة الصحيح مِنَ السقيم، والمعمول به من غيره، واختلاف العلماء، واستنباط الأحكام، فهو أمر ممكنٌ، بخلاف ما ذكر من جميع ما ذكر، فإنه يحتاج إلى فراغٍ، وطول عمر، وانتفاء الموانع. قلت: ويقرُب مِنْ كلام أبي الفتح ابن سيد الناس في تسهيل الأمر في مَنْ يُطلَقُ عليه الحافظ: قول الحافظ الزكي المنذري: قلت للحافظ أبي الحسن المقدسي -هو ابن المفضّل-: أقول: حدثنا القاسم بن علي الحافظ، بالكسر نسبةً إلى والده؟ فقال: بالضَّمِّ؛ فإني اجتمعت به بالمدينة، ¬

_ (¬1) "الضعفاء" ساقطة من (أ). (¬2) من قوله: "بحيث كانت له معرفة. . . " ص 77 إلى هنا سقط من نسخة (ح). (¬3) "أسهل" ساقطة من (ب).

فأملى عليَّ أحاديثَ مِنْ حفظه، ثم سيَّر إليَّ الأصول، فقابلتها، فوجدتها كما أملاها، وفي بعض هذا يُطلق عليه الحفظ، لكن قال الحافظ الذهبي عقب حكايته: وليس هذا هو الحفظ العُرفي. ثم قال العراقي: وقد وقفت على كلام للزُّهريِّ يدلّ على قلَّة مَنْ يُوصفُ بالحفظ، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، في ترجمة الوليد بن عُبيد اللَّه، فقال: روي عن الزهريّ أنه قال: لا يُولَدُ الحافظ إلا في كل أربعين سنة، روى عمار بن رجاء عن محمد بن بشير بن عطاء بن مروان الكندي [عنه. هكذا في نسختي من "الجرح والتعديل"، ولعله عن محمد بن بشير بن مروان الكندي] (¬1). هكذا ذكره ابن الجوزي في "الضعفاء" والذهبي في "الميزان"، قال فيه يحيى: ليس بثقة، وقال الدارقطنيُّ: ليس بالقويِّ في حديثه، فعلى هذا لم يصح هذا الكلام عنه، [وعلى تقدير صحته عنه] (¬2)، فيكون المراد رُتبة الكمال في الحفظ والإتقان، وإن وُجد في زمانه مَنْ يُوصَفُ بالحفظ، [وكم من حافظ] (¬3) وغيرُه أحفظ منه. انتهى. وقد ظفرت بما يُستأنس به لما رُوي عن الزهري من حديث الزهري نفسه، فذكر أبو عبيد اللَّه المرزُبانيُّ عن أحمد بن محمد العَرُوضي أن أبا مُحَلِّم كان يقول: لزمتُ ابن عيينة، فلم أفارق مجلسه، فقال لي: أراك حَسَن الملازمة. ولا أراك تحظى من ذاك بشيء؛ لأنك لا تكتب، فقلت: أنا أحفظ، قال: فكلّ ما حدثتُ به حفظته؟ قلت: نعم، فأخذ دفتر إنسانٍ بين يديه، فقال لي: أعِدْ عليَّ ما حدثت به اليوم، فما أخرمْتُ منه حرفًا، فأخذ مجلسًا من الماضي، فأمررته عليه، فقال: حدَّثنا الزهري عن عكرمة، قال: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: يقال: إنه يُولَدُ في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء، قال ابن عُيَينة: أراك صاحب السبعين. انتهى. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ، ط). (¬2) و (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

[اختصاص العرب بسرعة الحفظ]

[اختصاص العرب بسرعة الحفظ] وقد كان العرب مخصوصين بالحفظ، مطبوعين عليه؛ بحيث كان بعضهم يحفظ أشعار بعضٍ في سمعة واحدة، كما جاء أن ابن عباس رضي اللَّه عنهما حفظ قصيدة عمر بن أبي ربيعة (أمن آل نُعْم أنت غاد فمبكُر) في سَمْعةٍ واحدة، وعن ابن شهاب أنه كان يقول: إنِّي لأمّرُّ بالبقيع، فأسدُّ أذنيَّ مخافة أن يدخُلَ فيها شيءٌ من الخنا، فواللَّه ما دخل أُذنيَّ شيءٌ قطُّ فنسيته، وعن الشعبيِّ نحوه، وليس أحد اليوم على هذا، نعم بلغنا عن البُلْقَيني أنه حفظ قصيدةً مِن مرةٍ واحدة في آخرين، وهو نادر جدًّا، ونحوه حفظ الزين العراقي نصف "الحاوي الصغير" في اثني عشر يومًا. قال الخطيب: ولقلَّة مَنْ يُوجد من أهل الحفظ والإتقان، قيل: إن أحدهم يُولَدُ بعد بُرهةٍ مِنَ الزمان، ثم أسند من طريق موسى بن داود، عن أبي مشعر، قال: الحافظ يُولَدُ في بعض (¬1) الزمان، وعن هُشَيْم قال: من يحفظُ الحديث قليل، ثم قال: هم أقلُّ مِنْ ذلك، انتهى. ولهذا قال أبو محمد السمرقنديُّ: سمعت أبا بكر الخطيب يقول: لم أر أحدًا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين: أبو نُعَيْم الأصفهاني، وأبو حازم العَبْدَوي. ثم إنَّ الوصف بالحافظ، كما قاله الحافظ الخطيب رحمه اللَّه عند الإطلاق ينصرف إلى أهل الحديث خاصة، وهو سِمَةٌ لهم، لا يتعداهم، ولا يُوصَفُ بها أحد سواهم، لأن الراوي يقول: حدثنا فلان الحافظ، فيحسُن منه إطلاق ذلك، إذ كان مستعملًا عندهم، يوصف به علماء أهل النقل، ونُقّادهم، ولا يقول القارىء: لقنني فلان الحافظ، ولا النحوي: علَّمني فلان الحافظ، فهي أعلى صفات المحدثين، وأسمى درجات الناقلين، من وُجدت فيه قُبِلت أقاويله، وسُلِّم له تصحيح الحديث وتعليله، غير أنّ المستحقين لها يقلُّ معدودهم، ويعزّ بل يتعذر وجودهم، فهم في قلتهم بين ¬

_ (¬1) "بعض" ساقط من (ب، ط، ح).

المنتسبين إلى مقالتهم أعزُّ مِنْ مذهب السنة بين سائر الآراء والنحل، وأقلّ من عدد المسلمين في مقابلة جميع الملل. قلت: وقد روينا مِنْ طريق المسيِّب بن واضح، عن أبي إسحاق الفَزاري، عن الأوزاعي، عن الزهري، قال: مثل أصحاب الحديث مثلُ التِّمساح يبيضُ مائة بيضة، تفسُد تسعة وتسعون، وتسلم واحدة. ومن طريق العباس بن محمد الدُّوري: حدثنا شاذان، أنبأنا إسرائيل، قال: كنت فيمن (¬1) يطلب الحديث أيام الأعمش، فقيل له: يا أبا محمد، ما ترى إليهم؟ ما أكثرهم. فقال: لا تنظروا إلى هذا، ثلث هؤلاء يموتون، وثلثهم يعجبون (¬2) بالأعمال، وثلث من كل مائة يُفلح واحد. انتهى. ولذلك قال البخاري فيما رواه الخطيب في مقدمة "جامعه" من طريقه: أفضل المسلمين رجل أحيا سنةً مِنْ سنن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أُميتَتْ، فاصبروا يا أصحاب السُّنن رحمكم اللَّه، فإنكم أقلُّ الناس. وقال الخطيب عقبه: عنى البخاريُّ بذلك الحفاظ للحديث، العالمين بطُرقه، المميزين لصحيحه من سقيمه، وقد صدق في قوله، لأنك إذا اعتبرت لم تجد بلدًا من بلدان المسلمين (¬3) يخلو من فقيه أو متفقه يرجع أهل مصره إليه، ويُعَوِّلون في فتاويهم عليه، وتجد الأمصار الكثيرة خالية من صاحب حديث عارف به، مجتهد فيه، وما ذاك إلا لصعوبة علمه وعزته، وقلة من يَنجُبُ (¬4) فيه من سامعيه وكتبته، وقد كان العلم في وقت البخاريّ غضًّا طريًّا، والارتسام به محبوبًا شهيًّا، والدواعي إليه أكبر، والرغبة فيه أكثر، وقال ما حكيناه عنه، فكيف يقول في هذا الزمان مع عدم الطالب، وقلة الراغب؟ وكأن الشاعر وصف قلَّة المتخصصين به من أهل زماننا في قوله: ¬

_ (¬1) "فيمن" ساقطة من (أ). (¬2) في (أ): "يسحبون"، تحريف. (¬3) في (ب): "بلدان الإسلام". (¬4) في (أ): يبحث.

وقد كنا نعدُّهُمُ قليلًا ... فقد صاروا أقل من القليل انتهى. وهذا البيت يلي قول قائله: وما بقيتْ مِنَ اللَّذاتِ إلا ... محادثة الرجال ذوي العقول لكن لما لم يكن صالحًا للاستشهاد به في هذا المحل أضربَ عن إيراده، ورحم اللَّه الخطيب. كيف لو أدرك زماننا؟ وقد قال صاحب الترجمة -عند قول النووي في خطبة "شرح مسلم" (¬1): ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الأعصار الخاليات، حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين ألوف متكاثرات، فتناقص ذلك، وضعفت الهِمَمُ، فلم يبق إلا آثارٌ من آثارهم قليلات، واللَّه المستعان على هذه المصيبة وغيرها من البليات- ما نصه: لا شك أن نقص الاشتغال بكلِّ علم قد وقع بكل قطر، لكن حظ هذا العلم الشريف مِنْ هذا النقص أزيد؛ وذلك أن كثيرًا من البلاد الإسلامية قد خلت عمَّن يحققه رواية، فضلًا عن الدراية، وما ذلك إلا لركونهم إلى التقليد، وقصور هِمَمِهم عن محاولة ما يحصِّل درجة الاجتهاد، ولو في بعض دون بعض. انتهى. وكذا قال الحافظ أبو سَعْد بن السمعاني: إن الحافظ لقَبٌ لجماعة من أئمة الحديث لحفظهم له، ومعرفتهم إياه، وذبِّهم عنه، فيهم شهرة. ونحوه قول صاحب الترجمة: هو لقبٌ مَنْ مَهَر في علم الحديث. وحكى ابن السمعاني عن شيخه أبي القاسم التيمي صاحب "الترغيب" ما معناه: أنه كتبها لأبي زكريا يحيى بن منده، فرآه أبو عبد اللَّه الدقاق، فقال: يا أبا القاسم، أما تستحي؟ وكيف تستجيزُ وصف يحيى بذلك، وأيش يحفظ ¬

_ (¬1) في (ب): "شرح خطبة مسلم".

هو مِنَ الحديث؟ فقلت له: إن ظننت يا شيخُ أنَّ الحافظ لا يُكتب إلا لمن [يحفظ جميع حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فينبغي ألا يكتب] (¬1) هذا لأحد، وإن كانت تُكتب لمن يحفظ البعض دون البعض، فأنا ويحيى وأنت والكلُّ فيه سواء، فسكت، ولم يقل شيئًا. ثم قال ابن السمعاني: وقد لُقّب بها جماعة من أهل بغداد ممن لا يعرف من الحديث شيئًا، لكن لحفظهم الثياب في الحمامات لُقّبوا بذلك، إذ عندهم من يحفظ الثياب يقال له: الحافظ!. قلت: وكذا لُقِّب الخليفة بمصر عبد المجيد بن محمد بن سعد: الحافظ لدين اللَّه، وربما اختصر، فقيل: الحافظ، كما يختصر كثير ممن يلقَّب حافظ الدين، فيقال له: حافظ. وقد أُفرد الحفاظ بالتأليف، وأجمع كتاب وقفت عليه في ذلك -مع إعواز كثير- كتابُ الحافظ أبي عبد اللَّه الذهبي، رتبه على الطبقات، وأفرد صاحب الترجمة منه مَنْ ليس في "تهذيب الكمال" في مجلد رأيته. واستدرك بعضًا مما فاته. بل قرأت بخطه أنَّه رتَّب الكتاب على حروف المعجم، بيَّض منه نصفه الأول، وذيَّلَ على الذهبي الحافظُ شمسُ الدين الحسيني الدمشقي، وذيّل على الحسينيِّ، شيخنا (¬2) الحافظ تقي الدين بنُ فهد الهاشمي المكي، وعمل حافظ الشام الشمسُ بن ناصر الدين في الحفاظ منظومة سماها "بديعة البيان في وفيات الأعيان"، وشرحها في مجلد سماه "التِّبيان لبديعة البيان" وجملة من زادهم على الذهبي ستة وعشرون نفسًا، وذيّل عليه صاحب الترجمة في كراسة وقفتُ عليها، وفيها ثمانية وعشرون نفسًا. ورأيت جزءًا مختصرًا جدًّا في ذلك للحافظ أبي الفرج بن الجَوْزي، رتَّبه على الحروف، وافتتحه بأبواب: أولها: في الحثِّ على حفظ العلم، وثانيها: في صِفة مَنْ هو أهلٌ للحفظ مِنْ حيثُ الصورة والخلقة، وثالثها: في الأدوية المُعِينة عليه. ورابعها في أحكام المحفوظ وثبوته، وخامسها: في ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬2) "شيخنا" ساقطة من (ب).

ذكر الأوقات التي يكرِّرُ فيها محفوظه، وسادسها: فيما ينبغي تقديمه من المحفوظات، ثم ذكر التراجم. وكذا جمع أبو الوليد بن الدبّاغ الحافظ كتابًا في الحفاظ بدأ فيه بالزهريِّ، وختم بأبي طاهر السِّلفي، لكن لم أقف عليه. وذكر القطب الحلبيُّ الحافظ: أن التقي ابن دقيق العيد جمع أسماء كل من وُصف في الأسانيد بالحفظ. واعلم أنه ينبغي أن لا يقبل الوصف بذلك إلا مِنْ موصوف به، فربَّ من يسردُ كثيرًا من الأنساب والمتون ممن هو قاصر في تخريج الحديث، وتمييز صحيحه من سقيمه، ومعرفة علله وقصور عبارته، وجمود فهمه، عند مَنْ لا تمييز له، فيصفه بذلك ظنًّا منه أنَّ ذلك بمجرده كافٍ، وهذه غفلةٌ، إنَّما الحفظ المعرفة، هذا إن حصل الوثوق به فيما يسرده مما لا يعلمه إلا النُّقاد، فأما إذا لم يكن كذلك، فتلك الطامَّة. وقد كان في شيوخ شيوخنا العلامة تقي الدين الدجوي ما لقيتُ أحدًا ممن أخذ عنه إلا وذكر عنه أمرًا عجيبًا في الحفظ. ومع ذلك، فقد قال فيه صاحب الترجمة ما نصه: كان يستحضرُ الكثير من هذا الفن. إلا أنه ليس له فيه عمل القوم، ولا كانت له عناية بالتخريج، ولا معرفة العالي والنازل، والأسانيد، وقدم الحافظ جمال الدين ابن الشرائحي عليه، لتحققه بذلك، وكذا قال شيخي. حيث ذكر في ترجمة العراقي شيخه أن من أخصِّ جماعته به صهره الهيثمي، وهو الذي درّبه وعلمه كيفية التخريج والتصنيف، بل هو الذي كان يعمل له خطب كتبه، ويسميها له وصار الهيثمي -لشدة ممارسته- أكثر استحضارًا للمتون من شيخه، حتى يظنُّ مَنْ لا خبرة له أنه أحفظ منه، وليس كذلك، لأن الحفظ المعرفة. انتهى. وهو كذلك بلا شك، فقد قال ابن طاهر: سألت أبا القاسم هبة اللَّه بن عبد الوارث الشيرازي: هل كان الخطيب -يعني به الحافظ الشهير الذي الناس بعده عيال على كتبه- مثل تصانيفه في الحفظ؟ فقال: لا، كنا إذا سألناه عن شيء، أجابنا بعد أيام، وإن ألححنا عليه غضب، ولم

يكن حفظُه على قدر تصانيفه، وقد كان إمام المذهب الشافعيِّ رضي اللَّه عنه، الذي كان في الفهم (¬1) والاستنباط بالمكان الذي رزقه اللَّه إياه، بحيث طبّق الأرض علمًا، وقال بعض المجتهدين: من فاته عقله يوشك أن لا يجده عند غيره، يقول على وجه التواضع والإنصاف، كما نقله الفخر الرازي في أول الباب العاشر من "مناقبه": لو كنت أحفظ لغلبتُ أهل الدنيا، وعقَّبه الفخر بقوله: والفهم غير الحفظ، والحكماء يقولون: إنهما لا يجتمعان على سبيل الكمال، لأن الفهم يستدعي مزيد رطوبة في الدماغ، والحفظ يستدعي مزيد يبوسة، والجمع بينهما محال. ونحو تقديم شيخنا لابن الشرائحي على الدجوي، صُنعُ السبكي الكبير في تقديم ابن رافع على ابن كثير، وتبعه صاحب الترجمة، حيث قال: إن الإنصاف أنَّ ابن رافع أقرب إلى وصف الحفظ على طريقة أهل الحديث من ابن كثير، لعنايته بالعوالي والأجزاء والوفيات، والمسموعات دون ابن كثير، وابنُ كثير أقرب إلى الوصف بالحفظ على طريقة الفقهاء، لمعرفته بالمتون الفقهية، والتفسيرية، دون ابن رافع، فيجمع منهما حافظ كامل، قال: وقلَّ مَنْ جمعهما بعد أهل العصر الأول، كابن خُزيمة، والطحاوي، وابن حبان والبيهقي، وفي المتأخرين شيخنا العراقي. قلت: وشيخنا القائل ملحِق الأواخر في الفنِّ بالأوائل، ولقد رأى رحمه اللَّه بخطِّي طبقة وصفتُ فيها بعض السامعين أو القارىء، بذلك، فعمل بخطه الحاء فاءً، والفاءَ ضادًا، وجوَّد الظاء لامًا، تنبيهًا للسالك. هذا وقد وصف بخطه ذي الجودة والبهاء جماعةً من الآخذين عنه بها جريًا على سنن الشيوخ في تنشيط طلبتهم، ونظرًا إلى أنهم أبرعُ بالنسبة لمن في طبقتهم ويتأيَّد (¬2) بوصفه لأكثرهم (¬3) في وصيته -كما سيأتي- بطلبة الحديث المتحققين بطلبه، والاشتغال به أكثر من الاشتغال بغيره، من سائر ¬

_ (¬1) في (أ): "الفقه". (¬2) "ويتأيد" ساقطة من (ط). (¬3) في (أ): "أكثرهم".

العلوم الدينية، ممَّن شهد لهم بذلك جماعة أهل العلم بالحديث. على أني لستُ أحب بثَّ ما عندي هنا في هذا أجمع، وإن كان حيث وجد الإخلاص يوم الفصاص القولُ أنفعُ، لكن في التلويح ما يُغني عن التصريح. ولم يكن صاحبُ الترجمة رحمه اللَّه بالمتساهل في الوصف بهذه اللفظة، غير أنَّ العذر عنه ما قدمته، مع ما كان هو يحكيه لخواصّه في تأويل ذلك، وللناس أعذار لا يُطَّلع عليها. وإذا تأملت قوله في ترجمة الحافظ ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن بن زُريق الدمشقي من "معجمه" ما نصه: ولم أر في دمشق من يستحق اسم الحافظ غيره. مع أنه كان بها ابن الشرائحي الماضي، والشهاب الحُسباني الذي شهد فيه البُلقيني بأنه أحفظ أهل دمشق، والشهاب ابن حِجِّي، وغيرهم، علمت أنه لا يثبتها لإبراهيم العجلوني ونحوه، ويترك هؤلاء الفحول، فرجع الأمر إلى باب التأويل، واللَّه الموفق. وقد سأل صاحبُ الترجمة شيخه العراقي عن أربعة من المحدّثين تعاصروا: أيُّهم أحفظ وأدرى بفن الحديث خاصة؟ ومَنْ منهم أولى أن يسمى حافظًا لاجتمع ما شرط الأئمة المتأخرون في حدِّ الحافظ، لا المتقدمون؟ وهم: العماد ابن كثير، والعلاء مُغَلْطَاي، والتقي ابن رافع، والشمس الحسيني، فأجاب: بأن أحفظهم للمتون ابن كثير، وأعلمهم بالأنساب مُغَلْطاي، على أغاليط تقع له في ذلك، وأكثرهم طلبًا وتحصيلًا للشيوخ، والمؤتلف والمختلف ابن رافع. وكان شيخنا التقي السبكيُّ يقدمه على ابن كثير، لأنه يرى أنه لا بدَّ من تقدُّم الطلب والرحلة على عادة أهل الحديث، وأما الحسيني فمتأخّر عن طبقتهم، وطلب بنفسه كثيرًا، وخرّج لبعض الشيوخ، ولنفسه معجمًا، وذيّل على "العِبَر" وشرح قطعة من "النَّسائي"، وقد أطلق على كل من المذكورين وصف الحفظ باعتبار غَلَبَةِ فنٍّ مِنْ فنون الحديث عليه. وأعرفهم بالطَّلب ابن رافع، ثم الحسيني.

قلت: وقد رُوينا (¬1) عن الحسيني المشار إليه أنه قال: سُئلتُ عن أحفظ من لقيتُ؟ فقلت: أربعة، المِزِّيُّ، وهو أعرفهم بالرجال، وأعلمهم بتصحيف الأسماء، وأوسعهم رواية، والذهبيُّ، هو أحفظهم للمتون وأعلمهم بالتاريخ، والسبكيُّ وهو أفقههم في الحديث، وأعلمهم بالعلل، والعلائي، وهو أجمعهم للحديث، وأحسنهم كلامًا عليه. وبلغني عن الحافظ بُرهان الدين الحلبي، أنه قال: حُفَّاظ مصر أربعة أشخاص، وهم من مشايخي: البلقيني، وهو أحفظهم لأحاديث الأحكام، والعراقي، وهو أعلمهم بالصنعة، والهيثمي وهو أحفظهم للأحاديث من حيث هي، وابن الملقِّن، وهو أكثرهم فوائد في الكتابة على الحديث. انتهى. ولغيره كلامٌ في أربعة آخرين، وهم المزِّي، والبرزالي، وابن تيمية، والسبكي، ولا يحضرني الآن، وسُئل سعد بن علي الزنجاني الحافظ بمكة عن الدارقطني وابن منده، والحاكم النيسابوري وعبد الغني بن سعيد، فقال: الدارقطني أعلمهم بالعلل، وابن منده أكثرهم روايةً مع المعرفة التامة، والحاكم أحسنهم تصنيفًا، وعبد الغني أعرفهم بالأنساب. وقد قال أبو عُبَيد القاسم بن سلَّام: انتهى الحديث إلى أربعة: إلى أبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، فأبو بكر أسْرَدُهم له، وأحمد أفقههم فيه، ويحيى أجمعهم له، وعليُّ (¬2) أعلمهم به. وسأل التقي السبكيُّ المِزِّيَّ عن الحافظين عبد الغني والضياء، فقال: كان عبد الغني يحفظ المتون ويسردها سردًا، لعلّ المتون التي يحفظها أكثر من التي لا يحفظها، ويشارك في الرجال، والضياء أعلم منه بالرجال (¬3) وأتقن. ¬

_ (¬1) في (أ): "رُوي". (¬2) "وعلي" ساقطة من (ب). (¬3) "بالرجال" ساقطة من (أ).

وقال ابن الجزري: أدركتُ في هذا العلم ثلاثة حفاظ أعلام، انتهى إليهم هذا العلم في بلاد الشام، ولم يَخلُف بعدهم مثلهم في بلاد الإسلام (¬1)، أولهم ابن رافع، ولم يكن مثله في معرفة العالي والنَّازل، وأسماء رجاله المتأخرين وضبط المؤتلف والمختلف، وحفظ ذلك واستحضاره. وثانيهم: ابن كثير، ولم يكن مثله في أسماء رجاله المتقدمين، ومعرفة الصحابة والتابعين، والسيرة النبوية، والتواريخ الإسلامية وعَزْوِ المتون، وحفظها، والكلام عليها جرحًا وتعديلًا، وتصحيحًا وتضعيفًا، ولغتها ومعانيها، آية من آيات اللَّه تعالى في ذلك. وأما علم التفسير فلم يكن أحد يشاركه فيه، ولا يدانيه. وثالثهم: أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن المحبِّ، كان قد جمع معرفة رجاله المتقدمين والمتأخرين والرواة ومروياتهم وطبقاتهم، والأسانيد والمتون. وأما معرفة الأجزاء، والمتصل منها والمنقطع، فإنه كان في ذلك عجبًا من العجائب، رحمة اللَّه عليهم أجمعين. وقد وقع لي حديثٌ مسلسلٌ بالحفاظ؛ وذلك فيما قرأته على الحافظين أبي النعيم بن محمد المُسْتَملي، وأبي محمد الهاشمي، رحمهما اللَّه تعالى مفترقين (¬2): الأول بالقاهرة، والثاني بالمسجد الحرام، كلاهما عن الحافظ الجمال أبي حامد القرشي، وشيخ الإسلام حافظ الوقت أبي الفضل العراقي، وتلميذه الحافظ الزاهد أبي الحسن الهيثمي، سماعًا على الأول، وإجازة من الآخرين (ح). وكتب إليَّ عاليًا المُسندِ أبو هريرة المقدسي، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو سعيد العلائي قال: الأول والأخير إجازة. قال: أنبأنا الحافظ أبو عبد اللَّه الذهبي، بقراءتي، أنبأنا الحافظ أبو الحجاج المزيّ، أنبأنا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الخالق بن طرخان، أنبأنا الحافظ أبو الحسن علي بن المفضَّل، أنبأنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السِّلفي، أنبأنا الحافظ أبو الغنائم محمد بن علي النرسي، أنبأنا الحافظ أبو نصر علي بن هبة اللَّه ابن ¬

_ (¬1) في (ب): "بلاد الشام". (¬2) ساقطة من (ب).

ماكولا، حدثني أبو بكر بن مهدي، يعني الحافظ أبا بكر الخطيب، حدثني الحافظ أبو حازم العَبدُوّي (¬1)، حدثنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف الهِسِنْجاني، حدثنا الفضل بن زياد القطان، صاحب أحمد بن حنبل، يعني قال: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا زهير بن حرب. حدثا يحيى بن معين، حدثنا علي بن المديني، حدثنا عبيد اللَّه (¬2) بن معاذ، حدثنا شُعْبَة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: كنَّ أزواج النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يأخذن من رؤوسهنَّ حتى تكون كالوفرة. هذا حديث صحيح، متفق عليه، عجيب التسلسل بالحفاظ الأئمة ورواية الأقران بعضهم عن بعض، تبعتُ بعض الحفاظ في إيراده، مع أن شيخ المزي ليس بالحافظ، وكذا الراوي عن الإمام أحمد، إنما رأيتُ وصفه أنه كان فقيهًا صالحًا، وأبو عمرو بن مطر هو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري، لم أر وصفه بالحفظ صريحًا، نعم، قد ذكره أحد الآخذين عنه وهو الحاكم في "تاريخه لنيسابور"، وقال فيه: شيخ العدالة، ومعدن الورع، معروف بالسماع، والرحلة، والطلب، على الصدق والضبط، والإتقان، إلى أن قال: وهو الذي انتقى الفوائد على أبي العباس الأصمّ، فأحيا اللَّه علم الأصمِّ بتلك الفوائد، فإن الأصمّ أفسد أصوله، واعتمد على كتاب أبي عمرو، فكان يقرأ مِنْ كتابه زيادةً على عشرة آلاف حديث، وقد روى عنه حفاظ نيسابور، واللَّه أعلم. وقد وقع لي الحديث عاليًا، لكن بدون تسلسل، قُرىء على شيخي رحمه اللَّه وأنا أسمع، عن أبي هريرة ابن الحافظ الذهبي، أخبرنا البهاء أبو محمد بن عساكر سماعًا (¬3)، بقراءة والدي، عن أبي عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المديني، أخبرنا أبو القاسم الحمَّاني، أخبرنا أبو مُسلم النَّحوي، ¬

_ (¬1) في هامش (ح) بخط المصنف: اسمه عمر بن أحمد أبو نعيم بن عبدويه. قاله الخطيب. كان ثقة حاذقًا عارفًا حافظًا. (¬2) في (ط) "عبد اللَّه"، تحريف. (¬3) "سماعًا" ساقطة من (ب).

[سلسلة الحفاظ]

حدثنا أبو بكر ابن المُقرىء الحافظ، حدثنا مأمون بن هارون، حدثنا أبو علي الحسين بن عيسى البسطامي، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص، سمعت أبا سلمة يقول: دخلت أنا وأخو عائشة رضي اللَّه عنها من الرضاعة، فسألها أخوها عن غسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعت بإناء نحوٍ من صاع، فاغتسلت، وأفرغت على رأسها ثلاثًا، وبيننا وبينها الحجاب، [وهو مختصر، إذ الجملة المسلسلة وقعت في رواية مسلم وغيره تالية لهذا] (¬1). أخرجه أحمد عن عبد الصمد، والبخاري عن عبد اللَّه بن محمد عن عبد الصمد، ومسلم عن عبيد اللَّه (¬2) بن معاذ، فوقع لنا موافقة له، ولأحمد وبدلًا للبخاري عاليًا، وقد رواه عن شعبة أيضًا بهزٌ، وخالد، وعبد الملك الجُدِّيُّ، ويزيد بن هارون، لكن ليس هذا محل إيرادها. [سلسلة الحفاظ] فائدة: واللَّه ما رأيت أحفظ من صاحب الترجمة، وهو ما رأى أحفظَ من شيخه العراقي، وهو ما رأى أحفظ من العلائي، وهو ما رأى أحفظ من المِزِّيِّ، وهو ما رأى أحفظ من الدمياطي، وهو ما رأى أحفظ من المنذري، وهو ما رأى أحفظ من ابن المفضّل، وهو ما رأى أحفظ من عبد الغني بن عبد الواحد، وهو ما رأى أحفظ من أبي موسى المديني، إلا أن يكون أبا القاسم بن عساكر، لكنه لم يسمع منه، إنما رآه. وهما ما رأيا أحفظ من إسماعيل التيمي، وهو ما رأى أحفظ من الحميدي، وهو ما رأى أحفظ من الخطيب، وهو ما رأى أحفظ من أبي نُعَيْم، وهو ما رأى أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة، وهو ما رأى أحفظ من (ابن زهير) (¬3) التُّسْتَري، يعني أبا جعفر أحمد بن يحيى بن زهير، وهو ما رأى أحفظ من أبي زُرْعة الرازي، وهو ما رأى أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة، وهو ما رأى أحفظ من ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬2) في (أ) "عبد اللَّه"، تحريف. (¬3) ساقطة من (ب).

وكيع، وهو ما رأى أحفظ من سُفيان، وهو ما رأى أحفظ من مالك، وهو ما رأى أحفظ من الزُّهريِّ، وهو ما رأى أحفظ من ابن المُسيِّب، وهو ما رأى أحفظ من أبي هريرة، رضي اللَّه عنه، وعن سائر الصحابة أجمعين. وقد رأيت الذهبي قال عن التَّيْمي: إنه ما رأى أحفظ من أبي الفضل بن طاهر، وهو ما رأى أحفظ من ابن ماكولا، وهو من الخطيب، وهو من أبي نُعيم، وهو من الدارقطني، وأبي عبد اللَّه بن منده ومعهما الحاكم. وكان ابن منده يقول: ما رأيت أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة الأصفهاني، وهو ما رأى أحفظ من أبي جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري. وقال: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي. وأما الدارقطني، فما رأى مثل نفسه. وأما الحاكم، فما رأى مثل الدارقطني، بلى كان الحاكم يقول: ما رأيت أحفظ من أبي علي النيسابوري ومن أبي بكر الجعابي. وما رأى الثلاثة أحفظ من أبي العباس بن عقدة. ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل النسائي، ولا النسائيُّ مثل إسحاق بن راهويه، ولا رأى أبو زرعة [أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة. وما رأى أبو علي النيسابوري مثل ابن خزيمة. وما رأى ابن خزيمة] (¬1) مثل أبي عبد اللَّه البخاري، ولا رأي البخاري -فيما ذكر- مثل علي بن المديني، ولا رأى أيضًا أبو زرعة والبخاري وأبو حاتم وأبو داود مثل أحمد بن حنبل، ولا مثل يحيى بن معين، وابن راهويه، ولا رأى أحمد ورفاقه مثل يحيى بن سعيد القطان، ولا رأى هو مثل سفيان الثوري ومالك وشعبة، ولا رأوا مثل أيوب السِّختياني. نعم، ولا رأى مالكٌ مثل الزهري، ولا رأى مثل ابن المسيِّب، ولا رأى ابن المسيب أحفظ من أبي هريرة رضي اللَّه عنه. ولا رأى أيوب مثل ابن سيرين، ولا رأى مثل أبي هريرة رضي اللَّه عنه، نعم ولا رأى الثوريُّ مثل منصور، ولا رأى منصور مثل إبراهيم، ولا رأى ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

إبراهيمُ مثل علقمة، ولا رأى علقمة كابن مسعود رضي اللَّه عنه، فيما زعم. قلت: وفي السلسلة ما يحتاج لتحرير ومزيد نظرٍ، واللَّه المستعان، [وعليه التكلان والحمد للَّه رب العالمين] (¬1). ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين زيادة من (ح)، وورد في هامشها ما نصُّه: بلغ العرض على مؤلفه أبقاه اللَّه.

الباب الأول في ذكر نسبه ومولده وبلدته، وبشارة أبيه به وشهرته ونبذة من تراجم من علمته من سلفه وإخوته الكرام، أسكنه الله وإياهم دار السلام

الباب الأول في ذكر نسبه ومولده وبلدته، وبشارة أبيه به وشهرته ونبذة من تراجم من علمته مِنْ سلفه وإخوته الكرام، أسكنه اللَّه وإياهم دار السلام

[نسبه]

الباب الأول [نسبه] أما نسبه: فهو أحمد بن عليّ بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد. هذا هو المعتمد في نسبه، لا أذكر زيادة، على ذلك إلا ما قرأته بخط بعض (¬1) أصحابنا، بل وبخط المقريزي، وكأنه عمدته بعد أحمد، أحمديل، فإنني لا أعلمه، ثم رأيته بخط صاحب الترجمة نفسه في آخر نسخة من "صفة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-"، لأبي عليّ محمد بن هارون بخط قريبه الزين شعبان، لكن بإسقاط محمود. ونص كتابته: نَسَخَهُ شعبان بن محمد بن محمد بن محمد (بن محمد) (¬2) بن علي بن أحمد بن أحمديل العسقلاني، فالله أعلم. وأما ما اشتهر به، وسمعته من لفظه، أن نسبه يقرأ طردًا وعكسًا، فلا يتهيَّأ ذلك إلا بتأخير محمود عن أحمد أو بإسقاطه، وقد أخّره عنه هو فيما قرأته بخطه، في تصنيفه "الدرّر الكامنة"، إذ ذكر عمّ والده، فقال: عثمان بن محمد بن عليّ بن أحمد بن محمود. وكذا فعل في كتابه في قضاة مصر المسمى" "رفع الإصر"، وفي أول كتابه "إنباء الغمر": بزيادة أحمد بعد محمود، بحيث صار محمودين أحمدين، ونصه: يقول العبد الضعيف أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن ¬

_ (¬1) "بعض" ساقطة من (ب). (¬2) ساقطة من (ب).

[كنيته ولقبه]

محمود بن أحمد بن حجر. لكنه خالف ذلك في حرف الحاء المهملة من كتابه "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"، حيث ذكر عم والده أيضًا، فقال: فخر الدين عثمان بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد. وكذا صنع في ترجمة والده من القسم الثاني من "معجم شيوخه"، فإنه قال: علي بن محمد (بن محمد) (¬1) بن علي بن محمود بن أحمد، فهذا ما علمته الآن في نسبته. وإنما جزمت بالأول، لكثرة ما وجدته كذلك بخطه، وإن تكرر بخطه، كما في آخر "شرح البخاري" وغيره أنه أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر، لكن هذا أكثر، والعلم عند اللَّه تعالى. [كنيته ولقبه] ثم إنه كان يلقب شهاب الدين، ويكنى أبا الفضل، وكُني بذلك تشبيهًا بقاضي مكة أبي الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز العقيلي النُّويري جد صاحبنا خطيب مكة الآن، كان اللَّه له، إذ كان مع أبيه وهو طفل هناك. وهكذا رواه لنا صاحب الترجمة عن أبي محمد عبد اللَّه بن خليل العباسي، عن والده ألي الحسن عليّ العسقلاني، أنه أخبره بذلك. قلت: وقد جمع شيخنا كما سيأتي في تصانيفه كتابًا سماه "القصدُ الأحمد بمن كنيته أبو الفضل واسمه أحمد". وقد كناه شيخه العراقي أيضًا على الجادَّة با العباس، وكذا كناه بها العلاء بن المغلي وغيرهما، وكناه آخر أبا جعفر، وهو شذوذ. وأما والده، فيلقب نور الدين، ويكنى أبا الحسن، ولقّبه الخوافي كما سيأتي جريًا على عادة بلادهم غالبًا علاء الدين. وكذا الموفق الآبي. وأما جده، فقطب الدين، ويكنى أبا القاسم، وجدُّ أبيه، فناصر الدين، وجدُّ جده فجلال الدين. ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ). وانظر "المجمع المؤسس" 3/ 196 - 197.

[التلقيب بالإضافة إلى الدين]

[التلقيب بالإضافة إلى الدين] قلت: وقد أفاد صاحب الترجمة فيما قرأته بخطه أن التلقيب بالإضافة إلى الدين، إنما حدث في أول دولة الترك ببغداد، الذين طرؤوا على الديلم، وكانوا في زمن الديلم يضيفون الألقاب إلى الدولة، فكان من أواخرهم جلال الدولة (¬1) ابن بويه وكان أول ملوك الترك طغرل بك، فلقبوه نصرة الدين، ثم انتشرت الألقاب من يومئذٍ، ولم تكثر إلا بعد ذلك بمُدَيْدَة. انتهى (¬2). ثم رأيت بخطه أيضًا فيما انتقاه من "التدوين في تاريخ قزوين" أنه وُجد محْضَرٌ (¬3) مضمونه أن الزلزلة لما وقعت بقزوين في رمضان سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، انكسرت فيها مقصورة الجامع، فنُقِضَت لِتُرَمَّ، فوجد تحت المحراب لوح منقور فيه: بسم اللَّه أمر العادل المظفر عضد الدين علاء الدولة (¬4) أبو جعفر بتخليد (¬5) هذا اللوح. . . إلى آخره. وكتب في رمضان سنة ثنتين وعشرين وأربعمائة. قال شيخنا: فيستفاد منه ابتداء التلقيب بفلان (¬6) الدين. [نسبته] وأما نسبته: فقرأت بخط صاحب الترجمة -رحمه اللَّه- رأيت بخط والدي أنه كِنانيُّ الأصل، يعني بكسر الكاف، وفتح النون، وبعد الألف نون ثانية. وكتب شيخنا مرة، الكنانيّ القبيلة. قال: وكان أصلهم من عسقلان، وهي مدينة بساحل الشام من فلسطين، فنقلهم صلاح الدين لما خرَّبها. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ط): "جلال الدين". (¬2) قال ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" 4/ 267، في ترجمة ركن الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد إبراهيم الإسفراييني (ت 418 هـ): وهو أول من لقب من الفقهاء. (¬3) في (أ): "مختصر"، تحريف. (¬4) في (ط): علي الدولة. (¬5) في (ط): تحلية. (¬6) "بفلان" ساقطة من (ط)، وفي (أ) "بعلاء".

[مولده]

قلت: وكان ذلك بعد سنة ثمانين وخمسمائة ظنًّا، فإن انتزاع صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه اللَّه لبيت المقدس -شرفه اللَّه- من أيدي الفرنج، في رجب سنة ثلاث وثمانين بعد أن أقام بأيديهم نيفًا وتسعين سنة. ثم مات في صفر سنة تسع وثمانين. ثم رأيت في سيرة صلاح الدين ذكر أنه نازلها في يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين، فأقام عليها المنجنيقات، وقاتلها قتالًا شديدًا، وتسلَّمها في يوم السبت سلخه. قال: وكان بين فتحها وأخذ الفرنج لها مِنَ المسلمين خمسة وثلاثون سنة، فإن العدو ملكها في سابع عشري جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ولما فتحها صلاح الدين رأى المصلحة في خرابها، لعجز المسلمين عن حفظها عن الفرنج، فاستحضر الوالي بها قيصر، وهو من كبار مماليكه وذوي الآراء منهم، فأمره أن يضع فيها المعاول، وذلك في سَحَر ليلة الخميس تاسع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وحزن الناس على مفارقة أوطانهم، وخسارة أموالهم، لا سيما وهو بلد نضِرٌ خفيفٌ على القلب، مُحكمُ الأسوار، عظيم البناء، مرغوبٌ في سكنه، فلله الأمر. [مولده] وأما مولده: فهو في الثاني والعشرين من شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة على شاطىء النيل بمصر. والمنزل الذي ولد فيه بمصر معروف، استمر في ملك شيخنا، ثم بيع بعده، وهو بالقرب من دار النحاس والجامع الجديد. وانتقل منها إلى القاهرة قُبيل القرن حين تزوُّجه بأمِّ أولاده، فسكن بقاعة منكوتمر جد أبي أُمِّها المجاورة لمدرسته داخل باب القنطرة بالقرب من حارة بهاء الدين، واستمر بها حتى مات. [بشارة والده به] وأما بشارة والده به: فقرأت بخط صاحب الترجمة -رحمه اللَّه تعالى- في ترجمة الشيخ يحيى الصنافيري من كتابه "الدرر"، قال: كان لي أخ من

[شهرته]

أبي، فرأ الفقه وفضل، وعرض "المنهاج"، ثم أدركته الوفاة، فحزن الوالد عليه جدًّا، فيقال: إنه حضر إلى الشيخ يحيى الصنَّافيري، فبشَّره بأن اللَّه تعالى سيخلف عليه غيره ويعمره، أو نحو ذلك. فولِدْتُ أنا بعد ذلك بيسير، وفتح اللَّه تعالى بما فتح. وكانت مكاشفاته قد كثرت حتى صارت في حد التواتر، فإنني لم ألق أحدًا مِنَ المصريين أدركه إلا ويحكي عنه في هذا الباب ما لا يحكيه الآخر، حتى إن والدي نظم فيما شاهده منه فيما يختص بالوالد، أرجوزة ذكر له فيها جملة من الكرامات. انتهى. ويقال: إن لفظ الصنافيري لوالد صاحب الترجمة: يخرج من ظهرك عالم بملأ الأرض علمًا. ثم قال: لا يكون الولي للَّه وليًّا، حتى يرى ما في اللوح المحفوظ (¬1)، ويولي ويعزل، وتكون الدنيا في يده كالصَّحفة. ومات الشيخ قبل مولد شيخنا صاحب الترجمة بسنة. [شهرته] وأما شهرته: فهو ابن حجر -بفتح الحاء المهملة والجيم بعدها راء- وتلتبس بجماعة بضم الحاء المهملة وإسكان الجيم، منهم وائل بن حُجْر الصحابي، رضي اللَّه عنه، وعلي بن حُجْر المحدث المشهور. وقد حرَّف الصحابيَّ بعضُ متأخري الفقهاء، وحرَّف الآخر بعضُ العصريين، فحكى لي صاحب الترجمة أن بعض الكتبيين أحضر إليه أجزاء عليّ بن حجر المسموعة لنا، وقال ما نصه: قد ظفرت بشيء من تصانيف أبيكم، وهو معذور، وعدَّت من اللطائف! واختُلِف هل هو اسم أو لقب؟ فقيل: هو لقب لأحمد الأعلى في نسبه، وقيل: بل هو اسم لوالده أحمد المشار إليه. وقد أشار إلى ذلك صاحب الترجمة في جواب استدعاء منظوم بقوله: ¬

_ (¬1) ما في اللوح المحفوظ لا يطلع عليه إلا اللَّه سبحانه، والمتصرف في الكون تصرفًا مطلقًا هو اللَّه وحده سبحانه وتعالى.

[أسلافه]

من أحمد بن عليّ بن محمد ... بن محمد بن علي الكناني المحتدِ ولجد جدّ أبيه أحمد لقّبُوا ... حَجَرًا وقيل بل اسمُ والدِ أحمدِ [أسلافه] وأما من وقفت عليه من أسلافه ونحوهم، فمنهم: عمّ والده فخر الدين عثمان بن محمد بن علي بن أحمد بن محمود الكِنانِيّ المصري الشافعي، يعرف بابن البزَّاز -بمنقوطتين- وبابن حجر، سكن ثغر الإسكندرية، وانتهت إليه رئاسة الإفتاء في مذهب الشافعي هناك. ذكره العفيف المطري في "ذيل الطبقات"، وقال: العلامة فخر الدين أبو عمرو مفتي الثغر، وفقيه الشافعية في زمانه. تفقه به جماعةٌ، منهم: الدمنهوري وابن الكويك. وهو والد ناصر الدين أحمد الفقيه. انتهى. وكان بحاثًا نقالًا مات سنة أربع عشرة وسبعمائة، وابنه المذكور ناصر الدين أحمد كان فاضلًا. قلت: وابنه الآخر زين الدين محمد مات بالثغر في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة. أرخه الحافظ العراقي في "وفياته". وأخو عثمان المذكور، ذكره صاحب الترجمة، فقال: قرأت بخط المحدث نور الدين الهمذاني. توفي العدل قطب الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن جلال الدين العسقلاني، ابن البزاز، عرف بابن حجر -بفتح الحاء المهملة والجيم- يوم الخميس السابع عشر من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. سمع من جماعة من مشايخنا وأجاز له أبو الفضل ابن عساكر، وابن القواس، وغيرهما. انتهى. قال صاحب الترجمة: وأنجب أولادًا؛ منهم: كمال الدين، ومجد الدين، وتقي الدين، وولي الدين، ونور الدين، وهو أصغرهم. قلت: فأما مجد الدين: وهو محمد، فهو والد زين الدين محمد الذي

[والده]

مات بمكة المشرفة في خامس عشري (¬1) رمضان سنة خمس وثمانين وسبعمائة، ودفن بالمَعْلاة بتربة سفيان بن عيينة منها، كما وجد ذلك بلوح هناك، وأغفل القاضي تقي الدين الفاسي ذكره من "تاريخه"، وأفادناه صاحبنا محدث مكة (¬2)، دام النفع به. وأما تقي الدين، فهو جد المكثر زين الدين. أبي الطيب أحمد المدعو شعبان بن محمد بن تقي الدين محمد المذكور. الذي اعتنى به صاحب الترجمة، وأسمعه الكثيرَ بمصر والشام وغيرهما على خلائق لا يُحصَوْنَ كثرة. وأخذ عنه الطلبة وأضرَّ وانقطع. وكان في ظلِّ شيخنا، ثم ولده. ومات في سنة تسع وخمسين وثمانمائة. وكان مولده في سنة ثمانين وسبعمائة، رحمه اللَّه وإيانا. [والده] وأما نور الدين، فهو والد صاحب الترجمة. قال (¬3): وكان مولده في حدود العشرين وسبعمائة، وسمع من أبي الفتح بن سيد الناس وطبقته، وتعانى من بين إخوته الاشتغال بالعلم، فمهر في الفقه والعربية والأدب، وقال الشعر فأجاد. ووقَّع في الحكم، وناب قليلًا عن ابن عقيل، ثم تركه لجفاء ناله من ابن جماعة لما عاد بعد صرف ابن عقيل. من أجل تحققه بصحبة ابن عقيل. وأقبل على شأنه، وأكثر الحج والمجاورة. وله عدة دواوين؛ منها "ديوان الحرم"، مدائح نبوية ومكية في مجلدة. وكان موصوفًا بالعقل، والمعرفة والديانة، والأمانة، ومكارم الأخلاق، ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "عشر"، عشري. (¬2) هو نجم الدين بن فهد المتوفى سنة 885 هـ. وكلامه هذا في كتابيه: "إتحاف الورى بأخبار أم القرى" 3/ 343، و"الدر الكمين". ولم يُطبع بعد. (¬3) في "إنباء الغمر" 74/ 75.

ومحبة الصالحين، والمبالغة في تعظيمهم، ومن محفوظاته "الحاوي"، وله استدراك على "الأذكار" للنووي. فيه مباحث حسنة. وكان ابن عقيل يحبه ويعظمه، ورأيت خطّه له بالثناء البالغ. ولما قدم الشيخ جمال الدين بن نباتة مصر أخيرًا، أنزله عنده ببيت من أملاكه في جواره، وطارحه ومدحه بما هو مشهور في "ديوانه"، ثم انحرف عنه، وانتقل إلى القاهرة، كعادته مع أصحابه في سرعة تقلُّبه، عفا اللَّه عنه. آمين. قرأت بخط ابن القطان، وأجازنيه: كان يحفظ "الحاوي الصغير"، وينظم الشعر، وكان مجازًا بالفتوى، وبالقراءات السبع، حافظًا لكتاب اللَّه تعالى، معتقدًا في الصالحين وأهل الخير، جعله اللَّه تعالى منهم. وكان قد أوصى أن يكفَّن في ثياب الشيخ يحيى الصنافيري، قال: ففعلنا به ذلك، وهو القائل، ومن خطه نقلت: يا رب أعضاء السجود عتقتها ... من فضلك الوافي وأنت الواقي والعتق يسري بالغنى يا ذا الغنى ... فامنُنْ على الفاني بعتق الباقي مات في يوم الأربعاء، ثالث عشري شهر رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وتركني ولم أكمل أربع سنين، وأنا الآن أعقله كالذي يتخيَّل الشيء ولا يتحققه، وأحفظ منه أنه قال: كنية ولدي أحمد أبو الفضل. قلت: وأمه هي ابنة محمد بن براغيث، كما استفدت ذلك من ترجمة أخيها أحمد بن محمد بن براغيث، شهاب الدين أحد الأعيان بالقاهرة. فإن صاحب الترجمة ترجمه في "الدرر" (¬1) وقال فيه: هو خال أبي. مات في شوال سنة ست وسبعين وسبعمائة. انتهى. ¬

_ (¬1) 1/ 258.

قلت (¬1): وديوانه السابق وقفت عليه بخطه. وكتب الجمال ابن نباتة بخطه ما صورته: أنشدني القاضي نور الدين ابن حجر بمصر المحروسة لنفسه من أبيات: واشتعل القلبُ بنار الغضا ... واشتغل الفكرُ بما لا يطاقْ وقلت صلني يا حبيبى هنا ... كي أشتفي منك بطيب التَّلاقْ فقال لي إني غزالٌ فلا ... تَحْسَبن يا هذا بزاق الزلاق ومن شعره يذكر صنعة أبيه في البر: سكندرية كم ذا ... يزهو قماشك عزَّا فطمت نفسي عنها ... فلست أطلب بزَّا وله أرجوزة ذكر فيها وقعة بيبغا، جاء منها: وطلع السلطان نحو القلعة ... فأسعد الرحمن تلك الطلعة وله موشح أوله: هل تُرى بعد الظَّما أروى بما أشتهي مِنْ رَشْفِ ذاك اللَّعسِ وكتب إليه البرهان القيراطي، وقد أهدى له المذكور صحن كنافة، فقال: بالشِّعر والثغر إمسائي وإصباحي ... والخدّ في ليل ذاك الصُّدغ مصباحي من لي بأهيف قلبي مِنْ لواحظه ... وقدّه بين سيَّاف ورمَّاح ¬

_ (¬1) "قلت": من (ط).

طبت حلاوة ريقٍ منه أسكرني ... سكري بحلواء نور الدين يا صاحِ أُعيذُ بالشمس صحنًا مثل بَدْرِ دُجًا ... منه (¬1) سرى والدجى لم يمحه ماحي جاءت كنافته نحوي مملَّحةً ... حَلَا بها العيش في شختور ملاحِ فخفض عيشي بها والنِّيل مرتفعٌ ... جددت فيه بعرس النيل أفراحي حويتها في ليالي الصوم منه ولم ... أقل وقد زرتُه في رفقتي ياحي وللقيراطي في ذلك أيضًا عدة مقاطيع أخذها مضمنًا، فقال: أهديت نور الدين صحنَ كُنافةٍ ... مخروطة كالفضَّة البيضاءِ من فيض كفِّك جاده قطرُ النَّدا ... وانحلَّ فيه خيطُ كلِّ سماءِ وقوله مضمِّنًا أيضًا: أنورَ الدِّين قد أهديت صحنًا ... كُنافته سقاها قطرُ مزنِكْ وقد نبَّهتُ نسمة جودكم لي ... وقلت لها: "ألا هُبِّي بصحنكْ" وقوله: أتى منك نور الدين صحنُ كُنافةٍ ... حلا وغدا ما في حلاوته مَنُّ وبالسُّكَّرِ المذرور خُشِّن وجهُه ... فنَعَّمَ عيشي بالهنا ذلك الصحنُ وقوله: مولاي نور الدين صحنك (¬2) لم يزل ... يروي مكارِمَك الصحيحة عن عطا صدقَتْ قطايفُك الكبار حلاوة ... بفمي وليس بمنكر صدق القَطَا وكتب إليه البرهان أيضًا يهنيه لما قدم من مكة: ¬

_ (¬1) "منه" ساقطة من (ب). (¬2) في (ب، ط، ح): "ضيفُك".

تقبَّل اللَّه حجًّا جئت منه إلى ... منازل زانها مذ جئتَها الخفرُ ما قمت يا حجريِّ البيت مستلمًا ... إلا درى بالمقام الحِجْر والحَجَرُ أكثرت حجًّا وتطوافًا فقلت لمن ... ضاهى وكم لعليٍّ بعدها عُمرُ يقبِّل الأرض وينهي هناء بجوار ذلك البيت المحرم، والوصول لكيما السعادة عند الظفر بذلك الحجر المكرم، والسير الذي تودُّ العينُ لو اكتحلت من إثمده بمرود، والعيش الأبيض بذي الخال الأسود والمقام بالمقام، والسعادة التي أحلَّت مولانا بالبيت الحرام، والحِجْر الذي ظفر به الفائزون فغنموا أجورًا، وانقطع عنه العاجزون، فرأوه حِجْرًا محجورًا. كم سكر الساعون بين المروتين، وكحلوا نواظرهم حال السعي بينهما بالميلين الأخضرين سرورًا يتبعه سرور، ونظرة لاح لها من إشراق ما (¬1) وَجه مولانا نور على نور. فهنيئًا لمولانا طوافُه وتركعه، وشربُه مِنْ ماء زمزم وتضلُّعه، وتعبُّده الذي يقطع الزمان في اتصاله ولا يقطعه، والصاعدُ من الكلم الطَّيب الذي يتقبَّله اللَّه، والعمل الصالح يرفعُه، لقد استفرغ وسعه في جلاء صحائف الحسنات، وأفنى دَرَج سُلَّماته، ليقعد -إذا قامت الساعة- على أعلى الدرجات، ما سار مِنْ حَرم إلا إلى حرم. ولا ارتحل من معدن كرم إلا إلى معدن كرم، فطُوبى لإيابه بطيبة، وللَّه فوزه بالمقام الذي خضعت الملائكة والملوك له هيبة. لقد اجتنى من تلك الروضة ثمار العفو يانعة، واجتلى مِنْ حرم من انشقَّ له القمرُ شمس الرِّضا طالعة، وحبذا عودُه إلى الأوطان بعد قضاء الأوطار، وقدومه في الوفد الذي أضاعت بُدور وجوههم في أهله الأكدار، والرَّكبِ الذين تضوع أرواح نجدٍ عند قدومهم، لقرب العهد من الدار. وكتب البرهان إلى الجمال ابن نباتة أبياتًا، جاء منها مما يتعلق بالمذكور قوله: ¬

_ (¬1) "ما" ساقطة من (ح).

طارحت من حجرٍ أديبًا درةً ... تسمو جريرًا في الورى وصفاته وجرَيْتُما بَحْرَينِ حين نطقتما ... والخصم ودَّ وقوفه وسكاته وممَّن كتب عنه من نظمه: الشهاب ابن أبي حِجْلة، فإنه كتب بخطه: أنشدني نور الدين ابن حَجَر مِنْ قصيدة في حادثة إسكندرية: لو تَرى الأطفال لما أُسِرُوا ... وبنُو الأصفر في سوء ظَفَرْ الأبيات ... قال صاحب الترجمة: أنشدنيها سراج الدين عمر بن الصيرفي بالإسكندرية سنة سبع وتسعين وسبعمائة، قال أنشدنا ابن حجر لنفسه في واقعة الإسكندرية المشهورة: أيُّ خطبٍ أورثَ الجفنَ سهرْ ... وكوى القلب بنار وضَرَرْ كلَّما قيل انطَفَتْ نارُ الأسى ... زاد في الأحشاء للحين شررْ أيُّها السائل عما قد جرى .. أفَتَرْضى عن عيانٍ بخبرْ نطق الجامدُ من عبرتنا ... بلسان الحال والثغر عبَرْ نفذ الأمر فلا ردَّ (¬1) له ... كل شيء بقضاءً وقدرْ حصلت في الثَّغر أدهى فتنةٍ ... صيَّرت ما تُبصِرُ العينُ أثرْ لو ترى الأطفال لما أُسروا ... وبنو الأصفر في سوء ظفَرْ طرقوا الثغرَ لعشرين انقضت ... وثلاثٍ جئن مِنْ قبل صفرْ عام سبعٍ بعدَ ستين ولم ... يكُ فيها مثلُها منذ عَمَرْ يا لها من جمعة قد فَرَّقَتْ ... بين أحباب فلم يُغْنِ الحذرْ دخلوها عنوة فانتهبت ... صورَ الأقمار عبَّادُ الصورْ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "فلا رادّ"، وكتبت كذلك في (ح)، حيث كتبها المصنف بخطه في جذاذة ملحقة بالأصل، ثم شطب الألف في الكلمة.

كم مليحٍ ذبحوا فاقتربت ... ساعة الوحشة وانشقَّ القمرْ ومنها: حبْقَرا ولَّى ومن تابعه ... وحريقُ الباب أدهى وأمرْ لم يقف للطَّعن إلا ساعةً ... من نهارٍ أو كلمحٍ بالبصرْ في سبيل اللَّه ما حلَّ (¬1) بنا .. معشرَ الإسلام مِنْ هذا الخطرْ لكن البشرى لنا مهما جرى ... مِنْ صغيرٍ وكبيرٍ مستَطَرْ نحن فرقان بحكمٍ منصفٍ ... حكمة بالغة تقضي الوطرْ إن قتلانا لفي برد الرِّضا ... بين جنَّاتٍ وحُورٍ ونَهَرْ عندَّ ربِّ العرش في مقعده ... وقتيلُ الروم في حرِّ سقَرْ وقال شيخنا أيضًا: أنشدني الشيخ المبارك جمال الدين أبو محمد عبد اللَّه بن خليل العباسي -نسبة إلى الشيخ أبي العباس الضرير، وهو شيخ الزاوية المنسوبة إلى يحيى الصنافيري- بالقرافة بحضور شيخنا أبي إسحاق الأبناسي في شوال سنة ثمان وتسعين وسبعمائة بزاوية الشيخ بالمقسم، أن والدي أبا الحسن عليًّا العسقلاني أنشده لنفسه (¬2): أحبَّتنا هنَّاكمُ اللَّه بالذي ... عُنيتم به مُذ زُرتُمُ المغْنى سررنا لكم لكننا لانقطاعنا ... حزَّ بالُنا لا سيما غبتُم عنَّا وأنشدنا أيضًا أن أبي أنشده لنفسه عدة مقاطيع وقصائد. قال صاحب الترجمة: وأنشدني الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان الخوَّاص الأسيوطي في أواخر ذي القعدة سنة سبع وتسعين بإسكندرية أن والدي أنشده لنفسه في تاجر أهدى إلى السلطان فيلًا: ¬

_ (¬1) في (أ): "ما حلت"، وكانت كذلك في (ح) بخط المصنف، ثم جعلها "حلَّ". (¬2) انظر "المجمع المؤسس" 3/ 138.

[إخوته وأخواته]

أيا بائع المفعُول صرت مقامرًا ... غُلِبْتَ فلا تكثر مِنَ القالِ والقيلِ وكيدُك في تضليل نفسك واقعٌ ... مع الرُّخِّ بالشَّامات يا صاحب الفيل انتهى. وقد تقدم أنَّه حج بولده معه وجاور، وكذا زار به بيت المقدس، وأقام به أيضًا: وإذا سمعت هذا، ظهر لك أن قول القائل عن صاحب الترجمة: إنه دخل وحده وخرج وحده، يشير به إلى أنه لا سلف له في العلم ولا خلف، غير لائق، إلا أن أريد بالمنفيِّ في الطرفين المثلية. وعلى كلِّ حال، فصاحبُ الترجمة لا يرضى بالتلويح بذلك، فالأولَى الإعراض عنه. [إخوته وأخواته] وأثكل الشيخ نور الدين ولدًا كان قد عرض "المنهاج"، وقرأ الفقه وفضل، كما مضى في البشارة به (¬1). وترك ابنته أم محمد (¬2)، ست الركب، وقد أكملت سبع سنين. فإنها وُلدت بطريق الحجاز في رجب سنة سبعين، فسميت بذلك. قال أخوها صاحب الترجمة (¬3): وأجاز لها في السنة التي تليها أبوها، ومن مكة: ابن عبد المعطي، ومن المدينة: نور الدين الزَّرْندي، ومن المجاورين: الكرماني شارح "البخاري"، ومن حلب: محمد، والحسين ابنا عمر بن حبيب، ومن دمشق: محمد بن أحمد بن خطيب المزة، والتقي بن رافع، ومن بعلبك: العماد بن بردِس، ومن تونس: شمس الدين بن مرزوق، ومن مصر: الحافظ زين الدين العراقي، وأبو الفرج ابن الشَّيخة وصلاح الدين بن مسعود وآخرون. ¬

_ (¬1) ص 104 - 105 من هذا الجزء. (¬2) في (ب، ط): "أم أحمد"، خطأ. (¬3) في "المجمع المؤسس" 3/ 120 - 122.

ومات أبوها وهي صغيرةٌ، فنشأت نشأة حسنة (¬1)، وتعلمت الخطَّ (¬2)، وحفظت الكثيرَ مِنَ القرآن، وأكثرت مِنْ مطالعة الكتب، فمهرت في ذلك جدًّا، بحيث كان يظنُّ مَنْ يراها تقرأ مِنَ الكتاب أنها تحفظه لجودة استخراجها. ثم تزوجت وهي صغيرة، وولد لها محمد، فرافق ما كناها به أبوها. وكانت بي برَّة رفيقة محسنة، جزاها اللَّه تعالى عني خيرًا، فلقد انتفعت بها وبآدابها مع صغر سنها، وماتت شابَّةً في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. عوضها اللَّه تعالى وإيانا الجنة، بمنِّه وكرمه. قلت: وقال في موضع آخر: كانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء، وهي أمي بعد أمي، أُصبت بها. انتهى. وقد رثاها البدر البَشْتَكِي بقوله: كم ذا يزيد الدهرُ في حربي ... وبالنَّوى يرمي بلا لُبِّ طيبُ ثنا أودعتُه في الثرى ... يا دهرُ ضاع الطِّيبُ في التُّرْبِ كم عَبرةٍ جاريةٍ بالأسى ... منذ سرت سيِّدةُ الركبِ آهٍ لها مِنْ زهرةٍ قد ذَوَتْ ... بكى عليها الجوُّ بالسحبِ وأغربَ البلبلُ في نوْحِه ... مطارحًا ساجعة القُضْبِ وكادَ مِنْ مكروه رُزءٍ بها ... يُجيبُه الواجب بالنَّدبِ صبرًا لها يا ابن عليٍّ فما ... أخُ العلا إلا أبُو الخطبِ وشيمةُ الدهر كذا لم يزل ... يرفض أو يخفِض ذا النصْبِ وبينما طائرهُ صادحٌ ... إذ يتبعُ التَّغريدَ بالنَّعْبِ ربَّ المعالي أنت يا سيدي ... فعِشْ لقيت الخيرَ مِنْ رَبِّي ¬

_ (¬1) عبارة "نشأة حسنة" ساقطة من (ط). (¬2) في (أ): "الحفظ"، تحريف.

وأمهما معًا تِجَار ابنة الفخر أبي بكر بن الشمس محمد بن إبراهيم الزفتاوي، أخت صلاح الدين أحمد الزِّفتاوي التاجر الكارميّ، صاحب القاعة الكائنة بمصر تجاه المقياس. ما رأيت شيخنا ترجم واحدًا منهما، لا في "الدرر" ولا في "الإنباء"، وإنما استُفيدَ نسَبُ صلاح الدين من مكتوب وقف قاعته. وكان قد تزوج ستَّ الركب شمسُ الدين محمد بن السراج عمر (¬1) بن عبد العزيز الخروبي، واستولدها صلاح الدين محمدًا وفوز، وأجاز لهما بعناية خالهما صاحب الترجمة جماعة. ومات صلاح الدين قديمًا. وأما الأخرى، فإنها سافرت إلى الحجاز صُحبةَ زوجها صلاح الدين ابن صورة، فاختلَّ عقلُها بمكة، واستمرت تهذي في الكلام جدًّا، لكنَّها تستحضر أوقات الصلوات والعبادات، فتؤديها أداءً حسنًا للغاية. ولاختلال عقلها، امتنعتُ من الأخذ عنها بعد أن قصدُتها في منزلها بمصر، واستمرت كذلك حتى ماتت قريب الخمسين، ولم تترك ولدًا. وصلى عليها خالها صاحب الترجمة، رحمة اللَّه عليهم أجمعين. وكان لصاحب الترجمة أيضًا أخٌ مِنْ أُمِّهِ اسمه عبد الرحمن ابن الشهاب أحمد بن محمد بن محمد بن عبد المهيمن البكري، كما استفدتُ ذلك من ترجمة أحمد المذكور من "معجم" (¬2) صاحب الترجمة، قال: إنَّه مهر وحصل مالًا أصله من قبل أمه، وهي والدتي، فقدَّر اللَّه تعالى موته، فورثه أبوه. وكان الأب داعية لمقالة ابن العربي، فمزَّق ذلك مع غيره، وأرَّخ وفاة الداعية في سنة تسع وثمانمائة. ومن أقارب شيخنا أيضًا: ناصر الدين محمد بن حجر، والدُ خاصّ التي ذكرها في وصيته هي وولدها جمال الدين. ما علمت الآن شيئًا مِنْ أخبارهم، وإن بلغني عن خاصّ وابنها (¬3) المذكور ما لا أحبُّ ذكره، لا ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ). (¬2) "المجمع المؤسس" 8/ 421. (¬3) في (ط): "وأبيها"، تحريف.

سيما وقد يسَّر اللَّه تعالى وفاتهما. إلا أنَّ لخاص ابنةً هي الآن بقيد الحياة في قوة، وفقها اللَّه لطاعته وإيانا. وقد أنشدنا (¬1) القطب القسطلاني (¬2) لنفسه: إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ... ومن غلطٍ جادت (¬3) يد الشَّوك بالوردِ وقد يخبثُ الفرعُ الذي طاب أصلُه ... ليظهر صنعُ اللَّه في العكس والطَّردِ وكان والد شيخنا قبل وفاته أوصى بولده صاحب التَّرجمة كبيرَ التَّجار الزَّكيَّ أبا بكر محمد (¬4) بن علي بن أحمد الخرُّوبي، فَقام بأمره أحسن قيام، وكذا أسند وصيته للشيخ شمس الدين ابن القطان لاختصاصه به. رحمهم اللَّه تعالى أجمعين. ¬

_ (¬1) في (ح): أنشد. (¬2) في (ط): "العسقلاني". (¬3) في (ح): جاءت. (¬4) ساقطة من (ب، ط، ح).

الباب الثاني في صفة مبدأ أمره، ونشأته، وذكر طلبه للعلم ورحلته، وتعيين من أخذ عنه دراية.

الباب الثاني في صفة مبدأ أمره، ونشأته، وذكر طلبه للعلم ورحلته، وتعيين من أخذ عنه دراية. وكذا جملة من شيوخ الرواية، وبيان الأماكن التي كتب بها الحديث أو العلم من البلاد والقرى، ليعلم أنه عند الصباح يحمد القوم السُّرى. وختمتُه بأسماء مَنْ عنهم تحمَّل غير مطبل بتراجمهم، اكتفاء "بمعجمه"، فعليه المعوّل، معقبًا ذلك بأوراقٍ مهمةٍ من أسانيده بالكتب ونحوها مما هو متداول بين الأئمة، وإن كان هو في "فهرسته" قد استوفاها، لأنَّ الهِمَمَ -لقصورها- ترتاحُ للطَّريقة التي سلكناها

[نشأته:]

الباب الثاني [نشأته:] أما مبدأ أمره ونشأته: فقد تقدم أن أباه مات في رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة، بعد أن كان حجَّ وزار بيتَ المقدس، وجاور في كلٍّ منهما، واستصحب معه ولده صاحب الترجمة، قال: وأظن أنَّ أبي أحضرني في مجاورتيه بهما شيئًا ما. وماتت أمُّه قبل ذلك وهو طفل، فنشأ -رضي اللَّه عنه- يتيمًا في غاية العفة والصيانة والرياسة في كنف أحد أوصيائه الزَّكيّ الخرُّوبي إلى أن مات، وقد راهق، لم تُعرف له صبوة ولم تضبط عنه زلَّة، واتفق أنه لم يدخل المكتب إلا بعد إكمال (¬1) خمس سنين. وممَّن قرأ عنده في المكتب: شمس الدين ابنُ العلَّاف الذي وليَ حسبة مصر وقتًا، وشمس الدين الأطروش، لكن لم يُكمل حفظَ القرآن العظيم إلا عند فقيهه ومؤدِّبه الفقيه شارح "مختصر التبريزي"، صدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق السَّفطي المقرىء. أكمله وله تسع سنين. وكان يحضر لإقرائه هو والقاضي ناصر الدين محمد ابن العلامة شمس الدين ابن القطان، سبط سيبويه الزمان البهاء بن عقيل، بمسجد للَّه تعالى، ملاصق لمنزل وصيه ابن القطان المذكور بدرب ابن ريشة بالقرب من موردة ¬

_ (¬1) في (ح): إكماله.

[سماعه بمكة:]

منجنى قليوب، بشاطىء البحر. ثم لم يتهيأ له أن يصلِّي به للناس التراويح على جاري العادة إلا في سنة خمس وثمانين بمكة، وقد أكمل اثنتي عشرة سنة؛ فإنَّ وصيَّه الماضي -وهو الخواجا زكي الدين أبو بكر بن نور الدين علي (¬1) الخروبي- كان قد حج في سنة أربع وثمانين، واستصحب صاحب الترجمة معه، إذ لم يكن له من يكفُلُه. وكانت وقفة الجمعة، فحجَّا وجاورا، وصلَّى بالناس هناك في سنة خمس. قال: وقد كنتُ ختمت من أول السنة الماضية -يعني سنة ثلاث- واشتغلت بالإعادة في هذه السنة، فشغلَنا أمرُ الحج إلى أن قُدِّر ذلك بمكة، وكانت فيه الخيرة. [قلت: وفي اتفاق وقوع ذلك إشارة إلى أنه يصير إمام الدنيا] (¬2). [سماعه بمكة:] وسمع إذ ذاك على الشيخ عفيف الدين عبد اللَّه بن محمد بن محمد النشاوِرِي، ثم المكي، آخر أصحاب الرضي الطبري، إمام المقام، اتفاقًا بغير قصدٍ ولا طلب، غالب "صحيح البخاري". وهو أول شيخ سمع عليه الحديث. وذلك بقراءة الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الدمشقي الحريري -عرف بالسّلاوي- الذي صحبه صاحب الترجمة بعد ذلك، وهو -كما قرأته بخط صاحب الترجمة- لعمري إسنادٌ جيدٌ، حصلت به مساواة كثيرٍ من الشيوخ. قال: وكان محل السماع تحت سكن الخروبي المذكور في البيت الذي بباب الصفا على يمنة الخارج إلى الصفا، ويعرف ببيت عيناء، وهي (¬3) الشريفة أم الشريف عجلان. وبالبيت المذكور شبَّاكٌ مطلٌّ على المسجد الحرام، ويشاهد من يجلس فيه الكعبة والرُّكن الأسود. فكان المُسْمِعُ ¬

_ (¬1) "علي" من (ط). وانظر ترجمته في "الدرر الكامنة" 1/ 450. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) "وهي" لم ترد في (أ).

[سرعة حفظه:]

والقاريء يجلسان عند الشّباك دون مصطبة تحت الشباك المذكور، وكان يجلس فيها مؤدبُ صاحب الترجمة ومن يدرس معه. فكان المؤدب يأمرهم عند قراءة القارىء بالإنصات إلى أن يفرغ حتى ختم الكتاب. لكن كان صاحب الترجمة ربما خرج لقضاء حاجة ولم يكن هناك ضابطٌ للأسماء، والاعتماد في ذلك كان على الشيخ نجم الدين المرجاني، فإنه أعلمني بعد دهر طويلٍ بصورة الحال، فاعتمدت عليه وثوقًا به. قلت: وقد صارت الدار المشارُ إليها بعد الثلاثين وثمانمائة مدرسةً لصاحب كلبرجة. وحضر مجلس الختم الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد الأميوطي، وكان صاحب الترجمة يشكُّ في إجازة الأميوطي له، من أجل أنه ليس على يقين مِنْ سماع مجلس الختم، لكونه لم يعلم ما فاته على النشاوري منه. واللَّه أعلم. ثم وصل صحبة وصيّة إلى مصر محل إقامته - في سنة ست وثمانين، فحفظ كتبًا من مختصرات العلوم، "كالعمدة" و"الحاوي الصغير"، كتاب أبيه، و"مختصر ابن الحاجب الأصلي". و"المُلحة" للحريري، وغيرها. وعرضها -على العادة- على جماعة مِنْ أئمَّة العصر، وكتبوا خطوطهم له بذلك. [سرعة حفظه:] وكان رحمه اللَّه رزق في صغره سرعة الحفظ، بحيث كان يحفظ كلَّ يومٍ نصف حزب، وبلغ من أمره في ذلك أنَّه حفظ سورة مريم في يوم واحد، وأنه كان في أكثر الأيام يصحح الصفحة من "الحاوي الصغير" ثم يقرأها تأمُّلًا مرةً أخرى، ثم يعرضُها في الثالثة حفظًا. ولم يكن -رحمه اللَّه تعالى- حفظه بالدَّرس (¬1) على طريقة الأطفال، بل كان حفظه تأمُّلًا، كما ¬

_ (¬1) في (أ): "بالمدرسة".

[طلبه العلم:]

سمعت ذلك مِنْ لفظه مرارًا - على طريقة الأذكياء في ذلك غالبًا. [طلبه العلم:] وأما طلبه للعلم، فإنه -رحمه اللَّه- قرأ القرآن تجويدًا على الشهاب أحمد بن محمد ابن الفقيه علي الخيوطي، وبحث في سنة خمس وثمانين وسبعمائة -وهو ابن اثنتي عشرة سنة- في مجاورته بمكة، على القاضي الحافظ جمال الدين أبي حامد محمد بن عبد اللَّه بن ظهيرة المكي في كتاب "عمدة الأحكام" للحافظ عبد الغني المقدسي. [قال: وكان يعجبني سمتُه] (¬1)، فكان أوَّلَ شيخٍ بحث عليه في علم الحديث، ثم كان أوَّلَ شيخ سمع الحديث بقراءته بمصر بعد ذلك، كما سيأتي. على أني قرأت بخط صاحب الترجمة: وأول اشتغالي بالعلم في سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وكتب بالهامش تجاه سبع: ست، وصحح عليه. قلت: لكن ما قدَّمته هو المعتمد. ثم قرأ على الصدر سليمان بن عبد الناصر الإبشيطي شيئًا مِنَ العلم في السنة التي قَدِمَ فيها من مكة. وفتَر عزمُه عن الاشتغال مِنْ أجل أنه لم يكن له من يحثُّه على ذلك، فلم يشتغل إلا بعد استكمال سبع عشرة سنة، لازم أحد أوصيائه العلامة شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن عيسى بن محمد بن أبي بكر بن القطان المصري، فحضر درسه في الفقه وأصوله والعربية والحساب وغيرها، وقرأ عليه شيئًا كثيرًا من "الحاوي الصغير"، وأجاز له هذا مع كون صاحب الترجمة (لم يحمد) (¬2) تصرُّفَه في تركته كما صرح بذلك في غير موضع، وقال: إنَّ مما خصم به في حساب المأتم وتوابعه (¬3) ألف مثقال. مع كون (أب) (¬4) الخرُّوبي حسبما بلغني أنه هو القائم بذلك أو أكثره، بل قال ممَّا هو في ديوانه: ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬2) ساقطة من (ط). (¬3) ساقطة من (أ). (¬4) "ابن" ساقطة من (ب).

أكل ابن القطان ماليَ ظلمًا ... يا إله الورى فاصْلِهِ سعيرا ربِّ وابسُط له العذاب بساطًا ... ربِّ واجعل له الجحيم حصيرا انتهى. واشتغل بطلب ما غلب على العادة طلبه، من أصل وفرع ولغة ونحوها، وطاف على شيوخ الدِّراية، لكنه كان في مدة الفترة وهو في المكتب، وبعد ذلك حُبِّبَ إليه النَّظر في التواريخ وأيام الناس حتى إنه ربما (¬1) كان يستأجرها ممَّن هي عنده، فعلِقَ بذهنه الصافي الرائق شيءٌ كثيرٌ من أحوال الرواة. وكان ذلك بإشارة شخصٍ مِنْ أهل الخير، سماه صاحب الترجمة لي وأنسيتُه، وممَّن رغَّبه في ذلك أيضًا: البدر البَشْتكيُّ، وأعانه عليه بإعارة "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني وغيرها. وفي أثناء الفترة سمع اتفاقًا من المسند نجم الدين أبي محمد عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن عبد الكريم بن رزين غالب "صحيح البخاري" بقراءة الحافظ الجمال أبي حامد بن ظهيرة الماضي قريبًا في سنة ست وثمانين وسبعمائة بمصر [عن الخروبي أيضًا] (¬2)، وكان شيخنا يعارض بنسخةٍ. قال (¬3): وما أظن فاتني عليه منه إلا اليسير. نعم لم أحضر مجلس الختم. وكذا سمع مِنَ الصلاح أبي علي محمد بن محمد بن علي الزفتاوي "الصحيح" أيضًا بقراءة ولي الدين محمد بن الشهاب أحمد بن محمد بن عبد الكريم التِّزمنتي، ومن أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك الغَزِّي، وغيرهما. ولو وَجَدَ من يعتني به في صغره لأدرك خلقًا ممَّن أخذ عن أصحابهم، إذ كان السماعُ مِنْ أصحاب الفخر ابن البخاري، ثم من أصحاب ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ). (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) في "المجمع المؤسس" 2/ 230.

الواسطي وابن مؤمن، ثم من أصحاب ابن تبع الأمناء والأبرقوهي، ثم من أصحاب الدِّمياطي ممكنًا، أو الإجازة منهم، لكنه لم يتَّفق ذلك لفقد من يعتني بهذا الفن من الآل (¬1) والأصحاب في هذا الزمن الأخير. ونظر في فنون الأدب مِنْ أثناء سنة اثنتين وتسعين، ففاق فيها، حتى كان لا يسمع شعرًا إلا ويستحضر من أين أخده النَّاظم. وتولَّع بذلك وما زال يتبعه خاطره حتى فاق فيه وساد، وطارح الأدباء، وقال الشعر الزائق والنَّثر الفائق، ونظم مدائح نبويةً، ومقاطيع، وكتب عنه الأئمة من ذلك. وكان -رحمه اللَّه- واللَّه عجبًا في استحضار ذلك، والمذاكرة به؛ بحيث رأيت النواجي وهو ممَّن علمت جلالته في فنون الأدب ومداومته على خدمته، وشيخنا صاحب الترجمة يربو عليه، حتى يقضي هو العجب من ذلك. هذا وهو لم ينظر من بعد القرن في كتب الفن ودواوينه إلا اتفاقًا، كما صرح هو بذلك، بل أكثر نظمه قبل سنة ست عشرة وثمانمائة. ورأيته قد كتب بخطه على بيتين في ضمن كراسة مِنْ نظم البدر البَشْتَكي ما نصه: يا سيدي، أحسن اللَّه إليكم. رأيت هذين البيتين بخطكم الكريم في "طوق الحمامة" لأبي محمد بن حزم، فلعلكم طالعتموها ونسيتم. وحبَّب اللَّه -عز وجل- إليه فن الحديث النبوي، فأقبل عليه بكلِّيته، وأول ما طلب بنفسه في سنة ثلاث وتسعين، لكنه لم يكثر مِنَ الطَّلب إلا في سنة ست وتسعين. فإنه -كما كتب بخطه رضي اللَّه عنه- رفع الحجاب، وفتح الباب، وأقبل العزم المصمم على التحصيل، ووفق للهداية إلى سواء السبيل. فأخذ عن مشايخ ذلك العصر وقد بقي منهم بقايا. وواصل الغُدوَّ والرواح إلى المشايخ بالبواكر والعشايا. واجتمع بحافظ العصر زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، فلازمه عشرة أعوام. وتخرَّج به، وانتفع بملازمته. وقرأ عليه "الألفية" له و"شرحها" له بحثًا، ¬

_ (¬1) في (أ): "الأول"، خطأ.

وانتهى ذلك في يوم الجمعة ثالث عشري رمضان سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، بمنزل المصنف بجزيرة الفيل على شاطىء النيل. ثم قرأ عليه "النكت على علوم الحديث" لابن الصَّلاح له، في مجالس، آخرها في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين. وهو أول مَنْ أذِنَ له في التدريس في علوم الحديث. وكان إذنُه له -على ما قرأته بخط صاحب الترجمة- في سنة سبع وتسعين. وكان طلبه على الأوضاع المتعارفة بين أهله، فقرأ وسمع على مسندي القاهرة ومصر الكثير في أسرع مدة، ووقع له حديث السلفي بالسماع المتصل عاليًا عن ابن الشيخة المذكور، وعن التاج أبي محمد عبد الواحد بن ذي النون الصُّردي وغيرهما، فمما سمعه من التاج "جزء سفيان بن عيينة" يرويه عن أبي الحسن الواني صاحب صاحب السِّلفي بالسماع المتصل إليه. وهو أعلى ما يقع حينئذٍ من حديث السِّلفي. وكذا وقع له حديث الرازي بالسَّماع المتصل عاليًا أيضًا. وأعلى ما سمعه من الأجزاء المنثورة مطلقًا "جزء أبي الجهم العلاء بن (¬1) موسى" صاحب الليث بن سعد، فإنه وقع له بالسَّماع المتصل إلى أبي القاسم البغوي، الذي ساوى البخاري ومسلمًا وغيرهما في كثير من الشيوخ، فبينه وبينه ستة أنفس، وقد مات منذ خمسمائة سنة وأكثر من عشر سنين. ويليه مما هو في نحو طبقته "جزء ابن مخلد"، ويليه مما يلحق به لكن في الطريق إجازة - كالجزء الثاني من "حديث ابن مسعود"، وكتاب "البعث" لابن أبي داود. ويليه ما في طريقه إجازتان. كالأول الكبير من "حيث أبي طاهر المخلِّص"، والثاني من الثاني منه. و"جزء مأمون بن هارون". ودون هذه الطبقة في العلوّ قليلًا، لكن بالسمع المتصل، كالمنتخب من "مسند عبد بن حميد"، و"مسند الدارمي"، وهو على الأبواب، ويليهما ¬

_ (¬1) في (ب) "أبي"، تحريف. وهو العلاء بن موسى بن عطية، أبو الجهم الباهلي البغدادي. مترجم في السير" 10/ 525.

[دراسته الفقه:]

"الجامع الصحيح" للبخاري، وفي شرح ذلك طولٌ. وكلُّ ذلك مجموع في "الفهرست الكبير". وأكثرَ مِنَ المسموع جدًّا، ووصل من الكتب الكبار شيئًا كثيرًا، ووجد عنده -رضي اللَّه عنه- من النظر في التواريخ ما أعانه على معرفة الرجال في زمن يسير جدًّا. ولم تنسلخ تلك السنة -أعني سنة ست وتسعين- حتى اتسعت معارفه فيه، وخرَّج لشيخه الإمام مسنِد القاهرة برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التنوخي "المائة العشارية"، فكان أول من قرأها على المخرَّجَةِ له في جمع حافل، الإمام العلامة الحافظ الناقد ولي الدبن أبو زرعة أحمد ابن شيخه العراقي في سنة سبع وتسعين. وكذا قرأها عليه غيره من الأعيان، ومنهم الشيخ شهاب الدين الحسيني، بعد أن كتبها بخطه. وسمعها معه صهره الشيخ شمس الدين البوصيري العالم الصالح، وقرَّظ له جماعة من أئمة العصر عليها، وشهدوا له بالتقدم، كما سيأتي في محلِّه. كل ذلك مع اشتغاله بغيره من العلوم، والمحافظة على المنطوق منها والمفهوم، كالفقه والعربية والأصول، وغيرها من العلم المنقول والمعقول. [دراسته الفقه:] فتفقه بابن القطان الماضي، وبالإمام الزاهد الفقيه العلامة برهان الدين إبراهيم بن موسى الأبناسي، ولازمهما كثيرًا. وكان الأباسي يودُّه ويعظمه، لأنه كان من أصحاب والده. وقد قال صاحب الترجمة في حقه: الإمام الجامع بين طريقي العلم الشرعي والعلم الحقيقي. وكانت ملازمته له مِنْ بعد التسعين، بحث عليه في "المنهاج" للنووي، وقرأ عليه غير ذلك. وتفقه أيضًا بشيخ الإسلام، علَّامة الأعلام، المجدد للأمة المحمدية من علوم الدين ما اندرس في توالي الأيام، إلى أن أحيا اللَّه تعالى به موات القلوب من أئمة الأنام: سراج الدين أبي حفص عمر بن رسلان البلقيني. لازمه مدة، وحضر دروسه الفقهية، وقرأ عليه الكثير من "الروضة"، ومن

[سلسلة الفقه:]

كلامه في حواشيها، وسمع عليه -بقراءة العلامة شمس الدين البرماوي- "مختصر المزني". وبالعلَّامة الرُّحَلة ذي التصانيف العديدة، والفوائد المفيدة الشيخ سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن الملقن. قرأ عليه قطعة كبيرة من "شرحه الكبير على المنهاج". ولم يزل ملازمًا للبلقيني إلى أن أذن له في الإفتاء والتدريس، ثم أذن له بذلك بعد إذن شيخه الحافظ زين الدين العراقي في آخرين. وقرأ في الفقه والعربية أيضًا على الشيخ الإمام نور الدين علي بن أحمد الأدمي، ولازمه كثيرًا. وأول شيوخه في الفقه ابن القطان والأدمي، ثم الأبناسي وابن الملقن، ثم البلقيني، وهو أول من أذن له في التدريس والإفتاء، وتبعه غيره. [سلسلة الفقه:] وهذه سلسلة الفقه لتستفاد مع سلسلة الحفاظ الماضية. فأقول: قد أخذ صاحب الترجمة الفقه عَنْ مَن قدمنا، فأما البلقيني، فأخذ عن جماعة؛ منهم: شيخ الشافعية الشمس محمد بن أحمد بن عثمان بن عدلان، وبقية المشايخ العالم شمس الدين أبو المعالي محمد بن أحمد بن إبراهيم بن القمَّاح، والإمام النجم حُسين بن علي بن سيد الكل الأسواني، والعلامة الزين أبو حفص عمر بن أبي الحرم بن الكتَّاني. وأما الأبناسي وابن الملقن، فإنَّهما ممَّن أخذ عن محقق العصر: الجمال أبي محمد عبد الرحيم الإسنائي. وأما الأدمي، أخذ هو والأبناسي -أيضًا- عن الإمام ولي الدين محمد بن الجمال أحمد بن إبراهيم المنفلوطي الملَّوي. وكذا -فيما أظن- أخذ عنه ابن القطان، مع أنه أخذ عن ابن الملقن. وكان أخذ عن البهاء بن عقيل أصول الفقه، وعن العماد الإسنوي الأصلين والجدل، ولا أستبعد أن يكون أخذ عنهما الفقه.

والعماد أخذ عن الشرف البارزي. فأما ابن عدلان واللَّذان بعده، فتفقهوا بالإمام الظهير جعفر بن يحيى التَّزمنتي، والأول وحده أيضًا بقاضي القضاة الوجيه عبد الوهاب بن الحسن البهنسي. وأما ابن الكِتاني، فتفقه بمفتي الإسلام التاج أبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري بن الفركاح. وأما الإسنائي، فهو ممن (¬1) تفقه بجماعة، ورُوسل بالإفتاء من الشيخ شرف الدين أبي القاسم هبة اللَّه بن البارزي. وأما الملّوي فتفقه بوالده، وبالشيخ نور الدين الأردبيلي، وما علمت الآن سندهما. فأما التزمنتي والبهنسي، فكلاهما مِمَّن تفقه بالإمام البهاء أبي الحسن علي بن هبة اللَّه ابن بنت الجُمَّيْزي، وأما البارزي، فهو ممّن أخذ "المنهاج" وغيره من (¬2) منقح المذهب وليِّ اللَّه أبي زكريا النووي. وهو ممن تفقه بالكمال إسحاق بن أحمد المغربي ثم المقدسي، والشمس عبد الرحمن بن نوح المقدسي ثم الدمشقي، والعز عمر بن أسعد الربعي. والثلاثة هم والفزاري ممَّن تفقه بشيخ الإسلام التقي (¬3) أبي عمرو عثمان بن أبي القاسم عبد الرحمن بن عثمان بن الصلاح الشهرزوري، وهو بأبيه، وهو في طريق العراقيين هو وابن بنت الجُمَّيزي بصدر العلماء وشيخ الفقهاء أبي سعد عبد اللَّه بن محمد بن هبة اللَّه بن أبي عصرون. زاد ابن بنت الجميزي: وبالإمام أبي إسحاق إبراهيم بن منصور العراقي. والأول (¬4) تفقه بالقاضي أبي علي الحسن بن إبراهيم الفارقي. والثاني بأبي بكر محمد بن الحُسين بن عمر الأرموي، وهما مِمَّن تفقه بأمير المؤمنين في الفقه الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي. (ح). ¬

_ (¬1) "ممن" ساقطة من (ب). (¬2) في (ب): "عن". (¬3) "التقي" ساقطة من (أ، ب)، وكتبت في هامش (ح) بخط المصنف. (¬4) في (ب، ط): "فالأول".

وتفقه العراقي أيضًا بأبي الحسن (¬1) محمد بن مبارك بن محمد بن الخِلِّ البغدادي، وهو بفخر الإسلام أبي بكر محمد ابن أحمد بن الحسن الشاشي، وهو بأبي نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ، والشيخ أبي إسحاق، وهما ممَّن تفقه بالقاضي أبي الطيب طاهر بن عبد اللَّه بن طاهر الطَّبري، وهو بالإمام أبي الحسن محمد بن علي بن سهل النيسابوري الماسَرْجَسيّ. (ح). وتفقه ابن بنت الجمّيزي -أيضًا- بإمام عصره الشهاب أبي الفتح محمد بن محمود بن محمد الطُّوسي، وهو بالإمامين أبي سعد محمد بن يحيى النيسابوري وأبي الفتح محمد بن الفضل المارشكي [الطوسي، وهما ممَّن تفقه بحجَّة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي. (ح). وتفقه] (¬2) التاج الفزاري أيضًا بسلطان العلماء عز الدين أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السُّلمي، وهو بالفخر عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن عساكر، وهو بالقطب أبي المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري، وهو بمحمد بن يحيى، وهو بالغزالي. (ح). وتفقه النووي أيضًا بالكمال سلَّار بن الحسن الإربلي، وهو بأبي بكر الماهاني، وهو ووالد ابن الصلاح أيضًا بجمال الإسلام أبي القاسم عمر بن محمد بن أحمد بن البزري، وهو بأبي الحسن علي بن محمد الكِيَا (¬3) الهرَّاسي والغزالي، وهما تفقها بإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك ابن الشيخ أبي محمد عبد اللَّه بن يوسف الجُويني، وهو بأبيه، وهو بإمام طريقة الخراسانيين أبي بكر عبد اللَّه بن أحمد القفَّال المروزي الصَّغير، وهو بأبي زيد محمد بن أحمد بن عبد اللَّه المروزي. (ح). ¬

_ (¬1) في (ط) الحسين، تحريف. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ، ب). (¬3) في هامش (ح) بخط المصنف: "حش: [أي: حاشية] قال ابن خلكان: هو بفتح الكاف، ولا أعلم لأي معنى قيل له الكيا. انتهى. وقال غيره من أهل الأدب: إن معناه الأمير، وضبطه بكسر الكاف، وهو المشهور على الألسنة".

وتفقه العراقي أيضًا بالقاضي أبي المعالي مجلي بن جميع المخزومي، وهو بالفقيه سلطان المقدسي، وهو بالشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي، وهو بسُليم بن أيوب الرازي، وهو بالشيخ أبي حامد أحمد بن أبي طاهر محمد الإسفراييني. وهو بأبي القاسم عبد العزيز بن عبد اللَّه الداركي، وهو وأبو زيد المروزي، والماسرجسي ممَّن تفقه بالإمام الكبير أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي. (ح). وتفقه أبو حامد الإسفراييني -أيضًا- بأبي الحسن علي بن أحمد بن المرزبان (¬1)، وهو بأبي الحسين أحمد بن محمد بن القطان. وهو والمروري (¬2) بالباز الأشهب شيخ الشافعية أبي العباس أحمد بن عمر بن سُريج، وهو بالإمام أبي القاسم عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي. (ح). وتفقه والد إمام الحرمين -أيضًا- بأبي الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد الصُّعلوكي، وهو بأبيه، وهو بإمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة. (ح). وتفقه أبو إسحاق المروزي أيضًا بعبدان المروزي، وهو وابن خزيمة والأنماطي، ممَّن تفقه بالإمام الكبير الجليل أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني. وابنُ خزيمة وعبدان أيضًا ممن تفقه بالإمام أبي محمد الربيع المرادي. وهما ممَّن تفقه بإمام الأئمة وابن عمِّ خير البرية أبي عبد اللَّه الشافعي. (ح). وتفقه أبو سهل الصُّعلوكي أيضًا بأبي علي محمد بن عبد الواحد الثَّقفي، وهو بالإمام أبي عبد اللَّه محمد بن نصر المروزي، وهو بجماعة من أصحاب الشافعي، والشافعيُّ -رضي اللَّه عنه، ونفعنا ببركته- ممَّن تفقه بجماعة، منهم إمام دار الهجرة مالكُ بن أنس، وسفيان بن عيينة، وأبو خالد مسلمٌ بن خالد الزَّنجي. ¬

_ (¬1) في (أ): المرزباني، وانظر "البداية والنهاية" لابن كثير 11/ 289. (¬2) في (أ): "المزني"، تحريف.

فالأول تفقَّه بربيعة، عن أنس بن مالك، وبنافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما. والثاني بعمرو بن دينار عن ابن عمر وابن عباس رضي اللَّه عنهم. والثالث بأبي الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما. والثلاثة ممَّن أخذ عن سيِّدِ المرسلين وإمام المتقين وقائد الغُرِّ المحَجَّلين -صلى اللَّه عليه وسلم- ورضي عنهم أجمعين. ولكثير ممَّن ذكر في هذا السند مِنَ الطَّريقين شيوخٌ أخذوا عنهم الفقه. وإنما حصل الاقتصارُ غالبًا على ذوي (¬1) الشهرة وعلو السند. وقد قرأ صاحب الترجمة الكثيرَ على البرهان التنوخي عن أبي نصر بن الشيرازي، عن ابن الجُمَّيزي. وهذا بطريق الإجازة يعلُو على ما سبق بدرجةٍ، واتَّفقت له رواية "مختصر المزني" بسندٍ أعلى مِنْ هذا ورواية أحاديث الشافعي الفقهية في ضمن "مسنده"، وسنده أعلى من سندِ "المختصر" أيضًا. وأخذ "المنهاج الفقهي" عن الشيخ الإمام المسند المدرس نجم الدين محمد ابن الشيخ نور الدين علي ابن العلامة المحقق المتقن أقضى القضاة نجم الدين محمد بن عقيل البالسي، والإمام العلامة مسند القاهرة وشيخ القراءات برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم ابن القاضي شهاب الدين أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد بن كامل التنوخي البعلبكي الأصل ثم الدمشقي، المعروف بالشامي، نزيل القاهرة، قراءة على الأول، وسماعًا على الثاني، برواية الأول له عن المسنِد أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد الصالحي، وبرواية الثاني له عن جماعة مِنَ الأئمة، منهم: العلامة أقضى القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن حيدرة بن القمَّاح، بقراءة البرهان المذكور عليه لجميع "المنهاج" بحثًا، وأذِنَ له في ¬

_ (¬1) في (ب): "ذكر".

[سلسلة أصول الفقة]

إقرائه. ومنهم: قاضي القضاة بالدِّيار المصرية بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد اللَّه بن جماعة، وقاضي القضاة بالمملكة الحلبية شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم، الشهير بابن النقيب، وقاضي القضاة بالمملكة الحموية شرف الدين هبة اللَّه بن عبد الرحيم بن إبراهيم البارزي، إذنًا مِنْ كلٍّ منهم له بالرواية عنه، والتدريس في الفقه. ومنهم العلامة علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود الدمشقي الشهير بابن العطار، إجازة مكاتبة له منه برواية الجميع عن المؤلف بطريق الإجازة، إن لم يكن سماعًا لهم أو لبعضهم، ولو لبعضه، خصوصًا الأخير؛ لأنه كان خادم المؤلف والملازم له، والمتحقق بالتَّلمذة له، حتى كان يُقال له النَّووي الصغير. وليس ببعيدٍ أن يكون سمع الكتاب المذكور على مؤلفه أو بعضه. وهذا السند إلى المؤلف أعلى ما يُوجَدُ في هذا الوقت. ووقع له (¬1) أيضًا حديث مسلسل بالفقهاء لكنه أودعه بعض تخاريجه، فتركتُ الإطالة به. [سلسلة أصول الفقة] وهذه طريقُه في أصول الفقه، ذكرها ابنُ القطان، أحدُ من أخذ عنه صاحب الترجمة -كما تقدَّم- الأصول، أحببتُ إيرادها هنا للفائدة، فأقول: أخذ ابن القطان أُصول الفقه عن البهاء بن عقيل؛ والأصلين والجدل عن العماد الإسنوي. فأما البهاءُ فأخذ عن العلاء القُونَوِي، وهو عن التقي ابن دقيق العيد، وهو عن سلطان العلماء العِزّ (¬2) بن عبد السلام وهو عن السيف الآمدي، وهو أخذ الأصول والجدل والخلاف عن أبي القاسم بن فضلان. (ح). وأخذ القونوي أيضًا عمَّن أخذ عن التاج أبي الفضائل الأرموي صاحب "الحاصل"، وهو عن الفخر الرازي، وهو عن أبيه والكمال السمناني. ¬

_ (¬1) في (ب): "لنا"، خطأ. (¬2) في (أ): "العزيز"، تحريف.

فأما الكمال؛ فأخذه هو وابن فضلان عن محمد بن يحيى. (ح). وأما العماد الإسنوي فأخذه عن الشرف هبة اللَّه بن النجم عبد الرحيم بن إبراهيم البارزي شارح "الحاوي"، وهو عن جده أبي الطاهر إبراهيم، ثم عن والده النجم، عن أبيه إبراهيم، وهو عن التَّقي الحموي، وهو عن أبي سعد (¬1) بن أبي عصرون، وهو عن أبي علي الفارقي، وهو عن الشيخ أبي إسحاق صاحب "التبصرة" و"اللّمع" و"شرحها" في أصول الفقه، وعن أحمد بن علي بن بَرهان. فأما ابن بَرهان، فأخذه هو وابن يحيى عن حجة الإسلام أبي حامد الغزالي. زاد ابنُ بَرهان: وعن الكِيَا الهَرّاسي، وهما مِمَّن أخذه عن إمام الحرمين، وهو عن أبي القاسم الإسكاف، وهو عن الأستاذ أبي إسحاق المروزي، وهو عن الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وهو عن أبي القاسم الدَّاركي وابن المرزبان. فأما ابن المرزبان، فأخذه عن أبي الحُسين (¬2) بن القطان. (ح). وأما والد الفخر الرازي -واسمه عُمر- فأخذه عن البغوي، وهو عن القاضي الحسين، وهو عن أبي بكر عبد اللَّه بن أحمد القفال المروزي، وهو عن أبي زيد المروزي. (ح). وأما الشيخ أبو إسحاق، فأخذه عن القاضي أبي الطيب الطبري وأبي حاتم القزويني. فأمَّا أبو الطيب، فأخذه عن أبي الحسن الماسرجسي، وهو وأبو زيد المروزي والدَّاركي عن أبي إسحاق المروزي، وأما أبو حاتم، فأخذه عن شيخ الأصوليين القاضي أبي بكر الأشعري، عرف بالباقلَّاني، ¬

_ (¬1) تحرف في (أ، ط) إلى "سعيد"، وهو أبو سعيد عبد اللَّه بن محمد بن هبة اللَّه التميمي الموصلي. توفي سنة 585 هـ. مترجم في "السير" 21/ 125. (¬2) كذا في (أ): "الحسين"، وهو موافق لما في البداية والنهاية لابن كثير 11/ 269/11، و"السير" للذهبي 16/ 159، وفي (ب، ط): "الحسن"، وهو موافق لما في طبقات النافعية للإسنوي 2/ 198. وابن القطان هذا هو أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، المتوفى سنة 359 هـ.

[دراسة النحو:]

وهو عن قامع المعتزلة وغيرها وشيخ أهل السنة أبي الحسن الأشعري، وهو عن أبي بكر بن علي الشَّاشي، عرف بالقفَّال الكبير، أول من صنف الجدل الحَسَن من الفقهاء ودوَّنه، وشرح "الرسالة"، وهو وأبو إسحاق المروزي وابن القطان عن أبي العباس بن سُرَيج. وكان ابن القطان خاتمة أصحابه، وهو عن الأنماطي، وهو عن المُزني والربيع المرادي، وهما عن الشافعي مصنف "الرسالة" وهي أول شيء وُضِع في أصول الفقه. ولم يقع لصاحب الترجمة ما فيها من كلام الإمام مسموعًا، مع كون بعض شيوخ عصره -وهو السِّراج الكُومي- كان يرويه سماعًا في ضمن الكتاب بسندٍ شاميٍّ، إلا أنه لم يتهيأ له سماعه منه، وقد أخذناه من غيرِ واحدٍ من أصحاب الكُومي بالسماع، فلله الحمد (¬1). [دراسة النحو:] وحيث ذكرنا ما تقدَّم، فلا بأس بذكر سنده بالنَّحو، فنقول: قال شيخنا صاحب الترجمة: أخبرني بعلم النحو أبو الفرج الغزِّي إذنًا، عن أبي النُّون يونس بن إبراهيم الدبّوسي (¬2)، أنبأنا العلامة النحوي أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن أبي الفضل المرسي، أخبرني العلامة النَّحوي اللُّغوي أبو اليُمْن زيد بن الحسن الكندي، أخبرني الإمام النحوي أبو محمد عبد اللَّه بن علي بن أحمد بن عبد اللَّه سبط الزاهد أبي منصور الخيَّاط، أخبرني الإمام النَّحوي أبو الكرم المبارك بن فاخر الدَّباس، أخبرني النحوي الأستاذ أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن عمر بن برهان العسكري الحنفي، أخبرني النحوي أبو القاسم علي بن (¬3) عبد اللَّه الدقيقي، أخبرني ¬

_ (¬1) من قوله: "ولم يقع لصاحب الترجمة" إلى هنا، ورد في (ط) بعد قوله: "عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه"، الآتي قريبًا. (¬2) في (ط): "أبي الثور يوسف بن إبراهيم الدوسي"، وهو تحريف شنيع. والدبوسي هو فتح الدين يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني. توفي سنة 729 هـ. الدرر الكامنة 4/ 484 - 485. (¬3) "ابن" ساقطة من (أ).

أبو الحسن علي بن عيسى بن علي الرُّماني (¬1)، أخبرني النحوي القاضي أبو سعيد الحسن بن عبد اللَّه بن المرزُبان السِّيرافي، أخبرني أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل البغدادي، الملقب مَبْرَمان، أخبرني أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، وهو أخذ عن أبي عثمان بكر بن محمد المازني الشيباني، وأبي عمر صالح بن إسحاق الجرمي (¬2)، وأخذ عن أبي الحسن سعيد بن مَسْعَدَة الأخفش الأوسط، وأخذ عن إمام النحاة أبي بشر عمرو بن عثمان سيبويه، وأخذ عن أبي عمرو بن العلاء البصري، وأخذ عن نصر بن عاصم الليثي البصري [الذي قيل: إنَّه أول من وضع العربية] (¬3)، وهو عن أبي الأسود الدؤلي، وهو عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه (¬4). ولنرجع لما كنا فيه. وأكثر -رضي اللَّه عنه- من التردُّد إلى العراقي المذكور، فقرأ عليه غير ما تقدم - مِنَ الكتب الكبار والأجزاء القصار الكثيرَ، وحمل عنه مِنْ "أماليه" جُملة مستكثرة، واستملى عليه بعضها، وأذِنَ له في تدريس "الألفية" و"شرحها"، و"النكت على ابن الصلاح" وسائر كتب الحديث وعلومه، وإفادتها، ولَقَّبه بالحافظ، وعظَّمه جدًّا، ونوَّه بذكره. وقال: إنه لرغبته في الخير غنِيٌّ عن الوصية، زاده اللَّه علمًا، وفهمًا، ووقارًا، وحلمًا، وسلَّمه حضرًا وسفرًا، وجمع له الخيرات زُمرًا. قلت: وقد استجيب دعاءُ هذا العالم الربانيِّ والقطبِ النورانيِّ، وكان يُحيل في كثيرٍ مما يسأل عنه عليه، وربما كتب إليه بخطه يسأله عمَّا يحتاجُ إلى الوقوف عليه، كما سيأتي ذلك مبيَّنًا في محله. ولازم العلامة إمام الأئمة عز الدين محمد بن أبي بكر بن ¬

_ (¬1) تحرف في (أ، ح) إلى "الزنجاني". (¬2) في (ط): "ابن عمر صالح بن إسحاق الحربي"، تحريف. وانظر ترجمته "إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين" ص 145. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (ط). (¬4) من قوله: "وحيث ذكرنا" إلى هنا ورد في هامش (ب) بخط المصنف.

عبد العزيز بن محمد بن جماعة في غالب العلوم التي كان يُقرئها من سنة تسعين، إلى أن مات في سنة تسع عشرة في "شرح منهاج البيضاوي"، وفي "جمع الجوامع" و"شرحه" للشيخ، وفي "المختصر الأصلي" لابن الحاجب. والنصف الأول من "شرحه" للقاضي عضد الدين، وفي "المطول" للشيخ سعد الدين، وغير ذلك، وعلق عنه بخطِّه أكثر "شرح جمع الجوامع"، وأفاد فيه كثيرًا، ولم يحدِّث ابن جماعة بشيء من الحديث قبل شيء قرأه عليه صاحبُ الترجمة، وهو الجزء الخامس من "مسند السّراج" في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين، فإنني قرأت بخط صاحب الترجمة: لم يحدِّث شيخنا بشيء قط قبل هذا الأوان. انتهى. وكان ابن جماعة يودُّ صاحبَ الترجمة كثيرًا، ويشهدُ له في غيبته بالتَّقدم ويتأدَّب معه إلى الغاية، ويكتبُ في الاستدعاءات ونحوها تحت خطه، كما رأيت ذلك في استدعاء بخط الشرف المناوي في سنة ثمان عشرة، التمس الإجازة فيه من صاحب الترجمة وغيره من الشيوخ، فكان صاحب الترجمة أوَّل مَنْ كتب. فكتب العزُّ بن جماعة تِلْوَ خطِّه، مع مبالغة شيخنا في تعظيمه، حتى إنَّه كان لا يسمِّيه في غيبته إلا إمام الأئمة. وحضر دروس العلامة همام الدين بن أحمد الخوارزمي، الذي اتَّفق له معه ما يأتي في كائنة الهروي، وسمع من فوائده. ومن قبله حضر دروس العلَّامة العجمي قنبُر بالجامع الأزهر. وكذا حضر دُروس غير واحد، كالدر ابن الطنبذي (¬1) وابن الصاحب (¬2)، والشهاب أحمد بن عبد اللَّه بن حسن البوصيري، وأخذ عن الشيخ جمال الدين عبد اللَّه بن خليل بن يوسف المارديني الحاسب المؤقِّت مِنْ فوائده. لكن ما اقتصرتُ عليه مِنَ الشُّيوخ أعلى وأولى. ¬

_ (¬1) "الطنبذي" ساقطة من (أ). (¬2) في (أ): "ابن الصلاح"، خطأ. وهو بدر الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن الصاحب. توفي سنة 788 هـ. "الدرر الكامنة" 1/ 248 - 250، و"المجمع المؤسس" 3/ 67.

ونظر في لغة العرب، ففاق في استحضارها، حتى لقد رأيت النَّواجي يأتي إليه في كلِّ شهر بما يقف عليه مِنْ ذلك وشِبْهِه، فيراجعه فيه، فيزيحُ عنه إشكاله، ويرشده إلى فهمه بديهةً، بحيث يكثر الآن تأسُّفي على عدم ضبط ما كنت أحضرُه من ذلك. وقرأ على شيخه العلامة شيخ الإقراء برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التنوخي الفاتحة، ومن أول البقرة إلى قوله {الْمُفْلِحُونَ} [آية: 5]، بالروايات السَّبع، جامعًا لذلك بين طرق (¬1) الشاطبي و"العنوان" (¬2) و"التيسير"، وأذِنَ له الشيخ في الإقراء بذلك، وأشهد على نفسه -على العادة في ذلك- في سنة ست وتسعين وسبعمائة، وأخبره بقراءة هذا القدر المعيَّن على العلامة برهان الدين إبراهيم الجعبري (¬3) نزيل بلد الخليل. وبقراءة القرآن جميعه للسبعة أيضًا على العلامة شمس الدين السَّراج والبرهان الحُكري وأبي العباس المرادي وأبي عبد اللَّه الوادي آشي، وللعشرة على سيبويه الزمان أبي حيان، بأسانيدهم التي لا نُطيل بإيرادها. وكان شيخنا جوّده قبل ذلك كما تقدم. وقرأ على العلَّامة أحدِ الأفراد في معناه البدر محمد بن إبراهيم البَشْتكي مجلسًا واحدًا من "مقدمة لطيفة في علم العروض"، وكان السبب في ذلك ما سمعتُه مِنْ شيخنا غيرَ مرة، قال: كنت في أوَّل الأمر أنظم الشعر مِنْ غير تقدم اشتغال في العَروض، فسألني شخص أن يقرأ عليَّ مقدمة في العروض سريعة المأخذِ، وأجبته لذلك، وواعدته ليوم عيَّنتُه له، ثمَّ توجهتُ في الحال مِنْ مصرَ إلى القاهرة، فاجتمعت بصاحبنا البدر البشتكي، وسألته عن مقدمة في ذلك سهلة التَّناول، فأشار إليها، فأخذتها منه، وقرأت عليه منها مجلسًا، ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "طريق". (¬2) في (ط): "الفنون". (¬3) في (ب، ط): "برهان الدين بن إبراهيم"، خطأ. وهو برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري المقريء. توفي سنة 732 هـ. الدرر الكامنة 1/ 50.

استفدت مه معرفة الفنِّ بكماله، ورجعتُ فأقرأتها السائل، ولم أحتج لقراءة باقيها. هذا معنى ما حكاه. فقد كتبته من حفظي. وكثر انتفاعه به وبكتبه في الأدبيات، ولازمه قديمًا بضع سنين، [بل كان البدرُ يذكر أنه هو المشيرُ عليه في الاشتغال بالحديث] (¬1)، ثم احتاج البشتكيُّ بعد ذلك للقراءة على صاحب الترجمة في الحديث كما سيأتي. وجَدَّ رضي اللَّه عنه بِهمَّة وافرةٍ وفكرةٍ (¬2) سليمة باهرة، في طلب العلوم، منقولها ومعقولها، حتى بلغ الغاية القُصوى، وصار كلامُه مقبولًا عند أرباب سائرِ الطَّوائف، لا يعْدُون مقالته لشدَّة ذكائه وقوَّة باعه، حتى كان حقيقًا بقول القائل: وكان مِنَ العلوم بحيث يُقضى ... له في كلِّ علمٍ بالجميع واجتمع له من الشيوخ الذين يُشار إليهم، ويُعوَّلُ في حلِّ المشكلات عليهم ما لم يجتمع لأحدٍ مِنْ أهل عصره، لأنَّ كل واحدٍ منهم كان متبحِّرًا ورأسًا في فنه الذي اشتهر به، لا يلحق فيه، فالبلقيني في سَعَةِ الحفظ وكثرة الاطلاع، وابن الملقِّن في كثرة التصانيف، والعراقي في معرفة علم الحديث ومتعلقاته، والهيثمي في حفظ المتون واستحضارها، والمجد الشيرازي في حفظ اللُّغة واطِّلاعه عليها، والغُمَاري في معرفة العربية ومتعلقاتها، وكذا المحب ابن هشام، كان حسنَ التَّصرُّف فيها لوفور ذكائه، وكان الغماري فائقًا في حفظها، والأبناسي في حُسن تعليمه وجَوْدَةِ تفهيمه، والعز ابن جماعة في تفنُّنه في علوم كثيرةٍ، بحيث إنه كان يقول: أنا أُقرِىءُ في خمسة عشر علمًا لا يعرف علماءُ عصري أسماءها، والتَّنوخيُّ في معرفته القراءات وعلوِّ سنده فيها. وهم -مع ذلك- في غاية التَّبجيل لصاحب الترجمة، والتكريم والتحرُّز عن مخاطبته بغير تعظيم، بل ربما راجعوه للتفهيم. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) "وفكرة" لم ترد في (أ).

وقرأتُ بخط صاحب الترجمة في ترجمة المجد الشيرازي من "ذيله على الحفاظ" ما نصه: وهو آخرُ الرُّؤوس الذين أدركناهم موتًا، فإني أدركت على رأس القرن رؤساء في كلِّ فنٍّ، كالبلقيني، والعراقي، والغماري، وابن عرفة، وابن الملقن، والمجد هذا. قلت: وابنُ عرفة إنَّما أجاز له. واللَّه أسأل أن يعُمَّ الجميعَ بالرحمة، وأن يُلهِمَنا حفظَ الحديث النبوي وفهمه، ويوفقنا لشكر هذه النعمة، إنه قريب مجيب.

[رحلاته]

[رحلاته] وأما رحلته، فأقول بعد سياق قوله: وإذا الدِّيار تَنكَّرت سافرتُ في ... طلب المعارف هاجرًا لدياري وإذا أقمتُ فمؤنسي كُتبي، فلا ... أنفكُّ في الحالين مِنْ أسفَارِي رحلته إلى قوص: أولُ ما رحل -فيما علمته- في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، إلى قوص وغيرها، من بلاد الصعيد. لكنه لم يستفدْ بها شيئًا مِنَ المسموعات الحديثية، بل لقي جماعة مِنَ العلماء، منهم قاضي "هُو" نور الدين علي بن كريم الدين محمد بن محمد بن النعمان الأنصاري، المتوفى سنة إحدى وثمانمائة لقيه بـ "هُو"، وهي بالقرب مِنْ قُوص الصَّعيد الأعلى، فذكر له أنَّه لقي بعض أصحاب أبي العباس الملثَّم، الذي قيل فيه: إنه عُمِّرَ، وروى عن معمر (¬1) الذي قل فيه: إنَّه صحابي، وهذا شيءٌ لا يُعتمد عليه، كما صرَّح به شيخنا في ترجمة معمر من "لسان الميزان". وكتب عنه ما حكى عن قاضي قُوص، أنه كان في منزله، فخرج عليه ثُعبان مَهُولُ المنظر، ففزعَ منه، فضربه فقتله، فاحتمل في الحال مِنْ مكانه، ففُقِدَ مِنْ أهله، فأقام مَعَ الجِنِّ إلى أن حملوه إلى قاضيهم، فادَّعى عليه وليُّ المقتول، فأنكر، فقال له القاضي: على أيِّ صورةٍ كان المقتول؟ فقيل: في صورة ثُعبان، فالتفت ¬

_ (¬1) في (ط): "عمر"، وهو تحريف.

القاضي إلى مَنْ بجانبه، فقال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول "من تزيَّا لكم فاقتلوه". وأمر القاضي بإطلاقه، فرجعوا به إلى منزله (¬1). قلت: وهذه الحكاية عندنا مِنْ طرق، ينتهي كلُّ طريق منها إلى مَنِ اتَّفق له مثلُها أو شبهها. واللَّه أعلم بصحة ذلك. ومنهم عبد الغفار بن أحمد بن عبد الغفار بن نوح، حفيد مصنف "الوحيد في سلوك طريق أهل التوحيد"، وسمع منه عن أبيه عن جده، شيئًا مِنْ خبر أبي العبَّاس الملثم المشار إليه قريبًا. ومنهم ابن السَّراج قاضي قُوص، لقيه بها مع جماعة مِنْ أهل الأدب، سمع مِنْ نظمهم. وبلغني أنه أنشد هناك قوله: نزلتُ في هُوّ بالصَّعيد على (¬2) ... قومٍ على النَّاس بالعُلى تاهُو في (¬3) بلدة من صلاحهم عَمَرت ... أقول عند أذكارهم: يَاهُو وقوله: وبلدة (¬4) الحُسن في الصعيدِ ... وأهلها أكرمُ العبيدِ تَوضَّ منها بجنبِ نهرٍ ... وصَل بالجامع الجديدِ وقوله يمدح ابن النعمان الماضي: الحسن يا للَّه أطيب بلدة ... طابت وطاب مزاجها وخفيقُها وغدا فتى النُّعمان فيها مفردًا ... فكأنما هو للعلوم شقيقُها وسمعت أن شخصًا من أهلها يلقب البُجَّ (¬5) استدعاه لمنزله في ضيافة، ¬

_ (¬1) انظر "إنباء الغمر" 4/ 71 - 72، والضوء اللامع 6/ 20 - 21. (¬2) في (ب): "نزلت من الصعيد على". (¬3) ساقطة من (ب). (¬4) في (ب): "بلدة". (¬5) في (ط): "الشيخ".

وتركه بالمنزل، وخرج لبعض مهماته فأبطأ، فكتب له صاحبُ الترجمة بالحائط: وبلدةٍ لم أجد خِلًّا يُؤانسني ... فيها سوى البُجِّ والأشجان في وقَدِ فقلت: يا قلبُ طِرْ منها تَجِد فَرَجًا ... وأنت يا بُجُّ في حِلٍّ مِنَ البلدِ وترك المنزل وانصرف: قلت: وللبدر الدماميني: يا طالعًا للصعيد يَقصِدُهُ ... لتجتلي العينُ حسنَ مرآهُ دَعْ عنك باللَّه قُوصَهم "وقِنَا" ... فما يَسُرُّ القلوب إلا "هُو" وقوله: يا رب إنا قد أتينا نشتكي ... ما في الصعيد لنا من الأضرارِ فارحم وداركني (¬1) فقوصُ لحرّها ... تحكي لظًى و"قنا" عذاب النارِ انتهى. ومات ابنٌ لقاضي "هُو" يُكنى أبا العباس، فكتب صاحب الترجمة على قبره: رحم اللَّه أعظُمًا دفنوها ... لك (¬2) تحت الثرى أبا العباسِ وسقى المُزنُ ذلك اللَّحد (¬3) غيثًا ... غَدَقًا هامِلًا بغير قياسِ قال وهو بالقطيعة من بلاد الصعيد: ¬

_ (¬1) في (أ): "وأدركني". (¬2) "لك" ساقطة من (ب). (¬3) في (ب، ط): "وسقى لحدك المزن"، وهي كذلك في (ح)، وكتب في هامشها: لعله. وسقى المزن ذلك اللحد غيثًا.

[رحلته إلى الإسكندرية:]

لقينا بالقطيعة شرَّ قومٍ ... وأحوالًا بها أمست فظيعة وقطعًا قد تواصل مذ عَشِقْنَا ... فقُلْ ما شئتَ في ذمِّ القطيعة [رحلته إلى الإسكندرية:] ثم رحل في أواخر سنة سبع وتسعين وسبعمائة إلى الإسكندرية، فكان دخوله، إليها يوم الثلاثاء لثلاث بقين مِنْ ذي القعدة منها. وكان قد اجتمع بالعلَّامة شمس الدين ابن الجزري في السنة المذكورة، وحضَّه -لما رأى من نجابته- على الرحلة، لا سيما لدمشق. فأخذ بإسكندرية عن مسندها التاج أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عبد الرزاق بن عبد العزيز بن موسى الشافعي، آخر مَنْ كان يروي بها حديث السِّلفي بالسماع المتصل، وهو ممّن سمع عليه حافظُ الوقت الزين العراقي، وغيره من شيوخ صاحب الترجمة. وسمع بها أيضًا مِنَ التاج أحمد بن محمد بن عبد اللَّه ابن الخَرَّاط، وأحمد بن محمد بن عبد الغني بن شافع الأزلي، ومحمد بن أحمد بن سليمان الفيشي، وناصر الدين محمد بن أحمد بن محمد بن الموفّق، ومحمد بن أبي بكر بن محمد بن قِرْطاس، ومحمد بن عبد الرحيم بن عبد الغني الجَزَري، ومحمد بن علي بن أحمد بن البُوري، ومحمد بن محمد بن عد الوهاب بن يفتح اللَّه، ومحمد بن محمد بن محمد بن الحسن (¬1) التونسي، في آخرين، منهم: أبو الطيب محمد بن أحمد [بن محمد] (¬2)، المعروف بابن المصري، وكتب له بخطه أنه صافح الشيخ شهاب الدين الفَرْنوي (¬3)، المصافح لشخص من أصحاب الملثم المشار إليه قريبًا. ¬

_ (¬1) في (أ): "محمد بن محمد بن الحسيني". خطأ. وانظر ترجمته في "المجمع المؤسس" 2/ 455 - 456. (¬2) ساقطة من (ط). (¬3) بفتح الفاء وسكون الراء كما ضبطه المصنف في الضوء اللامع 11/ 218.

[رحلته إلى الحجاز:]

قال شيخنا: وقد أدركت أنا الفرنوي، لكن لم أدخل الثَّغرَ المذكور إلا بعد وفاته بقليل. وأقام بإسكندرية حتى تمت السنة المذكورة، ودخل في التي تليها عدَّة أشهر، وكان معه قريبه الزين شعبانُ الماضي ذكره، فاشترك معه في الأخذ عَنْ هؤلاء وغيرهم. وممن رافقه في بعض مسموعاته بها: العلامة الشمس بن عمار المالكي، وأثبت له شيخنا مسموعه معه بخطه. وقد رأيت جزءًا سماه "الدرر المضيَّة مِنْ فوائد إسكندرية"، ذكر فيه مسموعه هناك، وما وقع له مِنَ النَّظم والمراسلات، وغير ذلك، ما أحْسَنَ لو كتبتُه ولم أنتقه! ومن جملة ما فيه مِنْ نظمه: رحلتُ إلى الإسكندرية مرةً ... وفارقت مَنْ أهوى فلازمت تبريحي فلا الرمل فيه كان نجمي طالعًا ... ولا التذَّ منِّي الجسم في شارع الرُّوحِ وكذا رأيت أوراقًا مِنْ جزء للسَّفرة التي بعدها: "يا لهفي على رؤية باقيه" والظاهر أنَّ كل سفراته سلك فيها هذه الطريقة. [رحلته إلى الحجاز:] ورجع من إسكندرية، فأقام بمصر إلى يوم الخميس ثاني عشري شوال سنة تسع وتسعين، فظهر منها قاصدًا أرض الحجاز من البحر، فوصل الطُّورَ يوم الأحد ثاني ذي القعدة، فلقي بها مِنْ الفُضلاء راجعًا مِنَ الديار المصرية قاصدًا البلاد اليمنية العلامة نجم الدين أبا علي محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف المصري، ثم المكي، عُرف بالمرجاني، نسبة إلى جدِّ أُمِّه الزاهد الكبير المشهور، فقرأ عليه بساحل الطُّور في خامس

[رحلته إلى اليمن:]

ذي القعدة حديثًا (¬1). ورافقه في هذه الرحلة قاصدًا المجاورة بمكة المشرّفة الحافظ صلاح الدين أبو الصفاء خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم الأقفهسي الشافعي فاستأنس به، وكذا رافقهما الرضيُّ أبو بكر بن أبي المعالي الزبيدي (¬2) القحطاني وغيره، فتزايد الاستئناس، وانتشرت الفوائد الأدبية وغيرُها بينهم. [رحلته إلى اليمن:] وكان مبدأُ السفر في البحر صبيحة يوم السبت ثالث عشر (¬3) ذي القعدة، فدخلوا ينبُع يوم الجمعة ثالث عشرة ذي الحجة. وممَّن لقيه بها - لكن ما أتحقق أنه في هذه الخطرة- جار اللَّه بن صالح بن أحمد الشيباني المكِّي، فقرأ عليه بها عدَّة أحاديث من "الترمذي"، وسافروا، فطلع خليل مِنْ جدَّة إلى مكة، وتوجه صاحبُ الترجمة ومَنْ معه إلى بلاد اليمن، فوصلوها في ربيع الأول (¬4) من سنة ثمانمائة، فلقي بتعز، وزبيد، وعدن، والمُهجم، ووادي الحصيب، وغيرها غير واحدٍ. وممَّن لقيه بتعز: أبو بكر بن محمد بن صالح بن الخياط، وبزبيد: الشهاب أحمد بن أبي بكر بن علي النّاشري، والعلامة الشرف إسماعيل بن محمد بن أبي بكر بن المقرىء صاحب "عنوان الشرف" و"مختصر الحاوي"، وغير ذلك، وأحسنَ السفارة له عند سلطان بلده. وقال صاحب الترجمة: إنه ما رأى باليمن أذكى منه، [بل نقل بعض الفضلاء عن خط النفيس العلوي، قال: سمعتُ الإمام الحافظ أبا العباس أحمد بن علي ¬

_ (¬1) في هامش (ح) حاشية بخط المصنف نصها: حش [يعني حاشية]: وهو حديث ابن مسعود: "إن خلق أحدكم" رواه من معجم ابن جميع له عن أبي محمد بن جماعة سماعًا، فإن لم يكن فإجازة،. . . قلت: وبعده كلام مطموس وقد تآكل بعضه. وانظر للاستيضاح، المجمع المؤسس 3/ 298. (¬2) في (ب): "الرشيدي"، تحريف. (¬3) في (ب، ط): "عشري". (¬4) في (ب): "في ربيع الثاني أو قبل ذلك".

[اجتماعه بالفيروزآبادي:]

ابن حجر قدم علينا في سنة ثمانمائة، وفي سنة ست وثمانمائة - يقول: ما أعلَمُ أعلَمَ منه، ولا أفصح في الشعر، وهو (يُربِي على أبي الطَّيِّب) (¬1). قال العلوي: وكذا سمعت شعبان الآثاري يقول ذلك. انتهى] (¬2). ولقي بزبيد أيضًا: الوجيه عبد الرحمن بن محمد العلوي، وعبد اللطيف بن أبي بكر الشَّرْجي، والموفق علي بن الحسن بن أبي بكر الخزرجي المؤرخ، والموفق علي بن محمد بن إسماعيل النَّاشري. وبعدن: الرضي أبا بكر بن يوسف بن أبي الفتح بن المستأذن. وأبا المعالي عبد الرحمن بن حيدر بن علي الشِّيرازي. وبالمُهجم: أحمد بن إبراهيم بن أحمد القُوصي، وعلي بن أحمد الصَّنعاني، والقاضي عفيف الدين عبد اللَّه بن محمد النَّاشري. وبوادي الحُصَيب: الجمال محمد بن أبي بكر بن علي المصري أخا (¬3) المرجاني الماضي. [اجتماعه بالفيروزآبادي:] واجتمع في زبيد ووادي الحُصيب بالعلامة شيخ اللغويين بلا مدافع، القاضي مجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، فقرأ عليه أشياء، مِنْ جملتها جزءًا التقطه صاحب الترجمة من "المشيخة الفخرية"، فيه أزيد من ثمانين حديثًا مِنَ العوالي، فيها ستة أحاديث موافقات وباقيها أبدال، في ربيع الأول سنة ثمانمائة بزبيد. وتناول منه النصف الثاني من تصنيفه الشهير في اللغة المسمى "بالقاموس المحيط". لتعذُّر (وجود) (¬4) باقيه حينئذٍ، وأذن له مع المناولة في روايته عنه. ¬

_ (¬1) في (أ، ب): "وهو يرثي علي أبي طالب"، وهو تحريف. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وورد في هامش (ح) بخط المصنف. (¬3) في (ب، ط): "أخو". (¬4) ساقطة من (ب).

وفي زبيد وتعز بالإمام محدث اليمن النفيس أبي داود سليمان بن إبراهيم بن عمر العلوي التَّعزي الحنفي، وأخذ عنه غالب مَنْ ذكرنا وغيرهم، واغتبطوا به، واستمدُّوا من فوائده على جاري عوائده. وخرَّج وهو هناك مِنْ مرويات نفسه "الأربعين المهذبة بالأحاديث الملقبة"، إجابة لملتمس ذلك منه، وهو النفيس المذكور، خرَّجها في يوم واحد، وكتب وهو هناك بخطه "التقييد" لابن نقطة في خمسة أيام، و"فضل الربيع في فضل البديع" (¬1) في يومين، كما سيأتي، وأخذوا عنه "مشيخة الفخر ابن البخاري"، و"المائة العشاريات" لشيخه التنوخي، وغير ذلك، سمع ذلك عليه غيرُ واحدٍ. وكذا حدَّث وهو هناك بكتاب ابن الجزري في الأدعية المسمى "بالحصن الحصين"، وكتب بخطه أوَّل نسخة منه ما نصه: "قال صاحبنا الشيخ الإمام المحدث شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد الجزري الدمشقي حفظه اللَّه"، فحصل للكتاب (¬2) في البلاد اليمنية بسبب ذلك رواجٌ عظيم، وتنافسوا في تحصيله وروايته، وذلك قبل دُخول مصنَّفه إليهم، ثم دخل وقد مات كثيرٌ ممّن سمعه على صاحب الترجمة، فسمعه الباقون وغيرهم عليه. وامتدح صاحب اليمن الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد عليّ. وكان لما سمع بقدوم صاحب الترجمة إلى البلاد اليمنية، خطبه للاجتماع به في زبيد، ففعل ذلك، فأثابه أحسن الإثابة، وعامله بما هو جديرٌ به مِنَ الإجلال والاحتفال، جزاه اللَّه خيرًا. ولقي أيضًا علي بن يحيى الطَّائي الصعدي، عُرف بابن جميع، المفوض إليه أمر عدن، فسُرَّ به كثيرًا، وبالغ في الإحسان إليه، لكونه كان صديقًا لخال صاحب الترجمة قديمًا. واتَّفق أنه بينما هو مع جماعة مِنْ فُضلاء اليمن في مجلس المذاكرة ¬

_ (¬1) في (ب، ط): و"فضل البديع". (¬2) "للكتاب" ساقطة من (ب).

والمؤانسة، قال بعضُهم: إنَّ في كلام المصريين "اقعدنانَّه قم نانه"، ولا معنى لها، فقال صاحب الترجمة: هذا شيءٌ لا يستعمله الخاصَّة، وأما أنتم لعمومكم يعقِدُ القاف، فقيل: وأنتم تُبدلون الكاف بالهمزة، فقال: وأيضًا هذا لا يستعمله إلا القليل. وأما أنتم فعمومكم يقول عندما يعجب منه "ياه ياه" (يعني بالتفخيم) (¬1) ولا معنى لها، فقالوا: بل هي لغة، فأنكر عليهم، فسأل عن ذلك المجد (¬2) المقدَّمُ ذكره عنها، فقال أيضًا: إنها لغة. قال شيخنا: فوجمت، ثم قلت: فلمن هِيَ؟ فقال: لأهل اليمن، فقلت: فهل هي معتبرة؟ فقال: لا، ولكنهم (¬3) لما كثُرت معاشرتهم للأبقار وشرب ألبانها، اكتسبوا النُّطق بها!. ورجع من اليمن -وقد ازدادت معارفه، وانتشرت علومه ولطائفه- صحبة المحمل الذي جهزه الأشرفُ صاحب اليمن إلى مكة، بعد أن كان انقطع من نحو عشرين سنة، مع محمد بن عجلان بن رميثة الحسني، فرافقه شيخُنا، وسَلِمَ مِنَ العطش الذي أصاب أكثر الحج (¬4) تلك السَّنة بمرافقته، لأنه سار - (أعني مع غيره) (¬5) من جهة، وخالفه أمير الركب فسار من الجهة المعتادة. فلم يجدوا ماءً فهلك أكثرهم. ووصل إلى مكة المشرفة فحجَّ في سنة ثمانمائة، وهذه هي حجة الإسلام، وهي الثالثة، بل الخامسة بالنَّظر لمجاورته مع وصيِّه وأبيه، فإنَّه -كما تقدم- كان وهو مُرَاهِقٌ مجاورًا في سنة ست وثمانين مع وصيه، وقبلها وهو طفل مع والده، ثم حج أيضًا في سنة خمس وثمانمائة، [وكانت الوقفة -كما قرأته بخط الشمس بن عمّار- الجمعة، فإنه كان قد حج فيها أيضًا، وسمع يوم عرفة بها قائلًا يقول: لا إله إلا اللَّه، مات البُلقيني. قال: فلمَّا كنتُ بمنى، أخبرني صاحبنا المحدِّث الفاضل أبو الفضل ابن حجر أنَّه قدِم ¬

_ (¬1) ساقطة من (ب، ط). (¬2) في (ب، ط): "فأنكر عليهم ذلك فسأل المجد". (¬3) في (ب، ط): "ولكنه". (¬4) و (¬5) ساقطة من (ب، ط).

[رحلته الثانية إلى اليمن:]

مِنَ القاهرة كتابٌ لشخص من تُجَّارها يقال له ابن سلام، وفيه محدثتان طامتان، موت البلقيني -وهي أعظمها- ومحاصرة النصارى للإسكندرية، انتهى] (¬1) (¬2). [رحلته الثانية إلى اليمن:] وجاور (صاحب الترجمة) (¬3) بعض سنة ستٍّ، وسافر فيها إلى اليمن، وهي المرة الثانية، فلقي بها أيضًا بعض المذكورين وغيرهم، فحملوا عنه، وحمل عنهم. وفي هذه المرة انصلح المركبُ الذي كان فيه، فغرق جميعُ ما معه مِنَ الأمتعة والنَّقدِ والكتب، ثم يسر اللَّه تعالى بطلوع أكثرها بعد أن أقام ببعض الجزائر هناك أيامًا. وصُولح عما جرت العادة بأخذه مما يطلع بعد الغرَق بمالٍ كثير جدًّا، بحيث يتعجب من كثرة أصله، وكُتب محضرٌ بذلك حسبما رأيته، لكن غاب عنِّي ضبطُ ما فيه. وكان مِنْ جُملة الكتب التي غرقت مما هو بخطه: "أطراف المزي"، و"أطراف مسند أحمد"، و"أطراف المختارة"، كلاهما من تصنيفه، وكذا "ترتيب" كل من "مسندي الطيالسي" و"عبد". وكان شيخنا يحكي لنا عن بعض رفقته -ويسميه (¬4) - أنَّه دخل عليه مرَّة، نصار يستعرض كتبه، ويتعجب مِنْ كثرة ما فيها بخطه، قال: والظاهر أنَّ غرقها كان من إصابته فلله الأمر، وهو المحمود على كل حال. وكان من جملة الذهب العين -فيما قيل- سبعة آلاف مثقال أو أكثر ¬

_ (¬1) ورد في (ط) هنا عبارة: "قلت: وتحرر كون أمير الحج غير أمير المحمل". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وأضافه المصنف في هامش (ح) بخطه. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط)، وأضيف في (ح) بخط المصنف. (¬4) في هامش (ح) بخط المصنف: "هو الشيخ نجم الدين المرجاني".

مِنَ الذَّهب المصري وديعة لابن مسلم. ولذلك تجشَّم شيخُنا المشقة، حيث أقام على التماسها في البحر مدة حتى أخرجت. واغتصب منها الظلمةُ بعض ما جرت عادتهم به كما أشير إليه، وتبضَّع بالبقية، ورجع بذلك، فتسلم البضائه مستحقُّها بالقاهرة، وهي ببركة الوديع تزيد على رأس المال. وكانت كتابة المحْضَر (¬1) لأجل المالك، ووقع الإشهاد بذلك عليه، وببراءة الوديع. وقد اتفق له بعد ذلك، وهو راجع من بلد الخانقاه الركنية، أنه سقط مِنْ تحته بعضُ ألواح المركب، فسقط في البحر الحُلو بثيابه، وكان إذ ذاك بطليلسان، فسارع أهْل المركب لطلوعه، ولم يكن يُحسن السباحة. ووصل إلى بلده سالمًا، فصعد إلى المؤيَّد للسلام عليه وهو بطيلسانه. فسأله: ما لك مُتَطيلسًا؟ فحكى له ما قدَّمته، وأشار إلى أن سببه الآن بعض التَّوعك، فقال له: الطيلسان دلاعة أو سماجة، أو كما قال. قال شيخنا: فمِنْ ثَمَّ ما تطيلست إلى الآن، يعني في مرض موته الذي سمعنا فيه هذه الحكاية. وكل هذا ليعظم الأجر له. فالأجر على قدر النَّصَب. ولما رجع من اليمن - بعد أن أهدى في إحدى المرتين لسلطانها إذ ذاك نسخة من "خريدة القصر" للعماد الكاتب بخط الكمال ابن الفوطي في أربعة مجلدات القطع الكبير، فأثابه عليها ثوابًا جزيلًا جدًّا. وكذا أهدى لملكها الأشرف الماضي "تذكرته الأدبية" بخطه في أربعين مجلدًا لطافًا، بمكة الآن منها نحو العشرين. حج أيضًا فيما أظن، وعاد إلى جدة، وقرأ بها في المحرم سنة سبع على أبي المعالي عبد الرحمن بن حيدر الشيرازي الماضي أحاديث عشرة، انتقاها من "أربعين الحاكم". ثم سافر إلى بلده، فأقام بها على عادته الجميلة، ثم حج أيضًا في سنة خمس عشرة وثمانمائة. وكتب إليه الحافظ جمال الدين محمد (¬2) بن موسى المراكشي في أوائل العشر الأخير من ذي القعدة منها، وهما بدرب الحجاز في ينبع لغزًا يأتي في محله. ¬

_ (¬1) في (أ): "المختصر". (¬2) ساقطة من (ب، ط).

[من لقيهم من العلماء بمكة والمدينة:]

ثم الأخيرة، وهي في سنة أربع وعشرين، وتأخر في هذه بالقاهرة بعد خروج الحاجِّ عشرة أيام أو أكثر. ثم توجه على الرواحل هو وصهرُه القاضي محب الدين ابن الأشقر، وقريبه الزين شعبان، فأدركوا الرَّكبَ بالقُرب من الحوراء، فرافقوهم إلى مكة، وكانت الوقفة الجمعة، فحجُّوا ثم عادوا صحبتهم. وكان مقيمًا في هذه المرة بالمدرسة الأفضلية، أنزله بها قاضي مكة المحبُّ بن ظهيرة، وبها سمع على ابن طولوبغا الآتي قريبًا، وقال في مرة من هذه المرات في شهاب الدين بالوجه (¬1) من طريق الحجاز لأمر اقتضاه: شهاب العُلا والدين والرأي لا أرى ... لمجدِكَ في هذا الورى مِنْ مُشارِكِ لحقتَ على "الوجه" الذين تقدَّموا ... بلا تعب في سيرك المَتدَارِكِ وأشرق مثل (¬2) البدرِ وجهُك بيننا ... فقلت: لقد فُزنا بوجهٍ مبارَكِ [من لقيهم من العلماء بمكة والمدينة:] ولقي بمكة وبمنى والمدينة النبوية، في كل مرة، جمعًا مِنَ العلماء والمسندين، فكان ممّن لقيه بمكة جماعة؛ منهم: البرهان أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن صدِّيق، والعلامة الزين أبو بكر بن الحسين المراغي، والمحدِّث المكثر الشمس أبو عبد اللَّه محمد بن علي بن محمد بن ضرغام بن سُكَّر، وأبو الطيب محمد بن عمر بن علي السُّحُولي، وإمام المقام أبو اليُمن محمد بن أحمد بن إبراهيم الطبري، والحافظ أبو حامد بن ظهيرة الماضي، وست الكل ابنة الزين أحمد بن محمد القسطلاني، وأبو الخير خليل بن هارون الجزائري، وظهيرة بن حسين بن علي المخزومي، وأبو الحسن علي بن أحمد بن سلامة. ¬

_ (¬1) تحرفت في (أ) إلى: "بالتوجه". والوجه بلدة على ساحل البحر الأحمر من الجزيرة العربية، وكانت من منازل السفر على طريق الحاج. انظر "صبح الأعشى" 14/ 386. (¬2) في (ب، ط): "منك".

وممن لقيه بمنى: المراغي المذكور، فقرأ عليه بها أيضًا ثاني "الطهارة" للنسائي، وكذا أخذ عنه أيضًا، وعن العَلَم أبي (¬1) الربيع سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي، والزين عبد الرحمن بن علي بن يوسف الزرْنَدي أخذ عنه "مسلسل التّمر" بالمدينة (¬2)، قال صاحب الترجمة: ولم أضبط ذلك عنه. ومحمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز (بن سَنَد) (¬3) الحراني الحنبلي، وآخرين بالمدينة الشريفة. واجتمع به في سنة خمس عشرة هناك جماعةٌ مِنْ فضلاء مكة وأعيانها، فقرؤوا عليه، وحملوا عنه بعض تصانيفه وغيرها، وأذن لهم بالرواية عنه، وكذا أخذوا عنه في المرة التي بعدها "المسلسل بالأولية"، وبعضًا من ترجمة البخاري التي ذكرها في مقدمة "شرحه"، وقصيدته التي أولها: ما دمت في سفن الهوى تجري بي وذلك بمجلس عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما بالسبيل المنسوب الآن لجقمق، الملاصق لبئر زمزم مِنَ المسجد الحرام، وهو تُجاه الحجر الأسود. وحضر جمعٌ كثيرٌ مِنْ قضاة مكة وأعيانها وطلبتها، وأرشدهم حيئنذٍ إلى المسنِد الرُّحَلَة زين الذين عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا السيفي التّنكَزي، وكان قد حج أيضًا، فأخذوا عنه أشياء مِنْ مروياته. وكذا سُمِعَ هو عليه، وحدث في هذه المرة أيضًا في أيام التَّشريق بمنى "بجزء" من تصانيفه في الحج، و"بالأربعين المتباينة"، و"تخريج الأربعين النووية"، والكلام على "حديث القضاة"، كلها من تخريجه. وقرأ بخُليص مِنْ أرض الحجاز على الشمس محمد بن أحمد بن محمد القزويني، ثم المصري الصوفي، أحاديث عن مظفر الدين العسقلاني من "الترمذي" وغيره. ¬

_ (¬1) في (أ): "بن"، تحريف، وأبو الربيع كنية سليمان. (¬2) "بالمدنية" لم ترد في (ب، ط، ح). (¬3) ساقطة من (أ).

ولمَّا رجع مِنْ حجة الإسلام إلى بلده في سنة إحدى وثمانمائة، جدَّ في استكمال ما بَقِيَ عليه مِنْ مسموع القاهرة ومصر. وفي شيوخه ومسموعه بهما كثرة. وممَّن أخذ عنه بمصر: النجم محمد بن علي بن محمد بن عقيل البالسي الماضي، والفخر أبو اليمن محمد بن محمد بن محمد بن أسعد القاياتي، والنجم عبد الرحيم بن رزين السابق، والمحب محمد بن يحيى بن عبد اللَّه بن الوحْدِيّة. وعثمان بن محمد بن وجيه الشِّيشيني (¬1) وأحمد بن الحسن البَيْدقِي أمين الحكم بمصر، وأبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن خواجا الحموي الأصل. وبالقاهرة: أبو إسحاق التنوخي، وأبو الفرج بن الشيخة، وعبد الواحد الصُّرَدي الماضي ذكرهم، وإبراهيم بن داود الآمدي وأبو المعالي الحلاوي، وأبو العباس السويداوي، وأبو العباس الجوهري، والجمال عبد اللَّه بن محمد الرَّشيدي والصَّدر محمد بن إبراهيم المناوي، والمجد إسماعيل بن إبراهيم الحنفي، وخلق. وسأسرد أسماء شيوخه بالسماع والإجازة بعد، إن شاء اللَّه تعالى. وسمع بالجيزة (¬2) على الصلاح أبي علي الزفتاوي الماضي. ومنها توجه إلى الأهرام التي حارت الأفكارُ في شأنها، وتكلَّم الناسُ فيها نظمًا ونثرًا، كما كتبت بعض ذلك في "المجموع السابع والتسعين". فصعد أعلاه، ودخل المكان الذي بأسفله، وفي الوصول إليه خطرٌ، لكونه لا يُتمكَّن في أول دخوله إلا بالمرور على بطنه كالحيات والهوام والحيتان، ولا يأمن حينئذٍ مِنْ حيةٍ وغيرها في مروره. وقد اقتديتُ به في ذلك وقرأت بأعلاه شيئًا مِنَ القرآن والحديث وكتبت عن البقاعي قصيدةً يقول فيها: ¬

_ (¬1) كذا في الأصول الثلاثة و"إنباء الغمر" 3/ 351، حيث قال المصنف في ضبطه: بمعجمتين بعد كلٍّ منهما تحتانية ساكنة، ثم نون قبل ياء النسب. وضبطه في "المجمع المؤسس" 2/ 249، بغير ذلك، فقال: بمعجمتين مكسورتين بينهما نونان ساكنتان. (¬2) في (ط): بالجزيرة، تحريف.

[رحلته إلى الشام]

إنَّا بَنُو حسنٍ والناسُ تعرفنا ... وقتَ النِّزالِ وأُسدُ الحرب في حنق كم جُبْتُ قفرًا ولم يسلك به بشرٌ ... غيري ولا أنيسيَ إلا السيفُ في عُنقي [بل حدثت أنا أعلاه] (¬1). وكذا سمع صاحب الترجمة بالقرافة على الشهاب أحمد بن محمد بن الناصح، وبجزيرة الفيل على شيخه حافظ الوقت العراقي، وبإنبابه على ولده العلامة الولي العراقي. [رحلته إلى الشام] ثمّ لمَّا أشرف على الاستيفاء، وحصول الاستيعاب لما أمكن بالدِّيار المصرية، وقع الرحيلُ إلى البلاد الشامية للأخذ عمَّن بها وكان ظهوره من القاهرة في عصر يوم الاثنين ثالث عشري شعبان سنة اثنتين وثمانمائة، وصُحبته قريبةُ الزين شعبان أيضًا، والتقيُّ الفاسيُّ الحافظ. فسمع بسرياقوس وقطية، وغزة، ونابلس والرملة، وبيت المقدس، والخليل، ودمشق، والصالحية، وغيرها مِنَ البلاد والقرى، كالنَّيرب والزُّعيفرينة ما لا يوصف، ولا يدخل تحت الحصر كثرة، على أُمم كثيرة. وكان ممّن لقيه بسرياقوس: قاضيها العالم الخَيِّر (¬2) صدر الدين سليمان الإبشيطي الشافعي الماضي، فأخذ عنه "جزء البطاقة" ومنتقى من "جزءِ الأنصاري" في يوم الثلاثاء رابع عشري شعبان، وسمع في غير هذه الخطرة بالمرج على أبي الطَّيِّب محمد بن أبي (¬3) الزين القيرواني المغربي المالكي حديثًا. وممن أخذ عنه وهو ذاهب في رحلته إلى دمشق بقطية صاحبه ورفيقُه ¬

_ (¬1) هذه العبارة: لم ترد في (ب). (¬2) في (أ): "الخبير". (¬3) "أبي" ساقطة من (أ).

في (¬1) الرحَلَة المحدثُ الحافظ التقيُّ محمد بن أحمد (بن علي) (¬2) الفاسي المكي. وبغزة (¬3) الإمام الشهاب أحمد بن محمد بن عثمان الخليلي، والعلامة أُعجوبة الزمان برهان الدين إبراهيم بن محمد بن بهادر الغزّي، عرف بابن زُقَّاعَة. كتب عنه من نظمه. وبنابلس: إبراهيم وعلي ابنا محمد بن إبراهيم بن العفيف، وأحمد بن محمد بن عبد القادر، وأبو بكر بن علي بن أبي بكر بن الحكم، وعيسى بن علي بن محمد بن غانم المقدسي. وبالرملة: الإمام الشهاب أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسين، مهندس الحرم أبوه، عرف بابن زَغْلِش، وعبد اللَّه بن سليمان بن عبد اللَّه الإجاري ثم المقدسي المالكي. وببيت المقدس: أحمد بن محمد بن عبد الكريم، وإمام الأقصى الشهاب أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن مُثبِّت المالكي، والقاضي الإمام الشهاب أحمد بن ناصر بن خليفة الباعُوني الشافعي، وأبو بكر بن عثمان بن خليل الحوراني الحنفي، والحسن بن موسى بن إبراهيم بن مكي، وصالح بن خليل بن سالم الغزي الشافعيان، وإمام قبة الصخرة عبد الرحمن بن محمد بن حامد، وعبد الهادي بن عبد اللَّه البسطامي وغزال ابنة عبد اللَّه القلقشندية، ومولاها الشيخ شمس الدين محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي، ومحمد بن عمر بن عيسى البصروي ابن القرع، ومحمد بن محمد بن محمد بن علي بن خطاب بن اليُسر المؤذن. وبالخليل: عن محمد بن محمد بن علي بن يحيى المَنِيِحي الحنفي. وبدمشق وصحاليتها: من خلائق مِنْ أصحاب أبي العباس أحمد بن أبي ¬

_ (¬1) "في" ساقطة من (أ). (¬2) ساقطة من (ب، ط). (¬3) في (ب): "وبقراءة"، تحريف.

طالب الحجَّار؛ ومَنْ قبلَه، مثل: القاسم بن عساكر، وأبي عبد اللَّه بن الزَّراد، ونحوهما بالسَّماع المتصل. والقاضي سليمان بن حمزة، ونحوه بالإجازة. ووصَّلَ هناك -على جاري عادته- مِنَ الكتب الكبار والأجزاء القصار (¬1) وغيرهما أشياء كثيرة جدًّا، كانت قد انقطعت مِنْ مُدَدٍ متطاولة، واحتج في وصلِها للقراءة بتوالي ثلاث أجائز، وربما توالي أكثر مِنْ ذلك. وقد وقع للحافظ عبد القادر الرُّهاوي في كتاب "الأربعين الكبرى" التي خرَّجها لنفسه أنه والى بين خمس (¬2) أجائز؛ فروى في الجزء الثالث منها أثرًا بالإجازة عن الحافظ أبي موسى المديني، عن أبي منصور بن خيرون، بالإجازة عن أبي محمد الجوهري، بالإجازة عن أبي الحسن الدارقطني، بالإجازة عن أبي حاتم بن حبَّان البُستي بالإجازة. قال: سمعتُ. . . فذكر أثرًا. وهذا مِنَ "الضُّعفاء" لابن حبان. وكثيرًا ما يروي ابن الجوزي في "العلل المتناهية" له عن ابن خيرون إجازة بهذا السَّند من هذا الكتاب. وقد سأل شيخُنا شيخه الحافظ أبا الفضل العراقي -رحمهما اللَّه-: أيُّما أولى أن يروى الشخصُ بأجائز متوالية، أو بإجازة عامة؟ فقال: بأجائز متوالية. قال: فقلت له: لأنَّ القول بإبطال الإجازة شاذٌّ، والقول بصحة الإجازة العامة شاذ. وإذا قلنا بالقول الصحيح بصحة الإجازة، كانت الإجازة على الإجازة أقوى؟ فقال: نعم. وقرر ذلك. انتهى. وفي شيوخه (¬3) بها أيضًا ومسموعه كثرة. وشيوخه مطلقًا من حيث العلو (¬4) تنقسم إلى مرات: المرتبة الأولى: أصحاب التقي سليمان وأبي الحسن الواني وأبي النون ¬

_ (¬1) في (ط): "الصغار". (¬2) في (ب، ط): "خمسة"، خطأ. (¬3) في هامش (ح) بخط المصنف: ثم بلغ الشيخ عز الدين بن فهد نفع اللَّه به قراءة علي في 3 والجماعة سماعًا. (¬4) في (ب): "العلوم"، تحريف.

الدبوسي، وعيسى المطعم والقاسم بن عساكر، وأبي العباس بن الشِّحنة ونحوهم. الثانية: أصحاب (أصحاب) (¬1) السلفي وشُهدة بالسماع المتصل، أو بإجازة خاصة. الثالثة: أصحاب (أصحاب) (¬2) ابن عبد الدائم والنجيب ونحوهما، كابن عُلَاق وغيره. الرابعة: أصحاب أصحاب الفخر ابن البخاري، وابن القوّاس والآبْرقُوهي، ونحوهم ممن كان يمكن صاحب الترجمة مساواتهم في الأخذ ولو بالإجازة. ومن شيوخه بدمشق وصالحيَّتها: محمد بن محمد بن (محمد بن) (¬3) أحمد بن منيع، ومحمد بن محمد بن محمد بن عمر بن قوام، وأحمد بن آقبرس بن بُلْغَاق، وأبو بكر بن إبراهيم بن العز الفرائضي، وأبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي بكر بن عبد الهادي، وأبو العباس أحمد بن علي بن محمد بن عبد الحق، وأحمد بن علي بن يحيى الحسني، وفاطمة وعائشة ابنتا محمد بن عبد الهادي، وفاطمة ابنة محمد بن المُنَجَّا، وخديجة ابنة إبراهيم البعلبكية، وعبد القادر بن إبراهيم الأرموي، وعبد القادر بن محمد بن علي سِبْط الذَّهبي، وحفيد جده محمد بن عبد الرحمن بن الذهبي. وعبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن عُبيد اللَّه بن قُدامة. وبالزعيفرينة من أبي العباس أحمد بن إسماعيل بن خليفة الحُسباني. وبالنيرب: مِنَ المحدث البدر أنس بن علي الأنصاري، والزين أبي هريرة عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد الحنفي بن الكفري. وكان رحمه اللَّه رحل قصدًا إلى بيت المقدس، ليأخذ عن الشهاب ¬

_ (¬1) و (¬2) ساقطة من (أ). (¬3) ساقطة من (ط).

أبي الخير أحمد ابن الحافظ الكبير الصلاح أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي، لكونه صار رُحلَةَ تلك البلاد، ومعظم السَّبب في التوجه إليه ظهورُ سماعه في "ابن ماجه" على الحجَّار، فبلغته وفاتُه وهو بالرَّملة، فعرَّج عَن القدس إلى دمشق، لكنه كان قرأ الكتاب المذكور على بعض مَنْ سمع على الحجَّار في الجملة. وكانت سلفت له من ابن العلائي إجازة، فتلفق وصار بمنزلة السَّماع، لكونه سماعًا عن إجازة، وإجازة عن سماع. ثم إنه لم يدخل بيت المقدس إلا بعد انتهاء أربه من دمشق، لكونها بعد فوات ابن العلائي أهمُّ. وكذا لم يسمع بنابلس إلا بعد رجوعه. ومن نابلس توجه إلى بيت المقدس، وهي طريقٌ وعِرَة، اتَّفق مروري بها وكذلك (¬1) قال، كما سمعته من لفظه: إلى البيت المُقدَّسِ جئت أرجو ... جنانَ الخُلدِ نُزْلًا مِنْ كريمِ قطعنا في مسافته عقابًا ... وما بعد العِقابِ سوى النَّعيمِ وكان دخوله إلى الشام في حادي عشري رمضان سنة اثنتين، فنزل فيها على صاحبه الصدر علي بن محمد بن محمد بن الأدمي، لِمَا كان بينهما مِنَ المودَّة، وأقام بها مائة يوم، آخرها أول يوم مِنَ المحرم سنة ثلاث وثمانمائة، ووجد هناك رفيقه الحافظ صلاح الدين خليل الأقفهسي. وحصل له في هذه المدة مع قضاء أشغاله ما بين قراءة وسماع من الكتب المجلدات، خاصة من "المعجم الأوسط" للطبراني ثلاثة، ومن "الكبير" مجلد، و"الصغير" بتمامه في مجلد. ومن "الدُّعاء" له مجلد. و"المعرفة" لابن مَنْدَه في أربعة، و"السنن" للدارقطني في اثنين، و"مسند مسَدَّد"، و"الموطأ" لأبي مصعب كل واحد منهما في مجلد، ومن كل كتاب من "صحيحي" ابن خزيمة وابن حبَّان مجلد، ومن "المختارة" للضياء خمسة. ¬

_ (¬1) في (ب، ح) "ولذلك".

[الأمور المساعدة على طلب العلم]

ومن "الاستيعاب" لابن عبد البر واحد، و"الطَّهور" لأبي عبيد، و"الذِّكر" لجعفر الفريابي، و"فضائل الأوقات" للبيهقي، و"الإيمان" لابن منده. و"مكارم الأخلاق" للخرائطي كل واحد من هذه الكتب في مجلد. ومن "مسند الدارمي" مجلد، وقطعة من "مساوىء الأخلاق" للخرائطي، و"الخراج" ليحيى بن آدم، و"مشيخة الباغبان"، و"الشمائل" للترمذي، و"الأدب" للبيهقي، و"علوم الحديث" للحاكم، و"الإرشاد" للخليلي، و"حديث قُتيبة" للعيار، و"اختلاف الحديث" لابن قتيبة، و"آداب الحكماء"، و"ذم الكلام" للهروي، و"السنن" للشافعي رواية ابن عبد الحكم، و"غرائب شعبة" لابن منده، كل واحد مِنْ هذه الكتب في مجلد. ومن "مشيخة مسعود الثقفي" مجلد، ومن "مسند أبي يَعْلى الموصلي" مجلد، و"الكنجروذيات" في نسختين مجلد. فمن هذه الكتب ما يكون مجلدةً ضخمةً، ومنها ما يكون مجلدةً لطيفةً، فتكون نحو الثلاثين مجلدًا ضخمة، تكون نحو أربعمائة وخمسين جزءًا حديثية، خارجًا عن الأجزاء الحديثية، وهي تزيد على هذا المقدار (¬1). هذا وهو قد علَّق رضي اللَّه عنه في غضون هذه المدة بخطه مِنَ الأجزاء الحديثية، والفوائد النثرية، والتتمات التي يُلحقها في تصانيفه ونحوها ثمان مجلدات فأكثر. وطرَّف كتاب "المختارة" للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي في مجلد ضخم، لو لم يكن له عمل في طول هذه المدة إلا هي، لكانت كافيةً في جلالته. [الأمور المساعدة على طلب العلم] وأعانه على كل هذا أمور يسرها اللَّه تعالى له قلَّ أن تجتمع في غيره. منها: سرعة القراءة الحسنة. ¬

_ (¬1) في (أ): "القدر".

فقد قرأ "السنن" لابن ماجه، في أربعة (¬1) مجالس. وقرأ "صحيح مسلم" بالمدرسة المنكوتمرية على مسنِد مصر الشرف أبي الطاهر محمد بن العز محمد (¬2) بن الكُويك الرَّبعي، في أربعة مجالس، سوى مجلس الختم، وذلك في نحو يومين وشيء، فإنه كان الجلوس مِنْ بُكرة النَّهار إلى الظهر، وحدثهم القارىء به عَن محمد بن ياسين الجزولي، وعن المفتي الشهاب أحمد بن أبي بكر بن العز الصالحي الحنبلي إذنًا منهما، برواية الأول عَنِ الشَّريف أبي طالب الموسوي حضورًا وإجازة، والثاني: عن القاضي سليمان بن حمزة إجازة بسندهما. وانتهى ذلك في يوم عرفة، وكان يوم الجمعة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. وجرت يوم الختم لطيفة، وهو أن الضابط للجماعة، وكان شيخنا الحافظ أبا النعيم رضوان العقبي المستملي -رحمه اللَّه- التمس منه بعد الختم إعادة بعض أفوات من أول الكتاب، فأجابه لذلك، وشرع في القراءة، فكان كلَّما رامَ الوقوفَ، يقولُ له الضابطُ: وأيضًا، وأيضًا، وأيضًا، وهو يقرأ، إلى أن مرَّ -وقد تعب القارىء- قوله في الحديث: "واللَّه لا أزيدُ على هذا ولا أنقُص". فأغلق الكتاب، وأقسم أيضًا أنه لا يزيد على ما قرأ (¬3) ولا ينقُص. [قلت: وما وقع لصاحب الترجمة في قراءة "صحيح مسلم" أجلُّ ممَّا وقع لشيخه المجد اللغوي صاحب "القاموس"، فإنه قرأه بدمشق بين بابي الفرج والنصر تُجاه نعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ناصر الدين أبي عبد اللَّه محمد بن جَهْبَل في ثلاثة أيام، وتَبَجَّح بذلك، فقال: قرأتُ -بحمد اللَّه "جامع مسلم" بجوف دمشق الشام، كرسي الإسلام، على ناصر الدين شيخنا ابن جَهْبَل، بحضرة حُفاظ مخاريج أعلام، وتمَّ بتوفيق الإله بفضله قراءة ضبط في ثلاثة ¬

_ (¬1) في الأصول: "أربع"، والجادة ما أثبت. (¬2) في (ب): "العز بن محمد"، خطأ. (¬3) في (أ): "على هذا".

أيام] (¬1). وكذا قرأ "كتاب النسائي الكبير" على الشرف المذكور في عشرة مجالس، كل مجلس منها نحو أربع ساعات. وسمعه بقراءته الفضلاءُ والأئمةُ، وحدَّثهم به عَنِ العفيف النَّشَاوري، عن الرَّضي الطَّبري إذنًا، عن الحافظ أبي بكر بن مَسْدي بسنده. وانتهى في يوم عاشوراء سنة أربع عشرة وثمانمائة. وأسرعُ شيء وقع له أنه قرأ في رحلته الشامية "معجم الطبراني الصغير" في مجلس واحد بين صلاتي الظهر والعصر، وهذا الكتاب في مجلد يشتمل على نحوٍ مِنْ ألف حديثٍ وخمسمائة حديث؛ لأنَّه خرَّج فيه عن ألف شيخ، عن كلِّ شيخٍ حديثًا أو حديثين. ومن الكتب الكبار التي قرأها في مدة لطيفة: "صحيح البخاري"؛ حدّث به الجماعةُ مِنْ لفظه بالخانقاه البَيْبرسية في عشرة مجالس، كل مجلس منها أربع ساعات، وكان ذلك فيما أظنه قريبًا مِنْ سنة عشرين إما سنة إحدى أو اثنتين بحضور (¬2). ولقد سألته، فقلت له: يا سيدي، كما في شريف علمكم، أنَّ الحافظَ الخطيب أبا بكر البغدادي لقي كريمة المروزية بمكة، فقرأ عليها "الصحيح" في أيام منى، فهل وقع لكم استيفاءُ يوم في القراءة؟ فقال: لا، ولكن قراءتي "الصحيح" في عشرة مجالس لو كانت متواليةً، لنقصت عن هذه الأيام، ولكن أين الثُّريا مِنَ الثَّرى، فإن الخطيب -رحمه اللَّه- قراءته في غايةٍ من الصِّحَّة، والجودة والإفادة وإبلاغ السَّامعين. قلت: هكذا قلت لشيخنا، وأقرّني عليه، والذي رأيته الآن في ترجمة الخطيب أنه قرأه في خمسة أيام، وأظنُّه الصواب. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وورد في هامش (ح) بخط المصنف. (¬2) هنا بياض في النسخ جميعها، وكتب في (أ): "كذا"، وفي (ط): "ض"، يعني بياض.

ثم رأيت في ترجمة إسماعيل بن أحمد بن عبد اللَّه النيسابوري الحيري من "تاريخ الخطيب" (¬1): أنَّه قدِمَ حاجًّا في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وكان معه حِمْلُ كتب ليجاور، فرجع الناس لفساد الطَّريق، فعاد إلى نيسابور، وكان في جملة كتبه "البخاري"، قد سمعه من الكشميهني، فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس، اثنان منها في ليلتين، كنت أبتدىء بالقراءة وقت المغرب، وأقطعها عند صلاة الفجر. وقبل أن أقرأ الثالث عَبَرَ الشيخُ إلى الجانب الشرقيِّ مع القافلة، فمضيتُ إليه مع طائفة كانوا حضورًا للّيلتين الماضيتين، فقرأت عليه مِنْ ضحوة نهار إلى المغرب، ثم مِنَ المغرب إلى طلوع الفجر، ففرغ الكتاب، ورحل الشيخ صبيحتئذٍ. وحكاها الذهبي في ترجمة الخطيب من "تاريخه"، فقال: إنه قرأه جميعه في ثلاثة مجالس. قال: وهذا شيءٌ لا أعلم أحدًا في زماننا يستطيعه. ثم إنه إنما استدرك -رحمه اللَّه تعالى- جريًا على عادته في التأدُّب وتواضعًا، وإلا فقراءته أيضًا كانت كذلك. وهكذا كان دأبه (¬2) هضم نفسه على جاري عادة أهل العلم والدين، حتى إني سمعت مِنْ لفظه، وقرأته بخطه، أنه رأى في المنام سنة ثلاث عشرة وثمانمائة الدَّارقطني رجلًا طويلًا، لا أتحقق لون شعر لحيته: هل هو أشيبُ أم لا؟ فسألته عَنِ الأسئلة التي جمعها ابن طاهر مِنْ كلام مَنْ سأله عن أحوال الرجال وجوابه عن ذلك، فذكر لي أن أسئلة الحاكم له، أظنه قال: مستقيمة. وما أدري قال: السهمي أو السلمي كذلك. وسمى له (¬3) آخر ثالثًا، ليس هو من الأربعة التي جمع ابنُ طاهر مسائلهم، وأشار إلى أن الأسئلة التي للبرقاني مختلة. فتعجَّبتُ مِنْ هذا في نفسي، وقلت: يا سبحان اللَّه! البرقاني أوثقُ هؤلاء الجماعة، كيف تكون أسئلتُه دون أسئلتهم! ¬

_ (¬1) 6/ 314. (¬2) في (ب، ط): "شأنه". (¬3) في (ب، ح): "لي".

ثم قلت لنفسي: الأوْلَى أن أسألَ الشيخَ أبا الحسن عن جميع مَنْ في "كتاب ابن طاهر" رجلًا رجلًا، فتكون تلك الأسئلة لي. وهممتُ بذلك، لكن صرت في نفسي أزدري نفسي أنْ أُعَدَّ مع هؤلاء، وأتعجب كيف أصيرُ معدودًا فيمن سأل الدارقطني. ثم استيقظتُ ولا أتحققُ هل سألته عن شيء منها أم لا، رحمهم اللَّه تعالى. والشاهدُ مِنْ هذا المنام قوله: لكن صِرْتُ في نفسي إلى آخره. ولقد سأله الأمير الفاضل تَغْرِي بَرْمَش الفقيه -وهو من تلامذته- هل رأيت مثل نفسك، فقال: قال اللَّه تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]. انتهى. وبهذا الجواب أجاب الدارقطني رجاءَ بن محمد المعدَّل، حيث قال: قلت للدارقطني: رأيتَ مثلَ نفسك؟ فقال: قال اللَّه تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}، فألححت عليه، فقال: لم أرَ أحدًا جمع ما جمعتُ. وكذا وقع لابن عساكر أن أبا المواهب ابن صصْري قال له حين سمعه يقول، وتذاكَر الحفاظ الذين لقيَهم، فقال: أما ببغداد، فأبو عامر العبدري، وأما بأصبهان فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهرَ منه. قال أبو المواهب: فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدُنا مثلَ نفسه، فقال: لا تقُلْ هذا، قال اللَّه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]، فقلت: وقد قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]. قال: نعم. لو قال قائل: إنَّ عيني لم تر مثلي، لصدق. قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله، ولا مَنِ اجتمع فيه ما اجتمعَ فيه، ثم بيَّن ذلك. قلت: وأفْهَمَ جوابُ شيخنا أنه لم ير مثل نفسه، وإلا لكان يقول: رأيت فلانًا أو ما أشبهه. ويدلُّ على أنه لم ير مثل نفسه، شهادةُ كلِّ مِنَ الحافظين الحلبي والفاسي وغيرهما له بذلك كما سيأتي.

[شرب ماء زمزم لقضاء الحوائج]

[شرب ماء زمزم لقضاء الحوائج] ونحوه أن بعض أصحابه سأله: أأنت أحفظُ أم الذهبي؟ فسكت. وكان ذلك منه أيضًا تواضعًا؛ لأنه -رضي اللَّه عنه- حكى لنا أنَّه شرب ماء زمزم لما حجَّ في سنة ثمانمائة أو سنة خمس -الشك مني- لينال مرتبة الحافظ الذَّهبي المشار إليه. قال: ثم حججتُ بعد مدة تقرُب مِنْ عشرين سنة، فوجدت مِنْ نفسي طلبَ المزيدِ على تلك المنزلة، فسألت رتبةً أعلى منها. قال: فأرجو اللَّه أن أنال ذلك. قلت: قد حقَّقَ اللَّه رجاءه، وشهد له بذلك غير واحد كما سيأتي. ثم حكى لي الشيخ نور الدين ابن أبي اليُمن أنه سمعه في سنة إحدى وخمسين يقول: شربت ماء زمزم لثلاث: أحدها أن أنال مرتبة الحافظ الذهبي، فوجدت -بحمد اللَّه- أثر ذلك، وأن تيسر لي الكتابة على الفتاوى كشيخنا السِّراج البلقيني، حيث كان يكتب عليها مِنْ رأس القلم بغير مراجعة غالبًا، فيسَّر اللَّه تعالى لي ذلك، بحيث ضبطتُ المهِمّ من "فتاوى شهر"، فكان في مجلدة، سميتها "عجب الدهر"، كما سيأتي ذكرُ حكايتها في الباب الرابع. قال: ولم يذكر الثالث، وأحجم الجماعةُ عَنْ سؤاله عنه. قلت: وقد شرب ماء زمزم لأمورٍ ثلاثةً أيضًا الحافظ الخطيب فيما أسنده إليه ابن عساكر، قال: شربتُ ماء زمزم ثلاث شربات، وسألت اللَّه تعالى ثلاث حاجات أخذًا بقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ماءُ زمزم لما شُرِبَ له"؛ فالحاجة الأُولى: التحديث "بتاريخ بغداد" بها، والثانية: الإملاء بجامع المنصور، والثالثة: الدفن عند بشرٍ الحافي. قال راويها: فقضيت. [بل رُوي عن إمامنا الشافعي -رحمه اللَّه- أنه قال: شربتُه لثلاث: للرَّمْي، فكنت أصيب العشرة من العشرة، والسبعة من السبعة، وللعلم، فها أنا كما ترون، ولدخول الجنة، وأرجو حصول ذلك. وكذا شربه ممَّن أدركتُه: الشمس ابن عمَّار أحد الأئمة - لأمور بلغها أو أكثرها.

[سرعة الكتابة الحسنة:]

وشربته أيضًا لأشياء أرجو أن أنال سائرها] (¬1). [سرعة الكتابة الحسنة:] ومنها: سرعة الكتابة مع حسنها (¬2)، فإنه كان جوَّد على الشيخ نور الدين علي بن عبد الرحمن البدماصي بمكة حين مجاورته قبل البلوغ في سنة ست وثمانين، ثم على شيخه الإمام المفيد المجيد شيخ الكُتَّاب أبي علي محمد بن أحمد بن علي الزِّفتاوي، ثم المصري صاحب المصنف الجليل الذي سماه "منهاج الإصابة في معرفة الخطوط والإذن في الكتابة". وأحدِ شيوخ (¬3) مكتب الوقت الزين عبد الرحمن بن الصائغ الذي كتبت عنده يسيرا، وأذنَ له في أن يكتب على طريقة الكُتَّاب، وكان قد أخذ الكتابة عن شمس الدين محمد بن علي (بن أحمد) (¬4) بن أبي رقيبة (¬5) شيخ غازي، الذي أخذ عه الوسيميُّ شيخ شيخنا الحنّاوي وغيره. وأخذها ابن أبي رُقيبة عن العلاء محمد بن العفيف، عن أبيه عن ولي الدين العجمي، عن شُهدة الكاتبة، عن ابن أسَد، عن (¬6) ابن البواب وابن السِّمسماني، عن مشايخهما، عن أبي علي بن مقلة. وكتب بخطه ما لا يدخل تحتَ الحصر، كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى حكايتها في الباب الرابع. وسمعته يقول: كنت أكتبُ في "تلخيصي لتهذيب المِزِّي" إلى الزوال ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وكتبت في هامش (ح) بخط المصنف. (¬2) في هامش (ح): "معطوف على قوله: منها سرعة القراءة". (¬3) في (أ): "وأخذ عن الشيوخ" خطأ. (¬4) في هامش (ح) بخط المصنف: "أظن اسم والده يوسف، وجدّه سماه شيخنا في "الإنباء" عليًّا فيحرّر". قلت: ترجمه المصنف في الضوء اللامع 4/ 116، فقال: وسمى شيخنا في تاريخه والده عليًّا وهو سهو. (¬5) في (ط): "رقبة". (¬6) في (أ): "بن"، تحريف.

كراسًا في الكامل، وهو كسلاسل الذهب، غايةً في النِّسبة، يكون بخط غيره نحو كراسين فأكثر. وكتب "التَّقييد"، لابن نُقطة في خمسة أيام كما سلف. ورأيتُ بخطه كتاب "فصل الربيع في فضل البديع" للزكي عبد العظيم بن عبد الواحد بن أبي الإصبع المصري في تسع كراريس، يكون بخط غيره في مجلد، وقال بأخَرَة: إنَّه علَّقه في يومين متاليين، فرغ منه وقت العصر من اليوم الثاني، مع ما تخلَّل ذلك مِنْ أكل وشرب وحديث، وصلاة، وغير ذلك مِنْ راحة، وأشياء كُشِطَت مِنْ خطِّه، وذلك بمدينة زبيد المحروسة في شهر ربيع الآخر سنة ثمانمائة، انتهى. وسمعت أنه كان يكتب من "البخاري" جزءًا من ثلاثين في اليوم. ومن الغريب أنه انتقى "فهرست" الحافظ السلفي وهو متوجِّةٌ إلى مكة حال ركوبه في المحارة سائرًا على ما رأيته بخطه. [وكذا بلغني أنه كان يكتب وهو في الشُّقدف في رجوعه (¬1) من اليمن إلى مكة] (¬2). وأغرب مِنْ هذا كلِّه: ما حكاه لي شيخنا الزين البوتيجي الفرضي الشهير -وكان من خواصِّ المحبين لصاحب الترجمة- قال: أرسلتُ له مرة مع النقيب شهاب الدين ابن يعقوب كتابًا مخرومًا، أسأل عنه، ولم أقصدْ منه إكماله بخطِّه. نعم، كنت أحبُّ إرسال نسخةٍ منه، لأكمِلَ نسختي، فأبطأ عنِّي بالجواب، فجئتُه فما كان إلا أن رآني، فقام وسلَّم عليَّ، وأشار بالجلوس. ثم دخل منزله، فمكث يسيرًا، ثم ظهر لي والكتاب معه. وقد أكمل -وأنا بالباب- ما فيه مِنَ النَّقص، وهو نحو كراس، وأخذ يعتذر عن عدم (¬3) الإرسال بالكتاب بحجَّة (¬4) إكماله. وأنه لم يتَّفق إكماله، بل ولا كتابةُ شيء منه حتى الساعة. ¬

_ (¬1) في (ط): "وهو راجع". (¬2) ما بين حاصرتين ورد في (ط) قبل قوله: وسمعت أنه كان يكتب من البخاري. (¬3) ساقطة من (ب)، وكتبت في هامش (ح) بخط المصنف. (¬4) في (ح): "بحجّية".

[الصحبة الطيبة من طلبة العلم:]

وكان -رحمه اللَّه- لا تمنعه الكتابة عن فهم ما يسمعه من علم وحديث، حتى إنَّه اجتمع بمؤرخ العصر التقي المقريزي، فتحدثا، وشيخُنا مشغولٌ بالكتابة، فرام التقيُّ قطعَ الحديث لئلَّا يشغله عمَّا هو فيه. فقال له: إنَّ ذلك لا يمنعني عَنِ الإصغاء والفهم لما تقوله، بل ربما أكون حين الكتابة أحضرَ بالًا منِّي عند عدمها في بعض الأوقات. قلت: وقد رأينا مِنْ ذلك العجب، وحكاية ابن التَّنسي الآتية قبيل ما امتُدح به من الباب الثالث مع شبهها شاهدة لذلك أيضًا. [الصحبة الطيبة من طلبة العلم:] ومنها الرفاق الذين كانوا غاية في الديانة والتواضع والاعتناء بالشأن والاهتمام بفنونه، والبعد عَنِ التَّوغُّل في الغِلِّ والحسد والكتمان، وتكرُّر ذكر ما يقتضي الامتنان. فذا يُعِينُ رفيقه نوبةً بالقراءة، ومرَّة بالكتابة، وأخرى بالعارِيَّة، ووقتًا بالمذاكرة، ومرة بالتَّنبيه على ما السَّلامةُ منه مختصةٌ بالمعصومين، والآخر يفعل مع رفيقه أيضًا كذلك. ويجمل كلُّ واحدٍ منهم الآخر بقلمه ولسانه، ويوجه ما ظاهره القبيحُ مِنْ قول أو فعل بالتوجيه المرضي، حتى يصرفه عما يخالفه، ويثني مَنْ تأخَّرت وفاته على صاحبه الثناءَ الجميل، وربما يرثيه إن أحسن. ولتلبُّسِهم بذلك، كانت لهم جلالة ووجاهة، وفيهم كثرة. فأين هؤلاء ممن إذا كتب له رفيقُه تجاه خطه: صوابُه كذا، أو قال له في حال قراءته: سقط عليك كذا، أو كتب له على بعض ما يطالعه مِنْ خطِّه على جاري عادة المستفيدين بعضهم من بعض: "فرغه داعيًا"، يضمر ذلك في نفسه إلى أن ينتقم بما يكون قصاصًا عَنْ أعظم الجنايات، بحيث يكتب لمن قال له: "فرغه داعيًا": ما أرقعك، ليت شعري، داعيًا له أو عليه؟ ويهجو صاحبه نظمًا ونثرًا، حتى بعد وفاته، مع علمه بتحريم التعرُّضِ لمساوىء الأموات، إن اتَّصف المهجوّ بما تعرَّض له. وإذا رأى رفيقه توارد هو وإياه على نقل شيء أو التصرُّف فيه أو الجمع بين ما يقتضي التنافر أو نحو ذلك، يأخذ في الخطابة بأن هذا سرق كلامي. هذا مع كون الواقع العكس.

[عدم التردد إلى الكبراء:]

ولو أطعت قلمي في إيراد ما عندي في ذلك من واحد، فضلًا عن أكثر، لامتلأ الكرَّاس، وضاقت الأنفاسُ، ولو تدبر مَنْ لعلَّه يعتمد هذا الصنع أزرى ذلك بفاعله، وستر ما عساه اشتمل عليه مِنْ فضيلة، وكون حامده مِنَ النَّاس يصير له ذامًا، لكان أبعدَ النَّاسِ عَنِ التلبُّسِ بهذه الأخلاق. نسأل اللَّه السلامة. [عدم التردُّد إلى الكبراء:] ومنها: كونه لم يتردَّد في غضون هذه المدة لأحد من رؤساء الشام ولا قضاتها، بل لم يكن حينئذٍ بدٌّ من الاجتماع بأحدٍ مِنَ الرؤساء مطلقًا، مع احتياجهم إلى مجالسته، واغتباطهم برؤيته، ولذيذ مخاطبته. [استثمار الوقت] إنما كانت همَّتُه المطالعة والقراءة والسماع والعبادة والتصنيف والإفادة، بحيث لم يكن يخلي لحظة مِنْ أوقاته عن شيء مِنْ ذلك، حتى في حال أكله وتوجُّهه وهو سالك كما حكى لي ذلك بعض رفقته الذين كانوا معه في رحلته، وإذا أراد اللَّه أمرًا هيّأ أسبابه. وقد سمعته -رحمه اللَّه- يقول غير مرة: إنني لأتعجب مِمَّن يجلس خاليًا عن الاشتغال. هذا أو معناه. ويدل على مصداق قوله: ما أخبرني به بعضُ أصحابنا أنَّه شاهده يومًا بالمدرسة الصالحية النجمية، وهو جالس في بعض بيوتها، ولم يكن عنده إذ ذاك شيءٌ مِنَ الكتب، فاستدعى مِنْ بعض مَنْ حضره مصحفًا، فبادر لذلك، فأخذ في التلاوة منه، فمرَّ فيه على سورة أخطأ الكاتبُ في عَدّ آيها، فكتب مقابلها بالهامش: الصوابُ كذا، أو بل عدَّتها كذا. فلم يسهل به -رضي اللَّه عنه- أن يجلس بطَّالًا. ولم يُخلِ المصحف مع ذلك - مِنْ فائدة. وهكذا كان دأبُه في غالب ما يقف عليه مِنْ الكتب العلمية والأدبية وغيرها، كما سألمُّ بذكر شيء مِنْ ذلك في أثناء الباب الثالث (¬1) إن شاء اللَّه تعالى. ¬

_ (¬1) ص 377 - 390 من هذا الجزء.

ومما يدلُّ على عدم تضييع وقته بدون عبادة: أنه توجَّه مرةً للمدرسة المحمودية، فلم يجد مفتاحَها، كان قد سها عنه بمنزله، فأمر بإحضار نجَّارٍ، وشرع هو في الصلاة إلى أن انتهى النجارُ مِنْ فتح الباب. وقيل له: لو أرسلتَ، أحضرت المفتاح مِنَ البيت كان أقلَّ كلفة، فقال: هذا أسرع، ويحصل الانتفاعُ بالمفتاح الثاني. وتوجه مرة للتفرُّج هو وصهره القاضي محب الدين ابن الأشقر في السَّماسم بالخانقاه، فأخرج مِنْ جيبه مصحفًا حمائليًّا، وشرع في التلاوة فيه. وكان -رحمه اللَّه- إذا جلس مع الجماعة بعد العشاء وغيرها للمذاكرة، تكون السّبحة داخل كمِّه بحيث لا يراها أحد، ويستمرُّ يديرُها وهو يسبح أو يذكر غالب جلوسه. وربما تسقُطُ مِنْ كمِّه، فيتأثر لذلك، رغبة في إخفائه. وكان حين كان يصلي الشيخ غرس الدين خليل الحسيني بجانبه التراويح، يستخبرُ منه عَنِ المتشابه في القرآن، حتى لا يخلو جلوسُه بين الترويحتين من فائدة. قلت: وأحوالُ السلف في عدم تضييع أوقاتهم أشهرُ مِنْ أن تُذكر. وقد أنشد أبو سعد ابن السمعاني عن أبي بكر محمد بن القاسم بن المظفر بن علي الشَّهرزُوري قوله: هِمَّتي دُونَها السُّها والزُّبانا ... قد علت جهدها فما يتدانى فأنا مُتعَبٌ مُعَنَّى إلى أن ... تتفانى الأيامُ أو أتفانى ويُحكى عن الفقيه أبي الفتح سُليم بن أيوب الرازي أنه كان يحاسب نفسه على الأنفاس، لا يدع وقتًا يمضي بغير فائدة، إما بنسخ أو يدرس أو يقرأ، بل قيل عنه: إنه كان يحرِّكُ شفتيه إلى أن يَقُطَّ القلم. انتهى. ولما كثُرتِ الإشاعة في دمشق بطروق اللَّنك إليها، وأرجف النَّاسُ بذلك، رجع إلى بلاده. وكان ظهوره منها -كما سلف- في أول يوم من سنة ثلاث وثمانمائة، وقد اتَّسعت معارفه كثيرًا، وأظهر لعلماء الشام

وفضلائها حفظًا كبيرًا، واغتبطوا به، وشهدوا له بالتقدُّم في فنون الحديث إلى أعلى رتبة. فأقام بها على طريقته في التصنيف والإقراء والإملاء والكتابة، بل لم يُهمل سماعه على الشيوخ وانتخابه. ويسر اللَّه عز وجل له مِنْ إقبال الشيوخ عليه وطواعيتهم له أمرًا عجبًا، حتى إن البرهان التنوخي كان قد تعسَّر في أواخر عمره، فلما اجتمع به صاحبُ الترجمة، وخرَّج له "المعجم" و"المائة العشارية"، فرح بها، وانبسط في التَّحديث، فلازمه زيادةً على ثلاث سنين، ووصل عليه بالإجازة شيئًا كثيرًا، وانتفع صاحبُ الترجمة ببركته ودعائه كثيرًا. وكذا كان مُسنِد الصالحية العماد أبو بكر بن إبراهيم بن العز بن أبي عمر عَسِرًا في التحديث، فسهَّله اللَّه تعالى له بحُسن مقصده، إلى أن أكثَرَ عنه في مدَّة يسيرة، بحيثُ كان يجلس له أكثرَ النَّهار. ونحوه الشرف أبو بكر ابن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة. وكان الزين أبو الفرج بن الشَّيخة يُبالغ في إكرامه، لخصوصية كانت بينه وبين والده. فكان ذلك عونًا له على الإكثار عنه، مع كونه كان سهلًا. بل كانت الشيوخ لا تتعدَّى أمرَه وثوقًا منهم به (¬1)، واعتمادًا على وفور ديانته؛ فمن ذلك أنه قرىء على السويداوي بإجازته مِنْ بعض مَنْ مات قبل مولد السُّويداوي وهمًا مِنَ القاريء، فنبَّه صاحبُ الترجمة السويداويَّ على ذلك، فأشهد على نفسه بالرُّجوع عنه، بل أشهد أنه رجع عن جميع ما قُرىء عليه بالإجازة، إلا إنْ كنت محقَّقَةً. وسيأتي تعيينُ الكتاب والشَّيخِ في أثناء الباب الثالث. وقد اتَّفق في عصرنا شبيهُ ذلك، وهو أن البقاعي قرأ على الشيخ شمس الدين الصَّفدي الحنفي أحد مَنْ أخذتُ عنه "موطأ الإمام مالك" للقعنبي، بسماعه له -كما شاهده في ضبط بخط (¬2) الحافظ برهان الدين ¬

_ (¬1) "به" ساقطة من (أ). (¬2) "بخط" ساقطة من (ب).

الحلبي- عن الكمال محمد بن عمر بن حبيب، فبلغ ذلك البرهان المذكور فردّه، وبيّن أن البقاعي وهِمَ في ذلك. والذي سمع إنما هو محمد ولد شرف الدين الدَّارنجي، وزادني ابنُ فهد أنَّ تاريخ السماع في سنة ست وسبعين، ومولد الصفدي فيما أملاه عليه سنة خمس وسبعين، وبيَّن لي وجه الوَهْمِ كما أوضحته في "أخبار البقاعي". ونحو ذلك أنَّ المجدَ إسماعيل بن إبراهيم بن محمد الحنفي القاضي حدَّث "بجزء البطاقة"، بقراءة الجَمَال محمد بن إبراهيم بن أحمد المرشدي الحنفي، بسماعه له على أبي الحسن علي بن محمد بن علي الهمذاني، أنبأنا ابن عزُّون والمعين الدمشقي، قالا: أنبأنا البوصيري. وهذا غلطٌ نبَّه عليه الصلاح الأقفهسي بقوله: لم يُدرِك الهمذانيُّ ابنَ عزّون ولا الدمشقيَّ، وبين وفاتيهما ومولده نحوٌ من اثنتي عشرة سنة أو أكثر. ولم تصحَّ رواية المجد لهذا الجزء عنه. وأيّده صاحب الترجمة بقوله: التعقُّبُ صحيحٌ، وشيخنا المجد حرسه اللَّه متثبِّتٌ في التحديث، ما علمته يُحدِّث إلا من أصله، ورأيته غيرَ مرَّةٍ يأبى أشدَّ الإباء أن يُحدّث مِنْ غيرِ أصله، وما أظنُّ هذا إلا من تهوير القارىء ومجازفته. انتهى. ورأيت بخط البقاعي المشار إليه قريبًا مقابل طبقةٍ بخط صاحبنا التقيِّ القلقشندي، قال فيها: وبسماع ابن ناظِرِ الصَّاحبة في الرابعة -يعني "للمسند الحنبلي"- على أبي العباس أحمد بن الجُوخي، ما نصه: الحمد للَّه عالم الغيب. اعلم أنَّه لم تُعرف روايةُ ابن ناظر الصاحبة للمسند (¬1) إلا مِنْ جهة أبيه، ولا عُلِمَ قولُ أبيه إلا مِنْ جهة شيخنا الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي، ولا عَلِمَ المصريون ذلك إلا منِّي ومن عمر بن فهد وقطب الدين أبي الخير الخيضري. والذي رأيناه بخط ابن ناصر الدين أخبرني والده شيخنا أبو الفرج عبد الرحمن أنه أحضره جميع "مسند أحمد" على ابن الجُوخي، وأخبرني ¬

_ (¬1) "للمسند" ساقطة من (أ، ح)، وفي (ط) "المسند".

القطبُ الخيضريُّ أنَّ ابن ناصر الدين قال له من لفظه: إنَّ حضوره كان في السنة الثانية من عمره. فليت شعري مِنْ أين علم كاتبُ هذا الخط ومَنْ تابعَهَ أنه سمع؟ وليت شعري، ثم ليت شعري: مَنْ أوحى لهم تحديدَ ذلك الوقت بالرابعة؟! ولقد سألت كاتب هذا الخط عن مُستنده في ذلك، فلم أجد عنده بيانًا. إنما كان جوابه لي أن قال: الظاهرُ أنِّي رأيتُه بخط ابن فهد. هذا لفظه. قال ذلك أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي سائل اللَّه تعالى حسن العافية انتهى بحروفه. وأنا أسأل اللَّه أيضًا حسن العافية. وكل هذه استطرادات لكنَّها نافعة. وكانوا يتفرَّسُون فيه النَّجابة، حتى قال له المحبُّ محمد بن الوجديَّة -إذ رآه حريصًا على سماع الحديث وكتبه-: اصرفْ بعض هذه الهمة إلى الفقه، فإنني أرى بطريق الفراسة أنَّ علماء هذا البلد سينقرضون (¬1) ويُحتاج إليك، فلا تقصِّرْ بنفسك، فكان كذلك، ما مات حتى شُدَّت إليه الرِّحالُ، قال شيخنا (¬2): فنفعتني كلمتُه، ولا أزالُ أترحَّمُ عليه بهذا السبب. انتهى. إنَّ الهلالَ إذا رأيتَ نُمُوَّه ... أيقنتَ أنْ سيصير بدرًا كاملا لقد ظَهَرْتَ فلا تَخْفَى على أحدٍ ... إلا على أكْمَهٍ لا يَعْرِفُ القَمَرا وحكى الشيخ بدر الدين السُّكَّري الكُتبي -وفي ظني أنَّني سمعت ذلك منه-: أنَّ بعض المجاذيب -أو نحوهم- قال -وقد سمع شخصًا يقول عند اجتياز شيخ الإسلام السِّراج البلقيني رحمه اللَّه-: سبحان مَنْ أعطاك ما معناه: أن هذا الشاب -وأشار إلى صاحب الترجمة، وكان إذ ذاك مارًّا بعدَ البُلقيني وصحبته أبو القاسم بن يسير- يَصِلُ، يعني في الحديث لما لم يصل المذكور إليه. رحمة اللَّه عليهم. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "سينقصون". (¬2) في "المجمع المؤسس" 2/ 547.

[بركة ابن حجر]

[بركة ابن حجر] وكانت بركتُه ظاهرةً لديهم، اتَّفق أنه جاء للقراءة على الجمال الحلاوي في "مسند أحمد" على عادته، فوجده مريضًا، فطلع هو والجماعة لعيادته، فأذن له الشيخ في القراءة فشرع، ففي الحال مرَّ حديثُ أبي سعيدٍ رضيَ اللَّه عنه في رُقْية جبريل عليه السلام. قال شيخنا. فوضعتُ يدي عليه في حال القراءة، ونويت رُقْيَته، فاتفق أنه شُفِيَ حتى نزل للجماعة في الميعاد الثاني مُعَافَى. وله اتفاقات (¬1) قريبةُ الشَّبه بذلك، منْ جملتها: أنه كان يكتب في حديث معاوية بن أبي قُرَّة عن أنس، أنَّ رجلًا أتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، أرسل ناقتي وأتوكَّل، أو أعقلها وأتوكل. قال: "اعقلها وتوكَّل". فاتفق أنَّ غُلامه جاء يستأذنه في تركِ شيءٍ مِنْ حوائج صاحب الترجمة خارج البيت. قال شيخنا: فقلت له: اعقلها وتوكَّل. وكان ينظر في ليلة الأحد ثاني عشر جُمادى الأولى سنة أربع وأربعين في "دُمية القَصْر" (¬2) للبَاخَرْزِي، فمرَّ في ترجمة المظفَّر بن علي أنَّ له هذه الأبيات في الرثاء، وهي: بلاني الزَّمان ولا ذَنْبَ لي ... بلى إنَّ بلواه للأنبلِ وأعظمُ ما (¬3) ساءني صَرْفُهُ ... وفاة أبي (¬4) يوسف الحنبلي سراجُ العلوم ولكن خَبَا (¬5) ... وثوبُ الجمال ولكن بَلِي قال شيخنا: فتعجبتُ مِنْ ذلك، ووقع في نفسي أنَّ قاضي الحنابلة ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "اتفاقيات". (¬2) 2/ 921 وانظر أيضًا "الضوء اللامع" 237 - 239. (¬3) "ما" ساقطة من (ب)، وفي الدمية: "ما ساء من صرفه". (¬4) في (أ): "أبو"، وفي "الدميه": "أبي بكر". (¬5) في (أ): "خفا".

[السفر إلى حلب وسماعه:]

المحبَّ أحمد بن نصر اللَّه البغدادي، يموت بعدَ ثلاثة أيام بعدد الأبيات، وكان متوعكًا، فكان كذلك. قلت: وقد اتَّفق لي أنني أخبرت بوفاة القاضي بدر الدين ابن الصَّواف الحنفي، وكنت في ذلك الوقت أكتبُ حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا عزَّى رجلًا قالا: "آجركم اللَّه ورحِمَكم". وإذا هنّأ قال: "بارك اللَّه لكم وبارك عليكم". فطبقت الكتاب وتوجَّهت فعزَّيت وهنّأت. وكل هذا استطراد. والكلام في استيفاء ذلك فيه طول فليُقتصر على ما ذكر. [السفر إلى حلب وسماعه:] وكان قد عزم وهو بدمشق على التوجه إلى البلاد الحلبية، ليأخذ بها عن خاتمة المسندين بها عمر بن أيدغمش، فبلغته وفاته، فتخلَّف عَنِ التوجُّه إليها، وهو كما قال: على كلِّ خيرٍ مانع، لكنه كان قد قرأ على شيخه التنوخي، بإجازته مِنْ شيخ ابن أيدغمش الذي انفرد عنه بالسماع وهو العزّ إبراهيم بن صالح (¬1) بن العجمي - شيئًا. ثم يسَّر اللَّه عز وجل بعد دهرٍ -وذلك في سنة ست وثلاثين وثمانمائة- له السفر إلى حلب، وذلك أنَّ السلطان الأشرف برسباي توجه إلى آمد، لدفع أذى التركمان الذين تغلَّبُوا على بلاد آمد وماردين وغيرها بعد اللَّنكية، لما كثر مِنْ إفسادهم، ونهبِ أموال الرعايا، وقطع الطُّرقِ على القوافل، وغير ذلك مما اشتهر. وخرج بالعسكر المصري ومعه الشافعي صاحب الترجمة، ورفقته القضاة الثلاثة: الحنفي، وهو البدر العنتابي، والمالكي، وهو الشمس البساطي، والحنبلي، وهو المحب بن نصر اللَّه البغدادي، مشايخ الإسلام وأئمة الأنام، والخليفة أمير المؤمنين المعتضد باللَّه داود ابن المتوكل، على جاري العادة في كل ذلك. وكان البُروز بعد صلاة الجمعة حادي عشري رجب مِنَ السنة، فلم يَخْلُ سفره مِنْ فائدة. ¬

_ (¬1) في (أ): "إبراهيم بن صالح بن صالح"، والذي في ترجمته من "الدرر الكامنة" 1/ 27: إبراهيم بن صالح بن هاشم.

وكان شيخنا هو والمالكي والحنبلي مع جمَّال واحدٍ، وأمدهما شيخنا كثيرًا، حتى [بلغني أن البساطي قال: لست مسافرًا مع السلطان، إنما أنا مسافر مع القاضي الشافعي] (¬1). وكتب عن رفيقه قاضي المالكية العلامة البساطي ببلبيس في المذاكرة بحثًا [كتبته في ترجمة البساطي] (¬2)، وعن نائبه قاضي المنصورة شمس الدين ابن كميل بالصَّالحية حكاية. وسمع بظاهر بَيْسان مِنْ رفيقه شيخنا بالإجازة العلَّامة قاضي الحنابلة المحب أحمد بن نصر اللَّه البغدادي حديثًا مِنْ "سنن أبي داود"، وغير ذلك. وممَّا كتبه عنه: أنه سمع سودون النائب يقول: التُّركُ إن أحبُّوك أكلوك، وإن أبغضوك قتلوك. وكتب أيضًا عن شيخنا قاضي الحنفية العلَّامة البدر محمود بن أحمد العنتابي أشياء مِنْ نظمه، بل وسمع عليه حديثًا كما سيأتي. وعن القاضي عز الدين عبد العزيز (¬3) بن علي (بن العز) الحنبلي بالخَرِبَة دون دمشق حكاية، وهي: أنَّه سمع القاضي شمس الدين ابن الدَّيري يقول: سمعت الشيخ علاء الدين البسطامي ببيت المقدس يقول -وقد سأله- هل رأيت الشيخ تقيَّ الدين ابن تيمية؟ فقال: نعم، قلت: كيف كانت صفته؟ فقال: هل رأيت قبَّة الصخرة؟ فلت: نعم. قال: كان كقبة الصخرة مُلِىء كتبًا لها لسانٌ ينطق. وحصَّل فوائدَ ونوادر علَّقها في "تذكرته" التي سماها "جلب حلب". وهي في نحو أربعة أجزاء حديثية، ما هي عندي. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) في (أ): "عز الدين بن عبد العزيز"، خطأ. وانظر ترجمته في "إنباء الغمر" 9/ 194، والمقصد الأرشد 2/ 173، والضوء اللامع 4/ 222.

[التواضع في طلب العلم:]

[التواضع في طلب العلم:] وبالغ حتَّى كتب عَنْ تلميذه البقاعي وفاة التقيِّ الحصنيِّ الفقيه (¬1) الشافعي، لكنه لأجل بيان غلطه، فإنَّه قال ما نصه: ذكر لي رفيقنا -يعني في السَّفر- برهان الدين إبراهيم بن حسن البقاعي أنَّ الشيخ تقيَّ الدين الحِصني الفقيه الشافعي الأشعري مات بدمشق سنة ثمان وعشرين، وكان عالمًا زاهدًا، كثيرَ النَّفع للطلبة، والحط على الحنابلة، خصوصًا مَنْ ينتحل مقالة الشيخ تقي الدين ابن تيمية. انتهى. وتعقَّبه بقوله: ثم تحرَّر لي أنَّه مات سنة تسع وعشرين. قلت: وتنبَّه المذكورُ -وهو منسوب لجده- لذلك، فإنني قرأتُ بخطه (¬2) أنَّه مات في ليلة الأربعاء منتصف جمادى الآخرة سنة تسع، واللَّه الموفق. وكتب أيضًا عن صاحبي محدِّث حلب الآن أبي ذر ابن شيخ الإسلام رحمه اللَّه فيمن اسمه إلياس، بعد أن قال ما نصه، وكان قد ولع بنظم المواليَّا: لك طرف أحور حوى رِقِّي غنج نعَّاسْ ... وقَدّ قَدِّ القنا أهيف نضر ميَّاسْ ريقتك ماء الحيَا يا عاطر الأنفاسْ ... عِذارك الخِضر يا زيني وأنت إلياسْ وأعلى من هذا كلِّه: قولُه في ترجمة رتَن من كتابه "الإصابة": وجدتُ بخط عمر بن محمد الهاشمي، وذكر شيئًا. فإنَّ عمرَ هذا هو صاحبنا محدث مكة نجم الدين بن فهد، دام النفع به. ونَقْلُه في كتابه "تعجيل المنفعة" (¬3) عن بعض تلامذته، وهو حفيدُ (¬4) الحسيني مصنف "التذكرة" أصل "تعجيل المنفعة"، حيث قال ¬

_ (¬1) "الفقيه" ساقطة من (ح). (¬2) "بخطه" من (ح) بخط المؤلف. (¬3) ص 56. (¬4) في (أ): "حينئذٍ"، تحريف.

في أيوب الحارثي ما نصه: أغفله الحسينيُّ في "الاحتفال" وفي "التذكرة"، وكذا الحافظان الهيثمي وأبو زُرعة، ونبَّهنَا عليه الشريف المحدِّثُ الفاضلُ عز الدين حمزة بن أحمد بن علي ابن مصنف "التذكرة" الحافظ شمس الدين الحسيني، فبحثتُ عنه، فوجدت حديثه أخرجه أحمد. انتهى. وأما روايته عن قاضي الحنابلة شيخ المذهب عز الدين الكناني، حيث قال في خُطبة كتابه "رفع الإصر عن قضاة مصر" عقب منظومة ابن دانيال ما نصه: قد ذيّل عليها بعضُ أصحابنا إلى عصرنا هذا، فسرد الشافعية على منوال ابن دانيال، ثم سرد القضاة الثلاثة مذهبًا بعد مذهب إلى عصرنا. وهذا صورة ما نظم: أنشدنا العز أحمد بن إبراهيم العسقلاني لنفسه مكاتبة، وساق ذلك فأعلى من سائر ما تقدم وأجلَّ. ومن أدبه أنه حذف من المنظومة المشار إليها ما يتعلق بمدحه. وكذا نقل عنه شيئًا في ترجمة شيخي بالإجازة قاضي الحنابلة المحب أحمد (¬1) بن نصر اللَّه [البغدادي، فقال: قرأت بخط العز ابن البرهان بن نصر اللَّه] (¬2)، وافق القاضي محب الدين عمِّي موفق الدين يعني: الذي قبله، في اسمه واسم أبيه وجده ومذهبه ومنصبه وسكنه بالصالحية. قلت: وفارقه في اللَّقب وأصل البلد والنسبة إلى الجد الأعلى، وطول المدة، وسعة العلم والتبسط في بيع الأوقاف، ونحو ذلك. انتهى. وكان شيخُنا كثير الإجلال للعز المذكور؛ حتى قال في ترجمة أبيه من كتابه المذكور ما نصه: وأنجب البرهان ولده عز الدين أحمد، ففاق سلفه في سعة العلم ومعرفة الأدب، وناب في الحُكم، ثمّ تركه تعفُّفًا وتنزهًا، ودرَّس في عدة أماكن، أمتع اللَّه ببقائه. وكان إذا سئل عن شيء مما يتعلَّق بمذهبهم، يكتب بخطه على ¬

_ (¬1) ساقطة من (ب). (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

السُّؤال: يُسأل عنها عالمُ الحنابلة القاضي عزّ الدين. وكل هذا استطراد، لكنه أدلّ دليل على محبَّة صاحب الترجمة في العلم وأمانته، حيث ينسب كلَّ شيء إلى قائله، ولو كان من تلامذته. رحمه اللَّه وإيّانا. وسيأتي في الفتاوى الدمشقية مِنْ أواخر الباب السادس نقله في بعضها عن العلاء ابن خطيب الناصرية شيئًا في ترجمة التوربشتي (¬1). وقد روينا في "الوصية" لأبي القاسم بن منده من طريق خارجة بن مصعب أنه قال: مَنْ سمع حديث مَنْ هو دونه، فلم يروه، فهو مراءٍ. وفي "المدخل" للبيهقي من طريق العباس بن محمد الدَّوري، سمعت أبا عُبيد القاسم بن سلام يقول: إن من شُكرِ العلم أن تقعُدَ مع قوم فيذكرون شيئًا لا تُحسنه، فتتعلمه منهم، ثم تقعد بعد ذلك في موضع آخر، فيذكرون ذلك الشيء الذي تعلَّمتَه، فتقول: واللَّه ما كان عندي شيءٌ، حتَّى سمعت فلانًا (¬2) يقول كذا وكذا، فتعلمته. فإذا فعلت ذلك، فقد شكرت العلم (¬3). وقد (¬4) نقل إمامُ الحرمين في الوصية مِنْ "نهايته" عن تلميذه أبي نصر بن أبي القاسم القُشيري شيئًا، فقال: التاج السُّبكي (¬5): إنّه أعظم ما عَظُمَ به أبو نصر، وهو فخارٌ لا يعدِلُه شيء. ¬

_ (¬1) وردت هذه الفقرة هنا في هامش (ح) بخط المصنف، ووردت بعد التي تليها في (ط)، ووردتا معًا بعد قوله: "ونحوهم من هذا النوع" الآتي في الصفحة التالية. وسترد ترجمة التوربشتي في 2/ 913. (¬2) في (ط): "قائلًا". (¬3) وفي ذلك يقول أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن حسن الباجسرائي، كما في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 87: إذا أفادك إنسانٌ بفائدةٍ ... من العلوم فأدْمِنْ شكره أبدا وقل: فلانٌ جزاه اللَّه صالحةً ... أفادنيها، وألْقِ الكِبرَ والحسدا (¬4) من هنا إلى قوله: "في العلم وكفره" لم يرد في (ب). (¬5) في طبقات الشافعية الكبرى 5/ 162.

وكذا نقل الجمالُ الإسنوي في "مهماته" عن الزين العراقي شيئًا، مع كونه تلميذه، إلى غير ذلك مما بسطتُه في غير هذا المحل، مع ما اتفق لي مع كثيرٍ من شيوخي ونحوهم من هذا النوع، [ولذا رفع اللَّه أعلامهم ودفع بهم عن أول الابتلاء أسقامهم] (¬1). وصحّ عن سفيان الثَّوريِّ أنه قال ما معناه: نسبة الفائدة إلى مفيدها مِنَ الصِّدق في العلم وشُكره، وأن السكوت عن ذلك مِنَ الكذب في العلم وكُفْره] (¬2). ووصل إلى الشام في النصف مِنْ شعبان، فنزل بالمدرسة العادلية الصُّغرى، فلما كان يوم الثلاثاء سادس عشرة، عقد مجلس الإملاء بجامع بني أُمية، فاستملى عليه برهانُ الدين إبراهيم العجلوني أحد تلامذة ابن ناصر الدين، وأظنُّ أنَّ ذلك بسفارته، وإلا فالرجل ليست فيه هذه الأهلية، أو لعدم اختلاط شيخنا به مشى أمرُه عليه. على أني قد رأيتُه وصفه بصاحبنا، بل كتب مرةً مِنْ أجلي إليه كتابًا وصفه في عوانه بالحافظ. وحضر الإملاء المذكور شيخُ المستملي المشار إليه، وهو الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين شيخ الحديث بالديار الشامية وأكرمه (¬3) المُملي غاية الإكرام، حتى قال: يقبُح بنا أن نتكلَّم بحضرتك. ومِنْ قضاة مصر، المالكي، والحنبلي، ومن قضاة الشام: القاضي شهاب الدين ابن الكشك، والقاضي المالكي، والتَّقيَّان: ابن قاضي شهبة فقيه الشام، والحريري، وجمع وافر مِنَ الأعيان والفضلاء والطلبة. وأملى في هذا المجلس "الحديث المسلسل بالأولية"، ثم حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما "احفظ اللَّه يحفظك"، ثم حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه "نضر اللَّه أمرأً" والكلام عليهما (¬4). ¬

_ (¬1) وردت هذه العبارة في (ط) بعد قوله: "في غير هذا المحل". (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ط). (¬3) في (ب): "وأكرم". (¬4) في (ب، ط): "عليها".

وأقاموا بالشام إلى العشرين منه، ثم رحلوا. وسمع في مدة إقامته بها، لكن في عوده إلى القاهرة [في ثاني عشري ذي الحجة] (¬1) على المسندة عائشة ابنة إبراهيم بن خليل بن الشَّرائحي أخت الحافظ جمال الدين، "المسلسل بالأولية"، و"منتقى الذهبي من مشيخة الفخر ابن البخاري"، حيث أحضرها إلى عنده صاحبُنا الشيخ نجم الدين عمر بن فهد الهاشمي، بسؤال صاحب الترجمة له في ذلك. وكذا سأله في إحضار أبي الفرج ابن ناظر الصَّاحبة، لكنه ما تيسَّر له حينئذٍ وجودُه، كان مختفيًا مِنْ ديْنٍ عليه خشية طلبه من السلطان. ولما قدمت عائشة على صاحب الترجمة، أكرمها وأجلسها على بساطه الذي يُصلِّي عليه، لكونها مِنْ بيت الحديث. وهكذا كانت طريقته في تواضعه، قدم عليه حينئذٍ أيضًا الشيخ عبد الرحمن أبو شَعَر (¬2) فخرج لتلقِّيه مسرعًا إلى باب القاعة. وسمعت عنه أنه كان يقبِّل يد الشهاب الكلوتاتي في بعض الأحايين إذا لقيه، كما سيأتي الإلمامُ بشيء مِنْ ذلك في الباب السابع. وروى هو لأهل الشام "جزء أبي الجهم"، سمعوه عليه بقراءة بن ناصر الدين حافظهم الماضي، وامتنع مِنَ التَّحديث به، إلا إن ساق القارىءُ أيضًا سنده فيه. فأجاب: لكنه اقتصر على بعض شيوخه فيه، ولم يستوعب أدبًا. وكذا سمع على يحيى بن يحيى القِبابي (¬3)، وغيره بدمشق في ذي الحجة، وكتب عن ابن عرب شاه الذي كتبت عنه مِنْ نظمه قصيدةً في مدح صاحب الترجمة. وأشياء بالقابون التحْتاني شيئًا مِنْ نظمه. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (ح) "أبو شعرة"، وانظر ترجمته في الضوء اللامع 4/ 82. (¬3) في الأصول: "القباني"، تحريف. وانظر ترجمته في الفيء اللامع 10/ 263 وفيه: القبابي -بموحدتين- نسبة إلى القباب، قرية من أشموم الرمان من الشرقية.

وتوجَّهُوا إلى حلب، فوصل (¬1) إلى حماة، فكتب بها عن شاعرها التقى ابن حَجَّة الحنفي أشياء مِنْ نظمه، وعن الشيخ نور الدين علي بن يوسف بن مكتوم الشيباني "جزءًا" فيه عشرة أحاديث من "عشرة الحدَّاد" وغيرها، وكذا عن الشمس محمد بن أحمد بن أبي بكر الحموي ابن الأشقر حديثًا من "البخاري". وإلى حمص، فكتب بها عن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن القوَّاس المخزومي، عن شيخه ابن زَهرة حديثين سمعهما مِنَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام، وحكاية عن البِسَاطي بتلِّ السُّلطان. ولمَّا أشرفُوا على حلب تلقَّاهم أهلها، فكان من جملة مَنْ لقِيَ صاحبَ الترجمة: العلامة محب الدين ابن الشِّحنة، فسلم عليه، وهنأه بالسَّلامة، وسأله شيخنا عَنِ الشيخِ الحافظ محدِّث البلاد الحلبية برهان الدين سبط ابن العجمي، فذكر له أنه بخير، فقال له: لم أشدَّ الرحل، ولا استبحت القَصْر إلا للقيِّه. فرحمه اللَّه. ما أوفر ديانته وتواضعه، ورياسته. ودخلوها في خامس شهر رمضان، فنزل شيخُنا عند قاضي الشافعية بها العلامة علاء الدين ابن خطيب الناصرية، فأقاموا بحلبَ خمسةَ عشرَ يومًا، وفي أول يوم منها سمع على البرهان المشارِ إليه "الحديث المسلسل بالأولية" بقراءة برهان الدين البقاعي، ومرَّ في سنده من أسماء شيوخه علي ابن الهبل. قال شيخنا: فراجعتُه، فأصرَّ. ثم وجدته في "ثبته" بخطه كذلك في مواضع، وهو غلط. إنَّما هو حسنُ بن أحمد بن هلال، وكذا وجدته في "ثبته" بخط الياسوفي في الاستدعاء الذي فيه اسم صاحب "الثبت" على الصواب، ووقفت الشيخَ عليه، فرجع وللَّه الحمد. وقرأ صاحب الترجمة بنفسه على المذكور "مشيخة الفخر ابن البخاري" تخريج ابن الظاهري في أربعة مجالس من بعد صلاة العصر في كل يوم إلى ¬

_ (¬1) في (ط): "فوصلوا".

وقت الغروب، آخرها في أواخر ذي القعدة، لكونه لم يكن يروي منها بالسماع غير منتقى منها، بسماع البرهان لها على الصلاح ابن أبي عمر، عنه. والعجب أنَّه لم يكن بحلب من "المشيخة" نسخة، فجهز شيخنا مَنْ أحضرها له مِنْ دمشق، كما اتفق لي في "سنن الدارقطني" أُحضِرَت لأجلي من الشَّام إلى حلب مع بعض السُّعاة. ولما حضرت المشيخةُ، قال للبرهان -كما قرأته بخط والده-: أقرأتها على الصلاح أم سمعتها؟ فقال له في الجواب: ومَنْ كان يقرأ لي؟ قال: ثم كان الوالد يستحيي بعدُ مِنْ هذا الجواب، لما فيه مِنَ الإشعار بالمدح. انتهى. ولم يكن البرهانُ منفردًا -حينئذٍ - برواية الكتاب المذكور، بل كان بالشَّام غيرُ واحدٍ ممّن سمعه على الصلاح ابن أبي عمر أيضًا. وأحضر بعضهم إلى الديار المصرية بعد ذلك، فحدَّث به، وقرأته على بعض أصحاب الصَّلاح [بل واستمر أصحاب الصلاح] (¬1) حتى كان آخرُهم موتًا في سنة سبعين بعد هذا الأوان بدهر. وسمع على البرهان أشياء غير ذلك. وسمع بعض "عشرة الحداد" على شيخنا بالإجازة القاضي أبي جعفر ابن الضياء، والشهاب أحمد بن إبراهيم بن العديم، وكتب عن القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية السابق، وغير واحد أشياء من نظمٍ وغيره. وهكذا كان دأبُه عدمُ التَّحاشي عن التقاط الفائدة والسماع مِمَّن هو أعلى سندًا منه، ولو كان دُونَه في المرتبة، على جاري عادة الأئمة، لا يصدُّه عن ذلك علُوُّ منصبه، بل يتظاهر بفعله، مع إمكان خلاف ذلك. اتفق أنه أحضر خاتمة المسندين الشهابَ أحمد بن أبي بكر الواسطي، وكان يجلس عند الأميين لمجلس إملائه الحافل بالبيبرسية، فسمع هو وولده والجماعة عليه، وذلك في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين وثمانمائة، وكذا ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

استدعى بالمعمر الفخر عثمان بن أحمد بن عثمان الدَّنديلي، فسمع هو وابنه والجماعة عليه جزءًا في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين، وقرأ بعد ذلك على تِجار ابنة محمد بن مسلم البالسي جزءًا، وسمعه بقراءته سبطه. وكذا استدعى الشيخ يونس الواحي بالمقياس مِنَ الرَّوضة، وأمر بعض طلبته باستصحاب شيءٍ من مروياته، فقُرىء عليه بحضرة جَمْع. لكني ما تحقَّقتُ كونَه فيهم. نعم، رأيته نقل عنه أنَّه سمعه يقول: تركُ العادة عداوة مستفادة. وهو مرويٌّ لنا مِنْ طريق أبي (¬1) إبراهيم المزني، قال: سمعت محمد بن أبي الليث يقول: قطع العادة عداوة مستفادة. وكتب عن شيخنا قاضي الحنفية سعد الدين ابن الديري بظاهر شبرا في سنة إحدى وأربعين أشياء من نظمه، سمعته مِنْ ناظمه بعدُ. وكذا كتب عن القيّم محمد الفالاتي عمّ صاحبنا أحد جماعته قطعةً مِنْ عمله، أثبتها بخطه في "تذكرته"، سمعناها من ناظمها أيضًا، وكذا عن مُعلِّمي ومعلم والدي الشيخ شمس الدين السعودي جارنا ماجريَّةً، إلى غير ذلك مما لو سردته لطال، مع تعذُّرِ استقصائه. رحمةُ اللَّه عليهم أجمعين. ورأيت بخطه: سمعتُ بعض "الصحيح" من أواخره في كتاب التوحيد مِنْ لفظ علاء الدين علي ابن الخطيب عفيف الدين عبد المحسن الدواليبي بن الخراط، وذكر أنه سمعه على والده، وعلى الشمس الكرماني، وأنه سمع "مسند أحمد" على والده، بسماعه له على جده محمد بن عبد المحسن، وساق شيخُنا السند بخطه، وهو عندي في "المجموع السابع والتسعين". قال: قطعًا (¬2)، وأفاد أنَّ ابنَ المُذْهِب فاته على القطيعي مسند عوف بن مالك، ومسند فضالة بن عُبيد، وخمسة وثلاثون (¬3) حديثًا مِنْ مسند جابر وعيّنها، وأن القطيعيَّ فاته على عبد اللَّه ابن الإمام وبيَّض. انتهى. ¬

_ (¬1) "أبي" لم ترد في (أ). وهو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، تلميذ الإمام الشافعي. "السير" 12/ 492. (¬2) ساقطة من (ب، ط). (¬3) في (ب، ط): "وثلاثين"، خطأ.

وابن الدواليبي هذا ضعيف كما سيأتي الإشارة إلى ذلك مِنْ كلام صاحب الترجمة عند إيراد القصائد التي امتدح بها. وقد لقيتُه وأخذت عنه، سامحه اللَّه وإيانا. وحدث [صاحب الترجمة] (¬1) بحلب هو والبرهان الحلبي معًا باشياء، مِنْ ذلك: كتاب "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" للرامهُرْمُزي قرأه عليهما البقاعي. ونَظَمَ القارىءُ إسنادهما، وزعم -جريًا على عادته فيما يصدُر عنه- أنه لم يُسبَقْ لذلك، كما سمعته من لفظه. وقد سُبِقَ لذلك حتى مِنْ شيخه بقوله: زاهد العصر شهاب الدين (¬2) ابن رسلان رحمه اللَّه. وكذا الشمس ابن الجزري وغيرهما. وأملى بمحراب الحنابلة مِنَ الجامع الكبير بها مجلسًا في يوم الثلاثاء خامس عشر رمضان افتتحه "بالحديث المسلسل بالأولية"، حديث الرحمة، وأنشد بعض الحاضرين: يا رحمةَ اللَّه للمُمْلي بجامعنا ... حديثَ أشرف خلق اللَّه في القدمِ دومي عليه برضوانٍ ومغفرة ... على الدَّوام كمُزنٍ هلَّ بالدِّيَمِ ورحلوا (¬3) مع السلطان والعسكر إلى الجسر المعَدّ على الفرات بعد أن استؤذن لكلٍّ مِنَ المالكي والحنبلي في الإقامة بحلب، لعجزهما حسًّا ومعنى، فأذن لهما. بل وأرفد كل واحدٍ منهما بثلاثمائة دينار. كل ذلك بسفارة [المهتار علي] (¬4) الزيبق. وسمع شيخُنا بظاهر البيرة مِنْ لفظ القاضي كمال الدين محمد ابن القاضي ناصر الدين محمد ابن البارزي صاحب ديوان الإنشاء في يوم السبت ¬

_ (¬1) ساقطة من (ب). (¬2) في (ب، ط): الشهاب. (¬3) في (أ): "ورجعوا". (¬4) ساقطة من (ب، ط).

سادس عشري (¬1) رمضان "قصيدة الأديب شيخ علي" التي امتدح بها البدر ابن الشهاب محمود، وهي مشهورة، كان الكمال سمِعَها مِنْ ناظمها، وكان صاحب الترجمة أيضًا سمعها قبل ذلك مِنَ القاضي ناصر الدين والد الكمال المذكور، وأولها: ألا يا نسمة الرِّيحِ ... قفي أُبديك تبريحي قفي أسألكِ عَنْ قلبي ... وإنْ شئتِ أقُلْ رُوحي قال: وهي طويلة، وقَعَتْ له فيها أشياء مستحسنة، فعرضها الممدوحُ على الشيخ أبي بكر المنجم، فقرَّضَها بأبيات في قافيتها ووزنها، ومدح في آخرها الممدوح المذكور، وأرسلها إليه، فشرع شيخ علي ينتقد فيها أبياتًا يدعي على (¬2) المنجم فيها الخطأ، فبلغ ذلك المنجم، فناقض القصيدة الأولى بقصيدة مُجونٍ على طريق ابن الحجاج، أجاد فيها إلى الغاية، أولها: ضُراطُ البغلِ في الرِّيحِ ... على فرش مِنَ الشِّيحِ وأذن السلطان لشيخنا في الرجوع، فرجع مع البدر العنتابي إلى بلده عين تاب، فصلَّيا عيد الفطر بها، وكان يوم الخميس. وسمع عليه بظاهرها -قال-: بقراءة رفيقنا -يعني في السفر- ناصر الدين محمد ابن المرحوم شهاب الدين ابن المهندس ثلاثة أحاديث، أحدها من "مسند أحمد"، والآخران من "صحيح مسلم". ثم توجَّها إلى حلب، فدخلاها يوم السبت ثالت شوال، فأقاما بها. وعقد مجلس الإملاء أيضًا في ثالث عشر شوال، فحضره أعيانُ الحلبيين، ومنهم: الشيخ برهان الدين المذكور قبلُ، والعلامة البدر ابن سلامة، وأعيان المصريين، ومنهم: رفيقُه القاضي الحنفي. وقرأ الشمس ابن خليل بجوقته المُطربة، وفُرِّقت الرَّبعة، واستمر يُملِي (¬3) بها كلَّ يوم ثُلاثاء حتى أكمل ستة مجالس غير الأول. وكان انتهاء إملائه فيها في ¬

_ (¬1) في (أ): "عشر". (¬2) "على" ساقطة من (أ). (¬3) "يملي" ساقطة من (ب).

يوم الثلاثاء تاسع عشري (¬1) ذي القعدة، وكان المستملي عليه في كلِّها تلميذه ورفيقه في السفر القاضي العلامة نور الدين ابن سالم المارديني، لكونه (¬2) لم يكن معه أجلَّ منه عنده، ولا أحبَّ، مع ما هو متَّصِفٌ به مِنَ اللّين والرفق والتواضع وعدم الدعوى وغيرها. ورحل منها في غضون ذلك إلى جبرين -قرية مشهورة بشرقِيِّها- فقُرىء بها عليه وعلى القاضي علاء الدين ابن خطيب النَّاصرية كتاب "الأربعين" لابن المجبِّر في يوم السبت سبع عشر شوال (¬3) روياها معًا عن علي بن إبراهيم بن علي بن يعقوب بن محمد بن صقر الحلبي، فبالسمع: القاضي علاء الدين، وبالإجازة: صاحب الترجمة. لكنه روى لهم أحاديثها مِنَ الأماكن المخرَّج منها بعلُوّ مِنْ حفظه، حتى تعجَّبَ الجماعة. قلت: وهذا القدر سهلٌ بالنِّسبةِ لعلي مقامه. وقد كنت أسأله عن أسانيدَ، فيكتبها لي بخطِّه مِنْ حفظه. وبلغني أن الظاهر جقمق أمرَ القاضي وفي الدين السفطي بإسماع عدَّةٍ مِنْ كتب الحديث بالجامع الأزهر، ففعل ذلك، وأمر بإخفاء يوم الختم عَن صاحب الترجمة، خوفًا مِنْ أن يكون هو صاحبَ المجلس، فاتفق أنه علم، فحضر وبقي كلَّما أخذ القارىء -وهو الحاكي لي ذلك -كتابًا يسرُدُ شيخنا سَنده مِنْ حفظه، حتى خُتِمَتِ الكتُبُ كلُّها، فتعجب النَّاسُ، وكاد السفطي -رحمهما اللَّه- أن يُقدَّ غبنًا. والمقام وراء هذا كله. ومِنَ النُّكت التي عملها مع السفطي أيضًا، وانزعج لذلك، أنَّ شيخنا كان يقدِّمُه في كثير مِنَ المواطن للإمامة لجهورية صوته وفصاحته، وحُسّنِ تلاوته، ومحبَّته لذلك. فاتفق أن السفطي جاء ليعوده مِنْ رمدٍ أصابه، وصاحب الترجمة إذ ذاك متغيِّرُ الخاطر منه. وحضرت صلاةُ المغرب، فتقدم ¬

_ (¬1) في (ط): "عشر". (¬2) "لكونه" ساقطة من (أ). (¬3) في (أ): "سبع شوال".

شيخنا وقرأ سورة المرسلات وقد عُلِمَتْ آياتها. وانقضى المجلس، فلم يحتمل السفطيُّ ذلك، وصرّح بحصول نكايته مِنْ خصوص قراءة السورة المشار إليها. وذكرتُ ذلك هنا استطرادًا. وكتب عن الشرف يحيى بن أحمد بن العطار الموقِّع، وهُما بالزاوية المعروفة بخضر ظاهر حلب في يوم الثلاثاء سادس شوال عن أخيه ناصر الدين حكاية. وقال إن الشَّرف أنشده بالمكان المذكور، قال: أنشدنا شمسُ الدين محمد بن أحمد بن البَردَدَار الحلبي لنفسه قصيدة يهجو فيها الشيخ شرف الدين يعقوب بن جلال التّباني، وهو يومئذٍ وكيل بيت المال وناظر الكسوة. يا بَنِي التَّبان أنتم ... أجْوَرُ النَّاس وأخْسَرْ كسوةَ البيت سرقتُم ... وفعلتم فعلَ مُنكرْ هل رأيتم حنفيًّا ... باع بيتَ المالِ يجهرْ . . . الأبيات. وقد سمع صاحب الترجمة مِنَ الشرف أيضًا غيرَ ذلك، فقرأت بخطه بظاهر "معجمه": سمعت بالقرب مِنْ صَرفند مِنْ عمل فلسطين مِنْ لفظ شرف الدين يحيى بن العطار الموقع منامًا رآه، فيلحق في "فوائد الرحلة" في الجزء الرابع. انتهى. وسمع في حادي عشر شوال على البرهان إبراهيم بن علي بن ناصر الدمياطي، بقراءة ابن سالم جزءًا فيه "منتقى من مسند الحارث"، و"منتقى من العلم لأبي خيثمة"، وذلك بالقرب من السحلولية ظاهر حلب، وكتب عنه أبياتًا مِنْ قصيدة لشيخنا البلقيني، وسمع بالباب وبُزَاعة مِنَ الشهاب أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن الرسام شيئًا، وبقرية سَرْبَس في يوم الأحد رابع عشرين ذي القعدة بقراءة ابن المهندس على الزين عمر بن السفاح كاتب سر حلب يومئذٍ حديثًا مِنْ "عشرة الحداد"، ومن لفظ نقيبه الشهاب أحمد بن يعقوب بظاهر النَّبْك حديثًا من "البخاري" بسماعه مِنْ شيخه الزين العراقي.

وعاد إلى حلب، فأقام بها إلى أن رجعتِ العساكرُ، فتوجَّه معهم في يوم السبت سابع ذي الحجة، ووصلوا إلى القاهرة -كما قرأته بخطه- في يوم الأحد العشرين مِنَ المحرم سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، بعد أن خطب صاحبُ الترجمة بالسلطان -إذ أمره بذلك- في جامع بني أُمية يوم الجمعة سابع عشري ذي الحجة في وداع السَّنة، وارتحلوا مِنْ دمشق في اليوم الذي يليه، وهو السبت، ووصلوا غزة يوم الثلاثاء ثامن (¬1) المحرم، وارتحلوا منها بعد يوم الخميس عاشر المحرم. وكان قد علَّق بخطِّه في حال إقامته بالشام وحلب أشياء كثيرةً جدًّا، تزيد على مجلدين، فمن ذلك: أنه انتقى من "شرح البخاري" للحافظ برهان الدين الحلبي مجلدًا، وانتقى "تاريخ قزوين" للرافعي المسمى "بالتدوين"، وانتقى "زوائد الألغاز للغَزِّي" ولخص "ثبت البرهان الحلبي"، وطالع "تاريخ العلاء ابن خطيب الناصرية"، إلى غير ذلك مما لا يمكنني ضبطه. وقُرئَتْ عليه هناك أشياء كثيرةٌ روايةً ودرايةً، فمن الرواية: "مسند الشافعي"، ومن الدراية "شرح التحفة"، وسمعته يقول: استفدت في هذه الرحلة أن اسم أبي عُمير بن أبي طلحة حفصٌ، نقلته من كتاب "فاضلات النساء" لابن الجوزي، وألحقته في الأدب مِنَ الشرح. ولم يكن صاحب الترجمة وقف على الكتاب المذكور قبل ذلك، بل أرسل الشيخ برهان الدين الحلبي إلى مَنْ هو عنده مِنْ أهلِ حلب، فأحضر إليه وهو المنبِّه له على ذلك أولًا. وكان رحمه اللَّه يقول: لم أستفد مِنَ البرهان المذكور غيرَ ذلك. ورافقه في هذه السفرة قريبُه شعبان، ونقيبه الشهاب ابن يعقوب، وموقِّعُه ناصر الدين ابن المهندس، وخصيصه مِنْ تلامذته القاضي نور الدين ابن سالم، وأحد تلامذته: البقاعي. وغيرهم مِنَ الأتباع. وبيَّن في هذه السفرة بسائر البلاد التي اجتاز بها فساد ما بثَّه الشمس ¬

_ (¬1) في (أ): "من المحرم".

محمد بن أحمد الفُرَّياني المغربي من الأسانيد المركَّبة المختلقة في تلك النواحي، ورجع كثيرٌ عن الرواية عنه. والمذكور -كما قال شيخنا في حوادث سنة ثمان وأربعين من "أنباء الغمر" (¬1) فيه- أطنب الجَوَلَانَ في قرى الرِّيف الأدنى، يعمل المواعيد، ويذكِّرُ النَّاسَ، وكان يستحضر مِنَ التاريخ والأخبار الماضية شيئًا كثيرًا، ولكن كان يخلِطُ في غالبها، ويدَّعي معرفة الحديث النبويِّ، ورجال الحديث، ويبالغ في ذلك عند مَنْ يستجهله، ويقصر في المذاكرة بذلك عند من يعرف أنه مِنْ أهل الفن، وراج أمرُه في ذلك دهرًا طويلًا. وذكر أنه وليَ قضاء نابلس، وأنَّه توجَّه إلى الجبال المقدسة، وأورد شيئًا مِنْ منكر أفاعيله. وقال قبل ذلك في حوادث سنة سبع وثلاثين (¬2). إنه تحوَّل شافعيًّا لما وَلِيَ قضاء نابلس. قال: وهو كثير الاستحضار للتواريخ، وكان يتعانى عمل المواعيد بقُرى مصر وبدمياط وبلاد السواحل، وصَحِبَ الناس، وهو حسنُ العشرة، نَزِهٌ عفيف. وقد حدَّث بحلب عن أبي الحسن البطرني، وما أظنُّه سمع منه. فإنه ذكر لنا أن مولده سنة ثمانين ببلده، وكان البطرني بتونس، ومات بعد سنة تسعين. ورأيت له عند أصحابنا بحلب إسنادًا "للمسلسل بالأولية" مختلقًا إلى السِّلَفي، وآخرَ أشد اختلاقًا منه إلى أبي نصر الوائلي، وسُئلتُ عنهما، فبيَّنتُ لهم فسادهما. ثم وقفت مع جمال الدين ابن السابق الحموي على كراسة كتبها عنه بأسانيده في الكتب الستة أكثرها مختلق، وجلُّها مركب، وأوقفني الشيخ تقي الدين المقريزي له على تراجم كتبها له بخطه، كلُّها مختلقة إلا الشيء اليسير، غفر اللَّه لنا وله. قلت: وقد كان التقي المقريزي كثير الاعتماد على هذا فيما يخبره به مما يتعلق بالتاريخ، من غير إفصاح (¬3) بالنَّقل عنه على عادته، واللَّه الموفق. ¬

_ (¬1) 9/ 226 - 228. (¬2) إنباء الغمر 8/ 304. (¬3) في (أ): "إيضاح".

[ذكر الأماكن التي زارها الحافظ ابن حجر]

[ذكر الأماكن التي زارها الحافظ ابن حجر] وقد بدا لي أن أذكر الأماكن التي تقدم ذكرها من البلاد والقرى، مرتبًا لها على حروف المعجم، ليكون ذلك أنموذجًا لما عزمت على فعله مِنْ تخريج البلدانيات لصاحب الترجمة، لأني لم أقف على تخريجه لذلك، وإن كنت وجدت بخطه قائمة فيها الأسماء، لكن بغير ترتيب، كما سأحكي صورة ذلك عند الفراغ مما عملته، وهي: إسكندرية، إمبابة، الباب، وبزاعة، بلبيس، بيت المقدس، ألبيرة، بيسان، تعز، تل السلطان، جبرين، جدة، جزيرة الفيل، الجيزة، حلب، حماة، حمص، الخربة، خُليص، الخليل، دمشق، الرَّملة، زبيد، الزعيفرينة، سَرْبَس، سرياقوس، صالحية دمشق، صالحية القاهرة، الطور، عدن، عين تاب، غزة، القابون التحتاني، القاهرة، القرافة، قطيا، قوص، كفر الرواح من قرى صرفند، المدينة النبوية، المرج، مصر، مكة، منى، المُهْجَم، نابلس، النَّبْك، النَّيرب، هُو، وادي الحصيب، ينبع.

ذكر القائمة المشار إليها ونصها: "البلدانيات" لكاتبه

ذكر القائمة المشار إليها ونصها: "البلدانيات" لكاتبه (¬1) [اسم البلد (¬2)] ... [اسم الشيخ (¬3)] ... [الكتاب المقروء عليه (¬4)] مكة ... ابن صدِّيق ... من "مسند عبد" المدينة ... ابن السقاء ... "جزء الحوراني" منى ... ابن حسين ... ثاني الطهارة ينبع ... الشيباني ... الثاني من "الترمذي" خُليص ... القزويني ... من "الترمذي" الطُّور ... المرجاني ... من "ابن جميع" زَبيد ... المجد ... من "مشيخة الفخر" تعز ... النفيس ... من "أسباب" الواحدي وادي الحصيب ... الجمال المصري ... من. . . . . (¬5) عدن ... ابن المستأذن ... شعر جدّة ... خليل ... شعر ¬

_ (¬1) ينقل السخاوي في هذه القائمة عن شيخه الحافظ ابن حجر أسماء الأماكن التي أخذ فيها العلم، ويذكر بإزاء كل واحدٍ منهم اسم شيخه ويعقبه بذكر الكتاب الذي قرأه عليه، وقد رتبت هذه القائمة في جداول ليسهل الانتفاع بها. (¬2) و (¬3) و (¬4) ما بين حاصرتين زيادة مني. (¬5) بياض في الأصول.

سرياقوس ... الإبشيطي ... من "الأنصاري" قطيا ... الفاسي ... من "ابن الجراح" غزة ... الخليلي ... من "ابن مسدي" الخليل ... المنبجي ... من "البطاقة" القدس ... القلقشندي ... من. . . . . (¬1) نابلس ... ابن الحكم ... من "المستجاد" الرملة ... ابن زغلش ... من "الأنصاري" دمشق ... ابن تميم ... من "الدارمي" الصَّالحية بدمشق ... البالسي ... من "الدارقطني" أو غيره الإسكندرية ... ابن الموفق ... من. . . (¬2) مصر ... الزفتاوي ... من "الشافعي" القاهرة ... الشامي ... من "جزء أبي الجهم" جزيرة الفيل ... العراقي ... من "المسند" إنبابة ... ولد العراقي ... من "مسند السَّرَّاج" الصَّالحيَّة ... ابن كميل ... من. . . . (¬3) بَيسان ... المحب ... من "أبي داود" الخربة ... العزّ ... حكاية القابون ... ابن عرب شاه ... شعر حماة ... ابن مكتوم ... من "عشرة الحداد" تل السلطان ... البساطي (¬4) ... حكاية ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) بياض في الأصول. (¬4) في (أ): "البسطامي"، والبساطي هو محمد بن أحمد بن عثمان (ت- 842 هـ). قال الحافظ في "المجمع المؤسس" 3/ 266: سمعت من فوائده في السَّفرة التي سافرناها مع الأشرف إلى حلب -فإنَّا ترافقنا- فعلقت عنه في المذاكرة فوائد.

[الاعتناء بالبلدانيات]

حمص ... ابن القوَّاس ... حكاية قارا ... ابن يعقوب ... حديث من "البخاري" حلب ... البرهان ... من "مشيخة الفخر" البيرة ... البارزي ... شعر عِنتاب ... البدر ... من "مسلم" جبرين ... العلاء الحاكم ... من "أربعي ابن المجبّر" سَرْبَس ... ابن السَّفَّاح ... من "عشرة الحداد" الباب ... ابن الرَّسَّام ... من "أربعي المرداوي" انتهى وبقي مما سبق ما رقمتُ عليه بالهندي، وهو عشرة أماكن لتتمة تسعة وأربعين. وكذا رأيت قائمة بخطِّ الحافظ الذهبي، ذكر فيها البلاد التي سمع فيها، وأورد في كلِّ بلد شيخًا، وعدَّتها ثلاثة وأربعون. [كتبتها بخطي في المجموع الثلاثين] (¬1). [الاعتناء بالبلدانيات] والاعتناء بالبلدانيات أول من ابتكره -فيما علمت- أبو بكر عتيق بن علي بن داود بن السَّمنطاري الصُقليِّ، تلميذ أبي نُعيم الأصبهاني، وكانت وفاته في سنة أربع وستين وأربعمائة، والحافظ السِّلفي، وتبعه ابنُ عساكر، ثم الحافظ أبو يعقوب يوسف بن أحمد بن إبراهيم الشيرازي، ثم البغدادي، فإنَّه -أيضًا- جمع "الأربعين البلدانيات". قال الذهبي: وأجادَ في تصنيفها. ثم القاضي أبو البركات محمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي الأنصاري الموصلي الشافعي، ثم الفقيه أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن أبي الصَّيف اليماني الشافعي، رأيت له في أوقاف الكاملية "أربعين حديثًا ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

بلدانية"، لكن تبيَّن لي أن سماعه عليهم إنما هو بمكة، مع كونهم مِنْ أربعين بلدًا. ثم الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد اللَّه الرُّهاوي الحنبلي، عمل "الأربعين المتباينة الإسناد والبلدان" [قال الذهبي] (¬1): وهذا شيءٌ لم يسبقه إليه أحد، ولا يرجوه أحد بعده. وهو كتابٌ كبير في مجلَّدٍ ضخم مَنْ نظر فيه، علم سعته في الحديث والحفظ، لكنه تكرَّر عليه -كما نبَّه عليه المزِّي (¬2) - ذكرُ أبي إسحاق السَّبيعي، وسعيد بن محمد البحيري. ثم جماعة، كعلي بن محمد بن يحيى الجيَّاني والصَّدر أبي علي الحسن بن محمد البكري، والوجيه أبي المظفر منصور بن سليم السكندري المالكي، ويعرف بابن العمادية، له "أربعون حديثًا في أربعين موضعًا"، بعضها بلدان وبعضها قرى ومحالُّ، وأبو عبد اللَّه محمد بن محمد بن حسين بن عبْدَك الكيخي (¬3)، خرج "الأربعين البلدانيات"، وابن الظاهري، والدمياطي، والقطب الحلبي، والبرزالي، والذهبي، بل والتقط من "المعجم الصغير" للطبراني "الأربعين البلدانيات" [والوادي آشي] (¬4)، وكتبها البرزاليُّ عنه، والشرف عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم بن محمد الواني (¬5) الحنفي عمل "الأربعين البلدانية". وأبو العباس أحمد بن سعيد (¬6) بن عمر السِّيواسي، والتقي ابن عَرَّام السكندري، والعراقي شيخ صاحب الترجمة، وآخرون. وخرجتُها مُقتديًا بهم في ذلك، فبلغت عدَّةُ البلادِ والقرى ثمانين، ¬

_ (¬1) بل الذي نبه على ذلك الذهبي في "السير" 22/ 72، ونقله عنه ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" 2/ 85. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (أ): "عبد"، وفي الأصول الثلاثة "الكنجي"؛ وهو تحريف، والتصويب من المعجم المختص بالمحدثين ص 220، ومعجم الشيوخ 2/ 267، وكلاهما للذهبي. (¬4) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬5) في (أ): "الوالي"، تحريف. وانظر ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 282 - 283. (¬6) تحرف في (ط) إلى "سعد". وانظر "المعجم المختص" للذهبي ص 19، والدرر الكامنة 1/ 136.

خرجت في كل بلد أو قرية عن واحدٍ مِنْ أهلها أو القادمين إليها حديثًا أو أثرًا أو شعرًا أو حكاية. ومما وقع لي مِنْ نظم صاحب الترجمة مما كان يرسله في صدر مطالعاته في حال توجهه في السفرة الحلبية قوله: كلُّ يوم يمضي أقولُ انقضى ... البَيْن فازداد بالرحيل البعادا فمتى تنتهي (¬1) بنا مدة التَّرحا ... ل حتى ألقى بسعدي سُعادا وقوله: كلَّما أسفر النَّهار وَجَنَّ اللَّيـ ... ـلُ أزدادُ لوعةً واشتياقا كيف لا والدِّيارُ تبعدُ عنِّي ... كلَّما سرتُ أو بعدتُ فراقا يا ديارَ الأحباب هل مِنْ رُجوعٍ ... لمشوقٍ إليك يشكو الفراقا وقوله: أشتاقُكُم شوق العليل إلى الشِّفا ... ودياركُم في كلِّ (¬2) يوم تَبعُدُ وأودُّ طيفَ خيالكم لو زارَنِي ... لكنَّ عيني بالكرى لا تُسْعِدُ ولما سمعهما قاضي الحنابلة المحب ابن نصر اللَّه، أنشد لنفسه: شوقي إليكم لا يُحَدُّ وأنتمُ ... في القلب لكن للعيان لطائفُ فالجسمُ عنكم كلَّ يومٍ في نوى ... والقلبُ حول رُبَى حِمَاكُم طائفُ وكان الخليفة أمير المؤمنين المعتضد العباسي كثير الإكرام لشيخنا والإهداء له، فكتب إليه قوله: يا سيدًا سادَ بني الدُّنيا فَهُم ... تحت لوائه الكريم المنعقد ¬

_ (¬1) في (أ): "تنقضي". (¬2) "كل" ساقطة من (أ).

أمددتني فضلًا وشُكرِي قاصرٌ ... فإن أردْتَ الشُّكر منِّي فاقتصدْ أشْبَهْتَ عباسَ النَّدى في المَحْلِ إذ ... أطاعه الغيثُ وكان قد فُقِدْ إلى أبي الفضل انتهى الجودُ وفِي ... أولاده بقيةٌ، فَسَلْ تَجدْ ما جَدَّ حتى حازَ جُودَ جدِّه ... إلا أمير المؤمنين المعتضِدْ ومن نظمه بعد أن سافر عن حلب، وكان قد تزوج بها امرأة يقال لها (ليلى) وفارقها عند إرادة الرحيل، حيث لم يتيسر له أن يرحل بها معه (¬1). رحلتُ وخلَّفْتُ الحبيب بداره ... برغمي ولم أجنح إلى غيره ميْلا أشاغِلُ نفسي بالحديث تعلُّلًا ... نهاري وفي ليلي أحِنُّ إلى لَيْلَى وفي المعنى ممَّا يُنسبُ إليه: قف واستمع طربًا فليلى في الدُّجا ... باتت معانقتي ولكن في الكرى وجرى لدمعي رقصة بخيالها ... أتُرى دَرى ذاك الرَّقيبُ بما جرى ومن نظمه قبل ذلك: مَنْ لديارٍ عن مقيلي شاسعة ... وأمس كانت لمقالي سَامِعَهْ أدعو فلا يُجيبني إلا الصَّدا ... رجعَ خطاب لا يفيدُ سامِعَهْ ومنزلًا كان لطرفي مَنْزَهًا ... به فُلَيْذاتُ حشايَ الهالعهْ محمدٌ وأحمدُ ابن أخته ... وأُمُّه وأختها ورابعه أربعةٌ أصلٌ وفرعٌ خامسٌ ... أُفَدِّيه بزهرة تزفُّه يانعهْ وأمُّهم جامعةُ الشَّملِ لهم ... كأنَّ رُوحي بعدهم في جَامِعَهْ حفاظ غيبي (¬2) وبدُور منزلي ... ونُور عيني وشموسي الطَّالِعَهْ ¬

_ (¬1) في (أ): "ترحل معه". (¬2) في (أ): "عيني".

يرتاح قلبي عند ذكراهم كما ... تهتزُّ خضراءُ لصوب هامعهْ نفسي تذوب مِنْ نارِ (¬1) النَّوى ... فتستمدُّ منه عيني الدَّامعهْ ما فارَقَتهُم عن قِلى نفس دَعَت ... داعية الحجِّ فلَبَّتْ طائعهْ تَؤُم بيْتَ اللَّه ترجُو عفوه ... ورحمةُ اللَّه الكريم واسِعَهْ وتَرْتَجي بعد قضاء حاجها ... مِنْ حَجِّها أن تستقِلَّ راجعَهْ ¬

_ (¬1) في هامش (ح): لعله "حرارات".

شيوخه

شيوخه وأما سرد من تحمل عنهم رواية، وكذا من استفاد منهم، وقسمتهم أقسامًا. الأول: فيمن سمع منه الحديث، ولو حديثًا تامًّا (¬1). الثاني: فيمن أجاز له ولو في استدعاءات بنيه، وإن كان فيهما مع الثالث مَنْ هو في السند مثله أو يليه. الثالث: فيمن أخذ عنه مذاكرةً أو إنشادًا، أو سمع خطبته أو تصنيفه، أو شهد له ميعادًا، وربما يكون في كل منهما من تلمذ له، وعنه استفاد، على جاري العادة بين الحُفَّاظ والنُّقَّاد، إذ في إيراد كل مَنْ كتب عنه مِنَ الشيوخ والتلامذة والأقران، دلالة على محبَّته للعلم، وعلوِّ مرتبته في هذا الشأن. وقد جعلهم صاحبُ الترجمة في "معجمه" على قسمين، فرقَّمت علو كلِّ اسم بالقلم الهندي (¬2) محلَّه منهما، وأخَّرت منهما دون العشرين نفسًا إلى ذكر الطَّلبة، مع الرقم عليهم أيضًا وكذا زدت (¬3) طائفة قليلة لم يذكرهم رقّمت عليهم (زاي)، واللَّه المستعان. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): تمامًا. (¬2) وهي الأرقام المتداولة الآن في العربية ويلاحظ أن هذه الأرقام لم ترد في نسخة (ب)، وكذا لم يرد بعضها في نسخة (ط). وقد رأيت وضع هذه الأرقام أمام الاسم منعًا للبس. وقد جمع الحافظ ابن حجر أسماء شيوخه في كتابه المسمى: "المجمع المؤسس"، والذي طبع بتحقيق د. يوسف مرعشلي. (¬3) في (ط): "رأيت"، تحريف.

القسم الأول

القسم الأول [1] إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن التنوخي. [1] إبراهيم بن داود بن عبد اللَّه الآمدي. [ز] إبراهيم بن علي بن ناصر الدمياطي. [1] إبراهيم بن محمد بن إبراهيم النابلسي العطار، عُرف بابن العفيف. [1] إبراهيم بن محمد بن صديق أبي بكر بن إبراهيم الدمشقي، عرف بابن صدِّيق. [1] إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن مسلم الصالحي، عرف بابن المُدَرْكِل. [2] إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي. [2] إبراهيم بن محمد بن مفلح الصالحي الحنبلي. [1] إبراهيم بن موسى بن أيوب الأنباسي الفقيه. [2] أحمد بن إبراهيم بن أحمد القوصي ثم اليمني. [2] أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن العديم الحلبي. [1] أحمد بن إبراهيم بن معتوق أبو بكر (¬1) الكردي الدمشقي (¬2). [2] أحمد بن إسماعيل بن خليفة الحُسباني. [1] أحمد بن آقبرص بن بلغاق الكنجي. [2] أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن الرسام. [1] أحمد بن الحسن بن محمد بن (بن محمد) (¬3) بن زكريا السُّويداوي. ¬

_ (¬1) و (¬2) لم ترد في (ب) وأضيفتا في (ح) بخط المصنف. (¬3) ساقطة من (أ).

[1] أحمد بن الحسن البَيْدقي المصري، أمين (¬1) الحكم بها. [2] أحمد بن داود بن إبراهيم القطان. [2] أحمد بن راشد بن طرخان الملكاوي. [1] أحمد بن عبد اللَّه بن رشيد الحجري السُّلمي. [1] أحمد بن عبد اللَّه بن محمد بن محمد أبو اليسر بن الصائغ. [2] أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل ابن ناظر الصَّاحبة الدمشقي. [2] أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي. [1] أحمد بن عبد القادر بن محمد بن الفخر البعلي. [2] أحمد بن علي بن إسماعيل بن الظُّرَيِّف. [1] أحمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الحق. [1] أحمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن سُكر. [1] أحمد بن علي بن يحيى بن تميم بن حبيب الحسيني. [1] أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصمد الجوهري. [1] أحمد بن عيسى بن موسى بن سليم الكركي الأزرقي. [1] أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن زَغْلِش. [1] أحمد بن محمد بن أبي بكر بن محمد الواسطي. [1] أحمد بن محمد بن عبد اللَّه التاج ابن الخرَّاط السكندري. [2] أحمد بن (محمد بن) (¬2) عبد الرحمن (¬3) البلبيسي ثم الخَطِيري. ¬

_ (¬1) في (ب): "أمير"، تحريف. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (أ). (¬3) في (ط): "عبد الرحيم"، خطأ.

[1] أحمد بن محمد بن عبد الغني بن شافع الأزدي السكندري. [2] أحمد بن محمد بن عبد القادر بن عثمان النابلسي. [2] أحمد بن محمد بن عبد الكريم التِّزمِنْتي. [1] أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر الخليلي، نزيل غزة. [1] أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن مُثبِّت. [1] أحمد بن محمد بن محمد بن عبد المهيمن البكري، ابن خطيب بستيل. [1] أحمد بن محمد بن محمد بن الناصح. [2] أحمد بن موسى بن نصير المتبولي. [2] أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني. [2] أحمد بن نصر اللَّه بن أحمد البغدادي الحنبلي. [ز] أحمد بن يعقوب الأزهري. [2] إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الصمد (¬1) الجبرتي. [1] إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي المجد الحنفي. [1] أسماء ابنة أحمد بن محمد بن عثمان ابنة الحليبي الصالحية. [2] أنس بن علي بن محمد الأنصاري. [2] أبي ملك ابنة إبراهيم بن الشرائحي، أخت الجمال عبد اللَّه وعائشة. [1] أبو بكر بن إبراهيم بن العز محمد بن العز إبراهيم بن أبي عمر المقدسي الفرائضي. ¬

_ (¬1) في الأصول "عبد اللَّه"، والتصويب من المجمع المؤسس 3/ 83.

أبو بكر بن إبراهيم بن معتوق الكردي الدمشقي [هو أحمد مضى] (¬1). أبو بكر بن حبيب، ويسمى محمدًا في (ثابت). [1] أبو بكر بن الحسين بن عمر المراغي. [1] أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد (¬2) بن عبد الهادي المقدسي. [1] أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة. [1] أبو بكر بن عثمان بن خليل بن محمود الحوراني. [2] أبو بكر بن علي بن أبي بكر بن الحكم النابلسي. [1] بهادر بن عبد اللَّه الأرمني. [2] تجار ابنة محمد بن مسلم البالسي. [1] ثابت بن محمد بن أحمد بن علي، أبو بكر بن حبيب. [1] جار اللَّه بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشيباني. [1] الحسن بن محمد بن الحسن النَّسابة. [1] الحسن بن محمد بن محمد بن أبي الفتح البعلي. [1] الحسن بن موسى بن إبراهيم بن مكي المقدسي الشافعي. [2] حماد بن عبد الرحيم بن علي التركماني. [1] خليل بن علي بن أحمد بن بُوزَبَا. [2] خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم الأقفهسي. [1] خديجة ابنة إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكية. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، والفقرة كلها والتي تليها سقطتا من (ط). (¬2) في (ط): "عبد المجيد"، تحريف.

[1] خديجة ابنة أبي بكر بن علي الصالحي الكوري. [1] داود بن أحمد بن علي بن حمزة البقاعي. [1] رقية ابنة علي بن محمد بن أبي بكر الصَّفدية. [1] زينب ابنة أبي بكر بن أحمد بن جعوان الدمشقية. [1] سلمان بن محمد بن عبد الحميد البغدادي. [1] سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي ابن السقا. [1] سليمان بن عبد الناصر بن إبراهيم بن محمد الأبشيطي. [1] سارة ابنة التقي علي بن عبد الكافي السُّبكي. [1] ست الكل ابنة الزين أحمد بن محمد القسطلاني، أم الحسن. [1] سوملك ابنة عثمان بن غانم الجعفرية. [1] صالح بن خليل بن سالم الغزي. [1] ضوء الصباح: هي عائشة ابنة محمد بن أحمد. [2] طاهر بن الحسن بن عمر بن حبيب. [1] ظهيرة بن حسين بن علي المخزومي المكي. [2] عبد اللَّه بن إبراهيم بن خليل بن الشرائحي. [2] عبد اللَّه بن أحمد بن علي العرياني. [1] عبد اللَّه بن خليل بن أبي الحسن الحرستاني. [1] عبد اللَّه بن سليمان بن عبد اللَّه الأجاري، يعرف بابن شحادة (¬1). [1] عبد اللَّه -ويلقب عبيدًا- بن عثمان بن حَمِيّة الصالحي العطار. ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي "المجمع المؤسس" 2/ 22، والضوء اللامع 5/ 20: "ابن سحارة".

[1] عبد اللَّه بن علي بن محمد بن عبد الحميد الفندقي القباقبي. [1] عبد اللَّه بن علي بن محمد بن علي العسقلاني. [1] عبد اللَّه بن عمر بن علي بن مُبارك الحلاوي. [1] عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم بن لاجين الرشيدي. [1] عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن عُبيد اللَّه الصالحي. [1] عبد اللَّه بن محمد بن محمد بن سُليمان بن عطاء، الكمال بن خير السكندري. [1] عبد اللَّه بن محمد بن محمد بن سليمان بن موسى النشاوري. [2] عبد الحميد بن عبد الرحيم، هو حماد. [1] عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك الغزي ابن الشيخة. [2] عبد الرحمن بن حيدر بن علي الشِّيرازي. [1] عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن خليل الحَرَسْتاني. [1] عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن محمد بن الفخر عبد الرحمن بن يوسف البعلي. [1] عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن السَّلعُوس. [2] عبد الرحمن بن علي بن يوسف الزَّرندي المدني الحنفي. [1] عبد الرحمن بن عمر بن مجلي بن عبد الحافظ البيتليدي الوراق. [1] عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن لاجين الرشيدي. [1] عبد الرحمن بن محمد بن حامد بن أحمد المقدسي. [1] عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا السيفي التنكزي. [1] عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر ابن تاج الرئاسة الزبيري.

[1] عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد الكَفْرَيَيِّي (¬1) الحنفي. [1] عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي. [1] عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن عبد الكريم بن رزين. [1] عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر الطِّيبي. [1] عبد القادر بن إبراهيم بن (محمد بن) (¬2) عبد اللَّه الأرموي. [1] عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر اللَّه الفراء ابن القمر. [2] عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز النَّستراوي. [1] عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الحلبي. [1] عبد اللطيف، أخو الذي قبله. [1] عبد الواحد بن ذي النون بن عبد الغفار الصُّردي. [1] عثمان بن أحمد بن عثمان الدَّنديلي. [1] عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى العُبادي الكركي، ثم الدمشقي. [1] عثمان بن محمد بن وجيه بن مخلوف الشيشيني (¬3). [2] علي بن أحمد بن أبي بكر الأدمي (¬4). [2] علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم النُّويري. ¬

_ (¬1) في الأصول "الكفري"، والتصويب من "المجمع المؤسس" 2/ 174، وانظر التعليق عليه. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬3) انظر التعليق (1) ص 155 من هذا الجزء. (¬4) هذه الترجمة لم ترد في (أ).

[2] علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف السُّلمي المكي. [1] علي بن أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد المرداوي. [2] علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي. [1] علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي. [2] علي بن سيف بن علي بن سليمان الأبياري. [1] علي بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن السَّرْنَجي (¬1). [1] علي بن عُبيد بن داود بن أحمد بن يوسف بن مُجلَّى المرداوي الصالحي. [1] علي بن غازي بن علي بن أبي بكر الكوري الصالحي. [2] علي بن محمد بن إبراهيم النابلسي بن العفيف. [1] علي بن محمد بن عبد الكريم الفُوِّي. [1] علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي. [ز] علي بن يوسف بن مكتوم الشيباني الحموي. [ز] عمر بن أحمد بن صالح بن السفاح الحلبي. [1] عمر بن رسلان بن نصر البلقيني. [1] عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن الملقن. [1] عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي. ¬

_ (¬1) تحرف في الأصول إلى "السُّرَيْجي"، والتصويب من "المجمع المؤسس" 2/ 268، حيث ضبطه ابن حجر، فقال: بفتح المهملة، وسكون الراء، وفتح النون بعدها جيم. وذكره في إنباء الغمر 6/ 252 بالصاد، وقال المصنف في الضوء اللامع 5/ 238: الصرنجي، بصاد أو سين مهملة.

[1] عمر بن محمد بن أحمد بن عمر بن سلمان البالسي. [2] عيسى بن علي بن شهريار الكُردي. [2] عيسى بن علي بن محمد بن غانم المقدسي النَّابلسي. [2] عائشة ابنة إبراهيم بن خليل البعلبكية ابنة الشرائحي. [1] عائشة ابنة النجم أبي بكر بن محمد بن عمر بن محمد بن قوام البالسية ثم الصالحية. [1] عائشة ابنة محمد بن أحمد بن عمر بن سلمان البالسية. [1] عائشة ابنة محمد بن عبد الهادي بن يوسف الصَّالحية. [1] غانم بن محمد بن محمد بن يحيى الخشبي المدني. [1] غزال ابنة عبد اللَّه القلقشندية. [1] فاطمة ابنة عبد اللَّه بن محمد الحجاجيَّة الحورانية. [1] فاطمة ابنة محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن المنجَّا التَّنُوحية. [1] فاطمة ابنة محمد بن عبد الهادي الصَّالحية. [1] محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن منيع الورَّاق الصالحي. [ز] محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن القوَّاس الحمصي. [1] محمد بن محمد بن محمد بن أسعد بن عبد الكريم القاياتي. [1] محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن علي التُّونسي. [1] محمد بن محمد بن محمد بن الحسن القِمَني. [2] محمد بن محمد بن [محمد بن] (¬1) عبد اللَّه الشَّارِمْساحي، ابن أخي طلحة. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ط).

[1] محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد اللَّه بن خطَّاب بن اليسر (¬1) المقدسي. [2] محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن الجزري. [1] محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام البالسي. [1] محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن السَّلعُوس التاجر. [1] محمد بن محمد بن أحمد المقدسي. [2] محمد بن محمد بن إسماعيل البكري بن المَكين. [1] محمد بن محمد بن اْبي بكر بن عبد العزيز المقدسي. [1] محمد بن محمد بن الحسن الدَّورَكي. [1] محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى السُّبكي. [1] محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدرة الدِّجْوي. [1] محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن الكويك الربعي شرف الدين. [1] أخوه محمد (¬2) سراج الدين. [1] محمد بن محمد بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن رزين. [1] محمد بن محمد بن عبد الوهاب بن يفتح اللَّه الإسكندري. [2] محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري. [1] محمد بن محمد بن علي بن عمر بن الجلال (¬3) الزِّفتاوي. ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي "المجمع المؤسس" 2/ 455: "ابن أبي اليسر". (¬2) هذه الترجمة لم ترد في (ب). (¬3) كذا في (أ، ب، ط)، والمجمع المؤسس 2/ 469، وفي (ح): "الجَلال"، وكتب فوقها "خف".

[1] محمد بن محمد بن علي بن يحيى بن زكريا المنيحي. [2] محمد ين محمد بن عمر بن عنقة البسكري. [2] محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسي. [1] محمد بن أحمد بن إبراهيم بن داود الأذرعي. [1] محمد بن أحمد بن إبراهيم [بن محمد بن إبراهيم] (¬1) أبو اليُمن الطبري. [ز] محمد بن أحمد (¬2) بن أبي بكر بن الأشقر الحموي. [2] محمد بن أحمد بن خواجا الحموي، ثم المصري الخياط. [2] محمد بن أحمد بن سُليمان (¬3) بن يعقوب بن خطيب داريّا. [1] محمد بن أحمد بن سليمان الفيشي المرجاني السكندري. [1] محمد بن أحمد بن عبد الرزاق بن عبد العزبز بن موسى السكندري (¬4). [2] محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن الحجازي الرَّفاء. [2] محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن التَّقي الفاسي. [1] محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي، ابن المطرِّز. [1] محمد بن أحمد بن علي العسقلاني الشامي. [2] محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن عثمان بن العجمي، أبو جعفر. [1] محمد بن أحمد بن محمد بن الموفق الإسكندري. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب، ط). (¬2) في (أ) محمد بن محمد بن أحمد. (¬3) كذا في الأصول، وفي مصادر الترجمة "سلمان". (¬4) هذه الترجمة لم ترد في (ب).

[2] محمد بن أحمد بن محمد القزويني الصوفي. [1] محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي. [1] محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه الأرموي، ثم الصالحي. [1] محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي. [1] محمد بن أبي بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن السَّرَّاج الدمشقي، ابن أخي الآتي في القسم الثاني في "محمد بن أحمد". [2] محمد بن أبي بكر بن عبد اللَّه الفاوي بن الزكي. [2] محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن جماعة. [2] محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف النجم المرجاني المصري، المكي. [2] محمد الجمال (¬1) المصري أخو الذي قبله. [2] محمد جمال (¬2) الدين، أخوهما المرشدي. [1] محمد بن أبي بكر بن عيسى الهرساني. [1] محمد بن أبي بكر بن محمد بن قرطاس السكندري. [1] محمد بن بهادر بن عبد اللَّه المسعودي الصَّالحي. [1] محمد بن الحسن (¬3) بن عبد الرحيم الدَّقَّاق الصالحي. [1] محمد بن الحسن بن علي الفرسيسي. [2] محمد بن حسن بن علي البيجوري. [1] محمد بن حيان بن أبي حيان محمد بن علي بن يوسف الغرناطي. ¬

_ (¬1) و (¬2) في (أ): "محمد بن"، خطأ، والجمال هو لقب "محمد" في الترجمتين. (¬3) تحرف في (ط) إلى "الحسين".

[2] محمد بن أبي الزَّين (¬1) القيرواني. [1] محمد بن سعيد بن عبد اللَّه الصَّفوي. [2] محمد بن سليمان المرجاني، هو ابن أحمد بن سليمان، تقدم (¬2). [2] محمد عبد اللَّه بن ظهيره الجمال المكي. [1] محمد عبد اللَّه بن يوسف بن هشام. [2] محمد عبد الرحمن بن عبد الخالق البَرْشَنْسِي. [1] محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. [1] محمد عبد الرحيم بن عبد الغني الجزري الإسكندري. [1] محمد عبد الرحيم بن على بن الحسن بن الفرات. [1] محمد علي بن إبراهيم بن أحمد البُزاعي. [1] محمد علي بن أحمد بن هبة اللَّه بن البُوري السكندري. [1] محمد علي بن صلاح الحريري إمام الصَّرْغَتْمُشِيَّة. [1] محمد علي بن محمد بن عقيل البالسي. [1] محمد علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن سُكّر. [1] محمد علي بن محمد بن الزَّراتيتي المقرىء. [1] محمد عمر بن علي السُّحُولي اليمني، ثم المكي. [2] محمد عمر بن عيسى بن موسى البصري بن القرع. [2] محمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز بن سند الحراني. ¬

_ (¬1) في (أ) "الزوين"، تحريف. (¬2) ص 211.

القسم الثاني

[1] محمد بن محمود بن محمد الزَّرندي، ثم الصالحي: زَقَّى. [1] محمد بن يحيى بن عبد اللَّه بن أبي القاسم بن الوَجْدِيَّة. [1] محمد بن بعقوب بن محمد الفيروزابادي. [1] محمد بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الحميد المقدسي. [1] محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الزَّواوي الخياط. [1] محمد بن يوسف بن أحمد بن أبي المجد ابن الحكار. [2] محمود بن أحمد بن موسى العيني. [1] مريم ابنة أحمد بن محمد الأذرعي. [ز] يحيى بن يحيى القباني. آخر القسم الأول وعدة من فيه مائتان وزيادة على ثلاثين نفساً. القسم الثاني وهم رواة الإجازة [1] إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن يوسف بن قُدامة المقدسي. [2] إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن غشم البعلي. [2] إبراهيم بن حجِّي الحسيني الشريف الخليلي. [1] إبراهيم بن خالد المقدسي. [1] إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الأميوطي. [1] إبرا هيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الدمشقي، عُرف بالقرشي.

[1] إبراهيم بن يوسف بن محمد بن مسعود السَّرَّمرِّي ثم الدمشقي العطار. [2] أحمد بن إبراهيم بن أحمد الضياء المرشدي. [1] أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الإسحاقي النقيب. [2] أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي الفتح بن صالح، النجم ابن الكشك. [1] أحمد بن أبي بكر بن أحمد ابن التقي سليمان بن حمزة المقدسي. [1] أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي الصالحي الحنبلي. [1] أحمد بن أبي بكر بن يوسف الخليلي. [1] أحمد بن الحُسين (¬1) النَّصيبي. [1] أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي. [1] أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن المقدسي. [1] أحمد بن عبد القادر بن محمد بن مرتفع النَّيربي. [1] أحمد بن النجم سليمان (¬2) بن محمد الزَّمْلَكاني. [1] أحمد بن أبي العز بن أحمد بن أبي العز بن صالح الأذرعي، الفخر ابن الكشك، عرف بابن الثَّور. [1] أحمد بن علي بن أبي بكر بن محمد بن قوام البالسي. [1] أحمد بن علي بن [محمد بن] (¬3) أيوب القلعي الخيَّاط. ¬

_ (¬1) في (ب، ط, ح): "الحسن"، تحريف. وانظر "المجمع المؤسس" 1/ 352. (¬2) في (1): "النجم بن سليمان"، خطأ. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

[2] أحمد بن علي بن محمد بن ضوء النقيب. [2] أحمد بن علي بن يوسف المحلي الطُّريني. سيأتي في أحمد بن يوسف بن علي (¬1). [2] أحمد بن علي ابن الحبَّال. [1] أحمد بن محمد بن أحمد ابن التَّقي سُليمان بن حمزة المقدسي. [1] أحمد بن محمد أحمد ابن السَّيف الحنبلي. [1] أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عمر ابن السَّلَّار الصالحي. [2] أحمد بن محمد راشد القطان بن خُطْلَيْشا. [1] أحمد بن محمد عبد الغالب بن محمد الماكسيني. [1] أحمد بن محمد عبد الغفار بن خمسين الكندي الإسكندري. [1] أحمد بن محمد علي بن شعبان ابن الجَّوَّازة الصالحي العطار. [1] أحمد بن محمد عيسى بن حسن الياسوفي، ثم الدمشقي. [2] أحمد بن محمد الفلاح المقرىء الإسكندري الفلاحي. [1] أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي غانم الحلبي، ابن الحبَّال. [1] أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد ابن الضياء الهندي المكي. [1] أحمد بن محمد بن موسى بن سند الدِّمشقي، ولد الحافظ المشهور. [1] أحمد بن موسى بن محمد الحبراوي الخليلي. [1] أحمد بن يوسف بن علي بن محمد الطريني, [وذكره في القسم ¬

_ (¬1) الترجمة الأخيرة من هذه الصفحة، وورد بالاسمين في "المجمع المؤسس" 1/ 457 و3/ 61.

الثاني (¬1)، فقال. أحمد بن علي بن يوسف الطريني] (¬2). [1] إسماعيل بن إبراهيم بن مروان الخليلي. [1] إسماعيل بن عمر بن إسماعيل العاملي الصَّفَّار. [2] أُنس ابنة أحمد بن محمود بن حسان الشَّمَّاع. [2] أمة القاهر ابنة قاسم بن محمد بن عمر البعلية. [2] أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي. [2] أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن التقي سليمان بن حمزة، عرف بابن زريق. [1] تتر ابنة العز محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن المنجَّا. [2] حسين بن علي بن سبع البوصيري. [2] حسين بن محمد بن أحمد بن ناصر الهندي المكي. [1] حمزة بن محمد بن يعقوب البعلي. [1] حُلَّة ابنة حن بن محعد بن محمد الدِّمشقي، ابنة الكيَّال. [2] خالد بن القاسم العاجلي. [2] خليل بن سعيد بن عيسى القُرشي. [1] خاتون ابنة محمد بن أحمد بن محمد بن النَّبيه الدَّرانية. [1] خديجة ابنة أبي بكر بن يوسف الخليلي. [1] خديجة ابنة محمد بن أبي بكر بن محمد بن قوام. [1] خديجة ابنة محمد بن أبي الحسين بن أبي عبد اللَّه اليونيني. ¬

_ (¬1) الصفحة السابقة. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

[1] ذو النون: في "يونس" (¬1)، وفي "محمد بن عبد اللَّه بن صالح" (¬2). [1] رقية ابنة محمد بن علي الثَّعلبي، ابنة ابن القارىء. [2] رقية ابنة يحيى بن عبد السلام بن محمد بن مزروع المدنية. [1] زينب ابنة عبد اللَّه بن عبد الحليم بن تيمية. [1] زينب بنت عثمان بن محمد بن لؤلؤ الدِّمشقية. [1] زينب ابنة محمد بن عثمان، السُّكّري أبوها ابن العصيدة. [1] سعد بن عبد اللَّه البهائي السبكي. [1] سعد بن يوسف النووي. [1] سلطان بن الزَّعبوب. في عبد الرحمن بن محمد. [1] ست القصاة ابنة عبد الوهاب بن عمر بن كثير. [1] شمس الملوك ابنة محمد ابن العماد إبراهيم الأيوبي. [1] صدقة بن عبد اللَّه بن علي بن المغربي. [2] صدِّيق بن علي بن صدِّيق الأنطاكي. [1] صفية ابنة إسماعيل بن محمد بن محمد ابن الكشك. [1] صفية ابنة غازي بن علي الكوري. [1] ططر: في تتر. [1] طيْبُغا بن عبد اللَّه المجدي. [2] عبد اللَّه بن علي بن يحيى بن فضل اللَّه العمري. [1] عبد اللَّه بن عمر بن مجلى البيْتليدي. ¬

_ (¬1) ص 228. (¬2) ص 225.

[2] عبد اللَّه بن محمد بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي. [2] عبد اللَّه بن محمد بن محمد بن محمد بن زيد البعلي. [1] عبد اللَّه بن محمد بن محمود البعلي. [1] عبد اللَّه بن محمد بن مفلح المقدسي، ثم الصَّالحي. [2] عبد اللَّه بن محمد البهنسي. [2] عبد اللَّه بن يوسف بن أحمد بن الحسين الكفري. [1] عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل الذَّهبي، ابن ناظر الصَّاحبة. [2] عبد الرحمن بن أحمد بن حمدان الأذرعي الدَّمنهوري. [1] عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد القيسي. [1، 2] عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن ابن العز محمد ابن التقي سليمان بن حمزة الصالحي (¬1). [2] عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن القبابي. [1] عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عثمان، أبو هريرة ابن الذهبي. [1] عبد الرحمن بن محمد بن أبي عبد اللَّه بن سلامة الماكسيني (¬2). [1] عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن ابن الزَّعبُوب البعلي. [2] عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد ابن النَّقَّاش. [1] عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن جابر بن خلدون. [2] عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عمر الزَّبِيدي العلوي. ¬

_ (¬1) رقم عليه المؤلف بالرقمين 1 و2، وقد ترجمه الحافظ ابن حجر في موضعين من "معجمه": انظر 2/ 141 و3/ 149. (¬2) هذه الترجمة والتي تليها لم تردا في (ب).

[2] عبد الرحيم بن أحمد بن محمد ابن أحمد ابن المحب الذهبي. [2] عبد العزيز بن محمد بن أبي بكر الهيثمي. [1] عبد الكافي بن عبد اللَّه بن أحمد السُّويْفي. [2] عبد المؤمن بن علي بن عبد المؤمن الدّومي. [2] عثمان بن علي بن إسماعيل بن غانم المقدسي. [1] علي بن إبراهيم بن علي بن يعقوب بن محمد بن صقر الحلبي. [1] علي بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم القرشي الجزري الدمشقي. [1] علي بن أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد عياش الصالحي، ابن الناصح (¬1). [1] علي بن أحمد بن محمد بن عيسى المقدسي. [1] علي بن إسماعيل بن إبراهيم البصراوي الخليلي. [1] علي بن أيْبك بن عبد اللَّه الدمشقي. [1] علي بن أبي بكر بن يوسف بن أحمد بن الخصيب الدَّاراني. [2] علي بن رمح بن قنا بن سنان الشَّنْباري. [1] علي بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن بقاء الملقِّن. [1] علي بن عثمان بن محمد بن لؤلؤ الحلبي. [1] علي بن محمد بن أحمد بن منصور بن هارون السُّلَمِي المفعلي. [2] علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحُسيني. [1] علي ابن البهاء محمد بن علي بن سعيد بن سالم، ابن إمام المشهد. ¬

_ (¬1) وردت هذه الترجمة في (أ) ببن ترجمتي البعلي وابن طوق.

[2] عمران بن إدريس بن أحمد بن مُعمَّر الجلجولي. [2] عمر بن حجِّي بن موسى السَّعدي. عمر [ز] بن علي بن فارس الحنفي قارىء الهداية، وقد كتب من تصانيف صاحب الترجمة، كما سيأتي. [2] عمر بن محمد بن أحمد ابن اللَّبَّان. [2] عمر بن محمد بن علي الحميري الدَّندري. [2] عائشة ابنة عبد اللَّه بن أحمد بن محمد ابن عشائر الحلبية. [1] عائشة ابنة علي بن محمد بن عبد الغني الحرَّانية. [2] عائشة ابنة علي بن محمد بن عبد اللَّه العسقلاني. [1] عائشة ابنة محمد بن إسماعيل بن محمد الحريري. [2] عائشة ابنة محمد بن عيسى بن عبد اللَّه البعلية. [1] فرج بن عبد اللَّه الحافظي. [2] فاطمة ابنة الحافظ أبي محمود أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي. [1] فاطمة ابنة أحمد بن محمد بن أحمد الحُسينية الحلبية، أخت أحمد الماضي. [2] فاطمة ابنة إسماعيل بن محمد بن علي البعلي النِّيحَاني. [2] فاطمة ابنة خليل بن أحمد بن محمد العسقلاني. [2] فاطمة ابنة سليمان بن أبي بكر المقدسي. [1] فاطمة ابنة محمد بن أحمد ابن السيف محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الصَّالحية.

[2] فاطمة ابنة محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحنبلية. [2] فاطمة ابنة أبي محمود. مضت قريباً. [1] القاسم بن علي بن محمد بن علي التَّنْملِّي الفاسي. [2] قاسم بن محمد بن مسلم بن مخلوف الإسكندري. [1] أبو القاسم بن أحمد بن محمد البلوي البَرْزَلي. [2] أبو القاسم بن موسى بن محمد بن معطي المالكي العبدُوسي. [2] قطْلو ملك ابنة محمد بن إبراهيم الأيوبيَّة. [2] قفجاق ابنة عبد اللَّه بن أحمد بن علي بن غانم. [1] كلثوم ابنة الحافظ التقي محمد بن رافع السُّلامي. [1] لطيفة ابنة محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي (¬1). [2] محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن التنسي الإسكندري. [1] محمد بن محمد بن محمد بن أحمد ابن المحب عبد اللَّه المقدسي. [1] محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدَّهان الكُرسي [2] محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق السَّفطي. [1] محمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن رسول الأماسي (¬2). [1] محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغُلفي، ابن قيِّم المعظَّمية. ¬

_ (¬1) في (أ، ح): "الإياسي"، وقد ترجمها الحافظ ابن حجر في المجمع المؤسس 2/ 439، فقال: تخفيف الميم وبالهملة، وانظر التعليق التالي. (¬2) في (أ، ح): "الإياسي"، وقد ترجمه الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر 3/ 310، فقال بهمزة وميم مفتوحتين، وبعد الألف سين مهملة. وقال في المجمع 2/ 456: بتخفيف الميم والمهملة.

[1] محمد بن محمد بن محمد بن عرفة التونسي. [1] محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن عيَّاش التاجر. [2] محمد بن محمد بن محمد البدر القلقشندي. [1] محمد بن محمد بن إبراهيم ابن المظفر الحُسيني البعلي. [1] محمد بن محمد بن أحمد بن طوق. [2] محمد بن محمد بن أحمد بن عبد اللَّه المرداوي القباقبي. [2] محمد بن محمد بن أحمد بن عبد المحسن السُّبكي، ثم الحمصي. [ز] محمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن محمد [بن محمد] (¬1) بن ناصر بن مظفر. [2] محمد بن محمد بن أحمد بن الشّحرور البعلي. [2] محمد بن محمد بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي. [2] محمد بن محمد بن سليمان البرادعي البعلي. [ز] محمد بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي. [ز] محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن نوح المقدسي. [2] محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن اليونانية البعلي. [2] محمد بن محمد بن علي بن شعبان ابن الجوازة الصالحي اللبَّان. [1] محمد بن محمد بن علي بن أبي عبد اللَّه اليونيني. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

[1] محمد بن محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل الحنبلي المقدسي. [1] محمد بن أحمد بن سلمان (¬1) الكَفْرَسُوسي اللَّبان. [2] محمد بن أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية [أبو الفضل] (¬2) المخزومي المكي. [1] محمد بن أحمد بن عبد الحميد بن غشم المرداوي, ثمَّ الصالحي. [1] محمد بن أحمد بن أبي الفتح بن إسماعيل (¬3) بن السَّرَّاج الدمشقي. [2] محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن سعيد، البهاء ابن إمام المشهد. [1] محمد بن أحمد بن محمد بن كامل بن تمَّام التدَّمُري. [2] محمد بن أحمد بن محمد المصري، ثم الإسكندري. [2] محمد بن أحمد بن معالي الحَبتَّي الحنبلي. [2] محمد بن أحمد بن موسى بن نَجَا (¬4). [2] محمد بن أحمد بن موسى الكُفْيرِي (¬5). [2] محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي. [2] محمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي الفتح بن درباس المقدسي. ¬

_ (¬1) كذا في الأصول "سلمان"، وفي إنباء الغمر 3/ 358، والمجمع المؤسس 2/ 495 "سُليمان" بالتصغير. (¬2) ساقطة من (ب, ط). (¬3) كذا في الأصول، وفي المجمع المؤسس 2/ 499 "بن إدريس"، وفي الضوء اللامع 6/ 293: محمد بن أحمد بن إدريس بن أبي الفتح. (¬4) كذا في الأصول. وفي المجمع المؤسس 3/ 258، والضوء اللامع 7/ 112: "بخاء". (¬5) في (أ): "الكفري"، تحريف.

[2] محمد بن إبراهيم بن أيوب، البدر الحمصي ابن العُصَيَّاتي. [2] محمد بن إبراهيم بن بركة بن حجي بن ضوء الجرائحي المزيِّن الدِّمشقي. [1] محمد بن إبراهيم ابن الظهير الجزري، ثم الدمشقي. [2] محمد بن إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي، ابن الحافظ. [1] محمد بن إسماعيل بن محمد بن بَرْدِس البعلي. [1] محمد بن أبي بكر بن عبد الكريم المقدسي. [2] محمد بن أبي بكر عبد اللَّه بن محمد بن أحمد، ابن ناصر الدين الدمشقي. [1] محمد بن أبي بكر المؤيد (¬1) بن محمد بن عساكر الدمشقي. [2] محمد بن أبي بكر بن محمد ابن الشهاب محمود بن سلمان بن فهد الحلبي. [2] محمد بن جعفر بن علي بن الشويخ البعلي. [2] محمد بن حسين الكازروني المكي. [2] محمد بن خالد بن عثمان الصَّالحي. [2] محمد بن خليل بن هلال الحاضري. [2] محمد بن سَلمان بن محمد البغدادي، ثم الصالحي. [ز] محمد بن عبد اللَّه بن صالح، ذو النون الغزِّي. لقيه بها في سنة ست وثلاثين، فاستجازه لنفسه ولأولاده وأحفاده (¬2). ¬

_ (¬1) في "المجمع المؤسس" 2/ 508 "ابن المؤيد". (¬2) هذه الترجمة لم ترد في (ب)، وقد ألحقت في نسخة (ح)، ولم أجدها في المجمع المؤسس.

[1] محمد بن اللَّه بن علي البعلي. هو صدقة تقدم (¬1). [2] محمد بن اللَّه بن يوسف الحَجَّاوي. [ز] محمد بن الدائم البرماوي، وقد كتب من تصانيف صاحب الترجمة كما سيأتي. [1] محمد بن الرحمن (¬2) بن يوسف الحُسيني المِكْناسي. [1] محمد بن الغني بن محمد بن يوسف بن عبد الغني الجُذامي المالكي. [2] محمد بن عبد الوهاب بن عبد اللَّه الزُّبيري البنهاوي. [1] محمد بن عثمان بن عبد اللَّه بن شكر الحنبلي النَّبْحاني (¬3). [2] محمد بن علي بن جعفر العجلوني البلالي. [2] محمد بن علي بن خالد بن محمد بن أحمد بن البيطار. [1] محمد بن علي بن عثمان بن عبد اللَّه التركماني ثم الدمشقي. [1] محمد بن علي بن علي بن غزوان السكندري ابن الهَزْبر. [2] محمد بن علي بن محمد بن داود الكازَرُوني. [2] محمد بن علي بن محمد بن عيسى، ابن القطان. [2] محمد بن علي بن معبد المقدسي ثم القاهري. [1] محمد بن علي بن يوسف ابن البرهان المقدسي. [2] محمد بن عمر بن إبراهيم الحلبوني. ¬

_ (¬1) ص 218. (¬2) في (ط): "عبد الغني"، خطأ. وانظر المجمع المؤسس 3/ 320. (¬3) في الأصول: "النبحاوي"، وهو تحريف، وقد ضبطه ابن حجر في المجمع المؤسس 2/ 522، فقال: بفتح النون وسكون الموحدة وبعدها مهملة.

[2] محمد بن عمر بن علي ابن البابا الحنفي. [2] محمد بن قاسم بن محمد السيوطي. [1] محمد بن ياسين بن محمد الجزولي. [2] محمد بن يوسف بن سليمان الأمشاطي الكتبي. [1] محمود بن إبراهيم بن محمود بن هلال الدولة الحارثي. [2] محمود بن أحمد الحموي، ابن خطيب الدهشة. [1] معين بن عثمان بن خليل المصري. [1] موسى بن أحمد بن الحسن، الشرف ابن المعَرِّي. [1] موسى بن محمد بن الهمام المقدسي. [1] ملكة ابنة الشرف عبد اللَّه ابن العزّ إبراهيم بن عبد اللَّه بن أبي عمر. [1] نصر اللَّه بن أحمد بن محمد (¬1) العسقلاني الحنبلي. [1] هبة اللَّه بن محمد بن أحمد بن عمر السُّكَّري، ابن السلمي. [2] هند ابنة محمد بن علي بن محمد ابن الركن (¬2) الأرموي. [1] يحيى بن محمد بن عبد الرحمن الأصبحي. [2] يحيى بن محمد بن يوسف الكرماني. [1] يوسف بن إبراهيم بن علي الحَوْراني. [1] يوسف بن أحمد بن إبراهيم ابن العز بن أبي عمر المقدسي. [2] يوسف بن إسماعيل بن يوسف الأنبابي. ¬

_ (¬1) في (أ): "محمد بن محمد"، خطأ. (¬2) في (ط): "الزكي"، تحريف.

القسم الثالث

[1] يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود، ابن خطيب المنصورية. [1] يوسف بن عبد الوهاب بن إبراهيم بن السَّلَّار. [1] يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم الكتَّاني الصالحي. [2] يوسف بن علي بن صقر (¬1) الصفدي. [2] يوسف بن علي بن أبي الغيث. [1] يونس بن محمد بن يونس بن حمزة بن محمد بن عباس، ذو النون الإربلي، ثم الصَّالحي القطَّان. آخر القسم الثاني، وعدته مائتان وزيادة على عشرين (¬2). القسم الثالث [2] إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني. [2] إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السَّرائي. [2] إبراهيم بن عمر بن علي المحلي التَّاجر. [2] إبراهيم بن محمد بن بهادر بن زُقَّاعة. [2] إبراهيم بن محمد بن أيدَمُر بن دُقماق التاريخي. [2] إبراهيم بن محمد بن عبد المحسن بن خولان الدمشقي. [2] أحمد بن إسماعيل بن عبد اللَّه الطبيب الحريري (¬3). [2] أحمد بن إسماعيل الإبشيطي الواعظ. ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي المجمع المؤسس 3/ 368، رالضوء اللامع 10/ 324 و325. "ضوء". (¬2) في هامش (ح): الزيادة ستة. (¬3) هذه الترجمة لم ترد في (أ).

[2] أحمد بن أبي بكر بن علي بن محمد الناشري. [2] أحمد بن حِجِّي بن موسى السَّعدي الحُسباني. [2] أحمد بن الحسن بن علي الجَوْجَري (¬1). [2] أحمد بن الحسن بن محمد بن سليمان البطائحي. [1] أحمد بن صالح بن الحسن اللَّخمي الإسكندري. [2] أحمد بن صالح ابن السَّفَّاح الحلبي. [2] أحمد بن عبد اللَّه بن بدر بن مفرِّج الغزِّي. [2] أحمد بن عبد اللَّه بن الحسن بن طُوغان الأوحدي. [2] أحمد بن عبد اللَّه بن حسن البُوصيري. [2] أحمد بن عبد اللَّه القُوصي، ثم المصري. [2] أحمد بن عبد الخالق بن علي بن الفرات. [2] أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الحُسيني. [2] أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي. [2] أحمد بن علي بن خلف الطَّنْتدائي. [2] أحمد بن علي بن عبد اللَّه التميمي القصَّار. [2] أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي. [2] أحمد بن علي بن محمد بن محمد الفاسي، والد الحافظ تقي الدين. [2] أحمد بن علي الرَّسَّام المصري. [2] أحمد بن العماد بن يوسف الأقفهسي الفقيه. [2] أحمد بن عمر بن محمد البدر الطنبذي (¬2). ¬

_ (¬1) في (أ): "الجوهري"، تحريف. (¬2) ذكره الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر 6/ 21. والمجمع المؤسس 3/ 63 كما هنا، =

[2] الحافظ أحمد بن كَندُغْدي (¬1) التركي. [2] أحمد بن محمد بن أحمد بن علي ابن القُرداح الواعظ. [2] أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن رضوان السَّلاوي. [2] أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي، البدر ابن الصاحب. [2] أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، ابن الظاهري. [2] أحمد بن محمد بن أبي بكر الدُّنَيْسري. [2] أحمد بن محمد بن قماقم القبَاقبي الدمشقي. [2] أحمد بن محمد ابن الفقيه علي الخيوطي. [2] أحمد بن محمد بن عماد ابن الهائم المقدسي. [2] أحمد بن منصور -وقيل: ابن محمد- بن منصور الأشمومي الحنفي. [2] إسماعيل بن إبراهيم الجحَّافي. [2] إسماعيل بن أبي بكر بن المقرىء. [2] إسماعيل بن أبي الحسن بن علي البرماوي. [2] إسماعيل بن علي بن محمد الكازَروني الزَّمزمي. [2] إسماعيل بن علي بن محمد البقاعي الدمشقي. [2] أبو بكر بن أحمد بن عمر العجلوني ثم الحلبي (¬2). ¬

_ = وقال: يأتي فيمن اسمه "أحمد بن محمد بن عمر"، ثم ترجمه بهذا الاسم 3/ 69، وصوَّب المصنف (السخاوي) الاسم الثاني في الضوء اللامع 2/ 57. (¬1) في الأصول: "كيدغدي"، وضبطه الحافظ ابن حجر في المجمع المؤسس 3/ 64، فقال: بنون ساكنة بعد الكاف المفتوحة، وغين معجمه بعد الهملة: المضمومة, وكسر الدال بعدها تحتانية. (¬2) ألحقت هذه الترجمة هنا في حاشية (ح) بخط المصنف، وقد وردت في (ب) بعد =

[2] أبو بكر بن عبد اللَّه البجائي المغربي. [2] أبو بكر بن عثمان بن عبد اللَّه الحلبي، ابن العجمي. [2] أبو بكر بن عثمان بن محمد الجِيتي الحنفي. [2] أبو بكر بن علي بن أحمد بن محمد (¬1) الخرُّوبي التَّاجر. [2] أبو بكر بن علي بن حِجَّة الحموي. [2] أبو بكر بن علي بن يوسف الحَسني الموصلي. [2] أبو بكر بن قاسم بن عبد المعطي الخزرجي. [2] أبو بكر بن محمد بن صالح الجِبْلِي ثم التَّعزي، الرضي (¬2) ابن الخياط، والد الجمال محمد. [2] أبو بكر بن أبي المعالي بن عبد اللَّه النَّاشري. [2] أبو بكر بن المقرىء. [2] أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني، ابن المستأذن. [2] تغري بَرْمَش بن عبد اللَّه التركماني. [2] الحسن بن إبراهيم المنشىء، من أهل حصن كيفا. [2] حسن بن علي بن عمر الإسعردي. [2] حسين بن علي بن محمد الأذوعي، ثم الدمشقي، ابن قاضي أذرعات. ¬

_ = "أبو بكر بن محمد بن صالح الجبلي". (¬1) في (أ): "محمد بن محمد"، وليست في المصادر. (¬2) "الرضي" ساقطة من (ب، ط)، وقد أضيفت في هامش (ح) بخط المصنف.

[2] حسين (¬1) بن علي الزمزمي، [أخو إسماعيل الماضي] (¬2). [2] خليل بن عثمان بن عبد الرحمن المُشَبِّب. [2] خليل بن هارون الجزائري. [2] راشد بن عبد اللَّه التَّكروري. [2] سليمان بن عبد اللَّه بن محمد بن فيروز القرافي. [2] سليمان بن عبد اللَّه بن يوسف البيري. [2] سهل بن إبراهيم بن سهل الأندلسي. [2] سيف بن محمد بن عيسى السيرامي، واسمه يوسف. [2] ست الركب ابنة علي بن محمد بن حجر، أخت صاحب الترجمة. [2] ذهبان بن محمد بن داود الآثاري. [2] شمس بن عطاء اللَّه الهروي. [2] شيخ بن عبد اللَّه المحمودي لمؤيَّد. [2] صدقة بن عمر بن محمد بن محمد العادلي. [2] طلحة بن عبد اللَّه البجائي المغربي. [2] عبد اللَّه بن خليل بن يوسف المارداني، المؤقت الشهير. [2] عبد اللَّه بن خليل العباسي. [2] عبد اللَّه بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكي، المعروف بالحرفوش. [2] عبد اللَّه بن علي بن عمر السِّنجاري. ¬

_ (¬1) رمز له في (ط): 2 ز. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب، ط)، وأضيف في هامش (ح)، وأخوه إسماعيل تقدم ص 230.

[2] عبد اللَّه بن محمد بن أحمد البخانقي (¬1). [2] عبد اللَّه بن محمد بن أبي عبد اللَّه المغربي السوسي ثم المصري. [2] عبد اللَّه بن محمد السَّمَنُّودي. [2] عبد الخالق بن علي بن الحسن ابن الفرات المالكي. [2] عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن وفاء الإسكندري. [2] عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مُكَانِس القبطي. [2] عبد الرحمن بن علي بن محمد التَّفَهْني الحنفي. [2] عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البُلقيني. [2] عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان بن خير السِّكندري المالكي. [2] عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى الواسطي، ثم العدني. [2] عبد الرحمن بن محمد الحريري الصُّوفي المؤذن. [2] عبد الرحيم (¬2) بن محمد بن أبي عبد اللَّه ابن الحاج العبدري المالكي. [2] عبد الرزاق بن عبد اللَّه بن عبد الرزاق ابن المطوِّع. [ز] عبد الغفار بن أحمد، ابن الشيخ عبد الغفار بن نوح القوصي، حفيد مصنف "الوحيد في سلوك طريق أهل التوحيد" (¬3). ¬

_ (¬1) في المجمع "المؤسس" 3/ 143: "اليخانقي" بالياء. (¬2) في (ط): "عبد الرحمن"، خطأ. (¬3) هذه الترجمة لم ترد في "ب"، وكذلك لم أعثر عليها في "المجمع المؤسس"، وقد وردت في (أ) على أنها ترجمتان, فجاء أولًا: عبد الغفار بن أحمد بن الشيخ، متبوعة بعبارة (صح) ثلاث مرات وفي السطر الذي يليه بقية الترجمة: [2] عبد الغفار بن نوح. . . أما في (ط، ح) فقد وردت ترجمة واحدة كما أثبتناها هنا. حيث إن =

[2] عبد الغفار بن عبد المؤمن الطُّنْتَدائي، عرف بغُفير. [2] عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر اليماني الشَّرجي. [2] عبد المحسن بن حسَّان البغدادي القَطَفْتي. [2] عبد الهادي بن عبد اللَّه الأسد آباذي (¬1). [2] عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان المخزومي البُلبَيسي الإمام. [2] عثمان بن محمد الشُّغري. [2] علي بن أحمد الصَّنعاني. [2] علي بن الحسن (¬2) بن أبي بكر بن الحسن الموفق الخزرجي الزَّبيدي. [2] علي بن عبد اللَّه الغزولي البهائي. [2] علي بن عبد الرحمن البَدَمَاصي. ¬

_ = عبد الغفار الأول هو حفيد الثاني وهو مصنف كتاب "التوحيد" كما قال المصنف. وهكذا ورد اسمه على نسخة مخطوطة من كتابه, محفوظة في مكتبة الرباط برقم 308، حيث جاء أنها من تأليف "عبد الغفار بن نوح القوصي"، ولكن نوحًا هذا ربما كان جده الأعلى، حيث قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة 2/ 385: عبد الغفار بن أحمد بن عبد المجيد بن نوح بن حاتم بن عبد الحميد القوصي، ألف "الوحيد. . . " توفي سنة 708 هـ, أما صاحب كشف الظنون (2/ 2005)، فقد سماه عبد الغفار بن عبد المجبد القوصي، بإسقاط أحمد بعد عبد الغفار، وجاء اسمه في هدية العارفين 1/ 587: وعنه أخذ الزركلي في الأعلام (4/ 31) - عبد الغفار بن معين الدين أحمد بن عبد المجيد بن محمد الأنصاري أبو محمد القوصي الصوفي، المعروف بابن نوح. فيلاحظ مما سبق الخلط بين ترجمة عبد الغفار الحفيد وعبد الغفار الجد، وأن الجد هو مؤلف كتاب "الوحيد"، ولا يعقل أن يكون هو شيخ الحافظ ابن حجر، حيث إن وفاته كنت سنة 708 هـ, واللَّه أعلم بالصواب. (¬1) في الأصول: "الأستابادي"، والمثبت من "المجمع المؤسس" 3/ 170، والضوء اللامع 5/ 91. (¬2) في (أ): "عثمان بن الحسن", خطأ.

[2] علي بن عبد الرحمن الشُّلقامي. [2] علي بن عبد الواحد بن محمد بن صغير الطبيب. [2] علي بن محمد بن أحمد الشِّيرازي الخياط. [2] علي بن محمد بن إسماعيل بن اْبي بكر النَّاشري الزَّبيدي. [2] علي بن محمد بن عبد الوارث البكري. [2] علي بن محمد بن محمد بن عبد البر السُّبكي. [2] علي بن محمد بن محمد بن علي بن حجر، والد صاحب الترجمة. [ز] علي بن محمد بن محمد بن النُّعمان (¬1) نور الدين الهُوِّي، عم كريم الدين نديم الظاهر برقوق (¬2). [2] علي بن محمد بن محمد (¬3)، الصدر ابن الأدمي. [2] علي بن محمد بن وفاء الشاذلي. [2] علي بن محمد بن يحيى [بن محمد] (¬4) بن عيسى ابن الأمين [التُّسُولي] (¬5). [2] علي بن محمد ابن المنجم، ابن الشاهد. [2] علي بن محمود بن أبي بكر بن المغلي [الحنبلي] (¬6). ¬

_ (¬1) في (ط): "النعماني". (¬2) هذه الترجمة لم ترد في (ب)، وكذا في معجم شيوخ ابن حجر، وانظرها في الضوء اللامع للمصنف 6/ 20 - 21. (¬3) في (ب): "يحيى"، خطأ. وانظر ترجمته في المجمع المؤسس 3/ 192 - 193. (¬4) ساقطة من (ب). (¬5) ساقطة من (أ، ح). (¬6) ساقطة من (ب، ط).

[2] علي بن موسى بن إبراهيم الرُّومي. [2] عمر بن براق الدِّمشي الحنبلي. [2] عمر بن عبد اللَّه الأسواني. [2] عمر بن محمد الطرابلسي. [2] عمر بن منصور الحنفي القرمي. [2] عيسى بن حجج بن عيسى بن شدَّاد السَّعدي، الملقب عُويَس. [2] عيسى بن محمد العجلوني. [2] غُفير: في "عبد الغفار" (¬1). [2] غياث بن علي بن نجم الكيلاني. [2] فضل اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد الرَّزاق، المجد ابن مكانس. [2] قاسم بن محمد بن إبراهيم الشِّمسطائي (¬2) النُّويري المالكي. [2] قُنْبُر بن محمد بن عبد اللَّه العجمي. [2] كمال الدَّميري: في محمد بن موسى (¬3). [2] محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر البغدادي الزَّركشي المرقرىء, أبو عبد الصمد. [2] محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدائم الباهي (¬4) الحنبلي. [2] محمد بن محمد بن محمد بن محمود، أبو الوليد ابن الشِّحنة الحنفي. ¬

_ (¬1) هو عبد الغفار بن عبد المؤمن الطنتدائي. تقدم ص 234. (¬2) في المجمع المؤسس 3/ 621: السميطائي. (¬3) يأتي ص 239. (¬4) في (أ): "الباهلي"، تحريف.

[2] محمد بن محمد بن أحمد بن أبي القاسم (¬1) المراغي. [2] محمد بن محمد بن أحمد، أبو عبد اللَّه السَّلَّاوي. [2] محمد بن محمد بن أحمد المصري الأطروش العابر. [2] محمد بن محمد بن الحسن الأسيوطي. [2] محمد بن محمد بن خضر (¬2) العَيْزَري. [2] محمد بن محمد بن سليمان الحلبي الحموي، ابن الخراط. [2] محمد بن محمد بن عبد الرحمن الصالحي القاضي. [2] محمد بن محمد بن عثمان بن محمد بن البارزي، ناصر الدين. [2] محمد بن محمد بن علي، الأمين الأنصاري الحمصي، ثم الدمشقي. [2] محمد بن أحمد بن عبد اللَّه بن قديْدَار الدمشقي. [2] محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم النُّويري. [2] محمد بن أحمد بن عثمان البساطي. [2] محمد بن أحمد بن علي، أبو علي الزِّفتاوي ثم المصري. [2] محمد بن أحمد بن علي المصري، ابن القاصح. [2] محمد بن أحمد بن عماد، المحب ابن الهائم. [2] محمد بن أحمد بن عمر بن كُميل المنصوري. [2] محمد بن أحمد بن عمر العجلوني، هو أبو بكر، مضى (¬3). ¬

_ (¬1) في (أ): "بن القاسم"، خطأ. (¬2) في (ط): "محمد بن أحمد بن خضر"، وجاء في مصادر ترجمته -غير المجمع المؤسس- "محمد بن محمد بن محمد بن خضر"، انظر الضوء اللامع 9/ 219. (¬3) ص 230.

[2] محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر البيري. [2] محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق التِّلمساني. [2] محمد بن أحمد بن محمد بن النصير (¬1) المصري، ابن الحرَّاق. [2] محمد بن إبراهيم بن محمد البشتكي. [2] محمد بن أرغون بن عبد اللَّه المارداني. [2] محمد بن إسماعيل بن يوسف الحلبي الناسخ. [2] محمد بن أبي بكر بن إبراهيم [بن محمد] (¬2) الجعبري القبَّاني. [2] محمد بن أبي بكر بن الحسين أبو اليمن المراغي. [2] محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر ابن الدَّماميني. [2] محمد بن الخضر بن داود بن المصري. [2] محمد بن خليل بن إبراهيم الحرَّاني بن المُنَمْنِم (¬3). [2] محمد بن خليل بن محمد بن طُوغان المنصفي. [2] محمد بن سلامة التَّوزري المغربي، ثم الكركي. [2] محمد بن عبد اللَّه بن سعد الدَّيري. [2] محمد بن عبد اللَّه، ابن الكِيْلُج. [2] محمد بن عبد الحق بن إسماعيل السَّبتي. [2] محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة، ابن الميلق. ¬

_ (¬1) في (أ): "القصير"، وفي "المجمع المؤسس" 2/ 268 كما هنا، وترجمه المصنف في الضوء اللامع 7/ 59، فقال: البصيري، بالموحدة أو النون. (¬2) ساقطة من (ب). (¬3) في "المجمع المؤسس" 3/ 333: "ابن النهم".

[2] محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة، ناصر الدين ابن زربق. [2] محمد بن عبد الرحيم بن أحمد المنهاجي. [2] محمد بن عطاء اللَّه الهروي. هو شمس, مضى (¬1). [2] محمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الحسيني. [2] محمد بن علي بن محمد بن عبد الكريم الهيثمي. [2] محمد بن علي بن محمد بن يحيى، التَّقي ابن الأمين التُّسُولي. [2] محمد بن علي بن محمد السُّلمي، ابن خطيب زُرَع. [2] محمد بن علي بن نجم الكيلاني. هو غياث، تقدم (¬2). [2] محمد بن عمر بن رسلان البُلقينى. [2] محمد بن مُقبل بن عبد اللَّه التُّركي. [2] محمد بن موسى بن عيسى، الكمال الدَّميري. [2] محمود بن عبد اللَّه الصَّامت. [2] محمود بن محمد بن عبد اللَّه القيسراني الرُّومي، عرف بابن العجمي (¬3). [2] مرتضى بن إبراهيم بن حمزة البغدادي. [2] مسافر بن عبد اللَّه الصُّوفي البغدادي. [2] موسى بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر الشَّطنوفي. [2] ناصر بن أحمد بن يوسف البَسْكري. ¬

_ (¬1) ص 232. (¬2) ص 236. (¬3) في (ب، ط): "عرف بالعجمي".

[2] نصر اللَّه بن أحمد بن محمد بن عمر التُّسْتَري الحنبلي. [2] همام بن أحمد الخوارزمي. [2] يحيى بن أحمد بن عمر (¬1) [بن يوسف] (¬2) ابن العطَّار الدِّمشقي. [2] يَلبُغا بن عبد اللَّه السَّالمي. [2] يوسف بن أحمد بن محمد البيري. [2] يوسف بن أحمد بن يوسف الفراء. [2] يوسف بن محمد بن عيسى. تقدم في سيف (¬3). آخر القسم الثالث، وعدَّتُه مائة نفس، وزيادة على ثمانين. فجملة الأقسام الثلاثة ستمائة نفس وأربعة وأربعون نفسًا، بما فيها من الحوالات، وجملتها في الأقسام كلها أربعة عشر نفسًا، فالخالص (¬4) حينئذٍ ستمائة وثلاثون (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب): "عمران"، خطأ. (¬2) ساقطة من (ب). (¬3) ص 232. (¬4) في الأصول "فالحاصل"، والمثبت من خط المصنف في (ح). (¬5) جاء بدل هذه الجملة في (ب) قوله: "فجملة الأقسام الثلاثة ستمائة نفس وزيادة على أربعين نفسًا".

مروياته

مروياته وأما عيون مروياته، فقد ذكرتُ منها شِرْذمة يسيرة جدًا، وإن كان هو قد أفرد لكلِّها "فهرستًا" (¬1) حافلًا، عمَّ الانتفاع به، إلا أني أحببتُ إيراد جملة من مهمات الكتب وغيرها، مقتصرًا على أعلى طرقه فيها، رغبةً في تمام النَّفع. وأكثرُ ما أوردتُه هنا مما حدَّث به، على أنه رضي اللَّه عنه، قد حدَّث بجُلِّ مسموعاته مطوَّلها ومختصرها، لم يبقَ مما لم يحدِّث به منها إلا اليسير جدًا، بل ربما حدَّث بالكثير منها مرارًا. وهذا أمر قلَّ أن اتَّفقَ في هذه الأعصار المتأخرة مثله. وكنت أفهمُ عنه الحرص على ذلك، والرغبة فيه، بحيثُ إنني لما قرأت عليه "المعجم الصغير" للطبراني، أظهر السُّرور بذلك، وصرَّح بأنَّه مع كونه مِنَ العوالي - لم يتيسر قراءته حتَّى الآن. وكذا كان يُسَرُّ بما أقرأه عليه مِنَ الأجزاء الحديثيَّة المعاجم والمشيخات، لكون أكثرها لم يحدِّث به قبلُ. وبالجملة، فما أعلم الآن أكثر مسموعًا عليه مِنْ ذلك بل ومن سائر مروياته ومصنفاته منِّي. كما بينته في غير هذا المحل. ذلك فضلُ اللَّه يؤتيه مَنْ يشاء. ¬

_ (¬1) أعمل على تحقيقه، اعتمادًا على ثلات نسخ خطية, يسر اللَّه إتمامه قريبًا.

صحيح البخاري

صحيح البخاري يرويه عن أبي علي محمد بن محمد بن عبي الزِّفتاوي، وأبي إسحاق التَّنوخي، وأبي الحسن بن أبي المجد سماعًا، كلهم عن أبي العباس الحجَّا، سماعًا للثاني لجميعه. وللأول: لما عدا اليسير منه، وللثالث: لبعضه. زاد وعن ست الوزراء التَّنُوخية سماعًا للثالث: لجميعه، وللأول: لما عدا اليسير أيضًا، قالا: أخبرنا به أبو عبد اللَّه بن الزَّبيدي، أخبرنا به أبو الوقت الهروي، أخبرنا به أبو الحسن الدَّاودي، أخبرنا به أبو محمد السَّرخسي، أخبرنا به أبو عبد اللَّه الفِرَبْرِي، أخبرنا به أبو عبد اللَّه البخاري. صحيح مسلم يرويه عن أبي الحسن البالسي، وأبي الطَّاهر بن الكُويك، سماعًا وقراءة، كلاهما عن أبي الفرج بن عبد الهادي سماعًا، أخبرنا به أبو العباس ابن عبد الدائم، أخبرنا به أبو عبد اللَّه بن صدقة الحرَّاني، أخبرنا به فقيه الحرم أبو عبد اللَّه الصاعدي الفراوي. أخبرنا به أبو الحسين الفارسي، أخبرنا به أبو أحمد الجُلودي، أخبرنا به أبو إسحاق بن سفيان. (ح) ويرويه عاليًا عن أبي محمد النَّشاوي، عن أبي الفضل سُليمان بن حمزة، عن أبي الحسن بن المقيَّر، [عن الحافظ أبي الفضل ابن ناصر] (¬1) عن الحافظ أبي القاسم بن منده، عن الحافظ أبي بكر الجَوزي، عن مكِّي بن عبدان، كلاهما عن أبي الحسين مسلم بن الحجاج، سماعًا للأول لمعظمه، وإجازة للثاني. السنن لأبي داود قرأه على أبي علي المطرِّز، قال: أخبرنا به أبو المحاسن الخَتَني، أخبرنا به أبو الفضل البكري. وبغالبه: الزَّكيُّ أبو محمد المنذري الحافظ، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

الجامع للترمذي

قالا: أخبرنا به أبو حفص بن طبرزد، أخبرنا به ملفَّقًا أبو البدر الكرخي، وأبو الفتح الدُّومي. (ح). قال المطرز: وأرويه عاليًا عن أبي النون الدبُّوسي، عن أبي الحسن بن المقيَّر، عن الفضل بن سهل، ثلاثتهم عن الخطيب أبي بكر البغدادي الحافظ. قال الأخير: إجازة، والأولان (¬1): سماعًا، [أخبرنا أبو عمر الهاشمي] (¬2)، أخبرنا به أبو علي اللؤلؤي، أخبرنا به أبو داود. الجامع للترمذي قرأه على أبي إسحاق التَّنوخي، عن أبي الحسن البَنْدنيجي سماعًا، أخبرنا به أبو منصور ابن الهني سماعًا، وأبو محمد العارديني إذنًا. قال الأول: أخبرنا به الحافظ أبو محمد بن الأخضر، أخبرنا أبو الفتح الكروخي، وبإجازة الثاني عاليًا مه. قال: أخبرنا أبو عامر الأزدي، وأبو بكر التَّاجر، قالا: أخبرنا به أبو محمد المروزي، أخبرنا به أبو العباس المحبوبي، أخبرنا به أبو عيسى التِّرمذي. السنن للنسائي قرأه على أبي إسحاق التوخي. ومن (باب من حلف فاستثنى) إلى آخر الكتاب -وهو ثلثه- على أبي إسحاق بن صدِّيق. برواية الأول عن أبي الصَّبر الكحال، وأبي العبلس الحجّار، سماعًا عليه من (باب ما يُستحب من لُبس الثِّياب) إلى آخر الكتاب. وعلى الآخر من (باب من أتى امرأته في حال حيضها)، إلى (الوصايا)، وهو قدر ثلثه، بسماعه لهذا القدر على أبي عمرو خطيب القرافة، وإسماعيل بن أحمد العراقي، كلاهما في أبي طاهر السِّلَفي الحافظ. وبرواية الثاني عن المجد الكاتب، سماعًا لما قرىء عليه، وست الفقهاء ابنة التَّقي الواسطي، سماعًا للمقروء عليه. ومن (باب النَّهي ¬

_ (¬1) في (ط): "والأول"، خطأ. (¬2) ساقط من (أ).

[السنن الكبرى للنسائي]

عن الاغتسال بفضل الجُنب)، إلى (الوصايا) بروايتهما. وكذا الحجَّار عن أبي طالب بن (¬1) القُبَّيْطِي، أخبرنا به أبو زُرعة المقدسي. [خَلَا ما فات فإجازة] (¬2)، قالا: أخبرنا به أبو محمد الدُّوني، أخبرنا به أبو نصر الكسَّار، أخبرنا به أبو بكر بن السُّنِّي الحافظ، أخبرنا به مصنِّفه أبو عبد الرحمن النَّساني. [السنن الكبرى للنسائي] وقرأ السُّنن الكبرى للنَّسائي، على أبي الطَّاهر الرَّبعي، عن أبي عمرو بن المرابط، وزينب ابنة الكمال. قال الأول: أخبرنا به أبو جعفر بن الزُّبير، أخبرنا به أبو الحسن الشَّاري، أخبرنا به أبو محمد الحَجْري، أخبرنا به أبو جعفر البِطْرَوجي أخبرنا به محمد بن فرج، أخبرنا به يونس بن عبد اللَّه الصَّفار. وبرواية المرأة عاليًا عن أبي القاسم الطرابُلسي، عن أبي القاسم بن بشكوال، أخبرنا به أبو محمد بن عتَّاب، أخبرنا به أبي، أخبرنا به عبد اللَّه بن ربيع. قالا: أخبرنا به أبو محمد بن الأحمر، أخبرنا به مؤلِّفُه. السنن لابن ماجه يرويه عن أبي الحسن بن أبي المجد قراءة، وأبي الخير بن العلائي إجازة، بسماعه لمعظمه، وإجازة الأول -إن لم يكن سماعًا - ولو لبعضه- من أبي العباس الحجَّار، عن أنجب بن أبي السَّعادات وغيره، أخبرنا به أبو زرعة المقدسي، أخبرنا به أبو منصور المُقوِّمي، أخبرنا به أبو طلحة الخطيب، أخبرنا به أبو الحسن القطان، أخبرنا به مؤلِّفُه أبو عبد اللَّه بن ماجه القزويني. ¬

_ (¬1) في (أ): "من"، تحريف. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب)، وأضيف في هامش (ح).

الموطأ رواية يحيى بن يحيى عن مالك

الموطأ رواية يحيى بن يحيى عن مالك قرأه أبي على إسحاق التَّنوخي، عن أبي عبد اللَّه بن جابر الوادي آشي سماعًا، أخبرنا به أبو محمد بن هارون، أخبرنا أبو القاسم بن تقي، أخبرنا به محمد بن عبد الحق الخَزرجي، أخبرنا به محمد بن فرج، أخبرنا به يونُس الصَّفَّار، أخبرنا به أبو عيسى يحيى بن عُبيد اللَّه اللَّيثي، أخبرنا به عمُّ أبي عُبيدُ اللَّه بن يحيى، أخبرنا به أبي يحيى بن يحيى، أخبرنا به مالكٌ إلا اليسير، فأخبرنا به زيادُ بنُ عبد الرحمن، عن مالك رحمه اللَّه. الموطأ رواية أبي مصعب يرويها قراءة وسماعًا عن أبي عبد اللَّه بن قوام البَالِسيِّ، أخبرنا به أبو الحسن بن هلال، وأبو عبد اللَّه العسقلاني، قالا: أخبرنا به إسحاق بن مُضَر، أخبرنا به أبو الحسن الطُّوسي، أخبرنا به أبو محمد السَّيِّدي. أخبرنا بما عدا (المُساقاة)، أبو عثمان البحيري. ويرويه ابنُ قوام عاليًا عن أبي العَبَّاس الحجَّار، عن أبي المُنجَّا بن اللَّتي، عن مسعود الثقفي، عن أبي القاسم بن منده، كلاهما عن أبي علي زاهر السَّرَخْسي، قال الأول: سماعًا، أخبرنا بما عدا الفرائض والقرَاض، أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا به أبو مصعب الزُّهري، أخبرنا به مالك. مسند الشافعي قرأه وسمعه على أبي الحسن بن أبي المجد، عن أم محمد وزيرة التَّنُوخية، إن لم يكن سماعًا ولو لبعضه، أخبرنا به أبو عبد اللَّه بن الزّبيدي، أخبرنا به أبو زُرعة المقدسي، أخبرنا به أبو الحسن بن عَلّان، أخبرنا به القاضي أبو بكر الحِبري، حدَّثنا به أبو العباس الأصم، أخبرنا به الرَّبيع المُرادي، أخبرنا الشافعي رحمه اللَّه. السُّنن له رواية المزني أخبره بها أبو الفرج ابن الشَّيخة، وبنصفها الثاني -وأوله (باب

[السنن للشافعي رواية ابن عبد الحكم]

عمارة الأرض) - أبو المعالي الأزهري. قال الأول: أخبرنا بها أبو نلحسن بن قُريشُ، أخبرنا بالأجزاء الخمسة الأُوَلِ من سبعة عبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي، أخبرنا بها محمد بن محمد الأرتاحي، أخبرنا بها أبو الحسن الموصلي، أخبرنا أبو الحسن المقرىء، أخبرنا أبو القاسم الحسيني. وقال الثاني: أخبرنا أبو زكريا بن المصري، عن أبي الحسن ابن بنت الجُمَّيزي، أخبرنا بالمقروء أبو الحسين اليوسفي، أخبرنا أبو الغنائم النَّرْسي، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو الحسين بن المظفَّر، قالا: أخبرنا أبو جعفر الطَّحاوي، أخبرنا أبو إبراهيم المُزَني، أخبرنا الشافعي. [السنن للشافعي رواية ابن عبد الحكم] وقرأ رواية ابن عبد الحكم على فاطمة ابنة محمد بن عبد الهادي، عن يحيى بن محمد بن سعد، أخبرنا أبو الفضل الكَفَرْطابي، أخبرنا أبو الفرج الثقفي، أخبرنا أبو الفتح بن الإخشيد، وأبو الفضل الثَّقفي، وأبو حُصين الصَّائغ، قالوا: أخبرنا أبو طاهر الثَّقفي، أخبرنا أبو بكر بن المقرىء، أخبرنا أبو بكر الزَّنْبَري، حدثنا ابن عبد الحكم، أخبرنا الشافعي. واختلاف الحديث له أخبره به أبو إسحاق التَّنوخي، أخبرنا أبو زكريا بن المصري، عن أبي الحسن ابن بنت الجُمَّيْزي، أخبرنا أبو الحسين اليوسفي سماعًا لما عَدَا من أوله إلى قوله: "فقد وجدتُ أقاويل تُخالفُ هذا" فإجازةً، أخبرنا به أبو نصر ابن البنَّاء، أخبرنا أبو أحمد الجوهري، أخبرنا أبو عمر بن حَيَّويه، أخبرنا أبو بكر بن سيف، أخبرنا الرَّبيع أخبرنا الشافعي. مسند الدارمي وهو على الأبواب يرويه عن أبي إسحاق التَّنوخي سماعًا، أخبرنا أبو العباس الحجَّار سماعًا، وأبو الفداء بن مكتوم، وأبو المعالي المطعم، إذنًا. كلهم عن أبي

مسند عبد

المَنجَّا بن اللَّتِّي، سماعًا لجميعه -إلا الحجار، فلمعظمه، وإجازةً: لباقيه- أخبرنا أبو الوقت الهروي، أخبرنا به أبو الحسن الدَّاودي، أخبرنا أبو محمد السَّرَخْسي، أخبرنا عيسى بن عُمر السَّمرقندي، أخبرنا أبو محمد الدارمي. مسند عبد يرويه بهذا السند إلى السرخسي، أخبرنا إبراهيم بن خُزيم، أخبرنا عبد, به. مسند أحمد قرأه على أبي المعالي الحَلَّاوي، أخبرنا به أبو العبَّاس الحلبي، سماعًا لما عدا مسند العشرة وما معه، ومسند أنس، والنِّصف الأول من مسند ابن مسعود، وبعض ابن عُمر. وأبو نُعيم ابن الأسْعردي، سماعًا لمسند العشرة وما معه، ومسند أهل البيت، ومسند ابن مسعود. وأبو سعيد غُلبك الخازنداري، وأبو العبلس بن طي، وزهرة ابنة الختني، سماعًا لمسند أنس، لكن ملفَّقًا على الأخيرين. قالوا خمستهم: أخبرنا أبو الفرج الحرَّاني، سماعًا لِمَا قرىء علينا، قال الحلبي: ما عدا مسند أبي سعيد، فإجازةً. وقال الأسعردي: ما عدا الرُّبع الأخير من ابن مسعود، فإجازةً. وقال غُلبك: إجازةً، قال: أخبرنا أبو محمد الحربي بجميعه، أخبرنا أبو القاسم بن الحُصين، أخبرنا أبو علي التَّميمي، أخبرنا أبو بكر القطيعي، أخبرنا عبد اللَّه بن أحمد، حدّثني أبي رحمه اللَّه. مسند مسدد قرأه على أم الفضل ابنة سلطان البعلية، عن القاسم بن عساكر، عن عبد العزيز ابن دُلَف، أخبرنا أبو الحسن بن نَغُوبا، أخبرنا أبو نعيم الجُمَّاري، [أخبرنا أبو الحسن] (¬1) بن يزداد، أخبرنا أبو محمد بن السقاء، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

مسند الطيالسي

أخبرنا أبو خليفة الجُمَحي، حدثنا مسدد. مسند الطيالسي قرأه على أبي الفرج بن الشَّيخة، أخبرنا أبو العبَّاس الجوهري من أوله إلى (سعد بن أبي وقاص). ومن (عمران بن حُصين) إلى آخر الكتب، سوى من حديث جبر: "أن أهل الجنة يأكلون". . إلى حديثه في الركعتين في السَّفر ليستا تُقصرٍ، أخبرنا به الفخر ابن البخاري، وأبو الفرج الحرَّاني، كلاهما عن أبي المكارم اللبَّان، وأبي جعفر الصَّيدلاني، قالا: [أخبرنا أبو علي الحداد] (¬1)، أخبرنا أبو نُعيم الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن فرس، أخبرنا يونس بن حبيب، أخبرنا أبو داود. مسند الشهاب للقضاعي سمعه على أبي المعالي الحلاوي، أخبرتنا أم الخير ابنة الصَّنهاجي، أخبرنا المُعين الدِّمشقي، وأبو الطاهر بن عزُّون، قالا: أخبرنا أبو القاسم البوصيري، أخبرنا أبو عبد اللَّه السَّعيدي، سماعًا من أوله إلى حديث: "المؤمن غِرٌّ كريم"، وإجازة لسائره، أخبرنا به أبو عبد اللَّه القضاعي. صحيح ابن خزيمة أخبره بمسموع زاهر منه -ولا يوجد سواه- العمادُ أبو بكر الفرضي، سماعًا، وأبو العباس ابن العز مكاتبة، كلاهما عن أبي عبد اللَّه ابن الزَّرَّاد. قال الثاني: سماعًا لبعضه، وقال الآخر: إجازة إن لم يكن سماعًا، أخبرنا أبو علي البكري، أخبرنا أبو رَوْح الهروي، أخبرنا زاهر الشِّحامي، أخبرنا بقطعةٍ متوالية ملفَّقة أبو سعد الكنجرُوذي من أوله إلى "وسواس الماء"، ومن [ثم إلى قوله] (¬2) "فيها أثر العجين"، إلى: "إنَّ في دينكم يُسْرًا"، ومن قوله: "سجدة السَّهو يوم في الزَّوائد" إلى قوله: "قبل ولا بعد"، ومن قوله: ¬

_ (¬1) و (¬2) زيادة من المجمع المؤسس 1/ 117.

صحيح ابن حبان

"وكانت قد جمعت القرآن"، إلى قوله: "أيوب عن محمد بهذا الحديث". وأبو سعد المقرىء، ومحمد بن محمد بن يحيى الورَّاق من: "وسواس الماء" إلى: "فيها أثر العجين". وعلى ثانيهما فقط، من ثمَّ، إلى قوله: "بفاتحة الكتاب لم يزد شيئًا". وعلى أولهما، مِنْ ثمَّ، إلى قوله: "سجدة السهو يوم في الزوائد". ومن قوله: "قبل ولا بعد"، إلى قوله: "إنما كان لموت إبراهيم". ومن قوله: "أيوب عن محمد بهذا الحديث"، إلى قوله: "ولا عبد اللَّه بن بُسر الذي روى عنه سعيد بعدالة ولا جرح". وأبو المظفر القُشيري من قوله: "في دبر كلِّ صلاة لم يقلِ الزَّعفرانيُّ"، إلى قوله: فكنت أكلِّمه فأومأ إلي بيده". ومن قوله: "إنما كان لموت إبراهيم"، إلى قوله: "وكانت قد جمعت القرآن". ومن قوله: "فأطعِمْهُ أهلك" إلى آخر المسموع. وأبو القاسم الغازي من قوله: "ولا عبد اللَّه بن بُسْر"، إلى قوله: "فأطعمه أهلك". بسماع الجميع للمقروء عليهم على أبي طاهر بن خزيمة. أخبرنا به جدِّي الحافظ مصنَّفُه. صحيح ابن حبان قرأه ملفَّقًا على التَّنوخيِّ وأُمِّ الفضل خديجة ابنة أبي إسحاق بن سلطان، كلاهما عن أبي عبد اللَّه بن الزَّرَّاد، [أخبرنا الحافظ] (¬1) أبو علي البكري، أخبرنا أبو روح الهروي، أخبرنا أبو القاسم الجُرجاني، أخبرنا أبو الحسن البحَّاثي، أخبرنا أبو الحسن الزَّوزَني (ح). وبرواية الشَّيخين عاليًا عن أبي العباس الحجَّار، عن أبي الحسن القطيعي، عن أبي الكرم الشهرزوري، عن أبي الحسين بن المهتدي، عن الدَّارقطني، كلاهما عن مؤلفه أبي حاتم الحافظ. قال الأول سماعًا. المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم قرأه على أبي الفرج ابن الشيخة، أخبرنا أبو الحسن بن قريش سماعًا، ¬

_ (¬1) زيادة من المجمع المؤسس 1/ 117.

السنن للدارقطني

لِمَا عدا الجزء الثاني، فلم يُوقف على أصله، والخاص وبعض التَّاسع عشر، فإجازة. وأبو المعالي ابن القمَّاح الفقيه، سماعًا للجزء الخامس، قالا: أخبرنا النَّجيب الحرَّاني، عن أبي الحسن الجمَّال، أخبرنا أبو علي الحدَّاد، أخبرنا أبو نُعيم، به. السنن للدارقطني قرأه ملفقًا على البدر ابن قوام، وأبي حفص البالسي، قالا: أخبرنا به أبو بكر المغاري، أخبرنا الفخر ابن البخاري بجميعه، والعز الفراء، من (البيوع) إلى حديث علي رضي اللَّه عنه في الحدود: "كل مرتد عن الإسلام مقتول إذا لم يرجع"، قالا: أخبرنا به الموفق أبو محمد بن قُدامة، قال الفرَّاء: لما قُرىء عليَّ، والآخر لما عداه، زاد فقال: وأخبرنا محمد بن معمر بن الفاخر، وأبو سعد الصَّفَّار إجازةً. قال الأول: أخبرنا أبو الفضل الإخشيذ سماعًا للكثير منه، وإجازة لباقيه، إن لم يكن سماعًا. وقال الثاني: أخبرنا الفضل الأبيُوردي. قال ابن قدامة: أخبرنا أبو الحسين اليُوسفي، أخبرنا عمي أبو طاهر، أخبرنا أبو بكر بن بشران، وقال الإخشيذ: أخبرنا أبو طاهر بن عبد الرحيم. وقال الأبيُوردي: أخبرنا أبو منصور النوقاني سماعًا وإجازةً لما فات منه, قالوا: أخبرنا الدارقطني به، غير أن كتاب السبق ليس في رواية ابن عبد الرحيم. السنن للبيهقي قرأ من أوله إلى (الجهر بالتأمين) ما عدا ما فيه من "الستة"، و"مسندي الشَّافعي والطيالسي"، على الحافظين أبي الفضل العراقي وأبي الحسن الهيثمي. ومن ثمَّ إلى آخر (الحج)، على الهيثمي. كذلك قالا: أخبرنا أبو الفضل الحَمَوي، أخبرنا الفخر ابن البخاري، عن عبد اللَّه بن عمر الصَّفَّار، ومنصور بن عبد المنعم الفُراوي. قال الأول: أخبرنا عبد الجبار الخُوارِيّ، وقال الثني: أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي، قالا: أخبرنا أبو بكر البيهقي.

الأدب المفرد للبخاري

الأدب المفرد للبخاري قرأه على أبي بكر بن العز بن جماعة، أخبرنا جدّي البدر، سماعًا لِمَا عَدَا حديث (سبب تسمية عمر أمير المؤمنين)، فإجازة، عن إسماعيل بن أحمد العراقي وغيره، عن الحافظ السِّلَفِي، أخبرنا أبو العلاء الواسطي، أخبرنا أبو نصر النَّيازكي، أخبرنا أبو الخير العَبْقَسي، أخبرنا البخاري. بر الوالدين له قرأه على أم الحسن ابنة المنَجَّا، عن سليمان بن حمزة، عن عمر بن كرم، عن عمر بن أحمد الصَّفَّار، أخبرنا أبو بكر بن خلف، أخبرنا أبو يعلى المهلبي، أخبرنا أبو بكر بن دِلَّوَيه، أخبرنا المؤلف. الأدب للبيهقي قرأه -سوى فوت (منصور وشيخه) - على التَّقي أبي محمد بن عُبيد اللَّه، عن أبي الصَّبر الكحَّال، أخبرنا أبو عبد اللَّه المرسي، أخبرنا منصور الفُراوي، عن جدِّه إذنًا، وعبد الجبار الخواري سماعًا لما عدا من (باب مَنْ حَمِدَ اللَّه في السَّرَّاء والضَّرَّاء)، إلى آخر الكتاب, فإجازةً، قالا: أخبرنا مؤلفه سماعًا لجميعه، إلا الخُواري، فسوى من (عيادة المريض) إلى: (تطييب المطعم والملبس)، فإجازةً. السِّيرة تهذيب ابن هشام أخبره بها أبو الحسن الفُوِّي، وببعضها الحافظ أبو الفضل العراقيُّ. قال الأول: أخبرنا الجمال أبو بكر الفارقي، أخبرنا أبو العباس الأبَرْقُوهي. وقال الثَّاني: أخبرنا القطب ابن القطرواني، أخبرنا محمد بن ربيعة الكُتبي، قالا أخبرنا أبو البركات إبن الجَبَّاب، أخبرنا أبو محمد بن رفاعة، أخبرنا أبو الحسن السَّعدي، أخبرنا أبو محمد ابن النَّحاس، وغيره، قالا: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر ابن الوَرْد، أخبرنا أبو سعيد ابن البَرقي، أخبرنا ابن هشام، أخبرنا زياد البكَّائي، أخبرنا محمد بن إسحاق، به.

عيون الأثر في فنون المغازي والسير لابن سيد الناس

عيون الأثر في فنون المغازي والسِّيَر لابن سيد الناس قرأه على أبي الحسن الفَرْسيسي، أخبرنا به مؤلِّفُه الحافظ أبو الفتح اليَعْمُري سماعًا لمعظمه أو لجميعه، فذكره. بشرى اللَّبيب بذكرى الحبيب له قرأه على أبي الفرج بن الشيخة، أخبرنا المؤلف سماعًا. دلائل النبوة للبيهقي قرأها على أبي حفص البُلقيني، عن أبي الحجَّاج المِزِّي، أخبرنا الرَّشيد محمد بن أبي بكر العامري، أخبرنا أبو القاسم ابن الحرستاني، عن أبي عبد اللَّه الفُراوي، أخبرنا المؤلف. الشمائل النبوية للترمذي قرأها على الحافظين العراقي والهيثمي، قالا: أخبرنا أبو محمد بن القيّم الصَّالحي، أخبرنا الفخر ابن البخاري، أخبرنا أبو اليُمْن الكِنْدي، أخبرنا أبو شجاع البسطامي [(ح). وقرأها بعُلُوِّ على أبي الحسن المرداوي، وأبي حفص البالسي وغيرهما، عن زينب ابنة الكمال سماعًا، عن عجيبة البَاقْدَارية, عن القاسم بن الفضل ورجاء بن حامد، قال: الثلاثة:] (¬1) أخبرنا أبو القاسم الخليلي. قال البسطامي: سماعًا، والآخران: إذنًا، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كُليب، حدثنا أبو عيسى، بها. الشفاء للقاضي عياض سمعه على المؤرِّخ ناصر الدين محمد بن الفرات الحنفي، أخبرنا به ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

مكارم الأخلاق للخرائطي

أبو الفتوح الدِّلاصي، أخبرنا أبو الحسين بن تامُتِّيت (¬1)، عن أبي الحُسين بن الصائغ، عن مؤلفه. مكارم الأخلاق للخرائطي قرأ رُبعَه الأول على أبي محمد البالسي، وسمع باقيه على العماد أبي بكر بن أبي عمر. قال الأول: أخبرنا به أبو بكر بن محمد بن الرِّضِيِّ. وقال الثاني: أخبرنا بما حدَّث به أبو عبد اللَّه بن الزَّرَّاد. قالا: أخبرنا به أبو العباس بن عبد الدائم، أخبرنا عبد الرحمن بن علي بن المسلَّم اللَّخمي، أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن السُّلَمي، أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد، أخبرنا جَدِّي أبو بكر، أخبرنا أبو بكر الخرائطي، به. مساوىء الأخلاق له قرأه ملفقًا على أبي إسحاق التَّنوخي والمحب بن منيع، قالا: أخبرنا أبو العباس الجَزَري، أخبرنا إبراهيم بن خليل، أخبرنا إسماعيل بن علي الجَنْزَوِيِّ، أخبرنا أبو الحسن بن قُبَيْس، أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد، بسنده قبل. الزهد لابن المبارك قرأه على أبي المعالي الحلاوي، عن أبي العباس الجوهري، إذنًا إن لم يكن سماعًا، أخبرنا أبو العباس بن شيبان، أخبرنا أبو حفص بن طبرزد، أخبرنا أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو بكر الورَّاق، وأبو عمر بن حَيَّويه، قالا: أخبرنا أبو محمد بن صاعد، حدثنا الحسين المروزي، حدثنا عبد اللَّه بن المبارك، به. ¬

_ (¬1) في (أ): "ثابت"، تحريف.

الحلية لأبي نعيم

الحلية لأبي نعيم قرأ من أولها إلى أثناء ترجمة يوسف بن أسباط ملفَّقًا. فمن أوَّلها، إلى قوله: في (أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه): "وأستغفر اللَّه لي ولكم". ومن (علي بن عبد اللَّه بن عباس)، إلى قوله: في ترجمة طاووس "على مثلها فاشهد أو دع"، ومن قوله: في: (وهب بن مُنبِّه) "تفرَّد به الوليد"، إلى "شُبيل بن عوف". ومن (إبراهيم النَّخَعي)، إلى قوله في أثناء ترجمة سعيد بن جُبير: "لحمًا ودمًا". ومن (شُعبة)، إلى أول أحاديثه المسندة. ومن (مِسْعر)، إلى أثناء (يوسف بن أسباط)، على الشرف أبي الطَّاهر ابن الكُويك. ومن بعد قوله: "وأستغفر اللَّه لي ولكم"، إلى ترجمة أبي لُبابة رفاعة البَدْري، ومن (أبي برزة) إلى (مسلم بن يسار)، ومن (قتادة) إلى (علي بن عبد اللَّه بن عباس)، ومن (شُبيل بن عوف) إلى (إبراهيم بن يزيد النخعي)، ومن تِلْوِ قوله: "لحمًا ودمًا"، إلى قوله في ترجمة سفيان الثوري: "للإمام أبي عبد اللَّه سفيان بن سعيد الثَّوري من الحديث ما لا يُضْبَطُ كثرةً" على أبي العباس السَّويداوي. ومن (أبي لبابة) إلى قوله في أواخر (أهل الصُّفَّة): "وأبو برزة الأسلمي" على أبي الفرج ابن الشيخة. ومن (مسلم بن يسار)، إلى (قتادة)، على المجد أبي محمد الحنفي. ومن التَّحديد الماضي من ترجمة طاووس، إلى التحديد من ترجمة وهب، على أبي حفص البُلقيني، والأحاديث المسندة المرفوعة في (الثوري) إلى ترجمة شُعبة. والأحاديث المسندة في (شعبة) وفي (مِسْعَر) إلى قوله في أواخر الترجمة: "مشهور من حديث مسعود، رواه عنه الناس". وجزءًا منتقى من "الحِلية" على الحافظين العراقي والهيثمي، وقطعة منها غاب تحديدها على المحب ابن الوحدِيَّة المالكي. وأخبره بباقي الكتاب أبو محمد الآمدي مشافهةً. قال هو والبُلقيني وابنُ الكُوَيك، وكذا السُّويداوي في القطعتين التي انتهت عند (إبراهيم النخعي)، والتي انتهت إلى مسانيد حديث الثوري: أخبرنا أبو إسحاق القُطبي سماعًا، إلا ابن الكُويك، فقال: حضورًا وإجازةً، غير أنَّه فاته قدر خمسة أوراق مِنْ ترجمة ابن عُيينة. زاد السويداوي، فقال: هو وابن الشيخة: وأخبرنا بما قُرىء علينا. قال

الدعاء للطبراني

السُّويداوي دون القطعنين المذكورتين، أبو عبد اللَّه بن غالي. زاد وحده، فقال: واْخبرنا ببعض القطعة الأولى منها أبو العباس بن كشتغدي، وزاد ابن الشيخة، فقال: وأخبرنا محمد بن كشتغدي والضياءُ موسى القُطبي الماضي، أخو كل منهما. وقال المجد الحنفي وابن الوحديَّة، وكذا الحافظان في "المنتقى": أخبرنا أبو الفتح الميدُومي. قال السِّتَّة: أخبرنا النَّجيب أبو الفرج الحرَّاني. وقال الحافظان أيضًا: أخبرنا أبو محمد ابن القيِّم، أخبرنا الفخر ابن البخاري، كلاهما عن أبي المكارم اللَّبان، زاد النَّجيب: وعن أبي الحسن الجمَّال، قالا: أخبرنا أبو علي الحداد، قال اللبان: لجميعها، سوى الجزء الخامس والعشرين، وانتهى إلى قوله: "ومواساة الأخ في المال"، وقال الآخر: لِمَا عُلْمَ عليه بالخُضرة، أخبرنا أبو نُعيم، فذكرها. الدُّعاء للطبراني قرأ الجزء الأول منه، ومِنَ الثالث إلى قوله في أواخر الخامس: (الدخول على السلطان)، على الحافظين العراقي والهيثمي. والثاني: ومِنَ (الدُّعاء بالعافية) إلى آخر الكتاب، سوى (الاستسقاء) الملحق ببعض نُسَخِهِ، على أُم الحسن ابنة ابن المنجَّا, قالت: أخبرنا أبو الفضل سليمان بن حمزة إذنًا، أخبرنا بجميع الكتاب إسماعيل بن ظفَر. وقال الحافظان: أخبرنا أبو محمد ابن القيم، أخبرنا الفخر ابن البخاري بإجازته، وسماع ابن ظفر، ومن أبي عبد اللَّه الكراني، أخبرنا محمود الصيرفي، أخبرنا أبو الحسين بن فاذشاه، أخبرنا الطبراني. الترغيب للتَّيْمي سمعه على النجم أبي الحسن البالسي، أخبرنا به أبو الفرج بن عبد الهادي، أخبرنا به أبو العباس بن عبد الدائم، سماعًا لِمَا عَدَا من (باب التواضع)، إلى (حق الجار)، فإجازةً، أخبرنا أبو الفرج الثقفي، أخبرنا به مصنِّفُه جدي لأمي أبو القاسم التَّيمي، فذكره.

فضائل القرآن لأبي عبيد

فضائل القرآن لأبي عبيد أخبره به أبو محمد بن صدِّيق، عن أبي العبَّاس الحجَّار سماعًا، أخبرنا عبد اللطيف إبن القُبَّيْطي وجماعة إذنًا، قالوا: أخبرنا أبو زُرعة المقدسي، أخبرنا أبو منصور المُقَوِّمي، أخبرنا الزبير بن محمد الزبيري، أخبرنا أبو الحسن بن مهرويه، أخبرنا علي بن عبد العزيز، عنه. المجالسة للدِّينوري قرأها على أبي المعالي الحلَّاوي، أخبرتنا أم الخير ابنة الصنهاجي، قالت: أخبرنا أبو العباس الدِّمشقي، أخبرنا -بما عَدا الجزء الحادي والعشرين ملفَّقًا- أبو القاسم البُوصيري، وأبو عبد اللَّه الأرتاحي، قالا: أخبرنا أبو الحسن الفرَّاء، قال البوصيري: سماعًا لِمَا قرىء عليَّ، وقال الآخر: إجازةً، أخبرنا أبو القاسم ابن الضَّرَّاب، أخبرنا أبي، عنه. المعجم الأوسط للطبراني أخبره أبو المعالي الحلاوي، من أوله إلى (الخاء المعجمة)، وفاطمة ابنة عبد الهادي بباقيه، برواية الأول عن زيب ابنة الكمال، عن أبي الحجَّاج يوسف بن خليل، أخبرنا بذلك أبو سعيد خليل الرَّاراني. وبرواية الثانية عن أبي نصر ابن الشِّيرازي، عن عبد الحميد بن عبد الرشيد بن بنيْمَان، أخبرنا جدِّي لأمِّي الحافظ أبو العلاء العطَّار، قالا: أخبرنا أبو علي الحدّاد، أخبرنا أبو نُعيم الحافظ، عنه, به. المعجم الصغير له قرأه على العماد أبي بكر بن إبراهيم بن أبي عمر، وأبي محمد البالسي، [وأجازة أبو الخير بن العلائي، ثلاثتهم] (¬1) عن أبي محمد بن أبى التَّائب، [قال الأخير: سماعًا، والآخران مشافهة] (¬2)، أخبرنا أبو إسحاق بن ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

البعث لابن أبي داود

خليل الأدمي، حدثنا أبو الفرج الثَّقفي، أخبرنا أبو عدنان (¬1) بن أبي نزار، وفاطمة الجَوْزَدانية، قالا: أخبرنا أبو بكر بن زيد، عنه. البعث لابن أبي داود (¬2) أخبره به أبو الحسن بن أبي المجد سماعًا، وأبو العبَّاس أحمد بن أبي بكر الحنبلي إذنًا، كلاهما عن أبي الفضل سليمان بن حمزة، وأبي زكريا بن سعد، قال ثانيهما: سماعًا، قالا: أخبرنا أبو المنجَّا ابن اللَّتي. قال سليمان: سماعًا، والآخر: إذنًا، أخبرنا به أبو القاسم ابن البنَّاء أخبرنا به أبو نصر الزينبي، أخبرنا به أبو بكر بن زُنْبُور الورَّاق، حدثنا به أبو بكر بن أبي داود. الثاني من حديث ابن مسعود لابن صاعد قرأه على التَّنوخي، وأجازهُ به أبو هريرة ابن الذَّهبيِّ، بسماع الأول له على أبي العباس الحجَّار، وحضور الثاني له على أبي المعالي المُطَعِّم، قالا: أخبرنا به ابن اللَّتِّي، أخبرنا ابن البَّنَّاء، أخبرنا الزينبي، أخبرنا ابن زُنُبور، أخبرنا أبو محمد بنُ صاعد، به. مشيخة الرازي قرأها على أبي إسحاق التَّنوخيِّ، عن إبراهيم ومحمد وفاطمة بني محمد الفيُّومي سماعًا، قالوا: أخبرنا أبو عيسى بن علّاق، أخبرنا إسماعيلُ بن صالح بن ياسين، عنه. سداسياته قرأها على أبي عبد اللَّه بن سُكَّر، أخبرنا الموفَّق الشارعي، أخبرنا جدُّ ¬

_ (¬1) في (ط): "أبو عبدان"، تحريف، وهو محمد بن أحمد بن المطهر بن أبي نزار. (السير 19/ 457). (¬2) هكذا الكتاب والذي يليه لم يردا في (ب)، وقد أضافهما المصنف بخطه في هامش (ح).

جزء أبي الجهم

أبي أحمد بن عثمان، أخبرنا ابن ياسين، عنه. جزء أبي الجهم قرأه على أيى إسحاق التَّنوخي، عن أبي العبَّاس الحجَّار سماعًا، أخبرنا أبو المنجَّا ابن اللَّتي، أخبرنا أبو الوقت الهروي، أخبرنا الفارسي، أخبرنا أبو محمد بن أبي شُريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، عنه. جزء سفيان بن عيينة قرأه على التَّاج الصُّرَدي، عن أبي الحسن الواني، سماعًا أخبرنا أبو القاسم الطرابُلسي، أخبرنا أبو طاهر السِّلَفي، أخبرنا أبو الحسن الكرجي، أخبرنا أبو بكر الحِيري، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا زكريا بن يحيى، عنه. جزء مأمون (¬1) قرأه على فاطمة ابنة المنجَّا، وأجازهُ أبو هريرة ابن الذَّهبي، كلاهما عن أبي نصر بن الشِّيرازي، وأبي محمد بن عساكر. قال ثانيهما: سماعًا، عن محمد بن عبد الواحد المديني، أخبرنا به إسماعيل بن علي، أخبرنا به أبو مسلم الأديب النحوي، أخبرنا به أبو بكر بن المقرىء الحافظ، أخبرنا به مأمون بن هارون. جزء ابن مخلد قرأه على أبي إسحاق التَّنوخي، أخبرنا به أبو العباس الحجَّار، أخبرنا به أبو المنجَّا ابن اللَّتي، أخبرنا به أبو القاسم ابن البنَّاء، أخبرنا به عاصم بن الحسن، أخبرنا به أبو عمر بن مهدي، حدثنا به محمد بن مخلد الدَّوري. ¬

_ (¬1) هذا الكتب والكتابان بعده لم يرد لها ذكر في (ب)، وأضافهما المصنف بخطه في هامش (ح).

الأول الكبير والثاني، كلاهما من حديث المخلص

الأول الكبير والثاني، كلاهما من حديث المخلِّص قرأ الأول على أبي الفرج ابن الشيخة، وأجازهُ به أبو الخير أبن العلائي. والثاني على أم الحسن ابنة ابن المنجَّا، بسماع الأول للمقروء عليه على أبي النُّون الدَّبوسي. والثاني لما عدا الرُّبع الأخير منه على أبي العباس الحجَّار، قال أولهما: أخبرنا أبو الحسن ابن المقيَّر، إذنًا إن لم يكن سماعًا، وقال ثانيهما: أخبرنا أبو الحسن القطيعي إجازةً، كلاهما عن أبي بكر ابن الزَّاغُوني وأبي القاسم العُكْبَري، قال القطيعي: سماعًا، قال أولهما: أخبرنا به أبو نصر الزينبي. وبرواية ابنة المنجَّا عن أبي الفداء بن مكتوم، حدثنا أبو المنجَّا ابن اللَّتي، حدثنا أبو المعالي ابن اللَّحَّاس، بإجازته للجزء الثاني، وسماع العُكْبَري للأول على أبي القاسم بن البُسْرِي. قال هو والزينبي: أخبرنا المخلص سماعًا للجزء الأول. قال ابن البُسْري: وللنِّصف الثاني مِنَ الثاني، وإجازة لنصفه الأول، فذكرهما. المسلسل بالأولية سمعه مِنْ جماعة. أجلُّهم حافظ الوقت أبو الفضل العراقي بشرطه، حدَّثنا به الصَّدر أبو الفتح المَيْدُومي. وهو أوَّل (¬1)، حدثنا به النَّجيب أبو الفرج الحرَّاني، بشرطه، أخبرنا الحافظ أبو الفرج بن الجوزي، وهو أول، أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك المؤذِّن، وهو أول، حدثنا والدي أبو [صالح المؤذن وهو أول] (¬2) أخبرنا أبو طاهر بن مَحْمِش، وهو أول، حدثنا أبو حامد البزّار، وهو أول حدثنا عبد الرحمن بن بِشر بن الحكم، وهو أول حدثنا سفيانُ بن عُيينة، وهو أول، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابُوس (¬3) مولى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، ويعني: وهو أول حديث حدثنا به فلان ... (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) في (ط): "فارس"، تحريف.

عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما] (¬1)، أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الرَّاحمون يرحمُهم الرَّحمن تبارك وتعالى، ارحموا مَنْ في الأرض، يرحمكم مَنْ في السماء". ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

الباب الثالث في ثناء الأئمة عليه

الباب الثالث في ثناء الأئمة عليه

[ثناء الأئمة عليه]

الباب الثالث في ثناء الأئمة عليه مِنَ الشُّيوخ والأقران، والطَّلبة، والشُّبَّان، مقدِّمًا منهم في الوفاة الأقدم فالأقدم، وإن وُجِدَ في المتأخِّر الزَّمن مَنْ هو المقدَّمُ، وفبه فصلٌ في بيان مراجعة غير واحد مِنْ شيوخه له فيما خفي على الشيخ الأمرُ فيه واستشكله، ثمَّ بيانُ يسيير ممَّا كان بالهوامش ونحوها يقيِّدُه ممَّا خَفِيَ على المصنِّفين وشبهِهم تحريرُه وتقييدُه. وألحقتُ بالثناء من النَّظم الذي امُتدِحَ به جملة، وإن كان منحطَّ الرتبة بالنِّسبة للفصل الذي قبله. [ثناء الأئمة عليه] فأما ثناء الأئمة عليه، فاعلم أنَّ حَضرَ ذلك لا يُستطاع، وهو في مجموعه كلمةُ إجماع. لكني أتيتُ بما حضرني مِنْ ذلك الآن على حسب الإمكان. [المحب ابن الهائم] فمنهم: نادرةُ دهره في الذكاء، المحب ابن الهائم -رحمه اللَّه- وهو أذكى شابٍّ رآه صاحبُ التَّرجمة، كما قرأته بخطه، بل قال: إنَّه لم يخلف مثله في الذَّكاء، بل هو أذكى مَنْ رأيتُه مطلقًا. كتب له تقريظًا على بعض تخاريجه إلى الآن ما رأيتُه، فيُطلب.

برهان الدين الأبناسي

برهان الدين الأبناسي ومنهم: العلامة الفقيه الرباني، برهان الدين إبراهيم الأبناسي -رحمه اللَّه- فقرأت بخطه على "المائة العشاريات"، تخريج صاحب الترجمة للبرهان التَّنوخي ما صورته: الحمد للَّه الذي رفع عَلَمَ العُلَمَاء وشرَّفهم ومن إليهم انتمى، وجعلهم ورثة الأنبياء، والسادة الأتقياء. فعليهم في الشريعة المعتَمَدُ في حفظ المتون والسند. فله الحمدُ على ما علَّم، وله الشُّكْرُ بما تفضَّلَ به وأنعم. وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، شهادةً تمحِّصُ ما خصص وعمَّم. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، أشرف المخلوقات وأعظم. صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وشرِّف وكرِّم. وبعد، فلما كان الاشتغالُ بالعلم الشَّريف مِنْ أعزِّ المطالب، وأشرفِ المكاسبِ، اعتنى بتحصيله كلُّ لبيبٍ وطالبٍ، وكان ممَّن لاحَظَتْهُ عيونُ السَّعادة، وسبقت له في الأزل الإرادة، الشيخ الإمام العلامة المحدث المتقن المحقِّق، الشيخ شهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن الشيخ الإمام العالم صدر المدرسين، مفتي المسلمين، أبي الحسن عليٍّ، الشهير بابن حَجَر، نور الدِّين الشافعي، لما عنيت به عناية التَّوفيق، ورعاية التحقيق، نظر في العلوم الشرعية، فأتقن جلَّها، وحلَّ مشكلها، وكشف قناع معضلها، وصَرَف هِمَّته العليَّة إلى أشرفها؛ علم الحديث، وهو أفضلُها، فاجتمع على المشايخ الجِلَّة، وكلِّ مُسنِدٍ ورُحْلة. فاستفاد منهم وأفاد، وانتقى الأسانيد الجِياد. فكان ممن أخذ عنه المخرَّج له هذا الجزء اللَّطيف، وهو الشيخ الإمام العالم العلامة صدر المدرسين، مفتي المسلمين، أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد الشامي. خرج له مِنْ مروياته وقراءاته ومناولاته ووجَاداته وسماعاته، والكتابة إليه وإجازاته، عشاريات لم يُنسج مثلُها على مِنْوال، ولا ضرب لها ماثلٌ بمثال، وسَمَها (¬1) "بنظم اللآلي بالمائة العوالي". ¬

_ (¬1) في (ب، ط): وسماها، وفي هامش (أ): وسمّاها ن، وهذا يعني أنها مقابلة على نسخة أخرى.

[عبد الرحمن بن محمد العلوي]

ولما تصَفَّحتُ هذا التأليف، ونطرت فيه، ألفيتُه غُنيةً للمحدّث والفقيه. يا له مِنْ تصنيف ما أبدعه، ومِنْ تأليف ما أنفعه. جمع مِنَ الحديث فنونه، وأتقن ألفاظه ومتونه، دلَّ ذلك على تضلُّع بعلومٍ زاخرة، وفوائد جمة متواترة. وأعرب عَنْ كلِّ غريبة ونادرة، لو سمعها أحمدُ وابنُ معين والمَدِينيُّ وابن سيرين، لقضوا مِنْ ذلك العجب، وسلكوا معه الأدب. وقالوا بعد إمعان (¬1) النظر: سبحان مَنْ أعطاكَ يا ابن حجَر. زاده اللَّه فضلًا وعلمًا، وذكاءً وحرصًا وفهمًا، وصيَّره مِنَ العُلماء العاملين، وحشَرَنا وإيَّاه في زُمرة سيِّد المرسلين، محمد خاتم النَّبيين، -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتب: أقلّ عبيد اللَّه إبراهيم بن موسى الأبناسي، ومِنْ خطِّه نقلت. [عبد الرحمن بن محمد العلوي] ومنهم الوجيه عبد الرحمن بن محمد (¬2) العلوي، كتب له على استدعائه: أجزتُ لسيِّد الإخوان طُرًّا ... شهاب الدِّين ذي الفضل الرفيع في أبيات (¬3): سراج الدين ابن الملقِّن ومنهم: العلامة الشهير ذو التصانيف الكثيرة، سراج الدين أبو حفص ابن الملقِّن، تغمّده اللَّه تعالى برحمته. فقرأت بخطه عَقِبَ طبقةٍ بخطِّ صاحب التَّرجمة بسماع المجلس الأول من "أماليه في المسلسل" من لفظه في سنة سبع وتسعين وسبعمائة ما نصه: ¬

_ (¬1) في (أ): "معاني"، وفى "ط": "إمكان". (¬2) في "ط": "أحمد"، خطأ. (¬3) ذكرها المصنف فى الضوء اللامع 4/ 154.

[سراج الدين البلقيني]

صحيحٌ ما رسمه، أدام اللَّه النفع به، ورحم سلفه. انتهى. وقرأت بخط بعض أئمَّة شيوخنا، وأنه شهد له بالحفظ والمعرفة، وأرجو أن أظفر بعبارته، فأثبتها ها، واللَّه المستعان. [سراج الدين البُلقيني] ومنهم شيخ الإسلام، أوحد المجتهدين الأعلام، سراج الدين أبو حفص البُلْقَيني رحمه اللَّه. فقرأت بخطِّ صاحب الترجمة في ترجمة المذكور من "معجمه" (¬1) ما نصُّه: وقرأت عليه "دلائل النُّبوَّة" للبيهقي، وجرت لي معه في حال قراءتها نوادر، وذلك أنه كان يستكثر ما يقع لي مِنَ النُّكت الحديثيَّة في المجلس، ويقول: هذا لا يصدر إلا عن تَبييْتِ مُطَالعَة ومراجعة. فكنت أتنصَّلُ مِنْ ذلك فلا يقبل، إلى أن أمرني بترك الجزء الذي يُقرأ فيه عنده تلك اللَّيلة، وكان يعرف أنه لا نسخة لي، [لكوني حال قراءتي عليه، استعنتُ به في تحصيل نسخة جامع الخَطِيري، فأمر مَنْ أحفرها، واستحضر نسخة المِلكية، وكان مَنْ قَدَر مِنَ الطَّلبة على نسخة مِنَ الكئاب، أحضرها المجلسَ يسمَعُ فيها، وكنت أنا أقرأ في نسخة الخَطيري، والشيخ ينظُر في نسخة الملكية. فتركت عنده الجزء تلك الليلة] (¬2). فلمَّا أصبحنا، وشرعت في القراءة مرَّ إسنادٌ فيه: "حدثنا تَمْتَام". نقطع عليَّ القراءة، وقال: مَنْ تَمْتَام هذا؟ فإنني راجتُ الأسماء، فلم أجده، وظننتُه تصحيفًا. فقلت له: بل هو لَقَبٌ، واسمه محمد بن غالب بن حرب، حافظ مشهور. قال: مَنْ ذَكَره؟ قلت: الخطيبُ في "تاريخ بغداد"، وله ترجمة عندكم في "الميزان" للذهبي؛ لأن بعض الناس تكلَّم فيه، فسكت الشيخ. وقال له ولده جلال الدين وأنا ¬

_ (¬1) 2/ 305. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في "المجمع".

أسمع: هذا حافظٌ، فلا تمتحنه بعدها. فاحضرت للشَّيخ بعد ختم الكتاب الجزء الأول مِنْ "تغليق التعليق"، والتمست منه أن يُفهرِسَ أوَّله ففعل. قلت: وصورة ما كتب، وقد نقلته مِنْ خطِّه، بعد أن شهد له بالحفظ في المجلس العام: الجزء الأول مِنْ "تغليق التعليق"، جمع الشيخ الحافظ، المحدِّث المتقن المحقق، شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن الفقير إلى اللَّه تعالى، الفاضل المرحوم نور الدين عليّ، الئسهير بابن حجر، نفع اللَّه تعالى به وبفوائده آمين، انتهى. ومما يُنَبَّهُ عليه، أنَّ هذه القصة وأمثالها، حضرها جمعٌ مِنَ الفُضلاء والأئمة، وقد أدركتُ مِمَّن حضرها جماعةَ، منهم: العلَّامة عزّ الدين عبد السلام المقدسي الشافعي، شيخ الصلاحية، وضَبَطَ مِنَ النَّوادر التي وقعت شيئًا كثيرًا، وخصوصًا هذه الحكاية بعينها. وكذا الشيخ تقي الدين الحريري، خال صاحبنا القاضي قطب الدين الخيضري، حسبما حكاها إليَّ القطبُ عنه. وممَّن حضرها العلامةُ زين الدِّين عُبادة المالكي المشهور، وقد كتبها بخطِّه، وبعثَ بها إلى صاحب التَّرجمة. فلا يُغتَرُّ بما زعمه بعضُ من اتبع هواه، واللَّه المستعان. وقد سمعها مِنَ الشيخ عُبادة، الشيخ المسلِّك المربِّي، مدين الأشموني (¬1) المالكي. كما حكى لي عنه صاحبا الشيخ نور الدين ابن أبي اليُمن المكيّ المالكي. وقال: إنَّ البلقيني قال له: يا شيخُ شهاب الدين، اقرأ، فقد أقررنا لك. [وقريب مما اتَّفق لشيخنا مع البلقيني، ما بلغنا أنَّ الحافظ الذهبي أول ¬

_ (¬1) في (ب): "الأشمومي"، تحريف. وانظر الضوء اللامع 10/ 150.

[الحافظ العراقي]

ما اجتمع بالتَّقي ابن دقيق العيد، أحب التقيُّ امتحانه بما يُستدل به على معرفته، فقال له: من أبو العباس الذَّهبي [فبادره الذهبي] (¬1) بقوله: هو أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلِّص، فقال له التقيُّ. أنت حافظ] (¬2). وقد كان صاحبُ التَّرجمة رأى في المنام -إذ ذاك- أنه دخل مدرسة الشَّيخ وهو يصلي الظهر، فأحسَّ الشيخ بداخل، فتمادى في الرُّكوع، فأدرك معه صلاة الظهر، فعبَّرها عليه، فقال له الشيخ: يحصلُ لك ظهورٌ كبير. قال صاحب الترجمة: فقلت له: لأنَّك تأخَّرتَ لي حتى أدركتُكَ، فأخذت عنك وأذنت لي، فأقرَّ ذلك. قلت: وكان الأمرُ كدلك، حقَّق اللَّه تعبير شيخ الإسلام بالظُّهور العامِّ، جعلهما اللَّه بدارِ السَّلام مع السَّادة الكرام. وقرأت بخط البلقيني أيضًا إذنه له بالفتوى والتَّدريس، وذلك بعد أن كتب له ولدُه قاضي القضاة جلال الدين البلقيني بذلك، كما سيأتي ما صورته: أجزتُ له أن يفتي بذلك لطالبيه بالتوجيه الوجيه، فإنه نِعْمَ الفاضل النبيه. وكتبه عمرُ البلقينيُّ. [الحافظ العراقي] ومنهم شيخ الإسلام حافظ الوقت، الزين أبو الفضل العراقي، رحمه اللَّه وإيانا، فقرأت بخطه على نسخة بخط الشهاب البوصيري من كتاب "لسان الميزان"، لصاحب الترجمة ما صورتُه: كتاب "لسان الميزان" تأليف الحافظ المتقن، الناقد الحُجَّة، شهاب الدين أحمد بن علي الشافعي، الشهير بابن حجَر. نفع اللَّه بفوائده، وأمتع بعوائده. انتهى. وكان ذلك في حادي عشر (¬3) شوال سنة خمس وثمانمائة، قبل أن يُلْحِقَ فيه مصنِّفُه الكثيرَ منَ التَّراجم المستقلة، والتتمات التي تفوق الوصف. ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ). (¬2) من قوله: "وقريب مما اتفق" إلى هنا، لم يرد في (ب). (¬3) في (ب، ح): "حادي عشري".

وقرأت بخطه أيضًا على الجزء الأول من "تغليق التعليق" لصاحب الترجمة مِنْ نسخة بخط المؤلف، [غير النسخة الشهيرة] (¬1)، قال: إنها المبيَّضة الثانية، رأيت منها جزءًا بمكة تاريخه سنة أربع وثمانمائة ما نصه: الجزء الأول من "تغليق التعليق"، تأليف صاحبنا الشَّيخ الإمام المحدث الحافظ المتقن الرَّحَّال أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد، العسقلاني الأصل، المصري الدار، الشهير بابن حَجَر، نفع اللَّه بعلومه. وعلى الجزء الثاني مِنَ النُّسخة التي كتب البلقيني على أولها، [وهي الشهيرة] (¬2) بخط العراقي أيضًا ما مثاله: الجزء الثاني مِنْ "تغليق التعليق"، جمع الشيخ المحدث الحافظ المتقن، المفيد (¬3)، المجيد، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي، الشهير بابن حَجَر، العسقلاني الأصل، المصري الدَّار، نفع اللَّه بعلومه وفوائده. وقرأت بخطه أيضًا على "نظم اللآلي بالمائة العوالي"، وهي العشاريات، التي خرَّجها صاحبُ التَّرجمة لشيخه البرهان الشامي في ابتداء طلبه لهذا الشأن، ما صورته: نظرت هذه الأحاديث العُشاريات المائة المخرَّجة عَنِ الشيوخ العوالي، أحسن تخريج وأضوأه، مِمَّن أسمع الشيخُ المخرّجة له لفظًا أو عرضًا، أو إجازة، أو أنبأه مِنَ الأحاديث الصحاح والحسان والغرائب، التي هي عن النَّكارة مبرَّأة، عن الثقات الأثبات وأهل الصِّدق والستر والصيانة المجزئة، غير المتَّهمين والمجروحين والدُّعاة من الغُلاة والمرجئة، وهي تخريج الشيخ الفقيه المحدث الفاضل، البارع المفيد، المجيد لما أنشأه، شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن الشيخ الإمام الأوحد مفتي المسلمين، نور الدين ¬

_ (¬1) ما ببن حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) "المفيد" ساقطة من (ب، ط). قلت: انظر هذه التقاريظ في نماذج الصور الخطية المرفقة بالجزء الأول من "تغليق التعليق".

أبي الحسن علي، أنزل اللَّه سلفه رفيع الدرجات وبوَّأه، سلك فيها سبيل المتقين المخرجين ولا أخطأه، وبيَّن فيها الموافقات والأبدال، والمصافحات أحسن بيان وأجزأه، ودخل في سلك أهل الحديث، فابتنى بينهم منزلًا وتبوَّأه. وظهرت عليه نُضْرَةُ أهلِ الحديث التي تجلُو كلمة الابتداع وصدأه. ومَنْ يجعل اللَّه له نُورًا، فلن يستطيع أحدٌ أن يطفئه. فشكر اللَّه سعيه، وصانه وحفظه وكلأه، كتبه عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن ابن العراقي. ومن خطه نقلت، رحمه اللَّه ورضي عنه. وقرأت بخطه أيضًا على بعض تصانيفه التي قرأها صاحبُ التَّرجمة عليه ما نصه: قرأ عليّ هذا الجزء فيما وقع في "مسند أحمد" مِنَ الأحاديث التي قيل: إنها موضوعة، صاحبه (¬1) وكاتبُه: الشيخ المحدِّثُ المفيدُ الحافظُ المتقن شهابُ الدِّين أبو العباس أحمد بن الإمام نور الدين علي بن حجر العسقلاني الأصل، فسمعه جماعةٌ في سادس عشر شعبان سنة اثنتين وثمانمائة. وقرأت بخطه أيضًا في آخر "النُّكت" التي جمعها على "علوم الحديث" لابن الصلاح المسمَّاه: "بالتقييد والإيضاح". وقد قرأه صاحب الترجمة عليه، ما مثاله بعد الخطبة: ولما كان الشيخ العالمُ والكامل الفاضل، الإمامُ المحدِّثُ، المفيدُ المجيدُ الحافظ المتقن، الضابط، الثقة المأمون، شهاب الدين أحمد أبو الفضل ابن الشيخ الإمام العالم الأوحد المرحوم نور الدين علي ابن قطب الدين محمد، العسقلاني الأصل، المصري، الشهير بابن حَجَر، نفع اللَّه به، وبلَّغه غاية إرَبِه ممَّن وفقه اللَّه لطلبه. إلى أن قال: فجمع الرُّواةَ والشُّيوخ، وميَّز بين النَّاسخ والمنسوخ. وجمع الموافقات والأبدال. وميَّز بين الثِّقات والضعفاء مِنَ الرِّجال، وأفرط ¬

_ (¬1) ذهل ناسخ (ط)، فكت: "صاحب الترجمة".

بجِدِّه الحثيث، حتى انخرط في سلك أهل الحديث، وحصل في الزَّمن اليسير على علم غزير. وقرأ عليَّ الألفية المسماة "بالتبصرة والتذكرة" مِنْ نظمي. وقرأ عليَّ جمعَ "شرحي" عليها قراءة بحثٍ وتأمُّل ونظرٍ وتعقُّل، في مجالس آخرها في العشر الأخير من شهر رمضان سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. وقرأ عليَّ "النُّكت" التي ألَّفتها على "علوم الحديث"، للإمام أبي عمرو بن الصَّلاح رحمه اللَّه، المسماة "بالتقييد والإيضاح لما أُطلق وأُغلق في كتاب ابن الصلاح"، في مجالس، آخرها في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وسبعمائة، وقرأ عليَّ عدَّة أجزاءٍ مِنَ "العوالي". وكتب عني عدة مجالس من "الأمالي" بعضها باستملائه. إلى أن قال: وأجَزْتُ له أن يروي ذلك عنِّي، ويقرىء "الألفية" و"الشرح" عليها، و"النُّكت" المذكورة، ويفيدها لمن أراد، ويقرئ كتبَ الحديث، وعلومَ الحديث. وأذِنْتُ له أن يرويَ ذلك، ويلقي بذلك الدُّروس الحديثيَّة، ويروي عنِّي جميع مؤلَّفاتي ومرويَّاتي. إلى أن قال: وهو غنيٌّ عن الوصيَّة، لرغبته في الخير. زاده اللَّه علمًا وفهمًا ووقارًا وحِلمًا، وسلَّمه حضَرًا وسفرًا. وجمع له الخيرات زُمَرًا. كتبه عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي. ومن خطه نقلت. ولولا أنَّ الأوراق المكتوب فيها حصل لها بَلَلٌ، كأنها كانت في الكتب التي غرقت -كما تقدم (¬1) -؛ لأتيتُ بجميع ما كتب بنصه، ولكنَّ المقصود مما كتب حاصلٌ، واللَّه الموفق. وقرأت بخطه أيضًا عقب إذن البُلْقَيْنِي وولده له بالإفتاء والتدريس، ما مثاله: كذلك أجزتُ له أن يدرِّسَ ويشغل ويفتي بما حصَّله ممَّا ذَكَرَهُ، وما عَلِمَه مِنْ مذهب الشافعي رضي اللَّه عنه، لِمَا اجتمع فيه مِنْ العلم والفهم والإفادة. وفقه اللَّه للحسنى وزيادة. كتبه عبد الرحيم ابن العراقي. ¬

_ (¬1) انظر ص 151 من هذا الجزء.

إلى غير ذلك مما لم أقف على حصره. وأعلى مِنْ ذلك كلِّه أنَّ القاضي كمال الدين ابن العديم سأله عند موته عمَّن بقي بعده من الحفَّاظ، فبدأ بصاحب الترجمة، وثنَّى بولده، وثلَّث بالشيخ نور الدين الهيثمي. قال صاحب الترجمة رحمه اللَّه: وكان سبب ذلك أكثرية الممارسة، لأن ولده تشاغل بفنونٍ غيرِ الحديث، والشيخ نور الدين كان يدري منه فنًّا واحدًا. انتهى. ومراده بقوله: تشاغل بفنون غير الحديث: الإكثار من ذلك، بحيثُ لا يتميَّزُ اشتغاله بالحديث عليها، فكأنه يشيرُ إلى أنَّه صاحبُ فنون، وصاحب الترجمة وإن اشتغل بالفنون المشار إليها أيضًا، كان عملُه في فنون الحديث أكثر، بحيثُ لا يكون لعمله في غيره شبه منه فيه، فصار صاحب فن، وحينئذ، فتأتَّى قول إماما الشافعي رحمه اللَّه: ما ناظرني صاحبُ فنٍّ إلا غَلَبني، وما ناظرت صاحب فنونٍ إلا غلبتُه، أو كما قال. هذا إن لم يكن صدور هذه المقالة من شيخنا على وجه التواضع، جريًا على عادته، رحمهما اللَّه (¬1). ثم سأل الشيخ نور الدين الرشيدي -الذي تلقَّي صاحب الترجمة عنه كما سيأتي تدريس الحديث بالبيبرسية-[العراقيّ عن سؤال ابن العديم أيضًا] (¬2) بعد ذلك، فقال: في الشيخ شهاب الدين ابن حجر كفاية. قلت: لقد حقَّقَ اللَّه هذه المقالة، وأظهر لأهل عصره منه به الكفالة، رحمهما اللَّه تعالى ورضي عنهما. وبلغني عن شيخنا العلامة النحوي أبي العباس الحِنَّاوي، قال: كنت أكتُب الإملاء عن شيخنا العراقي، فإذا جاء ابن حجر، ارتج المجلس له. ¬

_ (¬1) من قوله: "ومراده بقوله" الى هنا، لم يرد في (ب)، وورد في هامش (ح) بخط المصنف. (¬2) في (ب): "عن ذلك".

[تقي الدين الدجوي]

وعند عرض الإملاء قلَّ أن يخلو من إصلاح يفيده ابن حجر. ومن إجلاله له أنه كان يُوادعه إذا أراد سفرًا، ويهنئه بالسَّلامة إذا قدم. والتمس صاحبُ الترجمة منه عند مجيئه لموادعته مرة تحديث أُمِّ أولاده وأكبر بناته بالحديث "المسلسل بالأولية" ففعل. وعرض عليه حينئذٍ شيخنا العلامة البرهان ابن خضر "العمدة" بإرشاد فقيهه الشيخ شمس الدين السعودي. وسمعت أن الحافظ الزاهد نور الدين الهيثمي كان مع الشيخ حينئذٍ، وتعجَّبتُ مِنْ عدم اشتراكه معه في الإسماع والعرض على عادتهما. ويقال: إنه كان مع دابَّة الشيخ، فإنه مع جلالته، كان كالخادم له رحمهم اللَّه وإيانا. [تقي الدين الدِّجْوي] ومنهم: العلامة الحُفَظَة تقي الدين أبو بكر الدِّجْوي. قرأت بخطه على بعض تخاريج شيخنا صاحب الترجمة ما صورته: أما بعد حمد اللَّه الذي اصطفى مَنْ وفَّقه لحفظ السُّنَّة، وسلك بطالبها طريقًا إلى الجنة، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الذي سنَّ الأحكام، فأحكم ما سنَّه، وعلى آل محمد وصحبه الذَّابِّين عنها بالألسنة والأسنة. فقد وقفت على هذا التخريج البديع مثالًا، المنيع منالًا، الفائق حسنًا وجمالًا، فلم يدع لقائل مقالًا، إلا أن يقول: (هكذا هكذا وإلا فلا لا). فلقد أُوتي هذا بسطةً في العلم واللَّسْن، وكيف لا؟ وهو الإمام ابن الإمام أبو الفضل بن أبي الحسن. لقد بهر ابنُ حجر بفضله العقولَ والأفكار، كما فاق حَجَرُه الياقوت بل غيره من الحجَّار {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} [البقرة: 74]. فإنه جمع فأوعى، وأوعب جمعًا، وأبدع لفظًا (¬1) ومعنى، وجمع إحسانًا وحُسْنًا. فلو شاهد حسنه الجمالُ المِزِّيُّ، لأطنب في الثناء وأسهب، أو الذهبيُّ، لذهب في الإعجاب كلَّ مذهب، أو ابن عبد الهادي، لاهتدى به واقتفى أثره، أو ابن كثير، لكاثر ببعضه واستكثره. فشكرًا لهذا الإمام شكرًا، فلقد جمَّل مصره، وجدد لها في الحفاظ ذكرًا. ¬

_ (¬1) في (ب): "لطفًا".

[الحافظ الهيثمي]

أوزعه اللَّه شكر ما حمَّله، كما زيَّن به عصره ومصره وجمَّلَه. وبلَّغه في الدَّارين سُؤْلَه وأمله. وختم بخير عملنا وعمله. إنه بالإجابة جدير، وهو على كل شيءٍ قدير. قال ذلك وكتبه الحقير الأذلّ، الفقير إلى عفو ربه عز وجلّ، محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدرة بن عمر بن محمد الدّجْوي، سامحهم اللَّه الكريم بكرمه، وغفر لهم. آمين. قلت: وكان التقيُّ يذاكر صاحب الترجمة بأشيد كثيرة مِنَ التَّاريخ وغيره، ويعظِّمه وينوّه بذكره، ويغتبط به كثيرًا، ويحضُّه على الاشتغال، رحمهما اللَّه تعالى وإيانا. [الحافظ الهيثمي] ومنهم: الحافظ الزاهد الثِّقة، نور الدين أبو الحسن الهيثمي صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة، شَهِد لصاحب الترجمة، بالتقدُّم في الفن، واستفاد منه، وما وقفت على عبارته. [ابن خلدون] ومنهم: القاضي وليُّ الدين أبو زيد بن خلدون المالكي، وصفه في جماعة بالسِّيادة والعلم والفضل والإجادة، والإبداء في الكمال والإعالة. [الشهاب الحُسباني] ومنهم: العلامة قاضي الشام الشهاب الحُسباني رحمه اللَّه. فقرأت بخطه: الجزء السابع من "تغليق التعليق"، تأليف الشيخ الإمام العالم البارع المحدث الحافظ المفنَّن المفيد أبي الفضل أحمد ابن الشيخ نور الدين علي بن حجر، نفع اللَّه به، وكثَّر فوائده بمنه وكرمه. انتهى (¬1). ¬

_ (¬1) نقل المصنف هذه العبارة على نسخته التي نسخها بخطه من "تغليق التعليق". انظر الجزء الأول من الكتاب ص 226 - 227.

[ابن حجي الحسباني]

والشهاب هذا ممَّن شهد فيه البلقيني أنه أحفظُ أهل دمشق للحديث. ولمَّا اجتمع به صاحبُ الترجمة هناك أكرمه، وأعاره كتبه وأجزاءه التي كان يضنُّ بها عن غيره. ثم قدِمَ القاهرة بعد الكائنة، فأعطاه صاحبُ التَّرجمة جملةً من الأجزاء مكافأة له، رحمهما اللَّه وإيانا. [ابن حجي الحسباني] ومنهم: العلامة محدِّث الشام الشهاب ابن حِجّي الحُسباني -رحمه اللَّه- فقرأت بخطه ما صورته: الجزء الخامس من "تغليق التعليق" تأليف الإمام الحافظ المفيد البارع المتقن (¬1) في الفوائد والفضائل، جمال المحدثين، أوحد المؤلفين، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد، المعروف بابن حجر العسقلاني الأصل، المصري، الشافعي، أدام اللَّه النفع به، آمين. انتهى. والشهاب هذا هو الذي رأى والده في النوم بعد وفاته، فسأله عَنْ أشياء من جملتها؛ أيهما أفضلُ: الاشتغال بالفقه أو الحديث؟ فقال: الحديثُ بكثير. [ابن درباس] ومنهم: المحدث الفاضل أبو إسحاق بن درباس. فقرأت بخطه: حدثنا شيخنا الشيخ الإمام العلامة، شيخ الشيوخ، حافظ عصره ووحيد دهره. ومرة أخرى في طبقة سماعًا على ابن الكويك، مؤرخة بمحرم سنة ثلاث عشرة، بقراءة شيخنا الشيخ الإمام العالم العلامة، أقضى القضاة، شيخ الإسلام، أبي الفضل أبقاه اللَّه تعالى للمسلمين. ¬

_ (¬1) في الأصول: "المفنن"، وما أثبتاه من خط المصنف على نسخته من "تغليق التعليق". انظر 1/ 226 - 227 من الكتاب.

[ابن ظهيرة المكي]

[ابن ظهيرة المكي] ومنهم: العلامة الحافظ جمال الدين أبو حامد بن ظهيرة المكي رحمه اللَّه، فقرأت بخطه على بعض تخاريج صاحب الترجمة ما نصه: وقفت على هذه اللآلي، وتحققت ما اشتملت عليه مِنَ العوالي، فألفيتها جواهر مكنونة ودررًا مصونة، وذخائر شملت مُخَرِّجها مِنَ اللَّه المعونة، فعوَّذتُها بربِّ الفلق مِنْ شرِّ حاسد إذا حاسد. وقلت عند نظري فيها: لا يقدِرُ على هذا التَّخريج أحد. فيا لها مِنْ أحاديث صحاح وحسان، وواهًا عليها مِنْ آثار يقف عن تخريج مثلها كلٌّ إنسان. فلله قوله في الخطبة: "واتَّصلت فانقطعت". وما أحسن قوله بعد ذلك: "وعلت". وللَّه العجب مِنْ قوله: ما يهز اللبيب على سماعه عطفًا، ويعلم أن مائة صابرة مِنْ مروياتي تغلب ألفًا. ولا شك أن للكلام ملوكًا، وهذا مِنْ مُلوكه. وأنَّ هذا مقامٌ تعجزُ قرائحُ أهل هذا الزَّمان عن سلوكه. وتلوتُ حين قضيتُ العجب مِنْ هذه العلوم: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}. ولا بِدْعَ، فإن مخرِّجها فاق الأقران، وسما على أبناء الزمان. تقابلت فيه الأوصاف حُسنًا، وجمع أشتات الفضائل، فنال منها المحل الأسْنَى. وتضلَّع مِنَ العلوم الشريفة والآداب (¬1)، وحوى مِنَ المراتب السِنيَّة ما يعلو على السَّحاب. زاده اللَّه تعالى مِنْ فضله، وجعله وإيَّايَ مِنْ خيرِ أهله. بمنِّه وكرمه آمين. كتبه محمد بن عبد اللَّه بن ظهيرة القرشي الشافعي المكي، لطف اللَّه تعالى به. ومِنْ خطِّه نقلت. وكانت مراسلاته ترِدُ على صاحب الترجمة مِنْ مكَّة، لمزيد اختصاصه به، ووثوقه بمحبَّته وصحبته، بحيث إنه أنشد في بعضها، كما قرأته بخط شيخنا الزَّين رضوان المستملي [مؤرخة محرَّم سنة ثلاث عشرة: بقراءة شيخنا العلَّامة أقضى القضاة، شيخ الإسلام أبي الفضل أبقاه اللَّه تعالى ¬

_ (¬1) في (ب): "في الآداب".

[الفيروزآبادي]

للمسلمين] (¬1) قول الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. سألتُ النَّاسَ عن خِلٍّ وفيٍّ ... فقالوا: ما إلى هذا سَبيلُ تمسَّك إن ظفرت بُودٍّ حُرٍّ ... فإنَّ الحرَّ في الدُّنيا قليل (¬2) [الفيروزآبادي] ومنهم العلامة أصمعيُّ زمانه، المجد الفيروزآبادي اللُّغوي. فقرأت بخطه على "تغليق التعليق" لصاحب الترجمة: مخرِّج هذه الزهرات من الكمام، ومُعير عقود هذه الكلم نسَق النظام، ومظهر سلسال زلال الفضائل من أشرف حجَر، ومجرى الجواري (¬3) المنشآت في بحر فضل فيه معتَبرٌ لمن عبر. قد ملك مِنَ الفضل نصابًا، واطلع في برقع في الحفظ شهابًا، وأظهر لأبلغ الثَّناء استئهالًا واستيجابًا، أتى مِنْ تسلسل أنفاسه بنفسيةٍ، صارت لديباجة المسندات طرازًا، ولطالبي كنز الحديث مِنَ الحجر المكرَّم مِنْ كلامه ركازًا. جلا بشهاب فضله عَنْ وجه الإسناد ليلَ كلِّ مشكل بهيم، واستجلب مِنْ غُرَرِ المسانيد أخبارَ كلِّ حديثٍ وقديم. أبدى بديعًا شهر في بالإجادة (¬4) في الإفادة صيته. ومال إلى جانب جنابه أخدعُ الفضل وليته، فخُصَّ من الفُضلاء بتنويهٍ ذكر له به استحقاق، واستحسن اجتهاده في تخريج الأحاديث التي علت على السَّبع الطباق. سلك في ذلك مسلكًا يُنشر فكره على ممر الزمان ويؤرخ. وكافور القرطاس بغالية الأنفاس في معناه يُضمَّخ. فكان ما زواله من الاختراع، كان له على حبل الذراع، استمطر له من عَارِضٍ عارضته مدرارًا. وأحيا مِنْ دارس معالم الحديث ما أرانا بعد العشيَّة عرارًا، معرفًا أبناء جلدته أنَّ وحي ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ط). (¬2) من قوله: "وكانت مراسلاته" إلى هنا، لم يرد في (ب) أضافه المصنف بخطه في هامش (ح). (¬3) في الأصول: "الجواهر"، والمثبت من خط المصنف على منسوخته من "تغليق التعليق". (¬4) في (ب، ط): "بالإجازة".

[حميد الدين التركماني]

إبداع الفضائل بعد لم ينقطع، وسلوك طريقة الإعجاز أصلًا ورأسًا لم يمتنع. ولا غَرْوَ، فإنَّه الفاضلُ الذي فضلُه لا يُنكر، وتحريره للفضائل اجتهادُه فيها قد نطق وأخبَر، وعلِيُّ حِجْر مقامه العالي مِنْ بيت الفضل بحَجَر حِجُرِه حجَّر، زاده اللَّه فضلًا وتأييدًا أبد الأبيد، وجعله مِنْ جِلَّة أئمة تروي ألسُنُ الرُّواة عَن علومهم أعلى الأسانيد، وينابيع مواهب اللَّه بهم تُسقي القريب مِنَ المستفيدين والبعيد. قاله وخطَّه الملتجىء إلى حَرَمِ اللَّه تعالى، محمد بن الفيروزآبادي، تاب اللَّه عليه. ونقلته من خطه. وكتب له تصحيحًا على طبقة بخطه ما نصُّه: صحيح ما قاله، واصَلَ اللَّه إلى منازل العِزّ إرقاله. وكتب الملتجىءُ إلى حَرَمِ اللَّه محمد الفيروزيآبادي، أصلح اللَّه أحواله. [حميد الدين التركماني] ومنهم: المحدث حميد الدين حماد التُّركماني الحنفي، فقرأت بخطه في آخر الجزء الأول مِنْ "أطراف مُسند الإمام أحمد"، تصنيف صاحب الترجمة ما مثاله: نجز الجزء الأول من كتاب "إطراف المعتلي بأطراف المسند الحنبلي"، تأليف شيخنا الإمام العلامة الحافظ الناقد، فريد عصره شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن شيخنا الإمام العالم البليغ نور الدين أبي الحسن علي العسقلاني الشافعي، بارك اللَّه في عمره، ليجمع شملَ هذا العلم بعد شتاته، وليحييه بعد مماته. فقد بلغ -بحمد اللَّه- مِنَ البداية الغاية والنهاية، وجعله اللَّه في علم السُّنَّة آية. فلو وقف على هذا التَّصنيف الذي لم يُسْبَق إليه، ولا عوَّل أحدٌ من الأئمة الحفّاظ عليه، صاحبُ "المسند" الإمام أحمد، لحمده وشكره. أو القَطِيعيُّ، لقطع في تحصيله عمره. أو ابن المذهِّب لذهب إليه وسطّره، أو أبو القاسم بن

[عز الدين ابن جماعة]

الحصين، لراغ عن (¬1) غيره ونظره، أو راويه حنبل، لعظَّم مؤلفه وبجَّل. أو الموفق ابن قُدامة، لسعى إليه وقبل أقدامه، أو الحافظ الذهبيُّ لرحل إليه وحرَّر "ميزانه" بين يديه. أو المِزَّيُّ، لاستحلى عذب كلامه، وأعجبه إنسان نظامه، أو ابن رافع، لرفع لهذا الإمام لواء الأعلام، وعلم أنَّه من الملوك الأعلام. فاللَّه يُبقيه ليجدِّدَ ما عفا مِنْ هذا الفنِّ بعد دُروسه، وليمتِّعَ أهلَ العلم بما يبديه مِنْ فوائده ودُروسه، ويحلُّه إن شاء اللَّه بفضله ومنِّه (¬2) دار الأمان. ويشهد له بما علَّمه وعمله "لسان الميزان" إن شاء اللَّه تعالى، آمين، آمين. [عز الدين ابن جماعة] ومنهم: العلامة الفريد عز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة رحمه اللَّه، شهد لصاحب الترجمة بالتقدم كما تقدم في الباب الثَّاني (¬3). [كمال الدين الشُّمُنِّي] ومنهم: العلامة كمال الدين محمد بن محمد بن حسن الشُّمْنِّي، فقرأت في خطبة "شرحه للنُّخبة" تصنيف صاحب الترجمة الذي سماه "نتيجة النظر في نخبة الفكر" وانتهى في رمضان سنة سبع عشرة وثمانمائة قبل وضع المصنِّف شرحه عليها ما نصه: فإنَّ الكتاب المسمى "بنخبة (¬4) الفكر في مصطلح أهل الأثر" من مصنفات الشيخ الإمام مفتي الأنام، مالك ناصية العلوم وفارس ميدانها، وحائز قصب السبق في حَلْبة رهانها، الوارد من فنون المعارف أنهارًا صافية، اللابس مِنْ محاسن الأعمال ثيابًا ضافية، حافظ السُّنَّة من التحريف والتَّبديل، ¬

_ (¬1) في (أ): "من". (¬2) في (أ): "بمنِّه وكرمه". (¬3) ص 138. (¬4) في (ط): "نتيجة"، تحريف.

المرجوع إليه في عِلْمَي التَّجريح والتعديل، وحيد دهره في الحفظ والإتقان. فريد عصره في النَّباهة والعرفان، فيلسوف علل الأخبار وطبيبها، إمام طائفة الحديث وخطيبها، المقدَّم في معرفة الصحيح والسقيم مِنَ الخبر، أبي الفضل شهاب الدين ابن حجر. حرس اللَّه هذا الشِّهاب كما حرس به سماء السُّنَّة، وبوَّأه أبهى المنازل مِنْ غُرف الجنة، وجعل سعيه في العلم مشكورًا، وجزاه بما صنف فيه جزاءً موفورًا. قد رتبه ترتيبًا بديعًا، وسلك في تهذيبه مسلكًا منيعًا، فهو -وإن صَغُرَ حجمُه- كُنَيف مُلىء علمًا، غير أن ألفاظه ضاقت بمعانيه صدرًا، وعلت عبارته عَن فهم المبتدئين قدرًا، لأنه: يُشير إلى غُرِّ المعاني بلفظه ... كحِبٍّ إلى المُشتاق باللَّحظ يرمِزُ لا جرم أن المشتغل به يحتج إلى فكِّ رمزه، ورفع المانع عن الوصول إلى جواهر كنزه. ولم يكن عليه شرحٌ يستعين به الطَّالب، ويتوصل به إلى نيل ما فيه مِنَ المطالب. فلذلك ندبني الإمام المصنِّفُ لشرحه، وحلَّ مُقفل لفظه وفتحه. فانتدبت له مستعينًا باللَّه سبحانه وتعالى على ذلك، وسلكت (¬1) في شرح معانيه، وحلِّ تركيب مبانيه، أقرب المسالك. وأنا أسأل مِنْ فضله أن يلحظه بعين رضاه، وإن لم يكن موافقًا سنن هواه، فإن بضاعتي في العلم مُزْجاة، والاعتراف عند الكرام مِنَ اللَّوم منجاة. وأرغب إلى كلِّ فاضل يقف على هذا التصنيف أن يُصلِحَ ما وجد فيه مِنْ خَلَل أو تحريف، فإن التعاون على البرِّ والتقوى مطلوبٌ. والمجتهد إذا أخطأ له نصيبٌ من الأجر مكتوب. واللَّه أسأل أن ينفع به حالًا ومآلًا. ولا يجعل ما علَّمنا مِنَ العلم علينا وَبَالًا، فإنَّه على كلِّ شيء قدير، وبالإجابة جدير. ورأيت بخطه "فهرست النُّخْبَة"، وصف مؤلفها بسيدنا وشيخنا، الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ المحدثين، أوحد الحفَّاظ، رُحْلة الطالبين. وقال في موضع آخر منها: عمدة المحدِّثين. ¬

_ (¬1) في (أ): "وسلك"، خطأ.

[جمال الدين الأقفهسي]

[جمال الدين الأقفهسي] ومنهم: العلامة القاضي جمال الدين عبد اللَّه بن مِقداد الأقفهسي المالكي، شارح "الرسالة". كتب له تقريظًا على "الاستنصار"، رأيته، لكني لم أكتبه. [جلال الدين البلقيني] ومنهم: العلامة شيخ الإسلام جلال الدين أبو الففل البُلقيني رحمه اللَّه فقرأت بخطِّه على الجزء الثالث مِنْ "تغليق التعليق" ما صورته. الجزء الثالث من "تغليق التعليق" جمع الشيخ الإمام العالم العلامة، المحدث الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي، الشهير بابن حجر، العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ، نفع اللَّه به وبعلومه وبفوائده. انتهى. وكان كثيرَ التَّعظيم لصاحب الترجمة جدًا، وقد لقَّبه بالحافظ غيرَ مرَّة. فمن ذلك ما تقدَّم عند ذكر أبيه (¬1)، ومنه في موضعين مِنَ التَّرجمة التي جمعها لوالده، بل شهد له بأنَّه حافظُ العصر، حيث قال في أول قصيدة مِنْ نظمه أجابه بها عن لغزٍ طارحه به. أحافظ هذا العصر يهناكُم البِشْرُ ... بِجَمْع علومٍ فاحَ مِنْ طَيِّها النَّشْرُ وقرأت بخطِّه إذنه له بالتدريس والإفتاء. فذكر الخطبة، إلى أن قال: ممَّن فاق الأقران في علم الحديث النَّبوي على قائله أفضلُ الصلاة والسلام، وخرَّج العوالي، فارتفى ذِرْوَة السَّنام، ورحل في طلب الحديث إلى بلاد الشام، بعد أن حصَّل نُخبةَ شيوخ عصره بمصر والقاهرة. واجتهد في التَّحصيل بهمَّة ظاهرة، وفكرة باهرة, ثم أخذ في تحصيل الفقه بحُسن القريحة، والفكرة الصَّحيحة. فحضر دُروس شيخ الإسلام، وحصل له مِنْ فوائده (أوفر السِّهام) (¬2). ثمَّ لازمني مدَّة، وإن كانت قليلةً، فهي بالنِّسبة إلى ¬

_ (¬1) ص 267. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (ب).

[نفيس الدين العلوي]

فضائله التي جَمَعَ جليلة. ووقفتُ له على إيصال تعليقات البخاري مُسْندَة، وقد حقَّق في ذلك متنه وسنده. فعند ذلك استخرتُ اللَّه تعالى، وأجزته بالتَّدريس والفتوى بما يتحقَّقُه ويعلمه مِنْ مذهب الإمام الشافعيِّ، عاملًا في ذلك بتقوى اللَّه تعالى. فإنَّه مَنْ سلك التَّقوى نجا {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وتلفَّظْتُ له بذلك في يوم الإثنين الخامس عشر من شهر شوال سنة إحدى وثمانمائة. وكتبه عبد الرحمن البلقيني، ومن خطه نقلت. ولولا ضياع ورقة من الإجازة، لأتيت بها تامَّةً، فلله الأمر. وكتب المذكور لصاحب الترجمة يهنئه بولاية إفناء دار العدل في سنة إحدى عشرة قوله. هنِّئت بالإفتاء والتدريس والـ ... ـعلم الَّذي أضحى عليك مُسهَّلَا في أبيات. وكتب له تقريظًا بالغًا على "الاستنصار" ما هو الآن عندي. وكان إذا حضر عنده في الميعاد. أو في الختوم أو غير ذلك، يجلس بجانبه، سواء فوق الشيخ شمس الدين البرماوي، أو غيره ممن يوازيه. وربما يحضر الوليُّ العراقي، فيجلس بالجانب الآخر، بحيث يكون الفاضي بين الشيخين. [نفيس الدين العلوي] ومنهم: مُحدث اليمن نفيس الدين العلوي، فوصفه فيما قرأته بخطه (¬1) في طبقة سمح لبعض ما قرأه عليه سنة ثمانمائة، بالفقيه الإمام العالم العلامة (¬2) الحافظ شهاب الدين أبي الفضل، ابن الفقيه الإمام نور الدين، صدر المدرسين، فسح اللَّه في مدته. ¬

_ (¬1) "بخطه" ساقطة من (أ). (¬2) ساقطة من (ب، ط).

[أبو زرعة العراقي]

[وفي موضع آخر بصاحبنا الشيخ الفقيه الصالح العالم الرَّحَّال المحدث، شهاب الدين نفع اللَّه به] (¬1). وقرأت بخطه أيضًا: قَدِمَ علينا الشَّيخُ المحدِّث الفاضل البارع المفيد المجيد، شهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن الشيخ الإمام الأوحد نور الدين مفتي المسلمين أبي الحسن، فسح اللَّه في مدته، ديارنا هذه، واجتمعت به بمدينة تَعِز المحروسة في ربغ الآخر مِنْ سنة ثمانمائة, ثمَّ قَدِمَ إلى عدن، ثُمَّ سافرتُ إلى زبيد في سابع جمادى الأولى مِنَ السَّنة، فقدِمَها علينا في يوم الجمعة ثالَث عشري (¬2) شعبان، وناولني، يعني: كتابه "المائة العشاريات" تخريجه للتنوخي، فحصلته، ثمَّ قرأته عليه في يوم الأربعاء ثامن عشري الشهر المذكور. وقرأت بخطه أيضًا ما معناه أن شيخنا كتب "التقييد في معرفة رواة المسانيد" لابن نقطة في خمسة أيام. وطالع هناك "طبقات ابن كثير"، وانتقى منها، وعلَّق مِنْ كتبهم شيئًا كثيرًا في مدَّة قليلة، كثَّر اللَّه أمثاله. فلم ترَ عيني مثله، فاللَّه يصلِحُه، مع صغر سنِّه، ويجمِّلُ حاله، ويعيده إلى مصر سالمًا غانمًا. وكتب للنَّفيس بخطه "شرف أصحاب الحديث" للخطيب. ونسخ النَّفيسُ بخطه نسخة من نسخته "مشيخة الفخر"، صارت وللَّه الحمد مِلْكي. [أبو زرعة العراقي] ومنهم: العلامة الحافظ الناقد شيخ الإسلام ولي الدين أبو زُرعة، ابن شيخه العراقي، رحمهم اللَّه. فقرأت بخطه على بعض تخاريجه ما صورته: وقفت على هذا التَّخريج الذي لا مِثْلَ له. ووقفتُ عند ما تضمنَّه مِنَ المحاسن المُجْمَلة والمفصَّلة، واعترفتُ بأنَّه المجموع الجامع للفوائد، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (أ): "عشر".

والبحر الحاوي للفرائد، وقضيتُ العجب مما حواه، لمَّا أمعنت النظر فيما رواه. وكيف لا يكونُ بهذه الأوصاف الزاهرة، وهو صادرٌ عَنْ صاحب الفضائل الباهرة، الشيخ الإمام، والسيد الهمام، ذي الأوصاف الحميدة، والمناقب العديدة، جمال المحدثين، مفيد الطالبين، شهاب الدين أبي الفضل، أفاض اللَّه عليه مِنْ فضله، وجمع له بين وابِلِ الخير وطَلِّه. فما هي إلا فوائدُ تُضْبَطُ، وما هو إلا مفيد يُغبط. فلقد ظهرت بهذا التَّخريج فوائده الجمَّة، لما أبدى فيه مِنَ الفوائد المهمة. ولقد سلك طريق السَّلف الماضين، والأئمة المتقدمين، فيا حُسْنَ ما انتقى، ويا عُلُوَّ ما ارتقى. لقد حلَّ هذا الشهاب محل الشُّهب الثواقب، وصار فضله في الخافقين مَسِيرَ الكواكب. فكم له محاسن لا تُنكر، وفضائل لا شاذَّ فيها ولا مُنْكَر. فشكر اللَّه سعيَه، وأدام رعيَه. ونفع به المسلمين، وأبقى له ذكرًا إلى يوم الدين. كتبه أحمد بن عبد الرحيم ابن العراقي، ومن خطِّه نقلتُ. وقرأت بخطه أيضًا على الجزء الرابع مِنْ "تغليق التعليق" ما صورته: الجزء الرابع من "تغليق التعليق" جمع سيدنا الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد مفيد الوقت (¬1)، شهاب الدين، مفتي المسلمين، أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر الشافعي، نفع اللَّه بفوائده. آمين. وقرأت بخطه في "ترجمته" التي جمعها لوالده عند ذكره أعيان طلبته الآخذين عنه علم الحديث ما مثاله: وآخرهم: الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حَجَر، صحبَه مِنْ سنة ست وتسعين وسبعمائة، وتخرج به وتَنَبَّه، وفهم هذا الشَّأن كما ينبغي. وخرّج وصنَّف وأفاد. وفيها أيضًا ما مثاله ونقلته من خطه: ومما رثاه به الإمام الحافظُ النَّاقدُ أبو الفضل أحمد بن علي بن حَجَر، فذكر مرثيَّته القافية الآتي الإلمام بذكرها إن شاء اللَّه تعالى. ¬

_ (¬1) في (أ): "المسلمين".

[شمس الدين ابن الديري]

وقرأت بخطه في "تصنيفه" الذي ذيَّل به على "العِبَر" للحافظ الذهبي، حيث أرَّخَ وفاة والد صاحب الترجمة ما نصه: والد صاحبنا الإمام شهاب الدين. وكذا أثبته بخطه فيمَنْ حضر عنده المجلس التاسع عشر من "أماليه"، بقوله: والإمام الحافظ نفع اللَّه به. وحكى شيخي بالإجازة الشيخ الثقة شمس الدين ابن المصري -رحمه اللَّه- أنه سأل الحافظ ولي الدين عن قول البخاري تعليقًا: ورحل جابرُ بن عبد اللَّه مسيرة شهرٍ، ما حكمه؟ ومِنْ أي مكانٍ كانت الرحلةُ؟ وإلى مَنْ رحل؟ فقال له: أي شيء ذكر ابن حَجَر؟ قال: فذكرتُ له كلامه، فقال: هو المتفرِّد بذلك والمرجوع إليه فيه، وأمَّا في المتون، فيمكن مشاركته. وسمعت أنَّ الشيخ نور الدين بن سلامة التمس مِنَ الوليِّ المذكور حيثُ حجَّ سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، تلقيب قاضي مكة (¬1) الشافعي إذ ذاك بالحافظ، فقال: لا أعلم مَنْ يستحقها بمكة غير التقي الفلسي، وبالقاهرة غير ابن حَجَر. ولهما ثالث: فيقال: إنه أراد به نفسه. وحكى لنا الإمام الفرضي زين الدين البُوتيجي -رحمه اللَّه- قال: استشرتُ شيخنا شيخ الإسلام ولي الدين حين أمرني أن أطوف بولده للعرض على المشايخ، فيمن يبدأ به، فقال: بالشيخ شهاب الدين ابن حجر. قال: وكان ذلك في سنة ست وعشرين وثمانمائة، قبل وفاة الشيخ بيسير، رحمهم اللَّه وإيانا. [شمس الدين ابن الديري] ومنهم: قاضي القضاة العلامة شمس الدين ابن الدَّيري الحنفي، فكتب على "الاستنصار على الطاعن المعثار"، الذي ردَّ فيه على العَيْنِيّ ما أورده ¬

_ (¬1) في (أ): "قاضي القضاة".

[شرف الدين التباني]

في خطبة "شرحه للبخاري" على خُطْبَتي شيخنا لشرحيه على الكتاب المذكور، كتابةً جليلةً ما هي الآن عندي. [شرف الدين التَّبَّاني] ومنهم: العلامة شرف الدين يعقوب بن جلال التَّبَّاني (¬1) الحنفي، فقرأت بخطه على "الاستنصار" في أثناء كلامه، قال: وأمَّا السائل نفع اللَّه به المسلمين، وأدام به النفع، آمين. فشرحه على "الجامع الصحيح" مِنْ أحسن الشُّروح وضعًا، وأكثرها جمعًا. ولقد طالعتُه، فظفرت فيه بفوائدَ حسنةٍ، ووجدته أحسن في ترتيبه، وأجادَ في تهذيبه. وأبرز فيه معاني لطيفة، وفوائد حديثية حَسَنة شريفة. جمع فيه فأوعى، ودعا المعاني الأبيَّة، فقالت: سمعًا وطوعًا. فغدوتُ أسير في رياض مُونقة، وأغصانِ مُورقة. ولا يُنْكَرُ ذلك عليه. فإنَّه الحالم النِّحرير والبحر الكبير، ظاهر الأسرار، مُورق الأشجار، جاري الأنهار بالفوائد الغزار، كم من طالب هرع إليه، فقال خيرًا، وكم مِنْ مجلسٍ حضر، فما زالت فوائذه تُذكَرُ دهرًا. فاللَّه تعالى يُبقيه ليُنتفع به، بمحمد وآله. [ابن مغلي] ومنهم: العلامة العلاء علي الحموي بن مُغلي الحنبلي، فقرأت بخطه على "الاستنصار" أيضًا كتابة مطوَّلة، قال فيها: وأما ما يتعلق بكلام السائل أدام اللَّه بقاءه، وضاعف ارتقاءه، فليس في الخطبتين المنصُوصتين في السُّؤال، ولا في ديباجتيهما شيءٌ مما نُسب إلى ذلك البعض المبهم، ولا دعوى أنَّه امتاز شرحُه على شرح مَنْ تقدَّم. بل نبَّه على طريقه في تأليفه، وجرى على سنن أهل العلم في التَّنبيه على فوائد مصنفاتهم في أوائلها، لبعث همَّةِ الطَّالب. وتحريضه وتأليفه، وباللَّه إنَّه ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ).

[البدر البشتكي]

لجديرٌ بالصِّدق في مقاله، حقيقٌ بالقيام بأعباء هذا الشرح وحمل أثقاله. فإنَّ إمامَتَه في علم الحديث لا تُنكر، وتحقيقه فيه أشهرُ مِنْ أن يعرَّف به ويذكر، وحفظُه للرجال وطبقاتهم وتَعْدِيلهم وتجريحهم سَمَا فيه على أهل عصره، واستحضاره للأسانيد والمتون من أمهات الكتب لا يدرك قرار بحره (¬1). وفهمه الصحيح في المعاني والحكم الفقهيات لم يتَّصف بحسنه إلا بنات فكره، وسواء أكان هو المعنيَّ أم غيره بالبعض. ولا ينبغي أن يُعَامَلَ مَنِ اتَّصف بخدمة العلم وتحصيله بالبعض. . . . إلى آخر كلامه. وهي كتابة جليلة، شفى فيها الغليل بأوضح بيان وأحسن تعليل. رحمه اللَّه وإيانا. وسيأتي في المطارحات مِنْ نظمه وصفه بأنَّه حافظ الورى. [البدر البشتكي] ومنهم: العلامة أديب العصر البدر البشتكي رحمه اللَّه وعفا عنه. فقرأت بخطه حيث ترجمه في كتابه المسمى "بالمطالع البدرية لمن اشتهر بالصِّناعة الشِّعرية"، وصفه بالشيخ الإمام العلامة المحدث الحافظ، أوحد زمانه، وسيِّد أقرانه، ذي التَّصانيف المفيدة، والفضائل العديدة. والحافظة المُفرطة المجيدة، الذي ابتسمت تصانيفُه عن شَنَب الإجادة، وقضت له صفاته الحسنى بالزِّيادة، الفقيه المحدِّث، الشاعر الناظم، الناثر الأديب، الكاتب المنشىء، أبو الفضل الملقب شهاب الدين. إلى أن قال: طوَّف البلاد، وارتحل إلى اليمن ومكة والاسكندرية والشام، وطلب الحديث وبرع فيه، وتفرَّد في أسماء رجاله. وصنَّف في ذلك التصانيف المُشْبِعَة، وعُني بفهم الحديث وتحقيق ألفاظه وضبط الأسماء الواقعة قيه، وتقدم نظراءه، وشارك في بقية العلوم المشاركة الجليلة. وله النظم الرائق، والنثر الفائق. وكتب الخط الحسن طريقة الشيخ جمال الدين ¬

_ (¬1) في (أ): "تحريره"، تحريف.

[الشمس البرماوي]

محمد بن نباتة المصري، وكتب به الكثير. ثم ذكر شيئًا من وظائفه. إلى أن قال: وهو حَسَنُ الوجه، لطيف المعاشرة، مُحِبٌّ للطلبة، له ثروة، وحصل له إقبال مِنْ أعيان الديار المصرية، وما نزل ببلدة إلا وأقبل عليه كبراؤها وأذنوه منهم. حدَّث وروى كثيرًا عن كثير، وأجاز له خَلْقٌ، ثم ذكر نبذة من أسماء شيوخه. إلى أن قال: وأخذ عنه جماعةٌ, وأخذت أنا عنه، وشرعتُ عليه في قراءة "صحيح الإمام البخاري" في شهر رمضان سنة إحدى عشر وثمانمائة، جزاه اللَّه عنِّي أفضل الجزاء. ثم ذكر شيئًا مِنْ مصنَّفاته، وقال: وفيما ذكرناه كفاية في شرف مكانه، وعلوِّ كيوانه وله المدائح الجيدة في أعيان العصر، والمطارحات الحسنة لأهل الأدب. وساق أشياء من ذلك، سأذكرها في محلِّها إن شاء اللَّه تعالى. إلى أن قال عقب بيتين، وفيهما دليل على رُسوخ قدمه وطول باعه في هذا الفن، فللَّه درُّه مِنْ شاعرٍ ما أعلمه، وعالمٍ ما أشعره. وسيأتي في المطارحات قوله: أيا شهابًا رقى في العلا [الشمس البرماوي] ومنهم: العلامة المفنَّنُ الشمس البرماوي رحمه اللَّه، فقرأت بخطه على "الاستنصار" بعد ديباجة قدَّمها ما نصُّه: وبعد، فقد نظرت في الخطبتين المذكورتين، متأملًا محاسن مساقهما، متدبِّرًا عذب ألفاظهما وبديع اتساقهما، فلم أر فيهما ما ادعى في الإعابة، ولا دعوى ولا غضًّا مِنْ شرح يَحيدُ عَنِ الإصابة، بل ما حكى مِنْ كلمات العائب هي المشتملة على كثيرٍ مِنْ المعايب، لا سيما ما غمص به من قبله، فحق أن يتمثل له بـ:

[التقي الفاسي]

لا تنه عن خُلقٍ وتأتي مِثلَه على أن مؤلف الخطبتين جلالتُه مشهورة، وإمامتُه في هذه الفنون مأثورة، لا يجحدُها إلا غبيٌّ أو معاند. أو مَنْ حَمَلَة الغِلُّ، فهو حاقد حاسد، إلى آخر كلامه. [التَّقيُّ الفاسي] ومنهم: العلامة الحافظ التقي أبو الطيب الفاسي المكي، فقرأت في كتابه "ذيل التقييد" لابن نقطة، حيث ترجم صاحبَ الترجمة بترجمةٍ هائلةٍ، قال فيها: وبالجملة، فهو أحفظُ أهل العصر للأحاديث والآثار وأسماء الرجال، المتقدمين منهم والمتأخربن، والعالي مِنْ ذلك والنازل. وصنَّف عدَّةَ تصانيف في عِلَل الأحاديث، وبراعتُه حسنةٌ في الفقه وغيره، ويُبدي في دروسه للفقه أشياء حسنة. قال: وله مِنْ حُسْنِ البِشْر وحلاوة المذاكرة والمروءة، وكثرة العناية بقضاء حوائج أصحابه ما كَثُرَ الحمدُ له بسببه. زاده اللَّه توفيقًا وفضلًا. وقد انتفعتُ به في علم الحديث وغيره كثيرًا، جزاه اللَّه عنا خيرًا. انتهى. والتقيُّ الفاسيُّ كثيرُ النقل عن شيخنا في تصانيفه، وقال في "تصنيفه" في ابن عربي ما نصُّه: وقد سمعتُ صاحبا الحافظ الحجة القاضي شهاب الدين أبا الفضل، وهو الآن المشارُ إليه بالتقدم في علم الحديث، أمتع اللَّه تعالى بحياته - يقول: فذكر شيئًا. وقال في تصنيفه "إيضاح بغية أهل البصارة في ذيل (¬1) الإشارة" ¬

_ (¬1) في (ب): "دلائل". وكتاب الذهبي هو الإشارة إلى وفيات الأعياد المنتقى من تاريخ الإسلام، مه نسخة في المكتبة الأحمدية بحلب رقمها 328، وعنها مصورة في معهد المخطوطات بالقاهرة. وللذهبي أيضًا كتاب ذيل الإشارة إلى وفيات الأعيان.

[تقي الدين الكرماني]

للذهبي، لمَّا ذكر والدَ صاحبِ التَّرجمة ما نصه: وهو والد صاحبنا ومفيدنا الشيخ الحافظ الكبير شهاب الدين أحمد بن حَجَر، أمتع اللَّه بجماله. وقال أيضًا في ترجمة ابن بُصْخان من الكتاب المذكور: وذكره شيخُنا العلامة الحافظ، قاضي القضاة، شهاب الدين أحمد بن حَجَر العسقلاني، أبقاه اللَّه تعالى في "المعجم" الذي خرَّجه لشيخنا البرهان الشَّامي. ووصفه في طبقةٍ تاريخُها شعبان سنة اثنتين وثمانمانة، بالشَّيخ الإمام العلامة الأوحد، مفيد الطالبين، فخرُ المحدثين، جمال الأدباء، أدام اللَّه النفع به آمين. قلت: وأخبرني شيخنا العلامة أبو إسحاق بن خضر العثماني تلميذ صاحب الترجمة رحمهما اللَّه أنَّه سمع التَّقيَّ المذكور يقول عند وداعه حين سفره مِنَ القاهرة إلى مكة ما لفظه: إنَّ اللَّه لا يَسْتَحْيِى من الحقِّ، ما رأينَا مثلَ الشَّيخِ شهاب الدين ابن حَجَر، قال: فقلت له: ولا شيخكم العراقي؟ فقال: ولا العراقي: رحمهم اللَّه أجمعين (¬1). [تقي الدين الكرماني] ومنهم: العلامة تقي الدين يحيى ابن شيخ الإسلام الشمس الكِرْماني رحمه اللَّه، فقرأت بخطه على استدعاء ولد صاحب الترجمة وإخوته ما نصه: المستدعي الشيخ العلامة الحبر البحر الفهامة، أسبغ اللَّه ظلَّه الوارف، وصرف عَنْ ساحته الصوارف، حسبما أشار به ورسم، وهو أولى بأن يُجيزَ لكاتبه وغيره مِنْ فضلاء الأمم، إلى أن قال: أسبغ اللَّه ظلَّ والدهم عليهم وعلى كاتبه. ¬

_ (¬1) أشار المصنف إلى هذه الحكاية في ترجمة التقي الفاسي من الضوء اللامع 7/ 19، وذكر أنه بينها في "الجواهر"، يعني هذا الكتب.

[المجد البرماوي]

وبخطه على الكراس الأول من كتاب "الأوائل" تصنيف صاحب الترجمة ما مثاله: يا كاملًا جمع الفواضلَ والفضائلْ ... ومسدَّدًا فاقَ الأواخرَ والأوائلْ بأوائلٍ رتَّبتَها وسردْتَها ... مشحونة طُرًّا بأنواع الدَّلائلْ أبديتَ عِلْمًا للأنام مُنوَّعًا ... قسمًا لقد فُقْتَ الأوائِلَ بالأوائلْ [قلت: وقد اختصر (¬1) التقيُّ الكتاب المشار إليه حسبما وقفت عليه، وقال: إنَّه لخَّصه مما لخَّصه الشيخ العالم شهاب الدين أحمد بن حَجَر مِنْ مؤلَّف الإمام العلامة بدر الدين محمد بن عبد اللَّه الشبلي، ورتَّبه الشيخ شهاب الدين ابن حَجَر على أبواب الفقه، وذكر حال رجال أسانيد ما يرد مِنَ الأوائل. قال الكرماني: وقد أضفتُ إلى ذلك فوائد متفرقة في كل محلِّ، رحمهم اللَّه] (¬2). [المجد البرماوي] ومنهم: العلامة المجد إسماعيل البرماوي رحمه اللَّه تعالى، فأخبرت عنه أنه كان يقول: بموته تموت الشريعة. وكان أيضًا يقول -على ما أخبرني به الثقات مِنْ أصحابه-: من سبعين سنة ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه. قلت: وما أظنُّه إلا قصد أنه ما رأى مثله. [ابن الجزري] ومنهم: شيخ القراء الشمس أبو الخير ابن الجَزَري -رحمه اللَّه- ¬

_ (¬1) في (ط): "أحضر"، تحريف. (¬2) ما بين حاصرتين لم برد في (ب)، وورد في هامش (ح) بخط المصنف.

فقرأت بخط صاحب الترجمة على كتابه الذي سماه "القول المسدَّد في الذَّب عن مسند أحمد" ما صورته: ذكر لنا بعض أصحابنا أن الشيخ شمس الدين ابن الجزري لمَّا رجع إلى شيراز في سنة اثنتين وثلاثين، وكان قد حصَّل نسخةً مِنْ هذا الكتاب، فكتب جزءًا على سبيل التذييل عليه، وقال في خطبته: فإني وقفت على "القول المسدد"، والدر المنضَّد، الصادر عن الحافظ أحمد، في الذَّب عن "مسند الإمام أحمد"، فإذا أنوار [فوائده مِنْ علياء حضرة الشِّهاب تتَلالَى، وأبكارُ] (¬1) فوائده مِنْ لَدُن هذا الحبر البحر تتَغالى وتتعالى. قال: ولسان الحال يقولُ في الحال: (هكذا هكذا وإلا فَلَا لا) أبقاه اللَّه تعالى، وزاد فضائله وفواضله جمالًا وجلالًا. ولقد أتى فيه بما لا مزيد عليه اطلاعًا وتحقيقًا، واستحضارًا وتدقيقًا، أمتع اللَّه المسلمين بوجوده، آمين. وكتب -فيما قرأته بخطه- على المجلد الأول من تصنيفه "النشر في القراءات العشر" ما نصه: هديةٌ مِنَ العبد الفقير إلى رحمة اللَّه تعالى، محمد بن محمد بن محمد بن الجَزَري مؤلفُه، عفا اللَّه تعالى عنه، لخزانة مولانا الشيخ الإمام العلامة حافظ عمره، وشيخ مصره، شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن الشيخ الإمام المرحوم نور الدين أبي الحسن علي بن محمد بن محمد العسقلاني، المعروف ببن حَجَر، أجَلَّه اللَّه تعالى، وأدام نفع المسلمين بمؤلفاته المفيدة، وفضائله العديدة، وأيَّامِه السعيدة، ولقد أجَزْتُه -وله الفضل ولأولاده، أبقاهم اللَّه وحفظهم بحياته- روايته عنِّي، ورواية جميع ما يجوز لي روايته. وكتب في يوم الأحد الثاني من في الحجة الحرام سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، تُجاه الكعبة بين زمزم والمقام. وعلى المجلد الثاني منه ما نصه: هدية مِنَ العبد الفقير إلى رحمة ربه ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

القدير، محمد بن محمد بن محمد الجزري، غفر اللَّه له ذُنوبَه، وستر عيوبه، لخزانة سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة شيخ الأنام، وحافظ الإسلام، شهاب الدنيا والدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني، أدام اللَّه تعالى نفع المسلمين بعلومه الشريفة، وأبقى على المؤمنين فوائد مؤلَّفاته الظَّريفة، وأجزتُه -وله المنة- روايته عنِّي ومالي روايته. وكذلك لأولاده أبقاهم اللَّه تعالى في ظلاله ولسائر أقاربه من أهله وآله. وكتب في يوم الأحد الثاني من ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة تُجاه البيت الحرام بين زمزم والمقام. لا جعل اللَّه ذلك آخر العهد منه. وكتب بخطه أيضًا على نسخة من "أطراف مسند الإمام أحمد" لصاحب الترجمة ما نصُّه: استفاد منه، وكتب داعيًا لمؤلفه -متع اللَّه الإسلام والمسلمين ببقائه- محمد بن محمد بن محمد بن الجَزَري، عفا اللَّه عنهم. وكتب على استدعاء لولد صاحب الترجمة ومن معه بما نصُّه: إني أجزتُ لهم رواية كُلِّ ما ... أرْوِيه مِنْ سُنن الحديث ومُسْنَدِ وكذا الصّحاح الخَمْس ثم معاجم ... والمشيخات وكلّ جُزْء مفرد وجميع نظم لي ونثرٍ والذي ... ألَّفت كالنَّشر الزَّكي ومُنْجِدِي فاللَّه بحفظهم ويبسُط في حيا ... ة الحافظ الحَبْرِ المحقِّق أحمدِ شيخ العلوم وبحرها وإمامِها ... وبشهر صبرٍ عام أذَّن مولدي وأنا المقصِّر في الورى العبد الفقـ ... ـيرُ محمدُ بن محمدِ بنِ محمدِ وروى العلامة نسيم الدين عبد الغني المرشدي سبطُ الكمال الدَّميري، وأحد تلامذة صاحب الترجمة، قال: سمعتُ ابن الجَزريِّ يقول: حضرتُ

[الشهاب الكلوتاتي]

على العماد ابن كثير، وعلى غيره مِنْ شيُوخ الحافظ العراقي، فلم أر فيهم أحفظَ مِنَ ابن حَجر. قال: مع كون ابن الجزري كان منحرفًا عنه، ولكن الحقُّ أحقُّ أن يتَّبَع. قلت: وكانت كُتُبه ترِدُ على صاحب الترجمة، وآخرها مؤرَّخٌ بالمحرم سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة، وفي أوله عدة أبيات نونية مدحه بها، ما وقفت عليها بعدُ. نَعَم رأيت فيما كتبه إليه: إذا أردت الحافظَ البحرَ فقُمْ ... واقصِدْ شهابَ دينِنا ثم الْزَم ولو ترومُ كِيميَا سعادة ... فإنَّه ابن الحجر المكرَّم [الشهاب الكلوتاتي] ومنهم: المحدث المكثر الشهاب أبو العباس الكلوتاتي رحمه اللَّه. فرأيت بخطه نسخة مِنَ "المقدمة" تصنيف صاحب الترجمة، قال في أولها: جَمْعُ سيدنا ومولانا وشيخنا العلامة، مفتي المسلمين، شيخ الشيوخ، الحافظ، العبد الفقير إلى اللَّه تعالى، شهاب الدين أحمد العسقلاني المصري الشافعي، الشهير بابن حَجَر، أعزَّه اللَّه تعالى، ورَحِمَ سلفه. ونفع به وبمصنفاته المسلمين آمين. أروي بعضه قراءة عليه، وباقيه إجازة. وكتبه أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد اللَّه الحنفي. ومن خطه نقلت. وكانت قراءته في سنة عشرين وثمانمائة. وكذا ذكره فيمن أخذ عنه علمَ الحديث، ووصفه بشيخنا الإمام العالم، الحافظ الحجة، المتقن، عمدة أصحاب فنون الحديث. وفي موضع آخر: بالعلامة الحافظ، شيخ المحدثين، أقضى القضاة. وفي آخر: بسيدنا وشيخنا، الإمام العالم العلامة، وحيد دهره، وفريد عصره، الحافظ الحجَّة. مفتي المسلمين، أقضى القضاة.

[ابن الغرابيلي]

وفي آخر: بالعلامة الحافظ الحجة. وقرأت بخطه: علماء الحديث: ابن الصَّلاح، والنووي، وابن دقيق العيد، والعراقي وولده، ومعه ابن حَجَر. [ابن الغرابيلي] ومنهم: الحافظ العلامة تاج الدين ابن الغرابيلي -رحمه اللَّه- فبلغني عنه أنه قال عند إشاعة أن الأشرف همَّ بالسفر إلى آمد ويستصحب معه القُضاة، ومنهم صاحب الترجمة على العادة، أقسم باللَّه أنَّه ما دخل دمشق بعدَ ابنِ عساكر أحفظَ منه، وكان يرجِّحُه على المزِّيِّ والبرزاليِّ والذَّهبيِّ، ويقول: إنَّه اجتمع فيه ما تفرَّق فيهم، من حسن التأليف، وحفظ المتون والأسانيد، وزاد عليهم قوَّة الاستنباط، والجمع بين مختلف الأدلة، قال: وعندي أنه ما ولي قضاء الشافعية بعد ابن دقيق العيد أعلم منه، وابن دقيق العيد كان أدقَّ نظرًا. [ابن حجة الحموي] ومنهم: الشيخ تقي الدين أبو بكر بن حِجَّة الشاعر المشهور، فقرأت بخطه على استدعاء الحافظ صاحبنا النَّجم ابن فهد ما نصه: ومما أنشأته في غيرها، يعني غير الديار المصرية، "البديعية" التي عارضت بها الحِلِّيَّ والموصليَّ، وسميتها "تقديم أبي بكر"، وشرَّفها إمامٌ من أئمة الأدب، وشيخُ مشايخ الإسلام، مولانا قاضي القضاة شهاب الدين ابن حَجَر العسقلاني الشافعي، زاد اللَّه شأنه تعظيمًا، بقوله من تقريظه الذي كتبه عليها: أشهد أنَّ أبا بكر مُقدَّم على أنظاره، ولا أعدل في هذه الشهادة مِنْ أحمد، وأجزم برِفْعَةِ قدره على مَنِ انتصب لهذا الفن. ولا أبلغَ مِنْ حاكم يشهد. قلت: وسيأتي التَّقليدُ الذي عمله لصاحب الترجمة حين ولايته القضاء في المدائح المعقود لها الفصل الأخير مِنْ هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى (¬1). ¬

_ (¬1) ص 435 من هذا الجزء.

[زين الدين الخوافي]

[زين الدين الخوافي] ومنهم: السيد الجليل المربي الزين أبو بكر بن محمد بن محمد بن علي الخوافي، الآتي في المُطارحين (¬1)، فقرأت بخطه (¬2) في استدعاءٍ لأولاد صاحب الترجمة ما نصُّه: ولمَّا بلغ الشيخ الإمامُ رُحلةُ الأنام، وحجة الإسلام شهاب الملَّة والدين أبو الفضل أحمد ابن الإمام العلامة نور الدين (¬3) علي العسقلاني، متع اللَّه المسلمين بطول بقائه، ومنَّ عليه بوصله ولقائه، في هذه الفضيلة العظمى إلى أعالي درجاتها، أحبَّ أن يُوصِل أولاده الكرام، وأقاربه العظام أيضًا إلى غاياتها. فلذا استدعى لهم مِنْ أئمَّة الأمصار ونقَلَةِ الأخبار في جميع الأقطار، مع عُلُوٍّ أسانيده المعتبرة، وسمو تحقيقاته المنتشرة. [ابن الخياط] ومنهم: العلامة الحافظ الجمال أبو عبد اللَّه محمد ابن الرضي أبي بكر بن محمد بن صالح اليمني، عرف بابن الخياط. وصفه بالإمام الجليل، الحافظ، شيخ الإسلام ابن حجر. [علاء الدين البخاري] ومنهم: العلامه المحقق الوَرع علاء الدين البخاري الحنفي، فقال لما اجتمع بصاحب الترجمة: رأيت شخصًا عليه نُور السُّنَّة. [سبط بن العجمي] ومنهم: حافظ البلاد الحلبية، العلامة المتقن، برهان الدين أبو الوفا سبط ابن العجمي - رحمه اللَّه. ¬

_ (¬1) في الجزء الثاني. (¬2) "بخطه" ساقطة من (أ). (¬3) في الأصول: "علاء الدين"، والمعروف أن كنية والد ابن حجر "نور الدين".

فرأيت بخطِّه بحلب في رحلتي إليها في مجموع من مجاميعه، ترجمةً لصاحب الترجمة، قال فيها بعد ذكر مولده ونسبه: وهذا الرَّجلُ في غايه ما يكونُ مِنَ استحضارِ الرِّجال والكلام فيهم. وله مؤلفات كثيره في تراجمهم. وله كتاب "لسان الميزان" كتابٌ حَسَنٌ، فيه فوائد. وله "شرح على البخاري" لم يكمله، نظرت فيه بعضَ نظرٍ. وله أخلاقٌ حسنة، ونوادرُ، وسُكُون، ويستحضر أشياء حسنةً مليحةً. وأمَّا الحديثُ، فله معرفةٌ تامَّةٌ برجاله المتقدمين والمتأخرين بتراجمهم وهو جملة (¬1) حسنة، لا أستحضر أنِّي رأيتُ مثله في معرفة رجاله المتقدِّم والمتأخِّر، واللَّه أعلم. وقد سمع كثيرًا بالقاهرة ومصر ودمشق والحجاز وغيرها، وله مشايخُ كثيرة، سماعًا وإجازه. قُرىء عليه وعليَّ أشياء بحلب بالشَّرفية، وسمع عليَّ بقراءته وقراءة غيره، حفظه اللَّه تعالى للمسلمين. وقد نظر "تعليقي على البخاري" أو غالبه، وأفاد على هوامش نسخة منها عزو تعليقات وُقفت على شيخنا ابن الملقن، وكذا نظر "ذيلي على ميزان الذهبي"، وكذا وقف على "تعليقي على سيرة أبي الفتح اليعمري"، وأفاد. وكذا نظر غيره من تعليقاتي، وكتب الفن التي عندي، وغالب ما نظره مِنْ تعليقاتي وغيره أفاد فيها بخطِّه، وقد أملى بجامع حلب عدة مجالس، وسُمِعَ عليه بعض مؤلفاته، وكذا بعض ما يرويه بمنزل القاضي الشافعي علاء الدين ابن خطيب الناصرية. قلت: وكان الحافظ برهان الدين حين سمع بقدوم شيخنا عليهم، توجَّه إليه، وسلَّم عليه، وأخبره (¬2) غير واحد مِنْ طلبته أنه سمعه يقول: رأيت رجلًا أمة يتوقَّد ذكاء، ليس في أشياخي مثله. وأكثر النَّقل عن شيخنا في "شرحه على البخاري". وقال في أول "شرحه" -كما قرأته في نسخة ¬

_ (¬1) "جملة" ساقطة من (أ). (¬2) في (ب، ح): "وأخبر".

[ناصر الدين الفاقوسي]

العلامة أبي البركات الغَرَّاقي، وهي آخر نسخة ما نصه-: ثم اعلم أنَّ ما فيه "عَنْ حافظ عصري"، أو "عن بعض حُفَّاظ العصر"، أو نحو هاتين العبارتين، فهو من قول حافظ هذا العصر العلامة، قاضي المسلمين، حافظ الإسلام شهاب الدين ابن حجر من كتابه الذي هو كالمدخل إلى شرح "الكتاب" (¬1) له. أعان اللَّه على إكمال الشرح. انتهى. ومنهم العلامة أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد (¬2) بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي التِّلِمْساني المالكي، فقرأت بخطه في استدعاء ولد صاحب الترجمة ما نصه: سيدنا الإمام الحافظ العلامة، العلم الفقيه، المحدث المكثر الراوية، البحر الخضم، وحيد دهره، وفريد عصره، جامع أشتات الفضائل، وحائزُ خِصَالِ السَّبق بواضحِ الدلائل، الأوحد الأكمل، أبو جعفر شهاب الدين أحمد. إلى آخره. [ناصر الدين الفاقوسي] ومنهم: القاضي الرئيس، ناصر الدين محمد بن حسن الفاقوسي. فقرأت بخطه في طبقة سماع "المائة العشاريات"، تخريج صاحب الترجمة للتَّنوخي عليه ما نصه: بقراءة الإمام العالم المتقن المفنَّن، الناقد المحدث، شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن الشيخ الإمام العالم المرحوم نور الدين أبي الحسن علي ابن المرحوم قطب الدين محمد، أدام اللَّه تعالى نشر فوائده، والإمتاع بفرائده. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "البخاري"، وكذا كانت في (ح) ثم شطبها المؤلف، وكتب في الهامش بخطه: "الكتاب". (¬2) كذا ورد في (أ، ب، ح)، رفي (ط): "محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد". وفي "الدرر الكامنة" 3/ 360: "محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد"، وفي المجمع المؤسس 2/ 636، وفهرس الفهارس 1/ 521: "محمد بن أحمد بن محمد بن محمد".

[ابن ناصر الدين الدمشقي]

[ابن ناصر الدين الدمشقي] ومنهم: حافظ الشام العلامة شمس الدين ابن ناصر الدين القيسي، صاحب أبيات المديح في صاحب الترجمة الآتي ذكرها (¬1). فقرأت بخطه في بعض مراسلاته: إلى مولانا وسيدنا شيخ الإسلام، حافظ الأعلام، ناصر السنة، إمام الأئمة، قاضي قضاة الأمة، أبي الفضل، أسبغ اللَّه على الوجُودِ ظلَّ بقائه، ولا أخلانا والمسلمين مِنْ عوائد فوائده ونعمائه. إلى أن قال: إنه قائم لجنابكم بوظيفةِ الدُّعاء، ومُثْنٍ -كلَّما مرَّ ذكركُم الشَّريفُ- بجميل الثناء، مبتهج بوجودكم سرورًا، متطلع إلى أخباركم كثيرًا. إلى أن قال: ولم يترك المملوكُ المكاتبة إلا استصغارًا لنفسه عن مقامكم الخطير، مع علمه بأنكم أهل للصَّفح عن ذوي التَّقصير. وذكره في تصنيفه "توضيح المشتبه" في (حجر) من الحاء المهملة، فقال: محدِّثٌ حافظٌ، وهو الآن حي بمصر، أمتع اللَّه به. له مؤلفات، منها: وذكر "إتحاف المهرة". وله شعرٌ حَسَنٌ فائقٌ، أنشدنا منه مِنْ لفظه بدمشق في رحلته إليها قبل الفتنة. ومن مؤلفاته "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" في مجلَّدة. ووجدته كتب بخطِّه على نسخة المصنِّف -يعني الذهبي- بهذا الكتاب ما نصه: نسخ منه نسخةً موضَّحةً بضبط الأحرف، فزاد زيادة يسيرة جدًا، واستغنى النَّاظرُ فيه عن ضبط القلم فلله الحمدُ على ذلك. ثم كتب اسمه. قال ابنُ ناصر الدين: فليت شعري كيف فعل بما فيه مِنَ الأوهام والخلل، أحرَّرَ ذلك وجوَّده، أم وَثِقَ بخط (¬2) المصنِّف فقلده؟ وليس أولَ سارٍ غرَّه القمرُ. قلت: ولو رأى الكتاب، وخبر مصنِّفَه تمام الخُبْر، ما قال ذلك. ¬

_ (¬1) ص 513 من هذا الجزء. (¬2) في (أ): "بحفظ".

[أبو شعرة الحنبلي]

ولكني أتحقَّق أنَّه ما مات حتى رجع عن مقالته. وثبت عنده جلالته، رحمهما اللَّه وإيانا. وقوله: "وليس أوَّل سار" أشار به إلى ما كتب به القاضي الفاضل إلى الشيخ عبد الدائم العسقلاني، يلتمس منه أنه يواخيه في اللَّه، فكتب إليه: ما أنتَ أوَّل سار غرّه قمرٌ ... أو رائدٌ أعجبته خُضْرةُ الدِّمَنِ فانظر لنفسك غيري إنني رجلٌ ... مِثل المُعَيْدِيِّ، اسمعْ بي ولا تَرني حكى ذلك الرَّشيد العطار في "نصر بن ظافر" من "معجمه". وحكى غيره أن بعضهم ارتحل (¬1) إلى الحريري من مكان بعيد للأخذ عنه. فلما وصل إليه، استأذن عليه. فخرج الحريري إليه فسأله: ما الذي تريد؟ فقال: أريد الحريري. قال: هو أنا، فما حاجتك؟ فاحتقر هيئته، وقال له: أنت الحريري؟! وكرر ذلك، فأنشده الحريري: ما أنتَ أوَّل سارٍ غرَّه قمرٌ ... أو رائدٌ أعجبته خُضْرةُ الدِّمنِ رحِّل قَلُوصَك عني إنني رجلٌ ... مِثلُ المُعَيْدِيِّ، اسمعْ بي ولا تَرَنِي انتهى. وأشار إلى المثل السائر "لأن تسمع بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ مِنْ أن تراه". ويقال: إنَّ أوَّلَ مَنْ قاله النعمانُ بنُ المنذر للصَّقعب بن زهير النهدي] (¬2). [أبو شعرة الحنبلي] ومنهم: العلامة الزاهد أبو الفرج عبد الرحمن بن سليمان الحنبلي، ¬

_ (¬1) في (أ): "وذكر بعضهم ارتحل". (¬2) من قوله: "وقوله: وليس أول سار" إلى هنا لم يرد في (ب)، وورد في هامش (ح) بخط المصنف.

[شمس الدين البساطي]

عرف بأبي شَعَرة (¬1). فبلغني عنه أنه كان يُكثرُ التأسُّفَ عن عدم أخذه الفنَّ عَنِ الحافظين العراقي وولده، لكن يقول: نحمد اللَّه على وجود الشيخ شهاب الدين ابن حجر. وأمرَ بالتقاطِ زوائد "تهذيب التهذيب" له على أصله، فأُفرِدَتْ بالتَّصنيف. وكان ذلك قديمًا في سنة أربعين، وهو إذ ذاك مجاوِرٌ بمكة مِنْ نسخة قديمة كانت للشيخ نجم الدين المَرجاني، وتولى إفراد ذلك بإشارة الشيخ قاضي المالكية بمكة الآن، العلامة محيي الدين عبد القادر بن أبي القاسم بن أبي العباس الأنصاري، أمتع اللَّه بحياته، وذكر لي أن المذكور حضه على الرحلة لصاحب الترجمة، واغتنام الأخذ عنه، وقرر وجوب ذلك، رحمها اللَّه. [شمس الدين البساطي] ومنهم: العلامة المحقق شمس الدين البساطي. فسمعت غير واحد يحكي لنا عنه أنه كان يقول: ما رأينا أشد ذكاءً منه، ولا أسرع إدراكًا، يتسفط بذلك على التكلُّم في كل ما يروم، ولو كان عارفًا بمصطلحات أرباب العلوم في مسمَّياتهم، ما كان كبيرُ أحدٍ يقاومه. ولقد كنت أشرَعُ في استشكال شيء أو إيراده، فقبل أن يتمَّ كلامي، يتلَّقاه فيقرِّرُه على أحسن وجه، ثم يُعقِبُه بالجواب المُزِيل للَّبس. وما كنت سائلًا قط إلا وصيَّرني مسؤولًا، بل حكى عنه ولدُه أنَّه كان يقول ما حاصلُه: إنَّه لا احتياج لحضورنا مع صاحب الترجمة في مجلس الحديث بالقلعة، إشارةً إلى كفالته بذلك، وأنه هو المعوَّلُ عليه فيه. قلت: وسمعت مَنْ يحكي عنه أنه سأل حافظ الوقت الزَّين العراقي عَنْ حديث، فما استحضر إذ ذاك مَنْ أخرجه، وأنَّ الشيخ برهان الدين الكركي أشار على البساطي أن يسأل صاحبَ التَّرجمةِ عنه ففعل، فأجابه في ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، والمعروف أنه "أبو شعر" بدون تاء التأنيث. وانظر ما تقدم ص 182.

[ابن خطيب الناصرية]

الحال بتخريجه وصحابيِّه وحُكمه، وأنَّ البساطيَّ عرض ذلك على العراقي، قال: فكشف المظانَّ التي عزاه إليها، فوجده كما قال. رحمهم اللَّه وإيانا. ثم حكاها لي صاحبُنا الشيخ نور الدين ابن أبي اليُمن المكِّي، نفع اللَّه به، عن البساطي نفسه، فقال: سألتُ شيخنا الزَّين العراقي عن حديث "المكاتب قنٌ ما بَقِيَ عليه درهم"، من صحَّحه؟ فقال: لا أدري. فلقيتُ ابن حَجَر يومئذٍ وهو إذ ذاك ليس في لحيته شعرة بيضاء، فسألته عنه، فقال في الحال: صحَّحه ابن حبان والحاكم من حديث عبد اللَّه بن عمرو. وهما في كتب شيخنا، وعيَّن له مكان الحديث. [ابن خطيب الناصرية] ومنهم: العلامة قاضي الشافعية بحلب علاء الدين ابن خطيب الناصريَّة رحمه اللَّه. فقرأت بخطه في " تاريخ حلب" الذي ذيَّل به على "تاريخها" لابن العديم، حيث فكر صاحب الترجمة بعد سياق نسبه ومولده وجُمْلةٍ من شيُوخه ما نصه: ورحل إلى اليمن وحجَّ، وأقبل على التَّصنيف والاشتغال والإشغال، فصنَّف كتبًا كثيرة، منها ما كَمُلَ. ومنها ما لم يَكمُلُ، فمما كَمُلَ قديمًا، كتابه "تغليق التعليق"، وصل فيه تعليقات البخاري، وهو كتاب جليل نفيس، قرأت عليه بعضه بالقاهرة في رحلتي إليها. ومما لم يكمل "شرح البخاري"، وصنَّف "مقدمة" له فيها فوائدُ غزيرةٌ جليلةٌ. وهو حافظُ الإسلام، علَّامةٌ في معرفة الرجال واستحضارهم، والعالي والنازل، مع معرفةٍ قويَّةٍ بعللِ الأحاديث، وبراعةٍ حسنةٍ في الفقة وغيره، وأخلاقي رضيَّةٍ، ومحاضرةٍ حسنة، مع الدِّين والمداراة، ومحبة أهل العلم، والإنصاف في البحث. وهو أحد مشايخي الذين قرأتُ عليهم بالقاهرة. ثم إنَّه قدم حلب صُحبَةَ الملك الأشرف برسباي، وكان قدُومه في يوم السبت خامس شهر رمضان سنة ست وثلاثين وثمانمائة، فسمع بها على شيخنا الشيخ الحافظ برهان الدين أبي

[المقريزي]

إسحاق الحلبي. وعقد مجلس الإملاءِ بجامع حلب الأعظم، وأملى به عدَّة مجالس. وحضر عنده فيها أبو إسحاق المذكور وغيره، وحدَّث بحلب، سمعت عليه بها غيرَ "مجالس الإملاء" أيضًا. ثم خرَّج عنه "الحديث المسلسل بالأولية"، وساق أشياء مِنْ نظمه كثيرة. ثم قال: وأنشدني غير ذلك مِنْ قصائده ومقاطيعه، وقرأت عليه بحلب الجزء المعروف "بجزء بيبي الهرْثَميَّة" بمنزلي. وسمع ذلك عليه أولادي وجماعتي، وعاد إلى القاهرة ثاني يوم قراءة الجزء المذكور، صُحْبَةَ السلطان المشار إليه، وذلك في سابع في الحجة سنة ست وثلاثين، وهو الآن قاضي القضاة بالديار المصرية. وكانت أول ولايته قضاء القضاة بالديار المصرية (¬1) في سابع عشري المحرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وهو مشكورٌ في ولايته، مع الديانة والتَّحرِّي في الأحكام الرعية. رحمهما اللَّه وإيانا. [ووصفه في ترجمة التَّنوخي مِنْ "تاريخه" بالإمام الأستاذ الحافظ العلامة، العالم بشريف الأحاديث. وفي موضع آخر: رأيت في "تاريخ" الإمام الحافظ حافظ الإسلام قاضي القضاة بالديار المصرية (¬2)، فلانٍ أبقاه اللَّه تعالى] (¬3). [المقريزي] ومنهم مؤرخ الديار المصرية الشيخ تقي الدين المقريزي، [رحمه اللَّه تعالى، فقال في كتابه المسمى "بالعقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة"] (¬4)، حيث ترجمه في ثلاثة أوراق: أن مصنفه "تغليق التعليق" لم يُسبَق إليه، وأنه زاد على "تهذيب المِزّي" نحو الثلث مما يلزمُه ذكرُه. ويتعيَّن عليه عدمُ إهماله. وأنَّ ما جمعه مِنَ "النُّكت على ابن الصلاح"، ¬

_ (¬1) و (¬2) "المصرية" ساقطة من (أ). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ).

[ابن نصر الله البغدادي]

أضعاف ما جمعه شيخه العراقي. إلى أن قال: وله غير ذلك مِنَ التًخاريج الحديثيَّة، والمجاميع المفيدة العجيبة، والتَّعاليق المحتوية على فنون الآداب وأنواع العلوم. وله شعرٌ أعذبُ مِنَ الماء الزُّلال، وأعجبُ مِنَ السِّحر، إلا أنَّه حلال. وقد اخترتُ منه، وإن كان كلُّه مختارًا. قلت: وذكره في غير ما موضعٍ مِنَ الحوادث. وقال في بعضها في ترجيحه على أهل عصره: لو أنفق أَحدُهم ملء الأرض ذهبًا، ما بلغ مُدَّه ولا نصيفه. وكان يقولُ: ما أعلمُ الآن مَنْ أستفيد منه من الحديث غيره. [ابن نصر اللَّه البغدادي] ومنهم شيخي بالإجازة: العلامة قاضي الحنابلة المحب ابن نصر اللَّه البغدادي. فقرأت بخطه في آخر نسخة صاحب الترجمة التي بخطه من تصنيفه "تخريج الرافعي" من نظمه ما نصه، وأرَّخ ذلك بذي القعدة سنة سبع وثلاثين وثمانمائة: جزى اللَّه ربُّ العرش خيرَ جزائه ... مخرِّجَ ذا المجموع يوم لقائه لقد حاز قَصْبات السِّباق بأسرها ... وفاز لمرقى لا انْتِهَا لارْتِقَائِهِ يدومُ له عِزٌ به وجلالَةٌ ... وذكرُ جميلٌ شامخْ في ثنائه فلا زال مقرونًا بكلِّ سعادةٍ ... ولا انفكَّ محروس العُلا في اعتلائه ولا بَرِحَت أقلامُه في سعادةٍ ... تُوقِّع بالأحكام طُولَ بقائه وخرِّقت العادات في طول عمره ... تزيدُ على الأعمار عند وفائه وكتب بخطه -كما سيأتي- في يوم ولايته الثانية للقضاء بعد عزل الهروي ما نصه: كان يومًا مشهودًا، وحمل للناس سُروران عظيمان، أحدهما: بولايته، لأن محبَّته مغروسة في قلوب الناس، والثاني: بعزل

[شمس الدين ابن عمار]

الهروي، فإنَّ القلوب كانت اتَّفقت على بُغضه، لإساءته في ولايته، وارتكابه الأمور الذَّميمة، رحمة اللَّه عليهم أجمعين. ورفعت إليه فتيا أجاب عنها صاحبُ الترجمة، فكتب تحت خطه ما نصه: الجواب كما أجاب به سيِّدُنا ومولانا قاضي القضاة، أسبغ اللَّه ظلاله. وكتب على فتيا غيرها تحت خطِّه أيضًا: ما أجاب به سيِّدُنا ومولانا قاضي القضاة، أسبغ اللَّه ظلاله، هو العمدة، ولا مزيد لأحدٍ عليه؛ فإنَّه إمامُ الناس في ذلك: إذا قالت حَذامِ فصدِّقوها ... فإن القولَ ما قالت حذامِ فاللَّه يمتع بحياته الأنام، ويُبقيه على توالي الليالي والأيام، واللَّه سبحانه أعلم. كتبه أحمد بن نصر اللَّه البغدادي الحنبلي عفا اللَّه عنهما (¬1). [ووصفه في موضع آخر بقوله: قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حافظ الأنام، حسنة الليالي والأيام. أدام اللَّه أيامه الزاهرة، وجمع له بين خَيْرَي الدُّنيا والآخرة. [شمس الدين ابن عمار] ومنهم: العلامة المفنَّنُ شمس الدين ابن عمار المالكي. فقرأت بخطه في "ثبت" بعض مسموعاته بقراءة صاحب الترجمة وصفَه له بالإمام العلَّامة المحدِّث، صاحبنا فلان ابن الجناب القضائي النُّوري، أبقاه اللَّه تعالى. ¬

_ (¬1) أورد المصنف الأقوال السابقة في ترجمة المحب ابن نصر اللَّه من الضوء اللامع 2/ 236 - 237.

[شمس الدين الونائي]

وكان ذلك قديمًا. وكذا نقل عنه الإخبار بوفاة البلقيني كما قدَّمتُه في الرحلة] (¬1). [شمس الدين الونائي] ومنهم: شيخي العلامة قاضي القضاة بدمشق شمس الدين الونائي. فخطب ولدُه البدرُ -وهو صغير- بجامع الأقمر في رمضان سنة ست أو سبع وثلاثين، عقب ختمه لحفظ القرآن، على جاري العادة، وقال في خطبته: أخبرنا شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر. وذكر أوصافًا، منها: البيهقي الثاني، أحمد بن علي الكناني العسقلاني. قلت: والظاهر أنَّ ذلك مِنْ ترتيب والده، فإنه كان مِمَّن أخذ عنه، وتلمَذَ بين يديه كما سيأتي. [عثمان بن عمر الزَّبيدي] ومنهم: الإمام عفيف الدين عثمان بن عمر بن أبي بكر الناشري الزَّبيدي الشافعي. فقرأت في كتابه "البستان الزَّاهر في طبقات علماء بني ناشر": أنه أرسل استدعاءً فيه اسمه وجماعة، يلتمِسُ فيه إجازةَ مَنْ يطلب منه ذلك. قال: فوصل في جمادى الأولى مِنْ سنة ثلاثين وثمانمائة، وقد كتب عليه جماعة مِنَ الحُفَّاظ والمحققين، والعلماء المسندين، والأكابر المعمرين، في مصر والشام والقدس الشريف، منهم حافظ الدنيا في وقتنا هذا على الإطلاق أبو العباس شهاب الدين، وذكره (¬2). ¬

_ (¬1) من قوله: "ووصفه" إلى هنا، لم يرد في (ب). وورد في هامش (ح) بخط المصنف. (¬2) من قوله: "ومنهم الإمام عفيف الدين" إلى هنا لم يرد في نسختي (ب، ط).

[شمس الدين القاياتي]

[شمس الدين القاياتي] ومنهم: محقق العصر القاضي شمس الدين القاياتي، وقد كتب لي بالإجازة، وسمعت دروسه. فأخبرني بعضُ الثِّقات (¬1) ممن كتبتُ مِنْ فوائده، أنَّه سمعه في حال تَلبُّسِه بالقضاء يقول: المحاسنُ التي تفرَّقت في الناس، اجتمعَتْ في ابن حَجَر. قلت: فنسأل اللَّه التوفيق بمنّه وكرمه. [عز الدين عبد السلام] ومنهم: العلامة المفوَّه النادرة عزُّ الدين عبد السلام القُدسي شيخ الصَّلاحية (¬2) -وقد أجاز لي- فبلغني عنه أنه قال: إن لم يكن -يعني صاحب الترجمة- مثل البخاري، فلا يقصر عنه. وممن سمع منه ذلك: الشيخ شمس الدين ابن الصَّيفي، نفع اللَّه به. [الشهاب ابن المجدي] ومنهم: العلامة المفنَّن الشهاب أحمد بن رجب بن المجدي الشافعي، نزيل جامع الأزهر، وقد أخذت عنه، فأخبرني الزَّين جعفر السنهوري المقرىء، وهو ممن لازمه، أنَّه كثيرًا ما كان يراه إذا ذُكر البلقيني، يتحرك ويرفع صدره، بل يكاد أن يقوم، وإذا ذُكر صاحبُ التَّرجمة يقول: لو عاش البخاريُّ وناظره لما قطعه. قال الحاكي: ولم أكن أرى عنده مَنْ يُوازي السِّراج البلقيني وابن حجر رحمهما اللَّه (¬3). ¬

_ (¬1) في هامش (ط): هو عز الدين السنباطي. (¬2) في (أ): "الصالحية"، تحريف. (¬3) من قوله: "ومنهم العلامة المفنن"، إلى هنا، لم يرد في (ب).

[ابن قاضي شهبة]

[ابن قاضي شهبة] ومنهم: العلامة فقيه الشام، التقي أبو بكر ابن قاضي شهبة -وقد كتب لي خطَّه بالإجازة- فوجد بخطه ترجمة لصاحب الترجمة، بظاهر تصنيفه "الدُّرَر" نسخة البرهان العجلوني كما بلغني، افتتحها بقوله: الشيخ الإمام العلامة الحافظ، قاضي القضاة، شهاب الدين أبو العباس. وساق نسبه فخبط فيه، فإنه قال: أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن أحمد بن أبي بكر، وقال: بقية العلماء الأعلام، قاضي القضاة، وصاحب المصنفات التي سارت بها الركبان، إلى أن قال: وكتب الأجزاء والطِّباق بخطّه الحسن، ومهر في الحديث. إلى أن قال: وتميَّز في الفن، وشيخه -يعني العراقي- موجود، واشتهر صيتُه، وجلس إلى جانب شيخه في حال إملائه، ومهر في الفنون، لكن غلب عليه فنُّ الحديث، فانتهت إليه معرفتُه بهذا الشأن، وصار إمام زمانه فيه بعد وفاة شيخه، وتصدَّى لنفع النَّاس، ودرَّس وأفتى، وولي المناصبَ الكبارَ والتداريس بعدَّة أماكن بالقاهرة. وتصدَّى للتَّصنيف، فصنَّف الكثير. ومصنفاته تزيد على المائة، من أجلِّها "شرحه على البخاري"، لم يصنَّف مثلُه، ولا على منواله. وله "ديوان شعر". وهو إمام الأدباء في زمانه. إلى أن قال: وله "معجم كبير" فيه فوائد. ورحل إليه الطلبةُ من الآفاق. وبالجملة فهو إمام زمانه، وحافُظ وقته وأوانه، وعنده مِنَ الذَّكاء والفِطنة، وصفاء القريحة ما تَحيَّر فيه الأبصار. [برهان الدين بن خضر] ومنهم: شيخنا العلامة المفنَّن برهان الدين بن خضر -رحمه اللَّه- فقرأت بخطه في غير ما موضع: حافظ العصر على الإطلاق، وخاتمة علماء السنة إلى يوم التلاق. أدام اللَّه بهجته، وحرس للأنام مهجته.

[رضوان العقبي]

[رضوان العقبي] ومنهم: مُستمليه شيخنا، محدث القاهرة، الزين أبو النعيم رضوان العُقْبي -رحمه اللَّه- صاحب القصيدة الآتي ذكرها في المدائح، مع نثرٍ افتتح إيرادها به (¬1). فقرأت بخطه: حدَّثنا سيدنا وشيخنا الإمام، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، منقطع النظير والصفات، أمير المؤمنين في الحديث، جامع أشتات قديم المحدثين والحديث، حافظ العصر، رُحْلَة الدهر. وكان إذا سُئل: أيُّكما أكبر، أنت أو صاحب الترجمة؟ فيقول: أقول كما قال العباس رضي اللَّه عنه: أنا أسَنُّ وهو أكبر. [ابن أبي الوفاء] [ومنهم: الشيخ أبو الفتح بن أبي الوفاء. فقرأت بخطه وصفه له بالشَّيخ الإمام العالم شيخ الإسلام وإمام الحفاظ، وقاضي الجماعة، شهاب الدين] (¬2). [تغري برمش] ومنهم: تلميذه الأمير الفاضل تَغْرِي برْمش الفقيه نائب القلعة. قرأت بخطه على بعض مصنَّفات صاحب الترجمة، بعد أن ساق منامًا رآه، وقال يعني (به) (¬3) شيخنا: الإمام العالم العلامة، الحافظ الفقيه، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، بقية المجتهدين، شهاب الدين، أدام اللَّه أيامه، وأعزَّ أحكامه. فهو إمام دهره، وحافط عصره، بل أَظنُّ أن مصر ما أخرجت مثله حافظًا متقنًا، ولا فقيهًا شاعرًا كاملًا مفنَّنًا، ولولا ورودُ الدَّارقطني مصر، ¬

_ (¬1) ص 454 - 457 من هذا الجزء. (¬2) من قوله: "ومنهم الشيخ أبو الفتح" إلى هنا لم يرد في (ب). (¬3) ساقطة من (ب، ط).

[ابن التنسي]

والمبرِّد، لقلت: ولا وَرَد. مع معرفتي بورود ابن معين والبخاري والنَّسائي، وغيرهم مِنْ فُحول العلماء الأعيان في كل عصر إلى يومنا هذا مِنْ حُفَّاظِ هَذا الشأن. قد جمع اللَّه له التَّفسيرَ والفقهَ والحديث، والشعر والأدب، والمال، والعزَّ والجاهَ والشرفَ، وطولَ العمر، وعلو الرُّتَب (¬1)، وصحَّةَ العقل والنَّقل، وحسنَ التَّأليف مع الإيجاز والتَّحقيق والتَّرتيب، والسعد في التصنيف. وصنَّف كتبًا لم يُسْبَقْ إليها؛ "كتغليق التعليق"، وإن كان ابن رُشيد قد أشار إليه بالتَّشويق. و"مقدمة البخاري" وترتيبه، وتقريبه للذهن وتهذيبه، فهي مِنْ أعجب التَّصانيف للقارىء والسامع. فسبحان المعطي والمانع. وانتصاره للبخاري معروفٌ مشهورٌ، والتوجية لكلامه، والذَّب عنه في مصنَّفاته مذكورٌ ومسطورٌ. وكتابه "نُخبة الفكر" -مع أنها كُرَّاسة بشرحها بديعة، أظهر فيها القُوَّة والإعجاز- تحتاجُ إلى شرحٍ طويل في مجلَّدين مع الإيجاز. إلى غير ذلك مِنَ المصنَّفات المختصرات والمطولات، التي زادت على مائة وخمسين في أنواع العلوم والتَّفسيرِ والفقه والحديث والأدب، والخصوص والعموم، وللَّه درُّ القائل الناقد (¬2): وليس (على اللَّه) (¬3) بمستنكَرٍ ... أن يجعل العالم في واحد إلى آخر كلامه. وقد حذفته اختصارًا، مع تغيير في بعض ألفاظه. [ابن التنسي] ومنهم: قاضي المالكية البدر ابن التَّنسي، أحد طلبته ممَّن أخذ (¬4) عنه. فقرأت بخطِّه وصفه بالشَّيخ الإمام العالم العلامة، أوحد المجتهدين، العالم رُحْلة المحدثين، القائم بالسُّنة النبوية (¬5) في العالمين، سيدنا ومولانا ¬

_ (¬1) في (ب): "الرتبة". (¬2) "الناقد" ساقطة من (ب). (¬3) في الأصول: "وليس للَّه". (¬4) في (ح): "أخذت"، وكلاهما صحيح، فهو ممن أخذ عن ابن حجر وأخذ عنه السخاوي. (¬5) "بالسنة" ساقطة من (أ).

[ابن العليف]

قاضي القضاة، شيخ الإسلام والمسلمين، الشهابي الكناني العسقلاني أمتع اللَّه المسلمين بوجوده، وأدام أيامه ولطف به. آمين (¬1). [ابن العليف] ومنهم: الشيخ بدر الدين حسين بن العُليف المكي، كما سيأتي عند اسمه فيمن امتدح صاحب التَّرجمة مِنْ هذا الباب (¬2). [ابن حسان] ومنهم: تلميذه العلامة المفنَّن شمس الدين بن حسان المقدسي، نزيل القاهرة -رحمه اللَّه- وصفه ببُخارِيِّ زمانه، وحافظ أوانه، شيخ الإسلام والمسلمين، إلى غير ذلك ممَّا يفوق التعيين. [أبو الفتح المراغي] ومنهم: الشيخ أبو الفتح محمد بن أبي بكر بن الحسين المراغي. فوصفه في ديباجة "مختصره لفتح الباري" بشيخ الإسلام، خاتمة حفاظ الأنام، قاضي قضاة المسلمين، عَلَمِ العلماء العاملين، أبي الفضل أحمد ابن الشيخ العالم أبي الحسن علي بن محمد العسقلاني. طيب اللَّه مضجعه، ونوَّر -بفضله- مهجعه. وقال: إنه وضع عليه -يعني على "البخاري" "شرحًا واسعًا وبحرًا جامعًا، سمَّاه "فتح الباري"، فلخَّصتُ مِنْ مقاصده وفرائده ما يفيدُ الطالب، ويُثلج صدر الراغب. [موفق الدِّين الإبِّي] ومنهم الإمام الرُّحْلَة موفق الدين أبو الحسن الإبِّي نزيل مكة، رحمه اللَّه. ¬

_ (¬1) من قوله: "ومنهم قاضي المالكية" إلى هنا، لم يرد في (ب)، حين زيدت في هامش (ح). (¬2) وردت هذه الفقرة قبل التي سبقتها في (ط)، وكذا وردت في (ح)، لكن كتب فوق الفقرة عبارة: "مؤخر"، وفوق الثانية: "مقدم".

[ابن الضياء]

وصفه في طبقة السَّماع "للنُّخبة"، حيث قرأها عليه بمكة في سنة خمس عشرة، بالإمام العلامة حافظ العصر. ووصفه صدر استدعاء تاريخُه سنة ثلاث وعشرين بالشيخ الإمام شيخ الإسلام فريد عصره ووحيد دهره، الحافظِ الحَبرِ المحقق العلَّامة المدقق (¬1)، مفيد الطالبين، جمال المدرسين، نُخبةِ الوقت ونادرةِ الوجودِ، شهابِ الملَّة والدَّين، أبي الفضل أحمد ابن الشيخ الإمام العلامة علاء الدين أبي الحسن. [ابن الضياء] ومنهم: قاضي الحنفية بمكة العلامة أبو حامد محمد بن أحمد بن الضياء. فقرأت بخطِّه صدر استدعاءٍ لبني صاحب الترجمة، مؤرِّخ بسنة سبع عشرة وثمانمائة، وصفه بسيدنا ومولانا شيخ الإسلام الإمام العلامة الأوحد شهاب الدين. [ابن الهُمام] ومنهم: العلامة نادرة الوقت الكمال ابن الهُمام الحنفي -رحمه اللَّه- نقل في "شرحه على الهداية" عن صاحب الترجمة في مواضع، منها في الحج، فقال: وقال غيره ممن يُوثَقُ بسعة علمه، وهو قاضي القضاة، شهاب الدين العسقلاني. وفي موضع آخر قال: قال شيخنا قاضي القضاة، إلى غير ذلك. وأخبرني الشيخ عز الدين السُّنباطي أنه قال له وهو متوجِّه لصاحب الترجمة: سلِّم عليه، وقل له: مَنْ أحبَّك، فقد أحب العلم والدين، وشيخ الإسلام، وأن الكمال كان يقول عنه: ابنُ حجر إمَّا أن يُحَصِّلَ حسناته بكسبه وإكتسابه، أو بلا كسبه ولا اكتسابه. فمن الأول: العلم، ومن الثَّاني: ذكرُ النَّاس له. ¬

_ (¬1) في (ب): "الموفق".

[زين الدين القلقشندي]

[زين الدين القلقشندي] ومنهم: الفاضل العلامة زين الدين عبد الكريم بن القلقشندي المقدسي. فقرأت بخطِّه صدر أسئلة أرسل بها لصاحب الترجمة ما نصه: المسؤول مِنْ إنعام سيِّدنا ومولانا قاضي القضاة [شيخ الإسلام، علمِ الأعلامِ، حسنةِ الأيَّامِ، قُدوة الأنامِ، أمير المؤمنين في حديث النَّبيُّ عليه أفضل الصلاة والسلام، وحيدِ دهره، وفريدِ عصره، رأس مال المسلمين، ومنبع فوائدهم، أيَّد اللَّه الدِّينَ ببقائه، وأدامَ النَّفعَ به، ووصل أسبابِ الخيرات بسببه. إلى أن قال: والعبدُ ليس هنالك، ولا أهلًا لذلك، ولكنه تحيَّل وهزَّ جذع النخلة، لعلّ أن تُدني أغصانها إليه، وتُساقط مِنْ يانِع ثمرها عليه، ولا شكَّ أنَّ أصلها ثابتٌ وفرعُها في السماء بلا مراء. وقدر المملوك كَكَفِّ مِنْ تراب، وأين الثُريَّا مِنَ الثَّرى. ومرة أخرى: المسؤول مِنْ إنعام سيدنا ومولانا، قاضي القضاة] (¬1)، حافظ العصر، شيخ الإسلام، عَلَم الأعلام، حسنة الأيام، بركةِ الأنام، قُدوةِ المسلمين، رأسِ المحققين، وَارثِ عِلْمِ الأنبياء والمرسلين. أَمتع اللَّه المسلمين بحياتكم، وأدام النَّفَع بعلومكم وبركاتكم. يرجو التَّصدُّقَ بالجواب عَنْ هذه المسائل التي أشكلَت عليه، ولم يجد من يُعَوِّلُ في إيضاح ذلك عليه، سوى التزامي على أعتابكم، والتهجُّم على أبوابكم، جعلها اللَّه تعالى ذخيرةً للطالبين [وعمدة للراغبين] (¬2). ¬

_ (¬1) من قوله: "شيخ الإسلام" إلى هنا، لم يرد في (ب)، وورد في هامش (ح) بخط المصنف. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ط).

[أبو البركات الغزي]

[أبو البركات الغزِّي] ومنهم: الرضي أبو البركات محمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد الغَزِّي الدِّمشقي الشافعي، فإنه ترجمه في كتابه المسمى "بهجة الناظرين إلى تراجم المتأخرين من الشافعية المعتبرين"، وقال: شيخنا الإمام العلامة، الحافظ الأستاذ، قاضي القضاة، شهاب الدين، بقية الأعلام، شيخ المحدثين بالديار المصرية ومؤرخها، وصاحب المصنفات التي سارت بها الركبان. إلى أن قال: وتميَّز في الفن وشيخُه موجود، واشتهر صيتُه، وجلس إلى جانب شيخه في حال إملائه. قال: لكن غلب عليه فنُّ الحديث، فانتهت إليه معرفةُ هذا الشأن، وصار إمام زمانه فيه بعد وفاة شيخه، وتصدَّى لنفع النَّاسِ، ودرَّسَ وأفتى، ووَلِيَ المناصبَ الكبارَ والتداريسَ بعدَّةِ أماكن في القاهرة، وتصدَّى للتَّصنيف، فصنَّفَ الكثير، لم يصنِّفْ أحدٌ في زمانه مثله ولا قريبًا منه. ثم قال عن "فتح الباري": لم يُصنَّف مثله ولا على منواله، وهو يشهدُ له بالمرتبة العليا في الفنون، وهو إمام الأُدباء في زمنه. قال: وبالجملة، فهو إمامُ زمانه، وحافظ وقته وأوانه، وعنده مِنَ الذكاء والفطنة، وصفاء القريحة، ما تحيرُ فيه الأبصارُ وكان شَكِلًا حسنًا، مهابًا، ضَوِيَّ الوجه، حليمًا، نظيف اللسان، نَكِتًا، طيِّب الرَّائحة. أبقاه اللَّه تعالى للمسلمين عمومًا، ولمحبِّيه وطلبته خصوصًا. [ابن كُحيل] ومنهم: أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن كُحيل التونسي، قاضي الركب الحجازي المغربي. لقيته بالقاهرة، فأملى عليَّ ما نصه: وممن تشرَّفتُ بلقائه، وسُررت بحسن ملاقاته وولائه، شيخ الإسلام، وجمال الليالي والأيام، والنجم

[علم الدين البلقيني]

المُشْرِق على المغرب والمَشْرِق، الفذُّ المفرد، العَلَمُ الأعلَمُ، قاضي قضاة الإسلام، والمرجوع إليه بين الأنام، الحجة الذي يُرحل إليه، والقدوةُ الذي يرجع إليه، أبو الفضل شهاب الدين، أطال اللَّه حياته، وأهلك عِدَاتَه، وأنشدته بديهة داعيًا له بقولي (¬1): قد فُزتُم بين الأنام وحُزتُمو ... رهَنَ السِّباقِ بنشر "فتح الباري" فاللَّه يكلؤكم ويُبقي مَجْدَكم ... ويَحْوطكم من أعين الأغيارِ وحضرنا مجلسه الكريم، أدام اللَّه الأنسَ به، ورحم الخَلْقَ مِنْ سببه، وسألناه تعلمًا، وتفضل علينا بالجواب تكرُّمًا. وتمثَّلنا بين يديه غير ما مرة، وشافهنا وسألناه بواجهته العلمية السَّنيَّة في الكلام، والمباحث في أنواع مِنَ العلوم التفسيريَّة والحديثيَّة والبيانيَّة والفرعيَّة، ما أرجو اللَّه عز وجل أن حصل به الشَّرف والرُّقي. وكان ممَّا قصده به عبده ومولى تعلُّمه، ومولى إفادته لجنابه العَليِّ، المِدْحَة والتَّسلية بتقرير جرء قطرة مِنْ بحره التَّيَّار الزَّاخر ما نصه: وساق ما يأتي في فصل المديح قريبًا (¬2). [علم الدين البلقيني] ومنهم: قاضي القُضاة علم الدين أبو البقاء صالح البلقيني. فقرأتُ بخطه في تفويض لشيخنا بوظيفتي درس الحديث بجامع طولون والفقه بالصالحية وصف المفوض (¬3) إليه بسيدنا ومولانا الشَّيخ الإمام العالم العلامة الحافظ، قاضي القضاة، شهاب الدين، أبي الفضل أحمد، الشهير بابن حَجَر، نفع اللَّه تعالى بعلومه المسلمين. انتهى. ووصفه أيضًا -فيما هو عندي بخطه- بحافظ العصر، ونقل عنه في ¬

_ (¬1) البيتان في الضوء اللامع 2/ 137 في ترجمة ابن كُحيل. (¬2) ص 427 من هذا الجزء. (¬3) في (أ): "وصفه التفويض".

[تقي الدين ابن فهد]

"تذكرته" و"ترجمة والده" أشياء، وكان هو المشيرَ عليه بجمعِ ترجمة أبيه، رحمهم اللَّه وإيَّانا. [تقي الدين ابن فهد] ومنهم محدث مكة (¬1)، التَّقي محمد بن فهد الهاشمي -رحمه اللَّه- فقرأت في آخر "ذيله على طبقات الحفاظ" للذهبي لصاحب الترجمة ترجمة مختصرة، قال فيها: الإمام العلامة، الحافظ، فريد الوقت، مفخرة الزَّمان، بقيَّةُ الحفَّاظ، علم الأئمَّة الأعلام، عمدة المحقِّقين، خاتمة الحفَّاظ المبرِّزين، والقضاة المشهورين، أبو الفضل، شهاب الدين. إلى أن قال: وكان في حال طلبه مفيدًا في زيِّ مستفيد، إلى أن انفرد في الشُّبوبيَّة بين عُلماء زمانه بمعرفة فنون الحديث، لا سيما رجاله وما يتعلق بهم، فألف التَّواليفَ المفيدة المليحة الجليلة السائرة، الشاهدة له بكل فضيلة، الدالَّة على غزارة فوائده، والمعربة عَنْ حُسن مقاصده. جمع فيها فأوعى، وفاق أقرانه جنسًا ونوعًا، التي شنَّفت بسماعها الأسماع، وانعقد على كمالها لسان الإجماع، ورُزِقَ فيها الحظَّ السامي عن اللَّمس، وسرت بها الركبان سَيْرَ الشَّمس. إلى أن قال: وهو إمامٌ علَّامة، حافظٌ محقِّقٌ، متينُ الدِّيانة، حسنُ الأخلاق، لطيفُ المحاضرة، حسنُ التَّعبير، عديمُ النَّظير، لم تر العيونُ ¬

_ (¬1) في (ب): "ومنهم جماعة بقيد الحياة وقت تاريخه منهم محدث مكة. . ." وكانت هذه العبارة موجودة في (ح) ثم حذفت. وفي هذه النسخة أيضًا عبارة "نفع اللَّه به" بدل "رحمه اللَّه" وكنت هذه العبارة موجودة أيضًا في (ح) ثم شطبت وكتب المصنف فوقها بخطه: "رحمه اللَّه"، وهذا الاختلاف بين النسخ ناشىء عن نقل كل واحدة منها عن أصل من أصول المؤلف رحمه اللَّه يختلف عن الأصل الآخر أو عن النسخة نفسها، لكن واحدة قبل التعديل والزيادة، والأخرى بعد ذلك، فالنسخة (ب) نقلت من أصل قديم، بينما النسخة (أ) نقلت من أصل أحدث منه بعد أن غير فيه السخاوي وبدل. وانظر مقدمتنا لهذا الكتاب.

[تقي الدين القلقشندي]

مثلَه، ولا رأى هو مثل نفسه. جَدَّ في طلب العلوم، وبلغ الغاية القُصوى في سرعة الكتابة، والكشف والقراءة. إلى أن قال: وكان مِمَّن حمل نعشه السُّلطانُ فمنَ دُونَه مِنَ الرُّؤساء والعلماء، ولم يخلُف بعدَه مثلَه في الحفظ، رحمه اللَّه تعالى رحمةً واسعة، وغفر له مغفرةً جامعة. ثم ذكر مرثيَّة الشِّهاب الحجازي له بعد موته، وهي حسنةٌ، كما ستأتي مع غيرها في الباب المعقود لذلك، إن شاء اللَّه تعالى. وقال في كتابه "نهاية التقريب وتكميل التهذيب بالتذهيب": الإمام العلامة، جَمَالُ الحفَّاظ، مفَخر الزمان، وذكر أكثر ما تقدم. إلى أن قال: وله الخُلُق الرَّضيُّ. وسرعة الكتابة، والكشفُ والقراءة. قرأ "صحيح مسلم" في نحو يومين ونصف. و"النسائي الكبير" في عشرة مجالس، كل مجلس منها نحو أربع ساعات. إلى أن قال: وجمع المجاميع، واختصر وانتقى، وانتفع به كثيرٌ مِنَ الشُّيوخ والأقران. وتخرج به كثيرٌ مِنَ الطلبة، فاللَّه يبقيه في خير وعافية، ويزيده عُلُوًّا. [تقي الدين القلقشندي] ومنهم (¬1) الشيخ تقي الدين القلقشندي. فقرأت في تراجم ألفيتها بخطه ما نصه: ¬

_ (¬1) هناك اختلاف في ترتيب هذه الفقرة والفقرات التي تليها حتى ص 331 بين النسخة (أ) والنسختين (ب، ط)، وكذا وردت في (ح)، إلا أن المصنف كتب بخطه هنا: يتلوه في مقلوب الورقة الي تلي هذه: ومنهم الشيخ تقي الدين القلقشندي، وكذا أشار المصنف إلى تغيير أماكن كثيرة مما هو مدون على النسخة المقروءة عليه، وأثبتنا ما في (أ)، وهي موافقة لما أعاد ترتيبه المصنف في (ح).

قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حامل لواء سنة سيد الأنام (¬1)، حافظ العصر، علامة الدهر، بليغُ زمانه، واحدٌ أوانه، حُجَّةُ اللَّه على العباد، مُذِلُّ ذوي الباطل والعناد، بقية المجتهدين، محطُّ رحالِ القاصدين، عَلَمُ المسلمين، محيي سُنَّة سيد المرسلين، بغية الطالبين، وليُّ اللَّه، شيخنا وشيخُ شيوخنا، أمتعَنَا اللَّه بطُول حياته، وأعادَ علينا وعلي جميع المسلمين مِنْ بركاته، ولا أخلى الوجودَ مِنْ وجوده. وأفاض عليه سوابغ إنعامه وجوده، آمين. ثم قال: وأقسم باللَّه إنَّ مصرَ لم تُخرج نظيره، ولو شئتُ لقلت: ولا وَرَدَ، مع علمي بأن الجمَّ الغفيرَ مِنَ الأئمة النُّقَّاد وردوها. انتهى. وآخر كلامه أخذه عن مفيده تغري برمش الفقيه. ومنهم الجمال يوسف (¬2) ابن الأمير (¬3) تغْرِي بَرْدي، أحد المعتنين بالحوادث. فقرأت بخطِّي فيما لخصته من "تاريخه" الذي ذيَّلَ به على "السلوك" للمقريزي، ورأيته بخطه، وفي ظنِّي أنني تصرَّفت في التقديم والتأخير ونحو ذلك: كان إمامًا عالمًا، حافظًا، شاعرًا، أديبًا، مصنِّفًا، مليحَ الشَّكل، منوَّرَ الشَّيبةِ، حُلْوَ المحاضرة إلى الغاية والنِّهاية، عَذْبَ المذاكرة، مع وقار وأُبَّهةٍ، وعقلٍ وسكون، وحلمٍ وسياسةٍ، ودُرْبَةٍ بالأحكام، ومداراةٍ للنَّاس. قلَّ أن يُخاطِبَ أحدًا بما يكره، بل كان يُحسن لمن أساء إليه، ويتجاوَزُ عَنْ مَنْ قدَرَ عليه، مع الصوم والعبادة والبِرِّ والصدقات. وهو أوحدُ مَنْ لقيناه، ولم يكن فيه ما يُعاب إلا تقريبه لولده مع جهله وسوء سيرته. وما عساه كان يفعل معه، إذ لم يكن له غيره، واللَّه تعالى يصلحه. إلى أن قال: وصُلِّيَ عليه بالمؤمني بحضور السلطان، وكان يومًا ¬

_ (¬1) في (أ): "سيد المرسلين". (¬2) في (ب): "سيدي يوسف". (¬3) "الأمير" ساقطة من (أ).

[الشهاب الحجازي]

عظيمًا. ويقال: إنه حُزِرَ مَنْ مشى في جنازته بنحو خمسين ألف إنسان، ولم يخلف بعده مثله شرقًا ولا غربًا، ولا رأى هو مثل نفسه في الحديث. قلت: وما قاله في ولده ليس بمرضيٍّ، مع كونه شاركه في كثير مِنْ أوصافه، واختصَّ كلُّ منهما عَنِ الآخر بأشياء، واللَّه تعالى يصلحنا أجمعين. [الشهاب الحجازي] ومنهم: العلامة شيخ المتأدبين الشهاب الحجازي رحمه اللَّه (¬1). فقرأت بخطه في أوَّلِ "ديوان" صاحب الترجمة الكبير، وقد نسخه بخطه ما صورته: قال شيخنا الإمام عَلَم العلماء الأعلام، [شيخ الإسلام، حافظ مصر والشام، لسانُ العرب وحجَّة الأدب، الحبر العلامة، والبحرُ الفهَّامة] (¬2)، ثَقِةُ المحدثين، آخرُ المجتهدين، سيفُ المناظرين، طرازُ المتأدبين، قاضي القضاة شهاب الدين، نظم اللَّه به شمل مُحبِّيه ونثر رؤوس حاسديه، وفسحَ في أجله لمواليه ومُواليه. إنَّه على كلِّ شيء قدير، وبالإجابة جدير. [قاسم بن قطلوبغا] ومنهم: العلامة زين الدين قاسم الحنفي -رحمه اللَّه (¬3) - فقرأت بخطه في صدر أسئلة كتبها يمتحن بها أئمة العصر، بعد وفاة صاحب الترجمة، وأرسل إلي بنسخة منها، قال فيها: وبعد، فالفقير يقول: لما قضى اللَّه سبحانه بانتقال شيخنا العالم العلامة، الحافظ الفهَّامة، الجامع بين التَّحقيق والحفظ، الآخذ مِنَ العلوم ¬

_ (¬1) في (ب): "نفع اللَّه به". وكذا في (ح)، وشطبها المصنف، وكتب فوفها ما في المتن. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) في (ب، ط): "دام النفع به"، وكذا كانت في (ح) ثم شطبها المصنف وكتب في الهامش: "رحمه اللَّه".

[أبو ذر الحلبي]

بحظٍّ، القويِّ الحافظة في الرِّواية، الذَّكيِّ القريحة في الدِّراية، الضابط لقواعد السند والمتن بالتَّحقيق، العالم بمعاقد الاتصال والانقطاع والتَّعليق. العارف بأسماء الرِّجال وأحوالهم، المطلع على مبدأ أُمورهم ومآلهم. شيخ مشايخ الإسلام إلى دار السلام، أعلى اللَّه درجته في علِّيِّين، وجعل له لسان صدق في الآخرين. قلت: هذا لعمري حين ذهاب علم الحديث وانقطاع خبره، وزوال طلبه، وانطماس أثره، فقيل: لا. بل ثمَّ علماء أعلام، وفقهاء حكام. وخلف تلامذةً ما بين حفاظ مُتفنِّنين وعلماء متقنين، فقلت مُصِرًّا على الدَّعوى: حلف الزمانُ ليأتينَّ بمثله ... حنَثتْ يمينُك يا زمانُ فكفِّر هلا شققتم مثل ما شقَّ الدُّجا ... جيبَ الصَّباحِ وشُقّت الأقلامُ هلَّا لبستم للحداد ملابسًا ... أو ما النَّجومُ حدادُها الإظلامُ لا تحسبوا حُزنًا عليه قد مضى ... للحزن فيه مع الزَّمان دَوامُ ثم ذكر أسئلته، أدام اللَّه عليه نعمته. [أبو ذر الحلبي] ومنهم: محدث حلب الآن، الموفق العلامة أبو ذر ابن شيخ الإسلام البرهان الحلبي، رحمه اللَّه. فقرأت بخطه كرَّاسةً ترجم فيها صاحب الترجمة، قال فيها: قاضي القضاة بالممالك الإسلامية، إمامُ الأئمة، وعالمُ الأُمة، الشيخ الإمام العالم العلامة، الحافظ الناقد الجهبِذ، خاتمة الحُفَّاظ، حامِلُ راية الإسناد، من لم تر عيناي مثله، بل ولا عينُه في فنِّه. إلى أن قال: وكتب، وخرَّج، وحصَّل، وأدَّب، وألَّف، واختصر، وسار ذكرُه في الآفاق، وانتشر أمره. وشرح "البخاري" شرحًا عظيمًا، لم

يُشرح "البخاري" مثله. وتلقَّاه النَّاس بالقَبُول، وسارعوا إلى كتابته وقراءته عليه، وطلبَه ملوك الآفاق إلى بلادهم، ويوم فراغه عمل ضيافةً للناس بالقاهرة، وكان يومًا مشهودًا، وبَعُدَ صيتُه، وأملى عدَّة أمالي، وناظر، وأفتى، ودرَّس. وانعقد الإجماعُ على فضله، وانتفع به العلماء من مشايخه في فنِّ الحديث، وسألته، وسمعتُ والدي يقول عند نظره "لمبهمات البخاري" للشيخ جلال الدين البلقيني: هذه الفوائد التي فيه، الظاهر أنَّها مِنْ كلام الشيخ شهاب الدين ابن حجر. فلما اجتمع والدي بالشيخ شهاب الدين المشار إليه، [قال له: إن الشيخ جلال الدِّين] (¬1) يفسِّرُ مبهمات ويعزوها إلى كُتُبٍ ما أظنُّها عنده، وأنا أقول: إن هذا منك، فقال: نعم. إلى أن قال ما معناه: رأيته يومًا بحضرة والدي قال يحيى بن أكتم -يعني بالمثنَّاة- فقال له والدي: هو بالمثلثة، واستند إلى ضبط النَّووي له كذلك في "تهذيب الأسماء واللغات"، وكلٌّ منهما صحيح. فقد حكاهما المؤيَّدُ صاحب حماة في ترجمته، قال: وهو الرَّجلُ العظيمُ المبْطِنُ والشَّبعان أيضًا. وسمعته ذكر النَّجم المعروف بالزُّهرة مسكَّن الهاء، فقال له والدي: هو بفتحها، وهو الذي في "التهذيب" أيضًا. بل قال: لا، بإسكانها، وكذا ضبطه في "الجمهرة" بفتح الهاء. وكان يسمع عليه بالمدرسة الشَّرفية وهو يطالع، فيقول للقارىء: سقط لك رجل تارة أو رجلان على قدر ما يتَّفِق، وهما فلان وفلان، أو فلان، ونطلبُ الكتب، فيكون كما قال. وما أحقَّه يقول القائل: عَقِمَ النساء فلا يَلدن شبيهَهُ ... إنَّ الزَّمانَ بمثله لَعقيمُ وخرجنا والقاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية ومن شاء اللَّه معه إلى جبرين، لنسمع عليهما "الأربعين" لابن المجبر، فأخذ الجزء بيده، واستدعى بالدَّواة والقلم، وخرَّج أحاديثها مِنْ مسموعاته مِنْ حفظه، بأعلى مِنْ طريق "الأربعين". ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

إلى أن قال: وأخبرني العلاءُ ابن خطيب الناصرية، قال: أخبرنا الشيخ ولي الدين العراقي أنَّ أوَّلَ اشتغاله بالحديث في سنة ثلاث وتسعين. ورأيت بخطي: بلغت مصنَّفاتُه إلى مائتي مصنف. والذي أعرف منها "فتح الباري"، لم يُنسج على منواله، ولم تسمح قريحة بمثاله، و"تغليق التعليق" لم يُسبق إليه، ولم يعرِّجُ أحدٌ قبلَه عليه. إلى أن قال: وبالجملة، ليس له مؤلَّفٌ إلا وهو فَردٌ في بابه، ويسمي مؤلفاته بألطف الأسماء، وإن اختصر كتابًا، فقد أتى فيه بزوائدَ يُحتاج إليها. وكتبَ الخطَّ المنسوبَ في أوَّلِ أمره. وكان حسنَ الشِّكالة، لطيفًا حمولًا، كثير الصَّدقات، متحريًا. ولما كان بحلب صحبة السُّلطان، كان له راتبُ لحم يُؤتى به إليه في كلِّ يوم مِنَ السلطان. فكان لا يأكلُه، ويشتري له لحمًا. وعلي وجهه نور السنة، وبلغني عن العلاء البخاري أنه قال: على وجهه نور السنة. وأخبرني أنه رأى الشيخ شهاب الدين الظاهري -يعني ابن البرهان- في النَّوم بعد موته قال: فقلت له: أنت ميت (¬1)؟ قال: نعم. فقلت: ما فعلَ اللَّه بك؟ فتغير تغيرًا شديدًا، حتى ظننتُ أنَّه غاب، ثم أفاق، فقال: نحن الآن بخير. قلت: وساق باقي المنام الذي سمعتُ شيخنا يحكيه، وأورده كذلك في ترجمة ابن البرهان من "معجمه"، لكني حذفته عمدًا. قال: وأما لطائفه وملاطفته للطلبة والإحسان إليهم، فلا تكاد تُوصف. وقد كنت أسمع به وبأوصافه، فلما شاهدته رأيته فوق ذلك. كانت مُساءلةُ الرُّكبان تُخبرني ... عن أحمد بن عليِّ أحسن الخبرِ لمَّا التقينا فلا واللَّه ما سَمِعَتْ ... أُذْنِي بأحسنَ ممَّا قد رأى بَصَرِي ¬

_ (¬1) في (ب) "متَّ".

قلت: وهذان البيتان معزوَّان لأبي القاسم محمد بن هانىء (¬1) الأندلسي [الشاعر المشهور] (¬2)، ويقال: إنهما لجعفر بن فلاح، [ويقال: لأبي تمام. قال ابن خلكان: وهو غلط، بل هما لابن هانىء المذكور، والممدوح جعفر بن فلاح، ولفظ أولهما: كانت مُسائلة الرُّكبان تخبرني ... عن جعفر بن فلاح أطيبَ الخَبرِ ومن قال: "عن أحمد بن دُؤاد"، بَدَل "جعفر بن فلاح"، فقد أخطأ] (¬3). ووقعت فيهما اتفاقية غريبة، فيحكى أنَّ العز أيْدَمُر السَّنَائي الدَّوادار أنشدهما للتاج أحمد بن سعيد بن محمد بن الأثير الحلبي كاتب السرّ، عندما خدم بديوانِ الإنشاء في الأيَّام الظَّاهرية، أول اجتماعه به، وقبل معرفة اسمه واسم أبيه، فقال: كانت مُساءلة الرُّكبان تُخبرني ... عن أحمد بن سعيد أحسن الخَبرِ ثم التقينا. . . إلى آخرهما. فقال له التاج: يا مولانا، أتعرف أحمد بن سعيد؟ قال: لا واللَّه. فقال: هو المملوك. فتعجَّبا من غرابة الاتفاق. ونحوه أنَّ أبا الغنائم محمد بن علي بن فارس بن علي، المعروف بابن المعلّم، اجتاز يومًا ببغداد بمكان فيه زحامٌ كثير، فسأل عن سببه، فقيل: إن أبا الفرج بن الجوزي الواعظ هناك يعظ، فزاحَمَ وتقدَّم حتى سمعه، وهو يذكر، فكان مِنْ كلماته مستشهدًا لبعض إشاراته: ولقد أحسن ابنُ المعلم حيث يقول: يزدادُ في مسمعي تكرارُ ذكركُم ... طِيبًا ويَحْسُن في عيني مكرَّرُهُ ¬

_ (¬1) في (ب): "معزوان لابن هانىء". (¬2) و (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد من (ب).

قال: فتعجبتُّ مِنْ اتفاف حضوري، واستشهاده بما هو من نظمي. وهو ومَنْ حضر لا يعلمون بي. ويقُرب مِنْ هذه الاتفاقية: أنَّ الطبراني والجِعابي تذاكرا غرائب أحاديثهما، وكان الطبرانيُّ يغلبه بكثرة حفظه، والآخر يَغْلبِه بفطنته، حتى ارتفعت أصواتهما، فقال الجِعابي: عندي حديثٌ ليس في الدُّنيا إلا عندي. فقال له الطبراني: هات. فقال: حدثنا أبو خليفة، حدثنا سليمانُ بنُ أيوبَ، وساق حديثًا. فقال له الطبراني: أنا سليمانُ بن أيوب، ومِنِّي سمعه أبو خليفة، فاسْمَعْه مني عاليًا. فخجل الجِعَابي. قال ابن العميد -حاكيها- عن مشاهدته: ما كنتُ أظنُّ أنَّ في الدنيا كحلاوة الوزارة والرئاسة التي أنا فيها، حتى شاهدتُ ذلك، فوددت أنَّ الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه. انتهى. ويحكى أيضًا أن الشيخ أبا الفتح أحمد بن أبي الوفاء بن الصائغ الحنبلي سافر في الطلب إلى خراسان، وغاب مدَّة، ثمَّ رجع إلى بلده ببغداد، وقصد الدَّرب الذي كان يعهد أهله فيه. فجلس في مسجد هناك، وسأل عن أهله، فأخبروه أنَّه لم يبق في ذلك الدرب أحد. واتَّفقَ أنه تكلَّم مع قاضي الشَّارع في مسألة، واختلفا فيها. فلمَّا رأى خصمُه على نفسه الغلبةَ، وقهره المذكور بالحُجَّة، قال: واللَّه لو أنَّكَ أبو الفتح ابن الصَّائغ، ما سلّمتُ إليك! فقال: يا أخي، أنا أبو الفتح ابن الصَّائغ، فقام إليه واحترمه. وفي معنى البيتين الأولين، قولُ الشَّمس أبي عبد اللَّه محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الموصلي: ما زلت أسمَعُ عن (¬1) إحسانكم خَبَرًا ... الفضلُ يُسنِدُه عنكم ويرفَعُهُ حتى التقينا فشاهدت الذي سَمِعَتْ ... أُذْني وأضعافَ ما قد كنتُ أسمعُهُ ¬

_ (¬1) في (ط): "من".

[برهان الدين البقاعي]

[وقول غيره: وشوَّقني ذكرُ الجليس إليكم ... فلمَّا التقينا كنتمُ فوق وَصْفِهِ وكل هذا استطراد (¬1)]. ثم أورد أبو ذر مِنْ نظمه، إلى أن قال: وقد نظر "شرح" والدي على "البخاري"، وكتب عليه أماكن غالبها وَصْلُ تعاليق، أو اعتراضٌ على الذي كتبه (¬2) الكاتب، لا على ما في خط والدي، أو اعتراض على من نقل (¬3) والدي عنه، وكذلك نظر "مصنَّفه" على "الميزان" وأورد إيرادات واردة على الحسيني، وأرَّخ وفاته. قال: وأراد الشيخ علم الدين صالح بن البلقيني أن يتقدم للصلاة عليه، فأشار السلطانُ إلى أمير المؤمنين، فتقدم وصلَّى، وختم بما أشيع أنه قاله قبل وفاته بيوم من الأبيات. [برهان الدين البقاعي] ومنهم: برهان الدين البقاعي، وهو وإن كان حالُه لا يخفى في السَّخط والرِّضا لكنِّي أردت حكاية كلامه في الجملة. فقرأت بخطه في جزءٍ له سمّاه "أسد البقاع النّاهسة لمعتدي المقادسة" ما صورته: ثمَّ رحلتُ مِنَ القدس الشريف يوم الأربعاء سادس صفر، سنة أربع وثلاثين، فدخلت القاهرة المحروسة يوم الثلاثاء تاسع عشريه، فسارعت للفوز بالتَّشريف برؤية مَنْ كانت الرِّحلة إليه، ولم يكن التَّعويل إلا عليه، شيخُ الإسلام، وطرازُ الأنام، علمُ الأئمة الأعلام، شهابُ المهتدين مِنْ أتباع كل إمام، حافظُ العصر. وأستاذُ الدهر، سلطانُ العلماء، وملكُ الفقهاء، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (أ): "ذكره". (¬3) في (ب): "ما نقل".

الذي إذا سلك بحر التَّفسير، كان التَّرجُمان، والآتي مِنْ فرائد فوائده بعقود الجُمان، أو ركب متن الحديث، كان أحمدَ الزَّمان. وأظهر من خفايا خفاياه ما لم يُسبق إليه أبو حاتم ولا ابن حِبّان. وإن تكلَّم في الفقه وأصوله، علم أنه الشافعيُّ، وأبرز من لوايا رواياه ما لم يتجاسر عليه الإمام ولا الرافعي، أو تيمم كلامَ العرب على اختلاف أنواعه، فسيبويه والمبرِّد، وإن عرض العَرُوضَ أو الأدب على انشعاب أنحائه، فالخليل بن أحمد. متى تحدَّث المتفنِّنُون بشيء مِنَ العلم، كان مالك قياده، وأستاذَ نُقَّاده. أبو الفضل شهاب الدين، قاضي القضاة بالديار المصرية والدول الأشرفية، خلّد اللَّه نِعَمَه وأبَّد سعادته وأيَّد هممه. فمثلت بين يديه بالمدرسة البيبرسية، فسمعتُ مِنْ حفظه "المسلسل بالأولية"، ثم كتبتُ إملاءه مع مَنْ كتب، ولازمتُ مجالسه، وكتابة مصنفاته ومحاضراته. ثم ذكر أشياء مما امتدحه بها، ليس هذا محلُّ إيرادها. وقال في موضع آخر: لما كانت الرِّحلة في العلوم دأب النُّبهاء، وكان المستحقَّ لها في هذا العصر والمنفرد بها علوًّا وبَهَاء، مولانا شيخُ الإسلام علامة الأنام، حافظ العصر، عين أهل الدهر، مَنْ سارت مصنفاتُه في جميع الآفاق، وكانت فتاويه وأماليه كالشمس في الإشراق، قاضي القضاة شهاب الدين أبو الفضل، بارك اللَّه في حياته، وأدام على أهل الأرض عظيم بركاته. وقال في موضع آخر: سيدنا ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، علم الأئمة وإمام الأعلام، بَحْرُ الوجود، ومعدِنُ الجود، حافظُ العصر، وأستاذُ الدَّهر. وفي موضع آخر: علَّامة الدنيا، أطال (¬1) اللَّه بقاءه، وأدام إلى ذرى المجد ارتقاءه. ¬

_ (¬1) في (أ): "فنسأل اللَّه".

[نجم الدين بن فهد]

[نجم الدين بن فهد] ومنهم: محدِّث الحجاز، ومفيد الدنيا. نجم الدين عمر بن فهد الهاشمي، ولد الماضي، رحمه اللَّه وإيانا (¬1). فقرأت بخطه في "معجمه" (¬2): الإمام العلامة علم الأعلام، عمدة المحققين، حافظ السنة بركة هذه الأمة، خاتمة الحُفَّاظ، ناقد الأسانيد والألفاظ، عين الأعيان، مفخرة الزمات من لم ترَ العيونُ كنظيره، قاضي القضاة شهاب الدين. إلى أن قال: وكان رحمه اللَّه - فريدَ عصره، ونسيجًا وحده، وإمامَ وقته. انتهى إليه علمُ الأثرِ والمعرفةُ بالعللِ، وأسماء الرجال، وأحوالِ الرواة، والجرحِ والتعديلِ، والناسخ والمنسوخ، والمشكلات. تُشَدُّ إليه الرِّحال في معرفة ذلك. محققًا فصيحًا، شديدَ الذَّكاء المُفْرط، حسنَ التَّعبير، لطيف المحاضرة، حسنَ الأخلاق، متينَ الدِّيانة، عديم النَّظير، وعليه مِنَ الجلالة ما يليق به، وما لأحدٍ بعدَه إلى درجته وصول، ولسان الحال يقول: هيهات أن يأتي الزَّمانُ بمثله ... إنَّ الزَّمان بمثله لبخيلُ ونحوه: عَقِمَ النِّساء فما يلِدْنَ شبيهَه ... إنَّ النِّساء بمثله عقمُ (¬3) وفضله أشهر مِنْ أن يُوصَفَ، وشعره أرق مِنَ النَّسيم، وقد سارت بفضائله وعلومه الرُّكبان، ورُحِلَ إليه مِنْ أقطار البُلدان، ومحاسنُه كثيرة، وهو أكبر مِنْ أن يُنَبِّه على سيرته مثلي. فلو حلفتُ بين الرُّكن والمقام، ¬

_ (¬1) في (ب، ط، ح): "نفع اللَّه به". (¬2) ص 70 - 78. (¬3) في (ط): "العقيم".

وحُلِّفتُ: أني ما رأيتُ بعيني مثله، [ولم تر عينٌ] (¬1) من رآه مثله. ولا رأت عينُه مثل نفسه، لبَرَرْت. وما أجدرَهُ بقولِ الإمام الشافعي رضي اللَّه عنه: قل لمن لم تر عينا ... مَنْ رآه (¬2) مثله ومن كأنَّ من رآ ... هُ قد رأى من قبلَهُ وقد أنشدني شيخنا القطب أبو الخير محمد بن عبد القوي المكي لنفسه فيه قوله: أسْتَصْغِرُ النَّاس عند رؤيته ... لأنه لم ير له مَثَلا إلى أن قال: وكثُرَ الأسفُ عليه, لوفُور محاسنه، وكان موتُه مصيبةً يا لها من مصيبة عمَّت الأنام، وهدمت رُكن الإسلام، وأصمَّت المسامع، وأجرت المدامع، وإنها واللَّه لَمِنْ أعظم الفجائع، وأطَمِّ الوقائع، [فلقد انتقض السُّؤددُ بمصابه، وانثلم المذهب بذهابه] (¬3). كان للإسلام والمسلمين سندًا، وللدين في هذا الوقت عَضُدًا، ولم يخلف في معناه مثله، ولقد كان للدنيا بوجوده الجمال والبهجة والفخر، وللناس به أُنْسٌ، ولهم منه فوائدُ جمَّة. ولا أعلم في المشرق والمغرب مَنْ كان يفهم هذا الشأن مثله، فلا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، وإنا للَّه وإنا إليه راجعون، ورحمه اللَّه ورضي عنه. قلت: وهو المحرِّك لي لتبييض هذه الترجمة، فجزاه اللَّه خيرًا، وحلف لي مجتهدًا، أنه كان يودُّ لو عاش ويموت هو. قال: لأن موتي موتُ شخص واحدٍ. وصاحب الترجمة يموت به علم السُّنَّة. [وقد قال قائل: لَعمرُكَ ما الرَّزِيَّة هدمُ دارِ ... ولا فرسٌ يموتُ ولا بعيرُ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ) ولا في "معجم ابن فهد". (¬2) في "معجم ابن فهد": رأى. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في "معجم ابن فهد".

[ابن الشحنة]

ولكنَّ الرزيَّةَ موتُ حُرٍّ ... يموتُ بفقده بشرٌ كثيرُ] (¬1) [ابن الشِّحنة] ومنهم: [جماعة بقيد الحياة في هذا الحين، وهو سنة ست وثمانين. منهم] (¬2) العلامة أحد الأعيان (¬3)، قاضي القضاة الحنفية الآن، المحب أبو الفضل ابن الشحنة، (كان اللَّه له) (¬4). فقرأت بخطه في أوائل "شرحه على الهداية" في مذهبهم له ترجمةً مختصرة قال فيها: وألَّف في فنون الحديث كتبًا عجيبة، أعظمها "شرح البخاري"، وعندي أنه لم يَشرح "البخاري" أحدٌ قبله. فإنَّه أتى فيه بالعجائب والغرائب، وأوضحه غاية الإيضاح، وأجاب عن غالب الاعتراضات، ووجه كثيرًا ممَّا عَجَز غيرُه عن توجيهه. وبلغني عنه أنه قال: إنَّ أحسن مؤلفاتي، "الشرح"، و"تغليق التعليق"، و"اللسان". ومصنفاته تبلغ زيادة على مائة وخمسين، وطار صيته في الآفاق، وحصلت على انفراده في بابه كلمة الاتِّفاق. هذا مع الذكاء، وصفاء القريحة، وحُسَن الاستنباط، والنَّظم الحسن، والنُّكتة اللطيفة. وحُسن تسميته المصنَّفات، ولطف العبارة وانسجامها، وحلاوة المنطق، [وحسن المعاشرة والصحبة والتواضع. إلى أن قال: ولم يجتمع لأحدٍ في عصره ما اجتمع له من العلوم] (¬5) والمحاسن، فكان أكمل أهل عصره حين موته، فيما يغلب على ظنِّي وأعتقده. ومحاسنه جمَّة، وترجمتُه لا يسعها هذا المكان. وقد أُفردت بالتأليف، لكني لم أقف على ذلك. وكأنه - نفع اللَّه به (¬6) عنى تصنيفي ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). وقوله: "في سنة ست وثمانين" لم يرد في (ط) وقد أضاف المصنف ذلك في هامش (ح) .. (¬3) في (ب): "مفخر الزمان". (¬4) في (ب): "جمَّل اللَّه بوجوده". (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬6) في (ب): "رضي اللَّه عنه".

[شهاب الدين بن الأخصاصي]

هذا، فما علِمْتُ غيري أفردها. ثم أخبرني بذلك صريحًا [حين قرأ عليَّ سبطُه كثيرًا من هذا الكتاب، وكذا ولده، لكن بعضه، كل ذلك بحضرته (¬1)] (¬2). قال: ورافقته في بعض الأسفار، فرأيته يقومُ اللَّيلَ، وكان شيخي ورفيقي، فإني سمعتُ بقراءته على شيخنا الحافظ أبي الوفاء، وشيخ شيخي، فإنني أخذت شيئًا مِنْ نظم والدي عن القاضي علاء الدين ابن خطيبِ الناصرية، وابنُ خطيب النَّاصرية أخذ عنه. وكانت بيني وبينه مباسطات ومكاتبات، وكان يُكرِمُني ويُحسن إليَّ، رحمه اللَّه تعالى. وكتب لي مرة في عنوان كتاب بخطه: المحبي، شيخ الإسلام بالمملكة الحلبية. إلى أن قال: وكان رقيقَ الطَّبع ظريفًا لطيفًا، حسن الهيئة، له نُورانيةٌ، ووقعٌ في النفوس، ومحبَّة في القلوب، وكانت جنازتُه مشهودةً حافلة جدًا، حتى قيل لي: إنَّه لم يرَ أهلُ العصر مثلَها، ولا ما يقاربها، رحمه اللَّه وإيانا. [شهاب الدين بن الأخصاصي] ومنهم: الفاضل شهاب الدين بن الأخصاصي الدمشقي. فقرأت بخطه في مقدمة شيء عمله بعد أن سمعته مِنْ لفظه: وكان مِمَّن حاز قصبَ السَّبقِ إلى هذه المراتب العليَّة بالدِّيار المصرية، حاكم حكامها، ومالك زمامها، رُحْلة الزمان، اللَّاحق بالعلم والحلم لِمَنْ جارى بميدان الفرسان، علم الأعلام، وشيخ شيوخ الإسلام، حافظ الدهر، وفريد العصر، طويل الباع، مديد المناقب، بسيط الأيادي بالنَّدى المتقارب، فضله الوافر كامل بالحكمة وفصل الخطاب، وذهنُه المنسرحُ خفيفُ السِّباحة في بحور الآداب. شهدتْ له فُضلاء الممالك بالفضل البارع، فما له في ¬

_ (¬1) في (ط): "بين يديه". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). وورد في هامش (ح) بخط المصنف.

[قطب الدين الخيضري]

العصر مِنْ مضارع. أحلى مِنَ النبات لفظُه المكرَّر، وكم لَبِسَ مِنْ مُفَصَّلِ المديح ثوبًا محرر. خُلاصة خواصِّ العارفين، مولانا وسيدنا، قاضي القضاة، شهاب الدين، أدام اللَّه تعالى أيَّامه الزاهرة، وأفاض عليه ملابس نِعَمِه الفاخرة في الدنيا والآخرة، وزاده سناءً وسنًا، وأبقاه بقاءً حسنًا. [قطب الدين الخيضري] ومنهم القاضي قطب الدين الخيضري. فقرأت بخطه في كتابه المسمى "اللُّمع الألمعية لأعيان الشافعية" ترجمةً لصاحب الترجمة، وما أعلم أنَّه ذكر في كتابه مِنَ الأحياء غيره، قال: شيخُنا الإمام، شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام، إمام الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، قدوة المحدِّثين، أستاذ المحققين، عُمدة المخرِّجين، علم الناقدين، محطُّ رحال الطالبين، ساقي الظِّماء (¬1) مِنْ صافي الماء المعين، لأنه البحر الذي لو رآه ابن معين، لصار فيه يعوم، أو البخاري، لكان للشُّرب منه يروم، ولو أدركه الدارقطني لحام حول حماه واستقطنه، أو الطبراني، لم يحلل من رحلته إلا عنده وكان استوطنه، لأنه حاملُ راية أهل الحديث بكَلِّها، وفارس ميادين علومه كُلِّها، لو اجتمع به ابن عساكر، لكان بعسكره مِنْ بعض جُنده، أو ابن مأكولا الأمير، لصار مِنْ أنصاره وذوي رفْدِه، ولو سمع به ابن السَّمعاني، لاستمع إلى كلامه، ولو لحقه ابنُ عبد البرِّ، لأقسم بارًّا أنه لا يتمهَّدُ في أحواله إلا بِدُرِّ نظامه. فهو صاحبُ المصنَّفاتِ التي سارت بها الرُّكبان غربًا ومشرقًا، والمؤلفات التي أضحى بها شهاب سعادته في أفق السماء مُشرقًا. إمام المحدثين، كنز المستفيدين، قاضي القضاة، أبو الفضل شهاب الدين. إلى أن قال: ولازم الاشتغال والإشغال والإفادة، وعرف العالي والنَّازل، وحفِظَ المُتون، ونظر في الرِّجال وطبقاتهم، ومعرفة تراجمهم، مِنْ ¬

_ (¬1) في (أ): "الظمآن".

جَرْحٍ وتعديل، وحقَّق جميعَ أنواعِ هذه الصِّناعة وغيرها مِنْ فقه وأصول وعربيَّة، ومشاركة في فنونٍ كثيرة، حتى مَهَرَ وساد على الأقران. وأقرَّ له الأئمةُ مشايخُه بالفضل والإتقان، واغتبطوا بوجوده وانتفعوا بملازمته. حتى قال: وترقَّى وارتفعت درجته، واشتهر بالعلم التامِّ، والفضل الغزير، والذكاء المفرط، وتصدَّى للإفادة، وتفرد بالرِّئاسة، وشاع ذكرُه في الأقطار، واشتهر اسمه، وبعُدَ صيتُه، وتَبَجَّح الأئمَّةُ والفُضلاءُ مِنْ جميع النواحي بالرِّحلة إليه والأخذ عنه، وصار هو المرجوع إليه [والمعوَّلَ عند المشكلات عليه] (¬1)، ولا تركنُ النَّفسُ إلا إلى كلامه، ولا يَعتمِدُ النَّاسُ إلا على فتواه. وصار فريدَ الدُّنيا على الإطلاق فيما نعلم، وصنَّف التَّصانيف المفيدة البالغة في الإحسان، النافعة لكل إنسان. فذكر جملة منها. ثم قال: وبالجملة، فهو فَرْدُ زمانه، لم يَرَ مثل نفسه، ولا وقعت عيني على نظيره، ولا أظنُّ أنَّ الزمان فيما بَعْدُ يسمح بمثله: حَلَف الزَّمانُ ليأتيَّنَّ بمثله ... حنثت يمينك يا زمانُ فكفِّرِ هذا مع ما احتوى عليه مِنْ دينٍ وعبادة وتواضع وصيام وقيام، واتباع للسنة في جميع أحواله، وإحسانٍ كثير إلى المساكين والفقراء. إلى آخر كلامه. * * * ورأيت بخطٍّ مغربيٍّ جزءًا أفرده (¬2) شيخَنا مذيَّلًا به على الحافظ ابن ناصر الدين في الحفاظ، فترجمه الكاتب بآخره، ابتدأ بتعيين مولده ووفاته، لكنه أخطأ فيهما، ثم قال: وكان أحدَ الأئمة الحُفَّاظ الذين بهم يُقتدى، وبمآثرهم يُهتدى، ومن يجب إليهم الانتها ويَحْسُنُ بهم الابتدا، وقد انتهت إليه رئاسة العلم في عصره، واشتهر في الآفاق، وانعقد على حفظه وفضله ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (ب، ط): "أفرد".

الاتفاق، نوَّه غيرُ واحدٍ مِنَ المشايخ الأكابر يذكره بالثناء الجميل، وساق عنه مقطوعًا من شعره. قال: وله جملةُ تصانيف تزيد على المائة، غاية في الإجادة. وشعرُه كثير. وسمع من أشياخنا البرهان الشَّامي، والبلقيني، والعراقي، وابن الملقن، وغيرهم. وله "برنامج" حافل ذكر فيه من شيوخه وشيوخنا نحو ستمائة إنسان، عدا مَنْ تَحَمَّل عنه مِنَ الأقران، وترجمته كبيرة، ذكرتها في غير هذا. قدس اللَّه سره العزيز. انتهى. وما علمتُ مَنْ هذا المترجِم. وإن كان بآخر التصنيف ما نصه: أملاه اقتضابًا مِنْ خَط مؤلِّفه علي بن محمد العلوي المحمدي الغزالي القادري الشاذلي الموحدي. فاللَّه أعلم. [وعن بعضهم فيه: قُطعت إلى حضرته المراحل، وسارت بتصانيفه السُّفن والرَّواحل، وغدا بها الفارس والراجل. إلى غير ذلك مما يطول، ولا يستقصى به المقول] (¬1). قلت: وقد كنتُ عزمت على إيراد التعريف بهؤلاء المترجِمين، ليظهر ما خِفِيَ مِنْ أمرهم عند مَنْ شاء اللَّه مِنَ المهملين، ثم أضربت عن ذلك خوف الإطالة والسآمة والملالة. وقد بان لك بما أوردته مِنْ كلامهم أن صاحب الترجمة رحمه اللَّه تعالى، قد دخل في (1) طبقات (¬2) الحُفَّاظ دخولًا متعيّنًا، ولذلك ألحقه فيما ذيل به على الذَّهبي بعضُ من أسلفت كلامَه مِمَّن أخذت عنه. وكذا يدخل في (2) طبقات الأئمة الشافعية، وقد أدخله فيهم غيرُ واحدٍ كما علمته. وفي (3) طبقات أئمة الأدب، وقد أورده فيهم البدر البشتكيُّ كما سبق. وفي (4) أعيان العصر، بل هو أحدُ الأعيان، وقد ذكره المقريزيُّ كما تقدَّم فيهم. ولو تأخر الفاسي، لكتبه في "ذيل سير النبلاء"، وفي (5) التاريخ المشتمل على الحوادث، وعلي وفيات كل مَنْ له ذكر مِنَ الأعيان وغيرهم. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) وردت هذه الأرقام في نسخة (أ)، وبعضها في (ط) ولم ترد في (ب).

وقد أدخله شيخُنا البدر العيني فيه، لكن لم يقع لي المجلد الأخير مِنْ "تاريخه" إلى الآن. وكذا ذكره غيرُه كما سلف. وفي (6) قضاة مصر، وقد ترجم نفسه فيهم في مصنفه "رفع الإصر". وفي (7) تاريخ مصر، وأظنُّ المقريزيَّ أدخله فيه، لكنه غاب عنّي الآن. وفي (8) معجم الشيوخ، وقد ترجمه [في معجمه] (¬1) غيرُ واحد مِنْ أصحابنا، وكذا (¬2) البقاعي. لكني لم أقف على كلامه بعد، نسأل اللَّه التوفيق. [وممَّن ذكره: الشهاب أحمدُ بن عبد اللَّه الطَّاوسي في "مشيخته"، فقال: الحافظ الإمام قاضي قُضاة الإسلام، مُسند بلاد مصر والشام، الشيخ شهاب الدين أبو الفضل ابن حجر. والعفيف محمد بن عبد الرحيم بن عبد الكريم الجُرْهي، والد نعمة اللَّه، وكلاهما من طلبته، فقال في "مشيخته": الإمام العلامة، الحافظ البارع، المتقن الضابط، الثقة المأمون، فلان. إمامٌ حافظٌ، متبحر في علم الحديث والأدب. وله تواليف بديعة] (¬3). وفي (9) المؤتلف والمختلف، وقد أدخله فيه بعض مَنْ قدَّمناهم، (10)، وأدخله ابنُ خطيب الناصرية في "تاريخ حلب"، والفاسي (11) في "ذيل التقييد". فهذه زيادةٌ على عشرة أنواع مِنْ فنِّ التاريخ وقع إدخاله فيها. وكذا يتعيَّن إدخاله في الأذكياء والظُّرفاء والكتَّاب. وقد سبقني لما أشرت إليه الجاحظُ، فقال في ترجمة أبي الأسود الدؤلي: كان معدودًا في طبقات مِنْ النَّاس، مقدمًا في كل منها، كان يُعَدُّ في التَّابعين، وفي الشًّعراء، والفقهاء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، ¬

_ (¬1) في "معجمه" ساقطة من (ب). (¬2) في (ب): منهم الشيخ برهان الدين البقاعي، وكذا كانت في (ح)، ثم غيرت كما هنا. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

والأمراء والنُّحاة، والحاضرين الجواب، والشِّيعة، والصُّلْع، والبُّخْرِ، والبخلاء. انتهى. وللَّه در القائل: والناس أكيسُ مِنْ أن يَحْمَدوا رجلًا ... حتى يروا عنده آثار إحسان (¬1) وأنشد بعضهم: إذا سمعتَ كثيرَ المدحِ عَنْ رجل ... فانظر بأيِّ لسانٍ ظلَّ ممدوحَا فإن رأى ذلك أهلُ الفَضْلِ فارضَ له ... ما قِيلَ فيه، وخُذْ بالقولِ تصحيحَا أو لا فما مدحُ أهلِ الجهل رافِعَه ... وربما كان ذاك المدحُ تجريحَا وقال بعضهم: ثناؤك المشهورُ مسكٌ إذا ... ما فاح بين النَّاس لم يُكْتَمِ يُغني فتاة الحيِّ عَنْ عِطرها ... ويُوقع المُحْرِمَ في مَغْرَمِ وقال آخر: والنَّاسُ ألفٌ منهمُ كواحدٍ ... وواحدٌ كالألف إن أمرٌ عَنَا ¬

_ (¬1) من قوله: "وقد سبقني"، إلى هنا، لم يرد في (ب).

فصل

فصل وإذا انتهى ما وقفنا عليه مِنْ هذا الباب، مِنْ ثناء الشُّيوخ والطلبة والأصحاب، فلنَفِ بما وعدنا به أولًا مجملًا ومفصلًا، فأقول: [الناقلين عن ابن حجر في تصانيفهم] إن صاحب الترجمة -سقى اللَّه مضجعه، وبالرحمة عمَّمه- كان إليه المنتهى في الحفظ والإتقان، وعليه المعوَّلُ عند الشيوخ والأقران، فضلًا عَنِ الطَّلبة والشُّبَّان، حتى نقل عنه (¬1) غيرُ واحدٍ ممَّن تقدم في تصانيفهم، كالتقي الكرماني، حيث جعل "فتح الباري" مِنْ جملة أصوله في "شرحه" الذي عمله على "البخاري"، [بل اختصر مصنفه في الأوائل كما تقدم] (¬2). والبرماوي، حيث قال في خطبة "شرحه على البخاري": فما أضفه إليهما وصل ما أهملا مِنْ التَّعليقات، وتسمية ما أهملا مِنَ تفسير المبهمات، والجواب عما اعترض به الدارقطني والإسماعيلي، وعدد الأسانيد والمتون مما ليس مِنَ الواضحات. وذلك غالبًا من تصانيف بعض الحُفَّاظ العصريين، فإنه أشار بذلك إلى صاحب الترجمة، على ما أخبرني به بعضُ ثقات شيوخنا مِمَّن أخذ عنه. قال: بل كان صرَّح باسمه أولًا، ثُم أبهمه لأمر اقتضى ذلك. والفاسي والبرهان الحلبي وابن خطب الناصرية والمقريزي وابن الهُمام ¬

_ (¬1) في (ب): "عنهم". (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

[وبعضهم في النقل أكثر من بعض] (¬1). ومن غيرهم، كزاهد العصر العلامة الشهاب أحمد بن رسلان الرملي. نقل عنه في "شرح صفوة الزُّبد" تصحيح [حديث] (¬2) عبد اللَّه بن عكيم عن ابن مسعود أنه كان يقول: "اللهمَّ زدنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا"، فقال: قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح. وكذا نقل عنه في غير ما موضعٍ على ما بلغني. وأرسل له بأسئلة خَفِيَ عليه الأمرُ فيها عند شرحه "للسُّنن لأبي داود"، فأجابه عنها. لكنه ما تيسَّر الإرسال بها لقرب وفاة السَّائل مِنْ زمن المسألة. نعم أعطاها شيخنا، بحضرتي، لولده عبد القادر، وقد وَفَدَ عليه بعد وفاة والده، وقال له؛ إن أمكن إلحاق هذه في محالِّها، فلا بأس. وما علمتُ ما اتَّفق فيها، والظاهر أنَّه لم يلحق شيئًا مِنْ ذلك لوفاته أيضًا عَن قريب، رحمهم اللَّه وإيانا. ثم رأيته في باب تنزيل النَّاس منازلهم من الأدب من "شرحه" نقل عنه بقوله: قال شيخنا ابن حجر. وشيخ الوقت العارف المربي شمس الدين محمد بن عمر الواسطي العمري، أكثر النقل عنه في تصانيفه بقوله: قال سيدنا ومولانا قاضي القضاة حافظ العصر. ومن جملة ذلك أنَّه صنَّف كتابًا في أسباب المغفرة، فلخَّص فيه كثيرًا من "الخصال المكفرة" لشيخنا صاحب الترجمة، وكان كثيرًا ما يرسل يسأله عن أحاديث وغيرها. وأسئلته له موجودةٌ الآن عند ولده الشيخ أبي العباس، على ما أخبرني بذلك، أرجو الوقوف عليها إن شاء اللَّه تعالى. وحكى لي بعض الثقات أنَّه سمعه يقول: إن القاضي جلال الدين البلقيني أنكر على (¬3) شيخه الشيخ أبي العباس الزَّاهد شيئًا، فناضل عنه ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) في (أ): "عليه".

صاحبُ الترجمة، وبيَّن أن الصواب معه، فكان يرعى له ذلك. وكذا أكثر النَّقلَ عنه في تصانيفه التاريخية ونحوها، فقيهُ الشام التَّقيُّ ابن قاضي شهبة، وأكثرُ المتأخرين في "طبقات الشافعية" له مِنْ كلامه. وأكثر ما يقولُ: قال الحافظ، وربما وصفه بحافظ العصر (¬1). زاد في بعض المواطن وأديبه. [وممن نقل عنه: الجلال المحلي والتقي الشُّمُني وآخرون، لا يمكن الوقوفُ على حصرهم، منهم عالم الحنابلة العز الحنبلي، لا سيما في الكتاب الذي ابتكرَ وضعه في المراثي المنظومة، الذي رتبه على حروف المعجم، بل عقد في كل باب مِنْ أبوابه فصلًا لزيادات صاحب الترجمة فيه] (¬2). والتمس منه العلامة أبو البركات الغرَّاقي، رحمهما اللَّه، إفادة ما وقف على حافظ البلاد الحلبية الأمر فيه في "شرحه على الشفاء" ومعظمه في الرجال. وكأن المصنف كان أوصى أبا البركات بذلك، ففعل ذلك في كثير منها، ثم تشاغل عن باقيها، لكنه التمس مِنَ السائل إفرادها في كُرَّاسة ليسهل الأمر عليه في مراجعتها، وما أظنُّه تيسَّر. إلى غير ذلك مما اشتهر ذكره وانتشر. وأرسل إليه الشيخ بدر الدين العيني مرارًا يسأل عن أشياء في الرِّجال وغيرها. وقد شاهد الأئمة مِنْ جلالته ما أعجز عن ذكره، مما هو دالٌّ على عظيم منزلته وعلو قدره. فمن ذلك ما حكيتُه في قصة تمتام عن البلقيني شيخ الإسلام (¬3)، ومنه أيضًا ما حدَّثنا الثقةُ أنَّ حافظَ الوقت الزين أبا الفضل الراقي خرّج في "الأربعين العشاريات" له "الحديث المسلسل بالآخرية"، ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "قال حافظ العصر". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) انظر ص 266 من هذا الجزء.

[مراسلة الحافظ العراقي لابن حجر]

فقال فيه -تبعًا لشيخه الحافظ الحجة أبي سعيد العلائي- إنَّ إسماعيل الصفَّار آخر مَنْ روى عن الحسن بن عرفة، فذكر صاحبُ الترجمة له أن الحافظ الذهبي قال في "تذكرة الحفاظ" له: إنَّ علي بن الفضل السُّتوري آخر مَنْ حدَّث عن الحسن بن عرفة. فاعتذر بأنَّ سلَفه في ذلك العلائي، وأحضر "تاريخ الخطيب"، فكشف منه ترجمة عليٍّ المذكور، فوجد فيها أنَّه حدث عن الحسن بن عرفة بأحاديث يسيرة. [وأنه ثقة] (¬1)، وأنَّه مات سنة ثلاث وأربعين وثلثمائة. فعند ذلك رجع عن تقليده الأول، وقيَّد إطلاقه بقوله: وهو آخر مَنْ حدَّث عنه بهذا الحديث. [مراسلة الحافظ العراقي لابن حجر] ومنه ما قرأته بخط الحافظ العراقي أيضًا فيما كتب به إلى صاحب الترجمة وصورته: الحمد للَّه. المسؤول مِنْ إحسانه إرسال "مسند أبي يَعْلَى". حتى أكتبُ منه حديث عُبيد اللَّه بن عمر، عن ثابت، عن أنس -رضي اللَّه عنه- في الصحابي الذي كان يؤُمُّ أهل قُباء، ويقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وسورة أخرى، فإنَّه رواه التِّرمذي عن البخاري، وعلَّقه البخاري، فقال: وقال عبيد اللَّه بن عمر، فانظروه في "أطراف المسند" لأحمد، عمَّن رواه، وهل كتبتموه في "تغليق التعليق" في شيء مِنْ هذه الكتب أو غيرها؟ واللَّه يبقي مولانا في خير وعافية. انتهى. فكتب صاحب الترجمة عقب ذلك ما مثاله، وأرسل به إلى شيخه المشار إليه: هذا الحديث رواه التِّرمذي عن البخاري، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن عبد العزيز بن محمد الدَّراوَرْدي، عن عبيد اللَّه بن عمر، به. وروى التِّرمذيُّ طرفًا منه عن أبي داود السِّجستاني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن ¬

_ (¬1) ساقطة من (ب).

مبارك بن فضالة، عن ثابت. وأهمل المزيُّ هذه الطريق في "الأطراف". وكذلك أهمل الرقم في "التهذيب" للترمذي على أبي الوليد، إذ ذكره في شيوخ أبي داود، وعلي أبي داود، إذ ذكره في الرُّواة عن مُبارك بن فضالة، وعلي مبارك بن فضالة، إذ ذكره في شيوخ أبي الوليد، وعلي ثابت البناني، إذ ذكره في شيوخ مبارك. وكل ذلك لازم له. وقد رواه أبو نُعيم الأصبهاني في "مستخرجه على البخاري" عن أبي دُلَف، عن البغوي، عن مُصعبٍ الزُّبيري، عن الدّراوردي وروينا هذا الحديث عاليًا في "فوائد" أبي محمد عبد الرحمن (¬1) بن أبي شُريح الأنصاري، رواية عبد الأول بن عيسى، عن بيبي الهَرْثَميَّة، عنه، عن البغوي، عن مصعب بن عبد اللَّه الزُّبيري به. لكن سياق إسماعيل بن أبي أويس أتمُّ. ورواه ابن حبَّان في "صحيحه" عن أبي يعلى، عن مصعب به. ورواه الطَّبَراني في "الأوسط" عن أحمد بن يحيى الحُلواني، عن مصعب، وقال: تفرَّد به الدَّراوَرْدي عن عُبيد اللَّه. ورواه الجَوْزقي في "مستخرجه" عن الدَّغُولي، عن أحمد بن سيار، عن (¬2) إبراهيم بن حمزة، عن الدَّراوردي نحو رواية مصعب. ومن هذا الوجه رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، والبيهقي في "السنن الكبرى". ورواه أبو نعيم في "مستخرجه" أيضًا مِنْ طريق إبراهيم بن محمد الشافعي عن الدراوردي، نحو رواية مصعب. ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" من طريق مُحرز بن سَلَمَة عن الدراوردي نحو رواية إسماعيل بن أبي أويس. ولم أره في "مسند أحمد". واللَّه الموفق. ومنه أن العراقي المذكور لمّا كبر وتعب، وصعب عليه التَّخريجُ، ¬

_ (¬1) في (أ): "أبي محمد بن عبد الرحمن" خطأ، وهو أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي شريح (ت 392 هـ) السير 16/ 526. (¬2) في (أ): "بن"، تحريف.

[مراسلة الجلال البلقيني لابن حجر]

استروح لإملاء شيء قد خُرِّج، ممّا لم يُحتج فيه لتَعَب المراجعة، فأملى من الأحاديث العشاريات السُّنن التي خرجها له صاحب الترجمة، صلة للأربعين التي خَرَّجها هو لنفسه. وكان ذلك بإشارة رفيقه الحافظ أبي الحسن الهيثمي، وولده الأستاذ أبي زرعة، وغيرهما، بعد أن كان انقطع الإملاءُ مدَّةً. وفيه من المنقبة ما لا يخفى. ومنه ما قدمناه قريبًا عَنِ البساطي، فيُنظر ثمَّ. [مراسلة الجلال البلقيني لابن حجر] ومن ذلك أن قاضي القضاة، شيخ الإسلام جلال الدِّين البُلقيني، كان كثير الإرسال إليه، يلتمس منه الجواب عما يستشكله في هذا الفن، خصوصًا في الكتاب الذي عمله في "مبهمات البخاري"، فهو -كما شهد به الحافظ. البرهان الحلبي على ما حكاه ولده أبو ذرٍّ، كما تقدم عنه (¬1) - إنَّما مُعوَّله فيه على صاحب الترجمة، وليس يلحقه -رحمه اللَّه- نَقْصٌ مِنْ ذلك، بل هو غايةُ الكمال. وقد ظفَرْتُ بعدَّة أسئلة بخط المذكور أرسل بها لصاحب الترجمة، وأجابه عنها، فرأيت إثبات بعضها هنا ليستفاد. [القول في رواية رافع بواب مروان عن ابن عباس] الأول مُلخَّصه: قال البخاري (¬2) في تفسير سورة آل عمران: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، أنَّ ابن جريج أخبرهم، عن ابن أبي مُلَيكة، أن علقمة بن وقَّاص أخبره أن مروان قال لبوَّابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس، فقل: لئن كان كلُّ امرىء فَرِحَ بما أُوتي، وأحبَّ أن يُحمدَ، بما لم يفعل معذَّبًا، لنُعَذَّبَنَّ أجمعون. فقال ابن عباس رضي اللَّه عنه: ما لكم ولهذه، إنما دعا النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يهود، فسألهم عن شيء، فكتموه ¬

_ (¬1) ص 321. (¬2) حديث رقم 4568 - الفتح 8/ 233.

إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمُدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرِحوا بما أتوا من كتمانهم، فيما سألهم، ثم قرأ ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} حتى قوله: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 187 - 188]. تابعه عبد الرَّزاق عن ابن جريج: حدثنا ابن مُقاتل، أخبرنا الحجاج، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مُلَيكة، عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه أخبره أن مروان، بهذا. وأخرج مسلم الحديث في أبواب التَّوبة (¬1)، فقال: حدَّثنا زُهير بنُ حرب وهارون بنُ عبد اللَّه -واللفظ الزهير- قال: حدثنا حجَّاجُ بنُ محمد، عن ابن جُريج، أخبرني ابنُ أبي مُلَيكة، أن حُمَيدَ بن عبد الرحمن بن عوف أخبره، أنَّ مروان قال: اذهب يا رافع -لبوابه- إلى ابن عباس، فقُل: لئن كان كلُّ امرىء منَّا فرِحَ بما أتى، وأحب أن يُحمد بما لم يفعل معذبًا، لنُعَذَّبَنَّ أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه! إنَّما أنزلت هذه الآية في قوم مِنْ أهل الكتاب: ثم تلا ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 187] هذه الآية (¬2). وتلا ابن عباس: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]. وقال ابن عباس: سألهم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدُوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتَوْا مِنْ كتمانهم إيَّاه ما سألهم عنه. فأخرج المتكلِّمُون على أطراف الصحيحين هذا الحديث في ترجمة حُميد بن عبد الرحمن عن ابن عباس، وفي ترجمة علقمةَ بن وِقاص عن ابن عباس، ليس فيه لرافعٍ بوَّابِ مروانَ روايةٌ. وطريق حُميد رواها مِنْ ¬

_ (¬1) برقم 2778. (¬2) من قوله: "حتى قوله" إلى هنا، سقط من (أ).

أصحاب الكتب الأربعة: الترمذيُّ والنَّسائيُّ. ووقع في "الكاشف" للذهبي: رافع بواب مروان عن ابن عباس، وعنه علقمة بن وقاص وغيره، وعلَّمَ عليه البخاري والنسائي. وهذا يقتضي أن يكونَ رافعٌ هو الذي روى عنه علقمة بن وقَّاص وغيرُه هذا الحديث، والأرجحُ ما صنعه في الأطراف، ويكون حميدٌ وعلقمةُ قد سمعا قولَ مروان لبوابه، أو سمعا قولَ ابنِ عبَّاسٍ لبوَّابِ مروان الذي هو المسنِد، فلم يرويا ذلك عَنْ رافعٍ أصلًا، فلا يُذْكَرُ رافع في الرواة لهذا الحديث، فإن كان حديث غيره، فلا أدري. فكتب صاحب الترجمة ما نصُّه: الجوابُ، وباللَّه التوفيق: لم يروِ علقمةُ بنُ وقَّاص ولا حميدُ بنُ عبد الرحمن بن عوف عن بوابِ مروانَ بنِ الحكم حديثًا غير المسؤول عنه، إن كان كلٌّ منهما إنما سمع جواب ابن عباس مِنْ رافع على ظاهر سياق رواية هشام بن يوسف، وعبدِ الرزاق، وحجَّاجِ بن محمد المِصِّيصي، بل ولا روى حميدٌ وعلقمةُ المذكوران عن ابن عبَّاسٍ حديثًا غيره فيما أعلم. وقد روى الحديثَ المذكورَ التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ، كلاهما في التفسير، مِنْ طريق حجاج بن محمد نحو سياق مسلم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وليس فيه أيضًا تصريحٌ بأنَّ حُميدًا سمع ذلك مِنَ ابن عباس. وهكذا رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن حجَّاج، وهكذا رواه الطبراني في "معجمه الكبير" عن جعفر بن سُنيد بن داود، عن أبيه، عن حجاج، وهكذا رواه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا المطرِّز، حدثنا الرَّماديُّ -يعني أحمد بن منصور- وابن زنجوية -يعني محمد بن عبد الملك- ومحمد بن إشكاب، وعبَّاس، يعني: ابن محمد الدُّوْري-. قالوا: حدَّثنا حجاج بن محمد مثله. وهكذا رواه الجوزقي في "المتَّفق" من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، عن حجاج، وهكذا رواه أبو نعيم في "المُستخرَج على مُسلم"، من طريق الحسنِ بن محمد بن الصَّباح الزَّعفراني، وعبدِ الرحمن بن يونس الرَّقِّي، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ويوسفَ بنِ سعيد بن مسلم، كلهم عن حجَّاج، لم يختلفُوا عليه في السياق، بل سياقُهم لموضِعِ الحاجة الآن مِنْ هذا الخبر مثل سياق مُسلم سواء.

وأمَّا طريقُ عبد الرَّزاق التي علَّقها البخاري بمتابعة هشام بن يوسف عليه، فقال أبو جعفر بن جرير الطَّبري في "تفسيره": حدَّثنا الحسنُ بن يحيى، حدَّثنا عبدُ الرَّزَّاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني ابن أبي مُلَيكة، أنَّ علقمة بن وقَّاص أخبره أنَّ مروان قال لبوَّابه: اذهب يا رافعُ إلى ابن عباس، فقل له: لئن كان كل أمرئ منّا فرح بما أتى وأحب أن يُحمَدَ بما لم يفعلَ معذَّبًا، لنُعَذَّبَنَّ أجمعون. فقال ابن عباس: مالكم ولهذه. . . فذكر الحديث. وهكذا رواه الإسماعيلي (¬1) في "المستخرج على صحيح البخاري" عن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ، عن أبي عروبة الحُسين بن محمد بن أبي معشر الحراني، عن سَلمَةَ بن شبيب، عن عبد الرزاق به. فاتَّفقَ هؤلاء الثَّلاثة مِنْ أصحاب ابن جريج -وهم: هشامُ بنُ يوسف وعبد الرَّزاق الصَّنعانيان، وحجَّاجُ بنُ محمَّد المِصِّيصي- على سياق القصة. وخالف الصَّنعانيان المصِّيصيَّ في اسم الراوي للقصة، فاتفقا على أنَّه عَنْ علقمَة. وقال حجاجٌ: عن حُميد، فنظرنا: هل نجد لحجاجٍ متابعًا ليَبْعُدَ الترجيحُ بالأكثريَّة ويُرْجَع إلى الجمع، فإذا محمدُ بن عبد الملك بن جريج قد رواه عن أبيه بمتابعة حجاج بن محمد، إلا أنه لم يُسم رافعًا. وأخرجه الإمام الكبير أبو محمد إسحاق بن راهويه في "مسنده" عن رَوْح بن عبادة، حدثنا محمدُ بن عبد الملك بن جريج، عن أبيه، عن ابن أبي مليكة، أنَّ حُمَيْدَ بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان بعث إلى ابن عباس: واللَّه لَئِنْ كان كلُّ امرىءٍ منَّا فَرِح بما أتى وأحبَّ أن يُحمد بما لم يفعل معذبًا، لنُعذّبنَّ أجمعون، فقال ابن عباس: إنما أُنزلت في أهل الكتاب، فذكر الحديث كما تقدم. وهكذا رواه الإسماعيلي في "مستخرجه" من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النَّيسابوريِّ، عن روح بن عبادة، إلا أنَّه لم يَسُقْ لفظه. ¬

_ (¬1) ما في "تغليق التعليق" 4/ 192 أن الذي أخرج هذه الطريق هو أبو نعيم في "مستخرجه" لا الإسماعيلي.

وذَهَل الحاكم فرواه (¬1) في "المستدرك" من طريق إسحاق بن راهويه، وزعم أنَّ الشيخين لم يخرجاه. انتهى. وظاهر سياق رواية محمد يشعر بأن (¬2) حُميدَ بنَ عبد الرحمن كان عند ابن عباس لمَّا جاءه رسول مروان، ويؤيِّدُ ذلك عدمُ ذكرِه الرسول هنا وتسميته؛ لأنه غيرُ مقصود بالرواية. وإذا احتمل هذا في السياق الذي عن حميد بن عبد الرحمن، احتمل مثله في السياق الذي عن علقمة بن وقاص؛ لأنه لا يخلو مِنْ أن يكونَ ابنَ جريج حَفِظَه عن ابن أبي مُليكة عنهما جميعًا، فكان تارة يحدِّث به عن هذا، وتارة عن هذا، أو يكون ابنُ جريج سمعه مِنَ ابن أبي مليكة عن أحدهما، وعندما أدَّاه حدَّث به مرَّةً على الصواب ومرة على الوهم. فإن كان الأول -وهو (¬3) الراجح- وهو ظاهرٌ مِنْ تَصَرُّف صاحبي الصَّحيح، فإنَّهما لا يجعلان الاختلاف مِنْ ثقةٍ حافظٍ على ثقتين حافظين، إذا كان على حدٍّ سواء علة (¬4) قادحة. بل إنما يُعللان هما ومَنْ تبِعَهُما بالاختلاف، حيث يترجَّحُ أحدٌ الثِّقتين على الآخر بوجه قويِّ مِنْ وجوه الترجيح. أو يكونُ التردُّد واقعًا بين ثقةٍ وضعيفٍ. فمثلُ هذا عندهم مِنَ العلل القادحة. وقلَّ أن يُوجَدَ في الكتابين بهذه المثابة شيءٌ بخلاف الأول، ففي الكتاب عدةُ أحاديث كذلك. وإن كان الثاني، بأن كان ابنُ جريج إنَّما سمعه مِنَ ابنِ أبي مُليكة عن واحد، فحدَّثَ به وتارةً على الصواب، وتارةً على الوهم، فيترجَّحُ عندي روايةُ حجاج بن محمد؛ لأنَّه أثبتُ النَّاس في ابن جُريج، وبذلك وصفه الإمامُ أحمد بن حنبل، ومعلَّى بن منصور الرازي، وقدَّمه يحيى بنُ معين على أبي عاصم. وقال إسحاق بن إبراهيم السُّلمي: كان حجَّاجُ بنُ محمد ¬

_ (¬1) "فرواه" ساقطة من (ب). (¬2) في (أ): "بأنه". (¬3) في (ط): "هو"، بدون الواو. (¬4) في (أ): "علته".

نائمًا أوثَق مِنْ عبد الرزاق يقظان. قلت؛ وما يُحكى مِنْ أنَّه اختلط، قد ذكر إبراهيم الحربيُّ أنَّه لم يضرّه الاختلاط، وأن يحيى بنَ معين اجتمع به أوَّلَ ما تغيَّر حفظهُ، فقال لابنه: لا تدخل عليه (¬1) أحدًا. حتى لو سلمنا أنَّه ضرَّه الاختلاط، فإنَّ سماعَ الإمام أحمد منه في غاية الإتقان، ولا سيما وقد تابعه محمد بنُ عبد الملك بن جُريج. ولا ريبَ أنَّ آلَ الرجل إذا كانوا عُدُولًا، أولى بإتقان حديثه مِنْ غيرهم، وأما اتفاق (¬2) هشام وعبد الرزاق، فلا تأثير له؛ لأن سماعهما كان واحدًا، واللَّه أعلم. وقد اعترض الإسماعيليُّ، رحمه اللَّه تعالى، على البخاري في إخراج هذا الحديث [فقال ما نصُّه: رحمَ اللَّه أبا عبد اللَّه، فإنه أخرج هذا الحديث] (¬3)، في "الصحيح"، مع الاختلاف فيه على ابن جريج، فقال عبد الرزاق وهشام: عنه، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة. وقال حجاج: عنه، عن ابن أبي مليكة، عن حميد بن عبد الرحمن. قال: ثم إن مرجِعَ الحديث إلى بوَّابِ مروان، عن ابن عباس. وبوابُ مروان وحرسيُّهُ بمنزلةٍ واحدةِ، ثم لم يذكر -يعني البخاري- حديث عُروة عن مروان، عن بُسرة بنت صفوان في مَسِّ الذَّكَر. ولا فرقَ بينهما، إلا أن البواب مسمًّى والحَرسيُّ غيرُ مسمًّى، وكلاهما غيرُ معروف. فاللَّه يغفرُ لنا وله. انتهى كلامه. والجواب عن الأول، بأنا قد بينَّا أن البخاري لا يُعلِّلُ بمثل هذا الاختلاف إما كان دائرًا على ثقات على شرطه. وأمَّا كونُه لم يخرِّج حديث بُسرة، وهو شبيه بهذا الحديث في الاختلاف فيه على عروة [وهل ¬

_ (¬1) "عليه" ساقطة من (ط). (¬2) في (أ، ح): "إتقان". (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

سمعه] (¬1) من مروان عن بسرة، أو من حرسيِّ مروان، عن بسرة، أو لقِيَ بُسرَة فشافَهها به، فقدِ اختلفَ الرُّواةُ فيه على الأوجه الثلاثة. ونحن، وإن سلَّمنا أنَّ هذا الاختلاف لا يضرُّ الخبر، لأنَّ مروانَ مِنْ رجال البخاري. لا كما توهَّم بعضُ النَّاس أنَّه لا يجوز الاحتجاج به، فعروة قد سمع الخبرَ منه أولًا على كل حال، وإنَّما أراد الاستثبات فيه، فأرسل الحرسيَّ ليستثبتها فيه. ولولا أنَّ الحرسيَّ المذكور كان عند عروة عدلًا، لما اعتمده، كيف وقد صحَّ لنا بالطَّريق الصَّحيح أنَّ عروة سمعه بعدُ مِنْ بُسرة، فقد رواه ابنُ خزيمة في "صحيحه" وابن حِبَّان في "صحيحه" أيضًا عنه، عن محمد بن رافع، عن ابن أبي فُدَيك -وهو محمد بن إسماعيل- عن ربيعة بن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسرة، به. قال عروة: فسألتُ بُسْرَةَ، فصدَّقته. ورواه ابن حبان في "صحيحه" أيضًا، والدارقطني والحاكم من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة، أنَّ مروانَ حدَّثه عن بُسرة به. قال: فأنكر ذلك عروة، فسألَ بُسرةَ فصدَّقته. ورواه الحاكم أيضًا من طريق حماد بن زيد، والمنذر بن عبد اللَّه الحِزَامي، وعنبسة بنِ عبد الواحد، وحُميد بن الأسود، ويحيى بن سعيد القطَّان، كلهم عن هشام، عن أبيه، أنَّه سمعه من بسرة. وقال ابن خزيمة؛ قد سمع عروة خبرَ بُسرة منها، لا كما توهمَّه بعضُ النَّاس أنَّ الخبر واهٍ لطعنه في مروان. انتهى. وقد قدَّمنا أن مروان مِنْ رجال البخاري، فيلزمه على هذا إخراجُ حديثه، إلا أنا (¬2) نقول: يحتمل أن يكون فيه عنده علةٌ غيرُ هذا الاختلاف لم نطَّلع نحن عليها، فلا يلزمه إخراجه، لانحطاطه عن شرطه. نعم، لا يمنعُ ذلك مِنَ القول بصحَّته، لما تقرَّر مِنْ ضيقِ شرطه في "جامعه"؛ لأنّ الترمذيَّ حكى عنه أنَّه صحَّحه، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬2) في (ب): "لأنا".

وأما إشعار كلام الإسماعيلي بأنَّ البخاريَّ إنما خرَّج هذا الحديث، وأعرض عن حديث بسرة، لأن الحَرسيَّ في حديث بُسرة لم يُسمَّ والبواب في حديث ابن عباس قد سُمِّيَ، فليس بصواب. وكذا تعليلُه الخَبَر بأنَّ رافعًا غيرُ معروف، لما قدَّمناه مِنْ سياق محمد بن عبد الملك بن جُريج، الذي أخرج الإسماعيليُّ إسناده فقط، فإنَّ ظاهره أنه مِنْ رواية حُميد بن عبد الرحمن، عن ابن عباس، إذ لا ذِكْر لرافعٍ فيه أصلًا، واللَّه أعلم. وأما ما وقع في "الكاشف" مِنْ ترجمة رافع، فتلك آفةُ الإجحاف في الاختصار، فإنَّ نصَّ المزِّيِّ في "التهذيب": رافع المدني، بواب مروان بن الحكم، أرسله مروانُ إلى ابن عباس يسأله عن قول اللَّه تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: 188]. حكى ذلك عنه حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعلقمةُ بن وقَّاص، وكأنَّهما سمعا منه جوابَ ابنِ عباس، روي له البخاري والنَّسائي. انتهى. وعليه فيه مآخذ: الأول: أنَّ هذا البواب لم يذكرهُ أحدٌ في رجال الصحيحين، لا الكَلَاباذِي، ولا ابن مَنْجُويَة، ولا ابن طاهر، ولا عبد الغني، ولا غيرهم. ولم أرَ أحدًا مِمَّن صنَّف في أسماء الرجال مُطلقًا أفرده بترجمة، لا البخاري، ولا ابن أبي خيثمة، ولا ابنُ سعد، ولا ابنُ حِبَّان، ولا ابن عَدِيٍّ، ولا غيرهم. نعم أورده ابن أبي حاتم مختصرًا جدًا، فقال: رافع المدني بواب مروان روى عن. . . روى عنه. . . . سمعت أبي يقولُ ذلك. هكذا رأيتُه في عدة نسخ من كتاب "الجرح والتعديل"، منها نسخة قديمة جدًا، قُرِئت على أصحاب المصنف قبل الأربعمائة، فلم يذكر شيخه، ولا الرَّاوي عنه، مع أنَّ هذا الحديث الذي جاء ذِكرُه فيه مشهور، قد أخرجه ابنُ أبي حاتم في "تفسيره". فلو كان هو المقصود بالرِّواية فيه، لما خفِيَ عليه حالُ شيخِه والراوي عنه. وكأنَّه لما رأى اسمه في هذا الحديث، احتمل عنده أن يكونَ له روايةٌ غيرُ هذا، فسأل أباه عنه، فلم يستحضر، فكتبه احتياطًا، وبيَّض له، فكأنه لم يذكره.

[القول في حديث "لا تسبوا أصحابي"]

الثاني: أن المِزِّيَّ قد خالفَ ذلك في "الأطراف" تبعًا لأبي مسعود وخلفٍ وابنِ طاهرٍ، فجعل هذا الحديث في ترجمتي حُميد بنِ عبد الرحمن وعلقمة بن وقاص، ولم يذكره في ترجمة رافع. وكذا صنع الحُميدي في "الجمع بين الصحيحين". الثالث: اقتصار المزِّي في ترجمته على ذكر البخاري والنَّسائي عجيبٌ، فإنَّ الخبر المذكور اتَّفقَ مسلمٌ والترمذيُّ والنسائي جميعًا على تخريجه مِنْ طريق حجَّاج بن محمد، وسياق الترمذي والنسائي مثلُ سياق مُسلم كما تقدَّم ذلك. وأما البخاريُّ، فقد ساقه مِنْ طريق هشام بن يوسف مثلَ سياق حجاج، فأيُّ معنى لتخصيص البخاري والنسائي بالذكر، والإضراب عَنْ ذكر مسلم والترمذي؟! هذا ذهول شديد! وهذا الموضع قد تعقَّبناه عليه في "تلخيص التهذيب". وإذا تقرر هذا، فقد تبيَّن أنَّ صاحبَ "الكاشف" تبع صاحب "التهذيب" في وهمه، وزاد عليه بأنْ أوهَمَ أنَّ لرافع رواية أخرى غير المشارِ إليها، ولا وُجودَ لذلك أصلًا، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. [القول في حديث "لا تسبُّوا أصحابي"] الثاني: كتب القاضي جلال الدين ما نصُّه: قال مسلم في فضائل الصحابة -يعني من "صحيحه"-: حدثنا يحيى بن يحيى التَّيمي، وأبو بكر بن أبي شَيْبَة، ومحمدُ بن العلاء. قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا أبو معاوية، عن الأعْمَش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَسُبُّوا أصحابي، لا تَسُبُّوا أصحابي. فوالَّذي نفسي بِيَدهِ لو أنَّ أحدَكُم أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما أدركَ مُدَّ أحدهِم ولا نَصيفَهُ". حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبة، حدثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيءٌ، فسبَّه خالد، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَسُبُّوا أحدًا مِنْ

أصحابي، فإنَّ أحدكم لو أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". حدثنا أبو سعيد الأشجُّ، وأبو كُريب، قالا: حدثنا وكيعٌ عن الأعمش (ح). وحدثنا عبيدُ اللَّه بنُ مُعاذ حدثنا أبي (ح). وحدثنا ابنُ المثنَّى، وابن بشَّار، قالا: حدثنا ابنُ أبي عديٍّ، جميعًا عَنْ شُعبة، عن الأعمش بإسناد جرير وأبي معاوية بمثل حديثيهما، وليس في حديث وكيع وشعبة ذكرُ عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد. انتهى. اقتضى كلامُ مسلم -رحمه اللَّه- أن أبا معاوية رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وأنَّ جريرًا رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، ثمَّ أعقبَ ذلك بان وكيعًا وشعبةَ روياه عن الأعمش بمثل إسنادِ جريرٍ وأبي معاوية وحديثهما (¬1). وهذا قد يَفهم منه أنَّ شعبة ووكيعًا وافقا أبا معاوية وجريرًا على روايته عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن الصحابيين، فيكون مِنْ مسند أبي هريرة ومِنْ مسند أبي سعيد به. وفي "الأطراف" لخلف بعد سياق طريق أبي هريرة: قال أبو مسعود: وهو وَهْمٌ، والصَّوابُ مِنْ حديثِ أبي معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وكذلك رواه يحيى بنُ يحيى، وأبو بكر، وأبو كريب. وقال في مسند أبي سعيد الخدري: حديث "لا تسبُّوا أصحابي". رواه البخاري في فضل أبي بكر رضي اللَّه عنه؛ قال حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد. تابعه جرير وعبد اللَّه بن داود وأبو معاوية ومحاضر عن الأعمش. ورواه مسلم في الفضائل: حدَّثنا عثمانُ بن أبي شيبة، حدَّثنا جريرٌ، ¬

_ (¬1) من قوله: "بإسناد جرير" إلى هنا، ساقط من (ب).

وحدثنا الأشجُّ وأبو كُريب، عن وكيع، وحدثنا عُبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي، وحدثنا ابن مُثنَّى وابن بشَّار، عن ابنِ أبي عديٍّ، كلاهما عَنْ شُعبة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد. انتهى. فعيَّن خلفٌ موافقة وكيع وشعبة لجريرٍ، وفيه نظر ظاهر (¬1). وفي "شرح مسلم" للنووي بعد سياق طريق أبي هريرة هذه: قال أبو علي الجَيَّاني: قال أبو مسعود (¬2) الدمشقي: هذا وهمٌ، والصَّواب: مِنْ حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، لا عن أبي هريرة. وكذا رواه يحيى بنُ يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبةَ وأبو كريب والنَّاس. قال: وسُئِلَ الدَّارقطنيُّ عن إسناد هذا الحديث، فقال: يرويه الأعمشُ. واختلف عنه، فرواه [زيد بنُ أبي أُنَيْسَة عنه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه. واختلف على أبي عوانة عنه، فرواه] (¬3) عفان ويحيى بنُ حمَّاد عن أبي عوانة، عن الأعمش كذلك. ورواه مسدَّد وأبو كامل وشيبان عن أبي عوانة، فقالوا: عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي اللَّه عنهما. وكذلك قال نصر بن علي، عن ابن داود الخُريبي، عن الأعمش. والصَّوابُ مِنْ روايات الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد. ورواه زائدة عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، والصحيح: عن أبي صالح، عن أبي سعيد. فخرج مِنْ كلام الدارقطني أن زيد بن أبي أنيسة وافقَ أبا معاوية على روايته عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هُريرة، وأن أبا عوانة -فيما رواه عفان ويحيى بنُ حماد- وافقَ أبا معاوية أيضًا على روايته عن الأعمش ¬

_ (¬1) "ظاهر" ساقطة من (ب). (¬2) في (أ): "أبو سعيد، خطأ، وهو إبراهيم بن محمد بن عُبيد (ت 401 هـ)، صنف "أطراف الصحيحين"، انظر "السير" 17/ 227. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأنَّ عاصمًا -فيما رواه زائدةُ- وافقَ الأعمشَ على روايته عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأن مسدَّدًا وأبا كامل وشيبان رووه عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد. وكذلك قال نصر بن علي: عن ابن داود الخُريبي، عن الأعمش. ومع ذلك، فقضى الدارقطنيُّ بأنَّ الصوابَ له: عن أبي صالح، عن أبي سعيد. والظاهرُ -واللَّه أعلم- أنَّ ما ذكره البخاريُّ مِنَ المتابعات تصويبٌ، لأنه عن أبي سعيد، فإنه قال: تابعه -يعني شعبة- جريرٌ وعبدُ اللَّه بن داود وأبو معاوية ومحاضِرٌ عن الأعمش. وفي "مسند أحمد ابن منيع" في حديث أبي سعيد الخدري في أوله: حدثنا أبو معاوية، حدَّثنا الأعمشُ، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسبُّوا أصحابي" ثلاث مرات- فإنَّ أحدكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا لم يبلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". وفي "الجمع بين الصحيحين" للحُميدي بعد سياق الحديث مِنْ طريق أبي هريرة في أفراد مسلم في الحادي والخمسين: كذا عند مسلم، ومنهم من يقول: عن أبي سعيد. وفي "الأطراف" (¬1) للمزي في مسند أبي سعيد الخدري في ترجمة الأعمش، عن أبي صالح عنه، حديث "لا تسبُّوا أصحابي، فوالَّذي نفسي بيده، لو أنفقَ أحدُكم ملء أُحدٍ ذهبًا، لما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه". ومنهم مَنْ ذكر قصة (خ) في فضل أبي بكر رضي اللَّه عنه. وعن آدم، عن شعبة، عنه، به. قال: وتابعه جريرٌ وابن داود -وهو عبد اللَّه بن داود- وأبو معاوية، ومحاضر عن الأعمش (م) في الفضائل عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، وعن أبي سعيد الأشجّ وأبو كريب، كلاهما عن وكيع، كلاهما عنه، به. وعن أبي موسى وبندار، كلاهما عن ابن أبي عدي، وعن عُبيد اللَّه بن معاذ، عن أبيه، كلاهما عن شعبة به، (د) في ¬

_ (¬1) انظر "تحفة الأشراف" 3/ 342 - 345.

السُّنة عن مُسدَّد، عن أبي معاوية، عنه، به. (ت) في المناقب، عن الحسن بن علي الخلَّال، عن أبي معاوية. وعن محمود بن غيلان، عن أبي داود، عن شعبه، به، وقال: حسن صحيح. (س) فيه، عن محمد بن هشام، عن خالد بن الحارث، عن شعبة به. (ق) في السُّنة، عن محمد بن الصباح، عن جرير به. وعن علي بن محمد، عن وكيع، به، وعن أبي كُرَيْب، عن أبي معاوية، به (ز). هكذا رواه النَّاس عن أبي معاوية، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب، ثلاثتهم عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، [عن أبي هريرة ووهم عليهم في ذلك، وإنَّما رووه عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح] (¬1) عن أبي سعيد، كذلك رواه الناس كلهم، بل رواه (ق) (¬2) عن أبي كريب أحد شيوخ (م) فيه. ومِن أدل دليل على أنَّ ذلك وهمٌ وقع منه في كتابته، لا في حفظه، أنَّه فكر أولًا حديث أبي معاوية، ثمَّ ثنَّى بحديثِ جريرٍ، وذكر المتن وبقيَّة الإسناد عن كلِّ واحدٍ منهما، ثم ثلَّث بحديث وكيع، ثم رَبَّع بحديث شُعبة، ولم يذكر المتنَ ولا بقيَّة الإسناد عنهما، بل قال: عَنِ الأعمش بإسناد جرير وأبي معاوية بمثل حديثهما، إلى آخر كلامه. فلولا أن إسناد جرير وأبي معاوية عنده واحدٌ، لما جمعهما جميعًا في الحوالة عليهما، والوهم تارةً يكونُ في الحفظ، وتارةً في القول، وتارة في الكتابة (¬3)، وقد وقع منه الوهم هاهنا في الكتابة. واللَّه أعلم. وقد وقع في بعض نسخ "ابن ماجه": "عن أبي هريرة"، وهو وهم أيضًا، وفي رواية إبراهيم بن دينار عن ابن ماجه "عن أبي سعيد" على الصواب. لكن ابن دينار لم يذكره إلا مِنْ رواية وكيع وحده، ورواه محمد بن جُحَادة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد كرواية الجماعة. ورواه سفيانُ الثوريُّ عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬2) كذا في الأصول، وفي تحفة الأشراف: "كذلك رواه النَّاس عنهم كما رواه (ق) ". (¬3) في (ب): "الكتاب".

أبي هريرة. وكذلك رواه زيدُ بن أبي أُنيسة (¬1) عن الأعمش مِنْ رواية محمد بن سَلَمَة الحرَّاني، عن أبي عبد الرحيم [عنه به] (¬2). ورواه أبو عوانة عَنِ الأعمش، عن أبي صالح عنهما جميعًا (¬3). وما ذكره عَنْ بعض نسخ "ابن ماجة" هو كذلك في نسختين في ترجمة فضل الأنصار: حدثنا محمَّدُ بن الصباح حدَّثنا جرير. (ح) وحدَّثنا علي بن محمَّد، حدَّثنا وكيع. (ح) وحدَّثنا أبو كُرَيْب، حدثنا أبو معاوية. جميعًا عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسبُّوا أصحابي، فوالَّذي نفسي بيده، لو أنَّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". وهنا أمران: أحدهما: أنْ يدَّعيَ توهيمَ مُسلمٍ في روايته عَنِ الثَّلاثة، عن أبي معاوية، كما فعله أبو مسعود والجيَّاني وخلفٌ والمزِّيُّ. والثاني: أنّ يدَّعي تصويبَ أنَّه عنِ الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد، لا عن أبي هريرة مطلقًا، كما صنع الدَّارقطنيُّ، وخرج مِنْ كلام المزيِّ أنَّ سفيان الثَّوريَّ رواه عنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وقد اقتضى كلامُ مَنْ ذكرنا أن زيدَ بنَ أبي أُنيسة وسفيان الثَّوريَّ وأبا عوانة -في رواية-[رووه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وأن عبدَ اللَّه بن داود -في رواية- وأبا عوانة في رواية] (¬4) روياه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وأنَّ جريرًا وشعبة ووكيعًا ومحمَّد بن جُحَادة وابنَ داود -في رواية- وأبا مُعاوية، في رواية غير مسلم، ومُحاضِرًا، رَوَوه عَنِ الأعمش، عَنْ أبي صالحٍ، عن أبي سعيد. ¬

_ (¬1) في (أ): "زيد بن سلمة"، خطأ. (¬2) "عنه به" ساقطة من (أ). (¬3) إلى هنا ينتهي كلام المزي في "تحفة الأطراف". (¬4) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

فعن عبد اللَّه بن داود روايتان، وعن أبي عوانة روايتان. وانفرد برواية أبي هريرة زيدُ بنُ أبي أنيسة وسفيان الثوري عن الأعمش، ووافقهما رواية زيد عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وانفرد برواية أبي سعيد جريرٌ وشُعبةُ ووكيعٌ ومحمَّد بنُ جُحادة ومحاضرٌ عن الأعمش، ولم يُتَابَع الأعمش في هذه كما تُوبع في تلك. وهذا الحَمْلُ متعلِّقٌ بالثاني، وأما الأول فكيف يُقضى بالوهم على الإمام مسلم رحمه اللَّه، والمُثْبِتُ مقدمٌ على النَّافي؟ ويجوز أن يكون عن أبي معاوية الروايتان. ومسلم الذي يُشدِّد في "حدثنا"، و"أخبرنا"، كيف يخفى عليه مثل هذا؟ وقول المِزِّيِّ: "ومِنْ أدلّ دليل على أنّ ذلك وهم" جمع أبي معاوية وجرير في أن أحال عليهما طريقَ شعبةَ ووكيع إلى آخره. فيه نظر. بل يُفهم مِنْ كلام مُسلم ما قدَّمناه، وهو أنَّ وكيعًا وشعبةَ يوافقان أبا معاوية وجريرًا، بدليل قوله: في إسنادهما وحديثهما. ولو كان الإسنادُ مخالفًا لما قال ذلك، بل كان يأتي بما يقتضي ذلك. وغالبُ الحوالات في مسلم إنَّما هي في الحديث، فلمَّا قال هنا في إسنادهما وحديثهما دلَّ على ما قلناه. ولو فُتِحَ هذا البابُ، لما بَقِيَ وُثُوق بما في الكُتب الصَّحيحة المعتمدَةِ. فعلى هذه النُّسخة التي وقفتُ عليها مِنْ "ابن ماجه" رواية أبي كُريب عن أبي معاوية على وِفْقِ ما رواه مسلمٌ عن أبي كُريب، عن أبي معاوية، وروايةُ ابن ماجه عَنْ وكيع، تُوافقُ ما قد يُفْهَمُ مِنْ كلام مسلمٍ كما بدأنا به. ثمَّ راجعتُ حديث الأعمش الذي جمعه الإسماعيليُّ مِنْ حديثه، فوجدتُه أخرج في أحاديث شعبةَ عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ذلك، لكن مِنْ غير الطريق التي رواها مسلمٌ عن شُعبة، فقال: حدَّثنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، حدثنا أبو بدر -يعني عبَّاد بن الوليد الغُبَري- حدَّثنا حجَّاجُ -هو ابن نصير- حدَّثنا شُعبةُ، عن سُليمان، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه "لا تسبُّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفقَ مِلْءَ الأرض، أو مثل

أُحُدٍ، ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". ثم قال: حدَّثنيه أبو بكر بن عمير، حدَّثني رباح بن محمد بن إبراهيبم الواسطي، قال: وحدثنا ابن عُمير، حدَّثنا عبد اللَّه بن المغيرة المقرئ، حدَّثنا حجَّاجُ بنُ نُصير، حدَّثنا شعبة بإسناده عن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه، عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثله. ووجدنا فيه حديث زيدِ بن أبي أُنيسة، عن الأعمش، فقال: أخبرني الحسنُ بنُ أحمد المالكي، حدَّثنا مَخْلد بنُ مالك، حدَّثنا محمَّدُ بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي أُنيسةَ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن [أبي هريرة] (¬1) رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسبُّوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مِثلَ أُحُدٍ ذهبًا، لم يُدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". ثم قال: حدَّثنيه ابنُ عُمير، حدَّثنا أبو أحمد جعفر بن محمد الحرَّاني الورَّاق حدَّثنا مخلدُ ابنُ مالكٍ، حدثنا محمَّد بنُ سلمة بإسناده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مثله. فقد ظهر بهذه الرواية عن شعبة الاختلافُ على شعبة أيضًا، لكن في إسنادهما حجاج بن نصير الفساطيطي. وفي "الميزان": حجّاجِ بن نُصير الفساطيطي، بصري، عن شُعبة وُقرَّة والطَّبقة، وعنه الدَّرامي والكجِّي. قال يعقوبُ بنُ شيبة: سألتُ ابنَ مَعين عنه، فقال: صدوق، ولكن أخذوا عليه أشياء في حديث شعبة. وقال عليُّ بنُ المديني: ذهب حديثه. وقال أبو حاتم: ضعيف، يُترك حديثُه. وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال النَّسائي: ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة، وقال أبو داود: تركوا حديثه. وقال الدارقطني: ضعيف. وأما ابن حبان، فذكره في "الثقات"، فقال: يخطىءُ وَيهِم. قال الذَّهبيُّ: لم يأتِ بمتنٍ منكر، ووجدنا في "ترتيب فوائد تمام الرازي" رواية وكيع بن الجراح عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، ورواية إسرائيل [عن الأعمش] (¬2)، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، ثم رواية زائدة عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ولفظه: كان ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ). (¬2) "عن الأعمش"، ساقطة من (ب).

[جواب ابن حجر عن الحديث]

بينَ عبدِ الرحمن بن عوف وبين خالد بن الوليد -يعني. بعض ما يكون بين النَّاس- فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعُوا لي أصحابي، إنَّ أحدكم لو أنفقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، لم يبلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". [جواب ابن حجر عن الحديث] فكتب صاحب الترجمة ما نصه: الحمد للَّه وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. أما بعدُ، فقد وقفَ العبدُ على هذه الفوائد الفرائد، والجواهر الزَّواهر، فلم يجدها أبقَتْ مقالًا لقائل، ولا مرمى لمناضل. وحاصلُ الأمر: أنَّ المسألة تتعلَّقُ بحديث الأعمش عن أبي صالح في النَّهي عن سبِّ الصحابة رضي اللَّه عنهم، هل هو عَنْ أبي هريرة، أو أبي سعيد، أو عنهما جميعًا. فقد تلخص في هذه الفوائد جميع ما يتعلَّقُ بتحرير ذلك، ومحلُّ النَّظر إنَّما هو فيما رواه مسلم عن مشايخه الثَّلاثة: يحيى بن يحيى، وأبي كُريب، وأبي بكر بن أبي شيبة، ثلاثتهم عَنْ أبي معاوية، هل راوية هؤلاء عن أبي معاوية أنَّ الحديث مِنْ مسند أبي هريرة أو أبي سعيد، ولا يفصِلُ الأمر في ذلك إلا النَّظرُ فيمن رواه عن هؤلاء الثَّلاثة غيرُ مسلم، فإن وجدنا مَنْ رواه عنهم، أو عن أحدهم، وافق مسلمًا، أو وجدنا بعضًا وافقه، وبعضًا خالفه، حسن القول بأنه كان عند أبي معاوية على الوجهين إن استوى الجميع في الحفظ والإتقان. وإن وجدناهم أطبقُوا على مخالفته، فنرجِّحُ روايتهم على روايته، إذ العدد الكثيرُ أولى بالحفظ مِنَ الواحد، كما قال إمامنا الشافعي رضي اللَّه عنه. فأمَّا أبو بكر بن أبي شيبة، فلم نجده مِنْ روايته عن أبي معاوية إلا مِنْ مسند أبي سعيد، كذلك أورده في "مسنده" وفي "مصنَّفه" جميعًا. وكذلك أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه على مُسلم" عَنِ الطَّلحي، عن عُبيد بن غنَّام، عن أبي بكر بن أبي شيبة. وأما أبو كريب، فوجدناه مِنْ رواية ابن ماجه عنه، إلا أنَّ نسخ "ابن ماجه"

اختلفت فيه؛ ففي بعضها: عن أبي هريرة، وفي بعضها: عن أبي سعيد. ورأيت هذا الحديث في نسخة الحافظ زكي الدين المنذري، وقد كتب في الحاشية بخطه: عن أبي سعيد، وضَبَّبَ على أبي هريرة في الأصل، فيحتمل أن يكونَ اعتمد على قولِ صاحب "الأطراف" مِنْ أنَّ أبا كُريب إنَّما رواه مِنْ حديثِ أبي سعيد، ويحتملُ (¬1) أن يكون تبين له بطريقٍ أُخرى. ثم وجدته في أصلٍ عتيقٍ جدًا، تاريخُ الأسْمِعَة فيه في سنة سبع وسبعين وثلثمائة، وقد قُرىء على أصحاب أصحاب ابن ماجه (¬2)، وهو في نهاية الضبط والتحرير. ووجدته فيه: "عن أبي سعيد الخُدري" مِنْ غير تردُّد. وسنبين فيما بعدُ أنَّه يتعين أنْ يكونَ عنده: عَنْ أبي كُريب مِنْ مُسند أبي هريرة. وأما يحيى التميمي، فلم أقف عليه منْ روايته الآن. وظهر لي مِنْ سياق أبي نُعيم الأصفهاني في "مستخرجه على صحيح مسلم". أن الحديث عند مسلم عَنْ هؤلاء الثلاثة إنَّما هو مِنْ حديث أبي سعيد. وبيانُ ذلك أنَّه قال ما نصه: حدَّثنا أبو بكر الطَّلحي، حدَّثنا عُبيد بن غنَّام، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. (ح). وحدثنا عبد اللَّه بنُ محمَّد ومحمدُ بنُ إبراهيم، قالا: حدَّثنا أحمدُ بنُ علي -هو أبو يعلى الموصلي- حدَّثنا أبو خيثمة. (ح). وحدَّثنا جعفر بنُ محمد، حدثنا أبو حُصين الوادعى، حدَّثنا يحيى بنُ عبد الحميد. (ح). وحدَّثنا أبو بكر بن مالك، حدَّثنا عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، حدَّثني أبي. (ح). ¬

_ (¬1) "ويحتمل" ساقطة من (أ). (¬2) في (أ): "عن أصحاب ابن ماجه".

وحدَّثنا أبو عمرو بنُ حمدان، حدَّثنا الحسنُ بنُ سفيان، حدَّثنا أحمد بن جوَّاس أبو عاصم، قالوا: أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، فذكر الحديث. وقال في آخره: لفظ أبي بكر [رواه مسلم عن أبي بكر،] (¬1) ويحيى بن يحيى، وأبي كريب، كلهم عن أبي معاوية. فظاهر هذه العبارة يقتضي أنَّ مسلمًا إنَّما رواه عَنْ هؤلاء الثلاثة، عن أبي معاوية بالإسناد الذي ساقه أبو نعيم. ويؤيِّدُ ذلك اصطلاحُه في جميع كتابه "المستخرج" على نحو ذلك، إذا أخرجَ الحديثَ على الموافقة أو البدلية، ينتهي بالإسناد إلى الشيخ الذي اتَّفق إسنادُه وإسنادُ مسلم فيه، ثمَّ يُحيل على الباقي. وعلي هذا، فلعلَّ الخللَ الواقعَ في نُسَخ "صحيح مسلم" مِنَ الرواة عنه، ويبرأ هو حينئذٍ مِنَ الوهم. ويُقوِّي ذلك أنَّ الدارقطنيَّ قد جزم في "العلل" بأنَّ الصواب أنه مِنْ مسندِ أبي سعيد، ولم يتعرَّض في كتاب "التَّتبُّع" لهذا الإسناد. ولا لكونِ مسلمٍ وهمَ فيه. فالظاهر أنَّ الوهمَ ممَّن دُونَ مسلمٍ. وأمَّا ما وقع عند ابن ماجه، فلا ريبَ أنَّه غلط، لأنه قَرَنَ بين روايات وكيع وجرير وأبي معاوية، وصيَّرها كُلَّها عن أبي هريرة. وقد أطبق المصنِّفون على أنَّ رواية جريرٍ ووكيع لهذا الحديث عن الأعمش إنَّما هو مِنْ حديثِ أبي سعيد، فرواه مسلمٌ كما تقدَّم مِنْ حديثهما. وهكذا رواهُ أبو نُعيم في "المستخرج" مِنْ طريق إسحاق بن راهويه وأبي خيثمة زهير بن حرب ومحمد بن مهران، كلهم عَنْ جريرٍ من حديثِ أبا سعيد أيضًا. ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النَّوع الثامن مِنَ القسم الثالث عن محمد بن إسحاقَ بن إبراهيم، وهو أبو العباس السَّرَّاج، قال: حدَّثنا محمد بن الصَّباح، حدَّثنا جرير، فذكره مِنْ مسند أبي سعيد. ومحمد بن الصباح، هو شيخ ابن ماجه في هذا الخبر. وقد صيَّره أبو العباس السَّراج، وهو مِنَ الحُفَّاظ، إذ رواه عنه عن أبي سعيد. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

وكذلك رويناه في كتاب "فضائل الصحابة" لِطراد بن محمد بن علي الزَّينبي، حدَّثنا أحمد بن محمد بن عمر المعدل إملاءً، حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مسلم، حدَّثنا عبدُ اللَّه بن أحمد بن الحسن الحرَّاني، حدَّثنا داود بن عمر -وهو الضَّبِّي، حدَّثنا جريرُ بنُ عبد الحميد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: كان بينَ خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلامٌ، فذكر القصَّة والحديث. وهكذا رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، عن أبيه عن جرير. وكذا رواه ابنُ عساكر في "تاريخه" في ترجمة عبد الرحمن بن عوف، من طريق نصر بن زياد عن جرير. وأما رواية وكيع، فرويناها في كتاب "فضائل الصحابة" له مِنْ مسند أبي سعيد، وكذا رويناها في "نسخته" رواية إبراهيم بن عبد اللَّه العبسي القصَّار عنه، كذلك مِنْ حديث أبي سعيد. وكذلك رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن وكيع، ورواه البزَّار في "مسنده" عن عمرو بن عليِّ الفلَّاس عن وكيع كذلك. وكذا رواه خيثمةُ في "فضائل الصحابة"، والهيثم بن كليب الشاشي في "مسنده"، كلاهما عَنِ القصَّار، عن وكيع، وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه المستخرج على مسلم" عن محمد بن إسماعيل الأحمسي، وإبراهيم بن عبد اللَّه القصَّار وابن أبي رجاء المصِّيصي، كلهم عن وكيع كذلك. وكذا رواه الجَوزقي في "المتَّفق" من طريق الأحْمسي وعبد اللَّه بن هاشم الطوسي، كلاهما عن وكيع. وكذا رواه ابن حبان في "صحيحه" عن الحسين (¬1) بن عبد اللَّه القطان، عن موسى بن مروان، عن وكيع كذلك. وكذا رواه تمام في "فوائده" والبيهقي في "السنن الكبير" مِنْ طريق ¬

_ (¬1) في (ط): "الحسن"، تحريف، وانظر صحيح ابن حبان الرقم 7253.

إبراهيم بن عبد اللَّه، عن وكيع كما ذكرنا. وقال البيهقي بعده: رواه مسلمٌ عن أبي سعيد الأشج وغيره، عن وكيع. وكذا أخرجه الحافظ أبو بكر بن مَنْجُويَة في آخر الجزء التاسع من "فوائد أبي زكريا المُزَكِّي" (¬1) من طريق إبراهيم بن عبد اللَّه، عن وكيع، وقال بعده: أخرجه مسلم عَنْ أبي كُريب وغيره عن وكيع، وكذا صنع الحافظ أبو محمد بن الأخضر في "تخريجه لفوائد شُهدة الكاتبة". فقد ظهر أن روايتي وكيعٍ وجريرٍ عن الأعمش إنما هي مِنْ مسند أبي سعيد. فإن كان ما وقع في "ابن ماجه" مِنْ جَمْعِه بين روايات الثلاثة، وجعلها مِنْ مسند أبي هريرة منه، فقد وهم في ذلك بلا شك، وإن كان لم يُخرِّجْهُ مِنْ رواية الثلاثة إلا مِنْ حديث أبي سعيد، ووقع الخللُ في ذلك مِنَ الرُّواة عنه -وهو المتبادر إلى الذهن- فيقوَى حينئذٍ أنَّ رواية أبي كُريب له عَنْ أبي معاوية إنَّما هي مِنْ مسند أبي سعيد. فتوافق رواية الأئمةِ له عَنْ أبي معاوية، ولا سيما وفيهم مثلُ أحمد بن حنبل، وأبي خَيْثَمة، وأحمد ابن مَنيع، ومَسدَّدٍ، والحسن بن عليِّ الحلواني، وغيرهم مِنَ الحفَّاظ الأَثبات. فيقوِّي ما جزم به الدارقطني وغيره. وقد وقع لي هذا الحديث [عاليًا جدًا من حديث] (¬2) أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد، أوردته في "تغليق التعليق" (¬3) وهو ما قرأت على المحبِّ محمد بن محمد بن محمد بن منيع، أن عبد اللَّه ابن أبي التائب أخبره، أخبرنا إسماعيل بن أحمد العراقي، عن شُهدة، أن طِرَاد بن محمد أخبرهم، أخبرنا أبو نصر بن حسنُون، أخبرنا أبو جعفر بن البختري، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية، ¬

_ (¬1) في (أ): "المربي"، تحريف. وهو يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري، مترجم في السير 17/ 295. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬3) 4/ 60.

عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، الحديث. هكذا أخرجه الحافظ أبو علي البَرداني في كتاب "فضائل الصحابة" لطراد، وقال بعده: رواه مسلم عن يحيى بن يحيى وغيره، عن أبي معاوية. وهذا الإطلاق يشبه ما تقدَّم عن أبي نعيم الحافظ. وممَّن رواه عن أبي معاوية، فجعله من مسند أبي سعيد غيرُ من تقدَّم ذكرُه: الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، وعبد اللَّه بن هاشم، وسعيدُ بن يحيى الواسطي، وعليُّ بن حرب الطَّائي، ومحمدُ بن جامعٍ العطَّار، وعلي بن الجعد. ورويناه في "جُزء" علي بن عبد العزيز البَغَوي عن أبي عُبيد القاسم بن سلام عن أبي معاوية. وكذا أخرجه أبو عبيدٍ في "غريب الحديث" له. وقال الجوزقي في "المتَّفق"؛ أخبرنا مكِّيُّ بن عَبْدان، حدَّثنا عبد اللَّه بن هاشم، وهو الطُّوسي، حدَّثنا أبو معاوية، فذكره كذلك. وقال خيثمة بنُ سليمان في "فضائل الصحابة": حدثنا خلفُ ابن محمَّدٍ الواسطي، حدثنا سعيدُ بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، به. وكذلك رويناه في "فوائد" أبي محمد عبد اللَّه بن علي الأبنوسي انتقاء أبي علي البرداني له، من طريق الحافظ الفقيه أبي بكر بن زياد النيسابوري، حدثنا عليُّ بن حرب، حدثنا أبو معاوية، فذكره. وستأتي رواية محمد ابن جامع قريبًا إن شاء اللَّه تعالى. وقال ابن حبان في "صحيحه" في النوع الثالث من القسم الثاني: أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصُّوفي، حدَّثنا عليُّ بن الجعد، حدثنا شُعبة وأبو معاوية، عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي سعيد الخُدري، فذكره. فقرن عليُّ بنُ الجعد في روايته بين شعبة وأبي معاوية. وكذا رويناه في "أمالي محمد بن إسماعيل الورَّاق" عن عُمر بن إسماعيل بن أبي غيلان. وكذا رويناه في "البشرانيات" عن الورَّاق مثله.

وهكذا رواه الإسماعيلي في "صحيحه" عن محمد بن يحيى أبي بكر المروزي، وأبي القاسم البَغَوي، وغير واحد، كلهم عن علي بن الجعد مقرونًا. قلت: ولا يصحُّ عَنْ شعبةَ إلا مِنْ حديث أبي سعيد. وقد وَهِم فيها أبو مسعود الرَّازي على أبي داود الطيالسي، فحدَّث بها عنه، عن شعبة، فقال: عَنْ أبي هريرة، حكى ذلك الخطيبُ وسيأتي. وأمَّا رواية حجاج بن نُصير الفَسَاطيطي، فَوَهِم فيها على شعبة، وقد نصَّ على ذلك أبو عبد اللَّه بن مَنْده في بعض تخاريجه (¬1). وقد رواه أحمد بن حنبل في "مسنده" أيضًا عن محمد بن جعفر غُنْدَر، وأبي النضر هاشم بن القاسم، عن شعبة مِنْ مسند أبي سعيد. [وكذا رواه أبو داود الطَّيالسي في "مسنده" عن شعبة"]، (¬2)، وكذا رواه أبو مسلم الكَجِّي في "السنن" له، عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة. وكذا رواه الحسن بن سفيان في "مسنده" عن عبيد اللَّه بن معاذ بن مُعاذ عن أبيه، عن شُعبة، كما ذكره مسلم. وأخرجه الإسماعيلي في "صحيحه" عَنِ الحسن كذلك، وأبو نُعيم في "مستخرجه" عن أبي عمرو بن حمدان، عن الحسن بن سفيان. ورواه أبو عوانة في "صحيحه" مِنْ رواية شُعيب بن حرب، عن شعبة كذلك. ورواه الإسماعيلي عن محمد بن يحيى المروزي، عن عاصم بن علي، عن شعبة مثله. وكذلك رويناه في الجزء الثامن مِنْ "أمالي المَحَاملي" رواية ابن خُرَّشيد قُوله عنه، قال: حدَّثنا محمد بن عبد اللَّه بن يزيد بن حيان، حدثنا شبابة بن سوَّار، عن شُعبة به. فهذا محمَّد بن جعفر غُنْدَر، وهو مِنْ أحفظ أصحاب شعبة وعلي بن الجَعْد، وهو أيضًا مِنَ الأثبات، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعمرو بنُ مرزوق، ومُعَاذ بن معاذ العنبري، وشبابةُ بن سَوَّار، وأبو داود الطيالسي، ¬

_ (¬1) في (أ، ح، ط): "تاريخه"، تحريف. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

وهو مِنَ المُقدَّمين في حفظ حديث شعبة، وخالد بن الحارث، وشعيبُ بن حرب، وعاصم بن علي بن عاصم الواسطي، وغيرهم مِنْ حُفَّاظ أصحاب شعبة، قد رووه عنه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، فلا تُعادِلُ روايةُ حجاج بن نصير روايتهم، بل جزمَ الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو البزَّار في "مسنده" بأنَّ الأعمش إنَّما رواه عَنْ أبي صالح، عن أبي سعيد، فإنَّه رواه عن عمرو بن علي، عن وكيع، كما تقدَّمتِ الإشارةُ إليه، وقال عَقِبَهُ: هذا الحديث رواه الأعمشُ عن أبي صالح، عن أبي سعيد، ورواه عاصمُ بنُ بهدلة، وزيدُ بن أسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ثم قال: والطَّريقان عندي جميعًا صحيحان. قلت: وروايةُ زيد بن أسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة لم أقف عليها بعدُ. بل وقفت على روايةِ زيدِ بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري في المعنى. رواه ابنُ مردويه في "التفسير" مِنْ وجهين صالِحَيْن إلى زيدِ بن أسلم، به. فإن كان إسنادُ الرِّواية التي أشار إليها البزَّارُ صحيحًا إلى زيد بن أسلم، فتقْوى رواية عاصم بها، ويصحُّ قولُ البزَّارِ: إن الطريقين صحيحان، واللَّه أعلم. وممَّن رواه عن الأعمش غيرُ مَنْ تقدَّم، فجعله مِنْ مسند أبي سعيد، سوى مَنْ تقدم: قال عبدُ بنُ حُميد في "مسنده": حدثنا أحمدُ بنُ يونس، حدثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسبُّوا أصحابي". الحديث. وكذا رواه خيثمةُ في "فضائل الصحابة" له عن الجِنِيني، عن أحمد بن يونس. وكذا رويناه في الجزء الثاني من "فوائد أبي الفتح الحدَّاد" رواية السِّلفي عنه، مِنْ طريق عاصم بن يوسف اليربوعي، عن إسرائيل. ورواه البرقاني في "المصافحة" عن عبد اللَّه بن عمر الجوهري،

حدَّثكم محمَّدُ بن أيوب، أنبأنا أحمد بن يونس، بسنده: "لا تسبُّوا أصحابي، دَعُوا لي أصحابي، فإنَّ أحدكم لو أنفق [كلَّ يومٍ] (¬1) مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، لم يبلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". قال البرقاني؛ استحسنتُ قوله فيه: "كلَّ يوم"، مع حُسْنِ إسناده. وقال أبو عوانة في "صحيحه": حدثنا موسى بن إسحاق القوَّاس، حدَّثنا يحيى بنُ عيسى الرملي، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، مثله. [وقال مُسدَّدٌ في "مسنده": حدثنا عبد اللَّه بن داود الخُرَيْبي، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، مثله] (¬2)، وهذه الطريق هي التي أشار إليها البخاري في مَنْ تابع شُعبة. ورويناه في "فوائد" أبي الحُسين عبد اللَّه بن إبراهيم الزَّبيبي (¬3)، حدَّثنا أبو معشر الحسن بن سُليمان بن نافع الدَّارمي البصري، حدثنا محمَّد بن جامع العطَّار، حدثنا أبو معاوية، ووكيعٌ، وعبد اللَّه بن داود، ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، به. وقال ابن أبي خَيْثَمة في "تاريخه": حدثنا ابنُ الأصبهاني، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: فذكر نحو حديث شريك، إلا أنه قال: "ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفَه". وقال أيضًا: حدثنا ابنُ الأصبهاني، حدثنا شريك عن الأعمش، عن أبي صالح، عن رجل مِنْ أصحاب النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسبُّوا أصحابي، فوالَّذي نفسي بيده، لو أنَّ أحدكم أنفقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما بلغ رُبْع أحدهم ولا نَصِيفَه". ¬

_ (¬1) "كل يوم" ساقطة من (أ). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في الأصول: "الزينبي"، تحريف. وهو عبد اللَّه بن إبراهيم بن جعفر بن بيان، أبو الحسين الزبيبي البغدادي، مترجم في سير أعلام النبلاء 16/ 258.

ولا يضرُّ هذا الإبهام، لأنَّ شريكًا كان في حفظه شيءٌ بعد ولايته القضاء، فلعلَّه شكَّ فيه فأبهمه. وسأل ابنُ أبي حاتمٍ أباه عن رواية شريك هذه، فقال: قد رواه أبو الأحوص عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وهو الصَّحيح. وقد تقدَّمت روايةُ إسرائيل عن الأعمش مضافةً إلى تخريج تمَّام، فحصل لنا أنَّ جريرًا ووكيعًا وشُعبة وعبد اللَّه بن داود الخُرَيبي ومحاضِرَ بنَ المورِّع، وروايته علَّقها البخاريُّ، ورويناها موصولة في الجزء الثانى من "فوائد أبي الفتح الحداد" رواية السِّلفي من طريق أحمد بن يونس بن المسيَّب الضَّبيِّ، عن محاضر، وقد بينت ذلك في "تغليق التعليق" (¬1). وإسرائيل (¬2) بن يونُسَ، وأبا الأحوص سلَّام بن سُليم، وأبا بكر بن عياش، ويحيى بنَ عيسى الرملي، رَوَوْهُ عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد مِنْ غير خلاف عنهم في ذلك، إلا ما رواه حجاجُ بنُ نصيرٍ عَنْ شعبة، وإلا ما حكاه الخطيبُ عَنْ أبي مسعود، عن أبي داود، عن شُعبة، وإلا ما حكاه الدارقطنيُّ والخطيبُ أنَّ نصرَ بنَ علي رواه عن عبد اللَّه بن داود. وهاتان الروايتان شاذَّتان، لأنَّ شعبة إنَّما رواه عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، كما قدمناه. وكذا أبو داود، إنَّما رواه في "مسنده" عن شُعبة من حديث أبي سعيد، لا مِنْ حديث أبي هريرة. وأمَّا حجاجٌ فلا يُحْتَجُّ به إذا تفرَّد، فكيف إذا خالف! وكذا رواية عبد اللَّه بن داود الخُرَيبي قد ذكرنا أنَّ مسدَّدًا رواها في "مسنده" على الصواب الذي أشار إليه البخاري، ومُسدَّدٌ مسدَّد. واللَّه أعلم. وأما رواية زيدِ بن أبي أنيسة، فقد رواها الطبراني في "الأوسط" عن أحمد بن علي الأبَّار، عن مخلد بن مالك، كما تقدم إسناده مِنْ عند ¬

_ (¬1) 4/ 62. (¬2) قوله: و"إسرائيل" متمم لقوله: "ومحاضر بن المورع".

الإسماعيلي في مسند الأعمش، وقال بعده: لم يروه بهذا السند إلا زيدُ بنُ أبي أُنيسة، ورواه شعبةُ وغيرُه عَنِ الأعمش، عن أبي صالحٍ عن أبي سعيد. فهذا -الطبراني مع سَعَةِ حفظه- يجزِمُ بأنَّ شعبة إنَّما رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، لا عن أبي هريرة. وهكذا جزم عليُّ بن المديني في "العلل" بأنَّ الأعمش إنَّما رواه عَنْ أبي صالح، عن أبي سعيد، وأنَّ زائدة رواه عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. قال: والأعمشُ أثبتُ في أبي صالح مِنْ غيره. فإمَّا أن يكون لم تقع له روايةُ حجَّاجِ بن نُصير، أو لم يعتدَّ بها لضعفه. وروى هذا الحديث الدارقطنيُّ في كتاب "الأفراد" له مِنْ طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشَّوارب، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وذكر أنَّ بعض مشايخه تفرَّد بزيادة لفظةٍ فيه، ولم يذكر في "العلل" أنَّ ابن أبي الشوارب رواه لما ذكر اختلاف أصحاب أبي عوانة عليه فيه. وقد اختُلِفَ على أبي عَوَانة اختلافًا يدلُّ على أنَّه كان يشكُّ فيه. قال ابن شاهين: حدثنا الباغندي، حدَّثنا شيبانُ بنُ فرُّوخ، حدَّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عَنْ أبي سعيد، فذكره. وسيأتي في كلام الخطيب أنَّ أبا كاملٍ الجَحْدَرِي ومُسدَّدًا وافقا شيبان بن فَرُّوخ على الشَّكِّ فيه، وأنَّ عفان بن مسلم ويحيى بن حماد روياه عنه، فقالا: عن أبي هريرة. وأبو عَوَانةَ كان يحدِّث مِنْ كتابه ومن حفظه، فحيث يحدِّثُ مِنْ كتابه، فهو ثبت، وحيث يحدِّث مِنْ حفظه، فيشُكُّ أو يَهِمُ. وعلي هذا يُحْمَلُ اختلافُ هؤلاء الحفَّاظ عنه. وروى الدارقطني في هذا الكتاب حديثَ محمد بن جُحادة عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وقال: تفرَّد به داودُ بن الزّبرقان عنه. قلت: وداود بن الزبرقان كذَّبه إبراهيم بن يعقوب الجُوزَجاني، وضعَّفه

الجمهور، ونقل ابنُ حِبَّان في كتاب "الضعفاء" أنَّ أحمد بن حنبل حَسَّنَ القولَ فيه. قال الدارقطني: وخالفه الحسن بن أبي جعفر، فرواه عَنْ محمد بن جُحادة، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد. انتهى كلامه. قلت: وحديثُ الحسن هذا أخرجه خيثمةُ بن سليمان في "فضائل الصحابة" له عن عبد اللَّه بن أحمد بن أبي مَسَرَّة، عن محمد بن عبد الملك الأزدي، حدَّثنا الحسن بن أبي جعفر، عن محمد بن جُحادة، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد، عن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "لا تقولُوا في أصحابي إلا خيرًا، فوالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيده. . . " فذكر الحديث. والحسن المذكور ضعَّفه جماعةٌ ووُصِفَ بالصِّدق، وقال ابنُ عديِّ: إنَّ له عَنْ محمد بن جحادة نسخةً مستقيمةً، فعلى هذا، فروايتُه لهذا الحديث أقوى مِنْ رواية داود بن الزِّبرقان. وأمّا ما وقع في "الأطراف" مِنْ أنَّ محمد بنَ جُحادة رواه عَنِ الأعمش، عن أبي صالح، فهو وَهْمٌ مِنَ المصنِّف، فإنَّ محمد بن جُحادة إنَّما رُوِيَ عنه، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، بلا واسطة الأعمش. وقد قدَّمنا قولَ الدَّارقطني: إن داود بن الزبرقان تفرَّد به عنه، وكذلك رويناه في الجزء الثالث مِنْ "حديث أبي طاهر المُخَلِّص" انتقاء البَقَّال، قال: حدثنا محمَّدُ بن هارون -هو أبو حامد الحضرمي- حدَّثنا محمد بن معاوية -هو الأنماطي- حدَّثنا داودُ بن الزبرقان، به، وليس فيه "الأعمش". وكذلك هو في الجزء الخامس مِنْ "حديث المخلص" انتقاء أبي الفتح بن أبي الفوارس بهذا الإسناد. وكذا رويناه في الجزء السادس عشر من "البِشْرانيَّات"، قال: أنبأنا محمد بن زيد بن علي الأنصاري، حدثنا عبد اللَّه بن ناجية، حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي، به. وطالعت "مسند محمد بن جحادة"، جمع أبي القاسم الطَّبراني، فلم أجد هذا الحديث فيه، لا في ترجمة أبي صالح، ولا في ترجمة الأعمش. وكذا طالعتُ "مسند محمد بن جحادة"، جمع أبي بكر الخرائطي، فلم أجد

فصل

فيه هذا الحديث أيضًا. ومع تفرُّد داود بن الزبرقان به، فقد رُوِيَ عنه عن غير محمد بن جحادة، رويناه في الجزء التاسع من "البشرانيات"، قال: أخبرنا ابن نافع، حدثنا موسى بن هارون، حدثنا مُحْرِز بنُ عون، حدَّثنا داود بن الزبرقان، عن أبي الأشهب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تسبُّوا أصحابي". الحديث. قال أبو الفتح بن أبي الفوارس: غريبٌ من حديث أبي الأشهب، صحيح مِنْ حديث أبي سعيد. فصل وأما طريق زائدة التي ذكرها الدَّارقطنيُّ، فرواها أبو عبد الرحمن النَّسائي في "السنن الكبرى" له، عن حفص بن عُمر، عن حسين بن علي، ورواها أبو بكر الرُّوياني في "مسنده" عن أبي كريب، ورواها أبو بكر البزَّار في "مسنده": حدثنا أبو كُريب ويوسُف بن مُوسى، قالا: حدَّثنا حُسين بن علي -هو الجُعفي- عن زائدة -هو ابن قُدامة- عن عاصم -هو ابن أبي النَّجُود- عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهما بعضٌ ما يكونُ بين النَّاس، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "دعوا لي أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، لم يبلُغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه". قال البزارُ: لم يروه عَنْ عاصم إلا زائدةُ، تفرَّد به حسين. قلت: وكذا رويناه عاليًا في "جزء محمد بن عاصم الثَّقفي"، حدثنا حُسين الجعفي مثلَه سواء. ومن طريقه رواه أبو القاسم بن عساكر في "تاريخه" في ترجمة عبد الرحمن بن عوف، وقال: المحفوظ حديثُ أبي صالح عن أبي سعيد. انتهى. ورواه ابن عساكر أيضًا من طريق محمد بن يحيى بن الضَّريس، عن حُسين بن علي، عن زائدة -أظنه عن الأعمش- عن عاصم، عن أبي صالح

عن أبي هريرة. وقوله: أظنُّه عن الأعمش، زيادة لا حاجة إليها، وهي وَهْمٌ (¬1) ممن رواها. وأما حُكم الدارقطنيِّ وغيره بصحَّة حديث أبي صالح عن أبي سعيد، لا عن أبي هريرة، فإنّه صَدَرَ بالنِّسبة إلى التَّرجيح بين عاصمٍ والأعمش، فإنَّ الأعمش أحفظُ مِنْ عاصم وأتقن، كما تقدم. وكأن الدارقطنيَّ لم يقف على رواية زيد بن أسلم التي ذكرها البزَّار، أو وقف عليها ولم يعتدَّ بها، لضعف إسنادها. وقد حصل هنا خلافان: أحدهما: اختلاف الأعمش وعاصم. والأعمش أحفظُ منْ عاصمٍ، فروايتُه مقدَّمةٌ. والثاني: خلافُ أصحاب الأعمش عليه. وقد قدَّمنا أنَّ الأكثر روَوْهُ عنه، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، فما عدا ذلك يكون شاذًا، واللَّه أعلم. وقد اتَّفق النُّقَّادُ على توهيم (¬2) ما وقع في "صحيح مسلم" مِنْ أنَّه عن أبي هريرة، فتقدم حكاية ذلك عن الدارقطني وأبي مسعود الدمشقي، وكذا رأيته في "علل الأحاديث التي في صحيح مسلم" لأبي الفضل بن عمار الشهيد. واللَّه أعلم. وقد ذكر الخطيب هذا الحديث في بعض تخاريجه من طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، عن أبي عوانة كما مرَّ، وقال في الكلام عليه: خالفه عفَّان بن مسلم ويحيى بن حماد، عن أبي عوانة، فقالا: عن أبي هريرة، وخالفهما مُسدَّد وأبو كامل الجحدريُّ وشيبانُ بن فرُّوخ عن أبي عوانة، فقالوا: عن أبي هريرة أو أبي سعيد على الشَّكِّ. وكذا قال نصر بن علي، عن عبد اللَّه بن داود الخُرَيْبي عن الأعمش، ورواه مسدَّد عن الخُرَيْبي، فقال: عن أبي سعيد وحده مِنْ غير شكٍّ، ورواه زيدُ بنُ أبي أُنيسة عَنِ الأعمش، فقال: عن أبي هريرة. وكذا قال ¬

_ (¬1) "وهم" ساقطة من (أ). (¬2) في (ب، ح): "توهم".

[حديث رأيت عيسى وموسى وابراهيم]

أبو مسعود أحمد بن الفرات الرَّازي: عن أبي داود الطَّيالسيُّ، عن شعبة، والصحيح عَنْ أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، رضي اللَّه عنه. واللَّه أعلم (¬1). فصل [حديث رأيت عيسى وموسى وابراهيم] وقد مرَّ بي في المطالعة في "صحيح البخاري" شيءٌ مِنْ حقِّه أن يُذكر هُنا، وذلك أنَّه قال فيه في كتاب أحاديث الأنبياء في قصة مريم: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا إسرائيل، أنبأنا عثمان بنُ المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عُمر رضي اللَّه عنهما، قال: قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رأيتُ عيسى وموسى وإبراهيم. فأما عيسى، فأحْمرُ جَعْدٌ، عريضُ الصَّدْرِ، وأما موسى، فآدَمُ جسيمٌ سَبْطٌ، كأنه مِنْ رجال الأزْدِ". انتهى. قال أبو مسعود في "الأطراف": إنَّما رواه محمد بنُ كثيرٍ عن إسرائيل، عن عثمان، عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وكذلك رواه إسحاق بن منصور السَّلُولي، وابن أبي زائدة ويحيى بنُ آدم وغيرهم عن إسرائيل. انتهى. وقال أبو ذر الهروي في "حاشية الصحيح" ما نصُّه: هكذا وقع في سائر الروايات المسموعة عن الفِرْبَري: "مجاهد" "ابن عمر"، فلا أدري: أحدَّث به البخاريُّ هكذا، أو غلط فيه الفِرْبَري؟ لأنني رأيتُه في سائر الروايات عن ابن كثير وغيره: "مجاهد عن ابن عباس"، وهو الصواب. حدثنا موسى بن عيسى السَّرَّاج لفظًا، حدثنا عثمان بن أحمد بن سليمان، حدثنا حنبلُ بن إسحاق، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا إسرائيل، عن ¬

_ (¬1) أشار الحافظ أبي حجر إلى ما تقدم من كلامه على هذا الحديث في "تغليق التعليق" 4/ 62، فقال: وقد تكلمت على هذا الحديث، وجمعت طرقة في جزء مفرد. وقال في "فتح الباري" 7/ 36: وقد أمليت على هذا الموضوع جزءًا مفردًا، لخَّصت مقاصده هنا بعون اللَّه تعالى.

عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "رأيتُ عيسى وموسى عليهما السلام، فأمَّا عيسى، فأحمر جَعْدٌ عريضُ الصَّدر، وأمَّا موسى، فآدم سَبْطٌ، كأنَّه مِنْ رجال الزُطِّ". قالوا له: وإبراهيم؟ قال: "انظروا إلى صاحبكم". قال: ورواه عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن كثير كذلك. وهكذا رواه نصرُ بن علي، عن أبي أحمد الزُّبيري، عن إسرائيل، وكذا رواه يحيى بنُ زكريا بن أبي زائدة، عن إسرائيل. [انتهى. وكذلك رواه الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" عن أسود بن عامر شاذان، عن إسرائيل] (¬1). وكذا رواه الطبراني في "المعجم الكبير" عن أحمد بن محمد الخُزاعي، عن محمد بن كثير، به. وأخرجه الإسماعيلي في "صحيحه"، قال: حدثنا الوزَّان، حدثنا نصر بن علي، أخبرنا أبو أحمد الزُّبيري، حدثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، فذكر مثل سياق حنبل بن إسحاق بتمامه، إلا أنَّه لم يقل: قالوا له، وأما إبراهيم (¬2). ولم يتعرَّض الإسماعيلي لكون البخاري قال فيه: عن ابن عمر، أو أنَّه وَهِمَ في ذلك كعادته في التعقُّب على البخاري، فاقتضى ذلك أنَّ النُّسخة التي كان الإسماعيليُّ يخرِّجُ عليها كانت على الصَّواب، ويَقوَى الظنُّ حينئذٍ بأنَّ الوهم مِمَّن دُون البخاري. وأخرجه أبو عبد اللَّه بن منده في كتاب "الإيمان"، له عن محمد بن أحمد بن إبراهيم، عن موسى بن سعيد الطرسوسي، وعن محمد المذكور، عن محمد بن أيوب، كلاهما عن محمد بن كثير، فقال: مجاهد عن ابن عباس، وقال في آخره: أخرجه البخاري عن محمَّد بن كثير، فقال: مجاهد ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ط). (¬2) في (أ): "وقال إبراهيم".

[القول في التفريق بين جنادة بن أبي خالد وجنادة بن أبي أمية]

عن ابن عُمر. والصواب: ابن عباس. وذكر الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" أنَّ الشيخين أخرجاه جميعًا من طريق عبد اللَّه بن عون، عن مجاهد، عن ابن عباس بلفظ: "أمَّا إبراهيم، فانظُروا إلى صاحبكم. وأما موسى فجَعْدٌ آدم على جملٍ أحمرَ". الحديث. قال: ورواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن محمد بن كثير، عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عمر، فذكره، قال: وزاد البرقاني في روايته: فقيل له: فإبراهيم؟ قال: "شيبه صاحبكم". قال: وليست هذه اللفظة عند البخاري فيه، ثم حكى كلامَ أبي مسعود المتقدِّم بمعناه. ورواية البرقاني التي أشار إليها أخرجها مِنْ طريق أبي أحمد الزُّبيري كما ساقها الإسماعيلي، وقال فيه: "مجاهد عن ابن عباس"، على الصواب. وإنَّما كتبتُ هذا الحديث هنا لمشابهته للوهم الواقع في الحديث الذي في أوَّل المسألة، لأن أبا صالح لما كان كثيرَ الرِّواية عَنْ أبي هريرة وأبي سعيد جميعًا، سبق القلم مِنْ أحدهما إلى الآخر. إما مِنَ المؤلف، أو ممن بعده. وكذلك القول في مجاهد، لما أن كان كثير الرِّواية عن ابن عباس وعن ابنِ عمر رضي اللَّه عنهما جميعًا، سبق القلمُ مِنْ أحدهما إلى الآخر، إمَّا مِنَ المؤلف أو ممَّن بعده، واللَّه سبحانه وتعالى الموفق، لا إله إلا هو. قلت: وكفى بهذين الجوابين دلالة على وُفور باعه في سعة حفظه، ومزيد نقده واطلاعه. [القول في التفريق بين جنادة بن أبي خالد وجنادة بن أبي أميَّة] ومن ذلك أن شيخه الحافظ أبا الحسن الهيثمي أورد في كتابه "مجمع الزوائد" حديث أبي الدرداء: "مَنْ مشى في ظُلمة ليلٍ إلى مسجدٍ، آتاه اللَّه نُورًا يومَ القيامة" وعَزَاه للطبراني، وقال: إنَّ في إسناده جُنادة بن أبي خالد، ولم أجد مَنْ تَرْجَمه. فتعقَّبه الحافظ وليُّ الدين العراقي بأنَّ جُنادة إنَّما هو

ابن أبي أُمية. قال: وقد أخرج ابنُ حِبَّان حديثه هذا في "صحيحه" (¬1). فقال شيخُنا صاحبُ التَّرجمة ردًا على ابن العراقي: ليس هو جُنادة بن أبي أمية وإن أخرج حديثه ابن حبان، فإن الذي في هذا الحديث من طريق الطبراني يُروى عن مكحول، ويروي عنه زيدُ بن أبي أنيسة. وأما ابنُ أبي أميَّة، فتابعيٌّ كبير. وقد أثبت أكثرُهم صحبته، فيبعُد أن يروي عن مكحول. فالظَّاهرُ أنَّه غيره، ولأنَّ زيدَ بنَ أبي أنيسة لم يلحق ابن أبي أمية، انتهى. فتعقَّبه ابن العراقي بقوله: والذي أخرج حديثه ابنُ حبان هو عنده أيضًا عَنْ مكحول، والراوي عنه زيدُ بن أبي أنيسة، فهما واحد. ولم يقل أحد: إنَّ جنادة بن أبي أمية اثنان، لكن ابن حبان قال لما أخرجه: هكذا حدثنا أبو عروبة، فقال: جنادةُ بن أبي أمية، وإنما هو جنادةُ بن أبي خالد، وجنادةُ بن أبي أمية مِنَ التَّابعين، أقدم مِنْ مكحول، وجنادةُ بن أبي خالد مِنْ أتباع التابعين، وهما شاميَّان ثِقَتان. انتهى كلام ابن حبان. فتعقَّبه صاحبُ التَّرجمة أيضًا بقوله: قلت: فترجَّحت حينئذٍ راوية الطبراني، وصحَّ أنَّ الحديثَ عن جُنادة بن أبي خالد، لا عن جُنادة بن أبي أُمية، وظهر أنَّهما اثنان. وأما قوله (¬2): لم يقل أحدٌ: إنَّ جنادة بن أبي أمية اثنان، فهو حَصْر مردُود. فقد جزم غير واحد أنَّ جنادة بن أبي أُمية اثنان، وقد أوضحت ذلك في "كتابي في الصحابة" (¬3) وباللَّه التوفيق. قلت: ووقع له نظيرُ هذا مع القاضي عَلَم الدين البُلْقيني في مسألة فقهية في الطلاق، أفتى أحدهما فيها، وتعقَّبه الآخرُ بحيث ترددت (¬4) إدارتها بينهما، لا نطيل بإيرادها. ¬

_ (¬1) برقم 2046. (¬2) في (أ): "قولهم"، خطأ. (¬3) انظر "الإصابة" 1/ 256 - 257. (¬4) في (ب، ح): تكررت.

[عنايته بالكتب]

[عنايته بالكتب] وبالجملة، فهذه أمورٌ لا تُحصر، وكَثْرَةُ حفظه ونقده أشهرُ مِنْ أن تُذكر. ولو لم يكن مِنْ ذلك إلا أنه كان قلَّ أن يقف على كتاب حديثيِّ أو علمي أو أدبي، إلا ويُقيّدُ فيه ما لا يُستغنى عنه، إما مِنَ اعتراضِ على مؤلِّفه في تصرُّفه، أو مثبتًا حجة فيما نقله، أو استدراك لما لم يذكُره أو سقط أو تحريف، إلى غير ذلك مما لا يُحتاج إلى دليل. حتى كتب على "الكشَّاف" و"حاشيته" للشيخ سعد الدين، حتى في عدد آي سُور القرآن، أصلح في أول سورة (ص) (¬1) منه عدد آياتها، كما أسلفناه، وربَّما كتب ما نصه: سقط شيءٌ، أو هنا سقط، أو يشيرُ إشارةً، وله في كل ذلك مقاصدُ جميلةٌ. ولما عرضتُ عليه "العمدة" وجَد بظاهرها حديثًا باطلًا، فكتب عليه بخطه: هذا كذبٌ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وكذا لما عَرَض عليه بعضُ أصحابنا "العُمدَة" أيضًا، وجد فيها كتابة سندٍ، فكتب: سقط منه اثنان. وأما فهرست أبواب الكتب ومسائلها وكذا المجاميع، فهو شيءٌ كثيرٌ في علومٍ جمَّةٍ، يعرف بركة ذلك مَنْ أكثر المطالعة والمراجعة، خصوصًا في التَّصانيف التي ليست على ترتيبٍ مألوفٍ، فجزاه اللَّه عن المسلمين خيرًا. ولخَّص مقاصد كثيرٍ مِنْ كُتب الأوقاف تلخيصًا يحصُل به تمامُ الغرض ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "سورة الحج".

في الزمن اليسير. وقفتُ مِنْ ذلك على وَقْف المارستان المنسوب للمنصور قلاوون، ووقْفِ المدرسة الشيخونية. وكان إذا رأى خطأً في شيء من الأصول القديمة، وأصلحه بالهامش (¬1)، يكتبُ تاريخ إصلاحه كما فعل في "البخاري"، في حديث: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بارزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل، فضَبَّب في نسخة النَّاصرية على لفظ جبريل، وكتب بالهامش: صوابه رجل. كتبه ابن حجر سنة ست وعشرين وثمانمائة. قلت: وقد يسَّر اللَّه إصلاح عدة أماكن لا بدَّ مِنْها في هذه النسخة، حيث قرىء عليَّ فيها في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، لكن أصلحت مِنْ غير تعيين، فلله الحمد. وكتب بخطه على فتيا أجاب عنها قاضي القُضاة علم الدين، وعَزَا النَّقلَ فيها "للبحر" ما نصه: أمَّا "البحر" فكثير عجائبه. وكذا كتب له في موضع آخر، فقاقِع (¬2) ما تحتها طائل، ودعوى لا تسوى سماعها. والعجب أنَّه كان يُطالعُ المصنَّف، ويقيدُ عليه بخطه الفوائد النَّفسية على عادته، ثمَّ يقفُ عليه بعد دهر، فيعيد نظره فيه، لظنِّه أنَّه ما رآه قبلُ، وربما توهَّم أنَّ خطَّه خطُّ بعضِ مَنْ يَشْتَبِه خطُّه به. فحكى لي العلامةُ الفريدُ قاضي المذهب الحنبلي العز العسقلاني، قال: جئتُه يومًا ومعي مجلد، فأخذه مني، وصار يُمعن النَّظر فيه، وسألني: أعلمتَ لِمَنْ هذا المجموع؟ فقلت: أظنُّه للأبناسي، فقال: ما دليلك على هذا؟ فقلت له: وجدتُ فيه وصولًا -أو نحوه- بخطه فقال: ليست في الأبناسي هذه اللَّباقةُ، يعني: أن المجموع ليس مِنَ الفنون التي يتصرف فيها. قال: وكلُّ هذا وهو يطالعه، إلى أن أتى على آخره وقد مر بموضعٍ عليه حاشية، فقال: وهذا خطُّك باعتراض عليه أو نحوه. ولما انتهى وفارقته، رجعتُ فتصفَّحت المجموع، ¬

_ (¬1) "بالهامش" ساقطة من (أ). (¬2) في (ح) "قعاقع".

[تعقباته على الكتب]

لأنظر اعتراضي فيما كتبتُه بخطي، كما أشار إليه، فإذا هو خطُّه نفسُه! قال: وكذا اتَّفق لي معه؛ رأيتُ مجلدًا من كتابٍ كبيرٍ في الأحكام، جمع فيه أصولًا عدَّةً، يشتمل المجلَّدُ على الحج، أو الصيام، وهو الغالب على ظنِّي. وعليه خطُّه. فوقع في خاطري أنَّه ربما يكون مِنْ كُتبه وباقيه عنده. فأمرت الدَّلال أن يأتي به إليه ففعل، فنظره، وقال: هذا ما رأيتُه قطُّ. إلى غير ذلك مما لا يضبط. ومِن ذلك أن النَّواجي -فيما بلغني عنه- حكى أنَّه وقف على كتابٍ غريبٍ، فأحضره لصاحب الترجمة، فأخذه منه، واستغربه. قال النَّواجي: فصرتُ في نفسي مسرورًا مِنْ أجل أنّني أوقفتُه على كتابٍ لم يقف عليه، وهو يبالغُ في تصفُّحه وتأمُله، فلم ألبث أن قال: وها خطّي عليه باعتراض أو نحوه. قلت: وهذا لكثرة ما طالع وبُعْدِ المدة بين المرتين. وماذا عسى أن يكون، فسبحان من لا يغفل. [تعقُّباته على الكتب] وقد رأيت تمام الفائدة بإيراد شيء مما كان يتعقَّبه بالهوامش ونحوها. [الأربعون التساعيات لأبي علي الصيرفي] فمنه: أنَّه نبَّه على أن الحديث الثامن والثلاثين (¬1) من "أربعي" المحدِّث الشهير أبي علي الحسن بن علي اللَّخمي الصَّيرفي والتساعيات (¬2) صوابُه أن يكون عُشاريًا، سقط منه على المخرِّج رجلٌ ما تَنَبَّه له، وهو بين أبي الحسم بن عبد كُوْية وأحمد بن عبد الرحمن بن يونس الرَّقيِّ، واستدل لذلك، ثم قال: وأظنُّ أنَّ الساقط هو أبو القاسم الطبراني الحافظ، فإن ابن ¬

_ (¬1) في (أ): "والثلاثون"، خطأ. (¬2) في (أ): "السباعيات"، تحريف.

[الأربعون العشاريات لابن الجزري]

عبدكُوية مِنَ المكثرين عنه، وهو -أعني الطبراني- فقد أخرج الحديث المنبَّه عليه في "معجمه الصغير" في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن المذكور. ثم وقف شيخُنا على الجزء الذي خرَّج ابن الصيرفي الحديث منه، فوجده كما ظنَّ. [الأربعون العشاريات لابن الجزري] ونحوه ما كتبه بخطه على "العُشاريات الأربعين" التي خرَّجها ابن الجَزَري لنفسه: هذه قد انتزعها كلَّها مِنَ "الأربعين العشاريات" لشيخنا أبي الفضل العزاقي إلا الحديث الحادي عشر، فأخرجه عن الحسن بن أحمد بن الهبل، أخبرنا الفخر، أخبرنا ضياءٌ وغيره إجازةً، أخبرنا أبو بكر بن النَّقُّور، أخبرنا علي بن عمر الحربي، حدَّثنا عُبيد اللَّه بن عبد اللَّه الصَّيرفي، حدَّثنا داود بن صعير حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي (¬1)، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "كلامُ أهل السماوات لا حولَ ولا قوة إلا باللَّه". وهو مِنْ ثاني "الحربيات"، وإيرادُ هذا في "العُشاريات" غلطٌ منه. قال: ووقع له في خطبتها مِنَ الأوهام غيرُ ذلك، واللَّه المستعان (¬2). [الكامل لابن عدي] ومنه ما كتبه على "الكامل" لابن عدي، حيث قال في ترجمة مالك بن إسماعيل النَّهدي: قال السعدي: كان حسنَيًّا، يعني: الحسن بن صالح، على عبادته وسوء مذهبه. ¬

_ (¬1) في (ب): "الشامي"، تحريف. وأبو عبد الرحمن السلمي، هو عبد اللَّه بن حبيب بن ربيعة. (¬2) وقال الحافظ ابن حجر في "المجمع المؤسس" 3/ 227 في ترجمة أبن الجزري. وخرّج لنفسه "أربعين عشارية" لقطها من "أربعي" شيخنا العراقي وغيرها، فيها أشياء ووهم فيها كثيرًا، وقد بيَّنت وهمه في كرّاسة.

[الأنساب لابن السمعاني]

فتعقَّبه بأن أبا غسَّان مالكًا، وإن كان مِنْ أصحاب الحسن بن صالح، لكن لم يُردِ السَّعديُّ نسبته إلى الحسن، وإنما قال: إنه خشَبِيٌّ، بمعجمتين، يريد: أنه رافضي قال: وشرحُ ذلك يطول، وهو معروف في غير هذا الموضع. [الأنساب لابن السمعاني] ومنه ما كتبه على "الأنساب" لابن السمعاني، حيث قال في ترجمة الجريري: بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، نسبة إلى مذهب محمد بن جرير الطبري. قال: وكان منهم إبراهيم بن يعقوب الجُوزجاني، ثم نقل عن ابن حبان أنَّه قال فيه: إنه جريريُّ المذهب، ولم يكن داعية. فتعقبه بقوله: لم ينسُبه ابن حبان لمذهب محمد بن جرير، وإنما نسبه لمذهب حَرِيز بن عثمان، وهو بالحاء المهملة، ثم راء، ثم زاي، ولو لم يكن في هذه إلا مخالفة التاريخ، فإنَّ إبراهيم المذكور في طبقة شيوخ محمد بن جرير، ومات بعد مولد محمد بن جرير بأربع وعشرين سنة، فكيف يكون على مذهبه وهو في عداد شيوخه. [تعقُّبه أبا عليٍّ الصدفي] ومنه وقد كتب الحافظ أبو علي الصَّدَفي شيخ القاضي عِياض بهامش نسخته التي بخطه من "صحيح البخاري"، قُبيل صدقة الفطر بأبواب عند قوله في (باب ما يستخرج من البحر): وقال اللَّيث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هُرمز، عن أبي هريرة، أن رجلًا مِنْ بني إسرائيل، فذكر حديث الخَشَبة والألف دينار: رواها عاصم بن علي عن اللَّيث. والبخاري قد حدَّث عن عاصم، فَلِمَ لَمْ يُسند هذا الحديث، فلعله لم يسمعه من عاصم، أو لعله لم يتواطأ في روايته عَنِ اللَّيث. وقد رواه أيضًا محمد بن رُمح بن المهاجر عن اللَّيث ما نصه: كأنَّ الصَّدفي ما وقفَ على توصيل البخاري لهذا الحديث عَنِ اللَّيث،

[شرح البخاري لمغلطاي]

وهو في البيوع في بعض الرِّوايات عَنِ البخاري، قال في آخره: حدثني أبو صالح، حدثنا اللَّيث بهذا، ورواه عَن اللَّيث غيرُ مَنْ ذُكر. وقوله: ولعله لم يتواطأ عَنِ اللَّيث، فيه إشارة إلى أَن البخاريَّ لا يخرِّجُ حديثَ مَنْ انفرد برواية (¬1) شيءٍ لم يواطئه عليه غيره. وهو شيءٌ أشار إليه الحاكم، وجزم ابن العربي به وآخرون، وليس بصحيحٍ، مع أنه أثبت أنَّ عاصمًا تُوبع عن اللَّيث. [شرح البخاري لمُغلطاي] ومنه ما كتبه على قول الحافظ علاء الدين مُغَلْطاي في مقدمة "شرحه للبخاري": وأما القطعة التي شرحها شيخُنا أبو محمد المَنْبجِي -يعني القطب الحلبي- وإن كان معظم فوائدها عَن المتأخرين مُبتَّرة، وأكثرُ ألفاظهم فيها متكرِّرة، غيرُ محررة، فهي بكتاب الأَطراف أشبه منها بالشَّرح. فقال ما نصه: كذا قال، وقد قال الكِرماني عن "شرح مُغَلْطاي" ما نصُّه: وأمَّا الذي ألَّفه العالم المشهور بمغلطاي التُّركي المصري، فهو بكتُب تَتْمِيم الأطراف أشبه، وبصحف تصحيح التَّعليقات أمثل، وكأنه من إخلائه جلّ مقصودِ الكتاب على ضمان، ومِنْ شرح ألفاظه وتوضيحِ معانيه على أمان. قال شيخُنا: فعوقِبَ مُغلطاي على إساءته على شيخه. [تعقُّبه أبا زرعه العراقي] ومنه (¬2) متعقِّبًا على أبي زُرعة ابن شيخه العراقي فيما كتبه على الحافظ علاء الدين مُغَلْطاي الحنفي إذ كتب على بعض الأجزاء الحديثيّة -كما قرأته بخط مغلطاي-: أنبأنا به ابن البخاري، عن أبي جعفر الصَّيْدَلَاني، إلى ¬

_ (¬1) في (أ): "من انفرد به وأنه شيء. . . ". (¬2) وردت هذه الفقرة في (ط) بعد الفقرة التي فيها التعقب على الحافظ ابن رجب.

[تعقبه الحافظ ابن رجب الحنبلي]

آخره. وكانت كتابةُ مغلطاي لقوله: "به" على كشط يُمكن أن يكون كان فيه بدلها: "جماعة عن"، فقال الحافظ أبو زرعة ما نصه على ما قرأته بخطِّه أيضًا: أمَّا أنت، فلم تدركِ ابنَ البخاري، وأمَّا أنا، فقد سمعتُ على خَلْقٍ كثيرين، وأجازوا لي، وهم سمِعُوا على ابن البخاري، وأجاز لهم. فكتب صاحب الترجمةِ فيما نقلته مِنْ خطه؛ اللَّه المستعان، الخطابُ بقوله: "أنت"، لكاتب الخطِّ الأعلى، وهو الشيخ علاء الدين مُغَلْطاي، شيخ شيوخ كاتب الخط الثاني، وما أدري أي موضع لقوله: "أما أنت وأما أنا". ولم يتقدَّمه في كلام الشيخ ما يقتضي أنْ يَتَعقَّبَ بمثل ذلك. فانظرُوا وتعجَّبُوا. ثمّ إنَّ بين الكتابتين التي (¬1) بخط مغلطاي قشطًا، ويظهر لي أنه كان فيه واسطة بينه وبين ابن البخاري، لكن ذكر لنا شيخُنا والدُ كاتب الخط الثاني أنَّ مُغلطاي كان يدَّعي في آخر أمره أنَّ ابنَ البخاري أجازَ له، وأنَّ مولده قبل وفاته بسنتين، وكان شيخُنا يذكرُ ذلك عنه وينكره، واللَّه أعلم. [تعقُّبه الحافظ ابن رجب الحنبلي] ومنه وقد وقف على حواشي كتبها ابن رجب على نسخة من "القراءة خلف الإمام" للبخاري (¬2) فيها وصفُه له بالميل ونوع هوى وغلبةِ التَّعصُّب، وأنذَ عليَّ بن المديني ليس بفقيه، ولو لزم البخاريُّ أحمدَ وتفقَّه به، كان خيرًا له مِنْ لزوم علي بن المديني وتخبيطه، إلى غير ذلك. فكتب شيخنا ما نصه: الحواشي التي فيه بخط الشَّيخ زين الدين بن رجب الحنبلي البغداد نزيل دمشق. ولقد أظهر فيها مِنَ التَعصُّب والتَّهوُّر ما كان ينبغي له أن يتنزَّه عنه. ولكن مَنْ يبلغ به الغضبُ إلى أن يقول في علي بن المديني: [إنه] ليس بفقيه، يسقطُ معه الكلامُ والسَّلام، كأنَّه ما ¬

_ (¬1) في (أ): "اللتين". (¬2) وهذه النسخة محفوظة في مكتبة الفتح في تركيا برقم (1131)، وهي في غاية النفاسة، عليها سماعات كبار العلماء؛ مثل الحافظ المزي وابنته زينب وزوجها الحافظ ابن كثير، والحافظ ابن حجر وعبد الرحمن القلقشندي وغيرهم.

[الحكاية الرباعية المنسوبة للبخاري]

طرق سمعه قولُ البخاري: إنَّه ما رأى أعلم مِنْ علي بن المديني، وقد رأى أحمدَ وتلك الطَّبقة وطبقة قبلَهم بقليل. [الحكاية الرباعية المنسوبة للبخاري] ومنه مقابل الحكاية الرباعية (¬1) المنسوبة للبخاري التي في آخر "جزء اليُونارتي" ما نصه: يقولُ الفقير أحمد بن علي بن حجر: إنني منذ قرأتُ هذه الحكاية إلى أن كتبتُ هذه الأسطر وقلبي (¬2) نافر [من صحتها. مستبعد لثبوتها، تلوحُ أماراتُ الوضع عليها، وتلمَعُ إشارات التلفيق فيها] (¬3)، ولا يقع في قلبي أنَّ محمد بن إسماعيل يقول هذا ولا بعضَهُ، وأما قول القائل الذي في آخره: إن هذا خير مِنْ ألف حديث، فكذب لا مزيد (¬4) عليه (¬5). [تعقُّبه ابن جماعة في العَروض] ومنه ما كتبه عند سياق العز ابن جماعة لِمَا أنشده أبو منصور بن شَكْرَويه في "أماليه"، وهو قوله: لو أنني أعطيتُ سُؤلي لما ... سألتُ إلا العَفْوَ والعافيه فكم فتًى قد بات في نعمةٍ ... فسُلَّ منها اللَّيْلَةَ الثَّانيه وزيادته واوًا في أولهما وإبداله "إلا" بلفظ "سوى". فقال: كأنَّه توهم مِنْ إثبات الأول أنَّ الشِّعر مِنَ المُتقارب، ورأى أن لا يفسد ¬

_ (¬1) "الرباعية" ساقطة من (ب). (¬2) في (أ): "وقلمي". (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬4) في (أ): "لأمر يدلُّ عليه"، تحريف. (¬5) ورد في هامش (ب) ما نصه: تعقب ذلك المتبولي، فقال: إيراد القاضي عياض والجلال السيوطي لهذه الحكاية شاهدة بأنها ليست موضوعة عندهما. ومن ذكر سندها، فهو أبسط لعذره على تقدير وضعها، وكان ينبغي لمن جزم بوضعها أو أشار إليه، أن يتبيَّن له ذلك من حيث السند، واللَّه أعلم. انتهى.

[التعقب على حل لغز]

الوزن، فغيَّرها بلفظ "سوى" ليتَّزن، لكن يُعَكِّرُ عليه أنَّ البيت الثاني مِنْ بحر السريع. ومقتضى ذلك أن يكون الأول كذلك، وهو موزون بإثبات "إلا" لا بما غيَّره. وغايته أنه مجزوم بالزاي، إن كانت الواو ثابتة في الأصل، وإلا فهي زائدة. [التعقب على حلّ لغز] ومنه ما كتبه بخطه، حيث قال: قرأت في ترجمة الشريف محمد بن حسين التِّلمساني القاضي عنه، قال: كنتُ مع القاسم بن محمد الصَّنهاجي، فورَدَت عليه يومًا طومارة من عند القاضي أبي الحجاج الطرطوشي فيها. خيراتُ ما تحويه مبذولةٌ ... ومَطْلَبي تصحيفُ مقلوبها فقال: ما مطلوبه؟ قلت: تاريخ. فقال شيخنا: هكذا في الأصل، بالمثنَّاة أوله والمعجمة آخره. فكتب الشيخ بدر الدين البشتكي في الهامش قوله: تصحيف لغوٌ مُخِلٌ بالمعنى. فاعترضه أبو الفضل بن الإمام -ومِنْ خطه نقلت- فقال: مجرَّدُ القلب لا يُؤَدِّي لفظَ تاريخ، لأنَّ "خيرات" تحتج إلى أمرين: أحدهما: القَلْب، وهو تأخير ما تقدَّم مِنَ الحروف، وتقديم ما أُخِّر. والثاني: التَّصحيف، وهو تغييرُ حركات الأصل إلى حركات [المواد، لأن الحركات] (¬1) كالأعراض لمادة الحروف، وكأن المعترض فَهِم أنَّ التصحيفَ يختصُّ بالحروف، وهو فهم لا يصحُّ؛ لأن التصحيف أعمُّ. قلت: والحق أنَّ البَشتكيَّ بنى الأمرَ على اصطلاح المتأخرين، وهو أن التصحيف للنَّقط، والتَّحريف للشكل، أو على أنَّ مجرَّد الحُروف إذا وَجَدَتْ بعدَ الخطِّ موافقًا خطها للمراد يكفي، وهو كذلك. وإذا ابتدأت بالحرف الأخير، وهو التاءُ، فتحت لضرورة الألف بعدها. ثم لا يبقى بعدَ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

[تعقبه على ابن جماعة]

ذلك مِنَ الشَّكل إلا الراء، فإنَّها حينئذٍ تبقى مفتوحةً، وهي في "التاريخ" مكسورة. والخَطْبُ فيه سهلٌ. والذي يظهر لي أنَّ النَّاظمَ إنما طلب "نارِنج" بنونين وجيم. وحينئذٍ، فلا نِزَاعَ في اشتراط التَّصحيف والقلب معًا. انتهى. [تعقبه على ابن جماعة] ومنه أنَّ الصَّفدِيَّ قال في الجزء الثامن من "تذكرته": قال محمد بن زكريا الرازي: لعمري ما أدري وقد آذَن البِلَى ... بعاجلِ ترحالِي إلى أين ترحالي وأين محلُّ الرُّوح بعد خُروجِه ... مِنَ الجسد المنحلِّ والهيكل البالي قال: فأجبتُه: إلى جنة المأوى إذا كُنتَ خَيِّرًا ... تُخَلِّد فيها ناعمَ الجسم والبالِ وإن كُنتَ شرِّيرًا ولم تَلْقَ رَحْمَةً ... مِنَ اللَّه فالنِّيرانُ أنت بها صالِ فكتب البرهانُ ابن جماعة بالهامش ما نصه: هذا الجوابُ خطأٌ. ومقصودُ ابن زكريا مَعْرفةُ مقرِّها في البرزخ. فهو محلُ الخلافِ المشهور، وليس مقصوده السُّؤال عن مآلها، فإنَّ القرآن العظيم مشحونٌ بذلك، وما أقبحَ بالرَّجل أن يتعاطى ما لا علم له به، يريد أن يعلُوَ فيهبِطَ. فكتب شيخنا ما نصه: وعندي أنَّه ظلم الصَّفديَّ بهذا الاعتراض. فإنَّ كلًّا مِنَ الاحتمالين موجّهٌ، نعم تحسين الظَّنِ بالمسلم يقتضي الجوابَ الثاني، وأما عَنْ لا يؤمن بالقرآن، فلا يُنكر منه أن يأتي بالسُّؤال الذي يقتضيه الجواب الأول. انتهى. والظاهر أنَّ مقصودَ ابن زكريا أن يعرف: هل هو مِنْ أهل الجنة أو من أهل النار، وبيتاه يدلَّان على خوفه مِنْ سوء الخاتمة أعاذنا اللَّه منها بفضله. [كمال الظَّرف] ومنه، وقد رأى قول أبي بكر بن مجاهد: مَنْ قرأ بقراءة أبي عمرو،

وتفقَّه للشافعي، واتَّجر بالبَرِّ، وروى شعر ابن المعتز، فقد استكمل الظَّرْفَ. فقال ما نصه: وروى الحُميديُّ عن أبي محمد بن حزم الحافظ أنه قال: مَنْ تَمَذْهَبَ للشافعي، وقرأ لأبي عمرو، وتخَتَّم بالعقيق، وروى قصيدة ابن زُريق، فقدِ استكملَ الظَّرْفَ. قال: فاشتركا في ذكر القراءة والمذهب. وَلَا افْتِرَاق بين التِّجارة بالبَزِّ والتَخَتُّم بالعقيق، بل يمكنُ الجمعُ بينهما. وأمَّا الشِّعر، فالأولى ما قاله ابنُ مجاهد، وقصيدةُ ابن زُريق عندي، وأين هي مِنْ نَفَسِ ابنِ المعتز. قلت: وكان بعض الفُضلاء يقول: لو رأى ابنُ حزم قصيدَةَ ابن زيدون النُّونية، يعني التي أودعتها في مصنفي "ارتياح الأكباد" وأولها: أضْحى التَّنائي بديلًا مِنْ تدانينا ... وناب عَنْ طيبِ لُقيانَا تَجافينا لعدل عَنْ قصيدة ابن زريق إليها، لكنه -يقال-: إنه ما حفظها أحدٌ إلا وفُجِعَ ببعضِ أحبابه. وابنُ زُريق: هو أبو الحسن علي البغدادي الكاتب، وروينا قصيدته المشار إليها عن أبي هريرة القِبَابي (¬1)، عن أبي عبد اللَّه بن الخباز، أخبرنا الفخر أبو الحسن بن البخاري، وأبو العباس أحمد بن شيبان، وأم أحمد زينب ابنة مكي، أظنُّه إذنًا، كلُّهم عن أبي حفص بن طَبرْزَد سماعًا، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي، أنشدنا أبو عبد اللَّه محمد بن نصر الحُميدي، أنشدنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النَّحوي الواسطي -[عُرف بابن بِشران- بواسط، أنشدني] (¬2) الأمير أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين، أنشدني الأديب أبو الحسن لنفسه فذكرها، وأولها: ¬

_ (¬1) في (أ): "القباني" بالنون، وهو تصحيف. وأبو هريرة هذا هو عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن الحموي الأصل ثم المقدسي، والقبابي نسبة لقباب حماة. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

[عدم جواز تصرف الناسخ فيما ينسخ]

لا تعذليه فإنَّ العَذْلَ يُولِعُه ... قد قُلْتِ حقًا ولكن ليسَ يسمعُهُ وهي أربعون بيتًا. [عدم جواز تصرُّف الناسخ فيما ينسخ] ومنه على نسخة المنكوتمريه من "الأغاني" في ترجمة أبي العتاهية، وقد بيض الناسخ شيئًا مِنْ كلامه، واعتذر بأنه مما لا يجوز كتابته. فقال شيخنا ما نصه: قوله: "مما لا يجوزُ كتابته"، جهلٌ مِنَ الكاتب، وحاكي الكفرِ ليس بكافرٍ. وليس للنَّاسخ أن يتصرف فيما ينسحه. والكلامُ الذي حذفه هو قول أبي العتاهية: قرأته (¬1) البارحة عمَّ يتساءلون؟ ثم قلت: هي قصيدة أحسن منها. قلت: وفي السند إليه نظر. فإن ثبت كان كافرًا، لكن يحتمل أن يكون هذا في شبيبته، ثم تنَسَّك بعد ذلك وتاب. انتهى. بل رأيت شيخنا في ترجمة أبي العتاهية أيضًا مِنَ الكتاب المذكور سدَّ بخطه ما بيَّضه النَّاسخ، لكونه -في زعمه- مِمَّا لا تجوزُ كتابته، وهو أنَّ رجلًا شاور أبا العتاهية فيما ينقُش على خاتمه، فقال له: انقش لعنة اللَّه على النَّاس. [تعقُّبه على ابن الملقِّن] ومنه حيث ذكر شيخُه ابن الملقن في "تخريج الرافعي" حديثَ: "مَنِ اعتكف فُواقَ ناقةٍ، فكأنما أعتق نسمَةً"، وقال: أخرجه العُقيلي في "الضُّعفاء" من حديث عائشة بلفظ: "من رابط" بدل "اعتكف". فقال صاحبُ الترجمة: هكذا ذكر، وليس هذا بموافقٍ للتَّخريج؛ لأنَّ الرّباط غيرُ الاعتكاف. وقد روى الطبراني في "الأوسط" مِنْ حديث ابن ¬

_ (¬1) في (ط): "قرأت".

[المفاضلة بين صحيحي البخاري ومسلم]

عباس رضي أنه عنهما مثلَ حديث عائشة في الرباط أيضًا. وليس ما اعتمده شيخنا في ذلك بجيد، لأنه يُوهِمُ أنَّ أصلَ الحديث قد خُرِّج، وليس كذلك. [المفاضلة بين صحيحي البخاري ومسلم] ومنه عند حكاية الإمام أبي محمود المقدسي في ترجمة مسلم بن الحجاج من "جمعه" عن أبي علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ شيخ الحاكم أبي عبد اللَّه بن البيع، أنَّه قال: "كتابُ مسلم" أصحُّ مِنْ "كتاب البخاري"، ما نصه: هذا الكلامُ ما فاهت به شفتَا الحُسين بن علي قطُّ. ولقد قوَّلتَه يا هذا ما لم يُقل. بل لفظُه: ما تحت أديم السَّماء أصحُّ مِنْ "كتاب مسلم"، ولا يلزَمُ مِنْ هذه العبارة ما حكيت أنتَ، واللَّه الموفق. ومنه، وقد كتب الحافظُ صلاح الدين الأقفهسي على ظهر جزء مِنْ "حديث أبي الفتح بن بُريدة" ما مثاله: سمعتُه بدمشق بقراءتي (¬1) على فاطمة ابنة المُنَجَّا بإجازتها مِنْ ابن الزَّرَّاد. فقال شيخنا ما نصه: ليس هذا الجزء الذي يرويه ابن الزَّراد، بل هو غيره، ثم ساق سنده بذلك. قال: وأمَّا هذا، فلم أستحضر أنِّي سمعتُه. [سماع رقية بنت الشرف محمد من ابن المصري] ومنه على طبقة بإسماع الحاجة رقية ابنة الشرف محمد ابن الشيخ أبي الحسن ابن القارىء لبعض الأجزاء عن ابن المصري، فقال: أعلم أنَّ الحاجّة رُقية المذكورة لم تُدرك أبا زكريا يحيى بن يوسف بن أبي محمد بن أبي الفتوح ابن المصري، بل مات قبلَ مولدها بمدة. وقد ¬

_ (¬1) في (أ، ط): "يقرأ".

[إجازة ابن قريش للسويداوي]

حقَّق ذلك الإمامُ زينُ الدِّين عبد الرحمن البِرِشْكي التُّونسي، وأخبرني أنَّه وقف على تاريخ مولدها، وهو بعد الأربعين وسبعمائة، وكانت وفاةُ يحيى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. [إجازة ابن قريش للسويداوي] ومنه على طبقة بإسماع السُّويداوي "لمسند الشهاب" للقُضاعي عن عائشة ابنة الصَّنهاجي سماعًا لمعظمه، وأبي الحسن بن قريش إجازة ما نصه. هذا الذي ذكره هذا الرجلُ من إجازة ابن قريش لشيخنا شهاب الدين السُّويداوي شيءٌ لا أصل له، وإنَّما هو مِنْ ظُنون صاحبنا شهاب الدين الكلُوتاتي الفاسدة، وتلقَّفها مَنْ لا خِبْرَة له مِنَ الطَّلبة منه. واللَّه المستعان. قلت: وقد أسلفتُ شيئًا مِنْ هذا في أثناء الباب الثاني قُبيل التَّعرُّض لسفره إلى آمد. * * * ومنه حين أنشده التاج محمد بن أحمد بن محمد النقيب بالخشَّابية لشيخه البهاء ابن عقيل مُلغِزًا في الصَّيد: عندي سؤالٌ حسنٌ مستطرفٌ ... مبْن (¬1) على أصلين قد تفرَّعا في متلفِ شيءٍ على مالكه ... يلزمُه القيمةُ والمِثلُ معا فقال: هكذا أنشدنا، والبيت الثاني مكسور، ولعله "في متلفٍ شيئًا على مالكه" أو: "متلف شيء ما". ثم وقفت على البيتين لغير البهاء، ¬

_ (¬1) في هامش (ط): "فرع" خ، أي نسخة أخرى "فرع" بدل "مبن". وهو كذلك في الضوء اللامع للمصنف 1/ 366، حيث أنشد البيتين ونسبهما لابن الوردي، والبيت الثاني منهما: قابض شيء برضا مالكه ... ويضمن القيمة والمثل معًا

[قياس ارتفاع النيل]

فأنشدهما التاج السبكي في "التوشيح" للزين أبي المظفر ابن الوردي، وثانيهما بلفظ: "متلف شيء برضا مالكه"، فلعلَّ التاج سمعهما من البهاء، فظنهما له. ولعلَّ البهاء سمعهما مِنْ ناظمهما. وقد أنشدنا أبو اليُسر ابن الصَّائغ إجازةً، عن ابن الوردي إجازة، فذكرهما. ومنه عند قول أبي حيان في "نغْبة الظَّمآن": ومالك والإتعاب نفسًا شريفةً ... وتكليفها في الدَّهر ما هو يصعُبُ أرِحْها فعَنْ قُرْبٍ تلاقي حِمَامَها ... فتنعم في دار الجَزَا أو تعذَّبُ ما نصه: ما زلت أستشكلُ هذا الكلام الذي في هذه المنظومة التي أولها: ومالك والإتعاب إلى آخره، لأنه يدخُل في عموم ذلك إتعاب النَّفس بالعبادة. وظاهره يرمز إلى الرُّكون إلى الراحة، وتركِ العمل مطلقًا، اعتمادًا على ما قُدِّرَ، وهو يُفضي إلى القول بالجبر، إلى أن وقفتُ على بيتين للشيخ جلال الدين الدِّشناوي -يعني أحمد بن عبد الرحمن بن محمد، عالم الصَّعيد في عصره- قيّد فيهما ترك التَّعب في طلب الرزق، وهو أسهلُ مِنْ إطلاق الشَّيخ. ومنه عند قولِ الحَيْص بَيْص: تَشَرْبشْ أو تَقَمَّصْ أو تقبَّا ... فلن تزداد عندي قطُّ حبّا أخذتَ ببعضِ حُبِّك كلَّ قلبي ... فإن تَرُم الزِّيادَةَ هاتَ قَلْبا ما نصه: البيت الأول من الموجهة التي تحتمل المدحَ والذَّم، لكن الثاني يرشِّح بأن مُراده المدح. [قياس ارتفاع النيل] ومنه عند قول التقي المقريزي في "الخطط": مِنَ المعتبر الذي جرَّبتُه

فصل

وجرَّبه قبلي مَنْ أخذتُ علمَ ذلك عنه، وأخبرني به عن مجرِّبه (¬1) أن ينظُر أول يوم مِنْ "مسرى" كم بلغ النِّيلُ في زيادته مِنَ الأذرُعِ والأصابع، فَيُزَادُ على ذلك ثمانية أذرع سواء، فما بلغ، فإنه نهاية زيادة النِّيل في تلك السنة. ما نصه: هذا مِنْ أعجب ما وقع لصاحب هذا الكتاب، فإن هذه القاعدة مُنَخَرِمةٌ طردًا وعكسًا؛ لأنه في سنة الغلاء، سنة ست وثمانمائة، كان في أول "مسرى" قد زاد على اثني عشر ذراعًا، ولم يكمُل تلك السنة سبعة عشر. فلو زِيدَ على الاثني عشر ثمانية؛ لبلغ عشرين، ولم يقع ذلك. وكان في سنة خمسَ عشرة قد أكمل سِتَّةَ عشر ذراعًا في أول يوم مِنْ "مسرى"، فلو زاد بعد ذلك ثمانية أذرُعٍ لبلغ أربعًا وعشرين ذراعًا، ولم يقع ذلك (¬2). قلت: ولو تتبعتُ ما كان يقيِّده (¬3) بهوامش الكتب في غير فنِّ الحديث، لكانَ فوقَ الوصف، [فكيف بالحديث. هذا مما لا يمكن حصرُه. ووراء هذا أنَّه كان يعرفُ مِنْ أين أخذ ذلك المصنِّف] (¬4) تصنيفه أو بعضه. فقرأت بخطه ما نصه: فصل فيمن أخذ تصنيف غيره فادعاه لنفسه وزاد فيه قليلًا ونقص منه ولكن أكثره مذكور بلفظ الأصل. "البحر" للروياني، أخذه مِنَ الحاوي للماوردي. "الأحكام السلطانية" لأبي يَعْلَى، أخذها من كتاب الماوردي، لكن بناها على مذهب أحمد. ¬

_ (¬1) في (ط) "مجرب". (¬2) هذه الفقرة لم ترد في (ب). (¬3) في (ب): "يفيده". (¬4) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

[طبقات الشافعية لابن الملقن]

"شرح البخاري" لمحمد بن إسماعيل التَّيمي، مِنْ شرح أبي الحسن ابن بطَّال. "شرح السُّنة" للبغوي، مستمدٌّ مِنْ شَرْحَي الخطَّابي على البخاري وأبي داود. الكلام على تراجم البخاري للبدر بن جماعة، أخذه مِنْ تراجم البخاري لابن المنَيِّر باختصار. "علوم الحديث" لابن أبي الدَّم، أخذه من "علوم الحديث" لابن الصلاح بحروفه، وزاد فيه كثيرًا. "محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح" لشيخنا البُلقيني، كلُّ ما زاده على ابن الصلاح مستمدٌّ مِنْ "إصلاح ابن الصلاح" لمُغلْطاي. "شرح البخاري" لشيخنا ابن الملقن، جَمَعَ النِّصفَ الأول مِنْ عدَّة شُروح. وأما النَّصف الثاني، فلم يتجاوز فيه النَّقلَ مِنْ شيخي ابن بطال وابن التِّين، يعني حتى في الفروع الفقهية، كما سمعت ذلك مِنْ صاحب الترجمة. [طبقات الشافعية لابن الملقِّن] وقرأت بخطه أيضًا على "ذيل لشيخه" ابن الملقن مرتَّب على الحروف، اشتمل على أزيدَ مِنْ أربعمائة نفسٍ، ذيَّل به على "طبقات الشافعية" المرتب على طباق ثلاثة، اشتملت على أزيدَ من ألفٍ ومائتي نفس له أيضًا، ما نصه: نظرتُ هذا الكتاب مِنْ أوَّله إلى آخره، وقابلتُ التراجم جميعها (¬1)، على كتاب "الطبقات الوسطى"، للقاضي تاج الدين السبكي، فوجدتُ الجميع، إلا اليسيرَ -منقولًا منها بحرُوفها، والقدرُ اليسير الزَّائد- لعلَّه عشرة تراجم - لا يزيدُ على ذلك. ¬

_ (¬1) في (ب): "جميعًا".

[الإجابة للزركشي]

ولقد طال تعجُّبي مِنْ شيخنا فيما اعتمده مِنْ ذلك. فما كان يضُرُّه لو قال في خطبته: إنه التقطه مِنْ تصنيف مَنْ سبقه إليه. أتُراه ظنَّ أنَّ "طبقات" تاج الدين تُدْفَنُ معه في القبر فلا تظهر؟ وما جوَّزَ قطُّ أن ينقُل منها نسخةً أخرى، إن هذا لشيءٌ عجيب! قال: ولم أقف على "طبقاته" التي هذه فإن عليها. وأظنُّها ملخَّصةٌ مِنْ "الطبقات الكبرى"، ومن "طبقات الإسنوي"، والعلم عند اللَّه تعالى. انتهى. وقد وقفت على "الطَّبقات" المشار إليها (¬1) بخطِّ فقيه صاحب الترجمة، الشيخ صدر الدين السَّفطي في مجلد لطيف، والمجلد الثاني -وهو بخطه أيضًا- اشتمل على "الذَّيل" الذي كتبَ عليه شيخُنا ما قدَّمتُه، وعلى "طبقات القراء" وغير ذلك مِنْ تصانيف ابن الملقن. [الإجابة للزركشي] وكذا قرأت بخطه -[أعني صاحب الترجمة] (¬2) على "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة" للزركشي ما نصه: أصلُ هذا التصنيف للأستاذ الجليل أبي منصور عبد المحسن بن محمد بن علي بن طاهر البغدادي، الفقيه، المحدث، المشهور. رأيته في مجلَّدةٍ لطيفة، وجُملَةُ ما فيه منَ الأحاديث خمسةٌ وعشرون حديثًا. وكان الكتاب المذكور عند القاضي برهانِ الدين بن جماعة، فما أدري: هل خَفِيَ عليه وقتَ تقديم هذا له أو أعلمه به؟ نعم، لمصنف "الإجابة" حُسْنُ التَّرتيب والزِّياداتُ البيِّنَةْ والعَزْو إلى التَّصانيف الكبار، والأول -على عادة مَنْ تقدم- يقتصر على سَوْقٍ الأحاديث بأسانيده إلى شيوخه. وجُمْلَةُ مَنْ أخرج ذلك عنه مِنْ شيوخه نحوٌ مِنْ ثلاثين شيخًا مِنْ شيوخ بغداد، ومصر وغيرهما، ولا يعزو التَّخريج إلى أحد. ¬

_ (¬1) في (أ، ح): "الكتاب المشار إليه". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

[شرح العمدة للبرماوي]

وقد نقل هذا المصنِّفُ عن أبي منصور في هذا الكتاب، فعُلِمَ أنَّه وقف عليه، وكان ينبغي له أن ينبِّهَ على ذلك. وهذا التَّصنيفَ القديمُ أخبرنا به غيرُ واحدٍ مِنْ شيوخنا إجازةً عن عبد القادر بن أبي البركات بن القريشة، أخبرنا المُسلَّم بن علَّان سماعًا، عن الخُشوعي، عن أبي عبد اللَّه الحسين بن محمد بن خسرو، أخبرنا المصنِّف سماعًا (¬1). [قلت: وأبو منصور هذا، ليس هو مصنِّفُ الأصل، بل هو شيخُه، والمصنِّفُ إنما هو الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، وقد وقفت (¬2) على النُّسخة التي أشار إليها شيخُنا، فسبحان من لا يسهو] (¬3). [شرح العمدة للبرماوي] وقرأت بخطه أيضًا على نسخة من "شرح العمدة" للبرماوي ما نصه: يقول الفقير أحمد بن علي الشافعي: إن هذا الكتاب مشى فيه الشيخُ شمس الدين، عفا اللَّه تعالى عنه، على شرح شيخنا الشيخ سراج الدين ابن الملقن كان أوله (¬4) إلى آخره، ينتخب فوائده، ويحصل مقاصده. وربما لم يزد فيه إلا الشيء اليسير، بحيث لو تصدَّى حاذِقٌ إلى انتزاع ما زاده، لم يزد على كُرَّاسٍ أو كُرَّاسين. ولو تصدَّى لتتبع ما حذف مِنْ شرح شيخنا مِنَ الفوائد التي تُضاهي ما انتخبه، لكان قَدْرَ ما كتبه. ولو كان تجرَّد لعمل نُكَتٍ على كتاب شيخنا تحريرًا واستدراكًا ونحو ذلك، لكان أظهرَ لبيان فضيلته، وقوة نفسه (¬5) مع السلامة مِنَ الإغارة على كلام شيخه، مِنْ غيرِ أن ينسبُه إليه، ¬

_ (¬1) في هامش (ط) ما نصه: قلت: وللزركشي أيضًا جزء سماه "زهر العريش في تحريم الحشيش"، وهو مسبوق به، ففي كتب أوقاف المحمودية "زهر العريش في تحريم الحشيش"، لمحمد بن عبد الملك الشاطبي. انتهى بخطه. (¬2) في (أ): "وقعت". (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) "من أوله" ساقطة من (ب). (¬5) في (أ): "تفنُّنه".

[شرح البخاري للعيني]

فليس ذلك مِنْ شكر العلم، واللَّه المستعان. [شرح البخاري للعيني] وقرأتُ بخطه أيضًا: "شرح البخاري" لبدر الدين العيني. أخذه من "فتح الباري" لابن حجر، ونقص منه وزاد فيه قليلًا، ولكن أكثرَهُ يسوقُه بحروفه، الورقةَ والورقتين وأقلَّ وأكثر، أو يعترض عليه اعتراضاتٍ واهية (¬1). قلت: وقد بيَّنها صاحبُ الترجمة في مصنَّفه "انتقاض الاعتراض"، رحمهم اللَّه أجمعين. [مصنفات المقريزي] وقرأت بخطه أيضًا في ترجمة الأديب المؤرخ الشهاب أحمد بن الحسن بن عبد اللَّه بن طوغان الأوحدي ما نصه: اعتنى بعمل خُطط القاهرة، ومات عنه مسوَّدة، فبيَّضه الشيخ تقي الدين المقريزي. قلت: وكذا عَمل في "تاريخ مصر" للقطب الحلبي، فإنَّه لم يبيض منه غيرَ المحمدين وبعض الهمزة، فأخذ المسوَّدة بتمامها، ولخَّص تراجمها، ولم ينسُب له -فيما رأيتُ- ولا الترجمة الواحدة. [قوة الاستحضار حال القراءة والدَّرس] وكان رحمه اللَّه، لسعة حفظه ووفور استحضاره، لا يمتنع مِنْ كتابة الفتاوى، بل والتَّصنيف وغيره في حالة الإسماع، كما أشير لشيء مِنْ ذلك في الباب الثاني. ويَردُّ مع ذلك على القارىء السَّقطَ في السَّند، والتحريفَ فيه، وفي المتن، وأمرُهُ في ذلك أجلُّ من أن يذكر. ولقد حكى لي قاضي القضاة البدر ابن التَّنَسي المالكي رحمه اللَّه تعالى، قال: كنت آتيه للقراءة عليه، فلا أراه يترُكُ الكتابة حين قراءتي، فعل ¬

_ (¬1) في (أ): "وتعرض عليه اعتراضات".

ذلك معي مرارًا. فقلت في نفسي: أنا أجيءُ مِنَ المكان البعيد، وهو لا يعبأ بي، فعسى أن يحصُل خللٌ أو تحريفٌ، وصِرْتُ في ألَمٍ بذلك. فأضمرتُ في نفسي يومًا أنَّني أتعمَّدُ إسقاط شيءٍ أمتحنُه به، ففعلت ذلك. فبمجرَّدِ أن مررتُ فيه، رفع رأسه وقال: أعِدْ، فأعدت القراءة على الصَّواب، فأطرق (¬1)، وعلمت أنه غيرُ غافلٍ عني. قلت: ورأينا منه العجب في ذلك. وقد قال الخطيب في "تاريخ بغداد": حدثني الأزهري، قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصّفار، فجلس ينسخُ جزءًا، والصَّفار يُملي، فقال له رجل: لا يصِحُّ سماعُك وأنت تنسخُ. فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلافُ فَهْمِك. تحفظ كم أملى الشيخ؟ فقال: لا. قال: أملى ثمانية عشر حديثًا، الحديث الأول: عن فلان عن فلان، ومتنه كذا. والحديث الثاني: عن فلان عن فلان، ومتنه كذا. ثم مرَّ في ذلك حتى أتى (¬2) على الأحاديث، فتعجب النَّاس منه، أو كما قال. وحكى العماد ابن كثير عن شيخه المِزِّيّ أنَّه كان يكتب في مجلس السماع ويَنْعَس في بعض الأحيان، ويرُدُّ على القارىء ردًا جيدًا بيِّنًا واضحًا، بحيث يتعجَّبُ القارىءُ ومَنْ حضر. وحكى ذلك الذهبيُّ أيضًا في ترجمته مِنَ "الحفَّاظ" فقال: وكان يطالع وينقُل الطِّباقَ إذا حدَّث، وهو في ذلك لا يكادُ يخفى عليه شيْءٌ ممَّا يقرأ، بل يَرُدُّ في المتن والإسناد ردًا مفيدًا، يتعجَّب منه فُضلاءُ الجماعة. قلت: وهكذا كان صاحبُ الترجمة كما تقدم، بل ربما قُرىء عليه بعد العشاء وهو ناعس، فيرُد أيضًا، وإن لم يكن أهل الحديث يتركونه يتمادى في النُّعاس. ومن أظرف ما رأيتُه في ذلك: أنَّ بعضَ طلبته مِنْ أصحابنا رآه مُطْرِقَ ¬

_ (¬1) "فأطرق" ساقطة من (ب). (¬2) في (أ): "مرَّ".

الرَّأس، فتوهم أنَّه ناعسٌ، فأخذ يضربُ الأرض بمفتاحه مرَّةً بعد أخرى، وأكثرَ مِنْ ذلك، وصاحبُ الترجمة ينظرهُ، وهو يبالغ في ذلك، ولا يرفَعُ رأسه، إلى أن زاد، فعند ذلك قال له: يا أخي، ما مِنْ ضربةٍ إلا وأنا أراها بعيني، أو كما قال. وهذا لسَعَةِ حلمه وعلمه بأحوال الطَّلبة. وممن بلَّغني عنه مِنَ المتأخرين أنَّه كان يقرِّر "شرح الألفية" لابن المصنِّف وهو ناعسٌ، لشدة إتقانه للفن، الشَّيخُ العارف باللَّه تعالى شمس الدين البوصيري، كما أخبرني بذلك تلميذُه شيخُ المذهب الحنبلي العزُّ العسقلاني. وقد قال الرافعي رحمه اللَّه في "أماليه": كان أبو الحسن الطالقاني شيخُنا ربما قُرِىءَ عليه الحديثُ وهو يصلِّي، ويصغي إلى ما يقول القارىء، وينبِّهُه إذا زلَّ، يعني بالإشارة. انتهى. وكذا حُكي عن الدَّارقطني، قال الصُّوري: سمعت رجاء بن محمد يقول: كُنَّا عند الدارقطني وهو يصلي، فقرأ القارىء "نسير بن ذعلوق" فغيَّره "يسير" فسبَّح الدارقطني، فقال القارىء: "بشير" فتلا الدارقطني: {ن وَالْقَلَمِ}. وحكى حمزةُ نحوها، لكن قال: إنَّ القارىء قرأ عمرو بن سعيد، فسبَّح الدارقطني، [فوقف القارىء] (¬1)، فقرأ الدارقطني: {يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ}. قلت: والنَّاس في ذلك متفاوتون؛ وأعلاهم رُتبة ما يُعزى لعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، أنَّه أصيب بسهمٍ في بعض الحُروب، فجذب السَّهمَ، وبقي النَّصلُ في عُضوه، فقيل له: إن لم يخرج العضو لا يمكن إخراجُ النَّصلِ، ويُخاف مِنْ إيذائك، فقال لهم: إذا اشتغلتُ بالصلاة فاستخرجوه (¬2)، ففعلوا ذلك، ولم يشعر به. فإنَّه لمَّا فرغ مِنْ صلاته، قال: ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ). (¬2) في (أ): "فأخرجوه".

لِمَ لَمْ تستخرجوا (¬1) النَّصل؟ فقالوا: قد فعلنا. ونحوه ما حُكِيَ عن عُروة بن الزُّبير رضي اللَّه عنهما، أنَّه حصلت له أَكِلَةٌ، فأشير بقطع العُضو. وفُعِلَ ذلك وهو في الصَّلاة، فما تضوَّر وجهُه، وهذا لشدة الخشوع. إذا عُلِمَ هذا، فلم يكن صاحبُ الترجمة بالمتشدِّد في الإسماع، بل كان -كما حكاها ابن كثير عن المِزِّي- يحضرُ عنده مَنْ يفهم ومَنْ لا يفهم. والبعيدُ مِنَ القارىء، والنَّاعس والمتحدِّث، والصبيان الذين لا يضبط أحدهم، بل يلعبون (¬2) غالبًا، ولا يشتغلون بمجرَّد السماع، ويكتب للكلِّ بحضور المِزِّي السماع. ثمَّ قال ابنُ كثير: وبلغني عَنِ القاضي التَّقيِّ سليمان بن حمزة، أنَّه زُجر في مجلسه الصِّبيان عَنِ اللَّعب، فقال: لا تزجرُوهم، فإنَّا إنَّما سمعنا مثلهم. وكفى بهذين الإمامين (¬3) سلفًا، بل فعلُه هو حجة لغيره. ولو تتبعت مَنْ جرى مجراهم في ذلك، لخرجتُ عن المقصود، لا سيما وقد أوضحتُ المسألة في "حاشية الألفية وشرحها"، واللَّه الموفق. وقد سُئِلَ عمَّن يحضُر مجلسَ الحديث ممَّن لا يفهم العربي، أيكتُب له حضورٌ أو سماع؟ فقال: سماع. ومِنْ سَعَةِ حفظه: أنَّه حضر ليلةً مِنْ ليالي رمضان بجانب الحاكم للصَّلاة خلف ابن الكُويز، إذ صَلَّى للناس التراويح عقب ختمه القرآن على جاري عادة الأولاد. فجلس بجانب المحراب ينتظر مجيء المذكور، وكان الشيخُ شهابُ الدين بن أسد يقرأ في "الترغيب والترهيب" للمنذري للجماعة الحاضرين إلى أذان العشاء. فلمَّا انتهت القراءةُ ثمَّ الصلاة، ومشي القاريءُ ¬

_ (¬1) في (أ): "تُخرجوا". (¬2) في (أ): "لا ينضبط أحدهم بل يلقنون". (¬3) في (أ): "بهذا الإمام".

المذكور في خدمته مع الجماعة. قال له شيخنا: يا شيخ شهاب الدين، سقط مِنْ نسختك حديثُ كذا، حديث كذا. فقال: واللَّه يا مولانا شيخ الإسلام، بل حذفتُ ذلك عمدًا، لعدم إتقاني للفظهما (¬1) الساعة، وما تيسَّر لي قبلَ المجيء تحريرُهما فسكت. حكى لي ذلك الشيخ شهاب الدين الحجازي، واستغرب ذلك، والأمرُ وراء هذا: نزلوا بمكة في قبائل نَوْفَلٍ ... ونزلت بالبيداء أبعدَ منزلِ رحمه اللَّه وإيانا. ¬

_ (¬1) في (ب): "لحفظهما".

الأشعار المنظومة في مدح الحافظ ابن حجر

الأشعار المنظومة في مدح الحافظ ابن حجر

[برهان الدين المليجي]

فصل وقد رأيت أن أُلحِقَ بهذا الباب نُبذةً مما امتُدِحَ صاحبُ التَّرجمة به، لمقاربة شبهه بالباب في الجملة، مرتبًا له على حُروف المعجم في أسماء المادحين، وما أحقَّه بالقول لهم: وإنَّا ومن يُهدي القصائد نحونا ... كمُسْتَبْضعٍ تَمرًا إلى أرض خَيبرَا وفي المعنى أيضًا غير ذلك. فأحفظ آخِرَ مقطوع آخَرَ. كمبضع تمرًا إلى هجر [برهان الدين المليجي] فمنهم: الخطيب الأديب برهان الدين إبراهيم بن أحمد المليجي، وله فيه مدائح كثيرة، منها ما أنشده بحضرة صاحب الترجمة وجماعة بالمدرسة المنكوتمرية عقب ختم "فتح الباري"، فقال [فيما أنشدنيه لفظًا] (¬1). كم نعمة قاضي القضاة أنَالَها ... ويقولُ إن دنت الخطوب: أنَا لَهَا وهو الإمام وشيخُ الإسلام الَّذي ... لمَّا تقاصَرَتِ العُلومُ أطالَها "شرحُ البخاري" آيةٌ وَافَى بها ... فتحٌ مِنَ الباري أطابَ مَقالَها ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). وقد أشار المصنف إلى هذه القصيدة في ترجمة المليجي من الضوء اللامع 1/ 21، فقال: وهو أحد من امتدح شيخنا في ختم "فتح الباري" بما أودعته في "الجواهر".

وشِهابُها فضَح الدَّرَارِي جهرةً ... فينا وأخْفَى بدرَها وهلَالها هو حافظُ العصر الذي في مِصْرِه ... أهلُ النُّهى ضربت به أمثالَها شهدت له أنْ لا سواهُ مُعْلِنًا ... إيضاحَها ومُبَيِّنًا إشكالَها وجلَا لها كلماته اللَّائي هي السَّـ ... ــــببُ المبِينُ حرامَها وحَلالَها وَسَعتْ إليه لاكتساب فضيلةٍ ... أفْضى لها فتحقَّقُوا أفضالَها من (¬1) رام يحصُر فضلَ ما أوتِيْهِ مِنْ ... غُرَرِ الهبات مفصِّلًا إجمالَها أعياه حصرًا بعضُها وبحقِّه ... آلى وأقسَمَ لا يَرى أمثالَها كم عَبرةٍ هَمَلت بمجلس ذكرِه ... ونفوس قومٍ تشتكي إهمالَها فأنالَهُم حُسنَ الرَّجاء مقالُهُ ... ونفوسُهم حَمِدت لديه مآلَها خفضت مناقِبَ أحنفٍ أخلاقُه ... كم عَثْرةٍ رُفعت إليه أقَالَها وعَنِ الجُفَاة الحِلْمُ منه عادةٌ ... دهرًا يرى أفعالَها أفْعَى لَها أعيانُ مملكةِ المليكِ ومَنْ بِهِ ... دفَعَ الإلهُ عن الوَرَى أثقالَها الظاهر الحُسْن (¬2) الَّذي مِنْ عدلِه ... عنهم أكُفَّ المعتدين أزالها منحتْهُ صدق مَودَّةٍ ومحبَّة ... ونفوسها وقفت عليه ملالَها تاللَّه ما هذا سُدًى لكنها ... مِنَنٌ أرادَ اللَّه فيه كمالَها يا سيدًا منح العُفاة نَوالَه ... ومَحَا بَهدْيِ المَكْرُمات ضَلَالَها أنت الوفيُّ بهمَّةٍ في أُمَّةٍ ... رُكنًا عظيمًا ماحيًا ما اغتالَها أبدالُها بسَطَتْ أكفَّ دعائها ... للَّه تشكر فضل ما أبْدى لَها مِنْ سيرةٍ أتممتها بسريرةٍ ... لما رفَعْتَ عَنِ الرَّدى أَفْعَالَها يا حاويًا منهاج فضلٍ دُوِّنا ... بكفاية جمعت لديه خصالَها ¬

_ (¬1) في (أ): "كم". (¬2) في (ب، ط): "الطاهر الحَسَن".

[الجحافي]

يا واحدًا يُملي ارتجالًا دِيمةً ... منه أحاديثَ الهُدى ورجالَها إهنأ بيوم حاز أسبابَ الهنا ... وتحقَّقت بقدُومه إقبالَها فتحٌ مِنَ الباري فَمِسْكُ ختامه ... بلغَت به كلُّ الورَى آمالَها يومٌ هو المشهودُ في الأيام قد ... بسَطت يَدَا جَدواك فيه نَوالَها أبدًا فيالك مِنْ كريمٍ محسنٍ ... صدقاتُه يحكي السَّحابُ وبالَها كمُلَ السُّرور بسادةٍ منحوا الورى ... بالحَلِّ والعقدِ السَّعيد ظلالَها هم زينةُ الدُّنيا وزهرةُ أهلِها ... قد أذهبت آراؤُهم أهوالَها لما رأوا خَتْمَ الكتاب تمسَّكوا ... بمقالةٍ أوسَعْتَ فيه مجالَها شرحٌ به كُتبُ الحديث تألَّفت ... فهو الجديدُ وغيرُه ما نالَها خُذها عروسًا قد زَهَتْ في ليلةٍ ... وافَتْكَ تسْحَبُ في الهنا أذيالَها شهِدَتْ بأنَّك كُفءُ كلِّ كريمةٍ ... فاجعلْ قَبُولَ المدح منك وِصَالَها فالملتجي بك لا يخيبُ جناسُه الـ ... ـخَطِّيْ إذا رَهِبَ الهموم وَهَالَها لا زلت في دَعَيةٍ بأوفى نعمةٍ ... اللَّه يحفظها ويُنْعِمُ بالَهَا [الجُحافي] ومنهم: إبراهيم بن إسماعيل الجُحافي التَّعِزيّ، هنأه بالسلامة إذ قدم عليه بلدَه في المرة الأولى، بقصيدة ستأتي في المطارحات من الباب السادس، لأن صاحب الترجمة أجابه عنها. [ابن قوقب] ومنهم: الشيخ برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الأنصاري الخليلي، عرف بابن قوقب (¬1)، امتدحه بقوله: ¬

_ (¬1) في الأصول: "قيقب"، والمثبت من الضوء اللامع للمصنف 1/ 56.

[برهان الدين البقاعي]

إذا قيل: مَنْ بحرُ الحديث وأهلُهُ ... يجيب ذوو الألباب بالحَبْر أحمدَا إليه تَناهَى علمُ وحيٍ منزَّلٍ ... على المصطفى للعلمِ أضحى مؤيَّدَا وجمع بالتَّصنيف أسبابَ علمه ... وأظهرَ ما لولاه قد كان خامدَا فأسدى بها للفكر أجلى (¬1) نخبة ... حَوَتْ حُسْنَ لفظٍ بانَ عِقْدًا منضَّدَا ووطَّا طريقَ العلمِ حتَّى ترفَّعت ... دُروسٌ له شرقًا وغربًا مُشاهدَا فديتُك نفسي إذْ جَمَعْتَ مناقبًا ... بمشيك في نهجٍ حميدٍ لأحمدَا فيا ربِّ بَوِّئْهُ وزِدْهُ معاليًا ... وَهَيِّىء له فَوْزًا لعَرضٍ مخلَّدَا [برهان الدِّين البقاعي] ومنهم: [الشيخ أبو الحسن] (¬2) إبراهيم بن عمر البقاعي صاحب السُّؤال المنظوم الآتي في الباب السادس. والمرثية المذكورة في بابها. وله فيه أيضًا مدائحُ كثيرةٌ، منها ما أُنشد يوم ختم "فتح الباري" بالتاج، فقال: إنْ كنتَ لا تصبو لوصف عِذاري ... دع عنك تهيامي وخلع عِذَاري إن الغرام له رجالٌ دينُهم ... تلَفُ النفوس على هوى الأقمارِ خاضوا بِحَارَ العشق وقتَ هيَاجِهَا ... إذ موجُها كالجَحْفَل الجرَّارِ فاستوسقوا دُررًا تَجِلُّ نعُوتُها ... صاروا بها في العاشقين دَرَارِي للَّه أيامُ الوصالِ وطيبُها ... لو لم تَكُنْ ككواكبِ الأسْحارِ ليلاتِ أرتشفُ الرحيقَ مِنَ الثُّغو ... ر فأنتشي مِنْ دون شُرب عقارٍ وأُدير في رَوْضِ الوُجوه مَحَاجِري ... عجبًا فيُغْنيني عَن الأنوارِ بأبي الخدودُ نواضرًا حسناتُها ... كنواظرِ الغزلان في الدِّينارِ قَصدَتْ يَكونُ المسكُ حُسْنَ ختامها ... فتعلَّمت مِنْ خَتْمِ "فتح الباري" ¬

_ (¬1) في (ب): "أجمل". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ) وحذفت من "ح".

شرحُ البخاريِّ الذي في ضِمْنه ... نُظِمَتْ علومُ الشرع مثلَ بحارِ في كل طِرسٍ منه روضٌ مُزهرٌ ... وبكلِّ سَطْرٍ منه نهرٌ جارِي قد حُرِّرت فيه مباحثُ مَنْ مضى ... وكلامُهم أضحى بغير غُبارِ وبه زوائدُ مِنْ فوائدَ جمَّةٍ ... وفرائدٌ أعيت على النُّظارِ شَرَحَ الحديثَ به فكم مِنْ مُشكلٍ ... فيه انجلَى للعينِ بالآثارِ يأتي إلى طرقِ الحديث يضُمُّها ... فإذا العِيَان مصدِّقُ الإخبارِ سارت به لمشارقٍ ومغاربٍ ... نُسَخٌ غَدَت تُتْلَى على الأخيارِ وتَزَاحَمَتْ -أفديه- في تحصيله ... زُمَرُ الملوكِ فَسَلْ مِنَ السُّفَّارِ مِنْ فيض أحمد نَبْعُه وله مُنَا ... سَبةٌ به ابتسمت لذي الأفكارِ إن قلتَ نهرٌ فهو للحَجَر انتمى (¬1) ... ومِنَ الحجارةِ مَنبعُ الأنهارِ أو قلتَ بحر فعسقلانُ أصلُه ... والناسُ عالةُ بحرِها الزَّخارِ يا شيخَ الإسلام الجليلُ مقامُهُ ... فالغَيرُ لا يدنُو مِنَ الآثارِ كم قد رحلتَ وقد جمعتَ مصنَّفا ... فالدِّينَ قد أحييت بالأسفارِ وسكنتَ في العليا تُقَى وفضائلًا ... أنتَ الشِّهابُ بك اهتداءُ السَّاري رحَلَتْ إليك الطالبون ليقتدوا ... وتتابعوا سُبقًا مِنَ الأقطارِ وتراكضوا خيلَ الشبيبة (¬2) حين لم ... توكس بوهْنٍ أو بوصف عَوارِي فارقْتُ في أرضِ (¬3) البقع عشائري ... أطوي إليك فيافيًا وصحارِي فارقتُ منهم كلَّ أروعَ ماجدٍ ... حامي الذِّمارِ بسيفه والجارِ فمصنَّفاتُك سهَّلت وتنزَّهت ... مِنْ طاعنٍ يرجو قذًى أو عارِ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "انتهى". (¬2) في (ط): "الشهابة"، وكذا هي في "مختصر الجواهر" للسفيري. (¬3) "في أرض" ساقطة من (أ).

تربو على مائة ونصفٍ أُودِعَت ... دُررًا تضيءُ اللَّيلَ وقت سَرارِ وتضوعُ بالمسك الذَّكيِّ لناشقٍ ... حُسنًا فتخجل إذ تضوع دَرَاري ماذا أقولُ، فلو أطلت مدائحي ... وجعلتُ أهلَ الأرضِ مِنْ أنصاري لم تبلغ المقصودَ مِنَ أوصافكم ... كلَّا ولم تقرب مِنَ المعشار فاسْلم على كرِّ الليالي راقيًا ... رُتَب العُلا تَهْنَا بفتح البارِي ومنها ما امتدحه به لمَّا سافر مع الأشرف برسباي إلى آمِد، فقال: ما كان ضرَّ أحبَّتي لو واصلُوا ... ما بالُهم قصدُوا الرَّحيلَ وعاجَلُوا ماذا عليهم لو أقاموا عندَنا ... فلقد أضَرَّ بنا الرَّحيلُ الحاصلُ يا ليت شعري كيف أضحَوْا بَعْدنا ... في حبِّهم؛ هل ثابتٌ أو زائلُ أحبابَنَا أرَضِيتُمُ تَفْرِيقنا ... أو كان منكم زلَّةٌ فنحاللُ أنسيتُم ذاك الزَّمان وبيننا ... تلك المُنادمة التي تُتَناولُ سرٌ مصونٌ في حديثٍ طيِّبٍ ... في كلِّ شيءٍ نصطفيه واصلُ أيامَ لا نخشى الرَّقيبَ وشملُنا ... متجمِّعٌ والدَّهرُ عنا غافلُ أيامُنا أصْفَتْ لنا كاساتِها ... وصروفُها عن ربعنا تَثَّاقَلُ (¬1) هاتيكَ أوقاتُ الصَّبابة والصِّبا ... فعلى حِمَاها يُستهلُّ الهاطلُ أوقاتُنا محفوفةٌ بجمالِكم ... واليومَ هذا الرَّبعُ منكم عاطلُ تلك اللَّيالي لا لياليَ ذكركُمْ ... أمْرَ الفراقِ وحينَ أزمعَ راحلُ يا ليتهم ذكروا لنا لرحيلهم ... سببًا فيبقى أو يطيحُ الباطلُ يا ليتهم وقْتَ الفراق تقلَّدوا ... عهدَ الوِداد ليطمئنَّ الوَاجلُ يا ليتهم إذ جدَّ جِدُّ رحيلهم ... وقفوا زمانًا يستقيلُ القائلُ يا ليتهم والبعدُ مِنْ عاداتهم ... أسِفُوا لنا إذ فاتَ دمعٌ سائلُ ¬

_ (¬1) في "المختصر": "تتثاقل"، وفي (أ): "تتأفّل".

[ابن نصر الله العسقلاني]

يا ليتهم وجرى القضاءُ بُبعدِهم ... ذكروا وداعًا وقت ما إن زايَلُوا يا لوعةَ القلبِ المبرَّحِ عندما ... سَارت بهم وقت العشاء (¬1) رواحلُ في عسكر الملك المعظَّم قدرُه ... الأشرفِ المسعودِ فيما ياملُ جيشٌ تَجَلَّلُه الوقارُ لأنه ... بملائكِ اللَّه الكرامِ يناضلُ ترنُو إليه في الظلام وقد بَدَتْ ... منه نجومٌ للسماء تقاتلُ بأسنَّة قد جوَّدَت صقَّالُها ... فكأنها لهبٌ غدًا يتطاولُ اللَّه أكبرُ ليس هُم إلا الأسُو ... دُ وما الأسودُ إذ لَقُوا أو نازلُوا كرُمُوا وسادوا في الورى لكنَّهم ... ما زَيْنُهم إلا الشِّهابُ الكاملُ قاضي القُضاة وشيخُ الاسلام الذي ... ما شأنه إلا النَّدى المتواصلُ في ذلك الحِلمِ (¬2) الذي عمَّ الورى ... يا حبذا الحلمُ (¬3) الغزير الشاملُ في كلِّ وصفٍ يرتضيه محسنٌ ... في كلِّ رأي يصطفيه عاقلُ مع أنَّه قد فاقَ أهل الأرض في ... عِلمِ الشَّريعة كم (¬4) قوم دلائلُ عِلم الكتاب وعِلم سنَّة أحمدٍ ... هل غير ذا إلا (¬5) الضَّلالُ الباطلُ فاللَّه يُبقية لدين محمدٍ ... ما دام بحرٌ أو سحابٌ هاطلُ وله جميعُ المَكْرُمات وحسْبُه ... ربُّ البريَّة وهو نِعْمَ الكافلُ [ابن نصر اللَّه العسقلاني] ومنهم: شيخ المذهب الحنبلي، العلامة العز أبو البركات أحمد بن إبراهيم بن نصر اللَّه العسقلاني، فأنشدني مِنْ لفظه في "ذيله على منظومة ابن ¬

_ (¬1) في (ب): "العشي". (¬2) في (أ): "العلم". (¬3) في (ط): "العلم". (¬4) "كم" ساقطة من (ب). (¬5) "إلا" ساقطة من (ب).

[ابن أبي السعود]

دانيال في القُضاة" قوله الذي حذفه صاحبُ الترجمة مِنْ "قضاة مصر" -كما أسلفناه- عمدًا: عينُ الوجود ثُمَّ رأسُ الحُنَفا ... ومَن به منصبه تشرَّفَا كم قلَّد الأعناقَ مِمَّا مِنَّه ... واكتسب القلب الضعيف مُنَّه وواصل الإجداء في الإجدابِ ... واستعمل الإغضاء في الإغضابِ دام عُلاه في سما السُّعود ... ما أمطرت بوارِقُ الرُّعودِ [ابن أبي السعود] ومنهم: الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي السُّعود المنوفي. وله فيه عدة مدائح، منها ما قرأته بخطه يذكره بقصيد سبق امتداحه به، فقال: أحَبْرُ علمُه بَحْرٌ خِضمٌّ ... يفوهُ بأنفس الدُّرِّ المصُونِ ومن هو (¬1) بالثَّنا روضٌ أريجٌ ... زها مِنْ غيث كَفَّيه الهَتُونِ ومَنْ أضحى حديثُ عطاه يُروى ... بعينٍ مِنْ محابره ونُونِ وإنّ هزَّ اليراعَ حَسِبْتَ سُمرًا ... ولم أر في الحواسد (¬2) مِنْ طعينِ شمائلك اللَّطيفة علَّمتني ... فمهما رُمتُ مدحك فهي عونِي تعرَّف بالثناء غريب مدحي ... فسار مع النسيم لكل كونِ أيا ملكًا لدى الطلاب تُجنَى ... له الثمراتُ مِنْ علم ودينِ قَصيدتي التي خدمت وجاءت ... وحاشا أن تقابلَها بهونِ توارتْ منكمُ خَجلًا فأضحت ... مِنَ الإعراض تُرْمَى بالظُّنونِ أذاعوا أنها تُرِكت فضاعت ... فقلت: الزَّهرُ في وَرَقِ الغصونِ ¬

_ (¬1) في (أ): "به". (¬2) في (أ): "الخوامس".

وكيف تَراكَ يا طَلْقَ المحيَّا ... وترجِعُ وهي هامية الجُفونِ وقد حاكت بأسطرها طُروزًا ... على حُلَل الفضائل والفنونِ عجبتُ لها وقد وافت كريمًا ... فلم تُقْرَ وباتت في عُيونِ عساك تُرَدِّدُ الألحاظَ فيها ... فإنّ الروض يزهى بالعيونِ فعش أبدًا هنيَّ الوِرد حتى ... ترى الأعداء في حوض المَنُونِ ومنها: ما أنشده الواعظ عبد القادر مِنْ نظم الشيخ المذكور بحضوره يوم ختم "شرح البخاري" بالتاج، فقال: تمتَّعَتْ بدموع الصبِّ في حُجبِ ... فانظر لشمس الضُّحى في حلَّة السُّحب حلَّت بقلبي المعنَّى وهي (¬1) جنته ... يا مَنْ يرى جنَّةَ الرِّضوان في لَهبِ أشكو سُهادي ودمعي وهي لاهيةٌ ... فالثَّغرُ يضحك والأصداغ في لعبِ يا مَنْ رَنَتْ وانثنت طوعَ الصِّبا هيَفًا ... تفديك رُوحُ قتيلِ القَضْب والقُضُبِ اللَّه في مهجةٍ لولاك ما رَهِبَت ... سُودَ الجفون وحدَّ السَّيف لم تَهَبِ فيا رعىَ اللَّه أعطافًا بنا فتكت ... وهُنَّ مِنْ نسمات الرَّوض في رهبِ واللَّه يعفو عَنِ الألحاظ كم قتلت ... بسحرها مِنْ كليمِ القلب مكتئبِ فمَنْ يبلِّغ ذَاتَ الحُسن أن دَمِي ... حِلٌّ لها ولقتلي فيه واطَرَبِي يا ربِّ لا تَجْزِ عينيها بما فعلت ... في مُهجتي مِنْ فظيعِ الفتك والعَطَبِ واحفظ على حُسنها خدًّا أضاع دمي ... وراح يُومي بكفٍّ منه مختضبِ واجعل سُويداء قلبي في صحيفته ... يا ربِّ من حسنات القُرْب والقُرَبِ وحالِلِ الجفنَ مِنْ روحٍ به قتلت ... فليس عند الهوى قتلي بمحتَسَبِ وفي سبيل البُكَا ليلٌ أكابِدُه ... يا فَجرَ قلبي وفجْري غيرُ مُقْتربِ لم أدْرِ أنَّ كؤوس الدمع تُسهرني ... حتى رأيت مُحيَّا النَّجمِ كالحَبَبِ ¬

_ (¬1) في (أ، ح): "وهو".

يا من أطالت على يوم اللِّقا أسفِي ... هلَّا جعلتِ لهذا الهجر مِنْ سببِ لا تسألي عن دموعٍ فيكِ سائلةٍ ... وقلبِ صبٍ لصبرٍ غير منقلبِ في ذمة البين ليلٌ بات يجمعُنا ... والنجمُ يلحظنا شَزْرًا كمرتَقِبِ والثغرُ يرفع أذيالَ الدُّجى عبثًا ... والشَّعر يخفي مُحيَّا الصُّبْحِ في نَقبِ وبعد رشْفِ الثَّنايا رحتُ ملتثمًا ... خالًا وكانَ ختامُ المسك مُطَّلَبِي فجاء حسنُ ختامٍ منه يُسْنِدُ عن ... قاضي القضاة ختامِ العلمِ والأدبِ حَبْرِ الهدى حافظ الإسلام أحمد مَنْ ... له من "الفتح" ذكرى فتحِ خيرِ نبِي يا عالمًا شرَحَ اللَّهُ الصدورَ به ... وباسطُ العلم والآمال للطَّلبِ شرحت صدر البخاري مِثلَ "جامعه" ... فراح ينشدُ: هَذا مُنتهَى الطَّلبِ هذا المنارُ الذي للعلمِ مرتفعٌ ... اللَّه أكبر كلُّ الفضل في العَربِ فحبَّذا جامعٌ بالشَّرحِ صار له ... وقفًا كبحرٍ جرى باقٍ مدى الحِقَبِ أضاء فيه مصابيحٌ مسلسلة ... مِنَ الأحاديث أو مِنْ لفظِك الضَّربِ شرحٌ حكى الشَّمسَ فالدُّنيا به امتلأت ... تَغِيب زَهرُ الدَّراري وهو لم يَغبِ فلا تحرِّك لسانًا يا سراجُ، فقد ... لاح النّهارُ وهَذِي الشَّمسُ فاحتجِبِ نسيج وحدٍ يقول ابن المنيِّر: ما ... حاكت يدايَ له مثلًا فيا بأبي والزركشيُّ البدرُ لما أن تكلَّف لم ... يَصِلْ إلى ذلك المنوالِ بالذهبِ وقد غدا لابن بطَّالٍ به شغلٌ ... لمَّا رأى منه ما أربى على الأرَبِ وباتَ في روضةِ ابن التِّين مرتشفًا ... كأسًا مِنَ الذوق تُزْري بابنةِ العنبِ فلم يَحُزْ مسلم ما حُزْتَ مِنْ شرفٍ ... يا أحمدَ النَّاس في علمٍ وفي نسبِ هذا -وحقِّكَ- عامُ الفتحِ حجَّ به ... لِبَيْتِ فضلك وفدُ العلم عَنْ رَغَبِ فيه بدا الظَّاهِرُ السُّلطانُ واستترت ... أعداؤه بذيول الأرضِ في حُجبِ تبًّا لهم والقَنَا يهتزُّ في يدهم ... رُعبًا وإن نسلت رُدَّتْ على العَقِبِ فجاءهُ الفتح نصرًا بالسُّيوف وقد ... تبَّت يدا خصمِه حمالةَ الحطبِ

فالدُّهر في دعة، والزهر مبتسمٌ ... والوُرق تَشْدُو على أعواها القُضُبِ وجدولُ الروض أضحى دائرًا طَرِبًا ... والقُضب ترقُصُ بالأكمام والعُذّبِ والجوُّ قهقه والأعداء تحسبُه ... رعَدًا لما نابها مِنْ قبضةِ النُّوبِ أفديه عامًا كأن الدَّهر أسنده ... عَنْ حافظ العصر عَنْ آبائه النُّجبِ للَّه حبرٌ أبِيٌّ ماجدُ شَهمٌ ... علىُّ أصيلٌ على الحالين خيرُ أبِ يُغنيك عَنْ طلب الأسفار مِقْوَلُه ... و"السيف أصدق أنباءً مِنَ الكتبِ" وإن رَقَى شرفَ الإملاء تحسبُه ... مع التواضع بحرًا سحَّ مِنْ صَبَبِ وكم له مِنْ تصانيف حَلَت وعَلَت ... كالنَّجم تكثُر عَنْ قطرِ الحيا السَّربِ يا مَنْ يقولُ: لقيتُ النَّاسَ في رجلٍ ... دع مَنْ أردت ويمِّمْ نَعتَه تُصبِ ذو همةٍ في النَّدى والعلمِ إن رَفَلت ... في بُردةٍ سَحَبَت ذيلًا على السُّحبِ وسيفُ حكم بأيدي الصَّفح تجذِبُه ... دَقَّت لديه رقابُ الحِقد والغَضبِ ترنَّحت قُضبُ الأقلامِ في يده ... فأثمرت زهرات العلمِ والنَّشَبِ تُنْشِي فَتُنْسِي شفاه الكأس باسمة ... يا حُسنَ جمع حَلالِ الرَّاحِ والقُضبِ مِنْ كلِّ أسمرَ خَمْرِيِّ الرُّضَاب فما ... يفوته حيثُ يحكي الكاسَ مِنْ شَنَبِ واعْجَبْ لِمخْبَرَةٍ كم شَيِّبتْ غسقًا ... سُهدًا ومَفرِقُها المُسْوَدُّ لم يَشِبِ نعم، وأعجبُ مِنْ ذا دمع مِرْمَلَةٍ ... لجَنَّةِ الطِّرْسِ ألقَتْ حُسنَ منقَلبِ وأوقدتْ رملها في نهره وشَدتْ ... جَلَّ المؤلف بين الماء واللَّهبِ وانظر إلى طَوْدِ علمٍ شامخٍ نَشِىءٍ ... يهتزُّ جودًا وبالآمال منجذِبِ طلق المحيَّا إلى الدينار مُبْتَذلٌ ... مجعَّدُ الوجه يُبدي رنَّة الصَّخبِ فيبذل التِّبْرَ مِنْ مالٍ ومِنْ كَلِمٍ ... ما بين منسَبِكٍ منه ومِنسَكِبِ عمَّ البرية بالجدوى فما لِخِبا (¬1) ... أمواله غير أيدي الناس مِنْ طُنُبِ ¬

_ (¬1) في (ب): "لجنى".

فلو أُريحت -معاذ اللَّه- راحتُه ... شَكَتْ لداعي النَّدى مِنْ وحشةِ التَّعبِ فيها الدَّنانيرُ عُشّاق العُفاةِ فإن ... تَفقَّدتهُمْ تَراآهُمُ على حَدبِ فضائل علَّمت شعري مدائحه ... وأنجمُ الليل تهدي كلَّ مرتقبِ يا مهجة الفضل يا عين العُيون (¬1) ويا ... روح العُلا وحياة المجد والحسبِ عُذرًا فإنسانُ شعري جاء ذا عجلٍ ... وَوُسْعُ قولي وضيق الوقت في حرَبِ وهذه بنتُ فكرٍ حثَّها شَغَفٌ ... تجرجِرُ الذَّيلَ مِنْ صُحف على كُتُبِ ويا وليَّ اليتامى قد خطبت لها ... بِكْرًا إن افتخرت للعرب تَنْتَسِبِ نسيبُها جاء في أبياته نَسَبًا ... يا عزَّ ذاك اليتيم الشامخ النسبِ (¬2) تزفُّها الشهبُ في الأفلاك مُبْشرةً ... يا أُختَ خير أخٍ, يا بنتَ خيرِ أبِ مَدَّتْ لعلياك باءاتِ الرَّويِّ خُطًا ... فقد طوت مَهْمَهَ الأوراق (¬3) عن كثبِ ترنو بعينِ قوافيها التي نشطت ... وزانَها الكسرُ يا لَلخُرَّدِ العُرُبِ كأنها الرَّاحُ في كاسات أسطرها ... تحلُو بتكريرِ حرفِ البَاء في الحبَبِ لحُسنها شَخصَ الحُسَّادُ فاستترت ... عن عينهم برداء الحظِّ والأدبِ فإنْ تعارض مدحي مع مدائحهم ... فيكم فهل ترتقي الحَصْبَاءُ للشُّهبِ وإن تساوى كلانا في المقال فيا ... بُعدَ المسافة بين الصِّدق والكذبِ أمَا وأوصافُك المنظومُ جوهرُها ... لولاك ما امتدِّ لي في الشِّعر مِنْ سَببِ بقيتَ يا سيِّد الدنيا صحيحَ عُلًا ... وعشتَ يا بحرَ عِلْم غيرِ مضطربِ ولا برحتَ مدى الأيام تُكسِبُها ... حُسنَ الختام وترقى أشرفَ الرَّتبِ ¬

_ (¬1) في (ب): "العلوم". (¬2) هذا البيت لم يرد في (ب). (¬3) في (أ): "الآفاق".

[الشهاب التروجي]

[الشِّهاب التَّروجي] ومنهم الشهاب أحمد بن عمر بن أحمد التَّرْوجي، فأنشدني مِنْ لفظه لنفسه (¬1). جمالُ أحمدَ جاءت فيه آياتُ ... وفي معانيه قد صحَّت رواياتُ وفي محاسِنِه الحسناء قد وردت ... أخبارُ صِدْقٍ وفي المعنى (¬2) حكاياتُ فالحُسْنُ إمِّا أتَى في واردٍ حَسَن ... دليله أو عزيز فيه غاياتُ وإن تسل عنه في شأن وفي شِيَمٍ ... وفي معانٍ فما تخفى الدِّلالاتُ للشمس والبدر في حَالَيْ كمالِهِما ... مِنْ حيث لا عارضٌ منه استعاراتُ والغُصْنُ فيه قِوَامٌ منه مكتَسَبٌ ... فإن يَمِلْ، فلمَيْلِ الغُصْنِ عاداتُ فما على عاشقٍ يهواه مِنْ حرج ... يومًا وقد لعِبَتْ فيه الصِّباباتُ لو أتلف النفس فيه ثَمَّ لا سرفٌ ... يُرمى به إذ تمنِّيه المنياتُ وقد أقولُ لِمَنْ أضحت محاسنُه ... مِنْ حُسنه ولها فيه أماراتُ سَنَا مُحَيِّاكَ إن يبدو لناظره ... ما في معانيكَ تحكيه الثَّنيَّاتُ والثغر فيه عقودُ الدُّرِّ قد نُظِمَتْ ... لكنْ جَلَتُه لأهليها السَّنيَّاتُ فيعبَق المِسْكُ منها وهي باسمةٌ ... لِمَا بحاجِرهَا هبَّت نُسَيْماتُ كأنها بين جناتٍ تطيبُ بها ... إذا تعاهدها الياقوتُ أوقاتُ قد شقَّ منها ضياء الفجر حين جلا ... جُنْحَ الظَّلام مصابيحٌ جليَّاتُ وأصبح الروضُ بالأزهار (¬3) مبتسمًا ... لما عليه بكت سحبٌ شَجِيَّاتُ وأضحتِ الأرضُ تهتزُّ الغصونُ بها ... كأنما سَقْيُها المعتادُ راحاتُ ¬

_ (¬1) ذكر المصنف البيتين الأولين في ترجمة التروجي من الضوء اللامع 2/ 51، وقال: وسقتها بتمامها في "الجواهر". (¬2) في (ط): "المغني"، تحريف. (¬3) "بالأزهار" ساقطة من (ب).

تختالُ ما بين مرقومٍ ومُنْتَسِجٍ ... كحُلَّةٍ بأعاليها طِرازاتُ ومنشد الحيِّ لمَّا فَاهَ باسْمِكُم ... لبَّى نِداه مع الأحياء أمواتُ كأن ساقينا في أودَعَ مِنْ ... ماءٍ الحياة إلى الأرواح أصواتُ فلا بَرِحْتُم مدى الأيام شمسَ ضحى ... بسرِّها تستضيء المستنيراتُ كأنَّكم في جبين الدَّهر غُرَّتُهُ (¬1) ... وللزمان عقودٌ لؤلؤيَّاتُ يا مَنْ سما في معالي مجده فرأى ... نجومَ سَعدٍ بها تزهو السَّماواتُ جَنابُ فضلك أمنٌ إذ يُلاذُ به ... وفي حماك لِمَنْ تَحْمِي حماياتُ فمِنْ عطاياك جودٌ لا نَفَادَ لَهُ ... وفي قضاياك تنفيذٌ واثباتُ ومِنْ أياديك سُحْبٌ بالنَّدى سَمَحت ... طولَ المدى ولِقَطْرِ المُزنِ ساعاتُ يَحيَا بفضلك في الأيام دَارِسُها ... وبالعلوم فكم تحيَا دراساتُ حدِّث بما شئت عَنْ قومٍ حَفِظْتَ لهم ... قديمَ عهدٍ، فعاشوا بعد ما ماتُوا إنَّ الكرامَ إذا وَلَّت أصولُهم ... تَلي الفروعُ وتتلُوها الكراماتُ فَلِلْمناصِب أعلامٌ وقد رُفِعَتْ ... بنَصْبها لذوي الآراء راياتُ وفِعْلُ أمرِك حكمٌ دلَّ شاهدُه ... بعاملِ الجزمِ إذ فيه علاماتُ منهاجُ أعداك خفضُ والحسودُ بها ... أصابَ سوءًا فأخْطَتهُ المسرَّاتُ تجري بأحكامك الأقلامُ ما برِحَت ... طوعًا ومِنْ سرَّها تُغْنِي الإشاراتُ فكم بها سادَ مَنْ والاه سُؤدَدُها ... وطال ما خدمتها المُرهفيَّاتُ تُبدي الصَّحائفُ ما تُخفي ضمائرُها ... كأنَّما نطقت فيه الجماداتُ قد أُلهمت علمَ سرِّ الحَرفِ فهي به ... تأتي بما سبقت فيه المشيئاتُ قاضي الشريعة زينُ الكاتبين بها ... أولى القضاة كما عنه الولاياتُ شهابُ عدلٍ سَما بالسَّعد طالعُه ... يحكي عَنِ الدِّين ما تُملي الرِّواياتُ ¬

_ (¬1) في (أ): "غرتها".

كفَى أبو الفضل في الأسماء أحمدُها ... نِعْمَ ابن قومٍ لهمُ في الفضل غاياتُ أحكامه عَنْ وُلاة الحكم قد حَجرت ... ما الشافعيُّ له فيه اعتلالاتُ قد أيَّدَ الدين. . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . (¬1) فيا له ركن إسلامٍ (¬2) لمسْتَلِمِ ... يرجو الأمانَ فتكفيه المحاذاةُ مقامُهُ حَرَمٌ تسعى الوفودُ له ... ككعبة الحجِّ والآفاقُ ميقاتُ لو يسمح الدهر لي يومًا (¬3) أنال به ... قُرْبًا وتلك مِنَ الأيام قُرْباتُ لقلْتُ يا مالِكي رقًّا ومذهبُه ... بالشافعيِّ تسمِّيه المهماتُ لا أبتغي منك إلا ما أنال به ... سبيلَ رشدي ومعناه الهداياتُ فأنت مطلبُ مَنْ يرجوك ملتمسًا ... مِنَ الكفاية ما فيه النهاياتُ وإن ظفَرت بقصدي وارتحلت إلى ... ثغرٍ له لشهود الذِّكر أوقاتُ أبثُّ ما عنكم (¬4) صحَّ (¬5) الحديثُ به ... بشَرْطِهِ شاهدي فيه الإجازاتُ نصُّ "البخاريِّ" كم عنكم به قُطِعَتْ ... في الحكم ما اتَّصلت فيه الخُصوماتُ فيومَ خَتْمٍ له في محفلٍ جمعت ... لديكُم مِنْ حُماةِ الدِّين ساداتُ بالعلم فازُوا وبالأحكام قد رَفَعُوا ... مراتبًا في الورى تلك العليَّاتُ نَالُوا الْوَفَا بحديث المصطفى وكفى ... بالمصطفى أنْ به تعلُو المقاماتُ خيرُ الورى جامعُ الأحكام مَنْ شَهِدت ... بفضله عُربها والأعجمياتُ صلَّى عليه إله الخلق (¬6) عدتها ... في علمه وله تبدو الخفيَّاتُ ¬

_ (¬1) بياض في الأصول جميعها. (¬2) في (ط): "استلام". (¬3) في (أ, ب): "يومًا لي". (¬4) في (ط): "عندكم". (¬5) في (أ): "كم"، خطأ. (¬6) في (ط): "الحق".

[ابن العماد الأقفهسي]

ما هَبَّ نشرُ الصَّبا عند الصَّباح وما ... على غُصون النَّقا غَنَّت حَماماتُ [ابن العماد الأقفهسي] ومنهم العلامة الفقيه الشهاب أبو العباس أحمد بن العماد الأقفهسي المصنَّف المشهور. مدح شيخ الإِسلام السراج البلقيني يوم ختم صاحب الترجمة قراءة كتاب "دلائل النبوة" للبيهقي عليه بقصيدة، ذكر فيها القارىء أيضًا، وما وقفت عليها بعد (¬1). [ابن مبارك شاه] ومنهم العلامة الأوحد الشهاب أحمد بن مبارك شاه الحنفي، فقال، وفي ظنِّي أنني سمعتُها منه (¬2): أتبرزُ خدًّا للمقبِّل أم يَدَا ... وتعطِفُ قدًّا للمعانق أمْيَدَا وتُسْبِلُ فرعًا طال سُهدي بليله ... وأطلع من فَوْقِ الغزالة فرقدَا فديتُك لا أخشى الضَّلال بفرعها ... وقد لاح فرقٌ للضلال مِنَ الهُدَى ومِنْ عجبٍ أنِّي خليعُ صبابةٍ ... وشوقي إليها لا يزالُ مجدَّدًا وأعجب مِنْ ذا أنَّ لِينَ قوامِها ... تثَنَّى بجمعِ الحُسْنِ يخطر مُفْردَا لها سيفُ جفنٍ فوق دينارِ وجُنَةٍ ... فيا فَقْرَ قلبٍ قد رآه مجرَّدَا ولحظٌ غدا في السِّحر فتنةَ عاشقٍ ... يخيَّل مِنْ حبل الذَّوائب أسودَا وعنقُودِ صُدغٍ أسكر اللحظ خَمرُه ... فعذرًا إذا ما اللَّحظ بالسَّيفِ عَرْبدَا ¬

_ (¬1) زاد في (ح): "ولعلي أقف عليها وألحقها هنا"، وقد ترك المصنف بياضًا هنا نحو نصف صفحة, وتركه من بعده أيضًا ناسخو الأصول الخطية المعتمدة في التحقيق. (¬2) وقد أشار المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 2/ 65، حيث قال: وامتدحه (أي امتدح ابن حجر) بقصيدة طنانة داليّة، أودعتها "الجواهر"، وغالب الظن أنني سمعته ينشدها له.

فللَّهِ طرفٌ كاملٌ في فُتوره ... حمى مَبْسمًا فيه الرَّحيق مُبَرَّدَا وللَّه عِطفٌ إن ترنَّح يَنْثَني ... ترنَّحَ حتى خِلْتُ عطفًا مؤكَّدَا ومُذْ قلت إنَّ الوجهَ للحسن جامعٌ ... غدا الطَّرْفُ في محرابه متردِّدَا ولِمْ لا يكونُ الوجهُ قِبلَة عاشقٍ ... إما ما جَلَا ركنًا مِنَ الخال أسودَا فوالهفَ قلبي حين تَقليه في اللِّقا ... على قبس من خدها قد توقَّدا ومجنون طرفي في شبابيك هُدْبه (¬1) ... بسِلْسِلَةٍ منْ دمعه قد تقيَّدَا لحا اللَّهُ مَنْ يُوْمِي إليَّ بلَومهِ ... ويعلم أنِّي لستُ فيها مُفَنِّدَا (¬2) ولو لاح للَّاحي بديعُ جمالها ... لما راحَ فيها اليومَ يَلْحَى ولا غَدَا لها طلعةٌ أبهى مِنَ الشَّمس بهجةَ ... كأنَّ شهاب الدِّين في وجهها بَدَا شهابٌ ضياءُ الدين مِنْ نُورِ فضله ... زكيُّ على الآفاق يُشرق بالهُدَى وبحرٌ رأيتُ القلب منه بصدره ... ولكن حوى ذهنًا غدا متوقِّدا وطودُ سخاءٍ لاحَ في لقب يُرى ... شهابَ الهدى يبدو على عَلَمِ النَّدى بعَدلٍ وبذلٍ يوم جود ونقمة (¬3) ... مُبِيْدٌ مفيدٌ للمحبين والعِدَا فكم مِنْحَةٍ أهدى وكم مِحْنَةٍ عدا ... وكم باطلٍ أردى وكم طالبٍ هَدَى وكم رُمت محمود (¬4) الأيادي فلم أجد ... بعَصْرِي رئيسًا (¬5) غيرَ أحمد أحمدا وناهيك مِنْ قَدرٍ حماه وكاد أن ... يذودَ الورى مِنْ أن يكون محسَّدَا وأشياخه دانت لفضلِ كماله ... ولم تَحْوِ ما قد حاز مُذْ كان أمردَا له عادةٌ في الفضل تُنْشِدُ دائمًا ... "لكلِّ امرىءٍ من دهره ما تعوَّدَا" ¬

_ (¬1) في (أ): "طرفه". (¬2) في (أ): "مقيّدًا". (¬3) في (أ): "نعمة". (¬4) "محمود" ساقطة من (أ). (¬5) "رئيسًا" ساقطة من (ب).

له منطقٌ في كلِّ عقد يحلُّه ... مِنَ الشَّهد أشْهَى حين يحضر مَشْهَدَا له قلمٌ كالمِيْلِ والنِّقسُ كحلهُ ... يُداوي به مَنْ كان في النَّاس أرْمدَا فما السُّحُب إن أسدى وما النَّجم إن هَدَى ... وما العَضْبُ إن أردَى وما السَّهمُ إن غَدَا بكفِّ كريمٍ في عُلوِّ علومه ... حوى قصبات السبق مِنْ غاية المدَى لئن حاز حسن الخطِّ والحظ والنُّهَى ... فما سوَّد التَّصنيفَ إلا وجوَّدَا وزهَّد في التَّأليف كلَّ مؤلِّفٍ ... فصار بتأليفِ الحديث مزهِّدا وأحيا مواتَ العلمِ فينا رُواؤُه ... فروَّى وأروى حين أحيا من الصَّدى لقاضي قضاة المسلمين مواهبٌ ... تفوقُ عقولَ الخَلْقِ مِنْ عِظَم الجَدَا فلا مُعسرٌ (¬1) إلا وأصبحَ ذا غِنًى ... ولا ذُو غِنًى إلا ومنه تَزوَّدَا إما ما حضَرْتَ اليومَ مجلسَ حُكمِه ... ترى منه ما فيه الخلاصُ له غدَا ترى الشافِعيَّ الطَّاهر الحكم مِنْ أذى ... يؤدي قضاءً ظاهر العدل في الأدا ويُخْمِدُ سوط الظُّلم في مِصْرَ نهيُه ... ألم تنظر الطَّاغين في مِصْرَ هُمَّدَا ويُصلح بين الظَّبْيِ والذِّئب أمرُه ... فلست ترى ظَبيَ الفلاةِ مشرَّدَا فتى عزَّ منه الجارُ في جانب الحِمَى ... فقد صار لا يُعدَى عليه إذا عَدَا فدم لجميع النَّاس في العصر سيِّدًا ... لأنَّك في العلياء قد لُحت مُفْردَا وأفتاهمُ علمًا وجودًا ونجدةً ... وأحماهم جارًا وأعظمُ سؤددَا وأكرمُ أهل الأرض في الناس معشرًا ... وأزكاهُم نفسًا وأشرفُ محتِدَا وأوفاهُم عهدًا وأرجَحُهم حِجًا ... وأحسنهم وجهًا وأطهر مولدا عن الصَّعْبِ يَروونَ المكارمَ للورى ... ولا زال عَنْ سهلٍ عطاؤك مُسْنَدَا وعلمك جمٌ والتَّصانيفُ جُملةٌ ... وواللَّه ما في العصر غيرُك يُقتدَى "صحيح البخاري" مُذْ شرحتَ حديثَه ... بفتحٍ مِنَ البَارِي ونصرٍ تأيَّدَا ¬

_ (¬1) في (ب، ط، ح): "مقتر".

فكم مغلَقٍ بالفتح أصبح واضحًا ... إلى فهمه لولاك ما كان يُهتدَى وكم طالبٍ قد كان بالنَّسخ مُرمَدَا ... فجاء له بالفتح للعين مِرفَدَا وبات قريرَ العينِ للنَّسخ دائمًا ... بفتحك كنزًا للسعادة سرمدَا وبشَّره بالسَّعْدِ مِنْ بعد فاقةٍ ... بشيرٌ مِنَ الباري فأصبح مُسْعَدَا فلله فتحٌ طنَّ في الكونِ ذكرُه ... وغار إلى أقصى البلاد وأنجدا هنيئًا له قد سار (¬1) بين ذوي النُّهى ... وما سار حتَّى صار مثلَك أوحدا وكم صَدْرِ صَدْرٍ قد شرحت بختمه ... وكم حاسدٍ بالهمِّ فيه تنهَّدا وكم ضمَّةُ جِلدٌ على حبِّه انطوى ... فأظهر خدًّا بالسُّرور مورَّدَا فحسبك ربُّ النَّاسِ مِنْ شرِّ حاسدٍ ... ومِنْ عينِ شيطانٍ إليك تعمَّدَا فأنت الذي فينا تُعدُّ بفارس ... لوقعة بحثٍ كم أقامَ وأقْعدَا وأنتَ الذي فهَّمتنا "شرح نُخْبَةٍ" ... بتنقيحها علمُ الحديث تمَهَّدَا مَزَجْتَ بها يا طيِّبَ الأصل شرحها ... بأعذبِ لفظٍ طابَ للفهم مَوردَا فَهِمْتُ بها لمَّا فَهِمْتُ دَقَائِقًا ... بها صار عيشي في المحافلِ أرغدَا وزرتُ بمدحي حيثُ جئتُ مقصرًا ... فطفت بسبع واظبَ الخمسَ بالنِّدا وولَّدْتُ مِنْ فكري بأوصافِ ذاته ... رقيقًا بوَصْفِ الحُسن منه مولَّدَا قطعتُ به من أسْودِ اللَّيل مَهْمَهًا ... على صَهوةٍ مِنْ دُرِّ نظم (¬2) تَنَضَّدَا جوادٌ إذا أرسلتُ فضلَ عِنَانِه ... يُبلِّغُني مِنْ غايةِ الشَّرَفِ المَدَى كنفحةِ مِسْكٍ قد تضاعف نشرُها ... بألسُنِنا ممَّا تُعاد وتُبْتَدَا لتصرف لي (¬3) وجهَ القَبُول فإنَّني ... فتًى لم أحاول غيرَ ذلك مقصدَا ¬

_ (¬1) في (ب): "ساد". (¬2) "نظم" ساقطة من (ب). (¬3) في (ط): "في".

[الشهاب ابن صالح]

فأسْعِدْ مُجيزًا كلَّ قارىء "نخبة" ... بمدحك يرجو أن يفُوز ويَسعدَا فلا زال ركبُ المدحِ (¬1) مِنْ كلِّ وُجْهَةٍ ... يؤمُّكَ حاديه ويقطع فَدْفَدَا (¬2) فَعِشْ لوفودٍ سِيْقَ نحوك عِيسُهم ... إذا زمزم الحادي بذكْرِكَ أو حَدَا وقال أيضًا: يا حبَّذَا "النُّخبة" مِنْ دُرَّهْ ... فريدة مشرقة رطبهْ غاص لها الفكر ببحر النُّهى ... وارتاض فيه فاصطفى النخبهْ [الشهاب ابن صالح] ومنهم العلامة البارع المفتَّن النَّادرة، الشهاب أحمد بن محمَّد بن صالح الإشليمي، نُخْبَةُ أقرانه. له في صاحب الترجمة الكثير، لكن لم أجد عندي إلا ما كتب لي بخطه مدحًا فيَّ، وسمعتُه مِنْ لفظه ما نصه: فكأنني (¬3) عنيتُه بقولي في شيخه، شيخِ الحديث قديمًا. إذ نثرت عليه عِقْدَ مدحي نظيمًا. وقد حفظَ اللَّهُ الحديثَ بحفظه ... فلا ضائعٌ إلا شَذَى منه طيِّبُ وما زال يملا الطِّرْس مِنْ بحرِ صدرِه ... لآلىء إذ يُملي علينا ونكتُبُ ثم ظفَرْتُ بهما في قصيدة طويلة طنَّانة، امتدح بها المذكورُ صاحبَ التَّرجمة، وهي هذه: لواحظُه تَجْنِي وقَلبي لي يُعذِّبُ ... ولا سَلْوَتي عنه ولا الصبرُ يَعْذُبُ (¬4) ¬

_ (¬1) في (أ): "الوجه". (¬2) في (ب): "فرقدا". (¬3) أورد المصنف هذه العبارة والبيتين بعدها في ترجمة ابن صالح من الضوء اللامع 2/ 115، وألمح إلى المنظومة التي أوردها هنا. (¬4) في (ب): "معذب"

غزالٌ بجفنيه من السُّقم كِسرةٌ (¬1) ... على أخذ أرواح البريَّة يُنصبُ غريرٌ كحيلُ الطَّرفِ أسمرُ أحورٌ ... أغنُّ رخيم الدَّلِّ ألعسُ أشنبُ إذا ما بدا أو مَاسَ أو صَالَ أو رَنَا ... فبدرٌ وخطيٌّ وليثٌ ورَبْرَبُ خُذوا حِذْركم إن صَال كاسرُ جفنِه ... فكم صادَ قلبي منه بالهُدْبِ مِخلَبُ هو الشَّمسُ بُعْدًا في المكان وبهجةً ... ولكنَّه عن ناظريّ (¬2) محجَّبُ تعشَّقتُه حُلْوَ الشَّمائل أغيدًا ... يكاد بألحاظِ المحبِّين يُشربُ وأسكنتُه عيني التي الدَّمعُ مِلُؤها ... وهيهات يُرضيه خِباها المُطَنَّبُ عجِبتُ لماء الحُسْنِ فاضَ بخدّه ... على أنَّ فيه جَمْرةَ تتلهبُ وأعجبُ مِنْ ذا أنَّ نبت عِذَارِه ... بأحمرَ ذاك الجمرِ أخضرُ مخضبُ (¬3) لئن كان منه الوجهُ أصبح روضةً ... ففيه رأيتُ الحُسْنَ وهو مهذَّبُ وإن كنتَ يا قلبي سعيدًا بحبِّه ... فإنَّ عَذُولي في هواهُ المسَيبَّ وإن طاب في وصف الغزال تَغَزُّلِي ... فإنَّ ثَنَا قاضي القضاة لأطيبُ هو المشتري بالجود بيتًا مِنَ العُلا ... بِبَيْتِ السُّها ساهٍ له يتعجبُ شهابٌ رَقا العلْيا بِصِدْقِ عزائم ... فلا مطلبٌ عنه مِنَ الفخر يُجحبُ وحاز سهامَ الفضل مِنْ حيثُ قد غدا ... قديمًا إلى أعلى كِنَانَةَ يُنسبُ أبو الفضل لا ينفكُّ بالفضل مُغرمًا ... ولا عجبٌ أن يفتتِن بابْنِه الأبُ بنو حَجَرٍ بيتٌ عليٌّ وأحمدٌ ... له كعبةٌ حجُّوا لها وتقرَّبُوا لأعْجَبُ ممَّا يحمَدُ النَّاسُ فعلَه ... ولكن وفاق الإسم والفعلُ أعجبُ ¬

_ (¬1) في (أ): "سكرة"، تحريف. (¬2) في (ب): "ناظريه"، وكذا في المختصر للسفيري، وفي نظم العقيان للسيوطي ص 60، حيث أورد هذه القصيدة. (¬3) في (ب، ط): "مخصب".

تحلَّت به الأيامُ فانظر تر الضُّحى ... يُفَضِّض منها والأصيل يذهِّبُ له راحة لو جارت الغَيثَ في النَّدى ... تقطَّر في آثارها وهو متعَبُ ألم تر أنَّ السُّحْبَ أمست من الحيا ... إذا ما بدا منه النَّدى يتسحَّبُ يُجَلِّي دياجيرَ الخُطُوبِ يراعُهُ ... فلله منه في دُجى الخطب كوكبُ ويُشْرِق ما بين الأنام كأنَّه ... سنا بارقٍ من خلفه الغيثُ يُسكبُ يدير طِلا الإنشاء صِرْفًا فنتشي ... ويُسمِعُنا شَدْوَ الصَّريفِ فنطرَبُ تجاسر عودُ اللَّهْوِ يحكي صريفَه ... فمِنْ أجلِ هذا أصبح العودُ يُضْرَب له اللَّه مِنْ عالي السَّجِيَّة عذبها ... كما انهلَّ من صَوْبِ الغمائم صَيِّبُ تجانس مَربَاهُ البديعُ ولفظُه ... فيا حبِّذا في الحالتين التأدبُ طباعٌ مِنَ الصَّهْبا أرقُ ومنطِقٌ ... إلى الصَّبِّ مِنْ ريقِ الحبائب أعذبُ روى عَنْ سجاياه السَّخِيَّات سهلُها ... وعن سطواتِ البأس حدَّثَ مصعَبُ لِيَهْنَ الإمامُ الشافعيُّ بأحمدٍ ... فَتًى مَا لَهُ إلا الفضائل مذهبُ إمامٌ لأشْتَاتِ البلاغةِ جامعٌ ... يقاس بقُسٍّ حين يَرْقى ويخطُبُ فقيهٌ إذا رام الكفايةَ طالبٌ ... يفيضُ عليه مِنْ عطاياه مطلبُ وقد حفِظَ اللَّه الحديثَ بحفظه ... فلا ضائعٌ إلا شذًى مِنْهُ طيِّبُ وما زال يَمْلَا الطِّرْسَ مِنْ بحر صدره ... لآلىء إذا يُملي علينا ونكتُبُ وأظهر في "شرح الصحيح" غرائبًا ... يُشَرِّقُ طورًا ذكرُها ويُغَرِّبُ وبارئُه بالفتح منه أمدَّه ... ونال بحسن الختم ما كان يطلبُ وكم فيه مِنْ بابٍ يدلُّك أنَّه ... لسُبْل الهدى بابٌ صحيحٌ مجرَّبُ ولم أنسَ إذ بالتَّاج والقرطُ تجتلي ... عرائسُه والحُسْنُ لا يتحجَّبُ وأجمعَ مَنْ فوقَ البسيطة أنه ... إمامٌ وجهلُ الحاسدين مركَّبُ أسيدَنا قاضي القضاة ومَنْ به ... تُهنَّى ولاياتٌ ويُغبط منصِبُ ويا واحدًا قد زان علياه أربَعٌ ... تُقى وعلومٌ واحتشامٌ ومَنْسِبُ

تولَّيتَها بالعلم لا الجاهِ رتبةً ... غدت بك تزهى مِنْ فَخَارٍ وتَعجَبُ وفي رجَبٍ وافت إليك فآذنَت ... بأنَّك فردٌ في البرايا مُرَجِّبُ ومُذ كنتَ أكْفى النَّاس قاطبةً لها ... أتت بابَك العالي لمجدِكَ تخطُبُ وقد صَدقَتْ رأي الإِمام فأقبلت ... تضمُّك عنه نحوَه وتُرَحِّبُ لعمري ولو يحيا ابنُ إدريسَ بُرْهَةً ... بدت رؤيةُ الرُّؤيا التي لا تُكذَّبُ فأنت بما وُلِّيت أولى وأنت بالمعا ... رفِ والمعروفِ أدرى وأدرَبُ وكلُّ غمامٍ غيرُ فضلك مُقْلِعٌ ... وكلُّ وميضٍ غيرُ برقِكَ خُلَّبُ نعم وعلى نُعماك نعقد خِنْصَرًا ... ونبسُطُ في القصد المساعي ونرغَبُ ونبغي بمغناك الغِنَى فلأجل ذا ... ترانا بموصولِ النَّسِيبِ نُشَبِّبُ فخذ مِنْ ثنائي كالكؤوس محبَّبًا ... وكأسُ الثَّنا عندَ الكرامِ مُحبَّبُ بجودك سِعرُ الشِّعرِ في النَّاس قد غَلا ... إلى أن غدت أوزانُه تتسبَّبُ وليس يساوي قدرَكَ العالي الثَّنَا ... وإن أوجزَ المدَّاح فيه وأطنَبُوا وإنَّا لنرجوا العفوَ منك لهفوِنا ... فما زلت تعفُو حين نهفُوا ونُذنِبُ بقيتَ شهابًا في سما الفضلِ طالعًا ... وبدرُكَ وضَّاحُ السَّنَا ليس يَغْرُبُ وعشت لمجدٍ يستجدٌّ بناؤُه ... وحسن ثناءٍ عَنْ معاليك يُعْرِبُ ورأيت بخطه فيما أرسله لصاحب الترجمة، وأنشدنيه متكلِّفًا: مولاي قاضي القضاة انظر لعبدك مِنْ ... ضُرٍّ تضاعف حتى صار ضُرَّينِ رمِدتُ فاسْتَهْلَكَ الكُّحِّالُ ما بيدي ... لقد أُصِبْتُ على الحالين في عَيْنِي وقوله أيضًا: أقاضي قضاة الفضل عطفًا فعبدُكم ... إلى جودكم يشكو تجدُّد حَيْنِهِ فقد مسَّه الضُّرُّ الذي كان مسِّه ... وعاوده ذاك المصابُ بعَيْنِهِ

[ابن عربشاه]

[ابن عربشاه] ومنهم العلامة أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن عرب شاه الدِّمشقي الحنفي، فأنشدني لنفسه (¬1). الشوق يُنهض والجلالة تُركِد ... أبدًا فبي منك المقيم المقعدُ أُذنِيك في وهمي فأركعُ (¬2) هيبةً ... ولربَّما غلب الغرامُ فأسجدُ وأرومُ لثمَ خيالِ أقدامٍ سعت ... فتمدُّ نحوَ ترابِ موطِئها اليدُ وإخالني في مِخْلَبٍ أرقى إذا ... جاوزت أني عن جنابك (¬3) مبعَدُ ولقد قَنَعْتُ بضيفِ طيفِك في الكرى ... صَوْتًا لقدرِك لو جُفونِي ترقُدُ وكتمتُ حبَّك في الحشا فوشى به ... دمعٌ يَصُوبُ وزفرةٌ تتصَعَّدُ هذا يبدِّدُ ما جرى للصَّبِّ مِنْ ... ألم الجَوى ودخانُ تلك يُسوِّدُ لولا قيامةُ عاشقٍ قامت لما ... كانت جوارحه عليه تشهَدُ عجبًا لها مجروحة قُذِفَت زِنَى ... وقبولها مِنْ قذفِها يتأكدُ وألذ ما يلقى المتَيَّمُ في الهوى ... جفنٌ يَفِيضُ ومهجةٌ تتوقَّدُ تحكي الرَّبيعَ بزهرِ ثغرٍ باسمٍ ... مِنْ مُزن جفنٍ واللسان يغرِّدُ فتراه في حاليه مَعْ أحبابه ... في السُّكر إن أدنوه أو إن أبعدُوا إن أعرضوا عنه يمُتْ في حبهم ... أو يَنْظُروه يَعِشْ حياةً تُسْعِدُ وأشدُّ ما يُنكي المحبَّ تحزُّنٌ ... مِنْ شامتٍ أو حاسدٍ يتودَّدُ وأمرُّ منه أحبِةٌ لم يَفْرِقُوا ... بين الصَّديق وبين حِبِّ يحسُدُ ¬

_ (¬1) أشار المصنف إلى هذه القصيدة، وقال: إنها "بديعة أتى فيها بألغاز وتعامٍ وأهاجٍ وجناسات، وتلعَّب فيها بضروب الأدب، أودعتها في "الجواهر والدرر"، سمعتها منه". وأورد شيئًا من لطيف أبياتها. (¬2) في (أ): "فأرفع". (¬3) في (أ): "خيالك".

أحبابَ لا بَابًا أرى مِنْ مدمعي ... نحوَ الوصالِ ولا معي متجَلِّدُ رفقًا بصحبِّ (¬1) لو توهُم سلوةً ... لأحسَّ ضربَ السَّيفِ وهو مقيَّدُ إذ لو سَهَا عن ذكر سالبِ قلبِه ... لطمَتْه أيدي الوَجْدِ أنَّى يقصِدُ واحرَّ خَدٍّ سَوفُ شوقٍ خِلْته ... طيرًا إلى جو السَّما يَتَصَعَّدُ آها على زمنِ المحبِّ وحبِّه ... كلٌّ بكلِّ في الهوى متفرِّدُ لا يَبْتَغِي مَرمَى لسهمِ لحاظه ... إلا فؤادًا غيره لا يُقْصَدُ الدهرُ يُسعفُ والحبيبُ مواصلٌ ... والعمرُ غَضٌّ والحواسدُ رُقَّدُ فَتَنَبَّهَتْ عينُ الرَّقيب فكدَّرت .... صفوَ المُحِبِّ فعيشُه متنكدُ فجفا الأحبة صبُّهم فكأنهم ... أدب. . . . (¬2) أو أديب ينضدُ يشكو فلم يُسْعِدْهُ غيرُ كَئِيبةٍ ... ورقاءُ في غَصنِ الرياض تغرّدُ يُرمى بقارعة الطَّريق فما له ... مِنْ ملجأ إلا الإمامُ الأمجدُ قاضي قضاة المسلمين وشيخُهم ... ذو المسْنَدِ العالي الكبير المسنِدُ العالمُ العَلَمُ الإمامُ كذا العلا ... العاملُ الحَكَمُ الهُمامُ الأوحدُ علَمُ الهُدى غيثُ الندى غيظ (¬3) العدا ... غمرُ الرِّدا بدرٌ بَدَا لا يُجْحَدُ يُنْهي حديثَ المصطفى إملاؤُه ... عن ظهر قلبِ بالذَّكَا يَتَوَقَّدُ فكأننا عند السماع صحابةٌ ... يُلقي شريعتَهم إليهم أحمدُ أو وارِدُوا حوضٍ عِطاشًا قد سقى ... أكبادَهم خيرُ الأنام محمَّدُ أو طالِبوا الدِّينِ الحنيفِ ولفظُه ... يبدي معالمَه وفيها يُرشِدُ فإذا تصدى مُمليًا نادى الهدى ... يا أُمَّةَ الهادي هلمُّوا تهتَدُوا هذا أمينُ الأمةِ الحَبْرُ الذي ... مِنْ بحره نهر الشريعة يُورَدُ ¬

_ (¬1) في (ط): "بقلب". (¬2) كذا ورد هذا البيت ناقصًا مختل الوزن. (¬3) في (أ): "غيث".

خُض بحرَ لفظِ حديثه تَغْشَ العُلا ... واجزِمْ بصدقِك ناطقًا إذ تُسنِدُ كم زيَّن الأسماع شِنْفُ كلامِهِ ... بِجَنِيِّ دُرٍّ في الملاحة يُنضَدُ وجرى لشائم (¬1) بَرْق أيْدِيْهِ نَدًى ... مِنْ كفِّه جريًا يعجٌّ ويَرْفِدُ غيثٌ شفَى شَجَني بفيضِ تفيُّضٍ ... طرد الأوامَ وهل سواه مورِدُ خذ مِنْ مُضاف أبي حنيفةَ مفردًا ... صحِّف مِنَ احرُفه ومدَّ له يدُ أولا فأسْنِدْ فعلَ بسطٍ ماضيًا ... تلقاه قد حاجاك ذاك المفردُ وبدا كلامٌ فيه فائدة فإن ... صحَّفته تلقاه نِعْمَ المسندُ أورى مديحًا جلَّ في ترتيبه ... إذ قد غدا كالطَّودِ بل هو أسمَدُ يا مَنْ بطيب حديثه ملك الورى ... فالكلُّ عندَ سماعِه لك أعبُدُ حلَّيتَ أسماعًا وذوقَ أولي النُّهى ... مِنْ دُرِّ شهدٍ دُرُّهُ متنضِّدُ وعقودُ أحكامِ الكتاب بسنةٍ ... إجماعُ أهلِ الدِّينِ منها يُعقدُ وكسوتَ أخبارَ النبيِّ جلالةً ... فلها العلا ولك السَّنا والسّؤْدَدُ ولكل شيءٍ مَعْدِنٌ فالمسك من ... تُرْكِ الخطا ومِنَ الهنود مهنَّد والبحر فيه لؤلؤٌ والطود في ... أحشائه فيروزَجٌ وزَبَرْجَدُ والروض والأزهار (¬2) أنواع وفي ... عرق الثرى تِبْرُ النُّضار وعسجدُ لكن فؤادك معدنُ الصِّدقِ الذي ... أبدًا على مرِّ الدُّنا متجدِّدُ المسكُ مِنْ أخلاقه متطيبٌ ... والسّيفُ من أحكامِهِ متجرِّدُ والدُّرُّ مِنْ ألفاظه متناثرٌ ... والزَّهرُ مِنْ أكمامه متبدِّدُ وتُرابُ نعلِك عِندَ أربابِ النُّهى ... أعلى وأغلى مِنْ نُضَارٍ يُنقَدُ إن قيل سادات الورى مَنْ هُمْ؟ أقُل: ... أهلُ الحديث وأنتَ فيهم سيِّدُ ¬

_ (¬1) في (ب): "لسائر". (¬2) في (ب): "والزهر".

[ابن كحيل]

يا سالكًا سُنَنَ الهداية رافعًا ... علمًا جميعُ العالمين به هُدُوا خذها بديهًا وهي منك ولا مِرَا ... إذ منك كلُّ فضيلةٍ تتولَّدُ واقبَلْ -فديتُك- عُذرَ عبدٍ قاصرٍ ... ما قصدُه إلا ثناءٌ يخلُدُ يا مَنْ لذكرك في الفؤاد ولم يزل ... منِّي الأيادي والجوارحُ تَشهدُ ثم آمنًا من نَمَّ أنما آمن ... دُمْ حامدًا ما أمَّ آدمَ أحمدُ [ابن كُحيل] ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن كُحيل المغربي. أشدني من نظمه، وخاطب بذلك صاحب الترجمة: قد فزتُمُ بين الأنامِ وحُزتُمُ ... رَهنَ السِّباق بنشر "فتح الباري" فاللَّه يكلؤُكُم وُيبقي مجدَكُمْ ... ويَحُوطكُم مِنْ أعينِ الأغيارِ وقوله: تاللَّه إنَّك ركنُ العلم مستلَمٌ ... منه المعاني إذ الأعلامُ تفتخرُ وأنت في كلِّ قَطْرٍ كعبةٌ شهرت ... ما يرحم القطر حتى يُكْرَمَ الحجرُ مَنْ رام يا بدرُ مَحْوَ الخال منك مَحَا ... نُسْكَ العبادِ فما حجُّوا وما اعتمرُوا بالشرقِ والغرب لا يُنشي وفودِيَ في ... نجم المعارف فالحسنى لك البِشَرُ فقم بمصر عزيزًا زينةً الرُّسخا ... ودُمْ فكلُّ المعاني منك تُبتكرُ [ابن القُرْدَاح] ومنهم: العلامة واعظ العصر الشهاب أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن القُرْدَاح، مدحه كثيرًا بما ليس الآن عندي منه شيءٌ، وطارحه بأبياتٍ على قافية التاء المثنَّاة، معتذرًا عن قضية اتَّفقت له، أبرزها في قالب الاستفتاء، ولعلِّي أن أظفر بها أو بشيء غيرها، فأثبته.

[الشهاب الحجازي]

ثم ظفرت بخطه بأبيات هي (¬1): الحمد للَّه طاب العيش وانبسطت ... نفوسُنا حين زال الهم وانصرفَا بُبرْءِ قاضي القضاة العالم العلم البـ ... ـحر الخِضَمِّ ومِنْ للرُّسْل قد خَلَفَا قد أظهر اللَّه في توعيكه عجبًا ... للخلق شاع جهارًا ليس فيه خَفَا لما شكا جسمُه نقصًا فشابهه ... بحرُ القياسِ وولَّى يطلُبُ التَّلفَا وحين عُوفي زاد البحرُ وانحدرت ... أمواجُه ثم نلنا فرحةً ووفَا [الشِّهاب الحجازي] ومنهم الشيخ أبو الطيب أحمد بن محمد بن علي بن حسن الحجازي، وله فيه شيء كثير. فممَّا رأيتُه عدي بخطِّه: ما كتبه إليه وقد عُوفي من رمدٍ عَرَض له: لا تختشي من رَمَدٍ ولا تخف ... مِنْ حاسدٍ وارْضَ له بالبَيْنِ فاللَّه عافاكَ على رُغْم العِدَا ... نَعَمْ وقد كفَاكَ شرَّ العينِ ومنه ممَّا كتب في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة: مولاي يا قاضي القُضاة ومَنْ غَدَتْ ... كلُّ الورى تَفديه بالأحْداقِ هُنِّيت عامًا مقبلًا يا سيدي ... وسَمَوْتَ للعلياء باستحقاقِ أهل الحُبُوس بأسرهم أطلقتَهم ... وأسرتَهم بمكارمِ الأخْلاقِ كم مِنْ لسانٍ بالثَّنَا أطلقتَه ... فلأنتَ ممدوحٌ على الإطلاقِ ومنه قوله: شكرًا لرب السماء ... على جزيلِ العطاءِ ¬

_ (¬1) كتب المصنف هذه الأبيات بخطه في (ح)، وقد أوردها في الضوء اللامع 2/ 143، وشيخه صاحب الترجمة في المجمع المؤسس 3/ 77 - 78.

فقد سُرِرْتُ بيومٍ ... قد نلتُ فيه مُنَائي والمنصبُ الآن أضحى ... ذا بهجةٍ وسناءِ بشيخ الإسلام حقًّا ... والحَبْرِ في العُلمَاءِ شهابِ دين إله الـ ... ـعِبادِ رب العَلاءِ رأسِ السِّيادةِ فينا ... وسيِّدِ الرُّؤساءِ كنزِ العُلوم بحقٍّ ... ومطلبِ الفُقَراءِ كم طالبٍ قد أتاه ... أولاهُ خيرَ وَلاءِ الوجهُ عن بِشْرِ يَروي ... وكفُّه عَنْ عطاءِ حديثُه طاب نَثْرًا ... وفيه طيٌّ لدائي يا بحرَ عِلْمٍ ولكن ... لم يضْطَرِب بالهواءِ أُوتِيتَ بَسْطَةَ علمٍ ... بمصرَ في الفُقَهاءِ وأنت مِنْ خيرِ قَوْمٍ ... تخلَّقُوا بالوفاءِ وبعد كسرٍ أتتنا ... بشائرٌ بالهناءِ وللأنام ابتهالٌ ... في صُبحِهِمْ والمساءِ لربِّهم بدُعاءٍ ... لكم بطُول البقاءِ وليس فيهم مُرَاءٍ ... حقًا بغيرِ مِرَاءِ هذا لعَمْرِيَ بيتٌ ... عليه قَصْرُ ثنائي وحقٌ إذ عم فضلًا ... يَخصُّه بالدعاءِ أعِنْهُ يا خيرَ عونٍ ... والطُفْ به في القضاءِ ومنه مما قرأته بخطه قوله: إنْ فَرَّقَ اللحظ فيَّ الفتك أم والى ... لا تتركَنْ بعدَ أخذِ الرُّوحِ أموالا فالقتل أيسرُ ما يُلقى المحبُّ لِذَا ... عَذابُه عنده عذبٌ ولو طالا

فمن تفنُّنِ عشقي في هوى قمري ... أحبُّ مِنْ أجل ذكرِ الحبِّ عُذَّالا وإن وَفَى الحِبُّ وافاني الرَّقيبُ فَمِنْ ... فرطِ المَسَرَّةِ أهوى مِنهُ إقبالا للَّه خفةُ رُوحٍ منه واعجبًا ... وكم حملتُ بها في الحُبِّ أثقالا وسيفُ ناظرِه حَدَّاه كم قَطَعت ... إن لم يَصْل قبل قطعٍ منه أوصالا ولا عجيب إذا ما كان في فمه ... حلاوةٌ مذ أرانا القَدَّ عَسَّالا أو مال قدٌّ له سكرًا فلا عجبٌ ... إذا تضمَّن منه الثَّغرُ جِربالا وليلةٍ جمعتني والحبيبَ غدت ... في وجنةٍ لزمانٍ مَرَّ لي خَالا والقُضْبُ في الرَّوضِ قدْ مالت له وغَدتْ ... لما تَثَنَّى تبُوسُ الأرض إجلالا والنَّرجِسُ الغَضُّ في الأَدْواحِ قام على ... ساقٍ وقبَّل أيضًا منه أذيالا والدَّوْحُ لما اكتسى مِنْ زهره حُللًا ... من غَيْضِه قد تردَّى الغصنُ أسمالا والرَّوضُ يضحك مِنْ فعل السَّحابِ وقد ... بكى وأسْبَل دمعًا فيه هطَّالا والأرضُ تشكرُ إنعامَ السَّماء كما ... شكري لأنُعُم خيرِ الناس (¬1) ما زَالا قاضي القُضاةِ شهابِ الدين أحمدَ مَنْ ... لا زِلْتُ أحمدُه ليلًا وآصالا وشيخ الإِسلام كهف الناس مَنْ جُعلت ... سِماتُه مِنْ (¬2) عُلَا علياه إذُ لَالَا ما زاغ يومًا عَنِ السُّؤَّال في طلبٍ ... ولم يدع عَرَضًا عنهم ولا مالا وطالبُ العلمِ والجدوى إذا قصدا ... جنابَه وجَدَا فضلًا وإشغالا كم حلَّ مِنْ مُشكلٍ عند المباحث لا ... تُحصى وأبدى مِنَ الأبحاث أشكالا صفاته علَّمتني كيف أمدحُه ... وأظهرت لي مِنَ (¬3) الأفعال أقوالا لا حِلتُ يا عاذلي عَنْ مدحه أبدًا ... وهو الذي عَنْ مزيدِ البِرِّ ما حالا ¬

_ (¬1) في (ب): "الورى"، خطأ. (¬2) "من" ساقطة من (ب). (¬3) في "المختصر": "من له".

[الشهاب المنصوري]

قد كنت آمل (¬1) أن أُعْزَى إليه إلى ... أنْ حقَّقَ اللَّه لي مِنْ ذاك آمالا مع كُثْرِ وُلْديَ مُذ (¬2) أوليتني نعمًا ... لم أشكُ بعدُ مع الإكثار إقلالا أنتَ الخُلاصةُ ذو الأمرِ المُطاعِ وقد ... حويتَ إذ كنت أسمى النَّاس أفعالا وزدتُ عطفًا وتوكيدًا ومعرفةً ... مُذْ جئتُ نحوك بالشَّرح الذي طالا فبَسْطُ عذري عَنِ التَّقصير في مدحي ... إذا غدا مَنْ سِوَى مولاي إهمالا فاللَّه يجعلُ هذا الحولَ مُقترنًا ... باليُمن يقدم إسعادًا وإفضالا واحفَظْهُ في نفسه مع نجلِه أبدًا ... وأصلِحْ به في كلا الحالين أحوالا وله قصيدة أنشدها عند عود صاحب الترجمة مِنْ تجريدة آمد، أولها: صبٌّ قضى حيث لم يقض الذي وجَبا ... مِنْ وصل محبوبه والقلبُ قد وَجبَا وأخرى أنشدها عند ختم "فتح الباري"، أوَّلُها: إذا (¬3) نوَّه الحادي بذكرك أو حدَا ... تيقَّنتُ أنِّي صرتُ في الحبِّ أوْحَدا إلى غير ذلك ممَّا أودَعه في "ديوانه" (¬4). [الشهاب المنصوري] ومنهم: الشهاب أحمد بن محمَّد بن علي بن محمد بن أحمد المنصوري. فمن نظمه: ما أنشده لصاحب الترجمة بحضور الطَّلبة وغيرهم بالخانقاه البيبرسية، وكتبها عنه شيخُنا العلامة ابن خضر، وسمعتها مِنْ لفظِ ¬

_ (¬1) في (ب): "أمن"، تحريف. (¬2) في (أ): "قد". (¬3) في (ط): "إن". (¬4) من قوله: "وله قصيدة" إلى هنا لم يرد في (ب).

ناظمها (¬1). يا رَشَأَ لنوم عيني شَرّدَا ... قد كان عيشي بكَ عيشًا رغدَا يا صادرًا عن مَنْهل الدَّمع لقد ... شاهدتُ من طرفك حَتْفًا وردَا طرفٌ عن التكحيل مُستغنٍ فمَنْ ... رأى غنيًا في الورى مجرَّدَا شَنَنْتَ بالهجرِ عليَّ غارةً ... ولم تَخَفْ في قتلِ صبٍّ قَوَدَا قد كان صبري في الهوى يخذُلني ... لولَا وجدتُ مِنْ دموعي مدَدَا عجبتُ مِنْ فعل الهوى بأهله ... كيف يصيدُ الظبيُ فيه الأسدَا مُذ لاح للعذَّال حسنُ وجهه ... كادوا يكونون عليه لِبَدَا أصبح سكرانًا بخمرِ ريقه ... أما تراه في الحَشَا مُعَرْبِدَا في خدِّه الأحمر آسٌ أخضرٌ ... يحرسُه مِنْ شَعرِه بأسودَا جفاك يا قلبُ وخانَ عهدَه ... فاصْبِرْ وإلا مُتْ عليه كمَدَا مَنْ لمْ يَعُدَّ للجَفَا ليَالِيًا ... بكى دمًا مِنْ دمعه وعَدَّدَا ضلَّ الكرى عَنْ مقلتي لمَّا رأى ... طرائقَ الدَّمع بِخَدِّي قِددَا فحُقَّ لي مذ زار جفني نومُه ... أن أشكرَ الرَّحمنَ ثم أحمدَا سيدَنا قاضي القضاة المرتضى ... للدِّين والدُّنيا إمامًا مُقتدى سَمَيْدَعٌ قد طابَ أصلًا وزكا ... فرعًا ونال رِفْعَةً وسُؤدَدَا فمِنْ قديمٍ هو أزكى عنصُرًا ... وفي حديثِ هو أعلى سَندَا أضحت به الأيامُ مستبشرةً ... وأصبح الشَّرع به مؤيَّدا ¬

_ (¬1) أشار المصنف إلى هذه القصيدة في الضوء اللامع 2/ 150، حيث قال في ترجمة ناظمها: وامتدح غير واحد من الأعيان، ومنهم شيخنا، كما أثبت قصيدة له فيه "بالجواهر"، أنشدها بحضرته قديمًا، وكتبها عنه الأكابر، كشيخنا ابن خضر, وسمعتها من لفظه مع أشياء.

وهزَّت العلياءُ تيهًا عِطفَها ... لما ترقَّى من ذُراها مَقْعَدا حديقةُ الفضل به قد أينعت ... وانتعشَتْ مِنْ راحتَيْه بالنَّدى لا بَلَغَتْ حُسَّادُه مناهُمُ ... وكلُّ كبشٍ منهمُ له فِدَا همُ شياطينٌ فمَنَ تمرَّدا ... منهم يَجدْ له شهابًا (¬1) رَصَدَا قد خبُثُوا ذاتًا ومعنى والذي ... يَخْبُثُ (¬2) لا يخرج إلا نَكِدَا يا مَنْ غدا يَقيسُه بغيره ... ويْحك لا تعْثُ في الأرض مُفسدَا هل تجعل النَّاقةَ كالبُراق أو ... هل صالحًا في المجد مثلُ أحمدَا دع فاعلًا قد كان مفعولًا به ... وأفعل التَّفضيل صله أبدًا وإن يُضارِعْه امرؤ في فضله ... له المضارع اجعلَنَّ مسندًا لا تُرجُ إلا مَنْ تسامى قدرُه ... أو لازمَ الصَّدَرَ كمن لي مُنجِدا رفيعُ قدرٍ لا يزال قَدْرهُ ... على الذي في رفعِه قد عُهِدَا مَنْ زاره يخلُدُ في إنعامه ... فزُره خالدًا وقبِّله اليدَا نوالُه قبلَ السُّؤال واصلٌ ... فلن ترى لسائليه مَوعِدًا فسله مهما شِئت مِنْ جودٍ ومِنْ ... علمٍ ترى بحرًا خِضَمًّا مُزْبِدَا لم يخلُ عقدُ مجلسِ إنْ لَمْ يَكُنْ ... يومًا بشهدِ لفظِه مُنْعَقِدَا أشجعُ مَنْ في حربِ بحثٍ ينتضي ... للخصْم مِنْ لسانِه مهنَّدَا مهذَّبٌ بِدُرِّ عِقْدٍ نظمُه ... جِيدُ الزَّمان قد غَدَا مقلِّدَا لو قيس بيتٌ مِنْ بديع شعره ... بكلِّ ديوانٍ لكان مفْردَا يُطْرِبُ ألبابَ الجُفاةِ لفظُهُ ... كأنَّما تسمَعُ منه مَعْبَدَا ما للمعاني عَنْ عُلاهُ مصدرٌ ... يومًا ولا اختارت سواه مورِدَا ¬

_ (¬1) في (ب): "سهامًا". (¬2) في (ط) والمختصر: "خبت".

[الشهاب ابن والي]

فلفظُه العسجدُ في علُوِّهِ ... لو أن لفظًا يستحيلُ عسجدَا يا سيدًا بفضلِه وبَذْلِه ... صَيِّر أحْرارَ البَرايا أعبُدَا العبدُ قد أهدى إليك مِدحةً ... وربما يُهْدَى إلى البحرِ النَّدى تصْغُرُ عَنْ قَدرِك إلا أنَّها ... رضًا لأحبابٍ وغيظٍ لِعِدَا أبَتْ جِلَا -إلا عليك- بِكْرِهَا ... إذ لم تجد غيرَك كُفؤًا أحدًا لا زلتَ ترقى رُتَبَ المجدِ الذي ... إذا تدانى كاد (¬1) يعلُو الفرقَدا ولا بَرِحْتَ للأنام ملجأً ... ومَنْجًى وللعُفاةِ مَقصِدَا [الشهاب ابن والي] ومنهم: الشهاب أحمد بن محمد، عرف بابن والي. فأنشدني من لفظه لنفسه: قاضي القُضاة شهابُ الدين سيِّدُنا ... ركنُ المذاهب بيتُ الفضلِ والنَّظَرِ نال المُنى بمقامٍ زادَه شرفًا ... شيخُ العلومِ فخارُ الرُّكْنِ والحجرِ [الشهاب السَّيرجي] ومنهم: القاضي شهاب الدين أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد السَّيرجي الشافعي. فكتب إليه، وقد أسدى صاحبُ الترجمة إليه معروفًا: باللَّه قُلْ لإمامِ العصر سيِّدِنا ... قاضي القُضاة المفَدَّى عالم الفِرَقِ يا نُخبة الدَّهر حتى لا نظيرَ له ... ويا خطيبًا إلى المجد المنيف رَقِي جمعت مفترقات الحُسن فانعطفت ... عليك طُرِّا وهذا العطفُ من نسَقِ إن كنت في الناس معزُوًّا إلى حَجَرٍ ... فإنَّه الحجرُ الموضوعُ في الحَدَق بل المكرَّم بل جاءت مدائِحُنا ... للاستلام تجِدُّ السَّيرَ في عَنقِ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "كان".

[الزعيفريني]

قلَّدتنا منك أطواق الحَمام من الـ ... ـفضلِ العميم (¬1) فصِرْنَا وهي في نسقِ فالوُرقُ تصدحُ بالأشْجار في ودقٍ ... ونحن نمدح بالأسحار في ورقِ فأسأل اللَّه يُجري سُحْبَ أنعُمِه ... مِنْ فضله غَدَقًا عَنْ فضلك الغَدقِ ثمَّ الصَّلاةُ على المختار مِنْ مُضَرٍ ... خير البريَّة في خَلْق وفي خُلُقِ [الزُّعيفريني] ومنهم الشهاب أحمد بن يوسف بن محمد الزعيفريني. فكتب تُجاه تقريظه الثاني لابن ناهض: هذا هو السِّحْرُ لا النفَّاثُ في عُقَدٍ ... هذا هو الخمرُ لا المعصورُ مِنْ عنبِ [المجد الزَّمزمي] ومنهم (¬2) المجد إسماعيل بن علي بن محمَّد الكازروني الزَّمزمي المكِّي، والد أبي الفتح ونابت (¬3)، مدحه بقصيدة منها (¬4): إنْ لم تجودُوا بالوصال وطالَ في ... هُجرانِكم لَيلي البهيمُ مِنَ السَّهرْ فَدُجَاهُ يجلوهُ شهابٌ ثاقبٌ ... مِنْ جَدِّه كيدُ العِدَى عَنِّي حَجَرْ [ابن حجَّة الحموي] ومنهم العلامة تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي. فقال في تقليده الذي كتبه له حين ولي قضاء الشافعية بالديار ¬

_ (¬1) "العميم" ساقطة من (ب)، وهي في (ط): "الجسيم". (¬2) في هامش (ح) بخط المصنف: ثم بلغ الشيخ عز الدين بن فهد نفع اللَّه به قراءة علي والجماعة سماعًا. (¬3) تحرف في المطبوع من الضوء اللامع إلى "نائب أبي إسماعيل"، وقد ترجمه المصنف في الكتاب نفسه 10/ 194 - 195. (¬4) أنشدهما المصنف في الضوء اللامع 2/ 303، وصاحب الترجمة في معجمه 3/ 88.

المصرية، حسبما هو في "قهوة الإنشاء" (¬1). الحمد للَّه الذي أطلع للمسلمين شهابًا مطالعُ الأنوار ومشارقُها بكماله تشهد، وأيَّد الشرعَ الشريفَ بمن إذا حمِدُوا إمامًا، قلنا لهم: هذا الإِمام أحمد. وقد أسندوا إليه صحيح الحديث النَّبويِّ و"مسند أحمد" لا يُجْحَد. وهو الشِّهابُ الذي إذا ناظَرهُ البدرُ رمِدَ لحمرة الشَّفق من طول تسهيده، والحاكمُ الذي أعز اللَّه أحكامَه، وكيف لا، والبخاري مِنْ بعض شُهوده، وقد فتحَ اللَّه له بابَ شرحِه، فكلُّ عالم إلى الدخول مِنْ هذا الباب جاري، وما شكَّ مسلمٌ أنَّ هذا الفتح المبارك "فتح الباري". نحمَدُه على الإلهام إلى وضع الأشياء (¬2) في محلها، ونشكره على العمل بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. ونشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، شهادةً تتميَّزُ مؤدِّيها عندَ الحَكَم العَدْل بالعدالة. ويرى علامة القَبُول وتتناول بخط الكرام الكاتبين أسجاله. ونشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه الذي مَنْ أتقن علومَ حديثه، كان أحمدَ هذه الأمة، وشهابها الذي يُزيلُ عنها مِنْ دُجَا الإشكال كلَّ ظُلْمة. صلَّى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً ما برح الحُكْم بموجب بركاتها مُسَجَّلًا، وفضل حديثها (¬3) القديم مَعَ الرُّواة مُسلْسَلًا، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد، فمنصِبُ الشرع قد فهمنا مِنْ لسان حاله ما يُغني عَنْ بيانِ النطق وبلاغته، وعلمنا أنَّه مُفْتَقِرٌ إلى شافعيٍّ تتكملُ صحَّةُ العقُود بثبوت كفاءته، ومُلتَفِتٌ إلى إمامٍ تُصلِّي أئمةُ العلم خلف إمامته، وتعزُّ الأصحاب في أيامه بأحمد [وصحابته. ¬

_ (¬1) وقال المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 11/ 55: وأوردت من تقاليده التي أنشأها لشيخنا في "الجواهر والدرر". (¬2) فى (أ): "الأسماء". (¬3) في (ب): "خدمتها"، تحريف.

ولقد أكثر هذا المنصب سؤاله على أن يتأيَّدَ بهذا الإِمام في الأيام المؤيدية (¬1)، وكرر ذلك] (¬2) على أن يستضيء بنُوره الظَّاهر في الأيام الظَّاهرية، وأبي اللَّه أن يظهر شرف هذا الشهاب في غير أيامنا [الأشرفية، وإن تأخر فتأخُّرُهُ في الوقت، لا في الدَّرجة العالية. فإنَّ المناصبَ تارةً يسمو بها صاحبها] (¬3)، وتارة تكونُ بمثلِ هذا الشهاب الزاهر زاهية (¬4). فإنَّه ممَّن يجِلُّ أن يُقال في ولاية مثله: ليت ولولا. وإن تقدَّمته ولايةٌ، فلسان الحال يتلو (¬5): {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى: 3]. وقد طوينا به أخبارَ مَنْ سلَفُوا ... لأنَّه عَلَمٌ بالفضل منشُورُ أحاط بالعلم حتى صار (¬6) يحصُرُه ... كأنَّ أفكارَهُ مِنْ حولِه سُورُ ومِنْ فوائده يُعطي بلا قدرٍ ... فما لإعرابه في الفَضْلِ تقديرُ بدا الهلالُ وقد هُنِّي بطلعته ... فصارَ للناسِ تهليلٌ وتكبيرُ (¬7) وأبيضُ الصُّبح قد وافاه مُبتسمًا ... وأسودُ اللَّيلِ قال العبدُ مسرورُ له يراعٌ سعيدٌ في تقلُّبه ... إنْ خطَّ خطًا أطاعته المقاديرُ محَبّرٌ وبتحرير العلوم إذا ... جرى يُرى منه تحريرٌ وتحبيرُ كذا محابُره سودُ العيون فإنْ ... دانت أياديه فهْي الأعينُ الحُورُ ولقد مدَّ الهلال شَفَةً فتحت لتقبيل هذا التقليد، وأشعلَ كفُّ الثُّريِّا شمعة المرِّيخِ، فوقف بها مسرور الليل مِنْ جملة العبيد، وتقمَّع كفُّ الخضيب بسوادِ الليل، وترك عين الشَّفق عليه حمراء. وبالأمس نزل ¬

_ (¬1) في (أ): "المؤيدة". (¬2) من قوله: "صحابته" إلى هنا سقط من (ب). (¬3) من قوله: "الأشرفية" إلى هنا سقط من (ب). (¬4) في (أ): "زاهرة" وفي (ب، طـ): "سامية". (¬5) "يتلو" ساقطة من (أ). (¬6) "صار" ساقطة من (أ). (¬7) في (ب): "تكريم"، خطأ.

فارسُ الغيث عن تفُّرق البرق، وقبَّل مواطىء الأرض على هذه البُشرى، وسال نهرُ المجرّة ذلك، فردَّ سائله نهرًا. وكشف الجو شعريّة الغيم عَنْ وجوه أقماره، وحيَّا مِنْ نجومه وشموسه بنرجسه وبهاره. وابتسم ثغرُ البرق عَنْ لَعَس الغيم، فلم يفُته مِنْ دُرِّ النجوم شَنَب، وما خفي أنَّ السُّحبَ أدارت كؤوس الهَنَا مبرَّدة، وكان جمان البَرَدِ لها مِنْ بديعِ الحَبَب، وهام حوتُ السَّماء إلى العَوْمِ في بحر علومه الذي زاد على [النِّيل بكثرة النَّيْل. وودَّ زورقُ الهلال أن يوسق مِنْ عنبر سطوره، لا من حمولة عنبر الليل. فإنه] (¬1) الشِّهابُ الذي إذا غَامرَ في أمر مَرُومِ، لم يقنع بما دون النُّجوم. وقد انتهت الغايةُ بولايته إلى أنْ صار شرطَ كلِّ واقفٍ ماشيًا، وقضت نُوَّابُه بالحقِّ، فصار كلٌّ منهم يقتُل الباطل قاضيًا. وأنعمنا على هذا المنصب بولايته، فاعترف بجزيل الصَّنيع، وارتفع المحرَّمُ في صفر، فتنزه المسلمون في ربيع. ولما كان الجنابُ الكريم الشهابي هو الذي حصل الإجماعُ مِنْ أئمة الفِرَقِ على تقديمه، ورسم اختيارنا الشَّريفُ برسم تقليده. فما خالفَ مسلمٌ في تَوْرِيَةِ مرسومه. وقال المتعبِّدُون بالعلم: هذا إمامنا بالجامع الكبير. وقال "لسان الميزان": هذا بشهادة اللَّه صاحب التحرير. وهذا صدرُ العلماء الذي اطمأن به قلبُ الزَّمان، واشتدَّ ظهرُه. وإن قلنا: إنَّه ساد على كثيرٍ مِنَ المتقدمين، أنشد لسان الحال وقد رسخ في المسامع شعرُه: يقضي الحسودُ له قضاءَ ضرورةٍ ... بفضيلةِ الطَّاري على المتقدِّمِ اقتضت آراؤنا الشَّريفة أن نظهر في أفق ملكِنا الشَّريفِ نورَ شهابه، ونثبِّت أوتاد الدِّين القيِّمِ مِنْ غيرِ فاصلةٍ بأسبابه. فلذلك رسمَ بالأمرِ الشَّريفِ العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي -لا زالت شُهُبُ العلم في مطالع شرفه زاهرة، وحدائقُ مصنَّفاتِ العُلماء في روضات أيامه زاهرة- أن يُفَوِّض ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

للجناب الكريم، المشار إليه وظيفة قضاء قضاة (¬1) الشافعية بالدِّيار المصرية والممالك الإسلامية المحروسة. فإنَّه الشِّهابُ الذي نجومُ تصانيفه مُشرقةٌ في ظلمة كل إشكال. ولمَّا خشينا مِنَ الجهل برجال الحديث، بادَرَ إلى الاحتفال بأسماء الرجال. وهو بحمد اللَّه نتيجةُ هذا العصر، وصاحبُ المقدمة (¬2). وبه حصل التغليق، وفزنا بالتوفيق. وهمنا إليه بالتَّشويق، فأكرِم بها مكرمة. ولقد تميز عندنا بتقريب الغريب، وقلنا: لا ينكر ذلك لِمَن جُبِلَ على تهذيب التهذيب. وتاللَّه إنَّ ثقاة الرِّجال تشهدُ له بالتَّمييز والإعجاب، فإنَّه المقرِّرُ للإصابة، وعنده شفاء العِلَل وخاص اللباب. ما جاءه مستفيدٌ إلا وجدَ عنده الإيناس وترتيب الفوائد، ولمَّ تفريقَ ذهْنِه، بالمجْمَع، وفرجه بعد نقصه بالزوائد. فإنَّه الشِّهابُ الذي له الأجوبة المشرقة، وصاحبُ الاستدراك الذي التفَّ منه وجهُ كلِّ مصنِّفِ مِنْ الحيا. وكم لمَّ أطراف الأحاديث المختارة، فأغنى بنُورِ شهابِه عَنِ الضياء، وهو صاحب النُّكت والتَّخريج والتغليق والترتيب. وكم جاءنا بالمنتخب والتعريف بالنبأ، ونبَّه الأفهام بالتَّقريب. وإن ذكرت المقاصد الحميدة، فهو صاحبُ المقصدِ الأحمد، وقد استدَّ به هذا الباب؛ لأنَّه صاحب القصدِ المسدد. وهذا الشُهابُ بحمد اللَّه صاحبُ الأنوار، والآيات المنيرة على شمس النهار. وقد أقرَّ له أهلُ العلم بالاعتراف، لما نبَّه ناسيهم بالتذكرة، وعده لهم نزهة النَّواظر وتبصير المنتبه وتربية الطَّالب على الخصال التي هي مِنَ الذُّنوب مكفِّرة. ولقد أرانا مفتاحَ كلِّ تلخيص، وأعرب عَنِ المعجم الكبير وحرَّره. ولمَّا أحكم تصحيح الرَّوضة، أظهر فُروع أفنانها مُزهرة، وشرح مناسك المنهاج، فحجَّ بالمسلمين وهو قاعد، وكلّ ما علَّق الشافعيُّ القول ¬

_ (¬1) "قضاة" ساقطة من (أ). (¬2) يعني "مقدمة فتح الباري" المسماة "هدي الساري"، وابن حجة يورد هنا أسماء كثير من مصنفات الحافظ ابن حجر مثل تغليق التعليق، وتهذيب التهذيب، والإصابة، وتبصير المنتبه، وغيرها، بأسلوب أدبي بليغ.

[أبو بكر الزبيدي]

به على الصِّحَّة، كانت المنحة عنده على تلك الفوائد. هذا، ومصنَّفات الغيرِ في بقية العلوم، فقد تكرَّر وقوفُها له بالأوراق، حتى رَفَع عنها مظالم الإشكال، وطوّق أجيادَ طُروسِها مِنْ سطورِ تنكيته باطواق. فلينظر فيما فوَّضْنَا إليه، فإنه -بحمد اللَّه- أهلُ النَّظر والبصيرة. وقد رجَوْنَا أن تكونَ ولايَتُنا له عند اللَّه نعمَ الذَّخيرة. والوصايا كثيرة، ولكن مثل رشيد رأيه لا يدلُّ على صواب. فإنَّه الحاكم الذي إذا حكم في كتابه، عُوِّذ المسلمون بـ {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1، 2] وما أحقه بقول الفاضل: "وقَرَّت به العُيونُ، وأقرَّت الألسنة". وسارت فضائل هذا الشهاب مسيرَ الشَّمس، فملأت النَّواظر والأمكنة. وتعالى المادح في صِفاته، فكانت أكثرَ مِنْ دعواه البيِّنة. ولقد قال العدو فيه ما قاله الوليِّ، وأشبهت به صدورُ الكتب صدورَ الغانيات بما فيها منَ الحُلِيِّ (¬1). وقد أعادَ على الإِسلام زمانَ السَّلف الصالح، وأشرقَ سعدُ سُعودِ شهابه، فاستعمل للأعداء سعدَ الذَّابح. وتحصَّنت سماءُ الدِّين به فوقَ سماء الدُّنيا، فما استطاعها ذمُّ النَّابح. واللَّه تعالى يُديمه شهابًا يحرِقُ به المرَدَةَ مِنْ أعداء هذا الدِّين، ويبقيه خاتمة لِمَنْ سلفَ مِنَ الأئمة. وختامُ هذا الدعاء يحسُن بآمين. [أبو بكر الزبيدي] ومنهم: الرضي أبو بكر بن أبي المعالي الزَّبيدي، ستأتي في الألغاز (¬2) أبياتٌ قدَّمه فيها على الفاضل وابن الأثير. ¬

_ (¬1) في (أ): "الحلة"، تحريف. (¬2) 2/ 806.

[ابن صدقة]

[ابن صدقة] ومنهم: البدر الحسن بن أحمد بن صَدَقة (¬1) الحُصوني ثمَّ الحلبي. فقال لما أجاب صاحبُ الترجمة البدرَ ابن سلامة بما سيأتي في المطارحات مما سمعه منه صاحبنُا النجم بن فهد الهاشمي العلوي: ألا يا فريدَ الدَّهرِ يا واحدَ العصر ... نظمتَ عقودا مِنْ جُمانٍ ومِنْ دُرِّ وأبرزت من أبكارِ (¬2) فكرك بلْوَرَ ... عرائسَ أبكار تجلت من الخِدْرِ وحلَّيت هاتيك العُقود فوُشِّيت ... وسبَّلتَها للخاطبين بلا مَهْرِ فلله ما أغلى (¬3) معاني بديعِها ... وللَّه ما أغلى نفائسها الغرِّ إذا جُلِّيَتْ بين النَّدامى شَمولُها ... تراهم سكارى مِنْ شذاها بلا خَمْرِ وإن نُشِرَتْ أوصافُ طيِّ جمالِها ... لهم ذهلوا في ذلك الطيِّ والنَّشرِ فيا خاطبين الحور مِنْ جنةٍ إليّ ... هلمُّوا إلى حُورٍ حسانٍ مِنَ الفكرِ ولمُّوا (¬4) إلى روضاتِ جنَّاتِ نُزهة ... أزاهرها تزهو على الأنجُم الزُّهرِ رياضٌ تجلَّت في غلائلِ سُندسٍ ... مرقَّمة بالوشْيِ مِنْ مُونِقِ الزَّهْرِ وقد عبَقَت أنفاسُ عطرِ نسيمها ... فعطَّرتِ الأكوانَ مِنْ نشرها العِطرِ فنُشِّقتُ منها ريمَ رامةَ والنّقا ... وأنفاس ليل فاعتراني الهوى العُذري ونادتنيَ الأشواقُ يا مدَّعي الهوى ... أما هذه ليلى أماطت عَنِ الثَّغرِ فأين الذي يبغي التقاطَ جواهرٍ ... مِنَ الثَّغر والأفكارِ والنَّحر والبحرِ تبدَّت لنا مِنْ فكرِ أفضلِ عالمٍ ... وأكملِ مَنْ قد فاق في النَّظم والنَّثرِ ¬

_ (¬1) قال المصنف في ترجمة ابن صدقة من الضوء اللامع 3/ 93: وقد كتب عنه صاحبنا النجم بن فهد قصيدة رائية في شيخنا، أودعتها "الجواهر". (¬2) في (ب): "أفكار"، تحريف. (¬3) في (أ، ط): "أحلى". (¬4) في (ب، ط): "وأمُّو".

إمامِ البرايا شيخ الإِسلام حافظِ الـ ... ـزَّمان يتيمِ الدَّهر في الفضل والفَخْرِ وقال أيضًا مما سمعه منه النجم المذكور: مَنْ أودع السِّحرَ في تكسيرِ مُقلتِه ... وأينعَ الزَّهرَ في جنَّات وجنتِهِ وألمعَ البرقَ مِنْ أنوار مبسَمِه ... وأطلعَ البدرَ في ديجور جُنَّتِه (¬1) ومَنْ أدار يواقيتَ الشِّفاه على ... جواهرٍ نُظِّمت في سلك لَبَّتهِ ومَنْ لتبريد قلبٍ نارُه اتَّقدت ... مِنْ نورِ شمسِ مُحيّاهُ وطلعتِهِ يا عاذلي فيه ما هذا الضَّلالُ وقد ... نطَقن (¬2) عن طرفِه آياتُ فترتِهِ أرشد سواي فلا أصبو إلى عذَلٍ ... ولم أحُلُ عَنْ معاني حُسْنِ صورتِهِ غُصْنٌ إذا ماسَ في أغصانِ دَوحِ نقًا ... تعلَّمت هيفاءُ مِنْ حُسْنِ خَطْرَتِهِ فردُ الجمال كما في الفضل سيِّدُنا ... قاضي القُضاة فريدٌ في سيادتِهِ قطبُ الزَّمانِ فريدُ العصرِ حافظُهُ ... بحرُ العلوم فكلٌّ في قَضَايتِهِ وشيخُ الاسلام هادي الطَّالبين إلى ... مناهجِ الفضلِ مِنْ يُنبوعِ حكمتهِ هو المعوَّلُ في هذا الزمان على ... عُلومِه، المتعالي في روايتِه هو الذي انتشرت آياتُ حكمتِه ... في الخافقين فتِهْنا في محبَّتِهِ سبحان مَنْ خَصَّه بالفضل أجمعه ... وخصَّنا بتدانيه ورؤيتِهِ (¬3) قد ساقه اللَّه مَنْ مصرَ إلى حلبٍ ... لِيخُصَّني بسَنَا أنوار مُهْجَتِهِ ماذا أقولُ مديحًا فيه وهو على ... أسنى المديحِ تسامى فوقَ رُتبتِهِ وإنني لو وضعتُ النَّفس موضِعَها ... لكنتُ دانيت عن مدحي لعزَّتِهِ وحِلمُه وهو أهل الحِلم يحملني ... على اجترائي ولسْت (¬4) أهلَ مِدحتِهِ ¬

_ (¬1) في (ب): "وجنته". (¬2) في (أ): "قطعن". (¬3) في (أ): "ورتبته". (¬4) في (ط): "ولسنا".

[حسن الصفدي]

ثمَّ الصَّلاة على المبعوثِ مِنْ مُضرٍ ... خيرِ النَّبيِّين هادينا بشِرْعتِهِ ما رنَّح الرِّيحُ بانات اللوى (¬1) سحرًا ... وأطربَ العِيسَ حاديها بنغمتِهِ [حسن الصَّفدي] ومنهم حسن بن عبَّاس بن محمَّد الصَّفدي، ثم الدمياطي. فأنشدني حيث (¬2) لقيته بها قصيدةٌ أولها: أقول وقولي جامعُ الحمدِ والثَّنا ... لمن شرح النَّقل المُشَيَّدَ (¬3) كالبِنَا وأتقنَ أحكامَ الجواهرِ كلِّها ... صحاح رجال الفضل والجود والثَّنا وهي تسعة عمر بيتًا، حذفتها تخفيفًا. [ابن العُليف] ومنهم البدر حسين بن محمد بن حسن العُلَيف المكي الشافعي. فقال فيما أجازنيه، وسمعه صاحبنا النجم ابن فهد الهاشمي من لفظه بجدَّة سنة خمسين، مما أرسل به لصاحب الترجمة (¬4). مِنْ رُبا عِترة المحل الأمين ... وثرى مَسْقط الرأس الأمينِ صدرت لي أَلُوكَة مِنْ مديحٍ ... بالثَّنا والدعا والحنينِ (¬5) داعيات (¬6) باليُمن للباب يمنى ... حجرٌ للإله خير يمينِ ¬

_ (¬1) في (ب): "النوى". (¬2) في (ط): "حين". (¬3) في (ب): "المسند"، تحريف. (¬4) قال المصنف في الضوء اللامع 3/ 156: وراسل شيخنا بقصيدة امتدحه بها، وفيها أيضًا من نثره حسبما أودعت ذلك برمته في "الجواهر". (¬5) في (ط): "ثم الحنين". (¬6) في (أ): "داعيًا".

لإمام الزّمان مُسندِ وقتٍ ... رُحْلَة العصرِ في جميع الفنونِ وهو قاضي القُضاة في خيرِ مصرٍ ... شيخُ إسلامنا شهاب دينِ (¬1) هو عتَّاب حكمُهُ وشُريحٌ ... وإياسٌ في فطنةٍ لفطينِ وهو سفيانُ علمه ابنُ سعيد ... وهو سفيانُ حفظه ابن عُيينِ ومراسيلُه حكت لسعيد ... في مراسيله صحاحُ المتونِ وأسانيده بلا قلت فيها ... وبلا عقل نزهت مِنْ جفونِ بغية الطَّالبين في كل فنٍّ ... عينُ أعيانِ مصر في التَّعيينِ عسقلاني عطا مكيُّ فقهٍ ... وهو في حفظه عَلِيُّ ابن المديني حجَريٌّ (¬2) له معينُ حديثٍ ... ارتوى من زلاله ابنُ معينِ وهو في حفظه كشعبة ورد ... وابن سيرين قبله وابن عونِ شافعيُّ العلومِ في كلِّ علمٍ ... مزنيٌّ ولا أقول مُزَيني وعَلَا ابنَ العلاءِ قراءة حفظٍ ... وأبا عمروٍ بعده والرُّعيني وهو طوسيُّ حفظه في حديث ... وأبو زرعة لحفظٍ مُبينِ وسما في كماله ابنَ سُرورٍ ... ثم مِزيُّ الحفظ والبلقيني (¬3) وابن عبد البر ثمّ السهيلي ... فاق في النَّقل نقلَهم عَن يقينِ وهو أحيا في العلم صاحبَ "إحيا" ... والجويني في الفهم (¬4) والقزويني وله في "الوجيز" لفظ عَزيز (¬5) ... عمَّ بالبحرِ روضةَ التَّفنينِ وله في "البيان" حُسن بيانٍ ... وله في "المعين" رأيُ مَعِينِ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "شهابًا لدين"، وفي (ح): "شهاب الدين". (¬2) في (أ): "حجر". (¬3) في (أ): "التلقين". (¬4) في (ب): "والعلم" (¬5) في (ب، ط): "عزيز".

رافعيُّ العلومِ وابنُ دقيق ... وابن بري يحيى سليلُ حسينِ وهو أحيا في أرضِ مصر أخيرًا ... لسراجِ الأئمة البلقيني فاق في "فتحه" البخاريَّ شرحًا ... لابن بطال باطلِ التَّبيينِ يا شهابَ الهُدى ويا خيرَ قاضٍ ... حازَ في علمه جميعَ الفُنون فاق في فقهه أصولًا وفرعًا ... وخلافًا ومذهبًا ذا شُئُون (¬1) حازَ في العلم كلَّ معقول علم ... ثمَّ منقولِ حافظٍ وأمينِ بإجازاتِ مدحنا جُدْ، وجُدْ لي (¬2) ... بإجازات علمك المكنونِ قل لنا في سؤالنا منك حرفًا ... لم يكُن فيه حرفُ مدٍّ ولينِ لم يكن فيه حرف عِلَّةِ منعٍ ... وهو اسمٌ لجمعِ مال ضنينِ ذاك شيءٌ له عَطِيَّةُ وَعدٍ ... وهو دَين لذي سماحٍ ودينِ قلبُه إنْ أردتُ معنى فمعنى (¬3) ... علمه في سماحِ جُودٍ هتُون فافهم الرَّمزَ يا إمامَ زمانٍ ... هو في فهمه فريدُ القَرينِ مَنْ رجاهُ فليس يُخُفِقُ مَسْعَا ... هُ ولا ينثني بخُفَّيْ حُنينِ حاطكَ اللَّه شرَّ مِعْيانِ عينٍ ... مثل صادٍ وحاجبٍ مثل نونِ وكَلَاك الإلهُ مِنْ كلِّ سوءٍ ... بالطَّواسيم ثمَّ صادٍ ونونِ دُمت فينا إمام سُنَّةِ علمٍ ... منه تحيي المفروض بالمسنونِ أنت فيه للمؤمنين أمير (¬4) ... بيقينٍ مِنَ المحال يقيني يقبل الأرض، ويُنهي أنَّه ما انحسرت بمعاجر الدَّياجي عَنْ فَرْقِهَا الأشيب، ولا ضحكت أوضاحُ الصباح عن ثغرها الأشنب، إلا وأخذ العُبَيدُ ¬

_ (¬1) في (ب): "شجون". (¬2) في (ط): "ثم جدلي". (¬3) في (أ): "ومعنى". (¬4) في (ب، ط): "أمين".

مبتهلًا بالأدعية المجابة، تُجاه بيتٍ جعله اللَّه للناس أمنًا ومثابة، وخصَّ الدُّعاء حوله في خمسة عشر موطنًا بالإجابة، لعلمه أنَّ ذلك فرضُ عين، يتعيَّن على ذي بصيرة وعين وأوان وعين، لمولانا وسيدنا ملك العلماء الأعلام، سيد القضاة والحكام، الموفَّق في الأحكام، شيخ مشايخ الإِسلام، العالم بالحلال والحرام، الإِمام العلامة الهُمام الخضم الكَهام، أمير المؤمنين في حديث سيد الأنام، قاضي القُضاة المجتهدين، واسطة عقد دُرِّها الثَّمين، مولانا شهاب الدنيا والدين، خالصة أمير المؤمنين، أسعده اللَّه في الدَّارَيْن والدَّارِين، وأتحفه بسلامٍ أطيبَ مِنْ مِدْرارين، الغنيُّ عَنِ الإطناب في الألقاب، العَنِيُّ بخدمة الأحباب والأصحاب، إمام أهل السنة الفائق على صاحب الجُنَّة، أثابه اللَّه الجَنَّة، وحرسه اللَّه مِنْ شرِّ الإنس والجِنَّة، بفضله والمِنَّة. آمين. وبعد، فلما شاع من فضله ما شاع، وذاع مِنْ كرمه ما ذل، ما أذهلَ الأبصارَ والأسماع، وعصمَهُ اللَّه تعالى مِنَ الثَّلاثِ المهلكات التي تُروى لها بالسَّماع مِنْ حديث "شُحِّ مطاع"، أحببنا أن يكون له نصيبٌ مِنَ الأدعية الحَرمِيَّة، والمدائحِ المكية، والنفحات الأدوية، والنفثات المعربة (¬1) اللغوية في الأوصاف الأحمدية، وإمام السَّنة المحمدية، ليشرف بذلك نذير قلمي وبناني، وفهمي وبياني، ويفتخر بذلك نظمُ تصانيفي وديواني، وفرائد قلائد دُرِّ لساني. صدَّرْتُ إلى نظرِ جِهْبذِ الحفَّاظ الكلمة الرائقة، دُرية الألفاظ الحاوية بأوصافه معاني المديح الجائزة، المستحقة منه أسنى جائزة، ومدحنا يُنشد قوافيه قولنا، فيها وفيه: خَيْراتكُم أرجُو لها خيرَ مهرٍ ... مِنْ خيارِ البُعول والأزواجِ مثل بلقيس زُوجت بسليما ... نَ وقد جُرِّبَتْ بصرحِ الزُّجاجِ فهي من فوزِها به في سُرورٍ ... وهو مِنْ حوزهِ لها في ابْتهاجِ في لباسٍ مِنْ سُندسٍ لو أرادت ... سَتَرَتْهُ بشعرِها الدَّيَّاجِ ¬

_ (¬1) في (أ): "العربية".

حليُّهما مِنْ جواهر ونُضارٍ ... واقدٍ مثل لونها وهَّاجِ كل جمع يروي به مثل ليلٍ ... مظلمٍ وهو له مثل السِّراجِ (¬1) لا اعتراضًا يرى ابنُ (¬2) مالك فيها ... لا ولا للخليل والزَّجَّاجِ ولعمري، ما حَسُنَ مثقُوبُ تلك الجواهر إلا بالشِّهاب الثاقب، ولا لذَّ ركوبُ تلك البَكرة الأبيَّة، إلا بركوب الراكب. وهو -أعزَّه اللَّه- كما قيل: ولم يستفد بالمدح ما ليس عنده ... وهل ينفع التحْجيلُ ما هو أشهبُ وقد فتحنا بأوصافه البديعةِ أكرمَ باب، وأبدع جَنَابِ، وما عليه في ذلك مِنْ عاب، إذ ما على الكُرماء مِنْ حِجاب. ولو أسَعدَ الجدُّ وأنجدَ السعدُ، لما ناب في خدمته قلَمي عَن قَدَمي، ولا ورد مشرعة الأُنس به كتابي قبل ركابي، ولا سَعِدَ برؤيته رسولي دُون وصولي، ولكن كيف الطَّيرانُ بلا جَناح، وهل على مَنْ لا يجد مِنْ جُناح. وللَّه در القائل: أهِمُّ بشيء والليالي كأنها ... تُطاردني عَنْ كونه وأطاردُ وأما غيرُ ذلك مما تحيط (¬3) به العلوم الكريمة أدام اللَّه علاها، وأعزَّها وأعلاها، أنَّ المملوك ممن يُعزى إلى لُحمةِ أهل الأدب، وله في العلوم بعض طلب، وفي رجائك أقوى سبب، [وأشرف نسب] (¬4)، وهو في البُقعة المكيَّة والعَقوة الحرميَّة. بلاد بها نِيطَتْ عليَّ تمائمي ... وأوَّلُ أرضٍ مسَّ جلدي ترابها [وله بمكة المشرفة كَرِش وعيال، تضيق بكثرتهم الأحوال. وهي كما ¬

_ (¬1) في (ط): "كالسراج" وكتب المصنف في هامش (ح): "لعله كالسراج". (¬2) في (ب): "أن". (¬3) في (أ): "يحاط". (¬4) ساقطة من (ط).

قال اللَّه تعالى الجليل على لسان نبيه الخليل {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}] (¬1) [إبراهيم: 37]. وللَّه دَرُّ القائل: ومَنْ طلبَ العيالَ بغيرِ زرْعٍ ... ولا ضَرْعٍ فقد ظلم العِيالَا وامتدحْنَا مولانا سيِّدَ القضاة، المجتهد في طاعة (¬2) اللَّه ورضاه بهذه القصيدة الشريفة، والنُّخبة اللطيفة، مستمدين منه أسنى الجوائز، القائم بأوَدِ الحالِّ العاجز، وتقرير صَرَّةٍ جزيلةٍ مِنَ العطايا الجليلة، تكونُ مِنْ حَجَرٍ أشرف الحجرين، ومِنْ شهابٍ فاق (¬3) القَمَرين. تُضحي لنا سببًا للغنى مِنْ شهابها، ويُحول الحولُ على نصابها. ولقد كان المملوكُ يرسل إلى أخينا الشَّفيق، الذي هو لنا مِنْ لُحْمَةِ الأدب والعلم شقيق، القاضي شرف الدين إسماعيل المقرىءُ، رحم اللَّه مثواه، وبُلَّ بوابِلِ الرَّحمة ثراه، قصيدة ومكاتبة فيجمَعُ له مِنْ أعيانِ زبيد قدرَ مائة دينار ذهبًا مِنْ يده ومِنْ جاهه، فكأنَّها مِنْ ماله. والمملوكُ يطلبُ مِنَ الصَّدقات القضائية الإمامية (¬4) الحاكمية الغرضَ المطلوبَ، أو كالحاجة التي في نفس يعقوب، المساعدة مِنْ ماله وجاهه وشفاعته، وحسن رعايته وعنايته: والفَتَى إن أراد نفعَ صديقٍ ... هو يَدري في نفعه كيف يَسْعَى وعلى المملوك دَيْنٌ ناهض، رفعتُه إلى مَنْ له خافض، يرجو إن شاء اللَّه تعالى مِنْ مولانا القاضي قَضاءَه، ومحو ذلك الدين وإمضاءَه، وهو في ذلك كما قيل: لست مستبطئًا نداك ولكن ... عاجلتني رِقَاعُ أهلِ الدُّيون عَلِموا أنني بوعدك أمسيـ ... ـتُ مليًّا فأصبحوا يَطْلُبوني ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) "طاعة" ساقطة ش (أ). (¬3) في (ب): "فأحرق". (¬4) "الإمامية" ساقطة من (أ).

ثم ذكر أنَّه يُدَرِّسُ بالحرم في العربية وغيرها، ويسأل في تقرير شيء أيضًا لولدٍ له بالغٍ بارع يسمَّى محمدًا. ثم قال: والحالُ كما قال إمامنا الشافعي رضي اللَّه عنه: وإني ليخفَى باطني وهو موجَعٌ ... ويظهر منِّي ظاهري وهو ضاحِكُ وأُسألُ عَنْ حالي وبي كلُّ فاقةٍ ... فأُظهِرُ أني للعراقين مالكُ وذكر أنَّه لا يتعرَّضُ لسؤال أحدٍ مِنَ المكيِّين، وأنه كان أمراؤهم -كحسن بن عجلان- يصله بمائتي دينار فأكثر، وتغير ذلك، وقد ضعُفتِ الولايات، وقُبِضَتِ الحواصِلُ، وقل العُوَّان، واللَّه المستعان، والأمر كما قيل: ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهم ... وبقيتُ في خَلف كجلد الأجربِ وقد ذكرنا مِنْ أوصافكم الحميدة، وتراجمكم العديدة، ما عددناه في القصيدة الفريدة، والنُّخبةِ المجيدة، مِنْ تراجم السَّلف الصالح، الذين يُعجزون بأوصافهم (¬1) كلَّ مادح، مِنَ الصحابة والتابعين [وتابعي التابعين] (¬2)، وعلماء الإِسلام والدِّين، أعادَ اللَّه علينا وعليكم مِنْ بركاتهم، ليكونوا عند مولانا سيِّدِ القضاة المجتهدين شفعاء في العطايا العديدة، والمكارمِ المديدة، القريبة غير البعيدة، حتى يقول (¬3) كقولنا في ذلك: عزائمكم كالشَّمس تجري ولا تُمسي ... وأقوالنا فُتيا (¬4) وآمالُنا تُنشي كأنَّا وقد نِلنَا على البُعد فضلَكم ... أتانا به آتي سليمان (¬5) بالعرشِ وإنَّما يعرفُ الفضلَ لأهلِ الفضلِ أهلُ الفضل، وأنتم منهم. ويصِلُنا ¬

_ (¬1) في (أ): "بأوصافكم". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ). (¬3) في (ب، ح): "يكون". (¬4) في (ب، ط): "فقهًا". (¬5) في (ب): "في سليمان"، خطأ.

[خطاب بن عمر الدمشقي]

الجوابُ والثَّوابُ مونقًا إن شاء اللَّه تعالى بعد السلام ونوال المشار إليه بالأدعية المباركة. باللَّه يا مولانا قاضي قضاة المسلمين، لا تُخْلِفْ عنَّا منكم الصِّلة والعائد مع أولِ وافد ووارد، وجوابكم الشريف وخطابكم اللطيف. فللكتاب حقُّ كردِّ السلام. أنهى ذلك المملوك والسلام. [خطَّاب بن عمر الدمشقي] ومنهم الشيخ خطَّاب بن عمر الدِّمشقي، فأنشدني مِنْ لفظه لنفسه، وكتب ذلك عنه صاحبُ الترجمة [في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة] (¬1)، فقال: ليس المسمى الاسم عندي فكذا ... حقَّقه الحُفَّاظُ من أهل النَّظَرْ وشاهدي ظَرفٌ ولطفٌ طُبِعَا ... في شيخ الإِسلام الإمامِ ابن حَجرْ قلت: ولصاحب الترجمة: الاسم غيرُ المسمَّى ... والحقُّ أبلجُ واضحُ فإن تشَكَكْتَ في ذا ... فانظرْ لسيرةِ صالحْ [ولغيره [في العكس] (¬2): قال النحاةُ بأنَّ الاسمَ عندهُمُ ... غيرُ المسمَّى وهذا القولُ مردودُ الاسمُ غيرُ المسمَّى، والدَّليلُ على ... ما قلتُ أنَّ شهابَ الدِّينِ محمودُ] (¬3) ومنهم الغَرس خليل بن أحمد بن الغَرس. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ، ح). (¬2) ساقطة من (ط). (¬3) هذه الفقرة لم ترد في (ب).

امتدحه بقصائدَ عدَّة طنانة، منها (¬1): لهجتُ بقولي للدليل ألا سِرْ بي ... إلى أن أصابت مُهجتي ظبيةُ السِّربِ تميسُ قضيبًا ثُمَّ ترنُو بلحظها ... فتاة على الحالين تفتِك بالقُضبِ إذا يَمَّمَ الحادي الحجازَ مُصعِّدًا ... تراني في أوجِّ الحصاف (¬2) مع الركبِ وأعشق جَوْرَ العاذلين لذكرها ... وألقاهم باليُمْنِ والبِشْرِ والرَّحبِ عُذَيْبُ الدَّمى فيه العقيقُ وبارقٌ ... يسرُّك دُونَ الجَزْعِ باللؤلؤ الرطبِ وأسبحُ في بحر الدُّموع لحُرقتي ... وتُذكرني حَبْسي أقولُ لها: حسبِي إذا وصلوا بعدَ انقطاع إلى الحِمَى ... تبيَّنَ خسران المحبِّ مِنَ الكسبِ فتُكسِبهم نأيًا وتسلبُهم نُهًى ... فيمسون في بأس مِنَ السَّلب والكَسبِ مقدَّمةٌ في الحُسن تفتحُ لي الأسى ... على أنَّ في إيجابها غايةَ السَّلبِ فكُن لي عذيرًا في حلاوة شكلِها ... فمِنْ ردفها المنقوش دمعيَ في سَكْبِ بخَلْبة خدِّي خيلُ دمعي تسابقت ... مِنَ البيضِ والحُمْرِ السَّوابقِ والشُّهبِ رجية آرام نمت في كناسها (¬3) ... محاجِرُها شقت على الضَّيغمِ الصَّعبِ تقول: وقاك اللَّه مِنْ مبتليكَ بي ... أُرَبِّي لك الأسقامَ قلتُ: لها رَبِّي ومِنْ عجبِ الإعجازِ مُرسلُ طرفها ... على بُعْدِ مَنْ يهواه يُنْصَرُ بالرُّعْبِ وأعْجَبُ مِنْ ذا أنَّ بيني وبينَها ... مراحلُ شتَّى وهي في وسطِ القلبِ أكَفْكِفُ دمعَ العين حتى يَريبُها ... خداعي عسَى أن لا تتيه على الصَّبِّ وكم قلت: إنَّ البُعدَ يُنجي مِنَ الجوَى ... ويُنسى وما يُنشِي العظام سوى القُربِ وزوَّرتُ سلوانًا لِخِلِّي وقلت: لا ... يغرُّك إن جاوزت أبياتها عُج بي ¬

_ (¬1) قال المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 3/ 191: ومدح الأعيان، كشيخنا، وأوردت في "الجواهر" من مدحه فيه مع لغز أجابه عنه. (¬2) في "المختصر": "الحصار". (¬3) في (ب، طـ): "لباسها".

وعاذلةٍ هبَّت تلومُ على الصَّبا ... وما سمعت صبًّا يقول ألا صُبِّي فقلت: لكِ الويْلُ امض غير رشيدةٍ ... بذاتِ كُلُومٍ أو تعرَّضتِ للسَّبِّ فلا تفْتَري ثلبًا لأسلو فإنني ... أزيدُ غرامًا كلَّما زدتِ في الثَّلبِ فإنَّ لظى النِّيران حالَ وَقُودها ... إذا أطفئت بالماء تزدادُ في اللَّهبِ بعقلي خيالٌ ليس ينفعه الرُّقَى ... وبالقلب داءٌ لا يُعَالَجُ بالطِّبِّ ولو لم أكن في حالة الصَّدِّ والقِلَى ... أُؤملُ أن أحيا بها لا نقضى نحبي وإن كنتُ في عشقي ضللت فإنّ لي (¬1) ... شهابًا سمَا يهْدي الهداية للشُّهب شهابٌ له بدْرُ الدُّجى قبَّلَ الثَّرى ... ألستَ ترى في وجهه أثرَ التُّربِ فريدٌ رقى في المجدِ أشرفَ رُتبةٍ ... وليس له غيرُ الفضائل مِنْ تِرْبِ إمامٌ له أهلُ الحقيقةِ كلُّهم ... يُقِرُّون بالعلم الَّلدُنِّي والكَسْبي ونجمُ هُدْىً في حندس الخطب (¬2) مشرقٌ ... وإشراقه كَمْ أنقذَ الرَّكب مِنْ كَرْبِ بأحمدَ هذا الدِّينُ كان افتتاحه ... وعَنْ فعلِه والقولُ أنت الذي تُنبي وذا الإسم مخصوصٌ بكلِّ سعادةٍ ... يجِلُّ علاه عَنْ عِدادي وعن حَسبي سموتَ على كعبِ بن مامةَ في السَّخَا ... ورأس الندى أعلى وأشرف مِنْ كَعْبِ وكم حائمٍ حولَ الرِّواية والرُّوى ... روى وارتوى مِنْ فيض مَنْهَلِكَ العذْبِ وأنت الذي بالعَزْم والحزم والتُّقى ... وفتواهُ كم قد فلَّ مِنْ عسكرٍ لَجْبِ ويا مَنْ نشا في ذِرْوَةِ المجدِ يَافِعًا ... له نسبٌ يعلو على شاهقِ السُّحْبِ بنو حَجَرٍ لا يُدرِكُ الضدُّ شأوَهم ... وليس ذُرى الأعلام في الوضع كالهُضْبِ تفجَّرَ منهم أبحرُ العلم والعَطَا ... وكم سبقوا مِنْ ذي كمالٍ وذي لُبِّ وإن أمطرَ العافين نَوْءُ سحابِهم ... يعيشون دهرًا بالفواكه (¬3) والأبِّ ¬

_ (¬1) في (أ): "قالتي"، خطأ. (¬2) في (أ، ط): "الطيب". (¬3) في (ب): "بالفاكهة".

أناسٌ إلى أَوْجِ الفَخار تسابقوا ... فأحبِبْ بهم مِنْ سادةٍ قادةٍ نُجْبِ وجوهُهم في ظُلمة المَحْلِ أشرقت ... وهم في المعالي مِنْ صميم ومِنْ صُلْبِ وأشرق منهم نجمُ علمِك بالهدى ... وعَرْفُ ثناء أذكى مِنَ المنْدَلِ الرَّطبِ فصرتَ إمام النَّاس رُحْلَةَ عصرنا ... فكم مُقتدٍ آوى إليك وكم رَكْبِ وما زلتَ يا مولاي قُطبَ رحى العُلا ... مُريدُوك (¬1) والطُّلَّابُ دائرةُ القطبِ إذا لم يكن للمرء ميلٌ إلى العُلا ... ولا يُرتجى في حالة السِّلم والحرب فكن جاهدًا أن لا تراه مهاجرًا ... ولا تَقْرَبَنْهُ واخشَ مِنْ عَدوة الجُربِ ولا ترضَ إلا كلَّ أروعَ ماجدٍ ... يُنيل إذا اسْتُجدِي على البُعد والقُربِ يُفيدك مالًا أو يفيدُك حكمةً ... فتغدُو غنيًا أو تروحُ أخَا لُبِّ ولم ترَ عينى في زمانيَ واحدًا ... سواهُ حَوى الأوصافَ بل مجدُه يُربي إذا ذُكِرَتْ أخلاقُه وعلومُهُ ... نسيتُ حديثي شِعْبَ بوَّان والشَّعبي وإن كان ذَنْبي فرطُ حبِّي لذاته ... فأُقسِمُ أنِّي لا أتوبُ عن الذَّنب قضيت بما أدى اجتهادك عالِمًا ... بما جاء في التَّنزيل مِنْ حِكَم الرَّبِّ لأنك فينا الآن أعلمُ عصرنا ... وما جاء في التَّشريعِ عَنْ أشرف العُربِ ورَبُّ القَضَا قد أثبت الحُكمُ أنَّه ... يُساق إليكم ذا الحديثُ مِنَ الصَّحْبِ فعن بيتك السَّامي وعَلياكَ ارْوِ لي ... عن الخمسةِ الأشياخ والسَّبعة الشُّهبِ وهل أنا إلا غرسُ نِعْمَتِكَ الذي ... له ثمرُ الآداب دانيةُ الهُدْبِ تهنَّ بعامٍ فيه نجمُك طالعٌ ... يضيءُ، ومَن يَشْنَاك يَهوِي إلى التُّربِ ودُم مشرقًا في كلِّ أفق لنهتدي ... وتجري دموعُ الحاسدين مِنَ الغَرْبِ وتجذِبُهم أيدي الخُمولِ إلى الفَنَا ... فيمسون (¬2) في الأموات مِنْ ألمِ الْجَدْبِ ¬

_ (¬1) في (أ): "مريدك". (¬2) في (ب): "فيمشون".

[الأقفهسي]

فقد خصَّكَ اللَّه العظيمُ بما يَشا ... مِنَ العلم والآداب والشَّرف النِّسْبي فمُرْ وانْهَ واعْطِ ولِّ واعْزِل واحتكم (¬1) ... تَطَوَّلْ تَفَضَّلْ جُدْ أفِدْ حدِّثَنْ وانْبي لتُعرِبَ بالحسنى لِمَنْ نحوك الْتَجا ... وترفَعُه في حالة الخَفضِ والنَّصْبِ وسامِحْ أخا الإسهاب في هَذَيانِه ... فما زلتَ يا مولايَ تعفو عَنِ الذَّنب وُقيتَ الرَّدى بحرَ النَّدى مُهْلِكَ العِدَا ... ونحنُ الفِدَا والضِّدُّ يُؤْذَن بالحربِ وسيأتي في الألغاز (¬2) مِنْ نظمه أيضًا. [الأقفهسي] ومنهم: الصلاح خليل بن محمد الأقفهسي، كما سيأتي في الألغاز (¬3). [غرس الدين خليل] والأمير الأوحد غرس الدين خليل، كما سيأتي في المطارحات (¬4). [رضوان العقبي] ومنهم: مُستمليه شيخنا ومفيدنا الحافظ أبو النَّعيم رضوان بن محمَّد العقبي. فقال فيما أخبرنيه مشافهة، وسمعه مِنْ لفظه صاحبنا النجمُ الهاشمي في سنة ست وثلاثين: أما بعد، فإنِّي أحمدُ اللَّه الذي أدَّبَ عبدَه أحمدَ بأحسنِ الأدب، ورفع ¬

_ (¬1) في (ب): "اعزل احتكم". (¬2) 2/ 810. (¬3) 2/ 807. (¬4) 2/ 788.

رُتبتَه بالفضل، فاتَّصلَ إسنادُه في الصَّحيح إلى أعلى الرُّتب، وأعزِّ الدِّين بعد الغرابةِ بتواترِ شُهرته، حمدًا كثيرًا على جعْلي مستمليًا مِنْ حافظ سنته. وأُصَلِّي على رسوله الذي نسخت شريعتُه الشرائع، ورسَخَتْ محبِّتُه في قُلوب أهل المغارب والمطالع، وعلى كلِّ نبيٍّ ومرسل، وآله وصحبه، والمقتفين سبيلَه مِنْ بعده مِنْ حِزبِه. فقد رأيتُ بعضَ مُحِبِّي شيخنا الإِمام، شيخِ الحُفَّاظ والإِسلام، قاضي القضاة، منقطعِ النَّظير والصِّفات، شهاب الملَّة والدنيا والدين، أبي الفضل أحمد العسقلاني الشافعي، جعله اللَّه مِنَ الفائزين. قد نعتُوه بقصائد في غير بحرٍ كالطَّويل، وعرفتُ أنَّ باعي قصير عَنِ السَّبيل إلى علم الخليل، وكنت من أكثرهم محبَّةً في هذا الحَبْر، لِمَا أسداه إليَّ قديمًا وَحديثًا مِنَ الخير والجَبْر، فتعلَّقتُ تعلُّق الآمل في حصول الآجل، في الوقت العاجل، ونظمتُ هذا العِقْدَ النَّفيس في الرَّئيس البحر الكامل. فأقول وباللَّه أعتصمُ مما يَصِمُ (¬1): اللَّهَ أحمدُ دائمًا مع شُكْرِه ... مِنْ بعدِ تسميتي بأعظم ذكرِهِ ثمَّ الصَّلاةُ مَعَ السَّلامِ على الرَّسو ... ل وآله والمقتفين لإثرِهِ فالبِشْرُ بشَّر بالهنَا من قد دَنَا ... ودعا إليه مَنْ نأى في برِّهِ سِرْ يا غريبُ إلى العزيزِ بمصرِه ... وارحَلْ إلى المشهورِ رُحْلَة عصْرِهِ فلقد تواترَ فضلُ أحمدَ مُذْ بَدَا ... نورُ الشِّهابِ أنارَ كوكبَ بَدْرِهِ وعَلا على أهل العُلوِّ حديثُهِ ... وسما بعلمِ أُولي السُّمُوِّ ونَشْرِهِ أصلٌ تفجرَ نهرُهُ مِنْ عسقلا ... نَ وفرعُه روَّى أراضيَ مِصْرِهِ نبتَ الرَّبيعُ لوقته ممَّا روى ... قَطَرَ النَّباتُ حلاوةً مِنْ قَطْرِهِ ¬

_ (¬1) قال المصنف في الضوء اللامع 3/ 228 في ترجمة العقبي: ومدحه -أي ابن حجر- بقصيدة حسنة ذكرتها في "الجواهر".

وبفتح بَارِيه (¬1) البخاري قد فَتَح ... وتعلَّق التعليق منه بدُرِّهِ ولسانُه متحرِّرٌ في المشتبهِ ... تقريبه التهذيب مِنْ تحريرهِ وجْدِي صحيحٌ مُذْ بدا لي حُسنُهِ ... وجدي ضعيفٌ مُدْرَجٌ في هَجْرهِ لو كنتُ مرفوعًا إليه مُسندًا ... لوصلتُ بعدَ الإنقطاع ببرِّهِ ما زال دمعي مُرسَلَا ومُسَلسَلًا ... حتى وقفتُ ببابه عَنْ أمرهِ إن رُمتَ فتحًا في العلوم بشرحها ... حافِظْ على إملاء حافظِ عَصْرِهِ والزمْ مجالِسَ حَبْر الإِسلام الَّذي ... ما امتدَّ بحرٌ في العلوم كحبرِهِ (¬2) وانحه تَجِدْ تصريفَ كشَّاف (¬3) الـ ... ـمعالم في القُران ونهره مِنْ بَحْرِهِ واسأل تُجَب فقهًا بأصلٍ زانَه ... جَدَلُ الكلامِ بمنطق مِنْ ثَغْرِهِ وخذ المسلسل أوَّلًا فالأولويَّـ ... ـة سلسلت منه لراوي عُمرِهِ وانقل أصحَّ مقالةٍ عَنْ أحمدَ المـ ... ـختارِ مَنْ حفظ السَّمِي مِنْ صدرِهِ ثمَّ البديع مع المعاني والبيا ... ن لحالِ متنٍ والرُّواة بإثرهِ ثمَّ المناسب آخرًا مِنْ نَثرِ مِنْ ... حاز العُلا والفضلَ أو مِنْ شِعْرِهِ مع الاتِّضاع والانبساط لطالبٍ ... ومكارمٍ منه كحاتِم عصرِهِ ما مِنْ ضعيفٍ ردَّه أو سائلٍ ... إلا بضِعْفٍ سائلٍ مِنْ برِّهِ شرُفَتْ مناصبُ دهرِنا بالأشرف ... السلطان ناصبِ خَيرنا في دَهرِهِ فاللَّه ينصُره ويَعضُدُ شيخَنا ... قاضي القضاة زمانه في مِصرِهِ حسَّادُه نذرُوا بنذْرِ نفوسهم ... لمَّا ولي وفَّي الحسودُ بنذْرِهِ القلبُ صافٍ يقصِدُوا تكديرَه ... والمكرُ لا يُخطي المسيءَ بمكرهِ ¬

_ (¬1) أشار الزين العقبي في هذه القصيدة إلى العديد من مؤلفات شيخه صاحب الترجمة. (¬2) في (أ): "كبحره". (¬3) في (أ): "كشفات".

[شعبان الآثاري]

هم يعرفون مقامَه إن أنكروا ... شهد المتابع بالمنى في نُكْرِهِ كم ناسخٍ في عامه مع سُرعةٍ ... أعياه تصنيفٌ له في شهرهِ في نحو ضعف اليوم أسمع "مُسلمًا" ... لفظًا فقِسْ غيرًا بذا مع شطرِهِ نادى لسانُ الحالِ يُعلِنُ جهرةً ... عَنْ حال مَنْ لام المبيحَ بسرِّه هذا أميرُ المؤمنين بسنَّةٍ ... هذا مليكُ أولي العُلوم بقَصْرِه هو أحمدُ الوَرعُ الفقيه الشافعي ... نعمانُ وقتٍ وهو مالكُ عصرِهِ هذا بخاريُّ الزَّمانِ ومسلمٌ ... كلُّ الأئمةِ وافَقوا في شكرِهِ هو عامرٌ بيتَ الجلال بتاجهم ... وابن الصَّلاح كما الوليُّ بصهرِهِ صِدْقُ المحبة مُسقِطٌ شرطَ الأدب (¬1) ... وبسيط عُذري أنَّني لم أدْرِهِ إنّي نظرتُ عَروضه فوجدت ... بحرًا كاملًا غَرِقَ الطَّويلُ ببحرهِ أهديتُ أبياتًا على قدري لمن ... ضاقت بيوتٌ عن هدايا قدرهِ وسألت ربَّ الخلقِ يُبقيه لنا ... في عزَّةٍ مع صحةِ مُذْ عُمرِهِ وإجازتي هي لَذَّتي بخطابكم ... فأجزتمونا طيَّه مع نَشْرِهِ لا تصرفوا رضوان عَنْ أبوابكم ... إنْ تصرفُوه خَفَضْتُموه بكَسْرِهِ لا زلتَ أنتَ إمامَ طائفةٍ على ... حقٍّ إلى بَعْثِ الإله بأمرهِ فاختم بخير صلِّ ربِّ ... على الحبيب وآله والتَّابعين لإثرِهِ ما قيل: حدّثنا أو اخبرنَا ... أو آنشدنَا به مِنْ نظمه أو نثرِهِ [شعبان الآثاري] ومنهم: شعبان الآثاري، مدحه بقصيدة تائية مطوَّلة ما وقفت عليها. ثم (¬2) وقفت على مدحه إياه بقصيدة أُخرى يهنئه فيها بشهر رمضان، ¬

_ (¬1) في (أ): "الأداء". (¬2) من هنا إلى نهاية القصيدة المذكورة, ساقط من (ب).

وافتتحها بقوله: تهنئة شعبان برمضان، وهي (¬1): أتى يُهنِّيك بالإقبال شعبانُ ... يا عالمًا زانَه حسنٌ وإحسانٌ يا مَنْ على وجهِه المبرورِ مشتهرٌ ... للقصدِ والبِشْر تيسيرٌ وعُنوانُ يا مَنْ علامتُه بالذِّكر قَدْ شَرُفت ... عَنْ أن يفسرها شِيبٌ وشُبَّانُ يا حافظَ الوقت بالإجماع يا علَمًا ... له مكانٌ على العليا وإمكانُ يا مَنْ غدا عُمدَةَ الأحكام ثُمَّ له ... بالعلمِ والحلمِ إلمامٌ وإتقان يا مَنْ إلى نحوه تسعى الوَرى وله ... في الخير والشَّرِّ تحريكٌ وإسكانُ أنت الخُلاصَةُ منك الذات كافيةٌ ... فضلًا وشافيةٌ مَنْ فيه أحزانُ أنت المساعِدُ بالتَّسهيل ثَمَّ على ... مُفَصَّلِ الجُودِ منْ جدواك أفنانُ زان المعاني بيانُ القول منه وفي ... بديعِ لفظٍ له نظمٌ وأوزانُ هو منطقٍ جامعٍ وفي مجالسه ... فرائضُ زانه زهدُ وإيمان كشَّافُ كَرْب ومفتاحُ العلوم وفِي ... ألفاظِه الغُرِّ مصباحٌ وتبيانُ آدابُه كنجوم في السَّما نُشِرت ... فليس يحصُرُها جمعٌ وديوانُ بحورُ فضلك (¬2) بينَ الخلقِ دائرةٌ ... بالاتفاق وهل للشَّمس كِتمانُ طويلُ باع مديدُ الكفٌ بَاسِطُه ... ووافرٌ كاملٌ في الوزن رجحانُ لك الأصولُ التي طابت (¬3) مغارِسُها ... وفي الفُروع فمنك الغُصن ريَّانُ يا حَاوِيَ الفضل يا منهاج كلِّ فتى ... لديه في النَّاس تنبيهٌ وعِرفانُ يا روضةً في رياض الإنس يانعةً ... أنت المهذَّب في العينين إنسانُ ¬

_ (¬1) وأشار إليها المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 3/ 302، فقال: ورأيت له قصيدة نونية هنّأ شيخنا فها برمضان، كتب بخطه في طرتها. تهنئة شعبان برمضان، أوردتها في "الجواهر". (¬2) في (ط): "فضل". (¬3) في (ط): "طالت".

لفظٌ وجيزٌ بسيطٌ في فوائدِه ... بحرٌ محيطٌ له في الجُود برهانُ لك المهمَّات والهِمَّات شائعةٌ ... ومِنْ معانيك للفُرسان ميدانُ يا غايةَ القصدِ يا مَنْ في بدايته ... نهايةٌ ما لها حدُّ وميزانُ يا مَنْ به بعلومِ الدِّين قاطبةً ... بين البريَّة إحياءٌ وتيجانُ أنتَ الوسيطُ مِنَ العقد الفريد ومِنْ ... أوصافِك الغُرِّ للمشتاق (¬1) بستانُ يا مَنْ فضائِلُه فينا مدوَّنةٌ ... يا مالكًا دأبُه عفوٌ وغُفرانُ يا صالحًا صادقًا عزَّت مناقبُه ... وطاب في ذاته سرٌّ وإعلانُ يا سيدًا جيِّدًا شاعت مكارِمُه ... قولًا وفعلًا وللمحتاج مِعْوانُ أنت الشِّهابُ الذي ضاءت بطلعته ... أيامُنا وكذاك العصرُ جذلانُ وقد تباشرَتِ الدُّنيا بدولته ... لأنَّه بين أهلِ العلمِ سُلطانُ حَبْرٌ وبحرٌ عن (¬2) الزّلات في سِنَةٍ ... جودًا وفضلًا وفي المعروف يقظانُ في كلِّ علمٍ تراه فوقَ سادتِه ... سَلُوه فالشَّيخُ في فتواه مِلْسانُ فكم له في الورى مِنْ حلِّ مشكلةٍ ... وفي الفصاحة ما قُسٌّ وسَحْبَانُ مُفْتٍ خطيبٌ إمامٌ مقرىءٌ حَكَمٌ ... عدلٌ صدوقٌ وفي الأشعار حسَّانُ قد اكتسى كلَّ تشريفٍ يليقُ كما ... قِوامُه مِنْ قبيحِ الوصف عُريانُ والقلبُ منه بفعل الخير في فرحٍ ... والعقلُ منه على الطاغين غضبانُ قاضٍ عفيفٌ لطيفٌ (¬3) في القضاء له ... فصلٌ وفضلٌ هما للكسر جُبرانُ مِنْ أين للنَّاسِ حَبرٌ عالمٌ حَكَمٌ ... بحرٌ زكيٌّ سَخِيُّ النَّفسِ شبعانُ وفي الفُتوَّة مشهورٌ كحيدرة ... خُلقًا وخَلْقًا وفي التَّدريس سُفيانُ شيخُ الشُّيوخ ومنه الفضلُ مُغترِفٌ ... لأنَّه بصُنوف العلم ملآنُ ¬

_ (¬1) في (أ): "للمشراق". (¬2) في (ط): "من". (¬3) "لطيف" ساقطة من (ط).

[المرشدي]

مَنْ قام يهدي له مِنْ نظمه أدبًا ... فذاك مثلي قليلُ العقل غلطانُ إذ نظمُه الدُّرُّ في نفعٍ وفي قيَمٍ ... ونظمُنا عند ذاك الدُّرِّ مرجانُ قد فجَّر اللَّه هذا العلمَ مِنْ حَجَرٍ ... وإنَّ منها لمَا مجراه هتَّانُ أعزَّه اللَّه في حِلِّ وفي حرمٍ ... وحَفَّهُ بالرِّضا بيتٌ وأركانُ فاللَّه يُبقيه نفعًا للأنام ولا ... يسوءُ طلعتَه في الدهر خُذلانُ مولاي هذا قصيدٌ في مدائحكم ... إن أنشدت فجميعُ الخلقِ آذانُ تُصغي بفهم معاني عندها فُتِنَت ... وأحسنُ الشِّعرِ للألباب فتانُ بعضُ الورى شاعرٌ فاسمع مدائِحَه ... وبعضُهم -مثل ما قد قيل- وزَّانُ فاقبل بفضلِك تَجْبُر قلبَ ناظِمها ... يا مَنْ به انتفعت صَحْبٌ وغلمانُ يهنيكَ شهرُ صيامٍ لا يزال به ... لكمْ حديثٌ وأذكارٌ وقُرآنُ فعش لأمثاله (¬1) في الدهر يا علمًا ... أيامُه الرِّبحُ ما فيهنَّ خُسرانُ ما زال فضل شُهابِ الدِّين مكتسَبًا ... فكم به انْجبَرْت عُونٌ وإخوانُ باللَّه لا تنسني وانظُر بعينك لي ... حاشاك عن (¬2) خادمٍ يُلهيك نسيانُ إنَّ الصنائع في عُرْبٍ وفي عجمٍ ... ودائعُ والرَّفيعُ القدر تعبانُ مَنْ (¬3) كان رأسًا فقد حلَّ الصُّداعُ به ... لكن لك الأجرُ إذ مولاك رحمانُ [المرشدي] ومنهم: الإِمام أبو الوقت عبد الأول المرشدي. فأنشدني لنفسه ما كتب به لصاحب الترجمة، وكنتُ حاضرًا. يا سيّدي وإمامَ الناس كلِّهم ... وحافظَ السُّنَّة الغَرَّا على الأممِ ¬

_ (¬1) في (أ، ب): "لأمثالها". (¬2) في (ط): "من". (¬3) في (أ): "ما".

[تاج الدين الأذرعي]

عُبَيْدُكمْ قائمٌ بالباب منتظرٌ ... يرجو زيارتكم يا خيرَ مُغتنمِ كيما يفوز بوصلٍ أي مستترٍ ... عَنِ العُيون وسرِّ أيٍّ مكتتَمِ فارفع حجَابَك يا سُؤلِي ويا أملي ... وامنُن عليَّ بوصل أخظَ بالنِّعَمِ [تاج الدين الأذرعي] ومنهم: التاج عبد الرحمن ابن العلامة شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي، مدحه غير مرَّة. [زين الدين البكري] ومنهم: الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد البكري القاضي. فأنشدني مِنْ لفظه بحضرة الممدَّح عند عوده للقضاء قوله (¬1): رَبَابي حُبُّ زينبَ والرَّباب ... لتركهما جوابي والجَوَى بي وأجفانٌ تَسُلُّ صِفَاحَ هندٍ ... وقاماتٌ تهزُّ رماح غابِ وليلُ غدائرٍ تعشى شموسًا ... منَ الغاداتِ ربَّاتِ النِّقابِ ظِباءٌ قد سَلَلْنَ ظُبَا لحاظٍ ... شَهرنَاهُنَّ للصَّبِّ المُصَابِ يهادين الغَداةَ مهاةَ حِقْفٍ ... يخالط ظَلْمَها ذاتَ الحَبابِ وقد نقلَ المبرَّد مِنْ لماها ... مُسلسلَةَ الشَّهىِّ عَنِ الشَّرابِ تشعَّبَ حبُّها بالقلب منِّي ... وقد نفرَت بهاتيك الشِّعابِ ويبسِمُ ثغرُها لدُموع عيني ... كزهرٍ ضاحكٍ لبكَا سَحابِ لأجمرِ مدمعي سبْقٌ وسحبٌ ... كأدهم شعرها فوق التُّرابِ ¬

_ (¬1) أشار المصنف إلى هذه القصيدة في ترجمة البكري من الضوء اللامع 4/ 57، حيث قال: ومما كتبته عنه في شيخنا حين عودة للقضاء قصيدة سقتها في "الجواهر"، أولها -وأنشد البيت الأول منها.

وشاهدُ قِتلتي في راحتَيْها ... إذا ما أنكرت قاني الخضابِ أراعي بَرْقَ مبسَمِها إذا ما ... جَلَا بَردًا به زادَ التِهَابي وأنشدُها إنها ضنَّت بلَثْمٍ ... عَذابي مِنْ ثناياك العِذابِ تقلَّد جيدُها مِنْ دمع عيني ... عُقودَ الدُّرِّ والذَّهب المذابِ فيا لكِ جنَّة بعِقَابِ قلبي ... أقامت وهي تسرع (¬1) في عقابِ بليلِ الشِّعر منها إنْ أضلت ... محبًّا يَهدِهِ ضَوْء الشِّهابِ أَبو الفضل الَّذي عمَّ البرايَا ... بجودٍ فائقٍ جودَ السَّحابِ إمامُ الخافقين وما استقلَّت ... به الغبراء مِنْ مُحبًا وحابِ معيدُ العلمِ مِنْ هرمٍ وبُؤسٍ ... كمنصبه إلى شرخِ الشَّباب مقيمُ شعائرِ التَّوحيدِ مَنْ قَدْ ... حمدنا فيه توحيدَ الرِّكابِ ولم نرَ مِنْ قديمٍ في حديثٍ ... لعمرُك منه أجدرَ بالصَّوابِ يفيدُك وصلُ فحواه اختصارًا ... كأن بنُطقهِ فصلُ الخِطَابِ إذا حدَّثتَ عنه ندًى وعلمًا ... فقل ما شئت في البحر العُبابِ به شمسُ العلا ضاءت وَعَمَّا ... سواه قد توارت بالحِجابِ أماليه الجسائم دِقاقُ معنًى ... أُنِّزهن عَنْ نقصٍ وعابِ (¬2) له بالعدل دأبٌ قد أرانا ... خلاصَ البَهْم مِنْ أيدي الذِّئابِ لقاصدِ حِلْمه والبذل طَوْلًا ... رحيبُ الصَّدر متَّسَعُ الرِّحابِ حِجَاة طبَّق الأكوانَ عرْفًا ... وضاعَ بنشره عَرف الملآبِ (¬3) ولَمْ ألُمِ الولاية إذ تولَّت ... ليظهرَ فضلُه قبلَ الإيابِ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "تشرع". (¬2) في هامش (ط) ما نصُّه: أصله: عيب، أبدل به الياء ألفًا، وسمع من كلام العرب: ما نهى من عاب". (¬3) الملاب: الطيب أو الزعفران، وجاء في (ب، ط): "المطاب".

[عبد الرحمن الشاذلي]

وحتف الخانقات الضدِّ قسرًا ... لعودَكِها على سنَنِ الثواب (¬1) وكان العَوْدُ أحمدَ حينَ جاءت ... تُزَفُّ إليكَ كالبِكْر الكعَابِ كبكرٍ زفَّها البكريُّ منه ... تغنَّت بالثواب عَنِ الثِّيابِ تعوّذ جَدُّه السامي المفَدَّى ... بِسِرِّ الآي مِنْ أُمِّ الكتابِ رعاهُ اللَّه ما غَنَّت حمامٌ ... على عُودٍ بشَجوٍ مُستطابِ وقلَّدَ حاسديه طوقَ ذُلٍّ ... وصَيَّرهم بقلبٍ في انقلابِ بجاهِ محمَّد خيرِ البرايا ... وأفضلِ مَنْ مَشَى فوق التُّرابِ صلاةُ اللَّه يتلوها سلامٌ ... عليه وآلِه ثُمَّ الصِّحابِ [عبد الرحمن الشاذلي] ومنهم: أَبو الفضل عبد الرحمن بن الشهاب أحمد بن محمد بن وفا الشاذلي، وسماه شيخنا أيضًا محمدًا. مدحه بأبيات قافيَّة، كان صاحث الترجمة كتب للبدر البشتكي أبياتًا على وزنها، فكأنه (¬2) وقف عليها فأعجبته. وقد رأيتها بخطِّه في ورقة نصُّها. يا مولى يا واحدًا (¬3) جواب عن البشتكي عن مدح ابن حجر: أبدى ابتسام الآفاقْ ... غِبَّ بكاء الآماقْ (¬4) مسره عَنْ إشفاقٌ ... الورد يُطفي الإحراقْ والودُّ يُصفي الأخلاقْ ... كلاهما لنا راقْ ¬

_ (¬1) هذا البيت لم يرد في (أ). (¬2) في (ب): "فكأنها". (¬3) في (ح): "يا مولاي يا واحد". (¬4) في (ح، ط): "الآفاق".

وللنَّسيم الخفَّاقْ ... عند صلاة الإغداقْ مصضمضةٌ واستنشاقْ ... أرى الزُّهورَ تشتاقْ قبل انفتاق الأرتاقْ ... فللقلوب إطباقْ سحّ جناها (¬1) رَقْرَاقْ ... زكا لها (¬2) فَرْعٌ فاق والأصلُ طيِّبُ الأعراقْ ... قد وقَفَت على ساقْ مُهتزة في إطراقْ ... تشكو النَّوى بالأوراقْ فاعْطِفْ على روضٍ لاقْ ... وانظر لزرعٍ مَلاقْ فإنَّه ذو استِحقاقْ ... والطّينُ حرٌّ ما تاقْ إلا لأخذ الميثاقْ ... على الصّبا باسترقاقْ حجّ لمغنى أشواقْ ... حجارة للعُشَّاقْ بلِّغ كلَّ مشتاقْ ... واشرب على نظم (¬3) راقْ جانس عند الحُذَّاقْ ... أقداحُه للأحداقْ له معانٍ تنذاقْ ... وأحرفٌ في استنشاقْ فعَّالة بالأوفاقْ ... أشرقَ كلَّ إشراقْ وحاسد بالإرياقْ ... فللشِّهابِ إشراقْ فاقَ الرِّياضَ استِعْباقْ ... والشعراء استِنْطاقْ مِنْ تاجها والورّاقْ ... لممتطى ذي الأذواقْ غرُّ المعاني تنساقْ ... فهو إليها سبَّاقْ سقى نداه المِهْرَاقْ ... قُضْب يراعِ الإطلاقْ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "حياها". (¬2) في (أ، ط): "له". (¬3) في (أ): "ظمء".

[عبيد الريمي]

حتَّى زهت في الأوراقْ ... غيم مَلثٌ دقاقْ مِنْ بحر جُودٍ نَفَّاقْ ... فليس يخشى إملاقْ فادخل بحارَ الأرزاقْ ... واغرق بتلك الأوساقْ تنجو بهذا الإغراقْ ... إرعاده والإبراقْ في حِبرِه والأوراقْ ... فابْشِرْ بغيثٍ غدَّاقْ طوَّقَ كلَّ الأعناقْ ... قلائِدَ للأرفاقْ فانجذبت بالأطواقْ [عُبيد الرِّيمي] ومنهم: عبد الرحمن بن علي الرّيمي المكي، عرف بعُبيد. وقد قرأت قصيدته بخط الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي. وسمعها مِنْ ناظمها صاحبُنا النجم بن فهد، وهي هذه (¬1): يا واحدَ العصر في الدنيا بأجمعِها ... لا زلت ترقى سموًّا منزلَ القمرِ هذي أشعَّةُ نورِ العلمِ قد برزت ... في الخافِقَيْنِ يراها كلُّ ذي نظرِ سبحان مَنْ أوجدَ الأشيا بقُدرَتِه ... وجاء بالبحرِ عبَّابًا مِنَ الحَجَرِ عذبًا فُراتًا لنهجِ الدِّين يشرَعُه ... مستخرِجًا منه درًّا أنفسَ الدُّورِ لا زالتِ السُّنَّةُ الشهبا بطلعته ... محروسةٌ ولها يحمِي مِنَ الغِيَرِ يا سيدًا سَادَ أفرادَ الورى شرفًا ... وفاقهم (¬2) رفعةً بالعلمِ والخَفَرِ يا واحدًا قد سما لا زلتَ مُرتَقِيًا ... وحافظًا جئتَ بالتَّصحيح للخَبرِ احكُم بما شئتَ في الإسلام أنتَ لَهُ ... شيخٌ وناهيك فيه صاحب النَّظرِ ¬

_ (¬1) أشار المصنف إلى هذه القصيدة في الضوء اللامع 4/ 96، فقال: وله نظم أثبتُّ منه في ترجمة شيخنا ما امتدحه به. (¬2) في (أ): "وفاتهم".

لا زلتَ في نعمةٍ والسَّعْدُ يشمَلُها ... إنسانُ عين الورى يا واحدَ البَشَرِ يا كعبةَ الدِّين قد جئنا إلى حرمٍ ... وسَعْيُنَا لصفاه رائقُ الكَدَرِ نبغي القُدومَ وقد طُفنا به رَمَلًا ... وصدَّنا زَحمة فيه (¬1) عَنِ الحجرِ وهاكها مِنْ محبٍّ صاغها غلسًا ... فأشرقت بهجةً كالشَّمس والقمرِ هو العُبيدُ علي الرِّيمىُّ والده ... مواظبٌ لدعاء في دُجا السَّحَرِ لشيخ الاسلام يُبقيه ويكلؤُه ... في كلِّ حالٍ ويحميه مِنَ الضَّرر لا زلتُم نُصرةً للدين ظاهرةً ... مؤيدًا ساميًا بالعِزِّ والظَّفَرِ إنَّ العُبيدَ الذي زانت قريحَتُه ... بمدحكم جاءكم يسعى على قَدرِ وافى حِماكم وأنتم جلُّ مطلَبِه ... فَنِيلُ مصرَ لها يُغني عَنِ المَطرِ إن ترفعوا خَفض حالٍ منه مُنكَسِرٍ ... يصحُّ منتصبًا عطفًا على السَّفرِ أعطاك ربُّك ما ترجوه مِنْ كرمٍ ... ومِنْ دُعائِيَ ما أرجوه مِنْ وَطَرِ فابسُط ليَ العذرَ في التقصير يا ملكًا ... وتاجَ عزٍّ لأهل العلم والنَّظَرِ خُذها قريحةَ ذي وُدٍّ لخدمتكم ... إنشاؤها فانسؤوا مِنْ أعظم الضُّرِرِ لعبدكم وارسموا إثباتها، فعسى ... تبقى لنا دائمًا صفوًا بلا كدَرِ تكون باسمي وأولادي مُخَلَّدةً ... في كلِّ عامٍ لها وفدٌ على الأثرِ لا زلتُم كعبة للقاصدين فمَن ... يَطُف (¬2) بها راجيًا قد فازَ بالظَّفرِ فيا إلهيَ كُنْ عونًا لسيِّدِنا ... شيخِ الأئمة واحفظه مِنَ الغِيَرِ وصلِّ ربِّ على المختارِ مِنْ مُضِرٍ ... خير البريَّة مِنْ بَدْوٍ ومِنْ حضَرِ والآلِ والصَّحبِ والأتباعِ ما قُضيت ... لسائلٍ حاجةً فارتاح للظَّفَرِ ¬

_ (¬1) في (ب): "فيه رحمة". (¬2) في (أ): "يعطف"، خطأ.

[جلال الدين البلقيني]

[جلال الدين البلقيني] ومنهم: عبد الرحمن بن عمر بن رسلان، قاضي القضاة جلال الدين البلقيني. هنأه لما ولي إفتاء العدل، كما سيأتي مع غيره في المطارحات، وفي الألغاز (¬1). [ابن الخراط] ومنهم: الزين عبد الرحمن بن محمد بن سلمان (¬2) بن الخرَّاط. له نثرٌ فيه مدح سيأتي في الألغاز (¬3). [ابن الديري] ومنهم: الزين عبد الرحمن ابن قاضي القضاة شمس الدين ابن الدَّيري الحنفي. فأنشد لنفسه يوم ختم "فتح الباري" بالتَّاج. أيا سيدًا حازَ العُلومَ بأسرها ... وأبدعَ في شرحِ "البخاري" نظامُهُ لئن راجَ إبريزُ البيوت بختمها ... فقُل عنبرًا حقًّا ومِسْكًا خِتامهُ [عبد الرحمن الصوفي] ومنهم: عبد الرحمن بن محمد الحريري الصُّوفي، مدحه بأبيات. ¬

_ (¬1) انظر 2/ 812. (¬2) في (ب): "سليمان"، وقال المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 4/ 130، وسماه شيخنا سليمان سهوًا. (¬3) 2/ 815.

[عبد السلام البغدادي]

ومنهم: عبد الرحيم. . . (¬1) له كما سيأتي في المطارحات. [عبد السلام البغدادي] ومنهم: العلامة عبد السلام بن أحمد البغدادي الحنفي، [وقد حملت عنه كثيرًا] (¬2) فكتب إليه يستبطئه قضيَّةً كان استعان به فيها: أيا مَنْ بأمرِ اللَّه والحقِّ يَصْدَعُ ... ومَن لجميعِ النَّاس كالغيث يَنْفَعُ ويا مَنْ لآثار الرسول محمدٍ ... غَدا وحدَه عنها يَذُبُّ ويَدْفَعُ ويا شافعيًا في زمانك أوحدًا (¬3) ... فَتَاواكَ قد شاعت فلا تتقنَّعُ ويا حاكمًا أضحى إمَامًا وقُدوةً ... عفيفًا تقيًا زاهدًا (¬4) متورِّعُ ويا قائمًا في الليل يُحييه قانتًا ... بذكر وقرآنٍ يصلي ويخشعُ شهابًا مضيئًا بل وشمسًا مُنيرةً ... تضيءُ الدَّياجي حينَ تبدُو وتطْلُعُ لئن جُدتم أو حِدْتُم أو عدلتُم ... فإنَّ ضميري عندك الدَّهرَ أجمعُ [وكتب (¬5) إليه أيضًا عند عودِه للقضاء عقِبَ القاياتي: الحمدُ للَّه مُنشِي الخلق إيجادًا ... وباعثِ الرُّسْلِ إشراقًا وأمجادًا صلَّى الإلهُ عليهم ما بدَا أُفقٌ ... وأشرق الشَّمسُ أغوارًا وأنجادًا ثم الصلاةُ على أزكى الورى نسبًا ... محمدٍ سيِّد الكونين مَنْ سادًا ¬

_ (¬1) بياض في الأصول، وذكره المصنف في باب المطارحات 2/؟، فقال: وكتب إليه الزين عبد الرحيم، ومن خطه نقلت، فذكر قصيدة له وقصيدة أخرى للمترجم له أجاب عنها. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (أ، ط): "واحدًا". (¬4) في (ب): "تقي زاهد". (¬5) من هنا، إلى قوله "أيعدل عنكم حاشا وكلا" ص 470، ألحقه المصنف بخطه في ورقة مفردة من نسخة (ح)، ولم يرد في (ب).

والآلِ والصَّحبِ والأتباعِ أجمعِهم ... نالوا بصُحبته علمًا وإرشادًا (¬1) وبعدُ فالمَلِك المنصورُ ظاهرُنا ... زادَ الإلهُ له نصرًا وإسعادًا ممتَّعًا بحياةٍ لا نغيصَ بها ... قهرَ العدوَ وتنكيلًا وإبعادًا لقد حبَانَا بمولانا وسيِّدنا ... وشيخِ الاسلام قُطَّانا وورَّادَا ووارثٍ مِنْ علوم المصطفى جُملًا ... وحافظِ الدِّين تفصيلًا وإسنادًا ومُحييَ السُّنَّة الشهباء مُذْ دَرَسَت ... يُقَطْع الليل تسبيحًا وأورادًا شهاب دين الهدى ما زال متَّصفًا ... بالصَّبر والبِرِّ أعوامًا وأعيادًا عادَ الزمانُ علينا بعدَ جَفْوَتِه ... فما يبالي يصبِّ صدَّ أو عادَا مِنْ بعدِ أن كانتِ الأرواحُ قد بلغت ... حناجرَ القومِ باللَّه أو كادَا لما تولَّى علينا فرقةٌ سبقت ... غُليمةٌ فبغَت بَغيًا وأوغَادا موسوسين حيارى إذ عَتَوْا فمَضَوْا ... فأصبحوا رِممًا في الحيِّ أوبَادَا فما رأينا رشيدًا قطُّ مُذْ حكموا ... ولا سمعنا وفَوْا بِرًّا وميعادًا وهذه سنَّةُ اللَّه الذي سَلَفَتْ ... بالنَّصر للصُّبر صُلَّاحًا وعبَّادَا فكُنْ صبورًا شكورًا حامدًا يقظًا ... للخير ما دُمْتَ فيها آخذًا زادَا وعِشْ سعيدًا رغيدًا طيبًا عَطِرًا ... مكرِّمًا زادكَ الرَّحمنُ ما زادَا واحكُم بعذرٍ وتأييدٍ ومعدَلةٍ ... ورغم أنفٍ لِمَنْ ناوَاك أو عَادَا فاللَّه يُبقيك دهرًا سالمًا أبدا ... مع كَبْتِ شانيك شُمَّاتًا وحسَّادًا ومُنشدُ النَّظمِ خِلُّ راغبٌ حَسَنٌ ... منه الدُّعاء بقلبٍ صادقٍ جادَا وقوله يعرِّضُ بالعز بن عبد السلام،، لكونه كان ناب عن القاياتي: سألتُك شيخَ الإسلام المُعلَّى ... بحقِّك لا تُولِّ الإبن كَلَّا وأبِّدْ حَبْسَه بوثيقِ قيدٍ ... وعزِّرْهُ وولِّهْ ما تَولَّى ¬

_ (¬1) هذا البيت ساقط من (ط).

[عبد الغني الشرجي]

ويَصْلَى بعدَه بأليمِ عَزْلٍ ... بقدرِ زمانه اللَّذْ قد تَولَّى فذاك جزاءُ مَنْ يبغي علينا ... أيُعدلُ عنكمُ حاشا وكلَّا [عبد الغني الشرجي] ومنهم: عبد الغني بن أبي بكر اليمني الشرجي. مدحه في سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بما قرأته مِنْ خطه، فقال: مَنْ لصبٍّ متيَّمٍ مشتاقِ ... أرَّق العينَ مِنْ أليمِ الفِراقِ أحرقَ البين قلبَه يوم سارُوا ... عنه بالرُّغمِ أيَّما إحراقِ وسَقَوْهُ الصُّدُودَ كأسًا دِهاقًا ... بعد كاسٍ مِنَ الوصالِ دِهاقِ يا لَقومي لا تطلُبون بثاري ... غير لُعْسِ الشِّفاهِ والأحداقِ لسعتني عقاربُ الجُبِّ حتى ... آلمتني ولم أجد فيه راقِ ورماني بسهمِ قوسٍ مآقيـ ... ـه غزالٌ قصَدَ منِّي المآقي ألبَسَ البدرَ في التَّجلِّي ضياءً ... وكَسَا الشَّمسَ بهجةَ الإشراقِ وبخدٍّ أذابَ قلبي وقَدٍّ ... وثنايا مفلَّجاتٍ رِقاقِ لا تلُمني في حبِّه يا عذُولي ... فلقد طال في هواه اشْتياقي ومن الجهل أن ترى لي فَكاكًا ... مِنْ وَثاقي وما رَعَى ميثاقي نَمَّ دمعي على خَفِيِّ غرامِي ... وكذا الدَّمعُ آيةُ العُشَّاقِ كيف لا أسكبُ الدُّموعَ وقلبي ... بين أمواجِ لُجَّةِ الأشواقِ يا حُداة النِّياقِ ما اللَّيلِ باللَّيـ ... ـلِ مع العزمِ يا حُداة النِّياقِ فدعوها تميسُ عسْجًا ووسجًا ... كي تلاقي مِنَ المُنى ما تُلاقي وأنيخوا بمصرَ في طلب الرِّزْ ... قِ فهاتيك مَعْدِنُ الأرزاقِ إنَّ أقضى القُضاة أحمدَ فيها ... حسَنُ الخَلْقِ ليِّنُ الأخلاقِ الشِّهابُ الذي ترقَّى عُلوًّا ... وسُمُوًّا عَنْ كلِّ سامٍ وراقِ

[الإشليمي]

صائبُ الرأي في الأمور جميعًا ... كاشفُ المُشكلاتِ في الآفاقِ قد مُلي صدرُهُ جواهرَ علمِ ... لم يزل نورُها له في ائتِلاقِ غامضات العلوم في كلِّ فنٍّ ... خاضعاتٌ لديه بالأعناقِ وهو أذكى بديهةً مِنْ إياسٍ ... وهو أسخى مِنَ الحيا الغيداقِ عوَّد المعتفين ألَّا يعودُوا ... لابِسِي منه حُلَّة الإخفاقِ يطعمُ اللَّحمَ والثَّريدَ إذا المَحْـ ... ـلُ على النَّاسِ دائمُ الإطباقِ أرتجي مِنْ غمامِ كفَّيه جودًا ... مُستهلَّا بالتِّبْرِ والأوْراقِ يحسُنُ المدحُ فيه دأبًا ويحلو ... وهو فيما سواه مرُّ المذَاقِ أيُّها السيِّدُ المرجَّى لكشفِ الضُّـ ... ـرِّ عنا وضيقِه الإملاقِ أنت تِرْبُ النَّدى وربُّ المعالي ... ونفادُ الأموال (¬1) بالإنفاقِ ولك السُّؤدُدُ الذي جلَّ قدرًا ... أن يسامى في شامها والعراقِ أصبح النَّاسُ قائلين جميعًا ... بأقاويل صحَّةٍ واتفاقِ لو يعود الزَّمانُ جسمًا سويًا ... كنتَ عينًا لوجهه وأماقي كلُّ مَنْ رامَ في مساعيك سعيًا ... كان فيها سِكَّيتَ يومَ السِّباقِ دُمْتَ ما دامَ يذبلٌ وثبيرٌ ... في أمانِ المهيمنِ الخلاقِ [الإشليمي] ومنهم: الزين عبد الغني بن محمد الإشليمي. فأنشدني يمدح صاحب الترجمة قوله: أيا بَحْرَ عِلْمٍ زانه الحِلْمُ (¬2) والتُّقى ... لك العِزُّ في الدُّنيا وفي يومِ تُبْعَثْ أراد بك الأعداء سوءًا بجمعهم ... فلا تخشَ منهم، كلُّ جَمْعٍ مؤنَّثُ ¬

_ (¬1) في (أ، ط): "الأمور". (¬2) في (ط): "العلم".

[عبد القادر النحريري]

وقوله أيام ولاية القاياتي، ولُصِقَا بموضع جلوسه بالمنكوتمرية: لن يَبْلُغَ الأعداء فيك مرادَهم ... كلَّا ولن يصِلُوا إليك بمكرِهمْ فلك البِشارةُ بالولاء عليهم ... فاللَّه يجعلُ كيدَهم في نحرِهمْ وقوله عند ولايته عقب السفطي: لقد لطفَ اللَّه الكريمُ بخلقه ... وأضحكهم مِنْ بعدِ فيضِ المدامِعِ فولَّى عليهم أحمدًا وكفَى به ... إمامًا وحَبْرًا وهو في الخلق شافعي [عبد القادر النحريري] [ومنهم: عبد القادر النِّحريري الواعظ. مدحه بعشرة أبياتٍ فيما بلغني، ولم أقف عليها. ويقال: إنَّه أعطاه جائزته عشرة دنانير] (¬1). [الطَّويلي] ومنهم: عبد اللطيف بن نصر اللَّه الطَّويلي. وله فيه مدائح كثيرة، منها ما كتب به إليه [مما سمعته منه] (¬2): إذنًا -رعاك اللَّه- في إنشادِ ما (¬3) ... قد قلتُ فيكَ مِنَ المديحِ مُنظَّمَا في غيرِ هذا الوزن وزنًا سيِّدي ... وسينشدَنَّ مُفَعَّلًا ومقسَّمَا مِنْ وافرٍ والنُّونُ فهي رَوِيُّهُ ... محروزةٌ والحَدْ وفتحةَ أعلَمَا وخروجها ياءٌ وأما رِدْفُها ... ألفٌ وقد أحكمتُ ذاك فأحكَما ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب): وقد أشير إلى ذلك فيها في نهاية هذا الجزء ص 564. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (أ): "إنشدها".

[الجوجري]

مولاي إني بعدَ هذا مُبتدٍ ... غزلًا دعائي فاستمع ليَ واحلُما ثم أنشد لفظًا قوله: دعاني مِنْ مَلامِكُما دعاني ... فداعي الحُبِّ ويحَكُما دَعَانِي ألا لا تعذلان فإنَّ قلبي ... أسيرٌ في بلادِ الوجْدِ عَاني ومنها: إمامًا خُذ إليك المدحَ منِّي ... فحِلْمُكَ واسعٌ رَحْبُ الأباني وأنت أجلُّ مِنْ أن نَمْدَحَنْهُ ... لأنَّك ذو الصِّناعة والمعَانِي وما أنا (¬1) بالذي يُعليك قولي ... مكانًا بل لِتَرْفَعَ لي مكاني في أبيات (¬2): [الجوجري] ومنهم: عبد اللطيف بن محمد الجَوْجَري. [ابن العديم] وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن العديم، كما سيأتي في الأسئلة المنظومة من الباب السادس (¬3). وقد رأيت للجَوْجَري أبياتًا يلتمس فيها منه "وصية ابن عبد السلام". حذفتُها مع ما افتتحها به مِنَ النثَّر تخفيفًا. ¬

_ (¬1) في (أ): "وأنا". (¬2) "في أبيات" لم ترد في (أ). (¬3) 2/ 862.

[التاج عبد الوهاب]

[التاج عبد الوهاب] ومنهم: التاج عبد الوهاب بن شرف، يأتي في الباب السادس أيضًا. ومنهم: الإمام الموفق أَبو الحسن علي بن الحسن بن أبي بكر الخزرجي، كما سيأتي في المطارحات مِنَ الباب المذكور. [الدواليبي] ومنهم: العلاء علي ابن العفيف عبد المحسن بن عبد الدائم (¬1) الدواليبي. سمعت من نظمه وفوائده. ورأيت بخطِّ شيخنا أَنَّه أنشده قصيدة تائيّة. ثم ظهر أنَّها لغيره مِنَ العصريين. قال: مع كونه غير عاجز عَنِ النَّظم. وأورد له قصيدةً أخرى أنشده إياها في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وهي: بكم حديثُ غرامي عاليَ السَّنَدِ ... يا سادةً بابُهم قصدي وهم سنَدِي صِلُوا غريبًا غدا في الحب منقطعًا ... صحيحَ وُدٍّ ضعيفَ الصَّبر والجلَدِ تَواتُرُ الشَّوقِ أبلى مُهجتي أسفًا ... ومُرسَل الدَّمع يُنبيكم عَنِ الكَمَدِ يأتي العواذلُ آحادًا وما عَلِموا ... مُسَلْسَلَ الدَّمع لا يُصغي إلى أحدِ يا مَنْ لهم كلُّ معنى في الوَرى حسنٌ ... عَلَامَ بالسُّقم قد جرَّحتُمُ جسدي جرَحتُم بالنَّوى قلبي الكئيبَ وإن ... تَرضَوْا بقتلي فلا تَخشَوْا مِنَ القَوَدِ يا أهلَ ذاك الحِمى لي فيكمُ قمرٌ ... غزالُ شِعْبٍ ولكن مِنْ بني أسَدِ لا تعجبُوا مِنْ جُنُوني في محبَّته ... فطرفُه السَّاحرُ النفَّاث في العُقدِ لمَّا رأى أعيُن العشَّاق مُحدقةً ... بوَرْدِ خدٍّ وورد المبْسمِ النَّضِدِ هزَّتْ معاطفه رمحًا ومقلتُه ... سيفًا ودار العِذار الغضِّ كالزَّردِ ¬

_ (¬1) "عبد الدائم" لم ترد في (ب، ح)، وفي (أ) و (ط): "بن عبد الدواليبي"، والمثبت من ترجمته في الضوء اللامع 5/ 255.

[أبو الحسن العراقي]

فكم له مِنْ قتيلٍ ماتَ مِنْ شَغَفٍ ... شوقًا لثَغْرٍ غَدَا أنقى مِنَ البرَدِ كأنَّما ثغرُه في نظمِ لؤلؤه ... مدحب شهابَ العُلا ذُخري ومعتمدِي قاضي القُضاة إمام الوقتِ سيِّدنا ... علَّامة الوقتِ أعني عالي السَّنَدِ شيخ الحديثِ له الفضلُ القديم وكم ... له مناقبُ قد جلَّت عن العَددِ مقلّد الجُودِ أعناقَ الورَى كرمًا ... وفي الفضائلِ يَسْعَى سَعْيَ مُجتهدِ بحر لمغترفٍ خير لمعترف ... دُر لمنتقدٍ نور لمعتقدِ نظمت درَّ بياني (¬1) في مدائحه ... لأنَّه للمعالي أيُّ منتقدِ لِبَابِهِ عُلماء العصرِ قارعةٌ ... لما غدا أوحدًا كالشَّمس في البَلدِ تراه في البحث مثلَ البحر يظهر مِنْ ... تَلاطُمِ العلمِ كالأمواج بالزَّبَدِ يا ابنَ السُّراةِ الكرامِ الغُرِّ بيتُك في ... بيتِ الفضائل والخيراتِ والسَّنَدِ أتعبتَ بعدكَ مَنْ رام اللِّحاقَ فقد ... أكْدَت مطالبُ مَنْ جارى ولم يَكِدِ بقِيتَ للدِّين تُعليه وتَنْصُرُه ... وفي المكارم تَسْعَى سعيَ مُجتهدِ يَهنيك عِيْدًا أتى بالسَّعد مقترنٌ ... والعتق يا خيرَ مأمولٍ ومُعْتَمَدِ يا مَنْ وجدنا نَدَاهُ قبل مطلبه ... وكم طلبنا له نِدًّا فلم نَجِدِ أَعطِ العُفَاةَ على رغم العداة وإن ... ثَنَّوا فثَنِّ وإن عادوا لها فَعْدِ فليس يبقى سوى أحدوثةٍ وُصفت (¬2) ... في النَّاس والأجر عند الواحد الصَّمدِ [أبو الحسن العراقي] ومنهم: الإمام أَبو الحسن علي بن عثمان بن حسن العراقي. فأنشدني من لفظه بحضرة الممدح والجماعة قوله: أشكرُ ربَّ العُلَا وأحمدْ ... أن خَلَف الشَّافعىَّ أحمدْ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "أبياتي". (¬2) في (أ): "وضعت".

[وما وجدت عندي باقيها]

مجتهدُ العصر في زمانٍ ... لم يبق في أهله مُقلِّدْ قاضي القضاة الذي رَوَيْنَا ... عنه صحيح العفاف مسنَدْ نادرةُ الدَّهرِ في فنونٍ ... تقضي بتفضيله وتشهدْ منها الفتاوى التي إليها ... تفِدُ المطايا فَلًا وفَدْفَدْ وواضحات الشُّروح فيما (¬1) ... أورده الشافعىُّ أو ردْ [وما وجدت عندي باقيها] (¬2). وقوله يستنجز (¬3) مِنْ صاحب الترجمة وعده بسماع قصيدة امتدحه بها: بَنَيْنَا في محاسنكم بيوتًا ... يضُوعُ بها الثَّناء ولا يُضَاعُ ومنكم بالسَّماعِ وعدتُموها ... وهذا الوقت قد طَابَ السَّماعُ [ابن المغلي] ومنهم: العلامة نادرة الحفاظ العلاء علي بن محمود بن المغلي كما سيأتي في المطارحات (¬4). [الأسواني] ومنهم: السراج عمر بن عبد اللَّه الأسواني. مدحه بعد أن طارحه قديمًا ببيتين، فقال:. . . . (¬5) ¬

_ (¬1) في (ط): "فيها". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وهي بخط السخاوي في هامش (ح). (¬3) في (أ): "يستخرج" وهو تحريف. (¬4) 2/ 791. (¬5) بياض في الأصول.

[الجعبري]

[الجعبري] ومنهم: السراج عمر بن محمد بن علي بن محمد ابن العلامة برهان الدين الجعبري، شيخ بلد الخليل. أنشدني لنفسه بمدح "النخبة"، إذ قرأها على مصنِّفها صاحب الترجمة، فقال: أبدعتَ يا حبْرُ في كل الفنون بما ... صنَّفتَ في العلم مِنْ بَسْطٍ ومُختصرِ علمُ الحديث به أصبحتَ منفردًا ... وللأنامِ فكم أبرزْتَ مِنْ غررِ لقد جلوتَ عرُوسَ الحُسْنِ مبتكرًا ... فيما أتيتَ به من "نخبة الفِكَرِ" إذا تأمَّلها بالفكرِ ناظرُها ... تَهْمِي فوائدُها للفكرِ كالمَطرِ [عمر الطرابلسي] ومنهم: السراج عمر بن محمد الطرابلسي الحنفي. فقرأت بخطه يمدح صاحب الترجمة، ويهنئه بوظيفة تدريس الشافعية بالشيخونية، وإفتاء دار العدل، وتدريس الحديث بالجمالية، فقال: مراتبُ أهلِ الفضلِ تسمو بهم قدرًا ... وأوصافهم مَنْ ذا يطيق لها حصرا إلى أن قال: وإنّ أبا العباس أهلٌ لمنصبٍ ... وأولى بتدريسٍ تولّاه والأجرَا (¬1) لِمَا اجتمعَتْ فيه مِنَ المُلَح التي ... تَزينُ معانيها قوافٍ أتتْ شِعْرَا كعفَّةِ نفسٍ واتضاعٍ ورأفةٍ ... وجودٍ ومعروفٍ يجودُ به برَّا وعقلٍ وآراءٍ وحُسْنِ سياسةٍ ... وطيبةِ أخلاقٍ وسمت به البُشْرَى إلى أن قال: ¬

_ (¬1) في (ط): "والأحرى".

وما نال (¬1) في علمِ الحديثِ فواضحٌ ... روايته فيه بدارِسها جهرَا وإسناده الأقوى به كلُّ حاسدٍ ... ضعيفٌ ومِنْ بلواه لم يستطع صبرَا مكانتُه المرفوعةُ القدرِ في الدُّنَا ... بها وُضِعَت أقوالُ أضدادها قهرَا إلى أن قال: تهنَّ بما أوليتَه (¬2) ووَلِيتَه ... شهابَ الدُّنَا والدين في أنْعُمٍ تَتْرَى إلى أن ختمها: عليه صلاة اللَّه ما سار ممتط ... قَلُوصًا إلى نجدٍ وطاب له المسْرَى عُويس السعدي ومنهم: العالية الشَّرف عيسى بن حجج السعدي، الملقب عُويسًا، الآتي في الألغاز (¬3) مِنَ الباب السادس. رأيت له قصيدةً بخطِّه امتدح بها صاحبَ التَّرجمة، وسمعها هو والصَّلاح خليل الأقفهسي مِنْ لفظه في سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فقال: ما سار مَنْ أهواهُ لكن قد سَرَى ... في ليله مِنْ شَعْره مُتَسَتِّرَا وأجازَنِي بالوصل عن غَزَلي الذي ... يحلو بغزل اللَّحظِ منه مكرَّرا وبضيفِ طيفٍ خصَّني تحت الدُّجى ... كرمًا فصيرتُ المنام له قِرَى قَمَرٌ مُحَيَّاهُ وغُصنٌ قَدُّهُ ... بهرَ الغزالةَ وهو يُدعى جُؤذُوَا منها: بالحُسنِ منه جانَس الإحسان مِنْ ... يُمناك تجنيسًا لقد سُرَّ الورى ¬

_ (¬1) في (أ): "زال". (¬2) في (أ): "أوتيته"، وفي (ط): "أوليت". (¬3) 2/ 823.

زُمرًا لك الشُّعراء مِنْ فُصحائِهم ... أمُّوا وقد جعلوا مديحَك مَتْجَرَا أغنيتهم وغنيتَ عَنْ أمداحهم ... إذ كان أفصحُهم لديك مقصِّرَا في فَحمةِ اللَّيل البهيمِ قَريحَتي ... صيَرتُها بجميلِ ذكرك مِجمَرَا فاستنشَقَث منها المعاطِسُ نفحةً ... ما فاحَ منها فَاق مسكًا أذْفَرَا يا مَنْ لقد شَفَعَ الجميل بمثله ... ولحاسديه قَوْسَ حزمٍ أوْتَرَا إنْ فُقْتَ جيلًا أنت منهم لا مِرَا ... فالنَّاسُ في الأحْجَار عدُّوا الجوهرَا بسُهيلٍ بنِ أبي ربيعة ما ارتضى ... أنَّ الثُّريا قارنته في الثَّرى حاشا الرَّئيسَ شهابَ دين اللَّه أن ... يرض سِوَى شُهْبِ المجرَّة مَعْشَرَا قد صغَّرَ الدُّنيا لديه زُهدُهُ ... وعلى الحريص بجمعِها قد كَبَّرَا لو لم يكُنْ بالجودِ صبًّا ما اقتنى ... منها الدَّنانيرَ الحِسَان ولا الدَّرا (¬1) بعد ابن بُرد إنْ تسلْ عَنْ شاعرٍ ... حاك القريضَ المستجادَ مُحرَّرَا يَمِّمْ أبا الفضل الذي مَنْ قاسَه ... بابنِ العميد بلاغةٌ فقدِ افتَرى أتقيسُ بالمتقدم المفضولِ مَنْ ... هو فاضلٌ لكن أتى متأخِّرَا لو حاول القاضي السعيدُ بحلْبة الْـ ... ـآداب إدراكًا له لتعثَّرا ولو انَّ رَاوي نظمِه وافَى به ... لأبي ذُؤيّب كان منه تَنَمَّرَا كم لابن مولانا علىٍّ مادحٌ ... مثل الذي مدح الأمينَ وكَوْثَرَا بلغ النِّهايَة في الحديث المنتقَى ... وروى الصِّحاحَ وفي الرواية حَرَّرَا والذِّكرَ فسَّرهُ على نحوِ الذي ... قد ألَّف "الكشافَ" في أُمِّ القُرى وعلى الخليل بنحوِه (¬2) يسمُو وفي ... لغة يفوقُ أبا عبيدة مَعْمَرَا معنًى بلفظ الشُّكرِ قد وصفُوه لي ... والفضلُ بالفضلِ الكبير وجعفَرا ¬

_ (¬1) "الدرا" ترخيم دراهم. (¬2) في (أ): "ونحوه".

فأجبتُهم: مولاي أحمدُ فاقَهم ... بنَدى يدٍ كالبحرِ فاق الأبْحُرَا قد مَاسَ في الأوراق قَدُّ يراعِه ... كالغُصن لكن بالمكارم أثمرَا شَرُفَتْ به الأقلامُ جمعًا كونُه ... قلمًا أرقَّ مِنَ النَّسيم إذا انْبَرَى قِرطاسُه المبيضُّ كافورًا حكى ... وبخطِّه المُسْوَدِّ يحكي عَنْبَرَا أهلُ الزَّمانِ شبيهُه حاشاك هم ... يمشون كالحَبَّال فيه إلى وَرَا قد خالفوني حين خالفَ مشيُهم ... مَشيي ولا سْمي كلّهم قد صَغَّرا (¬1) يا مَنْ أطلتُ مديحَه وأطبتُ في ... إثنائه (¬2) وسألتُه أن يُعذِرَا صُن ماء وجهي مثلَ ما صُنْتُ الثَّنا ... عَنْ كلِّ مَنْ عنه النَّدى لن (¬3) يُؤثَرا في سُوق فضلك قد عرضتُ بضاعتي ... وهي المديح وأنت نعم مَنِ اشترى أُوتِيتَ في الدَّارين ما أمَّلَته ... وبقيتَ في كل الأمور مُخَيَّرَا ورأيت مما امتدح به أديبُ الدِّيار المصرية عيسى بن الحجاج السعدي العالية، صاحبَ الترجمة قوله: لو نادم المشتاقُ غيرَ نديمه ... لم تنصرفْ عنه صروفُ هُمومِهِ فاجعل نديمكَ من بِفيْهِ كريقِه ... وبخدِّه يُغنيك عن مشمومِهِ قمرٌ حوى شمس (¬4) الطِّلا وكأنما ... ألقى عليها الليلُ زهرَ نجومِهِ أفرغتُ للخمَّار أكياسي وقد ... مُلئتْ كُؤُوسي مِنْ عصيرِ كُرومِهِ وشربتُ في روضٍ أريضٍ نشرَه ... كالمسك فاح لنا بطيِّ نسيمِهِ قم يا خليعَ الشَّرب نادِمني به ... تحت الدُّجى وانْشَقْ عَبِيرَ شَمِيمِهِ فإذا طربتَ على سماعٍ فليكن ... مِنْ شَدْوِ معشوقِ الدَّلال رحيمِهِ ¬

_ (¬1) في هامش (ط، ح): لأنهم كانوا يلقبونه عويس. (¬2) في (أ، ب): "إيتائه". (¬3) في (أ): "لو". (¬4) في (ب): "شموس"، خطأ.

ريمٌ على مُضْناه يَبخَلُ باللِّقا ... أرأيتَ بين الباخلين كَرِيمِهِ في (¬1) مِيم مَبْسَمِه رحيقٌ (¬2) حلَّ لي ... مَنْ لي برشفِ رحيقِه مِنْ مِيمِهِ في نُونِ حاجبه وصَادِ لحاظِه ... نصٌّ لعاشقه على تحريمِهِ دمعي صديقُ الخدِّ مني حَمَّهُ ... فانظر لفعلِ صديقِه بحميمِهِ كم حيَّ ليلٌ مِنْ صدودِ معذِّبي ... وكَّلتُ أجفني برعْي بهيمِهِ كَلَمَ الحشا مني بصارمِ جفنِه ... وبثغره الخرطومُ طبُّ كلِيمِهِ قبَّلت قبلَةَ خدِّه مذ زارني ... وبرشفِ (¬3) فيه سكرتُ مِنْ خُرطومِهِ فَشَفَيْتُ وجْدِي مِنْ مليحِ زمانه ... وبلغتُ قصدي مِنْ نَوال كريمِهِ علَّامة الدُّنيا أَبو الفضل الذي ... كلُّ الورى اتَّفقت على تعظيمِهِ أهلًا به مِنْ قادمٍ بمكارمٍ ... قَدِمَ السُّرورُ على الورى بقدومِهِ كم مِنْ مُحِلٍّ قد تمنَّى طامِعًا ... في أن يُخيِّم ساعةً برسومِهِ كم سار في طلب الحديث مشرِّقًا ... ومغرِّبًا وسَرَى لحِفظِ علومهِ إسنادُه العالي أصار (¬4) حديثَه ... في كلِّ درس ملحقًا بقديمِهِ ما لحنُ إسحاق وإعرابٍ أتى ... في كف إيهامٍ لبيت ظلومِهِ يومًا بأعجب مِنْ ثَنَايَ على فَتًى ... عمّت مآثرُه بَني إقليمهِ رحم الإلهُ أباهُ في بطن الثَّرى ... وأحلَّه بالفضلِ دارَ نعيمِهِ وحبَا شهابَ الدِّينِ سيدَنا ابنَه ... كلَّ المُنى بخصوصِه وعمومِهِ بنَدَاهُ علَّمني الثناء فليس لي ... فضلٌ به إذ كان مِنْ تعليمِه يُعطي لراوي مَدْحِه المختومَ مِنْ ... ذهبٍ عقِيب البِشْرِ من تَبْسِيمِه ¬

_ (¬1) في (أ): "كم". (¬2) في (ب): "ريق". (¬3) في (أ): "ورشفت". (¬4) في (ب): "اختار"، تحريف.

[الطنوبي]

عُمرُ "ثلاثُ شُخُوصه" تعنو لَدَى ... شخص به لي جاد مِنْ مختُومِهِ مِنْ جُمَّلٍ باللام لو قد جاد لي ... ما فزتُ مِنْ جود الأنام بجيمِهِ لا عيب فيه غير كتمِ هباتِه ... يا حبذا الموهوب من مكتومِهِ . . . . . . . . . . . . . . . (¬1) ... في إيثاره والليث في تضمينِهِ [الطنوبي] ومنهم: الشيخ الشرف عيسى بن سليمان (¬2) الطُّنُوبي. فمما امتدح به صاحب الترجمة ما أنشد عقب ختم "شرح البخاري" بالبيبرسية. [ثم أنشدنيه إياه بعد] (¬3). سمحتُم بشرحٍ جاء أغلى من العين ... فحصَّنْتُكم باللَّه وهو مِنَ العَيْنِ تَحَلَّى بشرحٍ العِلم فخرًا وعندما ... تجلَّى أبان الجهل عنا مِنَ البينِ وأضحت سطورُ العلمِ فيه جواهرًا (¬4) ... تُعدُّ على الطُّلاب سِمْطين سِمْطينِ ومَاسَ بقُرْطٍ مِنْ وجوه نُقولِكُم ... فمن تاجها والقرطِ فُزنا بفَلوين (¬5) تُنقِّح شرحًا للبخاري بلا مَيْنٍ ... به (¬6) فتح الباري عَنِ الكاف والنُّونِ وأخذل جيم الجُورِ إذ باء بالمنى ... وأظهرَ عَيْنَ العدلِ من سرِّ يسنِ غدا جَنَّةً للعلم فيه حدائقٌ ... تنزَّهَ فيها ناظرُ العَيْنِ في العَيْنِ فطبتُ بلَمْيا حوره متمسكًا ... وأقلعَ غينٌ كان في الفكر يُلهيني ¬

_ (¬1) بياض في الأصول، وفي هامش (ب، ح) ما نصه: انمحى النصف الأول. (¬2) في (ب): "سلمان"، تحريف. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وأضافها المصنف بخطه في هامش (ح). (¬4) في (أ): "جوهرًا". (¬5) في (أ): "بفكوين" تحريف، وفي (ط): "بقولين"، وفي (ب): "بقلوين"، والمثبت من (ح) و"المختصر" للسفيري. (¬6) في (أ): "فيه".

فأعظِم به شرحًا مفيدًا منقحًا ... إذا صدَّ جهلي عنه، بالعلم يُغرينى وإن صرتُ منه في (¬1) ضلال أضاء لي ... شهابُ سَنًا منه إلى الحق يهْدِيني فدونَك تأليفًا أتى عَنْ مؤلِّفٍ ... تحرَّى صحيح النقل لم يرضَ بالدُّونِ أقول وما زال التَفاتي لمدحِه ... وتنزيهه فرضي وتعظيمه ديني إليك انتهت يا حافظ العصر رحلةُ الـ ... ـحديثِ مع الإملاء حقًّا بلا مَيْنِ وأنت الذي أحييت سنَّة أحمدٍ ... وأبرزتَ مِنْ أسرارِها كلَّ مكنُونِ وأنت الذي صنَّفت كهلًا ويافعًا ... وأفْتَيتَ في فَرْضٍ علينا ومَسْنُونِ وأنت الذي في الشِّعر مالِكُ رقِّه ... وفُقْتَ على حسَّانه وابن زيدونِ وأنت الذي دوَّنت شرحًا سَمَا به ... إمامُ بُخارى فانْثَنَى خيرَ ميمونِ وألبستَه تاجَ العُلومِ مكلَّلًا ... فها هو في فُرطٍ يميسُ ببُرْدَينِ ولم يأت شرح للبخاريِّ مثلُه ... وهيهات ما البَشنين فضلا كنِسرينِ فذُق عِلْمَه واهجُر مقالَة غيره ... ففي الشَّهدِ معنى يُوجَدُ في التِّينِ يزيدُك علمًا إن تَزده تأمُّلًا ... ويُشكِلُ تارات ويأتي بتَبْيينِ حوى كلَّ ما قال الأولى في مؤلَّفٍ ... بأبْدعِ تقريرٍ وأبرع تدوينِ وزادَ مِنَ التَّنقيح ما فضلُه به ... تأكَّد عند الخصم بالنَّفس والعَينِ له فضلاء العصر صلَّوا وسلَّموا ... لما قلتَ طوعًا ليس ذلك بالهُونِ ولو كان في عصر البخاري مؤلَّفًا ... لكان له إلفًا وقبَّل إلفينِ وخرَّ إلى الأذقان للَّه ساجدًا ... وقال: نعم، هذا الذي كان يُرضيني أو ابن معين قال: في الحفظ زادني ... وزال به عنِّي الذي كان يُنسِيني له اللَّه مِنْ شرحٍ أزال شهابُه ... عَنِ السُّنَّة الغرَّا جُموعَ الشَّياطينِ قررتُ به عينًا وصرتُ به زَينًا ... وأحيا به حينًا إلى مُنتهى حَيْني ¬

_ (¬1) "في" ساقطة من (ب).

ولِمْ لَا به أحيا وفيه فوائدٌ ... مِنَ العلم تكفيني إلى يوم تكفيني وحُجَّةُ دعوى الخصم مخصومةٌ بما ... به (¬1) سجَّل القاضي بنصٍّ وتعيينِ عن ابن عليٍّ صرتُ أروي العُلا فإن ... عطِشتُ فمِنْ علمٍ هَمَى مِنْهُ يُرْويني ويُملي على أُذْني فأكتبُ جوهرًا ... وأمدحُه مِنْ بعض ما هو يُمليني هو الحَبْرُ بحرُ العلمِ عينُ زمانِه ... فما جعفرٌ في فضله وابنُ هارونِ وأثْنُوَا بالصِّدِّيق آلَوا بأنه ... هو الفردُ في التَّحقيق لا ثَانِي اثنَيْنِ نقلتَ به الأصلين والفخرُ شاهدٌ ... له وابن برهان بتلك البراهينِ وبيَّنت في التفسير حكم (¬2) مسائل الخـ ... ـلاف بما أظهرتَ مِنْ كَنزِ مدفُونِ كرأي ابن عباس ورأي مُجاهدٍ ... ورأي عطاءٍ ثم رأي ابنِ سيرينِ وقرَّرتَ للقُرَّاءِ ما كان نافعًا ... أتى عن أبي عمروِ وورشٍ وقالُونِ وحقَّقْتَ حكمَ الرَّوْمِ فيه وغُنَّةٍ ... ومدٍّ معَ الإشمام والوصل واللِّينِ وأعربته عَنْ سيبويه وشيخِه ... وأبديتَ فرقًا بين نُونٍ وتنوينِ وأسندت فيه عَنْ شيوخٍ كثيرةٍ ... لهم طرقٌ تعلو ففزت بأجرَيْنِ نتيجةُ علمِ النَّقلِ والعقلِ فاعجبوا ... له وهو طفلٌ جاز (¬3) فيه ابنَ سبعينِ وما مسلمٌ إلا وقال كجوهرٍ ... فمَنْ ليس يحويه غدًا بئسَ مغبونِ ولا عجبٌ فاليمُّ مِنْ حجَرٍ بدَا ... عيونًا لموسى حين خرَّ على الطينِ فعشرُ عيونٍ منه عشرُ أصابعٍ ... تفيضُ وثنتا جُودِها ستّ كفَّينِ سما في تآليفٍ غَلَت في حياته ... نعم وعَلَت فوق السِّمَاكِ وتِنِّينِ تُناهز عُشْر الألف عدًّا وكم سعى ... لِبَابِ عُلاها وافدٌ مِنْ سلاطينِ وزادوا اشتياقًا بالسَّماع وربما ... تعشَّق قبلَ العين سمعُك في الحِينِ ¬

_ (¬1) "به" ساقطة من (ب). (¬2) في (أ، ط): "كل". (¬3) في (أ): "حار".

[مجد الدين ابن مكانس]

فجهَّزَها سلطانُ مصرَ هديةً ... إليهم فأنبتَ عَنْ خيولِ ونَقْدينِ إلى الغرب سارت ثم للنَّبْكِ (¬1) سافرت ... وفي يَمَنِ حلَّت وصارت إلى الصِّينِ فعش آمنا يا حافظَ العصرِ وابتَهِجْ ... بفتحٍ له ختم على عَيْنِ ذي رَيْنِ وباكِرْ لبكرٍ في حماكَ تنزَّهَت ... بمدحك عَنْ إيطاء مدحٍ وتضمينِ ودع أيِّمًا أضحت لها فيك ضَرَّةً ... فبالفرقِ بان الصُّبحُ منها لذي عَيْنِ فلا زلت ذا جاهٍ وجُودٍ وسُؤدَدٍ ... وحُكمٍ وتأليفٍ وعزٍّ وتمكينِ وأختمُ مدحي بالصَّلاة مسلِّمًا ... على خيرِ مبعوثٍ مِنَ الحَوْضِ يسقيني صلاةً تريني بُعد جسميَ من لظًى ... ومِنْ جنَّةِ الفردوس في الحشر تُدنيني وله في "الفتح" أيضًا [مما أرويه عنه] (¬2): يا طالبَ العلمِ إن أنهيتَه نظرًا ... فعُد إليه ولا تَجْنَح (¬3) إلى الضَّجرِ فالنَّاسُ للبحرِ وافوا بَعْد بُعدِهم ... والبحرُ في مصرَ قد وافاك مِنْ حَجَر وقوله فيه أيضًا: إذا تأمَّلت معناه مُطالعةً ... تجده بحرًا صفا في العلم أوْ رَاقَا وإنْ تأمَّلتَه لفظًا وجدت به ... ثمارَ روضٍ فزانت فيه أوراقا [مجد الدين ابن مكانس] ومنهم: المجد فضل اللَّه بن مكانس، كما سيأتي في الألغاز (¬4) ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "للَّنك". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (أ): "تحتج". (¬4) هو فضل اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق، ويعرف بابن مكانس (الضوء اللامع 6/ 172) وانظر ما يأتي 2/ 824 - 830 من ألغازه لصاحب الترجمة وجواب الأخير عليها.

[قاسم بن قطلوبغا]

[قاسم بن قطلوبغا] ومنهم: العلامة الزين قاسم الحنفي. فكتب إليه بديهةً وقد تجدَّدت له ابنةً سماها فاطمة (¬1): يا مالكًا نعماؤهُ ... تَعمُّ دهرًا خَادِمَهْ قد جدد اللَّه لتقـ ... ـديم النِّعال خادِمَهْ بديعةٌ في شأنها ... مرضعة وفاطمَهْ يدعو لسانُ حالِها ... بأنعمٍ ملازمَهْ لمن غدت نَعْمَاؤُه ... على أبيها دائمَهْ أعني إمامَ عصرنا ... وحبْرَه وحاكِمَهْ وحافظَ السُّنَّةِ مَن ... عمَّ الورى مكارمَهْ أنالَهُ اللَّه العُلَى ... بَدْءًا وحُسنَ الخَاتِمَهْ [البدر البشتكي] ومنهم: العلامة البدر محمد بن إبراهيم بن محمد البشتكي. فكتب إليه وقد وعَكَ صاحب الترجمة: سلمتَ وكلُّ العالمين لك الفِدى ... وعافَاكَ مَنْ عَافَى بك الفضلَ والنَّدَى فثِقْ بمديدِ العُمر وافرَ نعمةٍ ... بسيطَ مجالِ الذِّكرِ مُنْسرِحَ المدَى فما كان يُخلي اللَّهُ جلَّ جلاله ... سماءَ المعالي مِنْ شهابٍ به الهُدَى أعاذك ربُّ العالمين مِنَ الضَّنَى ... وأمَّا الذي تخشى فعاد إلى العِدَا ولو لمْ توافي يا أبا الفضلِ للوَرى ... لما عرفُوا واللَّه مجدًا وسُؤدَدَا وكم قد رأينا مِنْ عُلاكَ فواضلًا ... وكم قد رَوَيْنا عَنْ كمالِك مُسنَدا ¬

_ (¬1) أنشد الأبيات الأربعة الأول السيوطي في "المنجم في المعجم" ص 167 بتحقيقي.

فدُمْت سعيدَ الجَدِّ في ألفِ نعمةٍ ... ولا زلتَ محروسَ الجنابِ مؤيَّدَا وقرأت في "ديوان نَظْمِه"، جمع العلامة الشهاب الحجازي، مدحًا في صاحب الترجمة: أعاطلٌ خدُّهُ بالدمعِ أم خالي ... فيومُ هجرٍ عليه عامُ إمْحالِ متَيَّمٌ بأمالي الوجْد يدرُسُها ... لأنَّه راح يرويها عَنِ القالي أحبابَنا وكنوزُ الصَّبر قد فرغتْ ... وبعد ذلك والَهْفِي على المالِ أشكو إلى اللَّه أفعالًا لُسِعْتُ بها ... في الحبِّ فهي على الحالين أفعالي وكم شكوتُ ولو لم أشتكي لغَدتْ ... حالي أمضَّ على صحبي وأشكالي أرخصتُم مهجتي في أسر عشقكُم ... والحبُّ كان على الحالين أغْلَى لي حَمَيْت سَمْعِيَ عَنْ لومٍ فإن ضَعُفَت ... منِّي القُوى فحبالُ الحُبِّ أحْمالي تسمو إلى وصلكُم رُوحي وقد قَنَعَتْ ... بثوبِ صبرٍ على الحالين أسْمَالي عَمِلتُ في الحب أو عُمِّيت عنه (¬1)، فلا ... تعجب فعشقي في الحالين أعْمَالي بالحُسْنِ أوصى لكم ربُّ الجمالِ فَمَنْ ... يا قاطعين بهذا الهجرِ أوصَالي أطَلْتُم وَجَلي مِنْ ريحِ هجركُم ... فأقصروا بسيوف (¬2) اللَّحظِ أوجَالي أغْواني القلبُ فيكم حين أفزَعني ... فعُذَّلِي في كلا الحالين أغْوَى لي أغزى أَبو الفضل جيشَ الجُود فيَّ وقد ... أحببتُه فله مدحي وأغزالي أنكرتُ قوَّةَ أقوالٍ مَدحتُ بها ... سِواهُ لو كُنَّ فيه كنَّ أقوالي أقفو مدائِحَ مَنْ جَدْوَاهُ أينعُ (¬3) لي ... لو أنَّني تحتَ أغلاقٍ وأقفالِ كالأهلِ صرنا وأهلُ العصرِ قد غَدرُوا ... فأنت والنَّاسُ في الحالين كالآلِ ¬

_ (¬1) "عنه" ساقطة من (ب، ط). (¬2) في (ب، ط): "فسيوف". (¬3) في (ط): "أنفع" وكتب في هامش (ح): خ أنفع.

لِمْ لَمْ أحكِ مدحَ مَنْ بالجود ألجم لي ... وإن أكُنْ خلفَ أسْتَارٍ وأسْدَالِ يُجْبَى المديحُ إليكم يا بني حجر ... وحَاجُّكُم نتلقَّاه بأجبالي بيوتُكم في هُبوطِ الحظِّ أسكُنُها ... فهي الشِّفاء لأسقامي وأعلَالي فاهنأ بعشرٍ وحولٍ حالُه بك قد ... عَلَتْ على أشهُرٍ مَرَّت وأحوالِ واللَّه لا خَابَ حَدسِي بعد ما عَلِقت ... يَدِي ومدحُ شهابِ الدِّين أوفَى لي (¬1) لا زال مستقبلًا حلى المدائح ما ... حلَّت على السَّمع مِنْ ماضٍ ومِنْ حالِ جلَّى عليَّ مقاطيعًا (¬2) جَلا صدَئي ... بها فأكرِمْ على الحالين بالجالي عن جَنتي رفعتَ الحسنَ في كِلَلٍ ... لهفي على غُرَرٍ منه وأحجالِ بدائعٌ إن طَوَتْ نظمَ الأولَى فلها ... نشرٌ أغارَ مقاطيعي وأطوالي عن حسنها قد كبا فكري وقيَّدنى ... إحسانُكم وكلا الحالين أكْبَالي (¬3) وقوله أيضًا: لولا المحيَّا وداجي الشَّعر كالغَسَقِ ... ما طاب مُصْطَبَحي حُبًّا ومُغْتَبَقي مِنْ أهيفِ القَدِّ إن مَاست معاطِفُه ... هفَتْ إليه قلوبُ الخَلْقِ كالورقِ تحجُّ أبصارُنا شوقًا لطلعتِه ... كأن ذاك المُحَيَّا كعبةُ الحَدَقِ سمَّى عِنَاقِيَ إثمًا ثم حرَّمَه ... يا ليت لو كان ذاك الإثمُ في عُنقي هذا وما عِفْتُ طيفًا كالسَّعيد ولا ... غَفَتْ عُيوني طريقَ الطَّيف مَعْ أرَقِي لكن جُفُونِيَ عَنْ نومي مباينةٌ ... فالطَّيفُ عَنْ مُقْلَتي بالفتح في غَلَقِ إني أرى ابنَ سناء الملك مبتدعًا ... لولا السَّماح لقد كانَ السَّعيدُ شَقِي كم يهزل اسمَ الذي يهوى فصيَّره ... إذ زاره البدرُ مَرْميَّا على الطرقِ ¬

_ (¬1) في (ط): "أصفى لي". (¬2) في (أ): "مقاطيعها"، تحريف. (¬3) لم يرد هذا البيت في (ب).

وما كفاه يُسمِّي حِبَّهُ صنمًا ... حتى يَصُوغ سَميَّ الحب مِنْ بَهَق وساكنٍ قلبَ مَنْ يهوى وأضلعُه ... تُكْوى، فسبحان مُنْجيه مِنَ الحرَقِ رويتُ عَنْ خصره والجفنُ عن جسدي ... فصحَّ عندي حديثَ السُّقمِ مِنْ طرقِ خدعتُه بنسيبي والدموع فلم ... يَرْحَمْ قيامي على الحالين بالْمَلَقِ باللَّه ما ضرَّ حُسَّادي لو انك يا (¬1) ... ليلَ الحمى بات بدري فيك مُغتَبِقي (¬2) ها مهجتي مِنْ طباق الدَّمع في تعبٍ ... فارْحَم مقيَّدة في إثْرِ مُنْطَلِقِ يدري الذي كنتُ طول اللَّيل أرقبُه ... واحَيْرَةَ القلب لمَّا غابَ عَنْ أفقي فالشُّهْبُ والجمرُ (¬3) مِنْ دمعي لفرقته ... في حَلْبة الخَدِّ معدودان (¬4) للسَّبَقِ إن فَاضَ دمعي دمًا مِنْ بعدِ طلعتهِ ... فالشَّمسُ إن غربَت لا بدَّ مِنْ شَفَقِ فما تمنَّيتُ نومي بعده ملَلًا ... إلا عسى طيفه يمشي على حَدَقِ ولا تأنَّس قلبي في تواصُله ... إلا غدوت مِنَ التَّفريق في فَرَقِ ورُبَّ ليلٍ دَجَا بالهمِّ فاقتدحت ... نارٌ مِنَ الرَّاحِ فيه برَّدت حُرَقي لولا الحبابُ وكاساتُ المُدامِ به ... لم أحتفِل بنجومِ الأُفق والشَّفق ولستُ أدري أمِنْ سَكرِ المُدامة أم ... مِنْ سكرِ فضلِ شهابِ الدِّين لم أفِقِ لولا أبو الفضلِ ما ازدانتْ سماءُ علًا ... ولا بدت في الدَّياجي حِلْيةُ الأفقِ جارَى أباه إلى فضلٍ فأحرزه ... وزاد بِرًّا وفازَ النُّور بالسَّبقِ لو لم يكن جدُّه الأعلى دُعي حجرًا ... ما كان يُعْبَدُ هذا الإسمُ في الفِرَقِ نَزْرُ الكلام إذا ما الحلم (¬5) أولعَهُ ... بالصَّمتِ أفصحَ عنه المدحُ في الورقِ ¬

_ (¬1) في (أ، ب، ح): "لو"، والمثبت من (ط). (¬2) في (ب، ط): "معتنقي". (¬3) في (أ): "والخمر". (¬4) في (ط): "معدودات". (¬5) في (ط): "الحكم".

فإنْ تكلَّم خلَّى النَّاطقون له ... عَنْ غايةٍ ما بها شأوٌ لِمُسْتَبِقِ ما فاضَ علمًا وبذلًا يومَ مسألةٍ ... إلا خشيتُ على نفسي مِنَ الغَرقِ إنْ قيس بالبدرِ قال البدرُ معترفًا ... لقد رَقَى طبقًا في المجدِ عَنْ طبقِ ما هزَّةُ النِّيل إلا خجلةٌ عرفت ... لما جرى مع ذاك النيل في طلقِ أغرُّ تنهبُ جنحَ الليل بهجتُه ... فوجهُه لبياضِ الصُّبحِ كالفَلَقِ مولَّى لرقة حالي رقَّ خاطرهُ ... فكان لي بذلُه عطفًا على النَّسَقِ فكيف لا أُطرِبُ الأسماعَ فيه ثَنًا ... وجودُه قد غدا كالطُّوق في عُنقي وخلَّصتني مِنَ الأيام هِمَّتُه ... كما يُخلَّصُ صفوُ الماء مِنْ رَنَقِ فخلِّ لي وُدَّهُ يا دَهْرُ متَّصلًا ... وخُذْ بقيَّةَ ما أبقيتَ مِنْ رَمَقِ مَنْ لم يذُقْ حُسْنَ أشعارٍ يفُوه بها ... ما ذاق لذَّةَ دنياه ولم يَذُقِ تصبو العيونُ إلى خطٍّ يُنمِّقُه ... كأنَّها منه في مُسْتَنْزَهٍ أنِقِ كأنَّه وهو بالتَّاريخ مشتغلٌ ... مطالعٌ كل مجموعٍ ومفتَرِقِ على الملائكِ مستوفٍ يساوقهم ... ما حلَّ بالكون مِنْ ماضٍ ومُلْتَحَقِ فيا شهابًا هدى لمَّا أضاء وقد ... حَمَى سماء العُلا عَنْ كلِّ مُسْتَرِقِ وكاملَ العقلِ مرآةُ الزَّمانِ له ... فكرٌ يُريه لعَمْري ما مضَى وبَقِي إقبلْ هديةَ عبدٍ لو تكلَّف أن ... يُثني على بعضِ ما أوليتَ لَمْ يُطقِ جردتَ مَنْ قال في غرناطةٍ أدبًا ... ومَنْ أتى بَرَّها في أبحُرٍ عُمُقِ وجُلْتَ بالعزم أسفار "الإحاطة" أو ... فتَّحت بالفضل منها كلَّ منغَلِقِ فاسرح بفكرك في تحرير مركزِها ... فالنَّارُ تُظهِرُ طِيبَ المندَلِ العَبِقِ لو رمتُ تجديدَ علمٍ ليس عندكُمُ ... لكنتُ في ذاك منسوبًا إلى الحُمُقِ وإنَّما القصدُ أن يَجْرِي بحضرتِكُم ... ذكري وأن تُنْعِمُوا بالبشر في السَّبقِ لا زال مِنْ جودك الوكَّافِ طوقُ ندًى ... منْ كلِّ ذي أملٍ يرجوك في الضِّيَقِ ودمتَ بالحُسنِ والإحسانِ منفردًا ... ما دامَ يَشفع حسنُ الخَلْقِ بالخُلُقِ

فمن يكن ببَني الدُّنيا له عَلَقٌ ... فإنني مِنْ سواكم قاطعٌ عُلَقي وقوله مجيبًا: برُوحي شهابٌ بالفصاحة والذَّكا ... رقَى في سماء الفضل فاستخدمَ الشِّعرى ونوَّه مِنْ قدرِي وقد كان كالسُّها ... فلولاه أمسى النَّاس لم يعرفوا البدْرا وعَاتَب أشعاري على أنْ تأخَّرت ... حياءُ ولم يقبل لعلَّ لها عُذرا وأهْدَى إليَّ السبعة الشُّهب أزهرت ... ومَنْ يستطع أن يهدي السَّبعةَ الزُّهرا بخط (¬1) به قرَّت عيونُ ابن مقلةٍ ... وفيه فتى البوَّاب قد هتَّكَ السِّتْرا فواللَّه ما أدري معانيه أسْكرت ... أمِ اللَّفظُ أم لحظٌ أحاق به (¬2) السِّحرا فلا زلتَ تُجري بَحْرَيِ الجود والثَّنا ... ومِنْ مجمعِ البحرين (¬3) تبدي لنا الدُّرَّا وقوله: لحبيب وخاتم في نظام ... وندًى فُتَّ عند لفِّ ونشرِ يا شهابًا صفا فؤادًا ولكن ... مِنْ ودادي فعاد جبرك (¬4) كَسْرِي إنَّ حبِّي لأحمدٍ وعلىٍّ ... هو طبعٌ ولا أقول بجَبْرِ يا أبا الفضل ذي بدايةُ فضلٍ ... ما ترقَّت لها مشايخُ عصْري كم تهكَّمتُ بي وذو اللب مُسْتَغـ ... ـن بما نالَ عَنْ مُصحّف نشرِ وإذا كنت قد هتكت الدّراري ... بنظامٍ فكيف حالُ الدُّرِي ليت شعري لو جَادَ لي أمتدِحْكُم ... وبعجزي ناديتُ: يا ليتَ شعري وقوله في "شرح البخاري"، وأنشدهما لصاحبِ الترجمة في مجلس الإملاء: ¬

_ (¬1) في (ب): "بخطه". (¬2) في (ب، ط): "بي". (¬3) في (ب): "البحر". (¬4) في (ب): "جبري".

[القباقبي]

أبَنْتَ الفضل أجمعَ يا أباهُ (¬1) ... بما أمْلَيْتَ مِنْ "شرح البخاري" فتى كِرْمانَ أقسم لو رآه ... لأضحى الشَّمسُ مهتوكَ الذَّراري [قلت: قال شيخنا: إن أراد بالذراري: الذريَّة، فهي بالمعجمة، وإن أراد الدراية، فاتته نكتة التَّورية، إلا إن أراد إبهام التورية فيُتأمَّلُ] (¬2). [القباقبي] ومنهم: أَبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن حسن الأموي المغربي، عرف بالقبَاقبي. فأنشدني من لفظه قوله: لي مالك مهما استغثتُ به سَمَحْ ... وإما توجَّه في مناجذة نجَحْ أُنْبِئْتُ عنه أنَّ فيه سيادةً ... فاعلم بقلبِكَ أنه نبأ رَجَحْ يعني بقوله: (نبأ رجح): ابن حجر. وهذا سبقه إليه الشيخ شمس الدين السعودي فقيهي، فإنه قال مما لا يستحيل بالانعكاس (رجح نبأ)، [وهو أحسنُ مِنَ الأول، لكون ذاك لا يتم فيه الانعكاس] (¬3). [ابن خطيب داريّا] ومنهم: العلامة شاعر الشام أَبو المعالي محمد بن أحمد بن سُليمان (¬4) ابن خطيب داريا كما سيأتي في الألغاز (¬5)، ففي جوابه مدحُ المُلغَزِ له، وهو صاحب الترجمة، ووصفه بأنَّه إمام السُنَّة وغير ذلك. ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، ويعني به: "أبا الفضل"، وفي "المختصر" للسفيري: "يا إمام". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) في (ب، ح): "سلمان"، تحريف. (¬5) 2/ 830.

[شمس الدين البساطي]

[شمس الدين البساطي] ومنهم: محقق العصر العلامة القاضي شمس الدين محمد بن أحمد بن عُثمان البساطي، الماضي فيمن أثنى عليه مِنْ هذا الباب (¬1). مدحه لما وَلِيَ تدريسَ الحديث بالشَّيخونية. وكان البساطي قد ولي مِنْ قبله مشيخة المالكية فهنأه بمرافقته، لكن ما وقفت الآن على الأبيات. [شمس الدين الأسيوطي] ومنهم: الشمس محمد بن أحمد بن علي بن عبد الخالق الأسيوطي المنهاجي. فأنشدني مِنْ لفظه بمكة في سنة ست وخمسين قصيدة امتدح بها صاحبُ الترجمة، ثم لقيتُه بالقاهرة في سنة ثلاث وسبعين، فأنشدنى منها قوله (¬2): يا كعبةً قبل الوقوف دخلتُها ... مِنْ بابِ شَيبةِ حمدِكَ المتأكِّدِ وطفِقْتُ أدعو عندما أبصرتُها ... موضوعةً في ركن هذا المسجدِ يا رَبَّ هذا البيت زِدْهُ مهابةً ... يا رَبِّ في تشريفه أبدًا زِدِ هذا طوافي للقدُوم لأنني ... قبلَ الوقوف دخلتُ مكة سيدي وجعلت بيتَك عَنْ يساري ثم لَمْ ... أبدأ بغيرِك والوجوبُ مقيِّدي وخرجتُ مِنْ باب الصَّفا أسعى إلى ... أنْ طابَ في المسعى إليك تردُّدي ووقفت في عرفاتِ بابِكَ خاضعًا ... ومددتُ في طلب القَبُولِ لكُم يدي وإذا النِّدا: بِت في منًى، نلتَ المُنى ... وارْمِ الجمارَ على أعادي أحمدِ هو آيةُ اللَّه الذي انطحنَتْ به ... فِرَقُ الضَّلال وشُجَّ رأسُ المعتدِي ¬

_ (¬1) ص/ 30. (¬2) قال المصنف في ترجمة الأسيوطي من الضوء اللامع 7/ 13: وامتدح شيخا بقصيدة دالية، سمعتها مه في مكة والقاهرة، وكتبتها -أو جلُّها- في "الجواهر".

[شمس الدين الدجوي]

هذا شهابٌ ثاقبٌ واسْتَفْتِهمْ ... يُفتُوك أنَّ مداهُ فوقَ الفَرقدِ لا يلتجي أحدٌ إليه ويرتجي ... جدواهُ إلا قال للجدوى: جُدِ أقلامُه مخضَّرةٌ بِيضُ النَّدى ... قامت لأرزاقِ الورى لم تَقْعُدِ في أبيات. وامتدحه بغير ذلك مِنْ القصائد. [شمس الدين الدجوي] ومنهم: الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن كمال الدجوي (¬1) الشاعر. وله فيه عدة مدائح، منها ما أنشده بنفسه يوم ختم "فتح الباري" بالتاج، فقال: بحمد اللَّه نبدأ مادحينَا ... حديثَ المصطفى والشَّارحينَا فإن المصطفى -صلُّوا عليه- ... بطيبِ حديثه تتمسكونَا وأعلامُ النُّبُوَّةِ خافقاتٌ ... بها في الخافِقَينِ يحدِّثونَا وشمسُ علومه منحتكَ نورًا ... تبِعْتَ بها (¬2) سبيلَ المؤمنينَا به تسمُو على دَرَجِ المعالي ... سيادتُك الليالي والسِّنينَا أدِرْهُ على المسامع فهو يُنشي ... قلوبَ الأوليا والسَّامعينَا وحضْرَتُهُ الغنيمة فاغنموها ... وعنها لا تكونوا غائبينَا به العلماء حلُّوا واستدَلُّوا ... على طرُقِ الهُدى مُستبصرينَا بمعتَرَكِ (¬3) الدُّروسِ لنصرِ فقهِ ... به فرسانُه يستنجِدُونَا ¬

_ (¬1) قال المصنف في "الضوء اللامع" 7/ 38: ومدح الأكابر كشيخنا، وله في ختم "فتح الباري" قصيدة نونية، أثبتها في "الجواهر". (¬2) في (ب)، به. (¬3) في (أ، ط): "بمعركة".

على الخُصما سطوا بالرّدِّ (¬1) منه ... على غيظ الخلاف مؤيِّدينَا يذُبُّون الليالي عَنْ حِمَاةُ ... وفيه على الليالي يسهرونَا تجافَوْا عَنْ مضاجعهم وقاموا ... إليه بما دَرَوْه يخدمُونَا فمِنْ أدبٍ إذا تُلِيَت عليهم ... أحاديثُ النُّبُوَّة يسمعونا وهم قومٌ تراهم في عُلوِّ ... على تحصيله يتنافسُونَا وفي سربال فضلِهِمُ تسامَوا ... على الأيام فخرًا يرفُلونَا عَلَوْا شرفًا وقدرًا واتِّضاعًا ... وأضحَوْا بالوَقارِ مُتوَّجِينَا سماعًا يا لبيبُ فهم رجالٌ ... بخدمته الشَّريفة يشرُفُونَا فهم في الحشر لا خوفٌ عليهم ... ولا هم في القيامة يحزَنُونَا وهم بالشُّكرِ أولى والتَّهاني ... وهم للَّه أولى يحمدونَا فخُذ في حفظه واصْرِفْ عليه ... زمانَك يا رفيقَ المفلحينَا فتقوى حُجةً وتجِلُّ قَدرًا ... وتعظُمُ في عُيونِ النَّاظرينَا ويكفي مسلمًا علمُ البخاري ... يَردُّ به اعتقادَ (¬2) الكافرينَا إذا ما جئتَه تلقاه بحرًا ... جواهرُه تفوقُ الحاضرينَا وفيه مِنَ العوالم فاتحاتٌ ... على طلَّابه نورًا مُبينَا فكم فرضٍ علمتَ به ونَفْلٍ ... وكم حُكْمٍ أعزَّ الحاكمينَا وذِرْوَةُ فقهه يَرقَونَ فيها ... على حسبِ الأدلَّةِ ينظُرونَا مصابيحُ الهدى أثْنَتْ عليه ... فأصبحَ وهو كهفُ المهتدينَا فحصِّل ما قَدَرْتَ عليه منه ... يكونُ ذخيرةٌ دُنيا ودينَا وكيف لا وخادمُه إمامٌ ... شهابُ الدِّين قاضي المسلمينَا ¬

_ (¬1) في (أ): "بالدر". (¬2) في (أ): "أعناق".

بفتح البارىء اتَّضحت وبانت ... مناهِلُ علمه للواردينَا صحيحٌ سدَّ بابَ الطَّعنِ فيه ... وفتَّح مِنْ مسائله العُيُونَا جَلَى صورَ المسائل فاستبانتْ ... عرائسُها بلفظِهِ (¬1) يُمهرونَا فمن قولٍ يقولُ به فلانٌ ... تراه عنده للقاليينا وفيه الواضحاتُ وغامضاتٌ ... فلا تَبْعِّد به يتفقَّهونَا وأحكامٌ بسعدِكَ قد أضاءت ... شوارعُها طريقَ السَّالكينَا سعدتُ بناظريه الدهرَ (¬2) منه ... فإنَّ به كنوزَ الطَّالبينَا معانيه يحرِّرُها احترازًا ... بميزانِ البيانِ لِتَسْتَبِينَا فأصبح روضُه تُسْبيك علمًا ... وآثارًا رياضَ الصالحينَا وتصبحُ إن عرفتَ السِّر منه ... -كما قد قيل- تاجَ العارفينَا وحسبُك عالمٌ قطبُ الأمالي ... وحسبُك قدوةٌ للمقتدينَا تسائلُه الصَّحيحَ وعنه يُنْبي ... فتلقى عنده الخبرَ اليقينَا فكم (¬3) داعٍ أتى (¬4) وله سؤالٌ ... أجاب سؤاله في السائلينَا وعند لُقيَّه تلقى مليئًا ... يُفيدُ المبتدي والمنتهينَا يُفَهِّمْكَ الذي قد تهتَ فيه (¬5) ... ببرهانِ الذين يُرَجِّعونَا وكم قُطرٍ بعيدٍ منه جاؤوا ... إلى أسماعه متوجِّهينَا وكم شيئًا يكونُ عليك صعبًا ... فيجعلُه يكونُ عليكَ لِينَا إذا السَّنَدُ اكتسى ثوبَ اضطرابٍ ... أتَوْا عَنْ حالِه يتَنسَّمونَا ¬

_ (¬1) في (ب): "لقاه"، وفي (ط): "بألفاظ". (¬2) في (ط): "مناظرًا للدهر". (¬3) في (أ): "فدَع". (¬4) "أتى" ساقطة من (أ). (¬5) في (ب): "عنه".

وكم مِنْ سُنَّةٍ أنباكَ عنها ... بإسنادٍ علا في المسنِدينَا وكم (¬1) أرماز وَحْيٍ حيث يُومي ... بها أحلامُهم يتنبَّهونَا ومن يدري الحديثَ ومسنديه ... ويُمليه الكِرَامَ الكاتِبينَا سماءُ سماعه سطحُ الثُّريَّا ... إليه بوصله يتوصَّلُونَا وكم صادَ الشَّريدَ منَ المعاني ... وذَلَّلَهُ على مَنْ يألفونَا وكم مَجْدٍ علا فيه منارًا ... له بالفاضلات يُؤَذِّنونَا وحسبُك والمحابرُ حين تُملَا ... ترى أقلامها في الساجدينَا ومهَّد في الحديث مصنَّفاتٍ ... شريفاتٍ فنِعْمَ الماهِدونَا (¬2) علا سَنَدًا ترى الأشياخَ فيه ... إلى عليائِه يترجَّلُونَا وما في العسقلاني مِنْ كلامٍ ... كفاهُ اللَّه شرَّ الحاسدينَا سوى حفظٍ سرى شرقًا وغربًا ... وأعلى ذِكرَه في الحافظينَا ومجلسُه المهابَةُ فيه تزهُو ... بأخبارِ الثِّقاةِ المُصلِحينَا على ما لا سؤال لهم عليه ... يُنَبِّئُهم وعمَّا يسألونَا وكم علَّامةٍ يَقرا عليه ... وأستاذٍ ومثلِ البارعينَا له في محضر الفُصَحا فنونٌ ... بتمليكِ البلاغةِ يشهدُونَا بدوحةِ مدحه ثمراتُ نظمٍ ... به أحبابُه يتفكَّهونَا نشدتُ له القوافي بادَرَتْني ... بوافرها وفيما يُنشدونَا تُرى كالشَّافعي يكونُ علمًا ... وأحمدَ في الرِّواية أنْ يكونَا وتقصيرُ امتداحي فيه يرجو ... يُزاحِمُ في غمارِ المادحينَا ونختُم بالصَّلاةِ على نبىٍّ ... ختامِ الأنبيا والمرسلينَا ¬

_ (¬1) في (ب): "ومن أرماز". (¬2) في (ط): "الماهدينا".

[المراغي]

وعِترتِه الكرامِ وصاحِبَيْه ... وأرضاهم وأرضى التَّابعينَا إلى يومٍ يقومُ النَّاسُ فيه ... على ساقِ لربِّ العالمينَا وأنشد الدجوي بعدَ ذلك أيضًا حين فرَّق صاحبُ الترجمة على كُتَّاب "الشرح" صُرَر فضَّة، ومجامع حَلْوى، ما نصُّه: بفتح البارىء انشرح البخاري ... وأحمدُ ختمه بالفضلِ جامعْ أدار دواهمًا ضُررًا فأنْشَا ... وحَلْوى فيه تأْخُذُ بالمجامعْ ومن قصائده التي امتدح بها صاحب الترجمة: قصيدة سمعناها مِنْ لفظه عَقِبَ مجلس الإملاء، ختمها بقوله على سبيل المماجنة مع الشهاب الكوم الرِّيشي، وكان بجانب المُمْلي: وذاك الكومُ يرقص في الخيال وأشار بيده إليه، فكانت مضحكة. [المراغي] ومنهم: الإمام أَبو اليمن محمد بن أبي بكر بن الحسين المراغي. قرأتُ بخطِّه يمدحُ صاحبَ الترجمةِ لمَّا وَلِيَ مشيخة البَيْبَرسية: تهنَّ بالتشريف نِلْتَ المُنَا ... مقَارِنَ العزِّ المديد الطويلْ وليهنك الإقبالُ يا مَنْ غدا ... في الجُودِ فردًا ما لَهُ مِنْ مَثِيلْ يا حافظَ الوقتِ ويا مَنْ سما ... بالعلم والحلمِ وفعلِ الجميلْ ومَنْ هو الكهفُ بمجدٍ نَمَا ... على بني العصر بظلٍّ ظليلْ ومن هو الغيثُ إذا ما هَمى ... يراعُه بالجود يشفي العَليلْ ومن هو الحَبْرُ وبحرُ النَّدى ... ففيضُه الوافرُ يروي الغليلْ شهابُ دين اللَّه يا مَنْ لَهُ ... كَسْبُ العلا دأبٌ وبَذْلُ الجليلْ أيا أبا الفضلِ ويا ذا الوفَا ... يا مَنْ له في النَّاسِ صيتٌ جميلْ

[البدر المارديني]

يا طيِّبَ الأعراق يا ماجدًا ... ذكراهُ قد طابت لَدَى كلِّ جيلْ يا شيخَ أشياخِ التُّقى والنُّهى ... يا ناظرَ العين وعينَ الخليلْ يا حاكمًا فاز بحُسْنِ الثَّنا ... في عصره والمدح في كلِّ قِيلْ وافيتُ هذا البابَ أشكر النوى ... والبينَ والدَّيْنَ فنومي قليلْ وقد نزلتُ اليومَ في ساحةٍ ... معروفةٍ حقًا برعي النزيلْ فَأشْكِني اليومَ وكُنْ ناصري ... واغنَم دعائي في الضُّحى والأصيلْ ومُنَّ إحسانًا فأنت الذي ... تُولي النَّدى فضلًا وتُؤتي الجزيلْ لا زِلْتَ تُرْجَى في الورى سامِيًا ... على ذُرَى المجدِ الرَّفيع الأثيلْ واللَّه يُبقيك لنا سالمًا ... وحسبُنا اللَّه ونعم الوكيلْ [البدر المارديني] ومنهم: العلامة الفريد البدر محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة المارديني، نزيل حلب. مدحه بقصيدة رائيَّة أجابه شيخُنا صاحبُ الترجمة عنها، فلذلك أخَّرتُها للمطارحات مِنَ الباب السادس (¬1). [بدر الدين الدماميني] ومنهم: العلامة البدر محمد بن أبي بكر الدَّماميني. كما سيأتي في المطارحات والألغاز مِنَ الباب السادس أيضًا (¬2). وكذا النجم محمد بن أبي بكر المرجاني (¬3). ¬

_ (¬1) 2/ 796 - 798. (¬2) 2/ 793 و839. (¬3) انظر 2/ 838 فيما يأتي.

[الشريف الأسيوطي]

[الشريف الأسيوطي] والشريف الصلاح محمد بن أبي بكر بن علي بن حسن الأسيوطي (¬1)، على ما سيأتي مدحهما في الألغاز أيضًا. وللشريف في الأسئلة أيضًا. وله: قْل لقاضي قُضاتِنا ... حُزْتَ في العلم ما كَفَاكْ وبنظمٍ فَفُقْتَ منْ ... فاهَ بالشِّعْرِ واقتفاكْ وقد اقتفى الشريفُ أثرَ الهيثمي، فعمل لمَّا تزوَّجَ المحبُّ ابنُ الأشقر بابنة صاحب الترجمة رابعة، بعد وفاة زوجها ابن مكنون، الصَّداق أرجوزة أحببتُ إثباتها أيضًا هنا. أنبأني الشَّريفُ الفاضل صلاح الدين محمد بن أبي بكر الأسيوطي، فيما شافهني به مرارًا، قال: الحمدُ للَّه الذي أباحَا ... عقدَ النِّكاح ومنعَ السِّفاحَا وأحكمَ الأمورَ بالنُّقودِ ... وزيَّن الأجيادَ بالعقودِ وجل ربُّنَا إلهُنا الأحدْ ... عَنِ الشَّريكِ والقرينِ والولدْ ثمَّ صلاةٌ وسلامٌ دائما ... على الذي للرُّسل جاء خاتَما محمَّدٍ خير بني عدنانِ ... نبيِّنا المبعوثِ بالإيمانِ وآله وصحبِه والأزواجْ ... ما لاح نجمٌ في السَّما وهاجْ وبعد، فالنِّكاحُ مِنْ أشهى السُّننْ ... وحبَّذا شرعٌ على هذا السَّننْ ففعلُهُ للأنبيَا عبادهْ ... وهو لنا في الشَّرع خيرُ عادهْ وكلُّ مَنْ في الذِّكر قد تحلَّى ... منهم بعقده وما تَجلَّى ¬

_ (¬1) انظر 2/ 833.

وحين كان هكذا يقررُ (¬1) ... انتظم الأمرُ بما يُحرّرُ مِنْ رغبةِ الأنْجبِ فيما أمَّهْ ... النخبة الرئيس عالي الهِمَّهْ رَبيب مهدِ السَّعدِ والسَّعادهْ ... والأصلِ والحشمةِ والسِّيادهْ صدرُ الصُّدورِ الكاملين الرؤسَا ... وعينُ أعيانِ الكرامِ الجُلسَا القدوةُ المحقِّقُ الإمامُ ... العالمُ العامِلُ والهمامُ شيخُ شيوخِ السَّادة الصُّوفيهْ ... السَّالكين الطُّرَقَ المرضيَّهْ بخانقاه النَّاصرِ السُّلطان ... هي (¬2) بسَرْباقُوسَ ذي الأمانِ نائب حكم الحنفيّ المذهبِ ... الصَّادق اللهجة ثمَّ اللَّقبِ وهو محبُّ الدين في العقل السَّديدْ ... فكم له مِنْ قاصِدٍ ومن مريدْ يسعى إليه الأُمرا والكُبَرا ... للأغنياء ملجأ والفقرا باطنُه بالخير ذاك مذكورْ ... وحبُّه النزيل غير منكورْ مقدمةُ الخيار (¬3) والعبَّادِ ... وصاحبُ العُكَّاز والسَّجادِ شيخُ شيوخ العُجم والأعاربِ ... محمَّدُ المحمود في المآربِ نِعْمَ الفتى لباسُه الفُتُوّهْ ... وطبعُه النَّخْوَةُ والمُرُوَّهْ بِحَظوَةٍ عندَ الملوك وافرهْ ... وطلعةٍ مُشرِقَةٍ وزاهرهْ ابنُ الإمام الشَّيخ نجلِ الصُّلحَا ... العارف الزَّكيُّ فيما رَجَحَا لدى السلاطين مهابٌ محترمْ ... معظَّمٌ متِّصِفٌ بذي الهِمَمْ شرَّف دينَ اللَّه عثمَّانُ اسمْه ... معروفة عادتُه ورسمُه السَّابقُ الجوادُ ما فيه مِرَا ... لأجل هذا لقَّبُوه الأشْقَرَا ¬

_ (¬1) في (ط): "تقرر". (¬2) في (ط): "وهي". (¬3) في (ب، ط): "الأخيار"، وكتب المصنف في هامش (ح): خ الأخيار.

أحبَّه اللَّه وبالسَّعْدِ حباهْ ... ومِنْ كلا الخيرين أعطاه مُنَاهْ فإنُّه رُكِّن مِنْ بعد اختيار ... منه وعرفانٍ ونقدٍ واختبارْ إلى كرام الأصل والأحسابِ ... بيتِ العفافِ الطَّاهرِ الأنسابِ بيت فخارٍ وعُلَا وعلمِ ... وسُؤددٍ وقوَّة وحلمِ وقصد الوصلة (¬1) بعدَ الذَّاهبه ... منتهزًا وراغبًا وذا هِبَهْ بالجِهَة الجوهرة المكنونهْ ... ذاتِ الحجاب الأرفع المصونهْ باقية فاعجب لها قرينهْ ... إثر اخْتِها سعيدةٌ ميمونهْ تالية لبعلها وثانيهْ ... عَنْ غيرها يا حُسْنَها مِنْ غانيهْ غريبةُ الأوصاف ستٌّ بارعهْ ... صالحةٌ وهي تُسَمَّى رابعهْ الأيِّمُ المرضِيَّةُ الحَصِينه ... الدُّرَّةُ النَّفيسةُ الثَّمينهْ بنتُ الإمامِ العالمِ العلَّامهْ ... العاملِ الحبرِ الدَّرِي الفَهَّامَهْ عمدةِ أهل الحفظ والدِّرايهْ ... أعلاهم في النَّقلِ والرِّوايهْ إمامِ وقته بليغِ الخُطَبا ... نسيجِ وحده أديب الأدبَا فديتُه ما قُس في الفصاحهْ ... والنَّووِيْ في العلم والرَّجاجهْ علامةٌ للعلما الأعلامِ ... المتقن الأوحد شيخ الإسلامِ قاضي القُضاة الشافعي المجتهدْ ... أستاذ كلِّ جهبِذٍ ومنتقدْ شهاب دينِ اللَّه جاز الشُّهُبا ... وحاز في السَّبْقِ علاءٌ رُتَبا من غيرُه نشكرُه ونحمَدُ ... ولو ولو فهو حقيقًا أحمدُ ربُّ النُّهى والفضل والفضائلِ ... بُغْيَةُ كلِّ طالب وسائلِ نجل المحدِّث الإمام المتقنِ ... شيخ الأنام العالم (¬2) المفنِّنِ ¬

_ (¬1) في (ب): "الواصلة". (¬2) في (ط): "العامل".

العالمِ الصَّالح نُورِ الدِّينِ ... علىِّ المكْنِي أبا الحُسينِ العسقلانيّ الذي قد اشتهرْ ... بما يُميّزه فَسِمْ بابنِ حجرْ ذا حجرٌ مُكَرَّمٌ مُستلَمْ ... وحول ركنه تطوف الأممُ ذا حجرٌ ياقوتُه عزيزُ ... قد حصَلَت منه لنا كنوزُ ذا حجرٌ تفجَّرت منه بحارْ ... ذا حجرٌ في سرِّه العقلُ يَحارْ فإنَّه -كما علمت- أحمدُ ... ومالكٌ بالفضل ليس يُجْحَدُ وعسقلانيٌّ غدا كالشافعي ... رواية النعمان خير تابعي فادْع معي يا سامعًا لنَعْتِه ... بأن يُطيلَ اللَّه في مُدَّتِه بنعمةٍ سابغَةٍ عَلَيْهِ ... وأحْسِنَنْ يا ربَّنَا إليهِ والطُف به ألطافك الخَفِيّهْ ... وامنحه مِنْ هباتِك الحفيَّهْ فحمَدُوا للخاطب الخِطابَا ... وجعلوا قَبُولَه جوابَا وطائر اليُمن السَّعيد الميمونِ ... قام خطيبًا قائمًا (¬1) بالموزونِ هذا صداقُ عصمةٍ شرعيهْ ... محمودةٍ واضحةٍ جليهْ مسعودةٍ كريمةٍ سعيدهْ ... ببدرِها المشرِقِ والفريدهْ أصدَقه الشيخُ محبُّ الدِّينِ ... ذو العقل والفطنة والتَّمكينِ وهو الذي بنَعْته تقدمْ ... في صدر هذا الرَّجَزِ المُنَظّمْ أعني الفتى "ابنَ الأشقرِ" المسمَّى ... أعزَّه اللَّه به وأسمَى منه لمخطوبته المترجمة ... "رابعة" المذكورة المُنْتَظِمهْ أصدقها مِنَ الدَّنانير الذهبْ ... هِرْجةً بصكةٍ قَدِ انْضَرَبْ مِنْ النُّقودِ بديار مصرِ ... ما حُكْمُها بين الأنام يجري مِنْ ضرب سلطان الزَّمانِ الأشرفِ ... بالعدِّ مائتين شُخُوصًا فاعرفِ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "قائلًا".

الحالُّ منها ربعُها خمسونَا ... اعترفت بقبضِه لدينَا وما بقي مؤجلٌ وهو مائهْ ... ونِصْفُها فكلُّها منجَّمهْ إلى ثلاثين مِنَ الأعوامِ ... مع سبعة ونصفٍ حول تامِ في كلِّ عامٍ أربعٌ معدودهْ ... كما أنت أوصافُها مسرودهْ بقِسْطِها مِنْ يومِ هذا العقدِ ... حسْبَ تراضيهم بلا تعدِّ زوَّجها منه بذا بإذنها ... مع الرضا وَلِيُّهَا والدُهَا سيدُنا قاضي القُضاة الحبْرُ ... ومَنْ له في ذا النِّظام ذكرُ العسقلانيُّ شهابُ الدِّينِ ... فهو أَبو الفضل على اليقينِ يا ربَّنا أدِمْ لنا أيامَهْ ... واسبِغْ علينا دائمًا إنْعامَهُ وقَبِلَ التَّزويجَ بالوكالهْ ... أقضى القضاة صاحبُ الأصالَهْ في العلما أوحدَهم والفُضَلا ... والأذكيا والفُطَنَا والنُّبَلا المولويُّ محمّد السفطيُّ ... أسعده إلهُنا المِليُّ وثبتَ التوكيلُ بالقبولِ ... عن صدور العقد بالمقول (¬1) وبان أمرُ الزَّوجة المذكورهْ ... واتَّضحت أحوالُها المشهورهْ بعد وفاة بعلِها أقضى القُضاهْ ... بأمرِ ربِّنا القديرِ وقضاهْ فبعلُها هو الإمام الفاضلُ ... العالم المفتىُّ وهو العاملُ بثغرِ دمياط شهابًا كانَا ... خليفة الحكم بها وبانَا كان يكنَّى بأبي العباسِ ... وهو ابن مكنون بلا إلباسِ عبد مناف على رسم النَّسبْ ... بُوِّأ في جِنَانِه أعلى الرُّتبْ ثم انقضاءُ عدةِ الوفاةِ ... محسوبةٌ عدًّا بلا فَواتِ تزوُّجًا معتبرًا شرعيَّا ... مستوفيًا شروطه مرضيَّا ¬

_ (¬1) هذا البيت لم يرد فى (ب)، وورد في (أ) قبل البيت السابق.

في ثامن ذي الحجة (¬1) الحرامِ ... عام ثلاثين مِنَ الأعوامِ تلي ثمانمائةٍ سِنينَا ... ماضية معدودة يقينَا مِنْ هجرة نبوية معلومهْ ... فاعرف فهذا آخر المنظومهْ والحمد للَّه على هذا النظامْ ... فذكره الشَّريفُ كالمسك ختامْ وعمل غيره قبل ذلك صداق "فرحة" البكر حين تزوَّجها المحبُّ المذكور قبلَ أختها، وافتتحه بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. بنو حجر أكرمُكم مقامًا ... لكم بيتٌ يُحجُّ له وسبحه أتاكم خاطبٌ فرحًا مُحِبًّا ... فجاء بفرحةٍ وغدا بفرحه الحمد للَّه على التَّحصينِ ... وجعلَنا في حِصْنه الحصينِ فوقَ ذرى عقودِه المشرَّفه ... ولَمْ تزل جليلةً مشرِّفَهْ أشهد أن اللَّه واحدٌ صمدْ ... وأنه سبحانه (¬2) قد انفردْ ليس له مِنْ زوجةٍ ولا ولدْ ... ولم يكن لربِّنا كفوًا أحدْ أشهدُ بالبعث وبالرِّسالهْ ... لأحمد الهادي مِنَ الضَّلالهْ صلَّى عليه بارىءُ العبادِ ... ما فرِحَ الآباءُ بالأولادِ هذا صداقُ عصمةِ سعيدهْ ... ونسبةٍ قصورُها مَشيدهْ يحفظ في الغَيْبَةِ والحُضُورِ ... وافرة النَّصيبِ في الأجورِ شيخيَّة علمَّية أصْلِيَّهْ ... فرعيَّة يانعة زكيَّهْ أورق منها غصنُها وأثمرا ... ولاح فيها بدرُها فأقمرَا بنت العُلا والعلمِ أهلِ الصُّفَّهْ ... وكم لهم مِنْ مجلسٍ بِعِفَّهْ وبعدُ، فالنِّكاح سنَّة النَّبي ... الأبطحيِّ الهاشميِّ العربي ¬

_ (¬1) في (ب): "من في الحجة"، خطأ. (¬2) في (ب): "ولم يزد سبحانه".

قد قال في حديثه: "تَنَاكَحُوا ... تناسُلوا"، والسرُّ فيه واضحُ وكان أولى باستماعِ الخبرِ ... أهلُ الحديثِ لاقتفاء الأثرِ العالمونَ العاملونَ الصَّفوةُ ... السالكون الناسكون القُدوةُ الخاشعون العابدُون الصُّوَّمُ ... الراكعون الساجدون القوَّمُ اللابسون خرقَةَ التَّصَوُّفِ ... ومَنْ مَشَوْا على طريق السَّلفِ فهم أُولو الرأي على الحقيقهْ ... ومرشدو الطُلّاب (¬1) للطريقهْ وقد أراد اللَّه جمعَ الشَّملِ ... بين أُولي العلمِ وأهلِ الفضلِ فنظر الشيخُ الإمامُ العالمُ ... العاملُ الكفءُ المثيلُ الحاكمُ خليفة الحكم العزيز الحنفي ... فَفُهْ بطيبِ نشرِهِ وعرِّفِ شيخ شيوخ خانقاةِ الناصرِ ... وهو لسِرياقوس خيرُ ناصرِ شيخ شيوخ عُرْبِها والعجمِ ... ومَنْ غدا مرتفعًا كالعَلَمِ وهو محبُّ الدِّين والعبادَهْ ... وصاحبُ العُكَّاز والسَّجادَهْ رأسُ المعالي ولسانُ الجُلَسَا ... وعينُ أعيانِ الزَّمان الرُّؤسَا شيخُ الطَّريقِ رأيهُ سديدُ ... وكم وكم فينا له مريدُ هو اسمه محمَّدٌ (¬2) وفعلُهُ ... محمَّدٌ ومثل ذاك أصلُهُ عُلُوُّهُ بين الورى لا يختفي ... عَنْ أحدٍ لأنَّه ابنُ الشَّرفِ والده الشيخُ العظيمُ الشَّانِ ... وصدرُ أقصى مجلسِ السُّلطان أي شرف الدين اسمه عثمانُ ... وهو أَبو عمرو له استنانُ (¬3) بالسبق في الجود (¬4) ولا يستنكرُ ... من سبقِه فهو الجوادُ الأشْقَرُ ¬

_ (¬1) في (أ): "الطالب". (¬2) في (أ): "حمد"، تحريف. (¬3) في (ب، ط): "وله أسنان". (¬4) في (ب): "يسبق الجود"، وفي (ط): "يستبق الجود".

أسعده اللَّه وحيَّا سلفَهْ ... برحمة منه وأبقى خَلَفهْ على مدى الدهر (¬1) وأحيا ذكرهْ ... وأنه استعمل بنتَ الفِكْرَهْ ودقَّق الفِكْرَ وحقَّقَ النَّظرْ ... فلم يَجِدْ مثلَ الرَّئيس ابنِ حَجَرْ سيِّدِنا الشيخِ الإمام العالِمِ ... ذي الفضلِ والإحسان والمكارِمِ الحافظِ المحدِّث الأصولي ... الطيِّبِ الفُروعِ والأصولِ القدوةِ المسلِّكِ الرَّبَّاني ... المطلَقِ اللِّسانِ والعنانِ فهو شهابُ الدين ربُّ المنقبَهْ ... رامي (¬2) شياطين الرُّواة الكَذَبهْ وهو أَبو العباس وهو أحمدُ ... وهو لنا مُسْتَنَدٌ (¬3) ومُسْنِدُ العسقلانىُّ عظيم (¬4) الشانِ ... وبيتُه يدعى بعسقلانِ له في الفضل ركنٌ وحجرْ ... حَجَّ إليه الطَّالِبُون للخبرْ ذا حجرٌ مكرمٌ بالعِظمِ ... لكيمياء العلمِ مثل العلمِ (¬5) خليفةُ الحكمِ العزيزِ الشافعي ... حديثه كرّرَ لكلِّ سامعِ حديثُه سارت به الرُّكبانُ ... وسعدُه ساعدَهُ الزَّمانُ وأنه المفتي بدارِ العدلِ ... شيخُ الشُّيوخِ العارفين الكُلِّ شيخ شيوخ خانقاة المَلِكِ (¬6) ... بيبرسَ رُكن الدين ذي التَّنَسُّكِ (¬7) ابن الإمام الشيخ نور الدينِ ... ذاك الذي بنوره يهديني كنيتُه بين الكُنى أَبو الحسنْ ... ونعتُه مثل أبيه نعتٌ حسنْ ¬

_ (¬1) في (أ): "الذكر". (¬2) في (أ): "راوي"، تحريف. (¬3) في (ب): "سيد". (¬4) في (ب، ط): "العظيم". (¬5) في (ط): "القلم". (¬6) في (ب): "المليك". (¬7) في (ب): "التنسيك".

وهو عليُّ وعليٌّ كاسمِهِ ... لكن له كنانَةٌ بسهمِهِ وهي له وقايةٌ مِنَ العَرضْ ... سلَّمهُ اللَّه وآتاه الغَرضْ فجاءه الزَّوجُ الكريمُ خاطبا ... وطالبًا لقُرْبِه وراغبا في ابنته السَّيدة المصونهْ ... والدُّرَّةِ الفريدة المكنونهْ يا سعده قد ظفرت يمينُه ... يا حبذاك دينُها ودينُهْ جوهرةٌ خَوْدٌ عروسٌ كاعبُ ... وكم لها مِنْ حُسنِها مناقبُ وإنها قد عظُمَتْ وجلَّتْ ... تُخْجِلُ الشَّمسَ إن تجلَّتْ وإنها تحفُة أهلِ الأدبِ ... وإنَّها دارُ حديثٍ طيِّبِ وجاءها على السَّماعِ المطربِ ... نقط فيه "فرحةً" بالذَّهبِ فيالها مِنْ زوجةٍ وفرحه ... تُفْرِحُ قلب الزوج وهي "فَرْحه" المعصرُ البكرُ وصان اللَّه ... حجابَها وارتفعت ذُراهُ وبذلَ الزَّوجُ لها صَدَاقًا ... على رضا والدها اتفاقَا أصدقَها بذمَّةٍ وفيَّهْ ... وقدرةٍ أموالها ملِيَّهْ وقد حباها ذهبًا مختوما ... هِرْجة عينا له (¬1) معلومَا جملته بالصَّجْنَةِ (¬2) المصريّهْ ... وقدره في الوزن والكميّه مائةُ مثقالٍ وأربعونَا ... النِّصفُ مِنْ جُملته سبعونَا فمنه خمسون على الحُلولِ ... والقبض أربعون بالتَّعجيلِ لكن مِنَ الخمسين تبقى عَشرهْ ... وهي (¬3) على حلولها مُقَدَّرَهْ وذلك القبضُ تولَّاه الأبُ ... بحجره فهو الوليُّ الأقربُ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "هذا". (¬2) في (أ): "بالصَّبحة". (¬3) "وهي" ساقطة من (ب، ط).

منجمٌ تسعون مثقالًا ذَهبْ ... يدفعُها المُصْدِق كلَّما وجبْ ثلاثةٌ في سلخ كلِّ عامِ ... مِنْ يومنا هذا إلى الإتمامِ هُما هُما تناسَبا تصاهرَا ... حازا مِنَ العليا نصيبًا وافرا تخَاطبا إذ ذاك بالإجابة ... ورأيَا رأيًا له إصابهْ أكرِمْ به عقدًا جرى (¬1) توافيا ... سعى إليه السعد بشرًا حافيًا فأذِن الوالدُ باختيارِ ... في العقد بالصَّداقِ باختيارِ (¬2) ورُفِعَ الأمرُ إلى سيدنا ... وشيخنا شيخِ الأنام معلنَا أعظِمْ به سيِّدنا مولانا ... وكم له مِنْ مِنَنٍ أولانَا وإنه عالمُ أهلِ العصرِ ... وحيدُه وهو فريدُ الدَّهرِ علامةُ الوقتِ خطيبِ الخطبا ... رئيس أهل (¬3) الفضل قُسُّ الأدبَا بليغُ غايات النُّهى والأدبِ ... فصيحُ إعجام لسانِ العربِ وحجَّةُ الفتوى وكنزُ الطلبِ ... والغاية القصوى لأهل الطلبِ أعني جلالَ الدينِ أبقى اللَّهُ ... أيامه وزاد في عُلاهُ وهو أَبو الفضل سَما إفضالَا ... وزاده ربُّ السَّما جلالا وشيخ الاسلام مليكُ العُلمَا ... قاضي قُضاة المسلمين العُظَمَا وهو الكنانىُّ النَّسيبُ الشافعي ... ومعدنُ العلمِ الشَّريفِ النافِع وسيدٌ ومالكٌ وأحمدُ ... حتى إلى النُّعمان أضحى يُسنِدُ وهو الذي يُفدَى بكلِّ عينِ ... وهو الإمامُ الأعظمُ البُلقيني أفديه مِنْ محقِّقٍ (¬4) مدققِ ... مجتهدٍ حبرٍ ومفتي الفِرَقِ ¬

_ (¬1) في (ب): "حوى". (¬2) في (ب): "بلا اختيار". (¬3) في (ب): "رئيس الفضل". (¬4) "محقق" ساقطة من (أ).

أعانه اللَّه على مرضاتِه ... وباركَ الرَّحمنُ في حياتِه وعاشَ في أخلافه مُعينا ... كما غدا حِرْزًا لنا أمينَا ووكَّل الخاطبُ بدرًا عظُمَا ... أخاه في قَبُولِ عقدٍ نُظِما مخدومُنا السيدُ بدرُ الدِّينِ ... حُسَيْنُنا المحسنُ باليقينِ وكَّلَه يقبلُ عَقْدها عَلَى ... صَدَاقِها هذا كما قد فُصِّلا فأوجبَ العقدَ على المُسَمَّى ... قاضي قُضاة الشَّرعِ زاد عِلمَا بعد ثبوت الإذنِ والتَّوكيلِ ... لديه والخطابِ للوكيلِ ووضح الأمرُ بغير (¬1) دافعِ ... وأنَّها خلت مِنَ الموانِعِ موانع عَنْ عقدها مرتفعهْ ... وكنَّه شروطها مجتمعهْ وقَبِلَ العقدَ الوكيلُ فيهِ ... على الصَّدَاقِ وهو عَنْ أخيهِ في الجمعة الغراء وحصنها عندهْ ... شهادة في الثاني مِنْ ذي القعدهْ مِنْ سَنَةٍ وهي ثمان عشره ... مقرونةٍ باليُمْنِ والمسرَّهْ بعد ثمانمائة سِنينَا ... سالفةٍ وقد خَلَتْ مُبينَا مِنْ هجرةِ المختار صلَّى اللَّهُ ... عليه فاللَّه قد اصطفاهُ وأنه نهى عَنِ السِّفاحِ ... وحثَّ في الدِّين على النِّكاح ورغَّب الأمَّةَ في التَّزويجِ ... لأنه أحفظ للفروجِ والحمد للَّه على التَّأليفِ ... بينهما والنَّظمِ والتأليفِ أصدقنا في حُبِّه تعطُّفا ... وحسبُنا اللَّه تعالى وكفى به وبالإذن وبالتَّوكيلِ ... وقبضه المشروح في التَّفصيل (¬2) ¬

_ (¬1) في (أ): "بكفر". (¬2) ورد هذا البيت والذي يليه في (أ). بعد قوله: "له في الفصل ركن وحجر. . . " ص 507.

[شمس الدين القادري]

فكل ذا بشرطِهِ المعتبرِ ... قد كتبه محمد الإسكندري ورسم جامعه شهادته، فقال: حضرتُ ذا العقدِ السعيدِ حامدا ... مصلِّيًا مسلِّمًا وشاهِدَا [شمس الدين القادري] ومنهم: (¬1) الشمس أبو الفضل محمد بن أبي بكر بن عمر القادري. فقال (¬2): رمته غداةَ البين الركب منجدُ ... بسهمِ لحاظٍ ما له مِنْهُ مُنجدُ مهاة إذا استنَّب بعُودِ أراكةٍ ... على متنِ سِمْطَيْ لؤلؤٍ تتردَّدُ تُريكَ ثُنيَّاتِ العَقيق ببارقٍ ... حلالي النَّقَا منه العذِيبُ المبرِّدُ خفيفة أعطاف نَشَاوى مِنَ الصّبا ... ثقيلةُ أردفٍ تُقيمُ وتقعُدُ مِنَ النَّافثات السِّحر في عُقَدِ النُّهى ... بنجلاء عنها السِّحر هاروتُ يُسْنِدُ وأعجب مِنْ جسمٍ حكى الماء رقَّةً ... يُقل بلطفٍ قلبها وهو جَلْمَدُ مُحَيّا كبدرِ التَّمِّ في جُنْحِ طُرَّةٍ ... يظلُّ به غصنُ النَّقا يتأوَّدُ وجنات وجناتٍ بماء نعيمها ... على النُّوْر نارٌ أصبحت تتوقَّدُ ومنها: تلاحظُ مِنْ طرفِ خفيٍّ متيَّمًا ... لَدَى الحيِّ مَيْتًا في الهوى ليس يُلحدُ إذا ما أظلَّته بليل غدائرٍ (¬3) ... هداهُ الشِّهابُ الألمعيُّ المسوَّدُ ¬

_ (¬1) من هنا، إلى قوله: ومنهم الحافظ شمس الدين أبو عبد اللَّه، ص 513، لم يرد في (ب) وقد أضافها المصنف بخطه في حواشي (ح). (¬2) أشار المصنف إلى هذه القصيدة في الضوء اللامع 7/ 188 بقوله في ترجمة ناظمها: امتدح شيخنا بقصيدة أثبتُ غالبها في "الجواهر". (¬3) في (أ، ب): "غدائر شعرها".

أبو الفضل عمّ البذل مَنْ بِنَوالِه ... أخو الفقر خالي الفكر عما نُسهِّدُ ومَن سَنَّ للعافي بجامعِ فضلِه ... لعمرُك وهو النَّاسك المتهَجِّدُ صلاةُ صِلَاتٍ فالأنامل رُكَّعٌ ... وأقلامُه بالبذلِ للَّه سُجَّدُ ومنها: أسيِّدَنا قاضي القضاة ومَنْ له ... شهابُ ذكاءٍ قد غدا يتوقَّدُ ومَنْ بُنيت جُرْثُومَة المجدِ منه في ... ذُرى حجَرٍ مِنْ كعبةِ الفضل تُقْصَدُ قدا انْبَجَست مِنْهُ بحارٌ زواخرٌ ... مِنَ العلمِ والجدْوى تفيضُ وتُزْبِدُ فعنها لداني المحْل بالبذل مصدرٌ ... وفيها بنادي الحلم للفضل مورِدُ ومنها: وبُلِّغتَ مجدًا بالسِّماكِ مُحجَّلا ... توقَّفَتِ الأفهامُ عمَّا يقلِّدُ ومنها: وكم معشر أعْيَتْهُمُ منك غايةٌ ... تَنَكَّبُ عنها النَّجمُ مرقَى وسُؤدَدُ بهم أطبقتْ عينُ الزَّمان على قذًى ... وأنت لِعَينِ الدَّهر نومٌ وإثمدُ فإنُ يحمدوا فالدهر أحرى بذمِّهم ... فأنت أبا العباس لا شكَّ أحمدُ ومنها: ولمَّا روى والفضل فيك مجمَّع ... جميلُ الثَّنا مِنْ حيثُ يروي مُسدَّدُ حديثَ عطاءٍ عَنْ أياديك مرسلًا ... وأخبارَ بشرٍ عن مُحَيَّاك تُسنَدُ حلفتُ يمينًا أنَّها منك لم تزل ... تُفيدُ يسارًا خالدًا ليس ينفَدُ ومنها: وبُلِّغْتَ بالعلمِ الشَّريفِ ولايةً ... عليها لواءُ النَّصر بالسَّعد يُعقَدُ

[ابن ناصر الدين الدمشقي]

عدَتْ للسِّوا قصدًا لتظهر فضلكم ... وعادت إلى عَلياك والعَوْدُ أحمدُ [ابن ناصر الدين الدمشقي] ومنهم: الحافظ شمس الدين أبو عبد اللَّه محمَّد بن أبي بكر عبد اللَّه (¬1) بن محمد بن ناصر الدين الدمشقي. فكتب عنه صاحبنا (¬2) النجم بن فهد الهاشمي مما أنشده لنفسه لفظًا: إن قيلَ من ترتجي جودًا ويفعلُه ... قُلِ المفيدُ بفضلٍ كلَّ مَنْ وفَدا قاضي القضاة إمامُ العصر حافظُه ... فردُ الزمان الذي في فضلِه انفردَا وإن أردت نظيرًا في تبحُّره ... علمًا وفضلًا وجودًا لم تجد أحدَا لا تنكروا جُودَه كالماء منسحبًا ... فالماءُ من حَجَرٍ يحيى به أبدا [شمس الدين النَّواجي] ومنهم: العلامة فخر الأدباء شمس الدين محمد بن حسن النَّواجي غفر اللَّه له. وله فيه المدائح الكثيرة (¬3)، فمنه ما قرأته بخطه: نفسٌ على هام الكواكب تُشْرُفُ ... وحُلا أرقُّ مِنَ النَّسيم وألْطَفُ يا واحدَ الدُّنيا الذي عزماتُه ... حلفَ الزَّمانُ بمثلها لا يُخلِفُ كم رامَ بدرُ التَّمِّ يحكي وجهَك الوضَّـ ... ـاحَ حسنًا فاعتراه تكلُّفُ لا شك فيه مِنَ الإله سريرةٌ ... بالبِشْرِ مِنْ صَفَحاتِ وجهك تُعرَفُ ¬

_ (¬1) في (أ): "أبي بكر بن عبد اللَّه"، خطأ، وانظر الضوء اللامع 8/ 103. (¬2) أضيفت في (ح) كلمة "الحافظ"، فأصبحت: "الحافظ صاحبنا. . . " ثم علق أحدهم بعد ذلك في الهامش ما نصه: ينظر هذه اللفظة ما هي، فإنها من إصلاح الجاهل الكاذب الحمار (!) صاحب النسخة، المجترئ على اللَّه وعلى المصنفين في تغيير عباراتهم، وهو معلوم من بيت المذكور. (¬3) ذكر المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 7/ 232: أنه مدح صاحب الترجمة, وقال: وله في غرر المدائح، أودعت الكثير منها في الجواهر. قلت: وقد أورد المصنف مجموعة من القصائد للنواجي، تنتهي بصفحة 538.

حمَّلتَ أعناقَ الكرامِ صنائعًا ... عَنْ بعضِ أيسرِها تكِلُّ وتَضعُفُ ومنحتَ أربابَ البُيوت بدائعًا ... بحُلَى معانيك الحسان (¬1) تُزَخْرَفُ للَّه دَرُّك مِنْ سليلِ مآثرٍ ... بأثيل محتَدِهِ العُلا يتشرَّفُ شهمٌ أبيٌّ جائدٌ متفضِّلٌ ... نَدْبٌ وفيٌّ زاهدٌ متعفِّفُ ورِثَ السيادةَ لا أقول كَلالَةً ... بل ذاك مجدٌ عَنْ أبيه مخلفُ رحبُ الحظيرة في العُلوم مَبصَّرٌ ... في الحكم لا أنِفٌ ولا مُستنكِفُ يبدي التَّرفُّع حيث شامَ من امرئ ... شَممًا ويَرفُق بالضَّعيف ويرأفُ أبدًا يُنزِّه طَرْفَه في (¬2) روضة ... أطيارُ فكرته عليها عُكَّفُ (¬3) ويكاد صدر الطِّرس يخبره بما ... فيه وتنطِقُ في يديه الأحرفُ وإذا الفقير شكا إليه ظُلامَةً ... رقمتْ (¬4) أناملُه الكريمةُ تكشِفُ هو سيبويه زمانِه وعلُومه ... عين الخليلِ لنحوها تَتَشَوَّفُ (¬5) فأبو عُبيدٍ لو تأخَّر عنه لم ... يُنْسَبْ إليه في الغريب "مُصَنَّفُ" ولو ابن عصفور رآه لطَارَ مِنْ ... فرحٍ وعادَ إليه وهو يُرفرِفُ بأداة الاستقبالِ لم يَكُ ناطقًا ... وبأحرفِ التَّنْفِيس ليس يُسَوِّفُ بل أمرُه في الحالِ يرجعُ ماضيًا ... حتمًا وفعلُ نوالِه مُتَصَرِّفُ قد حازَ معرفةً ووزنًا مِنْ ندى ... كفٍّ فعن رُتَبِ العُلا لا يُصرفُ (¬6) وإذا وجوهُ المكْرُماتِ تنكَّرت ... بأداة نشرِ عطائِه تتعرَّفُ ¬

_ (¬1) في (ط): الكرام. (¬2) في (أ): "عن". (¬3) في (ب): "عطف". (¬4) في (أ): "رمقت"، تحريف. (¬5) في (ب) و"المختصر": "تتشرف". (¬6) هذا البيت ساقط من (ط).

لا عيبَ في علياهُ إلا أنه ... يحبُو بما ملكت يداهُ ويُتْحِفُ وإذا تعزَّزَ مالُه عَن طالبٍ ... رِفْدًا تراه لذا وهذا يُضْعِفُ لا يُخلِفُ الميعادَ أصلًا بل يرى ... أن الإله عليه حقًا يُخلِفُ كَلِفٌ بأمر الدِّين لا يَلْوِي على ... ما فاتَ مِنْ دنيا ولا يتأسَّفُ وله إذا سَدَلَ الظَّلام رُواقَه (¬1) ... عينٌ مُسَهَّدةٌ ودمعٌ يَذرِفُ فألذُّ ما يُتْلَى عليه كلامُ خا ... لِقه وأشْهى ما إليه المُصْحَفُ يا كعبَةَ الجُودِ الذي لِمَقَامِه ... تسعَى الوفودُ نَدًى ولا تتوقَّفُ وتطُوفُ حولَ البيتِ منه كأنَّه ... للفضل ما بين الخلائقِ موْقفُ بمنَى المُنَى وقفُوا، وفي حرَم الهَنَا ... عكَفُوا، وبالحَجَرِ المكرَّم أُتحِفُوا بالعلْمِ والحلْمِ اشتهرتَ فقُل لنا ... هل أنتَ أحمدُ عصرِنا أم أحنَفُ وبحُسْنِ خُلقك حيثُ راح مُوطَّأ ... أصبحت فينا مالِكًا يتصرَّفُ أم نفسُ حاتِم نَقْشُ خاتَمِ كفِّكم ... بهما الجناس يروقُ وهو مصحَّفُ (¬2) يا حافظَ الإِسلام مِنْ لَددٍ ومِنْ ... نزعاتِ خصمٍ كيدُه مستضعفُ لك منطقٌ جزلٌ رصينُ اللَّفظ لا ... متكلِّفٌ لَسَنًا ولا مُتعسِّفُ مُرْدٍ لسَفْسافِ الكلام إذا انتضى ... حدًّا لِنحْلَة حَائِدٍ يَتَفَلْسَفُ ما زِلْتَ تحمي شرعَ سنَّةِ أحمدٍ ... وبه تَذُبُّ عَنِ الحديث وتَصرِفُ حتى أعدت الحقَّ أبيضَ أبلجًا ... بسَنًا يكادُ البرقُ منه يَخطَفُ وقَفَوْتَ آثارَ الرِّجالِ فلم تَدَع ... لهُم طريقًا فيه ما يُتَخوَّفُ وبمجلسِ الإملاء تملأ سمعَنا ... دُررًا بها أُذْنُ الرُّواة تُشنَّفُ وإذا أتيتَ بطُرْفَةٍ شهِدَ الورى ... حقًا بأنك يا إمامُ مُطرِّفُ ¬

_ (¬1) في (أ): "وراقه"، تحريف. (¬2) هذا البيت لم يرد في (أ).

و"بنخبة الفكر" انتهجتَ طريقةً ... غرَّاءَ يعرفُ فضلَها مَنْ يعرفُ وبفتح باريك اغتنيت فكلُّهم ... مِنْ فيضِ فضلِ علومِكم يتلقفُ وعُنيتَ بالذَّهبي في "ميزانه" ... بالنَّقد فيما بَهْرجُوه وزيَّفُوا حركتَ فيه له (¬1) "لسانًا" مُسْلَطًا ... كالسَّيف يرهبُه الحُسامُ المرهَفُ لا غَرْوَ أنْ يُقضى بقطع نزاعهم ... فاللَّفظُ عضْبٌ واليَراع مثقَّفُ يا شيخَ الاسلامِ الذي أفكارُه ... أبدًا بها شملُ العلوم مؤلَّفُ مِنْ بحرِ جُودك قد نظمتُ قصيدةً ... زَهرُ البلاغة مِنْ حُلاها يَقْطِفُ حاكت بصنعاء القَريض برودَها ... وأتت تجرُّ المِرْط وهو مفَوَّفُ (¬2) لطُفت معانيها فأعينُ عَينِها ... لك مِنْ كُوى فاءاتها تَتَشَوَّفُ وتمايلت مَرحًا فلولا نِسْبَةٌ ... لكُم لقيل ثَنَى المليحةَ قَرْقَفُ هي بهجةٌ للشمس إلا أنَّها ... تسمو بعلياء الشِّهاب وتَشْرُفُ طوَّقْتَنِي بالجودِ منك فلم أزلْ ... بعُلاك فُي فُنَنِ البلاغة أهتِفُ وكسوتني حُلَل الجمالِ فها أنا ... لكمُ مُريدٌ في الورى متصوِّفُ لي فيك حسنُ تخضُّعِ وتذلُّلٍ ... ولكم عليَّ تحنُّنٌ وتعطُّفُ ووحقِّ فيضِ نَدَاكَ وهو ألِيَّتِي ... ويَحِقُّ لي أنِّي بذلك أحلفُ ما لي إلى أحدٍ سواكَ تَلَفُّتٌ ... كلَّا ولا لي عَنْ جنابك مصرِفُ وعلى محبتك الخلائقُ أجمعوا ... كُلًّا فما أحدٌ عليك يعنَّفُ لا زلتَ في أمرِ الممالكِ قاضيا ... وشهاب علمِك بالفضائلِ يُسعِفُ ويَحفُّكَ البدرُ المنيرُ بطلعةٍ ... شمسُ الظهيرة من سناها تكسَفُ واللَّه يكلؤكُم بعين عِنَايةٍ ... منه ويحفظُكم لديه ويُزلِفُ ¬

_ (¬1) "له" ساقطة من (ط). (¬2) في هامش (ط): "البرد المفوَّف: ما فيه خطوط بيض".

يا ربِّ واحشرني بزُمرته إذا ... هبت سعيرُ لظًى وهال الموقفُ فبجاه أحمدَ لم أزل مُتَشَفِّعًا ... مِنْ مالكٍ وبدينه أتحنَّفُ صلَّى عليه اللَّه ما ذُكِرَ اسمُه ... لشجٍ فَهَامَ إليه صبٌّ مُدْنَفُ ومنه ما أنشد عقب ختم "فتح الباري" بالمنكوتمرية, فقال: خُذوا حديث الغرام مُسنَدْ ... عَنْ مُستهامِ الفُؤادِ مُبعَدْ وسَلْسِلُوه بِدُرِّ دمعي ... فابنُ مَعينٍ به تَفَرَّدْ يا خدُّه الواقديُّ (¬1) رفقًا ... بخاطرٍ منك قَدْ توقَّدْ وثغرُه الجوهريُّ كم ذا ... يمنعني ريقَك المبرَّدْ باللَّه يا راحلًا بقلبي ... هل (¬2) لفؤاد المشُوقِ مِنْ رَدْ اللَّهَ اللَّهَ في محبٍّ ... بنظرةٍ منك ما تزوَّدْ يُكَفكِفُ الدَّمع في جيوبٍ ... خوفَ وُشَاةٍ له وحُسَّدْ لو سُمْتُه قُبْلَةً ولو في المنـ ... ـامِ بالرُّوح ما تردَّدْ للَّه ساجي اللَّحاظِ ألمى ... أغنُّ لَدْنُ القَوامِ أغيَدْ ألثغُ حُلْوُ الكلامِ كادَت ... حلاوةُ الثَّغْرِ منه تُعْقَدْ البدرُ (¬3) قد لاح مِنْ سناه ... والغُصْنُ من عِطفِه تأوَّدْ رقَّ أديمًا فكاد يجري ... على فؤادٍ له كجلمَدْ لو هفواتُ النَّسيم مَرَّتْ ... عليه من لُطفه (¬4) تجَعَّدْ جامعُ حسْنٍ إذا تبدَّى ... خرَّت عيونُ الأنامِ سُجَّدْ ¬

_ (¬1) في (أ): "الواقد". (¬2) في (أ): "قل". (¬3) في (أ): "الثغر". (¬4) في (ط): "لفظه"، تحريف.

وقُبلةُ العِشْقِ إن تُغنِّي ... أبصرتَ في الحالتين مَعبَدْ صيرتُ دمعي عليه وقفًا ... مُسبَّلًا جاريًا مؤبَّدْ وعاذلٍ كان قبلَ هذا ... يطعنُ في حُسنِه ويَجْحَدْ ومُذْ بدا وجهُه هلالًا ... يفوقُ بدرَ السَّما تَشَهَّدْ وزان خدَّيه حُسْنُ خالٍ ... بكعبة الحُسْنِ قَدْ تعبَّدْ حَمَاهُ ربي فكيف أضحى ... في وسط نيرانها مخَلَّدْ لم أنْسَ إذ زارني بليلٍ ... كأنَّه كوكبٌ توقَّدْ وابتسم الثغر عن لآلٍ (¬1) ... فَهِمْتُ في عِقدها المُنضَّدْ واستعبَرَ الجَفْن مِنْ دموعٍ ... لمَّا رأى صدْرَهَ تنهَّدْ أرشَفَنِي مِنْ رحيقِ ثغرٍ ... كاسًا وحيَّا بوردِه الخَدْ شمِمت منه عبير خالٍ ... يعبَقُ مِنْ نشره شَذَا النَّدْ فَيَا له عنبرٌ ذكيُّ ... وعاذلِي فيه قد تَبَلَّدْ يا مالك (¬2) الحسن جُد بنعما ... ن وَجنَتَيْ خدِّكَ الموَرَّدْ وإن تكن شافعي فإني ... أشكرُ ربَّ السَّما وأحمدْ قاضي قُضاةِ الأنامِ كنزُ الـ ... ـغنى حليف النَّدى المؤبَّدْ (¬3) حامي ذُرى المجد والعُلَا مَنْ ... فاقَ الورى في حُلا وسُؤدُدْ بنى له الفضلُ بيتَ عَلْيا (¬4) ... له بساطُ النُّجوم مَقْعَدْ وأعربَتْ عن عُلاه خِيمٌ (¬5) ... بالعطف معروفُها تأكَّدْ ¬

_ (¬1) في (أ): "هلال". (¬2) في (أ): "يا مالكي". (¬3) في (ب) والمختصر: "المؤيّد". (¬4) في (أ): "عالي". (¬5) في "المختصر": "وأعرب الفعل عن صفات". وفي هامش (ط, ح). "الخِيم -بالكسر- السجية والطبيعة".

مولى به اللَّه في الورى قد ... أعزَّ أحكامَه وأيَّدْ أعفُّ في الحكم مَنْ مَشَيْنَا ... تحتَ لواء عَدْلِه وأزهَدْ له مع اللَّه حُسْنُ حال ... بظهرِ غيبٍ له ومَشْهَدْ ما مثلُه في وفًا وحلْمٍ ... إنْ وعَدَ المرءَ أو توعَّدْ ولم يقُل في نَدًى وعِلم ... لمَنْ أتى سائلًا: إلى غَدْ ذُو راحة أتْعَبتْ حسودًا ... قصَّرَ عَنْ نَيْلها وفَنَّدْ أصابع النِّيل قاصِراتٌ ... عنها وكفُّ الغمام مُمتَدْ كم قلتُ لمَّا سَمَا فحاذى ... رأسَ سِمَاكٍ وفَرقَ فَرْقدْ يا هل تُرى غاية لعليا ... متفردٌ في الأنام أوحدْ وليت شعري أنَال ذا عن ... أبٍ (¬1) عليَّ المقامِ أم (¬2) جَدْ في مصره كم أغاث حيًّا ... أتْهَمَ في غوره وأنْجَدْ (¬3) وكم وكم قد أمات خصْمًا ... عانَد في شَرعِهِ وألْحدْ يا عَمرَك اللَّهُ أُمَّ حَبرًا ... عنه حديثُ الكرام يُسنَدْ وارْوِ ندَى راحتيه بحرًا ... مِنَ الطَّريقين عنه يُوردْ فبابُه للوفود مَلْجَا ... ومالُه للعُفاةِ مُرصَدْ وأعجب لذي باطلٍ وحقٍّ ... كلاهُما في حِماه يُعضَدْ هذاك بالقطع ليس يَرْقَى ... وذا بكلتا اليدين يُرْفَدْ ¬

_ (¬1) في (ب): "أمجد"، خطأ. (¬2) في (أ): "أو جد". (¬3) في هامش (ط، ح) ما نصه؛ أتهم وأنجد أتى تهامة ونجدًا، ونظرهما كثيرًا، كأعْمَنَ وأعرق. أتى عُمان والعراق. قال الممزّق العبدي: فإن تُتهمُوا أنجد خلافًا عليكم ... وإن تُعمِنُوا مستحقبي الحرب أُعْرِقُ وكذلك غار، أتى الغوْرَ، ولا يُقال: أغار. وعُمان -بضم المهملة والتخفيف- بلد، وأما عمَّان -بالفتح والتشديد- فموضع بالشام.

لا عيبَ في جُوده (¬1) سوى أنَّ ... شملَ أموالِه مُبَدَّدْ يَسْبِيك في كفِّه يراعٌ ... أسمرُ لَدْنِ القَوامِ أمْلَدْ أحوى غَضِيضُ الجفون ألمى ... مكَحَّلُ الطَّرْفِ لا بمِرْوَدْ مواظب الخمس وِرْده في ... وقت صلاة الصِّلاتِ يشهد (¬2) إذا هوى للرُّكوع خرَّتْ ... له وجوهُ الطُّروس سُجَّدْ سبحان مَنْ قد براه غُصنًا ... ثمارُه فِضَّةٌ وعَسْجَدْ مُحبِّرٌ في العلوم زاكي الـ ... أُصولِ سامي الذُّرى مُسَوَّدْ في قصَب السَّبق ما رأينا ... مثالَه في الجياد جَوَّدْ تهزُّ أصواتُ سائليه ... أعطافَه للنَّدى فَتَمْتَدْ وتَنْبرِي للعطَا فيُزرِي ... بالبحر في جَزْرِه وفي المَدْ يسعى على رأسه لأمِّ ... طِرافُها للحِبا مُمدَّدْ تُرضعه (¬3) يومها وعند الـ ... ـمغيبِ في بطنها يمهَّدْ واسْتَجْلِ ما شئتَ مِنْ معاني ... مِرْمَلَةٍ طرفُها مُسهَّدْ يحكي سنا وجهها الثُّريا ... حسنًا إذا سعدُها تَجدَّدْ في بيت أفراحها اجتماعٌ ... بالرَّمل مِنْ سِلكها (¬4) تولَّدْ تنظمُ الدُّر فوقَ طِرْسٍ ... نَظْمًا فتظمَى لمَّا تنضَّدْ وتنثر التِّبْرَ في لُجَيْنٍ ... نثرًا فنًثرِى به ونَسْعَدْ تُذيب قلبَ النُّضار لا ما ... حصَّله باخِلٌ وجَمَّدْ ¬

_ (¬1) في (أ): "وجوده"، خطأ. (¬2) هذا البيت لم يرد في (ب). (¬3) في (ب): "ترضعها". (¬4) في (ط): "شكلها".

إن أنكرتْ قتلَ حاسديها ... ها دمُهُم في الطروس يَشْهَدْ وشمُ حُلا مُديةٍ عليها ... خناصرٌ للعلوم تُعقَدْ تَقْطعُ وصلَ الجَفا وتبري ... قلبَ عِداة بَغَوْا وحُسَّدْ وتُثبت الجُرحَ في وجُوهٍ ... تجاوزُوا في لقائها الْحَدْ ما طالَ مِنها اللسانُ إلا ... قصَّر مَنْ كلَّمْت عن (¬1) الرَّدْ قوامُها اللَّدنُ سَمهيريٌّ ... وإنَّما طرفُها مهنَّدْ تملك الحُسْنَ في نصابٍ ... ما مثلُه في القُرون يُعهدْ قتيلُها المَحْلُ ليس يُودَى ... شرعًا وإن كان بالمحدَّدْ يا شيخَ الإِسلام يا إمامًا ... دَعَا لطُرْقِ الهُدى وأرشَدْ يا ذا التَّصانيف ليس يُلْقَى ... نظيرُها في الورى ويُوجَدْ لو رام تعدادَها حسودٌ ... بكى على نفسه وعدَّدْ شرحَتَ صدرَ الحديث لمَّا ... قصدتَ للشرحِ أيَّ مقصِدْ ورحتَ تُمليه في نُجومٍ ... شهابُها في العلا توقَّدْ أخجلَ في أُفقه الدَّراري ... أما تَرى الجوَّ أحْمرَ الْخَدْ واستخدمَ الكُنَّسَ الجواري ... تدأبُ في بابه وتَجهَدْ أفعم أذواقَ طالبيه ... بمشتهَى لفظِه الْمُسَرْهَدْ وسار في شرقها وغرَّب ... تُتلى أحاديثُه وتُسْرَدْ وكم طوى نشرُه كتابًا ... على ممرِّ الدُّهور سَرمَدْ ومَن يَكنْ علمهُ عطاءً ... من فتح باريه كيف ينفَدْ خذها ابنةَ الفكر ذاتَ شجوٍ ... بلُطْف معناك قد تَجَسَّدْ ¬

_ (¬1) في (أ): "من"، تحريف.

تغنيك أوصافُ حسنها عن ... وصْلِ حسانٍ ووصف (¬1) خُرَّدْ (¬2) تختال مِنْ طرسِها ومَعْنَى ... عُلاك في صَرْحِها المُمَرَّدْ جمالُها مطلقٌ وحرفُ الـ ... ـرَوِيِّ في حُبِّكم مُقَيَّدْ وبحرُها من بَسيط كفَّيْ ... نَداكُمُ بالوفَا تعوَّدْ مَنْ رامَ يَقفُو سَنَا عُلاهَا ... لمطلع الشَّمس كيف يَصْعدْ رقيقةُ النَّظم ذاتُ لفظٍ ... حُرٍّ ومعنًى بكم مُولَّدْ حَرَّرَها في عُلاك مَولى ... عِتَاقُه بالوَلَا تَعَبَّدْ أمسكَ فضلَ العِنَانِ لمَّا ... زادتْ معانيكم على العَدْ ولو أطالَ المديحَ جاءت ... -وحقِّ علياك- في مُجَلَّدْ طوَّقتَه بالنَّدى فَقَلَّمَا ... مطوَّق في الرِّياض غَرَّدْ ورِشْتَ منه الجناحَ حتى ... حلَّق نحو العُلا وصَعَّدْ وحقِّ ربِّ السَّما ومولى ... يُخشى لكلِّ الورى ويُعبَدْ ما لي إلى غيرك التفاتٌ ... كلا ولا عَنْ حِمَاك مَقْصدْ قَيَّدْتني بالنَّدى فَتَمِّمْ ... واكتب على قَيْدِيَ المخلَّدْ وكم يدٍ (¬3) قد أنلتَ حتَّى ... سَلَبتَ منِّي الفؤادَ باليَدْ هذا هو الفضلُ بل أبوهُ ... أنت وهذا لَعَمْركَ الْجَدْ لا زلتَ مستعصمًا أمينًا ... مستنصرًا هاديًا لمهْتَدْ مستَظهِرًا واثِقًا رشيدًا ... على العِدى ظاهرًا مُؤيَّدْ يَحُفُّكَ البدرُ في كمالٍ ... بخيرِ ما طالعٍ وأسعَدْ ¬

_ (¬1) في (ط): "ووصل". (¬2) هذا البيت لم يرد في (ب). (¬3) في (ب): "به".

ومنه، ممَّا نقلته مِنْ خط ناظمه النواجي رحمه اللَّه: تذكَّرَ عهدًا بالغُويرِ ومَعْهَدَا ... ومعنًى يروق الناظرَ المتَردِّدَا وشاهدَ ربعًا بالعقيق ومَرْبَعًا ... فساقط دُرَّ الدَّمعِ مثنًى وموحِدَا حليفُ جوى هيمان ظمآن كلَّما ... شكى علةً للربع جاوبه الصَّدَى مَليٌّ مِنَ التَّسهيد والدمعُ مملقٌ ... مِنَ الصَّبر لا يلقى على البَيْنِ مُسعِدَا على حين زُمَّت بالحبيبِ رواحلٌ ... لنَجْدٍ فلم تترك لقلبيَ مُنجِدَا هُمُ أودعوا دُرَّ الحديث بمَسْمَعي ... فسال عقيقًا مِنْ جفوني وعَسْجَدَا وفي الرَّكب حوراءُ العيون إذا رَنَت ... لرِيمِ الفَلا في التِّيه راح مشرَّدَا مهفهفةٌ لولا جوارحُ لحظِها ... على عطفها غنَّى الحمام وغَرَّدَا ترعرعَ مِنْ ماء الشَّيبَةِ خَدُّهَا ... فأينعَ وَرْدًا كلَّلته يدُ النَّدَى فيا ظمأ المضنيِّ إلى عذْب وردِه ... إذا ما رأى الخدِّ الأسيلَ مورَّدَا وشاهدَ (¬1) بدرًا لو يلُوح هلالُه ... لغادرَ طرفُ الشَّمس في الحال أرمَدَا وشَعرًا وثغرًا إنْ تأملتَ فيهما .. ترى الفرقَ ما بين الضَّلالةِ والهُدَى أكرِّرُ طرفي في بديع حُلَاهُ كَيْ ... أُشاهِدَ معنى الحُسن منها (¬2) وأشهدَا وأحذرُ إن هبَّت مِنَ الثَّغرِ نسمةٌ ... على لُطْفِ ذاك الجسمِ أن يَتَجَعَّدَا تزخرف بالأصداغِ قِبلة وجهها ... فتونًا فتُسبي الزَّاهدَ المتعبِّدَا وتتلو على الأسماع آياتِ حُسنها ... فيصبحُ كلٌّ للإله موحِّدَا فسبحان مَنْ أهدى لنور جبينها ... بمشكاة فيها كوكبًا قد توقَّدَا وأطلع (¬3) نجم السَّعد بالثغر للورى ... نهارًا ولم يخْلُق محاسنَها سُدَى ¬

_ (¬1) في (أ): "وشاهدت". (¬2) في (ط): "فيها". (¬3) في (أ): "وأطلق".

قرأت "صحاحَ الجوهريِّ" بثغرها ... ومِن ريقها ذُقتُ الزُّلالَ المبَرَّدَا مُجاهدُ ذاك اللَّفظ (¬1) أضحى مقاتلًا ... يُفَوقُ سهمًا نحو قتلي مسدَّدَا ومنزلُ قلبي كان بالحُبِّ عامرًا ... فخرَّبه لمَّا أخاف وهَدَّدَا تمالت بجيدٍ مالَ فيها مَع الهوى ... فأجرى عيونًا مِنْ دَمِي وتقلَّدَا (¬2) وقالت: تجلَّد، قلتْ: قد صرت (¬3) أعظُمًا ... هبينيَ جِسْمًا واسأليني التَّجلُّدا محبُّكِ في ذا اليوم يا ميُّ ميِّتٌ ... فأوليه خيرًا ترتجي أجرَه غَدا عجبتُ لسيفٍ مِنْ جفونك مُرْهفٌ ... تصدَّى لقتلي وهوَ ما زال مُغْمَدَا وعهدي بسهمِ اللَّحظ يُنْسَبُ للخَطا ... فما باله في قِتْلَتي قد تعمَّدَا وأعجب مِنْ ذا أنَّ ريقَك سَلْسلٌ ... فُراتٌ وفيه الدُّرُّ يُلْفَى منضَّدَا ليَ اللَّه قلبًا قد قضى نحبَه أسًا ... عليها ومِنْها نظرة ما تزوَّدَا وعقد دموعٍ (¬4) كلَّما رُمْتُ صونَه ... بعينيَ أضحى مثل شملي مُبدَّدَا فأرْوِي "حديث القُلَّتين" مُسلسلا ... إلى ابن معينٍ مِنْ أماليه مُسنَدا وأحمِلُ منه مطلقًا كلَّ ما جرى ... على القلب إذ أمسى بشجوي مقيَّدا تفقَّهتُ في شرع الغرام مُيَمِّمًا ... طريقًا بها في مذهب القومِ يُهتدَى فبي يَقْتَدِي العُشَّاقُ في الحُبِّ مثلما ... بقاضي قُضاة العصر في العلم يُقتدَى إمامُ الفتاوى قِبلَةُ الفقهِ جامع الـ ... أُصول خطيبُ الوقت للدِّين قد هدَى أقامَ منارَ الشَّرع إذ أذَّنوا له ... بفضل وبالتسليم أعلن في النِّدا فصلَّت له الأقلام (¬5) في الطرس وانْبَرَتْ ... على رأسها في العلم تسعى (¬6) لتسعدا ¬

_ (¬1) في (أ): "اللطف". (¬2) هذا البيت ساقط من (ط). (¬3) في (أ): "حرت"، تحريف. (¬4) في (ط): "دموعي". (¬5) في (أ): "الأقدام"، تحريف. (¬6) في (أ): "تسقي".

وفي خدمة الباري تراهُنَّ ركَّعًا ... قيامًا بمحراب المهارق سُجَّدَا له اللَّه حبرًا كم أتمَّت صلاتُه ... صلاةً وكم أحيا بمحياه مسجدَا بعلم قضى فينا وأدَّى حقُوقَنَا ... فأحسنَ فعلًا في القضاء وفي الأدَا وما إن رأينا أو سمعنا بعصرِنا ... أعفَّ وأزكى منه نفسًا وأزهَدَا إذا قام في المحراب للَّه قانتًا ... بترجيع صوتٍ خِلْتَ في القوم معبَدَا فكم قد وفي وعْدًا وأنجز مَوعِدًا ... وكم قد رعى عهدًا وجَدَّد معهدَا وكم قد رأى درسَ المدارس دارسًا ... فصيَّر فيه مَعْلَمَ العلمِ مشهدَا حليفُ الهدى مُولي الندى سامعُ النَّدا ... بعيدُ المدى واقي الرَّدى كابتُ العِدَا شهابُ علومٍ ثاقبُ الفكرِ مُحرِقٌ ... لشيطانِ إنسٍ قد طغى وتمرَّدَا فمَنْ يسترِقْ بالسَّمع نقلَ حديثِه ... يُذَدْ عَنْ سما علياهُ حقًا ويُطْرَدَا له مفرِق الجَوْزَا بساطٌ وإنَّنا ... لنرجو له في حضرة (¬1) القدس مقعدَا أبي الفضلُ إلا أن يكونَ له أبًا ... فنال به أصلًا عريقًا وسؤدُدَا محطُّ رحال الطَّالبين فجلُّهم ... لبيتِ النَّدى والعلمِ وافى مجرَّدَا وللحَرَمِ الميمون مِنْ كلِّ وُجْهَةٍ ... مشارقها والغرب يسعون وُفَّدَا إلى حجر يُنْمَى (¬2) عليُّ مقامِه ... فاكرِمْ به للبيت ركنًا مشيدَا غدا شافعيَّ الوقتِ إذ كان وارثًا ... لعلمٍ به خصَّ المهيمنُ أحمدَا ومالكه أهدى لنعمان روضِه ... أبا يوسف مِنْ فضله ومحمَّدَا تكوَّن من نُورٍ وأشرقَ بدرُه ... فللَّهِ ذو النُّورين فرعًا ومحتدَا وحاز جمالًا في رُبا العلم قد نشَا ... عزيزًا بعليا مصرَ أصبحَ سيِّدَا تَسَرْبَلَ بالتَّقوى وتُوِّج بالعُلا ... وصارَ شعارُ الأشعريِّ له رِدَا ¬

_ (¬1) في (أ, ط): "مقعد". (¬2) في (أ): "ينمو".

ومِنْ "فتح باريه" استمدَّ يراعُه ... فحاشاه أن يفنى عطاءً وينفدَا إذا ماس فوقَ الطِّرس كالغُصنِ خلتَه ... مهفهفَ عطفٍ أكحلَ الطَّرف أغيدَا بخمسِ بحُورٍ مِنْ أكفِّ يمدُّه ... فتُثمر في الأوراق دُرًّا وعسجدَا فقل في سجايا العسقلانيِّ إنها ... تقرِّب للخيرات مَنْ كان مُبْعَدَا وسلسِل حديثَ الجُودِ عنه فإنَّه ... أصحُّ وأعْلى ما سمعناه في النَّدى بدور نوالٍ في المكارم كلَّما ... نقول انتهى في الحالِ عاد لِمَا بدَا فكم فرِّحتْ قلبًا وكم أظهرتْ نبأة ... وكم فرَّجَتْ كربًا وكم كشفت رَدَى وكم مِنْ يدٍ أوْلَتْكَ في القبض (¬1) راحةً ... ببسطِ الندى لمَّا مَدَدْتَ له اليدَا يمينًا لقد أبدت يسارًا (¬2) وأطلقَتْ ... أناملَ منْ كفِّ الغمامة أجودَا يُشار إليها بالأصابع عندما ... تزيدُ فيجلُو بالوفا غُلَّةَ الصَّدَى فمِنْ لُطف خَلْقِ النِّيل جاء مخلقًا ... ومِنْ عظم غيْظِ البحر أرغى وأزبَدَا وما يستوى البحران، هذاك مالحٌ ... أُجاجٌ وهذا للورى طاب مَورِدَا شهِدْتُ بما شاهَدْتُ منه، فإن تَلُح ... لعينك مثلُ الشَّمس بالحق فاشهدَا فمَنْ رامَ تعدادًا لأوصافها بكى ... على نفسه طولَ الزَّمان وعدَّدَا أسيدَنا قاضي القضاة ومَنْ هدَى ... إلى الحقِّ من غيِّ الضَّلال وأرشَدَا ويا حافظ الإِسلام مِنْ زَيْغ مُبطلٍ ... أماتَ علومَ الشَّرع جهلًا وألْحَدَا جَمَعْتَ أحاديثًا تفرَّد حُسْنُها ... فللَّهِ مجموعٌ غدا متفَرِّدَا وقَلَّدْتَ جيدَ الفقه دُرَّ حُلًى، فيا ... لمجتهدِ في العصر أضحى مقلِّدَا وفي صنعة الإعراب كم مِنْ قواعدٍ ... أقمت وفي الأنساب أظهرتَ قُعْدُدَا وأعْرَبْتَ عَنْ مجدٍ رفعتَ بِنَاءه ... فخُرْتَ به نعتًا وعطفًا مؤكَّدَا ¬

_ (¬1) في (أ، ب): "الفيض". (¬2) في (ط): "لسانًا".

وكم لك مِنْ نقدٍ على الذَّهبيِّ في ... ضعيفٍ يرى في بَهْرَج القولِ جيّدَا أقمتَ له بالقسط وزنًا فأصبحت ... صيارفةُ الأذهان نحوَك نُقَّدَا وحرَّكْتَ إذ حرَّرت "ميزان" عَدْلِه ... بعضْبِ "لسان" يترُكُ السَّيف مِبردَا فيا جابرًا قلبَ العُفاةٍ وواصلًا ... بفيض عطا والرأيُ أضحى مسدَّدَا ويا متحفي في كلِّ عام بكِسْوَةٍ ... بها قبل يومِ العيدِ أغدو معيِّدَا وأروي عَنِ الفَرا أحاديثَ جُلة ... يَروقُ الكسائيَّ حسنُها والمبرّدا بجودك جيد (¬1) النَّظمِ راح مطوَّقًا ... فأضحى بأفنانِ الثَّناء مغرِّدَا وأبياتُ شعري في حياتي جعلتُها ... على مدحكم وقفًا صحيحًا مؤبدَا تود (¬2) النجوم الزُّهْرَ لو لَمَّ شملَها ... بديعُ نظام جاء فيك منضَّدَا وتهوى حروفُ الخطِّ لو كان كلُّها ... حروفَ نداءٍ إذ خَصَصْتُكَ بالنِّدَا يموت الفتى دهرًا ويفنى ادِّكارُه ... وذكرُكَ يبقى في الطُّروس مخَلَّدَا وما رفعُوا في الكتب أخبارَ عالمٍ ... بمأثرة إلا وذكرُك مُبتدَا فعش وابْقَ واسْلَمْ واغْنَ واغْنَمْ وجُدْ وسُدْ ... ودُمْ وارْقَ واكْمُلْ نافذَ الحُكْمِ مرشِدَا نرى كل يوم منك (¬3) عيدًا مباركًا ... وسعدًا على طُولِ الزَّمان مجدّدَا (¬4) ومنه، ونقلته مِنْ خطِّه أيضًا: أما والهوى لو ذاق طعم وِصَالِكِ ... محبُّك ما استهواه طيفُ خيالِكِ سلبتِ الكبرى عَنْ مُقلتي وأحَلْتِني ... على الطَّيف واهًا مِنْ عظيمِ مِحَالِكِ ووطَّأتِ هجري إذ ملكتِ فأشهبُ الـ ... ـمدامع يُملي عَنْ موطأ مالِكِ ¬

_ (¬1) في (أ): "جود"، تحريف. (¬2) في (أ): "تؤم". (¬3) "منك" ساقطة من (أ). (¬4) في (أ): "مخلدا".

بثغركِ والألحاظِ والخصرِ في الهوى ... لعَمْري لقد ضاقت عليَّ مسالِكي فيا ربَّةَ الخلخالِ والخالِ عَلِّلي ... فؤادَ مَشُوق هائمٍ بجمالِكِ صَبورٍ على حَرِّ الغرامِ ولَيْتَهُ ... يذُوق برَبْعِ الأُنسِ بردَ ظلالكِ أقلُّ هواه أنه عنكِ مُبعَدٌ ... وأقصى مناه لو يمرُّ ببالِكِ ملكتِ فؤادَ الصَّبِّ تِيْهًا فأسْجحي ... وكُفِّي عَنِ الأحشاء سيفَ قتالِكِ فكم فوقَّتْ عيناكِ سهمًا فغادرت ... ليوثَ الشَّرى صرعى برَشقِ نِبَالِكِ وكم غرَّني مِنْ درِّ ثَغْرِكِ مطلبٌ ... فشمت مِنَ الألحاظِ أيّ مهالِكِ بَنَيْتِ على كسرٍ فؤاديَ والحشا ... وأعربتِ عَنْ هجرٍ بطولِ ملالِكِ فبالخدِّ تسهيلٌ وفي الطَّرف لمحَةٌ ... تُعرِّف يا أسماء بعضَ فَعالِكِ وشاعرُ درِّ الثَّغر نظمُ مليحةٍ ... بها القلب صادٍ لارتشافِ زُلالِكِ قفي زوِّدي المُشتاقَ منكِ بنظرةٍ ... فقد حال حالي قبلَ يومِ ارتحالِكِ وكان نهاري من مُحياك مُشرقًا ... فأظلَمَ يا شمسَ الضُّحى بزوالِكِ تنقَّلتِ مِنْ طرف لقلبٍ (¬1) فأشرقت ... كواكبُ سَعْدِي في بُروجِ انتقالِكِ وسِرْتِ بليلٍ مِنْ شُعورك مُسْبَلٍ ... فنَمَّ (¬2) بنشرِ المِسْكِ عنبرُ خالِكِ ورقَّ هلالُ الأفق في الجو (¬3) وانحنى ... خضوعًا إلى تقبيلِ تُرْبِ نِعَالِكِ ولاحت لبدرِ التَّمِّ منكِ التفاتَةٌ ... فأضحت عليه لَمعةٌ مِنْ جلالِكِ كأن مُحَيَّاه البديعُ سنا جَبيْـ ... ـنِ قاضي قُضاة العصرِ حَبْرِ الممالِكِ شهابُ علومٍ إن تسامى فأصلُه ... عليٌّ به يا نفسُ عِزُّ مَنالِكِ لطلعته تعنو (¬4) البدورُ وتقتدي ... بهدْي سناه في اللَّيالي الحوالِكِ ¬

_ (¬1) في (ب): "القلب". (¬2) في (ط): "فتمَّ"، تحريف. (¬3) في (ب، ط): "الجود في الأفق". (¬4) في (أ): "تعفو"، تحريف.

إلى حجر يُنْمَى وفي حرمِ المُنى ... رواحلُ وفْدِ العلمِ حطَّ رحالِكِ تحجُّ بنو الآدابِ كعبةَ فضلِه ... وتقصِدُه الطُّلابُ قَصدَ المناسِكِ إمامٌ وفي فقه الإِمام فحُجَّةٌ ... قديمُ مَعَالٍ واضحاتِ المسالِكِ مشارقُ أنوارِ الحديث له شِفَا ... وعمدتُه عند اختلافِ المداركِ بحضرته نعمانُ روضٍ وأحمدٌ ... غدا شافعي إذ كان في الأصل مالكي له قدمٌ أندَى مِنَ الغيث إن هَمَى ... وأزهَرُ مِنْ زهر الرُّبا المتضاحِكِ يُطيلُ لباريه القيامَ نهارَه ... ويسجد في ليل مِنَ النِّقس حالِكِ فقُلْ لسيوف الهندِ إن تتنصّلي ... إليه فكم جاوزتِ حدَّ نصالكِ وأنتِ رماحَ الخَطّ لا تتطاولي ... فقد قَدَّ قِدْمًا مُشْرَعاتِ طوالِكِ وإن زوَّرَتْ عطفاك عدلَ قِوَامِه ... ومِلْتِ قضى قاضي العُلا باعتقالِكِ أسيدَنا قاضي القُضاة ومَنْ له ... مجالسُ خُفَّت في الملا بالملائكِ ويا حافظَ الإِسلام من كيدِ فاتكٍ ... بسُنَّتِه الغَرَّا ومِنْ زيغ آفِكِ رفعتَ منارَ العلمِ بالجامع الذي ... شرحتَ لتَهْدي مِنْ ضلالِ المهَالِكِ وأيّدكَ الباري بفتحِ فلم تَدَعْ ... طريقًا لأبواب الهُدى غيرَ سَالِكِ وفي مُحْكَم التَّنزيل أوتيتَ آيةَ ... فأنتَ بها كشافُ ليلِ المعاركِ ورُضْتَ جِمَعَ النَّحوِ حتَّى ملكته ... وأصبحتَ فيه مالكًا وابنَ مالكِ وشاركتَ كلَّ النَّاس في جُلِّ فنِّهم ... وليس لكم في فنِّكُم مِنْ مشارِكِ وأنتَ لسانُ الدَّهرِ حقًا، فلا سوى ... حديثِك يُروى في ثُغور الممالك لكَ اللَّه من قاضٍ سريٍّ مهذَّبٍ ... مُهِيبٍ وَهُوبٍ زائدِ البِشْرِ ضاحكِ حيِيٍّ أبيٍّ زاهدٍ متعفِّفٍ ... بهيٍّ وضيءٍ لازمِ الصَّمتِ ناسكِ إلى العدل والإحسان والخيرِ جَانِح ... وللظُّلم والعُدوان والشرَّ تاركِ يَزِين الحُلَى بالحِلْمِ فضلًا ورأفةً ... ويفتِكُ بالخصمِ الألدِّ المُماحِكِ وكم هزَّ أعوادَ المنابر وعظُه ... فأحيا فؤادَ الهالِك المتهالِكِ

به الفضلُ يحيى والرَّبيع وجعفرٌ ... فخذ عنه أخبارَ الكرامِ البَرَامِكِ فيا للسَّجايا الغُرِّ دعوةُ وامقٍ ... محبٍّ صدوقٍ مخلصٍ في ولائكِ لبيتِك قد وافَى مريدًا فأسعفي ... نزيلَكِ يا خيم الكرام ودارِكِ ويا دولةً في باطن الأمر أخلصت ... لظاهرِها يهنيكِ نيلُ مرامِكِ كسرتِ الأعادي وانتصبتِ لخفضِهم ... بفتحٍ مُبينٍ فيه رفعُ لوائكِ وحافظُ هَدْي (¬1) المصطفى لك حافظٌ ... وشيخُ شيوخِ العصرِ شيخُ رجالِكِ أدام إلهُ العرش عزَّك للورى ... وأسبغ في الأكوان سِتْرَ ظلالكِ (¬2) ولا زال في علياء أفْقِ سُعودهِ ... شهابُكِ مقرونًا ببدرِ كمالكِ ومنه، ونقلته مِنْ خطِّه أيضًا: رُدِّي المنامَ لطرفِ المدنَف الباكِي ... لعلَّه في الكبرى يحظى برُؤياكِ يا كعبةَ الحُسْنِ يا ذاتَ المنازل يا ... ربيبةَ الحِجْر ما أبهى مُحَيَّاكِ سُبحان مَنْ قد أماطَ الحُجْبَ عنك لنا ... وجلّ مَنْ بجميل الستر غطَّاك إن كنتِ فتنة ألْباب وأفتدةٍ ... فأنتِ قِبْلَة عُبَّادٍ ونُسَّاكِ يودُّ شوقًا كليمُ الوَجْدِ بعدَك لو ... يكونُ من فوق طُولِ الوصل ناجَاكِ ولو دعوتِ مشوقًا ماتَ فيك أسًى ... من تحت تُرْب أديمِ الصَّخر لبَّاكِ يا مالكيَّة (¬3) عُذري في محبَّتِها ... موطَّأ، فعلامَ الغيرُ يَلْحاكِ وشافِعيَّةَ حُسن قُلَّدت بِدِمَا ... عُشاقِها مَنْ بقتلِ الصَّبِّ أفتاكِ سَرى خيالُكِ في جَفْنٍ يفيض بُكا ... سبحان مَنْ مِنْ (¬4) بحارِ الْيَمِّ نجَّاكِ ¬

_ (¬1) في (أ): "هذا"، تحريف. (¬2) هذا البيت ساقط من (ط). (¬3) في (أ): "يا مالك"، خطأ. (¬4) "من" ساقطة من (ب).

وترجَمَ الوَجْدُ ذَرى الدَّمع منه فما ... أذراك يا سُحْبَ أجفاني وأدراكي يَحْكيْنيَ الخصرُ أو أحكيه في عدمٍ ... سُقمًا فيا ليتَ شعري أيُّنا الحاكي وأجتلي في صَفَا خدَّيْكِ دُرَّ مدَا ... معِي فيحسب طرفي طرفَك الباكي واحرَّ قلباهُ مِنْ نارِ الخُدود ويا ... شوقًا لبرد رُضَابٍ مِنْ ثناياكِ في فِيْك ماءُ حياةٍ لو بُعثْتِ به ... صِرفًا لأحييتِ يومَ البعثِ موتاكِ وفي الشِّفاهِ شِفَاءٌ كم وَعَدْت به ... صبًّا وأخلفتِ حتَّى ملَّ ضُعفاكِ فهات خدَّكِ كي نقضي وُعُودَ فتى ... إن رمتِ حُسْن وفاء منه أوفَاكِ لا رمتُ عنكِ سُلوًّا يا مراشِفَها ... وكيفَ أنساكِ يا درِّي وأسْلَاكِ وإنْ تركتُ هوى دنيا وجنَّتِهَا ... عدمتُ دنياك يا روحي وأُخراكِ ويا مليكةَ عصرِ الحسنِ لحظُك لي ... سَبَا وبالسَّيف في العُشَّاق ولَّاكِ لك "النجاشيُّ" خالٌ والجفون حمتْ ... نعمانَ خدٍّ بأزْرِ المُلْكِ حيَّاكِ حُزتِ الخلافةَ لمَّا أن نَشَرْتِ لِوَا ... ءَ شَعرٍ ومنشورها بالسَّعد وافاكِ وسرتُ في جيشك المنصور معتضدًا ... مِنْ ناظرَيْكِ بسفَّاح وسفَّاكِ ومُذْ سَريتُ بليل الشَّعر في غَسَق ... حمدتُ عند صباحِ الثَّغر مَسْراكِ وجُلتُ بالطَّرف في بدْوٍ وفي حَضَرٍ ... فأكثرَ اللَّه في الأحياء قتلاكِ وكم شرطتِ بسيفِ اللَّحظِ قلبَ شجٍ ... بالحبِّ بعد أداة الشَّرط جازاكِ فراقبي (¬1) اللَّهَ في قتلِ العِبادِ ولا ... تُصْمِي الفُؤادَ فإنَّا مِنْ رعاياكِ يا ليتَ سيفَ لحاظٍ منك قابَلَنا ... بالصَّفحِ أو قَلَّ عن أحشاء مُضناكِ أو ليتَ عدلَ قوامٍ لم (¬2) يُمِلْهُ هوى ... للطَّعن بالشَّك في تجريحِ مرضاكِ أو ليتَ أشراكَ صُدغٍ لم يَصِدْ كلفًا ... بحبَّة الخالِ أضحى بعضَ أسْراك ¬

_ (¬1) في (أ): "فراقب". (¬2) "لم" ساقطة من (أ).

أو ليتَ خصْرَك لو أعدى برقَّتِه ... قلبًا لأعْدَايَ قَدْ وَالى وأعداكِ إن كنتِ أزمعتِ هجرًا أو صددت قِلًا ... فموقف الحشر تلقانا ونلقاكِ أو رمتِ يا نفسُ منها مخلصًا فإلي ... قاضي القُضاة ملاذِ الخَلْقِ ملجاكِ حامِي الحقيقةِ كهفُ العلم حاملُ أعـ ... ـباء الشَّريعةِ مولانا ومولاكِ وحافظُ العصر والإِسلام مِنْ لدَدٍ ... خصمٍ ومِنْ مُلحدٍ في الدِّين أفَّاكِ أحكامُه وقضاياه منفَّذةٌ ... وعدلُه منصف المشكوِّ والشَّاكي حُجّي لبيتِ نَداه الجمِّ واسْتَلِمِي ... رُكنًا يَطيبُ به في الحجِّ مسعاكِ وقَبِّلي مِنْ ذُرى عليائه حجرًا ... إلى مِنى عرفاتِ الفضلِ نَاداكِ زوري حِماهُ وإن وافيتِ حضرتَه ... يا حبَّذا وجِنَان الخُلدِ مأواكِ وخيِّمي بفنا وادي قُراهُ فكم ... تَبَرَّكَتْ بفنَا الوادي مطاياكِ ولا تمُدِّي يدَ التَّسآل والْتَمِسي ... منه غنًى قبل أن تمتدَّ كفاكِ إنْ رُمتِ منه نوالًا أو طلبْتِ رضًا ... حبَاك مِنْ فيضِ نَعماهُ وأرضاكِ أو سُمْتِ أسنى مقامٍ تَرتَقين به ... إلى العُلا في سماء العزِّ رقاكِ وإن شكوتِ ليُمْنَى راحتيه أذَى ... بُؤْسٍ أزالَ بحمدِ اللَّه شكواكِ وإن حُرِمتِ زمانًا مِنْ جَدَاهُ فقد ... أولاكِ أضعافَه فضلًا ووَالاكِ وإنْ تعطَّشْتِ يومًا للرواية عن ... حديثِ بحرِ نداهُ الجمِّ روَّاكِ وإن أردتِ علومًا تحْمَدين بها ... شرعًا ويحسُنُ في الدَّارين مثواكِ أعطاك من "فتح باريه" كُنوزَ هدًى ... تعمُّ كلَّ دمشقيٍّ وأنطاكِي يا أيُّها العالمُ الحَبْر الهمام (¬1) ومَنْ ... له بأوج المعالي أيُّ إدراكِ يا شيخَ الإِسلام يا مَنْ طابَ عنصُره ... أصلًا وزانَ خلاه فرعُه الزَّاكي حلَّيتَ ثغرَ المعاني بارتشاف لمَى ... عروس أفراحِه مِنْ دُرِّ أسلاكِ ¬

_ (¬1) في (أ): "الإمام"، وكذا كانت في (ح)، ثم عُدِّلت.

وكم فتحتَ لتلخيص البراعةِ من ... بابٍ، فأغنيت عَنْ "مفتاح" سَكَّاكي بمنطقٍ وبراعاتٍ مطالعُها ... شمسيةٌ أشرقت مِنْ قطب أفلاكِ (¬1) وبحرُ فقهِكَ ضاهته السَّما فغَدا ... يُحَفُّ كل بأفلاك وأملاكِ للَّه درُّك ما أوفاك من عَضدٍ ... عانٍ بجُلِّ أصول الفقه دَرَّاكِ شادَ الذُّرى وبنى للمجدِ بيتَ عُلًا ... فلم يَدَعْ من مَعَالٍ قِيدَ مِدْماكِ عَدُوُّه منه في أمنٍ وكم حذِرت ... أموالُه خوفَ إتلافٍ وإهلاكِ يميلُ غصن النَّقا شوقًا لعطفِك يا ... أقلامَه ورماح الخطِّ تخشاكِ سَلسِلْ أحاديثَ بشرٍ عن عطاهُ وعَنْ ... معروفه لابن بسَّامٍ وضحَّاكِ إنْ أمسَك النِّيلُ يومًا عَنْ أصابعه ... فكفُّهُ بالعطايا غير مسَّاكِ يا نسمَةً ليَ أهدت في الثنا خبَرًا ... يُعزَى لأنفاسه ما كان إذ ذاكِ مِنْ حيِّ نعمانَ أم من عسقلانَ سرت ... أم من شذا نفحةِ "الفِردوسِ" رَيَّاكِ ويا جواريَ جُودٍ من عوائده ... على البريَّةِ باسم اللَّه مجراكِ ويا براعة إنشاءٍ يُحبِّرُها ... يَراعُه جلَّ مَنْ باللُّطف أنشَاكِ ويا فُروع أصولٍ منه دانيةٌ ... ظلالُها في البرايا طابَ مجناكِ ويا مواتَ عُلومٍ لو عُرِضْتِ على ... أفكاره في نهار العرضِ أحياكِ ويا أسانيدَ أخبارٍ بجوهرها ... ما كان أعلاك بل ما كان أغلاكِ ويا درَارِي اضْمحلِّي بالشِّهاب، فقد ... مَحَا سَنَا ابنِ عليٍّ حُسنَ مرآكِ ويا أماليَ مالي لا أهيمُ وقد ... طربتُ عند سماعي وصفَ مغْناكِ رشفتُ كأسَ سُلافٍ من حلاك وما ... لثمتُ ثغرَ عَذولي حين سمَّاكِ لا زال غيثُكِ سحَّابًا أيادِيَه ... وفيضُ يمناك مقرونًا بيُسراكِ هَمَتْ أصابعُ نَيْلِ منكِ منعِمة ... على الورى، فأدام اللَّه نُعماكِ ¬

_ (¬1) في (ب): "أملاك".

ولا برحتُ بأرزاقِ الورى ديمًا (¬1) ... تجري وفي كلِّ عامٍ لا عَدِمْنَاكِ ومنه ما نقلته من خطه أيضًا: ذاب المشوقُ أسًى ممَّا يقاسيه ... فراقبي اللَّه يا شمسَ الضُّحى فيهِ يا ربَّةَ الخَالِ يا ذاتَ الحِجَال ويا ... ربيبةَ القلب يا أقصى أمانيهِ هلَّا رعيتِ رَعاكِ اللَّه عهدَ فتى ... مُضنَى الفؤادِ قريحَ الجَفْنِ باكيهِ يشكو إلى اللَّه ما أضحى يكابدُه ... مِنَ الغرام وما أمسى يُلاقِيهِ رُدِّي عليه منامًا كان يعهدُه ... لعلَّ طيفَ خيالٍ منك يأتيهِ وعلِّلِيه بجيران النَّقا فعسى ... يشفي غليل فؤادي مِنْ تلظِّيهِ قلبٌ تمزَّق مِنْ بعد، فهل لكِ أن ... تُعامليه بتقريبٍ وترقيهِ واهًا لمضطرِبِ الأحْشا بجَمرِ غَضًا ... لو أنَّ ماء دموعِ العين يُطفيهِ ما زال مِسعرُ قلبي مِنْ طريق أبي الزِّ ... ناد عَنْ واقديِّ الخدِّ يَرويهِ وسَلْسَل الدمعُ أخبار الغرامِ، فقُل ... ما شئتَ في ابنِ معينٍ أو أماليهِ صبٌّ تفقَّه في شرع الهوى فَغَدا ... إمامَ مذهب أهلِ الحُبِّ مُفتِيهِ في كلِّ يوم له درس يطالعُه ... في صفحةِ الهجر بالذِّكرى ويُلقيهِ ما بينَ أقوالِ عُذَّالِ تحذِّرهُ ... مِنَ الغرام ووجدِ فيك يُغْريهِ تصرَّفَتْ فيه أيدي الحُسنِ واحتكمت ... فالجفنُ آمِرُه واللَّحظُ ناهِيهِ وكم جرت بين وصفيه مناظَرَةٌ ... فالحبُّ يُثبته والسُّقْمُ يَنْفيهِ وكاتبُ الدَّمع يُنشي فوقَ وَجْنَته ... رسائلَ الوَجْدِ والأشجانُ تُمليهِ يا ظاعنين وقد أبلى الهوى جسدي ... والشوقُ يلعب بالمُضنَى ويَبريهِ عُوجوا على مُستهامِ القلبِ ذي شجنٍ ... يُطيعُه السُّهدُ والسُّلوان يعصيهِ وراقبوا اللَّه في هُجران مكتئبٍ ... في عُنفوان الصِّبا شابت نواصيهِ ¬

_ (¬1) "ديمًا" ساقطة من (ب).

لا تسألوا في الهوى عَنْ فيض مَدمَعِه ... فما جرى منه يومَ البَيْنِ يَكفيهِ أودعتمو سمْعَه (¬1) دُرَّ الحديث وقد ... بِنْتُم، ففاض عقيقًا من مآقِيهِ أقولُ والقلبُ قد أشْفَى على تلفٍ ... ظُلمًا وقد كُتِبَتْ فيه فَتَاوِيهِ يا حاكمَ الحُب رفقًا بالفؤاد وسَلْ ... من مَدمعي وخُذِ الْمَا مِنْ مجاريهِ ما بال مَنْ لم أُنَوِّهُ بالسُّلُوِّ لها ... ترومُ قتلي بإظهارٍ وتنويهِ وما لظبيةِ أُنسي وهي نافرةٌ ... ترعى حُشاشَة قلبٍ لا تُراعِيهِ في لمحة الطَّرف تَرمي قلبَ عاشِقها ... عَنْ قوس حاجبها عمدًا فَتَسْبيهِ ما جردتْ سيفَ سحر مِنْ لواحظها ... إلا تذكَّرَ عهدًا مِنْ مواضيهِ ولا ثَنَتْ في رداء (¬2) الشّعر قامتها ... إلا حسِبْنا النَّقا عادت لياليهِ يا والهًا بتَوالي العَذْل عنَّفني ... فيها، فأضنى فؤادي في تواليهِ شوَّهتَ نطقَكَ إذ برَّحت بي، فلَكَمْ ... تَقلَّى حشاي بتبريحٍ وتشويهِ إن أوْرَثَ الجفنُ جسمي في محبتها ... سُقمًا، فما لبيانِ الثَّغر يَشفيهِ أو ضلَّ في ليل شَعرٍ (¬3) مِنْ ذوائبِها ... فهديُ قاضي قُضاة العصر يَهديهِ العالمُ العاملُ الحَبر الإِمام ومَنْ ... جاز النِّهايةَ علمًا في مباديهِ حامي الكتيبة ميمون النَّقيبة محمـ ... ـود الضَّريبة فرد في معاليهِ شهاب علمٍ رَقَى أوْجَ العُلا فجَلَا ... غياهِبَ الشَّكِّ وانجابت دياجيهِ حليفُ مجدٍ عليُّ الجَدِّ خِدنُ ندًى ... مكرَّمُ الأصل زاكي الفرعِ نامِيهِ أغَرُّ وضاحُ وجهِ نورُ غُرّتِه ... مقدمٌ وضياءُ البدرِ تاليهِ ذُو منطقٍ ببديعِ القولِ مكتمل ... يُريك كلَّ بيان في معانيهِ تجانست فيه أوصافٌ مطابقةٌ ... فالعلمُ يرفعه والحِلْمُ يُدنيهِ ¬

_ (¬1) في (أ): "سهمه"، تحريف. (¬2) في (أ): "ولا ثبت في ذُرى"، تحريف. (¬3) في (أ): "شعري".

مهذَّبٌ روضهُ التَّحقيقُ بحرُ ندًى ... بسيطُ علمٍ وجيزُ اللَّفظِ حاويهِ تتمَّةُ الفضلِ في منهاج عُدَّتِه ... إبانةٌ أعربت عَنْ حسن تنبيهِ برٌّ جوادٌ كَبَتْ عنه الفحولُ فما ... في حَلْبَةِ السَّبق أصلًا مَنْ يُجاريهِ ماضي الشَّكيمة لا يَثْنَي أعِنَّتَه ... جاهٌ ولا عَنْ طريقِ الحقِّ يَلويهِ بل كلُّ ما يُسخِطُ الرَّحمنَ يُسخِطُه ... حتمًا، وما كان يرضي اللَّهَ يُرضيهِ وما تَردَّد فيه قال: إن يَكُ مِنْ ... عند الإله حقيقًا، فهو يُمضيهِ كم أمَّ ركبَ حِمَى علياهُ فانْبَعثت ... له بَواديه إذ حلت بِوَاديهِ وشاسع الدار (¬1) قد شطَّ المزار به ... أضحى رجاه يناديه بناديهِ يا كعبةَ الفضلِ يا مَنْ لم أزل أبدًا ... أسعى إليه وأشواقي تلبِّيهِ ومَنْ تجرَّد فيه قصدُ طالبه ... فالعزمُ قائدُه والحزمُ حاديهِ في منحناه ضُلُوعي حرُّ نارِ غَضًا ... بالبَيْن في جمرات القلبِ يَرميهِ لا تخشَ بيتَ فُؤادٍ أنتَ مالكُه ... ضيمًا فللبيت ربٌّ سوف يَحمِيهِ وما خلا عنك قلبٌ أنتَ ساكنُه ... و"صاحبُ البيت أدرى بالَّذي فيهِ" ما شرَّفَ اللَّه مِنْ بيت النُّهى حَجرًا ... إلا لسِرٍّ قديمٍ مُودَعٍ فيهِ إذ أنبعَ اللَّه عينًا منه فانبجست ... على مواتِ رُسُومِ العلمِ تُحييهِ ففيَّأ الخلقَ ظلًّا من مَراحِمِه ... وطبَّقَ الأرضَ علما مِنْ فتاويهِ بحرٌ رأينا الوفَا مِنْ راحتَيه فما ... أصابع النِّيل إن جادت أياديهِ إنْ يُحمَدُ البحرُ إذ يروي البقاع فحبـ ... ـرُ العلمِ أحمدُ كَمْ أمسى يُروِّيهِ والبحر تروى خَلَا فيه الرِّعاء وذا ... عَذْبُ النَّمير بكفيه حَلَا فِيهِ علا مَحلًّا وإسنادًا (¬2) وتسميةً ... ومَحْتِدًا ليس فيها منْ يدانيهِ ¬

_ (¬1) في (ب): "وسامع الدر"، تحريف. (¬2) في (أ): "أسماعًا".

فانهضْ إليه وحدِّث عنه واسمُ به ... وغالِ فيه تَنَلْ أقصى عواليه وانبذ "أماليَ" قالٍ بالعراق وخُذْ ... عَنْ عسقلانيِّ مصر في "أماليهِ" حِماه أفقٌ لعلياه وحضرتُه ... روضٌ يَفِيض ندى كفَّيْهِ يسقيهِ جرى على الطِّرْسِ مِنْ رَيْحانِه قلمٌ ... زاهٍ رقيقُ الحواشي جلَّ منشيهِ إذا انبرى لمباراة الغيوث ندى ... فالكوثر العَذْبُ جودًا لا يباريهِ كم مِنْ علوم حبانا اللَّه منه وكم ... رِزْقٍ على يده الخَلَّاق يُجريهِ لا تخشَ قطٌّ نفادًا فهو يُمْدَدُ مِنْ ... غيبٍ وإنفاقُه مِنْ "فتح باريهِ" يا شيخَ الإِسلام يا رُوحَ الأنام ومَن ... دُرُّ النِّظام تَحلَّى باسمه فِيهِ جاريتُ في وصف علياك الفُحُولَ إذا ... ما راحَ ذِكرُكَ في سِرِّي أناجيهِ إذا أشاهد مغناكم فأودِعُ ما ... منكم أعايِنُه فيما أعانيهِ من كل بيت إذا ما رحتُ أنشِدُه ... مَنْ ذا يوازنه مَنْ ذا يُوازيهِ شنَّفْتُ بالدُّرِّ (¬1) أسماعَ القريضِ ولا ... سيَّما إذا رُحْتُ عَنْ علياكَ أرْوِيهِ وكلَّما صُغْتُ معنى في البديع فمِنْ ... بسيطِ بحرِ نَداك الجمِّ أمليهِ كم شاعرٍ بالمعاني لا شُعورَ له ... أعيت قَوافيه إذ خان القُوى فيهِ أضحى يزَخْرِفُ أقوالًا مزيَّفةً ... لبَهْرجِ النَّقدِ فيها أيُّ تَمويهِ وكم أديبٍ له في النَّظمِ تورَيةٌ ... عنها تَوارى وما أجدى (¬2) تَواريهِ رامَ التَّشبُّه في توجيه ذاك ولم ... يشعُرْ بإبداع تشبيهٍ وتوجيهِ لا زلتَ في دُوَلِ الإِسلام محتكما ... بسيفِ شرعٍ صقيلِ الحدِّ ماضيهِ ولا برحتَ شهابَ العلم يَقْدُمُهُ ... بدرُ السَّعادة في أعلى مراقيهِ اللَّه يكلؤه، اللَّه يحرسه ... اللَّه يحفظه، اللَّه يُبقيهِ ¬

_ (¬1) في (ط): "بالرد"، تحريف. (¬2) في (أ): "أجرى"، تحريف.

[ابن المصري]

ومنه ما كتبه النواجي يهنئه ببعض الأعياد قوله: ليَهْنَ بك العيدُ الذي تم سعده ... ونال بكم يا شيخَ الاسلامِ إسْعَادَهْ وعوَّدتنا فيه الضَّحايا فأجْزِنَا ... بفيضِ نَداكَ الجمِّ منك على العَادة وقوله: لئن طوَّلتَ في الإحسان جدًّا ... فقد طابقتُ إذ قصَّرتُ مدحَا وأصبح معلنًا لك بالتَّهاني ... لسانُ العَبْدِ في فِطْرٍ وأضحى [ابن المصري] ومنهم: [أحد مَنْ كتب إليَّ بالإجازة] (¬1) الشيخ شمس الدين محمد بن الخضر ابن المصري، كما سيأتي في الأسئلة المنظومة مِنَ الباب السادس. وكذا قاضي صفَد محمد بن عبد الرحمن. ورأيت لابن المصري أسئلة نثرية صدَّرها بقوله: يا طالبًا علم الحديث وسالكًا ... طُرُقَ الهدى بتتبُّع الآثارِ إن رُمتَ كشفَ غوامضٍ فيه أتت ... مرَّتْ عليها بُرْهةُ الأعصارِ إلزمْ إمامًا حافظًا لمتونِه ... وفنونه ورجاله الأخيارِ قاضي القُضاة وعالمَ العصر الذي ... فاقَ الأنامَ بفضله المِدْرارِ تلقى إليه جميعَ ما فيه الهدى ... مِنْ سُنَّةِ الهادي النبي المختارِ ثمَّ ذكر أسئلته. [شمس الدين الطنتدائي] ومنهم: الشيخ شمس الدين محمد بن زين بن محمد بن زين [بن ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وأضافها المصنف في هامش (ح).

محمد بن زين] (¬1) الطَّنتدائي الأصل، ثم النِّحريري الشافعي المقرىء الأصمّ، الشاعر المشهور بمديح النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصاحب الأحوال والكرامات. مدحه بقصيدة (¬2) سماها "نظم الدرر في مدح ملك العلماء ابن حجر" وهي: إذا كان خصمي في المحبَّة حَاكِمي (¬3) ... فمَنْ ذا له أشكو وجوه (¬4) مظالِمي وما حالُ مَنْ يشكو أذاهُ لخصمه ... ولا سيما خصمٌ يُرى غيرَ راحمِ وكم واحد آذاهُ في الحُكْمِ حاكمٌ ... وألزمه ما لم يَجِدْه بلازمِ وإنِّي لمظلومٌ ولم ألْقَ حاكمًا ... يخلِّصني مِنْ ظلمِ مَنْ هو وظالِمي بأبوابِ أهلِ الظُّلم أصبحتُ قائمًا ... ومِنْ طولِ ما قد قمتُ كلَّت قوائمي وما نلتُ شيئًا غيرَ إتعابِ مُهجَةٍ ... وموجود وجد (¬5) وانتكادٍ ملازمِ ولو أنني ألقى مِنَ النَّاس واحدًا ... يساعدُني في الخيرِ عزَّت عزائمي فلم ألقَ إلا شامتًا بمصيبةٍ ... ومَن وعدُه أضغاث أحلامِ نائمِ به إن خبأتُ السِّرِّ مستودِعًا له ... وقلت له: اكتُمْ، لم أجِدْه بكاتِمِ بليس فلا توقع صلاحا على امرىءٍ ... ولو أنَّه يدعى دوامًا بصائمِ وكم مِنْ ذئابٍ بالثِّيابِ تستَّرت ... وكم مِنْ أفاع سُتِّرَت بالعمائمِ وما نهسة الأفعاء إلا عظيمةٌ ... وما جلدُها في اللَّمس إلا بناعِمِ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) قال المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 7/ 246: وامتدح شيخنا بما أودته في "الجواهر". قال: ولا يتحامى الألفاظ المطروقة على ألسة العامّة، بل ربما رقع في شعره اللَّحن. قلت: وقد وقع شيء منه في هذه القصيدة. (¬3) في (أ): "حاكم". (¬4) في (ب): "وجود". (¬5) في (أ): "وجه".

ينادي قُبَيْلَ النوم: (¬1) هَلْ مِنْ مُصاحب ... على طاعةٍ واليوم هل من مخاصمِ وكم من طباعٍ (¬2) في الرجال رديَّةٍ ... مشبَّهةٍ فيهم بما في البهائمِ على عُزلةٍ إن كنت تقدِرُ فاعتزل ... وليس عليك العَتْبُ من لَوْمِ لائمِ وهل نظرَتْ عيناك مَنْ عاشرَ الورى ... وفي عِشْرَةٍ منهم (¬3) تراه بسالمِ يجرُّك مَنْ تعني صحابتُه إلى ... هوى نفسه جرًّا لفعلِ المحارمِ وإن لم توافقه على قُبح فِعْلِه ... يَرى فيك وقَّاعًا بشَينِ المشاتِمِ فلا خير يومًا في صَحابَةِ أرْعَنٍ ... يَرى أنَّه في الإثمِ ليس بآثِمِ وليس لذي عقل يصاحب واحدًا ... تراه يَرى استحلالَ فعلِ المآثمِ فإن كنت معذورًا لصحبة واحد ... فسل عَنْ تقيٍّ صادقِ القولِ عالِمِ فصاحبُ أهلِ العلمِ خيرُ مصاحبٍ ... وخادمهم لا شكَّ أفضلُ خادمِ وإنَّ اقتناء العلمِ أحسنُ للفتى ... مِنَ الذَّهب التِّبْريِّ وكنزِ الدَّراهمِ وأعلمُ أهلِ العلمِ في عصرنا الذي ... بمصر ترى قاضي قضاةٍ صوارمِ ألَا إنَّه المبرور في العصر بالذَّكا ... وليس له فيه يُرى مِنْ مزاحمِ وأعني شهابَ الدين وهو بنسبةٍ ... إلى حجرٍ أبهى صنوف كرائمِ فليس له في العصرِ يومًا بمشبه ... وليس له فيه يُرى مِنْ مقاومِ ألا إنه قاضي القُضاة وإنَّه ... لأهلٌ لها إذ كان أعلمَ عالِمِ عنايةُ ربِّ المُلْكِ قد حصلَتْ له ... وصارَ له فيها وجودُ التَّداوُمِ فأصبحَ يدعى بالعناية صارمًا ... وما هو إلا خير مُدْعَي (¬4) بصارمِ تمكَّن في علمٍ وفهمٍ وفِطْنَةٍ ... وعزمٍ وحزمٍ واعتبارٍ ملازمِ ¬

_ (¬1) في (أ): "اليوم". (¬2) في (أ): "ضباع"، تحريف. (¬3) في (أ): "منه". (¬4) كذا في الأصول، والصواب "مدعو".

فلا تَقِسَنْهُ في الزَّمان بغيره ... فليس له فيه (¬1) يُرى من مُساومِ له خيرُ منهاج يُعدُّ محرَّرًا ... ومفهومه تنبيه مُدعَى بنائِمِ فما هو إلا روضةٌ طابَ فيؤُها ... لها خيرُ ثغرٍ مستدامٍ بباسمِ وأحيا عُلومَ الدِّين في عصره وقد ... بدا شاملًا بحرًا لمُدعَى بعائمِ وما هو إلا خيرُ تالٍ وقارىء ... وللنَّثرِ والأشعارِ أنْظَمُ ناظمِ وألفاظُه في الدرسِ درٌّ منظَّمٌ ... تفوف بتزيينٍ سوارَ المعاصمِ له أسند التصريف في كلِّ كائنٍ ... ولم يَكُ محتاجًا لفعلِ الجوازمِ ويعطي دوامًا مَنْ أتاه بسائلٍ ... وأصبحَ مشهورًا بفعلِ المكارمِ ألا إنَّه في العلمِ أعلمُ عالمٍ ... ألا إنَّه في الحكم أحكمُ حاكمِ ونال مِنَ الخلَّاق خيرَ فِراسةٍ ... تميَّز بها في حصادٍ (¬2) وقائمِ يقدم في النّياب مَنْ صحَّ دينُه ... ولم يخْشَ في التَّقديم لومةَ لائمِ ومنه أتانا خيرُ قاضٍ وحاكمٍ ... نقيٌّ تقيٌّ صارم خير صارمِ فبان به للبحر ثَرَّة فرحةٍ ... وحلَّ سرورٌ مِنْ زوالِ المظالمِ رأينا له في الحكم أحسنَ سيرةٍ ... ورفق ومفهوم وخير ملازم أبوه وليُّ اللَّه قاضي محلِّه ... موفَّقُ دينِ اللَّه كنزُ المغانِمِ على نجله بالدين قد أثبت الورى ... فحلَّ بإقدامٍ صلاح تقادمِ ونحنُ مِنَ الخلَّاق نرجو بقاءه ... ونطلبُ هذا مِنْ كريمٍ وراحمِ ألا يا شهابَ الدِّين قاضي قُضاتِنا ... ومَنْ شيّعَ في الدُّنيا بخيرِ التقادمِ أدمه لنا (¬3) واغنم دعاءً لصالحٍ ... فإنَّ دُعا الصُّلَّاحِ خيرُ المغانمِ ¬

_ (¬1) "فيه" ساقطة من (ب). (¬2) كذا في الأصول، وصوابه "حصيد". (¬3) في الأصول: "أدمه بنا".

[قطب الدين المكي]

فواللَّه لا تُبْدِلْهُ عنا بغيره (¬1) ... وللأجرِ حاشا أن تُعَدَّ بعادمِ كفاكَ إلَهُ الملك شرَّ شماتةٍ ... وأُعطيتَ نصرًا في قعودٍ وقائمِ ونختِمُها بالمدح في خيرِ مُرْسَلٍ ... محمَّدٍ المختارِ مِنْ نسلِ هاشمِ هو السَّيدُ المُدْعَى (¬2) بنورٍ ورحمةٍ ... وأكرَمُ مبعوث بوحي وخاتمِ وسيلةُ نوحٍ والخليلِ ويونُسٍ ... وموسى وعيسى والكرامِ لآدمِ عليه صلاةُ اللَّه ما طار طائرٌ ... ومُيِّز (¬3) يدعى في المطارِ بحائمِ [قطب الدين المكي] ومنهم: القطب أبو الخير محمد بن عبد القوي المكي، شاعرُها. فقال لمَّا أعيدَ صاحبُ الترجمة إلى القضاء في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة ممَّا كتب به إليه، وقد أجازني، وكتبها عنه صاحبُنا النجم بن فهد الهاشمي: أقاضي قُضاةِ المسلمين ومَنْ غَدتْ ... محاسنُه للمكرُماتِ نظامَا لقد سرّني عَودُ الضَّميرِ ولم أزَلْ ... أُسرُّ لكم بالصَّالحات دوامَا وإني لمطبوعٌ على الوُدِّ مخلصٌ ... لكُمْ بولائي بدأةً وخِتَامَا فَدُمْ للهدى بيْتًا يُؤَمُّ ورُحْلةً ... لطلابِ علم قاصدوك نهاما يُرَجُّون إنضاء المطيِّ ليُطْفِؤوا ... ببَرْدِ تلقِّي العلمِ عنك أوَامَا تمنَّى عِنانُ الأعوجيِّ لِمَا رأى ... مِنَ العزِّ فيهم أن يكون خِطَامَا وسُدْ وابقَ ما أهدى المشوقُ تحيةً ... تضوَّعَ مسكًا نشرُها وسلامَا ¬

_ (¬1) في (ط): "لغيره". (¬2) كذا، الأصول، وصوابه "المدعو". (¬3) في (أ): "ومنه"، تحريف.

[شمس الدين الهيثمي]

وقد مضى في هذا الباب (¬1) قوله فيه: أستصغِرُ النَّاس عند رؤيته ... لأنَّه لم يَرَى له مَثَلا [شمس الدين الهيثمي] ومنهم: الشمس أْبو عبد الكريم محمد بن علي [بن محمد] (¬2) بن عبد الكريم الهيثمي، كما سيأتي في الألغاز، [بل وفي الباب الرابع ذكرت بيتًا مِنْ مقطوع عمله عقب عودِ صاحب الترجمة لوظيفته بالمؤيَّديَّة] (¬3)، وكذا مدحه بعدة قطع، أظفر ببعضها إن شاء اللَّه تعالى. وعمل صداقًا لإحدى بناته في أرجوزه أحببتُ إيرادها هنا. أخبرني كريم الدين أبو محمد عبد الكريم بن محمد بن علي بن عبد الكريم الهيثمي قال: ناولني والدي صداقًا منظومًا، عمله لابنة شيخ الإِسلام حين تزوَّجها الشهابُ ابن مكنون (¬4). سمعته من والدي كله أو معظمه (¬5). قلت: وصورته بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]. الحمد للَّه الذي أولى البُشَر ... مَنْ كان عنه راضيًا مِنَ البَشَرْ فاتحِ أبواب الرِّضا لأحمدَا ... مانحِ أسبابِ الهُدى لِمَنْ هدَى سبحانه مِنْ ملكٍ قد أطلعَا ... في فَلَكِ السَّعْدِ شهابًا سطَعا ¬

_ (¬1) ص 328. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). وانظر ترجمته في الضوء اللامع 9/ 17. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) في (أ): "مكتوم"، تحريف. (¬5) في (أ): "بعضه".

أخرجه مِنْ جوهرٍ مكنونِ ... ذا نسبٍ مرتفعٍ ميمونِ (¬1) وزانه بالعلم والإفتاءِ ... وحفَّه باللُّظف في القضاءِ وخصَّه في القول بالتَّسديدِ ... وفي أُمورِ الشرعِ بالتَّشديدِ فأصبح الثَّغرُ به مبتسمًا ... ومدحُ شَملِه به قد نُظمَا وكل ناظرٍ به قد ابتهجْ ... ويفتدي نَدَى الشُّهودِ بالمُهَجْ ورأيه السَّعيدُ ساقه إلى ... بيتٍ أثيلِ المجدِ فخرُه عَلَا أكرِمْ به بيتًا شديدًا ركنُهُ ... وقد أقيمَ في النِّظام وزنُهُ نداهُ كم أحيا لأرضٍ مَيْتِ ... لمجده يُنظم ألفُ بيْتِ كم (¬2) من محبٍّ صادقٍ له انتمَى (¬3) ... فصار بين النَّاس في الأرض سمَا وكيف لا يَعظُمُ قدرُ ذكرِهِ ... وقد حوى أستاذَ أهلِ عصرِه فاللَّه يُحيي مجلسَ الشِّهابِ ... ولم يزل مرتفع الجَنَابِ أحمدُه ما خُطِبَت عَرُوسُ ... حمدًا به تمتَلىءُ الطُّروسُ مصلِّيًا على النبيِّ الهادي ... إلى الرَّشادِ أشرفِ العبادِ خيرِ الورى النَّاطق بالصوابِ ... بقوله "يا معشر الشَّبابِ" صلى عليه اللَّه كل ساعهْ ... مِنْ يومنا هذا ليوم الساعهْ وآله وصحبِه الكرامِ ... والخلفاء السادةِ الأعلامِ ما نُظمت قلائدُ الأفراحِ ... أرجوزة في عُقدة النكاحِ وما انقضت أنكحةُ الوجودِ ... بالمهرِ والوَليِّ والشُّهودِ وبعد، فالنِّكاحُ جاء الأمْرُ به ... في محكمِ الذكر الحكيم فانْتَبهْ وفعلُه حثَّ عليه المصطفَى ... لمستطيعٍ لا يرى تكلُّفا ¬

_ (¬1) هذا البيت ساقط من (ب). (¬2) في (ب، ط): وكم. (¬3) في (ط): "انتهى".

قال ومنا قصدُه التَّناسلُ ... مباهيًا: "تناكَحُوا تناسلُوا" هذا ولمَّا كان ذو الإنصافِ ... أقضى القضاةِ السِّيدُ المَنَافِ العالميُّ الفاضليُّ الأوحدُ ... الحاكمُ المؤيَّدُ المسدَّدُ الكاملُ المعظَّمُ الإمامُ ... ومَن له بالعلما إلمامُ حاوي صفاتِ الفضلِ والإفضالِ ... والكوكبِ الدُّريِّ في الجمالِ مهذبُ القولِ النَّبيهُ المنصفُ ... وفي المهمات له تصرُّفُ خلاصةُ الدَّهر البسيط علمُهُ ... نهايةُ القصد الوجيزُ نظمُهُ شاملُ أهلِ الفقرِ بالإنعامِ ... وبحرُ أهلِ الجُودِ في الإكرامِ أقسمُ باللَّه العظيم البَرِّ ... بأنه زينُ قضاةِ العصرِ سيدنا القاضي شهابُ الدين ... ذو الفضل والتَّحقيق والتَّمكينِ في الحكم والفتوى أبو العباسِ ... العالمُ المقصودُ بينَ النَّاسِ أحمدُ مَنْ يُرجى لنيلِ المطلبِ ... مَنْ أمَّهُ في مقصِدٍ لم يخِبِ ابنُ الإمامِ الفاضلِ الفقيهِ ... البارعِ المحصِّلِ الوجيهِ العالمِ المرحومِ شمس الدِّينِ ... محمَّد ابن المرتضى مكنون الشافعي في الورى مذهبُهُ ... بلَّغه الرَّحمنُ ما يطلبُهُ وزاده في أهله والولدِ ... مَسَرَّةً في يومه وفي غدِ مِنْ مقتفي آثارِ خيرِ الرُّسُلِ ... وسالكي طريقةِ المزمّلِ ورام تزويجًا به يستَتِرُ ... يظهر منه نسلُه المطهرُ لعل أن يَشْرُفَ طولَ الأبدِ ... بقربه مِنَ الجَنابِ الأحمدِ سَعى إلى كعبة أهلِ الحرمِ ... وطافَ حولَ بيتِه المحترمِ ثم أتى رُكْنَ الإمامِ الفَرْدِ ... ومَنْ مقامُه عظيمٌ المجْدِ خيرِ الورى حافظِ أهل العصرِ ... بحرِ النَّدى البَرِّ كثيرِ البِرِّ شيخِ شيوخ السَّادة الصُّوفيَّة ... وناظر الخَانِقَةِ الرُّكْنِيَّهْ

عمدة أهل مصرِه (¬1) والشَّامِ ... في كلِّ علم رُحْلَةُ الأنامِ محط رَحْلِ طالبي العُلومِ ... وجامع المنثورِ والمنظومِ كم شرحتْ شروحه (¬2) صدورًا ... وأظهرت لغيرها مستُورَا بها انْجَلَي عَنِ البُخاري المبهمُ ... وفضله ما شَكَّ فيه مسلمُ في كلِّ علمٍ ماهرٌ مفنَّنُ ... ولاختلافِ العلماء مُتقِنُ أقَرَّ أهلُ العلمِ والعرفان ... بأنَّه أعجوبةُ الزَّمانِ كم نُسِبَتْ له علومٌ شَتَّى ... وكم بمصرَ والحجازِ أفتَى وكم له مِنْ مُلَحٍ مستحسَنهْ ... ومِنْ تصانيفَ غدت مدوَّنَهْ ما جاءه مُعارضٌ مِنْ جهلهِ ... إلا وعاد شاكرًا من فضلِه يُتْقِنُ ما يلقيه مِنْ دُروسِ ... برتبةٍ تعظُمُ في النُّفوسِ إن درَّس التَّفسير فهو آيهْ ... والفقه منه تسمعُ الكِفَايهْ وفي حديثِ المصطفى عجيبُ ... يُسْمَعُ منه الحَسَنُ الغريبُ وفي الأصول كم له قياسُ ... حقيقةٌ وما له قياسُ والنَّحو لو عاصره الخليلُ ... كان بما يقولُه يقولُ وفي المعاني والبيان أُمَّهْ ... كم طالبٍ للأخذٍ عنه (¬3) أمَّهْ وفي التَّصادير وفي الخَطَابهْ ... وفي الفتاوى كم له غَرابهْ والنَّظمُ والنثرُ لديه فضلَهْ ... ولم يكن ينكر شخصٌ فضلَهْ فريدُ عصره شهابُ الدِّينِ ... أُعيذه بالتِّين والزَّيتونِ راوي الأحاديثِ أبي العباس ... أحمد مَنْ يُرجى لكشف البَاسِ ¬

_ (¬1) في (أ): "عصر". (¬2) في (ب): "صدوره". (¬3) "عنه" ساقطة من (ب).

ابن الإمامِ العالمِ الحَبْر عَلي ... لا زال في الجنَّات في قصرٍ علي الحجةُ المحدِّث الكناني ... العسقلانيُّ بلا بهتانِ مقلد المُطَّلِبي الشَّافعي ... ناقل أقوال الإِمام الرافعِي فاللَّه يبقيه لنفعِ الطَّلَبَهْ ... اللَّه يعطيه الذي قد طلبَهْ معتنيًا وخَطَبَ المصُونهْ ... ابنتَه الجوهرةَ المكنونهْ الدُّرَّةَ النَّضيدَةَ الفَرِيدَهْ ... الغُرَّةَ السَّيِّدَةَ السَّعيدهْ مَنْ حازتِ الفَخَارَ مِنْ أُمٍّ وأبْ ... ومَنْ لهادي المجدِ أصلٌ ونسبْ ومَنْ غدت لكلٍّ حُسْنٍ جامعهْ ... زيَّنها اللَّه بتقوى "رابعهْ" لعلمِه بأنَّها منتخبَهْ ... قد ظهرت مِنْ عنصر ما أطيبَهْ وكيف لا وهي بلا امتناعِ ... كريمةِ الجدَّين بالإجماعِ اللَّه يُحييها ويصطفيها ... وللذي يُرضيه يرتضيها اللَّه يُعطيها سعادة الأبَدْ ... بالعزِّ والتَّوفيق والعيش الرَّغدْ فخُوطِبَ الخاطبُ بالقَبُولِ ... في قصده وشرطِه المقبُولِ ونالَ بالقبول فيما قصدا ... جلالةً ورِقعَةً وسؤدُدَا وكيف لا يسودُ طولَ الدَّهرِ ... بوصلة يسمو بها وصِهْرِ وصار منشدًا لسانُ الحال: ... هُنِّيتُمُو بالسَّعدِ والإقبالِ مِنْ حُسْنِ هذا النَّظمِ والقرينهْ ... جاء ابنُ مكنونٍ إلى مكنونهْ ثم رقى لمنبرِ الطِّرس القلَمْ ... وقال باسم اللَّه بارىء النَّسَمْ القادرِ المقتدرِ الرَّحمنِ ... الغافرِ الرَّحيم بالإنسانِ هذا كتابٌ نظمُه ما أحسَنَهْ ... مضمونُه أرجوزةٌ مستحسَنَهْ وجُلُّ ما تضمنت أن أصدقا ... مَنْ لسماء العزِّ والمجد ارتقى سيدُنا القاضي شهاب الدِّينِ ... ومَنْ حوى الفَخَارَ عَنْ يقينِ وهو أبو العباس حقًا أحمدُ ... وابنُ الذي سَمِيُّه محمَّدُ

لقَبُه المعهودُ شمسُ الدِّينِ ... ابن أبي اليُسْرِ الرَّضي مكنونِ السابق الذكر الذي تقدَّمت ... أوصافُه الحسنى التي قد نُظِّمتْ لا زال ما أراده ميسَّرَا ... وبالذي يسُرُّه مبشَّرا سيدة الأبكار مخطوبتُهُ ... "رابعةُ" التي غدت مُنْيَتُهُ البكرُ بنتُ حافظِ الآفاق ... بقولِ أهلِ مصرَ والعراقِ مفتي الفريقين شهابِ الدِّينِ ... ذُخْرِ الفقيرِ ملجأ المسكينِ علامةِ الدهر أبي (¬1) العباس ... أحمدَ راوي قولِ خيرِ النَّاس ابن الإِمام العالمي النُّوري ... أبي الحسين (¬2) السابق المذكورِ عليّ المفَنَّن الكِنَاني ... الطَّيِّب الذِّكرِ العظيمِ الشَّان العسقلانيِّ الذي قد اشتهرْ ... وسيِّدُنا والدُه بابنِ حجرْ كفاه ربُّه حوادِثَ الزَّمنْ ... وسرَّه في كلِّ سرٍّ وعلَنْ مِنْ ماله مهرًا لها صَداقَا ... بقدرها العَالي الرَّفيع لاقَا جملتُه التي بها يبينُ ... مقدارُه المحرَّرُ الموزونُ خمس مِئِين مِنْ مثاقيل الذَّهبْ ... الطَّيبِ العينِ العزيزِ المنتَخَبْ خالصةً مِنَ النقود الهَرْجَهْ ... ونِحلة لهذه المزوَّجهْ مختومة تفتخر الأكياسُ ... بها (¬3) وباكتسابها يسودُ (¬4) الناسُ بها معاملاتُ مصرَ يومئذْ ... وهي بها أعزُّ نقدٍ حينَئذْ منها ثلثمانة تُعَجَّلُ ... وما سواها حكمُه مُؤجَّلُ ¬

_ (¬1) في (أ): "أبو", وفي (ط) "أبا"، والمثبت من (ب، ح)، وهو الصواب؛ لأنه معطوف على "حافظ" المتقدم قبل بيتين. (¬2) في (ب): "الحسن". (¬3) "بها" ساقطة من (أ). (¬4) في (ط): "سيد"، خطأ.

وأخبر الوالد أنَّه وصَلْ ... له مِنَ المُصدِقِ لما أنْ وصَلْ مِنْ المعجَّلِ الذي قدِ اشترطْ ... تعجيلَه وفي الكتاب قد ضُبِطْ مهرًا مسمَّى مائتا مثقالِ ... كاملةَ الوزنِ بلا اختلالِ وبعد ذا المقبوض صار الباقي ... مِنْ بعدِ باقي عاجلِ الصَّداقِ منقسطا في سَلْخ كلِّ عامِ ... عِشْرونَ مثقالًا على التَّمامِ تُؤخَذُ مِنْ تاريخيه المكتتَبِ ... بالصفةِ التي مضت في الذَّهبِ زوجَها منه بهذا المهرِ ... بإذن مولانا أبيها الحَبْرِ سيِّدنا ولم يَزَلْ مولانا ... ومَنْ بفَضْلٍ منه قد أولانا قاضي القضاة العدل في الأحكامِ ... طرازُ أهل العلم والحكامِ مؤيد الشَّرعِ وليُّ الدِّين ... كاشف كُرَبِ الخائف الحزينِ خالصة الدهر فكم قد (¬1) أجْرى ... إلى أمير المؤمنين أجرا قطبُ البرايا وخطيبُ الخطبا ... منعشنا حين يُؤدي الخُطَبا بقية المجتهدين العلَما ... ومَنْ له حلمٌ وعلمٌ علِمَا بحرُ العلوم شارحُ المهذَّبِ ... أستاذُ حفَّاظِ أحاديث النبي وناصرُ السُّنَّة والشريعهْ ... ومَنْ له أوامر مسموعَهْ وهو أبو زرعةٍ إذ يُكْنَى ... كم قد حوى مِنْ حَسَنٍ وحُسْنَى مُوضِحُ إشكال الغريب أحمدُ ... وشيخ الإِسلام الإمامُ المسندُ ابن العراقي إذا ما نُسِبَا ... الشافعي في القضاة مذهبَا ناظرُ أحكام الورى الشَّرعيَّهْ ... بسائر البقاعِ الإِسلاميهْ أيَّده الرَّحمن بالملائكَهْ ... فكم له مِنْ خَصْلَة مبارَكَهْ بعد ثبوت أمرها عليهِ ... بسادةٍ قد شَهِدُوا لديهِ ¬

_ (¬1) "قد" ساقطة من (ب).

والعقد للزوج الكريم قبلَهْ ... له وكيلُه الذي قد وكَّلهْ سيدنا الحاكمُ بدرُ الدِّينِ ... أقضى القضاة الحسنُ البرديني مِنْ بعدِ ما قد ثبتت وكالتُهْ ... يقول مَنْ قد قُبِلَتْ شهادتُهْ ثبوتًا اقتضى قَبُولَ العقدِ ... عَنِ الموكلِ الكريمِ الجَدِّ أبدى قبولًا سائغًا شرعيا ... مِنْ موجب كان به وليّا وتم هذا العقدُ يومَ الجُمُعَهْ ... بخيرِ جمعٍ جَلَّ مَنْ قَدْ جمعَهْ وكان بالتَّاريخ في عشري صفرْ ... مِنْ عام (¬1) خمسه وعشرين ظهرْ وذاك مِنْ بعدِ ثمانمائةِ ... قد سلفت مِنَ ابتداء الهجرةِ فأحسن اللَّه لنا ختامَهْ ... بالخيرِ والنِّعمةِ والسَّلامهْ وحسبُنا اللَّه هو الجليلُ ... ونعم مَنْ لنا هو الوكيلُ والحمدُ للَّه الذي بنعمتهْ ... يتمُّ صالح الذي في قدرتِهْ حمدًا كثيرًا ما له نهايهْ ... ولا له في منتهاه غايهْ ثمَّ صلاةٌ منه ملءُ الأرضِ ... يدومُ طولها ليوم (¬2) العَرْضِ واصلةً باللَّيلِ والصَّباحِ ... لأحمدَ الآمرِ بالنِّكاحِ وآلِهِ ومُوضِحي شِرْعتهِ ... وصحبِه وسالكي سُنَّتهِ ما كُتِبَتْ أصْدِقَةُ العرائسْ ... منظومة بالدُّوَرِ النَّفائِسْ وقد خَتمتُ هذه الأرجوزهْ ... بهذه القرينة العزيزهْ سميتُها "قلائد الأفراحِ" ... مقرونة بالسَّعد والفلاحِ وهذه جواهرُ الألفاظ ... مِنْ بعض علم (¬3) سيِّد الحُفَّاظِ ¬

_ (¬1) "عام" ساقطة من (أ). (¬2) في (ب، ط): "يوم". (¬3) "علم" ساقطة من (أ).

بكرٌ عروسٌ زُيِّنَتْ بالدُّرِّ ... لعلَّ أن تُجلى لهذا الصِّهْرِ أرجو قَبُولَها وبَسطَ العُذرِ ... إذ ليس يُهدَى جوهرٌ للبَحْرِ والهيثميْ ناظمها محمَّدُ ... ابنُ علي (¬1) الفقيرِ يشهدُ بالإذن في العقد وبالتوكيل (¬2) ... والقبضِ والإيجابِ والقبولِ ونسأل اللَّهَ الكريمَ المانِحَا ... يجعلُ هذا العقدَ عقدًا صالحا مناسبًا مباركًا ميمونا ... وبالهناء دائمًا مقرونَا ثم قال الهيثمي أيضًا، ومِنَ خطِّه نقلت: الحمد للَّه الذي قد أجرَى ... خيرًا لمن أراده وأجْرَا حمدًا به يُختَتمُ الكتابُ ... كما به يُفتتح الكتابُ ثم صلاة (¬3) منه تأتي أحمدا ... وآلَه وصحبَه طُولَ المدَى وبعدُ، ذا (¬4) العقدُ السَّعيدُ حضرهْ ... مُرْجِزُ أبياته المسطَّرهْ وهو بما سطّرَ فيه يشهدُ ... مفصلًا كاتبُه محمدُ ابن علي الذي قد ذُكِرَا ... بالهَيْثمِيْ شهرتُه (¬5) بين الورَى ونسأل اللَّه الكريمَ المحسِنَا ... يجعلُ هذا العقدَ جالِبَ الهَنا مقترنًا بغايةِ السُّرورِ ... وأكملِ الحالات في الأمورِ وكتب رفيقُه في الشَّهادة، ومن خطه نقلت، والظَّاهر أنَّه مِنْ نظم الهيثمي أيضًا ما نصّه: ¬

_ (¬1) "علي" ساقطة من (أ). (¬2) في (ط): "وفي التوكيل". (¬3) في (ط): "الصلاة". (¬4) في (ب): "هذا". (¬5) في (ب، ط): "شهرة".

[ابن الفالاتي]

يقول راجي عفوِ ربِّ تواب ... الزُّرعي الأصل عبد الوهاب الحنفي ابن الفقير عُمرَا ... مِنْ بعد حمد اللَّه خالقِ الورى ثمَّ الصلاة والسلام السَّرمدي ... على النبي المصطفى محمَّدِ حضرتُ ذا العقدَ وإنِّي أشهدُ ... بمثل ماذا الهَيْثَمِيُّ يشهدُ وأسأل اللَّهَ دوامَ السَّعدِ ... للزَّوجِ والزَّوجةِ بعدَ العقدِ زادهما اللَّهُ الكريمُ شرفَا ... وحسبنا اللَّه تعالى وكَفَى ثم سجَّل على القاضي العلامة بدر الدين ابن الأمانة بعد وفاة الزَّوج بثُبوت ذلك لديه. ونظم ذلك في أرجوزة أيضًا حذفتُها تخفيفًا. * * * ومنهم (¬1): الفاضل الأوحد أبو اللُّطف (¬2) محمد بن علي بن منصور الحصكفي، ثم المقدسي. وقد كتب عنه مِنْ نظمه، فقال:. . . . . . (¬3) [ابن الفالاتي] ومنهم: القيم محمد بن علي الفالاتي الأديب عم صاحبنا. وله فيه جملة، منها قوله الذي كتبه عنه: يا مَنْ طردْ ذكر حاتِم بالمكارِم طَرْدْ ... ومن سَرَدْ سنَّةَ المختارْ أحسنْ سرْدْ شهريْن لي في ضعف والعَظْم يبْردَ بَرْدُ ... والجمعْ يشْهَد بضَعفي والإله الفَرْدْ ¬

_ (¬1) هذه الفقرة لم ترد في (ب). (¬2) في (أ): "أبو الطيب"، خطأ، وانظر ترجمته في الضوء اللامع 8/ 220 - 222. (¬3) هكذا في الأصول لم يرد شيءٌ من النزاع، وقد قال المصنف في ترجمة الحصكفي من الضوء اللامع 8/ 221، إنه لازم ابن حجر "ومدحه بقصيدة طنانة، كتبت منها في الجواهر"، وكما ترى لا يوجد منها شيء هنا.

[محمد بن عمر الحنفي]

وقوله يوم ختم "شرح البخاري" (¬1): شرح هدى الناس باسْم طيِّب الأخلاقْ ... إمام لو درس يَشرق نَوَّر الآفاقْ أملى حديثُو معَنْعنْ دُرّ للحُذَّاق ... أشرق بها نُور حكمه جلَّ رايقْ راقْ [محمد بن عمر الحنفي] ومنهم: محمد بن عمر بن عثمان المصري الحنفي. فقرأت بخطه: يُقبِّلُ الأرضَ عبدٌ جاء يغترفُ ... مِنْ بحر فضلٍ به الرُّكبان تَعْتَرفُ لعلَّ يروى غليلَ (¬2) الصَّدرِ منه فإن ... نالَتْهُ نَهْلَةُ وردٍ زانه الشَّرفُ فأنتمُ جوهرُ العِقْدِ النَّفيسِ بلا ... ريبٍ وغيركُم في عصركم صَدفُ وكعبةُ الفضل قَصْدي أنْ أطوفَ بها ... لعلَّ عنِّي صدى الإشكال ينصرفُ لا زلتُمُ في ظلال العِزِّ ما طَلعتْ ... شمسٌ عسى كُرْبة الشَّحرورِ تنكشفُ [ابن قرقماس] ومنهم: الشيخ ناصر الدين محمد (¬3) بن قُرقُماس الحنفي، فأنشدني من لفظه قولَه: إن يَبْتَسِم ثغرُ الشَّريعة والنَّدى ... يومًا فذلك مِنْ أبي العبَّاسِ هو جامعٌ علم الحديث وحافظٌ ... ومفرِّقٌ أموالَه في الناسِ وقوله: أفدي الشِّهاب أيا العباس مِنْ رجلٍ ... أضحى به حَجرُ الإفضال مُسْتَلَما ¬

_ (¬1) في "المختصر" للسفيري. وله بيتان مواليًا قال يوم ختم "شرح البخري" وقد فكر أوائل كل كلمة حرفًا مِنْ حروف "شهاب الدين أحمد ابن حجر". (¬2) في (أ، ب): "عليل". (¬3) في (ط): "ناصر الدين بن محمد"، خطأ، وانظر الضوء اللامع 8/ 292.

[الراعي]

كالبحر مقتَحَمًا والبدرِ ملتثمًا ... والفجرِ مبتسَمًا والزَّهر مختَتما وقوله: إن كنت خنتُك في الهوى فجحدتُ مِنْ ... قاضي القضاة نوالَه المبذولَا وجعلتُ في علم الحديث نظيرَه ... مَنْ يجهلُ المعقولَ والمنقولَا؟ وقوله: يا حبَّذا النِّيلُ المباركُ جاريًا ... في مصرَ جرى الفضلُ مِنْ عُلمائها والَى لجودِ العسقلاني مَنْ غَدا ... شهابًا لذي العَليا بأفْقِ سمائها [الرّاعي] ومنهم: الإِمام النحوي أبو عبد اللَّه محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل الأندلسِيِّ، ثم القاهري، عرف بالرَّاعي. فأنشدني مِنْ نظمه في أبيات: فكم قد ثَوى يقضي لكم كلَّ حاجةٍ ... ويُحسن لولَا الدَّهرُ قد خان وارتَجَعْ شمائلُه تحلُو وشهرةُ عِلمه ... وفضلٌ وآدابٌ وحِلْمٌ ومُصْطَنَعْ فتى كمُلَتْ فيه المحاسنُ كلُّها ... ومِنْ عِلْمِه نورُ الهداية قد سطَعْ [البدر سبط الحسني] ومنهم: صاحبنا (¬1) البدر محمد بن محمد بن محمد بن محمد [بن محمد] (¬2) الأنصاري سبط الحسني. فقرأت بخطه ما نصه: وقلت لما كمل "فتح الباري": ¬

_ (¬1) "صاحبنا" لم ترد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ط) وانظر ترجمته في الضوء اللامع 9/ 290.

[شمس الدين الزركشي]

نصرتَ دينَ الحقِّ يا بن النَّجيبْ ... بفتحِ باريك القريبِ المجيبْ فقلت لما تمَّ جمعُ الهني: ... "نصرٌ مِنَ اللَّه وفتحٌ قريبْ" [شمس الدين الزركشي] ومنهم: المفنَّن شمس الدين محمد ابن سعد الدين محمد ابن نجم الدين محمد البغدادي، نزيل القاهرة، الزَّركشي، والد عبد الصمد الذي سمعنا منه كما سيأتي في الألغاز. ومدحه أيضًا بما لم أقف عليه الآن. ولازمه نحوًا مِنْ عشرين سنة، وهو السَّائل لشيخنا في شرح "النخبة"، كما سيأتي. وأرسله شيخُنا سفيرًا إلى ينبع ففرط في المال، ورجع بخفَّي حُنين، واعتذر بأنه تزوَّج وأنفق وأهدى وتصدّق، وجعل ذلك في صحيفة شيخنا. قال: فنشأ له منِّي ما أستغفر اللَّه منه لي وله. وقد عاتب هو شيخَنا بقصيدة بائيَّة (¬1)، فأجابه بنقيضها مما هو في "ديوانه". فائدة (¬2): أصلُ هذا المثل -أعني قولهم: "رجع بخُفَّي حنين" أنَّ حُنينًا كان رجلًا ادَّعى إلى أسد بن هاشم بن عبد مناف، فأتى عبدَ المطَّلب وعليه خفان أحمران، فقال: أنا ابنُ أسدٍ. فقال: لا وثياب هاشم، ما أعرفُ شمائلَ هاشمٍ فيك، فارجع. فقالوا: رجع حُنينٌ بخفَّيه فصار مثلًا. وقيل: بل حُنين اسم إسكاف مِنْ أهلِ الحيرة، ساومه أعرابيٌّ بخُفّيه، فلم يشتره، وغاظه ذلك وعلَّق أحدَ الخُفَّين في طريقه، وتقدَّم فطرحَ الأخرى وكَمِنْ له. وجاء الأعرابيُّ، فرأى أحد الخُفَّين، فقال: ما أشبه هذا بخُفِّ ¬

_ (¬1) في (أ، ح): "ثانية"، وفي (ط): "تائية"، وكلاهما تحريف. والقصيدة بائية الروي، وهي في ديوانه ص 219 - 223، وانظر المجمع المؤسس 3/ 219 - 221، والضوء اللامع 9/ 208 - 209. (¬2) هذه الفائدة لم ترد في (ب) وهي بخط المؤلف في (ح).

[زين الدين الخوافي]

حُنين، لو كان معه آخر لاشتريته، فتقدم فرأى الخُفَّ الآخر مطروحًا في الطَّريق، فنزل وعقَل البعيرَ، ورجع إلى الأوّلِ، فذهب الإسكافُ براحلته، وجاء إلى الحيِّ بخُفَّي حُنين. قالهما في "الصحاح". [زين الدين الخوافي] ومنهم: الشيخ زين الدين أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن علي الخوافي. سيأتي في المطارحات (¬1) قوله: أيا مَنْ فاق أهلَ العصرِ فضلًا ... وعلمًا بالحدبث بالاعتراف [البكري] ومنهم: المحب أبو يحيى محمد بن محمد بن محمد البكري. وله فيه عدة مدائح، منها: [قصيدة سمعت إنشادها بحضرة المادح والممدوح عقب ختم الحديث في رمضان مِنْ بعضِ السِّنين ما كتبتها. ومنها] (¬2): ما أنشد بالخانقاه البيبرسية عند ختم "شرح البخاري"، فقال: [وقد سمعت منه بعض ذلك أو كلَّه] (¬3): حديثُك لي أحلَى مِنَ المنِّ والسَّلْوَى ... إذا حلَّ سمعي حرَّم اللَّومَ والشكوَى أيشكُو (¬4) محبٌّ حُسْنَ أوصافِ مالِكِ ... غدا شافِعي نُعمانَ أحمدَ ذا تقوَى فمن لي ومثوى حُبِّه بين أضلُعي ... يُهيِّمني والعينُ تشتاق مَنْ تهوى ترَنِّحُني وُرْقُ الدُّجا في شَجْوِها ... تُذَكِّرُني عهدًا وتُسعفني شجوى تهيِّج أشواقي تفيض لعبرتي ... أموت وأحيا لا قرارَ ولا مثوى ¬

_ (¬1) 2/ 800. (¬2) و (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) في (أ): "أيسلو".

سقامٌ بجسمي قد براه نحولُه ... تراه على فَرْطِ المحبَّة لا يَقْوى أيقوى على جَمْرِ الغَضا قلبُ عاشقٍ ... تقلَّى كما العصفورُ بين مُدى شَوَّى تملَّكني رِقًّا وألْبَسني ضنًا ... شكوتُ له وجدي فلم يُصْغِ للشَّكوى فيا مالكًا رقِّي وقلبي ومهجتي ... تعطَّفْ وجُدْ فضلًا على قلب مَنْ تهوَى وجُودُك لي راحٌ وجُودْك راحةٌ ... وقربُك أُنسٌ والبِعادُ هو البلوَى أصون معنى حسنِه فيلَذُّ لي ... تعلَّلَ قلبي بالخيالِ وبالنَّجوى وتاللَّه لا يشفى الخيالُ لعاشقٍ ... ولم يُغْنِه طِبُّ الدَّواء عَنِ الأدْوَا لأنيَ ظمآنٌ على البحر واردٌ ... ألا اعْجَبْ لظمآنٍ ببحرِ ولا يروى يعنِّفني العُذَّالُ عنك لأرعَوِي ... وبُغيةُ قلبي أنت، لا ميُّ لا عَلْوَى لأنَّك فردٌ حافظُ العصرِ جامعٌ ... معاني أولي العرفان بالفهم والْفَحْوَى أبو الفضل يا قاضي القضاة وحَبْرهم ... ترى السُّنَّة الغراء مِنْ حفظه تُروَى أماليه تأتي عسْجدًا وجواهرًا ... عَلَت وغَلَت، خذها بإسناده الأقوى ترى درجاتِ الخُلدِ فيها مَعَ الرِّضا ... فبشرى برضوان يبلِّغُنا عَفْوَا أيا شيخ إسلام عليه مهابةٌ ... ومجدٌ له يعلُو على الغايةِ القُصوى تصانيفُه لا حصرَ في ذكر عدِّها ... ففي كلِّ فنٍّ في العلوم له الجَدْوى فكم سَهِرَتْ عيناهُ والنَّاسُ نُوَّمٌ ... وكم كتبتْ يُمناه مِنْ خبرٍ يُروى وكم مِنْ شُروحٍ "للبخاريِّ" عِدَّةٍ ... طواها "بفتح الباري" أعجب لِمَا تُطوى كساهُ جمالًا مِنْ عُذوبة لفظه ... فنارت به الدُّنيا وسُلِّمَتِ الدَّعوى فتوَّجَهُ الأسماء مِنْ كل مُبْهَم ... خَفيٍّ على النُّقَّادِ با وَيْحَ مَنْ سَوَّى شهابًا علا أُفْقَ السَّماء بدونه ... تباركَ مَنْ أنشا وسُبحان مَنْ سوَّى وأبدعَ خلقًا ذاك (¬1) للوزن لا يفي ... وهذا صحيحُ الوزن ليس به إقوَا ¬

_ (¬1) في (ب): "ذلك"، خطأ.

ولا غَرْوَ أنَّ الشافعيَّ إمامَنا ... يُبَاهي بك الأصحابَ بالنَّقل والفتوى إذا فاح نَشْرُ المسكِ كنتَ خِتَامَه ... فكم حِكَم أظْهَرْتَ فاحت لها الشَّذْوى لأصحابك الطُّلابِ فضلًا أنلتَه ... بلا منَّةٍ، فاللَّه يُصحِبُك التَّقوى ويُبقي لك البدرَ المنيرَ ونسلَه ... ويوسف حُسْنٍ سالمين مِنَ الأَسْوَا ويحفظُ إخواني وأهلَ مودَّتي ... مشايخَ علمٍ مَنْ برؤيتهم أروى ويجعل مثوانا حظيرة قُدسه ... وأحمدها دينًا إلى جنة المأوى محبٌّ وبكريٌّ ومنشانا بكم ... وناشرُ فضلٍ ذلك النشر لا يُطوى ومنها قوله: يا حاكم (¬1) العصرِ يا مَنْ خُصَّ بالحِكَم ... والعلمِ والحِلْمِ والتَّقوى مَعَ الكرمِ يا سالكًا سُبلَ الخيرِ التي وردت ... عَنْ سيِّد العَربِ العَرْباء والعَجمِ شرحتَ صدر البخاري مُذْ شرحتَ له ... جمعًا هو النِّعمة العظمى لمغتَنِمِ حَلَلْتَ فيه رموزًا وانفردت به ... عن الَّذين مضَوْا مِنْ سالفِ الأممِ فجاء شرحًا عظيمًا رائقًا بَهِجًا ... ختامُه المسكُ منثورًا على الخَدَمِ وفاح مِنْ فيح (¬2) هذا الختم رائحةٌ ... طارت بها الرِّيحُ في البُلدان والأُطُمِ ماذا أقول وما (¬3) أثني عليه وقد ... كَلَّ اللِّسان عَنِ الإحصا مَعَ القلمِ والعبدُ يسألُ بَسْطَ العذرِ مِنْكَ لِمَا ... أتى به مِنْ قليلِ المدح والخدمِ لأنَّه لم يجدْ مدحًا يقومُ بما ... حويتُموه مِنْ الإفضال والشِّيَمِ (¬4) ونسأل اللَّه خيرًا دائمًا لكمُ ... قاضي القضاة بعون اللَّه لا تُضَمِ ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي "المختصر": "يا حافظ". (¬2) في (أ، ب): "فتح". (¬3) في (ب): "وماذا". (¬4) هذا البيت والذي يليه لم يردا في (ب).

ومنها قوله: يا جابرًا بالمكرُمات كسيرا (¬1) ... وصَنيعُه جعل العسيرَ يسيرا يا شيخَ الإِسلام الذي أضحى بما ... أُوتيه مِنْ فضلِ الآله جَديرَا لي حقُّ سبْقِ قد مَنَنْتَ بنيلِه ... وفَكَكْتَ مِنْ قيدِ الهُموم أسيرا والأمرُ أمرُك لم تَزَلْ متفضِّلًا ... تُولي الجميلَ وهاديًا ونصيرَا إن قلَّ عندَك أنْ جعلتُ بديهةً ... مدحي صفاتِك في الأنامِ كثيرا فاجعلْ لوجه اللَّه ما يغدُو به ... راجي عُلاك لأهله مسرورَا واسْلَمْ وعِشْ، فلقد حباك اللَّه مِنْ ... إحسانه فضلًا عليك كبيرا (¬2) ومنها: يا طالبًا فنَّ الحديثِ مَعَ الأثرْ ... صحِّح طريقَك بالرَّشاد لِتُعْزَ بَرْ مشكاةُ نورٍ في الحديث مفنَّنٌ ... ليثٌ شجاعٌ للمحافل مُدَّخَرْ أسماءُ فيه مِنَ الإله تحُفُّه ... عَلَمٌ عليه فسّرت اللَّه بَرْ أي واسع الإعطاء جلَّ جلالُه ... ربٌّ له الإفضال يجزي مَنْ شكرْ أعطاك إنْعامًا ورزقًا واسعًا ... ومنازلَ الأخرى فجنَّات أُخَرْ زان الإمارة والسِّيادةَ بالتُّقى ... لا رَيْن في القلبِ السَّليمِ ولا غِيَرْ إن المواهبَ والمآثرَ دأبُه ... فلكَمْ أجادَ لطالبيه وكم أبَرْ ولحافظِ العصر انتمى فسناؤه ... كسِنَادِهِ عالٍ تراه كالقمر يروي لأحمدَ إنَّ ذاك لوارثٌ ... علمَ النُّبوَّة مَنْ لسنَّتِه نَصَرْ وروى لأحمد ما لأحمد قد روى ... عَنْ ربِّه فيما نَهَانا أوْ أمَرْ ¬

_ (¬1) في (أ): "كثيرًا". (¬2) في (ط): "كثيرًا".

قطبُ الوجودِ وأوحدٌ في عصره ... بيتُ الحقيقة بالشَّريعة (¬1) قَدْ عمرْ كم تاه (¬2) في الحَجَرِ المكرَّمِ طالبٌ ... لكمُ البِشَارةُ إنَّه راوي الخبَرْ ابن العليِّ أبو الفضائل ذُو الصّفا ... ركنُ الوفا يا فوزَ مَنْ لثمَ الحَجَرْ فاللَّه يُمْتِعُ بالحياةِ لحَبْرِنا ... وأميرِنا وذويهما ولِمَنْ حضرْ أبيات نظم بشرت بسعادة ... مِنْ فكر بَكْرِيِّ تَفُوق على الدُّررْ ومنها عَقِبَ صرفِه عن وظيفة القضاء مرة: طُوالَ الدَّهر أفلاك تسيرُ ... فلا حُزْنٌ يدُومُ ولا سرورُ فلا تجزَعْ لحادثةٍ ألَمَّت ... فإنَّ اللَّه مطَّلعٌ نصيرُ خفيٌّ لطفه فيما قضاه ... مثيب (¬3) مَنْ على البلوى صَبُورُ فمن يكفي أمورَ الناس يرقى (¬4) ... مقامًا شاده الملكُ الخبيرُ فلا هَمٌّ يكدِّرُ صفوَ عيش ... ولا جاء الأميرُ ولا الوزيرُ لأن اللَّه أولاك المعالي ... وولَّاكَ العلُومَ هو البصيرُ (¬5) ففيما أنت فيه الآن عِزٌّ ... فعُزَّ العلمَ يأتيك السُّرورُ فأنتَ القطبُ في الآفاق حقًّا ... شهابُ الأفْقِ والقَمَرُ المنيرُ وحافظُ سُنَّةِ المختارِ فاصدع ... بما أولاك مولاك القديرُ فإنَّكَ حامدٌ للَّه جهرًا ... وفي كُلِّ الأمورِ له شَكُورُ ومنها في قصيدة (¬6) طويلة: ¬

_ (¬1) في (ب): "بالشرع"، خطأ. (¬2) "تاه" ساقطة من (أ). (¬3) في (أ): "مثبت". (¬4) في (ب) والمختصر: "يلقى". (¬5) في (أ): "النصير". (¬6) في (أ): "قصة".

[ابن ناهض]

وما النُّورُ إِلَّا أحمدٌ فإذا سرى ... إلى أحمدٍ مِنْ أحمدٍ كان أحمدَا [ابن ناهض] ومنهم: محمد بْن ناهض الحلبي. فكتب لشيخنا يلتمسُ منه تقريظَ نظمه "سيرة المؤيد" ما نصُّه: حويتَ علومًا ليس يُنكَرُ فضلُها ... وحلَّيتَ معناها بفصْلِ خطابِها فزادت عُلوًّا (¬1) كالنُّجوم وأزهرت ... وطالبها وصلًا يخاف شهابَها فقرِّظ بنشرِ الدُّرِّ في نظم سيرةٍ ... تواريخ أرباب الكلام (¬2) تهابُها [مسافر بن عبد اللَّه] ومنهم: مسافر بن عبد اللَّه البغدادي الصوفي. فقال: وقد (¬3) فاتته النفقة الشامية بالبيبرسية مواليا (¬4). غوادي الغيث من كفيك مُنْغَدِقَهْ ... قطر الغمام كسيلِ البحرِ مندفقهْ إن كان مالي حصلْ شامية النَّفقَةْ ... عسى مِنَ الفضل يحصَلْ شيء مِنَ الصَّدقَهْ [نعمة اللَّه الجرهي] ومنهم: الشيخ نعمة اللَّه الجَرَهي الشيرازي. فقال (¬5): يا مَنْ على بالعُلا عَنْ وصفِ وصَّافِ ... وفاق جُلَّ الوَرى في كلِّ أوصافِ ¬

_ (¬1) في (ب): "علومًا". (¬2) في (ب، ط): "الكرام". (¬3) "وقد" ساقطة من (أ). (¬4) انظر المجمع المؤسس 3/ 352، والضوء اللامع 10/ 155. (¬5) القصيدة في المجمع المؤسس 3/ 358، والضوء اللامع 10/ 202 - 203.

[الفراء]

وصحَّ عنه حديثُ الجُودِ ينقُله ... عنْ كفِّه البحر أو عنْ سحبِ أسلاف تواتُرًا بلغَ الآفاقَ واشتهرا ... عَزَّ الغريبُ لدى إفضاله الوافي خَفَضتَ منصُوبَ راياتِ العِداةِ كما ... رفَعْتَ حالةَ سُؤَّالٍ بإسعافِ قصدتُ حضرتكَ العلياء مِنْ وطني ... هجرتُ صُحْبة إخواني وأُلَّافي حرصًا على العلم والتَّحصيل مجتهدًا ... لعلَّني أغترِفُ مِنْ بحرك الصَّافي وما أريدُ سرى وجهِ الكريم به ... عساه يَجْبُرُ تقصيري وإسرافي هذا ومسألتي (¬1) مِنْ فيضِ فضلِكَ أن ... تخصَّني بين طُلَّاب وطُوَّافِ يا ملجأ لذوي الآمال قاطبةً ... أنظر لمغتربٍ للعلم طوَّافِ وارحمْهُ ثمَّ أعِنْه في تطلُّبه ... فأنت معدِنٌ أعطافٍ وألطافِ عَطفًا لغُربتِه كشفًا لكُربته ... جبرًا لما يلتقي مِنْ دهرِه الجافي اللَّه يبقيك نورًا يُستضاء به ... فيهتدي بك دهرًا كلُّ أصنافِ [الفرَّاء] ومنهم: يوسف بن أحمد بن يوسف الفراء العامي. فقال مِنْ أول قطعةٍ كتبها لصاحب الترجمة: قميصي ذهب واتفضَضَ ... بوشعري وهتك ستري غسلته اتمزق فاض دمعي ... عاينو بعيني تجري من قد عَممْ علِمُو حلمه ... أوهبني قميص عمرو عام صار خليع جديد وانمزَق ... وأخلع البدن والأكمام قلت أنا أشتكيه للفاضل ... زكي العلم شيخ الاسلامْ يقبل دعوى (¬2) في حقه ... ويجبر بعلمو كَسْرِي ¬

_ (¬1) في (ب) والضوء اللامع "وسيلتي"، وفي المجمع المؤسس: "وسؤلي". (¬2) في (أ، ط): "دموعي"

[الشريف]

ويرفي صحيح ما انمزق ... ويقبل بحلمه (¬1) عُذري تفسير السنن والمختار ... حوى مِنْ بعض "فتح الباري" بشرح "البخاري" علمك ... صار محيط كما الماء جاري وأطراف المسانيد أعطيت ... العشرة صان العاري خصالك تكفِّر ذنبي ... مقدّم مؤخَّر عمري وأما الأربعين تشهد ... لك المتباينة والدُّرِّي يا كنز العلوم بالشَّان ... شرحه عن لسان الميزان ما اشتبه علينا النِّسبه ... مِنْ أصول بيان التبيان بتهذيب صحيح التَّهذيب ... يا روضة المرء بالبدر وكم قد قال في البخاري ... مسلم متظلَّل ببقايا مصري وهي طويلة: [الشريف] ومنهم الشريف. . . . . . . (¬2) فأنشد يوم ختم "فتح الباري" ما نصه: أصبحت يا تاج الرؤوس (¬3) مُكَلَّلًا ... بالفضل والإحسان عم وجُودَا قاضي القضاة وشيخ الاسلام الذي ... كم مِنْ عدو قد دجا مكمودَا فامْنُن بفضلٍ للشَّريف فإنَّه ... ذُو فاقةٍ واجعل له موجودَا ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "بحلمو". (¬2) بياض في الأصول. (¬3) في (أ): "الرؤساء"، خطأ. وفي (ط): "الدروس".

[شخص من المنزلة]

واغفر لناشِرِها الشَّريف لأنه (¬1) ... لا شكَّ عبدٌ (¬2) للإله مُريدا كم مِنْ كتابٍ قد ختمْ وجوامع ... بوجودِ شيخ العصر هو معهودا يا ربَّ أبقيه لجمع دائمًا ... ما طار طيرٌ في الغصون غريدا [شخص من المنزلة] ومنهم: شخص من المنزلة: أنشدني لنفسه، وكتب بهما لصاحب الترجمة: يقبِّل الأرضَ إجلالًا لقدْرِكُم ... عبدٌ لنحوكم قد جرَّه الشَّغَفُ أسبابُ عدلك عنه الصَّرف قد مُنعت ... فهل لكم مِنْ إضافاتٍ فتنصرفُ * * * ومنهم: بعض مَنْ لا أستحضره الآن، وذلك حين تَلَبَّس العلامة القاياتي بقضاء الشافعية، فقال: قد خَفَقَت بسعودك في العُلا راياتْ وعسقلان التي بك حازَتِ الغَايَاتْ يُنسب بها لك دروس العلم والغاياتْ ثمَّ الشجاعة، ويعزى الجُبن للقَاياتْ وممَّن علمته مدح شيخنا، ولكن ما وقفتُ الآن على شيء مِنْ نظمهم: الشيخ العالم جمال الدين عبد اللَّه الزيتوني، والبدر ابن الشَّريدار الواعظ، وأنشدناها مِنْ لفظه بحضور الممدوح. وأبو المواهب المغربي ¬

_ (¬1) في (ط): "فإنه". (¬2) في (أ): "عبدًا"، خطأ.

المشهور بابن زغدان [وسمعت كثيرًا منها مِنْ لفظه] (¬1). ومن لا يمكن حصرهم. [وإنَّما لم أرتِّب هذا الفصل على الوفيات كالذي قبله، تنويعًا للطَّريقتين، وإرشادًا للصفتين، بل كان يمكنُ ترتيبُ هذا الفصل أيضًا على الحروفٍ في القوافي، وهو والذي قبله على الأفضل فالأفضل مع محذور فيه غيرِ خافٍ، واللَّه الموفق] (¬2). * * * آخر الجزء الأول ويتلوه الجزء الثاني وأوله: الباب الرابع في عقده مجلس الإملاء ووظائفه السنية. . . ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

الباب الرابع في عقده مجلس الإملاء، ووظائفه السنية من تدريس، وإفتاء، ومشيخة، ونظر، وخطبة، وخزن كتب، وقضاه، وغير ذلك، وكذا ما عرض عليه من المناهصب والوظائف التي أعرض عنها، ونبذة من وقائعه في الولاية، والإشارة لمحنته، وغير ذلك

الباب الرابع

[الإملاء]

الباب الرابع في عقده مجلس الإملاء، ووظائفه السَّنِيَّة مِنْ تدريس، وإفتاءٍ، ومشيخةٍ، ونظرٍ، وخُطبة، وخزن كتب، وقضاه، وغير ذلك، وكذا ما عُرض عليه من المناهصب والوظائف التي (¬1) أعرض عنها، ونبذة من وقائعه في الولاية، والإشارة لمحنته، وغير ذلك. [الإملاء] أما الإملاء، فأوَّل ما شَرَعَ فيه في سنة ثمانٍ وثمانمائةٌ إملاء كتاب "الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السَّماع من حديثه عن (¬2) شيوخه" في ستة عشر مجلسًا بالشَّيخونية، وبعضها بمنزله بمصر على شاطىء النيل، وذلك باستملاء المحدِّث الأوحد شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري الشافعي. ثم أملى بعدها "عشاريات الصحابة المسماة بالإصابة". ابتدأها -كما قرأته بخطه- في شُهور سنة تسع وثمانمائة بالشَّيخونية أيضًا، فأملى منها مجالس استملاها عليه شيخُنا العلامة العز عبد السلام البغدادي الحنفي، وكذا أملى منها بالمدرسة الجمالية المستجدَّة برحبة العيد أوَّل ما فُتحت باستملاء العلامة كمال الدين محمد الشَّمُنِّي المالكي. وكان ابتداء ¬

_ (¬1) في (ط): "الذي". (¬2) في (أ): "من".

إملائه (¬1) بالجمالية في ثاني عشر رجب سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وبالمدرسة المنكوتمرية المجاورة لمنزل سكنِه، وكان ابتداءُ إملائه بها في يوم الجمعة بعد صلاتها مُستهلَّ جمادى الآخرَة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة باستملاء البوصيري أيضًا، وبعض ذلك بالخانقاه البيبرسية باستملاء الفخر ابن دِرْباس، حتَّى استكمل بالأمكنة المذكورة من "العشاريات" المشارِ إليها -فيما ظنَّه شيخُنا- زيادة على مائة مجلس. قال: لأنِّي وجدت عندي من المجالس سبعة وسبعين مجلسًا، وضع باقي ذلك، فما أمكن تجديده. فلما استقرَّ في القضاء بالدِّيار المصرية، عقد المجلس الحافل للإملاء بالخانقاه البيبرسية في يوم الثلاثاء ثامن صفر سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فأملى بها المجالس المطلقة التي لم يتقيِّد فيها بكتاب، بل في الغالب يحرِصُ على المناسبات في الأزمان والوقائع، حتى أكمل مائة وخمسين مجلسًا في مجلد، كان فراغُها في يوم الثلاثاء خامس عشري شوال سنة ثلاثين وثمانمائة، باستملاء شيخنا المحدت الحانظ الزين أبي النَّعيم رضوان العقبي، وربَّما استملى في غيبته شيخنا العلامة المفنَّن المحقق أبو إسحاق إبراهيم بن خضر العثماني. ثمَّ شرع في إملاء تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في "مختصر ابن الحاجب الأصلي"، حتى أكمله في يوم الثلاثاء سابع عشر رجب سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وجاءت عدَّةُ مجالسه مائتين وثلاثين (¬2) مجلسًا في مجلد. ثم سافر عقبه صحبة الأشرف إلى آمد كما تقدم، فأملى بدمشق عند المرور بها مجلسًا حافلًا بجامع بني أمية في يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان من السَّنة، باستملاء برهان الدين العجلوني كما تقدم. وأملى بحلب أيضًا سبعة (¬3) مجالس باستملاء العلَّامة القاضي نور الدين ¬

_ (¬1) في (ط): "الإملاء". (¬2) في (أ، ب): "مائتان وثلاثون"، والمثبت من (ط، ح). (¬3) في (ب): "ستة".

علي بن سالم المارديني، ابتدأ فيها يوم الثلاثاء خامس عشر رمضان مِنَ السَّنة، وختمها في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي القعدة منها، وأنشد فيها من نظم القاضي بدر الدين ابن جماعة: ارْضَ مِنَ اللَّه ما يُقَدِّره ... أراد منكَ المُقَامَ أو رَحلكْ وحيث ما كنت ذا رفاهيةٍ ... فاسكُن، فخيرُ البلاد ما حملكْ ومن قوله مذيِّلًا على هذين البيتين: وحسِّن الخُلق واستقِمْ، ومتى ... أسات أحْسِنْ ولا تُطِلْ أمَلَكْ من يتَّق اللَّه يؤته فَرَجًا ... ومَنْ عصاه ولا يتوبُ هَلَكْ ثم رجع إلى وطنه وقد انقطع الإملاء بالقاهرة نصف سنةٍ، فشرع في إملاء تخريج أحاديث "الأذكار" لولي اللَّه تعالى أبي زكريا النَّووى بالبيبرسية على عادته قبل سفره. وكان الابتداءُ في يوم الثلاثاء سابع صفر سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، واستمر فيه حتَّى بلغت مجالسه -إلى يوم الثلاثاء خامس عشري ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة ستمائة وستين مجلسًا، وكان قد ابتدأ به الوَعْكُ قبلُ بيسير، فانقطع لأجله، واستمر حتَّى مات. وكان المستملي لها الشيخ رضوان المذكور، ربما يغيبُ (¬1) أحيانًا، فيستملي عِوَضَه العلَّامة ابن خضر، إِلَّا أنَّ [المجلس الذي كان إملاؤه في خامس شعبان سنة خمس وأربعين قرأت بخط الشهاب ابن تمريّة أنَّه كان باستملاء إبراهيم البقاعي، واللَّه أعلم، والأصحُّ] (¬2) المجالس الأخيرة -وهي اثنا عشر مجلسًا- كانت باستملاء الإمام المحدِّث شمس الدين ابن قمر، لكون كلِّ واحدٍ مِنَ المذكورين أولًا كان قد توفّي، وسعى غيره في ذلك، فما أُجيب. ¬

_ (¬1) في (ح): "وربما تغيِّب". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

وكذا كان جميعُها بالبيبرسية، إِلَّا بعضها -وهو مائة وأربعة عشر مجلسًا- ابتداؤها يوم الثلاثاء رابع جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وانتاؤها يوم الثلاثاء ثاني ربغ الثاني سنة اثنتين وخمسين، فبدارِ الحديث الكاملية. فجملة ما أملى -رحمه اللَّه- ألف مجلس ومائة وخمسون مجلسًا، تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا على ما تقدم، وقد بلغت عدَّة مجلدات "الأمالي" كلِّها في بعض النُّسخ عشر مجلدات يُمليها رضي اللَّه عنه مِنْ حفظه مهذَّبة محرَّرة مُتقنة كثيرة الفوائد الحديثية، ويتحرَّى فيها العُلُوَّ، مستفتحًا مجلسه بقراءة سورة الأعلى، والصلاة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والدُّعاء له وللحاضرين والأئمة الماضين. قلت: وقد سُئل عن الحكمة (¬1) في خصوص سورة الأعلى دُون غيرها، فقال: قد تبعتُ في ذلك شيخنا العراقي، وفيها من المناسبة قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}، وقوله: {فَذَكِّرْ}، وقوله: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}. وكان في الأمالي (¬2) يُنشد كثيرًا مِنْ نظمه. فممَّا أنشده قوله: ياربِّ ذكْرني فقد قدَّرتني ... من يوم مبدأ إنشائي نسَّاءَ وإذا خطوت إلى الخَطا فاغفرهُ لي ... كرمًا فأنت خلقتني خطَّاءَ ومِنْ ذلك قوله: إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات في ... كلِّ أمر أمكَنَتْ فرصته فانوِ خيرًا أو اعملِ الخيرَ ... فإن لم تُطِفهُ أجزأت نيَّتُه وأنشد في أواخر شعبان سنة تسع وأربعين وثمانمائة عند قطعه الإملاء لأجل دُخول رمضانَ على عادته: يقول راجي إله الخلق أحمد ... من أملى حديث نبيِّ الحقِّ متَّصلا ¬

_ (¬1) في (أ): "الحكم". (¬2) في (ط): "الإملاء" وفي (ح): "الأمالي المطلقة".

تدنُو مِنَ الألف إن عُدَّت مجالسه ... فالسُّدْسُ منها بلا قيدٍ لها حَصَلا يتلوه تخريجُ أصل الفقه يتبعُها ... تخريجُ أذكارِ ربِّ قد دنا وعلا دنا برحمته للخلق يرزُقُهم ... كما علا عن سماتِ الحادثات عُلا (¬1) في مدة نحو"كجٍّ" رحتُ أحسُبها ... ولي من العُمر في ذا اليوم قد كَملا ستًا وسبعين عامًا قد مضت هملًا ... مِنْ سُرعة السِّير كالساعات يا خجلا إذا رأيتُ الخَطايا أوبَقَتْ عملي ... في موقِفِ الحشر لولا أنَّ لي أملا توحيدُ ربي يقينًا والرَّجاءُ له ... وخدمتي ولإكثاري الصَّلاة على محمَّد في صباحي والمساءِ وفي ... خطِّي ونُطقي عساها تمحَقُ الزَّللا فأقرَبُ النَّاس منه في قيامته ... مَنْ بالصَّلاةِ عليه كان مُشتغلا يا ربِّ حقِّق رجائي والأولى سمعُوا ... منِّي جميعًا بعفوٍ منك قد شملا وقد رؤي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس الإملاء مرارًا كما ذكره لي بعض مَنْ يُوثق بدينه وفضله (¬2)، ويكون المجلس غاصًّا بالأئمة والعلماء والفُضلاء مِنَ الطلبة، وهم في الغالب زيادة على مائة وخمسين نفسًا. وممَّن كتب عنه الإملاء -كما رأيته- الكمال المجذوب [أحد المعتقدين] (¬3)، وافتتح كتابة المجلس بقوله -كما قرأته بخطه-: قال الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ الحديث، سيدنا وقدوتُنا المحدِّث عن ¬

_ (¬1) قول ابن حجر رحمه اللَّه: "دنا برحمته" وقوله: "علا عن سمات الحادثات" تأويل لصفات اللَّه سبحانه وتعالى، وهذا خلاف عقيدة أهل السنة والجماعة من السلف الصالح، إذ صفات اللَّه تعالى تُمَرُّ كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل. (¬2) من يوثق بدينه وفضله هذا، إما أن يكون واهمًا أو قد لُبِّس عليه، فلم يؤثر عن أهل إلى مِنْ والفضل أنهم رأوا رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، ولو أُثر عن أحد منهم، لكان أولى الناس برؤيته وأحقهم صحابته رضوان اللَّه عليهم، والعجب من المصنِّف كيف يورد هذا ويعتقده. أم أن غلوَّه في حبِّ شيخه دفعه إلى ذلك؟!. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) يزيد في هامش (ح) بخط المصنف.

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الشيخ شهاب الدين ابن حجر، نفعنا اللَّه ببركته وبركة علومه في الدُّنيا والآخرة. انتهى. وكان في آخر عمره -حين كثر في مجلسه حضور مَنْ لا يُحسِن ولا يَضْبطُ- شديد الحرص على أن يجعل في كلِّ جهة بعض نُبَهاء جماعته ليختبر كتابتهم (¬1)، ويلاحظهم فيما يقع لهم مِنْ تحريف ونحوه، فما تيسَّر له ذلك، ويقع فيه مِنَ الأبحاث والفوائد المهمَّة، والنكت النَّفيسة ما يفوقُ الوصفَ، وعليه مِنَ الوقار والهيبة والخَفَر والجلالة ما لا أراه في غيره من مجالس العُلماء. والذي أعتقده: أن به كان يدفعُ اللَّه عَنْ هذه الأمة كثيرًا مِنَ البلاء والآفات، فيا سعدَ مَنْ كان مِنْ ملازميه، ويا ندامة مَنْ هو قاليه. ولعمري، إنَّ انقطاعه كان افتتاحًا للأنكاد، ومنعًا من المسرَّات لخيار العباد، ومقدمة الوباء، وارتفاع أسعارِ الأقوات، وتذكُّرًا لقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155]، لأن (¬2) فُشُوَّ الموت بالطاعون قد أعقبه، وكذا غلوُّ الأسعر الذي كان توقَّفُ النيل في سنة أربع وخمسين وثمانمائة قد أوجبه، حتَّى صار الغنيُّ فقيرًا، والفقير لِمَا حَلَّ به كسيرًا، وخرج النَّاس إلى الصَّحراء أفواجًا، وأكثروا (¬3) التجاءً لخالقهم وارتجاجًا، إلى أن عمَّ فضلُ اللَّه الخلائقَ عندما التجؤوا إليه، وقطعوا دونه العلائق، فاللَّه يحسن عزاء المسلمين في هذه النَّازلة، ويَمُنُّ على صاحب الترجمة بالرَّحمة المتواصلة، بمنه وكرمه. قلت: ولمَّا انقطع الإملاء بالدِّيار المصرية، يسَّر اللَّه -وللَّه الحمد- بإملاء تسعة وخمسين مجلسًا، تقيَّدت (¬4) فيها بالأزمنة والوقائع، ووقع السَّفر إلى مكة المشرفة، فأمليتُ بها في الكلام على "حديث تنزُّل الرّحمات على ¬

_ (¬1) في (أ): "كفايتهم"، وفي (ط): "كاتبهم". (¬2) "لأن" ساقطة من (أ). (¬3) في (أ): "وأكثر". (¬4) في (أ): "تعددت" تحريف.

مكة"، إجابة لملتمس ذلك أربعة مجالس، ووصلتُ إلى القاهرة، فحصل الشروع في إكمال تخريج "الأذكار" [وزادت عدَّة مجالس ما أمليتُه منه إلى حين كتابتي هذه الأحرف في أثناء سنة سبع وسبعين على المائتين، ثم انتهت إلى أزيدَ مِنْ ثلاثمائة في أواخر سنة تسع وسبعين] (¬1) يسَّر اللَّه إكمالها. [وكان المشير عليَّ بذلك شيخُنا العلَّامة المفنَّن التَّقيُّ الشُّمُنِّي، واعتذرت له بفقد المُقبلين على هذا الشأن، فلم يعذُرني، بل صرَّح بقوله: كنّا نحصر عند صاحب الترجمة مع الوالد في عددٍ يسير جدًا، دون عشرة أنفُس، وربما لم نَزِدْ على ثلاثة، ثم فتح اللَّه بما فتح كما تقدَّم] (¬2). ومن رام التفضيل بين مجالسه ومجالس شيخه (¬3)، فلينظرهما، فالذي عندي -مع اعتقادي جلالة شيخه علمًا وعملًا وإتقانًا- أنها أمتن وأتقن، وكان يتَّفق له فيها نظيرُ ما حكاه الشيخ ولي الدين عن والده: أنه ربما لا يشتغل بتخريجها إِلَّا ليلة الثّلاثاء، ولا تكمُل إِلَّا صبيحة يوم الثلاثاء، فيكون زمن اشتغاله بحفظها (¬4) لحظة لطيفة مِنْ أول النَّهار قبل الإملاء، وما هذا إِلَّا إعانةٌ مِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وتأييدٌ لهما. قلت: ولم يكن حفظُه كما أسلفتُه مِنَ ابتداءِ أمره إلى انتهائه في الأمالي والخطب وغيرهما كالأشعار، إِلا تأمُّلًا، فرحمه اللَّه وإيانا. ولقد سألته قُبيل وفاته بيسير: أبَلَغَت عدَّةُ مجالس الإملاء للمتقدمين هذا العدد؟ فقال: وأكثر مِنْ ذلك، لكن لم أتحقَّق هل كان ذلك حفظًا أو من كتاب. وقد قال الشيخ ولي البهمِن في ترجمة والده: وما تيسَّر لأحدٍ هذا العدد من الإملاء -وهو أربعمائة مجلس وستة عشر مجلسًا- بعد الحافظ ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وأضافها المصنف بخطه في هامش (ح). (¬3) في (ط): "مشايخه". (¬4) "بحفظها" ساقطة من (أ).

[وظائفه]

ابن عساكر سوى والدي. و"أماليه" أكثر فائدة من "أمالي ابن عساكر"، لكون أكثرها مستخرجات على ما هو محتاج إلى الاستخراج عليه. قال: ولقد عجبت من الحافظ السِّلفي في قلَّة أماليه، وكذلك مَنْ بعده إلى زمن الوالد، وهذا أمرٌ ذُخرٌ له. قلت: وكل هذا نافع في ترجمة صاحب الترجمة، لا سيما وقد زادت مجالسه على الألف، مع كونها (¬1) أتقن وأمتن، ذلك فضل اللَّه يُؤتيه مَنْ يشاء. واتَّفقت نكتةٌ لطيفة، لكنني ما حضرتُها، وهي أن القاضي علم الدين صالح البلقيني سعى مجتهدًا في عزل صاحب الترجمة واستقراره، فما أُجيب، بل ألبسوا صاحبَ الترجمة خُلعة الاستمرار، فوقع أنه وقع في إملائه تلك الجمعة حديثٌ مِنْ طريق صالح مولى التوأمة، فقال بصوتٍ مرتفع: وصالح ضعيف!. [وظائفه] وأما الوظائف، ولم يتفق له رحمه اللَّه أنه تنزَّل طالبًا ولا صوفيًّا في مدرسة ولا غيرها، حتَّى الخشابية، فإنَّه -وإن نزل فيها بعد موت والده- فلم يقبض مِنْ معلومها شيئًا، كما قرأته بخطِّ بعض أصحابه. وبلغني مما يؤيد ذلك أنَّ القاضي علم الدين قال للمباشر: ارفع من الاستيْمار اسم رجلين: أحدهما لا يحضر ولا يُطالب، والآخر لا يحضر ويطالب. وحكى ذلك لصاحب الترجمة، فقال: أما الأول فهو أنا، فمن الثاني؟ فقيل: السفطي. [وظيفة التفسير:] لكنه ولي عدَّة تداريس في علوم، أولاها بالتَّقديم: التفسير. كان قد ¬

_ (¬1) في (ب): "وظنًا أنها".

[وظيفة الوعظ:]

استقرَّ في تدريس التفسير بالمدرسة الحسنيَّة بالرملة في مستهل سنة تسعٍ وعشرين وثمانمائة، مِنْ أجل أنَّه اطَّلع على كتاب وقْفِها، فوجد فيه مدرسًا للتفسير وآخر للحديث، ولم يجد بهما أحدًا، بل كانا شاغِرَيْن مِنْ عهد الواقف. فعندما عَلِمَ ذلك، التمس من النَّاظرين عليهما تَقريرَه في التَّفسير، وتقرير ولده في الحديث، وأن يأذنا لولده في الاستنابة، ففَوَّضا إليهما ذلك، وأظهرا الندم على شغور الدَّرسين مِنْ حين الواقف وإلى زمنهما. وباشر شيخنا كلا الوظيفتين: الأولى بطريق الأصالة، والأخرى نيابة عن ولده، إلى أن رغب عَنِ التَّفسير لأحد جماعته العلامة زين الدين السَّندبيسى، ثُمَّ رغب عنه في حياة شيخنا للشهاب ابن صالح ومات، فأخذه عِوَضَهُ الشَّيخ عضد الدين الصِّيرامي الحنفي، ثم رغب عنه لبعض فُضلاء المالكية. وولي أيضًا تدريس التفسير بالقبَّة المنصورية. رغب له عنه الشيخ شمس الدين البرماوي بمالٍ عوضه له النجم ابن حجِّي تبرُّعًا عَنْ صاحب الترجمة، وهو مائة دينار، وذلك في سفر البرماوي لدمشق صُحبة النَّجم المذكور في. . . . (¬1)، واستمرَّ بيد شيخنا حتَّى مات، وصار بعد إلى أبي الفضل البجائي المغربي، ثمَّ رغب عنه حين أراد مفارقة مصر -وللَّه الحمد- للعلَّامة المحقق سيف الدين الحنفي نفع اللَّه به. [وبعده استقرَّ فيه النجم ابن حجِّي حفيد المشار إليه أولًا، فما هاب صنيع جدَّه رحمهما اللَّه] (¬2). والعلم -لا سيما تفسير كتاب اللَّه، والخوض في مناسبات آية- دينٌ، فانظر عَن مَنْ تأخذ دينك، وأسالُ اللَّه التوفيق والسَّلامة. [وظيفة الوعظ:] ويلتحق بالتفسير: وظيفة الوعظ بجامع الظَّاهر بالحسينية، تلقَّاها عن ¬

_ (¬1) بياض في الأصول. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط).

الشيخ نور الدين الرَّشيدي بحكم وفاته، وهو تلقَّاها عَنِ الكمال الدَّميري. وهذه الوظيفة كان شيخُنا العلامة النَّحوي شهابُ الدين الحناوي يحكي أنَّها كنت باسم الشيخ بدر الدين الطِّنْبِدائي، وكان يُباشرُها بنفسه، حتَّى صار عوامُّ تلك الناحية من تُرك وغيرهم يعرفون كثيرًا مِنَ العربية ونحوها. انتهى. [ولعلَّه كان يُباشرها نيابةً عَنْ غيره، فإنَّها كانت مع الشيخ تقي الدِّين السُّبكي، نم ابنه أبي حامد أحمد، ثم أخذها بعد موته الكمالُ الدَّميري] (¬1). وأمَّا شيخُنا صاحب الترجمة، فإنَّه استخلف فيها الشيخ شهاب الدين الطنتدائي، وكان القارىء للميعاد بين يديه أبو العبلس بن الضِّياء الحنبلي، فلمَّا مات الشِّهاب الطنتدائي، صار أبو العباس المذكور يسُدُّ الوظيفة -فيما بلغني- بالقراعة، ثمَّ بأخَرَةَ برهان الدين البقاعي، ومات شيخنا بعد ذلك، فاستقرَّ في الوظيفة القاضي وليُّ الدِّين الأسيوطي، واستناب فيها الشيخ زكريا، فباشرها مدَّةً، ثم اغتصبها البقاعيُّ مِنْ صاحبها، وزعم أنَّها وظيفتُه، واستعان في نلث بمخدومه بردبك أيَّام أستاذه الأشرف إينال، فسكت الوليُّ، واستمرَّ البقاعي يُباشرُ ذلك حتَّى الآن، وأخذ حينئذٍ في عمل المناسبات، [التي شرحت شأنها في غير هذا المحلِّ] (¬2)، وللَّه عاقبة الأمور. [ثمَّ رام بعد مدَّة في سنة سبع وسبعين الاستيلاء على حانوت مضاف لجهة (¬3) العاشورية، يشهد بذلك أشياء، مِنْ جملتها: وضع اليد وأجايز قديمة مِنْ زمن الشَّمس بن الديري، وهلمَّ جرَّا. وزعم أنَّها مِنَ الموقوف على هذا الميعاد، ولم يُبْدِ مستندًا معتمدًا في دفع ما يشهد للعاشورية، وصمَّم في ذلك على جاري عوائده، فكفَّه قاضي الحنفيّة الآن [شمس الدين الأمشاطي] (¬4)، وامتنع مِنَ الإذعان لذلك، والانجرار معه فيه، جوزي خيرًا، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) "لجهة" ساقطة من (أ). (¬4) هذه العبارة ساقطة من (ط).

[وظيفة الحديث:]

وآل أمره إلى أن توسَّل (¬1) عند قاضي الشافعية حتَّى زاد له المعلوم، وصار في كلّ شهر ستمائة، مع كونه لا نظرَ له في هذا الميعاد بخصوصه، وكون الحساب القديم -بل وغيره- إنما يشهد بمائة خاصَّة. ونازعه شاهدُ الوقف -وهو كمال الدين بن الضَّياء- ولم يُذْعِنْ له في ذلك، مع توسُّل البقاعي عنده بالقاضي الحنبلي، ولم يُفِدْ، فنزل عن الوظيفة المذكورة لنجم الدِّين بن عرب، وعيَّن أن معلومها ستمائة، فلا قوَّة إِلَّا باللَّه. هذا كلُّه وهو يزعم أنَّه لم يُزاحم أحدًا في وظيفة. نسأل اللَّه تعالى أن يُعيذنا مِنْ شرور أنفسنا] (¬2). [وظيفة الحديث:] ويليها الحديث، وكان قد وليَ تدريس الحديث بالشيخونية في شوال سنة ثمان وثمانمائة عِوَضًا عن شمس الدين محمّد بن علي بن معبد المدني المالكي بحكم نزوله له عنها، وأملى بها نحوًا مِنْ مائة مجلس كما تقدَّم، وهي أول مكان وَلِيَ فيه تدريس الحديث. ثم ولي تدريس الحديث بقبة الخانقاه البيبرسية بعد نور الدين علي بن عبد الرّحمن بن محمد بن أحمد الربعي الرشيدي -[المشار إليه قريبًا] (¬3) بحكم وفاته في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة بعد ولايته مشيخة الصوفية ونظرها بيسير، وكان الرشيدي أيضًا تلقَّاه عن الشيخ كمال الدين الدَّميري، فأقام فيه خمس سنين وثلاثة أشهر ومات، فتلقَّاه شيخُنا، وناب عنه فيه البرهان بن خضر، ثم بعد موته الشمس بن حسَّان، وصار له بحكم وفاته، فلمَّا مات ابن حسَّان، استقرَّ فيه الشيخ قاسم الحنفي، ثم ركب عنه بمائة دينار لسِبْطِ صاحب الترجمة. ثم ولي تدريس الحديث بالمدرسة الجمالية المستجدَّة أوَّل ما فُتحت، ¬

_ (¬1) في (ط): "يسأل". (¬2) من قوله: "ثم رام بعد مدة" إلى هنا لم يرد في (ب) وقد ورد في هامش (ح) بخط المصنف. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

ولَّاه ذلك واقفها في رجب سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وعمل فيها مجلسًا بحضرة الواقف والأكابر، تكلَّم فيه على حديث "مَنْ بنى للَّه مسجدًا"، وقال: عندي من طرقه (¬1)، وعيَّن عددًا، فقال له القِمَني -وكان حاضرًا-: قل ما شئت، فلا ينازعُك فيه أحد، يشير إلى انفراد صاحب الترجمة بذلك، مع أنه لمَّا استشعر إرادة شيءٍ بمقالته، قال له: أحضِر محبرةً، وأكتب كل ما أقول، يظهر لك صحَّته بعد ذلك، وما أظن القِمَني أراد إِلَّا الأول. وبلغني أن القِمَني على عنه فى أثناء الكلام، فقال له شيخُنا: صه، فقال له القمني: مه! وامتدح شيخُنا واقفَ المدرسة شكرًا له على توليته ذلك بقصيدة أولها: يا سيِّدَ الأُمراء يا كنزَ الورى ... وعزيزَ مصر ومَنْ به فخرت حلبْ العبد قد وافى ليشكُر أنعمًا ... وقعت له مِنْ جودكم وفق الطَّلبْ ومهنئًا بالشَّهر بل يهنأ بكم ... شهرٌ ودهرٌ كلُّه بكم رجبْ صُبَّت على النَّاس المكارمُ منكم ... ديمًا فلا يختصُّ شهرٌ بالأصبْ وكان من جملة الطلبة عنده فيه العلامة كمال الدين محمد بن محمد بن حسن الشُّمُنِّي، فلمَّا ولي صاحب الترجمة درس الفقه بالشَّيخونية، وتشاغل به عن درس الجمالية، وكان أمثل جماعته بالجمالية الكمال المذكور، وليس بيده تدريسٌ، عرض عليه صاحبُ الترجمة مع بعض أصحابه أن يرغب له عنه بخمسين ناصريًّا، يدفع له ما يكونُ معه مِنْ ذلك إن كان، ويستنسخُه بالباقي. هذا بعد أن قيل: إنه أُعطيَ فيها مائةَ ناصريّ، فأجاب ودفع له نحو عشرين ناصريًا، وأشهد بالباقي، وذلك في سنة تسع عشرة وثمانمائة، فاتفق أنَّ الكمال مات عن قُربٍ، وخرجت الوظيفةُ عَنْ ولده، -وهو شيخنا المحقِّقُ تقيُّ الدين أحمدَ الشُّمُنِّي، وكان إذ ذاك ¬

_ (¬1) في (ط): "طريقه".

صغيرًا- للعلَّامة المفوَّه عز الدين القدسي، فقام شيخُنا صاحبُ الترجمة حتى استعاد الوظيفة للولد المعيَّن، وباشرها عنه، ثم آل الأمرُ فيها إلى أن أخذ للشيخ تقي الدين مِنَ العزِّ القدر الذي كان دفعه والدُه إليه، وآثره هو بما كان تأخَّر، ورجعت الوظيفة للعزِّ. هذا ما حكاه لي شيخُنا التقي المذكور، وكتبتُه دفعًا لمن يتكلَّم بالهوى، واظهارًا لمقاصد شيخنا الجميلة. واستقرَّ فيها بعد القُدسيِّ القاضي نور الدين بن سالم، ثم الشيخ شصى الدين النَّواجي، وحضرت معه إجلاسه فيها، ومات فحُفظت لولده، واشيب عنه فيها. [ثم صارت بعد وفاته للشمس بن قاسم، ثمَّ رغب عنها لداود الأزهري المالكي] (¬1). ثم ولي تدريس الحديث بالجامع الطُّولوني عِوَضًا عن التقيِّ علي حفيده ابن (¬2) العراقي بحكم وفاته سنة ثلاث وثلاثين، وكان كتب له تفويضًا به بعد وفاة جدِّه في ذي القعدة سنة ست وعشرين وثمانمائة، واستمرَّ بيده حتى مات، فاستقر فيه العلاءُ القلقثشديُّ، وركب في مرض موته عنه لولده وأخيه، فلمَّا مات أخوه، استقلَّ الابن بذلك. ودرَّس للمحدثين نيابةً عن ولده -كما تقدَّم- بمدرسة حسن في سنة تسع وعشرين، ثمَّ استنزل ولده عنها لتلميذه العلامة نور الدين بن سالم، ثم رغِبَ عنها ابنُ سالم في حياة شيخنا للنَّواجي، ثم بعد وفاته حُفِظَت لولده، [فلما مات أخذها عبد البر بن الشحنة] (¬3). وولي أيضًا تدريس الحديث بالقبة المنصورية عن [صدر الدين أحمد بن جمال الدين محمود بن العجمي] (¬4)، ثم رغب عنها للعلامة الفقيه ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) "ابن" ساقطة من (ب). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) ما بين حاصرتين بياض في (ب).

البدر بن الأمانة، وذلك حين ركب عن درس الفقه بالشَّيخونية كما سيأتي، وقال النَّاسُ: لو أُعطي ابنُ الأمانة الفقه، والآخرُ الحديث، لكان أولى، فقال: إنَّما أردت أعرِّف مقام الرَّجلين فيما لا يُظَنُّ بهما معرفته، ليشتهر أمرُهما بذلك كما اشتهر بغيره. فلما مات البدر، استقر فيه أولادُه، ثم رغبُوا عنه بعد دهرٍ لسبط صاحب الترجمة. [وقد قال صاحب التَّرجمة في جمادى الأخرى من سنة إحدى وثمانين (¬1): عُقِدَ مجلس بسبب عزِّ الدين الرَّازيُّ حين وَلِيَ تدريس الحديث بالمنصورية، فقام في ذلك البرهانُ الأبناسي والزَّينُ العراقي وغيرهما، وقالوا إنَّ هذا لا يعرف شيئًا مِنَ الحديث، وأعطوه جزءًا مِنْ "صحيح البخاري" ليقرأ فيه بالحاضر، فافتُضِحَ حين قرأ، لكونه صحَّف الواضحات، وآل الأمرُ إلى أن أخذ التدريس جمال الدين محمود بن العجمي المحتسبُ لنفسه، وصار يستحضرُ بعض المحدِّثين إلى منزله، ويقرأ عليه الحديث، بل وجماعة من المنتفعين، كالآمدي والدِّجوي، واستمرَّ بيده حتى مات، فاستقرَّ فيه ولدُه صدر الدين أحمد بعده، إلى أن صار إلى شيخنا صاحب الترجمة] (¬2). ثم ولي مشيخةَ الحديث بالمدرسة التي استجدَّها الزَّيني الاستادار، بعد الفراغ مِنْ عمارتها بْمدَّة، بالتماس الواقف وغبره مِنْ حاشيته لذلك مِنْ شيخنا، قصدًا لحصول التجمُّل به، وسألوه تعيين جماعةٍ مِنْ طلبته، فعيَّن سبطه والبقاعي وكاتبه (¬3) وغيرهم، وكنَّا نحضر معه ويقرأ عليه الشيخُ شهابُ الدِّين بن أسد شيخ القراء، وربما جلس الواقفُ قريبًا للسماع. وكان رحمه اللَّه يؤثر بمعلومه فيها (¬4)، ولم يقرر صاحبها فيه (¬5) بعد موته أحدًا، ¬

_ (¬1) في (أ) "إحدى وثمانين وثمانمائة"، خطأ. والخبر في حواث سنة إحدى وثمانين وسبعمائة من "إنباء الغمر" 1/ 306 - 307. (¬2) من قوله: "وقد قال صاحب الترجمة" إلى هنا لم يرد في (ب). (¬3) أي السخاوي صاحب هذا الكتب. (¬4) في (ب): "يؤثر بمعلومها". (¬5) في (أ): "فيها".

وقال: إنما فعلت ذلك لأتشرَّفَ به، وكان التفويضُ له بذلك في رجب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة قبل موته بيسير. وولي مشيخةَ إسماع الحديث بالمدرسة المحمودية، ويقال: إنه استقرَّ فيها بعد وفاة البدر أحمد بن عمر (¬1) بن محمد الطَّنبذي، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة تسع وثمانمائة، وكذا كان مفوضًا لشيخنا قراءة الحديث بها، فكان يستخلف فيها من اختار مِنْ طلبته. ولمَّا مات استقرَّ فيها الشهابُ بن العطَّار الآتي ذكره في أسماء الطلبة. ثم وُجِد في كتاب الوقف ما يدلُّ على أنَّ الواقف شرط كونهما لرجلين، فاستمرَّ الشهاب في الإسماع، واستقرَّ البدر محمد بن الجمال يوسف الدَّميري في القراءة، وحصل بينهما نزاعٌ، فلمَّا مات الشَّهاب، استقرَّ في الإسماع أمير حاج الملقَّب صلاح الدين ربيب قاضي القضاة علم الدين البلقيني [الذي ولي القضاء بعد أشهر، ثم رغب عنها لعبد القادر بن النقيب] (¬2)، فلله الأمر. وولي أيضًا مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق بعد شُغورها مِنْ بعد موت الجمال بن الشرائحي مدَّةً طويلة، فلما دخل الشام في سنة ست وثلاثين، أعطاها للحافظ العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر عبد اللَّه بن محمد بن أحمد القيسي، الشهير بابن ناصر الدين، وحضر فيها معه، واستمرت مع ابن ناصر الدين حتى مات، فاستقرَّ فيها العلامة علاء الدين علي (¬3) بن عثمان بن عمر بن الصَّيرفي، ومات في سنة أربع وأربعين، فاجتمع صاحب الترجمة بالبهاء بن حجي حين قدومه القاهرة، وأعلمه بأنَّ الوظيفة له، وإنَّما كان استناب فيها ابن ناصر الدين، وأنه الآن يُعرِضُ عنها للشيخ قطب الدين الخيضري، لكونه أمثلَ أهل الفنِّ هناك، فأجاب واستقرَّ ¬

_ (¬1) في (أ): "محمد"، وكذا في إنباء الغمر 5/ 21، وفي الضوء اللامع 2/ 56، "عمر" كما هنا. وقال المصنف فيه، والصواب أحمد بن محمد بن عمر. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (أ): "علاء الدين بن علي"، خطأ، وانظر الضوء اللامع 5/ 259.

[وظيفة الفقه:]

المشار إليه فيها، وبقيت معه (¬1) أيَّده اللَّه حتى الآن. [وقرأت بخطِّ بعض فُضلاء الشاميِّين أن المستقرَّ فيها بعد العلاء بن الصَّيرفي ولده سراج الدين، فانتزعها القطبُ منه، ويشبه أن يكون ذلك بعناية مخدومه البهاء بن حجِّي، ثم التمس مِنْ صاحب الترجمة أن يفعل ما تقدم، فنقوى حُجَّة البهاء على الشَّاميْين، وإلَّا فهُم كانوا يستصغرونه عن ذلك] (¬2). [وظيفة الفقه:] ويليها الفقه. وكان قد ولي تدريس الفقه بالشَّيخونية في سنة إحدى عشرة وثمانمائة، رغب له عنه الإمام نور الدين علي بن سيف (¬3) الأبياري، بعد أن استقرَّ فيها، ودرس بها يومًا واحدًا، ورغب عنها لصاحب الترجمة، فدرس فيها إلى. . . . (¬4)، رغب عنه للقاضي شهاب الدين الأموي، عرف بابن المحمّرة. [ثم وليه الونائي، ثم القاياتي، ثم العلاء القلقشندي، ثم السِّراج الوروري، ثم التقي القلقشندي، ثم البدر بن القطَّان، ثم الشهاب الأبشيهي. أولُ مَنْ وليه البهاءُ أبو حامد بن تقي الدين السُّبكي، ثم بعد موته استقرَّ فيه الشيخ ضياء الدين] (2). وولي تدريس الفقه بالشَّريفية الفخرية التي بحارة الجَوْدَرِيَّة، وهي الآن مع الشيخ شمس الدين اليامي، سنة ثمان وثمانمائة، كما ذكره هو في ترجمة أحمد بن يوسف مِنْ "معجمه"، عوضًا عَنِ الشَّيخ زين الدين حرمي عم البهاء بن حرمى وأخيه البدر، ثم رغب عنها للشيخ نور الدين علي القِمَني، ثم أخذها عنه الشهاب اليامي والد المذكور. ¬

_ (¬1) في (ب): "مع قطب الدين الخيضري". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (ب): "يوسف"، تحريف. وانظر الضوء اللامع 5/ 230. (¬4) بياض في الأصول.

وكذا ولي تدريس الفقه بالكهاريَّة، ورغب عنه للبدر بن الأمانة أيضًا. [وأظن شيخنا تلقَّاه عن النُّور الرشيدي، وهو عن الكمال الدَّميري، فان الكمال تلقَّاه بعد موت شيخه البهاء أبي حامد أحمد بن السُّبكي، وهو عن أبيه التَّقي] (¬1). وولي تدريس الفقه بالمؤيدية أول ما فُتحت في ثالث جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، فلمَّا استقرَّ في القضاء، أنهى الشيخ شمس الدين البرماوي إلى السُّلطان أنَّ شرط المؤيد أن لا يكون المدرس بمدرسته قاضيًا، وأعانه قوم آخرون، فانتزع التدريس المذكور مِنْ صاحب الترجمة، ودرس فيه يسيرًا، حتى أظهر كتاب الوقف، وليس فيه ذكر للشرط المذكور، فاُعيدَ لوظيفته، وعُوِّضَ البرماوي بأن ينوبَ عن عليِّ حفيد العراقي في جهاته بثلث المعلوم، فباشر ذلك. ولما أُعيد التدريسُ لشيخنا، أنشد الشّمس محمد بن علي الهيثمي (¬2) قوله التالي لبيت ما أحببتُ ذكره من أجل البرماوي لجلالته وعلمه: وأعاد أشرف عالمٍ سلطانُنا ... فادعوا بنا للأشرفِ السُّلطان واستمرَّ بيده حتَّى مات، فقرَّر فيه أحد جماعته العلامة جلال الدين المحلي، وصار لشيخ شمس الدين بن المرخِّم. واستقر في تدريس الفقه بالخرُّوبية البدرية بمصر، رغب له عنه المحب محمد بن علي بن أحمد البكري؛ عُرف بابن أبي الحسن، في ثامن عشر رمضان سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بعد نحو شهرين (¬3) مِنَ استقراره فيه، فإنَّ المحبَّ استقرَّ فيه برغبة الشيخ عبد السلام بن داود القدسي في خامس عشر رجب من السنة. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (ب، ط): "وأنشد بعضهم". (¬3) "شهرين" ساقطة من (أ).

[ثم أعاده شيخُنا للمحبّ، واستمرَّ معه حتى مات، فاستقرَّ فيه شيخنا البرهان بن خضر، ثم البهاء بن القطَّان، ثم زين العابدين بن الشرف المناوي، وهو الآن مع البدري بن القطان، ثم انتقل لغيره] (¬1). ثم تدريس الفقه بالصَّلحية، عِوَضًا عَنْ حفيد الشيخ ولي الدين العراقي في سنة ثلاث وثلاثين. ثم صار بعد ذلك مضافًا لوظيفة القضاء، لكنه لمَّا انفصل عن القضاء آخر مرَّة، انتزع له تدريسها تطييبًا لخاطره، ولبس خُلعةً لذلك، على ما حكاه لي صاحبنا الشيخ جلال الدين بن الأمانة. قال: وكت في الصَّالحية حين مجيئه، فقمت ومشيت في خدمته، وجلست مع الجماعة، فقرؤوا شيئًا مِنَ القرآن، ودعا الشهاب بن يعقوب، وعندما وصل إلى الدعاء له، أشار له إشارة يتعجب مَنْ فَهِمَ المقصودَ منها؛ لكن دل آخر الأمرِ عليها، وأنه أمره بالدُّعاء للسُّلطان أولًا. وبلغ قاضي الحنابلة البدرَ البغدادي مجيءُ شيخنا، فبادر لتهنئته، واستصحب معه حلوى في مجامع، فجلس بحافة الإيوان (¬2)، وأمر بالحلوى، فوُضعت بين يدي شيخنا، ففرَّقها على الحاضرين، وانتهى المجلس، فقام فسلم عليه الحنبلي، فلم يُقبِل عليه شيخنا بكلِّيَّته، ولا تحدَّث معه، بل استمرَّ الحنبليُّ ماشيًا بين يديه بعيدًا منه وهو في غاية ما يكون مِنَ التأثير لذلك، حتى قال الحاكي: إنه رأى وجهه وقد زاد تغيُّره فلمَّا وصلا لمحل ركوب شيخنا سلَّم عليه الحنبليُّ ليفارقه، فقال له شيخُنا: بل نتوجه معكم إلى المنزل، ودخل معه إلى المدرسة الأخرى محلَّ سكنه، ففي الحال تهلَّل وجهه سرورًا، رحمهما اللَّه. ثم تدريس الفقه بالمدرسة الصلاحية المجاورة للإمام الشافعي ونظرها تلقاهما عن العلامة العلاء أبي الفتوح القلقشندي بحكم انفصاله عنها، وذلك في يوم الإثنين ثاني عشري (¬3) رجب سنة ست وأربعين وثمانمائة، وكان ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (ط): "الأبواب"، تحريف. (¬3) في (أ): "عشر".

العلاءُ تلقَّاها بمساعدة الأمير تغري بردي الدوادار عن (¬1) الشيخ نور الدين التّلواني بحكم وفاته، فباشرها شيخنا، وتألَّم العلاءُ لذلك. وحضرنا السَّماع هناك في مجمع حافل -منهم الناصري ابن الظاهر جقمق- لقراءة "مناقب الشافعي" رضي اللَّه عنه تصنيف صاحب الترجمة بالقبَّة المجاورة للمدرسة المذكورة عند رأس قبر الإمام المطَّلبي رضي اللَّه عنه في يوم واحد ثامن جمادى الآخرَة سنة سبع وأربعين وثمانمائة، بقراءة أخي المعزول، صاحبنا الشيخ تقي الدين القلقشندي، وكان يومًا مشهودًا. وممَّن حضر معه الدَّرس أول يوم محقق العصر القاياتي، والكمال بن البارزي وخلق، تكلَّم فيه على أول خطبة "الرسالة"، وساق نسبَ الإمام الشافعي، وذكر مَنْ في أجداده، وكذا مَنْ يلتقي بهم مِنَ الصَّحابة، ممَّا لا يشاركه في معرفته غيره مِنَ الموجودين، كما بيَّنه في المناقب. ثم إنَّ العلامة الونائي لما رجع من الشَّام منفصلًا عن قضائها، سعى في تدريسها، لكونها كانت وظيفة صهره التَّلواني. قال شيخنا: فتركتُه له اختيارًا، وذلك في صفر (¬2) سنة ثمان وأربعين، فباشرها سنة ونيِّفًا ثم ضعُف، فامتد (¬3) ضعفُه نحو الشهرين، ومات في صفر سنة تسع وأربعين وثمانمائة، واستقر بعده القاياتي إلى أن مات، فاستقر بعده الشيخُ ولي الدين السفطي، ثم استقرَّ بعده فقيهُ الشَّافعية المناوي، ثم الحمصي، ثم المناوي إلى الآن، بورك في حياته. فدروسه ممتعة محقَّقة، كثيرة الفوائد والفروع المنقَّحة والقواعد المحرَّرة، تقرُّ العيونُ بمشاهدتها، وتثلج الصدورُ بفهم واضحاتها ومشكلاتها، لا كمن جلس نائيًا في بعض الدُّروس المعيَّنة للفقه، فتكلَّم فيها بما قال كثيرٌ مِنَ الأئمة: إنه لا يليق بمثله الخوضُ فيه. وقال بعض ¬

_ (¬1) في (ب): "عوضًا عن". (¬2) في (ب): "المحرم". (¬3) في (أ): "واستمر" وفي (ح): "وامتد".

[وظيفة الإفتاء:]

المعتبرين: ليس هذا موضوع هذا الدرس، فأخذ في المجلس الآخر يتكلَّم في مادة لُغوية، فقيل: هذا كلُّه هروبٌ مِنَ المقصود، هذا مع سؤاله أن يُلقَّب شيخ الإسلام، ودعواه أنه قيِّم العصربين بكلام الملك العلَّام. نسأل اللَّه السَّلامة والتوفيق. [ثم استقرَّ بعد المناوي فيه ولده، ثم الكمال إمام الكاملية، ثم التقي الحصني ثم الزين زكريا] (¬1). وهذه المدرسة -أعني الصَّلاحية- قد ذكر الشمس محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الجزري في حوادث سنةً إحدى وثمانين وستمائة ما ملخّصه: استقر القاضي برهان الدِّين الخضر (¬2) السَّخاوي في تدريس الشافعي، والنظر عليه بالقرافة الصُّغرى، وقف صلاح الدين بما يشهد به كتاب الوقف، وهو في كل شهر أربعون دينارًا مقابلة على التدريس، وعشرة دنانير على النظر، وفي كلّ يوم ستون رطلًا مِنَ الخبز، ومن الماء الحلو راويتان. وكانت هذه المدرسة منذ ثلاثين سنة وأكثر خالية مِنْ مدرّس، مع ملازمة الفقهاء والمعيدين للاشتغال بها. انتهى [وظيفة الإفتاء:] ومما يلتحق بذلك: الإفتاء، وكان قد ولِيَ إفتاء دار العدل في سنة إحدى عشرة وثمانمائة، واتفق في بعض الأيام التي كان يحضر فيها لمباشرة وظيفته -وهو يوم الإثنين مستهل شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة- المبايعة لشيخ، فلُقِّب المؤيد، واختلفوا بم يُكنى؟ فقال صاحب الترجمة: الذي يوافق التَّأييدَ هو النَّصرُ، فاتفقوا على تكنيته أبا النصر، وافترق المجلسُ على ذلك، واستمرت هذه الوظيفة معه حتى مات، فاستقرَّ فيها تلميذُه وصهرُه العلامة البدر بن القطات بل العلامة محيي الدين الطُّوخي، على ما تحرَّر الأمر فيه. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) "الخضر" ساقطة من (ب).

[وظيفة المشيخة:]

[وظيفة المشيخة:] وأما المشيخات، فكان رحمه اللَّه قد ولي مشيخة البيبرسية ونظرها، رغب له عن ذلك العلاء الحلبي في ثالث ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وكان العلاء استقرَّ فيها عوضًا عن شمس الدين أخي الجمال الاستادار، ثمَّ سعى الشمس المذكور إلى أن اشترك مع شيخنا في المشيخة، ثم انتزعها منه كلَّها في سنة ست عشرة وثمانمائة، بعد أن كان كُتب لشيخنا توقيع بها في مستهل جُمادى الأولى سنة خمس عشرة وثمانمائة مِنَ الخليفة حملًا على [ما بيده من] (¬1) المستندات الشرعيَّة، ثم أُعيدت لشيخنا في سنة ثمان عشرة زمن المؤيَّد عَقِبَ كائنة الهروي، وكتب توقيعه بذلك في ثاني عشر ربيع الآخر من السنة، ولبس الخُلعة، كما سيأتي شرحُ ذلك. واستمرت بيده إلى أن قرَّر الظاهرُ فيها العلامة شمس الدين القاياتي في يوم الثلاثاء العشرين مِنْ جُمادي الأولى سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وبها حمِدَ له العقلاءُ ذلك، حتَّى شافهه العلامة فريد الوقت الأمين (¬2) الأقصرائى بقوله: ما حجَّتُك في الاستقرار فيها وانتزاعها من متولِّيها؟ فسكت. وكذا تألَّم شيخ الوقت أبو عبد اللَّه الغمري (¬3) صاحب الجامع الذي بقرب سوق أمير الجيوش (¬4)، وصرَّح بعتبه عليه لذلك، لكونه أخرج عياله ونحو ذلك. [ولهذا لمّا سأل شيخنا العز السُّنباطي منكرًا على أهل الوقت: أهل سمعت قائلًا يقول: إن إخراجها -أعني البيبرسية- عني لا يحلُّ؟ أجابه بقوله: ما رأيت أحدًا قاله سوى الغمري، أو كما قال، ولكن الظاهر أن شيخنا إنَّما أراد من يبرّر بالإنكار] (¬5). وحضرها القاياتي في يوم الولاية ومعه جماعة، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬2) في (أ): "الأمير"، تحريف. (¬3) هو شمس الدين محمد بن عمر بن أحمد، المتوفى سنة 849 هـ. الضوء اللامع 8/ 238 - 240. (¬4) في (أ): "الحوش"، تحريف. (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط).

منهم ولي الدين بن تقي الدين البلقيني، وهو الذي حسَّنَ له المجيء، وإِلا فقد كان القاضي كمال الدين بن البازي أشار عليه بعدم الحضور، والتثبت حتى يراجع السلطان، فإنَّ الصواب عدم انتزاعها منه، ووافق على ذلك، ثم في الحال [بعد مفارقة الكمال] (¬1) انثنى عزمه عنه بواسطة المذكور، وتوجه إليها وهو معه، فحسَّن له أيضًا حينئذٍ النداء لجماعة الصوفية بزيادة الثلث في معلومهم، فأمر بذلك بعد توقفه وقوله حتى نعلم ارتفاع الوقت ومصرفه أوَّلًا، فقال: إذا لم يَفِ بذلك، بعتُ قاعتي وأثاثي وغلَّقت، ففعل. واجتهدوا في سدِّ ذلك بزيادة إجارة البلد، وبإضافة ما كان يأخذه بعض المباشرين للقبض، وهو على كل نخلة شيء مع زيادته، وبإلزام كاتب الغيبة بالتشديد في الكتابة، وبغير ذلك، حتى أنشدني بعضُ صوفيتها لنفسه: عزَّ الشِّهاب فجاءتنا الشياطينُ ... وغابتِ الأسدُ فاعتزَّ السَّراحينُ وقد تواصَوْا على ما لا به سددٌ ... ففي وصيتهم ضاع المساكينُ واتفق أنهم ظفروا بغلَّاية نحاس كبيرة، شرط الواقف أنها تُملأ في الشتاء لمن يحتاج إلى الوضوء أو الاغتسال منها، وأُهْمِلَ أمرُها لعجز الوقف عن القيام بها، فاجتهد وليُّ الدين المذكور في إبرازها بجانب الفسقية وملئها. وكذا اجتهد في عمل حلوى تُفرَّق على الصوفية في ليالي الجُمع مِنْ رجب واللَّذَيْن يليانه، وصار يتولى ذلك بنفسه قصدًا لتأييد العزل، وكان [يذكرُ لفعله ذلك وغيره [من تلك الأفاعيل] (¬2) أسبابًا، منها: أنه رُفع له قُصَّة] (¬3) يلتمس فيها معلومَهُ بجامع طولون، فكتب له بهامشها: فلان يحاسبه بثمن المدورين الرخام اللذين اختُلسا مِنْ قاعة الزفتاوي، يعني التي كان المذكور سكن بها مدَّة، وفقدا منها في تلك المدة، وقدَّر اللَّه تعالى بعد مدة أن المذكور باع قاعته بعد أن كان وقف نصفَها على مدرسته، ونزل عَنْ ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) من قوله: "يذكر" إلى هنا ساقط من (أ).

وظائفه كلِّها، وبذل أكثر ذلك لأهل الدولة، حتى ولَّوه قضاء الشام، وقاسى أهوالًا، [وصرف بأحد تلامذة صاحب الترجمة القاضي قطب الدين الخيضري، وقد غُبِنا] (¬1). نسألُ اللَّه السَّلامة. والذي عندي أن صاحب الترجمة كان يتأول بأن يبر بالزائد -إن كان- طلبة العلم، لأن الكثير من الصوفية من غيرهم، ولهذا كان يستنزل بعضهم ممَّن لا طلب عنده ولمن يكون طالبًا، ويزن عنه مِنْ ماله، ويمكن أن يكون وزنُه ذلك مِنْ فائض الوقف. وأيضًا فكان اشتغالُه بالعلم الذي تعيّن عليه القيام به يمنعه عن تولِّي هذا ونحوه بنفسه، فلهذا دخل عليه الدَّخيل، والأعمال بالنِّيات. وبعد عزل شيخنا منَ البيبرسية، حوَّل مجلس إملائه إلى الكاملية، وأمر بتبييضها، وقرأ الشيخُ حسين الفتحي، أحد تلامذته، من تلقاء نفسه أول يوم مِنْ إملائه بها سورة الصَّف بصوت شجيٍّ، مع كونه بارعًا لي القراءات، فبكى النَّاسُ، وكانت ساعةً مهولةً، وتأثر جماعة القاياتي من ذلك، وراموا إيقاع تشويش بالقارىء، فما ظفَرُوا بمقصودهم. وفي ذاك اليوم أيضًا أهدى إمامُها العلامة كمال الدين له قُمقمًا فيه ماءُ زمزم، واتَّفق دخول القاياتي بعد ذلك إلى الكاملية في جنازة الشيخ شمس الدين الحجازي، وما تيسَّر للكمال إهداءُ شيءٍ إليه، فيقال إنه تأثَّر مِنْ فلك، خصوصًا وقد حكى له الكمال أنَّه أهدى لصاحب الترجمة ماء زمزم، وقال القاياتي: هديةٌ عظيمة، أو كما قال. ولما توفِّي القاياتي، استقرَّ ولدُه الصغير أحمد في المشيخة، والأمير الدوادار دولات باي المؤيدي في النَّظر. ولم يزل كل واحد منهما يباشر وظيفته حتَّى أكيد شيخُنا إلى الخانقاه على جاري عادته في أوائل ربيع الثاني في سنة اثنتين وخمسين. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

وحصل السُّرور بذلك، وحضرنا في خدمته على عادته، وعاد إلى الإملاء بها، واستمرَّ على ذلك أيامًا، ثم التمس ولده عمل (¬1) الحساب في المدة التي كانوا منفصلين عنها، واستحضر المزارعين لبلد الخانقاه، ورام كتابة محضرِ الدُّخول، فاجتهد سعد الدين القبطي، المعروف بابن عُويد السَّراج مباشر الأمير، في ذلك وغيره، وقرَّر عند أستاذه أنَّ قصدهم طلبُ الحساب في مدَّته، وحرَّك عزمَه حتى أعلم الظَّاهر بهذا، فقال: أنا لم أقرِّرْه إِلَّا في المشيخة خاصّة، وما عزلتك عن النظر، فتألَّم شيخُنا واحبابُه لذلك، وكان تدبير ولده هو السبب، فلله الأمر. وساعد الأمير حينيذٍ ولد القاياتي حتى أعيد إلى المشيخة، ثم اتفق (¬2) طلوعه إلى السلطان في بعض القضايا، فأظهر صاحبُ الترجمة ما عنده مِنَ التأثُّر، وشافه الظاهر بقوله: أعطيت وظيفتي مَنْ لا يدري الإسلام، وكذا نهر ابن البارزي ودولات باي، لكونه تكلَّم مع السلطان حينيذٍ بالتُّركي، وانزعج السلطانُ مِنَ ذلك كلِّه، حتى صارت رُكبته تهتزُّ، وأظنه كان سببًا لعزله من [المشيخة أيضًا، بل من] (¬3) وظيفة القضاء عَنْ قُرب، وذلك في جمادى الثاني مِنَ السَّنة بعد سبعة وسبعين (¬4) يومًا مِنْ حين ولايته للخانقاه والقضاء، بل ما كفَّه عنه إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وما صدرَ كلُّ هذا من شيخنا إِلا وقد بلغت الرُّوحُ التُّرقُوة، وقال حينيذٍ لبعض جماعته: لو استقبلت مِنْ أمري ما استدبرتُ، كنت عزلت نفسي من القضاء (¬5) عقِبَ إخراج نظر الخانقاه. واستمر يُملي بها وليس باسمه فيها سوى درس الحديث. وبسبب مباشرة شيخنا نظر الخانقاه المذكورة، ترتَّب ديوان الجيش وكثير من مستحقي المدارس ونحو ذلك على حروف المعجم، وكانوا قبل ¬

_ (¬1) في (ط): "علم"، تحريف. (¬2) في (ب): "وباشر الأمير النظر وشيخنا المشيخة خاصة حتى اتفق. . . ". (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ، ط). (¬4) في (ب): "بعد سبعين يومًا". (¬5) "من القضاء" ساقطة من (ب).

[وظيفة الخطابة:]

ذلك في تعب زائدٍ بالكشف، فسهَّل عليهم، حيث اقتدَوْا بصاحب التَّرجمة في ترتيب أسماء المستحقين بالخانقاه على الحروف. وممَّن كان يحمل المصحف مِنْ محراب البيبرسية حتى يضعه بين يدي صاحب الترجمة -على عادة الشيوخ- سيدي الشيخ سعد العجلوني، نفع اللَّه به، مع أنَّه كان مقيمًا بالجامع الأزهر، وعُدَّ ذلك مِنْ كرامات صاحب الترجمة، رحمهما اللَّه وإيانا. وأمَّا الأنظار سوى ما تقدَّم، فإنّه كان استقرَّ في النَّظر على حمَّام ابن الكُويك بتفويضٍ مِنَ التَّقيِّ المقريزي، واستمر معه حتى مات، ورام القاضي علم الدين أخذه منه في بعض عزلاته، متمسكًا بأنه من متعلقات القضاء، فأرسل إليه صاحب الترجمة بتفويضِ المقريزي إليه، فسكت. [وظيفة الخطابة:] وأمَّا الخطابة، فكان رحمه اللَّه قد ولي الخطابة بالجامع الأزهر -[أظنه لمشاركة غيره له في رفعها] (¬1) عوضًا عن التاج محمد بن علاء الدين [محمد بن محمد بن عبد المحسن بن عبد اللطيف ابن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن حسن العامري الحموي الأصل المصري، عرف] (¬2) بابن رزين المتوفى -حسبما أخبرني به ولده عبد الرحيم رئيس المؤذنين بجامع الحاكم- في سنة تسع عشرة وثمانمائة، برغبة منه لصاحب الترجمة عنها. [وكان التاج تلقَّاها عن أبيه العلاء الذي كتب عنه صاحب الترجمة، ومات في سنة خمس وثمانمانة] (¬3). ولما كان الناصر فرج بن برقوق بالشام في سنة خمس عشرة وثمانمائة، وخلعه الخليفة وهو إذ ذاك بالشام أيضًا، وورد الخبر بخلعه، ثم جاء من عند الناصر ساعٍ بأنه ملتجىء إلى القلعة، وقدم بعض الأمراء وعليه ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

خُلعة الخليفة وكتابٌ لمن بالقاهرة باستقرار الخليفة في السَّلطنة، أرسلوا بالكتاب لصاحب الترجمة بالجامع الأزهر، فقرأه على المنبر وقت الجُمعة، وكذا فعل غيرُه مِنْ أعيان الخطباء. وفي يوم الجمعة ثاني عشري ربيع الآخر سنة تسع عشرة، وكان عقب موت شيخه فريد العصر العز محمد بن أبي بكر بن جماعة، فإنه توفي يوم الأربعاء، وصُلِّي عليه صبيحة يوم الخميس، فأورد صاحبُ الترجمة في خطبته قول ابن الحنفيَّة لمَّا مات ابن عباس رضي اللَّه عنهم: مات -واللَّه- اليوم حَبرُ هذه الأمَّة، فقال: [ولقد دفنَّا بالأمس عالم هذه الأمَّة] (¬1)، أو كما قال. وبواسطة كونه كان خطيبه، كان يكثر الصلاة على الغائبين من العلماء والصَّالحين، حيث يشير بذلك لمعرفته بمنازلهم، فكان ممَّن صلَّى عليه صلاة الغائب العزُّ أبو البقاء محمد بن خليل الحاضري الحنفي، الذي قال فيه البرهان الحلبي الحافظ: لا أعلمْ بالشَّام كلِّه في مجموعه مثله] (¬2). وفي رجب من السنة، أمر السلطانُ الخطباء، إذا وصلوا إلى الدعاء إليه في الخطبة أن يهبطوا مِنَ المنبر درجةً أدبًا، ليكون ذكرُ اللَّه ورسولِهِ في مكان أعلى مِنَ المكان الذي يُذكر هو فيه، ففعل صاحب التَّرجمة ذلك بالجامع الأزهر، وكذا غيرُه مِنَ الأعيان، لكنه ما تمَّ، وكان مقصدُ السلطان في ذلك جميلًا. ولمَّا سافر المؤيَّدُ لتمهيد البلاد الشمالية (¬3) في سنة عشرين، وورد كتابه من حلب بشرح سيرته في السَّفرة المذكورة في بلاد الرُّوم وما ملك مِنَ القلاع التي لم يملكها أحدٌ مِنَ التُّرك قبله وغير ذلك، قرأه صاحبُ التَّرجمة في الجامع الأزهر، وكان يومًا مشهودًا، وصلى للناس في الجامع الأزهر صلاة الكسوف في ثالث عشري ربيع الأول على الوصف المعروف في الأحاديث الصحيحة. بركوعين مطوَّلين، وقيامين مطولين (¬4)، وكذا في ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (ب): "الشامية". (¬4) "مطولين" ساقطة من (أ).

جميع الأركان المقصودة وغير المقصودة، ثم خطب بهم، فانقضى ذلك بعد أن انجلت الشَّمسُ، وللَّه الحمد. وقد صلى بالنَّاس أيضًا صلاة الكسُوف وهو بحلب بجامعها الكبير سنة ست وثلاثين وثمانمائة، فما سلَّم إِلا وقد انجلت وغربت الشَّمسُ، فصلَّوا المغربَ بالجامع، وانصرفوا بغير خطبة. وخطب بجامع القلعة بالسُّلطان على جاري عادة قضاة الشافعية. وكان ربما خطب عنه نيابةً أحدُ نوابه أبو العباس الزركشي والقاضي صدر الدين بن رَوْق، ثم بعد موت ابن روق السيد صلاحُ الدين الأسيوطي، فيما قيل. ومنعهم شيخُنا مِنْ شرب المشروب وهم بالجامع على ما أخبرني به الشرف بن الخشاب، لكنه ما استمر، وأمره أن يقول بين يديه زيادة على ما أحدثوه: ومن لغا فلا جمعة له. وكذا أمر المرقي أن يقول [بعد إيراد الحديث الذي أُحدث ذكرُه بين يدي الخطيب، وقبل قوله] (¬1): أنصتوا: رواه البخاري، وذلك لما توهَّم السلطانُ أنها مِنْ نفس الحديث. وكذا خطب بالسُّلطان بجامع بني أمية في سنة آمد كما سبق (¬2)، ثم خطب بجامع عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه في آخر يوم من رمضان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، وكان استقرَّ فيها، فإنه قايضَ الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى بما كان معه منْ خطابة الأزهر عمَّا معه من نصف خطابة جامع عمرو رضي اللَّه عنه، ثم استكمل (¬3) الوظيفة، بعد ذلك استنزل البدر محمد بن العلَّامة مجد الدين البرماوي عن نصفها الآخر، بل ولي نظر الجامع أيضًا (¬4)، [وذلك في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين، ونزل إلى مصر، وكان يومًا مشهودًا، كما بيَّنته في الحوادث من "تاريخي"] (¬5)، وسمعنا خطبته هناك مرارًا. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ط). (¬2) في (ط): "كما سيأتي". (¬3) في (أ): "استعمل". (¬4) في (ب): "على ما تحرّر". (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

ورأيناه يشتد إنكاره وهو على المنبر على مَنْ يدخلُ مِنَ العوامِّ فيجلس، فإذا تمت الخطبة الأولى قام فصلَّى. وكذا رأيناه ينكر ما يفعله الجهَّالُ مِنْ كتابة أوراق في آخر جمعة مِنْ رمضان والخطيب على المنبر، يسمونها حفيظة رمضان، ويبالغ في ذلك، وهذه الحفيظة أمرُها منتشر، بحيث وُجِدَ بخط محمد بن الشرف إسماعيل بن المقرىء، والفقيه إسماعيل بن محمد الأمينين اليمنيَّيْن، الأول نقلًا عَنْ خط النَّفيس سليمان بن إبراهيم العلوي محدث اليمن، والثاني عن خط الموفق علي بن عمر بن عفيف الحضرمي، عن خط الجمال محمد بن عبد اللَّه الرَّيمي، عن كتاب إبراهيم بن عمر العلوي -قلت (¬1): وهو والد النَّفْيس المذكور في السَّند الأول فيما وجداه -أعني النَّفْيس ووالده- منسوبًا إلى الفقيه الإمام محمد بن الحسين الصِّمعي بلفظه أو معناه، أنه يكتب في آخر جمعة مِنْ رمضان بعد صلاة العصر على ما ورد به الأثر: لا آلاء إِلا آلاؤكُ يا اللَّه (¬2) إنك سميع عليم محيط به علمك (¬3)، كعهون (¬4)، وبالحقِّ أنزلناه وبالحق نزل. وقال: ما كانت في بيت فاحترق ولا سُرق، ولا في مركب فغرق. قال البرهان العلوي: فسألتُ عَنْ ذلك شيخي الفقيه شهاب الدين أحمد بن أبي الخير بن منصور الشّماخي، فقال: لا بأس به وأقرَّه. قال: وإن كان في الحديث شيءُ، فذلك مِنْ باب التَّرغيب والترهيب (¬5). قال الأمين إسماعيل: وأهل زبيد الآن يكتُبون هذا في آخر جمعة مِنْ رمضان والإمام يخطُبُ لصلاة الجمعة، وكذا أهل تعز وغيرها من بلاد اليمن. قلت: وكذا مصر والقاهرة والمغرب ومكة. وليس لها أصل صحيح، بل ولا ضعيف مِنَ السُّنَّة، خلافًا لما هو ظاهرُ كلامِ الشماخي، واللَّه الموفق. ¬

_ (¬1) بياض في (ب). (¬2) في (ب، ط): "باللَّه". (¬3) في (ط): "عملك"، تحريف، (¬4) في (ط): "كمشلهون". (¬5) "والترهيب" لم ترد في (ح).

[وظيفة خزن الكتب:]

واستمرت هذه الخطابة، وكذا الإمامة، بالجامع المذكور بيد صاحب الترحمة، وينوب عنه في الخطابة أيام تلبُّسه بالقضاء، وكذا في غيرها غالبًا، موقِّعُه ناصر الدين بن المهندس المصري. واستخلف في أحد العيدين مرَّة شمس الدين اليلداني الدمشقي، خطيب الثابتية بها، أحد مَنْ قرأ عليه "الصحيح"، ووقع ذلك عنده موقعًا عظيمًا، خصوصًا وقد أمره شيخُنا بالمبيت عنده بالمقعد، وأذِنَ له في ركوب بغلةٍ مِنْ بغاله، ولشدَّة سروره بذلك استكتب شيخنا بما أشرتُ إليه، ليكون له الفخارُ بذلك على خُطباء دمشق. ولمَّا مات صاحبُ التَّرجمة، استقرَّ فيها أبو الخير النحَّاس، وهي الآن بيد فقيه الشافعية الشرف المناوي، [ثم أخذها بعده ولده زين العابدين، ثم ولداه] (¬1). [وظيفة خزن الكتب:] وأمَّا خزن الكتب، فإنه كان بيده خزانة الكتب بالمدرسة المحمودية الكائنة بالموازيين، وكان قد عزل عنها خازنها (¬2) الفخر عثمان، المعروف بالطَّاغي، في سنة ست وعشرين وثمانمائة، لكونها نقصت بتفريطه العُشر، وهو أربعمائة مجلد، لأنَّ كتبها كانت أربعة آلاف مجلدة، وهذه الكتب من أنفس الكتب الموجودة الآن بالقاهرة، جمعها القاضي برهان الدين بن جماعة طول عمره، ولمَّا مات اشتراها محمود مِنْ تركةِ ولده ووقفها، وشرط أن لا يخرج منها شيءٌ من المدرسة ولنفاسة كتبها، رغب شيخُنا في مباشرتها بنفسه، وعمل لها فهرستًا على الحروف في أسماء التصانيف ونحوها، وآخر على الفنون، وقد انتفع بذلك ونفع اللَّه به، فإنَّه كان يقيم بها في الأسبوع غالبًا يومًا، وفي مدة الأسبوع يكتب في (¬3) قائمة ما يحتاج لمراجعته منها بسببه ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (أ): "صاحبها". (¬3) "في" ساقطة من (أ).

[دروس ابن حجر:]

في تصانيفه وغيرها، ليتذكره في يوم حلوله بها كما شاهدته بخطه، وتيسَّر على يده عَوْدُ أشياء ممَّا كان ضاع قبله، واستمر بيده حتى مات، فأخذها أبو الخير أيضًا. [وهي الآن باسم الزَّيني سالم إمام أتابك العساكر أزبك الظاهري، تلقَّاها عن حافظ الدين أحمد بن الجلالي، وهو تلقَّاها عن والده شمس الدين، وهو عن التُّريكي صاحب النحاس المذكور] (¬1). [دروس ابن حجر:] وكان -رحمه اللَّه- إليه المنتهى في إلقاء الدروس على طريقةٍ لم أر نظيرهُ فيها، ويأتي في كل فن مِنْ بنات فكره استنباطًا واستدراكًا وتشكيكًا بما يُبهر عُلماء ذلك الفن، بحيث يقضون له بالسِّيادة فيه. وكيف لا يكون كذلك، وهو كان الغاية في شرعة الإدراك، بحيث أطلق عليه غيرُ واحد مِنَ الأئمة أنَّه أذكى أهلِ عصره، وأحسنُهم كَلامًا في الأشياء الدَّقيقة، مع الإنصاف التَّامِّ، والرجوع إلى الحق في المباحث، ولو على لسان آحاد الطَّلبة، وربما كان في بعض المواطن مستفيدًا [في زيّ مفيد] (¬2)، ولا يتنبَّه لطريقته في ذلك كبيرُ أحد، لكن لا أُطيل بتبيين ذلك. [وكان إذا تأمَّل شيئًا رفع رأسه، وجعل ظاهرَ يده وهي مقبوضة تحت لحيته غالبًا. وبلغني عن الشِّهاب بن المجدي أيضًا -وهو ممَّن كان يوازي شيخنا في وفور الذكاء- أنه كان أيضًا إذا فكَّر في شيءٍ يرفع رأسه ويتنفَّس. ويُقال: إن الفكر يجتمع حينئذٍ، بل لعلَّ شيخنا كان يقصد القرب من فعل السُّنَّةِ، ففي الحديث. أنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان إذا همَّه أمرٌ نظر إلى السماء. وللأوزاعي عَنِ الزُّهري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أهمّ قبض على لحيته] (¬3). ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬3) من قوله: "وكان إذا تأمل شيئًا" إلى هنا لم يرد في (ب).

[التفسير:]

[التفسير:] وأمَّا التفسير، فكان فيه آيةً مِنْ آياتِ اللَّه تعالى، بحيث كان يظهر التأسُّفَ في إهمال تقييد ما يقع له مِنْ ذلك ممَّا لا يكون منقولًا، وربما قال: يا فضيحتنا من اللَّه تعالى! نتكلَّم في كلامه بالاحتمالات. وفي أواخر الأمر، صار بعضُ طلبته يعتني بكتابة ذلك، لكنني ما أظنُّه وفَّى بالمقصود، كما لم يَفِ به فيما كتبه عنه في القطعة التي سمعها عليه مِنْ "شرح ألفية العراقي" حسبما صرَّح به صاحبُ الترجمة لبعض الفضلاء الثِّقات مِنْ طلبته. وبلغني عن صاحبنا الشيخ شمس الدين الجوجري، ثم سمعته منه بعد ذلك، قال: كان -يعني صاحب الترجمة- يأتي في مجلسه مِنَ التَّفسير بدقائق ومهمات (¬1) وغرائب لا تُوجد (¬2) في سائر التَّفاسير، بل يُنشئها مِنْ فكره، ولا يشتغلُ بإبداء ما في التفاسير مِنَ النُّقول، لسهولة ذلك على مَنْ يطالعها. وحكى عنه أنه سأل مرَّة في مجلسه الحافل عند الكلام على قوله تعالى: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف: 22] فقال: في أي موضع مِنَ القرآن أخبرهما معًا بعداوة الشَّيطان لهما؟ فأخذ كلُّ واحدٍ مِنَ الحاضرين يكشف ما معه مِنَ التَّفسير، ويتأمل ما في القرآن مِنْ ذلك، وكنت أحدثهم سنًّا، فألهمني اللَّه تعالى أن قلت: في سورة طه: {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه: 117]، فأخذ بعضُ الجماعة في معارضتي بقوله: هذا في سورة طه، وهي بعد الأعراف، وسياقُ الآية صريحٌ في سبقِ ذلك، فقلت له: القرآن لم ينزل على ترتيب المصحف الشريف، فأعجبَ ذلك صاحبَ الترجمة، وبرز من الحائط، وقال: باللَّه قل له، وصار يُقبل عليَّ مِنْ ثَمَّ. قلت: وقد رأيتُ بعض مسوَّداته على بعض الآيات التي ألقاها في ¬

_ (¬1) في (ط): "ومبهمات". (¬2) في (ط): "لم توجد".

دروسه، فألفيته نقل كلام الأصبهانيِّ والبغويِّ والبيضاويِّ والثَّعلبيِّ والزَّمخشريِّ والسَّمرقنديِّ والسَّمين والفخر الرَّازي والقُرطبي والماوردي والواحدي وابن بريزة وابن جرير وابن ظفر وابن كثير وابن النقيب ومحمود الزنجاني وأبي حيان، لا على هذا الترتب، بل ينظر (¬1) الأقدم فالأقدم. وهذا ما وقع له في تلك الآية خاصّة، وإلَّا فهو ينظرُ أكثر مِنْ هذه، فإذا رأى التَّفاسير التي في ملكه وتحت نظره، أخذ حينئذ في إبداء ما عنده، ولم يقل قط: أنا لا أنظرُ في تفسيبر، خوفًا من وقوف قريحتي، ولا يُصَدِّرُ بكلام نفسه، ثم يقول: وقد وافقني فلان، ولم أقف على كلامه إِلَّا بعد مقالتي، ولا قال: انظر إلى كلامي وكلامِ الفخر الرَّازي، وما أشبه ذلك مِنَ الخرافات التي تحاشى العقلاء عَنْ صدورها، نسأل اللَّه السلامة. وقد سمعتُ مِنْ لفظ صاحب الترجمة أنه تتبَّع رؤوس الآيات مِنْ أول القرآن إلى آخره، فوجد حروف المعجم قد اجتمعت في أواخرها إِلَّا إلخاء المعجمة، وأفاد أنه اشتهر أنه ليس في القرآن آية متأخرة الحكم وهي متقدمة في التِّلاوة، وكلاهما مِنْ سورةٍ واحدة إِلَّا الآية التي في "البقرة" في عدَّة المرأة، وهي قوله: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240]، وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [البقرة: 234]، فإنَّ الثانية مقدَّمة في التلاوة، والأولى مؤخَّرة في التلاوة، والحكم على المقدَّمة دون المؤخَّرة. وألحق بعضُهم بها موضعًا آخر في الأحزاب على رأي، وهو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآية [الأحزاب: 50]، مع قوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]. قالت عائشة رضي اللَّه عنها ما مات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتَّى أحل له النساء، وقيل: هو على ظاهره في التِّلاوة. انتهى، وهو كلام متَّجه. ورأيته نقل عن أبي العلاء المعري أنَّ أكثر ما وقف عليه في القرآن مِنْ توالي الحروف المتحرِّكة التي لا يتخفلها حرفٌ ساكن ثمانية أحرف، ومثَّل ¬

_ (¬1) في (ط): "يتظهر" وفي هامشها: "ينظر".

ذلك بقوله تعالى. {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف: 4]، فمن التاء في "رأيت" إلى الكاف الأولى ثمانية. وأفاد أنه وجد في القرآن بهذا العدد غير هذا، بل وجد تسعة في قوله: {وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا} [الفرقان: 70]، فمن الميم في "آمن" إلى لام "عملًا" تسعة. ووجد عشرة في قوله: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ (¬1) لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] فمن الباء في "ربك" إلى اللام في "غلامًا" عشرة. قال: وهذا أكثر ما وقفت عليه من ذلك إلى الآن، يعني سنة 824. انتهى. وقرأت بخطِّ مفيدنا الحافظ أبي النعيم المستملي عن صاحب الترجمة أنه قال: اجتمعت حروف المعجم في اثنين، أحدهما في آل عمران {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ. . .} الآية إلى {الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]، والثانية في الفتح {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. . .} إلى آخر السورة [الفتح: 29]، وثالثة ناقصة حرف الشين، وهي بالمزمِّل {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ. . .} إلى آخر السورة [المزمل: 20]. [قلت: وقد سبق اليافعيُّ (¬2) شيخنا، لكون الآيتين الأوليين فيهما حروف المعجم، وزاد أنَّهما مِنَ الأسرار المخزونة، إذا كُتبتا ومُحيتا (¬3) بدُهن وردٍ أو غيره مِنَ الأدْهان ودُهن به الأمراض الخطرة والآلام الصَّعبة، برئت بإذن اللَّه تعالى. نقله عن اليافعي (¬4) الكمال الدميري في الهمزة مِنْ كتابه "حياة الحيوان" (¬5) وزاد في خصوص التّداوي: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} إلى ¬

_ (¬1) في الأصل: "ليهب"، وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء ونافع وأهل البصرة. انظر تفسير البغوي/ 223، وتفسير ابن كثير 3/ 113. (¬2) و (¬4) في (أ): "الشافعي"، تحريف. وهو عفيف الدين عبد اللَّه بن أسعد بن علي اليافعي، المتوفى سنة 768 هـ. وهو صاحب كتب "الدر النظيم في خواص القرآن العظيم". انظر الدرر الكامنة 2/ 247 - 249، والأعلام للزركلي 4/ 72. (¬3) في (أ، ب): "إذا كتبتها ومحيتها". (¬5) ص 6.

[فتاويه:]

{أَمْتًا} [طه: 105 - 107]. وكذا الفاتحة، واللَّه أعلم] (¬1). وأنشدني صاحب الترجمة مرة: رأى فحبَّ فرام الوصلَ فامتنعوا ... فسامَ صبرًا فأعيى نيله فقضى وسأل الجماعة: أفيكم مَنْ يعرف في القرآن توالي التعقيب بالفاء مثل هذا؟ فلم يستحضر ذلك أحدٌ، فتلا هو في الحال: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 13 - 15]، وأنها قُرئت "فلا" بالفاء أيضًا. [وقد أرسل له الظَّاهر جقمق، بمصحف فيه تقديم بعض الآيات وكذا السُّور على بعض، وزيادة ونقص وأشياء مباينة للمتواتر، يستخبره عن أمره، فلم يتبين له أمره، وتركه فيما أظن عنده] (¬2). [فتاويه:] وأما فتاويه، فإليها النِّهاية في الإيجاز، مع حُصول الغرض، لا سيما المسائل التي لا نَقْلَ فيها، فإنَّه كان أحسن عُلماء عمره فيها تصرُّفًا، لا يُجارى فيها ولا يُمارى، يُخرِّجُها على القوانين المحرَّرة بالدَّلائل المُعتبرة، وهو فقيه النَّفس. وكان يكتب في كلِّ يوم غالبًا -على أكئر مِنْ ثلاثين فُتيا، حتى إنَّه في حال سيره إلى مكة المشرفة، وهو على راحلته، ناوله بعض المسافرين، وهو الشيخ شرف الدين يونس الواحي فُتيا، فثنى رجله، وكتب. هذا مع شغل باله بأمر السَّفر، إِلَّا أنه أحب المزيد مِنْ الأجر، لما فيه مِنَ الإرشاد وإغاثة الملهوف. ¬

_ (¬1) من قوله: "قلت: وقد سبق اليافعي" إلى هنا لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

وقد قال المهلب في "شرحه" للبخاري: إن الفُتيا في الطريق، أو على الدابة ونحو ذلك مِنَ التَّواضع، فإن كانت لضعيف، فهو محمود، وإن كانت لرجل مِنْ أهل الدُّنيا، أو لمن يُخشى لسانُه، فهو مكروهٌ، يعني حيثُ أمِنَ حصول ضرر بتركه. [وكذا إذا لم يلحق المفتي بذلك زَهْوٌ وإعجاب ونحو ذلك] (¬1). لكن قد حكي عن بعض الأجلَّاء أنَّه أوصى بعض طلبته، فقال: لا تسألني عَنْ أمر الدين وأنا ماشٍ ولا وأنا أتحدث مع النَّاس، ولا وأنا قائم، ولا وأنا متكىءٌ، فإنَّ هذه أماكن لا يجتمعُ فيها عقلُ الرَّجل. لا تسألني إِلَّا في وقت اجتماع العقول. انتهى. وقد تقدَّم في الباب الثاني (¬2) حكاية شُرب صاحب التَّرجمة لماءِ زمزم في تيسير أمر الفتاوى عليه. ولكثرتها زَعَمَ بعضُ الحُسَّادِ أنه تتبع ما فيها. وأقول: إن كلَّ ما فيها مِنَ الخطأ بزعم المعترض مغتفرٌ في جانب ما في غيرها مِنَ الصواب، فمن يُفتي في الشَّهر أكثر مِنْ ثلاثمائة، لا يُستغرب إذا أخطأ منها في ثلاثة، بل في ثلاثين. فإن أظهر المعترضُ الجميع، ثبتت المعذرة، كدأب غيره مِنَ المفتين، والسَّعيدُ مَنْ عُدَّت غلطاتُه. ومَنْ ذَا الذي تُرضى سجاياه كلُّها ... كفى المرءُ نبلًا أن تُعدُّ معايبُه وإن أخفى الحق وأظهر الخطأ، فلا يخفى التعصُّب. [وقد يكون الاعتراضُ عليه نشأ عَنْ عدم إدراكِ مقصدِه وما أحسن قول القائل: غموضُ الحقّ حين يذبّ عنه ... تعلّل ناصر الخصم المحقِّ تَجِلُّ عن الدَّقيق فُهومُ قومٍ ... فيقضي للمخلِّ على المدقِّ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). (¬2) 1/ 166.

وقول غيره: وكم عائبٍ قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السَّقيمِ] (¬1) وقد رأيتُ لشيخنا مجلدة مِنْ مهمِّ فتاويه سماها "عجب الدهر في فتاوى شهر"، افتتحه بقوله: الحمد للَّه الذي لا تنفذُ خزائنُه مع كثرة البذل، والصَّلاةُ والسَّلام على محمد الذي جمع شتات جهات الفضل، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أكرِمْ بهم مِنْ صحبٍ وأهل. أما بعد، فإن مَنْ غلب عليه الحسدُ، وقف على فتوى بخطي، وقع عند كتابتها ذهولُ عَنْ تقييد ما يُوهِمُ الإطلاق فيه، فشنَّعَ عليَّ في ذلك وبالغ، مع أنه عند التأمُّل لا يخفى المراد، فلمَّا بلغني ذلك، حداني على تدوين ما يقع لي مِنَ الأسئلة في شهرٍ واحدٍ، ليعذر من يقف عليها فيراها، وصوابُها أكثرُ مِنْ خطئها، فإنَّ الإنسان طُبع على السيان، والسَّعيدُ مَنْ غلب صوابُه على خطئه، وإنَّما يُلام مَنْ أصرَّ بعد قِيَام الحجَّة. قلت: وعلى سبيل التنزُّل للخصم، فهو خيرٌ مِمَّن يجيب بتحصيل الحاصل، مثل تجوز ذلك على الوجه الشرعي، واللَّه المستعان. وكان رحمه اللَّه لا يُحابي بالفُتيا أحدًا ولو عَظُم، اتَّفق في سنة ثلاث وعشرين لمَّا كُتبتِ المحاضرُ بكفر قرا يوسف وولده، وأثبتت على القضاة، وطِيفَ بها على المشايخ، فكتبوا في ظاهرها بتصويب الحُكمِ المذكور، كان مِنْ جملة مَنِ (¬2) التُمست منه الكتابة صاحبُ الترجمة، فلم يزل يدافعهم عنها بعد إلزام السُّلطانِ وكاتب السِّرِّ له بذلك فالتزم، ولكنه لم يف -وللَّه الحمد- تقديمًا لحقِّ اللَّه تعالى، وعدم المحاباة في دينه. ونحوُه ما حكاه صاحبُ التَّرجمة في "فتح الباري" أنَّ ملك الشَّرف شاه رُخ حاول في سلطنة الأشرف برسباي أن يأذن له في كسوة الكعبة ¬

_ (¬1) من قوله: "وقد يكون الاعتراض". إلى هنا لم يرد في (ب). ومن قوله: "وقول غيره" لم يرد في (ط). (¬2) في (أ): "ما".

[خطبه:]

فامتنع، فعادت رسله أن يأذن له أن يكسوها مِنْ داخلها فقط، فأبى، فعادت رسلُه أن يرسل الكسوة إليه، ويرسلها هو إلى الكعبة، ويكسوها ولو يومًا واحدًا، واعتذر بأنه نذر أن يكسوها، ويريد الوفاء بنذره، فاستفتى أهلَ العصر، فتوقَّف صاحبُ الترجمة في الإذن له، بل وأشار إلى أنَّه إن خشي منه الفتنة، فيُجاب دفعًا للضَّرر، وسارع جماعة (¬1) إلى عدم الجواز، غير مستندين إلى طائلٍ، بل موافقةً لهوى السُّلطان، ومات الأشرف برسباي على ذلك. ومنه أنَّ القاضي جلال الدين البُلقيني -وهو من المختصين به- أفتى مرَّةً، وسُئل صاحب الترجمة هو والبساطي عن ذلك، فخالفاه معًا فيما أفتى به، وبلغه ذلك، فتغيَّر لكنه احتشم مع شيخنا، وإستضعف جانبَ غيره، رحمهم اللَّه. وكنت أرى منه عجبًا في معرفة مقاصد السَّائلينِ مِنْ عباراتهم المعجرفةِ وحروفهم المقلَّبَة، وربما لا يتيسَّر له المراد، فيكتب تحت السؤال أو بجانبه: يكتبها طالبُ علم. وقد يعلم أن مذهبه لا يوافق غرَضَ السَّائل، فيرشدُه لمن عده ما ينفعُه، أو يطلع على تعنُّتِ السَّائل، أو إرادته الإعلام بإتقانه تلك المسألةُ، واستيفاء المقال فيها، إلى غير ذلك مِنَ المقاصد التي يدخُلها الخللُ، فلا يكتب قصدًا لردع مَنْ هذا سبيلُه، لكن تركهُ الكتابة مع ذلك في النادر، واللَّه الموفق. [خُطَبُه:] وأمَّا خطبه، فكان لها صدع في القلوب، ويزداد وهو على المنبر مِنَ المهابة والنُّور والخَفَرِ ما لا أستطيع وصفه، بحيث كنتُ إذا نظرتُ إليه وهو على المنبر، يغلبِنُي البكاء، وربما أصلح القرينة إذا لم يرتَضِها وهو على المنبر. ¬

_ (¬1) في (ط): "جماعته".

[القضاء:]

واعلم أنه كان مِنْ مقاصد شيخنا الجميلة أنَّه إذا رأى مع شخص وظيفةً لا يستحقُّها، اجتهد في استنزاله عنها، ويباشرها قليلًا، ثم يرغبُ عنها لمن يستحقها، ممَّن يكون فقيرًا، إمَّا بالقدر الذي دفعه، أو أقل. وممَّن فعل معه ذلك: الشيخ شهاب الدين الأموي، الشهير بابن المحمِّرة، حيث رغب له عن درس الفقه بالشيخونية كما تقدم بحقِّ الشطر مما بذله هو فيها، علمًا بحاله. وكذا فعل مع العلامة البدر بن الأمانة في درسي الحديث بالمنصورية والفقه بالكهاريّة، ونحوه إعطاؤه الجمالية للشُّمُنِّي على ما سبق. [كل ذلك قصدًا لوضع الأشياء في مستحقِّها، وإنزال النَّاس منازلهم، ومع ذلك فبلغني عنه أنه كان يقول: لا أعلمُ الآن مِنْ دروس الحديث شيئًا مع مستحقِّه، هذا مع أنَّ ذلك الزمان لم يكد يبلغ المشاهدة في هذا الأوان، فاللَّه يُحسن العاقبة] (¬1). ومن مبرَّاته الحسنة: إعطاؤه للشيخ شهاب الدين الكلوتاتي عَقِبَ نزوله عن تصوُّفه بالشَّيخونية تصوفًا بالخانقاه البيبرسية مجانًا، فلما عين الكلوتاتي في المحدثين بالمؤيَّديَّة، لزم تركه لها. [القضاء:] وأما القضاء، فكان يرحمه اللَّه- قد عَرَض عليه القاضي صدرُ الدِّين المناوي نيابة القضاء عنه قبل القرن، فامتنع، لأنه حينئذٍ كان لا يُؤثر على الاشتغال شيئًا، ثم ولَّاه المؤيَّد الحُكم في قضية خاصَّة، وهي بين الهروي قاضي الشَّافعية إذ ذاك، وبين أخصامه الخليليين والمقادسة، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. ثم ألح عليه (¬2) القاضي جلال الدين بن البلقيني في القبول عنه، وكان بينهما مِنَ الوُدِّ ما اشتهر، فقَبِلَ بعد تكرير السُّؤال من ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) "عليه" ساقطة من (أ).

القاضي جلال الدين له في ذلك، ولم يباشر مِنَ الأحكام إِلَّا اليسيرَ ممَّا لا يُستغنى فيه عنه. ولما صدرت منه الإجابةُ للقاضي جلال الدين في النِّيابة عنه، وولي بعد وفاته القاضي ولي الدين بن العراقي، التمس منه أيضًا ذلك، فلم يجد بدًّا مِنْ إجابته دفعًا لتوهُّم مزيَّةٍ للقاضي جلال الدين عليه، فلمَّا ولي القاضي عَلَمُ الدِّين، وكان قد استشير في ولايته، فقال: إنه يجيءُ منه قاضٍ، وهو كلام مديح، سأله أن ينفذ مكتوب الخشَّابيَّة، لعلوّ منزلته فنفذه، وليس في هذا كبير أمرٍ، لأن القاضي علم الدين ممَّن قرأ على شيخنا في "محاسن الاصطلاح"، وابن شيخه، فلم يتوهم أنَّه يترفَّع عليه بذلك، فما كان إِلَّا اليسير حتَّى رأى منه ما لم يألَفْهُ منه قبلُ، فكان هذا سببًا للإجابة، حين عرض عليه قضاء الدِّيارِ المصرية، واستقرَّ في ذلك يوم السبت ثاني عشري المحرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة بعد انفصال القاضي علم الدين المذكور. وعمل له التَّقي ابن حجة تقليدًا بديعًا، أسلفتُ ذكره في الفصل الأخير مِنَ الباب قبله (¬1)، وفيه ما يُشعرُ بأنَّه عرض عليه ذلك في كلِّ مِنَ الأيام المؤيِّديَّة والظَّاهريَّة ططر، فما تيسَّر إِلَّا في الأيَّام الأشرفية، فاللَّه أعلم. وباشره بعفَّةٍ ونزاهة وتواضُع زائدٍ، واستجلابٍ لخاطر الصَّغير قبل الكبير، وتصميم في الأمور، وإحسانٍ للفقراء والطَّلبة، لكن كان بنكدٍ وعنادٍ وتعب وكثرة مُعارض وقلَّةِ إنصافٍ، وأنشد الشيخ شمس الدين محمد بن علي الهيثمي لنفسه. عزلوا صالحًا عن (¬2) الحكم لمَّا ... ألبس اللَّه أحمدَ التَّشريفا حصل العدلُ فهو ممنوعُ صرفِ ... ثم لا زال صالحٌ مصروفًا ¬

_ (¬1) 1/ 435 - 440. (¬2) في (ط): "من".

[آفات القضاء]

وقال صاحب التَّرجمة: يا زاعمًا أني وليت فجُرت في ... حُكمي إذ ولَّوْهُ لم أكُ حائفا قد كنتَ في أيام جوري آمنًا ... فاحذر أكُنْ أيَّامَ عَدلِكَ خائفا وكان -رحمه اللَّه- مصمِّمًا على عدم الولاية للقضاء أصلًا، واتَّفق أنَّه قدم عليه العلامة أبو الفضل ابن الإمام التِّلمساني، وكان الآخرُ ملتزمًا أن لا يلي القضاء أصلًا، فقصَّ شيخُنا عليه منامًا رآه لنفسه، فعبَّره (¬1) له بأنَّه دالٌ على عدم ولايته القضاء. قال شيخنا: وليس في المنام ما يدلُّ على ذلك، غير أنه أحبَّ التَّفاؤل لي بذلك لما يحبُّه لنفسه، فلم يلبث أن أوقعَ (¬2) القضاءُ والقدرُ كلَّ واحدٍ منَّا في الولاية، والأمرُ بيد اللَّه تعالى، يفعل ما يشاء. وقد قيل: وَلِيتُ القضاءَ وَلَيْتَ القضاءَ ... لم يكن شيئًا تولَّيْتُهُ فأوقعني في القضاءِ القضاءُ ... وما كُنْتُ قِدْمًا تمنَّيتُهُ وأُخبرتُ عن القاضي جلال الدين البلقيني أنه قال يومًا لبعض أصحابه: إن مِتُّ، ترى كلًا مِنَ الولي العراقي والشهاب ابن حجر وأخي قاضيًا، فكان كذلك، رحمة اللَّه عليهم أجمعين. [آفات القضاء] وقد ندم شيخنا رحمه اللَّه على قبوله وظيفة القضاء، لكون أربابِ الدَّولةِ لا يفرِّقون بين أُولي الفضل وغيرهم، ويُبالغون في اللَّوم حيث رُدَّت إشاراتُهم، وإن لم تكن على وفق الحقِّ، بل يُعادون على ذلكَ، واحتياج القاضي بسببه إلى مداراة الكبير والصَّغير، بحيثُ لا يُمكنه مع ذلك القيامُ بكل ما يرومه على وجه العدل. ¬

_ (¬1) في (أ، ب): "فعبر". (¬2) في (أ): "وقع".

وصرَّح بأنه جنى على نفسه بتقليدِ أمرهم كما سيأتي كلامه (¬1) في قصيدته التي أجاب بها البدر ابن سلامة مِنَ المطارحات (¬2)، والتي أجاب بها الصلاح الأسيوطي منَ الألغاز (¬3)، بل وقع في أكثرِ ما علل به منعه قبول قضاء الشام ممَّا سيأتي قريبًا. وسمعته يقول: إنَّ مِنْ آفات التَّلبُّس بالقضاء أنَّ بعضهم ارتحلَ إلى لقائي، وأنَّه بلغه في أثناء توجُّهه تلبُّسي بوظيفةِ القضاء فرجع. انتهى. وبلغني أن السَّيِّد العارف باللَّه صفي الدين الإيجي عمّ أحد طلبة صاحب الترجمة صاحبنا السَّيِّد علاء الدين ممَّن اتَّفق له ذلك، [فإنه ارتحل مِنْ بلاده إلى لقاء شيخنا، فلما وصل بيتَ المقدسِ بلغه ذلك] (¬4)، فرجع، واللَّه أعلم. وكذا أخبرت عن الشيخ محمد البياتي المغربي أنَّه كان ممَّن يتردَّد إليه، ويأخذُ عنه، فلمَّا ولي القضاء، انجمع عنه، واللَّه تعالى يتجاوز عنه، فما كان مقصدُه إِلَّا جميلًا. ولهم في فعلهم سَلَفٌ، فقد روينا عن العيشي، قال: حَدَّثَنَا الحمَّادان، أَنَّ ابن المبارك كان يتَّجِرُ ويقولُ: لولا خمسةٌ ما اتَّجرت: السُّفيانان وفُضيلٌ وابنُ السَّمَّاكِ وابنُ عُلَيَّة، فيَصِلُهم. فقدم سنةً، فقيل له: إنَّ ابنَ عُلية قد ولي القضاء، فلم يأتِهِ ولم يَصلْه، فركب ابن عُليَّة إليه، فلم يرفع به رأسًا فانصرف، فلما كان مِنَ الغدِ، كتب إليه رُقعةً يقول: قد كنتُ منتظرًا لبِرِّك، وجئتُكَ فلم تكلِّمني، فما رأيتَ مني؟ فقال ابنُ المبارك: يأبى هذا الرَّجلُ إِلَّا أن نقشِّر له العصا، ثم كتب إليه: يا جاعِلَ العلمِ له بازيّا ... يصطاد أموال المساكينِ احتَلْتَ للدُّنيا ولذَّاتِها ... بحيلة (¬5) تذهب بالدِّينِ ¬

_ (¬1) في (أ): "كلامًا". (¬2) 2/ 796. (¬3) 2/ 833. (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬5) في (ط): "بحيطة".

فصرت (¬1) مجنونًا بها بعدما ... كنتَ دواءً للمجانينِ أين رِواياتُك فيما مضى ... عن ابنِ عونٍ وابنِ سيرينِ أين رواياتك في سردِها ... في تركِ أبواب السَّلاطينِ إن قلتَ أُكرِهْتُ فذا باطلٌ ... زلَّ حمارُ العلمِ في الطينِ فلمَّا وقف ابن عُلَيَّة عليها، قام مِنْ مجلسِ القضاء، فوطىء بساطَ الرَّشيدِ، وقال: اللَّهَ اللَّهَ، ارحم شيبتي، فإِنِّي لا أصبِرُ على القضاء، فقال: لعلَّ هذا المجنون أغراك؟ ثم أعفاه، فوجَّه إليه ابنُ المبارك حينيذٍ بالصُّرَّة. ويُقال: إن ابن المبارك إنما كتبَ إليه هذه الأبيات لمَّا وليَ صدقات البصرة. وهو الصحيح] (¬2). وعُزل شيخنا بعدُ بيسيرٍ قبل استكمالِ سنة في الثامن أو السبع من ذي القعدة، وأعيد الشَّيخُ شمسُ الدِّين الهروي، فباشر كعادته، ثم انفصل وأُعيد صاحبُ التَّرجمة في ثاني رجب سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وكان -فيما قاله القاضي محبُّ الدين البغدادي كما سلف- يومًا مشهودًا، وحصل للنَّاس سروران عظيمان: أحدهما بولايته، لأن محبَّته مغروسةٌ في قلوب النَّاس، والثاني بعزل الهروي، فإنَّ القلوب كانت اتَّفقت على بُغضه، لإساءته في ولايته، وارتكابه الأمور الذَّميمة. ثم في الثامن مِنْ رجب توجَّه إلى مصر في موكب عظيم ومعه القُضاة ونوَّابُهم والفقهاءُ مَنْ لا يكاد يحصر، وكان أيضًا يومًا مشهودًا. وإذا لم يكن مِنَ الصَّرف بدُّ ... فليكُنْ بالكبارِ لا بالصِّغار وإذا كانت المحاسن بعد الصـ ... ـرف محروسة فليسَ بعارِ وقد كان عَقِب صرفه تكلَّم معه داودار السُّلطان يومئذٍ، واسمه جاني ¬

_ (¬1) في (ط): "فصيرته". (¬2) من قوله: "ولهم في فعلهم سلف" في الصفحة السابقة إلى هنا لم يرد في (ب). والخبر في تاريخ بغداد 6/ 235 - 237.

بك، في وزن مالٍ ليعود، فأنشد صاحب التَّرجمة حينئذٍ قوله: الدَّويدارُ قال لي ... أنا أقضي مآربَكْ قم زِنِ المالَ قلت: ... لا حَفِظَ اللَّه جانِبَكْ على [أنَّ شيخنا لم يكن يتوقَّف عَنِ البذلِ، بحيث أنَّه كان ما يكلِّفه في أيَّام الظاهر فقط ثلاثة عشر ألف دينار، الذي من خالص مالِه مِنْ ذلك ستة، وباقيه كان يدفعُه مِنْ فائض الأوقاف، ويشهدُ عليه بوصوله إليه، وأنَّه يصرفه في مصارفه، وكان يتأوَّل في ذلك كلِّه، بحيث] (¬1) أني قرأت بخطه -رحمه اللَّه- ما نصُّه: مَنْ يبذلُ في القضاء المالَ لأجل عزل زيدٍ، فينبغي أن يؤجَر، لا أن يُؤزر، والأعمال بالنيات. قلت: وبهذا اعتذر شيخ الإسلام السِّراجُ البلقيني لحكمٍ عَنْ ولده قاضي القُضاة جلال الدين كما عُلم في محله. ونازع القاضي نجمُ الدين ابن حجي شيخنا في هذه الولاية، إذ سعى عليه جهده، لكنه لم يتمَّ له أمرٌ، واستمرَّ صاحبُ الترجمة في وظيفته إلى أن صُرف بعد أربع سنين ودون ثمانية أشهر في يوم الخميس سادس عشري صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وفي هذه الولاية زِيدَ في تقليده: "والبلاد الشامية"، حبث يقال: قاضي القضاة بالديار (¬2) المصرية، واستمر ذلك له ولكلِّ من وَلِيَ من تاريخه. ولما صُرف مِنْ هذه الولاية، واستقرَّ القاضي علم الدين بشرط أن لا يزيد على عشرة نواب، وصادف في ولايته وقوعُ الطَّاعون المشهور، فلله الأمر. ثم أُعيدَ صاحبُ الترجمة في سادس عشري جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين، وفوَّضَ شيخُنا في هذه الولاية تبعًا لمرسوم السلطان للقاضي علم الدين نظرَ جامع طولون والناصرية، فلما كان بعد استكمالِ ستِّ سنين وأزْيَدَ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (ب، ط): "بالبلاد".

مِنْ أربعة أشهر في يوم الخميس خامس شوال سنة أربعين صُرف شيخُنا، واستقرَّ القاضي عَلَمُ الدين. [وصار الزَّيني عبد الباسط يبلغ صاحبَ الترجمة في مدة بطالته يلفت السُّلطان إلى السلام عليه ومحادثته، ويقول له: إنَّ البلقيني (¬1) يطلع إلينا في أيام البطالة، فلم يقطع عنا قبوله وإقباله، فلم يسعه إلا الامتثال على طريق الاعتدال، فلمَّا اجتمعا، أخذ السُّلطانُ في التشوّق إليه بعد مزيد الإقبال عليه، فأنشده صاحبُ الترجمة لغيره: محبُّكم اختار عنكم بعادَه ... وما كان منكم مُؤثِرًا بنصيبهِ ولكن رضيتم بُعده عَنْ جنابكم ... فآثر ما تَرْضَوْنَه ورضِي بهِ فأطرق السُّلطان رأسه وخجل، فبادر عند ذلك شيخُنا، فقرأ الفاتحة، ودعا وانصرف. فلمَّا ولَّى، أرسل السُّلطان للزيني يُعلمه بأمر صاحب الترجمة بالطُّلوع في غدٍ ليعيده إلى وظيفته، فامتثل أمر السلطان] (¬2). وأعيد شيخُنا في سادس شوال سنة إحدى وأربعين. فلما كان التاسع من شهر ربيع الآخر (¬3) مِنَ السنة التي تليها عند قراءة تقليد الظاهر جُقمق بالقصر، جرى كلامٌ يتعلَّق بالقُضاة، فقال شيخنا: عزلتُ نفسي، فقال له السُّلطان: أعدتُكَ، فقبل وخَلَعَ عليه وعلى رفقته. ورسم حينئذٍ بإعادة الأوقاف التي كانت خرجت قبل، وهي وقف قراقوش في ولاية العراقي، ووقف بيبغا التُّركماني في ولاية ابن البلقيني، ووقف الأسدي في ولايته، ووقف الطَّيبرسيَّة المجاورة للجامع الأزهر، فأُعيد ذلك كله بتوقيعٍ جديدٍ، ووقع الإشهادُ على السُّلطان بذلك في أول جماد الثاني حين التَّهنئة بالشهر بحضور القُضاة، وأكد عليه في أن لا يقبل ¬

_ (¬1) في (ط): "ابن البلقيني". (¬2) من قوله: "وصار الزيني عبد الباسط" إلى هنا لم يرد في (ب) وورد في هامش (ح). (¬3) في (ب): "جمادى الأولى".

رسالة متجوِّه، ولا يؤجِّرَ وقفًا لذي جاهٍ، لسؤاله لهم في التَّأكيد عليه بذلك، لينتفع به في الوصول إلى غرض الحق، فما أحسنَ ذلك لو تمَّ. فلمَّا كان المحرم من سنة أربع وأربعين، عين السُّلطان للقضاء الشيخ شمس الدين الونائي (¬1)، بعد أن أرسل لشيخنا أن لا يخطُبَ به يوم الجمعة، فخطب به أوَّل صفر القاضي برهان الدين بن المَيْلَق، لكنه ما تمَّ للونائي أمرٌ، وأُعيدَ صاحبُ الترجمة إلى وظيفته بسفارة تلميذه النَّاصري محمد ابن السلطان جُقمق في يوم الإثنين سادس عشر الشهر المذكور، وكان يومًا مشهودًا. ووقعت قضيةٌ، وأظنها في هذه الولاية، وهي أنَّ السُّلطان قرَّر بعض الأمراء في شيءِ مِنَ الأنظار التي كان استرجعها صاحبُ الترجمة، وجاءه الرسول عَنِ السُّلطان بأنَّه إن لم يُجِبْ لذلك [وإلَّا. . . وسكت الرسولُ، فبادر بعزل نفسه] (¬2)، وقال: عثر الحمار كان بشهوة المكاري، ثم صرف في يوم الاثنين خامس عشر ذي القعدة سنة ست وأربعين، وروسِلَ بالاجتماع بالسُّلطان، فاجتمع به (¬3) بعد يومين يوم الخميس، فبيَّن له عذرَه فيما كان نُسِبَ إليه، فعذَرَه وأعاده إلى الوظيفة بعد أن كان الشيخ قد صمَّم على عدم القَبُول مِنْ أول يوم، لكن أشار عليه المالكيُّ -وهو من تلامذته- بخلاف ذلك، حفظًا -زعم- لمالِه وولدِه وعِرضِه، فقَبِل حينئذٍ. فلما كان في يوم الإثنين رابع ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين، لبس خُلعَةَ الرِّضا، لكون السُّلطان كان قد عزله في اليوم الماضي، فلما كان في ليلة الجمعة الثامن مِنَ المحرم سنة تسع وأربعين، سقطت المنارةُ التي للفخريَّة القديمة في سويقة الصَّاحب، وهي مدرسةٌ قديمة جدًا مِنْ إنشاء الفخر عثمان بعد السِّتمائة. ¬

_ (¬1) في (أ): "النواوي"، تحريف. وهو شمس الدين محمد بن محمد بن عثمان الونائي، المتوفى سنة 890 هـ. انظر الضوء اللامع 9/ 139 - 140. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب). (¬3) "به" ساقطة من (أ).

قلت: لها ذكرٌ عند المنذري في "التكملة" (¬1) له في سنة سبع وثلاثين وستمائة، حيث أرَّخ وفاة الفقيه إسماعيل بن إبراهيم بن غازي بن علي النُّميري الحنفي، عُرف بابن فلوس، فإنَّه قال في ترجمته أيضًا ما نصه: ودَرَّس بمدرسة الأمير فخر الدين عثمان بالقاهرة مدَّةَ. انتهى. فهي هذه. وقد بناها بعد هذه الكائنة نظامُ المملكة الجمالي ناظرُ الخواصِّ يوسف ابن كاتب جكم، تقبَّل اللَّه منه. وكانت المئذنةُ مالت قليلًا، فحُذِّرَ السكانُ بالرّبعِ المجاور لها، وهو مِنْ جملة أوقافها، فتهاونوا في ذلك، إلى أن سقطت بالعرض على واجهة المدرسة ووجه الربع، فنزلا بعضٌ على بعضٍ، وهلك تحت الرَّدمِ جماعةٌ، فاجتمع الوالي والحاجبُ، واستخرجوا كثيرًا مِنَ الأموات والأحياء، كل منهم مصاب بيد أو رِجل أو ظهر، فبلغ ذلك السلطان، فتغيَّظ منه، وطلب النَّاظرَ على المدرسة، وهو نور الدين القليوبي أمين الحكم، وأحد النواب، فتغيَّظ عليه، وظنَّ أنه ينوبُ في ذلك عَنْ صاحب الترجمة إلى أن انكشف الغطاء بأنه ليس له في ذلك ولايةٌ ولا نيابةٌ ولَا عُرف بشيءٍ مِنْ ذلك منذ وَلِيَ وإلى تاريخه، لكن انتهز الأعداءُ الفرصةَ، وأوصلوا إلى السُّلطان أنَّ صاحب الترجمة يتبجَّح بأنه كان أصلًا عظيمًا في استقراره (¬2) في السَّلطنة، وأنَّه ينسُب السلطان إلى الظلم ونحو ذلك، بل ألقَوْا في أذنه أنَّه التمس مِنْ رفيقه القاضي الحنفي أن ينفِّذ ما يصدرُ منه [من الحكم] (¬3) بخلعه، وكان ذلك ممَّا أسرَّه شيخنا لقاضي القُضاة سعد الدين بن الديري وثُوقًا به، كما أخبرني به ابن الدَّيري المذكور بعدُ، فنمَّ عليه بصفاءِ خاطره، لا قصدًا للأذيَّة، فازداد غضبُه، وراسله (¬4) بالعزل في يوم الإثنين حادي عشر الشهر ¬

_ (¬1) 3/ 525. (¬2) في (أ): "استمراره". (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬4) في (أ): "وأرسل".

المذكور [بعد استكمال سبع سنين وأزيد من ثلاثة أشهر] (¬1)، وأن يغرَّمَ دِيَةَ الموتى، وأخذ في مقاهرته حتَّى أخرَجَ عنه نظرَ البيبرسية ومشيختها، ولولا بركةُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكان الأمر أشدَّ مِنْ ذلك. ومن تكن برسول اللَّه نصرتُه ... إنْ تَلْقَهُ الأسْدُ في آجامها تجمِ ولهذا راسله شيخنا مع العلاء بن أقبرس يقولُ له: القاضي جلال الدين البلقيني قتيل طَطَر، والقاضي وليُّ الدين بن العراقي قتيلُ الأشرف برسباي، وأنا قتيلُك، وأرجو أن اللَّه تعالى يقتصُّ للمظلوم مِنَ الظَّالم، أو معنى هذا، ولكن قيل: إنَّ العلاء استشار الخليفة (¬2) في تبليغ هذه الرسالة، فمنعه مِنْ ذلك خشيةً على صاحب التَّرجمة، فاللَّه أعلم. ولما كان يوم الخميس رابع عشرة، طُلب الشيخ شمس الدين القاياتي إلى القلعة، لتقليد القضاء بعدَ أن كان القاضي كمال الدين بن البارزي حسَّن له الولاية، وأظهر هو له كراهتها وعدم الرَّغبة فيها، ثم اجتمع بالعلَّامة مفخر الوقت الأمين الأقصرائي، واْظهر له ذلك أيضًا، فوافقه على هذا، وأنه هو الخيرُ في الدُّنيا والآخرة. قال: ويتم لك ذلك إن شاء اللَّه بعدم الموافقة على الاجتماع بالسلطان، والتَّصميم على عدم القبول، وتفارقا على ذلك، فما تمَّ هذا الأمر. وصعد في اليوم المذكور صحبة الكمال، فاجتمع بالسلطان، وأمره بذلك، فأجاب باشتراط أمورِ أجابه إليها، والتمس منه أن يلبسَ الخُلعة والتَّشريفَ على العادة، فامتنع وتقلَّد ورجع وهو راكب بغلة لكاتب السِّر ابن البارزي بثيابه البيضِ وطيلسانه، فدخل الصَّالحيةَ وصُحبته جماعة المباشرين والدوادار الكبير والثاني على العادة، [ولم يسمع الدعوى التي جرت العادة] (¬3) بها، ثم توجَّه إلى منزله، فاستدعى بمباشري المودع والأوقاف، وهرع النَّاسُ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (أ): "الحنفية"، وهو تحريف. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

للسلام عليه وعلى صاحب التَّرجمة، بل سلَّم كلُّ واحدٍ منهما على الآخر بمنزله، وأنشد شيخنا إذ ذاك ما رآه فيما يغلبُ على ظنِّي في "مرآة الزمان" لسبط بن الجوزي، حيث قال: عُزِلَ أبو عمر بن عبد الواحد عن قضاء البصرة، وقُلِّدَ أبو الحسن بن أبي الشَّوارب، يعني محمد بن الحسن بن عبد اللَّه، المتوفى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، فقال العصفريُّ الشاعر: عندي حديث ظريف ... بمثله يُتغنى مِنْ قاضيين يُعزَّى ... هذا وهذا يُهَنَّا فذا يقول: اكرَهُونا ... وذا يقول: استرحنا ويكذبان ونهذي ... بِمَنْ يصدّقُ منّا وكان كافَّةُ الناس -إلَّا مَنْ شذَّ- توهَّم أنَّهما من إنشائه، مع أنَّهما في كتاب متداول بأيدي جَمْعٍ مِنَ الفُضلاء، وهو "معيد النعم ومبيد النقم" (¬1) للتاج السبكي، لكن شطر ثانيهما (¬2) عنده: ويكذباني جميعًا ... ومَنْ يصدّق منّا وبلغ ذلك القاياتي، فتأثَّر وضمَّ ذلك لما كان عنده قبل، حيث وقع بينه وبينَ العلَّامة العلاء القلقشندي، وهما بمجلس شيخهما صاحب الترجمة، مباحثة سطا فيها العلاءُ عليه، فلم ينتصر شيخهما، بل سكت بناءً على أنه لا يُنسب لساكت قول. [وصار (¬3) القاياتي يقول عَقِبَ ذلك: قد كنتُ أردت القيامَ حين ابتداء العلاء، فمنعني الشيخُ مِنْ ذلك، فكأنه كان يحبُّ ما وقع، ومعاذَ اللَّه أن ¬

_ (¬1) ص 73. (¬2) قال السفيري في "المختصر" معقبًا على ذكر السخاوي لهذه الأبيات بلفظ التثنية. وكأن الشيخ شمس الدين السخاوي لم يقرأ في فن العروض ورأى هذه الأبيات مكتوبة في شطرين، فتوهم أنها بيتان. (¬3) من هنا إلى قوله: "رحمهم اللَّه أجمعين" لم يرد في (ب).

يظنَّ بشيخنا ذلك، لا سيما وقد صرّح بما يُقبل مِنْ مثله ويُعذَرُ به، والأعمالُ بالنيات. هذا مع كون القاياتي -رحمه اللَّه- كان كثيرَ التحمُّل وعدم إظهارِ ما يتَّفق ممَّا يشبه هذا. ولقد حكى لي بعضُ مَنْ أثِقُ به أنَّه عُقِد مجلسٌ بالمؤيدية بين يدي شيخنا وبقيَّة القضاة، وحضر كاتبُ السِّرِّ البدري بن مزهر والدوادار أزبك وجماعة، لإخراج مَنِ استقرَّ فيها بنزولٍ، لكونه خلافَ شرط الواقف. وحضر مِنْ أعيان الجماعة بها القاياتي والأبناسي والشهاب بن هشام، فجلسوا بين يدي شيخنا، وشرع شيخُنا في الكلام، فبادره الثلاثة، فاغتاظ عليهم، وقال: من أدبكم لم لا تسمعون كلامي إلى آخره؟ فإن وجدتموه وافيًا بالغرضِ فذاك، وإلَّا فتمِّمُوه، فسكتوا عن آخرهم. قال الحاكي: واتفق أنني اجتمعت بابن هشام، فرأيته متألِّمًا بسبب مخاطبة شيخنا لهم بذلك، وذكر ما لا أحبُّ إثباته. قال: ثم لقيتُ الأبناسي، فأبلغته المقالة المشار إليها فأنكرها، وقال: لستُ أقطع ما بيني وبينه، وأمتنع عن مصالحَ وشفاعاتٍ تُلتَمَسُ منِّي عنده لأجل كلمة. مع أن الأدب فيما رسم به، بل هو أستاذُنا وشيخُنا. قال: ولقيتُ القاياتي، فذكرتُ له مقالة كلٍّ منهما، فلم يُبْدِ كلمةً، ولا خاض في شيءٍ مِنَ الطريقين، رحمهم اللَّه أجمعين]. ولم يلبث القاياتي إلا يسيرًا، وفَجَأَهُ الموت، فأصابته (¬1) يوم السبت تاسع عشر (¬2) المحرم سنة خمسين حمَّى صفراوية، ولم يكن قبل ذلك يتداوى، فحمله أولاده في هذه المرضة على التداوي والحُقنة، فخبطوا في أمره، فحطَّت قوَّتُه، ولم يزل مرضه يتزايد حتى مات بُكرة يوم الإثنين ثامن عشر (¬3) المحرم المذكور، فأُعيد صاحب الترجمة بعد سبعة أيام في يوم ¬

_ (¬1) "فأصابته" ساقطة من (أ). (¬2) في (أ): سهر. (¬3) في (ب): "خامس عشر" وفي (أ): "ثامن عشر". وما هنا موافق لما في إنباء الغمر 9/ 247، وذيل رفع الإصر ص 287.

الإثنين خامس صفر سنة (¬1) خمسين، وهذه الكرَّة الخامسة، وفرح الناس بذلك كثيرًا، واستمرَّ إلى أن انفصل في أواخر ذي الحجة من السنة، [وفي أثناء هذه الولاية أُلبِسَ خُلعة الرِّضا] (¬2) وقُرِّرَ ابن البلقيني في أول يوم مِنَ المحرم سنة إحدى وخمسين، ثم أعيد في يوم الإثنين ثامن ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة بعد انفصال القاضي ولي الدين السَّفطي، فإنه كان استقرَّ عقب ابن البلقيني في العاشر مِنْ شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وخمسين، فأقام شيخُنا يسيرًا، ثم انفصل في خامس عشري جمادى الثاني من السَّنة بعد سبعة وسبعين (¬3) يومًا، وأُعيد ابن البلقيني في يوم الثلاثاء عشرينه، وكانوا راموا انفصال صاحب الترجمة قبلُ بالشَّرف المناوي بعد أن أعطوا (¬4) الشَّرفَ تدريس الشافعي، فما وافق استحياءً مِنْ صاحب الترجمة. ولما ولي ابنُ البلقيني، توجَّه شيخُنا للسَّلام عليه، فباسطه وعرّفه أنه لم يَصِرْ له رغبة في القضاء لتطمين فكره، ثم أمر نقيبه بالتوجُّه إليه، ويأمره أن يحلف له أيمانًا مغلَّظة -ولو بالطَّلاق- أنَّ شيخنا صاحبَ التَّرجمة ما بقيت فيه شعرة تقبلُ اسم القضاء، ويلتمس منه أن تكون أمورُ ابنه عنده مرعيةً، لأنه هو المحرِّك لوالده في ذلك، بل كثيرًا هو الذي كان يسعى ويتكلَّف مِنْ غير علمِ والده إلى أن يُجابَ، ففعل النَّقيبُ -وهو القاضي شهاب الدين بن يعقوب- ذلك، فازداد القاضي علمُ الدين بذلك طمأنينة، وأخذ كلُّ واحدٍ منهما في التودُّد لصاحبه، حتى إنَّه ختم "البخاري" المقروء لجهته في أواخر شعبان، فحضر القاضي، وماتت الشَّريفة ابنة أخت جهة (¬5) صاحب الترجمة، فحضر أيضًا للصلاة عليها، وردَّد الناسُ فكرهم في أيِّهما يصلي إمامًا وفي محل الصلاة، لأن محلَّ دفنها بالقُرب مِنْ جامع المارداني، ¬

_ (¬1) في (ب، ط) "خامس عشري"، وفي (ح) "ثامن عشري". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (ب): "بعد سبعين". (¬4) في (ب): "حين أعطوا"، (¬5) "جهة" ساقطة من (ب).

وبيتها بالقُرب مِنْ منزل شيخنا، فما شعروا إلَّا وقد أمر صاحبُ التَّرجمة، بإدخال الجنازة: جامع الأقمر، وقدَّم الشَّريفَ النَّسَّابة للصَّلاةِ، قائلًا له: تقدَّم يا سيِّد، فإنَّها ابنةُ عمِّك وأنت أحقُّ بها، فكانت مِنْ النكت اللطيفة. ونحوه ما اتَّفق قبل ذلك أنَّهما اجتمعا في وليمةٍ عند القاضي أبي العدل البلقيني في مدرستهم، وكان بينهما إذ ذاك شيءٌ، وشيخُنا هو القاضي حينئذٍ، فحضرت الصَّلاةُ، فقدم الشيخ نور الدين بن الركَّاب المقرىء للصلاة إمامًا. وأين هذا مما اتَّفق، وهو أنه في رجب سنة ثمان وثلاثين توفي الشهابُ أحمد بن ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن رسلان البلقيني، قريب قاضي القضاة علم الدين، فحضر شيخُنا صاحبُ التَّرجمة -وهو إذ ذاك صاحبُ المنصب- جنازتَه مع قريبه، فلمَّا انتهيا إلى قُرب محل الصَّلاة، أمر القريب بوضع النَّعش، وتقدم للصَّلاة عليه إمامًا، فركب صاحبُ التَّرجمة بغلته وانصرف. ولفعل القاضي علم الدين هذا لمَّا توفي القاضي تقي الدين البلقيني، [وذلك في شوال من السنة] (¬1)، وكان شيخنا إذ ذاك أيضًا قاضيًا، حضر إلى بيته فعزّى ولدَه وانصرف، واعتذر عن عدم الحضُور بقوله: القريبُ أولى. ولما حضر البلقيني في ختم "البخاري" المشار إليه. سأل بعض الفضلاء عن الحكمة في انفراد طلحة بالقيام لكعب في قصَّة توبته رضي اللَّه عنهما، فبادر القاضي بقوله: لقرابةٍ بينهما، فعارضه حفيدُ أخيه القاضي علاء الدين في ذلك بقوله: مِنْ أين القرابةُ؟ وأيَّده شيخُنا بقوله: أحسنت بارك اللَّه فيك لم تكن بينهما قرابةٌ أصلًا. نعم، لو قال القاضي لمؤاخاةِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما، لكان أحسن (¬2)، فتغيَّر خاطِرُه من ذلك، وبادر حين فراغِ المجلس، واستجازه القارىء -وهو سبطُ شيخنا على العادة- إلى الإجازة، فتبسَّم ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (ب): "حسنًا".

صاحبُ التَّرجمة قائلًا له: مولانا قاضي القضاة أحبَّ إتحاف الجماعة بإجازته، لعلمه بحصولها لهم في كلِّ وقت منَّا. واستمر شيخنا منفصلًا عَنِ القضاء، مخلصًا في عدم الرغبة إلى العَوْدِ إليه حتى مات، وما ذاك إلَّا لإرادة الخير به، وإلَّا فقد سمعتُه مرارًا عقِبَ عزله بالقاياتي يحكي عن بعض الأكابر قوله: ما سُررنا بالولاية، لكن ساءنا العزلُ. وقال في "شرح البخاري" عند حديث "تجدون خير الناس في هذا الشأن -أي الولاية والإمرة- أشدّهم له كراهية": معناه أنَّ الدُّخول في عهدة الإمرة مكروه مِنْ جهة تحمّل المشقَّة فيه، وإنَّما تشتدُّ الكراهةُ له مِمَّن يتَّصفُ بالعقل والدِّين، لما فيه مِنْ صعوبة العمل بالعدل وحمل النَّاس على رفع الظلم، ولما يترتب عليه مِنْ مطالبة اللَّه تعالى للقائم به مِنْ حقوقه وحقوق عباده، ولا تخفى خيريَّةُ مَنْ خاف مقامَ ربِّه. وأمَّا قوله: "وتجدون مِنْ خير النَّاس أشدَّ النَّاس كراهيةً لهذا الشأن حتى يقع فيه"، فإنه قيَّدَ الإطلاقَ في الرِّواية الأولى، وعرف أنَّ "مِنْ" فيه مُزادةٌ، وأن مَنِ اتُّصفَ بذلك، لا يكون خيرَ النَّاس على الإطلاق. وأمَّا قوله: "حتى يقع فيه"، فاختُلفَ في معناه، فقيل: معناه: أن مَنْ لم يكن حريصًا على الإمرة، غير راغبٍ فيها، إذا حصلت له بغير سؤالٍ تزولُ عنه الكراهة فيه، لما يرى مِنْ إعانة اللَّه تعالى له عليها، فيأمن على دينه مَنْ كان يخاف عليه منها قبل أن يقع فيها، ومِنْ ثمَّ أحب بعضُ مَنْ دخل فيها مِنَ السَّلفِ الصَّالحِ استمرارها حتى قاتل عليها، وصرَّحَ بعضُ مَنْ عُزِلَ منهم، بأنَّه لم تسرّه الولاية، بل ساءه العزل. وقيل: المراد بقوله: "حتى يقع فيه"، أي: فإذا وقع فيه، لا يجوز له أن يكرهه. وقيل: معناه أنَّ العادة جرت بذلك، وأنَّ مَنْ حرَصَ على الشَّيء ورغِب في طلبه، قلَّ أن يحصُلَ له، ومَن أعرض عَنِ الشَّيء، وقلَّت رغبتُه فيه، يحصل له غالبًا. قلت: وقد قال بعضهم: حُمِلْتُ على القضاء فلم أُرِدْه ... وكان عليَّ أثقلَ مِنْ ثبيرِ

[بعض أعماله في القضاء:]

فلمَّا أن عُزِلْتُ جعلتُ أشدو ... لقد أنقذت مِنْ شرٍّ كبير ومدَّة ولاياته في المِرار كلِّها تزيد على إحدى وعشرين سنة بأشهر. [بعض أعماله في القضاء:] وكان -رحمه اللَّه- ذا دُرْبَةً (¬1) بالأحكام، وخبرةٍ بالمصطلح، له قوماتٌ في اللَّه تعالى، لا سيَّما في ولايته القضاء. فمِنْ ذلك أنَّه في السَّنة الأولى من ولايته، عقد مجلس بسبب أخذِ الزكاة مِنَ التُّجار، فقام مع التُّجار قصدًا لعدم تطرُّق الظلم إليهم (¬2)، وأيَّدهم بقوله: أما التُّجَّار، فإنهم يؤدُّون إلى السَّلطنة مِنَ المكوس أضعافَ مقدار الزكاة، وهم مأمونون على ما تحت أيديهم مِنَ الزكاة، وأمَّا زكاةُ الماشية، فليس في الديار المصرية -غالبًا- سائمة، وأمَّا زكاة النَّبات، فغالبُ مَنْ يزرع مِنْ فلَّاحي السلطان أو الأمراء. وتبِعَهُ المالكي والحنبلي، وانفرجت عَنِ التُّجار وغيرهم. فرحمه اللَّه تعالى ورضي عنه. ومنه كائنة الشيخ شمس الدين محمد (¬3) بن عمر الميموني، حكم التَّفَهْني بزندقته وسفْكِ دمه، وكان فيها شائبة نفسية، والتمس التَّفَهْني مِنَ الحنبلي التَّنفيذَ، فامتنع إلَّا بعد الشَّافعيِّ، وهو صاحب التَّرجمة، فسُئِلَ فامتنع حتى قال له السلطان، فقال: قد وقَعَتْ عندي ريبةٌ تمنع مِنَ التَّنفيذ، ثم أبداها، وكانت قضية (¬4) طويلة، تعصب أكثر الجند (¬5) وغيرهم فيها على الميموني تبعًا للتَّفَهْني، وآل أمره إلى أن انفك مِنَ القتل على يد صاحب التَّرجمة قصدًا للحق. ونحوُ هذه الواقعة في زمن التقي بن دقيق العيد كائنة فتح الدين ¬

_ (¬1) في (أ): "رتبة"، تحريف. (¬2) في (أ): "عليهم". (¬3) في (طـ): "شمس الدين بن محمد"، خطأ. وانظر الضوء اللامع 8/ 270. (¬4) في (ط): "قصة". (¬5) في (أ) و (ب): "الحنفية".

أحمد بن محمد البَققي المصري، إلَّا أن الميموني لم يُقتل، وهذا قُتِلَ باجتهاد علي بن مخلوف النُّويري المالكي القاضي، وقيامه في ذلك، وكان الفتحُ يكثرُ الوقيعة فيه. واتَّفق لصاحب التَّرجمة أنه عُقد مجلس بسبب شخص وقع في بعض الأئمة، وراموا تكفيره فعاكسهم، وقرر مسألة سابِّ الصَّحابي، فكان ذلك سببًا للكفّ عن قتله، وقد قال في "فتح الباري" ما نصُّه: اختلف في سابِّ الصَّحابيِّ، فقال عياض: ذهب الجمهورُ إلى أنَّه يُعزَّر، وعن بعض المالكية: يُقتل، وخصَّ بعضُ الشَّافعية ذلك بالشيخين والحسن والحسين، فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين، وقوَّاه السُّبكي الكبير في حقِّ مَنْ كفَّر الشَّيخين، وكذا مَنْ كفَّر مَنْ صرَّح النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بإيمانه، أو تبشيره بالجنة، إذا تواتر الخبرُ بذلك عنه، لما تضمَّن مِنْ تكذيب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. نسأل اللَّه السلامة. ومنه أنَّه تكلَّم مع السُّلطان في أن لا تُطفأ القناديلُ في رمضان إلَّا قُبيل طلوع الفجر، لما يحصُل مِنَ الإجحاف بالنَّاس ممَّن ينامُ ثمَّ يستيقظ وهو عطشان، حيث يمتنع عَنِ الشرب ظنًّا منه أنَّ ذلك حَرُمَ، فوافق السُّلطان على ذلك ثم عُقد مجلس بسببه، فاتَّفق مَنْ حضر على أنَّه يترتَّبُ على ذلك أنْ يغلطَ مَنْ كان يعرفُ العادة المستمرَّة، فيبطل صومُه، فتوقَّف الأمرُ، واستمرت العادة، وكان ممَّن قام في الشِّقِّ الثاني: العلامة شهاب الدين بن المجدي. وكان مقصِدُ شيخنا جميلًا، لا سيما وقد صحَّ: "لا يزال النَّاسُ بخير ما عجَّلوا الفطر وأخَّروا السَّحور". وقد قال رحمه اللَّه في "فتح الباري": مِنَ البدع المنكرة ما أحدث الناسُ في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان وإطفاء المصابيح التي جعلت علامةً لتحريم الأكل والشُّرب على مَنْ يريد الصِّيامَ، زعمًا ممَّن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة (¬1)، ولا يعلم بذلك إلَّا آحاد الناس، وقد جرَّهم ذلك إلى أن ¬

_ (¬1) في (أ): "العادة", تحريف.

صاروا لا يؤذنون إلا بعد المغرب بدرجة، لتمكين (¬1) الوقت -زعموا-, فأخَّروا الفِطرَ وعجَّلوا السَّحور، فخالفوا السُّنَّة، فلذلك قلَّ عنهمُ الخيرُ، وكثُر فيهمُ الشَّرُّ، واللَّه المستعان. ومنه أنه قدِمَ العلامة علاء الدين البخاري، والتمس مِنَ السلطان إبطالَ إدارة المحمل، حسمًا لمادة الفساد التي جرت العادة بوقوعه عند إدارته ليلًا ونهارًا، فأمر السُّلطانُ القضاة وكاتب السِّرِّ بالتوجُّه إلى الشيخ، والتكلم معه في المسألة ففعلوا، فكان مِنْ كلام صاحب التَّرجمة -وهو الشَّافعي-: ينبغي النظرُ في السبب في هذه الإدارة، فيعمل بما فيه المصلحة منها، ويُزال ما فيه المفسدة، وذلك أن الأصل فيه إعلام أهل الآفاق أن الطريق مِنْ مصر إلى الحجاز آمنة، وأن من شاء أن يَحُجَّ، فلا يتأخر خشية خوف الطَّريق، وذلك لما كان حدث قبل ذلك مِنَ انقطاعِ الطَّريق إلى مكة مِنْ جهة مصر، كما هي الآن منقطعة غالبًا مِنْ العراق، فالإدارة لعلَّها لا بأس بها لهذا المعنى، وما يترتَّبُ عليها مِنَ المفاسد يمكن إزالتُه بأن يبطل الأمر بزينة الحوانيت، فإنَّها السَّببُ في جلوس الناس فيها، وكثرة ما يوقَدُ مِنَ الشموع والقناديل، ويجتمع فيها مِنْ أهل الفساد، فإذا تُرِكَ هذا، وأمر السلطان مَنْ تعاطى إدارة المحمل مِنْ غير تقدُّمِ إعلام النَّاسِ بذلك، حصل الجمعُ بين المصلحتين، وانفصل المجلسُ على ذلك. ومنه لمَّا نودي على الفلوس أن يُباع الرطل المنَقَّى منها بثمانية عشر درهمًا، وفرح من كان عنده منها حاصلٌ، وحزِنَ مَنْ عليه منها دَيْنٌ، لما يقاسونه مِنْ نُوَّاب الحكم في إلزامهم إعطاء ذلك بالوزن الأول. قال صاحب الترجمة: وفيه بحثٌ كثير، وبيَّنتُ أنَّ ذلك لا يلزم على الإطلاق، بل لا بدَّ فيه مِنْ شروط، واقتضى الحال كتابة مراسيم للشُّهود أن لا يكتبوا وثيقةً في معاملةٍ ولا صداقًا ولا غيره إلَّا بأحد النَّقدين الذهب أو الفضة، بسبب شدة اختلال أحوال النَّاس واختلاف أحوال الفلوس التي صارت هي النَّقد عندهم في عُرْفهم، مع عزَّة الفلوس وعدمها كانوا يكتبون ذلك بالفلوس، مع ¬

_ (¬1) في (أ): "لتمكن".

تحقُّقهم أنَّه لا وجود لها، وأن لا حقيقةَ لذلك الإقرار، ثمَّ إذا نودي عليها بأن يُزادَ سعرُها، يصير مَنْ كُتِبَ له يطالب بذلك الوزن، فأجحف ذلك بالنَّاس، فحُسِمت هذه المادَّة على يد صاحب الترجمة، وتمادى الاختلاف بسبب ما كان كتب أوّلًا، ولم يزل في اضمحلالٍ بحمد اللَّه وعونه. [واختلف مع جماعة المفتين مِنْ أهل عصره في فَهْم كلام واقفٍ، فكان هو وجماعة في جانب، وخالفهم آخرون, فامتنع مِنْ بَثِّ الحكم بما فهمه، [وصرّح لطالب الحكم] (¬1) منه بقوله: يا أخي، لم أوافق على فهمي، بل نوزِعْتُ فيه، وأشار بالصُّلح. ولذا كان تلميذُه الجلال المحلِّي -وهو المنفرد مِنَ الشَّافعية بمخالفته- يقول: إنه مُنْصِفٌ، فأين هذا مِنْ قاضٍ يُحاقِقُ ويخانِقُ ويزاحم ويضايق، ويتعرَّض لمخالفيه بالتَّنقيص والتَّقبيح، والإهانة والتجريح؟ ولكن حب الدنيا رأس كل خطيئة. نسأل اللَّه العافية من كلّ بليَّة] (¬2). ومن وُفورِ صلابته قبل استقراره في القضاء الأكبر: ما حكاه لي الشريف نقيبُ شيخنا شيخ الإسلام سعد الدين بن الدَّيري، أنَّه امتنع مِنْ قَبول شهادة ابن النُّسخة (¬3) في القِيمةِ أيام عِزِّه وضخامته، إذ كان جمال الدين الاستادار حيًا، وراودوه على ذلك، وتوسَّلُوا إليه، فامتنع وقال: أقبل عاميين من المهندسين دونه. رحمه اللَّه وإيانا. [وكذا كان يقول فيما يقع التَّصادُقُ عليه غالبًا: هو بتسميته بالتكاذب أصدق] (¬4). واتَّفق في بعض ولاياته تجديد الحوانيت التي فيها السُّيوفيون والصيارف بظاهر الصَّاغة وعلوها، وكان قد أخذ فيها الخرابُ، فاستُبدل ¬

_ (¬1) هذه العبارة ساقطة من (ط). (¬2) من قوله: "واختلف مع جماعة المفتين" إلى هنا لم يرد في (ب)، وورد في (ط) بخط مغاير عن المتن، وورد في هامش (ح) بخط المصنف. (¬3) هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد، المتوفى سنة 849 هـ. انظر الضوء اللامع 2/ 93 - 94. (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

النِّصفُ والرُّبعُ بمالٍ جزيل يعمر به في الربع الباقي لجهة وقفه على الصالحية، فعمر عمارة جديدة، وصارت أجرةُ الرُّبع أزيدَ مِنْ أجرة الكل بالنسبة لما كان يفضل بعد الصَّرف في ترميمه. وبلغه أنَّ بعض الأعيان حسَّن للأشرف برسباي أخذَ الحوانيت المجاورة للكاملية، وهي تحت نظره في جملة أوقاف البيبرسية، وكانت مُحكمة البناء، غير أنَّها شَعِثَةٌ، ففي الحال لمَّ شعثَها بالبياض، وصارت تُضيءُ، فكفُّوا عن ذلك، وقد استولى عليها الأشرف إينال بعد زمنٍ طويل. وكان يمتنع من تنفيذ شيء من الاستبدالات بالمال، حتى امتنع من فعل ذلك للقاضي عبد الباسط وفيروز السَّاقي ونحوهما، إلا إن وُضع المال عند مَنْ يُوثَقُ به إلى أن يُشترى به البدل. وكذا كان يمتنع مِنْ سماع الدَّعوى مِنْ كثيرٍ مِنَ المتمرِّدين على أخصامهم بأنهم لا يطالبونهم إلَّا مِنَ الشَّرع الشَّريف، ويقول: أنا لا أمنع مَنْ يتوصَّلُ إلى خلاص حقِّه ممَّن يكونُ متمردًا بالشرطة. [وبذلك أفتى شيخُنا العزُّ عبد السلام البغدادي الحنفي، فإنَّني قرأتُ بخطه على فُتيا ما نصُّه: وحَمْلُ طالب الحقِّ غريمه المدافع المتمرِّد عن إعطاء ما وجب عليه إلى الولاة الحُماة -لا سيَّما في زماننا- جائز، ولا لَوْمَ عليه] (¬1). وكان في أول الأمر شديدَ الحرص على البقية في كل وقف لفائض ولو قلَّ، ليصرف في العمارة إنِ احتيجَ إليها، ويتحرَّى في التَّقرير على الأوقاف، حتى كان -فيما بلغني عنه- يقول: إذا رتبت لشخصٍ خمسينَ درهمًا، أنظر في وقفٍ له يكون بخمسين دينارًا، أو نحو ذلك. ومِنَ الاتفاقيات الدَّالَّة على شدَّة غضبه للَّه ولرسوله: أنهم وجدوا في زمن الأشرف برسباي شخصًا مِنْ أتباع الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب، وشيخ الخروفية المقتول على الزَّندقة سنة عشرين وثمانمائة ومعه ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

كتابٌ فيه اعتقادات منكرةٌ فأحضروه، فأحرق صاحبُ التَّرجمة الكتاب الذي معه، وأراد تأديبه، فحلف أنَّه لا يعرف ما فيه، وأنَّه وجده مع شخصٍ، فظنَّ أنَّ فيه شيئًا مِنَ الرَّقائق، فأُطلق بعد أن تبرّأ مِمَّا في الكتاب المذكور، وتشهَّد والتزم أحكام الإسلام. وكانت المجالسُ المعقودة في الوقائع ونحوها بوجوده ممتعة، بل مَنْ كان يحضر بقصد الازدراء يرجع خائبًا. فمِنْ ذلك أنَّه في سنة سبع وثلاثين حضر أعجميٌّ يقال له: شمس الدين محمد الهروي، ويقال له: ابن الحلَّاج، كهلٌ من أبناء الأربعين، وادَّعى أنه يعرف مائة وعشرين علمًا، وأظهر بأوًا عظيمًا، وشرع يسأل أسئلةً مشكلةً، وظهرت منه أمورٌ تدل على إعجاب زائدٍ، فآل أمرُه إلى أن وقعت منه أمور أُنكِرَت مِنْ جهة المعتقَدِ، فزُجر، فخذل بعد ذلك، وصار كآحاد الطَّلبة، واعتذر بعدَ ذلك بأن بعض الحاسدين لصاحب الترجمة أغراه بذلك، ظنًّا منه أنَّ ذلك ينقُصُ مِنْ قدره، فأبى اللَّه ذلك، وحاق المكر السَّيِّىءُ بأهله، وللَّه الحمد. قال شيخنا: وفي الجملة، فالرَّجلُ فيه ذكاءٌ، وعلى ذهنه فوائد كثيرةٌ، وعنده استعدادٌ، ويعرف الطب (¬1)، لكن عُدَّت عليه سقطات. فلمَّا كان في السنة التي تليها، أمر السلطان صاحب التَّرجمة إذا حضر لسماع الحديث أن يحضر صُحبتَه فلقةً وعصًا، ومن تعدّى في كلامه أو أساء الأدب أُدِّبَ، وأكَّد ذلك فما فعل. ثم في سنة أربعين ألزموا السُّكوتَ حتى لم يتكلم سوى صاحب الترجمة، رد على القارىء مواضع مِنَ الأسانيد أسماء تبدَّلها أو تحرَّفها من سبق اللسان، لكنه ما استمرَّ. ووقع من العلاء الرومي حطٌّ على الشيخ باكير، وآل أمره معه في مباحثة إلى أن كفَّره، فردَّ الشافعي -وهو شيخُنا- على العلاء، ووافقه الجماعة وكذا السلطان، فسكت الرومي على مضَضٍ، لكنه شرع في كتابة ¬

_ (¬1) في (أ): "الطلب".

أسئلة ودسَّها إلى السلطان ليجيب عنها الشافعي، فأحضرها بعض الدويدارية، فسلَّمها للشافعي، فقرأها وقال له: يطلب الجواب، فذهب ولم يَعُدْ، فذكر الشافعى للحاضرين أن أول الورق مقسمًا بأيمان عظيمة أن أعلم أهل المجلس لا يعلم معنى قال رسول اللَّه، وكلامًا آخر فيه عجرفة ولحن، فأجمع مَنْ سمع ذلك على ذمِّه. حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَه ... فالقوم أعداءٌ له وخصومُ وقرأت بخطِّ صاحب الترجمة ما نصُّه: قال اللَّه تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]. حضرت مجلس الحديث بالقلعة، واتَّفق أنه وقع لغط كثير، فلما انتهى المجلس بأذان العصر، أجبت المؤذن، ثمَّ استغفرتُ سرًّا عددًا معيّنًا خطر لي، فعند انتهاء ما أردت من العدد، قرأ القارىء على العادة العُشر ثم القصيدة، فاتَّفق أنه قرأ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، فانشرحت بذلك، وتفاءلت منه بخير، وللَّه الحمد، ثم للَّه الحمد. ومِنْ ذلك أنهم استعملوا الشيخ جلال الدين عبد الرحمن الوجيزي، مع أنه كان هو وأبوه من جماعة صاحب الترجمة، لكنه كان معروفَ الحال. بلغني عن صعب الترجمة -ولم أسمعه منه- أنه كان يقول: هما اثنان، عاقل يتمجنن، ومجنون يتمعقل، يشير بالأول إلى البدر بن الشريدار، وبالثاني إلى هذا، بأن قال عند شروع السُّويفي في قراءة الحديث بين يديه في القلعة بحضور رفقته القضاة والسلطان على العادة، وقوله: وبسندكم ما نصُّه، أيها القارىء حسبُك، إن أردت تخصيص الشافعي بعني صاحب الترجمة هذا (¬1)، فلا معنى للتخصيص، في المجلس مَنْ هو مثله في السَّند، وإن أردت التعميم فافصِحْ لنا عن مرادك، فلم يلتفت شيخنا لذلك، بل قطع كلامه بقوله للقارىء: اقرأ، مع قدرته حينئذٍ على إقامته مِنَ المجلس، وانتقامه منه، لكنه راعى قِدَمَ ملازمته له مع ما استُفيض من جنونه، غفر اللَّه لنا وله. ¬

_ (¬1) في (ط): "بهذا".

ذكر الإشارة إلي محنته التي شارك فيها غيره من السادات بسبب ولده

ذكر الإشارة إلي محنته التي شارك فيها غيره من السادات بسبب ولده وأصلها أن شمس الدين محمد بن الشهاب أحمد بن صالح الشَّطنوفي المباشر بجامع طولون وغيره، والمتوفى والدُه سنة إحدى وأربعين، رفع إليه قُصَّة يطلبُ فيها معلومَ المباشرة بالجامع المذكور عن مدة، فكتب له: يُصرف له عن المدة التي باشرها، فاغتاظ بسبب ذلك، وجاء إليه، فاجتمع به وهو بالمحمودية، وعرَّفه أن علمه بذلك مِنْ أكبر مقاصده، فقال له: جزاك اللَّه خيرًا، اطلب من البدر بن عبد العزيز حساب المدَّة وانظر فيه، فشرع في ذلك، فإذا البلاء -كما قال- كلُّه من ابن عبد العزيز، آذى نفسه ورفقته وولد شيخ الإسلام، وله في ذلك شائبة كبيرة مما لا شعور لأبيه بشيءٍ منه. قال: وشيخ الإسلام ليس في جهته شيءٌ من مالِ الوقف المذكور. غايته أنه وُكل الأمر في ذلك لمن لم ينصحه، واشتغل هو بما كان بصدده من العلم والإقراء ونحو ذلك. قال: ولمَّا نظرت الحساب، وجدت فيه بواقي صيَّرها ابنُ عبد العزيز باسم نفسه، كان إذا تأخَّر على المستأجرين من الخراج شيءٌ، كتبه عليهم بمساطير، ويستخرج ذلك في السنة المستقبلة، ثم صار يستأجر طينًا ويزرعه، ويخصم في الحساب بخسارة زرعه، إلى غير ذلك مما لا تلبس عليه الثياب. واتفق أن الشطنوفي المذكور -كما حكى لي- دخل الجامع الأزهر

لبعض الصلوات، ووضع الحساب، وكان معه بين يديه، والقاياتي قل أن يلي القضاء بجانبه، فأخذه ونظره وفهم ما فيه، فلما وَلِي القضاء، وأغرَوْه بشيخ الإسلام، وألحَّ عليه الأعداء في ذلك بعد أن كان سلَّم كل واحدٍ منهما على الآخر أوَّل الولاية كما تقدم قريبًا، وتوجه شيخنا إليه مرة بعد أخرى، وفعل القاياتي معه في المرة الأولى منهما ما يليق به من الإكرام والاحترام، بحيث أجلسه موضعه، ولامه بعض من آذاه على ذلك، ولم يلبث أن حضر إليه ثانيًا، فلم يمش على طريقته الأولى، وكان معه في المرة الأولى القاضي كمال الدين بن البارزي، وقال له القاياتي في إحدى المرتين: يا مولانا قاضي القضاة، ليس الغرض إلا براءة الذمَّة، فقال: واللَّه ما في ذمَّتي لجامع طولون شيءٌ، وإن أردت المباهلة باهلتُك، فقال له القاياتي: معاذ اللَّه. لكن قال بعض جماعة شيخنا: إنَّه لعله باهَلَهُ بالحال، وأنكر الناس على القاياتي ذلك، ومنهم ابن البارزي المذكور، لكن كان صاحب الترجمة نفسه يعتذر عنه بقوله: أعرف أنه تجمل في أمور كثيرة، فبالجهد [حتى يتحرك لبعضها. ولم يكن ذلك بمانع لشيخنا عن الثناء على القاياتي] (¬1) حتى بعد وفاته رحمهما اللَّه، بل رفع إليه سْخص سؤالًا منظومًا في وسط ولايته، وذكر فيه أنه التمس من القاياتي الجوابَ عنه نظمًا، وأنه أقام عنده مدَّةً ثم أُعيد بدون جواب، فأجابه صاحب الترجمة، وتعرَّض للرد على السائل فيما أشعر به كلامه من التنقيص كما سيأتي في الفصل الخامس من الباب السادس (¬2). وقال في ترجمته بعد وفاته من كتابه "إنباء الغمر" (¬3): إنه امتنع من لُبس الخلعة تورُّعًا وأنه باشر بنزاهةٍ وعفَّة، ولم يأذن لأحدٍ مِنَ النُّواب إلَّا لعدد قليل وتثبّت في الأحكام جدًا وفي جميع أموره. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬2) ص 861. (¬3) 5/ 343.

قلت: وبذلك يظهر لك علوّ شأن صاحب التَّرجمة وإنصافه، والسَّبب في امتيازه بميل النَّفس إلى مقاله. أما من يَصف شخصًا في حال صحبته له بالأوصاف الحميدة، ثم يُناقِضُ نفسه بعد تسبُّبه فيما يقتضي الاستيحاشَ، كما عُرف ذلك بالاستقراء مِنْ صنيعه في جمٍّ غفيرٍ، فهذا لا يُقبلُ له قول في الطَّرفين. وقد أشرتُ إلى بعض صنيع هذا المهمل عند ذكر تاريخ صاحب الترجمة في أسماء تصانيفه مِنَ الباب الآتي نسأل اللَّه التوفيق، لكلمة الحق في السّخط والرِّضا] (¬1). وكان مجيءُ شيخنا إلى القاياتي في كلا المرتين بعد أن كان طلب ولده مع جماعة من المباشرين، وألزمهم بحساب الجامع المذكور، وأقاموا في الطيبرسية أيامًا، وكان السفطي يمرُّ حينئذٍ بهم، فيتأوَّه لولدِ شيخ الإسلام وهو على هذه الحالة، وربما بكى، ولم يُنتج ذلك غير امتهان أولاد العلماء، بل أظهروا حسابًا فيه لشيخنا خمسمائة دينار. وكان القاضي تاج الدين البلقيني توسَّط بين صاحب الترجمة والقاياتي باختيار كل منهما له في أن يسكت عَنِ المطالبة بها كما يسكت عن مزيد الفحص في العمارة. هذا ما يتعلق بصنيع القاياتي في القضاء. وأما الخانقاه البيبرسية، فإن الأعداء حسَّنوا له إيصال أمرها بالسلطان، والتماسه منه الإذن له في عمل الحساب، ليظهر ما في جهته من المال، وسمَّوا قدرًا كبيرًا استكثره السلطان وكلُّ من سمعه، فسكت وفارقه القاياتي. فلما كان في بعض الأيام، قال السلطان للقاضي زين الدين ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وورد في هامش (ح) بخط المصنف.

عبد الرحمن بن عبد الغني بن الجيعان سرًّا فيما بينهما -وكان بلغه أن المباشرة معه- أُحبُّ منك أن تعلمني بارتفاع المكان وخصمه، فقال له: إن الوظيفة إنما اشتريتها (¬1) للولد ليتمرَّن في المباشرة بها، فانا أنظر ذلك مِنْ دفتره وأطالعكم به، فقال: أحب المبادرة مع الكتمان، ففعل وأعلم السلطان بما فيه النفع لصاحب الترجمة [بعد أن رتبه الزيني عبد الباسط فيه] (¬2) فقبل السلطان ذلك منه، وعمل بمقتضاه، فإن القاياتي راجعه في عمل الحساب، فما أجاب، وصار القاياتي لا يدري ما الموجب لتوقفه. وقد جُوزِيَ الزين المذكور -رحمه اللَّه- بصنيعِه ذلك، بأن صار ولدُه هو المشارَ إليه في تدبير أمر الخانقاه، بل رُؤي بعد موته في حالةٍ حسنة كما أخبرني به القاضي شهابُ الدين بن يعقوب الأزهري رحمه اللَّه، بسبب نفعه لصاحب الترجمة، والأعمالُ بالنيات. ولما ولي السفطي، أخذ مقتديًا بالقاياتي فيما يتعلق بجامع طولون، بل فعل أشدَّ مما فعله بعد أن كان يُنكر عليه كما تقدم، وألزمهم بعمل الحساب من سنة إحدى وأربعين، وتوجَّهوا لقاضي المالكية البدر بن التنسي، لينظر في ذلك، فقيل لهم: إن الاقتصار على عمل الحساب في هذه المدَّة حَيْفٌ، والأولى أن تعمل مدة القاضي علم الدين حين مباشرته، فاستحسن ذلك، وأخذوا فيه، فأخبرني الشطنوفي أنه وجد ما لا خيرَ لي في ذكره. وآل الأمرُ إلى أن طلع السَّفطي بالشَّطنُوفي المذكور إلى السُّلطان، وبالغ في وصفه بالدِّين ونحوه، فقال له السلطان: اعلم أنه لا غرضَ لي في غير الحق، وأحبُّ مساعدة القاضي فيه، وأمر. بعمل الحساب عند الدوادار الكبير قانباي الجركسي، فنزلوا مجتهدين في ذلك، وأقاموا هم وولدُ شيخنا عنده مدَّةً، ولم يتحرَّر من ابن عبد العزيز أمر كلُّ ذلك والسفطي يؤنِّب ¬

_ (¬1) في (أ): "استنزلتها". (¬2) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

ويؤلِّب، ويصيح ويجتهد في بلوغ مقصده، إلى أن ظهر لقانباي الحيفُ في ذلك، لكنه ما استطاع مدافعةَ القائم في معارضته. هذا وقانباي كان في نفسه من صاحب الترجمة، لكونه حكم عليه في واقعة، ومع ذلك فما مال عليه، لظهور الأمر عنده. وراسل شيخُنا السَّفطيَّ يسأله الحكم في الواقعة بما يتبيَّن له، أو يأمر أحدًا من نوَّابه بذلك، فما جسر عليه، وراسله مرة أخرى قبل ذلك يَعْتِبُه في إيصال القضية بالسلطان، فقال: واللَّه ليس عندي أعظم من شيخ الإسلام، غير أن ولده هو الذي تلقى عن ابن عبد العزيز بقوله: أنا المتصرف، وإلا فما كان الكلام إلا مع ابن عبد العزيز، ولقد رام السلطان ضربه، فمنعته وقلت: هذا شيخ كبير، أخشى أن يموت ويضيع مال جامع طولون، وكان ابن عبد العزيز جلدًا ثابتًا. وآل أمر قانباي إلى أن دفع القضية عن نفسه، وأمر بتوجههم إلى ناظر الخواص الجمالي يوسف ابن كاتب جكم، فساس القضية بحُسْنِ تدبيره إلى أن التمت، وكانوا -أعني ولد شيخنا وجماعته- عنده مكرمين، وصار في رمضان يخرج لهم بالعشاء الملائم ونحو ذلك. هذا بعد أن حضر شيخ الإسلام إلى الجمالي المذكور وعرَّفه أن القول قولُ النَّاظر، وأمروا ابن الطولوني بكشف عمارة الجامع بالمهندسين، ثم أمر بتوجه ابن شيخنا إلى بيته بعد أن باع حينئذٍ شيئًا مِنْ أملاكه، وكان -فيما قال لي ابن الشطنوفي- صولح لجهة الرقف بدون ألف دينار بعد أن كان ابن شيخنا رام أن يقف بجميع المستحقين (¬1) وغيرهم إلى السلطان ممن استكتبهم بالتعليق لجوامِكهم، فعارض الشطنوفي في ذلك، وهو القائم بأعباء هذه الكائنة، ومع ذلك فما أبدت (¬2) إلا القهر لصاحب الترجمة بسب ولده, فإنه كان في ضيق صدر زائدٍ وألم شديد بسببه، وتأوُّهٍ كبير، فكل يوم يسمع مِنَ الأخبار ما لم يسمعه بالأمس، وكان يتوجَّه إليه في الجمعة يومًا أو أكثر إلى المكان الذي يكون ¬

_ (¬1) في (ح): "بمجمع من المستحقين". (¬2) في (ط): "أثرت".

فيه, فيرجع آخر ذلك النَّهار وهو مسرورٌ لما يرى مِنْ ثبات ولده وقوَّة قلبه وشجاعته وانتظام كلامه ومهارته في ذلك. وأظن أنَّه لم يُمكَّن مِنَ المجيء إلى أهله في عيد الفطر، بل لو لم يقصِدْهُ أبوه للمكان الذي هو فيه، ما تمكن من الاجتماع به. كل هذا ولم يظفروا منه بما كان أملهم فيه ببركة والده. وعمل حينئذٍ في رجب سنة إحدى وخمسين جزءًا سماه "ردع المجرم عن سبِّ المسلم"، افتتحه بقوله: "أما بعد حمد للَّه الذي عظّم قدْرَ مَنْ آمنَ به وأسلم، والصلاة والسلام على نبيه الذي شرع لأمَّته سُنن الدّين، وبيَّن لهم سَنَن المهتدين وعلَّم، صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه الذين كانوا يتلقَّون أمره بالقَبُول وسلَّم. فهذه أربعون حديثًا منتقاة مِنْ كتب الصحاح والسُّنن في تعظيم المسلم، والزجر عن سبّه وظنِّ السُّوء به، وتعمُّد ظُلمه في سِلْمِه وحربه، كتبتُها عِظَةً لمن بسط لسانه ويده في المسلمين، مع قلَّة علمه واعوجاجه، وتعرّض لسخط ربّه، واغترَّ بحلمه واستدراجه، انتهاكًا لأعراضهم، واستكثارًا مما يصير إليه من جواهرهم وأعراضهم، عسى اللَّه أن يرزقه التوبة والإنابة، فيقتدي بالسلف الصالح من الصحابة وأتباع الصحابة، واللَّه يُضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء". قلت: ولمَّا أبرز لنا صاحب الترجمة هذا الجزء، قلت له: خطر لي أن أسوق أحاديثه بأسانيد للمشار إليه، وأتوجَّه لقراءتها بين يديه، فقال: لا يفيد هذا المقصود، سامحه اللَّه وإيانا. وكانت هذه الكائنة سببًا لزهد شيخنا بعدُ في المنصب، وكتب لبعض جماعته في أثناء هذه المدة في ضمن رسالة: "والعبد الآن في أقصى غايات الراحة، وكلَّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها اللَّه". انتهى. وضُبط عنه حينئذٍ أنه قال عن السَّفطي: واللَّه إنه لا يتم سنة. فكان كذلك، بل لم يلبث أن امتحن السفطي بما هو أبلغ في أنواع المحن بالنسبة لمثله، فإنه أدخل حبس أُولي الجرائم، إلى غير ذلك مِنَ العظائم، حسبما بينته في ترجمته من ذيلي على "قضاة مصر". وكذا قوصِصَ ابنُ الشَّطنوفي في ذلك، فإنه أُقعد بمنزله مدَّةً طويلة

حتى مات في صفر سنة ثلاث وسبعين، ومات له قُبيل ذلك ولد كان يرجو بقاءه بعده ليحُوز جهاته، فاشتد جزعُه عليه. وقد اجتمعت بالشطنوفي وهو في هذه الحالة مرارًا، فرأيتُه يبالغ في الترحُّم على شيخنا، وأنه ليس عنده أعظم منه ولا أرفع. قال: وليس -واللَّه- في جهته شيءٌ، وما أفسد ذلك سوى ابن عبد العزيز وابنه، عفا اللَّه عنهما، وإيانا. وكان رسول القاياتي يطلب ولد صاحب الترجمة من أبيه الشرف يحيى ابن الشيخ محب الدين البكري أحد المستقرِّين في النقابة عند القاياتي، وأنكر الناسُ مجيئه في هذا الأمر، خصوصًا وهو ممَّن قرأ على شيخنا نحو النِّصف من "البخاري"، وكان والده مِنْ خواصِّه الملازمين عنده مجلسَ الإملاء، وكأنه ما علم أنَّ "أبرَّ البرِّ أن يصلَ الرجلُ أهل ودِّ أبيه" [وفي لفظ: "مِنْ أبر البرِّ أن تصل صديق أبيك". وكذا في الحديث: "احفظ ودَّ أبيك لا تطفئه فيطفىء اللَّه نورك" في أشباه هذا] (¬1)، وأنَّ شيوخ المرء آباءٌ له في الدِّين. رحمهم اللَّه أجمعين. [ونحو ذلك حكاية العزِّ الكناني قاضي الحنابلة لي غير مرَّة أنه لو لم يخذل البقاعي بباب القاياتي في كائنته مع الولوي البلقيني التي انجرَّ الخوضُ فيها إلى الإحاطة بالخنجر الذي جرت عادتُه بحمله، حيث أبرزه له بيده، كما وقع له مع ابن أبي السعود، بَرَكَ عليه والخنجرُ بيده، لكونه جلس فوقه، كما أوضحتُ ذلك في محلِّه، لكان أكبر المنارعين لشيخنا عنده، ولكن كان ذلك مِنْ كرامات صاحب الترجمة] (¬2). ومما كتب به صاحبُ الترجمة لبعض مَنْ قام بتأييد ولدِه في هذه الكائنة، ثم رام منه الأعداءُ العدول عن ذلك قوله: قل للذي أبدى الجميل سماحا ... فأمالَهُ الحُسَّادُ لما ارتاحا حتى محا إحسانَه بخلافه ... فتبدَّلت أفراحُنا أتراحا واللَّه يشهدُ أنَّني لك شاكرٌ ... ما أعقبت أمساؤنا أصباحا ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

قلَّدْتَ جيدي حُلْيَ (¬1) بِرِّكَ فانثنى ... لا يستطيعُ عَنِ الثَّناءِ براحا هكذا قرأته بخطِّ صاحب الترجمة، وكتب ذلك مرة أخرى، فقال: يا محسنًا أبدى الجميلَ سماحا ... فغدا بحُسْنِ صنيعه مرتاحا فأمالَهُ الحسَّادُ عَنْ مملوكه ... فتبدَّلت أفراحُنا أتراحا وذكرها. . . ولمَّا امتُحن شيخُنا، بسبب ولده، أيَّامَ القاياتي وغيره، اتَّفق مرورُه في المطالعة بأبياب لابن دقيق العيد يتغزل فيها، وهي: يا مُنيتي أملي ببابك واقف ... والجودُ يأبى أن يكون مُضاعا أشكو إليك صبابةً قد أترَعت ... لي في الهوى كأس الرَّدَى إتراعا ونِزاعُ شوقٍ لم تزل أيدي النَّوى ... تنمي بها حتَّى استحال نِزَاعا لا أستلذُّ بغير وجهك منظرًا ... وسوى حديثك لا ألذ سماعا لم يبقَ لي أملْ سواك فإن يفُت ... ودَّعت أيَّام الحياة ودَاعا فحفظها صاحب الترجمة، وصار يترنم بها، إلى أن صيَّرها للشكاية لربّه فيما ناله من غريمه، والتضرع إلى اللَّه تعالى، فقال: يا مالكي أملي ببابك واقفٌ ... والفضل يأبى أن يكون مُضاعا أشكو لك (¬2) النفسَ التي قد أترعت ... لي بالهوى كأس الرَّدى إتراعا ونزاع خوفي سيِّء العمل اعتدى ... يُنميه لي حتى استحال نزاعا لم يبقَ لي أملٌ سواك فإن يَفُت ... ودَّعت أيامَ الحياة وداعا في وجه عفوكَ جُلُّ قَصدِيَ منظرًا ... وسوى كلامِك لا ألذَّ سَمَاعا ¬

_ (¬1) في (ب): "حلة"، خطأ. (¬2) في (أ): "إليك"، خطأ.

فصل

واليك أشكو مِنْ أذى متحكِّمٍ ... قد نوَّع المكروه لي أنواعا لم يُبدِ منِّي قطُّ شيئًا ساءَهُ ... ويسوؤني ما يفتريه سماعا مِنْ غيبة ونميمةٍ وسِعَايةٍ ... لي بي عليَّ محرَّمٌ إجماعا وأنا الذي بالفضل منك بدأتني ... وجعلتني بين الأنامِ مُطاعا حاشاك تَنزعُ مِنْ عُبَيْدِكَ قوَّةً ... فيصيرُ ذاك النَّزع مه نزاعا إن دام ذا الإعراضُ عني منك لي ... ودَّعتُ أيَّامَ الحياة وداعا [وممَّا يُنسب لصاحب الترجمة. وقالوا عِدَى الوالي عليه تجمَّعُوا ... فقلتُ سيَلْقَوْن الإهانةَ والبِلَى وسوف نراهم واحدًا بعد واحدٍ ... مع اثنين مِنْ أصحابه متمثِّلًا وأفاد شيخُنا في تلك الأيام نقلًا عن بعض المفسرين في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة: 5] أي: لا تُريهم أنَّهم على حقٍّ ونحن على باطل] (¬1). فصل فيمن رافقه من قضاة بقيَّة المذاهب وجماعة من أعيان نوَّابه ونحوهم فأمَّا الأول، فمن الحنفية: الزين التَّفَهْنِي، والبدر العِنتابي، والسعد بن الدَّيري، ومِنَ المالكية: البساطي، وناهيك بكلٍّ منهم، وابن التّنسي، ومن الحنابلة: العلاء بن المُغلي، والمحب بن نصر اللَّه، وغيرُ خافيةٍ جلالتهما، والبدر البغدادي. وأما الثاني، فقد استخلف عند توجُّهه إلى آمد في قضاء الشافعية ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وزاده المصنف بخطه في هامش (ح).

القاضي محبَّ الدين بن الأشقر الحنفي صهرَه بعد أن سأله غيرُه في ذلك، فيقال: إنه قال له: يأتي الجوابُ مِنَ الخانقاه، أو كما قال. ومن نوّابه: البدر أبو محمد بن الأمانة، أحد المُفتين بالدِّيار المصرية والمدرسين فيها بعِدَّة أماكن، والشهاب أبو العباس الأموي، عُرف بابن المحمِّرة، الذي وَلِيَ قضاء الشافعية للشاميين ومشيخة سعيد السعدا وغيرهما، والشيخ جمال الدين عبد اللَّه الزيتوني، والعز عبد السلام القُدسي الذي وَلِيَ مشيخة الصَّلاحية ببيت المقدس، والسراج عمر الحمصي قاضي الشام وغيرهما من البلاد، وشيخ الصَّلاحية المجاورة للشافعي وبيت المقدس أيضًا، والنور بن سالم قاضي الشافعية بصفد، ومن درَّس للمحدثين بالحسنِيّة والجمالية، والشَّرف عيسى الأقفهسي، والكمال الأسيوطي، والشهاب أحمد بن ناصر الدين البلقيني، والمحب محمد بن أبي الحسن مدرس الخرُّوبيَّة بمصر، والعلاء بن آقبرس جَليس السلطان وناظر الأوقاف وغير ذلك، والبرهان الكركي شيخ القرّاء، والبهاء بن القطَّان، وأبو العدل البلقيني الذي باشر نظر الجوالي ودرَّس بأماكن، والشهاب الشيرجي، والعز بن عبد السلام، والبرهان بن المَيْلَق، والمحب أبو البركات الهيثمي، وغيرهم رحمة اللَّه عليهم أجمعين. وكذا في الأحياء جماعةٌ منهم، تركتهم رعايةً لعدمِ الجفاء من باقيهم. [وكذا تركت غير واحدٍ من أعيان بقية المذاهب ممَّن ناب عنه] (¬1). وقد كان رحمه اللَّه في ألم بسبب كثير منهم، بحيثُ كان يقول بأخَرَة: ليس في نوَّابي مَنْ تنفتح عليه العين مَنْ أرضى ولايته يأبى الولاية، ومن لا فيراغِمُني بالرَّسائل، وكلُّ مَنْ ظننتُ فيه أنه أخفُّ أمرًا منَ الآخر، يظهر أنه أرجح منه، فأنا كما كان غيري يقول مِنْ أئمة القُضاة الفحول: بواسطتهم تكتب عليَّ السَّيِّئات، وأنا في أقرب الحالات إلى ربّ الأرضين والسماوات. وكان كثيرًا ما يرسل إليهم مراسيمه بالتَّحذير والإنذار والتَّخويف مِنْ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وزادها المصنف في هامش (ح) بخطه.

غضب العزيز الجبار، وأنه لا يوجد في أُجرة اليمين ولا الدرهم الواحد، وفي الثبوت والعقود لا يتعدى القدر الزَّائد، وأن يخشى البلس، ويجمع بإقامة العدل قلوبَ الناس، ومن لم يفعل منهم، يُخف إثقاله عنَّا خوفًا للمؤاخذة مِنَ اللَّه، ثمَّ منا، فإنَّا عنه وعن غيره نُسأل، وكأننا بطالب لا يغفل، ومَنْ خالف شيئًا مِما نهيناه، كان معزولًا مِنْ جميع ما ولَّيناه، ونؤكد في ذلك كلِّه غاية التَّأكيد، بحيث لا يكون على ما ذكر من مزيد. ورُفِعَتْ له -رحمه اللَّه- قائمة فيها ذكرُ خصائل بعض النُّواب بنواحي الغربية، فكتب: من يثبُتُ عليه خصلة مِنْ هذه الخصال المذكورة والوقائع الشَّنيعة المشهورة، حقيقٌ بالطرد والبعاد، وأن تُراح منه البلادُ والعبادُ، لجوره في الأحكام، ومخالفته شريعة النبي علبه أفضل الصلاة والسلام، ولم يستحق الولاية ولا التوقير، بل العزل والتَّعزير، والزيادة على ذلك العزل المخلَّد والتعزير المجدّد، فإن تاب ورجع، قُبِلت توبتُه، وإلَّا حلَّت عليه مِنَ اللَّه تعالى نقمته، وما يتذكر إلَّا أولو الألباب، واللَّه تعالى أعلم بالصواب. وكان ينبِّه مَنْ يعلم اتِّصافَه بصفةٍ ذميمة بها، رجاءَ رجوعه عنها، كقوله لبعض مَنْ سأله الاستمرار في النِّيابة عنه: حتى يتوب مِنْ شهادة الزور، ولبعض من سأله في ابتكار ولايته حتى تتوب من كذا. . كلُّ ذلك قصدًا لزجر مرتكبه، إلى غير ذلك. وكانوا يكلفونه مرة للتَّعيين عليهم، ومرَّة للدُّعاء لهم، ومرة لمشيختهم، وعندي مِنْ أخبارهم في ذلك جملةٌ لا أحبُّ إثبات شيءٍ منها، وهم على طبقات: الأولى: من لم يباشر (¬1) في الأيام العلمية، وعكسه مَنْ يمتنع صاحب الترجمة مِنْ ولايته، ومن يُعين عليه غالبًا، ومَنْ لا يُعين عليه إلا نادرًا، ومَنْ يقتصر على الاسم ولا يتعاطى الأحكام إلَّا نادرًا، واللَّه تعالى يتجاوز عنه بسببهم، ويغفرُ لهم أجمعين. ¬

_ (¬1) في (ط): "من مباشر".

وباشر النقابة عنده الشيخُ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يعقوب الأطفيحي الأزهري الشافعي صهر شيخ الإسلام الزين العراقي على ابنته، ونقيب ولده الشيخ وليِّ الدين، وهو كان القائم بأعباء الأمور غالبًا، وكان إليه الغاية في سرعة إدراك مقاصده بأدنى إشارة، وعندي من أخباره في ذلك جملة، مع ما اشتمل عليه مِنَ الوضاءة والظَّرف والبشاشة والتواضع، والمداومة على التهجُّد والضُّحى، وصوم الإثنين والخميس والتصدق، وغير ذلك من أنواع العبادات. [وكفاه فخرًا أن أستاذه صاحب الترجمة كتب عنه في السّفرة الآمديَّة بعض الأحاديث كما أسلفته. وبلغني أنَّ شيخنا دعا يوم الولاية، فقال: اللهمَّ يَسِّرْ لي نقيبًا أحمدُ عاقبته فاللَّه أعلم. وحكى لي الشهابُ الحجازي أنه اتفق له حين اختار شيخنا وبين يديه نقيبه ابن يعقوب هذا بعد البروز مِنْ خانقاة بيبرس بشباكها، والشهاب يقرأ في وظيفته أنه كان يقرأ في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} [يوسف: 6]، فتفاءل بذلك شيخُنا، وحرَّك رأسه متعجِّبًا مِنَ اتِّفاق ذلك. وكذا باشر النقابة عنده] (¬1) التاج عبد الوهاب بن عمر الزرعي الحنفي، والشريف جلال الدين محمد بن اْحمد الجرواني نقيب الحنفي، لكنه في الولاية الثالثة فقط، وفي الآخر بعد وفاة ثانيهم، استقر الفخر بن جَوْشن، لاختصاصه بولده وكان في خدمته أيضًا مِنَ الأتباع عمر بن أبي بكر بن أحمد السِّكندري، والشهاب أحمد، وهما ممَّن ذكر في وصيته، والزين عبد الغني العطو، وهو أكثر الثلاثة به اختصاصًا (¬2)، ثم الشهاب، وإن كان أوَّلُهم أقدمَهم له خدمةً. وباشر فرشَ بساطه كلَّ ليلةٍ بعد العشاء مدَّةً شمسُ الدين محمد بن ¬

_ (¬1) من قوله: "وكفاه فخرًا" إلى هنا لم يرد في (ب). (¬2) في (ب): "وهو أكثرهم اختصاصًا".

فصل

قريش، وتردَّد إليه زيادةً على ذلك لسماعِ الحديث في رمضان، ولكتابة الإملاء. رحمه اللَّه وإيانا. لطيفة قال صاحب الترجمة في "فتح الباري": حكى العز (¬1) بن جماعة أنه رأى أباه في المنام، فسأله عن حاله، فقال: ما كان عليَّ أضرَّ مِنْ هذا الاسم، يعني قاضي القضاة، فلذلك أمر العزُّ الموقعين أن لا يكتبوا له في الإسجالات قاضي القضاة، بل قاضي المسلمين، وفهم من قول أبيه أنَّه أشار إلى هذه التَّسمية، مع احتمال أنَّه أشار إلى الوظيفة، بل هو الذي يترجَّح عندي، فإن التسمية بقاضي القُضاة وُجدت في العصر القديم مِنْ عهد أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة رحمهما اللَّه، وقد منع الماوردي مِنْ جواز تلقيب الملك الذي كان في عصره بملك الملوك، مع أنَّ الماوردي كان يقال له: أقضى القُضاة، وكأنَّ وجه التفرقة بينهما الوقوف مع الخبر، وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة: يلتحق بملك الأملاك قاضي القضاة، وإن كان اشتهر في بلاد الشرق مِنْ قديم الزمان إطلاق ذلك على كبير القضاة، وقد سَلِمَ أهلُ المغرب مِنْ ذلك، فاسمُ كبيرِ القُضاة عندهم قاضي الجماعة، واللَّه المستعان. فصل فيما عُرِضَ عليه من الولايات التي لم يرتَضِ قَبُولها فمن ذلك أنَّ المؤيَّد عينه للتوجُّه إلى اليمن عَنِ السُّلطان في سنة تسع عشر وثمانمائة، لوجاهته ووفور عقله وعلمه وإجلال الملوك -لا سيما باليمن- له، حتى إنه لمَّا اتفقت وفاةُ العلامة مجد الدين اللغوي صاحب ¬

_ (¬1) في (أ): "ابن العز".

"القاموس"، وكان قاضي الأقضية بزبيد، ترك سلطان اليمن الناصر بن الأشرف الوظيفة شاغرة نحو سنتين ينتظر قدوم صاحب الترجمة عليه، ليولِّيه ذلك، فما وافق، فولَّى حينئذٍ الشهاب أحمد بن أبي بكر بن الردَّاد، إلى غير ذلك مما اشتهر، فاستعفى منَ التوجُّه عن السلطان فأُعفِيَ. ثم عرض عليه المؤيدُ أيضًا في السنة المذكورة منصب القضاء بدمشق مرارًا، فامتنع وأصر على الامتناع، فراوده على ذلك، ورغَّبه فيه، حتَّى صرَّح له بأن للقاضي بدمشق في الشهر عشرة آلاف درهم فضّة معاليم قضاء وأنظار، وبالغ -مع ذلك- صاحبُ الترجمة في الاستعفاء، إذ لم يكن له أرب حينئذٍ إلَّا في العكوف على التصنيف والإفادة ونشر العلم، شكر اللَّه سعيه ورفع محلَّه، آمين. وأنشد حينئذٍ قوله: قد صدَّني عَنْ منصبِ الحكم عشرةٌ ... فأوَّلُها ضعفي وقلَّة أموالي وعجزي عَن إرضاء ربي وصاحبي ... ومالكِ أمري مع حواشيه في الحالِ وعجزي عن إصلاح ما أفسد الأُولى ... مَضَوْا ومساواتي برُغمي بأنذالِ ونسيان علمٍ نافعٍ لزخارف تضرُّ ... وأخشى حين أُعْزِل إذلالي وكان اشتهارُ أمره عند المؤيد مِنْ قبلُ بسنة، فإنه لمَّا عُقد مجلس المناظرة للهروي بين يديه في أواخر ربيع الأول سنة ثمان عشرة وثمانمائة بحضور القُضاة الأربعة ومشايخ الفنون مِنَ العلماء، كان منهم صاحب الترجمة، فكان هو القائم بأعباء المناظرة، فإنَّ أول شيء سُئل عنه الهروي: على مَنْ سمع "الصحيح"، فذكر سندًا، فقال له صاحب الترجمة في ذلك المجلس الحافل: أولادنا يروون "الصحيح" إلى أبي الوقت بمثل هذا العدد برجالٍ أشهر مِنْ هؤلاء، ثم أورد الهروي مجيبًا مَنْ سأله حديثًا من "ابن ماجه"، وسمَّى مِنْ رجال السند قاسم بن عبد الكريم، عن حنش، عن ابن عباس، عن ابن مسعود رضي اللَّه عنهم، وأورده مِنَ "التِّرمذي" أيضًا، فقال له صاحب الترجمة: الإسناد الذي سُقْتَه لابن ماجه

غلط، وليس في "ابن ماجه" ولا في غيره مِنَ الكتب الستة أحد اسمه قاسم بن عبد الكريم، وأيضًا فليس في سياق "ابن ماجه" ولا غيره أن الحديث -يعني الذي أورده- من رواية ابن عباس عن ابن مسعود، وليس لفظه مطابقًا للفظ سياق الترمذي، فقال الهروي لصاحب الترجمة. فما هو الصواب في هذا الإسناد؟ فقال له: تكتب ما قلت، وأنا أبيّن موضوع الغلط، ثم تحضر "ابن ماجه"، فإن كان كما قلت، وإلا تبيَّن خطؤك، ففعل وظهر الصواب مع صاحب الترجمة، فمال السلطان المؤيد حينئذٍ إليه، وصار يغمِزُه بعينه تارة، ويرسل إليه من يسرُّ إليه مِنْ خواصِّه أن لا يترك منازعة الهروي، فقوَّى قلبه بذلك. وقال حينئذٍ مخاطبًا للهروي: أنت تدَّعي أنَّك تحفظ اثني عشر ألف حديث، وقد ارتاب مَنْ بلغه عنك ذلك في صحته، وأنا أمتحنُك بشيءٍ واحدٍ، وهو أن تسرُدَ لنا في هذا المجلس اثني عشر حديثًا، مِنْ كلِّ ألفِ حديث حديثًا واحدًا، بشرط أن تكون هذه الاثنا عشر متباينة الأسانيد، فإنْ أمليتَها علينا إملاءً أو سردتها سردًا، أقررنا لك بالحفظ، وإلَّا ظهر عجزُك، فقال: أنا ما أستطيعُ السَّردَ، ولكن أكتبُ، فقال له: والإملاء نظيرُ الكتابة، فقال: لا إلا أنا أكتب، فأحضر له في الحال محبرة وورقة، فشرع يكتب، ثم بدا له، فقال: لا أستطيع أكتب إلا خاليًا، فيأمر السلطان أن أختلي في بيت وأنت في بيت، ويكتب كلٌّ منَّا مِنْ حفظه ما يستطيعه، فمن كتب أكثر، كان أحفظ، فقال له صاحب الترجمة نحن لم نحضر لنتخابر في سرعة الكتابة، مع أنَّ شهرته بسرعة الكتابة غيرُ خفيَّة، ولكن إنما أراد إظهار عجزه عمَّا ادَّعاه من الحفظ. وطال الخَطْبُ في ذلك، والسُّلطان يُرْسل بعض خواصِّه لصاحب الترجمة يحضُّه على التكلُّم معه. وآل الكلام إلى أن ذكر حديث السَّبعة الذين يُظلُّهم اللَّه في عرشه، فقال صاحبُ الترجمة: هل فيكم مَنْ يحفظُ لها ثامنًا؟ فقالوا: لا، فقال: ولا هذا الذي يدَّعي حفظ اثني عشر ألف حديث! فسكت، وقيل له: فهل تحفظ أنت ثامنًا؟ فقال: نعم، أعرفُ ثامنًا وتاسعًا وعاشرًا، وأعجب مِنْ ذلك أن في "صحيح مسلم" الذي يدّعي هذا الشيخُ حفظه كلَّه ثامنًا،

فالتمَسَ منه إفادته، فقال: المقامُ مقامُ امتحان لا مقام إفادة، وإذا صرتم في مقام الاستفادة أفدتكم. ثم لمَّا أرادوا القيام مِنَ المجلس، قال صاحب الترجمة للسلطان: يا خوند، أدَّعي على هذا أنَّ لي عنده دَيْنًا، فقال: ما هو؟ فقال: اثنا عشر حديثًا، فتبسَّم وانصرفوا، فلمَّا وصل صاحب الترجمة لباب الحوش، طُلب فعاد، فوجد السلطان قام لقضاء حاجته، فوقف مع خواصّه حتى يحضر، فقال له كاتب السِّرِّ: إن السلطان قال: قد استحييتُ من فلان، كيف يتوجَّه بغير ثواب، فقلت له: إنه كان شيخ البيبرسية، وانتزعها منه أخو جمال الدين ظُلمًا، فلما استتمّ كلامه، حضر السلطانُ، فأشار إلى كاتب السِّرِّ أن يُعلم صاحب الترجمة بما تقرَّر مِنْ أمر البيبرسية، فقال له: إن السلطان قد أعاد إليك مشيخة البيبرسية، فشكر صاحبُ الترجمة له ذلك، ثم قال له: قرَّرتني في مشيخة البيبرسية ونظرها، وعزل مَنْ هو مقرَّرٌ بها بحكم أنه انتزعها منِّي بغير جُنْحةٍ، فقال: نعم، فأشهد عليه بذلك مَنْ حضر. وفي غداةِ غدٍ، لبس بها خلعة وحضرها، وصُرف (¬1) أخو جمال الدين منها ثم عُوِّضَ أخو جمال الدين بعد سنتين بمشيخة سعيد السعدا. ووقع من الشيخ همام الدين الخوارزمي شيخ الجمالية -وهو من مساعدي الهروي- في هذا المجلس فلتةٌ أنكرها عليه صاحبُ الترجمة، إلى غير ذلك مما لا نطيل بإيراده. ثم كان المؤيد يعتمد على شيخنا بعد ذلك ويثق به. اتَّفق أنَّ السِّراج الحمصي حكم في قضية تتعلق ببستان المحلي الذي بالقُرب مِنَ الآثار، وعُقد له مجلسٌ بسببه، حضره القُضاة وأهل الفُتيا على العادة، فلمَّا حضروا، سأل السلطان صاحبَ الترجمة عن القضية، وقال له: أنت تعرفُ الحالَ أكثر مِنْ هؤلاء، فذكر له حلية الأمر باختصار، وذلك في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. ¬

_ (¬1) في (أ): "وحضر"، خطأ.

وفي تاريخه وقعت بين القاضيين الهروي الشافعي والدَّيري الحنفي مباحثةٌ، كان الحقُّ فيها مع الحنفي، وجحد الهرويُّ مقالته، فسأل السلطانُ مِنْ صاحب الترجمة ومِن القاضي المالكي عن حقيقة ذلك، فأخبراه بصدق ابن الديري. بل ولَّى المؤيدُ صاحب الترجمة في تاريخه -كما سلف- الحكمَ بين الهروي وأخصامه الخليليين والمقادسة، فتوجَّه الحكمُ على الهروي، وخرج في التَّرسيم. وكذا كان غير المؤيَّد كالظاهر ططر، يُسِرُّ إليه -وثوقًا به- دقائق أمره، فحكى له قبل أن يتسلطن أنه في آخر الدَّولة المؤيدية في الليلة التي مات صبيحتها المؤيَّدُ، ضاقت يدُه لكثرة مصروفه وقلَّة متحصّله، حتى إنَّ شخصًا قدَّم له مأكولًا، فأراد مكافأته عليه، فلم يجد في حاصله خمسةَ دنانير، حتى أرسل يقترضها مِنْ بعض خواصِّه، فكلُّهم -إلَّا واحدًا- يحلِفُ أنَّه لا يقدِرُ عليها، ثمَّ لم يكن بين ذلك وبين أن استولى على المملكة بأسرها، وعلى جميع ما في الخِزانة السُّلطانية التي جمعها المؤيَّدُ سوى أيَّام، وأمر ططر صاحب الترجمة بكتابة هذه الواقعة، فإنها أُعجوبة. وكان -رحمه اللَّه- عُيِّن لدرس الحديث بالمؤيدية أوَّل ما فُتحت، ثمَّ بطل ذلك، وقرر فيه البدر العيني، واستقرَّ هو مدرس الشافعية بها كما تقدَّم. وعرض عليه في أيَّام الأشرف برسباي بعد ولايته قضاء الديار المصرية وظيفة كتابة السِّرِّ، ملتزمين له الإذنَ بالجلوس، فأباها وتعلَّل عليهم بضياع زمنه في معرفة المصطلح. ونحو ذلك مِمَّا لم يقله إلَّا طردًا، إذ كان لا يخفاه ذلك رحمه اللَّه وإيانا.

الباب الخامس فيما علمته من تصانيفه ومن حصلها من الأعيان وتهادي الملوك بها إلى أقصى البلدان وما كتبه بخطه من تصانيف غيره ليظهر حسن قصده وعظم خبره

الباب الخامس فيما علمته من تصانيفه ومَنْ حصَّلها مِنَ الأعيان وتهادي الملوك بها إلى أقصى البلدان وما كتبه بخطه مِنْ تصانيف غيره ليظهر حسن قصده وعظم خبره

[مصنفات ابن حجر]

الباب الخامس [مصنفات ابن حجر] وكان ابتداؤه في التصنيف في حدود سنة ست وتسعين وسبعمائة، فمن تصانيفه ما كمل قبل الممات، ومنها ما بقي في المسوَّدات، ومنها ما شرع فيه، فكاد، ومنها ما شطر، ومنها ما صَلُحَ أنْ يدخُل تحت الإعداد. وهذا إيرادها على ترتيب اخترتُه، وتقريبٍ ابتكرتُه، وقد جمع هو أسماء معظمها في كراسة افتتحها على سبيل التَّواضع والهضم لنفسه بقوله: وأكثر ذلك -يعني تصانيفه- مما لا يساوي نُسخةً لغيره، لكن جرى القلمُ بذلك. قلت: وقد سمعتُه يقول: لستُ راضيًا عَنْ شيءٍ منْ تصانيفي، لأني عملتها في ابتداء الأمر، ثم لم يتهيَّأ لي مَنْ يحرِّرُها معي، سوى "شرح البخاري"، و"مقدمته"، و"المشتبه"، و"التهذيب"، و"لسان الميزان". بل كان يقول فيه: لو استقبلتُ مِنْ أمري ما استدبرتُ، لم أتقيد بالذَّهبي، ولجعلته كتابًا مبتكرًا، بل رأيته في موضع أثنى على "شرح البخاري" و"التغليق" و"النُّخبة"، ئم قال: وأمَّا سائر المجموعات، فهي كثيرةُ العدد، واهية العُدَد، ضعيفةُ القُوى، ظامئة الرُّوى، ولكنها كما قال بعضُ الحفَّاظ مِنْ أهل المائة الخامسة: وما لي فيه سوى أنَّني ... أراه هوى وافق المقصدا وأرجو الثواب بكتب الصلا ... ة على السَّيِّد المصطفى أحمدا قلت: وهذا الحافظُ المبهم هو أبو بكر البرقاني، وأولهما:

أعلل نفسي بكتب الحديث ... وأجمل فيه لها الموعدا (¬1) وأشغل نفسي بتصنيفه ... وتخريجه دائمًا سرمدا واللَّه المسؤول التفضُّلُ بعفوه، والتطوّل بستره، إنه حليم كريم. ثم قال: وهذه أسماء التَّصانيف المشار إليها، وبيان ما كمُلَ منها فيُبيِّضَ، أو استمرَّ في المسوَّدة بعد أن سطره، وبيان ما شارف التَّمام أو شطره، وبيان ما شرع فيه. بحسب ما وقع أو استحضره، إجابةً لسُؤال مَنْ سأل في ذلك، ومدّ إليه فِكْرَه ونظره، واللَّه المستعانُ في أن يبلغ كلامنا وطرَه، وعليه التُّكلان في إرشاد كلِّ ما وإعانته على القيام بما أمره، إنه قريب مجيب (¬2). 1 - تلخيص الجمع بين الصحيحين. 2 - الجمع بين الصحيحين على الأبواب بالأسانيد والطرق وزيادات المستخرجات. 3 - زوائد ما في الكتب الأربعة. 4 - السنن على الصحيحين مما هو صحيح، كتب منه كراريس. ¬

_ (¬1) انظر هذه الأبيات وأبياتًا أخرى معها في تغليق التعليق 3/ 13، وتايخ بغداد 4/ 375 - 376. (¬2) قلت: وقد جمع مصنفات الحافل ابن حجر أيضًا تلميذه برهان الدين البقاعي في جزء مفرد, منه نسخة بخط شهاب الدين أحمد بن خليل بن اللبودي، المتوفى سنة 896 سنة كتبها سنة 868 هـ, وزاد على البقاعي كتبًا أخرى من تأليف الحافظ ابن حجر. وهذه النسخة محفوظة في مكتبة لايدن بهولندا برقم 2492 ومعها أيضًا جزء فيه ذكر مصنفات البقاعي، وهو كذلك بخط ابن اللبودي المذكور، وكلاهما عندي منه صورة ورقية. وأقول أيضًا: قد جمع الدكتور شاكر محمود عبد المنعم أسماء مصنفات الحافظ ابن حجر في كتابه القيم "ابن حجر السعقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة" 1/ 167 - 398، حيث أوصلها إلى 282 مصنفًا، يذكر من أورد اسم الكتب ممَّن ترجم لابن حجر، ومكان وجود نسخه الخطية، وطبعاته إن كان مطبوعًا، فأجاد في ذلك، شكر اللَّه له.

5 - المؤتمن في حمع السنن، رتبه على أبواب الفقه مستوفيًا لكثير مِنْ كتب الحديث، مبينًا عَقِبَ كلِّ حديث ما فيه مِنْ علَّة وقدح وغير ذلك، محذوف الأسانيد، كتب منه كراسة، وسمَّاه أبضًا: "الجامع الكبير مِنْ سنن البشير النذير"، وقال بخطه: إنه شرع في أوائله. 6 - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، وهي: "مسند" الطيالسي، وعبد (¬1) بن حميد، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، ومُسدَّد، وابن أبي عمر، وأبي يعلى الموصلي رواية ابن المقرىء، والحارث بن أبي أسامة، في مجلدتين، كمل في المسوَّدة، ثم بيض، وقال بخطه: في ثلاث مجلدات. 7 - مختصر الترغيب والترهيب للمنذري، بعد أن كتب أصله. 8 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام، فرغه في سنة ثمان وعشرين وثمانمانة، في مجلد لطيف قدر حجم "العمدة" مرتين، لخَّص فيه "الإلمام" لابن دقيق العيد، وزاد عليه كثيرًا. 9 - التعليق على "الموضوعات" لابن الجوزي، لم يكمل، شرع فيه. 10 - التعليق على "المستدرك" للحاكم، شرع فيه أيضًا. 11 - الإعجاب ببيان الأسباب، ويُسمى أيضًا العُباب في بيان الأسباب، يعني أسباب نزول القرآن، في مجلد ضخم لم يُبيَّض، نعم، شرع في تبييضه بأخرة، فكتب منه إلى. . . . . . (¬2) في قدر مجلد. 12 - إقامة الدلائل على معرفة الأوائل، فرغه في شهور سنة ثماني عشرة وثمانمائة، وهو مسوَّدة بعدُ، بل كنت رأيت بخطه نسخة منه شبه المبيَّضة أعارها في حياته للسّراج عمر ابن الشيخ خلف الطُّوخي الصالح المشهور، فطالعها وأعادها له، ثم لم أرها بعدُ، وقد رأيت بخط التقي ¬

_ (¬1) في (ح): "عبد اللَّه", خطأ. (¬2) بياض في الأصول.

[يحيى ابن] (¬1) شارح "البخاري" الكرماني رحمهما اللَّه تعالى جزءًا قال: إنَّه لخَّصه مِنْ "الأوائل" للشيخ العالم شهاب الدين بن حجر، الذي لخَّصه مِنْ مُؤلَّف العلامة بدر الدين محمد بن عبد اللَّه الشِّبلي، المسمَّى "محاسن الوسائل إلى معرفة الأوائل"، ورتَّبه على أبواب الفقه، وبيَّن حال الأسانيد. قال التقيُّ: وقد أضفتُ إلى ذلك فوائد فرَّقتُها في محالِّها. انتهى. ويظهر لي من صنيع بعضهم في مقدمة تاريخ عمله أنه وقف عليه، لكنه لم يُفصح بذلك. وممَّن صنَّف الأوائل: ابن أبي شيبة، والطَّبراني، والعسكري، وأبو عروبة، وأبو الشيخ، وابن أبي عاصم، وغيرهم. وللصلاح الصفدي في ذلك "زهر الحمائل". [وعقد الفاكهيُّ في "أخبار مكة" للأوائل التي وقعت بها بابًا كبيرًا، وفيه فوائدُ ليست في الكتب المتقدِّمة. وكذا ذكر ابن الجوزي في "تلقيح فُهُوم (¬2) الأثر" فصولًا فيها جملةٌ كبيرة مِنَ الأوائل. قيل: وأوَّلُ مَنْ صنَّفها أبو الحسن المدائني الأخباري. ذكر ذلك النديم (¬3) في "فهرسته". وصنَّف الأواخر -وهو آخر مَنْ روى عن فلانٍ فلان- الأمينُ عبد القادر بن محمد بن (¬4) أبي الحسن الصَّعبي، ممَّن أخذ عنه أبو حيان. وولع بذلك بعض نبهاء الشَّاميين في وقتنا (¬5). ووقع لنا المسلسل بالأولية ¬

_ (¬1) ساقط من (أ). (¬2) في (أ): "قيوم"، تحريف. (¬3) في (أ): "العديم"، تحريف. (¬4) "بن" ساقطة من (ط). (¬5) هو شهاب إلى ين أحمد بن خليل بن اللبودي، المتوفى سنة 896 هـ, وكتابه "النجوم الزواهر في معرفة الأواخر" طبع في مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1415 هـ - 1995 م بتحقيق مأمون الصاغرجي ومحمد أديب الجادر. وقد أشار المصنِّف إلى هذا الكتب في ترجمة ابن اللبودي من الضوء اللامع 1/ 293 حيث قال: وأوقفني على مصنَّف له جمع فيه الأواخر، ظريف في بابه. =

وبالآخريَّة] (¬1). 13 - معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال. . جمع فيه ما زاد على قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "سبعة يظلهم اللَّه في ظلِّ عرشه". قال: وقد دخلَتْ في "الأمالي" من أول المجلس التاسع والتسعين، إلى آخر المجلس الخامس بعد المائة. قلت: وكذا في المجلس الثالث والثلاثين بعد المائة والذي يليه. وبلغت الخصال التي عنده بانضمامه للسبعة الأصلية (¬2) ثلاثة وثلاثين، وقد ظفرت أيضًا بأكثر من عشرين (¬3) خصلة زيادة على ذلك، كتبتُها مع تلخيصِ ما عمله شيخُنا في جزء إجابةً لمن التمس ذلك من فضلاء الدِّمشقيين مِنْ أصحابنا. [وأخذ غيرُ واحدٍ ممَّن كتب عنِّي بعد أن بلغ مجموع الخصال نحو السَّبعين، فأفرده أيضًا مِنْ غير تنبيه أكثرهم على ذلك، والأعمال بالنِّيات] (¬4). 14 - الخصال المكفّرة للذنوب المقدّمة والمؤخَّرة. وقد اختصره الشيخ ابن حسان وغيره. 15 - الإتقان في جمع أحاديث فضائل القرآن من المرفوع والموقوف، لم يكمل. 16 - القول المسدَّد في الذب عن مسند أحمد، ويُسمَّى أيضًا: القصد المسدَّد، وكذا: تنوير عين الأرمد. ¬

_ = قلت: أشار ابن اللبودي في مقدمة كتابه إلى كتب الصعبي، وسماه نزهة الناظر في معرفة الأواخر. وقد كتبت مقالة عرفت فيها بكتاب ابن اللبودي في مجلة الفيصل، العدد 258 الصادر في شهر رببع الثاني 1418 هـ. (¬1) من قوله: "وعقد الفاكهي" إلى هنا لم يرد في (ب) وورد في هامش (ح). (¬2) في (أ): "الأمثلة"، تحريف. (¬3) في (ب): "بأربعة عشر". (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

17 - تلخيص آداب الطعام والمنام والحمام، وسماه: المجمع العام في آداب الشَّراب والطَّعام ودخول الحمام. 18 - بذل الماعون بفضل الطاعون في مجلد لطيف، جمع فيه أشياء من الأحاديث والأحكام والآداب المتعلقة بذلك. وقد اختصره الشيخ شرف الدين يحيى المناوي. 19 - جزء الثَّبت بصيام السبت. 20 - تبيين العجب فيما ورد في صوم رجب. 21 - الآيات النَّيِّرات في معرفة الخوارق والمعجزات. 22 - ترتيب فوائد سمُّويه على المسانيد. 23 - وكذا ترتيب مسند الطيالسي. 24 - وترتيب مسند عبد بن حميد. كلاهما في سنة ثلاث وثمانمائة، ثم غَرِقا -كما تقدم في- سنة ستٍّ. 25 - ترتيب فوائد تمّام على الأبواب. 26 - ترتيب غرائب شعبة لابن منده. 27 - تلخيص زوائد البزار للهيثمي، حذف منه ما في "مسند أحمد". 28 - زوائد الأدب المفرد للبخاري على الستة. 29 - زوائد مسند الحارث بن أبي أسامة على الستة وأحمد. 30 - وكذا زوائد مسند أحمد بن منيع. 31 - البسط المثبوت (¬1) لخبر البرغوث. 32 - كشف الستر بركعتبن بعد الوتر. ¬

_ (¬1) كذا ورد في الأصود وفي "نظم العقيان" للسيوطي ص 47. واشتهر الكتاب بعنوان "البسط المثبوت. . . "، وورد كذلك في كشف الظنون 1/ 245.

33 - ذكر الباقيات الصالحات. 34 - جزء فيه عشرون حديثًا صحيحة أو حسنة فيما يقوله المكلف في يومه وليلته. 35 - قوّة الحجاج في عموم المغفرة للحجّاج. 36 - ردع المجرم في الذب عن عرض المسلم. وهو أربعون حديثًا عمله حين كان السَّفَطِي قاضيًا. [وانتهى في يوم الخميس عاشر رجب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وهو في منزله بالقرب مِنْ الجامع المقسي بباب البحر] (¬1). 37 - تغليق التعليق في مجلد ضخم، وربما كتب في مجلدين، يشتمل على وصل التعاليق [المرفوعة والآثار] (¬2) الموقوفة والمقطوعة الواقعة في "صحيح البخاري" بُيِّضَ وكثُرت نسخُه، وهو عندي فيما كتبته بخطي، وله به فخر كبير، لكونه لم يُسْبق إلى جمعه في تأليف، ولا يوجد التعرض لشيء منه إلا في النَّادر من التصنيف، وكمُل تبييضه في سنة سبع وثمانمائة، وكانت مسوَّدتُه كمُلَت قبل ذلك في سنة ثلاث. وقف عليه كبارُ مشايخه كما اْسلفتُه، وشهدوا بأنه لم يُسبق إلى وضع مثله، ووجد شاهد ذلك في كلام أبي عبد اللَّه بن رُشيد وغيره مِنَ الأئمة، فإنَّهم صرَّحوا بأنَّ هذا النوع جديرٌ بأن يُفرد بالتَّصنيف، ويُتصدى إلى جمع طرقه، وتوصيل منقطِعِه. وقد حصل له -كما قرأتُه بخطه- بفراكه إعانةٌ عظيمة عند الشُّروع في الشَّرح، فإنَّه أغنى عَنْ تعب كبير (¬3). وقال أيضًا: إنه لم يتقدَّمه أحدٌ مِنْ أهل هذا الفنِّ إليه، ولا عرَّج نحوه، لغلبةِ ظنِّه أنَّه لا يطيعه ولا يخضع لديه. قال: وهو الكتاب الذي وصلتُ فيه تعاليق البخاري في "صحيحه" إلى ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وزادها المصنف بخطه في هامش (ح). (¬2) هذه العبارة ساقطة من (أ). (¬3) ساقطة من (أ).

مَنْ علَّق كلَّ سندٍ إليه، وأحال بما هو غالبًا مختصُّ به على المكان الذى لا يُستطاع الانقياد له. وقد شهد الحافظُ الماهر أبو عبد اللَّه بن رُشيد السَّبتي في مقدمة كتابه "تُرجمان التراجم" أنه لم يتصدَّ أحدٌ لذلك، ولا أفرده بالتَّصنيف، وإن اتَّفق أن يظفر بعضُهم بشذَرةٍ مما هنالك (¬1). قال: ولولا خشية العُجب، لأطنبتُ أكثر مما أطنبت، ولولا فرط محبة المرء لولده (¬2) لحبَّبت غيري فيما أحببتُ، وما ادَّعيت، إلا ما أقرَّ بصدقه الدَّليلُ المشاهَدُ، وإلَّا فكان الأولى لمن عاهد على ترك الفخر أن يوفي بما عاهد. 38 - مختصره المسمى بالتشويق إلى وصل المهم من التعليق. 39 - وأيضًا: التوفيق لوصل المهم من التعليق. واقتصر في هذا على الأحاديث التي لم يُوصِل البخاري أسانيدها في مكان آخر من "جامعه". 40 - تخريج ما يقول فيه الترمذي: "وفي الباب". كتب مِنْ أوائله قدرَ ستة كراريس، لو كمُلَ، لجاء في مجلد ضخم، سماه "العُجاب في تخريج ما يقول فيه الترمذي: "وفي الباب". 41 - تخريج الكشاف، في مجلد، وهو ملخص من كتاب الزيلعى. بُيِّضَ، وسماه "الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف". 42 - التخريج الواف بآثار الكشاف، في مجلدين، قفَّصه في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ولم يُبيض لكونه ما زاد غالبًا على تقفيص الآثار، ويكتب تخريج الأحاديث مِنَ المصنَّف قبله. 43 - التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز، في مجلدين، ملخصًا له من كتاب شيخه ابن الملقن، كمُل وبيض. 44 - تخريج أحاديث شرح التنبيه للزنكلوني، لم يكمل، شرع فيه. ¬

_ (¬1) انظر تغليق التعليق 2/ 6، وهدي السري ص 19، 20. (¬2) في (ح): "بولده".

45 - تخريج أحاديث مختصر الكفاية، لم يكمل. 46 - نصب الراية في متخب تخريج أحاديث الهداية. فرغه في سنة سبع وعشرين، ملخصًا له من كتاب الزيلعي في مجلد واحد، بُيِّض. ويُسمّى أيضًا: الدراية في تلخيص تخريج أحاديث الهداية. 47 - هداية الرواة إلى تخريج المصابيح والمشكاة. لخَّصه من كتاب الصدر المناوي شيخه. 48 - موافقة الخُبر الخَبر في نخريج أحاديث المختصر. أملاه كما سلف. 49 - من تخريج الأذكار خمس مجلدات نحو النصف، أملاه أيضًا. 50 - الاستدراك على شيخه العراقي في "تخريج الإحياء". 51 - مختصر مسند الفردوس للديلمي، سماه تسديد القوس. 52 - زهر الفردوس. قفَّصه، وهو عبارة: عن الأحاديث المخرّجة من غير الكتب المشهورة. 53 - تخريج ما في سيرة ابن هشام من الأحاديث المنقطعة، وسمَّاه: تخريج الأحاديث النبوية المنقطعة في السيرة الهشامية. 54 - تخريج الأربعين النووية بالأسانيد العلية، بيَّضها وحدث بها في عدن سنة ثمانمائة. 55 - جزء فيه الداعي البشير لتخريج أحاديث ابن بشير. 56 - عوالي البخاري، وهي ما أخرجه عن شيخ يكون بين أحد الأئمة الستَّة وبينه واسطة، سمّاها: بغية الداري (¬1) بأبدال البخاري. - وقد انتقى من "مسلم" من هذا النوع ما سيأتي في الأربعينات (¬2). ¬

_ (¬1) في (ط): "الراوي". (¬2) برقم (76) وعنوانه: "الأربعون العالية لمسلم على البخاري في صحيحهما".

57 - الأبدال العوالي من أبي داود الطيالسي. 58 - أبدال عبد بن حميد وموافقاته. 59 - الأبدال العوالي والموافقات الحِسان من مسند الدارمي عبد الرحمن. 60 - الأبدال الصَّفيَّات مِنَ الثقفيات. 61 - الأبدال العليَّات من الخِلعيات. 62 - أفراد مسلم على البخاري. علَّقها في سنة ثلاثين وثمانمائة. 63 - ثنائيات الموطأ من انتقائه، وعِدَّة أحاديثها مائة واثنان وعشرون حديثًا. 64 - خماسيات الدارقطني. 65 - زيادات بعض الموطآت على بعض. 66 - منتقى من المقلِّين من مسند أحمد. 67 - منتقى من معجم السبكي. 68 - وكذا من مشيخات ابن عساكر، وابن الشيرازي، والفخر بن البخاري. 69 - والتقط من عوالي الدبوسي جزءًا. 70 - ومن عوالي ابن المقيَّر بالإجازة جزءًا ضخمًا. 71 - ومن كلِّ من المستخرج على البخاري لأبي نعيم. 72 - وللإسماعيلي. 73 - ومن مسند السَّرَّاج جزءًا. 74 - الأمالي الحديثيَّة المطلقة. مجلد. 75 - جزء فيه التعقُّب على ابن الجزري في مشيخة شيخه الشيخ الجنيد.

الأربعينات

الأربعينات (¬1) 76 - الأربعون العالية لمسلم على البخاري في صحيحيهما. 77 - ضياء الأنام بعوالي شيخ الإسلام البلقيني، وهي أربعون حديثًا. 78 - الأربعون الممتازة بعوالي شيوخ الإجازة من حديث المراغي. 79 - الأربعون المتباينات لنفسه. سماها الإمتاع (¬2) بالأربعين المتباينة بشرط السماع، صنَّفها في سنة سبع وثمانمائة، ثم أملاها -كما تقدَّم- واشترط فيها اتصال السماع في جميعها، وشرائط كثيرة لم يُسبق إليها، منها: ترتيبها على أحاديث العشرة المبشرة، ثم على حروف المعجم من الصحابة، ثم العبادلة الأربعة، وفيها أحاديث أصحاب الكتب السِّتَّة والمذاهب الأربعة وغير ذلك من الالتزامات قفَّصها في أسبوع، حيث قال له القاضي تقي الدين الفاسي المكي: إنه أقام في جمع "مبايناته (¬3) الأربعين" نحو ثلاث سنين، مع أنه لم يشترط شروط صاحب الترجمة. 80 - مختصرها. يذكر فيه طريقًا واحدة لكل حديث، وفرغه في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة. 81 - الأربعون المهذبة بالأحاديث الملقبة. خرَّجها للمحدث نفيس الدين العلوي من حديث نفسه. 82 - الأربعون من مسموع ابن عبد الدائم من الترغيب للتيمي. المعاجم والمشيخات 83 - معجم التنوخي، في مجلدة ضخمة، أربعة وعشرون جزءًا عن أكثر من أربعمائة شيخ بالسماع والإجازة. ¬

_ (¬1) هذا العنوان والعناوين الآتية بعد من (أ، ح). (¬2) في (أ): "الامتناع"، تحريف. (¬3) في (ب، ط): "متبايناته".

تخريجه لشيوخه وغيرهم

84 - المعجم للحرة مريم، فرغه تسويدًا في سنة ثلاث وثمانمائة. 85 - المجمع (¬1) المؤسس بالمعجم المفهرس. في تصنيفين، ذكر فيه شيوخه بالسمع والإجازة والإفادة، فبلغوا -على ما كتبه بخطه- نحو أربعمائة وخمسين نفسًا. ورأيت بخطه أيضًا أنه يشتمل على ذكر مشايخه وبيان ما حمل عنهم بأسانيده، وهم زيادة على أربعمائة في خمس طبقات يشتمل على قسمين، أحدهما في أهل الرواية، والآخر في أهل الدِّراية دون مشايخه بالإجازة العامة، فإنه لم يعرِّج على الرِّواية عنهم، بل شكَّ في بعض مَنْ سمع منه، فبيَّن ذلك في معجمه. 86 - مشيخة ابن أبي المجد الذين انفرد بالرواية عنهم. جزء ضخم. 87 - مشيخة أبي (¬2) الطاهر بن الكويك الذين أجازوا له. 88 - مشيخة البرهان الحلبي. 89 - مشيخة القباني وفاطمة، المسمّاة بالمشيخة الباسمة. تخريجه لشيوخه وغيرهم 90 - جزء حديث النجم البالسي. 91 - وآخر من حديث التقي الدجوي. 92 - وآخر من حديث العز الطيبي. 93 - المائة العشاريات للتنوخي، المسمّاة: نظم اللآلي بالمائة العوالي، وهي أول ما خرّجها، وذلك في سنة ست وتسعين. 94 - وتلاها بعد مدة بأربعين أخرى، سمَّاها: العوالي التالية للمائة العالية، والكل بشرط الصحة أو الحُسْن. ¬

_ (¬1) في (أ، ب): "المعجم". (¬2) في (أ): "ابن"، تحريف.

95 - الستون العشارية للعراقي. 96 - تلاها الأربعين التي خرجها لنفسه، لتصير مائة سماها العشارية الستين لتكمل مائة بالأربعين. 97 - الأربعين العشاريات الإسناد إلى الصحابة من حديثه. أملى غالبها كما تقدم، وهي في المسوَّدة في مجلد. 98 - العشرة العشارية. 99 - متباينات التنوخي. 100 - فهرست مرويات القاضي جلال الدين بالإجازة، في كرّاسة. 101 - فهرست أخيه عَلَم الدين بالإجازة أيضًا في كرَّاسة. 102 - فهرست الشرف بن الكويك. 103 - فهرست نفسه في مجلد ضخم، سمّاه: المقاصد العليات في فهرست المرويات، يعني بالقراءة أو السمح أو الإجازة أو (¬1) المشافهة أو المكاتبة. ووجدت بخطِّه أيضًا تسميته بالمقاصد العلية في فهرست الكتب والأجزاء المروية. انتفع الناس به. [وهو مرتَّب على ستة أبواب، الأول: في الكتب المبوَّبة (¬2). الثاني: في المسانيد. الثالث: في فنون علم الحديث. الرابع: في المشيخات والمعاجم. الخامس: في الأجزاء المنثورة، مرتَّب على حروف المعجم بأشهر أسمائها. السادس: في الكتب التي لا أسانيد فيها غالبًا من كتب الفقه والقراءات والتفسير وعلوم الحديث والتواريخ والأدبيات] (¬3). 104 - الثبت الحديثي. مجلدان في المسوَّدة. ¬

_ (¬1) "أو" ساقطة من "ح". (¬2) في (ط): "النبوية" تحريف. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

105 - إتحاف المهرة بأطراف العشرة، وهي: الموطأ، ومسند الشافعي، ومسند أحمد، وجامع الدارمي، وصحيح ابن خزيمة، والمنتقى لابن الجارود، وصحيح ابن حبان، ومستخرج أبي عوانة، ومستدرك الحاكم، وشرح المعاني للطحاوي، وسنن الدارقطني. وقد كمل هذا الكتاب في ستة مجلدات ضخمة تجيء في ثمانية أسفار. بُيِّض اليسير من أوائله في حياة مؤلفه، وألحق فيما بيّض منه أطراف مسند أحمد من كتابه في ذلك، لكونه ما أدخله أوّلًا فيها، ثم استوفيت تبييضه -وللَّه الحمد- بعد موته. 106 - أطراف المسند، وفي رواية: المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، في مجلدين، بُيِّض وكمُلَ قديمًا، وكان حافظ الوقت شيخه الزين العراقي كثير الاعتماد (¬1) عليه في إملائه وغيرها. 107 - النكت الظراف على الأطراف، علَّقه من حواشيه بنسختيه من الأصل التي إحداهما بخطه في أواخر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة. وكان كتب منه يسيرًا في سنة خمس وثمانمائة، وسماه أيضًا: الاعتراف بأوهام الأطراف. 108 - أطراف الصحيحين على الأبواب مع المسانيد، عجيب الوضع. 109 - الفوائد المجموعة بأطراف الأجزاء المسموعة، على الأبواب في مجلد. 110 - الإجزاء بأطراف الأجزاء، وهو أطراف على المسانيد، في خص رُزَم، وقال: إنه في مجلدين. 111 - أطراف المختارة للضياء، سماه: الإنارة في أطراف المختارة، في مجلَّد ضخم علَّقه في غاية العجلة في رحلته بدمشق بها سنة اثنتين ¬

_ (¬1) في (أ): "الأعمال".

الطرق

وثمانمائة، والأصل (¬1) لم يكمله المصنف، وجد منه إلى آخر مسند ابن عمر، في خمسة أسفار كبار. وهذا الكتاب من جملة ما غرق من الكتب التي كانت صحبته في الرحلة اليمنية سنة ست كما تقدّم. 112 - تجريد لحق المزي بالأطراف (¬2). 113 - أحاديث أحمد عن الشافعي عن مالك، في جزء. الطرق 114 - طرق حديث المسح على الخفين. 115 - طرق حديث "من بنى للَّه مسجدًا". 116 - طرق حديث "لو أن نهرًا بباب أحدكم"، وبيان حال كل طريق منها. وكان سبب ذلك أن بعض الناس قرأ ما يقول ذلك "تُبقي من درنه" بالمثناة الفوقانية، فرد عليه أنه بالتحتانية وسئل القاضي محب الدين البغدادي وصاحب الترجمة عن ذلك (¬3) فأجابا بما ذكره أستاذنا في ديباجة هذا المصنف. 117 - طرق حديث صلاة التسبيح. ¬

_ (¬1) في (أ): "والأصح"، تحريف. (¬2) جعل الدكتور شاكر عبد المنعم هذا الكتاب والذي يليه كتابًا واحدًا، حيث قال في كتابه "ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسته في منهجه وموارده في كتابه الإصابة" 1/ 247 بعد أن ذكر نسبة السخاوي هذا الكتب لابن حجر: وهي أحاديث أحمد عن الشافعي عن مالك. قلت: وهذا الأخير كتب مفرد، أما "لحق الزي بالأطراف" فقد ذكره الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف على الأطراف" 1/ 5، فقال: ثم وقفت على جزء لطيف بخط الصنف تتبع فيه أشياء من كتب النسائي رواية ابن الأحمر، وسماه "لحق الأطراف"، ئم رأيها بخطه في هوامش نسخة تلميذه الحافظ عماد الدين بن كثير بدمشق. (¬3) "عن ذلك" ساقطة من (ط).

118 - طرق حديث الغسل يوم الجمعة من رواية نافع عن ابن عمر خاصة. خرَّجه على سبيل امتحان الخاطر في مذاكرة جرت، فجاء عن أكثر من عشرين ومائة رجل رووه عن نافع خاصة. 119 - طرق حديث "من صلى على جنازة فله قيراط". 120 - طرق حديث المجامع في رمضان، سمَّاه: نزهة النَّاظر السامع في طريق حديث الصائم المجامع. 121 - طرق حديث "ماء زمزم لما شُرب له". 122 - طرق حديث المغفر. رد به على من قال -كابن الصلاح-: إن مالكًا تفرَّد به، فبلغ عدَّةُ مَنْ حدَّث به عن الزهري غير مالك سبعة عشر نفسًا. 123 - طرق حديث جابر في البعير. 124 - طرق حديث "تعلموا الفرائض" سماه: تحفة الرائض بتخريج حديث تعلموا الفرائض. 125 - طرق حديث "القُضاة ثلاثة". 126 - طرق حديث "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة". 127 - طرق حديث الإفك. 128 - الإنارة بطرق حديث غِبّ الزيارة، وهو حديث "زُر غبّا تزدد حبًّا". 129 - طرق حديث "الأعمال بالنيات". 130 - طرق حديث "احتجَّ آدم وموسى". 131 - طرق حديث قَبْضِ العلم. 132 - طرق حديث "من كذب (¬1) عليَّ متعمدًا". 133 - طرق حديث "نضَّر اللَّه امرءًا. . . ". 134 - طرق حديث "أوْلَى النَّاس بي أكثرهم عليَّ صلاة". ¬

_ (¬1) في (ط): "كتب" تحريف.

الشروح

135 - لذَّة العيش بطرق حديث "الأئمة من قُريش" جزء ضخم. 136 - طرق حديث "مَثَلُ أمتي مثل المطر". 137 - طرق حديث الصادق المصدوق. الشروح 138 - شرح البخاري، المسمى فتح الباري، وهو أجلُّ تصانيفه مطلقًا، وأنفعها للطالب مغربًا ومشرقًا، وأجلّها قدرًا، وأشهرُها ذكرًا، بحيث رأيت بخط مؤلِّفه قبل تمامه ما نصُّه: ولولا خشية الإعجاب، لشرحت ما يستحق أن يوصف به هذا الكتاب، لكن للَّه الحمد على ما أوْلَى، وإياه أسألُ أن يُعين على إكماله منًّا وطَوْلًا. وكان الابتداءُ فيه في أوائل سنة سبع عشر وثمانمائة على طريق الإملاء، ثم صار يكتب من خطه مداولة بين الطلبة شيئًا فشيئًا، والاجتماع في يوم من الأسبوع للمقابلة والمباحثة، وذلك بقراءة شيخنا العلامة ابن خضر، إلى أن انتهى في أول يوم من رجب سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة سوى ما ألحق فيه بعد ذلك، فلم ينته، إلَّا قُبيل وفاة المؤلف بيسير. وجاء بخط مؤلفه في ثلاثة عشر سفرًا، وبيض في عشرِ، وعشرين، وثلاثين، وأزيد وأقل. وقد سبقه شيخه المجد اللغوي صاحب "القاموس"، فرأيت في أسماء تصانيفه: "منح الباري بالسيح الفسيح المجاري في شرح صحيح البخاري" وأنه كمُل منه ربع العبادات في عشرين مجلدة. وكذا سبقه -فيما قيل- إلى التسمية بفتح الباري الحافظ الزين بن رجب الحنبلي، لكن سمعت صاحب الترجمة يذكر أنه لم يطَّلع على ذلك (¬1). وكان عقِبَ فراغ المقدمة شرع في شرحٍ أطال فيه النَّفَس، وكتب منه ¬

_ (¬1) هذا القول لا يسلم به للمصنف ولا لشيخه رحمهما اللَّه، فقد اطلع الحافظ ابن حجر على شرح ابن رجب لصحيح البخاري, واستفاد منه, انظر على سبيل المثال: فتح الباري 1/ 176 شرح الحديث 79، و1/ 178، شرح الحديث 80، كلاهما من كتاب التوحيد، و11/ 340 حديث 6500 من كتاب الرقاق.

قطعةً تكون قدر مجلد، ثم خشي الفُتور عن تكميله على تلك الصفة، فابتدأ في شرح متوسط، وهو "فتح الباري" الماضي شرحه. قال شيخنا: فلمَّا كان بعد خمس سنين أو نحوها، وقد بُيِّضَ منه مقدار الربع على طريقة مثلى، اجتمع عندي مِنْ طلبة العلم المهرة جماعةٌ وافقوني على تحرير هذا الشرح، بأن أكتب الكرَّاس، ثم يحصِّله كلُّ منهم نسخًا، ثم يقرؤه أحدهم، ويعارض معه رفيقُه مع البحث في ذلك والتَّحرير، فصار السِّفْرُ لا يكمُل منه إلا وقد قُوبل وحرِّر ولزم من ذلك البطءُ في السَّير لهذه المصلحة، إلى أن يسَّر اللَّه تعالى إكماله في شهر رجب سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. 139 - مقدمته المسمَّاة هدي الساري، في مجلد ضخم أو مجلدين، كملت في سنة ثلاث عشرة وثمانمانة، تشتمل على جميع مقاصد الشرح سوى الاستنباط. 140 - انتقاض الاعتراض، ردَّ فيه على البدر العيني فيما تعقَّب عليه في شرحه، مجلد. 141 - الملتقط من التلقيح في شرح الجامع الصحيح، للبرهان الحلبي. التقطه بحلب في سنة ست وثلاثين. 142 - تحرير التفسير من صحيح البخاري، على ترتيب السُّوَر منسوبًا لمن نقل عنه. 143 - شرح الترمذي. كان شرع فيه في سنة ثمان وثمانمائة في الدروس أوَّلَ ما وَليَ درس الحديث بالشيخونية، فكتب منه قدر مجلدة مسودة، وفتر عزمه عنه، ولو كمُلَ لجاء في خمسة عشر سِفْرًا أو ستة أسفار كبار، حسبما قرأتُه بخطه في موضعين. 144 - المقرَّر في شرح المحرر، لابن عبد الهادي. كتب منه قطعة في الدروس، ثم تشاغل عنه بشرح "البخاري"، ولو كمُل لكان قدر خمس مجلدات.

علوم الحديث

145 - نكت شرح مسلم للنووي في المقدمة وغيرها، لم يكمل، رأيت منه كرّاسة من الكلام على المقدمة، وأخرى من الكلام على غيرها. 146 - التقاط اعتراض ابن عبد الهادي من منتقاه من شرح مسلم للنووي عليه خاصة في جزء. 147 - النكت على تنقيح الزركشي على البخاري. 148 - والنكت على نكت العمدة له. 149 - وعلى شرح العمدة لشيخه ابن الملقن، لم تكمل الثلاثة أيضًا. 150 - تقريب الغرب الواقع في البخاري. اختصره من القرطبي مع الزيادة عليه والفوائد المهمة في سنة ثماني عشرة وثمانمائة. 151 - الكلام على قوله: "إن امرأتي لا تردُّ يد لامسٍ". علوم الحديث 152 - نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، كراسة فيها مقاصد الأنواع لابن الصلاح وزيادة أنواع لم يذكرها، فاحتوت على أكثر من مائة نوع من أنواع علوم الحديث، وفرغ من تأليفها في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة. قلت: وقد سبقه ابن واصل، فسمّى "نخبة الفكر في علم النظر"، لكن الظن أنَّ صاحب الترجمة ما استحضره حين التسمية به. 153 - شرحها المسمَّى نزهة النظر، في مجلد لطيف، دمجها فيه، وتنافس الفضلاء مِنْ أبناء العرب والعجم في تحصيله والاعتناء به، وممَّن كتبه بخطه: الشيخ شمس الدين محمد بن مرهم (¬1) الدين الشرواني [والمحيوي الكافياجي] (¬2)، وكان التمس منه تصنيفه صاحبه الشيخ شمس ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، وفي الضوء اللامع 10/ 48: "مراهم الدين" ثم ذكره 11/ 209 كما هنا. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط).

فنون الحديث

الدين الزركشي والد عبد الصمد والآتي في الملغزين من الباب السادس (¬1). وفرغه في مستهل ذي الحجة سنة ثمان عشر وثمانمائة، وأشار بقوله في خطبته: "صاحب البيت أدرى بالذي فيه" إلى العلامة كمال الدي الشُّمُنِّي، فإنه كان شرحها وانتهى منه في رمضان سنة سبع عشرة وثمانمائة، وسماه "نتيجة النظر في نخبة الفكر"، وهو أكبر مِنْ شرح المصنف. وقد نظمها -أعني "النخبة"- الكمال المذكور، وكذا قاضي الحنابلة العز الحنبلي وآخرون، منهم الشيخ نعمة اللَّه. وشرح الشيخ تقي الدين الشُّمُني "نَظْم" والده. 154 - النكت على ابن الصلاح وعلى النكت التي عملها شيخه العراقي عليه، لم يكمل. قال هو: في مجلد ضخم مسوَّدة زيادة على نكت شيخه الزَّين (¬2) العراقي ومباحثه معه، وهو نحو حجم الأصل لو كمُل. بيّض منه إلى (المقلوب). [وأخبرني ابن السيد عفيف الدين أنه عنده بخط شيخنا كاملًا، فاللَّه أعلم] (¬3). 155 - النكت على الألفية. لم أرَ منه غير ورقتين، وقال هو: إنه شرع فيه، لكن قد التقط بعضُ جماعته مِنْ تقريره وتذكرته شيئًا ما كمل، كما سيأتي التنبيه عليه قريبًا. فنون الحديث 156 - المهمل من شيوخ البخاري. 157 - الإحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام. جمع فيه بين كتابي السُّهيلي وابن عساكر. ¬

_ (¬1) ص 844. (¬2) في (ب): "ولي الدين" خطأ. فكتاب النكت على ابن الصلاح، المسمى: التقريب والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، هو من تأليف زين الدين العراقي، لا من تأليف ولده ولي الدين. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

158 - ترتيب المبهمات على الأبواب. مجلدة ضخمة مسوَّدة. 159 - مهمات العمدة. 160 - تعريف أولي التَّقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس. فرغه في سنة خمس عشرة وثمانمائة، وكان جمعه أولًا، ثم رجع عنه إلى كتاب أكبر منه بقليل. وقد صنَّف فيه الحسين بن علي الكرابيسي صاحب الشافعي مصنفًا، ثم صنَّف فيه الدارقطني. 161 - الذيل على المختلطين للعلائي. 162 - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه. قصد فيه تحرير "المشتبه" للذهبي، فضبط الأسماء بالحروف، واستدرك ما فاته ممَّا اشتمل عليه أصوله كابن ماكولا وابن نقطة وذيولهما، وألْحَقَ كثيرًا مع ذلك، فجاء قدر حجمه مرَّة ونصفًا، وهو مجلد بُيّض. 163 - نزهة الألباب في الألقاب. 164 - الزهر المطلول في بيان الحديث المعلول. 165 - شفاء الغُلَل في بيان العِلل. 166 - تقريب المنهج بترتيب المدرج. فرغه في سنة سبع وثمانمائة، في مجلد. 167 - المخرَّج من المدبَّج. ويُسمَّى أيضًا: الأفنان في رواية الأقران، و: التَّعريج على التدبيج (¬1). 168 - المقترب في بيان المضطرب. ¬

_ (¬1) ذكر هذا العنوان "التعريج على التدبيج" في نظم العقيان للسيوطي ص 47، وشذرات الذهب لابن العماد 7/ 372، وعنهما شاكر عبد المنعم في ذكر مصنفات ابن حجر، على أنه كتب مستقل عما قبله، بينما هي عناوين ثلاثة لكتاب واحد.

169 - نزهة القُلوب في معرفة المبدل والمقلوب. ويُسمَّى أيضًا: جلاء القلوب في معرفة المقلوب. مجلد. 170 - مزيد النفع بمعرفة ما رجح فيه الوقف على الرفع. 171 - بيان الفصل لما رجح فيه الإرسال على الوصل. 172 - تقويم السناد بمدرج الإسناد. 173 - علم الوشي فيمن يروي عن أبيه عن جده. وهذا الكتاب اختصره من كتاب الحافظ العلائي المسمّى "الوشي المعلم". وقد صنف ابن أبي خيثمة في المعنى جزءًا، وهو -فيما أعلم- أول مصنَّف فيه، وكذا ذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في آخر كتابه "المبهمات" فصلًا كبيرًا في ذلك، والقطب القسطلاني أيضًا في "المبهمات" جملة من ذلك، وللدمياطي سؤالات من هذا الباب سأل عنها تلميذُه المزي (¬1)، وأرسل بها إليه من مصر إلى الشام، فجمع المزي في ذلك جزءًا رأيته. 174 - تلخيص رواية الصحابة عن التابعين للخطيب، سمّاه: نزهة السامعين في رواية الصحابة عن التابعين. 175 - تلخيص المتفق والمفترق للخطيب أيضًا، مع ترتيبه والزيادة عليه. ما كمل. 176 - الانتفاع بترتيب العلل للدارقطني على الأنواع. 177 - تلخيص التصحيف للدارقطني. 178 - التذكرة الحديثية في أكثر من عشرة مجلدات ضخمة، وقفت على أكثرها، وكلُّ جزء منها يزاحم ثلاثة من أجزائه الأدبية الآتي ذكرها. وهذه غير عشرة أخرى أهداها لصاحب اليمن مضافة للأربعين الأدبية الآتي ¬

_ (¬1) في (أ): "المزني", تحريف.

الرجال

ذكرُها. ورأيت بمكة المشرَّفة من هذه العشرة أولها. 179 - الأجوبة الجلية عن الأسئلة الحلبية سأله عنها أبو ذر بن البرهان الحلبي. 180 - الأجوبة المشرقة عن الأسئلة المفرقة. 181 - الجواب الجليل عن زيارة الخليل. 182 - الإيناس بمناقب العباس. مجلدة في المسوّدة. الرجال 183 - الإصابة بمعرفة الصحابة في خمس مجلدات. وهو أربعة أقسام: الأول: من وردت روايته أو ذكره من طريق صحيحة أو حَسَنَة أو ضعيفة أو منقطعة. الثاني: من له رؤية فقط. الثالث: مَنْ أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يرد في (¬1) خبر أنه اجتمع بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. الرابع: من ذكر في كتب مصنِّفي الصَّحابة أو مخرِّجي المسانيد غلطًا، مع بيان ذلك وتحقيقه ممَّا لم يُسبق إلى غالبه. وهذا القسم هو المقصودُ بالذَّات مِنْ هذا الكتاب، وقد وقع التنييه فيه على عجائب يُستغرب وقوعُ مثلها، وقد بقي مِنَ الكتاب المبهمات. قلت: وسبق شيخنا للتَّسمية بذلك الحافظ عبدُ الغني بن عبد الواحد المقدسي صاحب "العمدة"، فله كتاب سماه "تبيين الإصابة لأوهام حصلت في معرفة الصحابة". وكذا اختصر "الاستيعاب" محمد بن يعقوب بن ¬

_ (¬1) في (أ): "فيه".

محمد بن أحمد الخليلي، فسمّاه "إعلام الإصابة بأعلام الصحابة"، ولابن الجوزي "منهاح الإصابة في محبَّة الصحابة". لكن الشيخ ما علم بتسميتها، وهذا الأمر سهلٌ بالنِّسبة لعليِّ مقامه. 184 - [مناقب الشافعي وهي المسماة] (¬1): توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس. فرغها في شعبان سنة خمس وثلاثين وثمانمائة. وقرئت عليه بالمقام مرَّتين. 185 - [مناقب الليث واسمها] (¬2): المرحمة الغيثية عن الترجمة الليثية، ويُسمَّى أيضًا: مرحمة الغيث بترجمة الليث فرغها في شعبان سنة أربع وثلاثين، وقرئت عليه فيها بالمقام. [186 - هدي الساري، ويقال له: هداية الساري لسند البخاري، في كراستين، صنَّفها قديمًا في سنة خمس وثمانمائة، وسمعها عليه حيئنذٍ الشمس بن القطان وغيره من شيوخه وأماثل الفضلاء بالمدرسة البرهانية المحلية، بقراءة العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحيم المنهاجي] (¬3). 187 - فوائد الاحتفال في بيان أحوال الرجال المذكورين في "البخاري" زيادة على ما في "تهذيب الكمال". مجلد ضخم مسوّده، وسماه أيضًا: الإعلام بمن ذكر في البخاري من الأعلام. 188 - تهذيب التهذيب، في ثلاثة ضخمة أو ستة، بيض وكتب منه نسخ، وكان انتهاء (¬4) تبييضه في سنة سبع وثمانمائة، وهو يشتمل على اختصار "تهذيب الكمال" للمزي، مع زيادات كثيرة عليه تقرب من ثلث حجم الملخَّص، وخرج كلُّه -مع ذلك- في قدر ثُلث حجم الأصل، وقد بيضت منه نسخة في خمس مجلدات، وأخرى في ستِّ، والتي بخط ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) في (أ): "ابتداء"، خطأ.

المؤلف في ثلاث كسلاسل الذهب (¬1). 189 - مختصرُه التقريب، وهو عجيب الوضع، يشتمل على رجال "تهذيب الكمال"، لا تزيد الترجمة على السطر، يشتمل على اسم الراوي وأشهر نسبه، وصفته مِنَ القبول وعدمه، وبيان طبقته، مع ضبط ما يحتاج إلى ضبطه مِنْ ذلك بالحروف، وهو في مجلدة متوسطة. 190 - ثقات الرجال ممَّن لم يذكر في تهذيب الكمال كتب منه نحو ثلاث مجلدات من خمسة. وقال مرة: إنه من عشرة لو كمل. ما بُيِّضَ. 191 - أسماء رجال الكتب التي عمل أطرافها في إتحاف المَهَرَة ممن لم يذكر في تهذيب الكمال. شرع فيه، وكتب منه جملةً، ثم فتر عزمُه عنه، لو كمُل، لجاء في خمسة مجلدات. 192 - لسان الميزان. في مجلدين أو ثلاثة، يشتمل على تراجم مَنْ ليس في "تهذيب الكمال" من "الميزان" مع زيادات كثيرة جدًا في أحوالهم مِنْ جرح وتعديل، وبيان وَهْمٍ، وعلى خَلْقٍ كثيرٍ لم يذكرهم في "الميزان" أصلًا. بُيِّضَ. 193 - تحرير الميزان يشتمل على إصلاح ما وقع له مِنْ وهم، وما فاته مِنْ ترجمة. 194 - تقويم اللسان. فيه مَنْ ذكره مصنف "الميزان"، ولم يذكر مستنده (¬2) في ضعفه. فرغ من مسودته في سنة سبع وأربعين وثمانمائة. 195 - ذيل الميزان. يشتمل على نحو مِنْ ألفي ترجمة زائدة على الأصل. بيض أوائله. 196 - تعجيل المنفعة برجال الأئمة الأربعة، وقد صنف ابن الجوزي "المنفعة في المذاهب الأربعة"، مجلدان. 197 - الرفعة فيما يرد على الحسيني وأبي زُرعة. فرغه في سنه ثلاث وثلاثين. ¬

_ (¬1) في هامش (ب) ما نصه: وقد ملكها محمد المظفر وأوقفها وللَّه الحمد والمنة. (¬2) في (أ): "مسنده".

198 - التعريف الأجود بأوهام مَنْ جمع رجال (¬1) المسند. 199 - الإيثار بمعرفة رجال الآثار، لمحمد بن الحسن. فرغه في سنة ثلاث وثلاثين. 200 - ترتيب طبقات الحُفَّاظ للذهبي على حروف المعجم، مع الزيادة على الأصل. بُيِّضَ منه مجلد، وكان يجيءُ في مجلدين. 201 - وله أيضًا كراسة ذيَّل بها على شرح الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين، المسمَّى بالتبيان لمنظومته في الحفاظ "بديعة البيان". اشتمل مَنْ في الذيل على ثمانية وعشرين نفسًا. قال في أوله: "فصل، بل وصل. أما بعد حمد اللَّه وسلام على عباده الذين اصطفى، فقد وقفتُ على "بديعة البيان"، وهي كاسمها في الحُسْن مبدعة، وتأمَّلت رموزها، وهي بثياب الحُسْن مُبرقعة، ونظرتُ شرحها، فإذا هو لأُولي البيان يكاد يكون مخرعة، فلله درُّ ناظمها ما أحلى نظامه! وشارحها ما أوضح (¬2) كلامه، فاللَّه أسالُ أن يبقيه للطالبين ذخيرة، وللمستفيدين يزيدهم في تحرير هذا الفنِّ (¬3) بصيرة. بيد أنَّي تعجّبت من إغفاله مِنَ الحفاظ الكائنين بعد الذهبي في كتابه، خُصوصًا مَنْ كان منهم بالديار المصرية، قد تعلَّق بأذيال هذا الفن، وانسحب تحتَ سحابه، مع ذكر جماعة هم دُونَهم حفظًا وإتقانًا ومعرفةً، يتبع الإحسان في الفن الحديثي إحسانًا. ولقد عددت مَنْ زادهم على كتاب الذَّهبي، فبلغوا ستة وعثرين إنسانًا، فاستحضرتُ بالتَّتبع عدتهم (¬4) أو أزيد منها، وها أنا أسردُهم على طبقاتهم، مع الإشارة إلى تراجمهم، فلا غنى لطالب العلم عنها إن شاء اللَّه تعالى. ثم ذكر المقصود. 202 - رفع الإصر عن قضاة مصر. في مجلد على الحروف، وكان عمله أولًا على الطبقات. ¬

_ (¬1) في (ب): "من رجاله". (¬2) في (ط): "أفصح". (¬3) في (ب): "الدر". (¬4) في (أ): عددهم.

[وقد اختصره سبطه فأفسده، كما سيأتي] (¬1). 203 - الإعلام بمن ولي مصر في الإسلام. 204 - الدرر الكامنة في أعيان أهل المائة الثامنة. وقال: إنه في أربع مجلدات، ولعل ذلك بالنسبة لما كان في أمله، وإلا فقد بيضته (¬2) في مجلدين (¬3)، ويُسمَّى أيضًا: الوفيات الكامنة لأعلام المائة الثامنة. 205 - إنباء الغمر بأبناء العمر، في مجلدين. قلت: ولابن الجوزي كتاب سمَّاه "تنبيه الغمر على مواسم العصر"، والغالب على الظنِّ أنَّ شيخنا لم يطلع على تسميته بذلك. ولمَّا أثبت صاحب الترجمة اسم هذا التصنيف في بعض مجاميعه. قال: والمسؤول مِنَ اللَّه حسنُ الخاتمة. انتهى. وقد نزَّه كثيرٌ مِنَ النَّاس صاحبَ الترجمة عن هذا الكتاب، وكذا عن "معجم شيوخه" و"قضاة مصر" ونحوها، مِنْ أجل بيانه لكثير مِنَ الأحوال، بل كان ذلك سببًا لحقد كثيرين عليه. وسمعت بعض المعتبرين يقول عنه: إنه لم يكن يغتابُ أحدًا بلفظه، فكتب بخطه ما يكونُ مضبوطًا عنه، محفوظًا له، والأعمالُ بالنيات. فأرجو أن يكون مقصده في ذلك جميلًا، لا كبعض مَنْ قام في حظِّ نفسه، وجعل التعرُّض له أو عدم وصفه بالمرتبة التي أنزل نفسه إياها مِنَ الشَّجاعة والشهامة والفصاحة والدّيانة، والتفرُّد عن جميع أهل عصره بسائر العلوم، وكذا من لم يَضِفْه إذا ورد عليه، أو تعقب كلامه، وأشباه ذلك من الخرافات، سببًا للطعن، ولو بالقذف الصريح نظمًا ونثرًا، وعندي مِنْ صنيعه من (¬4) ذلك ما يفوقُ الوصفَ، ويتعجب من صدور مثله ممن له أدنى عقل، بحيث فاق فيه بعضَ مَنْ انتدب للتاريخ من المقادسة، وتفرَّقت أوراقه بعد موته، ولم يرفع اللَّه له رأسًا، ولا عوّل أحدٌ على كلامه، وحين استشعر مقت النَّاسِ له بمجرّد ظهور هذه الطَّامَّات بعد موته، أوصى بعض خواصِّه ممَّن ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (أ): "بيضه". (¬3) وهو مطبوع في أربعة مجلدات. (¬4) في (ب: ط): "في".

[صفات المؤرخ]

أسند وصيته إليه أن يُخفي أوراقه إلى بعد عشرين سنة مِنْ مماته، فأجرى اللَّه عز وجل عليه سُنَّته في عباده، وألبسه ممَّا أضمره رداءً بين الناس عُرف به، بحيث لا أعلم -واللَّه- أحدًا مِنْ خلق اللَّه تعالى معه ظاهرًا وباطنًا، بل صرح هو غير مرَّة بقوله: ما صحبت أحدًا وفارقته وأنا طيِّبُ الخاطر منه سوى اثنين، قلت: وأحدهما غايةٌ في الإهمال. ولمَّا كثرت وقائعُ هذا الرجل، حَسُنَ التصدي لسيرته، وإفراد ذلك في تأليف، فالجزاء مِنْ جنس (¬1) العمل. ألهمنا اللَّه رشدَنا، وأعاذنا مِنْ شرور أنفسنا، بمنَّه وكرمه. [صفات المؤرخ] وقد قال صاحب الترجمة ما نصَّه: الذي يتصدَّى لكتابة التاريخ قسمان: قسم يقصد ضبط الوقائع، فهو غير متقيِّد بصنف منه، ولكن يلزمه التحري في النقل (¬2)، فلا يجزم إلا بما يتحققه، ولا يكتفي بالنَّقل الشائع، ولا سيما إن ترتب على ذلك مفسدة مِنَ الطَّعن في حقِّ أحدٍ من أهل العلم والصلاح، وإن كان في الواقعة أمر قادح في حقِّ المستور، فينبغي أن لا يُبالغ في إفشائه، ويكتفي بالإشارة، لئلا يكون المذكور وقعت منه فلتة، فإذا ضبطت عليه لزمه عارها أبدًا، فيحتاج المؤرِّخ أن يكون عارفًا بمقادير الناس وبأحوالهم وبمنازلهم، فلا يرفع الوضيع، ولا يضع الرفيع. والقسم الثاني: مَنْ يقتصر على تراجم الناس، فمنهم من يعمِّم، ومنهم من يتقيَّد, وعلى كل منهما أن يسلُكَ المسلك المذكور في حقِّ مَنْ يترجمُهم، فالمشهور بالخير والدين والعلم لا يتَّبع مساوئه، فانه غير معصوم، والمستور قد تقدَّم حكمه، والمجاهر بالفسق والفجور إذا خُشي مِنْ ستر حاله ترتُّبُ مفسدة، كالاغترار بجاهه أو ماله أو نسبه، فيُضمُّ إلى مَنْ ليس على طريقته، فهذا يجوز له بهذا القصد أن يبين حاله بالنسبة لرفيقه أو أخيه أو قريبه، كأخوين مثلًا- اشتهرا بالعلم، وأحدهما كان مشهورًا بالعفّة ¬

_ (¬1) في (أ، ب): "حسن". (¬2) في (ط): "الفعل"، تحريف.

والديانة، والآخر بعكسه، وربما وجب عليه بيانُ حال هذا المجاهر إذا كان هناك مَنْ يغترُّ به. وقد بسط شيخ الإسلام النووي القول في ذلك في آخر كتاب "الأذكار" وبيَّن حال مَنْ يُباح ذكره. بما فيه، وأحال عليه في زياداته في "الروضة"، فمن أراد الوقوف عليه، فقد أرشدته إليه. ومن جملته بيان حال المحدِّث، ثم الذي يتقيَّد بصنف من الناس تارة يكون محدثًا، وتارة يكون غير محدث، فالمحدث أصلُ وَضْع فنِّه بيانُ الجرح والتعديل، فمن عابه بذكره لعيب المجاهر بالفسق، فهو جاهل أو ملبِّسٌ أو مشارك للمجاهر في صفته، فيُخشى أن يسري إليه الوصف. ثم هذا المحدث يكون تارة بلغ رتبة الاجتهاد في الجرح والتعديل، وتارة يكون ناقلًا عن غيره، فالأول هو الذي تقدَّم تفصيل حاله، والثاني يلزمه تحرّي الصدق في النقل، ولا يعتمد على مجرّد التشنيع من كل أحدٍ، فإن للناس أغراضًا متفاوتة، بل ينظر في الناقل له، فإن كان ثقة، ليس بمتَّهم في المنقول عنه فليعتمده، وإن سماه، فهو أبرأُ لساحته، وإن شك فيه، فليقتصر على الإشارة، ولا يجزم بما يتردَّد فيه، بل يأتي فيه بصيغة التمريض، وإن كان الناقلُ له ممَّن يُنسب إلى المجازفة، أو كان بينه وبين المنقول عنه حظُّ نفسٍ، فليجتنب النَّقل عنه، فإن اضطر إلى ذلك، فليكشف أمره. وقد خاض في ذلك مَنْ لم يُشَكْ في ورعه، كالإمام أحمد والبخاري، وهو القائل: ما اغتبت أحدًا منذ علمتُ أنَّ الغيبة حرامٌ. ومِنَ المتأخرين الحافظ تقي الدين عبد الغني صاحب "الكمال في معرفة الرجال" الذي هذَّبه المزيُّ، ولقد كان من الورع بمكان مشهور. انتهى. وهذا فصل نافع أحببتُ أن لا أخلي الترجمة منه، وإن خرجتُ عن المقصود. [وكذا سمعتُ غير واحد من المعترضين يذكر أنه أودع في "تاريخه" عدة حوادث انفرد بها، ولم نسمع أحدًا ممن كان في ذلك المكان بذلك الوقت يذكرها.

ويُجاب عَنْ ذلك -على تقدير تسليمه- بأنه رحمه اللَّه في المرتبة العليا مِنَ الثِّقة والإتقان، ولكنه لم يكن ممَّن يتوجَّه إلى هذا النوع بكلِّيته، ويقلد في كثير منه بعضَ مَنْ يغلب على ظنِّه تثبُّته. وقد لا يكون ذاك (¬1) مشاهدة (¬2)، بل تلقاه عن غير ضابط. والأمر في ذلك سهل] (¬3). 206 - تراجم جماعة من أعيان المائة التاسعة. رأيت بخطه منه بدمشق مجلدًا لطيفًا إلى سنة اثنتين وثلاثين عند الشهاب ابن اللبودي (¬4). 207 - الإعلام بمن سُمِّي محمدًا قبل الإسلام. 208 - تعريف الفئة بمن عاش مِنْ هذه الأمة مائة. ويُسمَّى أيضًا: الفوائد العلية في معرفة مَنْ عاش مائة مِنَ الأمة المحمدية. جمعه لدفع من أنكر وقوع ذلك، مستدلًا بحديث جابر رضي اللَّه عنه في "صحيح مسلم" "ما من نفس منفوسة تبلغُ مائة سنة. . . " الحديث. وهو في مجلدة في المسوّدة. [وقد سبقه الذهبي وغيره لذلك] (¬5). 209 - القصد الأحمد في مَنْ كنيته أبو الفضل واسمه أحمد. في المسوَّدة. وقد جمع في المعنى السِّلَفي وأبو نعيم والدِّمياطي وغيرهم. 210 - حواشي طبقات السُّبكي له. جردتها في مجلد بعد وفاته، ومن قبلي في حياته جردها صاحبنا القاضي قطب الدين الخَيْضَري، ثم أضافها لكتاب عمله في طبقات الشافعية [وعتب عليه حيث لم ينسبها إليه، مع نسبته إلى المقريزي أشياء عمدتُه فيها ¬

_ (¬1) من هنا إلى نهاية الفقرة سقط من (ط). (¬2) في (ح): "شاهده". (¬3) من قوله: "وكذا سمحت. . " إلى هنا لم يرد في (ب). (¬4) وقد ذكره ابن اللبودي في زياداته على مصنفات ابن حجر التي ذكرها شيخه البقاعي، والتي أشرنا إليها في الحاشية (1)، ص 660، من هذا الجزء، فقال: ذيل الدرر الكامنة، مرتب على الستين، عندي بخطه. قلت: وقد طبع هذا الكتاب عن هذه النسخة المشار إليها، بتحقيق د. عدنان درويش في معهد المخطوطات بالقاهرة سنة 1412 هـ - 1992 م. (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

صاحب الترجمة كما سأشير إليها في الباب السابع] (¬1). 211 - الأجوبة الأبنية عن الأسئلة العينية، سأله إياها البدر العيني. 212 - أرجوزة، نظم فيها "وفيات الأعيان للذهبي"، وصل فيها إلى سنة إحدى ومائتين. 213 - تجريد الوافي للصفدي. مرَّ على أكثره، وكان يشتغل فيه قبيل موته بيسير، وكأنه لم يكن عنده التجريد المنسوب إليه عملًا وإرشادًا قديمًا. وقال في خطبته: إنه لم يكتب مِنْ ترجمة الشخص إلا اسمه ونسبه وشهرته ومولده إن ظفر به. ووفاته. قلت: بحيث لا تزيد الترجمة على سطر غالبًا، ولا يكتب فيه مَنْ فى "التهذيب"، بخلاف الذي قبله، أو أعرض عَنْ هذا، لكونه اشترك معه في عمله غيره بإرشاده، فإنه قال فيه: ولقد عرض لي بعد أن كتبتُ مِنْ هذا الجزء قطعةً عارضٌ، فسألتُ صاحبنا بدر الدين الدمشقي في تكملة تجريده على الشرط الذي قدمه. انتهى. وقد رأيت هذا الكتاب في مجلد ضخم بخط صاحبنا النجم بن فهد الهاشمي، وأخبرني أنه كتبه مِنْ نسخة يمنية في مجلدين غاية في السُّقم. [وقال لي العز الكناني الحنبلي: قد عملت أنا ذلك، فجاء في سبعة مجلدات صغار] (¬2). 214 - أسماء ما اشتملت عليه المتباينات له، على الحروف مِنْ غير تراجم في كراسة. 215 - النبأ الأنبه في بناء الكعبة. عمله للمؤيد في كائنة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة. 216 - شرح ألفية العراقي في السيرة. شرع فيه. ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

الفقه

217 - مختصر البداية والنهاية لابن كثير. عمله في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. 218 - تلخيص مغازي الواقدي. 219 - منتقى مِنْ تاريخ ابن عساكر. 220 - منتقى مِنْ تاريخ ابن خلدون. 221 - منتخب رحلة ابن رُشد. 222 - منتخب لطيف من كتاب المسلاة عن نضار لأبي حيان. 223 - مختصر تلبيس إبليس لابن الجوزي، في مجلد، فرغه في سنة خمس وتسعين وسبعمائة. 224 - سلوت عن ثبت كلوت. 225 - الاستنصار على الطاعن المعثار. صورة فُتيا عمَّا وقع في خطبة شرح البخاري للعيني. 226 - فهرست كتب المحمودية، اثنان: على الأبواب والحروف. الفقه 227 - مختصر التنبيه. لم يكمل. 228 - شرح مناسك المنهاج، في مجلدة، وقطع مفرقة من شرح المنهاج. 229 - النكت على شرح المهذب للنووي، لم يكمله، شرع في أوائله. 230 - شرح الروضة. كتب منه ثلاثة مجلدات، متتبعًا لما يحتاج الشرح (¬1) إليه من نسبة ¬

_ (¬1) في (ب): "الشرَّاح".

الأقوال والوجوه لأصحابها، وبيان مآخذها، وتخريج أدلَّتها، والحجة للراجح منها، وتتبع ما فات المصنف مِنَ الفُروع الفقهية، وألقى ذلك في الدروس، وكذا ألحق "بحواشي الروضة" للبلقيني، التي جرَّدها البدر الزركشي ما تجدَّد للبلقيني بعد التجريد -وهو فيما بعد السبعين وإلى أن مات البلقيني- "بحواشي التجريد"، وعصى (؟) فيه -كما رأيته بخطه- بالنسخة التي بخط البدر رحمهم اللَّه. 231 - مسألة إحداث ابن سُويد الخطبة بمدرسة أبيه. 232 - مسألة الدَّور في مجلد. 233 - مسألة شراء السلطان بماله لنفسه من أراضي بيت المال، في كراسة. 234 - تلخيص مسألة الساكت، تصنيف بعض تلامذته. 235 - تمهيد العقود الجمة في تجديد عقود الأمة (¬1). 236 - قوة الحيّل في الكلام على الحِيَل (¬2). 237 - قوة السَّير في حكم (¬3) عمل الخبر عن الغير. مسوّدة. 238 - مجلس في تحريم الظلم. 239 - جزء في التهنئة في الأعياد وغيرها. 240 - المجلس الجمالي، أول ما فتحت. 241 - الأسمح الأصلح في صحة إمامة غير الأفصح. 242 - مناسك الحج، في مجلدة، غير شرح مناسك المنهاج الماضي. 243 - الممتع بحكم المتمتع، وهو منسك في جزء لطيف. 244 - وآخر سمَّاه التتبع لصفة المتمتع. ¬

_ (¬1) في (ح): "الذمة"، وكذا في جمان الدرر. (¬2) في (ح): "الخيل"، وكذا وردت في عدد من المصادر. (¬3) في (ط): "حكمة".

245 - وآخر للمرأة (¬1). 246 - وآخر على مذهب الحنفية، عمله لسبطه حين حجَّ، ورأيته عنده بخطه. 247 - الرحى الدائرة على اليمين الدائرة. قال إنه سفرٌ صغير. 248 - الشمس المنيرة في معرفة الكبيرة وتمييزها من الصغيرة. بيضه في مجلد لطيف. 249 - تحفة المستريض بمسألة التحميض. وهو في طرق أحاديث النهي عن إتيان النساء في أدبارهن وعللها، والتنبيه على الصحيح منها والسَّقيم، وذكر ما عارضها، وبيان علله أيضًا، وسياق ما وقف عليه من كلام الصحابة والتابعين والأئمة المخالفين -رضي اللَّه عنهم- في حكم ذلك إباحة ومنعًا ووفاقًا وخلافًا. 250 - الأنوار في معرفة خصائص المختار. 251 - المنحة فيما علق الشافعي القول به على الصِّحَّة. [252 - مختصر المولد النبوي. 253 - وقرَّة العين بالمسرَّة بوفاء الدين. كلاهما لشيخه العراقي] (¬2). 254 - عجب الدهر في فتاوى شهر. مجلد لطيف يشتمل على ثلاثمائة مسألة أجاب عنها في مدة شهر واحد، تجرَّد لكتابتها ليستدلَّ بذلك [على كثرة] (¬3) ما يرد منها، مع الشُّغل الشاغل بغيرها، ولتقع المعذرة ممَّن يطلع على خلل فيها، لذهول ينشأ عن شغل البال. ¬

_ (¬1) هذا العنوان لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) هذه العبارة ساقطة من (أ).

أصول الدين

255 - وله كتاب نفيس، فيه التعرُّض للآيات المتشابهات, كقوله في (البقرة): {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}. وفي (الأعراف): {وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}. وسمعت من يذكر أن شيخنا لخَّص ذلك من كتاب "درة التنزيل وغرَّة التأويل" الذي كتبه إبراهيم بن علي بن محمد، المعروف بابن أبي الفرج الأردستاني، من إملاء أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الخطيب عليه، وزاد شيخنا عليه مواضع، كما أخبرني بذلك مَنْ وقف عليه، والظاهر أن بعضهم أخفاه، فلا قوة إلا باللَّه. أصول الدين 256 - الغُنية في مسألة الرؤية. أصول الفقه 257 - التعليق النافع في النكت على جمع الجوامع. العروض والأدب 258 - عين القواعد. مختصر قواعد الإعراب لابن هشام. وعندي تردُّدٌ: هل هو اختصار صاحب الترجمة أو المؤلف، فيحرَّر. 259 - مقدمة في العروض، شرح فيها الأبيات العروضية، علَّقها في سنة خمس وتسعين. 260 - السهل المنيع في شواهد البديع. انتقاه من شروح البديعيات. 261 - ديوان شعره الكبير. بيَّضه الشريف السيوطي، ثم كتبه من خطه الشهاب الحجازي. 262 - ومختصره المسمَّى ضوء الشهاب.

263 - وآخر يُسمَّى المسبعات، وربما قيل: السبع النيرات، وربما قيل له: السبع السيَّارة. وقد قرأته عليه، وكذا غير واحد من جماعته، وقال في آخره: إنه كان الفراغ من تحريره في أوائل جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة (¬1) وثمانمائة، قال: وكان تَرَكَ نظم الشعر مِنْ حدود سنة ست عشرة وهلمّ جرّا، بل غالب ما ذكر هنا مما نُظم قبل القرن، والحمد للَّه على كل حال. 264 - الشكاية من النكاية. نظمها في الهروي. 265 - الدرر (¬2) المضية من فوائد الإسكندرية. 266 - نزهة النواظر المسموعة في الملح والنوادر المسموعة، لم يكمل. 267 - التذكرة الأدبية. في أربعين مجلدًا لطاف غير الحديثية الماضية، سمَّاها: مسامر الساهر ومساهر السَّامر، أهداها لصاحب اليمن كما قدَّمتُه في الباب الثاني، وورد مكة الكثيرُ منها، ورأيت أكثره في المقدمة الثانية، وطالعتُه. ويكاد يُوجد فيها مِنْ نظمه ما ليس في شيءٍ مِنْ دواوينه، وسلك فيها طريقة أهل الأدب في حكاية الغث والسَّمين، وكان ذلك قبل توغُّله في فنون الحديث النبوي وإعراضه عن هذا الفن، فإنَّ تواريخ المجلدات التي وقفت عليها (¬3) في سنة أربع وتسعين (¬4)، وبعضها في سنة خمس وتسعين، وفي سنة ست وتسعين، وهو لم يكثر (¬5) من الحديث. كما سلف -إلا في سنة ¬

_ (¬1) في (ب): "إحدى وعشرين"، خطأ. (¬2) في (ب): "الدرة". (¬3) في (ب): "على بعضها". (¬4) أي: وسبعمائة. (¬5) في (أ، ح): يذكر.

ست وتسعين، مع اعتقادي أنه كان متنزّهًا عما كان يحكيه بخطه، ولكنه سلك مسلك أهل الأدب، رحمه اللَّه وإيانا. [وقد يوجد فيها المتكرِّرُ، لكونها غير مرتبة، وكذا نقل الشيخ شهاب الدين الحجازي عن شيخنا أنَّه كان يقول: الناس يسمُّون ما كان (¬1) مِنْ هذا القبيل التذكرة، وهو بالمُنسِية أشبَهُ، أو نحو هذا. ولفرار الحجازي من هذا كانت "تذكرته" مرتبة. ولكن أين الثُّريا من الثرى. رحمهما اللَّه] (¬2). 268 - الذيل على ما جمعه البشتكي من نظم ابن نباتة المصري في مجلدة، [ورأيت مسودته ومبيضته معًا]. 269 - قذى العين من نعيب غراب البين. أورد فيه ما يقع للعيني في نظم السيرة المؤيدية مما لا يقع ممَّن له أدنى ممارسة بالأدب من فساد الوزن والتركيب وغير ذلك، وسماه: صرف العين عن قذى العين. 270 - القصد البادي بين المراجع والبادي. 271 - ديوان الخطب (¬3) الأزهري، شرع في إنشائها من شهر ربيع الاول سنة تسع عشرة وثمانمائة بحسب الوقائع، فكمل إلى شوال سنة عشرين قدر ثلاثين خطبة في مجلد. 272 - ديوان الخطيب القلعي المسمّى بالمنتخب، كتبت منه نسخًا، وقرأته عليه. 273 - جزء في ضرب الرمل. حَسَنٌ، لكنه في المسوّدة. قال فيه: سئل الشيخ سراج الدين البلقيني: هل يحل ضرب الرمل وتعلُّمه وتناول كسبه، وهل على من قال: إنه حرام شيء؟ وهل على متعلِّمه ¬

_ (¬1) في (ط): "ما يكتبون". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وورد في هامش (ح). (¬3) في (ب، ط): "الخطيب".

مِنْ إثمٍ؟ فأجاب: نعم، يحلُّ له ذلك إذا كان عارفًا به، ولا شيء على مَنْ يقول: إنه حرام، فقد قال بذلك بعض العلماء، وليس على متعلمه إثمٌ عندنا، وكتب ولده بدر الدين قبل ذلك: نعم، يحلُّ له ضرب الرمل وإذا دفع له الأجرة على ذلك، حلَّ له تناولها، وأخطأ مَنْ قال: إنَّه حرام، ولا إثمَ على متعلمه. وقال صاحب الترجمة ما نصُّه: ورأيت بخط بعض أصحابنا: إن السائل عن ذلك كان رمَّالًا، وكان يصحَبُ بدر الدين المذكور، وقد خالف الشيخ -يعني البلقيني- فيما أجاب به المعروف عن الشافعية، فقال في أوائل الجهاد من "الروضة" تبعًا للرافعي: إن تعلُّم الفلسفة والطبائع والتكهُّن وإتيان الكُهَّان وتعلُّم الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل والشَّعير والحصى والشَّعبذة وتعلمها، وأخذ العوض عنها حرامٌ. انتهى. وساق كلام النووي أيضًا في "شرح مسلم"، وفيه قول النووي رحمه اللَّه: فحصل مِنْ مجموع كلام العلماء الاتفاق على النهي عنه الآن، وأورد نفائس وأمورًا مهمة. * * * هذا ما علمته منها (¬1)، وكلُّ ما أعلمتُه بالكاف (¬2)، فهو عندي بخطِّي، والكثير منها مما لم أُسبَق لتبييضه، وقد ظَفَرْتُ بخطِّه الاعتذار عن الاهتمام بما لم يُكملْهُ منها، حيث قال: وأشياء شرع في الكثير منها ولم تكمل، وشغل عن التشاغل بها "شرح البخاري" وكلُّ الصَّيدِ في جوف الفرا. انتهى. واشتهر الكثير منها في حياته، بل في زمان شيوخه، وحُفِظَ بعضُها، "كبلوغ ¬

_ (¬1) في هامش (ب) ما نصه: أقول: مما لم يذكره المؤلف كتب النكت على الجامع الصحيح. رأيت منه مجلدة من أوله إلى آخر باب حفظ العلم وعليها خط الجلال السيوطي، وأنه لخصها من شرحه الكبير المسمَّى بفتح الباري. قلت: ذكر السيوطي في ترجمة الحافظ ابن حجر من نظم العقيان ص 46 مؤلفاته وأن منها فتح الباري شرح البخاري, وشرح آخر أكبر منه وآخر ملخص منه لم يتمَّا. قال: وقد رأيت من هذا الملخَّص ثلاث مجلدات من أوله. (¬2) هذه العلامة لم تثبت في الأصول الخطبة المعتمدة في تحقيق هذا الكتاب!

المرام"، حفظه الشهاب [الزواوي والشهاب] (¬1) البيجوري، وأخوه البرهان، والشمس بن قاسم [وابن الشيخ رضوان] (¬2) وزين العابدين بن المناوي، وغيرهم. و"النخبة" و"شرحها"، حفظهما البدر حسن الدماطي (¬3) الضرير، وكاتبه. وأنشد الوعاظ في المحافل مِنْ نظمه، وخطب من دواوينه على المنابر في الآفاق، وقُرىء الكثير عليه مِنْ تصانيفه، لا سيما ما بيِّضَ في حياته، فلم يتأخَّر منه إلا اليسير، وربما قُرىء بعضها أيضًا أكثر من مرتين وثلاثًا وفوق ذلك، لكن على وجه الرواية والمقابلة، ما علمتُ مَنْ سلك فيها مسلك التَّحقيق والفحص والمراجعة غير العلَّامة ابن حسان، ومن قبله بالنسبة "لشرح البخاري" خاصة شيخنا العلامة ابن خضر، وبالنسبة "لمشتبه النسبة" الحافظ تج الدين بن الغرابيلي، وبالنِّسبة للنخبة و"شرحها" من لا يُحصى كثرة مِنْ أكثر النَّواحي، وأمَّا سائرهم، فليس قصدُهم سوى المقابلة. حتى إن بعض أصحابنا قرأ عليه "شرح النخبة" في مجالس ذات عدد، بحيث كنتُ أفهم عنه التعجُّبَ مِنْ ذلك، ولهذا وصف تصانيفه بما تقدم أول الباب. وقد قال ثعلب: إنما يتسع علم العالم بحسب حذق من يسأله، فيطالبه بحقائق الكلام، وبمواضع النكت، لأنه إذا طالبه [بحقائق الكلام] (¬4)، احتج إلى البحث والتنقير والنظر والفكر، فيتجدَّد حفظه، وتتسع معرفته، وتقوى قريحتُه، ويتذكر ما تقدم. والعجب أنه أرشدهم لمطالعة الكتب الستة، لأجل المبهمات، على طريقة الاستقصاء، ثم إذا انتهت طالعوا بقية الكتب المتداولة وغيرها، وجعل لكل واحدٍ منهم منها كتابًا، فما نشط منهم لذلك سوى صاحبنا القاضي قطب الدين الخيضري، فإنه طالع بعض كتاب "السنن الكبرى" للنسائي، فيما أظن، وكذا أعطى بعض أصحابنا ربطتين له من كتاب "الثقات" ممَّا ليس في الستة، ليلحق الفائت ويمر عليها، فما فعل. ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (أ): "الدماصي" تحريف وانظر الضوء اللامع 3/ 106. (¬4) ساقطة من (ح).

وطالما التمس ممَّن له مشاركةٌ في الفنون مِنْ جماعته أخذ كتابه "انتقاض الاعتراض" والمرور عليه، والإلحاق فيه لما ينبغي إلحاقه، وإن اختار أن ينسُبه لنفسه آثره بذلك، فما وجد مَنْ فيه قابليةٌ لذلك. نعم، أخذه الشيخ جمال الدين عبد اللَّه ابن شيخه المحب ابن هشام، وكان مِنْ جماعته، فمرَّ على كرَّاس منه، وتوفي صاحب الترجمة، فأخذ الكتاب منه. وكذا حَرَصَ على الالتقاط من "شرحه على البخاري" لما يكون تعقُّبًا على الكرماني والزركشي، وإفراد ذلك بالتصنيف، فما لبَّى أحدٌ منهم دعوته. واتفق أنه فهم من بعض جماعته الاعتناء بما يصدر منه حالة التقرير في "ألفية الحديث" و"شرحها"، فأعطاه مجلدًا من تذكرته"، وقال: استخلص مِنْ هذا ما يكون مِنْ غرضك، فتمادى فيه، بحيث لم يكتب إلا اليسير، ووقف عليه صاحب الترجمة، فكتب عليه، لكنه صرح لبعض الأفاضل الثقات مِنْ جماعته بعدم ارتضائه كما قدمته قبيل ولايته القضاء من هذا الباب. وأعطاني ما عمله من "أطراف الأجزاء"، وهو في عدة ربطات، وعيَّن لي أسماء الأجزاء التي طالعها بخطه، وأمرني بمطالعة غيرها، ودفع لي منها جانبًا، ففعلت اليسير، ثم تركت. وقلت له مرة: أحب أن آخذ "تاريخ الإسلام" للذهبي، فأُفرد منه من ليس في "التهذيب" و"اللسان". فواللَّه رأيته فرح بذلك، وقال: وكذا احذف منه الوزراء ونحوهم ممَّن لا رواية له، وأكمِل ذلك سريعًا حتى أتحفك بتتمات فيه، ويكون كتابًا حافلًا، فعاق المقدورُ عن ذلك، ولو رأى الكتاب الذي جمعته بعده، لقرَّ عينًا. وأعطى سبطه ما عمله في "طبقات الحفاظ" للذهبي، ليبني عليه. وسمعته يسأل صاحبنا النجم بن فهد سنة خمسين في الإقامة بالقاهرة، ليرتُبه في شيء يعمله، فما وافق (¬1) على ذلك. يسَّر اللَّه لنا ولهم أحْسَنَ المسالك، ونفعنا وإياهم بما علمنا، وختم لنا أجمعين بالحسنى. ¬

_ (¬1) في (ح): "فوافق".

[اعتناء الملوك بتصانيف ابن حجر]

[اعتناء الملوك بتصانيف ابن حجر] وتهادت تصانيفه رحمه اللَّه الملوك بسؤال علمائهم لهم في ذلك، حتى ورد كتاب في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة من شاه رخ ملك المشرق يستدعي من السلطان الأشرف برسباي هدايا، ومن جُملتها كتب في العلم، منها "فتح الباري بشرح البخاري"، فجهَّز له صاحب الترجمة ثلاث مجلدات من أوائله، ثم أعاد طلبه في سنة تسع وثلاثين، ولم يتَّفق أنَّ الكتاب كمُل، فأرسل إليه أيضًا قطعة أخرى. وكان ذلك أولًا بعناية العلامة شمس الدين الجزري، ثم في زمن الظاهر جقمق جُهِّزت له نسخة كاملة. وكذا وقع لسلطان المغرب أبي فارس عبد العزيز الحفصي، فإنه -بعناية الإمام المتقن زين الدين عبد الرحمن البِرِشُكي- أرسل يستدعيه، فجهز له ما كمُلَ من الكتاب حينئذٍ، وهو قدر الثلثين منه، وكان -أعني أبا فارس- بواسطة المذكور يُجهّز لكتبة "الشرح" ولجماعة مجلس الإملاء ذهبًا يفرَّق عليهم بحسب مراتبهم، التماسًا للثواب، تقبَّل اللَّه منه ذلك. وكان سب ترغيب ملوك الأطراف في تحصيله، اشتهار "مقدمته"، فصار من يعرفُ فصولَها، يتشوّق إلى الأصل (¬1). [مشاهير من نسخ مصنفات ابن حجر] وقد وقع لي مِنْ أعيان مَنْ كتب منها بخطه، أو اعتنى بتحصيلها جماعة، فمنهم: المحدث أبو إسحاق أحمد بن أحمد بن درباس، كتب بخطه منها أشياء وقفتُ على بعضها، والشيخ المحدث المصنف الشهاب أحمد بن أبي بكر البوصيري، كتب بخطه "لسان الميزان"، و"تلخيص المدرج" و"زوائد البزار" التي لخَّصها شيخنا مِنْ كتاب الهيثمي، وغير ذلك. ووصفه في بعضها بشيخنا ومفيدنا ومخرّجنا. والعلامة شهاب الدين أحمد بن حجِّي الحسباني، حصل نسخة بتغليق التعليق، والشيخ الفقيه ¬

_ (¬1) كتب المصنف هنا بخطه في هامش (ح) ما نصه: ثم بلغ الشيخ عز الدين بن فهد نفع اللَّه به والجماعة قراءة علي في 15 سماعًا. كتبه مؤلفه.

شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عوض الطنتدائي شارح "جامع المختصرات". وشيخ جمع ممَّن أخذتُ عنه كتب كثيرًا من تصانيفه، "كالمقدمة" وغيرها. وكذا كتب عنه مع الجماعة جملة من مجالس الإملاء، والمحدث المكثر شهاب الدين أحمد بن عثمان الكلوتاتي، كتب "المقدمة" وغيرها. والعلامة شهاب الدين أحمد بن علي بن خلف الحسيني، كتب بخطه "المائة العشارية من حديث التنوخى". والعلامة المفنن مجد الدين إسماعيل بن أبي الحسن البرماوي، كتب "المقدمة" والمحدث حميد الدين حماد بن عبد الرحيم التركماني الحنفي، كتب كثيرًا منها؛ "كتغليق التعليق"، و"تهذيب التهذيب"، و"لسان الميزان"، و"أطراف المسند"، وغير ذلك. وقاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني، كتب عنه كثيرًا من "مقدمة الشرح"، وغير ذلك من الفوائد، وبعض ذلك بخطه، وقابل الذي كتبه مع صاحب الترجمة بقراءة قاضي القضاة جلال الدين لإعجابه به، كما أخبر به شيخنا في ترجمته من "قضاة مصر" تصنيفه. وحكى لي حفيده (¬1) القاضي علاء الدين عن صاحب الترجمة أنه قال له: لو اتفق أنَّ والدكم القاضي تاج الدين كتب عني شيئًا من تصانيفي، لكانت سلسلة. يثير إلى أنه هو وجده معًا كتبا عنه منها. قلت: [وقد قال إبراهيم بن طالب: سمعت عبد الرحمن بن بِشر بن الحكم يقول: حملني أبي على عاتقه في مجلس ابن عُيينة، فقال: يا معشر أصحاب الحديث، أنا بِشر بن الحكم بن حبيب. سمع أبي الحكم من سفيان، وقد سمعتَ أنا منه، وحدَّثت عنه بخراسان، وهذا ابني عبد الرحمن، قد سمع منه. انتهى] (¬2). ثم إن الظاهر أن قول شيخنا المذكور (¬3) كان قبل وجود ولد القاضي ¬

_ (¬1) في (أ): "حذيفة", تحريف. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (ب): "والظاهر أن هذا المذكور".

علاء الدين الفاضل جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن، أو بعد وجوده، لكن قبل تأهُّله، وإلا فكان يقول: إنهم أربعة في نَسَقٍ، وهو نوع ظريف. وفي هذا البيت أيضًا الفاضل بدر الدين محمد بن الشهاب أحمد بن التاج ابن قاضي القضاة جلال الدين، بل كان للقاضي علاء الدين ابنٌ اسمه بهاء الدين محمد، ختم القرآن، وصلَّى به للناس على جاري العادة في مدرستهم، واستدعى أبوه شيخنا ليلة الختم، وكان حافلًا، وخطب المذكور بحضوره، وروى في الخطبة (¬1) عنه "الحديث المسلسل بالأولية"، فكاد القاضي علم الدين يُقَدُّ مِنْ ذلك، لكونه من جماعة بيته وفي مدرسة والده. واستمرَّ العلاء المذكور متأخرًا عنده بسبب ذلك، ولم ينفكَّ هو عن محبة شيخنا، والمداومة على الدعاء له حتى الآن. وكذا من الأسباب المقتضية لعدم تقدم العلاء عند عمِّ واللَّه: معارضتُه له في ادّعاء القرابة بين كعب وطلحة، كما أسلفتُه قُبيل الإشارة إلى المحنة من الباب الرابع (¬2). والعلَّامة الحُفَظَة علاء الدين علي بن المغلي الحنبلي، استكتب "المقدمة". والعلامة علاء الدين علي بن خطب الناصرية، كتب بخطه منا "تغليق التعليق"، و"المقدمة" وغيرهما. والعلامة المفنَّن سراج الدين عمر قارىء الهداية الحنفي، كتب "المقدمة" بخطه. والإمام البدر محمد بن إبراهيم البشتكي. كتب قطعة من "تهذيب التهذيب" وغيرها. والشيخ شمس الدين محمد بن الخضر بن المصري، كتب بخطه "المقدمة"، وكثيرًا مِنَ "الشرح"، وغير ذلك. والعلامة المفنَّن شمس الدين محمد بن عبد الدائم البرماوي، كتب "المقدمة" وغيرها، بل "المقدمة" أحد أصوله في "شرح البخاري" الذي عمله. والعلامة كمال الدين محمد بن محمد بن حسن الشُّمُنِّي، كتب بخطه منها الكثير. وشيخ القرّاء العلامة شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري، نسخ بخطه من أول "المقدمة"، واستعان بجماعة حتى ¬

_ (¬1) في (ط): "خطبته". (¬2) ص 631.

[وليمة فتح الباري]

أكمل كتابتها. وراسل الحافظ تقي الدين الفاسي من شيراز يلتمس منه "تغليق التعليق"، فاتَّفق وصول الكتاب وشيخُنا هناك ومعه منه نسخة، فجهَّزها إليه، فعاد الجواب بابتهاجه وفرحه بذلك، وأنه شهر الكتاب بتلك البلاد، ثم أهدى لشيخنا نسخة "بالنشر" من تصنيفه، والتمس نشره في الديار (¬1) المصرية، وكتب عن شيخنا أيضًا شيئًا من أول ما علَّقه متعقِّبًا على جمع رجال "مسند أحمد"، وبالغ في استحسان ما وقع له مِنْ ذلك، وقد نبَّه صاحبُ الترجمة على ذلك في خطبة الكتاب المسمَّى "تعجيل المنفعة"، حيث قال ما نصُّه: وكنت أفردت الأوهام التي وقعت للحسيني، وتبعه عليها ابن شيخنا في "جزء" مفرد، كتب عني بعضه العلامة شيخ الإقراء شمس الدين بن الجزري لمَّا قدم القاهرة سنة سبع وعشرين، وأعجله السَّفر عن تكملته، وبلغني أنَّه ضمَّه إلى شيءٍ فيما يتعلق "بالمسند الأحمدي". انتهى. وقرأت بخط صاحب الترجمة أيضًا في إجازته لبعض القرَّاء ممَّن أخذ عن ابن الجزري: حتى إن العلَّامة في الحديث والقراءات شمس الدين بن الجزري -وهو يومئذٍ الحاكم بمدينة شيراز- سئل عن موضع معلَّق في الجنائز مَنْ الذي أخرجه موصولًا، فكتب إلى الحافظ تقي الدين الفاسي بمكة، يسَأله (¬2) أن يسألني عنه، فاتفق أني حججتُ في تلك السنة، وهي سنة خمس عشرة، فوقفت على كتابه، فجهزت له مع قاصده نسخةً في مجلدين، فلمَّا حجَّ هو في سنة سبع وعشرين، أحضر النسخة، فمررت عليها، وألحقت فيها زيادات تجدَّدت بعده، وكافأني عليها بكتابه "النشر" في مجلدين أيضًا، وقرنهما بقصيدة من نظمه. انتهى. [وليمة فتح الباري] ولمَّا تمَّ "شرح البخاري" تصنيفًا ومقابلةً ومباحثةً، عمل شيخنا مؤلفه رحمه اللَّه وليمةً عظيمة بالمكان الذي بناه المؤيد خارج القاهرة بين كوم ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "البلاد". (¬2) في (ب، ط): "فسأله".

الريش ومنية الشَّيرج، ويُسمَّى بالتج والسبع وجوه- في يوم السبت ثامن شعبان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وقرىء المجلس الأخير منه هناك، وجلس شيخُنا المصنف مع القارىء على الكرسي، وكان يومًا مشهودًا لم يعهد أهلُ العصر مثله بمحضر من العلماء والقضاة والرؤساء والفضلاء وغيرهم ممَّن لا يحصيهم إلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. فمن أعيان الحاضرين من الشافعية: القاياتي والونائي، والمحلي والسفطي وابن البارزي، والتقي المقريزي، والبرهان الكركي، والمحب القمني. ومن الحنفية: ابنا الديري ثيخ الإسلام سعد الدين، والبرهان، وابنا الأقصرائي شيخ الإسلام أمين الدين، ومحب الدين، والمحب بن الأشقر. ومن المالكية: ابن التنسي، وأبو الجود البنبي. ومن الحنابلة: المحب بن نصر اللَّه. ومن أرباب المناصب: المقام الناصري محمد ابن السلطان جقمق، والوزير كاتب المناخات، وناظر الخاص. وكنت هناك وأنا صغير. وقال الشعراء في ذلك فأكثروا. منهم: الشريف الأسيوطي [والشهاب الحجازي] (¬1) وابن أبي السعوى والنَّواجي، والدَّجوي، والمليجي، والمحب البكري، والشرف الطنوبي، وابن الفالاتي الأديب، والبقعي، وأُنشد ذلك بالمكان المذكورُ بالمنكوتمرية أو بالبيبرسية، واليسير من ذلك مِنْ لفظ ناظمه. وفرَّق عليهم -بل على مَنْ كان ملازم (¬2) الكتابة فيه عنه- الذَّهب وغير ذلك، ودفع رحمه اللَّه لأصحاب البرسيم المزدَرَع هناك عِوَضًا عمَّا ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (ط): "يلازم".

أتلفه دوابُّهم مالًا حتى لا يتضرَّر أحد بذلك. وكان المصروف في الوليمة المذكورة نحو خمسمائة دينار، ولم يترك مِنْ أنواع المآكل والمشارب والفواكه والحلوى وما أشبه ذلك شيءٌ، فكان شيئًا عجبًا. ووقع في هذا اليوم مما ضبطه أحد الأعيان، ممَّن حضر هذا المجلس، وهو الشيخ محيي الدين الكافيجي الحنفي [أن المقام الناصري] (¬1)، قال: يا مولانا شيخ الإسلام، هذا يوم طيِّبٌ، فلعلَّ أن تنعشونا ببيت مِنْ مفرداتكم، لعلّ أن نمشي خلفكم فيه، وإن كنتم كما قيل: وما مثله في الناس إلا مُمَلَّكُ فقال شيخ الإسلام: أخشى إن ابتدأت أن لا يكونَ موافقًا لما وقع بخاطركم، والأحسن أن تبتدىء أنت، فإن مشينا خلفه، فبها ونِعْمَت، وإلا ازددنا سرورًا، فقال الناصري: هويتها بيضاء رعروبة ... قد شغفت قلبي خود الرَّداحْ فقال صاحب الترجمة: سألتُها الوصلَ فضنَّت به ... إنَّ قليلًا في الملاح السَّماحْ فقال علي الدولشاي، وكان من محاضري المؤيد شيخ، وهو غاية في رقة الطبع، مع كونه تركيًّا. قد جرحَتْ قلبي لمَّا رنت ... عُيونُها السُّودُ المِرَاضُ الصِّحاحْ فهمهم الشرفُ الطُّنوبي، ولم يمكنه أن يقول شيئًا، فقال صاحب الترجمة: ما للطنوبي غدا حائرًا ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

[من كتب فتح الباري]

فقال الناصري لعلي: أجِزْهُ، فقال: وحياة أبيك السلاري والفرس، وكانا ثمينين، فقال: هما لك مِنْ غير مهلة وتراخٍ، فقُلْ، فقال: وخرَّبَ البيتَ وخلا وراحْ [مَنْ كَتَبَ فتح الباري] وممَّن أعلمه كتب "الشرح": قارئه العلامة ابن خِضْر. ووصفه شيخنا بالإمام العالم العلامة الفاضل الباهر الماهر المُعين، مفيد الطالبين، جمال المدرسين، حفظ اللَّه عليه ما وهبه، وختم له بالخيرات حتى يفوز بالمرغبة ويأمن المرهبة. وكان شيخنا يجلُّه، ما أعلم أنه يُقدم عليه أحدًا من أصحابه، حتى قرأت بخطه حيث أرَّخ وفاته ما نصُّه: ولم يخلف بعده في مجموعة مثله، صيانة وديانة وفهمًا وحافظة، وحسن تصور، وانجماعًا عن أكثر الناس إلا من يستفيد منه علمًا، أو يفيده، وعدم التردُّد إلى الأكابر، مع ضيق اليد والعائلة، وبسط النفس، والتوسعة على الأقارب والأجانب، وتَرْك التَّشكِّي، والصبر المستمر. إلى أن قال: وعند اللَّه أحتسبه. وقال في موضع آخر: الشيخ الفاضل العالم المحدث الفقيه الفرضي المفنن، الفائق في جلّ العلوم. ثم قال: فرحمه اللَّه، فلقد كان لي به سرورٌ وانتفاع في الغيبة والحضور، فعند اللَّه أحتسب مصيبتي فيه، وأسألُه خير العِوَض. والشمس (¬1) السندبيسي، والشيخ شمس الدين بن قمر، كتبه مرتين، والقاضي شهاب الدين الزفتاوي، والبهاء أحمد بن عبد الرحمن بن حرمي، والزين عبد الغني بن محمد القِمَني، والشريف سعيد بن عبد الجليل الجزائري، والشيخ عز الدين بن عبد العزيز بن يوسف السنباطي، كتبه نحو ثلاث مرات (¬2)، منها واحدة -وهي أهمها- للقاضي كمال الدين بن البارزي بِيعتْ في تركته بدون ثلاثمائة دينار. وفخر الدين بن نصر اللَّه الناسخ، كتبه ¬

_ (¬1) في (ح): والعلامة. (¬2) فى (ط): "أكثر من ثلاث مرات"، وفي ترجمته من الضوء اللامع 4/ 238: وكتب الكثير، ومن ذلك أربع نسخ من "فتح الباري"، أجلُّها النسخة الكاملية البارزية.

مرتين، إحداهما لسبط المؤلف، صارت بمكة. والشهاب أحمد الناسخ، كتبه مرتين. والبهاء بن المصري (¬1)، والمحب البكري، ولم تكمل نسخته إلا بعد وفاته. وابن أخي المنُوفي (¬2)، كتبه نحو مرَّتين. والشريف أحمد الأسيوطي، كتبه مرتين. والزين اليماني، كتبه مرتين، وهما مِنْ أقلِّ النُّسَخ حجمًا، كل واحدة منهما في ستة أسفار. وكاتبه [وهي التي صار- بحمد اللَّه المعوَّل عليها بالقاهرة لتيسُّر عاريتها] (¬3). وكتب غالبه: الشيخ رضوان، والشيخ أبو عبد اللَّه الطَّبِّي (¬4)، والزين قاسم الزُّبَيْري (¬5). والكثيرَ منه: شمس الدين بن حسان، والتقي عبد الغني المنوفي القاضي، والشيخ محيي الدين الطُّوخي، والمحب محمد بن البهاء عبد اللطيف ابن الإمام، وابن الشيخ علي (¬6)، والشيخ شهاب الدين بن ¬

_ (¬1) في (أ): "البهاء المصري"، وفي (ب): "المصدي" بالدال. وهو البهاء خضر بن محمد بن الخضم، ويعرف بابن المصري. توفي سنة 870 هـ. ترجمه المصنف في الضوء اللامع 3/ 179 - 180, وقال: كتب الكثير بخطه. (¬2) عرف بهذا اللقب، وهو نور الدين علي بن أحمد بن محمد، المتوفى سنة 889 هـ. قال المصنف في ترجمته: وكتب بخطه الكثير جدًا لنفسه وغيره ومما كتبه "فتح الباري" غير مرة, و"الإصابة"، وما يفوق الوصف. (الضوء اللامع 5/ 180 - 181). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) هو محمد بن إسماعيل بن أحمد بن حلبان، شمس الدين الطبي الشافعي، المتوفى سنة 840 هـ. ترجمه الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر 8/ 443 وعنه تلميذه المصنف في الضوء اللامع 7/ 135 - 136، فقال: لازمني نحو ثلاثين سنة، وكتب أكثر تصانيفي، كأطراف المسند وما كمل من فتح الباري -وهو أحد عشر سفرًا. والمشتبه ولسان الميزان وتخريج الرافعي، وعدة كتب، والأمالي وهي في قدر أربع مجلدات بخطه، وكتب لمسه من تصانيف غيري. (¬5) في (أ): "الزيني" تحريف. وهو زين الدين قاسم بن محمد بن يوسف الزبيري النويري. توفي سنة 856 هـ. قال المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 6/ 192: أكثر من الحضور عند شيخنا في الأمالي وغيرها، وكتب عنه غالب "شرح البخاري". (¬6) هو شمس الدين محمد بن علي بن عبيد، يعرف بابن الشيخ علي المخبزي، توفي سنة 856 هـ. قال المصنف في الضوء اللامع 8/ 195. كتب من "فتح الباري" قديمًا قطعة, وكذا من غيره.

أسد، والشيخ بهاء الدين المشهدي. ولم يتفق قراءة الكتاب عليه في غير المرَّة الماضي ذكرُها، نعم، قُرىء عليه نحو النِّصفِ الأول منه بعد ذلك، قرأه عليه العلامة بدر الدين القطان، وابتدأ قراءته من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما "اللهم فقهه (¬1) في الدين وعلّمه التأويل" من كتاب العلم، بناءً على قراءة غيره، وقابلتُ حيئنذٍ عليه ما كنتُ كتبتُه منه، وقرأت بنفسي كثيرًا منه. وبمكة مِنَ الكتاب المذكور عدّة نُسَخٍ، وكذا بدمشق، وهو أيضًا بالمدينة النبوية وببيت المقدس وبلد الخليل وحلب والإسكندرية، وغيرها من الأماكن. وعَظُمَ الانتفاع به في سائر الآفاق، لكن أكثر النُّسخ التي سارت في الآفاق فيها سُقمٌ كثير، مع كونها قبل الملحق المتجدِّد. نعم، في الغرب -فيما أظنُّ- نسخةُ السَّندبيسي، وهي معتمدة، وكذا أُولى (¬2) النسخ بمكة نسخة بخط الشيخ (¬3) ابن قمر (¬4) عند قاضيها الشافعي، كان اللَّه له، وأخرى بخط ابن نصر اللَّه عند أخيه الفخر أبي بكر. وصرح كثيرٌ مِنَ العلماء أنه لم يشرح "البخاري" بنظيره، ولو تأخر ابن خلدون حتى رآه أو بعضهَ، لقرَّ عينًا، حيث يقول -وهو متأخر عن شرحي الكرماني وابن الملقن، وإن لم يسلَّم- قوله: "شرح البخاري دَيْنٌ على هذه الأمة". قلت: وامتاز بجمع طرق الحديث التي ربَّما يتبين من بعضها ترجيح أحد الاحتمالات شرحًا وإعرابًا. ¬

_ (¬1) في (أ): "وفقه". (¬2) في (ح): "وأصح". وجاء في هامشها ما نصه: لفظة "أصح" ولفظة "الحافظ" من تبديل صاحب النسخة المعروف، قبيله اللَّه ما أجرأه على اللَّه!. (¬3) في (ح): "الحافظ"، وانظر التعليق رقم (2). (¬4) في (ط): "ابن عمر"، تحريف. وهر شمس الدين محمد بن علي بن عمر، أبو عبد اللَّه القاهري الحسيني، المتوفى سنة 876 هـ. قال المصنف: كتب الكثير من تصانيف شيخنا، حتى إنه كتب "فتح الباري" مرتين وباعها.

وطريقته في الأحاديث المكرَّرة أنه يشرح في كلِّ موضع ما يتعلَّق بمقصد البخاري بذكره فيه، ويحيل بباقي شرحه على المكان المشروح فيه. وكثيرًا ما كان المصنِّف بقول: أودُّ لو تتبَّعت الحوالات التي تقع فيه، فإن لم يكن المُحالُ به مذكورًا، أو ذكر في مكانٍ آخر غير المحالِ عليه، فينبِّهُني عليه ليقع إصلاحه، فما فُعِلَ ذلك فأعلمه، وكذا ربما يقع له وترجيحُ أحد الأوجه في الإعراب أو غيره مِنْ الاحتمالات أو الأقوال في موضع، ثم ترجح في موضع آخر غيره، إلى غير ذلك مما لا طعن عليه بسببه، بل هذا أمر لا ينفك عنه كثير مِنَ الأئمة المعتمدين. وكان يقول -كما أشرت إليه قبلُ-: لو التقط منه بيان ما وقع للكرماني في "شرحه"، وللزركشي في "تنقيحه"، لكان -وهو قدر مجلد أو أكثر بانضمامه للكتابين المذكورين- شرحًا حسنًا، يسَّر اللَّه ذلك. وقد تصدَّى لاختصار الشرح المذكور شيخنا الإمام الرُّحلة المكثر شرف الدين أبو الفتح المراغي المدني نزيل مكة، فلم يُصب، حيث حذف منه ما يجب إثباته، وكذا شرع في اختصاره غيرُ واحدٍ من الشيوخ والطلبة. [والتقط منه صاحبنا القاضي قطب الدين الخيضري أسئلة وأجوبة يُبديها في مجالسه، فيقع لها من الفضلاء بهجة] (¬1). وكلٌّ يدعي وصلًا لليلى ... وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا ولقد سمعت مصنِّفَه صاحبَ الترجمة رحمه اللَّه مرارًا ينكر إمكان اختصاره، ويقول: ما أعلمُ فيه شيئًا زائدًا عن المقصود. وأقول: إن ذلك بالنسبة لما لم يقع منه السَّهوُ في تكريره، حيث يكرر الأحاديث مما لا يتعلَّق بالأحكام غالبًا، ولكن صاحب البيت أدرى بالذي فيه. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وزاده المصنف في هامش (ح) بخطه.

وقد انتدب يعض المعاصرين لشيخنا ممّن أخذتُ عنه, وقرَّض لي بعض تصانيفي لشرح البخاري، مدَّعيًا أنه لم يُشرح شرحًا يشفي العليل، ويُروي الغليل، مع كون معظم استمداده مِنْ شرح شيخنا السابق، لكن من غير عزوٍ إليه، بحيث يقضي كل واقف عليه العجب مِنْ ذلك، وربما اعترض بما لا طائل تحته. وقد عمل شيخُنا -كما أسلفته- مصنفًا حافلًا، سمّاه "انتقاض الاعتراض" (¬1) بيَّن فيه المأخوذ من "شرحه" برمَّته، وأجاب عمّا زاده من الاعتراضات، لكنه لم يحرِّره قبل وفاته، وللَّه در القائل: وكم مِنْ عائبٍ قولًا صحيحًا ... وآفته مِنَ الفهم السقيم [وقول الآخر: كم مِنْ كلامٍ قد تغمَّر حكمةً ... نال الكسادَ بسُوقِ مَنْ لا يفهَمُ وكان الشافعي رحمه اللَّه ينشد لغيره. رُبَّ عَيَّابٍ له منظرٌ ... مشتمل الثَّوب على العيبِ] (¬2) وممَّا يُنسب لصاحب التَّرجمة قوله: شرحي الذي سر في الآفاق سائرةً ... ونال مِنْ وِرْدِه الدَّاني مع القاصي وأنت شرحُك في البيت اختليتَ به ... مثل الذُّنوب التي يخلو بها العاصي قلت: وإنَّما لم أجزم بنسبتهما لشيخنا، لكونهما في "ديوان ابن خطيب داريا" شاعر الشام. لكن بلفظ "الشعر" بدل "الشرح" في الموضعين، فاللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) وهو الذي رد فيه على بدر الدين العيني. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

[شروح البخاري]

[وقد (¬1) قرأت بخط شيخنا في أثناء التفسير من "شرحه": أنه انتهى إلى آخر الفرفان في أواخر رجب سنة ثلاثين وثمانمائة (¬2)، وأنه قرأ بخط العنتابي الذي أبهمتُه أولًا في آخر شرحه سورة الكهف ما نصُّه: انتهى هذا الجزء إلى هنا، ويتلوه سورة (كهيعص) إن شاء اللَّه تعالى، وكان انتهاؤه على يد مؤلِّفه أبي محمد محمود بن أحمد العيني في أول ليلة الإثنين التاسع عشر شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين وثمانمائة. قال شيخنا: وقد مرَّ على هذا الشرح فسلخه ومسخه، ولم يترك منه فائدة، ولم يزد إلا ما حذفه الأوَّل عمدًا مِنْ كلام الكرماني المكرَّر، أو كلام ابن الملقن، ونحو ذلك. وكل ما فيه مِنَ الفوائد التي ابتكرها الأول -يعني نفسه- كتبها الثاني -يعني العيني- ولم بنسُب منها لمبتكرها (¬3) شيئًا، فاللَّه حسيبُه، ويعرفُ ذلك مَنْ قابل بين الكتابين. انتهى ما قرأته بخط شيخنا رحمه اللَّه. [شروح البخاري] فائدة: ممَّن علمتُه شرح "البخاري": الخطَّابي، وهو شرح لطيف. ومحمد بن التَّيمي، واعتنى بشرح ما لم يذكره الخطَّابي، مع التنبيه على أوهام له. وأبو جعفر أحمد بن نصر الداودي، وهو ممَّن ينقل عنه ابن التِّين وغيره. والمهلب بن أبي صفرة، وهو ممَّن اختصر "الصحيح". وأبو الزياد بن سراج, وهما ممَّن يكثر ابن (¬4) بطَّال النقل عنهما. وقد اختصر "شرح" أولهما تلميذُه أبو عبد اللَّه محمد بن خلف بن المرابط، وزاد ¬

_ (¬1) من هنا إلى قوله: "ولنرجع لما كنا فيه" ص 712 لم يرد في (ب)، وزيد في هامش (ح). (¬2) في (ط): "ثلاث وثمانين وثمانمائة"، خطأ. (¬3) في (ط): "لمنكرها"، تحريف. (¬4) في (ط): "أبو"، تحريف.

عليه فوائد، وهو ممَّن ينقل عنه ابن رُشَيْد، وكذا القطب الحلبي. وشرحه أبو الحسن علي بن محمد بن بطال. وأبو حفص عمر بن الحسن بن عمر الهوزني الإشبيلي. وأبو القاسم أحمد بن محمد بن عمر بن ورد التميمي، وهو واسع جدًا، سمَّاه "الاحتواء على غاية المطلب والمراد في شرح ما اشتمل عليه مصنف البخاري من علم المتن بعد التعريف برجال الإسناد"، ينقل عنه ابن رُشيد. وكذا شرحه عبد الواحد بن التبر السفاقسي، والزَّين بن المنيِّر، وشرحه في نحو عشر مجلدات، وأبو الأصبَغ عيسى بن سهل بن عبد اللَّه الأسدي، ذكر أنه كتب إلى بعض أئمة عصره يسأله عن إشكال في سنة ست وخمسين وخمسمائة، وكان هذا الشيخ يروي الكتاب عن الأصيلي، وهذا الشرح ينقل عه ابنُ رُشيد. وكذا شرح منه أبو زكريا النووي قطعة مِنْ أوله، وكذا العماد بن كثير، والزَّين بن رجب الحنبلي، والسِّراج البلقيني، والبدر الزركشي، وهو غير تنقيحه الذي تداوله الناس، والمجد الشِّيرازي. وجميعه القطب عبد الكريم الحلبي الحنفي، والعلاء مُغْلَطاي الحنفي أيضًا. واختصره جلال التَّباني الحنفي، وكذا الشمس الكرماني، والسراج بن الملقن. ولخَّص منه ومِنَ الذي قبله التقي يحيى الكرماني، وكذا لهما شرحه مع فوائد من غيرهما، وكذا شرحه. والشمس البرماوي، والبرهان الحلبي. والبدر العيني. ولأبي محمد بن أبي جمرة شرح ما انتخبه منه. ولابن عبد البر كتاب سماه "الأجوبة الموعبة عن المسائل المستغربة من البخاري"، سأله عنها المهلب بن أبي صُفرة. وكذا لأبي محمد بن حزم عدة أجوبة، ولابن المنيِّر حراشي على شرح ابن بطال، بل وعمل أبضًا الكلام على التراجم، سمَّاه "المتواري". وكذا لأبي عبد اللَّه بن رُشيد "ترجمان التراجم"، عندي مجلد ضخم منه إلى الصيام. وتكلَّم على تراجمه أيضًا الفقيه أبو عبد اللَّه محمد بن منصور بن حمامة المغراوي السِّجِلْماسي، سمّاه "حل أغراض البخاري المهمّة في الجمع بين الحديث والترجمة وهو ترجمه". وله آخر سماه "إبراز

المعاني الغامضة في تتابع البخاري بالمعارضة". وشرح غريبه القزاز. وكثيرًا من أحاديثه القاضي عياض في "المشارق"، وابن الأثير الجزري في "جامع الأصول"، وابن هُبيرة في "معاني الصحاح"، وابن الجوزي في "كشف المشاكل" (¬1)، وابن قُرقُول في "المطالع". ولنرجع لما كنَّا فيه (¬2). وكذا أجاب صاحبُ الترجمة عن الاعتراضات على "معجمه" التي أفردها بعضُ المتعصبين (¬3) بالباطل في تصنيف بهوامش الكتاب من غير تعرُّض للفظةٍ قبيحة، وعرضوا عليه حواشي لبعض طلبته على "شرح النخبة" له، فما ارتضى أمرها. وللَّه در إسماعيل بن عبَّاد حيث يقول: وقد نازعوك فما زُعْزِعَتْ ... مناكبُ رضوى بمَرِّ الرِّياح [وكذا رأيت لهذا الطالب المشار إليه -وهو الزين قاسم الحنفي- بعد موته كتابًا سماه "تقويم اللسان"، وآخر سمَّاه "فضول اللسان" و"حاشية" على كلٍّ من "المشتبه" و"التقريب"، فأردت التوجه لذكر (¬4) بعضها، ليعلم عنوان سائرها، وأنبِّه على أنَّه اعتمد في ذلك على النُّسخ القديمة التي تجدَّد بعدها إلحاقُ الكثير، ونحو ذلك من الأشياء التي تروج على من لم يَخُض بحارَ هذا الشأن، ثم رأيت إماتَتَها بعدم الكتابة عليها والاعتناء بشأنها، فإنه لا طائل تحتها] (¬5). ولطالما كان المذكور يتكثَّر عند من لا يتدبَّر ويلوّح بل يصرِّح ويقول: ¬

_ (¬1) وهو المعروف بعنوان "كشف مشكل الصحيحين"، وقد طبع حديثًا بتحقيق صديقنا الدكتور علي البواب. (¬2) من قوله: "وقد قرأت بخط شيخنا. . " ص 710: إلى هنا سقط من (ب). (¬3) في (ح): "المبغضين". (¬4) في (ط، ح): "لرد". (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

فصل

قد (¬1) تعقَّبت بكذا، واستدركت بكذا، إلى غير ذلك ممَّا لا يحمد قائله (¬2)، [ولا يرتفع له فيه ولا في غيره رأس] (¬3)، لا سيما وليس في كلام صاحب الترجمة ما يقتضى عدم إمكان وجود زائد على ما ذكر، بل صرّح هو -كما قرأته بخطه- بقوله: إن المواضع التي حصل لي الوقوفُ عليها ممَّا لم يقف عليها مَنْ قبلي لم تحصُل إلا بالعناء الطويل، والسَّهر الكثير، والاعتناء البالغ، وكان ذلك بعون اللَّه تعالى، ولكن كان ذلك مع وجود نشاط الشباب، وقلَّة الشواغل، وطالما طالعتُ المجلَّد بتمامه في اليوم واليومين، فلا أظفر بشيءٍ، وربما ظَفرْتُ بموضع واحدٍ، وأما الآن، فهو كما قيل: من أين للهوى الثاني صِبًا ثاني فإذا يسَّر اللَّه لأحدٍ النَّشاط إلى ذلك، فليجمع على ما تعب فيه غيره ذيلًا يستفيده مَنْ بعدهما، فيترحَّمُ عليهما، واللَّه يهدي مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم، وما أحسن قول القائل: ولو قبل مبكاها (¬4) بكيتُ صبابةً ... بسعدى شفيتُ النَّفسَ قبل التَّنَدُّمِ ولكن بكتْ قبلي فهاجَ ليَ البُكا ... بكاها فقلتُ: الفضل للمتقدِّمِ فصل فيما علمتُ شيخنا كتبه بخطه من تصانيف غيره وإن لم يمكن الإحاطة بحصره " صحيح البخاري" في مجلد ضخم، "السنن" لأبي داود، في مجلد، "العبر" للذهبي، في مجلد، "الذيل عليها" للحسيني وغيره، في جزء لطيف، ¬

_ (¬1) العبارة في (ب): "ومما ينبه عيه أن بعض من يتكثَّر ممَّن تأخر يقول: قد. . . ". (¬2) من هنا إلى نهاية نهاية الباب ص 715 ورد في (ط) بخط مغربي حديث مغاير لباقي النسخة، وكأنه إكمال لسقط كان بها. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) في (ط): "ما أبكاها"، خطأ.

"الترغيب والترهيب" للمنذري، في مجلدين. ويقال: إن هذا الكتاب لم ينتشر إلا مِنْ قِبَلِه، فقد حكى البدر حسن الفيومي، إمام جامع الزاهد بالمقسم وكان أكثر أهل العصر اعتناءً بهذا الكتاب، مع قلَّة بضاعته رحمه اللَّه (¬1) -قال: أول ما وقفت على هذا الكتاب أحضرته للشيخ أحمد الزاهد أسأله عن مؤلفه، فأمر بالسُّؤال عنه من صاحب الترجمة، فقال: هو الحافظ المنذري، وهو كتابٌ نفيسٌ، فأقبلَ النَّاسُ على تحصيله وقراءته مِنْ يومئذٍ، وتزايدَ ذلك حيث قُرىء على صاحب الترجمة أيضًا، واللَّه أعلم. "تجريد الصحابة" للذهبي، في مجلد، من "مجمع الزوائد" للهيثمي، مجلد، من "ترتيب الحِلية" له، مجلد، من "زوائد المعجمين" له، مجلد، من "زوائد الكبير" له مجلد، وباقيه بهوامُش نسخته من "مجمع الزوائد"، من "شرح الترمذي" للعراقي، مجلد ضخم، "شرح جمع الجوامع" للزركشي، مجلد. ومن "شرحه" للعز بن جماعة المسمَّى "الغُرَر اللوامع في شرح جمع الجوامع"، إلى العامِّ في مجلد. من "مختصر الكفاية" لابن النَّقيب، مجلد "غراس الأساس" للزمخشري، مجلد. الأول من "مطالب التبيين في الحاشية على شرح عضد الدين"، مجلد لشيخه العز بن جماعة، كتبه من خطه في سنة أربع عشرة وثمانمائة. "أحكام قيام الليل والوتر" للفقيه نصر، مجلد. "شرح الألفية" للعراقي، مجلد، و"النكت" له على ابن الصلاح، مجلد. وكذا نسخة ثانية منه "تخريج أحاديث الإحياء" له، في مجلد. من "الكامل، لابن عدي، مجلد. من "القاموس في اللغة"، قطعة. من "شرح الكرماني للبخاري"، مجلد. "أطراف المزّي"، خمس مجلدات. من "ترتيب ابن حبان" لابن بلبان، ¬

_ (¬1) قال المصنف في ترجمته من الضوء اللامع 3/ 111: ممن اعتنى بالترغيب والترهيب للمنذري وأتقنه. . . وكتب منه عدة نسخ بخطه المنسوب الذي جوَّده. . بل قرأه على العامة بالجامع المشار إليه (يعني جمع الزاهد)، وزاد اعتناؤه به حتى حصل فوائد في شرح كثيرٍ من أحاديثه التقطها في طول عمره من بطون الكتب مشتملة على الجيد وغيره مع التكرير والتبتير لعدم تأهُّله.

مجلد. "طبقات الحفَّاظ"، وإلا ما كان منها في "التهذيب"، للذهبي، مجلد. "المشتبه" له، مع فوائد وتقاييد بأصله وهامشه، مجلد. "التدريب" للبلقيني، مجلد. نصف "مختصر ابن النقيب للتنبيه". "شذور الذهب" لابن هشام. بعض "الجاربردي" -وهو الفخر أبو العباس أحمد بن الحسن- على "البيضاوي". قطعة من "مختصر القاضي جمال الدين أبي عبد اللَّه محمد بن واصل في المنطق". "خلاصة منتخب تلخيص المفتاح" للعز بن جماعة "فصل البديع" لابن أبي الأصبع، في مجيليد (¬1). وقد كان عزم على كتابة مصحف (¬2) بخطه على قراءة ابن كثير، فما أظنُّه تيسَّر له، بل كان يقول: إنه كان الأنسب للشافعية التلاوة بها، لكون الإمام (¬3) أخذها عرضًا عن إسماعيل بن عبد اللَّه بن قُسطنطين المكي، وهو عن ابن كثير، ولمذهبه في البسملة، وغير ذلك. واللَّه أعلم (¬4). ¬

_ (¬1) في (ط): "مجلدين". (¬2) في (ط): "مصنف"، تحريف. (¬3) في (ب): لكونه أخذها. (¬4) في (ط): ما نصه. آخر الباب الخامس بحمد اللَّه, يتلوه الثاني, أوله الباب السادس في سياق شيء من بليغ كلامه, وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد للَّه رب العالمين.

الباب السادس في سياق شيء من بليغ كلامه نظما ونثرا وفيه فصول

الباب السادس في سياق شيء من بليغ كلامه نظمًا ونثرًا وفيه فصول

الفصل الأول في تقاريظه البديعة وألفاظه السهلة المنيعة

الأول في تقاريظه البديعة وألفاظه السهلة المنيعة وأقدم ما وقفت عليه: [تقريظ كتاب نزول الغيث للدماميني] مِنْ ذلك: ما قرَّظ به كتاب "نزول الغيث" للعلامة بدر الدين أبي عبد اللَّه محمد بن أبي بكر المخزومي الدماميني، الذي بيَّن فيه خطأ الصلاح الصفدي في كتابه "غيث الأدب الذي انسجم في شرحه لامية العجم"، وذلك في رمضان سنة خمس وتسعين وسبعمائة رفيقًا لمشايخ عصره إذ ذاك، كابن خلدون، وابن التنسي، والغماري، والمجد الحنفي، وابن الشِّحنة، وابن الجزري، وابن مكانس، والبدر البشتكي، وغيرهم، بعد أن نسخه بخطه، ونصُّ ذلك، وقد نقلته من خطه من النسخة التي بخط مصنفه، وهي عند صاحبنا الإمام جمال الدين ابن السابق، دام النفع به ورحمه اللَّه (¬1). أمَّا بعد حمد اللَّه وحده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد عبده ورسوله، فما أشرف سيدنا وعبده، فأقول، وإن لم أكن مِنْ رجال هذا المجال المصيبين، لوفُور سهامهم في الأدب أغراض المقال، ولا ممَّن أصغى إلى حُسْنِ الاستماع، إذ لا أدبَ عندي ولا مال، ولو وقفتُ، وقفتُ عند قدري، وما زاحمتُ السَّادة والأعلام -مع طلاقة ألفاظهم- بركيك نظمي ونثري، ولكني ¬

_ (¬1) عبارة "ورحمه اللَّه" لم ترد في (ب).

واثقٌ مِنْ هذا المولى (¬1) يستُره على أهل هذا الفن، عارف بما له مِنْ إنعام على من أجاد منهم، ومن وقفت على هذا الكتاب الشاهد لمؤلفه أنه الحاكم الذي لا يقبل رِشوة، الفريد وإن كان له من مصنفاته إخوة، وتأملت أبوابه، فدخلتْ عليَّ المسرَّةُ من كل باب، ولم أعلم -وأطربني- أهو نزول الغيث أم وقع الرباب، فعوذته حين أطربني، وهو الفريد بالمثاني، وثنيته نحو القلب، وإن كان ما له في الحقيقة ثاني، وأشرقَتْ تلك الفرائدُ منه, فكَلَّ عن (¬2) وصفها غرب لساني، وجنيت عليه بكثرة ما اجتنيت من أوراقه ثمر الفوائد، فأنا على الحالتين جاني، وقبلته ألفًا وألفًا، فقال لي غرامي زده واضرب الألف في الألف. فتبارك الذي اطلع في سماء البلاغة بدرًا هاديًا، وأرواه مما رواه عن غيره، فأصبح صاديًا (¬3)، وأيَّده حتى نَظم في هذا العقد الفريد ما شذر مِنْ فنون الآفاه والإفادة، وأعانه على ما جمع فيه من المحاسن، فكان جامع الحسنى وزيادة، فكل أديب أبدى إذ رام (¬4) مجاراة هذا الصَّدر عجزًا، وصيَّر نفسه إذ رأى بديهته وروِيَّته فُقِدا أو عَزَّا. كيف لا، وقد أنهلهم منه ندى فضلٍ مِنْ خاطرٍ وكفْ، وأعجزت فصاحتُه كلَّ واصفٍ قام في ملأ مِنَ الأدباء وصفٌ، ودنا بفوائده مِنَ القُلوب، فعقل مجاريه قاصٍ قاصر، ومهر فأمهر أبكار المعاني جواهرَ لفظِه، فأكرِمْ به في الحالتين ماهر (¬5)! فلهذا أحجمتُ عن وصفه (¬6)، ولا يُنكر مِنْ مثلي، ولو كنتُ قُدَامةَ الإحجام، وقدحت زِنادَ الفكر لإسراج مطيَّة العقل، فلم أظفر إلَّا مِنْ عيِّ لساني بالإلجام. هذا وقد شاهدتُ مِنْ مؤلِّفه كعبةَ أدبٍ، لو حجَّها جدِّي قبلي تهيَّبَ النُّطقَ، (حتى قيل: ذا حَجَرُ)، وسمعت منه ما لو سمعه الفصحاء، لعيَّوا ¬

_ (¬1) في (ط): "السيد". (¬2) في (ط): "من". (¬3) في (ط): "صافيًا". (¬4) في (ب، ط): وقد رام. (¬5) في هامش (ح): كتب النواجي ما نصُّه: اسم الفاعل من "أمهر" إنما هو "ممهر" لا "ماهر"، وبذلك يعلم فساد ما قصده من الاشتراك في لفظة "ماهر" المدلول عليه بقوله: "في الحالين". (¬6) في (ط): أحجمت عنه.

عن وصفه، فكيف بمثلي، (وما عليه إذا لم يفهم البقرُ)، ورأيت (¬1) غرائبَ مِنْ براعته يردُّها العقل لو لم يشهد البصر، وقلت متجاهلًا مع معرفتي ببلاغته: (أهذه سير في المجد (¬2) أم سُوَرُ)؟! فهو قاضي البلاغة الذي: أقرُّوا بحق جوهر الفضل عنده ... ولا عجب للبحرِ صَوْنُ الجَوَاهرِ والجواد البليغ الذي: يقول لنا دُرًّا (¬3) ويبدي سماحة ... فما البحرُ إلَّا بين كفٍّ وخاطرِ وعالم المدينة الذي: على كلِّ رأس طال كعب مبارك له ... وهو للطُّلَّابِ أفضلُ مالكِ وربُّ البديع الذي: قد استخدم الأنظار إذ أصبحت لهم ... مطالبة قد طوبقت بمهالكِ وفارس العربية الذي: غدا قبلةً للناس صَلَّوْا وراءها ... وفاتهم سبقًا فليس يُجارى والكاتب الذي: إذا أبصروا في الطِّرْسِ أثر مِدادِه ... فذلك سَبْقٌ قد أثار غبارا وضَحَتْ من سجعه المعاني من بعد، فكم به للعلوم زرقاء يمامة. ¬

_ (¬1) في (ط): "وسمعت ورأيت". (¬2) في (ط): "الفضل". (¬3) في (ط): "دررًا".

وأضحت تصانيفُ الأدب الجليلة كالسِّجلِّ وتصنيفه (¬1) هذا الدَّقيق المعاني علامة، واحتوى على دائرة الأدب، فقلنا: البدرُ قد سكن داره، وتزيَّنَتْ به المعالي، واستبشرت، وليهنِها منه في الحالين بشارة، فلو رآه سحبان، لوافى لطلبِ آدابه مشمِّرًا، فقيل له: مِنْ أين، وإلى أين؟ والخليلُ بن أحمد صاحبُ العروض، لغرق في بُحور آدابه، وقدّم له ما يملكه مِنَ "العين"، وابنُ عبدِ ربِّه، لاعترف بأنه جمع الخرز في "عقده" وابن الصَّيرفي البليغ، لما ساوى معه حبّة، مع حُسن نقده. وأبو العلاء المعري، لأنشده هذا الناقد البصير: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وابن الرومى، لعرف الفرق ما بين العجميِّ في الفصاحة والعربي، أو سمع فصاحتَه كل بليغ، لأقرَّ أنَّه فنٍّ من اللسان محروم، ونادى في ظُلمة الغي: انظرونا نقتبس مِنْ نُور فصاحتكم يا بني مخزوم، فنزول الغيث قد أخجل النِّيل، والفاقد صبره للعجز عن مجاراته ينادي: كيف السبيل، ولا ريب عندَ صاحب الذَّوق أنَّ نقص خليل زاد، وأن هذا السيد هذب به من كلام الصلاح فساد، فلو صدر الصفديُّ إلى الدنيا بعد موته، لما وُجد منه إنكار وَرد، ولو رام أن يهادى هذا المولى لهدايته له إلى الصواب ببلده، لقال له: ما لنا حاجة منك بصفد. على أنَّ هذا الصفدي كان كثيرًا ما يقدم على العلوم -كالنحو- من غير مبتدأ معرفة، ويستغني بتعديله وتجريحه، وتمريضه (¬2) وتصحيحه، فلا يثرى من صفة منصفة، ويرى أنَّه البصير بهذا، وهو في العمى ضائع العُكَّاز، لا زال مولانا جائدًا للطلبة بنقده آمنًا من السرار (¬3)، فلا يذوق (¬4) مرارة فقده، ولا برح بأنوائه وأنواره يُخجل الشمس والغيام، ودام سالمًا مِنَ النَّقص، فلا يخلو نعتُه -وهو البدر- مِنْ معنى الكمال والتمام، إن شاء اللَّه تعالى. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "وتأليفه". (¬2) في (ب): "ورد تمريضه". (¬3) في (ط): "الأشرار". (¬4) في (أ): تدوم.

[تقريظ بديعيه الوجيه العلوي]

[تقريظ بديعيه الوجيه العلوي] ومن ذلك ما كتب به في ربيع الأول سنة ثمانمائة بزبيد على "البديعية" التي نظمها الوجيه عبد الرحمن بن محمد بن يوسف العلوي، المسماة "بالجوهر الرفيع ودوحة المعاني في معرفة أنواع البديع ومدح النبي العدناني" ونصه: الحمد للَّه الذي أتقن ما صنع أبدع إتقان، وأحسن كلَّ شيءٍ خلَقَه وخلقَ الإنسان، وصلى اللَّه على أشرف مُرسلٍ مفرد، لم يختلف في فضله من ذوي العقول اثنان، الذي نزّه تشريعه عن المراجعة والمناقضة، وجرّد تتميمه عن الاستدراك والمعارضة، فما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى، وما ظهر من معجزاته لامعة إلَّا وأخجلت نجمًا وقمرًا وبوحًا (¬1)، ففي محل ألفاظه إشاراتٌ خفيَّات، يتلمَّح معانيها أهلُ البيان، وفي أخباره معجزات شتَّى لا يختصُّ بها أهل زمان دون أهل زمان، ومنها قوله الصادق: "إنك إن تُعطَ الإمارة عن غير مسألة، تُعَنْ عليها يا عبدَ الرحمن"، وسلَّم اللَّه على رُوحه أتمَّ سلام، ورضي اللَّه عن آله وصحبه البَرَرةِ الكرام الخيرة الأعلام. آمين. فأقول وإن لم أكُن مِنْ رجال هذا المجال المصيبين بنيل نبلهم مقاتل الأقوال: وقفت على هذا الجوهر الرفيع، وتفيَّأتُ ظلال هذه الدوحة، واجتنيت مِنْ زهرها المريع، ووقفت عنده وما وقفت عنه، وأطال ظامىءُ نظري الورود، وما ارتوى منه، ونثر (¬2) فكري لوصفه سهامَ الألفاظ مِنْ كنانته، فما أصاب الغرض، وعرض جنودَ المعني لمدح هذا الجوهر الفرد، فما قابله لما عرض، وقدحت زِنَادَ ذهني الكابي، فما أورى مِنَ القادح واستشعرت معثار إنساني، فتلا عليه العجز: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ} [الانشقاق: 6]، فلله درُّ منشىءٍ هذه المُلحة، والمتفضل بهذه المِنحة، لقد ¬

_ (¬1) البُوح: اسم الشمس. من القاموس المحيط. (¬2) في (ط): ونشر.

أطاب لما أطال، ووجد مكان القول ذا سَعَةٍ فقال، وسبق إلى غاية ما وراءها غاية، وأقام للبلغاء عند اختلاف آرائهم راية. شعر: إذا أبصروا في الطِّرْسِ أثر مِدادِه ... فذلك سَبْق قد أثار غُبارًا فصليتُ وراء هذا السابق مسلمًا، وصَمَتُّ عجزًا عن وصف مجلس ذا الصدر، ولكن أبى قلبي أن يكون إلَّا متكلمًا، وقلتُ واستعنت بالعزيز القدير، ويدُ فكري جذيمة، ولسانُ التَّقصير قصير: للَّه دَرُّ فاضلٍ مُبَرِّزٍ ... جاءَ أخيرًا وتجلَّى سابقا والبُلغاءُ عن مداه (¬1) قصَّروا ... فما رأينا للوجيه لاحقا فلو رآه الحريري، لعقد عليه الخناصِر، لعلمه بأنه من (¬2) الطراز الأول، وابن أبي الأصبع، لنصَّ بإشارته إليه بأنَّ عليه في هذا الفن المعوَّل، والحلِّيُّ لحزم عليه النظم (¬3) وخفي، ولما حام يومًا حول مورء الصَّفِي. جلوت على الأسماعِ بنتَ قريحةٍ ... بديعةَ حُسْنٍ لا يقاومها نقدُ فلو أبصر النَّظَّام جوهرَ لفظِها ... لما شكَّ فيه أنَّه الجوهرُ الفردُ وبالجملة، فسِنَانُ قلمي عن واجب وصفِه غيرُ مسنون، وصَدَفُ كَلِمي لا أرضاها لهذا الجوهر المكنون، لا زال ناظمه في سعادة لازمة له لزوم الهمزة للاستعلاء (¬4) على ما ألَّف، وكان المبتدأ صدر الكلام، واللام للتعريف من قبل (¬5) الألف، ومنادي عيشه لا يرخَّم، وأحمدُ زمانه لا ¬

_ (¬1) في (أ): "والبلغاء مداده"، وفي (ط) عن مناه. (¬2) "من" ساقطة من (أ). (¬3) في (ط): النظر. (¬4) في (أ): "للاستعلال"، تحريف. (¬5) في (ط): "بعد".

[ما كتبه على قطعة لابن ناهض]

ينصرف، وأيَّد تصرُّفَه بحُكْمِ السُّيوف والأقلام، وأخدم مجلسه أفضل التَّحية والإكرام، والسلام. [ما كتبه على قطعة لابن ناهض] ومن ذلك: ما كتب به [على قطعة لابن ناهض، ومن خطه نقلت: نظرت هذه المُذْهَبَة المعلَّقة، وقيدت النظر] (¬1) في هذه القوافي المطلقة، واعْتَرفت بالقصور عن وصف هذه البُيوت العاليات الطَّبقة، المترفعة غرفُها عن أن تكون مستَرَقَة، فألفيتُها حُرِّرت موازينها، وقُرِّرت دواوينها، وانشرحت الصدور من شدَّة ما أطربتها تلاحينها، وأزهرت أفانين غياضها، وزخرفت بأنواع الزينة أواوينُ رياضها. يا لها آدابًا، لو رام معارضة منشئُها مادح بمصر. . . . . . (¬2)، وتأمَّل ما يهديه فكرُه لقال: ما أشدَّ بردَه، ولو بالغ في وصف مخترعاته، لرأى نقصَها متزايدًا عنده، ولو فُتِحَ له بابُ تقريظها، لحُقَّ له سدُّ باب القريضِ بعده ما نُوظرت هذه المحاسن، ونظر الناظر إلى آدابه، إلَّا قال لهَا: أبعدي، ولا قُوبلت بأدب متأدِّب، إلا تبين في الحال حال المعتدي. لقد توحد منشئها في فنه حتى صار هو العَلَم الفرد ذَكاءً وآدابًا، واستحقَّ اسمَ أبيه، فأصبح في اقتناص الشوارد ناهضًا وثَّابًا، وإذا كانت العقول مِنَحًا إلهية، والأفكارُ مواهبَ ربَّانيَّة، فلا بِدْعَ أن يبتدع الغريب إلى الغريب، ولا غَرْوَ أن ينشأ أديب يُنسي بما ينشئه إنشاءَ كلِّ أديب. والليالي -كما علمت- حُبالى ... مُقَرِّبات يَلِدْنَ كلَّ عجيبِ [تقريظ سيرة ابن ناهض] ومنه ما كتب به على السِّيرة التي عملها محمد بن ناهض الحلبي المذكور للمؤيد أبي النصر شيخ في سنة ثمان عشرة وثمانمائة، رفيقًا لدون ثلاثين نفسًا، منهم: العز بن جماعة، والولي العراقي، والجلال البلقيني، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬2) بياض في الأصول، وكتب في (أ، ب، ح) عبارة "كذا".

والشمس البلالي، والشمس البساطي، والشمس الحبتي، والبدر الدمياميني، والشِّهاب القلقشندي، وناصر الدين بن البارزي، وولده الكمال، والتقي بن حجة, ونصه: الحمد للَّه على كل حال. سبحتُ في هذا البحر الزَّاخر، فشاهدتُ العجائب، فسأحدِّثُ عن البحر ولا حرج، وتمتعت برؤية درِّه الفاخر، فإذا هو في درج مصون لا ينالُه من دبَّ ولا مَنْ درج، ودخلت في أبواب هذه السِّيرة السَّرِيَّة، متأملًا فيما حوته مِنَ المدائح المؤيدية، فهمتُ طربًا بمناقبها، واستعدت ممَّن أخطأ العروض والضرب وخرج، ولمحت فضل المعركة الميمون، فرمقت باب النصر، وصادفت فصل حصار (¬1) الحصون، فوافقتُ بابَ الفُتوح، ونظرتُ فصل الظفر بالأدب، فلحظتُ بابَ السَّعادة، وتأمَّلتُ فصل دفع الكُرَب، فشاهدت باب الفرج. يا لها سيرةً هبَّت على راقمِ بُرودها وناظم سُعودها نسماتُ القَبُول، فهو يجول ويصول، ولا يبالي مَنْ هَرَج ولا مَرَجٍ، وأسعدته بدرج الصعود، وأصعدته في مراقي السعود فعرج، ودانت له ممالكُ الكلام، فتصرَّف فيها تصرُّف المالكين، غير متقيِّد بشرطِ غيره، وانفرد أمَّةَ وحده، لا يُجارى ولا يُبارى، ولا يجسُر أحدٌ أن يسير في سياق السَّير الملوكية كسَيْره، وانطاعت له عصِيَّات المعاني الشاردة، فهو يقتنصها، لا بخيله ورَجِلِهِ، بل برجوليته وخيره. وماذا أقول ولم يُبقِ لي مَنْ تقدَّم كاسًا مُترعًا، وماذا أترامى به من المعاني في الوصف، ولم أر في القوس منزعًا. نعم لست أوافق على فكر شاعر، ولا مؤرخ في معارضة مخترعها، ولو كانت حياضهم مُترعة، ورياضهم موشعة، إذ ليس فيهم من ينهض نهوض ابن ناهض في تصيُّد المعنى، حتى (¬2) يستحقَّ أن يُذكر معه، ولا يبارزه في ميدانه إلا مَنْ يرى في الحال مصرعه، ولا يقارب في تصرفاته في النظم، والشعراء فاعلمن أربعة. هيهات هيهات، كيف يمكن الترجيح وشرطه تقدم المساواة للنِّدين؟ أم متى ¬

_ (¬1) في (أ): "حصان". (¬2) في (ط): "حيث".

تتهيَّأ المساواة ومُحالٌ اجتماعُ النَّقيضين من الضِّدَّين، هذا الذي طلع في سماء أوصاف الملوك هلالًا، وصرع نواحيه طيور الأفئدة، فصار ما يتخيَّله فيه الناظر محالًا، ونبغ في شريعة التاريخ، فمن رام مجاراته أنشد: يا صاحبي، ألا لا. هذا الذي أغرب، فأتى بفرائد لا تذكر معها "قلائد العقيان". وأطرب فلحن (¬1) السواجع لا يصغى إليه مع لحنه وإن أطربَ إنسان، وأقدم فرجع عنه النُّبلاء القهقرى، وأعلم بأن كلَّ مَنْ رامَ معارضته مِنَ الفحول، صيَّره العجزُ وراء الورى، فلقد جلَّى مِنْ هذه السِّيرة المؤيدية عروشًا تأيدت بسلطانها، فيا لعجب تأوَّدت ونطقت بفضل مخترعها الفرد في فنه، فقامت لها قلوبُ الألِبَّاء وقعدت, وأبدت من مفرداتها ومركباتها ما لم يطرق قبله لسامع أذُنًا، وأسمعت من ألحانها المطربة في حانها ما لا يدرك المعارض له لفظًا ولا معنى. منطق صائب وتلحن أحيانًا ... وخيرُ الكلامِ ما كان لحنَا فسبحان من أيَّد فكرته حتى أعربت عن لحن القول، وقوَّاها على البديهة حتى نادتها حوليَّات زهر لا قوَّة لي بهذا ولا حَوْل، وتبارك مَنْ أغناها عن التكلُّف (¬2) في التصرُّف، فما أغناها، وأراحها مِنَ التوقف عن اتِّباع كلام السِّوى، فما أهياها (¬3). لقد توسَّعتْ في فنون الكلام، حتى أهملت بجواهرها كتاب "الصَّحاح"، وترضَّعت بكلِّ درَّةِ خَفَضَ (¬4) كلُّ لبيب لها الجَنَاح، وترفَّعت بعزِّ سلطانها، فمن رآها نُصْبَ عينيه، قال: ليس على مخترعها مِنْ جُناح، وتنوَّعت بالفنون، فساح طَرْفُ ناظرها في معانٍ فساح. (هكذا هكذا وإلا فلا لا) طرق الجد غير طرق المزاح. ¬

_ (¬1) في (أ): "فلحق"، تحريف. (¬2) في (أ): "التكليف". (¬3) في (ح): "السواء ما أهناها". (¬4) في (أ): "حفظ"، تحريف.

[تقريظ بديعية ابن حجة]

فاللَّه تعالى يُبقي منشئها، حتى يُسلي الهموم بما يطرب ويُغرب، ويتحف النفوس من مبتكراته بما ليس في كتاب "المرقص (¬1) والمطرب"، إن شاء اللَّه تعالى. [تقريظ بديعية ابن حجّة] ومِنْ ذلك: ما كتب به على "شرح بديعية" (¬2) المولى شيخ المتأدبين في عصره، التقي بن حجة: اللهمَّ غُفرًا. كيف لا أسال المغفرة، وقد أُلزمت بكشف عواري، وأُلجِئتُ من تقريظ هذه الدُّرَّة اليتيمة إلى رفع الحُجب عن بنات أفكاري، وأنا لا أزال أغطِّي تلهُّبي على أغراض المعاني الفائقة عني وأواري، وجهدي أن أُحْسِنَ النَّظر فيما أقف عليه من اللطائف الزواهي بالزواهر والزَّواري، وكيف يضيء مصباحُ فكبر قليل المادَّة في مدح (¬3) هذه النجوم الدراري؟ وكيف أقنَعُ في موضع الإسهاب لها بالألفاظ الموجزة؟ ورَويَّتي عاجزة، وليست لي بديهة معجزة، لكن جرى القلم، فكتبت وتوفرت سهامُ الحقوق، فطرحتُ رداء العصبية، ورميت الغرض فأصبت، وطالعت هذا الشرح، فتلا، لسانُ الحال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، ورفعتُ يدَ الابتهال للاقتدار على مدحه مع قبول الاعتذار، فقيل لي: قد وضعنا عنك وزرك. فأقول: أشهد أنَّ أبا بكر مقدَّمٌ على أنظاره، ولا أعدل في هذه الشهادة من أحمد، وأجزم برفعَةِ قدره على كل من انتصب لهذا الفن، ولا أبلغ من حاكم يشهد، لقد بلغ أشُدَّه في البلاغة واستوى، وثبت (¬4) رشده عند غُواةِ الأدب، لكن ما ضلَّ صاحبُهم وما غوى، ولا نطق في المديح النبوي إلَّا ¬

_ (¬1) في (أ): "المراقص"، تحريف. وهو كتاب "المرقص والمطرب في أخبار أهل المغرب" في الأدب، لأبي الحسن علي بن موسى بن سعيد الأندلسي المتوفى سنة 673 هـ. انظر كشف الظنون 2/ 1658. (¬2) في (أ): "بديعة". (¬3) في (ط): "مقابلة". (¬4) في (ح): "وبيت".

بالحق، وحاشى لهذا الصَّاحب أن ينطق عن الهوى، ولفد ظفَرَتْ حبائلُ فكرته (¬1) بكلِّ سانحة من ظباء البديع وبَارحة، وخطبته من "يتيمة الدهر" و"دمية القصر" كل قرينة صالحة، وأتى طرسُه بكلِّ دُرَّةٍ مونقة معجبة، وأخذ نقسه (¬2) -الذي هو أبهج من النَّضار- بمجامع القلوب، لشدة ما بينهما في اللَّون من الشَّبَه وأطنب في فَنَّي التورية والاستخدام، وهما قسما البدائع والكواكب الدراري فاستخدم فيما أطاعته من الاستخدامات رقائق الألفاظ فتمَّ وصفها بالجواري، وورّى فتوارى منه المُجاري، وحُقَّ له الهرب عند سماع تلك الاستخدامات الرائقة والتواري. فاق لما جارى ابن سرايا وابن جابر والموصلي. أما الحِلِّي، فالشيعي المسرف قاصر الرُّتبة عن السُّني التقي، وأما الأعمى، فأنَّى يستوي مع ذي النظر السَّوي، وأما العز، فأبو بكر أفضل من علي. نعم، هذا الذي نظر الأعمى إلى أدبه، واستفاض تقدمه، فحكم القاضي الفاضل بموجبه، وزاد كمالًا نقص عنده في النظم أبو تمام، وخرق العادة في النثر، فلا كرامة لصاحب "المقامات" ولا إقدام، وأمَّا قُدامة، فحقُّه أن يدرس كتاب تأخر المعرفة، ويقول لعصريِّه نفطويه: لا شكُّ أن ابن حجة مقدَّم على ابن عرفة، وظهرت من حلاوة نظمه حموضةُ "الرُّمانية"، وشهد عبد القاهر أن "الحموية" أشهى من "الجرجانية"، وأشار ابن أبي الأصبع أن يعقد البِنصِر على إمامته، واتَّفق السَّكَّاكي والخلخالي وابن الصائغ على إتقان صياغته في صناعته، ولكن الأوْلى كفُّ العنان عن الجري في الميدان عن ذكر هؤلاء الفحول، والاقتصار على الكلم الجوامع، لئلا يُمَلَّ ما يملى، فأقول: إذا دعا هذا الإمام كل قديم ومحدث إلى الشهادة له بالإجادة في فنون النظم أجابه، وإذا ذُكر أبواب الإنشاءُ، فأبو بكر عليه الرضوان مقدم على جمع الصحابة (¬3)، والسَّلام. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "فكرتي". (¬2) في (ط): وأخف نفسه. والنقس: هو المِداد الذي يكتب به. (¬3) في (ط): جميع أصحابه.

[تقريظ آخر على بديعية ابن حجة]

[تقريظ آخر على بديعية ابن حجّة] ومنه ما كتب به على "البديعية" لابن حجة أيضًا، فقال: الحمد للَّه الذي أمر بتحميده، ووعد الشَّاكر لإحسانه بمزيده، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، شهادة مقرٍّ بتوحيده، معترف بكمال فضله وجوده، مخلص في الإيمان بوجوب وجوده، وأشهدُ أن محمدًا المصطفى سيد عبيده، وحامل لواء مدحه وتمجيده، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وجنوده. أما بعد، فقد وقفتُ على هذه الجواهر المضيئة كالزواهر، والنوادر المنزهة للنواظر، وتأملت فصولها، فدخلت عليَّ المسرَّة من كل باب، وكرَّرت النَّظر في معانيها وصحة مبانيها، فما أخطأ منها شيءٌ صَوْبَ الصَّواب، فتبارك مَنْ خصَّ أبا بكر بالتَّقديم وإن تأخر زمان سيره، وناسب بين المادح والممدوح في هذه الخصوصية، ولا ريب أن أبا بكر أخصُّ بمحمَّد مِنْ غيره، دنا بفوائده من القلوب، فعقل مُجاريه قاص قاصر، ومهر فأمهر أبكار المعاني جواهر لفظه، فأكْرِمْ به في الحالين مِنْ ماهر، وسبق إلى غاية ما وراءها غاية، وأقام لطائفة الأدب إن اختلفت آراؤهم في البديع راية، فأمَّا الابتداء فما ألطف خبرُه، وأبهجَ ذهبه ودُرَرُه، وأمّا المخلص، فقسمه منه أوفر الأقسام، وحظُّه أتمُّ الحظوظ إذ اكتفى بمديح سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام، وأما المقطع، فهو أحسنُ مِنْ كلِّ ما في دار الطراز، وأقسم أنَّه في هذا الباب مُقدَّم، وسواه على الحقيقة مجاز. وقد تجاسر العبدُ على تقريظها طوعًا لأوامر مخترعها، وامتثالًا لإشارة مُبدعها، فقدح زناد ذهنه الكابي، فما أورى ولا قدح، واستنار معثار إنسانه فكدح، واقترح على قريحته الطواعية بما يناسب مقامه، فقالت: ومتى بلغك الحظ بعض مقترح، فصلى وراء (¬1) هذا السابق مسلمًا، وأُصمِتَ ولو كان صدره بسيف العجز مُتكلمًا. وكيف لا، وقد كان ذهنُه ولم يزل متبلدًا، مع ¬

_ (¬1) في (أ): "ورأى".

[وقد قرض شيخنا لابن حجة قصيدته الثانية التي امتدح بها البدري بن مزهر حسبما أشار إليه النواجي في "الحجة"، فينظر]

أن نيران قلبه ذكية، ورَوِيَّتُه مثل بديهته سقيمة مما يقاسيه (¬1) مِنْ هذي البرية، وكان صدرُ قلمه أقسم أن لا يعود في العقد بسحر البيان نفَاثًا، وطلَّق أبكارَ هذا الفن الذي لا يلتفت إليه أحدٌ ثلاثًا، لكن لم يستطع مخالفة الإمام، لأنَّها مما وجب، وامتثال المراسم -كما يقال- مِنْ سلوك الأدب. ومع ذلك، فسِنان قلمه عن واجب وصف هذا الإمام غير مسنون، وصدر كَلِمه لا يرضاها لهذا الجوهر المكنون، فلا برح هذا الإمام متمسكًا مِنْ ولاء ممدوحه بأمتن سبب، ولا زال كنزًا لجواهر الأدب، يستغني به إلى أن يستغني عن الأدب إن شاء اللَّه تعالى بمنِّه وكرمه. [وقد قرض شيخنا لابن حجّة قصيدته الثانية التي امتدح بها البدري بن مزهر حسبما أشار إليه النواجي في "الحجة"، فينظر] (¬2). [تقريظ عجاله القرى للتَّقي الفاسي] ومنه ما كتب به على "عجالة القري في مختصر تاريخ أم القرى" للتقي الشريف الفاسي مما قرأته بخطه: الحمد للَّه الذي جعل من تولَّاه بعنايته تقيًّا، وفضَّل بعضَ خلقه على بعض، فرقَّى منهم سعيدًا، وأردى منهم شقيًا، وشرَّف بعض الأمكنة على بعضر، فاختصَّ البلد الحرام بالأمن والمحبة والبركة، وكفى بذلك فخرًا (¬3) مرضيًا. وصلى اللَّه على سيدنا محمد أرفع العالمين قدرًا عليًا، وعلى آل محمد وصحبه الأبرار المتقين، الذين حفظوا السُّنَنَ ونقلوها، وعرفوا معانيها وعقلوها (¬4)، ونظروا إلى الدنيا بعين الازدراء، فما مقلوها. صلى اللَّه عليهم أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

_ (¬1) في (ب): "يناسبه". تحريف. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح). (¬3) "فخرًا" ساقطة من (ب). (¬4) في (أ): "وعلقوها"، تحريف.

[تقريظ الزهور المقتطفه من تاريخ مكة المشرقة للتقي الفاسي]

أما بعد، فقد وقفتُ على هذا التاريخِ البديعِ وضعًا، الغريب صُنعًا، فوجدتُه فاقَ المصنفات في هذا الفنِّ لصدق مغزاه، وتخصصَ بالشَّرف المطلق لفظه ومعناه، فهو تصنيفٌ شريف في معنى شريف لبلد شريف، اختاره اللَّه وارتضاه. حَبَّره وأجاد في تأنيقه السيدُ الإمامُ الأوحد البارع المتفنن، ذو الأصل الزكي والذهن الوقَّاد الذكي، تقي الدين، مفتي المسلمين، حامي حمى الفقه والحديث، مع ما انضافَ إلى ذلك من تقوى صدقت لاسمه مسماه، وعبادة وزهادة وتواضع لائق بمن اصطفاه اللَّه. فاللَّه تعالى يلهمه شُكْرَ هذه المنّة، ويبقيه لحفظ السُّنَّة. [تقريظ الزهور المقتطفه من تاريخ مكة المشرقة للتقي الفاسي] ومنه ما كتب به أيضًا على "الزهور المقتطفة من تاريخ مكة المشرَّفة" للتقي المذكور: أمَّا بعد، فقد وقفت على هذا التصنيف المفيد، والعقد الفريد، فرأيته قد أجاد تلخيصًا وتهذيبًا، وفاق تبويبًا وترتيبًا، جمع جامعه -حفظه اللَّه- فيه أشتات الفوائد، ومزج الأخبار التاريخية بالمسائل الحُكمية مَزْجَ العُقيان بالجواهر في القلائد، فلقد أبقى (¬1) بما ألَّف للبلد الأمين ذكرًا مخلَّدًا، وارتقى بما انتقى درجًا يعسُر على من رام اللَّحاق بها المدى، فاللَّه المسؤول أن يحرُسَه بعينه، ويمُدَّه بعونه, ويحفظ نفسه، ويحمي حماه، ويوليه الثَّواب الجزيلَ على ما تولَّاه. قال ذلك محبُّه الصادق في شعبان سنة عشرين وثمانمائة. [تقريظ تحفة الكرام للتقي الفاسي] ومنه ما كتب به أيضًا على "تحفة الكرام" للمذكور: وقفت على هذا التأليف الشريف، وعرفت فضل ما فيه مِنَ التَّنويع ¬

_ (¬1) في (ب): أتى.

[تقريظ مجموع تقي الدين الكرماني]

والتَّصريف، فرجدته مجموعًا جامعًا، وأعجوبةً حوت الحُسن والحسنى معًا، قد حرر مؤلفه وأتقن، وغاص على الدُّرِّ من مظانِّه فأمعن، فجزاه اللَّه عن بلده الحرام ومشاعره العظام أحسن جزاء، وكفاه جميع ما يتوقّاه مِنَ الأسواء. آمين آمين. قاله الفقير المعترف بالتقصير. [تقريظ مجموع تقي الدين الكرماني] ومنه ما كتب به على مجموع للإمام تقي الدين يحيى ابن شيخ الإسلام الكرماني: وقف العبدُ أحمد بن علي بن حجر الشافعي -عفا اللَّه عنه- على هذا المجموع، الجامع للمحاسن، المانع من طعن الطاعن، فوجدتُه اشتملَ على فنون مِنَ الجدّ والهزل، [والرقيق والجزل] (¬1)، وعلى أنواع من العلوم القرآنية والحديثية والفقهية، وهي علوم الإسلام الشرعية، مع ما تخلَّلها مِنَ اللَّطائف التي تنشط نفس المُجدِّ في الاشتغال، وتوصله إلى غاية المجد في الحال والاستقبال. وما أحقَّه بقولي: نظرتُ لما سطَّرتَه مِنْ فوائدٍ ... لها الفضلُ إذ راقت محاسنُها يُعزا وقد لذَّ ما أبديتَ منها بخاطري ... ولم يكفِ طرفي منه جزءٌ ولا أجزا [تقريظ ديوان الملك الأشرف] [ومنه ما كتب به علي "ديوان" شعر الملك الأشرف أحمد بن الملك العادل سليمان بن غازي الأيوبي صاحب حصن كيفا، حيث أحضره إليه أرغون دوادارُه في أوائل سنة إحدى وثلاثين مما غاب عني الآن. [تقريظ ديوان الملك الكامل] وكذا كتب علي "ديوان" ولده الملك الكامل خليل، المستقرّ بعد قتل ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

[تقريظ الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي]

والده المذكور في سنة ستِّ وثلاثين] (¬1). [تقريظ الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي] ومن ذلك ما كتب به على "الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الإسلام كافر"، لحافظ الشام ابن ناصر الدين، في سنةٌ خمس وثلاثين، وحدَّث به في أواخر (السنة) (¬2) التي تليها بالشام، بقراءة صاحبنا النجم الهاشمي: الحمد للَّه، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. وقفت على هذا التأليف النافع، والمجموع الذي هو للمقاصد التي جُمع لأجلها جامع، فتحقَّقتُ سَعَة اطِّلاع الإمام الذي صنَّفه، وتضلُّعَه مِنَ العلوم النافعة بما عظَّمه بين العلماء وشرَّفه. وشهرة إمامه الشيخ تقي الدين ابن تيمية أشهرُ مِنَ الشَّمس، وتلقيبُه بشيخ الإسلام في عصره باقٍ إلى الآن على الألسنة الزكيَّة، ويستمر غدًا كما كان بالأمس، ولا يُنكِرُ ذلك إلَّا من جهل مقداره، أو تجنَّب الإنصاف، ممّا أكثر غلط مَنْ تعاطى ذلك وأكثر عثاره، فاللَّه تعالى هو المسؤول أن يقينا شُرورَ أنفسنا وحصائد ألسنتا بمنِّه وفضله. ولو لم يكن مِنَ الدَّليل على إمامة هذا الرّجل إلا ما نبَّه عليه الحافظُ الشَّهير علم الدين البرزالي في "تاريخه" أنه لم يُوجد في الإسلام مَنِ اجتمع فى جنازته لمَّا مات ما اجتُمع في جنازة الشيخ تقي الدين، وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدًا، شهدها مئو ألوف (¬3)، ولكن لو كان بدمشق مِنَ الخلائق نظيرُ مَنْ كان ببغداد، بل أضعافُ ذلك، لما تأخَّر أحدٌ منهم عن شهود جنازته. وأيضًا فجميعُ مَنْ كان ببغداد إلَّا الأقلَّ، كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد، وكان أميرُ بغدادَ وخليفةُ الوقت إذ ذاك في غاية المحبَّة له والتعظيم، ¬

_ (¬1) من قوله: "ومنه ما كتب به على ديوان. . . " إلي هنا لم يرد في (ب)، وألحقه المصنف بخطه في (ح). (¬2) ساقطة من (ب، ط). (¬3) في (أ): ما بين مئو ألف، وفي (ب): ما بين ألوف. والمثبت من (ط).

بخلاف ابن تيمية، فكان أميرُ البلد حين مات غائبًا، وكان أكثر مَنْ بالبلد مِنَ الفقهاء قد تعصَّبُوا عليه حتى (¬1) مات محبوسًا بالقلعة، ومع هذا، فلم يتخلَّف منهيم عن حضور جنازته والتَّرحُّمِ عليه والتَّأسُّف عليه إلا ثلاثة أنفس، تأخَّروا خشيةً على أنفسهم من العامة. ومع حضور هذا الجمع العظيم، فلم يكن لذلك باعثٌ إلا اعتقادُ إمامته وبركته، لا بجمع سُلطانٍ ولا غيره، وقد صح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "أنتم شُهودُ اللَّه في الأرض". ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعةٌ مِنَ العُلماء مرارًا، بسبب أشياء أنكروها عليه مِنَ الأصول والفروع، وعُقِدَتْ له بسبب ذلك عدَّةُ مجالس بالقاهرة ودمشق، ولا يُحفظ عن أحد منهم أنَّه أفتى بزندقته، ولا حَكَمَ بسفك دمه، مع شدة المتعصبين عليه حينئذٍ من أهل الدولة، حتى حُبس بالقاهرة ثم بالإسكندرية، ومع ذلك، فكلُّهم معترِفٌ بسعة علمه (¬2)، وكثرة ورعه وزُهده، ووصفه بالسَّخاء والشجاعة، وغير ذلك مِنْ قيامه في نُصرة الإسلام، والدُّعاء إلى اللَّه تعالى في السِّرِّ والعلانية, فكيف لا ينكر على من أطلق أنه كافر (¬3)، بل مَنْ أطلق على مَنْ سمّاه شيخ الإسلام الكفر، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك، فإنَّه شيخٌ في الإسلام (¬4) في عصره بلا ريب. والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولُها بالتَّشهي، ولا يُصِرُّ على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادًا، وهذه تصانيفُه طافحة بالرَّدِّ على مَنْ يقولُ بالتَّجسيم والتبرؤ منه، ومع ذلك فهو بشرٌ يخطىءُ ويُصيبُ، فالذي أصاب فيه -وهو الأكثرُ- يُستفاد منه، ويُترحَّمُ عليه بسببه، والذي أخطأ فيه [لا يُقلَّدُ فيه] (¬5)، بل هو معذورٌ؛ لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدواتِ الاجتهاد اجتمعت فيه، حتى كان أشدُّ المتشغِّبين عليه، القائمين في إيصال الشَّرِّ إليه -وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني- يشهدُ له بذلك، وكذلك ¬

_ (¬1) في (أ): "حين". (¬2) في (ط): فضله. (¬3) في (أ): "كان كافر". (¬4) كذا كانت في (ح)، نم غيرت فأصبحت: "شيخ مشايخ الإسلام". (¬5) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).

[تقريظ شرح عقود الدرر في علوم الأثر لابن ناصر الدين]

الشيخُ صدر الدين ابن الوكيل، الذي لم يثبُت لمناظرته غيرُه. ومن أعجب العجب (¬1) أنَّ هذا الرجل كان أعظمَ النَّاس قيامًا على أهلِ البدع مِنَ الرَّوافض والحُلوليَّة والاتحاديَّة، وتصانيفُه في ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا تدخُل تحتَ الحصر، فيا قُرَّة أعينهم إذا سمعوا تكفيره (¬2)، ويا سُرورَهم إذا رأوا مَنْ يكفِّره من أهل العلم! فالواجب (¬3) على مَنْ تلبَّس بالعلم، وكان له عقلٌ أن يتأمَّل كلام الرَّجُلِ مِنْ تصانيفه المشهورة، أو من ألسِنَةِ من يُوثَق (¬4) به من أهل النَّقل، فيُفرد مِنْ ذلك ما ينكر، فيحذر منه على قصد النُّصح، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك، كدأب غيره من العلماء الأنجاب. ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين أبن قيم الجوزية، صاحب التصانيف النافعة السائرة، التي انتفع بها الموافق والمخالف، لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته، فكيف وقد شهد له بالتقدُّم في العلوم، والتميُّز في المنطوق والمفهوم أئمةُ عصره مِنَ الشَّافعية وغيرهم، فضلًا عَنِ الحنابلة. فالذي يُطلِقُ عليه -مع هذه الأشياء- الكفر، اْو على مَنْ سمَّاه شيخ الإسلام، لا يُلتفت إليه، ولا يُعوَّلُ في هذا المقام عليه، بل يجب ردعُه عَنْ ذلك، إلى أن يُراجع الحقَّ (¬5)، وُيذعن للصَّواب، واللَّه يقول الحقَّ، وهو يهدي السبيل، وحسبُنا اللَّه ونعم الوكيل. [تقريظ شرح عقود الدرر في علوم الأثر لابن ناصر الدين] ومنه ما كتب به قبل ذلك في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة على ¬

_ (¬1) في (ط): العجائب. (¬2) في (ح): بكفره. (¬3) في (ط): "فالجواب"، تحريف. (¬4) في (أ): "يؤثر". (¬5) في (ط): "إلي أن يرجع إلي الحق".

[تقريظ وجهة المختار لابن سويدان]

مصنَّف المذكور "شرح عقود الدرر في علوم الأثر"، ونصُّه (¬1): أما بعد، فقد مررتُ على هذا التَّأليف البديع المثال، العزيز المنال، الجامع لما تفرَّق فيما سواه، البالغ مِنَ الإحاطة بالفن الأمدَ المتناه، فحمدتُ اللَّه تعالى على ما مَنَّ به مِنْ وجود هذا الحافظ الفريد حتى أتحف بشُهرة هذا الفن الغريب، ويسَّره وقرَّبه بعد التعسير والتبعيد، ووجدتُه احتوى على كل معنى باهٍ باهرٍ، وصدَّقه قولهم: كم ترك الأول للآخر (¬2)، واللَّهَ تعالى أسألُه أن يبقيه لهذا الشَّأن الذي صار جمعُ أهله في درجة القِلَّة حتى تكثَّروا ببركته، فيعز بوجودهم الملة. وقد تجاسرتُ فيه على كتابة موتضعات على سبيل التَّذكرة، أتحقَّقُ أنَّها لدى هذا الحافظ الشهيرِ مشتهرة، وأساله الإغضاء عمَّا لعلَّه وقع فيها مِنْ سقطٍ زلَّ به القلم مِنْ غير رويَّة، لأن مِنْ شأنه قبولَ المعذرة. [وله أيضًا على "منظومته" في الحفَّاظ و"شرحها" ما أسلفته في الباب الذي قبله] (¬3). [تقريظ وجهة المختار لابن سويدان] ومنه ما كتب به على "وجهة المختار ونزهة المحتاج نظم فرائض المنهاج" للشيخ ناصر الدين محمد بن محمد بن يوسف بن سويدان المنزلي. . . . . (¬4) [تقريظ شرح منهاج البيضاوي لابن إمام الكاملية] ومنه ما كتب به على "شرح منهاج البيضاوي" للعلامة الكمال إمام الكاملية: ¬

_ (¬1) في (ب): "ومنه". (¬2) في (ط): "والآخر". (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). وقد تقدم ذلك ص 684 برقم 201 عند سرد مصنفاته. (¬4) بياض في الأصول.

[تقريظ الأربعين لجلال الدين البلقيني]

أما بعد، فإنني نظرتُ في هذا الكتاب الذي حَسُنَ موقعه من ذوي الأبصار والبصائر، وشَرُفَ موضعه لما اشتمل عليه مِنَ النَّفائس والذخائر، وعظُمَ موضعُه حتى صحَّ قولهم: كم ترك الأول للآخر، فشكرتُ همَّة مؤلفه الباهر، وصرفتُ الفكرة إلى الثَّناء على تصرُّفاته الزاهرة، فلقد مزج الشَّرح بالمتن على الطَّريق التي قلَّ من ينهض بوافي حقها حتَّى تُشرِقَ أنوارُ فكرته في نواحي أفقها، وتعزّ من يسير فيها مستقيمًا إذا اشتبهت عليه تشعُّبات طرقها. فاللَّه تعالى يُبقيه للأصول يحفظُها على طالبيها، وللفروع يستنبطُها مِنْ قواعدها، حتَّى يقرِّب ثمارَها مِنْ جانيها، وقد حُقَّ له أن يُقرىء هذا الشرح وأصله، ويوصل سبب الطالب بسببه، حتى يقوى ببلوغ مراده حبلُه، فلذلك أذنتُ له أن يُقرىء العلوم الشرعية أصولًا أركانها ثابتة يقرِّبُ إلى أفهام الطالبين وصولها، ويقعِّدُ قواعدها محصلها وحاصلها ومنتهاها وسُؤلها، وفروعًا (¬1) يقتطف ثمارها الدانية منه كلُّ مَنْ رام يبلغ نفسه مأمولها، إلى غير ذلك مِنَ العلوم الآلية التي تاجُها فنونُ اللغة العربية التي يصلح معها اللسان مِنَ الزَّلل، وزَينُها الذي يسلم به الذهن السليمُ مِنَ الخلل، واللَّه يُسبغُ عليه مِنْ نعمه إفضالًا، ويزيده مع إمامته (¬2) الكاملية كمالًا وجلالًا. [تقريظ الأربعين لجلال الدين البلقيني] ومنه ما كتب به على "أربعي القاضي جلال الدين البلقيني تخريج الشيخ رضوان": وقفت على هذه "الأربعين"، فقضيت مِنْ حُسنها عجبًا، وقضيت بأنها تصبي سامعها حتى يهتز طربًا. وكيف لا، وهي مِنْ مرويات إمامٍ فاق الأشياخَ، فضلًا عن الأقران، وراق الأسماعَ ذكرُه، فكيف بالعيان. فاللَّه يُبقي المخرَّجة له والمنتقي، ويُرقي درجاتهما حتى يعجز عن لحاقها مَنْ يروم أن يرتقي. ¬

_ (¬1) في (ط): "وفروعها". (¬2) في (أ): "أمانته".

[تقريظ نزهة القصاد للشريف النسابة]

[تقريظ نزهة القصَّاد للشريف النسَّابة] ومنه ما كتب به على مصنف الشريف البدر النسَّابة المسمَّى "نزهة القّصَّاد"، ونصُّه: أما بعد، فقد تنزَّهتُ في هذه النُّزهة، وشرحتُ صدري بها مِنَ الزَّمان بُرهة، انتهزتها مِنَ الشواغل، وتمنيت طول تلك البُرْهة، فتحقَّقتُ أنَّ كلام الشريفِ شريفُ الكلام، وأن الكَلِمَ الطيَّبَ لا يُستغرب مِنَ البيت الطيب على أصله أفضل الصلاة والسلام، فاللَّه المسؤول أن ينفعَ به كما نفعَ بسلفه، ويُديم على طلبة العلم بركة علمه وعظيمَ شرفه. [تقريظ الغيث الفائض في علم الفرائض للحسيني] ومنه ما كتب به على "الغيث الفائض في علم الفرائض" للسيد القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن عمر بن الحسين الحسيني الشافعي الدمشقي: أمّا بعد، فقد تشرفت بالنظر في هذه الرياض (¬1) المونقة، وتصرفت في استيفاء العمل المستقبل مِنْ هذه الأفنان الفورقة، فيا لها روضة سقاها الغيثُ حتى أثمرت الفروع الزاهرة، وما أشرفها زهرة سطعت في منارات الشَّرف الباهرة، لقد توسع منشئها في اقتناص الدُّرِّ، حتى فاقت جواهر "الصَّحاح" وترفَّعت لرفها على النَّظر، حتى خفض كلُّ لبيبٍ لها الجناح، وتفرّعت الفنون، فساح طَرْفُ ناظرها في معانٍ فِسَاح. (كذا هكذا وإلا فلا لا)، طرق الجد غير طرق المزاح. واللَّه المسؤول أن ينفع بهذا التأليف كلَّ مستفيد سلَّم له وأذعَن وحيا، ويتقبَّل عمله الذي يشكره عليه الأموات والأحياء. آمين آمين. [تقريظ مسألة الساكت للسوبيني] ومنه ما كتب به على "مسألة الساكت" تصنيف الشيخ برهان الدين السُّوبيني (¬2): ¬

_ (¬1) في (أ): "الرياضة". (¬2) نسبة بل سوبين، قرية من قرى حماة. وهو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم، المتوفى =

[تقريظ في منظومة الشغري في النحو]

أما بعد، فقد وقفت على هذه الفوائد البديعة، الناشئة عن الهمة الرفيعة، فعرفت أنها جمع لا نظير له، يقرع السمع. . . . . . . (¬1) وضوابط للعقول السليمة في ميادين الفهوم الصحبحة، وروابط تؤذن بأن جامعها فاق مَنْ سبق إلى ضبط ذلك، اطّلاعًا وانتقادًا، وفات لحاقه من يجيء بعده طردًا واطّرادًا، فعلمت به أن وحي التأمّل (¬2) لم ينقطع، وأنَّ اللَّه تعالى بقدرته يدّخر للمتأخر ما لم يقف عليه المتقدِّم وإن كان يبذُل الوُسْعَ حين يطلع، فاللَّه يُديم عليه نعمه تترى، ويجمع له بين خيري الدُّنيا والأخرى، ويسوق له أعناق السَّعادة في الدَّارين فرادى وزمَرًا، ويسلمه حيث حلَّ سفرًا وحضرًا. آمين آمين. ومنه ما كتب به على تصنيف صاحبنا العلامة عز الدين حمزة الحسيني الدمشقي أحد تلامذته [في "تتمة خبايا الزوايا"] (¬3). . . . . . (¬4) [تقريظ في منظومة الشغري في النحو] ومنه ما كتبه على "منظومة في النحو" لأبي العباس الشغري: وقفت على هذه المنحة السَّنِيَّة، واللَّمحة العربية، والدِّمنة الغزلية، فأعجبني انسجام ألفاظها، واشتقاق معانيها، وشدة أربها، وقوة مبانيها، وعلمت أنَّ مثلها لا يتأتَّى إلا ممَّن مارس العلوم، وبهر في المنثور والمنظوم، فدعوتُ لمصنِّفها بالإعانة على حلَّ رموزها، وفتح مُقفلها بإظهار كنوزها، ليجمع بين العلم والعمل به، وليشتهر بالفضل في مشرقه ومغربه. ¬

_ = سنة 858 هـ. انظر الضوء اللامع 1/ 100 - 101، ففيه إشارة إلى تقريظ الحافظ ابن حجر لهذه الرسالة التي سماها السخاوي: "جزء في مسائل تكون مستثناة من قاعدة لا ينسب لساكت قول". (¬1) بياض في الأصول. (¬2) في (ط): "التأويل". (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) بياض في الأصول.

[تقريظ البرهان الواضح للناس لابن أبي اليمن المكي]

[تقريظ البرهان الواضح للناس لابن أبي اليُمن المكي] ومنه علي "البرهان الواضح للناس" للشيخ نور الدين بن أبي اليُمن المكي ما نصُّه: نظرتُ في هذه الأوراق، فوجدتُها مشتملةً على مباحثَ سنِيَّة، وإراداتٍ بهيَّة، وانتقاداتٍ سريَّة على الطريقة المرضيَّة، جارية على سنن الإنصاف، غير سالكة طريق الاعتِساف، فحقَّ لجامعها أن يُسَلِّمَ له ما ارتضاه، وينفذ حكمه فيما قضاه وأمضاه، واللَّه يُمتّع ببقائه طلبة العلوم، حتى يشمل الكافَّة ما يصدر منه مِنْ محاسن المنطوق والمفهوم. آمين. [تقريظ زهر الربيع في شواهد البديع لابن قرقماس] ومنه (¬1) على "زهر الربيع في شواهد البديع" للشيخ ناصر الدين بن قرقماس (¬2) الحنفي، فقال: سبحان البديع الرفيع. وقف الفقيرُ أحمد بن علي العسقلاني على هذا الجمع البديع، ونشق ريّا زهرِ الرَّبيع، وافتنَّ بفنون هذه الغصون الشَّوارد، وحكم برجحان ميزان هذا الناظم لصدق شهادة هذه الشواهد، واستدلَّ على أن الآخر قد يفوقُ الأوَّلَ بما ثبت مُسندًا بالطُّرق القطعية عن النبي المصطفى المرسل، فإنه -مع تأخُّرِ زمانه- فاق مَنْ تقدَّمه في كبر السِّنِّ فضلًا عن أقرانه. واللَّه المسؤول أن يُديم نعمه على هذا النَّاظم، وأن يلهمه شكره، ليزداد مِنْ فضله الدَّائم. آمين، آمين، آمين. [تقريظ الجامع المفيد في صناعة التجويد للسنهوري] ومنه على "الجامع المفيد في صناعة التجويد"، تصنيف الشيخ زين الدين جعفر السنهوري ثم الأزهري المقرىء، فقال: ¬

_ (¬1) من هنا إلى نهاية تقريظ "تحفة الأنفس" ألحقه المصنف بخطه في ورقة منفصلة في (ح)، ولذا لم يرد في (ب). (¬2) في (أ): "فيماس"، تحريف. وهو محمد بن قرقماس بن عبد اللَّه الأقتمري، المتوفى سنة 882 هـ. انظر الضوء اللامع 8/ 292 - 293.

[تقريظ تحفة الأنفس الزكية لأبي حامد القدسي]

أما بعد، فقد وقفتُ على هذا العقد الفريد، والدُّرِّ النِّضيد، والتحرير المجيد لتلاوة القرآن الحجيد، فوجدتُه مجموعًا جموعًا، وحاويًا لأشتات الفضائل، وللحشو والإسهاب منُوعًا. فاللَّه يَجزي جامعَه على جمعه جوامع الخيرات، ويُسكِنُه أعلى الغُرُفات، المعدَّة لمن كان لربِّه مطيعًا. [تقريظ تحفة الأنفس الزكية لأبي حامد القدسي] ومنه علي "تحفة الأنفس الزكية في سير الملوك المرضية" لأبي حامد القدسي، قدَّمه للظاهر جقمق، ونصُّه: وقف الفقيرُ مسطِّرُ هذه الأحرف على هذه التُّحفة الشَّريفة، وتصفَّح صفحات هذه السِّيرة الظريفة، واستنشقَ نفحاتِ هذه الرِّياض الزَّاهرة، واستضاء بلمحات هذه الأنوار الباهرة، فوجد المُخبَرَ زاد على الخَبَر والعيان طابق البصيرة فابتهج بالنَّظر. وكيف لا، ومنشىءُ هذه الفكرة البديعة رأسُ جمع البلاغة، ومرصِّعُ هذه الدُّرر أهل له صناعة الصياغة. وقد ازدادت زواهرُ جواهره بشرف مَنْ أُنشئت مِنْ أجله, واتَّصل حبلُها الأقوى بسبب متمكِّن مِنْ حبله، وهو المقام الشريف السلطاني، ظِلُّ اللَّه في الأرض، والواجب له الطَّاعة على كل مَنْ تطاول في الانتماء إليه، فأمِنَ على نفسه في هذه الدار ويوم العرض، القائم بما شَرَعَ اللَّه تعالى لعباده مِنَ السُّنة والفرض. والعِلْم محيطٌ بأنَّه أحاط بأصول العلوم، دقيقها وجليلها، لكن قد أمر اللَّه نبيِّه وحبيبه وصفيِّه بالذكرى، وجرى على هذا السَّنَن مَنِ اتَّبع أمرَه العليَّ، ففاز بالنَّجاة في الدنيا والأخرى إن شاء اللَّه تعالى (¬1). [تقريظ كتب السخاوي] ومنه ما كتب به على أول شيء خرجتُه في ابتداء الطلب: وقفت على هذا التخريج الفائق، وعرفت من اللَّه على عباده بأن ألحَقَ الأخيرَ بالسَّابق. ولولا ما أفرط فيه من الإطراء فيَّ لما عاقني عن الثناء عليه ¬

_ (¬1) من قوله: "ومنه على زهر الربيع". إلى هنا لم يرد في (ب) حيث ألحقه المصنف بخطه في ورقة منفصلة من نسخة (ح).

[تقريظ مرثية لابن الغرز]

عائق, واللَّه المسؤول أن يعينه على الوصول إلى الحصول، حتى يتعجَّب السَّابقُ مِنَ اللاحق. [وكتب لي على غيره من تصانيفي غير ذلك] (¬1). [تقريظ مرثية لابن الغرز] ومنه في تقريظ مرثيَّة نونية عملها خليل بن أحمد بن الغرز حين وفاة ولد له: الحمد للَّه ملهم الصبر الجميل. أما بعد، فقد وقفتُ على هذه المرثية البليغة، البالغة في الرقة لفظًا ومعنى وصيغة (¬2)، المحركة للشَّجَن الكامن في القلوب المصدوعة، المثيرة للحزن الثابت في النُّفوس المرُوعة، فوجدتُها -مع شغل خاطر ناظمها من الوراد الذي صدر، والعارض الذي ساجل الدَّمعُ به المطر- قد أظهرَت مِنْ أنواع البديع ما لم يعرّج عليه بديعُ الزمان، ومِنْ فنون البيان ما تدانت ثماره مِنَ الأفنان، وزادت على ابن زيدون في تشوّقه إلى ولَّادة بما هيجت مِنْ ذكرى الأولاد، وغاية أبي الوليد طلب ممكن مِنَ الوصل، وهذا لعدم الإمكان يكاد ماضي حسرته يقطع الأكباد. فاللَّه تعالى المسؤول أن يُنزل عليه الصَّبرَ الجميل، ويمتعني بفوائده حتى إذا أُنسيت ذكرى حبيب، أنست ذكرى خليل (¬3). [تقريظ موشح] ومنه في تقريظ موشح: ونَثَر أسهُم ألفاظه مِنْ كنانة فكرته، فما أصابت من القول غَرَض، وعرض جنودَ معانيه لمعارضة ذلك الجوهر الفرد، فقصَّرت لما عرض، وقدح زِنَادَ ذهنه الكابي، فما أورى ولا قدح، واقترح على قلبه قريحةَ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وفي (ط): "وكتب لي غير ذلك من تصانيفي". (¬2) في (أ): "وصنعة". (¬3) في (ب): "قليل"، تحريف.

[تقريظ على درج الجمال ابن حجاج]

المساجلة فقرح، واستثار معثار إنسانه للمناظرة فكدح. فصلى وراء (¬1) ذلك السَّابق مسلمًا، وصمت عجزًا، وإن كان فكره مِنَ الألم متكلمًا. [تقريظ على درج الجمال ابن حجاج] ومنه ما كتب به على درج الجمال عبد اللَّه بن حجاج أحد الكتاب مما نقلته من خطه الفائق: العظمةُ للَّه. تحقَّقتُ إتقان (¬2) هذا الرَّقم البديع، واستنشقت رَيْحان هذا الرَّوض المَرِيع، فعلمت أنه نسخ حكم الماضين بتوقيعه، وفضح دعوى من عاند بتجنيسه وتنويعه، فاستحق أن يلحق بالكرام الكاتبين حيث لم يلحق حاسده غبار سابقيه، وأن يترقَّى في درجات الفضائل، وضدّه يتمنى لو عُدَّ من حاشيته، وأن تكون كتابتُه في صحائف النّضار، وغيره يكتب في الرِّقاع، وإذا اختلف القول في تفضيل مَنْ مضى، فعبدُ اللَّه هذا انعقد على تقدُّمه الإجماع. انتهى. وسُرَّ الجمال بذلك كثيرًا، حتى كان يقول: إنه في الكتابة في مقام أشياخ شيوخه، وهو كذلك، بل أعلى (¬3) وأولى. [تقريظ نظم لعبد السلام البغدادي] ومن تقاريظه المنظومة: ما كتب به على نظم العلامة عبد السلام البغدادي جوابًا عن سؤال ورد عليه من مكة: حمدت اللَّه شكرًا مع سلامي ... على الهادي إلى دار السَّلامِ وأمَّا بعد ذاك فلي ثناءٌ ... كنثرِ الدُّرِّ مِنْ هذا النظامِ ¬

_ (¬1) في (أ): "ورأى". (¬2) "إتقان" ساقطة من (ب). (¬3) في (أ): "أعلم".

لعلمٍ زانه فَهْمٌ جليلٌ ... يفوق على الدقيقي والعلامي (¬1) لعمري قد أجاد وجاد لمَّا ... أجاب مسهلًا صعب المرامِ وليس بمنكرٍ معروف فضلٍ ... إذا ما جاء من عبد السلامِ إمامٌ ألمعىٌّ لوذعيٌّ ... فيا للَّه من حبرٍ هُمامِ شريف النفس والأصل المعلَّى ... لطيف الخلق حتى في الكلامِ وقاه اللَّه ما يخشى ليلقى الـ ... ذي يرجو من الملك السلامِ والتمس من صاحب الترجمة قديمًا العلامة الشهاب أحمد بن منصور الأشمومي (¬2) أن يقرظ له "منظومته في النحو"، فكتب له عليها شيئًا ما وقفت عليه (¬3). ¬

_ (¬1) في هامش (ط): يعني ابن دقيق العيد وابن بنت الأعز. (¬2) في (ب) و"المجمع المؤسس" 3/ 70 - 71 "الأشموني"، حيث ترجمة الحافظ ابن حجر وأشار فيه إلى تقريظه لمنظومته. وانظر الضوء اللامع 2/ 227. (¬3) كتب المصنف هنا بخطه: ثم بلغ الشيخ عز الدين بن فهد نفع اللَّه به قراءة علي في 16 والجماعة سماعًا. كتبه مؤلفه.

الفصل الثاني فيمن عرض محافيظه عليه أو كتب له إجازة ممن تردد إليه

الفصل الثاني فيمن عرض محافيظه عليه أو كتب له إجازة ممن تردَّد إليه [الكتب المعروضة علي ابن حجر] فمن الأول: ما كتب به لبعض (¬1) مَنْ عرض عليه "الشاطبية": أما بعد حمدِ اللَّه الذي طوَّق فلان حرز الأماني، ووجَّهه سبل الخيرات، وهي وجه التهاني، والصلاة والسلام على محمد العاري المبين بكفاية الواحد والثاني (¬2) الراقي الطباق السبع (¬3) إلى أن كان بالتيسير الربَّاني (¬4) لقاب قوسين هو (¬5) الداني، وعلى آله وصحبه نجوم السماء وأعلام الأرض، صلاةً وسلامًا يترادفان عليهم إلى يوم العرض. فقد عرض عليَّ فلان "الشاطبية" عرضًا أبان أنَّ (¬6) له في الحفظ يدًا ¬

_ (¬1) "لبعض" ساقطة من (ب). (¬2) في (أ): "والمثاني". (¬3) في (ط): "والراقي السبع الطباق". (¬4) في (ب): "الهاني". (¬5) في (ط): "فهو". (¬6) "أن" ساقطة من (ب).

طولى (¬1)، وأظهر أن الاشتغال بما يقرِّبُه للآخرة خيرٌ مِنَ الأولى، وأعلم أنَّ له همة غير قريحة تنادي: (يا خليليَّ امدحاني وقولا). وقد أجزتُ له روايتها بسندي فيها، وأسأل اللَّه أن يجعل القرآن نافعًا له في طوارق الحدثان، عاصمًا له من نزغات الشَّيطان. ومنه لمن عرض عليه "الفصيح": أما بعد حمد اللَّه الذي جعل محبَّ الدين فصيحًا لبيبًا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، منزل الغيث العارض صبيبًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وحبيبه، فيا حبذا سيدًا وعبدًا وحبيبًا، صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم مِلْءَ السماء والأرض، وأسأله أن يتطوَّل على تقصيرنا في تصريفنا بشفاعته يوم العرض. فقد عرض علىَّ محبُّ الدين عرضًا تحدَّر كالنَّهر الفائض. أستغفر اللَّه، بل كالسَّيلِ لمناسبته للعارض، قراءةً قررت أنه فاق مشاكله ومماثله، وسردًا وقفتِ النُّجومُ الجواري بين يديه ماثلة، دلّني على حفظه لجميع الكتاب، لأنَّه عن حق الحفظ ما راغ، وأذاقني حلاوة ألفاظه، لكنه -بحمد اللَّه- ما زاغ، وأذِنتُ له أن يرويه عني إلى آخره. ومنه في عرض القاضي علاء الدين البلقيني "للعمدة"، بعد وصفه بالولد العزيز النبيه الزكي الذكي الألمعي المَدِرة الحُفَظة البارع الأوحد، أعجوبة العصر في الفهم، ووصف والده بسيدنا ومولانا قاضي القضاة، وجدَّه بسيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، علامة الأعلام، مفخر أهل العصر، والغُرَّة المشرقة في جبهة الدَّهر، وجد والده بسيِّدنا ومولانا، شيخ الإسلام والمسلمين، ختامِ المجتهدين، مربِّي السالكين، بقية السلف الأكرمين، وعُمدة الخَلَف (¬2) أجمعين. فقال: مواضع متعددة لم يدرك شأوه في جَوْدة (¬3) سردها، وشهد له شاهدٌ العيان بأنه ذاق حلاوة شهدها، وكيف لا، وهو الفريدُ في أصالته، الوحيدُ في نباهته، النادرةُ في الفهم والذكاء، ¬

_ (¬1) "طولى" ساقطة من (أ). (¬2) في (ط): "الخلق". (¬3) في (أ): "وجوده"، تحريف.

الآية (¬1) التي يضمحلُّ في مقابلة ضيائها شعاع ذكاء من آل بيت هم رؤوسُ النَّاس في كل خير وقادتهم، حيث يتوجهون (¬2) إلى الخيرات في كلِّ سير "شنشنة أعرفها من أخزم"، ولامعةٌ بارقها غيثُه قطُّ ما أخرم. إلى أن قال: واللَّه تعالى أسال أن يُفيضَ عليه نِعَمَه تترى، وأن يبلغه شأوَ آبائه الكرام رِفعَةً وقدرًا. ثم بالغ في تواضعه على عادته بقوله: وكتب العبد أصغر تلامذة آبائه. وفي عرضه أيضًا "للمنهاج"، فقال: عرض عليَّ النَّجلُ السعيدُ، الذي سهمُه في المعالي سديد، وسببُه في العلم شديد. الأصيلُ الذي فاق جميعَ أهلَ عصره بشرَفِ الولد والوالد، وحقَّق لسامع مقاله وناظر كماله أنَّ هذا الشبل من ذاك الأسد، نسلُ شيوخ الإسلام مِنْ قِبَل آبائه وأمهاته، وسليلُ الأئمة الأعلام، فقد حاز المجد (¬3) من جميع جهاته، أقرَّ اللَّه به العيونَ في نعمة مستمرة لأبيه وجدِّه، وأدام جِدَّة سعده وسعادة جدّه، ونفع الإسلام والمسلمين به، كما نفعهم بأسلافه، ورفع على توالي الأيام مقدارَه، وأمدَّه على مَرِّ الجديدين بإسعاده وإسعافه. الولد العزيز، والكنز الحريز، اللبيب الأريب، الأصيل الجليل، الزكي الذكي، الفقيه النَّبيه. ووصف والده بسيدنا العبد الفقير إلى اللَّه تعالى، شرفِ العلماء، أوحدِ الفضلاء، مفتي المسلمين، قاضي القضاة. إلى أن قال: مواضع مفرقة اقترحتُها عليه من "منهاج الطالبين" في الفقه على مذهب الإمام المجتهد، عالم قريش أبي عبد اللَّه محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رضي اللَّه عته، تأليف الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، بركة ¬

_ (¬1) في (أ): "الأمة". (¬2) في (ح): "يوجهون". (¬3) في (ب): "للجد".

الأنام، أبي زكريا النووي، شكرَ اللَّه سعيه. مرَّ فيها كالبرق الوامض، والغيثِ العارض، والسَّهم أصاب الغرض وزاد، والجواد المُضَمَّر بلغ الغاية، فحبَّذا هو مِنْ جواد، دلَّتَ على أنَّه استظهر جميع الكتاب حفظًا، واحتوى على جميع ألفاظه لفظًا لفظًا، وأرجو أن يحويَ فهمًا لجميع معانيه بذهن وقَّاد، وقريحة يقظى. إلى أن قال: واللَّه أسألُ أن يوفقنا أجمعين لما يحبُّ ويرضى، وأن يُسامح كُلَّا منَّا يوم العرض عليه، فإنَّ جُودَه لا يُحصى, ونعمه لا تُستَقصى، وديون مِنَنِه (¬1) على العبد لا تُقضى. ومنه في عرض ولي الدين بن تقي الدين (البلقيني) (¬2)، الذي وَليَ بأخرة قضاء الشام ومات هناك: دلَّ حُسْنُ سرده لها على أنه استظهر جميعه، وورد بلطيف فطنته ينبوعه، ولقد أخبرت أنَّه سرده أجمع، لم يغادر منه كلمة إلَّا أحصاها، ولا تلعثم في مسالة منه حين أوردها ورواها. فلله درُّ هذا السَّهم الأسد، وغير نكير أن ينتج هذا الشبل إلا ذلك الأسد. قلت: وقد أخذَ القاضي ولي الدين المذكور -عفا اللَّه عنه- أواخرها، فضمَّنه إجازة كتبها لولد الشيخ شهاب الدين بن أسد، وصار يتبجّح بها، ويُوهم ابتكاره لها، ثم تبيَّن لي بأخرة أن صاحب الترجمة كتبها للولي المذكور كما أثبته. ومنه لابن مزهر: الحمد للَّه الذي زاد أبناء النُّجباء ونجباء الأبناء جلالًا، وأطلع في سماء المعالي بدرًا راق جمالًا، وفاق كمالًا، وحفَّه بكواكب كلٌّ منها في الأفق السامي مزهرٌ نوره يتلألأ. أحمده على أن هدانا المنهاج القويم المفرِّج لكل شدَّة، وأشكره على أن حفَّنا بألطافه التي عليها العُمدة, وأشهدُ أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، الذي مَنَّ على المؤمنين بوجود محمد عليه الصلاة ¬

_ (¬1) في (ط): "منته". (¬2) "البلقيني" ساقطة من (أ).

والسلام، وجعل حديثه النبويَّ عُمدة الأحكام، وشريعته الطَّاهرة قائمةً إلى يوم القيام. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث إمامًا لأهل الأرض، ونعمة شاملة لأمَّته، فبيَّن لهم السنَّة والفرض، وتطوَّل عليهم بالنعمة الكاملة في الدنيا، والنعمة الشاملة يوم العرض. صلى اللَّه وسلم عليه, وحيَّا بلدًا [حلَّ بها وبلدًا] (¬1) منها جاء، وعلى إخوانه المرسلين الذين جعل لكلٍّ منهم شرعة ومنهاجًا، وعلى آل محمد وصحبه الذين كان كلُّ منهم لشمس الهداية سراجًا. أما بعد، فقد عرض عليَّ بمحضرٍ مِنَ المقام الشريف السلطاني الملكي الأشرفي، ذي الطود (¬2) الباذخ، العزِّ الشامخ، والعدل الذي ملأ الأقطار، والجُودِ الذي ساجل الأمطار، فكلٌّ منها رأسٌ راسخ، وبمسمع مِنَ السَّادة القُضاة، والأئمة المشايخ، نصر اللَّه تعالى سلطانهم على أعدائه، وأبقى مُهَجَ أخصائه وأودَّائه، وحفظه في نفسه وماله وأولاده، وختم له بالحسنى في معاده، وجمَّل الوُجودَ بوجود هؤلاء الموالي، وأيَّدهم بعزه على التوالي الجناب العالي الجلالى جلال الدين أبو المحامد محمد ابن المقرِّ الكريم العالي البدري أبي المعالي محمد، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، ذو الأصل الثابت فرعه في سماء المجد مقمر، والعز الثابت، (فكل مكان ينبتُ العزَّ طيِّب) ولأجل السجعة أقول نيَّر: والبيوت المشرقة بأنواره، والقطوف الدانية بثماره، وكيف لا، وأصله في الحالين مُزهر، بلَّغَه اللَّه مَرامَه، وأدام عليه إنعامه، وأنبت فيهم هذا نباتًا حسنًا، وبلَّغه مِنْ فهم العلم غاية المُنى، وعامله فيه بلطفه مِنْ فضله، وزان الوجود بوجود مثله، وعزَّ وجودُ مثلُه -مواضع مفرقة من طرفَيْ كل كتابَيِ "العمدة" و"المنهاج" ومِنْ أثناء كلٍّ منهما، عرضًا أبان فيه في الحفظ عن يدٍ طولى، وسردًا كلَّما امتحن من صفحة، تلا عليه ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ط). (¬2) في (ط): "الطول".

لسانُ التي تليها: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} مضى فيما اقترح عليه من الكتاب طردًا أمِنَ فيه مِنَ العكس، ومرَّ فيه بأحلى أداءٍ، يكاد يسبق فيه النَّفَسُ النَّفْس، دلَّ على أنه استظهر جميع الكتابين دلالة حدسٍ يوازي اليقين ذلك الحدس، فأعيذُه بالرَّحمن مِنْ عين كلِّ حاسدٍ ولو أنها عينُ الشَّمس، وقد أذنت له، أسعد اللَّه جدَّه، وأبقى أباه [ورحم جدَّه] (¬1). . . إلى آخرها. ومنه لابن حجي سبط الكمال البارزي (¬2): الحمد للَّه الذي يسَّرَ لمن حَفِظَ الأصول لاقتفاء آثارها واستضاءة أنوارها، حِفْظَ الفُروع لاجتناء ثمارها واقتطاف أزهارها، واطَّلع في سماء الكمال والبهاء والجمال نجمًا تولَّد بين الشمس والقمر، ينتمي لنجم يضيء بضياء أخباره الزهر، ويطيب مِنْ آثاره فائحُ الزَّهر. فيا لك نجمًا بأنوار الذكاء يتوقَّد، ويفوق على أقرانه حتى الفرقد. والصلاة والسلام على خِيَرة اللَّه مِنْ خلقه محمد الهادي إلى الصراط المستقيم، الداعي إلى سلوك الطريق القويم، فبلَّغ ما أمر اللَّه به ونهى، وصار إلى مَنْ حفظ شريعته مِنَ الفخار المنتهى، وعلى آله وصحبه نجوم الهدى ورجوم العدا، صلاةً وسلامًا متلازمين من اليوم إلى أن يبعث الناس غدًا. أما بعد، فقد تطوَّل عليَّ بأن عرض عليَّ مواضع مفرقة مِنْ كلٍّ مِنَ "المنهاج في الفقه" لشيخ الإسلام النووي، ومِنْ "مختصر منتهى السول في أصول الفقه" للعلامة أبي عمرو بن الحاجب، المقرُّ العالي القضائي الكثيري (¬3) العالمي الفاضلي البارعي الأوحدي الأكملي البليغي الأثيلي الأثيري الأصيلي العريقي الماجدي النجيبي النَّجمي، جمالُ الإسلام والمسلمين، شرفُ الفضلاء البارعين، نجلُ الأئمَّة، إمامُ الأُمَّة، مجدُ الرُّؤساء، فخرُ الأعيان، سليلُ الكبراء، كهفُ الكُتَّاب، أوحدُ البُلغاء المنشئين، جلالُ الأصلاء المجيدين، صفوةُ الملوك والسلاطين، أبو زكريا ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ). (¬2) في (أ): ابن البازي. (¬3) في (ح): "الكبيري".

يحيى نجل المقر الأشرف المرحوم العلَّامي المفيدي الفريدي البهائي، ولد المقرِّ الأشوف المرحوم الإمامي (¬1) العالمي العلَّامي الفريدي القُدري النَّجمي عمر بن حجي الشافعي، أدام اللَّه له النفع للإفادة (¬2)، وبلَّغه مِنْ أصناف الخيرات الحسنى وزيادة، عرضًا أبان أنَّ له في الحفظ يدًا طولى، وتلا عليه من بهره حُسنُ سردِه إذا انتقل من فاتحة إلى خاتمة: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} فيا لها مِنْ قراءة مرَّ فيها كالسَّهم بالغًا الغرضَ وزيادة، وسرد قدره، فأجاد فيه غاية الإجادة. ثم ذكر سنده (¬3) بالكتاببن، وأجاز له ذلك وجميعَ ما له مِنْ مسموع ومُجاز ومجموع، على اختلاف فنونها وشهادة دواوينها، ثم سردَ بعضًا من تصانيفه، وقال: فليرو كلَّ ما ذُكر عني هنا جملة وتفصيلًا، ويُسند إليَّ ما يصح عنده نسبته إليَّ، ليكون أقوم سبيلًا، واللَّه أسألُ أن يُنعم عليه بدوام العفو والعافية دنيًا وأخرى، وأن يجمع له الخيرات تترى، وأن يُديم بقاءه وارتقاءه ما ائتلف الفرقدان، واختلف الجديدان. آمين آمين. ومنه لصلاح الدين بن الكُويز، حيث عرض عليه "المنهاج" و"الخلاصة في النحو" ما نصه: الحمد للَّه الذي شرع منهاج الدين القويم للخلاصة مِنْ عباده، ورفع علم الشرع الكريم لمن اتَّصف بالصَّلاح والدِّين مِنْ أهل وداده، وجمع ما افترق من الجدِّ والاجتهاد في حفظ دينه (¬4) بتقويم سناده، وتقريب (¬5) إسناده. والصلاة والسلام على خيرته مِنْ خلقه، القائم بأوامر ربِّه على وفْقِ مُراده، حتَّى قمع أعداء الدين بجهاده، ورفع قدر مَنْ أخلص باليقين مِنَ المتَّقين بعزيمته واجتهاده. ¬

_ (¬1) في (ب): "الأمي". (¬2) في (ط): "والإفادة". (¬3) "سنده" ساقطة من (ب). (¬4) في (ط): "دينه القويم". (¬5) في (أ): "وتقرير".

أما بعد، فقد سمعتُ بقراءة مَنْ سَيُنَوَّة باسمه الزكي، ويُصَرَّحُ بلقبه البهي، جميع "المنهاج في الفقه"، لشيخ الإسلام وبركة الأنام محيي الدين النووي، حفظًا عن ظهر قلبه, وعرضًا أفصحَ عن صدق لُبِّه، أبان فيه في الحفظ عن يدٍ طولى، حتى كأن كلَّ مسألة يسرُدها تناديه التي بعدها: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} ثم أضاف إلى ذلك إيراد "الخلاصة" للإمام جمال الدين بن مالك، فسردها مِنْ صدره كذلك، فشهد العيان أنَّه فاق الأقران، وناداه لسانُ الفلاح [أن لا براح] (¬1) عن ملازمة الصلاح. وهو الشابُّ اللبيب الأريب نجل عيون الأعيان، ونسلُ الخُلَّص من جنس الإنسان، الجناب العالي القضائي الصلاحي، صلاح الدين محمد ولد المقرِّ العالي العالمي الفاضلي الأوحدي الزَّيني عبد الرحمن ابن المقر الأشرف العالي الأوحدي البارعي، علم الدين داود صاحب دواوين الإنشاء، الشريف جده (¬2) لأبيه وجده لأمه، فاستحق أن يُدعى معلم الطَّرفين، والمعرف في الرئاسة مِنَ الجهتين. هذا إلى ما حصل لسلفه مِنَ القيام بأمر الممالك الإسلامية مِنْ أنواع الإمارة وأصنات الإشارة والوزارة، وقد منح اللَّه هذا النَّجلَ السَّعيدَ الانخراط في سلك الفقهاء والعلماء، ليجمع له الأشياء المختارة. ثم ذكر سنده بالكتابين. قال: وقد سمع "الألفية" القدماء مِنْ شيوخنا ومَنْ قبلهم على العلَّامة شيخ النحو أثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي، نزيل القاهرة، بسماعه لها على الشهاب محمود، أحد من رواها (¬3) لنا عنهم التنوخي، عن ناظمها، فمنهم ممَّن لم ندركه قاضي القضاة البهاء محمد بن عبد البر السُّبكي، الشهير بأبي البقاء، ومنهم قاضي القضاة بهاء الدين محمد بن عقيل، ومنهم ممَّن أدركناه: شيخ النُّحاة شمس الدين محمد بن محمد ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (أ). (¬2) في هامش (ط): أما جده لأبيه, فصلاح الدين ابن الصاحب بدر الدين ابن نصر اللَّه، إلى كل منهما كتابة السر. (¬3) في (ط): روى.

الغماري، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، فكان من يرويها عنِّي من حيثُ العدد يرويها عَنْ هؤلاء، لأن بينهم وبين النَّاظم اثنين، وكذلك بيني وبين النَّاظم اثنان. ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء. ثم أذِنَ له أن يرويَ عنه جميعَ ما ألَّفه في الفنون العلمية والأفنان الأدبية، وسَرَدَ شيئًا منها. إلى أن قال: واللَّه أسألُ أن يقرِّبني وإياه إلى العمل بما يزلف (¬1) لديه، وأن يتطول بكرمه على تقصيري يوم العرض عليه. ومنه لابن أسد: أما بعد، فقد عرض عليَّ الشابُّ النَّجيبُ السعيدُ الحُفَظَةُ المجيدُ، الزكي الذكي، الأثير الأثيل، الباهر الماهر، البارع الفارع، اللبيب الأريب، النجيبُ الأديب، النَّقي التَّقي، الجليلُ الأصيلُ، الملحوظُ بعين العناية، بدرُ الدين، المحظوظ مِنَ الفهم والدراية, المحفوظ مِنْ ربّه بالوقاية، أبو الفضل محمد، ولدُ الشيخ الإمام العلَّامة، البحر الفهّامة، إمام الإقراء، وفخرِ الفقهاء، وفارسِ العربية، والقائم بالقواعد الأصولية، شرف العلماء، أوحدِ الفضلاء، مفتي المسلمين، أقضى القضاة، شهاب الدين. . . . إلى أن قال: واللَّه أسال أن يبقيه ليصير مدرسًا لما كان دارسًا، وأن يرزقه رُتب المعالي قائمًا وجالسًا، وأن يسقيه مِنْ رحيق المعاني كؤوسًا رَوِيَّة، ومِنْ حقيق الأماني ما يوافق الصَّوابَ بديهة ورويَّة، ولا بَرِحَت سهامُه من الفضائل موفرة مِنَ القول الأشدّ والرأي الأسَدّ، إلى أن يحقِّقَ قولَ المثل السائر: "هذا الشبل من ذاك الأسد"، وأذنت لوالده أن يدرِّس في الفقه والعربية وغيرهما ممَّا حصَّله بجدٍّ واجتهادٍ، وساوى به (¬2) كثيرًا ممَّن أكثر التطواف في البلاد. . . إلى أن قال: وقد كثر حضور مجالسي في الإملاء، ودروس الحديث ¬

_ (¬1) في (ط): "يزلفه". (¬2) في (أ): "فيه".

[إجازات ابن حجر]

والفقه والتفسير، وما زال يبدي في (¬1) جميع ذلك الفوائد ويعيد، فاستحقَّ أن يُدرج في سلك مَنْ يُدرِّسُ ويفيد. واللَّه يمتع بحياته، وينفع ولده ببقائه، ويزيد في ارتقائه. انتهى. وقد تبعه في إيراد المثل السائر لهذا العارض القاضي ولي الدين البلقيني نقلًا له ممَّا كتبه له صاحب الترجمة حيث عرض عليه كما أسلفته (¬2). ومنه في عرض مواضع من الكتب العلمية والفنون الزكية من الفقه والأصول والأنواع الحديثية والقراآت (¬3) والعربية عرضًا عن ظهر قلبه أبان فيه أن يده في الحفظ طولى، وكلَّما انتقل مِنْ فنٍّ شريف إلى فنٍّ أشرفَ منه تلا عليه لسانُ الحال: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى}. وقد أذنت له -أعانه اللَّه على فهم معانيها، كما يسَّر له حفظ مبانيها- أن يروي عنِّي كلَّ ما يجوزُ عني روايته مِنْ مسموع ومجازٍ ومجموع، فلقد أنشأ معالمَ الحفظ بعد الدُّثور، ونشرَ لاستظهار العلوم لواء مجد لا يُطوى إلى يوم النُّشور. فاللَّه المسؤول أن يُسهِّل له أموره الدنياوية والأخروية، ويعينه على الإفادة التي تحصل له السعادة الأبديّة. ومنه في عرض: قوله: عرضًا تقدم فيه على الشُّيوخ فضلًا عَنِ الكهول، بحيث أذِنَ بأنه إذا بلغ سنَّ التمييز، شهد الحال بأنه تفتح له بالارتفاع على الفحول، متع اللَّه تعالى كلًّا من الولد والوالد بحياة الآخر، وأبقاه وأقرّ به عينه ورقاه. [إجازات ابن حجر] ومن الثاني: ما كتبه في إجازة الكلوتاتي، حيث قرأ عليه "علوم الحديث" لابن الصلاح، ففال: إنه قرأه قراءة بحث وعرفان، وإفادة وإتقان، [ومعرفة ¬

_ (¬1) في (ط): "من". (¬2) ص 749. (¬3) في (ب): "القرآن".

وإيقان] (¬1)، وازدياد من المعارف، واعتياد بإبداء اللطائف، وتنويهًا بقدر إخوانه في الطلب، بل المستفيدين منه فيما يُزلف مِنَ القُرب، وهو في حَيِّز مَنْ يدرس الكتاب المذكور فيجيد، ويبدي الفوائد الفرائد ويعيد، ويقتنص الشوارد والأوابد كما يريد. إلَّا أنه -أعزَّه اللَّه تعالى- أراد بقراءته عليَّ إظهارَ معارفه لديّ، وما عَلِمني غير ما القلب عالم، وما تركتني مباحثه السنية ألا أهيم مع كل هائم. وقد أذنت له لالتماسه ذلك، لا لأنِّي أستحقُّ أن أعد فيمن هنالك، أن يُقرىءَ الكتاب المذكور وغيره من علوم الحديث، ويفيده لمن يراه أهلًا بسعيه الحثيث. واللَّه أسال أن يديم النَّفع به، ويوصل أسباب الخيرات بسببه، وكان ذلك في مدَّة آخرها في شهر رجب سنة عشرين وثمانمائة. ولقَّبه في صدر الإجازة بالشيخ الأمام العالم الفاضل البارع الكامل، مفيد الطالبين، صدر المدرِّسين، جمالِ الحفَّاظ المعتبرين، بقيَّةِ السَّلف المتفنِّيين، خادم سنة سيِّدِ المرسلين، زاده اللَّه مِنْ فضله، وجمع له بين طلِّ الخير ووَبْلِه. ومنه للمذكور أيضًا، حيث قرأ عليه قبل ذلك "الاقتراح" لابن دقيق العيد، فقال: قراءة بحث وإتقان, واستفادة واستيقان، يفيد أضعاف ما يستفيده، ويبدي المباحث الدَّقيقة والفوائدَ الجليلة ويعيد، وقد التمس منِّي أن أُجيز له إقراءه ونشره وإفادته وذكره، فأجبتُه إلى سؤاله بعد لا ولا، وأسعفتُه بطلبَتِه لِمَا أتحقَّقُ مِنْ صدق غرضه آخرًا وأوَّلا. وكيف يسوغ لي أن أبادر إلى إجابة مَنْ حقُّه أن يكون مقَّدمًا على كلِّ مَنْ يُجيز، وكيف أقابل حصى منثوري بمُرجان فوائده الفائق على الإبريز، لكن سمعت منه، فسمعتُ له، وأهَّلني للقراءة عليَّ، فأجزت له، فاللَّه تعالى يستر عوراتِنا، ويؤمن روعاتِنا بمنِّه، في جمادى ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ).

الأولى سنة ثلاث عشرة (¬1) وثمانمائة بعد أن وصفه بالأخ في اللَّه تعالى، الشيخ الإمام العالم الفاضل الكامل الأوحد المحدّث، مفيد الطالبين، عُمدة المحدِّثين، جمال الكَمَلة، القُدوة المحقِّق. أدام اللَّه به النفع، ووفقه في أموره كلِّها في حالتي الخفض والرفع. ومنه - وقد سمع عليه الجمال البدراني "شرح النُّخبة": أما بعد، فقد سمع مني جميع هذا "التوضيح"، وبَحَثَ فيه بَحْثَ مستحضر مميِّز بين السَّقيم والصَّحيح، صاحبُه الشيخ الفاضل البارع المتفنِّن (¬2) الأَوحد، جمال الدين المسمَّى أعلاه، حفظه اللَّه من الأسواء وحماه، وقد أذنت له أن يفيده لمن أراد، ويبدي خبايا زواياه لمن درَّس أو أعاد، ويستعين في تحرير ما يحتاج إلى تحريره باللَّه ربِّ العباد. وكتب لابنه أنه بحث فيه مباحث مفيدة، وأبدى فيه فوائد جديدة، تنبىء عن استعداد تام، ونظرٍ سالم من الذَّامّ، فكان فضلُه بين أقرانه كالنَّار على علمَ، واستحقَّ أن يقال في حقه: (ومن يشابه أبَه فما ظلَم). وقد أذِنْتُ له أن يرويه عنِّي ويفيده لمن يستحقُّ الإفادة، سائلًا له مِنَ الرَّبِّ الكريم الحسنى وزيادة. ومنه، وقد استدعى الإجازة منه العلامة المحب بن الشحنة في سنة ثمانٍ وعشرين وثمانمائة، قائلًا: المسؤول مِنْ صدقات سيدنا ومولانا الشيخ الإمام الحافظ العلامة، حافظ الإسلام، مفتي مصر والشام، قُدوةِ الحفَّاظِ والمحدثين، أبي الفضل شهاب الدين، قاضي قضاة المسلمين، أمتع اللَّه بحياته الكريمة، وأسبغ عليه نعمة العميمة، وأنشد: وإذ عاقتِ الأيَّامُ عَنْ لَثْمِ تُربِكم ... وضَنَّ زماني أن أفوزَ بطائلِ كتبتُ إليكم مستجيزًا لعلَّني ... أبلُّ اشتياقي منكمُ بالرَّسائلِ ¬

_ (¬1) في (ب): ثلاث وعشرين. (¬2) في (ب، ط): "المتقن".

فقال: أجزتُ لمن ذُكر في هذا الاستدعاء، وأوَّلُهم مَنْ سطره، وحرَّر المطلوب منهم وحبَّره. . . . إلى أن قال: فأمَّا المسموعُ، فنازل الإسناد، حديثُ الميلاد، وأمَّا المجاز، فما جاز تاريخ السماع، ولا وصلت به النفسُ إلى بعض ما يسكن عنها لاعِجَ الأطماع، وأمَّا المجاميع، فهي كالياسمين لا تساوي جمعها، ولولا باعث حبٍّ فيمن نُسب إليه الفن، لم استحسنتُ وصلها، ولأوجب على سلوك الأدب قطعها. . . إلى أن قال: وبعد هذا بقليل رُفع الحجاب، وفُتح الباب، وأقبل العزمُ المصمِّم على التحصيل، ووفقت للهداية إلى سواءِ السَّبيل، فأخذتُ عن مشايخ ذاك العصر، وقد بقي منهم بقايا، وواصلت الغدوَّ والرَّواح إلى المشايخ بالبواكر والعشايا، إلى أن حصل استيعابُ ما أمكن بالدِّيار المصرية، ثم بعد سنوات وقع الرحيل إلى البلاد الشامية، ووقع العزم على الرحيل إلى البلاد الحلبية، فعاق المقدور، وعلى كل خير مانع. . . إلى أن قال: ملتمسًا مِنْ كلِّ منهم الإمدادَ بالدَّاعوات الصالحة التي تستمر غادية عليَّ بنفحة طيبة ورائحة، وعلى اللَّه القبول، وهو منتهى الأمل والسول. ومنه على إستدعاء بخط [النَّجمي يحيى] (¬1) بن حجِّي: أجزت لصاحب هذا الاستدعاء صدَّق اللَّه تعالى فيه فال تسميته، وقرن حياته بدوام عافيته، وبلوغ أمنيته، وجعله في حرزِ فضل سمِّيه، ووقاه كلَّ ما يسوؤه مِنْ تحته وفي يديه (¬2). إلى أن قال: واللَّه تعالى يُسبغ عليهم نِعَمَه تترى، ويلطف بهم بدوام العفو والعافية في الدنيا والأخرى. ومنه علي "ثبت" ببعض الأسمعة للشيخ البدر أبي السعادات البلقيني، فقال -وأرَّخه في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة-: ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب، ط). (¬2) كذا كانت العبارة في (ح)، ثم عدلها الناسخ، فأصبحت ". . . ينسبوه من نجيّه وفي ندّيه".

أجزت للولد العزيز الأصيل، الذي فاق أقرانه نظرًا وفهمًا، وشبا (¬1) أشياعه معرفة وعلمًا، وارتقى في حسن التصوُّرِ إلى المقام الأسنى، وفاق في حُسنِ الخَلق والخُلق، حتى استحقَّ المزيدَ مِنَ الحُسنى، فهو البدرُ المشرق في ناديه، ومفخَرُ أهلِ بيته حين يقصِدُه المستفيدُ ويناديه، ومحيي سُنن سلفه في العلوم الشرعيَّة بشهادة سنان اللسان والقلم، وحامل لواء الفنون الآلية، بحيث ضاء ذهنُه كنار على علم، وصار أحقَّ بقول من قال: (ومن يشابه أبه (¬2) وجدَّه فما ظلم). أسعد اللَّه جِدَّه، وتغمد بالرحمة جدَّ أبيه وجدَّه، وأقرَّ به عين أبيه، وأبقاهما ونزههما عَنْ كل سوء ووقاهما. وأذن له أن يجيز عنه مَنْ يرى أن يجيزه مِنْ قريب وغريب، على مذهب مَنْ يرى ذلك مِنَ العلماء. قال: واللَّه أسألُ أن يعينَنا جميعًا على القيام بما كلفنا مِنْ سُنَّةٍ وفرض، وأن يتطوَّل علينا بكرمه يوم العرض. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "شابي". وشبا: علا, أي، فاق أصحابه. (¬2) "أبه" ساقطة من (ب).

الفصل الثالث في رسائله وخطب كتبه

الفصل الثالث (¬1) في رسائله وخُطب كتبه (¬2) [رسائله:] فمن الأول: ما كتب به (¬3) لبعض أخصَّائه وقد حصلت له حكَّة: أشكو إلى اللَّه مِنْ هذا الزمان ومِنْ ... هذا السُّقام الَّذي قد حلّ في بدني رق العدوُّ بمَا قاسيتُه ورثى ... وما رثى لي سقامي بل ولا زمني سطَّرها المملوك، لا برح مولانا في عافية غير عافية، وصحة مِنْ نحو الأمن كافية شافية، وحماه من موادِّ الأسواء، وسقاه نَوْءَ الشِّفاء، فهو مِنْ أعذب الأنواء، وذلك بعد أن حصل في قبضة الكُرَب، ووقع بيديه ورجليه في شباك الجَرَب، يَثنِيان عنه طرف الصِّحَّة كف، وعن خاطر كانت رقته وصفاؤه في ماء ونار، والآن قد نشرهما السُّقم في جسمه ولف، وصار يُدعى المُحبَّب، وأقبح إليه التعبير (¬4) بهذا المعنى القبيح في ذلك اللفظ ¬

_ (¬1) بياض في (ب). (¬2) في (ب): وخطبه وكتبه. (¬3) في (ط): ما كتبه. (¬4) "التعبير" ساقطة من (ب).

الحسن، وأوجب سقمه على خده فَرْضَ الدمع من بعد أن حرّم على جفنه وسَنّ، وأنشد سقمه العافية الذاهبة: ما كان يَغدُوكَ المُنى ... لو قيل يومًا تَمَنْ وحبته الأسقام بحبّات قلوبها، وألحقته سماء الأمراض بنجومها المشرقة في جسمه، فمتى أوانُ غروبها؟ ولقد لقي من حَرَبِ هذا الجَرَبِ شرَّ نصب، ووجد لما سكب في جسمه الماء مِنْ نار حشاه وصبّ، ومضى عنه جوهرُ العافية بهذا العَرَضِ وذهب، واستيقظ له نائمُ سُقَامه، فأهدى لقلبه الأسى ولجسمه السقام وهَب، ولقد أحجم مِنْ بعد الإقدام، وصار كفُّه من ناره في إسراج، ولسُانه عن عنان القول في إلجام، وزاد على عامَّة الأطباء حقدًا، ويصفون له التداوي بالكبريت، ولا يظنُّه يزيدُ النَّار إلا وقدًا، ومذ رأى جسمه معمرًا بالحبِّ، علم أنه مخرَّب، وحين دخل مِنْ باب الحكّة. أيقن أنه مجرَّب، ومع هذا، فالمملوك لا يشتكي إلا إلى اللَّه عز وجل، وإن وجد قلبه مِنْ صبره لما عزَّ وجلّ. ولا يُنكر سيدنا ما تقدم مِنْ هذا الهذيان، فإنه هِجِّيرُ السَّقيم، وُيسبل عليه سِتر حلمه، فما يغطي على جهل الجهول سوى حلم الحليم، ويتصدق مع حاملها بالمجموعة المجديّة، فقد صبر عنها ما كفاه، ولا يشكُّ أن في مطالعتها عافيته، لما اجتمع (من الثناء) (¬1) عليها من ألسن وشِفاه، لا برح له في دعاء المولى إلى العافية خير سبب، ولا زال مولانا كنزًا لجواهر الأدب يستغني به إلى أن يستغني عن الأدب. ومنه ما كتب به للمجد ابن مكانس مع قصيدة سينية: يقبّل الأرض، وإن كان لا يُقنعه (¬2) إلا مِنْ قُربٍ ذلك التقبيل، ويواصل بالأدعية الصالحة، وإن لم يكن مِنْ أهل ذاك القبيل، ويُنهي أنه ¬

_ (¬1) ساقطة من (ب). (¬2) في (ط): "يرضيه".

سطر في مدح المخدوم قصيدةً مقرَّة عند صدورها بالعجيم والتقصير، ملتثمة بالحياء تمشي على استحياء، وصاحبها لما نزل عليه من الأجوبة الغنية فقير، وهي جارية يتيمة، سمّاها شرف انتمائها جوهرة ورقيقة الألفاظ، ولسعادة مَنْ نُظمت فيه، أمست محرّرة، والمسؤول إسعادُها بالنَّظر إليها، وإسعافُها بالوقوف عليها، لا زال المولى واسع الصدر لمن ضيَّق عليه مِنْ صغار المتأدبين، ولا برح ممدَّحًا بسائر اللغات، حتى على رأي العوام بالسِّين. ومن رسائله: رسالة في مكدي، منها: وتناول لقوس قامته وتر العصا، وأطاع شيطانَ هواه ولربه قد عصى، وفرَّغ في الملأ سهام إساءته الوافرة وأنفذها، وقرّب كلماته السَّخيفة إلى الأذهان، وهو عن الصواب أبعدها، وسنَّ سيفَ لسانه للكُدية وشحذ، ورمى الحياء وراء ظهره ونبذ، ورافق المُكدين وماشى، وأجدب وجهه لمّا عدم ماء الحيا فصنع ما شا، فكم أخطأ طريق الصواب، واعتمد (¬1) على التمسُّك بحبال شمس الكُدية، وهى مِنْ أوهى الأسباب، فهو في الضَّعف والدناءة والجرأة والقُبح والخلاء كالذُّباب. ومنها: من رسالة أولها: يقبّل الأرض التي (¬2) أشرق نورُها، وتضاعف عبدُها من الحزن لبعدها (¬3)، فتضاعف عندها بقُربه سرورُها، ويُنهى ثناءه الذي حفظ طيه فضاع وكتمه عن الحاسد، وإخفاءُ الشمس لا يُستطاع، وشوقه الذي كلَّما تبلَّد بالبُعد خاطره، ذكت ناره، ودمعه الذي ساحله بالبحر فاحترق، وأنفاسه دخانه، وتساقطُ جمرات الدموع شرارُه. منها: وودَّ المملوكُ لو كان عِوَضًا عَنْ هذه الضَّراعة التي قصَّرت لدى الحضرة النُّورية التي أشرق نورها وتضوّع زهرها، فهي على الحالين نوَّرت، وتيمَّم صعيدًا طيّبًا، فإنَّ ماء الفضل في مصر معدوم، وأهلُها أقربُ النَّاسِ ¬

_ (¬1) في (أ): "واعتمدت". (¬2) في (ب، ط): "الذي". (¬3) في (ب، ط): "لبعده".

لجهل معلوم، واللَّه يحقّق هذا الأمل، ويتبع صحيح النِّية بحُسن العمل. ومنها من أخرى يشكو فيها خمول فن الأدب، ومُضيَّ العُمر في التَّعازي والتهاني: وضيَّع المملوكُ جواهرَ كَلِمِه في مدح الأعراض، وكيف لا يضيعُ الجوهر في الفاني، وقد أقسم صدر قلمه أنه لا يعود في العقد بسحر البيان (¬1) نفَّاثًا، وطلّق أبكار هذا الفن الذي لا يلتفت إليه أحدٌ ثلاثًا. ومنها من أخرى إلى بعض الأصحاب: وأدِم السُّرور والشُّرب، فالنفس ما تُسَرُّ (¬2) إلَّا بالمُدام، وبادر إلى الصَّبوح قبل أن تَفُكَّ يدُ الصَّباح أزرارَ النُّجوم مِنْ غُرى الظلام، وعاشِرِ الأفرادَ بوصل الخُماسيات مِنْ أقداح الرّاح وقدودِ الملاح، واطَّرح رداء الاحتشام بعقلٍ مزال (¬3) وجدَّ مزاح حتى ترى ثعلب الفجر وقلبه يخفق خوفًا من بُزوغ الغزالَة، والعاشق واصَلَ سَقْيَ محبوبه ولم يخشَ صدّه وملاله. ومنها: وَصِل مَنْ قطعت مِنْ غُرر أحبابك ودُرر حبابك، وكمِّل بالحضور تَرَحَ أعدائك وفرَحَ أصحابك فقد مَسَحَت راحةُ الثُّريَّا جفون النّدامى مِنَ المنام، وهبُّوا لشأنهم على العادة وقت الأذان، والسلام إن شاء اللَّه تعالى. ومنها استدعاء للقاضي بدر الدين بن الدماميني: الحمد للَّه مجيب الدَّاعي أن رأى المخدوم ثبَّت اللَّه أحكامه، وأعلى في الخافقين أعلامه، ما طلع بمصر بدرٌ تراه الشهب منها أسنى، وما أنبتت راحته في رياض طرسه أغصان سطور إذا وقع فيها قلمه، قلنا: هذه الروضة الغنَّا، وما أمست محاسنُ لفظه زائدة، وأصبح في الفضل معنا حتى يعودَ به ميتُ الآداب حيًا، ويروي بفضله قارىء كلامه، فيظن أنه لثم ثغر محبوبته ¬

_ (¬1) في (أ): "اللسان". (¬2) في (ط): "ما تنصر". (¬3) في (ب): "زائل".

ريّا، ويشوي به قلب الحاسد، حتى يعود كأنَّه لم يكن شيئًا، وحتى يلتقي من بعد يأس سهيل في الكواكب والثُّريَّا، أن يتفضَّل بنقل خطاه المبرَّأة مِنَ الخطأ، الساعية لطائفة الأدب، وهي عن سواهم بطَّا، إلى منزل جاور النيل، والنيل جاري، ودرى بمحبَّتي من النسيم، فأتحفني به، فهو على كل حالٍ داري، أعين طاقاته السبع ترى مِنْ كلِّ عينٍ منها النيل، وحديثُ اعتلالِ النَّسيم منه صح، ولا شيء أحسن مِنْ صحَّة العليل. منها: والمملوك يخشى إن قصَّر في الوصف فوات ما أمَّل، ويخاف الفضيحة في آخر إن ورَّى في الوصف وأوَّل، ولولا علمه بفوائد مولانا في الإفضال، ما تجاسر على السُّؤال، وهو يتحقَّق الصَّفحَ عَنِ التَّقصير، فلا يطوّل بالمعاذير، وإن تكن الأخرى. فما احتيالي إذا خُلِقْتُ فتى ... تجري بما ساءني حكم المقادير نعم. وما أنا خاشٍ أن تخيب وسائلي ... لديك ولكن أهنأ البرِّ عاجلُهْ واللَّه تعالى يُديم بقاءه ما أُجيبَ سائل، ونسب أيده اللَّه في جرِّ ذيل الفخار في البيان إلى سحبان وائل، إن شاء اللَّه تعالى. ومنها مِنْ أخرى كتبها إلى بعض الأكابر مِنَ الصعيد: وكان المملوك أقسمَ أن لا بدَّ له مِنَ الانتقال، وسأل بعد أن أوقعه البَيْنُ في عثرته أن يقال، ولعبت به يمين النوى كما لعبت بالطَّلل ريحُ الشَّمال، وفارق ربيع الخضرة، فنومه بعدها محرم ودمعُهُ جمادى، وألبسته ليالي الفرقة السود، حين سلَّ بياضُ المشيب على رأسه سيوفًا حدادًا. ولا ينكر سيدنا منِّي التَّقصير في هذه المكاتبة، فأنا على كلِّ حالٍ مسافر، وقد نهيت عزمي عن العود للنَّوى، فقال: إني مقلعٌ (¬1) قلت: إياك ¬

_ (¬1) في (أ): "معلق"، تحريف.

أن تعود وحاذر، واللَّه المسؤول أن يسهّل المشقَّة، ويطوي هذه الشُّقَّة، فهو بتفصيل الحال عليم، وإذا انتهى الخَطْبُ الجسيم، تُوقِّعَ الفرج العظيم، واللَّه أسأل أن يقدر بخير. ومنها من أخرى: يقبِّل الأرضَ حيثُ سماء المكارم ليس دونها حجاب، ومنازل السَّعد التي لا طاقة للعُفاة بفراقها مُفتَّحة الأبواب، وخيام الفضل التي لا فواضل لها عن المجد ثابتة الأوتاد، قوية الأسباب والجبين طَلْقُ المحيَّا، واليمين ممدودة لطالب اليسار تقول: هيا، والمجد باقٍ إلى أن يلتقي من بأس سُهيل في الكواكب والثُّريَّا، وينهي وصول المثال الذي لو رآه الحريري، لعقد عليه الخناصر، لعلمه بأنه من الطراز الأول، فوقف له إجلالًا، وعليه اتباعًا لأوامره وامتثالًا، وقبل أحرفه على أنها الأسرَّة، وأسطره على أنَّها الأنامل التي تهبُ المسرَّة، وكحّل به طرفه، لأنه من النُّوراني، وروي عنه حديث المودَّة لما رآه مثبتًا، وودَّ لو أعطيَ لفظًا طائلًا، فأطاب (¬1) في وصفه وأطال، أو ذهنًا حديدًا، فقابل به ذلك الذهب (¬2) السيّال، لكن ذِهْن المملوك تبلَّد في السَّفر، مع أنَّ نيرانَ قلبه ذكيّة، ورويّته مثل (¬3) بديهته سقيمة مما قاساه (¬4) دون البريّة. . . إلى أن قال ما ختم به ما كتب به على "بديعية الوجيه العلوي" الماضي في أوائل الباب (¬5): (زال) (¬6) في سعادة لازمة له لزوم الهمزة للاستعلاء على ما ألف، وكان المبتدأ صدر الكلام (¬7)، واللام للتَّعريف بعد الألف، ودام منادي عيشه لا يُرَخَّم، وأحمد زمانه لا ينصرف، وأدام تصرُّفَه بحكم اللسان والأقلام، وخدم مجلسه الكريم بأفضل التحيَّة والإكرام، والسلام. ¬

_ (¬1) في (أ): "فأضاف". (¬2) و (¬3) ساقطة من (أ). (¬4) في (أ): "سقاه"، تحريف. (¬5) ص 724. (¬6) ساقطة من (أ). (¬7) في (ب): "الكتاب".

ومنها من أخرى: يقبِّلُ الأرض تقبيلًا هو عليه آكدُ مِنَ الفرض، ويُعربُ (¬1) عن طول الوُدِّ المبنىِّ إلى يوم العرض، وينهي شوقًا أقلق خاطره، ودمعًا أسهر ناظره، وتلهُّفًا على الحضرة التي غاب عنها، وتلهُّبًا (¬2) على الجنَّة التي خرج منها. ومنها من تعزية: عفا اللَّه عنه وسامحه, وجعل سحائب الرضوان غادية عليه بنفحة طيبة ورائحة. ومنها من أخرى: يقبل الأرضُ متلهفًا على وجودها، متأسِّفًا على مفارقة كرمها وجودها، نادبًا على نفسه، نادمًا على مرافقته غيرَ نوعه ومفارقة أبناء جنسه، وإنما يتشكّى مَنْ به رمق. ولا تحسبوا أنَّ الغريبَ الذي نأى ... ولكن مَنْ تَنْأوْنَ عنه غريبُ ومنها من أخرى: يقبل الأرض، وكيف له بذلك حقيقةً؟ وأنَّى له بالتَّمثُّل بين أيادي مخدومه الجليلة ولو قدْرَ دقيقة، ويبالغ في المدح بما لا يلقى وزيادة في نعمائه شقيقة, وينهي أنه قد فارق المخدوم قليل الصبر، بل عديمه، كثير الأرق، بل مستديمه، لا تمضي لحظة، إلا وذِكْر المولى شعاره، ولا طرفة عين إلَّا وأنيسه آثاره. ومنها من أخرى: يقبل الأرض، وكيف له بذلك؟ ومَنْ معينه على وُلُوج تلك المسالك، ونهاية مطلبه إحياء قلبه بالإقامة في الحضرة التي يأمَنُ فيها مِنَ المهالك. . . . . . . (¬3) دار الهجرة ومالك. ¬

_ (¬1) في (أ): "ويعرض"، تحريف. (¬2) في (أ، ب): "وتلهفًا". (¬3) بياض في الأصول.

ومنها من أخرى: يقبل الأرض سقى اللَّه حماها، وحمى نبتها بعين رعايته وكلاها، وجعل خادمها من سائر الأسواء فداها، وينهي ورود المثال الكريم، فوقف عليه وما وقف عنه، وأطال ظامىء نظره إليه، ولم يبلغ الرِّيَّ منه، واستشفى به مِنَ النَّسيم لجسمه الناحل، واستسقى بميمون غُرَّته في البلد الماحل، واستغنى به عن الوسْمِيِّ والولي، وارتفع به مقداره، لأنّه (¬1) أتاه من عَلِيّ. وإن لأخبارِ الأحبة فرحةً ... ولا فرحة المجهود فاجأه القطرُ ومنها من أخرى: مَنْ له بدار المولى التي كان إليها لا لها مهاجرًا، وبجامع محاسنه الأزهر الذي تسعى إليه النواظر على النواظر، وبعَروض محادثته لا عُروض تجارته التي دارت عليها الدوائر، وبكامل ودّه المثري مِنْ بحرِ كرمه بالمديد الوافر، وبإعراب فضله الذي لزم الحركات، فهو للأذهان سابح، وللهموم شافع، وللأحزان كاسر. . . . إلى أن قال: وللَّه أيام قربه ما كان أعلنها بالحُسْنِ وأسرَّها (¬2)، وليالي أنسه ما كان أحلاها وأمرّها، وما عنى المملوكُ إلا سُرعة المرور، لأن المرارة لا تُنسب إلى ليالي السرور. ومنها من أخرى إلى من يُسمَّى شرف الدين: يقبل الأرض ذات الشرف السامي، والفضل النامي، والفكرة التي إذا نظرت في بحور النظم تصيب البحر الطَّامي، والرويَّة التي تصيب الأغراض وافرة سهامها وناشرة إلى الرَّامي. ومنها ما كتب به إلى القاضي نور الدين، وهو بالقدس الشريف: ¬

_ (¬1) في (ب): "لا أنه". (¬2) ساقطة من (ب).

من سرّه وطنٌ يومًا أقام به ... فإنني ساءني من بعدكم وطني إنَّ الغريب الذي تنأى أحبَّتُه ... عن طرفه لا الذي ينأى عَنِ السَّكنِ إن كنت أذنبتُ لمّا أن أقمتُ فقد ... أسأت والعفوَ أرجو يا أبا الحَسَنِ سمَّى عليًّا كثيرٌ في الأنام ولم ... يُبْصَر سواك حكى معنى اسمه فكُنِ يقبل الأرض التي فاحت أرجاؤها وتعطرت، وأشرقت أزهاها، فهي على الحالين نوّرت، وما هي إلَّا سماءً ذات نور، وشريعة فضل شرعت للورود، فشفتِ الصُّدور، وبُيوت رُفعت بذكر اللَّه، فجزم البُلغاء أنهم عن وصفها في قصور، فواشوقاه لذاك المحلّ الأقصى، فقد مللتُ مِنْ هذا المحلّ الأدنى، وواأسفاه على فراق تلك الذات التي حوت الحُسْنَ والحُسنى، ويا صِدْقَ لفظ مَنْ قال كأنه كان حاضرًا معنا: ارْضَ لمن غاب عنك غيبتَه ... فذاك ذنبٌ عقابُه فيه وينهى أنه ما برح على وظيفة الثناء بمصر بعد رحيل المخدوم مقيم، وإلى أخباره السَّارَّة كلَّما نظر إلى نجوم دموعه الحالَّة سقيم، وقلبه مِنْ توقُّد نار البُعد في تلهُّب، ولا عجب إذا تحرّق على فراق الصَّديق الحميم. أمَّا يدُ الحزن، فإنه أسيرُها، وأمَّا كثرة الأسقام، فعنده إكسيرُها، وقد أمسى بحزن نحوك لا ينفَدُ، مع أنه لا يشتكي إلَّا إلى اللَّه علا وجلّ، "وأقام جسده بمصر، ووصلت روحه القدس" كما يقال في الفل. وكيف لا، وفي قُرب المخدوم وهو أعلى قدرًا من الرئيسين: الشقاء والنجاة، ومن التجأ إلى جنابه أتاه شرف وجاه، فهب (أن ليالي) (¬1) افتراقه عديمة السُّرور، فظلمه النواحي، ولسان حالها (¬2) يقول: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40]. وكم مِنْ شِدَّه عَظُمت وجلَّتْ ... فأفضى الأمرُ فيها للرَّجاء (¬3) ¬

_ (¬1) ساقطة من (ب, ط). (¬2) في (أ): "حاله". (¬3) في (ح): "للرخاء".

وما خطرت دواعي الشَّوق إلا ... هَزَزْتُ إليك أجنحة التَّصابي واللَّه المسؤول أن يطوي هذه الشُّقَّة بلطفه المحرر، ويسهّل هذه المشقَّة على الجملة، فهو بتفصيل الحال أخبر، ويبقى المخدوم في مسرَّة لا ينقضي أمدُها، ونِعَم لا يحصى عددُها، ولطائفَ لا ينقطع مددُها، ما رُحم غريب، واشتاق الخليل إلى بيت المقدس إذا حلَّه حبيب بمنّه وكرمه. ومنها من أخرى في جوابٍ عن لغز في "سحاب": وقفت على هذا اللُّغزِ الكريم، لا زالت أيادي منشئه ممطَّرة بالمعاني العِذاب، وساكنة إلى يوم ترى الجبالَ تحسبها جامدةً، وهي تمرّ مرَّ السحاب، وأطال بقاءه ما غنَّت حمامة، ونُسِجَت عمامة، فوجدته كريمًا في أصله، وإن رُخِّمَ بتحريف كان مصدر فعله، وإن حوّل ثانيه أولًا وصُحّف، كان قلبه، وهو الطهور نجسًا، وإن ترك على حاله، صار إذا نشأ عنه ضحك الرياض معبسًا: يبكي ليضحك نورُهُنَّ فيا لَهُ ... ضحكًا تولَّد عَنْ بُكاءِ سحابِ وانتهيتُ بالقراءة إلى آخره، وإن كان فضل صاحبه غير متناه، ونبَّهني منهاج فضله تنبيهًا (¬1)، فقرأت كتاب الطهارة باب المياه، وتأمَّلتُ خطَّه، فرأيته إذ فاق في الكتابة آتاهُ اللَّه فنَّ البلاغة بغير حساب، ولمّا رأيتُ الغيث يهمي مِنْ أياديه، عرفتُ أنَّها هي السَّحابُ، واللَّه يحيي هذا المولى لهذا البحر، يجني مديده وطويله، ويسعد الدَّهر الذي نشأ فيه هذا الأصل (¬2)، حفظ اللَّه منه اسمه ونسبه شمسه وأصيله، إن شاء اللَّه تعالى. ¬

_ (¬1) في (أ): "بينهما". (¬2) في (ح): "الأصيل".

ومن الثاني - أعني خُطَبَ كُتبه قوله في خطبة كتاب "اختار دمية القصر" للباخرزي: أما بعد حمدِ اللَّه الذي جعل لنا عن مريض المقال حِمية، وأهدى لنا أبكار المعاني، فانتخبنا منها هذه الدُّمية، وصلى اللَّه على سيدنا محمد الذي أُوتيَ جوامع الكَلِم، وعلى آله وصحبه الذين رُوِيَ في فضائلهم ما شُهر كالنجوم وعلم. . . إلى أن قال: عفا عنه وسامحه، وجعل سحائب الرضوان غادية عليه بنفحة طيبة ورائحة. . . حتى قال: وأسقطت ذِكرَ الرجل إن كان شعره نازل (¬1)، ولم ألتفت لتهويل المؤلف في ترجمته إن كان كلامه غير هائل. ومنه خطبة كتاب "الضوء الشِّهابي": أما بعد حمدِ اللَّه كما أمر على ما علَّم، وصلى اللَّه على سيدنا محمد الذي أنقذ به من العذاب وسلم، فقد أمر مَنْ طاعتُه حتْمٌ، وأمرُه المرفوع على الرؤوس جَزْم، أن أجمع له ما جَنَتْهُ يد فكري القصيرة مِنَ الزهور، وأُوردَ له ما شفيت به مِنَ المعاني القليلة الورود الصدور، وأختار ما فرطته سهامُ الرَّويَّة مما رميت به عرض الفكاهة، وإن كنت أبعدت مرماها، وأهدي إليه مِنْ بطون الأوراق عراثس أنتجتها بناتُ القريحة التي اسمها عين مسمَّاها، فأنتهيتُ إلى أمره المتعالي، وانتهيت عن خلاف رأيه الغالي، ورقمت طُرُزًا مذهبة، يتلثم الزَّهر خجلًا منها بالأكمام، وجعلتُ طاعته العمدة في بسط العذر، إذ لم يكن لي بعصيانه إلمام، فأتيت ما حَسُنَ صنعُه، ورفعت إلى حضرته العالية ما شُكِرَ وضعُه، مع أني أتطفل على مشايخ هذا الفن أن يهبَ كلُّ منهم على ¬

_ (¬1) كذا في الأصول، والصواب: "نازلًا".

أغصان هذه السطور الموائد مِنَ القبول نسيمًا، وأن يعيرها إذا بدت منها هفواتُ الصِّبا طرفًا حليمًا. ومنه خطبة مجلد من "تذكرته الأدبية" فيه مختارهُ مِنْ نظم البرهان القيراطي ونثره: أما بعد حمد اللَّه الذي زيَّن سماء الأدب بمطلع النَّيِّرين، وجمَّل بكلمات البرهان الباهرة كلَّ معاند، فكان في مصر صاحب الصِّناعتين، وصلى اللَّه على سيدنا محمد الذي أوتيَ جوامع الكلم، وعلى آله وصحبه الذين رُوي في فضائلهم ما اشتهر كالنجوم وعلم وسلم. فهذا الجزء السادس والعشرون (¬1) من كتاب "التذكرة"، ابتدأت فيه بانتخاب "ديوان العلامة برهان الدين القيراطي الشافعي". وساق نسبه ومولده ووفاته، رحمه اللَّه وعفا عنه وسامحه، وجعل سحائب الرَّحمة غادية عليه بنفحة طيبة ورائحة، فانتدبتُ لانتخابه كما يجب، ومشى قلمي في طرق نظمه ونثره غير مضطرب، ورتبتُ ما انتخبتُ على الحروف، ليسهُلَ تناوله، وكتبتُ مِنْ ذهب ألفاظِه وجواهرِ معاشيه ما ينمو به للقيراطي عنه حاصله، ولعلَّ فيما تركتُ خيرًا مما كتبتُ، لأني قبضت يدي عن الإكثار، وهذا ممّا يبسط اعتذاري، ومشيتُ في انتخابه على قدر اختياري، واللَّه الموقق. وخطبة آخر فيه "مختاره" مِنْ شعر المتقدمين: الحمد للَّه الذي حسَّنَ لكل مختار مذهبًا، وصلى اللَّه على أشرف المرسلين محمد المجتبى، وعلى آله وسلم. . . إلى أن قال: وهذا الاختيارُ لا ناقةَ لي فيه ولا جمل، ولا قول (¬2) ولا ¬

_ (¬1) في (أ): "والعشرين"، خطأ. (¬2) في (ط): "قوة".

عمل، وإنَّما جمعتُ بفصِّه، وكتبتُه بنصِّه مِنْ كتاب "مطلع الفوائد" لخاتمة أهل الأدب جمال الدين بن نجاتة، فقد إقتصرت عليه، وجنحتُ إليه. ثم قال: إنه زاد على ما اختاره الجمال، لا أنه مستدرك عليه، بل (للناس فيما يعشقون مذاهبُ). وخطبة آخر: أما بعد حمد اللَّه على مجموع إحسانه، وصلى اللَّه على سيدنا محمد الذي أجرى الحكمة على لسانه، وعلى آله وسلامه. ومن خطب استدعاءاته، ولم أظفر منها الآن بما يناسب عَلِىَّ مقامه، لينتفع بذلك من يَروم كتابة استدعاء: الحمد للَّه رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الهادي مَنْ شاء إلى الصراط المستقيم, والدَّاعي إلى القيام بدينه القويم، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، رب السَّماوات والأرضين (¬1)، ومَنْ فيهما مِنَ الإنس والجنِّ والملائكة المقربين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله إلى الخلق كافة، يدعوهم إلى الهدى المنير والحقِّ المبين. صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. وفي خطبة أخرى: واللَّه سبحانه وتعالى المسؤول أن ينفع بذلك، وأن يُشرِقَ أنوار علومهم إذا أظلم جُنحُ الجهلِ الحالك، وأن يجعلهم نجومًا يهتدي بها إلى الطريق القويم كلُّ سالك. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): و"الأرض".

الفصل الرابع في المقترحات والمطارحات والألغاز البديعة الإيجاز

الفصل الرابع في المقترحات والمطارحات والألغاز البديعة الإيجاز [المقترحات] فمن الأول: ما اقترح القاضي شهاب الدين المحلي عليه وعلى الشَّيخ غياث الدِّين ابن خواجا أن ينظما له في عشر درج عشرة أبيات في مدح مكة، والتشوُّق إليها في أصعب وزن ورَوِيِّ، فاتَّفق رأيُ مَنْ حضر أنَّ ذلك يكونُ في المديد، والرويُّ ظاءً منصوبة، فقال صاحب الترجمة: إنَّ بيتَ اللَّه مَنْ حلَّ فيه ... مُحرِمًا يلقى الأماني ويحظا حبَّذا ذاك المقام مقامًا ... قد كَفَتْ رؤيته لي وعظا وهبَ اللَّه الذي قد أتاه ... مِنْ شرور الخلقِ أمْنًا وحِفْظًا خيرُ دارٍ جاء منها رسولٌ ... لم يكن للصَّحبِ في الخلق فظًّا رَبِّ قرِّب للحجازِ وُصولي ... إنَّ لي يا سيّدي فيه حظّا أُمَّ بي أُمَّ القُرى فهي عَيْنٌ ... بالهُدى للقاصدي اللَّهِ يقظى ولهم منها الرِّعايةُ لمّا ... لحَظَتْهُمْ بالعناية لحظَا إنَّ مَنْ كان بها ذا غرام ... ليس يَصْلى قطُّ نارًا تلظَّى

طابَ مَدْحي في ثنائي عليها ... حبَّذا ذاك معنَى ولَفْظَا سَعْدُ نظمي كون مدحي لها ... يا سَعْد في صَعْبِ القوافي كالظّا وقال الغياث (¬1) المذكور: إنَّ بالبيت العتيق اعتيادي ... مِنْ لَظى هجر به أتلظَّى وإلى حِفْظِ الوِداد اعتنائي ... حفظ ودٍّ ساء أو دام لفظا رقَّ قلبي مِنْ غليظ جفاءٍ ... أتُراه هل يرفُق غِلظا مِنْ دموعي قد غدا القيظُ بردًا ... ومِنَ انفاسي ترى البرد قيظا لستُ ممَّن للملامة يُصغي ... لائمي مُتْ -لستُ أرجِعُ- غيظا ومتى أدعو بصدقِ صفاءٍ ... رمتُ أني لو بمروة أحظى وأُناجي اللَّهَ في حجر إسماعيل ... فيما نابني منه وعظا والتزامي ذيلَهُ بمقامٍ لم يخب ... داع وإن كان فظَّا وبالأركان اليمين بأني ... لستُ أخفي مِنْ ثنائك لفظَا وأُعيذُ الحسن منك بحفظ اللَّه ... ربِّ راحمٍ جلَّ حفظا ومنه، وقد اقترح خمسةٌ ممَّن ينظمُ الشِّعر اجتمعوا بالطُّور عند توجُّه صاحب الترجمة إلى اليمن في سنة تسع وتسعين وسبعمائة- هم: صاحب الترجمة، والنَّجم محمد بن أبي بكر المُرجاني، والصَّلاح خليل بن محمد الأقفهسي، والرَّضيُّ أبو بكر بن أبي المعالي، والشَّرف- إنشادهم بيتًا بيتًا على الفور، آخرُ كلِّ بيتٍ أوَّلُ البيت الذي يُنشده الذي يلي المنشد، فتحصَّلَ لصاحبِ التَّرجمة ممَّا نظمه بديهةً في ذلك المجلس هذه الأبيات: أهوى هواك ودعه لا ... يُبقي عليَّ ولا يَذَرْ نام الخَلِىُّ ولم أنمْ ... والعِشقُ أيسَرُه السَّهَرْ ¬

_ (¬1) في (ب): "الغيث".

لاموا المُحِبَّ وما دَرَوْا ... أنَّ الهوى سَبَبُ الظَّفَرْ رُحْ يا عذولُ (¬1) فإنَّ في ... حالِ المتَيَّمِ معتَبَرْ بان الحبيبُ وقد صَبَا ... قلبي إليه وما صَبَرْ نجمٌ يروقك بالضِّيا ... وفي الحَشَا منه شَرَرْ تمَّت مَحاسِنُ وجهِهِ ... والبَدْرُ ينقُصُ إن سَفَرْ قَمَرَ العُقولَ بحُسنِهِ ... مِنْ أجل ذا قالوا: قَمَرْ أبكى ويغدُو ضاحكًا ... كالبَرْقِ عُقباه المَطَرْ لا بدَّ لي منه خيا ... لَا غابَ أو شَخْصًا حَضَرْ (¬2) كم لي ربيعٌ بالحبيبِ ... وطَيْرُ أسعدِنا صَفَرْ كان العَذُولُ يلُومُني ... فمذِ انْجلى بَدْري عَذَرْ للَّه مَجْلِسُ لَذَّةٍ ... فالأنْسُ فيه مُدَّكَرْ فمُدامُنا رَقَّت كما ... رقَّ النَّسيمُ مِنَ الكَدَرْ والنَّهْرُ يخفِقُ قلبُه ... فرحًا بقَدِّكَ إنْ خطَرْ والطَّيْرُ إذْ غَنَّا حبانا الـ ... ــــغُصْنُ منثُورَ الزَّهَرْ لا تَبْقَ لذَّةُ ساعةٍ ... تأتي كَلَمْحٍ بالبصرْ (¬3) واصْبِرْ لكَيْ تحظى فما ... صَبَرَ امرؤٌ إلَّا قَدَرْ وإذا دنا منها الثَّوى ... فالرَّبُّ أولى مَنْ غَفَرْ وقد أسقط منها ما لم يرتضه الناظم. ¬

_ (¬1) في (ب): "عذولي". (¬2) في (أ): "خطر". (¬3) في (ب): "للبصر".

واجتمعوا أيضًا على النظم بديهةَ في قافية النُّون مِنَ الوافر، فقال شيخنا: جُنوني في محبَّتِكُتم فنونُ ... وقصدُ سواكم ما لا يكونُ فقال النَّجم المُرجاني: ولم أُضْمِر سُلوًّا عَن هواكُم ... لأنَّ وِدادَكم عندي كمينُ فقال الأقفهسيُّ: وعُذَّالي تحَرِّكُني لأسلُو ... حبيبًا في الفُؤادِ لَهُ سكونُ فقال شيخنا: وكم لي في هواكم مِنْ شُجُونٍ ... حديثُ محبتي فيها شجونُ فقال الأقفهسيُّ: على أنِّي وإن بَعُدَ التَّلاقي ... مُحِبٌّ لا أمين ولا أخُونُ فقال الرَّضيُّ: وكم أضْمَرْتُ في قلبي هواكم ... زمانًا والدموع له تُبينُ فقال الشَّرفُ: وكم يَسْعَونَ في تَلَفِي لأنِّي ... محِبٌّ لا تغيِّرُه الظُّنُونُ فقال شيخنا: وعُذَّالُ المحبِّ على هواكم ... لهُمْ دِينٌ وللعشَّاق دِينُ فقال: المُرجانيُّ: وكم سهرت عُيوني في هواكم ... وقد نامت لعُذَّالي عُيونُ

فقال الرَّضيُّ: وما أدري أغيٌّ أمْ رشادٌ ... جفاكم والهوى داءٌ دفينُ فقال الشَّرفُ: نُجومُ اللَّيلِ تشهَد أنَّ دَمعي ... غزيرٌ والدُّمُوع لها شؤونُ فقال شيخُنا: فدمعي بعد عِزَّتِه مَهينٌ ... وجِسمي مِنْ سُقامي لا يَبينُ فقال النَّجمُ: ومَنْ لم يَعْشُ عَن ذكرى حبيبٍ ... فكيف له مِنَ اللَّاحي قرينُ وهذه الأبيات مختار ما قيل، لأنها كانت أكثرَ مِنْ ذلك. واقترح صاحب التَّرجمة في سنة سبع وتسعين على الصَّدر علي ابن الأمين محمد بن محمد الدمشقي ابن الأدمي أن يعمل على نمط (¬1) قوله مما يُقرأ على وزنين وقافيتين مِنْ كلمة، وهو ممَّا انفرد بالسَّبق به، وكذا اقترحه على غيره مِنْ أُدباء عصره، وهُما (¬2) أول ما نظمهما صاحبُ الترجمة في ذلك. نسيمكم يُنعشني والدُّجى طال ... فَمَنْ لي بمجيء الصَّباح ويا صِبَاحَ الوَجْهِ فارَقْتُكُم ... فَشِبْتُ همًّا إذ فَقَدتُ الصِّبَاح فقال الصدر ما أنشده لصاحب الترجمة بعدُ بسنين، وكان عملهما قبلُ: يا مُتهمي بالصَّبر (¬3) كُن مُنجدي ... ولا تُطل رفضي فإني عليل ¬

_ (¬1) في (أ): "في نمط". (¬2) في (ب): "وهذان". (¬3) في (ط): "بالسقم".

أنتَ خليلي فَبِحَقِّ الهَوَى ... كُنْ لشجُوني راحمًا يا خَليل وممَّا نظمه صاحبُ الترجمة فيما يقرأ على وزنين (¬1) أيضًا: ثَوَيْث فيكم راجيًا مِنْكُمُ ... أجر الهوى دهرًا فضاعَ الثَّوابْ ردُّوا جوابي ودَعُوني أَمُتْ ... جوى فما منُّوا ولا بالجَوابْ وله [كالذي قبله في البيت الثاني فقط] (¬2): مدحي في علاكمُ ... والسَّمَاح الذي هَمَا قَدْ عَلَتْ في ارتفاعها ... كيف لا وهي في السَّمَاح ونظم صاحبُ التَّرجمة في مبادي نظمه -قال: أظنُّه في سنة ثلاث وتسعين- قصيدة جاء منها: أرعى النُّجوم كأنِّي رُمْتُ أحْصُرُهَا ... بالعدِّ إذ طال بعدَ البَدرِ تَسْهيدي وكم أعدِّدُ إذْ أبكي على قمري ... والأُفْقُ قد ملَّ في الحالَيْن تعديدي قال: وحسِبْتُ أنني انفردت (¬3) بهذا المعنى، لأنني لم أره في أشعار مَنْ تقدَّمَ إلَّا جِناسًا، فأنشدتُ لصاحبي القاضي بدر الدين المخزومي ابن الدماميني قصيدة نظمها في سنة خمس وتسعين، جاء منها قوله: خليليَّ إنِّي فُتِنْتُ لِشقْوَتي ... بَوَسْنَان طَرْفي فيه بالوجد سهَّدا يَرومان تعديدًا لأوصافِ حُسْنِه ... عليَّ وقد مِتُّ اشتياقًا فعدِّدا وتذاكرت أنا والمجد (¬4) بن مكانس، فأنشدني لنفسه مِنْ قصيدة ذكر لي أنَّها متقدمة النَّظم، لعلّه نظمها قبل التسعين، جاء منها قوله: ¬

_ (¬1) في (ط): "قافيتين". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (أ): "أتفرد". (¬4) في (ط): "والمحب", خطأ.

وعاذلي مُذْ رأى ضُلوعي ... تُعَدُّ سُقمًا بكى وعدَّدْ فطال تعجّبي من تجاذبنا الثَّلاثة أهدابَ هذا المعنى، ولعلّ أحدنا لم يطلع على نظم الآخر قبل ذلك، وتوارد الخاطر في المعاني يصح، ولا يكاد يصحُّ في الألفاظ إلَّا في النادر. [قلت: وللمجد أيضًا من أبيات قوله: ويسرّ ناظرنا بعدِّ صفاته ... واعَجْبُ لمسرُورِ الفؤاد يُعدِّدُ واللَّه الموفق] (¬1): وتذاكر صاحبُ الترجمة هو والمجدُ فضل اللَّه بن مكانس الموشحات والخرجات الزَّجليَّة، وما اخترعه (¬2) القاضي السعيد مِنْ جَعْلِ الخرجة بالفارسية، ولكن أغربَ بها، وأذهبَ رونقها، فقال صاحبُ الترجمة للمجد: إنِّي أريدُ أن أنظِمَ موشَّحًا أجعلُ خرجته تركيَّة، ولكنها مفهومةٌ معلومة، فاستجادَ ذلك، وقال له: ظهرتْ لي خرجةٌ وفيها تورية، فتفكّر صاحبُ الترجمة أيضًا، وظفر بأخرى بتورية، وتفارقا على النَّظْم، فنظم المجدُ: هم حملوا وساروا ... بل اعتذروا وجاروا فاشتكيهم لمنْ سارُوا بمن سيأتي عني بِزَعْمه وصدَّني زماني عَنْ رَشْفِ ظَلْمِهِ والبحرُ (¬3) قَدْ رَمَاني عمدًا بظُلْمِهِ فمدمعي بحارٌ وليس لي قرارٌ ... والوَجْدُ عندي سكنْ ما كان رأي حبي أفديه ذا النَّوى ولا عذاب قلبي بالبَيْنِ والجوى ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وزاده المصنف بخطه في هامش (ح). (¬2) فى (ط): "اقترحه". (¬3) في (ح): "والهجر".

فاحْذَرْ كُفيتَ كربي تغترّ بالهوى فعِتقُه إسارُ وأُنْسُه نِفَارُ ... والسِّرُّ فيه عَلَنْ قل للجفون تذري دمعي غمائما حتى يعودَ بدري إليَّ سالِمَا حتَّى يصيرَ دهري بالوصل راحما ويقرُبُ المزارُ ويرجعُ المسارُ ... ويصطفيني الزَّمنْ أفديه مِنْ غزالٍ للتُّرك أصلُهُ قد فاق في الجمالِ فعزَّ مثلُهُ وجاء بالوِصال فجلَّ فعلُهُ له الحشا دثارُ له الوفا ... شعارُ له عليَّ المِنَنْ ظبيٌ بديعُ حُسْنٍ كالبدرِ في التَّمامْ عِذارُه مَسَنِّي وطرفُه حُسامْ فَرُحْ إليه عني بالكُتْب والسَّلامْ وانظُر إلى عذار وبهجة اخضرارٍ ... وقل لو يخشى مَسَنْ وقال صاحب الترجمة: صِلْ قاصِدًا قَدْ أمَّلَكْ ... إذْ لَمْ تَجِدْ فَتًى حُرْ فأنتَ عِقْدٌ مِثْمِنُ ... لم تفتقر لواسطهْ وأنت شكلٌ حسنُ ... والجودُ فيكَ ضابطَهْ فلا تَقُلْ يا مُحسِنُ ... هذا الثَّنا مغالطَهْ فالوَصْفُ لن يُمَثِّلَك (¬1) ... لكل صبٍّ يشعرْ بالطَّيْف قَدْ وعدتني ... كيف وطَرْفي ما هَجَعْ ¬

_ (¬1) في (ح): "فالوصف لك لن يمتلك".

وسار مُذْ فارقْتَني ... وراك قلبي ما انْقَطعْ فارْحَمْهُ فهو قَدْ فَنِي ... وانظُر لَهُ فيما صَنَعُ فإنَّه فيك هَلكْ ... ومسَّه منْكَ الضُّرْ جُنِنْتُ مِنْ نومِ النَّوى ... فارْحَم سَلِمْتَ مَصْرَعِي وبان مكتومُ الهَوى ... مُذْ بلَّ جَيْبِي مَدْمَعي ولَيْسَ لي عَيْشٌ سِوَى ... إنْ رَدَّ محبوبي معي يا قمري قَلْبي فَلَكْ ... سِرْ فيه فهو قد سُرْ واطْوِ شُقَّةَ السَّفَرْ ... يا بَدْرُ وانعَمْ باللِّقَا واعْدِل إليَّ يا قَمَرْ ... وفيَّ إنِّي في شَقَا وقلتُ لمَّا أن خطَرْ ... باللَّه يا غُصْنَ النَّقَا سُبْحَانَ ربِّ عدَّلكْ ... قِفْ لي قليلًا أنْظُرْ وشادنٍ مِنَ الخَطَا ... يَقْتُلُني بالعَمَدِ زارَ فَقُلْتُ إذْ سَطَا ... بِلَحْظِهِ كالهِنْدِي واصِلْ وكُنْ مُشْتَرِطَا ... ما شِئتَ فهو عِنْدِي قال هاتْ ذَهَبْ وادُورْ لك ... فَقُلْتُ: لَوْ تَخْشَى دُرْ قال صاحب الترجمة: وولَّد لي هذا المعنى أن قلت: يا أيُّها الحَسَنُ صِلْني ... مَسَّ قلبي بالجَفَا ضُرْ بالَّذي يُبْقِيكَ يا ... مالك رِقِّي يا بها دُر وقلت أيضًا: ومُهَفْهَفٍ قَد مَسَّني ... مِنْ حبِّه وصَبٌ وضُر إِنْ قُلْتُ صِلْني قال هات ... أقول خُذْ ذَهَبًا ودُرْ وأنشد البدرُ الدَّماميني في الاكتفاء، قال: وفيه زيادة:

رعىَ اللَّه دهرًا فيه أسماءُ واصَلَتْ ... وجادت لنا بَعْدَ القَطِيعَةِ بالنُّعمى وشَّنَفَتِ الأسماع أسمارُ ذِكْرِها ... وأسماؤها تُتلى فيا لَكِ مِنْ أسْمَا قال صاحب الترجمة: فاكتفى بأسما عَنِ الأسماع والأسمار والأسماء، ففيه أربعة. ولمَّا أنشدني ذلك، نظمت بحضرته، ولعلَّ فيه خمسة: أُطِيلُ الملال لِمَنْ لامَنِي ... وأملأُ في الرَّوْضِ كأسَ الطِّلا وأهْوَى الملاهِي وطِيبَ الملاذِ ... فها أنَا مُنْهَمِكٌ في المَلا وأنشد -يعني البدر- لنفسه في ذلك، يعني الاكتفاء: برُوحِيَ أحمي غادةً قد تَطَلَّعَتْ ... إليَّ فما أصْغَيْتُ للعاذِلِ العَوَّا وأمطرتُ دَمْعِي إذ فَنيتُ على الحِمَى ... بأنواع أنوارٍ فيا حَبَّذا الأنْوَا قال [صاحب الترجمة] (¬1): فنظمت أنا في مثله: حَبِيبي إنَّ العَيْشَ في الوَصْلِ فاسْتَرِحْ ... إليه ولا تَرْحَلْ ولا تركَبِ الفَلَا وإيَّاكَ لا تَصْعَدْ قلاعًا ولا تُنِخْ ... قلاصًا ومَهْمَا اسْطَعْتَ فاجْتَنِبِ القِلَا ونظم المجد بنُ مكانس فيه: لَمَسْتُ النَّواعِمَ يَوْمَ الوَدَاعِ ... وأنْعَشَ حِبِّي بِلَثْمِي القُوَى وأبْدَى النَّوادِرَ لي فاعْجَبُوا ... لِمَنْ طابَ في عِشْقِهِ بالنَّوَى ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ب).

[المطارحات]

[المطارحات] وأما المطارحات، وقد أتيتُ بما وقفتُ عليه منها مرتبًا على الحروف. فكتب له البرهانُ إبراهيم بن إسماعيل الجُحاني في ربيع الآخر سنة ثمانمائة، وهو بتعر، قصيدةً يمدحه بها ويهنئه بالسَّلامة، فقال: شُكرًا لِسَير السَّابقاتِ العِرَابْ ... الأعوجِيَّاتِ بناتِ الغرابْ وللمهارى الَّتي لم تَزَلْ ... تخوضُ في الفَيْفَا لُجَّ السَّرابْ كالسَّيْل في السَّيْر انْسِكَابًا فما ... الغَبْراءُ في ذلك أو ماءٍ سكابْ وللجواري المُنْشَآتِ الَّتي ... كأنَّها بَيْنَ الحَباب الحُبابْ يا حُسْنَها ماذا تلقت لنا ... بُطون هدي مِنْ ظُهورِ الرِّكابْ ما إنْ رأيْنَا أبدًا مِثْلَها ... ولا سمعنا في الحَدِيثِ العُجَابْ شَفَتْ عُبابَ البَحْرِ فاعْجَبْ لها ... وقُوفها بحرَ علومٍ عُبابْ شكرًا لها شُكْر رياضِ الرُّبى ... على الَّذي أوَّلَتهُ أيدي السَّحَابْ قرَّبْنَ مِنَّا بَعْدَ بُعْدِ (¬1) المَدَى ... إنسَانَ عَيْنِ الأدَبِ المُسْتَطابْ مُحيي مواتِ الأدبِ المُنْتَقَى ... أحمدًا المحْمُود (¬2) عالي الجنابْ كنَّا عَنِ الآدَابِ في ظُلْمِةٍ ... حتَّى انجَلَتْ عنَّا بضَوْءِ الشِّهَابْ ¬

_ (¬1) في (أ): "أبعد"، خطأ. (¬2) في (ط): "المحبوب".

ترشفُ آذانُنا منه ما ... يفُوقُ في الأفْوَاهِ رَشْفَ الرُّضَابْ كأنَّما الطَّائيُّ مِنْ قَبْلُ قَدْ ... كُوشِفَ فيه فَرَضِي بالإيابْ نَظْمٌ أرانا أو سَهْمُ نَعْجةٍ ... يرى أبَاهُ حجرًا كالتُّرابْ وهذه الأحجار لا تستوي ... كم حجر يجري بتِبْرٍ مذابْ تخالنا منها سكارى وما ... دارت بأيدينا كؤوس الشَّرابْ أطربنا حتى ظنّناه قد ... عاودنا بعدَ المشيبِ الشبابْ قريحةٌ ما حَاوَلَتْ مُشْكِلًا ... إلَّا أصابَتْ منه عَيْنَ الصَّوابْ فكَلَّفَتْني بعد إغْلاقِ باب ... للمَدْحِ في مَدْحي له فَتْحَ بَابْ وكنت في مندوحةٍ عنه لو ... وقفت ما سطرتُه في كتابْ يَظُنُّ نَظْمَ الشِّعرِ إرثًا (¬1) ومَنْ ... صَوَّبَ فيه الفِكْرَ ألفَاهُ صَابْ فاسْتُر شِهابَ الدِّين ما لَاحَ مِنْ ... عُيوبِ شعر حقُّه أن يُعابْ وهاكها عاجرةً لمْ أقُل ... خُذْهَا حياءً مِنْكَ بكرًا كعَابْ أسْبِلْ عَلَيْهَا ثَوْبَ سِتْرٍ يَكُنْ ... إسبال ثَوْبِ السِّتْرِ عَنْها ثَوَابْ لا أقْتَضِي عَنْهَا جَوابًا سِوَى ... الإغضاءِ فالإغضاءُ أوْفَى جَوَابْ وافْخَرْ وَقُلْ ما شِئْتَ واسْعَدْ فَقَدْ ... أُوتِيتَ يا أحمدُ فَصْل الخِطَابْ فأجابه: أهلًا بها حسناء رُودِ الشَّباب ... وافت لنا سافرة للنِّقابْ مفترَّةٍ عَنْ جوهرٍ رائع ... لكنَّ مأواه البُحورُ (¬2) العذابْ جادت بوصلٍ ناعمٍ أنعَشَتْ ... به فؤادَ الصَّبِّ بعدَ التِهَابْ فأسكَرَتْنَا بأحاديثها ... فلم نَذُق منه كأس الشَّرابْ ¬

_ (¬1) في (أ): "إربًا". (¬2) في ديوان ابن حجر: "الثنايا".

فما كؤوس الشُّرْب مَلأى طِلَا ... أرفعُ مِنْهَا للنُّهى بانتهابْ وما الرِّياضُ الزَّاهِرَاتُ الرُّبى ... جادَ لها الغيثُ بفرْطِ انْسكابْ غنّى غَنِيَّ الوُرْقِ أوراقَها ... فَنَقَطَتْ عُجْبًا بدُرِّ السِّحابْ فراقتِ الأبصارَ أغصانُها ... وأطرب الأسماع (¬1) وقعُ الرَّبابْ يومًا بأبْهَى مِنْ حديثٍ لَهَا ... أحيا مواتَ الأدَبِ المُسْتَطابْ أهدى لنا كانونُ أزهارِها ... فقلتُ يا بُشْرايَ نيسانُ آبْ قبَّلْتُها ثمَّ ترشَّفْتُها ... وما تجاوَزْتُ الرِّضَا بالرُّضَابْ كأنها نابَتْ قصيدًا زَهَتْ ... مِنْ نظمِ إبراهيمَ أدنى منابْ ذُو النَّظمِ كالغَيْثِ انسجَامًا إذا ... دعاه لا يخطىءُ صَوبَ الصَّوابْ والسَّجْعُ يُزْري بحمامِ الحِمَى ... بالحكمة الغَرَّا وفَصْلِ الخِطَابْ فالنَّثْرُ كالنَّثْرَة والشِّعر كالشِّعرى ... ضياءً فاق ضَوءَ الشِّهابْ هذا إلى عِلْمٍ وحِلْمٍ إلى ... فصلٍ وفضلٍ جائدٍ للطِّلابْ مولاي هذي خِدْمَةٌ قصَّرَتْ ... بالعجزِ عَنْ نظمٍ إذا طالَ طابْ بتُّ بها في ليلتي ظامِئًا ... أرومُ تَغويضَ الشَّرابِ السَّرابْ أضرِبُ أخماسي بأسداسِها ... ولا يدورُ النَّظمُ لي في حِسَابْ أُثِبْتُ عَنْ مُرجانِكم بالحَصَى ... فاللَّه يَجْزيكَ جزيلَ الثَّوابْ اللَّهَ في صبِّ جَفَاهُ الكَرَى ... والأهْلُ والدَّارُ وطِيبُ الشَّبابْ عطفًا على مبتدأ تابع ... مِلَّةَ إبراهيم فيما أجابْ فافتح له بالصِّفْحِ بابَ الرِّضا ... وسُدَّ عَنْ أخلالِه كلَّ باب وهاتِ فَسِّرْ ما اسمُ ذاتٍ إذا ... ما صَحَّفُوه كان مأوى الرُّضَاب وإن تبدّل بعد ذا أولًا ... منه ترى لُغزًا يَرُومُ الجَوَابْ ¬

_ (¬1) في (ط): "للأسماع".

وابْقَ قريرَ العَيْنِ تَحْظَى بها ... مِنْ نعم عالي الذُّرَى والجَنَابْ ما لاحَ نجمٌ في رِيَاضٍ ومَا ... أشرقَ في أُفْق سماءٍ وغابْ فكتب إليه الجُحَافي المذكورُ مجيبًا له مِنَ الشعر (¬1) المذكور، ومُلغزًا على سبيل المداعبة، وذلك في توجّه صاحب التَّرجمة إلى عدن، فقال: أروضةٌ جادَ عليها العمام ... غنَّاء غنَّى في رُباها الحَمَامْ أم فارةُ المِسْكِ الذّكِيِّ التي ... تضوَّعت إن فُضَّ عنها الخِتَامْ أم غادةٌ زُفَّتْ إلى مُغْرَمٍ ... بها مُعَنَّى كَلِفٌ مُستهامْ أم الدَّاراري الزُّهْرُ قد قُلِّدَتْ ... بالدُّرِّ نَظْمًا واللآلي التزَامْ أم نظمُ شعرٍ فائقٍ رائقٍ ... خُصِصْتَ فيه دُونَ كلِّ الأنامْ فضاءَ مِنْ ضَوْءِ شِهابِ الهُدى ... والدين حظي وتجلَّى الظَّلامْ كفَضْلِه فليكُنِ الفَضْلُ أوْ ... كفعله فليكُ فَعْلُ الكرامْ مَنْ كان في فنٍّ إمامًا فها ... ذا أحمدُ في كلِّ فنٍّ إمامْ يستخدمُ النَّجم ولا غَرْوَ أن ... يستخدمُ الشُّهْبَ الشهابُ الإمامْ عجبتُ منه (¬2) كيف يرضى ... بتلقيب شهابٍ وهو بَدْرُ التَّمامْ عوَّضني عن سَبَجٍ جوهرًا ... وزانه فَضْلًا بِحُسْنِ النِّظامْ هذا هو السِّحر الحلالُ الذي ... غدا على مُنْتَحِليه حرامْ فلم أزَلْ أحمد يا أحمدُ ما ... أولَيْتَنيه مِنْ أيادٍ جِسَامْ أنْعَشْتَ فكري بعد ما كنتُ قد ... أهملتُ شعري منذُ عشرينَ عامْ وجاءني اللُّغزُ الذي قد نبا ... عَنْ فضلِه سيفُ افتكاري الكَهَامْ فقلتُ لمَّا جاءني منك ما ... معناه يُزري بالمعاني الوسام ¬

_ (¬1) في (أ، ط): "الثغر". (¬2) في (ب): "منك".

تَعَزَّ يا مولايَ حتَّى ترى ... عزيزَ مصر في المعالي وشامْ وهاك ذا اسمٌ هو فعلٌ مَتَى ... وافيتُموه ورحَلْتُم أقامْ وإن ترد عكسًا تدع عكسَه ... كيلا تراه مسافرًا للِّثامْ وكم ودِدنا بعد تصحيفه ... ومَنْ لنا فيه بعَذْبِ الغمامْ واعذُر مُحِبًّا لم يَذُقْ طرفُه ... بعدك معنى مِنْ معاني الكلامْ وقِفْ وسافِر حيثُ ما تشتهي ... عليكَ منِّي حيثُ كنتَ السَّلامْ وكتب في سنة تسع وتسعين إلى الشيخ برهان الدين إبراهيم بن زُقَاعة: تطلبتُ إذنًا بالرِّواية عنكمُ ... فعادَ بكم إيصالُ برٍّ وإحسانِ لترفعَ مقداري وتخفِضَ حاسدي ... وأفخرُ بَيْنَ الطَّالبين ببُرهانِ فأجابه البرهان (¬1): أجزتُ شهابَ الدِّين دامت حياتُه ... بكلِّ حديثٍ جازَ سمعي بإتقانِ وفقهٍ وتاريخٍ وشعرٍ روَيْتُهُ ... وما سَمِعَتْ أذْني وقال لِسَاني وكتب إليه القاضي العلَّامة الشَّرفُ إسماعيلُ بن أبي بكر بن المقرىء صاحب "عنوان الشرف"، ومِنْ خطّه نقلت: قُلْ للشهاب ابنِ عليِّ ابنِ حَجَرْ ... سُورًا على مودتي مِنَ الغِيَرْ فسُور وُدِّي فيك (¬2) قد بيَّنْتُه ... مِنَ الصفا والمَرْوَتين والحَجَرْ ¬

_ (¬1) في (ب): زيادة "مخطئًا للوزن في البيت الثاني". وجاء في هامشها ما نصه: لا خطأ فيه، وها هو لديك، فإن لفظ "إذني" بسكون الياء (هكذا). قلت: وهذه الزيادة كانت موجودة في (ح) ثم شطب عليها. (¬2) في (ط): "فيه".

قلت: ولما اجتمع بالوليِّ العراقي رحمهما اللَّه، قال له أنت القائل: (قل للشهاب)، وذكرهما، [قال: نعم] (¬1) فأجابه [صاحب الترجمة] (¬2): عوذت سُورَ الوُدِّ فيكَ بالسُّورْ ... فهو على العلماء بالحُكْمِ حَجَرْ يا مِنْ رقى في المجدِ أنْهَى غايةٍ ... بالحقِّ أعْيَتْ مَنْ مَضَى ومَنْ غَبَرْ فضلُ سواكَ مدَّعى أو ناقصٌ ... كأنه "إنَّ" أتَتْ بلا خَبَرْ وأنتَ إسماعيلُ بالصِّدْقِ له ... وصفٌ على الوَرَى به قَدْ افْتَخَرْ ذو قعدة في أُفْقِ مَجْدٍ ثابتٍ ... بمدحها طيرُ السُّعودِ قد صَفَرْ وهِمِّة في السَّبْقِ لمَّا أن سَمَتْ ... لم تَرَ عَيْنٌ في الثَّرى لها أثَرْ يا أيُّها القاضي الذي مرادُه ... يأتي به حُكْمُ القضاء والقدَرْ إذا أرادَ اللَّه أمرًا لم يَكُنْ ... له (¬3) تأخُّرٌ إلَّا كَلَمْحٍ بالبَصَرْ فاضت بفضله المحالب التي (¬4) ... فاقت بمجده الذي قد اشتهرْ دَرَّ له ضَرْعُ الكلام (¬5) حافلًا ... حتَّى احتوى على المعاني واقتدرْ (¬6) وكتب إليه الأمير غرسُ الدين خليل ما سمعتُه ينشده لصاحب الترجمة، وهو قوله: وقائلةٍ مَنْ في القُضاة بأسرِهِمْ ... يُلازِمُ تقوى اللَّه طُرًّا بلا ضَجَرْ ويرؤُفُ في الأحكامِ بالخَلْقِ كلِّهم ... ويدعو لهم في كلِّ ليلٍ إلى السَّحَرْ فقلتُ لها: فهو الإمام أولو النُّهى ... وذاك شهابُ العسقلاني بني حجرْ له كتبٌ في كلّ فنٍّ لقارىءٍ ... وشرحٌ عجيبٌ للبخاري مِنَ الخَبَرْ ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (ح): "إذا أراد الأمر لم يكن له. . . ". (¬4) في (ب، ط، ح): "الذي". وكتب في هامش (ح): "خ التي". (¬5) في (ط): "المعاني". (¬6) في هامش (ط): "وقت در".

وفي النَّحوِ والتَّصريفِ لم يُرَ مثلُه ... كذا في المعاني والبيان وفي الأثَرْ فأجابه صاحب الترجمة بما كتبته عنه أيضًا: أيا غرسَ فضلٍ أثمرَ العلمَ والنَّدى ... فلّلهِ ما أزكى وما أطْيَبَ الثَّمرْ يجودُ ويُنشي بالغًا ما أرادَهُ ... فمستطلعُ دُرًّا ومستنزلُ الدُّرَرْ لكَ الخيرُ قد حرَّكْتَ بالنَّظْمِ خاطرًا ... له مدّةٌ في العُمْرِ ولَّت (¬1) وما شَعَرْ وقلَّدْتَ جيدي طَوْقَ نُعْمَاك جائدًا ... فعالًا ونطقًا صادَفَ الخُبْرَ والخَبَرْ مناسبةُ اسْمَيْنا خليلٌ وأحمدٌ ... لرأسِ أولِي النَّظْمِ الإمام الذي غَبَرْ وكتب إليه أيضًا مطالعة تتضمَّن وُقوعَ الطَّاعونِ بالشَّام، أولها: نسأل اللَّه بمدحٍ وغَرَلْ ... عادلٍ في الحُكْمِ ولَّى وعزلْ أنْ يمتِّعكُمْ بعمرٍ لم يَزَلْ ... في حماية ربِّنا ممَّا نزلْ فأجابه بقوله: أسألُ الرحمن لي عزَّ وجَلْ ... ولكم حِفْظًا وصَوْنًا مِنْ وجلْ أنتَ نِعْمَ الذُّخْرِ والمولى الأجَلْ ... وخليل الودِّ ما دامَ الأجلْ وكتب في سنة عشرٍ وثمانمائة لقاضي القُضاة جلال الدين البلقيني يعاتبه على تركه عيادته وهو ضعيف: قُلْ لقاضي القُضاة ما ضرَّ لو ... عُدْتَ فتًى جِسْمُه ضنًى مجذوذُ لي عليكُم دُونَ الأنامِ حقُوقٌ ... سبعةٌ ذِكْرُهُنّ عندي لذيذُ صاحبٌ تابعٌ محبُّ نسيبٌ ... بلديٌّ مجاورٌ تلميذُ إن يكُنْ هجرُكُمْ لذنبٍ فبالَّـ ... ـلهِ تعالى مِنْ زلَّتي أستعيذُ ¬

_ (¬1) في (ط): "ولى".

فأجابه، ومِنْ خطّه نقلت: ليس في صُحبتي وصحَّة حُبي ... قادحٌ مُضْعِفٌ وليس شُذُوذُ أنا لا أنثني عَنِ الوُدِّ دهري ... كيف إمكانُه وكلِّي أخيذُ خاطري عندكُم كذلك بالي ... وعلى سُقْمِكُم فقلبي حَنيذُ غيبتي هَفْوَةٌ فعفُوكَ عنها ... إنني بالولا فيك أعوذُ وكتب إليه الزَّين عبد الرحيم، ومِنْ خطه نقلت: أمُسْتَعِبدَ الأحرارِ بالعلم قد رأوا ... وبِرِقِّهِمْ فضلًا عليهم وواجِبَهْ وملحقَ إحسانٍ بسابق مثلِه ... جزيل عطاياه بغير محاسبَهْ وناصبَ فخٍّ للقُلوب بفضله ... فكم صادَ مِنْ قلبٍ ولا زال ناصِبَهْ لئنْ جاء شقيقي سائلًا في كتابِكُم ... فلي شأْوُ سُبَّاقٌ ولي فيه شائبهْ تغاضِيكَ أغراني إلى طمعٍ به ... وإهمالِ أزمانٍ وتركِ المطالبَهْ وقد أحضر المملوكُ ما كان قَبْلَه ... فما خُوطب المملُوك فيه بخاطبهْ ولي فيك آمالٌ إلى الآن ما انقضَتْ ... مدى الدّهر ما أرجعتها قطُّ خائبهْ (¬1) وعوَّدتها صدق الوَفا فتَعوَّدت ... وفي كلّ ما تولى بها منك صائبَهْ متى كنت مأمولَ المكارم والعطا ... وأرجَعْتَ مَنْ يأتي بآمال كاذِبَهْ فعجِّل بما أرجُوه يا لك مُحسِنًا ... بإحسانه كلُّ الخلائق قاطِبَهْ وأما أخي فالصَّالحيُّ يُجيبُه ... بأنِّيَ مِنْ قبلُ التمسْتُ مواهِبَهْ بظاهره فاكتُبْ بما أنتَ أهلُه ... فكم لك أمثالي (¬2) أرِقّا مكاتبَهْ فأجابه على الفور: ¬

_ (¬1) هذا البيت لم يرد في (أ). (¬2) في (ب): "مثلي".

أمولاي زينَ الدِّينِ والفاضل الذي ... بِصيدِ الثَّنَا صحّت لديه المناصِبَهْ أتاني سؤالٌ فيه مدحٌ ومطلبٌ ... فللَّه مَدْحًا ما أعزَّ مطالبَهْ يقولُ الذي أغرى إلى طمعٍ به ... تمادي أزمانٍ وتَرْكِ المطالبَهْ فديتُك ماذا مذهبُ العبدِ بل عَزَوْا ... إلى مالكٍ قولًا ضعيفَ المناسبَهْ فإن كان مولانا يقولُ بقولهِ ... فليتك حقًّا مالكي بلا شِبَهْ ولكن مقامُ العبدِ لا يرتقي إلى ... مقامِ الموالي فاعذُروا في المكاتبَهْ ولو كان مولانا أشارَ إشارةً ... ولو كان بالإيماءِ أسرعْتُ ذاهِبَهْ ولو أن مَنْ نرجوه غيرُ شقيقِكم ... ولو أنَّه النُّعمان لم أرْعَ جانِبَهْ ولكن لأجل الوُدِّ بينكما أرى ... كلكما في ذاك ترك المخاطبهْ (¬1) وقلتُم بأنَّ الصَّالحيَّ يُجيبه ... بأنَّك مِنْ قبلُ التَّمسْتَ مواهِبَهْ أحاشيكَ هذا الصَّالحيُّ عهدتُه ... له عَنْ أكاذيبِ المقالِ مجانبَهْ ولا سيما والكذبُ يُفْطِرُ صائمًا ... فحقٌّ له في الصَّوم يهجرُ طالِبَهْ فهذا رعاك اللَّه عُذريَ قد بدا ... فهل مِنْ قَبولٍ مِنكَ أشكر واجبَهْ وكتب إليه الموفقُ أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي بكر الزَّبيدي قوله: أمتع اللَّه بطلعَتِكَ المضيَّة، وشمائلك المرضية، وحُزْتَ خيرًا، ووُقِيتَ ضَيْرًا. . . (¬2) وكتب إليه قاضي القضاة العلاء علي (¬3) بن محمود ابن المغلي الحنبلي، وأرسل إليه مع ذلك بثوب بعلبكِّي هديةً، وذلك عند ختم ولده القاضي بدر الدين محمد القرآن، وصلاته للنَّاس في رمضان سنة ست ¬

_ (¬1) في (أ): "المطالبة". (¬2) بياض في الأصول. (¬3) "علي" ساقطة مِنْ (أ)، وفي (ط): العلاء علاء الدين محمود، خطأ. وانظر ترجمته في إنباء الغمر 8/ 86 - 88 والضوء اللامع 6/ 34 - 36.

وعشرين وثمانمائة بالخانقاه البيبرسية بحضُور الأعيان، فقال، ومِنْ خطِّه نقلت: ليهن أبا العبَّاس ذا النَّجل إذ بدا ... هلالُ شهاب الدين بل جاء مُبْدِرا فحُقَّ له الإنشادُ في عُظْمِ شأنه ... لشِعْرٍ له معناه ظنِّي مُضمرا (بلغنا السَّماء مجدَنا وجُدودنا ... وإنَّا لنرجوا فوقَ ذلك مظهرا) عساك تُجيرُ العبدَ إذ صحَّ ودُّه ... بحُسْنِ قَبُولِ النزرِ يا حافِظَ الورى فأجابه صاحب الترجمة، ونقلتُه مِنْ خطه: نعم بلغَ العبدُ السَّماء تعاليًا ... بمدحِ علاء الدِّين أعلمِ مَنْ أرى لقد فُقْتَ في كل العلومِ بلا مرا ... وفي البِرِّ للطُّلاب بالفضل والقرى ورُمْتَ بإهداء البِطَانَةِ سُتْرَةً ... وهيهات يأبى الجودُ أن يتستَّرا كساني ولم أستَكْسه فحمدتُه ... أخًا لك يُوليكَ الجميل لتشكرا واتَّفق أن وقع على لفظة (¬1) "أستكسه" علامةُ الإهمال على السِّين التي قبل الهاء، فصارت كالضَّمة، فكتب العلاءُ إلى صاحب الترجمة في ذلك ما نصُّه: أجبتَ فلبَّاكَ القريضُ حقيقةً ... وعوَّضت عن نظمي الحصى منك جوهرا وأدخلتَ في التَّضمين بيتَ تنازُعٍ ... فها أنا نحوه ولكن مُحرَّرَا حباني ولم أستدعه فاشْكُرن له ... أخ لي يُوليني الجميل معذَّرا فإن قلم ألقاه سبقًا فإنَّه ... عقيدتنا أولى لمعنى فخبِّرا فأجابه بقوله: أخبِّركم أنَّ الصواب محقَّقٌ ... لديكم وسَبْقُ الضَّبْطِ مِنْ قَلَمٍ جرى ¬

_ (¬1) في (أ): "حفظ"، خطأ.

رأى قدرَكُمْ بالرَّفعِ أليقَ فارتضى ... مخالفةً للكسْرِ هذا الَّذي أرى حويْتَ علاء الدِّين والعِلْمِ والنُّهى ... ومَهْما رفعتَ الدَّهر فالضِّدُّ كُسًرا دعوتَ فلبَّاك اعتذاري مطابقًا ... بقولٍ ولو حُلِّفْتُ كنتُ مقصِّرا وكتب إلى العلامة البدر محمد بن إبراهيم البشتكي في رمضان: أليس عجيبًا بأنَّا نصومُ ... ولا نشتكي مِنْ أذى الصَّوم غمّا ونسغُبُ -واللَّه- يا سيِّدي ... إذا نحن لم نروِ نثرًا ونظما فكتب إليه البدر بعد ذلك: أيا شهابًا رقى في العلا ... فأمطرَنَا نوْؤه العَذْبُ قَطْرا إلى فقرة منك يا فقرنا ... ونَسْتَغْنِ إن قُلْتَ نظمًا ونثرا وكتب إلى العلامة البدر (¬1) محمد بن أبي بكر بن عمر الدَّماميني في المحرَّم بقوله: أيا بَدْرًا سما فضلًا وأرضى ... رعيَّتَه وفي الظَّلماء ضاءَ ويا أقضى القُضَاةِ ومُرْتَضَاها ... وأحسَنَها لما يُقضى أداءَ تهنَّ العامُ أقبلَ في سُرورٍ ... وأبْدَى للهناء بكمُ هناءَ روى وأشارَ مُقْتَبِسًا إليكم: ... "خيارُ النَّاسِ أحسَنُهُم قَضَاءً" وبقوله: يا بدرَ دينِ اللَّه إنَّ مدائحي ... تروي لك البُشرى عن ابن هلالِ بالحَوْلِ بل في كلِّ حالٍ أقبَلَتْ ... فلكَ الهنَا في سائرِ الأحوالِ فأجابه -ومِنْ خطِّه نقلت- بقوله: ¬

_ (¬1) في (ط): "بدر الدين".

شُكرًا شهابَ الدِّين للنَّظمِ الذي ... قلَّدْتني مِنْ عقده بلآلِ أحكَمْتَ بيتًا فيه جلَّ مقامُه ... عن سعي ذي التَّقصير مِنْ أمثالي فثَمِلْتُ سُكرًا حين حيَّا بالهَنا ... وأدار أكْؤُسَ رفعةٍ وجلالٍ وملكتُ رقَّ الفضل ملكًا ثابتًا ... جمَّ الحُقوق فلستُ بالمختال يا مَنْ يصُوغُ مِنْ البَيانِ قلائدًا ... يُنسي لهُنَّ محاسِنَ الخلخالِ عندي فراغٌ مِنْ سواكَ لأنَّني ... حُزتُ الكمال بفضلِك المُتَوالي وملأتُ فكري في امتداحك فاعتَجِبْ ... مِنْ ذي فراغٍ في مقامِ كمالِ وبقوله: ألا يا شهابًا أخْجَلَ البدرَ نورُه ... فقَلَّت لديه أنْجُمُ الشُّكر والثَّنا تَهَنّ به عامًا مَلَكْتَ سُعودَه ... ونجمُكَ فيه قد علا فلَكَ الهَنا وبقوله: أفدي شهابَ الدِّين مولىً بَارِعًا ... قد أضعَفَ الحُسَّادَ قوَّةُ قولِه حفَّتْه أفلاكُ الهناءِ بعامهِ ... فانظر لأنْجُمِ سَعْدِه مِنْ حولِه وكتب إليه بقوله: لقد سما ابنُ عليِّ كلَّ ذي أدبٍ ... فلا يشارَكُ في فَهْمٍ وإدْرَاكِ ولم يَزَلْ بالمعاني الغُرِّ مُنْفَرِدًا ... يصيدُها وحدَه مِنْ غير إشْراكِ فكتب إليه صاحبُ التَّرجمة بما قرأته بخطه. خُلقُكَ بدرَ الدِّين مثلُ الظِّبا ... فَدَيْتُهُ مِنْ لُطفه بالمُقَلْ قد جُبِلَ النَّاسُ على حُبِّه ... حتَّى عَجِبْنَا مِنْ لطيفٍ جبلْ وكتب إليه بقوله على طريقة تفْعُلا:

أُنَزِّهُ طرفي في محاسِنِك التي ... أنَزِّهُه عمَّا سواهُ وإن زها وما رُمتُ عنها أيها البدرُ سُلْوَةً ... وعن غيرها طرفي وفيها تنزَّها فأجابه البدر:. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . . (¬1) فتولّها وكتب إليه البدرُ بقوله: حمى (¬2) ابنُ عليٍّ حَوزَةَ المجدِ والعُلا ... ومُذْ رَامَ أشتاتَ الفضائل حازَها وكَمْ مُشكِلاتٍ مِنْ بيانٍ بفَهْمِه ... يُبيِّنُها مِنْ غير عُجْبٍ وما (¬3) زها فأجابه بما قرأتُه بخطِّه: برُوحِيَ بدرٌ في النَّدى ما أطاعَ مَنْ ... نهاهُ وقد حازَ المعالي فزانَها أُسائِلُ أن ينْهَى عَنِ الجُودِ كفَّه ... وها هو قد برَّ العُفاةَ وما نَهى قال شيخنا: وسمع هذا المجدُ بن مكانس، فنظم على هذه الطريقة بقوله (¬4): أقولُ لحبِّي قُمْ وامْشِ يا مُعذِّبي ... كميسةِ خُودٍ نكَّسَ السُّكْرُ راسَها ولا تسر عن شيء إذا ما حَكيتَها ... فقام كغُصْنِ البان لِينًا وماسَها [وكتب إليه البدرُ أيضًا] (¬5) بقوله وفد تفرَّجا في الجيرة: لجيزة مصر يا أبا الفَضْل سِرْتَ بي ... فذكَّرتني مِنْ طَيِّب العَيْشِ ما مضى ¬

_ (¬1) بياض في الأصول. (¬2) في (أ، ط): "حوى". (¬3) في (ب): "ولا زها". (¬4) في (أ، ب، ح): "فنظم على هذه الطريقة وآخر بيته الثاني (وماسها) " ولم يرد البيتان فيهما. (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

وأبْدَيْتَ في ذاك الفضاءِ فضائلًا ... فطِبْتُ ولم أبْرَحْ أميلُ إلى القَضَا فأجابه بقوله الذي نقلتُه مِنْ خطه: شهدتُ بأني عَنْ عُلاك مقصِّرٌ ... وأنَّك بدرٌ بالجميل تَطَوَّلا وأهدي فلاحًا في الفلالي مُنَعَّما ... فلا زالَ في الحالَيْن يَنعَمُ بالفلا ولما ولي قضاء المالكية بالإسكندرية، كتب إليه صاحبُ التَّرجمة يهنئه: تهنَّ ببدرِ الدِّين يا مَنْصِبَ القَضا ... وسَلْ في بقاه أن يدوم (¬1) إلهَهُ فقد حُزْتَ منه أيَّدَ اللَّه حكمه ... وخلَّد في الدُّنيا عُلاه وجاهَهُ وكذا هنأه المجد ابن مكانس، فقال: أمولاي بدرَ الدِّين هُنِّئتَ منصبًا ... سما بِكَ في أُفْقِ العُلا وتزيَّنا وسو يسارًا خَوْفَ شؤمٍ بذي الأذى ... ولكنَّه لمَّا رآك تيمَّنا وكتب إليه العلَّامةُ البدر أبو عبد اللَّه محمد بن أبي بكر بن سلامة المارديني الحنفي نزيل حلب يستدعي منه تقريظًا على تصانيف له بقوله (¬2) الذي سمعه منه أخوه البدر أبو محمد الحسن، وكتبه عن الحسن صاحبُنا النَّجمُ بن فهد الهاشمي: لبَدْرُ سنا علياكَ أبهى مِنَ الدُّرِّ ... وطلعتُك الزَّهراءُ كالكوكَبِ الدُّرِّي مُحَيَّاكَ بدرٌ بالجمالِ منوَّرٌ ... ويُمنَاكَ بحرٌ بالجميل مَعَ اليُسْرِ ¬

_ (¬1) في (ط): "يديم". (¬2) في "المختصر" للسفيري بعد هذا: قلت: وبيض له السخاوي في "الجواهر والدرر" في النسخة التي انتخبت منها، وكأنه لم يقف عليه حال التصنيف للجواهر، وتبعه في التبييض، ثم إني رأيت أواخر سنة 939 هذا الاستدعاء والتقريظ بخط بعض أهل العلم، فنقلته هنا، فقال. . . ثم أورد الشعر.

جنابُك محروسٌ وجدُّكَ صاعدٌ ... وقولُك مقبولٌ لدى النَّهْي والأمرِ وطلعتُك الغرَّاء شمسٌ مُنيرةُ ... وهِمَّتُك العَلياءُ في الأنْجُمِ الزُّهرِ جمعت العُلا والجُودَ بعد تفرُّقٍ ... وفرَّقْتَ شَمْلَ المالِ يا طيِّبَ الذِّكرِ وذكْرُكَ في شرْقِ البلادِ وغربها ... كمِسْكٍ ذكيِّ نشرُه طيِّبُ النَّشْرِ وإنَّ زمانًا أنتَ فيه رئيسُه ... لأيَّامُه بالخيرِ باسِمَةُ الثَّغرِ أطالبَ حلَّ المشكلات فلُذْ بِمَنْ ... بديهتُه تُبدي الصَّوابَ بلا فِكرِ له نُورُ علم كاشفٌ كلَّ غَيْهَبِ ... فلا زالت الطُّلاب في نوره تسري وألفاظُه الدُّرّ الثَّمينُ نفاسةً ... ولا غروَ أنَّ الدُّرَّ مِنْ لُجَّة البحرِ وفي علم تفسير الكتاب "مجاهدٌ" ... وفي الفقه والأصلين مجتهدُ العصرِ ويروي أحاديثَ الرَّسولِ بِشَرْحها ... وكم ناقلٍ يروي الحديث وما يدري وفي النَّحو أضحى سيبويه زمانه ... يزيدُ على زيدٍ ويعلو على عَمْرِو بديعُ معانيه جلا ببيانِه ... بتلخيص أبحاثٍ أدقّ مِنَ الشَّعرِ وفي الجدّ والبُرهان أبدى عجائبًا ... يحارُ ابنُ سينا عندها وأبو نصرِ وأوضحَ في علمِ الحسابِ دقائقًا ... مقابلة يومًا لقد فاز بالجبرِ له في عَرُوضِ الشِّعر أيدٍ تطاولت ... فخلَّا خليلًا عندها وأبا عمرِو أقاضي قُضاة المسلمين وحبرَهُم ... وبَحرَهُمُ الطَّامي وغيثَهُمُ المُثري يُوالِيكَ بالإخلاص نَجْلُ سلامةٍ ... ويدعو لك الرَّحمنَ في السِّرِّ والجهرِ وهاك عروسَ النَّظمِ بِكرًا زفَفْتُها ... إلى بابك العالي ومنشؤها فِكْري وما مهرُها إلَّا شُمُولُ عنايةٍ ... وحُسْنُ قَبُولٍ منك يا طيِّبَ الذِّكْرِ فإنِّيَ مِنْ بيتٍ له الزُّهدُ والتُّقى ... شعارٌ وفخرٌ بالفضائل لا الشِّعْرِ ودأبيَ تحصيلُ العلوم وجمعُها ... وتقريرُ أبحاث لها الحَبر يستقري وكنت سألتُ اللَّهَ يجمعُ بينَنا ... فجادَ ولم أُزْجِ المطيَّ إلى مصرِ فحقِّقْ رجائي إذا أتيتُ مدَرْوَزًا ... إلى بابك العالي يا طيِّبَّ الذِّكرِ

ولاحِظْ طروسًا أودَعَتْها قريحتي ... فنونَ علومٍ شرْحُها في سما يزري ولكن أُرَجِّي أن يُسَكِّنَ روعها ... بنفثِ يراعٍ منك في طِرْسِها يجري فحقِّقْ بفضلٍ منكَ ما قد قصدتُه ... وكُنْ جابرًا باللَّه يا سيِّدي كسري فلا زِلْتَ في فضلٍ مديدٍ وكاملٍ ... بسيطٍ طويلِ العُمرِ بالعزَّ والنَّصرِ فأجابه في حالة السَّفر صحبةَ الرِّكاب السُّلطاني في سنة ستٍّ وثلاثين، وسمعها منه (¬1) النَّجم ابن فهد بقراءة (¬2) البقاعي في سنة ثمان وثلاثين بالقاهرة: بَدَتْ في سماءِ الحُسْنِ تزهَرُ كالدُّرِّ ... منورة تروي الحديث عَنِ الزُّهري بديعةُ حُسْنٍ قد سَبَى وجهُ طِرْسِها ... القلوبَ ورَقْمُ النَّقْشِ كالخال والثَّغرِ رقوم (¬3) سطور في طُروسٍ تحيَّرت ... أُعَوِّذُها بالفجرِ واللَّيل إذ يسري وفي طيِّها ما عبقَ الأفقَ نَشْرُه ... فيا حُسْنَ ما طيٍّ ويا طِيبَ ما نشري ولا عجبٌ مِنْ دُرَّةٍ مثلَ زهرةٍ ... إذا ما أضافوها إلى البحر والبدْرِ تفاءلْتُ إذ وافَتْ مِنْ ابن سلامةٍ ... نهارَ رحيلي بالسَّلامة والنَّصرِ إمامٌ له في المجد بيتٌ قد اغتنى ... به عن بيوت الشَّعر فضلًا عَنِ الشِّعرِ وبالبحر يدعُوه الصِّحَابٌ لعِلْمِه ... وبالرِّفْقِ بالطُّلاب يُنْعَتُ بالبَرِّ إذا ما نحا نَصْبَ البحوث ترَفَّعَتْ ... له هِمَمٌ لم يخشَ يومًا مِنَ الكَسْرِ مباحثُ في الأصلَيْن وافَتْ لسامعٍ ... وذي نظرٍ يُبدي أدقَّ مِنَ الشَّعرِ لو أنَّ خطيبَ الرَّيِّ يخطُبَ بِكْرَهَا ... ليحظى لزادَت في الفَخارَ على الفَخْرِ وفي الفقه والتَّفسير والخَبَر الَّذي ... يصحُّ لقد أربى العيان على الخبرِ ¬

_ (¬1) هكذا كانت في (ح)، ثم غيرها أحدهم، فأصبحت "وسمعها الحافظ. . . " وكتب غيره في الهامش: "الظاهر أنها كانت "صاحبنا"، فأبدلها بالحافظ كعلامة. قبيلُه اللَّه". (¬2) عُدّل مكان هذه الكلمة في (ح)، فأصبحت "الهاشمي" وعُلْق على ذلك في الهامش "موضع الهاشمي مُصلح باقتنائه. قبيله اللَّه!. (¬3) في (ب): "رقم".

وأمَّا تفاعيلُ العَرُوضِ فطبعه السَّـ ... ـليم بها يُغني عَنِ الخوض في البَحْرِ (¬1) وقد رامَ تقريظي تصانيفه الَّذي ... تضاءل عمرٌو عندها وأبُو عَمرِو وزيدٌ وبكرٌ والخليلُ وثعلبٌ ... ويحيى وعبدُ القاهر الحبرُ والخبري وماذا عسى فكري يطيع لواجب الـ ... ـمديحِ (¬2) وما قَدْرُ الشِّهاب مِنَ البدرِ ولا سيَّما مَعْ غُربةٍ وفُراقِ مَنْ ... ألِفْتُ وقد مُدَّت إليَّ يدُ القَهرِ وقد كنتُ مِنْ مصر بكيتُ تعتُّبًا ... فلمَّا تغرَّبنا بكيتُ على مِصْرِ فلم يأت ما أرضى ولم أرضَ ما أتى ... ولكن تعوَّدنَا بطاعة ذي الأمرِ ونزرتُ لأعيا بل الذِّهنُ لا يعي ... لتقسيمه فأفصِحْ (¬3) أخا الحكم عَن نزري فهذا لعمري الجهدُ منِّي بذلتُه ... ولكن سأقضي الدَّين إن مُدَّ في عُمري عبرتُ زمانًا والقَرِيضُ يُطيعني ... فيا ليتَ شعري هل يُضيء سنا شعري فقد لاح عُذري يا إمامَ زمانِه ... وفُرْقَةُ إلْفِي علَّمتني الهوى العُذري ورفقةُ قومٍ صار ذو الفَضْل فيهمُ ... وأبناءُ أهلِ الجهلِ سيَّان في القَدْرِ جنيتُ على نفسي بتقليد أمرهم ... فلم أجْنِ تمرًا بل تحيَّرتُ في أمري ولكنَّ حُسْنَ الظَّنِّ باللَّه حفَّني ... فداركني اللُّطفُ الخفيُّ ولا أدري لك الحمدُ في الأولى والأخرى وإنني ... عليه أعتمادي في السَّريرة والجهرِ ومنه على خير الأنام محمَّدٍ ... صلاةٌ وتسليمٌ وبِرُّ إلى برِّ ولا زال بدرُ الدِّين يُشرقُ نورُه ... على طالبي العلم الشَّريف مدى الدَّهرِ (¬4) وكتب إلى الزَّين أبي بكر محمد بن محمد بن محمد بن علي، المدعو بزين الخوافي لمَّا قدم القاهرة: ¬

_ (¬1) في (ط): "يغني عن الحصر"، خطأ. (¬2) في (ط): "المدح". (¬3) في (ب، ط): "فاصفح". (¬4) هذا البيت لم يرد في (ب).

قَدِمَتَ لمصرَ يا زَيْنَ المعالي ... فوافتها الأماني والعوافي وما سَرَتِ القوافلُ مُنذ دهرٍ ... بمثل سَري القوادِم بالخوافي فأجابه الزين المذكور بقوله: أيا مَنْ فاق أهل العصر (¬1) فضلًا ... وعلمًا بالحديثِ بالاعترافِ تقدَّسَ سِرُّكَ الصَّافي فأحيا ... مِنَ الآثار مُنْدَرِسَ المطافِ سألتُ اللَّه أن يبقيك حتَّى ... تفيضَ على القوادم والخوافي وأجابه أولاده أيضًا، لكن أحسنُهم جوابًا ولدُه إسماعيل، فاقتصرت عليه، فقال: أقمتَ بمصر يا صدرَ الأعالي ... وصِيتُكَ في العوالمِ غيرُ خافي وزيَّنْتَ الورى جيلًا فجيلًا ... فشرَّفْتَ القوادِمَ والخوافي ثم بدا لي كتابةُ الجميع، فقال ولدُه الآخَرُ إبراهيم: شهاب المجدِ مِنْ شَرَفٍ وقَدْرٍ ... علا مُسْتَغْنيًا عَنْ إتّصافِ محيطُ العلمِ طَوْدُ الحلم حقًّا ... له الفضلُ العظيمُ بلا خلافِ وقال ولده الآخر محمد: أيا مَلِكَ العُلا شمسَ المعالي ... ضياؤُكَ للورى كافٍ ووافي بنورك (¬2) قد تجوهر كلُّ جسمٍ ... بعارِضِ جودِكَ ارْتَوَتِ الفَيافي بنظمك قد نَثرْتَ مِنَ اللآلي ... على الآفاق وأظْهَرْتَ الخَوافي بقيتَ لمحْوَرِ الإسلامِ قطبًا ... بذاتك قائمٌ كلُّ العوافي ¬

_ (¬1) في (ط): "العلم". (¬2) في (ط): "لنورك".

وكتب إليه الشيخ شمسُ الدِّين محمد الهيثمي فيما رأيتُه منسوبًا إليه، ولا أتحقَّق هل هو الآتي (¬1) في المُلغزين (¬2) أو غيره -ما نصُّه: يا سيدًا حفَّني مِنْ ذاته شرفٌ ... وعمَّني (مِنْ) (¬3) أيادي جُوده تُحَفُ الهيثميُّ إلى الباب الكريم أتى ... كالسَّعْدِ يَمكُثُ أو كالهَمِّ ينصَرِفُ فأجاب: أهلًا بشمس أتى للفضل يغترف ... إني (¬4) له بجميع الفضل أعترفُ ادخل إلى منزلٍ يشتاق رُؤْيتكُم ... ومِنْ ثمارِ الهَنا والعِزِّ يقتطِفُ يا أيها الشمسُ يا بدرٌ ويا قمرٌ ... محمدٌ لم يكن في البأس ينصرِفُ وكتب (¬5) إليه بعضهم (¬6): ما يقولُ سيِّدي (¬7) المفتيُّ في ... مُهَفْهَفٍ بمقلةٍ كَحْلَى وفي وأغيدٍ ذو (¬8) حاجِبٍ سودٍ وفي ... ماذا يقولُ سيِّدي فيه وفي فأجابه: وافى الحبيبُ سيِّدي وما تَفِي ... كم عاشقٍ متيَّمٍ قد ماتَ في بادرْ إلى وَصْلِ الحَبِيبِ لتَنْتَفي ... عنك الهموم وقمْ إليه وأنتَ في ¬

_ (¬1) في (ط): "أهو الآتي". (¬2) ص 843 مِنْ هذا الجرء. (¬3) في ساقطة مِنْ (ب). (¬4) في (ط): "إن". (¬5) لم ترد هذه المقطوعة في (ب). وورد مكانهما مقطوعتان ستردان في ص 884 - 885. وقد كانت هاتان المقطوعتان هنا في (ح)، ثم شطب عليهما. (¬6) في هامش (ح) ما نصه: "هو صدر الدين بن العجمي محتسب القاهرة. هكذا أخبرني بذلك الشريف المصري الرسولي". (¬7) في (ط): "سيدنا". (¬8) في (ط): "ذا".

الألغاز

الألغاز وأمّا الألغاز، ولم أسمع بأسرع منه حلًّا لها في عصره، ونُورِدُها -أيضًا- على حروف المعجم في المُلغزِين أو الملغَز لهم بعد أن نُقَدِّمَ جوابه عَن لغزٍ لبعض مِنْ لم يعاصره، وذلك أنَّ البرهان الحلبيَّ الحافظَ بحلب قال: أنشدنا علي بن عيسى بن محمد بن أبي مهدي (¬1) لابن الجبَّاب الغرناطي مُلغزًا في المِسْك: كتبتم رُموزًا ولم تكتُبوا ... كهذا الذي سُبْلُه واضِحَهْ فما اسمٌ جرى ذِكرُه في الكتاب ... فإنْ شِئْتُمُ فاقرَؤوا الفاتِحَهْ ففيها مُصَحَّفُ معكوسِه (¬2) ... يَدُلُّ على حالةٍ صالِحَهْ وليست بغاديةٍ فافْهَمُوا ... ولكنَّها أبدًا رائِحَهْ وسمعها صاحبُ الترجمة [مِنْ الشَّمس محمد بن الخضر بن المصري، قال: أنشدنا علي المذكور، وسأله -أعني ابن المصري- الجواب عنه] (¬3)، فأجاب: ¬

_ (¬1) في (ب): "علي بن عيسى بن مهدي" والمثبت مِنْ (أ، ح، ط) ومن ترجمته في "الدرر الكامنة" 3/ 92 - 93، حيث أورد الحافظ ابن حجر فيه هذا اللغز والجواب عليه، لكنه جعل اللغز لشمس الدين محمد بن الخضر الحلبي. (¬2) في (ط) والدرر الكامنة: "مقلوبه". (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وورد في هامش (ح).

قرأنا الكتاب جهارًا وقد ... تبدَّى لنا السِّرُّ في الفاتحهْ وجدناه مِنْ قبل تصحيفه ... تُسهّل له سُبْله الواضحهْ ومن قبلِ تسعٍ قُبَيْل "البُروج" ... يُرى ثَمَّ كالأنْجُمِ اللائحهْ وتغيير ثانيه مع قلبه ... ومع حذفِه ثمّ بالرائحه [يشير رحمه اللَّه إلى سورة المطففين، فإن قوله: "ختامه مسك" قبل خَتْم هذه السورة بتسع آيات، وهي قبل سورة البروج، بينهما سورة الانشقاق، وإذا حذفت ثانية، صار "م ك" (¬1)، فإذا قُلبت، صار "ك م"، فإذا غيرت الكاف بالنون (¬2)، صار "ن مَّ"]. (¬3) فمنها ما أجاب به البرهان ابنَ زُقاعة، حيث قال في القمح: ما بيانٌ ضمَّنْتُه شعري ... ثُلثُه سورةٌ مِنَ الذِّكْرِ ثمَّ باقيه نصفُ اسم نَبي ... مرسلٍ بالكتابِ والنُّذْرِ عكسُ باقيه سورة أخرى (¬4) ... عكسه كلّه مِنْ الشَّرِّ فقال: خير حَبْرٍ في العلم كالبَحْرِ ... لغزُه في محرِّف البَرِّ ثلاثةُ أحرفٍ بلا عددٍ ... أو ثلاث مغيبة الأمرِ خفَّ لفظًا لكن به ثِقْلٌ ... قد رسا فاهُ على البحرِ لو تَتَبَّعتُ وصفَه أعيى ... إنه قد زها عَنِ الحصرِ وكتب إليه العلَّامة الشِّهابُ أحمدُ الحجازي الصوفي المقرىء كما في مربَّع: ¬

_ (¬1) في (أ): "باللَّه صارمك". (¬2) في (ط): "بالكاف والنون". (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) "أخرى" ساقطة مِنْ (ط).

أيا شيخَ الإسلام المعظَّمُ قدرُه ... وقاضي قُضاةِ العصْرِ لا زِلْتَ تشرُفُ ويا عالمَ الأقطار يا حافِظَ الورى ... ويا حاكمًا ما زال بالعدْلِ ينصفُ (¬1) فديتُكَ أي اسم يرادفُ موضعًا ... له غايةٌ في الطُّول والعرض تُعرفُ وإن شكلَه غيَّرْتَ فهو مُرَبَّعٌ ... وذلك في بعضِ الأماكن يُؤلفُ ويفضُلُ ربعٌ منه إن زال ربعُه ... وذلك حقٌّ ليس فيه (¬2) توقُّفُ وإن زالَ حرفٌ أولُ ثم آخرٌ ... فباقيه وصفٌ للإله مشرَّفُ وذا الوصف أيضًا إن عَكَسْتَ بلا مِرًا ... يصيرُ اسمُ ربِّ بالخلائق يرأفُ وآخره إن تحذِفَنْ صار خُلَّةً ... لشيخِ طريقٍ والطَّريقُ التَّصوُّفُ إذا النِّصفُ منه مرَّ فاعكِسْهُ بعدَ ذا ... تجِدْ فِعْلَ امرىءٍ وهو مِنْ فيك ألطفُ فإنك أولى مَنْ يُرَام نوالُه ... ويُقصَد للعلمِ الشَّريف فيُسْعِفُ حسبي صحيحٌ حيثُ بالجَبْر (¬3) سيدي ... يُقابلني مِنْ بعد كسري ويُنصِف فكم (¬4) جئت مكسورًا مضافًا لنحوهِ ... فيُعربُ عن تمييزِ حالي ويَعْطِفُ ويفرق ما بيني وما بين عُسْرَتي ... وبين يميني واليَسَارُ يؤلّفُ فإن شبَّهُوا بالسحب والبحرِ كفَّه ... قُلِ السحب تبكي منه والبحر يرجُفُ فعن سقطاتي فاعفُ وانظر تكرُّمًا ... بعينِ الرِّضا إنِّي له أتشوَّفُ وأغْضِ وسامِحْ عَنْ مُصابٍ بعقله ... فحلمُك (¬5) يُنبي أنَّكِ اليومَ أحنَفُ ودُم وابقَ ما دامَ السُّها في رعايةٍ ... بك اللَّه يا بحرَ المكارم يلطُفُ فأجابه: ¬

_ (¬1) في (ط): "يوصف". (¬2) ساقطة مِنْ (ط). (¬3) في (ط): "بالخبر". (¬4) في (أ): "فلو". (¬5) في (أ، ط): "فحكمك".

ألا يا شهاب الدين نورُك مشرقٌ ... وأنت على العلياء بالفَضْلِ مُشْرِفُ وبالقلب للبرقِ اليماني تألُّقٌ ... وللطَّرف بالنُّور الحجازي تألُّفُ نظَمْتَ عُقودًا مِنْ لآلٍ تحرَّرتْ ... فرَقَّت سلوكًا راق منها التصوُّفُ فلا شمسُها تعشى برَيْنِ سحابةٍ ... ولا بدرُها يُخشى عليه التَّكلُّفُ وما أظرفَ المعنى الذي ألغزْتَه لي ... بظرفٍ مكانٍ مِنْ ذوي الظَّرفِ أظْرَفْ فذكَّرني عهدًا لدارِ أحبَّةٍ ... يطيبُ بها عيشُ اللَّبيبِ ويلطُفُ غنَيْنا بها معهم مصِيفًا ومَرْبَعًا ... وطابَ لنا بالوَصْل مَشْتَى ومخَرفُ فأسّلمنا ذاك النَّعيم إلى نَوَى ... بأسهُمها في أعيُن الوصل تقذفُ (¬1) ألا هَلْ إلى تلك المعاهد رجعة ... يُنجِّزُ مِنْ وَعْدِ المُنى ما يُسَوِّفُ فيا خاطري دع ذكرها واسْعَ طيِّعًا ... إلى حلِّ لغزٍ كم عليه تطوّفُ يلُوحُ بأقطار الحجاز محرَّفًا ... لمكَّة تنصيفًا وينبُع يألفُ إذا لامُه زالت وحاجَيْتَ بعدما ... تُصَحِّفُه يبدو سحابٌ مؤلَّفُ وحاجِ وصحّفْ واحذف الفاء عاكسا ... تجده كما قدَّمْتَ لا يتخلَّفُ وأحرفُه في الأصل عُدَّت ثلاثةٌ ... وأربعةٌ نُطْقًا وخطًّا تصرّفُ وتبلغ إن تُضْرَب ثلاث مئينَ بل ... ورد عَشْرةً واثنين فالضَّرْبُ يكشِفُ وإن رُحتَ تبني منه وزْنَ محمَّدٍ ... تَجِدْ رجُلًا في الدَّهر بالحِفَظ يُوصَفُ وصحّف قسيمَيْه تجد نسبةً زهت ... يلوح بشَطْرَيها إمامٌ مصنِّفُ كصاحب "تهذيب الكمال" مذكرًا ... ونسبة محيي السُّنّة النَّدبُ يعرفُ فهذا جوابي بعد لأيٍ ولفظُه (¬2) ... لكثرة شُغلي لاحَ فيه تكلُّفُ بقِيتَ بِدُرٍّ اللَّفظ مِنْ غير منتهى ... تَشَنِّفُ سمع المبتدي وتُشرِّفُ ¬

_ (¬1) هذا البيت لم يرد في (ب) حيث أضافه المصنف بخطه في (ح). (¬2) في (أ): "وحفظه" تحريف.

وكتب إليه المجدُ إسماعيل بن إبراهيم الحنفي -أحدُ شيوخه- لغزًا على قافية العين. . . (¬1). وكتب إليه الرضي أبو بكر بن أبي المعالي الزَّبيدي النَّاشري بقوله: حبيبي في لباب القلبِ منِّي ... إذا ما آخرًا صحفتُ منهُ لقد أعربتُ عنه فيا مَنْ ... فاق في فهمِ المعاني فاعرِفَنْهُ فأجابه: لك الرَّأيُ الرَّشيدُ بحبِّ بدرٍ ... إذا سفرَ استضاءَ البدرُ منهُ تأمَّلْ نورَه بالقلبِ تجلى ... على الرَّسم الذي ما حِلْتَ عنهُ وبقوله: ما كنت أدري قَبْلَ طَعْم الهوى ... أن هواكم فيه ذمٌ كثيرْ فاعرِفْ محلَّ اللُّغْزِ يا سيِّدي ... وصحِّفِ الثُّلثَ توفه شهيرْ ومثل ما يبقى فخذه وجُدْ ... بالعكْسِ والتَّصحيفِ تَلْقَ الخَبيرْ فأجابه بقوله: دُمْ، حَمْدُ (¬2) ما تأتي به واجبٌ ... له مِنَ القلبِ محلُّ كبيرْ وعشتَ في عزٍّ لعمري لقد ... أزْرَيْتَ بالفاضل وابنِ الأثيرْ عجبتُ مِنْ لغزك لمَّا غدا ... محمدًا كم فيه ذم كثيرْ وأجابه أيضًا بقوله: ¬

_ (¬1) بياض في الأصول مقداره سبعة سطور. وقد أشار الحافظ ابن حجر في ترجمة المجد إسماعيل مِنْ "المجمع المؤسس" 1/ 461 إلى هذا اللغز، حيث قال: لقيته قديمًا، وطارحني بلغز على قافية العين. (¬2) في (أ): حمدت.

وافى كتابٌ منكَ يا سيِّدًا ... ما مثله يُوجَدُ تحتَ الأثيرْ وفيه ذمٌ جاء إذ قِسْتَني ... في النَّظم بالفاضل وابنِ الأثيرْ فما رحبُ الخدمة عندي لكُم ... وكان عندي الوِدادُ المنيرْ وكتب إليه الحافظ الصلاح أبو الصَّفاء خليل بن محمد الأقفهسي قوله ملغزًا في سكين: يا سيدًا عن علاه ... كُلُّ الأفاضِلِ قُصّرْ صحّف وأنت المفَدَّى ... مثالَ منزلِ قَسْوَرْ فأجابه: لك الكلامُ رقيق ... والنَّظمُ منه محرَّرْ فاذبَحْ بلُغزِكَ مَنْ قَدْ ... غدا يعاديك (¬1) وانحرْ وقوله: يا أيُّها المولى الذي قد غدا ... بكلِّ وصفٍ حَسَنٍ ظافرا ما اسمٌ إذا صحَّفْتَ معكوسَه ... ممثلًا ألفَيْتَه ظاهرا وإن حذَفْتَ الرُّبعَ مَعْ قلبِه ... مثل تجده أسدًا كاسرًا ونصفه شبه عِذَارِ الذي ... أمسى عذولي فيه لي عاذوا فأجابه: أهلًا بلغزٍ باسِمٍ نعتُه ... كالرَّعد لمَّا أن غدا زاخرا في اسمٍ إذا ما عكسوا سابعٌ ... وإن تبدَّل تَرَهُ عاشرا وسابع التَّصحيفِ بَيْنَ الوَرى ... والقلب منه قد غدا عامرا ¬

_ (¬1) في (ط): "يشانيك".

بتْ يانِعَ القلب بلغزٍ زها ... كالرَّوْضِ إن صحَّفْته زاهرا وقوله: يا فريدًا في معاليه (¬1) ويا ... مَنْ به العَماءُ عنا تكشفُ أيما اسمٍ ثُلْثُه حرفٌ وإن ... شِئْتَ فاسمٌ في الأسامي يُعْرفُ قلبه آخر تجده مشبهًا ... حاجتي مِنْ أنا فيه كلفُ وإذا صحَّفت يومًا عكسَهُ ... تَلْقَ شِبْهَ اللَّحْظِ لما تصِفُ فتبيَّنْ حلَّ ما ألغزتُه ... بعد تصحيف (¬2) فأنت المنصِفُ فأجابه: دُمْتَ للآداب تُحيي دارِسًا ... [قد عفا] (¬3) منها ورسمًا يُصرَفُ مرحبًا باللُّغز كالزَّهر زَهَا ... فهو بالأسماع منَّا يُقْطَفُ فيه معنى لأُناس بدلوا ... منه حرفًا وأُناسٍ صحَّفوا حلُّهُ شقَّ على القلب إذا ... أهمل البعض مُحاجٍ يحذفُ قِسْتَ بالتَّصحيف ما ألغزته ... فبِذا إذا قَلبْتهُ الصُّحْفُ وقوله في نصير: أيُّما اسم دمت ... تلقاه مِنَ اللَّه مُعينا قدِّم البَعْض وصحِّف ... تبْصِرِ اللُّغْزَ مُبينا فأجابه: فُقْتَ في اللُّغز سِرَاجًا ... ونصيرًا ومُبينا ¬

_ (¬1) في (ط): "معانيه". (¬2) في (ط): "تنصيف"، وهو تحريف. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب) وأضافه المصنف في (ح)، فقال: "لعله قد عفا".

إنْ نُقَلِّب لكَ لغزًا ... تلفه نظمًا رصينا وقوله: يا إمامًا (¬1) له الفضائلُ تُعزى ... وبحُسْنِ الذَّكا علينا (¬2) يفوقُ أيُّما اسمٍ إذا عكسْتَ وصحَّفْتَ ... ومثّلت قلت ذا معشوقُ فأجابه مُسترسلًا: إنَّ لُغز الخليل هذا حبيبٌ ... لذَوي الفضْلِ فيه معنى يروقُ عُدَّ خَمْسًا وعشرةً خُمساه ... وهو ذات صَلَّى إليها السَّبوقُ وكتب صاحبُ التَّرجمة مُلغزًا للصَّلاح المذكور في "أنس": أيُّ شيءٍ عَكْسُ معنى ... فيك قد أظهرَ فَضْلَكْ ومَعَ العكْسِ فَصَحِّفْ ... منه شيئًا يطرد لكْ فأجابه الصلاح: لُغزُك العالي بديعٌ ... دلَّنا أنْ لَيْسَ مِثْلَكْ إنْ حذَفْتَ البَعْضَ منه ... صحّفِ الباقي يَبِنْ لَكْ وكتب إليه شيخُنا أيضًا: أيُّ شيءٍ موقع ... لذوي القَدْرِ (¬3) والغِنَا إن تُقدِّمْ مصَحَّفًا ... ينجلي الُّلغْزُ بَيِّنَا فأجابه: ¬

_ (¬1) في (ب): "يا إمام". (¬2) في (ب): "عليه". (¬3) في (ط): "الفضل".

يا إمامًا بفضلِه ... نَطَقَتْ ألسُنُ الثَّنا بَيِّنٌ حلُّ لُغْزِكُم ... بعدَ تصحيفِه لنا وكتب إليه شيخُنا أيضًا: يا إمامًا فاق فضلًا ... مِنْ مضى ومَنْ تأخَّرْ أيُّما اسم إن تبدَّل ... ثالثًا فيه تحرّرْ قلبه في الرَّوْضِ والجسم ... بِحَرِّ البرِّ يسْعَرْ قدِّم البَعْضَ وصحِّف ... تلقَ ما ألغزتُ يَظْهَرْ فأجابه: فيكَ مولايَ معالٍ ... ومعانٍ ليسَ تُحْصَرْ حبَّذا لُغزكَ لُغْزًا ... جاء للعَبْدِ محرَّرْ ثلثُه فِعْلٌ وباقيه ... فَحَرْفٌ لَيْس يُنْكَرْ وإذا ما صحَّفُوه ... قبل عكسٍ كيف يَظْهَرْ وكتب إليه الغرس خليل بن أحمد بن الغرس (¬1) (في حليمة) (¬2). أقاضي قُضاةِ الدِّين والمشرقِ الذي ... أضاءَ على الآفاق في الشَّرق والغربِ ومن قد غدا في العِلْمِ سيفُ لسانهِ ... يفُلُّ سُيوفَ الخَصْمِ في البُعْدِ والقُرب ويا مُفَرَدًا فيه الفضائِلُ جُمِّعَتْ ... بها تَتَثنَّى في المحافِلِ كالقُضْبِ ويا فارسَ الإسلام في كلِّ مُشْكِلٍ ... وموضِحَه بين الكتاب والكُتْبِ ويا بحرَ آدابٍ مِنَ النَّقصِ سالمٌ ... ويا مُظْهرًا عِلمَ الأعاريضِ والضَّربِ ¬

_ (¬1) في (ب): "عبد العزيز"، وفي (ط): "الفرس". وهو تصحيف. وانظر الضوء اللامع 3/ 191، حيث أشار إلى هذا اللغز. (¬2) ساقطة مِنْ (ب).

ويا مالِكَ الأوزان والنَّظم بالوَلَا ... ووارِثَها دُونَ الفضائل (¬1) بالغَضْبِ فديتُك، ما اسمٌ واحدٌ وهو خمسةٌ ... تسمَّت به مِنْ بالبَها سلبَتْ لُبِّي وقد لَبِسَتْ منه ثلاثًا لزينَيةٍ ... وقلب الذي أبقته مِنْ ذاك في قلبي وأوَّلُ حرفٍ منه إن حلَّ رابعًا ... ورابعه (¬2) في وصفها أوَّلٌ ينبي وإن شِئتَ يا مولاي فاقلِبْ حُروفَه ... ترى اسمًا وفعلًا إن نأت أوحبا كربي هو الاسمُ ذو مجدٍ قديمٌ حديثُه ... وإنقاذُه مِنْ غاية الجَدْبِ للخِصْبِ ففسِّره لي لا زلتَ تعلو وترتقي ... ونورُك للسَّارين يسمو (¬3) على الشُّهْبِ وعِشْ آمنًا في ألْفِ خيرٍ ونِعْمَةٍ ... وحاسدُكَ التَّعبان مُؤذنُ بالحربِ على هامة الجَوْزاءِ تحبس صاعدًا ... وشانيك يهوي نازلًا أسفلَ التُّربِ لتُعرب بالحُسْنَى لمَن نحوَك التجا ... وترفعُه في حالةِ الخَفْضِ والنَّصبِ فأجابه: أمولايَ غَرْسَ الدِّين والفاضلِ الذي ... له ثمر الآداب دانيةُ الهُدْبِ ومَن لاح حتَّى في ذُرى الشَّرقِ فضلُه ... فأجرى دُموعَ الحاسدين مِنَ الغَرْبِ وليَّن عاسِي اللُّغزِ مِنْ بعد يُبْسِه ... فصَيَّره بالنَّظم كاللؤلؤ الرطبِ وأتحفني مِنْ لُغزِه باسمِ غادةٍ ... لها شرفٌ في مطلَقِ الشَّرَفِ النِّسبي ليهن بني سعدٍ (¬4) مكان فتاتِهم ... فذلك أولى مِنْ ليهن بني كعبِ فتلك هَناها بالقُعُودِ بمرصَدٍ ... وهذي هَناها بالقيام على الحبِّ وكانت قديمًا بالحجار ديارُها ... وجاورَتِ المقياسَ في مِصْرَ عَنْ قُربِ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "الأفاضل". (¬2) في (ط): "وأربعة"، تحريف. (¬3) في (ط): "يعلو". (¬4) في هامش (ط): إشارة إلى أم معبد وما قاله أهل [العلم] فيها والقصة معروفة.

وعهدي بها (¬1) تُصْبي المحبَّ فينثني ... بذِلَّتِه في عزها مثل مَنْ تسبي مليحةُ طَرْفٍ دارةُ البَدْرِ دارُها ... حليمةُ قَلْبٍ إن أسكنت (¬2) هجرها قلبي خُماسيًة لكنها بِنْت عشرةٍ ... وثِنْتَين عندَ العارفين ذوي الحَسْبِ وقد قيل: بل تسعينَ بعد ثلاثةٍ ... على رأي قَوْمٍ مِنْ أولي العلمِ بالكُتْب بتحويل ثانٍ منه مع حذفِ خامسٍ ... يصيرُ حكيمًا عنده آلةُ الطِّبِّ ثلاثة أخماس اسمها عُدَّها متى ... تُصَحِّف وكَمِّلْ مثل (¬3) قولِ امرىءٍ حسبي وإن لم تكمل تلتَقيه اسمَ بلدةٍ ... إذا وصفُوها فهي واحدة الشُّهب وحاجِ وصحِّفْ مرَّتين مرتِّبًا ... لكيْمَا يعودَ الوصفُ مرتَفِع الحُجْبِ وإنْ شِئْتَ أبْقِ اللّامَ مع حذفها يَلُحْ ... إذا أنت أمعنتَ التَّفكُّر بالقَلْب وصحِّفْه أيضًا عاكسًا تر نازلًا ... مِنَ الأُفُقِ الأعلى يكونُ في السُّحبِ وفي رأس مَنْ قَدْ قيل فَضْلَةُ آدم ... وبلدة عُجمٍ حازها فارسُ العُرْبِ بِحَاميمَ عوذ جانِبَيها مذكّرًا ... وباقيه لي فيه امتحانُ ذوي اللُّبِّ فهذا جوابي مع شواغلَ تقتضي ... ليَ البُطْءَ فاعذُرني وخفِّفْ مِنَ العَتْبِ يُلبِّيكَ لُبِّي حينَ تدعُو فمن يَقُلْ ... تُرى مَنْ أجاب الألمعيَّ أقل: لُبِّي وكتب -فيما نقلته مِنْ خطِّه- لقاضي القضاة جلال الدين البُلقيني مطارحًا، في سنة إحدى عشرة: أسيِّدنا قاضي القُضاة ومَنْ غدا ... يقصِّرُ عن علياته (¬4) في العُلا البَدْرُ ومَنْ لاح مثلَ الصُّبح نورُ جلالِه ... فضاءَ به واديه وافتخرَ العصرُ ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ط). (¬2) في (أ، ب): "سكن"، وكذا كانت في (ح)، ثم أصلحها المصنف في الحاشية. (¬3) في (ط): "منه". (¬4) في (أ): "غاياته".

ويا أيُّها البحرُ الخِضَمُّ لعلمه ... وللرِّفق بالطُّلاب يا أيُّها البَرُّ أبِنْ لي رعاك اللَّه لا زلتَ كاشفًا ... لمُعضلةٍ تبدو ومشكلةٍ تعرو عن الحكم في أنثى أتت مع ثلاثةٍ ... إلى حاكمٍ عَدْلٍ عفيفٍ له قدرُ فذا قال: ذي (¬1) بنتي، وهذا حليلتي ... وذا أَمَتي والكلُّ قال: أنا حرُّ فأنكرتِ الدَّعوى وقالت: جميعُهم ... عبيدي وفي رقِّي أقامهُمُ الدَّهرُ وبيَّن كلٌّ ما ادَّعى فتعارَضَتْ ... على الحاكمِ الدَّعوى وقد أشكلَ الأمرُ فمن يفصِلُ الحُكْمَ بالحقِّ بينهم ... جهارًا فحقًّا عنك لا يختفي السِّرُّ فلا زِلتَ محمودَ القضايا مؤيَّدًا ... يُقصِّرُ عَن أوصافِكَ النَّظمُ والنَّثرُ فأجاب، ومن خطه -أعني المجيب (¬2) - نقلت: أحافِظَ هذا العصر يهناكُمُ البِشْرُ ... بجمعِ علومٍ فاح مِنْ طيِّها النَّشرُ حوى صدرُك الميمونُ فيها معارِفًا ... ففاضت به الأنوارُ وانشرح الصَّدرُ فأوضَحْتَ للطُّلاب منها معادنًا ... فدامَ لك التَّسهيلُ والخير واليُسرُ جَمَعْتَ فُنونًا مِنْ علومٍ مُهِمَّةٍ ... فما نِسْبَةُ الأفنان، ما النُّورُ ما الزَّهرُ؟ فأنت سليلُ العارفين وحافظٌ ... لسلسلةِ الإسنادِ بينَ الورى ذُخْرُ عليمٌ بعلمِ الشَّرع حاوٍ أصولَهُ ... بنظْمِكَ في الألغاز يفتخِرُ الشِّعرُ وإنَّ التي جاءت تُحاكم مَن غدا ... يخاصِمُها قد أوثقَتْهُم ولم يدروا فإنَّ النِّسا -قد قيل- يغلِبُ كفرُهُم ... وليس لذي لُبٍّ على أمرهم أمرُ وإنَّ أباها صار في ذُلٍّ رقِّها ... بعزِّ الولا فازت وصارَ لها ذكرُ وفازت برقٍّ للحَليلِ مؤبَّدٍ ... وليس له طُولَ المدى جهرةٌ سرُّ وفازت بإسقاطٍ لبيِّنَةِ الذي ... يُحاول إرقاقًا فليس بها ضُرُّ ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ب). (¬2) في (أ): "المحب"، تحريف.

فهذا الذي قد بان مِنْ فتحِ ربّنا ... وفي نظمِه يُبْسٌ وعندكُم السَّتْرُ وكتب أيضًا إليه: يا سيدي قاضي القضاة ومَنْ له ... حِلْمٌ تَذِلُّ له رواسي يذبُلا يا مِفْضَلًا عظُمت مواهِبُه فكم ... وافى إلى الطُّلاب منه مِنْ إلى يا عالمًا (¬1) قد كُمِّلَتْ أوصافُه ... في عصره وسواه ليس مُكمَّلا العلمُ والنَّسبُ الكريمُ المجتبى (¬2) ... والحُكمُ والكرمُ العميمُ المجتلى ماذا تقول (¬3) أعزَّك اللَّه الذي ... لم يُخْفِ عَنْ تحقيق فكرك مُشكلا في نكتة لم يُختَلَفْ فيها وقد ... كادت تخالِفُ نصَّ وحيٍ أُنْزِلا عدلاد إن شهدَا ولم يُستشْهَدا ... قُبلا وإن يُستشهدا لم يُقبلا والفَرْضُ أنَّ الأمرَ أمرٌ واحدٌ ... والحقُّ لامرأةٍ تؤولُ إلى القلى فأبِنْ -رعاكَ اللَّه- مُشكِلَها ودُمْ ... في كلِّ حينٍ مُنْعِمًا مُتَفَضِّلًا فأجابه بما نقلته مِنْ خطه أيضًا: يا حافظًا نال المعاليَ كُمَّلا (¬4) ... وغدا لمن يَبْغي العُلومَ مؤمَّلا حَفِظَ الأصولَ مع الفُروع ونحوُه ... علمٌ لأهل العلمِ أضحى مَعْقِلا للَّه درُّكَ مِنْ إمامٍ حافظٍ ... للسُّنَّة الغراءِ أصبحَ موئلا وكذا بفقهِ محمَّدٍ أفكارُه ... وبحُوثُه أبكارُه لَنْ تُجتلى ألغازُه طُرُزُ المحافل في الورى ... فاقت ببهجتها الجواهِرَ والحلى منها اللَّذان إذا يُقالُ ألا اشهدا ... مُنِعَا وإن بَدَءا بذا لن يُهملا ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "عاملًا". (¬2) في (ط): "المجتنى". (¬3) في (ط): "أقول". (¬4) في (أ): "كلَّها".

فَهُما اللَّذان على الرّضاع وفُرْقَةٍ ... وسقوط قَذْفٍ للأصول تحمَّلا هُنِّيتَ بالإفتاءِ والتَّدريس والعلم الـ ... ـذي أضحى عليك مُسَهَّلا (¬1) وكتب إليه الزَّين عبد الرحمن بن محمد بن سلمان بن الخراط، فيما قرأته مِنْ خطِّه ملغزًا في البنكام (¬2). ما قول الإمام أحمد، المبْعُوث إلى أهل البلاغة بالإعجاز، والمحلَّى بعقُود حِلَّةِ أجياد الألغاز، في اسم خماسي تشابه -كمسمّاه- طرفاه، شقَّ الصائغُ القدير في وسطه فاه، وأنطق (¬3) لسانه بخفيِّ الأسرار. والعجبُ أنَّه يهدي إلى الجنَّة وهو مِنْ أهل النار، وأعجبُ مِنْ ذا أنه خفيٌّ ظاهر واقف، وقلبه في الملكُوتِ سائر، قائمٌ في خدمة ربِّه لا يعرف الهُجود، ملازِمٌ الخَمسَ، لكن مِنْ غير ركوع وسجود. كم حجَّ مُحْرِمًا إلى بيت اللَّه الحرام، وعاد منه وما أحلَّ عَنِ الإحرام، لا تعرف منه الأهلَّة، وكونه عليه مِنْ أوضح الأدلة وما وجب عليه، وقد وجب أن هذا مِنَ العجب. هذا وهو صاحبُ الوقت مِنَ الصَّالحين الأبدال، كم قطع مسافات، ولم يبرَحْ مكانَه، متقلِّبُ الأحوال مِنْ ذوي الكشف عن الأمور الخفيَّات، مِنَ الذين رفع الرَّافعُ الخافض (¬4) بعضهم فوق بعض درجات، يخبِر بما حواه الليلُ والنهار بكشفه، لا بحَدسِه، لكن لا يعلمُ ما في نفسك وأنت تعلمُ ما في نفسه، صُحبَتُه هدايةٌ إلى الخير وغبطة، ما فيه مِنْ عَيْبٍ، سوى أنَّه يقول بالنُّقطة، لطيفُ الشَّكل، حلوُ الوصل، للرَّقيب محبوب، لا يقَرُّ له قرارٌ حتَّى يستوفي المكتوب. خفيف له رِدْفٌ ثقيل وجسمٌ رقيق، وصورتُه -يا مفتي الفرق- فرعان، بينهما فرْقٌ دقيق، كلاهما وهَّابٌ لا يمسك، وسخِيٌّ لا يملك، بين تعب وراحة وكدٍّ واستراحة، يُعطي ويأخذ، لا وجودًا ولا عدمًا، حرفان ¬

_ (¬1) في (ب): و"مختصر السفيري": "ميسرًا ومسهلًا" وكذا كانت موجودة في (ح) ثم شطبت. (¬2) البنكام: الساعة الرملية. (¬3) في (أ): "وانطلق". (¬4) في (أ): "الحافظين"، تحريف.

أجوفان، معطوفٌ ومعطوفٌ عليه، إذا خفض (¬1) أحدهما، كان ما في ضمير المنصوب مجرور بالإضافة إليه ثَنَوِيُّ، وربَّما يقول بالتثليت، مذكَّرٌ ويُوصَفُ بالتَّأنيث، بِكْرٌ عوانٌ رقيقةُ الجسم، أخشى عليها أن تتصدع مِنْ النسيم وريحه، أحصنت فرجَها ونفخ الصانع المقدِّر فيها من روحه. حُبلى، والدها في أحشائها هو الولد، يتردَّدُ في بطنها ولا ينقضي لتردُّده أمد، فما استقرَّ نزولُه إلا ودنا تَرْحالُه، ومِنْ عجبٍ أنَّه في ساعة واحدة حملُه وفصاله. تمَّام يُفشي السِّرَّ الذي استودعه جنابه يضيقُ به صدرُه، فينطلق لسانه، والعجبُ أنَّه ليس بكافر، وقد أُصلِي النَّار، وعَقَدَ مِنْ بعدها في خصره الزِّنَّار، شدَّ لاستيفاءِ الأجل المحتومِ حيازيمه، لكن لنفسه دارانِ يسيرُ بينهما الهُوينَا بغير عزيمة. جامدٌ لم تزل نفسُه سائلة، وصورتُها في جسده رأي العَيْنِ ماثلة، بُرْجٌ ناريٌّ نَجْمُ الرَّجم به سيَّار، ذو جسدين يتقلَّب (¬2) بالليل والنهار، وهو -يا رُحْلَة المحدِّثين- أبو قلابة صحيح الأخبار. وهو -يا زاكي الأصول- مقيَّدٌ، والمطلقُ فيه مُوثقُ الإسار، فاعجب له -يا فصيحَ المنطق- مِنْ موضوع محمول، وأطرِبْ به -يا شاعر العصر- مِنْ مقطوع موصول، وهو -يا خليلَ العَروض- مجمَعُ البحرين، مقتضبٌ وكاملٌ لم يزل مركَّبٌ مِنْ دائرتين، يخرُجْ مِنْ بينهما إذا حرّكت الرَّمل، فاعجب لهما مِنْ دائرتين موصولتين، يخرج منهما بالتَّقطيع المنسرح، والمديد والمتدارك والسريع، أوضحتُه وإن خفي عنك -وحاشاك- معناه. فاللَّه يعلم مِنْ كلٍّ منك ومني ومنه متقلَّبه ومثواه، والحمد للَّه. فأجابه بما نقلته مِنْ خطِّه. الحمد للَّه الذي يُخْرجُ الخَبْء في السَّماوات والأرض، والصَّلاةُ والسَّلام على المصطفى المتطوِّل على أولي التَّقصير بالشَّفاعة يوم العرض. أما بعد، فقد وقفتُ على لغزٍ أقعدَ المعارض -ولو كان مِنْ أكبر صدرٍ ¬

_ (¬1) في (أ): "حفظ". (¬2) في (ب، ط): "منقلب".

- عجزًا، وتذللت مترفعًا لحرِّ كلامه ليُسفِرَ عن وجهه، فما ازدادت قوَّةُ لفظِه إلا جلالةً، ولا جود (¬1) معناه إلَّا عزًّا، ورمتُ افتتاح مغلَقِه، وقد أعيى الأُساةَ علاجُه، وأمعنْتُ النَّظر الأعشى فيه، إلى أنْ صرتُ كأني أنظرُ إليه مِنْ وراء زُجاجة، فامتلأ الطَّرْفُ لذلك نورًا والقلب سرورًا، وثبت عند حاكم الأدب أمره، كان ذلك في الكتاب مسطورًا، فإذا به وصف خديم، لأهل الطاعة مديم، لمحبة السُّنَّة والجماعة كريم، ربّما آثر بجميعِ ما عندَه في ساعة، بل في ثُلث أو سُدس أو خُمس ساعة. مفرد الأصل، مثنَّى الشَّكل، مثلَّثٌ قبل الشَّدِّ، مربَّعٌ عند العدِّ، خُماسيٌّ الأحرف والآلات في العين واليد. نعم، هو خماسي وابن أربع عشرة، بل ابنُ مائة وثلاث عشرة، وقد يكون طولُه قَدْرَ أُنْمُلَة، والعجبُ أنَّ له تعلُّقًا بالأُسِّ، وبيتُه السِّحريُّ لا أُسَّ له، وإليه المنتهى في الحساب، وليس يعرف في الحساب مسألة. وأعجبُ مِنْ ذلك أنَّه مِنْ أسباب التَّوحيد، وهو يدأبُ في خدمة كلِّ كوكب سيّار، ويلازم ارتقابَ أوقاتِ الصَّلوات لأجل العبادة، ثمَّ يرجع (¬2) بغير طمأنينة ويسجُد بغير اختيار. عجميٌّ لا يُعرِبُ لسانُه عمَّا في الضَّمير إلا بتُرجمان. كثير الهذرِ لا توقف فيه مِنْ سرعة الجواب، ولو كان مع الهذيان. مُقيمٌ سائر لا يزال معروفًا بالدَّوران، سوَّاح يُنسب للدورة الكبرى والدَّورة الصغرى بشهادة الخبر والعيان، وترادفُه بالنِّسبة إلى أصله المركب السائر يأمل رفع قدم ووضعها بحسب الإمكان، وهو أصل في تحرير طرفة الزمان، وإذا حذفت أوّليه عاكسًا، وحوَّلت ثالثَهُ رابعًا، صار ظرف مكان. لا تزيد أحرُف جمعه على مفرَدِه، ولا يقفُ الحاسب عند شيءٍ معين عن عدده، وإن أسقطتَ فاءه ولامه مصحفًا، رأيت صفة مِنْ قام معولًا، وإن قلعت عينه وجدت فرعًا متفرعًا في الحطِّ، وأصلًا متاصلًا. واعكسه مصحفًا تلق به نسبَ الحافظ أبي سعد، وافتحِ العَيْنَ تجد بقيته شيءٌ إن ضُمَّ جُرَّ إلى السَّعد، وإذا أُفرِدَ كان اسمَ جِماع أشرف بيت، لكن بعد التَّرخيم، ¬

_ (¬1) في (أ): "وجود". (¬2) في (ط): "يركع".

واسم لقبيل خالده الذي كان رئيس بني تميم، وتمثل بكلم (¬1) أخت العراقيَّة الفاروق لما استُشهد ريد، ونطق به مَنْ رام قتل الأسود النَّخعي بعد سقوطه مِنَ الفرس في وقعة الجمل في توسط الكبد، وهو (¬2) اسمُ مِنْ نُودي في رابعة (آل حم)، فلم يَغِبْ مِنْ ناداه، ومَنْ نودي في الدار المكرم (¬3) أن لا يجيب في الوقائع سواه. وإذا صيرت أوَّله ثانيًا، وحذفت أداة الاستفهام مراعيًا، استفتحْتَ حينئذِ مغلقَه، وشاهدته معلقًا في أول المعلَّقة. فإن صحَّفته، رأيت قِوامَ ديار مصر ما أعدلَه مِنْ قوام، طالما عدل وربما جار كدأب غيره مِنَ الحكام. ملك -وإن شئت قلت: هو ملك- يجري الفلك ويدور معه الفلك، طالما تردَّد إلى ضواحي مصر تردُّدَ الزُّوَّار، وقال حين واصل المعشوق: الحمد للَّه على طول الأعمار والرجوع إلى الآثار. وفي الجملة، فالوقت يضيق عَنِ استيعاب صفته، وأقصى نهاية معرفة الأديب أن يُقِرَّ بالعجز عَنْ معرفته. وكيف لا، ومنشئه ذو النَّظم الذي نُشِرَت في الآفاق دواوينه، وزُخرفت مِنْ كلِّ بيتٍ يخترعُه بأنواع الزَّين أواوينُه، وثقلت يوم العرض على الملك الممدَّح لطول نَفَسِه موازينُه، والنَّثر الذي جمع بين الفُحولية والانسجام، فكان ممتنعًا سهلًا، واستعمل المعنى اللطيف باللفظ القوي، فكان جزيلًا جَزْلًا. فلو رأى ابنُ المنجِّم دراري ألفاظه الملغزة في آلة الوقت، تُشرقُ في دياجي المنثور والمنظوم، للازَمَ في غَسَقِ الليالي لمدحِهِ مراصدَ الفَلَكِ ومواقِعَ النُّجوم. أو ابنُ السَّاعاتي، لأخفى كواكبه السَّيَّارة تحتَ النُّجوم. أو البديع الإصطرلابي، لغيَّبَ شمسَ معرفته وراء الغيوم. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "بكله". (¬2) في (ط): "وهم". (¬3) في (ط): "المكرمة".

فاللَّه يُبقي لذهنه الكامل الوافِر عمرَه الطويل المديد (¬1)، ويديم لسناء الملك -بل الممالك- سعدَه السَّعيد وجدَّه الجديد، ويلهمُه الإغضاء عمَّا وقع في هذا الجواب مِنْ دُرٍّ غير نضيد، وبناء غير مشيد، وبسط عُذر مَنْ شغلته دواعي القضاء المقدور، حتَّى ذبح بغير سكين، وجرى دمه مِنْ غير وريد، ويرفعُ قدرَه إلى أشرف رُتبة يشرق وجهه فيها طَلْقَ المحيَّا، ويطرق ضِدّه منها كمن أذهب عقله الحُمَيَّا، إلى أن يلتقي مِنْ بعد يأس سُهيل في الكواكب والثُّريَّا. وكتب إليه شيخه حافظ الوقت الزين عبد الرحيم العراقي رحمهما اللَّه ملغزًا (¬2) في (أنس): ما اسمٌ إذا ما مُدَّ كان فعلا ... أو سكَّنُوا العَيْنَ تراه أهلا لقسم مِنْ كُلِّف أو قَلَبْتَه ... يكن دواءً للمريض سهلا أو بلدة أو اسم جمعِ ماله ... مِنْ واحدٍ على الأصحِّ أصلا أو اسم أنثى أو مفاعلٌ جرى ... مِنْ حرفة بالغرب تترى تُدلى وإن تصحَّفَ جاء لاستفهام أو ... فردٍ مِنَ الأسماء عزَّ مِثْلا وإن قلبتَ يا فتى تصحيفَهُ ... فذاك فصل مِنْ سنينا هلَّا أو هو فعل ضارع الأسماءَ أو ... شيءٌ مِنَ الأشياء فاسمَعْ حلَّا فأجابه وعرضه على الملغز: ما القَطْرُ أرجاء الرِّياضِ حلَّا ... فبالزُّهورِ للغصُون جَلَّا أحسنَ في نفسِ اللَّبيب منظرا ... ولا ألذ موقعًا وأحلى مِنْ دُرَرٍ نظمَها سيدُنَا ... عبدُ الرَّحيم الفاضلُ المُعلَّا يا مالكًا في أنس ألغزَ ما ... يجلى على الأسماع حين يُتلى ما ملَّ فكري بعد أن كرَّره ... عليه ألفًا والبليد ملَّا ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (أ). (¬2) زيادة مِنْ (ط).

ولم أقِفْ قطُّ على مثالِه ... في حُسْنِ تفريع حواه أصلا وقد تجاسرتُ مجيبًا قاصرًا ... والرَّأي منكم في القبُول أعلى وكتب للإمام الموفَّق علي بن إبراهيم الإبيِّ لمَّا دخل مصر محاجيًا: إنّ الأحبَّة بانوا ... وخلَّفوني طريحا فحاجِ يا صاح ما ... عكسُ مثل بانُوا صحيحا فأجابه بما أنشدنيه مِنْ لفظه بالمسجد الحرام: أهلًا بأُحْجِيَةٍ قَدْ ... طابت لنَشرِكَ ريحا كالأُقحُوان نداها ... أحيَتْ فؤادًا جريحا فكتب إليه ثانيًا أحجية فيها زيادة على الأولى، وهي: تبدَّت دارُ مَنْ أهوى ... فَسِرْ يا حاديَ النُّوقِ وصحِّف قلب صعنى قد (¬1) ... بدا منزلُ معشوقِ فأجابه بما أنشدنيه أيضًا: مقامي دُونَ ما قُلْتُم ... ولا أجمالي (¬2) ولا نُوقي ويشهد لي أبو داود ... بيتٌ غيرُ مسبوقِ وكتب إليه القاضي علاء الدين علي بن آقبرس ملغزًا في رِقٍّ: أيا قاضي القضاة وقاكَ رَبِّي ... مساوي ما ستحدثُه الدُّهورُ ودُمتَ معافيًا فينا زمانًا ... لتشفي ما تعلِّلُه الصُّدورُ وتُعرب عَنْ معاني مشكلاتٍ ... سرى الإبهام فيها والضَّميرُ ¬

_ (¬1) "قد" ساقطة مِنْ (ب). (¬2) في (ب): "جمالي".

ففي علم الحديثِ وكلِّ علمٍ ... أُحاشي أن يكونَ لكمْ نظيرُ فأنت لذي الحقائق قطبُ فهمٍ ... عليه غدت دقائقها (¬1) تدورُ عليك تخلُّصي مِنْ قيد إسمٍ ... ثُنائيِّ الحرُوف غدا يجُورُ وقيل ثلاثةٌ حِسًّا عيانًا ... إذا اعتبر المضيُّ مضى الفُتُورُ وإن شئتَ التعمُّقَ في حسابٍ ... بما يُبديه جُمَّلُنَا الكبيرُ فذو الآحاد والعشراتِ لغوٌ ... ومرتبة المسيء بها الحضورُ ثلاثٌ صورة لا باعتبارٍ ... إلى أصلٍ بأربعةٍ تفورُ قليل لفظُه جدًّا ولكن ... لمعنى لفظِه العدُّ الكثيرُ وأعْرِبْهُ فظَرْفُ الشَّيءِ غيرٌ ... وهذا إسمه فيه يصيرُ (¬2) إذا صحَّفت أوّله فظرفٌ ... لما في اللَّيل يأتي منه نورُ وإن صحَّفت آخرَه فشيءٌ ... يُشال عليه ما تحويه دُورْ وإن صحَّفت جُملته فمعنى ... إلى العرسان يَعقُبُه السُّرورُ وإن يبقى بلا تصحيفِ شيءٍ ... فملكٌ لا يزال به الأسيرُ تجيءُ إلى القُضاة بكلِّ وقتٍ ... ليُثبتَ ما تضمَّنَه السُّطورُ ومصدَرُه يُساوي الأمرَ منه ... يلوحُ لمن له منَّا شعورُ وفي معنى يساوي الأمرَ ماضٍ ... بمعنى جامع فيه مُشيرُ سألتُك عَنْ معاني كشفِ لغزٍ ... بيانُ بَديعها منكُم جَديرُ فأنت إمامُنا في كلِّ فنِّ ... وغيرُك باطلٌ دعواه زُورُ وبالبُرهان أنتَ إمامُ عصرٍ ... برَوْنَقِ روضِه ضاءَ الزُّهورُ وأنتَ الكوكبُ الدُّرِّيُّ وصفًا ... وذا التَّمهيدُ أنتَ به خبيرُ ¬

_ (¬1) في (ط): "وقانعها". (¬2) في (ط): "نظير".

فأجابه: رياضٌ أم نجومٌ أم سطورُ ... بها فاحت معَ الزَّهرِ الزُّهورُ ورقَّ بالبها زها رياضًا (¬1) ... مِنَ النَّوْرِ ابتدا وعليه نُورُ حوى نظمًا يصيرُ بحاسديه ... فليس نظيره إلا النَّضيرُ ورقَّ اللفظ منه ودقَّ معنى ... فجلَّ فقدْرُه العالي كبيرُ بيوتٌ قد عَلَتْ منها وعنها ... تلوحُ لكلٍّ ذي أدب قصورُ وزادتْ رِقعَة إذ ألغَزْتَ في ... كتابٍ والكتابُ حواهُ طُورُ ثنائيٌّ ثلاثيٌّ لمعنى ... رباعيٌّ له عَددٌ كثيرُ يزيدُ حسابه مائةً سواءً ... إذا ما صارَ أوّلَه الأخيرُ يُحَيِّرُ كلَّ ذي نظرٍ لما في ... معانٍ منه ليس لها نظيرُ فتدنو ثم تَنْأى ثم تخفى ... وتسترُ ثمَّ أبرزَها الضَّميرُ وقرَّ القلبُ مِنْ بعد اضطرابٍ ... وميطَتْ عَنْ عرائسه الخُدُورُ وزال اللُّبْسُ بالتَّصحيف عنها ... وزُفَّت حين هُتِّكَتِ السُّتُورُ وإن أحببت أن تزدادَ فيه ... معمّى ذو الحِجَى فيه بصيرُ وصحِّفه وضَعِّفْهُ تجدْهُ ... يُظلِّلُ مجلسًا فيه الأميرُ وآخر ما يلي القمر اطَّلِعْهُ ... يواجه متّكًا وعليه حُورُ وغيِّر لامَه ميمًا تَجدْ ما ... تَضَمَّنَه تُحَرِّرُه السُّطُورُ وصَيِّر راءَهُ منه أخيرًا ... وحرِّكْ يُشرِقِ القمرُ المنيرُ وإن صيَّرت (¬2) منه الميمَ دالًا ... "فقِدْرُ القَوْمِ حاميةٌ تفورُ" (¬3) ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "زهي ضياء". (¬2) في (أ): "صير". (¬3) شطر بيت لجبل بن جوال الثعلبي أوله: "تركتم قدركم لا شيء فيها". =

ويظهرُ إن تزِدْه ثمانَ عشرٍ ... "حريقٌ بالبُويرة مُستطيرُ" خفيفُ الوزن لكن نصفُه لا ... يُوازيه الجنادِلُ والصُّخورُ قُبَيْل (الطُّورِ) يبدُو وَهْوَ فيها ... بجُمْلَتِها إذا قرأ الخبيرُ وفِعْلُ الأمرِ منه بكسرِ فاءٍ ... والاسمُ بفتحها فهو الجَديرُ وفي لغة يجوزُ الكسر حتَّى ... يُساوي الأمرَ مصدرُه الشَّهيرُ فهذا منتهى نظمي جوابًا ... ولولا الشُّغْلُ ضاقَ به الصُّدورُ وكتب إليه الشرف عيسى بن حجاج الشاعر العالية (¬1): فأجابه: لقد حيَّيْتَ بالدُّرِّ النَّفيس ... فأحْيَيْتَ المسرَّة للنُّفوسِ وأسكَرْتَ العُقول بغيرِ راحٍ ... وما حمَّلتَها مُرَّ الكؤوسِ وطِرْسٌ عاجَ مثلَ العاجِ حُسنًا ... وذاك النَّقشُ مثلُ الآبنوسِ بدا لي مُلغِزًا في اسمٍ عجيبٍ ... حبيبٍ للنَّديمِ وللجليسِ بأحرُفِه خماسيٌّ ولكن ... كبيرٌ قدره عندَ الرَّئيسِ إذا أسقطتَ خَامسَه وثانٍ ... تراه دواءَ ذي الوجْهِ العَبُوسِ وإن أبقيت حاشيتَيهْ خاءً ... ولامًا فهو طَرْفُ الخَنْدَريس وإن أقصَيتَه أبدى دُنُوًّا ... بتصحيفٍ وحذف في الطُّروسِ ¬

_ = وقد أجابه حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه بأبيات منها شطر البيت الآتي، وأوله: "وهان على سراة بني لؤي" والبويرة موضع منازل بني النضير انظر ديوان حسان بن ثابت ص 110، ومعجم البلدان 1/ 512. (¬1) هنا بياض في (أ، ط) مقداره أحد عشر سطرًا، وفي (ب) أربعة عشر سطرًا، ومثلها في (ح).

وطَوْرًا كالمجالس حين يدني ... وتلقاه مرارًا للجلوسِ فهذا حلُّ لُغزِكَ يا رفيعًا ... رفَعْنَاه إليك على الرُّؤوسِ لقد أهدى إليَّ عروسَ فِكْرٍ ... فِداها حاسِدُوها مِنْ عَرُوسِ أفادت لي صفا عيشٍ تَقَضَّى ... بمَنْ أهواه مِنْ بَعْدِ الدُّروس وأدخلني به جنَّاتِ عَدْنٍ ... فلم أسمَعْ لواشٍ مِنْ حَسِيس كأن الطِّرْسَ أُفقٌ والمعاني ... نجومٌ واللَّيالي كالنُّفُوسِ فهاك جوابُ مبتدىءٍ مُعيدٍ ... لشُكرِكَ في الجوامع والدُّروسِ لبوس الفضل يقرعها لباسًا ... عليك وقفت عَنْ لبس لَبُوسِ وكتب إليه المجدُ فضل اللَّه بن مكانس ملغزًا في (سيف): شهاب العُلا والدِّين يا مِنْ علومُه ... تُشَرِّف آفاق العُلا وتُزِينُ ويا مَنْ غدا كالسَّيف بأسًا وخلَّةً (¬1) ... عظيمٌ على وِفْقِ المراد رصينُ أبِنْ لي ما شيءٌ يُضاددُ وصفَه ... غدا منه في قلبِ الكمِيِّ كمينُ يقولون أعمى وهو ذو بصبر -كما ... سمعتَ- حديد تحتويه جفونُ ويختار أربابُ الجمال لو أنَّهم ... لهم مثلُه في العالمين عيونُ وأخرسُ لكن طالما كلَّم الورى ... فأفحمَ حقًّا والبيان (¬2) فنونُ لك السَّبقُ إن صحَّفتَه ولمَنْ غدا ... يُعاديك شنقٌ في الوجود وهُونُ فكم مِنْ عدوٍّ راحَ منه بِغيْظهِ ... وفي قلبه داءٌ يسوءُ دفينُ وكم رُحْتَ تسقيه فجدُّوا وأوقَعُوا ... به الفعلَ والحكمُ الصَّحيح يكونُ ويقوى بحرِّ النَّار والبرد والسّقا ... وتعليقُه والنائبات تخونُ ويشتدُّ بعدَ الضَّرب يا ذا النُّهى وإن ... غمرتَ سواه بالأكفِّ يلينُ ¬

_ (¬1) في (ب): "وحكمة". (¬2) في (أ): "واللسان".

ويأتيك إن بدَّلت أولاه طيفُ مَنْ ... تعشَّقتَه والوجدُ فيه متينُ ويدنو كما تهوى ويقطع مدَّة ... ويُقضَى به للعاشقين دُيونُ ويمضي إذا أرسَلْتَه لمهمَّةٍ ... وقد كلَّ خِلٌّ دونها وقرينُ ونفسُك إن أنكرت أمرًا فحبّذا ... خديمٌ على كلِّ الأمورِ مُعينُ ويحلو إذا حلَّاه ذُو الفضل والحِجَى ... ويبقى ولو مرَّت عليه سنُونُ ويخفى فإن صحَّفته بعدَ عكسِهِ ... فديتُكَ يا ذُخْرَ الرَّجا فيَبينُ وفي عكْسِ ثُلثيه حقيقٌ فخلِّ مَنْ ... يقولُ مجازًا ظاهرًا ويمينُ فبيِّنْه واشهِرْهُ فها هو واضحٌ ... وحقِّك يا ربَّ البيان مبينُ تحرّزتُ في تركيبه مِنْ زيادةٍ ... تُنقِّصُه بين الورى وتشينُ وجرَّدتُه مِنْ حَشْوِ قولٍ يَشُوبُه ... ويُرْخِصُه والدُّرُّ فيه ثمينُ فأجابه بما قرأته بخطه: أمولاي مجدَ الدين والبارع الذي ... له الفضلُ إن صَاغَ القريضَ قرينُ فُتِنْتُ بلُغْزٍ منك تصحيفُ عكسِه ... فتًى بثَّ شكوى والحديثُ شجونُ وشنَّفَ سمعي حين أعجمتَ أوّلًا ... له ولأنَّ العينَ عندِيَ نونُ يشقُّ على الغَمْرِ البليد اهتداؤهُ (¬1) ... لتصحيفه إن ظنَّه سيهُونُ وقلت له: فتِّش بقلب وإن تَسِرْ ... بطُرْقِ الهُوَينا لا يكادُ يبينُ وإن رُمْتَه مِنْ بَعْدِ ذاك مُحاجِيًا ... تجد عبدَ مَلْكٍ لا تراه يخُونُ إذا قَلَّبُوه للشِّرا قِيسَ طولُه ... لدَى العرضِ في الأسواقِ وهو ثمينُ يمانٍ وفي قيسٍ له مدخلٌ وكمْ ... ظهورٌ له في قومه وبُطُونُ وسوفَ تراه بعد تغيير (¬2) قَلْبِهِ ... وإن عُدْتَ للتغيير كيف يكونُ ¬

_ (¬1) في (أ): "ابتداؤه"، تحريف. (¬2) في (ب): "تعيين".

وأحرُفه أضحت تعَدُّ ثلاثةً ... ومَنْ قال: بل حرفين ليس (¬1) يَمينُ وفي عَكسِ ثُلْثَيْهِ دليلٌ على الذي ... أشرتُ إليه والبيان (¬2) يبينُ وثُلْثاه بالتَّصحيف شيءٌ محقَّقٌ ... يُظَنُّ مجازًا فيه وهو يقينُ يُحَدُّ بلا ذَنْبٍ ويُضْرَبُ ظَهرُهُ ... ويلقاه ذلٌّ لا يُحَدُّ وهونُ وإن قرَّبُوا منه الطِّلى عزَّ جاهُه ... وظلِّ بدِينِ العارفين يَدينُ ويُعرِبُ لكن بعدما كلَّمَ العدا ... بِمقولِه الهنديِّ وهو مُبينُ وسمّاه بالمِنْدِيلِ قومٌ لمسحِهِ ... رقَابَ العِدا. إنَّ اللُّغات فنونُ وإن قال قوم: قلبُ معناه ماسحٌ ... فقُلْ (¬3): صحَّ والمعنى عليه معينُ نحيفٌ له جسمٌ يعزُّ ضريبُه ... نحيلٌ وأمَّا ضربُه فثخينُ ومِنْ شدَّة البردِ اعترته اهتزازةٌ ... على أن حرَّ النَّارِ فيه دَفينُ هو الأبيضُ الفردُ الخضيبُ بنانُه ... له وجنةٌ قد أشرقت وجبينُ نعم وله كفٌّ وقدٌّ وساعِدٌ ... وليس لمخضوبِ البنانِ يمينُ عجائبه ليست تُعَدُّ فإنَّه ... فريدٌ أساميه الكرامُ مُبينُ فإنْ شئتَ فاضرب عنه صفحًا فقد غدا ... لكَ السَّبْقُ حقًا فيه وهو مُبينُ ولا زِلْت للآداب سيفًا مجرّدًا ... بفضلك تحمي شَرْحَها وتصُونُ وكتب إليه المجدُ أيضًا: شهابَ العُلى يا مَنْ زها رَوْضُ نظمِه ... وأهدى لنا منثُوره يانِعَ الزَّهْرْ أحاجيك: ما تصحيفُ شيءٍ نظيرُه ... تباعد نجمٌ عَنْ مدى الشَّمس والقمرُ وإن شئت مثِّلْهُ وصَحِّفُهُ ثانيًا ... وقل جادَ معشوقٌ سبى حُسْنُه البَشَرُ ¬

_ (¬1) في (أ، ح): "بل حرف فليس"، وما هنا موافق لرواية الديوان وجمان الدرر. (¬2) في (ط): "للبيان" (¬3) في (أ): "فقد".

لمن رُمْتَه (¬1) أيضًا فصحِّفه عاكسًا ... وقل للمُحاجي مثلُه منزلٌ دثرْ فجدَّدَ ربِّي دارسَ الفضل والعُلا ... وشَيِّدَهُ دهرًا بكمُ يا بني حجرْ فأجابه: أمولاي مجدَ الدِّين والمفرد الذي ... بجَمْعِ المعاني والنَّدى فخرُه اشتهَرْ أتانيَ لُغْزٌ منك يُزهِرُ قلت: ذا ... نوالُ حبيب في الأحاجي لمن نَظَرْ وفي بعضه بُرْجٌ وذاك لأنَّه ... هو النَّجم حقًّا وهو في البُرج قد ظهرْ وتصحيفُه بالقَلْبِ مع حذْفِ قلبِهِ ... بغيرِ اختلافٍ فيه يا سيِّدي شَجَرْ فهاك جوابًا مِنْ مُقِرَّ بفضلِكم ... يخاطِبُ علياك الخطيرةَ بالمقَرْ وكتب (¬2) إليه المجد أيضًا: قد فُقتَ في النحو وفي ... الحِجَا ونَظْمِ الدُّرِّ فقُلْ لنا ما مثله ... أنار حرف جرِّ فأجابه: يا ضامِنَ النَّعماء الَّتي ... يَعْجِزُ عنها شُكري منال ما حاجَيْتَ في ... أوَّلِ لفظ شعريِ وكتب إلى المجد المذكور: إن لان (¬3) كالغُصْنِ أورَقْ ... خَلَعْتُ فيه عذَاري مهفهفٌ ذو غنجٍ ... حلوُ الدَّلال تُركي ¬

_ (¬1) في (ط): "رمت". (¬2) كتب في رأس الصفحة مِنْ نسخة (ح) بخط مغاير للأصل ما نصه: "عند الشيخ محمد الحَطب كراريس سبعة". قلت: وكأنها كنت نسخة مداولة تعار لطلبة العلم والمشايخ. واللَّه أعلم. (¬3) في "الديوان": "لاح".

سَعيي له وحَجِّي ... وفيه ضاع نُسْكي عِذَارُه بنفسجي ... والخالُ منه مِسْكي والرِّيق خمري والشَّجَى ... مُولَّعٌ بالفَتْكِ وبالجفا أنا مُحْرَقُ ... وخدُّه جُلُّناري أشكو بأحشائي لهبْ ... شَرارُه مِنْ دمعي وفُرقةً أرى عَجَبْ ... وقوعُها بجمعي يا هاجري بلا سببْ ... هل للَّقا مِنْ رَجْعِ أقبِلْ (¬1) ولا تخشَ التَّلف (¬2) ... بالوتر لا والشَّفعِ فإنَّ قومي أرفَقْ ... أن يطلبوك بثاري قلبي للَّاحٍ ما ارْعَوى ... ولا أطاعَ النَّاهي ولا مُعيني في الهَوى ... إلَّا الخليعُ اللَّاهي ولا يُسلِّيني سِوَى ... مديحُ فضلِ اللَّه مُعْتِقُ رِقِّي مِنْ جَوى ... فيه الحديثُ واهي له الولا حين أعتَقْ ... والمدحُ فيه شعاري مولًى له جَدٌّ علا ... مِنْ أصله والحَظِّ بحرٌ بِدُرٍّ يُجتلى ... أبصرته ذا لفظِ في الفضل لا يُصغي إلى ... مُموَّهٍ بالوعظِ مجدَ الفخار والعُلا ... حامي الورى باللَّحظِ وما عليه مُحَقَّقْ ... في فَضْلِه مِنْ غُبار وغادةٍ قالت سُبِي ... عقلي بحبِّ أسمَرِ ¬

_ (¬1) في "الديوان": "اقتل". (¬2) في (ط، والديوان): "الطلب".

ياجارتي لِمْ (¬1) بالنَّبي ... ما تسألي عن خبري عشِقتُ غصنًا مرَّ بي ... عِذارُهُ الطاري طري رميتُ زوجي لأبي (¬2) ... مِنْ أجل هذا القمرِ ليش ما أرمي الشيخ وأعشقْ ... عُذَيِّرُ أخضَرُ وطاري فأجابه بما قرأته بخطه. أحبابي أفنيتُ فيكم شبابي وضاع منِّي منامي ... وحالَ فيَّ سُقامي ولا بلغتُ مرامي ... ولا رَعَيْتُم ذِمامي أبكي بكاء السَّحابِ سيف الِلَّحاظ المهنَّدْ ... في حسنِه جاوزَ الحَدْ والعسقلانيُّ أحمدْ ... بجودِه قد تفرَّدْ يا أترابي والعلم والآدابِ (¬3) سما لأُفق المعالي ... بالفضل والإفضالِ وجلَّ في كلِّ حالِ ... عَنْ مشبه ومثالِ وعاب وجاد للطُّلابِ عِشْ يا أبا الفضلِ دهرا ... وارفع لبيتك ذكرا وقل لمن شئتَ جهرا .. ها قد توَقَّد بِشرَا شهابي فجئتكم بالعُجَابِ فبدر تمَّ كشمسٍ ... صبا لظبية إنْسِ ¬

_ (¬1) في الديوان: "ليش بالنبي". أقول: ولسنا بحاجة إلى تذكير القارىء الكريم أنه لا يجوز الحلف بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو غيره مِنْ المخلوقات، فإن كنت حالفًا، فلا تحلف إِلا باللَّه. (¬2) في الديوان: "وأبي". (¬3) في (أ): "والأدب".

وفيها غابَ حِسِّي ... فرُحْتُ أنشُدُ نفسي وأصحابي هويتُ صبيَّةً وصابي وكتب في شعبان إلى العلامة شاعر الشام جلال الدين أبي المعالي محمد بن أحمد بن سليمان بن خطيب داريَّا ملغزًا: يا إمامًا قد اقْتدَى ... للأحاجي مُمَارِسَا وجلالًا (¬1) مع المهابةِ ... لم يبق عابِسَا وذكيًّا لمُصْعبِ اللـ ... ـغزِ كاللَّيثِ فارِسَا ما اسمُ عينٍ تراه ما ... بين راءينِ جالِسَا فيه زهدٌ وطردُهُ ... صارَ للفِسْقِ عاكِسَا احذفِ القلبَ مُهْمِلًا ... طرفه تَلْقَ ناعِسَا مثل تصحيفه حمى ... مِنْ يرد الشَّوامِسا إن تُنَقّصْ بعينهِ ... فاءَه بانَ مائِسَا فتفضَّل بحلِّه ... لستُ مِنْ ذاك آيِسَا وابْقَ ما عشتَ مِنْ ... صفائِك تجلُو الحنَادِسا فأجابه أبو المعالي بما قرأئُه مِنْ خطِّه: يا أديبًا أصولُه ... الغرُّ طابَتْ مغارِسَا يا جوادًا على العِدا ... مُشْرِقَ النُّورِ شامسا ومقرًا جنابُه ... سادَ منهم مَجَالِسَا والذي ساس بالأنا ... ةِ مُلوكًا قَنَاعِسَا فرأى النَّاظرون منه ... جوادًا وسائِسَا ¬

_ (¬1) في (ب): "وجلالة".

يا إمامًا لسنة الـ ... ـمصطفى صار حارِسَا كم جلى فضلُه (¬1) لخا ... طِبِ علمٍ عرائِسَا أنت لولاك لاغْتَدى ... مَهْيَعُ الجُودِ طامِسَا وشجا النَّاس مربَعْ الـ ... ـعلمِ لولاك دارِسا جاءني لغزُك الذي ... لم أزل فيه [هادِسَا نظم شعبان بالـ ... ـفضائل فكرًا وهاجِسًا لو تحديتَ عامرً ... فيه] (¬2) خلاه دارِسَا خلِّ ثانيه ثالثًا ... واعتَبِرْهُ مُسايِسَا واحبُ ثانيه واحدًا ... مِنْ ثلاثٍ تكايسا صَيِّرِ الهَتْعَة الشَّمال ... فلا زِلْتَ رامِسَا تلقَ ضدَّين ليس ضد ... لضدٍّ منافِسَا ضُمَّ في وسطه عَبًا ... لم بُدَفِّيه فارِسَا ومتى تخلَعِ العَبَا ... تجدِ الشَّنَّ يابِسَا فيه حيٌّ وعادمُ الـ ... ـرُّوح فاطلُبه حادِسَا فتراه قبيلةً ... وزمانًا ملابِسَا واعتبره مُفَصّلًا ... مجملًا لست عاكِسَا سترى لفظه زكا ... وترى لفظه خسَا إن مُثنَّى ومفردًا ... حار في أمرِهِ الأسى قلب خُمْسَيْه أوَّلًا ... وكرْم طار حادِسَا ثُلُثَي عَينِه أزِلْ ... تُلْفِه شان مَنْ أسَا ¬

_ (¬1) في (أ): "علمه". (¬2) ما بين حاصرتين سقط مِنْ (ب).

وكثيرًا كلُّ محسنٍ ... كان للعمل قائسا لو تتَّبعتَ وصفَه ... لأضاقَ المنَافِسَا وكتب إليه القاضي شمس الدين محمد بن أحمد بن عمر بن كُميل المنصُوري: يا كعبةَ الطُّلَّاب في عصرِنا ... هذا ويا قِبلَةَ أهلِ الأدبْ ما اسمٌ لمملوكٍ له قيمةٌ ... نفيسةٌ مِنْ فضةٍ أو ذهبْ محلُّ وطءٍ بنكاحٍ وقدْ ... يُوطأ بلا عَقْدٍ وماذا عَجَبْ ثُلثاه بالتَّصحيف طيرٌ يُرى ... ومثلُ ثلثٍ منه بحرٌ رَسَبْ وإن بدا تصحيفُ معكُوسِهِ ... مِنْ سوءِ ما يبدو نَوَدُّ الهَرَبْ راحتُه بالبَسْطِ معروفةٌ ... وعينُه يبدو منها العطبْ (¬1) فأجابه: يا أيُّها المولى الذي فضلُه ... سلَّمه أهلُ النُّهى والأدبْ اهلًا بلُغزٍ طيرُه سانحٌ ... واستغرَقَ الأفكارَ لمَّا احتجبْ وفاؤه ياءٌ وإن شِئتَ قُلْ ... واوٌ إذا حاجَيْتَ جاءَ العَجَبْ وعينُه واللام حرفانِ أوْ ... حرفٌ على الحالَيْنِ ممَّن كَتَبْ جميعُها تُؤْكَلُ لكنَّها ... واحدها يشربُها ذو الطَّربْ وأصلُه يُلبَسُ واعكِسْ تجِدْ ... في مُدَحِ الفاروق حتى ضربْ وانقُطْهُ مِنْ تحت فإن تَدْعُهُ ... يطعْ ولا يُنجيه منك الهَربْ ولما (¬2) كان في سنة أربع وعشرين، وحجَّ صاحبُ التَّرجمة، كان ابنُ ¬

_ (¬1) مكان هذه المقطوعة بياض في (ب، ط). (¬2) مِنْ هنا حنى قوله: "ذكره هذا هنا استطرادًا" لم يرد في (ب)، حيث أضافه المصنف بخطه في هامش (ح).

كُميل أيضًا ممَّن حجَّ، واتَّفقَ وصولُهما منزلة الوجه، وليس بها ماءٌ، فقال ابنُ كُمَيْلٍ: أتيتُ إلى الوجه المرجَّى نوالُه ... فشَحَّ وما سحَّ الحيا بِنَداهُ وأسفَرَ عَنْ وجهٍ وما فيه مِنْ حيا ... فقلت: دعُوه، ما أقلَّ حيَاهُ فلمَّا رجعا، كان الماءُ به كثيرًا، فسأل شيخنا أن يقول في ذلك، فقال: بل الأولى أن تُصلِحَ أنتَ ما أفسدت! فقال أيضًا: أرانا الجميلُ الوجه معتذرًا لنا ... فأوليتُه شكرًا وما زلتُ مُثنيا وأطرقتُ رأسي منه في الأرض خَجْلَةً ... وما اسْطَعتُ رفْعَ الرَّأسِ مِنْ كثرَةِ الحيَا وذكرت هذا هنا استطرادًا (¬1). وكتب إليه الشريف صلاح الدين محمد [بن أبي بكر] (¬2) بن علي بن حسن الأسيوطي في العقل ممَّا سمعه منه صاحبنا النَّجم الهاشِمِىُّ: ألا يا ذوي الآداب والعِلْمِ والنُّهى ... ومَنْ عنهمُ طبت صبا وقَبُولُ فدَيْتُكم لم لا نفيس نفوسكم (¬3) ... تصونونه كيْما يعُزُّ وصولُ فإنِّي رأيت الفضل قد صارَ كاسِدًا ... على أنَّ أهليه إذًا لقليلُ فعن رؤساء الوَقْتِ عدِّ وخلِّهم ... فليس إلى حُسْنِ الثَّناء سبيلُ ولا تنسَ أبناء الزَّمان فشرحُ ما ... يسُوؤك منهم إنَّه لطويلُ ¬

_ (¬1) يبدو أن شعراء العصر كانوا يكثرون التندر بهذه البلدة، وهي مِنْ منازل السفر على طريق الحاج، ومن ذلك ما أنشده الشهاب المنصوري عندما نزل بها: أقول وقد جننا إلى الوجه نرتوي ... وتصطبح الحجاج منه بماءِ ألا إن هذا الوجه قل حياؤه ... ولا خير في وجه بغير حياءِ انظر المنجم في المعجم للسيوطي بتحقيقي ص 78. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ). (¬3) في (أ): "نفيسكم".

وجانِبْهُمُ إنِّي نصيحٌ مجرِّبٌ ... ولا تَبْتَئِسْ فالقولُ عنك يخيلُ فإنَّ الفتى ما دامَ بالحَزْمِ عاملًا ... فكلُّ رداءٍ يرتديه جميلُ خبُرتُهم قِدْمًا فما منهمُ (¬1) وفَا ... بلى عندهم مِنْ الأفضَلينَ فُضولُ سوى صاحبٍ يا صاحِ بي مُتَرفِّقٌ ... وذاك له بين الضُّلوع مقيلُ يحقُّ له منِّي الصِّيانة (¬2) إنَّه ... قَؤولٌ لما قل الكرامُ فعُولُ يُصاحبُنِي في القَبْضِ والبَسْطِ دائمًا ... وليس له بينَ الأنام عديلُ يغالِبُ أحيانًا وغالبُ غالبًا ... وفي كلِّ حالٍ بالسُّطُوِّ يَصُول ووافرُ قدرٍ كاملٌ فيه خِفَّةٌ ... ولا عجبٌ أن يُنْفَ عنه ثقيلُ له إخوةٌ مِنْ جنسِه لا بلفظِه ... وربَّتما ساوَوْهُ وهو صقيلُ وليس بجسمٍ مع جهالةِ قدره ... على أنَّه للجسمِ سوف يؤولُ وفي الطَّردِ تلقاه وبالقلب ساكنٌ ... وليس لمثل القلب عنه ذُهُولُ إذا اقتصَّ ممَّن قد جنَى عنهُ لَمْ يكُنْ ... وفاءٌ وقد صحَّت بذاك نُقُولُ له ديَّةٌ كالنَّفسِ كاملةٌ إذا ... وُجوبًا على الجانينَ حينَ يجُولُ ويُحْسَبُ حرفٌ منه نِصْفٌ جميعُه ... وفي جمل الأسباب منه فصُولُ وزاد على عدِّ الثلاثين ثُلثه ... وفيه معانٍ في البيان تطولُ فيا علماء العصرِ والأدباء مِنْ ... تُقِرُّ لهم عند الجدال فحولُ أبينُوا رُموزي لا عَدِمْتُم سعادةً ... مِنَ اللَّه فالأفضال منه جزيلُ فكتب إليه معتذرًا عن الجواب: لك الخيرُ لي شغلٌ بقلب مُمَلَّأ ... وجسمُ انتحالي للقريض نحيلُ فعذرًا فما أخَّرْتُ نظم جوابِكُم ... لبُخْلٍ ولكن ما إليه سَبِيلُ ¬

_ (¬1) في (ط): "فيهم". (¬2) في (ط): "الصبابة".

فكتب إليه الشَّريف ثانيًا مرتجلًا، وأرسل بذاك مع مُحضر هذين البيتين إليه مما سمعه منه النجم المذكور أيضًا: أجِلُّكَ يا قاضي القُضاة لك البقا ... عن الرَّدِّ تمويهًا فأنتَ خليلُ (¬1) وعُوفِيتَ مِنْ ذا الإنتحال وإنَّما ... يُحالُ علي النَّظمين (¬2) فهو محيلُ أو الهدم ما هذا وُقيتَ تمَلُّأً ... وسُلِّمْتَ مِنْ قولِ العدوِّ هزيلُ أتاك الذي ألغزتُ علَّق نفسَه ... ببابك لا تطرُدْه فهو نزيلُ فتصحيفه غُفْلٌ وعَلَّقْ مُحرَّفًا ... وبالغ إذًا يُشْتَقُّ منه عقيلُ ومثلُك لا يَعْبأ بفكرٍ لحلِّه ... وأنت مليُّ بالجوابِ كفيلُ وواللَّه ما الإعذار والعذر عاذرٌ ... ولا بُدَّ مِنْ جبري فأنتَ قؤول وحسبُكَ في الجبرِ الحسيب فإنَّه ... مُعينُك فيما تشتهي ووكيلُ فأجابه: أيا سيّدًا شِيدَتْ عُلاه ورُفِّعَتْ ... وجُرَّت لها (¬3) فوق السَّحاب ذيولُ لكم في العُلا والفضلِ أيُّ نباهةٍ ... وللضِّدِّ عندَ العارفين خُمولُ أتانيَ لغزٌ منك للعقلِ مُدهشٌ ... وقولٌ لما قالَ الكرامُ فَعُولُ تنظِّمَ في سلْكِ البلاغة دُرُّهُ ... وكم لك عندي في القلائدِ لُولُو تقولُ جوابًا (¬4) لاعتذاري تهكُّمًا (¬5) ... لأنت مَلِيٌّ بالجواب كفِيلُ نعم كان لي ميلٌ إلى النَّظم (¬6) بُرْهَةٌ ... وأبكاري فكري ما لهُنَّ بُعُولُ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "جليل". (¬2) في (ب، ط): "التضمين". (¬3) في (ط): "له". (¬4) في (أ): "جوابي". (¬5) في (ط): "تهتكًا". (¬6) في (ط): "الشعر".

فشَعَّبَ منِّي فكرتي عبءُ منصبٍ ... تحمَّلتُه في كاهليَّ ثقيلُ وفصلُ قضايا في تفاصيل أمرها ... فصولٌ وكم عند الخصوم فصولُ ومجلسُ إملاءٍ وخُطبَةُ جمعةٍ ... ودرسٌ وتعليلٌ له ودليلُ حديثٌ وتفسيرٌ وفِقْهٌ قِوامُها ... عقولٌ تعاني فهمَها (¬1) وتقولُ لمُسْتَنْبَطاتِ الفِكْرِ مُسْتَبْطنَاتُها ... تزورُ فإن لم أضبطَنَّ تَزُولُ ذوابِلُها في روض أفكارِ ريِّها ... تسُلُّ مواضي برْقِها فتسيلُ وطالبُ إسماع وفُتيا وحاجةٍ ... وطالبُ علمٍ في البُحوث سؤولُ وكلُّهم يرجُو نجازَ أمُورِهِ ... ويصخَبُ إن أرجأتُه ويصُولُ وهذا إلى أوقات نومٍ وراحةٍ ... وأكلٍ وشُرب يعتريه ذُهولُ وفي نفس ترويحِ نفسِ أُجُمَّها ... وتأنيس أهلٍ هزلُهُنَّ هزيلُ وأمرُ مَعادي رحتُ فيه (¬2) مفرِّطًا ... وأمرُ معاشي قد حواهُ وكيلُ ولا تنس أبناءَ الرَّسائل إنَّهم ... إذا عوَّقُوا نحو العقوق يميلوا وأمَّا مُداراهُ الأنامِ وشَرْحُ ما ... أُعانيه منها فالكلامُ يطولُ فهل لامرىء هذي تفاصيلُ أمرِه ... فراغٌ لنظمٍ فارغٍ فيقولُ وأنَّى ترى مَنْ ليس للشِّعر شاعرًا ... تطيعُ مفاعيلٌ له وفَعُولُ ولستُ الذي يَرْضَى سُلوكًا لما بِهِ ... يدولُّ عليه العقلُ وهو خليلُ فانظِمُ ما لو قالَهُ الغَيْرُ منشِدًا ... لعادَ وسيفُ الطَّرفِ عنه كليلُ فعُذرًا فما أخَّرْتُ نَظْمَ جوابِكم ... لبُخْلٍ لكن ما إليه سبيلُ وقد صحَّ قولي أنَّ قلبي مُمَلأٌ ... وجسمُ انتحالي للقريضِ نحيلُ فلا تلح نظم المستعينِ بِمَنْ مَضَى ... لهَدْمٍ وتضمينٍ عليه بخيلُ ¬

_ (¬1) في (ط): "فعلها". (¬2) ساقطة مِنْ (ط).

فإن أنت لم تَعْذُرْ أخاكَ وجَدْتَه ... وإيثاره للصبر عنك جميلُ ولُغْزُك في القلب استقرَّ مقامُه ... وثلثاه للقلب الزَّكيِّ مثيلُ نُفيسٌ (¬1) إذا قَلَّبتَه فنفوسُ مَنْ ... يعاني الصَّبا ظلَّت إليه تميلُ وقلِّبْهُ أيضًا تلقَ عَوْنَ مسافرٍ ... يطيبُ إذا هبَّت عليه قَبُولُ بَقِيتَ صلاحَ الدِّين تُصْلِحُ بالنُّهى ... فسادًا له في الفاضِلينَ دُخُولُ ولمْ لا يَجُوزُ العقل أجمعَ سيِّدٍ ... غدا حمزةٌ عمًّا له وعقيلُ فكتب إليه الشَّريف حين وقف على الجواب ما نصُّه: توفَّر عندي عِلْمُ ما أنتَ عالمٌ ... على الحاصلِ المعلومِ دلَّ حصُولُ أبى الفَضلُ إلَّا أن يكونَ لأهلِه ... ومَنْ لمهادِ الخَيرِ فهو سَليلُ أتاني جوابٌ مِنْ أمير بلاغةٍ ... وذاك زكيٌّ في الفُروعِ أصيلُ ألذُّ مِنَ الميعاد في سَمْعِ عاشقٍ ... وأشْهى مِنَ المعشوق وهو كحيلُ وألهى عَنِ الرَّوضِ النَّزيه بوَشْيِهِ ... وعَنْ طيره المُمْلي الشجِىِّ مُمِيلُ يُسَلِّي عن الأوطانِ ترجيعُ قولِه ... ويُطْرِبُ للأسماعِ وهو يقولُ تلطَّفتَ في بِرِّي وأظفرتني عدًا ... ونوَّهتَ مِنْ قدري فَصِرْتُ أصولُ فديتُك ما استمطرتُ باللُّغْزِ ما أتى ... سِوى قصد تدريب عليه أُحيلُ (¬2) فيا جِهْبِذَ النُّقَّاد يا جَوْهَريَّها ... ويا فارِسَ الآداب حين تَجُولُ لأنت لأخبارِ النُّبُوَّة حافظٌ ... وللشِّعر كيلا يعتريه غُلولُ (¬3) إمامٌ لنا قاضي القُضاة وخَيْرُنا ... وحَبْرٌ وجَبْرٌ للسَّؤول حمُولُ شهابُ العُلا للمستضي وفْق أُفْقِنا ... وبَدْرُكَ أيضًا لا اعتراه أفولُ فدُمْتَ مُجيبًا ما حَبِيتَ تكرُّمًا ... ببابِكَ سُؤَّالٌ وأنتَ مَسُولُ ¬

_ (¬1) في (أ): "نفوس". (¬2) و (¬3) هذان البيتان لم يردا في (ط).

قلت: وقد أجاب عن اللغز المذكور أيضًا الزَّينُ بن الخرَّاط الماضي قريبًا. وكتب إليه الشريف المذكور مع طاقيّة (¬1): يا شيخَ أهل العلم مَنْ عندَهُ ... مكارمُ الأخلاقِ مجبُولَهْ هدِيَّتي جاءت وأرجو بِأنْ ... تكونَ كالأعمالِ مقبُولَهْ فأجابه: تقبَّلَ اللَّه هداياك يا ... سيِّدَ أهلِ البيتِ موصُولَهْ لمَّا غدت عنديَ موضوعةً ... صارت على رأسِيَ محمُولَهْ وكتب إليه النَّجم محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف المُرجاني: يا فاضلًا بهرَ الورى ... بذكائه وبنَظْمِهِ شَخْصٌ يُصَحَّفُ ثمَّ يُعـ ... ـكسُ مثل ما في عِلْمِهِ أتراه أدرك ما يقولُ ... أم الخطَا في فَهْمهِ فأجابه: حاشا عُلاه مِنَ الخَطا ... مولى عَلَا في فَهْمِهِ فحلُ الحِجَا تصحيفُه ... يُسبي العُقولَ بنظمِهِ بلغَ السَّماءَ ويَرْتَجي ... فوقَ السَّماءِ لنظمِهِ وكتب إليه النَّجمُ أيضًا: يا إمامًا سألتُه حلَّ لُغزٍ ... شطَّ منه مرْارًا أهلُ الذكاءِ أهملِ الثُّلْثَ باعتناءٍ وقلبٍ ... تره جاءَ قائِدَ الشُّعراءِ ¬

_ (¬1) في (أ): "طاقته"، تحريف.

فأجابه: مرحبًا مرحبًا بلغزِ إمامٍ ... قد تلقَّى لأرْؤُسِ الرُّؤَساءِ جاءَ للقلبِ منه خير طبيبٍ ... لم يُصَحَّفُ عَنْ رُتبة الحُكماءِ وكتب إليه النجم أيضًا: يا سادتي ما اخترتُ أسمعُ سبَّكم ... يومًا ولا تاقَتْ له أسماعي فتأمَّلُوا لُغزي بقلبٍ تعرِفُوا ... تصحيفَ معناه وحُسْنَ طِباعي فأجابه: حاشاك تسمعُ سبَّنا مِنْ بعدِ ما ... أصبَحْتَ في الآدابِ خيرَ مُطاعِ ما أملحَ اللُّغْزِ الذي تأتي به ... مع أنَّه كالشَّهد في الأسماعِ وكتب إليه النَّجمُ أيضًا: أبا الفضلِ يا قُطبَ العُلا وشهابَها ... ومَنْ خصَّه الرَّحمنُ بالعقلِ والنَّقلِ تجوَّز ترى مِثْلَه اعكِسْ مصحَّفًا ... أجِبْنِي سريعًا ناظمًا يا أبا الفضلِ فأجابه: لعَمْري لقد ألغَزْتَ في نسبٍ له ... بك الشَّرَفُ المشْهُورُ بينَ أُولي الفَضْلِ يرادفُه في لفظِه سارَ ظالمٌ ... وقد جاز بُستانيَّ رَوْضٍ فمثِّل لي وكتب إليه البدر محمد بن أبي بكر بن عمر بن الدَّماميني في سنة خمس وتسعين مُلغزًا: أبا الفضل حقًّا أخصَبَتْ روضةُ المُنَى ... بآدابِكَ اللاتي تجودُ بها صَوْبَا فما اسمٌ إذا صحَّفْتَه وعكَسْتَهُ ... وجِئْت بمعناه تجِدْه شري ثوبَا

فأجابه: أمولاي بدرَ الدِّينِ ألغزتَ بلدةً ... لقد جُبْت آفاقَ البلادِ لها جَوْبَا وفي أذرُعاتٍ باعُ فضلِكَ طائلٌ ... وفي مِصرَ حتى ذَابَ حاسِدُكم ذوْبَا وكتب إلى البدرُ محاجيًا: يا فاضلًا بهر (¬1) الأفهامَ منطقُه ... لقد جَلَوْتَ معمَّى كلِّ مشتَبِه حاجِ العِدَا لا يَخْطَاك السُّرورُ وَقُلْ ... لجمعِهِمْ ما مثال الحزنِ جيءَ بِه فأجابه:. . . . . . (¬2) وكتب إلي البدر المذكور: يا فريدًا في الذَّكا ما بلدةٌ ... قد غدت في جبهة (¬3) الإقليم غُرَّهْ إن تَجِىء بالمِثْلِ مِنْ تصحيفها ... تُلْفَ يا رَبَّ الحِجَى جئت بنْدَرَهُ فأجابه: يا شهابَ الدِّين يا مَنْ نظمُه ... في سمائ الحسن قد أشبه نَثْرَهْ مصرُ فاقتْ بِكَ إشبيليةً ... وبها أصبحت في الرَّوضة زهرهْ حبَّذا لغزُك مِنْ أحجيَّةٍ ... سحرُها أثَّرَ في الفهام حسرَهْ شنَّفَتْ سمعي بما قد أفصَحْتَ عن ... بيان فهي في الحالَيْنِ دُرَّهْ لو رأى الأفْقُ مُحَيَّا شَمْسِها ... إذا تبدَّت ودان يَبْذُلُ بَدْرَهْ فتجاوَزْ عَنْ جواب مُرسَلِ ... لك يا حامي العُلا في حينِ فترهْ وتفضَّل وأبِنْ لي بلدةً ... قد غدت للنَّجم في الرِّفعَةِ ضرّهْ صحَّفِ اللَّفظَ وقُلْ مُشْبِهُهُ ... إن تُرِد في الحال أنْ تُظْهِرِ سِرَّهْ ¬

_ (¬1) في (ب): "ابتكر". (¬2) بياض في الأصول. (¬3) في (أ): "جهة".

لتري موضع وفقٍ زُرْتَه ... فأبِنْ معناهُ واكشِفْ لِيَ سَتْرَهْ وابقَ في خفضٍ مِنَ العيشِ ودُم ... يا رئيسًا رَفَعَ الرَّحمنُ قدْرَهْ فأجابه صاحب الترجمة أيضًا:. . . . . (¬1) وكتب إلى البدر أيضًا: يا سيدي انظُر في قريضِ فتًى ... حاز الفضائلَ منكُمُ والحظْ صحِّفْ فديتُك ما يُرادِفُه ... يا ذا العُلا متوهّم أيقظْ فأجابه: يا سيِّدي أنتَ الذي ... بالسَّعدِ حظُّك صار يُلحظْ ونظيرُ لغزِكَ في الأحاجي ... سار عامًا فالحظُّ ألحظْ وكتب إلى البدر أيضًا: أبَدْرَ الدِّين دُمْ واصبِرْ ... لتثقيلي وتلفيقي وصحِّف قَلْبَ معنى قَدْ ... بدا منزل معشوقي فأجابه:. . . . . (¬2) وكتب (¬3) إليه الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد المُغيربي (¬4) ¬

_ (¬1) بياض في الأصول، وقال السفيري في "مختصره": وأخلى السخاوي لجواب البدر بياضًا. (¬2) بياض فى الأصول. (¬3) مِنْ هنا إلى قوله: "فالراء في العد خمس الألف للحسبة" ورد في (ب) بعد قصيدة أبي المعالي ابن خطيب داربا السينية في ص 830 - 832، وقد كنت في هذا الموضع في (ح)، ثم كتب المصنف في الهامش: يؤخر أربعة أوراق قبل الهيثمى. (¬4) في (أ، ط): المغربي، تحريف، وقد ضبطه المصنف في الضوء اللامع 8/ 164، فقال: الميم مضمومة ثم معجمة مصغر.

مع سلَّة مشمش أرسلها هدية، مما أنشدنيه لفظًا: أرسلتُ مَنْ تيَّمتني ... فانظروا فاها وفاها واجبر بفضلك حتَّى ... ترى شِفَاها شِفَاها والتمس جوابه، فأبطأ عليه، فأرسل إليه سلَّةً أخرى، ومعها: مِنْ تيمَّنْتُ به أرسلتُه ... كدموعي حَيْثُ نابَت عَنْ دمي وجوابي بعدَه برَّحَ بي ... كالجوابي عند خدٍّ عَنْدَمي فأجابه: يافوزَ حظٍّ بمولى ... للعهدِ والوُدِّ يَحْفَظْ يقولُ للقلبِ قابِل ... هدِيَّتي والحظ ألحَظْ وكتب إليه المذكور أيضًا مع هدية رُمَّان ما نصه: هديَّةُ الغِلمان على ورق الرُّمَّان. هديَّةُ العبد إنْ قَلَّت مباركةٌ ... لأنَّها مِنْ حلالِ الرِّزْقِ مُكْتَسَبَهْ قَبُولُها الجَبْرُ إنْ مرّ (¬1) الزمانُ بها ... بالقلبِ محبورة للسَّعد مُرتقبَهْ فأجابه مع هدية سُكَّر ما نصُّه: الحمد للَّه شكرًا. حاشى هديّة ذي حِبٍّ يُقالُ بها (¬2) ... قِلٌّ وقد أكثر المُهدي لها أدبَهْ ولم يقلَّ زمانٌ مكثرٌ عددًا ... فالرَّاء في العدِّ خُمسُ الألفِ للحَسَبَهْ واتَّفق أنَّ المذكور توجَّه عَنِ السُّلطان في كشف بعض الكنائس مع القُضاة، فرأى مِنَ العَلَمِ صالح البُلقيني ما يُشعِرُ بمساعدة أهل الذمّة، فقال: ¬

_ (¬1) في (ب): "منْ". (¬2) في (ط): "لها".

إنِّي لأُقسِمُ والوجودُ مُصدِّقٌ ... لا يُرغمُ الأعداءَ إلا صالحُ ووصلَ علمها لصاحب الترجمة، فقال: لا يُرغِمُ الأعداءَ إلَّا صالحُ ... بالحقِّ يعبدُ ربَّه ويُناصِحُ أما والاسمُ يخالِفُ الفِعْلَ الذي ... يبدو فتِلْكَ قبائحُ وفضائحُ ونحوُهما قولُ شيخنا: (الاسم غير المسمَّى). . . . البيتين، وقد أسلفتُهما في خطَّاب مِنْ الباب الثالث (¬1). وكلّ ما عدا الأوّل أثبتُّه استطرادًا (¬2). وكتب إليه الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن عبد الكريم الهيثمي مُلغزًا في رُطب:. . . . (¬3) فأجابه: يا فاضلًا فاق في منظومه الحسَنِ ... للَّه لُغْزُك ما أحلاه حين جُنَي ألغزْتَ لي في شهِيِّ الطَّعم آكُلُه ... قريرَ عينٍ قليل الهمِّ والحَزَنِ حلوٌ كمَنْ إذا حوَّلت أحرُفَه ... وصارت العين (¬4) صادًا يا ذوي الفِطَنِ يزهو ولا عجبٌ فالزَّهْوُ مشترطٌ ... به لذي البَيْعِ إن ساومتَ بالثَّمنِ في قلبه بطرٌ مِنْ عُجْبِه وبه ... رَبْطُ بتأخير عينٍ منه لم تُعِنِ وإن تُقَلِّبْهُ مُسْتامًا تَجِدْ طربًا ... شَوْقًا إليه لسِرِّ فيه مُكتَمِنِ زِدْ بعدَ تقليبه وهو الجمادُ ترى ... طَيْرًا إذا استَنطَقُوه كان ذا لَسَنِ ملوَّنُ الخَلْقِ يبدو أبيضًا وإذا ... بجسمه كَلَحٌ مِنْ خُضْرَةِ البَدَنِ ¬

_ (¬1) 1/ 450. (¬2) مِنْ قوله: "واتفق أن المذكور" إلى هنا لم يرد في (ب)، وزاده المصنف في هامش (ح). (¬3) بياض في الأصول. (¬4) ساقطة مِنْ (ط).

لصُفْرَةٍ واحمرارٍ يستحيلُ إلى ... سوادِه مع قُربِ العَهْدِ بالوطنِ مصاحبٌ للنّوى إن غَرَّبُوه إلى ... شَرْقٍ وغربٍ لذي الأوقار والسُّفُنِ ها قد أجبتُ كمن أهدى إلى هَجَرٍ ... تمرًا وجُؤْنةَ عطَّارٍ إلى عدنٍ وكتب إليه القاضي المُقرىء شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر البغدادي الزركشي في حجر: يا شهابًا لاح في أُفْقِ العُلا ... وعلى الشَّمسِ ضياهُ قد طرحْ أيُّما اسمِ ذي حُروف أربعٍ ... وهو في الوزنِ متى يُقْلَبْ رجَحْ إنْ تُعرِّفه بمعنى قلبه (¬1) ... وبه ربِّي عليكم قد فتحْ هو جِنْسٌ منه أنواعٌ إذا .... ما رآها الطِّفْلُ يومًا قال: دَحْ ما علينا حرجٌ في قلبِه ... وله في القلب جُرْحٌ قد وَضَحْ غالبُ الأوقاتِ يُلقى باردًا ... عجبًا إذا أودَعْتَه ماءٌ نَزَحْ فيه جرُّ أبدًا حيثُ بدا ... ومتى ترفَعْه أو تَنْصِبه صَحْ وإليه نَسَبُوا ذا فطنةٍ ... كاملِ الأوصافِ مجموعِ المُلَحْ ذا بهاءٍ وضياءٍ وحيًا ... وهو في الآداب بحرٌ قد طفَحْ زينُ راء عينُ مصرٍ مُرْوِيٌ ... للصَّادِ كافٍ بالعطايا والمِنَحْ وزن مدحي فيك (¬2) قد حرَّرته ... يا كريمًا ما تراه قطُّ (¬3) شَحْ فاسقني كأسَ جوابٍ فيه مِنْ ... زِنْدِ نارٍ بافتكاري قد قدحْ فعلى العبدِ لكُمْ جارِيَةٌ ... صدقاتٌ إن أجَبتُم ومِنَحْ فأجابه: ¬

_ (¬1) في (ط، ح): "غبله". (¬2) في (أ): "فيه". (¬3) في (أ): "قد"، خطأ.

أزهورٌ أم نجومٌ أزهرتْ ... أم سحابُ الفكر بالجَوْهَرِ سَحْ مرحبًا باللُّغزِ منظومًا أتى ... بيواقيتٍ ودُرِّ كالسُّبَحْ وبَدَتْ لي مُلَحٌ قد مُلِّحَتْ ... فيه باللَّه ما أحلى المُلَحْ صحَّ فكري وله في بعضِهِ ... وقفة ثمَّ تجلَّى ووضَحْ فاستَلَمْتُ الحَجَرَ المرفوعَ مِقْـ ... ـدارُه في القلب لمَّا أن رَجَحْ كان صدري لهمُومي ضيِّقًا ... فأتي مُغلقَه لي فانْشَرَحْ بسُطورٍ هُنَّ لي مُغْتَبَقٌ ... في طُرُوسٍ ليَ منها مُصْطَبَحْ ذا كَمِسْكٍ ضاع بالطِّيب وذا ... في النَّقا والحُسْنِ كافور نفَحْ حبَّذا ألفاظ شيخٍ قد حَلَتْ ... فإذا الطِّفْلُ رآها قال: نَحْ كُفَّ عَنْ ذي خاطرٍ. . . . (¬1) ... لو كان بحرًا لَنَزَحْ خلِّ عنِّي إنَّني في شُغُلٍ ... عنك يا خِلِّي بحالٍ لي صَلَحْ واسْقِ كأسَ اللُّغزِ مَنْ يشتاقُه ... فإذا فسَّرَه ناديتُ: صَحْ فالثَّنا في وصفكم مُخْتَتَمِي ... والرِّضا عمَّا نظمتُمْ مُفْتَحَ وكتب إليه الزركشي أيضًا أُحجية (في غزالة) (¬2): أيا حاويَ العِلْمِ منهاجُه ... يدُلُّ الأنامَ على فضلِهِ بتنبيهك اليومَ أيقظتنا ... فما مِثْلُ جاهد مِنْ أجلِهِ فأجابه: غزالةُ أُفُقِ السَّما أشرقت ... ولا مِثْلَ لُغْزِكَ أو حَلِّهِ وربُّ الحِجَا أنتَ فارفُقْ بنا ... فشِعْرُكَ يُعجز عن مثلِهِ ¬

_ (¬1) بياض في الأصول. (¬2) ساقطة مِنْ (ب).

وكتب العلَّامة الفريد محب الدين أبو الوليد محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن الشحنة: ما القَوْل في امرأةٍ مع خمسة ورِثُوا ... قرابة فَدَعَتْ: يا أيُّها النَّاسُ لابنتيَّ ولي ذا المالُ أجمَعُهُ ... وابني وأُمْي وأُختي وهو أسداسُ فأجابه عنه صاحبُ الترجمة: أمُّ وأختانِ منها إرْثُهُنَّ غدا ... ثُلثًا وسُدْسًا سواءٌ ما فيه إلباسُ وبالولا وُرِّثَتْ أمُّ الرِّضاع كذا ... ابنٌ وأخت فهذا الإرثُ أسداسُ ثم نزَّله على صورة أخرى لأجل قوله: (ورثوا قرابة)، فقال: ثنتانِ مِنْ أمِّ أمِّ شبهة وأتى ... إحداهما الأبُ (¬1) وطئًا فيه إلباسُ أتتْ بِبِنْتَينِ منه ثم مِنْ عَصَبٍ ... بابنٍ ومات أبٌ فالمالُ أسداسُ ثم نظم صورةً أُخرى، فقال: بنتان مِنْ أمِّ جدِّ شُبهة وأتت ... مِنْ حافِد الجدِّ الأولي أيها النَّاسُ بابنتين وبابنٍ عاصبٍ وتوفي ... الواطئون فمالُ الجَدِّ أسداسُ وقد أجاب ناظِمُها نفسه بقوله: وهو مناسخة، بخلاف ما قبله، فإنه مِنْ بطنٍ واحدٍ: أمُّ وأختانِ منها وابنُ عمِّ أبٍ ... قد مات والمال لم يدركه إمساسُ ثم ابنتَيْنِ وابن واحدٍ وُلِدُوا ... مِنَ إحدى الاختين فالميراث أسداسُ (¬2) ¬

_ (¬1) في (ط): "للأدب". (¬2) قال السفيري في "مختصره" بعد هذا: قلت: وصورة السؤال نثرًا أن يقال: إن قيل: أي امرأة جاءت ومعها خمسة، فقالت: إن قرابتنا قد مات، وإن ميراثه لي ولابنتيَّ ولأمي وأختي أسداسًا لكل منا سدسه. =

وكتب إليه الحافظ جمال الدين محمد بن موسى بن علي بن عبد الصَّمد بن محمد بن عبد اللَّه المراكشي أحد تلامذته، وهما بينبُع مِنْ درب الحجاز في أوائل العشر الأخير مِنْ ذي القعدة سنة خمس عشرة وثمانمائة ما نصُّه، كما نقلتُه مِنْ خط ابن موسى: أواحِدَ عصرِهِ مِنْ غَيْرِ ... خُلْفٍ فيه لاثنينِ أَبِنْ بلدًا لمن أهوى ... دنا مِنْ غير ما بَيْنِ له اسمٌ وهو فِعْلٌ ... لامُه عينٌ بلا مَيْنِ كدمعي وهو بالتَّصحيف ... بَعْدَ القَلْبِ في عين (¬1) ¬

_ = وصورة الجواب الثاني لصاحب الترجمة نثرًا أن يقال: زد وطىء جدته أم أمه وَطْءَ شبهة فاولدها بنتين، ثم نكح إحداهما عمرو ابن عم زَيد لأب، فأولدها ابنًا، ثم وطىء زيد هذه المنكوحة وطء شبهة فأولدها بنتين، ثم ان عمروًا قتل زيدًا عمدًا؛ فحاصل ما ترك زيد مِنْ الورثة جدته وأربع بنات وابن عم لأب، ومرأة القيتل له هي زوجة عمرو وابنها ابن ابن عم الميت، وأمها هي الجدة أم الأم الموطوءة وأختها وبنتاها، فهن أربع بنات للميت، وصدق أنهم ورثوا المال أسداسًا، لأن للبنات الثلثين وهن أربع، وللجدة السدس، وللعاصب ما بقي، وهو السدس. وقال القاضي عبد البر بن الشحنة في كتاب "الألغاز" التي وضعها على مذهب الحنفية بعد نقل ما أجاب ابن حجر: "البنتان الأخيران، وهما بنتان مِنْ أم جد إلي آخرها": أحسن الأجوبة التي أجاب بها قاضي القضاة ابن حجر. قال: وأما ما أجاب به الجد رحمه اللَّه نفسه، فصورته نظمًا قوله: أم وأختان منها. . . إلى آخرهما، كما تقدم في كلام السخاوي. ونثرًا: أن هذا رجل مات عن أمه وأختين لأم وابن عم أبيه، فلم تقسم التركة، ثم إن ابن العم تزوج إحدى الآختين، فأولدها بنتين وطلقها وتزوجت بابن عم له، فأولدها ابنًا، ومات زوجها الثاني ثم الأول الذي منه البنتان، فيخص الأم مِنْ التركة الأولى السدس والأختين الثلث لكل واحدة منهما السدس، والباقي لابن العم، فلما مات قبل قسمة التركة عن بنتيه، كان لهما الثلثان مِنْ تركته، وهي ثلث أصل المال، فكان لكل واحدة منهما سدسه، والباقي وهو ثلث تركته وسدس أصل المال، فكان لكل واحد سدس المال، واللَّه الموفق. انتهي. (¬1) في (ط): "عيني".

فأجابه:. . . . (¬1) ولنختم هذا الفَصْلَ بشيءٍ مِنْ ألغازه التي ما علمتُ عنها جوابًا، ونبذةٍ مِنْ مقاطيعه [البديعة معنى وخطابًا] (¬2). فمِنَ الأول: قوله في أنس: لك أخبارُ معال (¬3) ... خُبْرُها في النَّاسِ أحسَنْ وسَناءٌ في اطِّرادٍ ... بانعكاسِ الضِّدِّ أعلَنْ أيُّما اسمٍ هو فِعْلٌ ... مع تحريفٍ يُعَيَّنْ لم يَبِنْ إنْ صحَّفوه ... ومَعَ الحَذْفِ تبيَّنْ وقوله في إسماعيل: لي عامٌ ساءَ قلبي ... فيه بُعدي عن حبيبي أضمَرَ القلبُ اسمَهُ عَنْ ... كلِّ لاحٍ ورقيبِ وقوله: يا إمامًا فضلُه في ... كلِّ معنى ليس يُحصَرْ أيُّ شَيءٍ قلتُه في ... كلِّ بحرٍ قد تقَرَّرْ أنت إن بدَّلتَ منه ... ثلْثَهُ الآخر (¬4) يظهرْ وقوله: ما اسم أُحاجيكَ به يا فتى .. دام على كلِّ بليغٍ مَسُودِ إنْ بدَّلَ القلبَ أخو فِطنَةٍ ... سوفَ يراهُ طالعًا بالسُّعودِ ¬

_ (¬1) بياض في الأصول. (¬2) ما بين حاصرتين زيادة مِنْ (ب). (¬3) في (ب): "معان". (¬4) في (ط): "الأخير".

[مقاطيعه]

فقِسْ مَحَلْ اللُّغْزِ تجْرَحْ (¬1) بِه ... مِنْ بعد تصحيفِكَ قلبَ الحَسُودِ وقوله في ناقة: يا أيُّها القارىءُ ما آيةٌ ... أحرُفُها أبعةٌ ظاهِرهْ وقيل حرف واحدٍ كلُّها ... فاعجب لها مِنْ آيةٍ باهرَهْ وقوله في مصحف: وما اسمٌ شريفٌ في اسمه وصفاتِه ... ومقداره مِنْ (¬2) كلِّ ما لاح أشرفُ يحرِّفُه الأعداءُ لكن مُحبّه ... إذا حرَّفوه قال: هذا مُصحفُ وقوله في عرفة: ما اسمٌ يحبُّه أولو (¬3) التقى (¬4) غدا ... ظرفَ مكانٍ وزمانٍ وصِفَهْ يخفى على ذي الحِذْقِ لكن إن بدا ... مِنْ بعد وَصْفٍ فيه بقلبٍ عرفهْ [مقاطيعه] ومِنَ الثاني قوله: وقائلٍ هلْ عملٌ صالحٌ ... أعددتَه يدفعُ عنك الكُرَبْ فقلت: حسبي خدمةُ المصطفى ... وحبُّه، "فالمرءُ مع مَنْ أحبْ" وقوله: يقولُ حسودي إذْ مدحتُ محمَّدًا ... ليَشْفَعَ لي هل أنت بالشِّعرِ واصلُ وهل لكَ عند المصطفى مِنْ وسيلةٍ ... وهل أنتَ مستجدٍ؟ فقلت: وسائلُ ¬

_ (¬1) في (أ): "تخرج"، تصحيف. (¬2) في (ط): "في". (¬3) في (ط): "أولي"، خطأ، وفي مختصر السفيري: "أهل". (¬4) في (أ): "التقوى".

وقوله: أفٍّ لمدَّعي الاتِّحاد فأهلُها ... منْهَا جَهْمٌ في الدِّين أصبح أعوجا إن قمتُ أهجوهُم فإنِّي باتِّباعِ ... السُّنَّة الغرَّاء أقومُ مَنْهَجَا وقوله، وكتبهما في خطبة "ديوانه": يا سيّدًا طالعَهُ ... إنْ راقَ معناه فعُدْ وافتَحْ له بابَ الرِّضا ... وإنْ تَجِدْ عَيْبًا فسُدْ وقوله في العشرة المشهودِ لهم بالجنة، فلم يُسبَق، لكونهم في بيت واحد: لقد بشَّر الهادي مِنَ الصَّحْبِ زُمرةً ... بجنَّاتِ عَدْنٍ كلَّهُم فضلُه اشتهَرْ سعيدٌ زُبيرٌ سَعْدُ طلحةُ عامرٌ ... أبو بكر عثمانُ ابن عوف عليٌّ عُمَرْ وقولُه مِن أبيات: النَّاسُ بالحقِّ قد أقرُّوا ... أنَّ المعالي لكُمْ قرارُ واتَّفقُوا أنَّكَ المُعلَّى ... ما اختلفَ اللَّيلُ والنَّهارُ وقوله، وقد وقف على قولِ الأصمعي: مِنْ لم يحتمل ذُلَّ التَّعلُّم ساعة، بقِيَ في ذُلِّ الجهلِ أبدًا. عن الأصمعيِّ جاءت إلينا مقالةٌ ... تُجدِّدُ بالإحسان في النَّاسِ ذِكْرَهُ متى يحتَمل ذُلِّ التعلُّمِ ساعةً ... وإلَّا ففي ذُلِّ الجهالةِ دهرَهُ (¬1) ¬

_ (¬1) قال السفيري في مختصره بعد هذين البيتين قلت: وقد نظم بعضهم هذا المعنى وزاده فقال: ومن لم يذُق ذُلَّ التعلُّم ساعة ... تجرَّع ذُلَّ الجهل طول حياتِهِ ومن فاته التعليم حين شبابه ... فكبّر عليه أربعًا لوفاتِهِ فإن حياة المرءِ بالعلم والتُّقى ... فإن لم يكونا لا اعتبار لذاتِهِ

وقوله: لذَّةُ دنياكَ (¬1) بسبعٍ فاعلَمِ ... يجمعُها قولُك للمستفهِمِ اسكن كل اشرَبْ البَسْ ... اسمع نك نمِ وقوله: والَهْفَ نفسي على سبعٍ لو اجتمعَتْ ... عندي فإنِّيَ للَّذات محتَقِرُ بيتٌ على البحرِ والبستانُ داخلُهُ ... والبابليُّ والبقا والبدرُ والبِدَرُ وقوله: ثلاثٌ مِنَ الدُّنيا إذا هي حُصِّلَتْ ... لشخصٍ فلَنْ يخشى مِنْ الضُّرِّ والضَّيْرِ (¬2) غنًى عَنْ بينها والسَّلامةُ منهمُ ... وصحَّةُ جسمٍ ثمَّ خاتمةُ الخَيْرِ وقوله: دعِ الذَّمَّ للدُّنيا فكم مِنْ مُوَفَّقٍ ... يقولُ وقد لاقي النَّعيمَ بجنَّةِ حياتي لو مُدَّتْ لزادت سعادتي ... فيا ليتَ أيَّامي أُطِيلَتْ ومُدَّتي وقوله: مَنْ يأتِ معصيةً فليُخْفها حذرًا ... مِنْ أن يَعُمَّ البلا بالنَّاس إن جَهَرَا وكارِهُ المنْكَرِ الدَّاني كغائِبه ... ومن نأى وهو راضٍ مثلُ مَنْ حَضَرَا (¬3) وقوله، وكتب بها إلى القاضي صدر الدين الأدَمي أوَّل ما وَليَ كتابة السِّرِّ بدمشق عِوَضًا عَنِ الشَّريف علاءِ الدِّين: ¬

_ (¬1) في (أ): دنياه. (¬2) في (ط): "الضرر". (¬3) هذان البيتان لم يردا (ب).

تهنَّ بصدرِ الدِّين يا منصبًا سما ... وقُلْ لعلاء الدِّين فليتأدَّبَا له شرفٌ عالٍ وبيتٌ ومنصِبٌ ... ولكن رأينا الصَّدرَ للسِّرِّ أنسبَا وقوله: باللَّه سر يا رسولَ حِبِّي ... إليه إذ ظلَّ لي مُبَاعِدْ فإنْ جرى عندَه حديثي ... أعِنْ وكُنْ لي يدًا وساعِدْ وقوله: رأينا معيدًا جالسًا وسْطَ حلقةٍ ... فقيل تعالَوْا تسمَعُوا الأوحدَ الفَرْدَا سيُبدي لكم لما (¬1) يعيدُ فضائلًا ... فلمّا رآنا لا أعادَ ولا أبدى وقوله: أُنهي (¬2) بحضرتك السعيدة أنّني ... مِنْ فرطِ ما هَمَلَتْ دموعي أرمَدُ وعجَزْتُ حتَّى ليس لي سَمْعٌ لمَنْ ... يُلحي وليس بِدَفْعِهِم عني يدُ وقوله: أيُّها النَّجمُ دعاءٌ ... مِنْ سقيمٍ كاد يَهْلَكْ عُدْتَه يومًا وما (¬3) عُدْتَ ... فإيهٍ عُدْ بفضلِكْ قلت: وهما مِنْ محاسن قوله، لأنَّه جمع المعاني الثَّلاثة التي قال فيها القائل: مِرضْتُ للَّه قومٌ ... ما فيهمُ مَنْ جفاني عادوا وعادوا وعادوا ... على اختلافِ المعاني ¬

_ (¬1) في (أ): "ما". (¬2) في (ط): "أهنى"، تحريف. (¬3) "وما" ساقطة مِنْ (ط).

يعني: أن الأول: مِنَ العيادة، والثاني: مِنَ العَوْد، والثَّالث: مِنْ قولهم: اللهمَّ عُدْ علينا مِنْ فضلِك، [أو مِنَ العائدة الصِّلة] (¬1): وقوله في مقدمة كتاب جاءه ممَّن يُسمَّى بأبي بكر: أتاني كتابٌ منكَ أحسِبُ أنَّه ... حوى زهرة المنثورِ والعنبر الشِّحري تقدَّمْتَ فيه الكاتبينَ وفُقْتَهُم ... بفضلِكَ والتَّقديمُ حقُّ أبي بكرِ وقوله في رسالة للزِّيني عبد الباسط لمَّا حجَّ في سنة أربعٍ وثلاثين: مَنْ فاته أنْ يراك يومًا ... فكلُّ أوقاتِه فواتُ وأينَ ما كنتَ في جهاتٍ ... فلي إلى وجهِكَ التفاتُ وقوله: أمولاي نورَ الدِّين دعوة مُبعَدٍ ... حزينٍ قضى أنَّ الوِصالَ سُرُووُهُ يَقيكَ بقلبٍ أنتَ أوقدتَ نارَهُ ... ويَفديك بالطَّرف الذي أنت نورُهُ وقوله: مولاي نورَ الدِّين غبتَ ... فزادَ دمعُ العين فيضا ومضى الرُّقادُ وناظري ... مِنْ بعدِه والنُّورُ أيضا وقوله: أنسَ فلانُ الدِّين ذكرى مَنْ مضى ... كرمًا وبأسًا ما عليه غطاءُ فَلَنَا نهارُ الحربِ منه مجاهدٌ ... ولنا نهارُ السِّلْمِ منه عطاءُ (وقوله) (¬2) مِنْ قصيدة طويلة: ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). (¬2) ساقطة مِنْ (ب).

مَنْ للغريب مساعدٌ ومُدارِ ... غيرُ اللَّطيف بجودِه المِدْرارِ مَنْ للغريب المُبتلى بصبابةٍ ... ونوًى فلا ينفكُّ في أفكارِ قد كان لا يرضى الوصالَ تجنِّيًا ... والآن يقنَعُ بالخيالِ السَّاري وقوله ردًا على الشهاب بن فضل اللَّه، حيث قال إذ ألزم شهُودَ دمشق بإرخاء العذَبات (¬1). أدلَتْ شهودُ الشَّامِ خلفهُمُ ... ذوائبًا في العيان تُحتَقَرُ كانوا بني آدمَ فمنذ بدت ... أذنابُهم صحَّ أنَّهم بقرُ فقال: قل للَّذي شبَّه الذوائب بالأذنا ... بِ أخطأت ما هم بقرُ فآية الرَّأس ليس تُشبِهُ ما ... في السُّفل بل في غصونهم ثمرُ (وقوله) (¬2) لما سقطت منارةُ الجامَعِ المؤيَّدي: لجامعِ مولانا المؤيَّد رَوْنَقٌ ... منارتُه بالحُسْنِ تزهو وبالزَّيْنِ تقولُ وقد مالت عَنِ القَصْدٍ أمهِلُوا ... فليس على جسمي أضرُّ مِنَ العينِ فتوهَّم الشَّيخُ بدر الدين العيني أنَّه عرَّضَ به، فقيل -وهما للنَّواجي المسكين (¬3) -: منارةٌ كعروس الحُسْنِ إذ جُلِيَتْ ... وهدَّمَها بقضاءِ اللَّه والقدرِ قالوا: أُصيبَت بعينٍ قلت: ذا غلطٌ ... ما أوجبَ الهَدْمَ إلَّا خسَّةُ الحَجرِ وكان سبقهما التَّقِيُّ بن حجَّة، وعرَّض بين البُرجي ناظِر العمارة، فقال: ¬

_ (¬1) في (ط): "العنايات"، تحريف. (¬2) ساقطة مِنْ (ب). (¬3) في "جمان الدرر": فلمَّا سمعها العيني ذهب للنواجي، فنظم له معارضًا.

على البُرجِ مِنْ بابَيْ (¬1) زويلة أُنشِئَت ... منارةُ بيت اللَّه والمعهدِ المُنجي فأخنى بها البُرجُ الخبيثُ أمالها ... ألا صَرِّحُوا يا قومُ باللَّعنِ للبُرجي وكذا قال شعبانُ الآثري: عَتِبْنا على ميل المنارِ زويلةً ... وقلنا تركْتِ الناسَ بالميل في هَرْجِ فقالت قريني برجُ نَحسٍ أمالني ... فلا بارك الرَّحمن في ذلك البرجِ وأنشدني الشيخ نجمُ الدين بنُ النَّبيه أوحد الموقعين (لنفسه) (¬2) معرضًا عن هذه المعاني كلِّها، فقال: يقولون في مَيْلِ المنارِ تواضُعٌ ... وعينٌ وأقوالٌ وعندي جَلِيُّها فلا البُرْجُ أخنى والحجارةُ لم تُعَبْ ... ولكن عروسٌ أثقلتها حُلِيُّها وقال أيضًا: بجامعِ مولانا المؤيَّد أُنشِئَتْ ... عروسٌ سمَتْ ما خِلْتُ قطُّ مثالَها ومُذ علِمَتْ أنْ لا نظيرَ لها انثنتُ ... وأعجبَها والعجبُ عنَّا أمالَها ومن نظم شيخنا مَوَالْيَا قوله: لك يا علي عينْ ... نقدُها بألف عينْ ووجه مِنْ عينْ ... شمس الحُسن نُورُ وعينْ وكم عليك عينْ ... أجْرَتْ دمع عيني عينْ لا صابتْكَ عينْ ... يا مَنْ أوَّل اسْمُو عينْ [الأولى: الجارحة، والثانية: الذهب، والثالثة: الذات، والرابعة: الحقيقة، والخامسة: الرقيب، والسَّادسة: الماء، والسابعة: العيان، والثامنة: ¬

_ (¬1) في (أ): "يأتي". (¬2) ساقطة مِنْ (ط).

الحرف] (¬1). وله موشحات وزجل واحد نَظَمُه تجربةً لخاطره. وله دُوبيت: يا مَنْ هجروا فالصَّبرُ كالرَّبع عفا ... والدَّمع مِنَ الجفونِ حسبي وكفى رِقُّوا لفتى لرقّه ملكُكُم قد راق ... نسيب منه فيكم وصَفَا وقوله: العارضُ فوقَ الورد زاهٍ زاهر ... يا بدر لوَجْنَتَيْك باهٍ باهر والقلبُ لصبري عنك ناهٍ ناهر ... والطَّرف وقد نأيت ساهٍ ساهر وكان -رحمه اللَّه- إليه المنتهى في كلِّ ما يصدُرُ عنه مِنْ ذلك في سائر أنواعه، مع سرعة عمله، كما ستأتي الإشارة لذلك عقب جوابه عن أبيات (أيا عُلماء الدِّين) مِنَ الفصل الذي بعد هذا (¬2). وقد رثى شيخه البلقيني بقصيدة طويلة طنَّانة تزيدُ على ثمانين بيتًا، لم يتَّفق لأحدٍ مِنْ طلبة الشَّيخ ومحبِّيه -مع كثرتهم وتفتُّنهم- أن يأتي بنظيرها وقد جازاه ولدُه على ذلك بما لا يقابلُه عليه إلَّا الذي أنطقه به. وكذا له مرثيَّة لشيخه العراقي قافِيَّةٌ بديعةٌ في معناها (¬3). وممَّا نُسِبَ إليه ما وُجِدَ بمجلس السُّلطان المؤيَّد في شعبان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة في ورقه نصُّها: يا أيُّها الملك المؤيَّدُ دَعْوَة ... مِنْ مخلصٍ في حُبِّه لك ينصَحُ انظُر لحالٍ الشَّافعيَّة نَظْرَةً ... فالقاضيان كلاهُما لا يصلُحُ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ورد في (ط)، فقط، وقد كنبت هذه المعني فوق كلمات (عين) في (أ، ح). (¬2) ص 878 مِنْ هذا الجزء. (¬3) وقد أورد المرثيتين صاحب "جمان الدرر".

هذا أقاربه (¬1) عقاربُ وابنُه ... وأخٌ وصِهْرٌ فِعْلُهُمْ مستَقْبَحُ غطَّوْا محاسنه (¬2) بقُبْحِ صنيعهم ... ومتى دعاهم للهدى لا يُفلحُ وأخو هراة بسيرةِ اللَّنك اقتدى ... فلَهُ سهامٌ في الجوارحِ تَجْرَحُ لا درسُه يقرا ولا أحكامُه ... تُدرى ولا حِينَ الخَطَابَة يُفصِحُ فافرْج هُمومَ المسلمين بثالثٍ ... فعسى فسادٌ منهم يُسْتَصْلَحُ (¬3) ووقعت الموقع مِنَ السلطان، وصار يكرر إنشادها، فرحمه اللَّه تعالى كيف لو أدرك زماننا هذا، وقد طُمِسَ الصَّلاحُ بفساده، وسكن إنكار المنكر مِنْ المؤمن في صميم فؤاده. نسأل اللَّه حُسْنَ الخاتمة. ويقرُب مِنْ هذا ما في ترجمة عبد الحاكم بن سعيد مِنْ قضاة مصر في قاضيين مِنْ أبيات فيها: فلا ذا بسيرته يُرتضى ... ولا ذا بتدبيره يُسْتَضا فهذا رئيسٌ به لوثَةٌ ... وهذا وضيعٌ بعيدُ الرِّضا فما فيهما أحدٌ يُرتجى ... ولا فيهما أحدٌ يُرتضى فلا بارك اللَّه فيمن أتى ... ولا بارك اللَّه فيمن مضى ¬

_ (¬1) في (أ): "عقاربه". (¬2) في (ط): "محاسنهم". (¬3) في (أ): "مستصلح".

الفصل الخامس فيما ورد عليه من الأسئلة المنظومة وجوابه عنها بفكرته المستقيمة

الفصل الخامس فيما ورد عليه من الأسئلة المنظومة وجوابه عنها بفكرته المستقيمة فمن ذلك ما كتب إليه إبراهيم بن عمر البقاعي (¬1)، ونصُّه: الحمد للَّه العليِّ (¬2) الأمجَدِ ... الجاكمِ العدلِ الجليل السَّيِّدِ ثم الصلاة مع السلام على الرَّ ... سولِ وآلِهِ والصَّحب أهْلِ السُّؤْدُدِ ما قولُ شيخِ العصْرِ حافظِ وقته ... أستاذِ أهلِ الدَّهر نجمِ المهتدي زين الزَّمان طرازِه سلطانِه ... مَلكِ العلوم به الأئمة تقتدي علَّامةِ الدُّنيا ضِيَا أيامِها ... عين العبادِ إمامِ كلِّ مُوَحِّدِ جبلِ الفحول وحَبرهم بل بحرهم ... قاضي القضاة شهاب ملَّةِ أحمدِ في ناظرٍ ولَّى عميًّا جاهلًا ... تدريسَ أخبارِ النبيِّ محمَّدِ ثمَّ ارتماه حين حقَّق جهله ... وأقرَّ من يرضى لهذا المقصِدِ ثم ارتضى الغمرَ الغبيَّ فردَّه ... وأقرّه مِنْ بعدِ عَزْلِ الأرشدِ ¬

_ (¬1) في (ب): "الشيخ بو الحسن إبراهيم. . . ."، وقد كانت هكذا في (ح)، ثم محاها المصنف غفر اللَّه له، وأبدلها بما هو موجود هنا، فانظر إلى خلاف القُرناء ماذا يصنع! نسأل اللَّه السلامة. (¬2) في (ط): "الأعلى".

هل كان تقرير الجهُولِ محرّمًا ... بَدْءًا عليه عند كلِّ مُسَدَّدِ وهل التَّفَحُّصُ كان عنه واجبًا ... قَبْل الولاية يا كريمَ المحتدِ أو فاسقٍ هو مِنْ وظائف دينه ... عزل بتقرير الجهول المُعْتَدِ وبما يُؤدِّبُ ذا العَريّ بفعله ... إن مَدَّهُ في سَعْيه بتمرُّدِ لا سيما مع عزل الآهل ومنعه ... مِنْ غير جُرْمِ ناله يا سيِّدِي وهل السُّكوتُ لقادِر عن زجرِهِ ... جُرْمٌ يؤدي للشَّقاوةِ في غدِ ومن المصادف صحّة تقريره ... يا منقذَ الحيرى وأحسنَ مرشدِ فانظم بجدِّك شملَ عبدٍ وانثرن ... أهلَ الضَّلالةِ بالكلامِ الأحمدِ فأجابه بعد أن غيَّر في السُّؤال عدَّة ألفاظٍ، وكذا غيَّر غيره ممَّن أخذ عني الشَّطر الأول مِنَ البيت الثالث: أثني على ربِّي بحمدٍ سرمدي ... دَأبًا يرُوحُ مع الحياةِ ويغتدي ثمَّ الصَّلاةُ مع السَّلام الأكملا ... ن الأطيان على النَّبي محمَّدِ والآل والصَّحبِ الكرامِ ومَنْ على ... آثارِهِم مِنْ مُقْتَفٍ أو مقتدي هذا وإن الناسَ ذا الوقت اقتدَوا ... في أمر دينهمُ بغير المهتدي (¬1) لا يعرِفُون الحقَّ بل هو عندهم ... كالنَّوم قد فَقَدَتْه عينُ الأرمَدِ بعضٌ على بعضٍ مشى لكن على ... طُرُقِ الضَّلالِ وسادَ غير مُسَوَّدِ وتراأَسَ الأنذالُ فيهم فانْثَنى ... مَنْ كان ذا تقوى بقلبٍ مُكْمَدِ وتغيَّرت أحوالُهم فالدِّينُ عا ... دَ كما بدا في غُربةٍ وتوحُّدِ يا قلبُ دَعْ هذا وعُدْ لجواب مَنْ ... وافاك يسأل عَنْ فِعالِ المعتدي رَكِبَ الهوى فهوى وأقلع نادِمًا ... ثمَّ ارتمى في غيِّه المتردِّدِ مَنْ يرتضي الغَمْرَ السَّفيه ويعزلُ الـ ... ـحُرَّ الرَّشيدَ فذاك غيرُ الأرْشَدِ ¬

_ (¬1) هذا البيت لم يرد في غير (ح).

فمتى تعمَّدَ فعلَ ذاكَ وقد درى ... تحريمه وأصرَّ في الفعلِ الرَّدِي يفسق ويُعْزَلُ مِنْ وظائِفه وفي ... تعزيرِه بالعزلِ أقصى المقصِدِ حتَّى يتوبَ عَنِ اللَّجاجِ وينتهي ... فيعودُ فيما كان فيه ويبتدي يا بُؤسَ كلِّ معاندٍ في الحقِّ بَلْ ... نِعْمَ المساعدُ ثم سَعْدُ المُسْعِدِي هذا جوابي عاجلًا نظَّمتُه ... متبلِّدًا عن خاطرٍ مُتَبدِّدِ وعلى النَّبيِّ مِنَ المليكِ صلاتُه ... وسلامُه دَأْبي أُتِمُّ وأبتدي قلت (¬1): وممَّن أجاب ناظم هذه المسألة عن سؤاله بحاصل ما أجابَهُ بِه صاحبُ الترجمة في مقالهِ جماعة، وهم: مِنَ الشَّافعية: البُلقيني، ومِنَ الحنفية: ابن الدّيري، كلاهما نثرًا ثمَّ نظمًا، وكذا مِنَ الحنفية: العيني، ومن المالكيَّة: الشهاب بن تقي والعلم الأخنائي والبدر بن التَّنسي، أربعتهم نظمًا. ومن الحنابلة: المحبُ بن نصر اللَّه نثرًا ثم نظمًا، وتقرَّرَ عنده الحكمُ منهم. ثم بعد أزيدَ مِنْ أربعين سنة بَسْبَسَ ووسوس في الوقوع في أشد مما سأل عنه، مع كونه ممَّن لا اعتداد بموافقته ولا مخالفته. ولكن كُلٌّ يعملُ على شاكلته. إذا رَضِيَتْ عنِّي خيارُ عشَيرتي ... فلا زالَ غضبانًا عليَّ شِرارُها وقد قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أعانَ في خُصومةٍ بباطلٍ، لم يَزَلْ في سَخَطِ اللَّه حتَّى ينزعَ". نسأل اللَّه العافية مِنْ كلِّ بليَّةٍ. وكتب إليه الشهاب أحمد السُّنباطي ما نصُّه، وهو مِنْ نظم القاضي شمس الدين ابن كُمَيل المنصوري كما علمتُه بعد: يا أيُّها الحبرُ الإمامُ المطلبُ ... يا فاتحًا أقفالَ ما يُستصْعَبُ يا قامعًا أهلَ الضَّلال ودامغًا ... أهلَ المُحَالِ وللجهالةِ مُذْهِبُ يا مَنْ لعُمْدَةِ عصرنا إنسانُها ... ولجِلَّةِ العصرِ الطرازُ المُذْهَبُ أنتَ الشِّهابُ المستضاءُ بنورِهِ ... فيكَ استضاءَ مَشَرِّقٌ ومُغرِّبُ ¬

_ (¬1) مِنْ هنا إلى قوله: "مِنْ كل بليه" لم يرد في (ب) وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح).

ما قولُكم في مسلمٍ متزوِّجٍ ... ثنتينِ للأولى (¬1) يميلُ ويقرُبُ وإذا أراد جماعَ الاخرى عاقهُ ... عُدْمُ انتشارٍ فهو عنها يُحْجَبُ هل للتي لا يُستطاع جماعُها ... طلبُ انفساخٍ أم له لا تطلُبُ إنْ قيل إنَّ لها انفساخًا (¬2) كيف ذا ... مع وَطْئِه الأولى وهذا مُعْجَبُ نرجوا الجوابَ معلَّلًا بدليله ... مِنْ سُنَّةٍ أو مِنْ قياسٍ يُصْحَبُ أو مِنْ كتابٍ مُسنَدٍ لأئمةٍ ... ألفاظُهم بين الورى تُسْتَعْذَبُ ولك الثَّوابُ عن الجواب إذا بدا ... يومَ القيامةِ كلُّ هولٍ مُصْعَبُ عِشْ سالمًا لا فُضَّ فوكَ ولا هنا ... عيشٌ لمَنْ يجفوك يا ذا المطلبُ ثمَّ الصَّلاةُ على النَّبيِّ وآلِه ... ما زَمْجَرَتْ رعدٌ ووافى صيِّبُ وكتب السَّائل في ظهر السؤال ما حاصله: إنَّه سأل عنه الشيخَ شمس الدين القاياتي، وكان إذ ذاك قاضي القضاة، فلم يُجب عنه بعد أن أقام عنده نحو الخمسين يومًا، لعجزه عَنِ النظم. وألحَّ على صاحب التَّرجمة في الجواب، فكتب، وأُخبرتُ أن ذلك ارتجالًا: مِنْ بعد حمد اللَّه مَنْ لا يعزُبُ ... عَن علمِه بادٍ ولا مُسْتَغرَبُ ثمَّ الصَّلاةُ على النَّبيِّ محمَّدٍ ... والآل والأتباع ممَّن يُصحَبُ قال الفقير العبد أحمد مِنْ (¬3) غدا ... بين الأنام العسقلاني (¬4) يُنْسَبُ العلم أفضل ما اقتناه مكلَّفٌ ... لا سيَّما الشَّرعي (¬5) فهو المطربُ (¬6) ¬

_ (¬1) في (ط): "الأولى". (¬2) في (ط): "انفساخ"، خطأ. (¬3) في (أ): "ابن مِنْ"، خطأ. (¬4) في (ب، ط): "العسقلان". (¬5) في (أ): "الشرع". (¬6) في (ط): "المطلب".

الفقهُ والتَّفسير والخَبَرُ الذي ... يُروى فذاك الموردُ المستَعْذَبُ وسوى الثَّلاثةِ آلةٌ للمُنْتَهي ... فيها اللَّسان مِنَ العقول (¬1) يُهَذَّبُ وفضيلة المنظوم إن تَكُ فضلةً ... تُحْمَد وإلا فهو ما لا يعجبُ ولقَدْ وقفتُ على سؤال مهذَّبٍ ... في النَّظم يقرُب مِنْ عُلاه الكوكبُ مستكشِفًا عَنْ حُكم مسألة لها ... غَوْرٌ وعلةُ حُكمِها قد تَصْعُبُ إن كان ذو (¬2) الزوجين يُحْجبُ عنهُما ... أو كان عَنْ إحداهما يتَحجَّبُ فالأوَّلُ العِنِّينُ والثاني كذا ... فالحكمُ للأخرى التي لا تُقرَبُ ودليلُه حكمُ القياس لنظمِ ذا ... مع تلك في ققد التِذاذٍ يُطرِبُ ولأجل ذا ثبتَ الخِيَارُ لها إذا ... جلّ البلا لهما وعزَّ المطْلَبُ والرَّافعيُّ مصرِّحٌ بالحكمِ في ... هذا ومِنْ بعد "الوجيزِ" "المطلبُ" هذا جوابُ العبد أحمدَ راجيًا ... بعد القَبُولِ العفوَ عَنْ ما يُذْنِبُ وكتب إليه عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن العديم، [ثم أخبرني الخطيب تقي الدين عبد الرحمن السَّمَنُّودي -وهو ثقة- أنها لوالده شرف الدين يحيى بن شرف الدين موسى بن محمد العسَاسِّي (¬3) السَّمَنُّودي الخطيب، وأن والده قدَّمها لصاحب الترجمة يوم عَرَضَ ولدُه (المخبِرُ) (¬4) المذكور عليه "المنهاج"، فأجابه عنها مي الوقت بالجواب المذكور، وهو عنده بخط المجيب، والمسجد بسمنُّود، والكائنةُ معروفةٌ بين أهلها] (¬5): ما قول سيدنا (المولى) (¬6) الإمام أبي الـ ... ـعباس قاضي القُضاة العلم والعَمَلِ ¬

_ (¬1) في (ط): "القؤول". (¬2) في (ب، ط): "ذا". (¬3) العساسِّي، ضبطه المصنف في "الضوء اللامع" 10/ 262، فقال: بمهملات أولاها مفتوحة والثانية مشدَّدة. وقد أشار إلى ما ورد هنا. (¬4) و (¬6) مِنْ (ط). (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

مفتي الأنام ومِصباح الظَّلام ومَنْ ... له سماءُ الفضل بين النَّاس والدُّوَلِ في مسجدٍ بسَمَنُّود (¬1) يؤمُّ به ... شخصٌ ويأكل رُبْعَ الوَقْفِ لم يُبَلِ وقد تداعى بناهُ مِنْ جوانبه ... وناظرُ الوقفِ أمسي عنه في شُغُلِ فهل يقدِّمُ إصلاحَ المكان على ... إمامةٍ وبنا ما كان مِنْ خَلَلِ أم يأخذُ الرُّبعَ والإصلاح يتركُه ... ويجعلُ الأمرَ موقوفًا على العِلَلِ أفتي بعلمِكَ ماجورًا تُثابُ على ... فعلِ الجميلِ وخلِّصنا مِنَ الزَّلَلِ فأجابه: الحمد للَّه هادي مَنْ يشاء إلى ... صراطه المستقيمِ الواضحِ السُّبُلِ ثمَّ السَّلامُ الذي يتلو الصَّلاة على ... محمَّدٍ خاتم الأنبياء والرُّسُلِ وبعدُ، فالأمرُ بالمعروف عزَّ ومَنْ ... يأتي المناكِر عند النَّهي لم يُبَلِ عِمَارةُ الوقفِ ما زالت مقدَّمةً ... إن قالها واقفٌ أو كان لم يَقُلِ وفي الإمامةِ ما بين الأئمة منْ ... قبل اختلاف بجَعْلِ الجُعْلِ لم يزَلِ فلا تقدِّم ما فيه الخلافُ على ... ذي الاتِّفاقِ فهذا فعلُ ذي خَطَلِ هذا جوابُ سؤالِ الحَبْرِ سطَّره ... بخطِّه العبدُ طوعًا أحمدُ بنُ علي قلت: وقد قال شيخنا أبو النَّعيم رضوان المستملي -فيما قرأته بخطه-: لو قال السائل: مِنْ بعدِ حَمْدِ إلهي خالقِ الدُّولِ ... ثم الصَّلاة على مَنْ سادَ في الرُّسلِ ما قولُ سيِّدِنا قاضي القضاة [أبي الـ ... ـفضلِ] (¬2) الذي شهدت بفضله فضَلاء العِلْمِ والعَمَلِ ¬

_ (¬1) في (ب، ط) ومختصر السفيري: "بدمنهور". (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ط)، ركب المصنف بخطه في هامش (ح): "لعله: ما قول سيدنا الحبر الذي شهدت".

لسَلِمَ مِنْ كُنيته (¬1) بأبي العباس، ولأتى بالسُّنَّة في البداءة بالصَّلاة والسَّلام على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. وكتب إليه الزَّينُ عبدُ اللطيف بن الشمس محمد بن جمال الدين عبد اللَّه الجَوْجَري: قاضي القُضاة وصاحبَ الجاهِ الوفي ... قلبي يحدِّثُني بأنَّك مُنصفي هذا سؤال غيرَ بابِكَ لم يَزُرْ ... أحدًا وكيف يزورُ مَنْ لم يعرفِ في حالفٍ بطلاقه وعِتاقه ... ابن النُّباتةِ فاق أشعار الصَّفي فأجابه رجلٌ بمثل يمينه ... أن الصَّفيَّ زلالهُ العذب الصَّفي وله "البديعة" والبديع بنثره ... وبنظمه خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ فأبِنْ بفضلٍ عن سؤالي (¬2) شافيًا ... فلعلَّ نارَ جوانحي أن تنطفي فأجابه بقوله: يا مَنْ يُسائِلُني عن ابنِ نُباتةٍ ... وعَنِ الصَّفي الحلِّيِّ كيما يَصْطَفِي اسمع مقالة عادلٍ في حُكْمِهِ ... بالذَّوف لا يُصغي لِمَنْ لم يُنصِفِ مصرِيُّنا في نظمه أحلى ومَنْ ... رام انسجامًا راقه شِعْرُ الصَّفي وطريقةُ الحِلِّيِّ شارَكهُ بها ... مَنْ ليس يُحصى مِنْ شهيرٍ أو خفي وجمالُنا سَلَكَ الطَّريق الفاضِليَّـ ... ـةَ فاكتسى منها الجمالَ اليوسُفِي في نظمه الزَّاهي وفي منثُورِه الـ ... ـباهي وفي الحظِّ القويِّ وفي وفي ويقال: إنَّ الشَّيخ سعد الدين بن الدَّيري سُئل عن ذلك أيضًا، ولم يكن حينئذٍ قاضيًا، وأنَّه ابتُدىء السؤال بقوله: شيخ الشيوخ، فأجابه بقوله: يا سائلي عن حالِفَيْنِ تجاذبا ... طَرَفيْ نقيضٍ مع ألِيَّة مسرفِ ¬

_ (¬1) في (ط): "تكنيته". (¬2) في (أ، ب): "سؤال"، والمثبت مِنْ (ط، ح) و"جمان الدرر" و"مختصر السفيري".

قد حادَ كلٌّ عن سواء مَحَجَّةٍ ... إذ أطلق التَّفْضيل للمستوصِفِ إني وقد عزَّ (¬1) التَّفاضل فيهما ... في الجانبين فمن بقي لم يعرفِ ولئن سما نظمْ لنَجْلٍ نُباتةٍ ... بتغزُّلٍ وترفُّقٍ وتألُّفِ وقريحةٍ شقَّت معاني أنبأتْ ... عَنْ حُسْنِ مأخذ مُنْشِىءٍ أوْ مَقْتفِي فلكَمُ جَنَتْ (¬2) أيدي البديع جنًى دَنَا ... وصفا لمُشْتَارٍ مِنَ الدُّرِّ الصَّفي إن لم يكن كلٌّ بدا متأوِّلًا ... فالحِنْثُ حَتْمٌ لازمٌ لا يختفي لكن أعم نظام الأوَّل فائقٌ ... عند الأعمِّ فبَرُّ ناويه وفي ولربَّما اقتضت البواطنُ ضدَّ ما ... اقتضيتِ الظَّواهرُ فاحكُمَنْ بتوقُّفِ هذا وتركُ الخوضِ في أمثال ذا ... أولى وأسلمُ منْ شباكِ الموقفِ وكتب إليه التَّاجُ عبد الوهاب بن شَرَف (¬3) ما سمعته منه، فقال: يا مَنْ قطفتم مِنَ الآداب أزهارًا ... ومِنْ علوم النُّهي والنَّقْلِ أثمارا ماذا تقُولُون في أمرِ الوباءِ إذا ... نجمُ الثُّريا بدا مِنْ بعدِ ما غارا وما المُرادُ مِنَ الغُفْرانِ تسألُه ... عنِ الصِّغار وما فارَقْنَ أوزارا فاغنَم ثوابَيْنِ مِنْ أجل ابنِ مسألةٍ ... فقد تركت (¬4) له سمعًا وابصارا فأجاب: إذا الثُّريَّا صَبَاحًا حين تطلُع لا ... يخشي على (¬5) الزَّرْعِ مِنْ عاهاته عارا ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "عرف". (¬2) في (أ): "جنى". (¬3) هو عبد الوهاب بن محمد بن محمد الجوهري، ترجمة المؤلف في الضوء اللامع 5/ 110 - 112، وأشار إلى هذه المسألة التي هنا. (¬4) في (ب، ط): "تركن". (¬5) في (أ): "مِنْ".

كذا روى الطبراني في "الصغير" وعن ... أبي حنيفة جا التَّقييدُ أثمارا وجاء عامًا بلفظ النَّجم في السُّنَنِ الـ .... ـشَّهير عند أبي داود أذكارا وحكمة الغُفْرِ للأطفال قد بَلَغَتْ ... سَبعَ احتمالاتٍ جلَّ اللَّه غَفَّارا قلت (¬1): النَّجمُ: هو الثُّريَّا، كما بينه الطبراني في "الصَّغير" عَقِبَ روايته، وطلوعُها صباحًا يقع في أوَّل فصلِ الصَّيف، وذلك عند اشتداد الحرِّ في بلاد الحجاز، وابتداء نضج الثِّمار (¬2). وقد ذكر شيخُنا المسألة في بيع الثمار قبل أن يبدُو صلاحُها مِنْ "شرح البخاري" ولفظ الحديث، وهو عند أبي داود مِنْ طريق عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة، رفعه: "إذا طلع النَّجمُ صباحًا، رُفِعَتِ العاهةُ عَنْ كلِّ بلدة"، وكذا هو عند أبي حنيفة عن عطاء، مع اقتضاء النظم لخلافه. نعم. قال أبو يوسف صاحبه: تفسير العاهة أن تُرْفَعَ عَنِ الثِّمار. قال: والنَّجم الثريا. وروى أحمد مِنْ طريق عثمان بن عبد اللَّه بن سُراقة، قال: سألتُ ابنَ عمر عن بيع الثِّمار، فقال: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الثِّمار حتَّى تذهبَ العاهَةُ. قلت: ومتى ذلك؟ قال: حتى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا. لكن قد عزا شيخُنا في "شرحه" لفظ "رفِعَتِ العاهةُ عنِ الثمار" لرواية أبي حنيفة عن عطاء، وهو موافق لما في النَّظم، إلا أني لم أقف عليه كذلك، فيُحَرَّر. ولا بأس بذكر الاحتمالات المشار إليها هنا لتتمَّ الفائدة. ¬

_ (¬1) مِنْ هنا إلى قوله: "فيحرره" لم يرد في (ب) وقد أضافه المصنف بخطه في هامش (ح). (¬2) في (ط)، "النهار"، وهو تحريف.

قال صاحب الترجمة، وقد سئل عن قولهم في الصَّلاة على الجنازة: "اللهم اغفِرْ لحيِّنا وميِّتِنا وكبيرِنا وصغيرنا"، هل هو أمرٌ نسبىٌّ، وكلاهما مكلَّف، أو المراد بالصَّغير غيرُ المكلَّف؟ في نصه: يحتمل أوجُهًا: أحدها: أن يكونَ المراد ما أشير إليه في السؤال، وهو اختصاص ذلك بالبالغين، والصَّغير والكبير فيهما نسبي. ويحتمل أن يكون أيضًا خاصًا بهم، والصَّغير والكبير في الصفات لا في الأعمال. ويحتمل أن يكون على عمومه في البالغ وغير البالغ، لكن مَنْ لم يبلُغ منهم يكون المرادُ بطلب المغفرةِ له تعليقها ببلوغه إذا بلغ، وفعل ما يحتج إلى المغفرة. ويحتمل أيضًا أن يكون طلبُ المغفرة لغيرِ البالغ ينصرف إلى والديه، أو أحدهما، أو إلى مَنْ ربَّاه. ويحتمل أن ينصرف إليه برفع منزلته مثلًا، كما في البالغ الذي لا ذنب له إذا فرض، كمن مات بعد بلوغه بقليل، أو بعد إسلامه الخالص بقليل. ويحتمل أيضًا أن يتخرَّج على أحدِ أقوال العلماء في الأطفال، وعلى أحد أقوال العلماء في المراهق، وكذلك مَنْ بلغ العشر مِنَ السِّنين، فإنَّ كلَّ ذلك محتملٌ، لأن المسألة اجتهاديَّةٌ، فيحسُنُ الدُّعاءُ لهم باعتبارِ ذلك. وهذا ما فتح اللَّه به مِنْ جواب هذا السؤال، ولم أقف على مَنْ جمع في هذا الجواب بين هذه الاحتمالات، واللَّه سبحانه وتعالى المانُّ بفضله. انتهى. وحكي لي أن هذا الناظم لم يكتفِ بجوابِ صاحبِ التَّرجمة، وأنَّه كتبَ للبدر العينيِّ ما نصه: ماذا يرى عين الورى العَينيُّ في ... حُكْمِ الوَبا إذا به النَّجْمُ الخَفِي

وسؤالنا الغفرانَ عندَ دُعائِنا ... لصغيرنا ونراه غيرَ مكلَّفِ فاغنم إجابةَ سائل مُتَضَرِّعٍ ... يا أيُّها البحر العبابُ الحَيْرَفي إني اهتديتُ بِسُؤْلِ غيرِكَ ضِلَّةً ... فظفرت مِنْ سؤلي بغيرِ معرِّفِ فامتنع البدرُ مِنْ الجواب كما حكاه لي مَنْ كان عنده. وقال: إذا كان هذا المقول في فلان، فماذا يقولُ فينا، أو في غيره، أو كما قال. وكتب إليه المذكور أيضًا، كما قرأته بخطه: يا مَنْ يقولُ النَّثرَ درًا أزهرا ... والنَّظمَ ياقوتًا توقَّدَ أحمرا ماذا يصحُّ روايةً ودِرايَةً ... فيما حكوه (¬1) مِنَ السَّماء إلى الثَّرى فأجاب: قد صحَّ خمس مِئن رواه الترمذي ... وإلى أبي ذرٍّ عزاه مقرَّرا أو عشر سبع مِئنْ وثنتان روى ... هذا أبو داود فيما حبّرا والجَمْعُ أنَّ الخمس للسِّير البَطِي ... والسبع (¬2) للثاني والأوَّل شهرا قلت: وما نسبه إلى الترمذي في خصوص كونه مِنْ حديث أبي ذر أشهر. والذي في الترمذي -وكذا عند أحمد- إنما هو مِنْ حديث الحسن عن أبي هريرة رفَعَهُ: "إنَّ بينَ كل سماء وسماءٍ خمسمائة عامٍ، وإنَّ سُمْكَ كلِّ سماءٍ كذلك، وإنَّ بين كلِّ أرضٍ وأرضٍ خمسمائة عامٍ". نعم، حديث أبي ذرٍّ أخرجه إسحاق بن راهويه والبزَّار في "مسنديهما"، ولم يبين شيخنا صحابى حديث أبي داود، وهو عنده، وكذا الترمذي وابن ماجه جميعًا مِنْ حديث العبَّاس بن عبد المطَّلِب مرفوعًا: "بين كلِّ سماء وسماء إحدى أو اثنان وسبعون سنة". ¬

_ (¬1) في (ط): "رويت". (¬2) في (ب، ط): "والسعي".

وجُمع بينهما -كما أشار إليه شيخُنا- بأن اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته. انتهى. وقد سأل عن هذا السؤال بعينه -لكن نثرًا- الشيخ جلال الدين المحلي، وأجابه صاحب الترجمة عنه بما أثبته في موضع آخر، واللَّه المستعان. وكتب إليه الشريف صلاح الدين محمد بن أبي بكر الأسيوطي يوم ختم "شرح البخاري" وهم بالتَّاج ما نصه: ما يقول شيخ المُحَدِّثين الأقدمين والمُحدَثين، فائق الكمال والإكمال بتهذيبه وتقريبه، غُنْيَةُ الطَّلبَة، كفاية الطَّلِبَة، نهاية الأرب في فنون الأدب، علَّامة ذوي الألمعية، قاضي قضاة الشافعية، أدام اللَّه مسراته، وحفظه وسراته، في قول القائل، وإن لم يكن طائل: لك الهنا بفضل منك يشمَلُنا ... معنًى وحسًّا بموجودٍ ومعدومِ كم للبخاريِّ مِنْ شرحٍ وليس كما ... قد جاء شرحُكَ في فضلٍ وتتميمِ شروحُها الذَّهبُ الإبريزُ ما حَظِيَتْ ... بمثلِ ذا الخَتْمِ في جمعٍ وتكريمِ وشرحك الرائح المصريُّ بهجتُها ... وهل يوازَنُ إبريزٌ بمختُومِ وفي هذا الثاني العاني بما اشتمل مِنَ المعاني: أقاضي (¬1) قُضاة الدِّين حقًا بليغَهم ... ومَنْ هو في أوج (¬2) المعاني كلامُهُ شروح البخاري مُذْ سُقِينَا رحيقَها ... أتى شرحُك الوافي ومِسْكٌ ختامُهُ هل بينهما تواخِي، أم لأحدهما عن الآخر تراخي؟ وهل صاحب هذه البيوت في قصور، أم حام حول خام مَنْ عليه الحُسْنُ مقصور؟ وهل له في مجاري الأدب أدنى يُنبوع، وما بحكم به الذَّوقُ السليم المطبوع؟ ¬

_ (¬1) في (ب): "أيا قاضي". (¬2) في (أ): "أوجي"، وفي (ط): "أرج".

فإن تفضَّلتم الآن بجواب، فغيرُ بِدْع أنَّه يومُ الإجابة، مِنْ عدَلْتُم للاسترواح إلى غدٍ، فذاك عينُ الإصابة، ورأيُكم العالي أعلى، وحسبُنا اللَّه ونعم الوكيل. فكتب ما نصه: أسألُ اللَّه حُسْنَ الخاتمة. ذقتُ حلاوة هذه الممالَحَةِ، وشرَحْتُ صدري بلطافة هذه المطارحة، وتبيِّن أن ناظِمَها واحدٌ حِسًّا ومعنى، بل أوحدُ في حُسْنِ التَّلطُّفِ وزيادةِ الحسنى، وهما يتجاذبان الجَوْدَةَ مِنْ هنا وهنا كالفرقدين، إذا تأمل ناظر. . . إلى آخره. وكتب له الكاتب لي (¬1) بالإجازة الإمام شمس الدين محمد بن الخضر بن المصري من القدس الشريف ضمن مطالعة ما نصه: يا حَافِظَ العَصْرِ ويا مَنْ له ... تُشَدُّ مِنْ أقصى البلادِ الرِّحَالْ ويا إمامًا للورَى أمَّةً ... محطُّ آمالِ الثِّقاتِ الرِّجالْ ابن العمادِ الشَّافعيِّ ادَعى ... رودَ ما فَاهَ بِهِ في المَقَالْ "شراركم عزَّابكم" إنه في الـ ... الخَبَرِ المرويِّ حقًّا يُقَالْ فهل أتى مِنْ مُسْنَدٍ ما ادّعى ... أو أثرٍ يَرويه أهلُ الكمالْ بَيِّن رعاكَ اللَّه يا سيِّدي ... جوابَ ما ضمَّنْتُه في السُّؤالْ لا زلت يا مولى لنا دائمًا ... في الحال والماضي كذا في المآلْ فأجابه بقوله: أهلًا بها بيضاءَ ذاتَ اكتحالْ ... بالنَّقْشِ يزهُو ثوبُها بالصِّقالْ مَنَّتْ بوَصْلٍ بعد بُعْدٍ شفى ... مِنْ ألمِ الفُرقة بعدَ اعتلالْ تسألُ هَلْ جاء لنا مُسْنَدًا ... عَنْ مَنْ له في المجدِ شأوُ الكَمَالْ ذمُّ أُولي العُزْبَةِ قلنا: نعم ... مَنْ مال عَنْ إلْفٍ وفي الكَفِّ مالْ ¬

_ (¬1) في (أ): "له"، خطأ. وقد ترجمه المصنف في "وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام" 2/ 556 وقال: أجاز لي.

أخرجه أحمد والموصلي ... والطبراني الرحَّال الصَّوَّالْ (¬1) أراذلُ الأمواتِ عُزَّابُكم ... "شرارُكم عُزَّابكم" يا رِجالْ مِنْ طُرُقٍ فيها اضطرابٌ ولا ... تخلُو مِنَ الضَّعف على كلِّ حالْ وكتب إليه ابن المصري مِنَ القدس أيضًا ما نصه: أسيدنا قاضي القُضاةِ ومَنْ غدا ... يُفيد طُلَّابَ العِلْمِ كلَّ غريبِ حديثًا روينا في "ابنِ ماجَةَ" مسندًا ... بلفظ أبي الدَّرداء خيرِ حبيبِ فمعناه خيرُ الرُّسْلِ لم يخْشَ فقرَنا ... يصدِّقُ هذا قلبُ كلِّ مُنيبِ سوى صَبَّةِ الدُّنيا علينا تزيغُنا ... إلهيَّة في الزِّيغِ زَيغُ عجيبِ فكُلٌّ نَحَا في النُّطق فيه مخالفًا ... لصاحبه معناه غيرُ قريبِ فبيِّنْ رعاكَ اللَّه تحريرَ متنِه ... وألفاظِه بالقَوْلِ قولَ مصيبِ فلا زلت يا مولى (¬2) لكل ملمة ... فأنتَ إمامي في الورى ومُثيبي فأجابه بقوله: سألتَ رعاكَ اللَّه يا شَمْسَ دينِه ... لتُشْرِقَ إشراقًا بغيرِ غُروبِ وتُبدي لطُلَّاب العلوم فضائلًا ... بأسئلة تَسْمُو (¬3) لكلِّ مُجيبِ فلبَّيْكَ ألفًا عن دعائِكَ مُسْرِعًا ... ولو كنت بالأقصى فخيرُ قريبِ وإنَّ التي قد (¬4) أشكَلَتْ جملةٌ جرى ... بها قلمٌ ما كان خطَّ أريبِ فإلا للاستثناء مِنْ بعدِ هاهيَه ... تلى هِيَ هاءُ سكت وغيرُ غريبِ بقارِعَةِ القُرآن قد سُكِّنَتْ إذا ... وقفت ودَمْجًا عندَ كلِّ أديبِ ¬

_ (¬1) في (ط): "الثقات الرجال"، وفي هامش (ح): "لعله الرحلة". (¬2) في (ب): "مأمولًا"، وفي (ط): "يا مولانا". (¬3) "تسمو" ساقطة مِنْ (ب). (¬4) في (ط): "وإن الذي".

ومِنْ دَونِ هاءِ السَّكْتِ جاءت روايةٌ ... فلَمْ يَبقَ شكٌّ بعدَها لمُرِيبِ وكتب إليه ابن المصري أيضًا: أسيِّدنا قاضي القضاة ومَنْ له ... علينا أيادِ لا تَنَاهى تَعَدُّدَا سؤال طرا: في أي موطنٍ قد أتت ... حياةٌ لميْتٍ بعدما كان مُلْحَدَا بأمرِ الذي لولاه ما عُرِفَ الهدى ... ولا أتهَمَ السَّاري إليه وأنْجَدَا وهذا "الشِّفا" (¬1) فيه دليلٌ وإنَّما ... يَرُوم زيادات بحفظك يُقتَدَى فبيِّنْ -رعاك اللَّه- يا حافظًا حوى ... مِنَ السُّنَّةِ الغَرَّاءِ صدرًا ومَوْرِدَا فأجابه: نعم عاش أمواتٌ بدعوَةِ مَنْ أتى ... مِنَ اللَّه للأحياء بالنُّور والهُدَى فمنها ابنُ مَنْ قَد هاجَرَت ودعت ... وقد قَضى عاشَ عَيْشًا حيًّا طيبًا ومُرْغِدَا ومنها التي ماتت بوادٍ فخُيِّرَتْ ... ومنها ذراعُ الشَّاة تنهى عَنِ الرَّدى فهذا الذي يحوي "الشفا"، وبغيره ... إعادةُ إبراهيمَ مِنْ بعدِ ما ارتدا ومثلُ ذراعُ الشَّاة شاةُ الَّتي دعت ... إلى دارِها قالت: أُخذتُ بلا فدا وأصرَحُ مِنْ كلٍّ شُوَيْهَةُ جابرٍ ... دعا فلقد كادت تُلَبِّي له النِّدا وأصدَرها للبيتِ مِنْ بعدِ ذبحِها ... عليه سلامُ اللَّه مثنى وموحدا ثم قال السائل: فهذه سبعةُ أشياء ما بين بهيمةٍ تنطقُ بعد الموت وإنسانٍ كذلك، واحدٌ بالفعلِ وآخرُ بالقوَّة، وما بينَ مَنْ عاش بعد الموتِ، إمّا إنسانٌ وإمّا بهيمة، وشرحُ ذلك: أما القصة الأولى، فذكرها عياضٌ عَنْ أنسٍ، أنَّ شابًا مِنَ الأنصار توفي وله أمُّ عجوزٌ عمياء. قال: فسجيناه وعزَّيناها (¬2)، فقالت: مات ابني؟ ¬

_ (¬1) أي: كتاب الشفا في حقوق المصطفى للقاضي عياض رحمه اللَّه. (¬2) في (أ): "وعزيناه".

قلنا: نعم. قالت: اللَّهُمَّ إن كنتَ تعلمُ أنِّي هاجرتُ إليك والى نبيك رجاءَ أن تُعينَني على كلِّ شدَّةٍ،، فلا تحملنَّ عليَّ هذه المصيبة. قال: فما بَرِحْتَا أن كشفَ الثَّوبَ عَنْ وجهه، فطَعِمَ وَطَعِمْنا. وأمَّا قصَّةُ ذراعِ الشَّاة التي سُمَّتُ بخيبر، فأصلها في الصحيحين وغيرهما مِنْ حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، ولفطه عَنْ أبي داود: أن يهودية أهدت إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبرَ شاةً مَصليَّةً سمَّتها، فأكل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منها وأكلَ القومُ، فقال: "ارْفَعوا أيدِيَكم، فإنَّها أخبرتني أنها مسمومة". ورواه البزار مِنْ حديثِ أنسٍ رضي اللَّه عنه بلفظ: "إنَّ عُضْوًا مِنْ أعضائها يُخبرني أنَّها مسمومةٌ". ورواه مِنْ حديث أبي سعيد رضي اللَّه عنه ونحوه. وفي حديث جابر رضي اللَّه عنه: "أخبرتني هذه الذراع". ومن حديث كعب بنِ مالك رضي اللَّه عنه، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم- للمرأة: "هل سَمَمْتِ هذه الشاة"؟ قالَت: مَنْ أخبرك؟ قال: "هذا العظمُ"، لساقها، وهو في يده. قالت: نعم. أخرجه الطبراني. وأما قصة الذي وَأَدَ بنتَه، فذكرها عياضٌ عَنِ الحسن مرسلًا، قال: جاء رجل إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكر له أنَّه طرح بُنَّيةً له في وادي كذا، فانطلق معه إلى الوادي، فقال لها باسمها: "يا فلانة، احْيي بإذن اللَّه"، فخرجت وهي تقول: لبَّيكَ وسعدَيْكَ، فقال لها: "إن أبويك (¬1) قد أسلما، فإنْ أحبَبْتِ أن أرُدِّك عليهما". قالت: لا حاجة لي فيهما، فقد وجدتُ اللَّه خيرًا لي منهما. وأما قصة إبراهيم، فرواها أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نُبَيط بن شُريط (¬2) في "نسخته" المشهورة عن أبيه، عن جده إبراهيم، وكان قد أدركَ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمات عنده، فبعث النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أمِّه الفُرَيعَة (¬3) بنتِ جابر أنَّ ¬

_ (¬1) في (أ): "أبواك" خطأ .. (¬2) في (ط): "شريك"، خطأ. (¬3) في (أ، ح): "العذيقة" وقد أوردها الحافظ ابن حجر في الإصابة 8/ 168، فقال: فريعة أم ابراهيم بن نبيط. . .

ابنَك إبراهيم قد مات، فقالت: الحمد للَّه. اللهم إنِّي قد هاجرتُ إليك وإلى نبيِّكَ، ليكون لي عندَ كلِّ مصيبةٍ، فلا تحمل عليَّ هذه المصيبة اليوم. قال: فأحياه اللَّه عندَ ذلك، وأكلَ وطَعِمَ بين يدي النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى. وهذه تُشبه القصَّة الأولى، إلا أنَّه قال في الأولى: إنَّ الشَّابَ مِنَ الأنصار، وإبراهيم بنُ نُبَيْطٍ أشجعي، فالظَّاهرُ التَّعدُّدُ. وأما قصة تخيير والدِ الميت، فرواها أبو نعيم في "الدلائل" مِنْ طريق مَيْسَرٍ الحلبي، عن عتبة بن ضُمَيْرَة، قال: سمعت والدي يقول: كان لرجل صِرْمَةٌ مِنْ غنم، وكان له ابنٌ يأتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقدحٍ مِنْ لبنٍ إذا حَلَبَ. ثم إنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- افتقده، فجاء أبوه، فأخبره أنَّ ابنه هلك، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتريدُ أن أدعَوَ اللَّه تعالى أن ينشُرَهَ لك، أو تصبر. فيُدَّخَرَ لك إلى يوم القيامة، فيأتِيَك فيأخُذَ بيدك، فينطلق بك إلى باب الجنَّةِ، فتدخُل مِنْ أيِّ أبوابها شئت"؟ فقال الرجل: ومَنْ لي بذلك يا رسول اللَّه؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو لك ولكلِّ مؤمنٍ". وأما قصَّة المرأة التي دعتِ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى طعامٍ، فقدَّمَتْ بينَ يديه شاةً، فلما أراد أن يأكُلَ، قال: "إنَّ هذه لشاة أُخِذت بغيرِ حقٍّ"، فأصلها في "سنن أبي داود" وغيره. وذكرها صاحب "شفاء الصدور" بلفظ: أنَّ امرأةً رأتِ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأرادت أن تُطعِمَه شيئًا، ولم يكن عندها شيءٌ، فذكرتْ عند جارتها عَنَاقًا، وكانت جارتُها غائبةً، فقالت: إنَّها لا تمنَعُني، فذَبَحَتْها، ثمَّ شوتها وقدَّمتها بين يدي النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "إن هذه العَناقَ لتُخبرني أنَّها أُخِذت بغيرِ حقٍّ"، فقالت المرأة: قد كان ذلك. وأما قصة شاةِ جابرٍ رضي اللَّه عنه، فأخرجها أبو نعيم في "الدَّلائل" مِنْ طريق أبي البدَّاح بنِ سهل، عن أبيه سهل بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك الأنصاري، قال: أتى جابرُ بنُ عبد اللَّه رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فردَّ عليه السلام. قال جابر: فرأيتُ في وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تغيرًا (¬1)، وما أحسبه تغيَّر إلا مِنَ الجوع، فقلت ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (أ).

لامرأتي: هل عندَكِ مِنْ شيءٍ؟ قالت: واللَّه ما لنا إلا هذه الدَّاجنُ وفَضْلَةٌ مِنْ زاد نعلِّلُ بها الصِّبيانَ، فقلت لها: هل لك أن تذبحي هذه الدَّاجن، وتصنعين ما عندك، ثم نحمِلُه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالت: أفعل ما أحببتَ مِنْ ذلك. قال: فذَبَحت الداجن، وصنعت ما كان عندها، وطحنَتْ وخبَزَتْ وطبخت، ثم ثرَدَتْها في جفْنَةٍ لنا، فوضعتُ الدَّاجِنَ، ثم حملتها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوضعتُها بين يديه، فقال: "ما هذا يا جابر"؟ قلت: يا رسول اللَّه، ظننتُ أنَّ وجهَك لم يتغيَّر إلا مِنَ الجُوعِ، فذبحتُ داجنًا كانت لنا، ثمَّ حملتُها إليك. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا جابرُ، اذهبْ فادعُ لي قومك". قال: فأتيتُ أحياءَ الأنصارِ، فلم أزل أجمعُهم، فأتيتُه بهم، ثم دخلتُ إليه، فقلت: يا رسول اللَّه، هذه الأنصار قد اجتمعت. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أدخلهم عليَّ أرسالًا". فكانوا يأكلون منها، فإذا شبعَ قومٌ، خرجوا ودخل آخرون، حتَّى أكلُوا جميعًا، وفَضَلَ في الجَفْنَةِ شِبْهُ ما كان فيها. وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لهم: "كلوا ولا تَكْسِرُوا عظمًا". ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جَمَع العظام في وسط الجَفْنَةِ، فوضع يده عليها، ثم تكلَّم بكلامٍ لم أسمَعْه، إلَّا أنِّي أرى شفتَه تتحرك، فإذا الشَّاةُ قد قامت تنفُضُ أذُنيها، فقال لي: "خذ شاتك يا جابر، بارك اللَّه لك فيها"، فأخذتها ومضيت، فإنها لتُسارعني بأذنها، حتى أتيتُ بها البيتَ، فقالت لي المرأة: ما هذا يا جابر؟ قلت: هذه شاتُنا التي ذبحناها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، دعا اللَّه، فأحياها لنا. قالت: أشهد أنه رسول اللَّه. انتهى. وأصل هذا في الصحيح باختصار بدون قصَّةِ إحياءِ الشَّاة، وهذا الإسناد لا بأس به، وهو أصرحُ ما رأيتُ في هذا الباب، واللَّه أعلم. وكتب إليه قاضي صفد ثم دمشق حسام الدين بن بريطع الحنفي، وهو محمد بن عبد الرحمن بن العماد ابن قاضي غزة، بعد أن قرأ على صاحب الترجمة شيئًا مِنْ شرح "ألفية الحديث" للعراقي ما نصه: ماذا يقولُ إمامُ العصر سيِّدُنا ... قاضي القضاة أدامَ اللَّه أيامَهْ

هل صحَّ نقل بأنَّ الشَّافِعيَّ لَقِي ... يعقُوبَ بعدَ بُلوغِ الحَبْرِ أحلامَهْ وابن الحسن معه عند الرَّشيدِ وهل ... أبدى السُّؤالَ الذي استشكلا أحكامَهْ وهل هما عجزا فيما سأله فجُدْ ... بالرَّدِّ فأنت وحيدُ الدَّهْرِ علاْمَهْ فأجابه بقوله: ما صح لُقْيَا الإمام الشَّافعي أبا ... يوسف (¬1) يومًا ببغدادٍ ولا شامَهْ وما روى البلويُّ في رحلةٍ شُهِرَتْ ... قد ردَّه ونفاه كلُّ علَّامَهْ ولائحٌ أثرُ الوضع المنمَّقِ في ... تلكَ المسائلِ لا برضاهُ فهَّامَهْ هذا جواب محبٍّ في الجميع غدا ... مُنَاهُ أن يغفِرَ الرَّحمن آثامَهْ (¬2) ¬

_ (¬1) في (ط): "لنا يعقوب"، وقد كتب المصنف في هامش (ح): "لعله: لنا يعقوب". (¬2) قال السفيري في "مختصر الجواهر والدرر" بعد إيراد جواب الحافظ ابن حجر: قلت: وقد أوضح ذلك صاحب الترجمة في كاتب مناقب الشافعي، المسمى بكتاب "توالى التأنيس بمعالى ابن إدريس" فقال: وأما الرحلة المنسوبة الى الشافعي المروية مِنْ طريق عبد اللَّه بن محمد البلوي، فقد أخرجها الآبري والبيهقى وغيرهما مطولة ومختصرة، وساقها الفخر الرازي في "مناقب الشافعى" بغير إسناد، معتمدًا عليها، وهي مكذوبة، وغالب ما فيها موضوع، وبعضها ملفَّق مِنْ روايات مفرَّقة، وأوضح ما فيها مِنْ الكذب قوله فيها: إن أبا يوسف ومحمد بن الحسن حرَّضا الرشيد على قتل الشافعي. وهذا باطل مِنْ وجهين: أحدهما: أن أبا يوسف لما دخل الشَّافعي بغداد كان مات، ولم يجتمع به الشافعي. والثاني: أنهما كانا أتقى للَّه مِنْ أن يسعيا فى قتل رجل مسلم، لا سيما وقد اشتهر بالعلم، وليس له إليهما ذنب إلا المدلة على ما آتاه اللَّه مِنْ العلم، وهذا مما لا يُظَنُّ بهما وإن علمهما وجلالتهما وما اشتهر مِنْ دينهما ليصُدَّ عن ذلك. والذي تحرر لنا بالطرق الصحيحة أن قدوم الشافعى بغداد أول ما قدم كان سنة أربع وثمانين، وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنتين، وأنه لقي محمد بن الحسن في تلك القدمة، وكان يعرفه قبل ذلك مِنْ الحجاز، وأخذ عنه ولازمه، فكان محمد بن الحسن يبالغ في إكرامه والتأدُّب معه والاغتباط به. قلت: وقد أورد البصروي في "جمان الدرر" مثل ذلك، ونقل مثله أيضًا عن النووي في "تهذيب الأسماء واللغات".

وكتب إليه بعض الطلبة ما نصه: جوابكم يا حافظَ العصرِ والذي على ... عذبه الصَّافي يسوغُ التَّيمُّمُ ويا مُزْنةً مِنْ رَحْمَةِ اللَّه أُرسِلَتْ ... قوابِلُها الهامي علوم وأنعم إذا أثبتَ القاضي ثُبوتًا مجرَّدًا ... وما عنده مِنْ مانع فيه يعلمُ (¬1) ولم يحكم القاضي ولا غيرُه به ... فذو الحقِّ مدفوعٌ عَنِ الحقِّ مُعْدَمُ فهل دفْعُه عَنْ صاحبِ الحقِّ حقَّه ... ولا مانعٌ في الشَّرع فعلٌ محرَّمُ فأجابه: يقول الفقير العبدُ أحمدُ ذو الغِنَا ... بربٍّ قويٍّ حمدُه مُتَحَتِّمُ إذا الحاكم استوفى الشُّروطَ فمنعُه ... مِنَ الحُكْمِ مِنْ بعدِ الثُّبوتِ تحكُّمُ ولا سيما أن طالِبَ الحقِّ جاءه ... فقال له: احكُمْ فالدِّفاع محرَّمُ وأما إذا كان الثَّنائي لمقتضٍ ... فلا لَوْمَ فيما يقتضيه التَّلوُّمُ فهذا جوابي مع شواغِلَ أوجَبَتْ ... تأخُّرَه يومين واللَّه أعلمُ وكتب إليه بعض الطَّلبة أيضًا يلتمسُ منه الجواب عن السُّؤال المشهور الذي أجاب عنه العلاء (¬2) القونويُّ شارح "الحاوي"، وهو مِنْ نظم بعض الزَّنادقة، قاله على لسانِ بعض يهودِ الشَّام، وهو: أيا علماءَ الدِّين ذِمِّيّ دينِكم ... تحيَّر دُلُّوه بأوضح حُجَّةِ إذا ما قضى ربُي بكُفري بزعمِكُم ... ولم يرضَهُ مني فما وَجْهُ حيلَتي قضى بضلالي ثمَّ قال: ارْضَ بالقَضَا ... فهل أنا راضٍ بالذي فيه شِقْوَتي دعاني وسدَّ البابَ دُوني، فهل إلى ... دخولي سبيلٌ بيِّنوا لي قضيَّتي ¬

_ (¬1) هذا البيت ساقط مِنْ (ط). (¬2) في (أ): "العلامة"، وهو علاء الدين علي بن يوسف بن إسماعيل القونوي، المتوفي سنة 729 هـ مترجم في الدور الكامنة 3/ 24 - 29.

إذا شاء ربِّي الكفرَ مِنِّي مشيئةً ... فهل أنا عاصٍ باتِّباعِ المشيئةِ وهل لي اختيارٌ أن أخالف (¬1) حُكمَه ... فباللَّه فاشْفُوا بالبراهين غُلَّتي فكتب ما نصه: يقول الفقير العسقلانيُّ أحمدٌ الذي ... لم يَصِلْ في الفهم للرتبة التي (¬2) ولكنَّه يُثْني على اللَّه حامدًا ... له ويُثَنِّي بالصَّلاة الحميدةِ على أحمد الهادي البشيرِ وآلِه ... وأصحابِهِ الزَّاكينَ خيرِ البريَّةِ ويُثني إلى هذي المسائل عاطفًا ... إلى حلِّها مِنْ عُقدِها بالحقيقةِ لئن كنتَ يا هذا تقرُّ بأنَّه ... تعالى له مُلْكُ الوُجودِ بقُدْرَةِ فمهما يشاء اللَّه يفعَلُ في الذي ... يراهُ ويُمضي حُكْمَه في الخليقةِ فسلِّمْ له تَسْلم ودِنْهُ تَفُزْ فَمَنْ ... له يعتَرِضْ يذهب إلى حَيْثُ ألقتِ وكتب بعد الجواب ما صورته: ويُقسم باللَّه جلت قدرتُه أنه كتب هذا الجواب مرتجلًا في حالة يخَيَّلُ له فيها أن ثمَّ مِنْ يمليه عليه، بحيثُ لم يشطُب في مُسَوَّدَتِها إلَّا على ثلاثة ألفاظ، وعمدتُه في هذا الجواب شيئان: أحدهما: أن الخطابَ مع مَنْ يقِر بالتَّوحيد ووجودِ الإله الحقِّ الذي ابتدأ الوجود، لا مع مَنْ يعطِّل. والثاني: أنه تعالى يفعلُ ما يشاء، ولا يُسألُ عمَّا يفعل، ومَنْ توقَّف في هذا، فإنَّه يستند إلى قياسِ الغائب على الشاهد وهو قياسٌ فاسد لفقد الجامع، واللَّه أعلم. وكتب له بعض العامَّة، ويقال: إنه القيم محمد بن علي بن محمد الفالاتي، عم صاحبنا الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن علي، يسأله عن معنى الكرد فقال: سردت كلَّ علوم الناس أوفى سَرْدْ ¬

_ (¬1) في (ط): "أفارق". (¬2) في (ط): "لم يصل يومًا إلى الرتبة التى".

يا شيخ الإسلام أفتينا وزِيحَ الطَّرْدْ الكَرْدُ ما هو فخبرنا (¬1) صفات الكردْ يا واحدَ العصر يا كامِل مُفَنَّنْ فَرْدْ فأجابه: الكَرْدُ بالفتح والإسكان مِثْلُ الطَّرْدْ وزنه ومعناه قالوا راح يَكْرُدُ كَرْدْ والكتفْ عند العَرَبْ أيضًا يُسَمَّى الكَرْدْ خذ فائدة مِنْ "صحاح" الجوهري يا فَرْدْ وكتب إليه آخر يسأله عن أديبين نظما مطلَعَيْ زجل، أحدُهما قال: دار عذار الآس بوجه الرَّوْض ... وأمس خدّ الورد مِنُّو خالْ والشَّقيق فوق وجنَتُه نقطة (¬2) ... يحسب العنبَرْ عليها خالْ وقال الآخر: وجه روضي فيه عُيونْ تجري ... للورود كَفُّو الزَّهر يا خَالْ والذي كفاه وساق نَهَرُه ... خطّ في خَدِّ الشَّقائِقْ خالْ فكتب ما نصُّه: العزة للَّه جميعًا. لقد أجادَ كلٌّ منهما في صفة الروض، وزيَّنا وجهَ السكن الخال بالخدِّ والحال، ولكن الأول أرشق، وناظمه عند ذي الذَّوق أذوق، والعلم عند اللَّه تعالى. وكتب إليه بعضُ الفُضلاء يسألُه عن قول علي بن الجهم الشاعر الشهير: ربما عالج القوافي رجالٌ ... تلتوي بهم (¬3) تارة وتلينُ ¬

_ (¬1) في (ط): "فأخبرنا". (¬2) في (أ): "يقطفه". (¬3) "بهم" ساقطة مِنْ (ب)، وفي (ط، ح): "تارة بهم".

طاوعَتْهُم عَيْنٌ وعَيْنٌ وعَيْنٌ ... وعصَتْهُم نونٌ ونونٌ ونونُ ما المراد بالطاعة والعصيان؟ وأنَّ الصَّفِيَّ الحِلّي أجاب عنه بقوله: كفم مع دم خمسة أعين الَّفظات ... منها حرفُ الرويِّ يكونُ ودواةٌ وحرفُ خطٍّ وحوتُ اليم ... يعصي الرَّوِيَّ والكلُّ نونُ فأجاب بما سمعته مِنْ لفظه: نِسْبَةُ البيت لمن ذُكر فيه نظر، والنسبةُ لمَنْ أجابَ صحيحة، وقد أجاب عنهما قبل الصَّفِيِّ الحِلِّي الأستاذ أبو عمرو بن الحاجب، لكنَّ نظمه: فيه قَلَقٌ كعادته، ونَظْمُ الحليّ منسجم. وأما الجواب عَن المراد بالطَّاعة والمعصية، فهو ظاهر في النظم المسؤول عنه، وذلك (¬1) أنَّ العينَ لفظٌ مشترك في ثلاثة معاني، وكذلك النون، [فأما العين] (¬2) فأطاعت في لفظها ومعناها في الرَّوِيِّ، فإنَّ النُّونَ لفظُها والميمَ معناها، وكلاهما رويُّ النُّون، فأطاعت بلفظها، وعصت بمعناها؛ لأنَّ لفظَها مُتَّفِقٌ وهو النون، ومعناها مختلفٌ، وهو الهاء والفاء والياء؛ لأنَّ الثلاثةَ عَيْنُ الفعلِ مختلف لفظًا، واللَّه أعلم. وكتب إليه بعضُهم مِنْ بيت المقدس يسأله عَنْ قول القائل: كَيْدُ حسودي وهَنَا ... فلي سرورٌ وهَنَا "الحمدُ للَّه الذي ... أذْهَبَ عنَّا الحَزَنا" وقول الآخر: قلبي إلى الرشد يَسِيرْ ... وعِنُدَه النَّظْمُ يَسِيرْ "الحمدُ للَّه الذي ... فضَّلنا على كثيرْ" ¬

_ (¬1) مِنْ هنا إلى قوله "فلم يتيسر لي. . . " ص 953 في هذا الجزء سقط مِنْ (ط) حيث فقد مِنْ أوراقها قرابة كراسة. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

أيهما أولى؟ فقال: المقدَّم مؤخَّر. قلت: وأظن المقتضي لتأخُّرِه الإتيان بألف الإطلاق، بخلاف الثاني، فقد جاء بالآية على وجهها. وسئل عن قول بعضهم: حبي الذي سادُوا رِقَاب الأعادي دَاسْ والقَلْبْ في شاطْ بَحْرِ العِشْق لأجْلُو طَاشْ لو قَدْ قَدْ سام غُصن البَان لمَّا ماسْ إذا سعى شام طرفي في بدر مِصْري ماسْ ولو ترى ساق يحلي الماء وقَلْبُو قاسْ عشقي له شاع بل غيري بوَصْلُو عَاشْ كم شابْ مُذْ سارْ مِنْ هجر وصَدْ وراسْ واللَّحظ لو شان كالهندي ويُوقِدْ ناس وقول الآخر: حبي الذي ماس سوء البُعْدْ قلبي سامْ والعِشْقْ لو نار تَغْشَى القَلْبْ لاجْلُو رانْ والوَصْلْ ما ناح مِنْ جارحْ لحَاظُو حامْ وكم (مِنْ) (¬1) فتى ناح مِنْ هَجْرُو وحَتْفُو خانْ والقدْ قَدْ مَالْ والعاذِلْ بجَهْلُو لامْ هذا وقد نال ميل الغُصْنْ لمَّا لانْ والرِّدْف قَدْ ماجْ لما أن تعاطى حامْ والدَّهر لو ناب يوقد غُصني بانْ (¬2) ¬

_ (¬1) ساقطة من (ح). (¬2) في (ب): "مذ بان".

فكتب ما صورته: للَّه الأمر. الذي يشهد به الذَّوْق السَّليم أنَّ كلًا منهما في النَّظم مستقيم، وليس لهما في قسم البلاغة قسيم، إلا أنَّ الثاني أبعدُ في إيجابه مِنَ السلب، وأقربُ في آدابه إلى القَلْب، وفوقَ كلِّ ذي علمٍ عليم. ويلتحق بهذا أنَّ الشيخ شهاب الدين الأبشيطي نزيلَ المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاةِ والسلام، سألَ فقيه الوقتِ الشَّرفَ يحيى المناوي عَنْ بعضِ الأسئلة نظمًا، وأجابه المشارُ إليه كذلك نظمًا، وأرسل بالجوابِ لصاحب الترجمة، ليقفَ عليه، ويقرِّضَه، فكان في ذلك عدَّةُ أبياتٍ امتدح الشرف بها صاحبَ التَّرجمة، علمتُ منها الآن قوله: إمامَ الهدى غَيْظَ العِدَا صَيْبَ النَّدى ... حَلِيف الجدى مُجلِي الصَّدى أوحدَ العَصْرِ لأجْعَلَ منه جوهرَ اللَّفْظِ حِلْيةً ... على جيد قولي فهو في الحُسْنِ كالدُّرِّ فكتب صاحب الترجمة -رحمه اللَّه- ما نصُّه -مع أنَّه لم يكن القَصْدُ أن يكون كتابته إلا نظمًا-: تأملت هذا الجواب، فوجدتُه بعون الملك الوهاب في غاية الصواب. وكتب إليه الشيخُ شهاب الدين ابن أبي السعود ما نصُّه (¬1): الحمد للَّه، لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللَّه العلي العظيم. يا بَحْرَ عِلْم أرانا لفظُه دُرَرًا ... وفي الطُّروس يُرينا زَهْرَ بُسْتَانِ رَوْضُ القَرِيضِ أتى يشكو إليكَ فتًى ... جَنَى فَصُلْ واحتكم وانقُمْ عَلَى الجاني فالشِّعْرُ نادى وقد قامتْ قرائِنُه ... شكواي مِنْ خائنٍ في النَّظم أوزانِ هذا شخص، ولا أقولُ مِنَ الناس سمع بَيتَي الصَّفِيِّ الحليِّ، وهما: لحَى اللَّه المزيُنَ قَدْ تَعَدَّى ... وجاءَ لقَلْعِ ضِرْسِكَ بالمُحَالِ أعاقَ الظَّبْيَ في كِلْتا يَدَيْه ... وسَلَّطَ كَلْبَتَيْنِ على غَزَالِ ¬

_ (¬1) في هامش (ح) بخط المصنف ما نصه: بلغ الشيخ عبد العزيز بن فهد الهاشمي قراءة علي في 25 سماعًا.

فقلع رجلٌ يلقَّبُ وليَّ الدِّين ضرسه، فنظم ذلك الشخص، وأعَرب عَنْ قدره، وبُرغمي أن أقول في شعره هذين البيتين، وزعم أنَّهما مِنْ منخلع البسيط، ومن خطِّه نقلتُ، وهما: إنَّ المزيِّن قَدْ تَعَدَّى ... في قلعِ ضِرْسِك العَلِيَّا أغرى على الظَّبيِ كَلْبَتَيْنِ ... وضلَّ إذ آذى وَلِيّا فماذا يستحقُّ مِنَ الإجازة على هذا المدح الذي جَمَعَ في التَّخلُّفِ أبلغَ الوجازة، وفي التَّكلُّفِ والتعجرف ما لا يستطيع طبيب علاجه، افعلوا ذلك مثابين. فكتب: الحمدُ للَّه واهب العافية. يستحقُّ مَنْ سَلَحَ هذا المقطوعَ أنْ يُقْطَعَ، ويستوجب مَنْ رَضِيَ بنسبة هذين البيتين إليه أن يُصْفَع، فلو رآه الصَّفدي، لرجع عَنِ "اختراع الخراع"، ولقضى على مِنْ نازعه في هذه الطريقة بالموت بعد النزاع، فما بلغ هذه الغاية إلا وهو في (¬1) اختيار انبساطِ الإخوان، فقد جاوز النهاية، والسلام. قلت: وكذا كتب على هذين البيتين الشِّهابُ الحجازي والشِّهابُ ابنُ أبي السُّعود المذكور، وكتابتُه عندي بخطِّه، والشهابُ بنُ صالح، حتى قيل: إنَّ قائلهما رُمي بالشُّهبِ الأربعة. ومما اتّفق: أنَّ شيخنا جلس مرَّةٌ ومعه الشِّهاب بنُ تَقِيِّ والشِّهاب الشَّيْرَجِي والشِّهاب الريشي والشِّهاب الحِجازي والشِّهاب بن يعقوب وشهابٌ آخر، بحيثُ صاروا بصاحب التَّرجمة سبعةً، فقال الحجازي: يا مولانا لقبتم (¬2) ذنوابكم (¬3) بالسبع السيارة، وقد اجتمعَت هنا، فقال شيخُنا بديهةً: فمن جاء بينهم فقد احترق. وللَّه در القائل: مَنِ ادَّعى عِلْمَ ما لا يعلم، كذب فيما يعلم، فما بالُك فيمن يُنازعُ في الجميع! ¬

_ (¬1) "في" ساقطة مِنْ (أ، ط). (¬2) "لقبتم" لم ترد في غير (ح). (¬3) كذا في "الأصول" وأظنها "ديوانكم".

وما الناس إلَّا كالصَّحائِفِ عُوِّدَتْ ... وألسُنُهم إلا كمِثْلِ التَّراجمِ إذا اشتَجَرَ الخصمان في فِطْنَة الفتَى ... فمِقْوَلُه في ذاك أعدَلُ حاكمِ وروينا في "المجالسة" للدينوري مِنْ طريق النَّضر بن شُمَيْل، قال: لو كنتُ عند الخليل بن أحمد، إذ دخل عليه شيخٌ مِنْ أهله، فقال له: لو اشتغلتَ بمعاشك، كان أعودَ عليك مِنْ هذا، فأنشأ الخليل يقولُ: لو كنتَ تَعْقِلُ ما أقولُ عذرتني ... أو كنتَ تعقِلُ ما تقولُ عذَلْتُكا لكن جَهِلْتَ مقالتي فعذلتني ... وعَلِمْتُ أنَّكَ جاهِلٌ فعذَرْتُكا ثم التفت إلينا، فقال: الرِّجال أربعة: رجلٌ يدري ولا يدري أنَّه يدري، فذاك غافلٌ فأفهموه، ورجلٌ يدري، ويدري أنَّه يدري، فذاك عاقلٌ فاعرِفُوه، ورجلٌ لا يدري، ويدري أنَّه لا يدري، فذاك جاهلٌ فعلِّمُوه، ورجلٌ لا يدري، ولا يدري أنَّه لا يدري، فذاكَ مائِقٌ فاحذَرُوه. وروينا عن عمرو بن مُرَّة، قال: حدَّثتُ إبراهيم بحديثٍ عَنْ رجلٍ، فقال: ذاك صاحبُ أمراء، يعني: ليس مثلَ غيره في الحديث. قلت: وهذا المبهمُ اسمه عبدُ الرحمن. إذا جَمَعَتْ بينَ امرأيْنِ صناعةٌ ... فأحبَبتَ أن تدري الذي هُوَ أحذقُ فلا تتامَّل مِنْهُما غيرَ ما جَرَت ... به لهما الأرزاق حينَ تُفَرَّق فحيثُ يكون الجَهلُ فالرِّزق واسِعٌ ... وحيثُ يكونُ العِلْمُ فالرِّزْقُ ضَيِّق نسأل اللَّه تعالى التوفيق والهداية إلى أقوم طريق. وكل (¬1) هذا استطراد. وكتب إليه القاضي الحنفي -وما علمت الآن مِنْ هو-[بل عندي في كونها مِنْ نظمه نظر] (¬2): ¬

_ (¬1) مِنْ هنا إلى قوله: "وابق كنزا" في الصفحة التالة ورد في (ب) قل باب الألغاز مباشرة. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

أيُّها الحاكمُ الذي قطُّ ما مال ... وإنْ كان مذهبًا يتحنَّفْ والإمامُ الذي سما في سماء العلم ... إياسًا وفاق في الحِلْمِ أحنفْ ما ترى في عُدُولِ قاضٍ أقاموا ... كلمتا الحق عنده في مكلَّفْ إنْ يُكذبهم فقد ثبتَ الحقُّ ... عليه وإن يصدق يحلَّفْ ويرد القاضي الشهادة مع ... فقد المعاداة بينهم إذ توقفْ هل أصابَ التفضل إذ عكس الأمر ... جهارًا أم فيه سِرٌّ سيُوصَفْ مُنَّ بالكَشْفِ عنه لا زلتَ في ... مسرَّة مِنَ اللَّه دائمًا ليس تُكشفْ [فأجابه هذا المبهم] (¬1): وكتب إلى بعض العلماء ممن لم أعلمه الآن، [وفي صحة نسبتها إليه أيضًا نظر] (¬2): يا إمامًا له الفضائل تُعزى ... زادك اللَّه في مثالِك عزّا ما الجوابُ السَّديد في رجل أزّ ... ضعيفِ المشي على الأرضِ أزّا فتثنَّت ثنيَّتاه إلى أن ... سقطا عِنْدَ وكزِه الصَّعْبِ وَكْزَا حيثُ يعفو عَنِ القِصاصِ ويَرْضَى ... دِيَّةَ كي يكونَ في الناس حِرزا هل لذاك ارتجاعها أن تعد تلك ... الثنايا يا أوّلًا أفِدْ وابْقَ كَنْزَا فأجابه هذا المبهم (¬3). . . ولنقتصر على ما أوردناه مِنْ نثره الذي فاق فيه أهلَ عصره، ثم على ما أوردناه مِنْ منظومه الذي لم يُلحق فيه، (مع) (¬4) ما منحه اللَّه مِنْ شريفِ علومه؛ فما مِنْ نوعٍ مِنْ أنواعه إلا ولو أُفْرِدَ بالتَّصنيف، لكان جديرًا بذلك لاتساعه، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب) وبعده في (أ) بياض مقداره ثلاثة أسطر. (¬3) هذه العبارة لم ترد في (ب)، وبعدها بياض في (أ). (¬4) ساقطة مِنْ (ب).

على أنَّ الإحاطة بجميعه لا تُستطاع، وحصرُه غير ممكن بالإجماع، فتقاريظُه -مع كثرتها- إليها المنتهى بالاتِّفاق، ورسائلُه فاقت مع سيرها في الآفاق، وأجوبته عَنِ الألغاز غاية في الإيجاز والاحتراز، وكتابتُه لمن عَرَضَ عليه، أو جلس مستفيدًا بين يديه، أو سمع عليه الحديثَ في القديم والحديث، أو قرأ عليه شيئًا مِنْ مصنفاته أو شافهه بإملائه ورواياته، فأشهر مِنْ أنْ تُذكَر، وأظهر مِنْ أن تُحصر، ومنظومه الذي ليس له فيه شرك وإن جَمَعَهُ في سلك فلم نلتزم (فيه) (¬1) الاستيعاب، إنما (¬2) اقتصر منه على الكثير مما يحلُو ويُستطاب، إذ منه على طريقة أهل الأدب ذوي الحجا والرتب ما كان يستغفر اللَّه منه، ويعتذر لخواصه عنه، كما سمعت فلك منه مرارًا، سرًا وجهارًا، لوفور ديانته وعظيم أمانته، على أن بعض أعدائه وحُسَّاده قد دسَّ فيه ما ليس وَفْق مُراده ممَّا يتحقَّقُه أهلُ العرفان المخالفين حظ النفس واتِّباع الشيطان. ومما ينسب إليه أبياتٌ (¬3) في قصِّ الأظفار أيام الأسبوع، ولا يجوز نسبتها إليه (¬4). وبالجملة ففي عُلُوِّ منزلته وشريفِ مرتبته ما يمنعُ الافتخارَ بما ذكرناه ورتَّبناه وحرَّرناه، لكن إنَّما أردنا الاقتطاف مِنْ تلك الأزهار والاستجناء مِنْ تلك الثمار، لارتياح النفوس إليها، وتجدُّدِ العهد القديم لديها، واللَّه تعالى يتفضَّلُ عليه بالقَبُول، ويبلَّغه في الآخرة وإيَّايَ خيرَ مأمول، بمنِّه وكرمه. ولنختم هذه الفصول بقصيدة له فيها مواعظُ وآداب على طريقة ابن القيم، حيث ذمَّ نفسَه وازدراها في الأبيات التي أولها "بُنَيَّ أبي بكر"، قالها شيخُنا لمَّا وعك في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة، فقال -وسمَّاها "الموقظة"-: بُنَيَّ عليٍّ قد تفاقم وِزْرُه ... فليس على مَنْ خاض في عِرضِهِ وِزْرُ بُنَيَّ عليٍّ مثلما قال ربُّه ... ظلُومٌ كنُودٌ شأنُه الغَدْرُ والمَكْرُ ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ب). (¬2) في (أ): "بما". (¬3) في (أ): "أبياتًا"، خطأ. (¬4) وقد أوردها السفيري في "مختصره" قال: وقال شيخنا السيوطي في "الإسفار عن قلم الأظفار": وقد اشتهر على الألسنة هذه الأبيات، ولا ندري قائلها ولا هي صحيحة في نفسها.

بُنَيَّ عليٍّ خاب واللَّه سعيُه ... إذا لم يكُنْ في الصَّالحين له ذِكْرُ بُنَيَّ عليٍّ يأمرُ النَّاسَ بالتُّقى ... ويغفُلُ عمَّا يقتضي النَّهْيُ والأمرُ بُنَيَّ عليٍّ قد غدا متصدِّرًا ... لِفَقْدِ أُولي العَلْيَا وأنَّى له الصَّدْرُ بُنَيَّ عليٍّ صار يُفتي ويجْتَري ... عليها ولا فَهْمٌ لديه ولا ذِكْرُ بُنَيَّ عليٍّ ليس يُذْكَرُ إذْ نَشَا ... ذليلًا يتيمًا ما لَهُ في الورى قَدْرُ بُنَيَّ عليٍّ صار مِنْ بعد يُتمه ... وحظُّ اليتامَى عِنْدَه النَّهْرُ والقَهْرُ بُنَيَّ عليٍّ صار مِنْ بعدِ ذُلِّه ... عزيزَ أُناسٍ دأبُه البَأوْ والفَخْرُ بُنَيَّ عليٍّ صارَ مِنْ بعدِ جهلِه ... عَليمًا وبعد القِلِّ صارَ له وَفْرُ بُنَيَّ عليٍّ كل ما يَشْتهي جَرَى ... على وَفْقِ ما يَهْوَى وليس له شُكرُ بُنَيَّ عليٍّ ما أَحبَّ رَأيٍ ولا ... يميلُ إلى التَّقوى فهلْ يُؤْمَنُ المَكْرُ بُنَيَّ عليٍّ صار للأمرِ مالكًا ... وهيهات عَنْ قُرْبٍ لقد قُضِيَ الأمرُ بُنَيَّ عليٍّ قد أتاه نذيرُه ... وليس لمَنْ جاء النَّذيرُ له عُذْرُ بُنَيَّ عليٍّ جاز في العمر سِنَّ مَنْ ... مضى مِنْ أبٍ وابنٍ كذا العمُّ والصِّهرُ بُنَيَّ عليٍّ ما الذي ترتجيه مِنْ ... سوى اللَّه هيهات انقضى الأمَلُ الغِرُّ إلهي أنا الخَطَّاءُ للذَّنْبِ عامدًا ... وكم نِلتُ (¬1) أطماعًا وما كنت اضطرُّ إلهي قد حوَّلْتَني فَوْقَ ما أنَا لَهُ ... الأهل (¬2) والتقصير وَصْفِيَ والعُذْرُ إلهي كم نِعْمَةٍ إثرَ نعمةٍ ... أزَلْتَ بها بُؤسِي فما مَسَّني الضُّرُّ إلهي فما قابَلْتَ بالشُّكْر نِعْمَةً ... ولكني بجَهْلٍ لاح للنِّعَمِ الكُفْرُ إلهي كم نجَّيتني مِنْ مُلِمَّة ... فاذْعَنَ لي في سَيْريَ البرُّ والبَحْرُ إلهي أنا العبدُ المُسيءُ وأنت يا ... إلهي المليكُ المحسنُ المُنعمُ البَرُّ ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (أ). (¬2) كذا في الأصول، وفي "جمان الدرر" للبصروي "إلهي".

إلهي أنتَ الرَّبُّ شيمَتُك الغِنَا ... وإنِّي لعبد السوء شيمَتِيَ الفَقْرُ إلهي عاملني بما أنتَ أهلُه ... فللذَّنب في ظهري إذا لم تُعِنْ وَقْرُ إلهي تداركني برحْمتِكَ التي ... يقابلُها مِنْ فيضِ فضلِكَ لي الجَبْرُ إلهي كما أنعمتَ زِدْ وأدِمْ ولا ... تُغَيِّرْ فتُشْمِتْ بي عَدُوًا به غمرُ إلهي بذنبي بُؤتُ فاغفِره لي عسى ... أكون كمن في الحشر أوجُهُهُمْ زُهْرُ إلهي كم عبدٍ أدَمْتَ سُرورَه ... فوافاك بعدَ الموت بالعفو يَنْسَرُّ إلهي فاجعلني برحماك منهمُ ... فإن شفيعي أحمدُ المصطفى الطُّهْرُ فلا عملٌ أرجو سوى حبِّه ومَنْ ... إليه أنتمي عُسري بحبهم يُسْرُ وأفاد رضي اللَّه عنه أنَّ أصلَ هذه الطريقة سبق إليها محمدُ بنُ كثير المصِّيصي، فذكر الحاكم، قال: سمعت أبا منصور الحسن بن أحمد المعادي يقول: سمعت موسى بنَ العباس الجُوَيني -ونزل في دارنا- يُنشد أبياتًا بعد أن يقوم اللَّيل، فيصلِّي ثمَّ يبكي طويلًا، فسُئِلَ عنها، فقال: سمعتُ محمَّدَ بنَ عوفٍ يقول: سمعتُ محمَّدَ بنَ كثيرٍ المصِّيصي يقول: بُنَيَّ كثيرٍ كثيرُ الذُّنوبِ ... في الحِلِّ والبلِّ مَنْ كان سبَّهْ بُنَيَّ كثيرٍ دَهَتْه اثنَتَانِ ... رياءٌ وعُجْبٌ يخالِطْنَ قَلبَهْ بُنَيَّ كثيرٍ أكولٌ نَؤُومٌ ... وما ذاك فعل مَنْ خاف ربَّهْ بُنَيَّ كثيرٍ يُعلِّم علمًا لقد (¬1) ... أعْوَزَ الصُّوفَ مَنْ جزَّ كلبهْ قلت: وقرأتُ في "شرح الشاطبية" للجعبري ما نصُّه: وسأله -أي عبدَ اللَّه بنَ كثير القارىء- الناسُ أن يجلس للإقراء بعد شيخه، فأنشد في ذم نفسه تواضعًا، وساق الأبيات، وعندي أنَّ نسبتها لابن كثيرٍ المقرىء سهو، واللَّه الموفق. ¬

_ (¬1) في (أ): "لنا"، وكانت كذلك في (ح)، ثم عدلها المصنف بقلمه.

ثم رأيت في ترجمة محمد بن الخضر بن إبراهيم المِحْوَلي خطيب المحول، أحد القراء مِنْ "ذيل تاريخ بغداد"، لأبي سعد السمعاني، أنشدنا محمد بن الخضر بن إبراهيم المحولي بها في داره، أنشدنا أحمد بن علي بن سوار المقرىء أنشدنا شيخنا أبو علي الحسن (¬1) بن علي بن عبد اللَّه العطار المقرىء، أنشدني أبو الحسين محمد بن عبد اللَّه الفرضي، أنشدنا أشياخُنا، عن عبد اللَّه بن كثير أنَّه قال في ذمِّ نفسه، حيث (¬2) سأله أهلُ مكَّةَ أن يُقرِئَهم القرآنَ بعدَ وفاة مجاهدِ بن جبرٍ، فذكرها. سمع هذا مِنْ أبي سعد السمعاني أبو رَوْح الهروي، فاللَّه أعلم. وإذا (¬3) تأملتَ هذا مِنْ صنيع هؤلاء، واستحضرتَ جلالَتَهم وتقدُّمَهم في السُّنَّة وغيرها، علمتَ شدة حُمْقِ القائل في مدح نفسه، زاعمًا أنه السنة، مِنْ أبيات أودعها في مجلد يطول التعرض لما فيه مِنْ منكر، يعظِّم فيه نفسه، ويترفَّعُ فيه عَلى كلِّ أهلِ عصرِه، بحيثُ يشهد العقل والنَّقل بأنَّ ذلك هو المذموم مِنْ ضربي مدح المرءِ نفسَه. كأنك بي أُنْعَى إليك وعندها ... ترى خبرًا صُمَّت له الأُذنانِ (¬4) فلا حَسَدٌ يَبقَى لديك ولا قِلى ... فينطِقُ في مدحي بأيٍّ معَانِ وتنظُرُ أوصافي فتعلمُ أنَّها ... عَلَتْ عَنْ مُدانٍ في أعزِّ مكانِ ويُمسي رجالٌ قد تهدَّمَ رُكنُهم ... فمدمَعُهم لي دائِمُ الهملانِ فكم مِنْ عزيزٍ بي يذل جماحَه ... ويطمَعُ فيه ذو شقا وهوانِ فيا ربِّ مَنْ يُفجَأ بِهَولٍ يؤودُه ... ولو كنتُ موجودًا إليه دعاني ويا ربِّ شخصٌ قد دَهَتْهُ مصيبةٌ ... لها القلبُ أمسى دائم الخَفَقَانِ ¬

_ (¬1) في (أ): "الحسين". (¬2) في (ب، ط): "حين". (¬3) مِنْ هنا إلى بداية الفصل السادس لم يرد في (ب)، وقد ألحقها المصنف في ورقة مفردة في نسخة (ح). (¬4) في (أ): "الآذان"، خطأ.

فيَطلُبُ مَنْ يجلو صداها فلا يَرَى ... ولو كنتُ جَلَتْها يدي ولِسَاني عَدوِّي قاصٍ عنه ظُلمي آمن ... مِنَ الجُور داني النَّفْعِ حيثُ رجَاني فإن يَرْثنِي مَنْ كنت أجمَعُ شملَه ... بتشتيتِ شملي، فالوفاء رثاني وإلا نعاني كلُّ خَلْقٍ ترفْعَتْ ... به هِمَمي عَنْ شائِنٍ وبكاني وهي أكثر مِنْ هذا. وقد استحضرتُ حكايةً لطيفة رويتُها مِنْ طريق محمد بن يزيد الضَّرير، قال: حدثني عبد الرحمن بن مسهر -وهو المذكور بخفَّة العقل- قال: ولأني أبو يوسُف القاضي قضاء جَبُّل، فانحدر الرَّشيد هارون إلى البصرة، فسألت مِنْ أهل جَبُّل أن يُثنُوا عليَّ، فوعدوني أن يفعلوا، فلمَّا قرُبَ تفرَّقُوا، وأيسْتُ منهم، فسرَّحت لحيتي، فوافى أبو يوسف مَعَ الرَّشيد في الحرَّاقة، فقلتُ: يا أمير المؤمنين، نِعمَ القاضي قاضي جَبُّل، قد عدل فيها وفَعَلْ، وجعلت أثني على نفسي، فطأطأ أبو يوسف رأسه وضحك، فقال له الرشيد: ممَّن تضحك؟ فأخبره، فضحك حتى فَحَصَ برجليه، ثم قال: هذا شيخ سخيفٌ عقلُه، فاعزِلْه، فعزلني، فلمَّا رجع أبو يوسُف، جعلت أختلف إليه، وأسأله قضاء ناحيةٍ، فلم يفعل، فحدَّثت النَّاسَ عن مُجالِد عن الشعبي أنَّ كنية الدجال أبو يوسف، فبلغه ذلك، فقال: هذه بتلك فحسبُك، فصِرْ إليَّ حتى أوليك ناحية، ففعل وأمسكت عنه. نسأل اللَّه أن يلهمَنا رشدنا، ويعيذنا مِنْ شرورِ أنفسنا بمنِّه وكرمه.

الفصل السادس في نبذة من فتاويه المهمة المتلقاة بالقبول بين الأئمة

الفصل السادس في نبذة مِنْ فتاويه المهمة المتلقاة بالقبول بين الأئمة وكان مِنْ حقه أن يُفتَتَحَ به البابُ لشرفه في الانتساب، لكنه لمَّا وقع عندي التردُّدُ أولًا في إثباته أو حذفه مع إفراده مكمَّلًا، ثمَّ رأيتُ بعدَ كتابة ما سبق والتَّحرير مِنَ الفُصول لما وسق، أنَّ خُلُوَّ الترجمة منها يكون نقصًا، فاستخلصتُ منها ما كان بديعًا في معناه نصًا، بل كنت عزمتُ أن أذكرَ منها جميعَ ما عندي، وأستوعِب ما وقفت عليه، رجاء الانتفاع به في الحياة وبَعدي، مرتبًا على الأبواب، طلبًا لمزيد الثواب، فأشارَ بعض الأصدقاء عليَّ ممَّن أخلص في نصيحته للكافة -لا سيما إليَّ- بإفراده في تصنيف مفرد، فهو أولى وأجود، وأيضًا فربَّما طالَ الكتاب، ويكون وسيلة للانتخاب، فامتثلتُ في هذا قوله، لكن مع الإتيان منها بجملة، فأبدأ بالمكيَّة منها والمدنية، ثم بالقدسية والشاميَّة، ثم بالحلبيَّة واليمنيَّة، ثم بالقاهرية (¬1) والمصرية. يسَّرَ اللَّه ذلك بفضله، وأعان على فهمه ونقله. فأما المكيات: فعندي منها جملةٌ وردت على صاحبِ التَّرجمة مِنْ صاحبنا محدِّث (¬2) ¬

_ (¬1) في (ب): "القاهرة"، خطأ. (¬2) أبدلت في (ح) إلى "حافظ"، وكتب في الهامش ما نصه: لفظة (حافظ) مِنْ إصلاحه قابله اللَّه، وكأنها في الأصل كانت (محدث)، فأبدلها هذا المجترئ بحافظ، قابله اللَّه!.

الحجاز النَّجم بن فهدٍ الهاشميِّ مرَّةً بعد أخرى. ومن جملتها قوله، وقد سئل عن طُول عِمامة النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا يحضرني في ذلك قدرٌ محرَّرٌ، وقد أخرجَ الطَّبراني في "المعجم الكبير" عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدير كُورَ العمامة على رأسه، ويغرِزُها مِنْ ورائه، ويرسلها بين كتفيه. وهذا يُستفاد منه صِفَةُ التَّعميم، ولا دلالة فيه على قدرها، وقد سُئل الحافظُ عبدُ الغنيِّ عن ذلك، فلم يذكر فيه شيئًا. انتهى. وعندي لصاحب الترجمة أيضًا الجواب في أنَّه هل كانت له -صلى اللَّه عليه وسلم- عَذَبَةٌ سيأتي بعدُ، وكذا وقفتُ على جواب للعراقي في نحو ذلك، أثبتُّه في غيرِ هذا الموضع. ومن المكيات أيضًا: عدّة وردت عليه مِنَ العفيف محمد ابن الشرف عبدالرحيم الجرهي والد الشيخ نعمة اللَّه، مِنْ جملتها: قوله: لم يصح أنَّ للخليل عليه السلام ولا للصِّدِّيق رضي اللَّه عنه لحيةً في الجنة، ولا أعرفُ ذلك في شيءٍ مِنْ كتب الحديث المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة. وعلى تقدير ورُوده، فيظهر لي أنَّ الحكمة في ذلك. أمَّا في حقِّ الخليل، فلكونه مُنَزَّلًا منزلةَ الوالدِ للمسلمين؛ لأنه الذي سماهم بهذا الاسم، وأقرُّوا له باتباع ملَّته. وأما في حقِّ الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه، فيُنتَزَعُ مِنْ نحوِ ما ذُكر في حقِّ الخليل عليه السلام؛ فإنه كالوالد للمسلمين، إذ هو الفاتِح لهم بابَ الدُّخول إلى الإسلام. لكن أخرجَ الطَّبرانيُّ مِنْ حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه بسندٍ ضعيفٍ: "أهل الجنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ إلا موسى عليه السلام، فإن له لحية تضرِبُ إلى سُرَّته". وذكر القرطبي في "تفسيره" أن ذلك ورد في حق هارون عليه السلام أيضًا. ورأيت بخط بعضِ أهل العلم أنه ورد في حقِّ آدم عليه السلام، ولا أعلم شيئا مِنْ ذلك ثابتًا (¬1). ¬

_ (¬1) قال السفيري في "مختصره": قلت: في هذا رد لما قاله شيخه ابن الملقن في شرح حدبث المعراج مِنْ أنه ورد في بعض الأحاديت المرفوعة "أهل الجنة ليس لهم كنية =

قلت: ووردت مِنْ مكَّة قبل ذلك على صاحب الترجمة أسئلة مِنَ العلَّامة الحافظ تقي الدين أبي الطَّيِّب الفاسي (¬1)، افتتحها مرة بقوله: سيدي ومولاي الحافظ الأوحد الناقد شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، [أدام اللَّه به النَّفع بمحمد وآله، يعلم أن مملوكه. . . ثم ¬

_ = إلّا آدم، فإنه يُكنى أبا محمد، وأهل الجنة ليس لهم لحية إلا آدم، له لحية سوداء إلى سُرَّته، وذلك لأنه لم يكن له في الدنيا لحية، وإنما كانت اللحى لأولاده مِنْ بعده. انتهى. ويحتمل أن يكون هو المراد بقول الشيخ [يعني السخاوي]: "ورأيت بخط بعض أهل العلم" إلى آخره. وقال البصروي في"جمان الدرر" في هذا الموضع: قلت: وفكر تلميذ صاحب الترجمة العلامة البرهان الناجي الدمشقي في رسالته المسمّاة "حصول البغية فيمن يدخل الجنة بلحية" أن ابن جرير وابن أبي حاتم في "تفسيرهما" والبيهقي في "دلائل النبوة" وابن عساكر في "تاريخ دمشق" وغيرهم أخرجوا مِنْ طريق أبي هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين، بالجيم مصغرًا، وهو متروك، عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث الإسراء المطوّل، قال: "ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون ونصف لحيتة بيضاء ونصفها سوداء تكاد تضرب لسرته مِنْ طولها". وذكر أبو حفص الميانسي وصاحب "الفردوس" لكن لم يخرجه ولده في "مسنده" عن جابر بن عبد اللَّه مرفوعًا: "أهل الجنة مُرْدٌ إلا موسى، فإن له لحية إلى سرَّته، ويُدعى أهل الجنة بأسمائهم الا آدم، فإنه يكنى بأبي محمد". وفي رواية ابن عباس: "فإن لحيته إلى سرته". وقال صاحب "البحر" القاضي أبو المحاسن الروياني: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد، حدثنا الحسن بن داود بن مهران، حدثنا سويد بن الحكم، حدثنا حماد بن سلمة عن ليث، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: "أهل الجنة مُرْدٌ إلا موسى بن عمران عليه السلام، فإن لحيته إلى صدره وكلُّهم يُدعى باسمه إلَّا آدم، فإنه يُدعى بأبي محمد". فيه مجاهيل، وليث هو ابن أبي سليم صدوق فيه ضَعفٌ يسير مِنْ سوء حفظه، ثم اختلط ولم يتميز حديثه، فيترك. أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه بسند ضعيف مِنْ حديث ابن مسعود مرفوعًا: "أهل الجنة مُرْدٌ إلا موسى عليه السلام، فإن له لحية تضرب إلى سُرَّته". قال: كذا نقله شيخنا قاضي القضاة ابن حجر في فُتياه، ولم يُبَيّن وجه ضعف سنده. (¬1) في (ح): "تقي الدين بن فهد الهاشمي". وكأن أحدهم حرفها عن الأصل، حيث جاء في الهامش: "كذلك أظن أنه كان في الأصل بعد (تقي الدين) (فلان الفاسي)، وهو صاحب تاريخ مكة، فأبدله هذا بابن فهد الهاشمي. قابله اللَّه ما أجرأه.

المدنيات

ساقها، وقال: فمولانا يتفضَّلُ ببيانِ ذلك بيانًا شافيًا. ومرة أخرى بقوله: المسؤولُ مِنْ سيِّدنا العلامةِ الحافظِ الحجةِ شيخ الإسلام أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني] (¬1) -أدام اللَّه النَّفْعَ بعلومه- الجواب عما سطر فيها مِنَ السؤالات، وذكرها، وقال: بيِّنُوا لنا ذلك بيانًا شافيًا عاجلًا، بحيثُ لا يتأخَّرُ ذلك عَنِ الحُجَّاح في هذه السنة إن شاء اللَّه تعالى، فضلًا وإحسانًا. وكتب له شيخُنا بالجوابِ عنهما. وكذا وردت عليه مِنَ الحافظ جمال الدين محمد بن موسى المراكشي أسئلةٌ صدَّرها بقوله: المسؤول مِنْ إحسان سيدنا الإمام الحافظ الناقد شهاب الدين -سلَّمه اللَّه تعالى- الإفادةُ فيما يُذكَرُ فيه مِنَ الأحاديث، وإرسالُ ذلك إلينا عاجلًا. ثم ذكره، وراسله (¬2) شيخُنا بالجواب، لكن أضربتُ عَنْ إيراد ذلك كلِّه، مع كونه عندي، خشيةَ الإطالة بما لا يمكن استيعابُه. وأما المدنيات:. . . . . (¬3) وأما القدسيات: فعندي مِنْ أسئلةِ كلٍّ مِنَ الشيخ شمس الدين بن المصري، حيث كان شيخَ الباسطيَّة هناك، وأسئلة الأوحد الزين عبد الكريم بن القلقشندي أشياء. فمن أسئلة الثاني: سؤال يتعلق بمستدرك الحاكم، هل موضوعُه أن يُخرِّجَ ما هو على شرطِ الشَّيخين أو أحدهما ولم يخرِّجاه، أو أعمُّ مِنْ ذلك، وهو كلُّ حديث صحَّ عنده، فإن كان الأوَّلَ، فليس بظاهر، لأن في "المستدرك" أحاديثَ لا يقولُ فيها: على شرطهما، ولا على شرط أحدهما، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). (¬2) في (أ): "وأرسله". (¬3) بياض في (أ) مقداره تسعة أسطر وفي (ب) عشرون سطرًا وفي (ح) مقدار صفحة.

بل يقول: هذا الحديث صحيح الإسناد فقط، أو يقول: لولا فلان أو جهالة فلان، لحكمتُ للحديث بالصِّحَّة، وإن كان الثاني، فيخرُج موضوعُ الكتاب عن أن يكون مستدركًا عليهما أو أحدهما. ثم ما المراد بشرطِهما؟ فأجاب بأن تصرُّفَه يقتضي أنَّه بنى على الثاني، وهو الأعمُّ، ويُعتَذَرُ عما أُورِد عليه أنَّ الكتاب بذلك يخرج عَنْ أن يكونَ مستدركًا على "الصحيحين" بأن يقال: الأصلُ فيه أن يُخرِّج ما يُستدرك به على "الصحيحين" (¬1)، وما زاد على ذلك، فهو بطريق التَّبعيةِ، لقصد تحصيل ما يمكن أن يُطْلَقَ عليه اسم الصَّحيح، ولو على أدنى الوجوه. وأمَّا المرادُ بقوله: على شرط فلان، فقد وقفتُ للعلامة الحافظ قُدوةِ الفقهاء والمحدثين صلاح الدين العلائي شيخ شُيوخنا تغمده اللَّه برحمته في مقدمة كتاب "الأحكام" لهذا الغرض على كَلام (¬2) في غاية الإتقان، بحيثُ لا مزيدَ عليه في الحُسْنِ، والذي اختارَهُ رجحانَ القول بأنَّ مُرادَ الحاكم بقوله: على شرط فلان، أنَّ رجال ذلك السند يكون مِنْ نسب إليه الشرط أخرج لكل منهم احتجاجًا. هذا هو الأصل، وقد يتسامَحُ الحاكمُ، فيُغضي عَنْ مَنْ يتَّفق أنه وقع في السند ممَّن هو في مرتبة مَنْ أخرج له، وإن لم يكن عيَّنَه، وذلك قليل بالنِّسبة إلى المثل، وتراه ينوِّعُ العبارةَ، فتارة يقول: على شرطهما، وذلك حيثُ يتفرَّدُ أحدهما بالتخريج لراوٍ مِنْ ذلك السند، كعكرمة بالنِّسبة للبخاري، وحمادِ بن سلمة بالنسبة لمسلم؛ ففي الأول يقول: على شرط البخاري، وفي الثاني يقول: على شرط مسلم، كما لو اتفق أنهما أخرجا للجميع، فيقول: على شرطهما. ومتى كان أكثرُ السَّندِ ممَّن لم يخرِّجا له، قال: صحيح الإسناد ولا ينسُبُه إلى شرطِ واحدٍ منهما، وربما أورد الخبر، ولا يتكلَّمُ عليه، فكأنَّه أراد تحصيلَه، وأخَّرَ التَّنقيب عليه، فعوجل بالموت مِنْ قبلِ أن يتقن ذلك، وقد وقفتُ على ¬

_ (¬1) في (ب): "الصحيح". (¬2) في (ب) و"جمان الدرر": "لهذا الغرض كلامًا" وكانت كذلك في (ح)، ثم شطب عليها المصنف، وكتبها في الهامش كما هنا.

اليمنيات

نسخةٍ مِنَ "المستدرك" في ستِّ مجلدات، فوجدت في هامش صفحةٍ مِنْ أثناءِ النِّصف الثاني مِنَ المجلد الثاني: "إلى هنا انتهى الحافظ الحاكم". ففهِمْتُ مِنْ هذا أنَّه قد حرَّر مِنْ أوَّلِ الكتاب إلى هنا، وأنَّ الباقي استمرَّ بغير تحريرٍ، ولذلك يُوجَدُ فيه هذا النوع مِنْ أنه يورِدُ الحديثَ بسنده، ولا يتكلَّم عليه. وأما اليمنيات: فمن جملة ما ورد السُّؤال عنه مِنْ هناك مِنَ العلَّامة السيد البدر حسين بن عبد الرحمن بن محمد الأهدل عَنِ الخضرِ صاحب موسى عليهما السلام، وبيان الاختلاف في بقائه ونُبُوَّتِهِ وغير ذلك، وهي في غاية التحرير في كتاب "الإصابة" للشَّيخ، فلا نُطيلُ بإيرادها، لكن سمى هذه "الزهر النضر في نبأ (¬1) الخضر"، وختمها بزيادة، فقال: والذي تميلُ إليه النَّفسُ مِنْ حيثُ الأدلَّةِ القويَّةِ خلافُ ما يعتقدُه العوام مِنَ استمرارِ حياته. لكن ربَّما عرضت شبهةٌ مِنْ جهةِ كثرة الناقلين للأخبار الدالّة على استمراره، فيقال: هبْ أنَّ أسانيدها واهيةً، إذ كلُّ طريقٍ منها لا تسلَمُ مِنْ سبب يقتضي تضعيفها، فماذا نصنع في المجموع؟ فإنَّه على هذه الصورة قد يلتَحِقُ بالتواتُرِ المعنويِّ الذي مثَّلُوا له بجُود حاتم، مع إحتمال التأويل في أدلة القائلين بعدم بقائه كآية {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34]، وكحديث "رأس مائة سنة"، وغيرِ ذلك ممَّا تقدم بيانه. وأقوى الأدلة على عدم بقائه: عدمُ مجيئه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وانفراده بالتعمير مِنْ بين أهل الأعصارِ المتقدِّمةِ بغيرِ دليلٍ شرعيٍّ، والذي لا يتوقَّفُ فيه الجزم بنبوَّتِه (¬2)، ولو ثبتَ أنه مَلَكٌ مِنَ الملائكة، لارتفعَ الإشكال كما تقدَّم، واللَّه أعلم. ¬

_ (¬1) في (أ، ح): "بيان". (¬2) في (ب): "بثبوته"، تحريف.

ومنه مسألة قاضي جِبْلة وعدن محمد بن عمر الحزيزي عن رجل يصلِّي بالنَّاسِ إمامًا، فإذا سلَّمَ، تأخَّرَ قليلًا، وجعل وجهه إلى المشرق وظهره إلى المغرب، وأتى بالذكرِ ثمَّ بالدُّعاءِ وهو على الحالة المذكورة، وزعم أنَّ ذلك قد رُوي عَن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، واستقرَّ حالُه دائمًا على ذلك في جميع الصلوات، فهل ذلك صوابٌ؟ وهل كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ مِنَ الصلاة وقف في المصلى يأتي بالذكر والدعاء المأثور وهو على حالة الاستقبال، أو على ما يفعله الإمام المذكور؟ وهل المراد بالانصراف مِنْ الصلاة الانصراف (¬1) في الجهات عند الخروج مِنَ المسجد عن اليمين والشمال كما ذكره صاحبُ "البيان" مفسرًا به لما ذكره البغداديون، ما نقله عن صاحب "الإبانة" أنَّ المرادَ عن اليمين عند أكثرِ أصحابنا أن يفتِلَ يدَه اليسرى، ويجلس على الجانب الأيمن (¬2) من المحراب. وقال القفال: الانصراف عن اليمين هو أن يفتِل يدَه اليمنى، ويجلس على الجانب الأيسر من المحراب كما في الطواف يجعل يده اليُسرى إلى الكعبة واليمين إلى الناس. فهل لما قالاه دليلٌ مِنَ السُّنَّة؟ وهل صحَّ ما نقلاه عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الذكر أو بعده. ونص الشافعي رضي اللَّه عنه على استحباب الانصراف للإمام عَقِبَ السَّلامِ إن لم يكُنْ معه نساءٌ، كما ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره. وهل في الأحاديث الصحيحة ما يخالِفُ هذا النص؟ وهل في حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما، حيث قال: كنا إذا صلينا خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحببنا أن نكونَ عَنْ يمينِه يُقبِلُ علينا بوجهه. إلى آخر الحديث، دليلٌ لما يفعلُه المصلِّي المذكور مِنَ التأخُّرِ قليلًا واستقبال المشرق، واستدبار المغرب دائمًا أو لا؟ إذ قد يقال: إنَّ مراد البراء رضي اللَّه عنه بقوله: "يُقبل علينا بوجهه" حالة السلام، أو أنه انحرف، ولم يكن انحرافُه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليذْكُرَ ويدْعُوَ مستقبلًا للمشرق، أو قد يكون لسببٍ ما. ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (أ). (¬2) في (ب): "الآخر".

المراد إيضاح ذلك بجوابٍ شافٍ للنفس يشرَحُ الصَّدرَ، ويزيلُ اللَّبْسَ، يحقِّق ذلك كلَّه، وما يُعتمَدَ وما يكون الآتي به متبعًا لا مبتدعًا. فأجاب بما نصُّه: أما ما وقع في السُّؤال مِنْ أنَّ الإمام إذا سلَّم التسليمة الثانية، جعل وجهه إلى المشرق وظهره إلى المغرب، فلعلَّه خصَّ ذلك بالبلد الذي هو بها، حيثُ تكونُ القبلةُ بين المشرق والمغرب، فينحرِفُ هو إلى جهة المشرق، وهي جهةُ يسارِه، ويُقبِلُ بوجهه على مَنْ هو على يمينه حين الائتمام، وهذا هو الذي يظهر مِنْ حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما، ولكن الذي يتحصَّل مِنْ مجموع أحواله -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه كان لا يفعل ذلك ديْدَنًا، بل هذا الفعل خاصٌّ بما إذا أراد أن يجلِسَ في مصلَّاهُ بعدَ انقضاء الصَّلاةِ للوعظ والافتاء وغيرهما مِنْ مصالح المسلمين، وهو لائق بالصلاة التي لا نافلة بعدها كالصبح، فقد صحَّ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يلبَثُ في مصلاه حتى تطلُعَ الشمسُ حسناء. وأما إذا كانت بعد الفريضة نافلةٌ كالظُّهر، فإنه كان ينصرف إلى منزله على يساره؛ لكون حجرة عائشة وغيرها مِنْ نسائه رضي اللَّه عنهن كان مِنْ جهة يسار القبلة، ولذلك قال بعضُ الصَّحابة رضي اللَّه عنهم: كثيرًا ما رأيتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينصرف عن يساره، رادًّا على مِنْ كان يرى استحباب الانصراف عن يمينه، ويراه حتمًا لا يعدل عنه (¬1). وهذا الانصراف غير الانصراف الذي نُقِلَ في السُّؤال عَنِ الفقهاء، فإنَّ الانصرافَ الذي ذكروه هو الحركة بعد السلام مِنَ الصلاة، وهذا هو الحركةُ (¬2) عندَ إرادةِ التوجُّه مِنَ المسجد، وكان انصرافه هذا الثاني إلى منزله، ليستريح ويصلي فيه حينئذٍ سنة الظهر التي بعدها، وكذا كان يصلي سُنَّةَ الطهر التي قبلها في منزله؛ لأنه كان إذا فرغ مِنَ المصالح، توجه عند القيلولة إلى منزله ثمَّ يخرُح لصلاة الظُّهر، كما جرى له حين جاءه وفدُ عبدِ القَيْسِ، فشغلُوه فلم يُصَلِّ الركعتين بعد الظهر حتى دخل منزله بعد صلاة العصر، فصلاهما فيه. ¬

_ (¬1) في (ب) و"جمان الدرر": "ويراه احتمالًا يعدل عنه". (¬2) في (أ): "في الحركة".

الشاميات

وأمَّا الذِّكْرُ (بعد الفرائض) (¬1)، فقد صحَّ أنه كان لا يجلس في مصلاه إلا قدْرَ ما يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام. . . إلى آخره"، فالظَّاهِر أنَّ المأثور مِنَ الذكر والدعاء كان يكون في المسجد؛ حيثُ لا يتوجَّه منه، وفي منزله حيث يتوجه مِنَ المسجد. وإذا تحرَّر هذا، يُستنبط منه أنَّ مَنْ ليس في مِثلِ حاله مِنْ إرادة الوعظ والإفتاء ونحوهما إنا ذكر الذكر والدعاء المأثور لكل صلاة يستمر على استقبال القبلة حتى يفرغ وينصرف إلى منزله، وإنما كان ذلك، لأن الأمر ورد باستقبال القبلة عند الدعاء، فإذا خُصَّ منه شيءٌ للمصلحة المذكورة، بَقِيَ ما عداه على عُمومه. وهذا مما غاب بيانُه عَنْ كثير مِنَ النَّاس، فحملوا صنِيعَه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الهيئة المذكورة مِنَ الجلُوس على عموم الأحوال، والذي يظهر أن الذي يستحب التفصيل المذكور، واللَّه الموفق. [وكذا سأله الشِّهابُ أحمد بن أبي القاسم الضَّراسي اليماني سؤالًا يتعلَّق بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- "مَنْ صلَّى الصُّبْحَ، ثمَّ جلس في مُصلَّاه، إلى أن تطلُعَ الشَّمس". كتبته مع جوابه في غير هذا الموضع] (¬2). وأما الشاميات: فقد ورد السُّؤال منها عَنْ واقفٍ وقفَ وَقْفًا على نفسه مدَّة حياته، ثم مِنْ بعد موته (¬3) على أولاده الموجودين، ثمَّ مِنْ بعدهم على أولادهم، ثم على أولاد أولادهم، ثمَّ على أولاد أولاد أولادهم ونَسْلِهِم وعَقِبِهم بينهم بالفريضة الشرعية للذَّكرِ مِثلُ حظِّ الأنثييْن مِنْ أولاده الظَّهر والبطن، واحدًا كان أو أكثر، ذكورًا كانوا أو إناثًا بينهم بالفريضة الشرعية، يسْتَقِلُّ (¬4) به ¬

_ (¬1) هذه العبارة ساقطة مِنْ (أ). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وقد أشار المصنف إلى هذا السؤال في ترجمة الضراسي مِنْ الضوء اللامع 2/ 64، وقال: أوردته في فتاويه يعني الحافظ بن حجر. (¬3) في (ح): "مِنْ بعده". (¬4) في (أ): "يشتغل".

الواحد، ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما مدة حياتهم مِنْ غيرِ مشاركٍ لهم فيه ولا في شيء منه يحجُبُ الطَّبقة العُليا منهم أبدًا الطبقة السفلى مِنْ أولاد الظَّهر والبطن بالفريضة الشرعية، على أنه مَنْ تُوفِّي مِنْ أهل هذا الوقف، وترك ولدًا أو ولدَ ولدٍ أو أسفلَ مِنْ ذلك مِنْ ولد الولد، انتقل نصيبهُ إليه، واحدًا كان أو أكثرَ على التَّرتيب المشروح أعلاه، فإن لم يكن للمتوفى منهم ولدَّ ولا ولد ولدٍ ولا أسفل مِنْ ذلك، أو كانوا وانقرضوا، كان ما للمتوفى مِنْ رُبع ذلك لإخوته وأخواته المشاركين له في استحقاق الوقف، ووجوب الصَّرف إليه مِنَ الذُّكور والإناث مِنْ ولد الظَّهر والبطن على ما شُرِحَ فيه، فإن لم يكن للمتوفَّى أخٌ ولا أختٌ، أو كانوا انقرضوا، كان ما (¬1) للمتوفى مِنْ ذلك لأقرب الطبقات إليه مِنْ أهل الوقف المذكُور (¬2) ممَّن يشاركه في حال حياته في استحقاق الربع، ووجوب الصرف إليه مِنْ ولد الظهر والبطن مِنْ أهل الوقف بينهم بالفريضة الشرعية، وحكم حاكم يرى صحة الوقف على النفس، ثم مات الآن مِنَ المستحقين محمد وأحمد ولدا محمَّد بن أم هانىء بنت عبد القادر بن أبي بكر ابن الواقف وعائشة وفاطمة بنت الشيخ علي بن أنس بنت فاطمة بنت عائشة بنت الواقف عن (¬3) غير ولد، ولا ولدِ ولدٍ ولا إخوةٍ ولا أخوات. ثمَّ الآن مِنَ المستحقين الموجودين بركةُ بنتُ فاطمة بنت حسن بن محمد بن موسى ابن الواقف، وإبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن سومَلك بنت الواقف، وبي خاتون بنت أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن سوملك بنت الواقف، ومحمد بن بلينة بنت أنس بن سليمان بن موسى ابن الواقف، وبي خاتون وزينب بنتا عائشة بنت يونس بن أبي بكر ابن الواقف، وقضاة بنت عائشة بنت فاطمة بنت إبراهيم ابن الواقف، وتولت بنت إبراهيم بن يوسف بن سوملك بنت الواقف، ومحمد وفاطمة ولدا عائشة بنت زينب بنت أبي بكر ابن الواقف، وأغُل بنت ¬

_ (¬1) "ما" ساقطة مِنْ (ب)، وفي "جمان الدرر": "كان ما كان للمتوفى". (¬2) في (أ): "الذكور". (¬3) في (أ): "مِنْ".

عبد الرحمن بن أبي بكر ابن الواقف، وأسماء بنت فاطمة بنت أبي بكر ابن الواقف. فهل ينتقل نصيبُ المتوفِّين المذكورين إلى بركة ومَنْ شاركها في طبقتها، أم إلى بي خاتون وزينب ومَنْ بشاركها في طبقتها، أم إلى أُغُل ومن يشاركها في طبقتها؟. وقد وقعت هذه الواقعة في دمشق المحروسة، واختلف فيها بعضُ العلماء بها، فقال بعضُهم: إن نصيب المتوفين ينتقلُ إلى أُغُل ومَنْ يشارِكُها في طبقتها دُونَ غيرهم، واحتجَّ بأن المرادَ بأقرب الطَّبقات أقربُ مَنْ في الطبقات، فهو بمنزلة قوله: أقرب أهل الواقف (¬1) إليه، وليس المراد تقديم أهل الطَّبقة التي هي أقربُ إلى طبقةٍ مِنْ أهل الطبقة التي هي أعلى منها ولا أسفل؛ لأنه لما خصَّ الإخوة والأخوات مِنْ أهل الطبقة، ولم يعتبر بقية الطبقة، لا معهم ولا بعدَهم، علمنا أنَّه لا ينظر إلى مُطْلَقِ الطَّبقة، بل إلى مَنْ هو أقربُ منها إليه، ولو قصد الصَّرف إلى مَنْ هو أقربُ طبقةً إليه، لكان أهل طبقته أولى، فلما عدل بعدَ الإخوة بلى أقرب الطَّبقات عَن طبقته، عُلِمَ أنَّ المراد أقرب الموجودين مِنْ بعدهم إليه، فكأنه قال: على إخوته، ثم الأقربُ فالأقرب إليه دُونَ بقية المستحقين. وأيضًا فقوله: أقربُ الطَّبقات إليه، يحتمل أن يكونَ المراد أقربَ طبقةٍ إليه، ويحتمل أن يُراد أقرب الموجودين إليه. وهذا الثاني أولى، عملًا بقول الواقف أولًا (¬2): تحجب العليا السفلى أبدًا، ما لم يخصَّ بصريح: كقوله: على أنَّ مَنْ مات منهم عَنْ ولدٍ، انتقلَ نصيبُه إلى ولده. وقال الآخر: إنَّ نصيب المذكورين ينتقلُ إلى بركةَ ومن يشاركها في الطَّبقة؛ لأن قوله: انتقل نصيبُه إلى أقرب الطَّبقات إليه صريحٌ في أنَّ مَنْ كان أقربَ طبقةً إلى الميت استحقَّ نصيبَه، ولا شكَّ أنَّ أهلَ الطبقة الأولى -الذين هم أولادُ الواقف- أبعدُ الطبقات عَنِ الميت، والطَّبقةَ الثانية أقربُ ممَّا ¬

_ (¬1) في (ب): "الوقف". (¬2) في (ب): "ولا".

قبلَها إلى الميت، والطَّبقةَ الثالثة أقربُ إلى الميت مِنَ الثَّانية، وهكذا حتَّى ينتهي إلى طبقةِ الميت، وحينئذٍ فأهل الطبقة (¬1) المساوين له في الدرجة باعتبار عددِ الطَّبقات أوْلَى بالاستحقاق مِنْ أهلِ الطَّبقة التي فوقها؛ لأنَّ الواقف قيَّد استحقاقَ أقرب الطبقات إلى الميت بكونه ممن يشاركه في استحقاق الربع. واحتمال المشاركة صدَّ عنه، إنما كان في أهل طبقته؛ لجواز أن يكون بعضُ مَنْ في طبقته محجوبًا بأبيه. وأمَّا مَنْ فوقَه مِنَ الطَّبقات، فيشاركونه لا محالة. فلو حُمِلَ على مَنْ فوقَه مِنَ الطبقات، لعرَّى التَّقييد عَنِ الفائدة. فإن قيل: وإذا حُمِلَ على أهل طبقته، لعرَّى عن الفائدة أيضًا؛ لأنَّ أهلَ الطَّبقة همُ المتناولون مِنْ رَيْعِ الوقف، المنتسبون إلى الواقف على حدٍّ سواء، أُجيبَ بالمنع؛ فإن الشيخ العلامة تقي الدين السبكي رحمه اللَّه حكى احتمالين في المساوي في النسب إلى الواقف، [ولم يتناول مِنْ ربع الوقف لوجود أبيه مثلًا، هل هو مِنْ أهل الطبقة أم لا، فقول الواقف] (¬2): المشاركون له في الاستحقاق نصٌّ في إخراج مثل هذا، وبقي الاحتمالُ الآخر، فله فائدةٌ بخلافِ حملِه على المحمَلِ الأوَّلِ. وأيضًا قولَ الواقف: ثمَّ على أقرب الطبقات إليه لو حُمل على الطبقة العليا، لكان هو عينَ الكلام الأوَّلِ في قوله: تحجبُ الطَّبقة العليا الطبقة السُّفلى، فيبقى الكلام الثاني بلا فائدة، وأيضًا قد حكى بعض المتأخِّرين خلافًا (¬3) فيما إذا احتمل عَوْدُ الضَّمير إلى الواقف أو إلى المتوفَّى، وبتقديرِ ما ذكرَهُ القائل الأول، يلزم أن لا يختلِفَ الحالُ، ولا يكون لهذا الخلافِ المحكيِّ فائدةٌ. وقوله: إنَّ المرادَ بأقرب الطَّبقات أقربُ مَنْ في الطَّبقات ممنوع؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ هذا التقدير، وَلو أراده، لقال: أقربُ الناس إليه مِنْ أهل الوقف. وما احتجَّ به لهذا التقدير ممنوع، بل قول الواقف: لإخوته ¬

_ (¬1) في (ب، ح): "طبقته". (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ). (¬3) في (ب): "خلافه".

وأخواته، تخصيصٌ لقوله: تحجِبُ الطَّبقةُ العليا الطَّبقةَ السُّفلى أبدًا. وقوله: ومن مات عَنْ غير ولد، ولا ولد ولد، ولا إخوة ولا أخوات، عادَ إلى أقرب الطبقات إليه، مِنْ تمام الكلام في تخصيص قوله: تحجِبُ الطَّبقة العليا الطَّبقة السفلى، حملًا للكلام الثاني على الفائدة. وقوله: إنَّ الاحتمالَ الثَّاني أولى، عملًا بعموم قول الواقف: تحجِبُ الطَّبقةُ العليا الطَّبقةَ السُّفلى، ما لم يحصر بصريح كقوله (¬1): على أنَّ مَنْ مات عَنْ ولدٍ انتقل نصيبه إلى إخوته وأخواته، وقول القائل الأول أيضًا: إنَّ الواقف لو قصد الصرف إلى مِنْ هو أقرب طبقة إليه، كان أهل طبقته أولى، يقال له: هذا محل النِّزاع، لأن القول الثاني يقول: إن أهل الطبقة هم المستحقون لنصيبِ المتوفَّى، إذ أهل طبقته أقربُ الطَّبقات إليه، فتأمَّلُوا ذلك، وبيِّنُوا الصَّواب منه واضحًا. فأجاب: الذي بحثه المفتي الأوَّل، وإن كان له اتِّجاه لما ذكر، لكن الذي بحثه الثاني أوجه، وكلُّ شيءٍ نُقضَ به تعليل الأول مستقيمٌ يقتضي ترجيح بحثه على بحث الأول، ويُزادُ بأن يُقالَ: لو كان الأمرُ على ما أجابَ به الأول، لاقتضى أنَّه لا فرق بين قوله: أقربُ الطَّبقات إلى الواقف، وبين قوله: أقربُ الطبقات إلى الميت. والواقع أن بينهما فرقًا؛ ففي الأول يُعتَبَرُ القُرْبُ إليه، فمهما كان إليه أقلَّ عددًا، كان أحق بذلك ممَّن هو دُونَه، وفي الثاني المساوي أقربُ إلى الميت طبقةٌ مِنَ الطبقة التي تسفُل عنه، وهذا لا خفاء به، واللَّه سبحانه أعلم. ومما ورد عليه مِنْ دمشق: أسئلة مِنَ العلَّامة القطبُ خاتمة المفسرين زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الصَّالحي الحنبلي، عُرف بأبي شعرة، نفعنا اللَّه ببركاته (¬2). ¬

_ (¬1) في (أ): "يحضر تصريح لقوله". (¬2) وقد طبعت هذه الأسئلة وأجوبتها بعنوان "الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة"، وسيأتي التصريح بعنوانها في نهاية الأجوبة.

[حديث الجساسة]

[حديث الجسَّاسة] كتب شيخُنا صاحبُ الترجمة إليه ما نصُّه: سألتم رضي اللَّه عنكم، وأدام لكم التوفيق، وأرشدكم إلى سواء الطريق، عن حديث فاطمة بنت قيس في الجسَّاسة، وهل فيه علَّةٌ لأجلها لم يخرِّجْهُ البخاري، فإنه لا يقال: تركه لأجلِ الطُّول، فإنه ليس في الباب شيءٌ يُغني عنه. وأيضًا فإن الصَّحابة رضي اللَّه عنهم اختلفوا وشكُّوا في ابنِ صيَّادٍ، حتَّى بعد موت النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلو سمعوا هذه الخُطبة، لما أشكل عليهم، ولا يمكن أن تكون فاطمةُ بنتُ قيسٍ رضي اللَّه عنها سمعته وحدها، أو هو أمرٌ خاصٌّ، بل هو أمر عام. انتهى. والجواب أن هذا السؤال تضمَّن أمورًا: أولها: لِمَ لَمْ يخرِّجْهُ البخاري، وانفرد مسلم بإخراجه؟. فأقول: ليست له علَّة قادحة تقتضي تركَ البخاري لتخريجه، وطولُه لا يقتضي العدُولَ عنه، فإنه أخرج غيره مِنْ الطوال، ولم يختصرها في بعض المواضع، مع أن حاجته منها إنَّما هي ببعض الحديث، كما في حديث الإفك؛ حيث أخرجه بطوله في كتاب الشهادات في باب تعديل النساء. ومن جملة الطِّوالِ ما أكثره (¬1) مِنْ كلام الرَّاوي، لا مِنْ كلامِ الرَّسول عليه الصلاة والسلام، كما في حديث أبي سفيان رضي اللَّه عنه في قصَّة هرقل. والذي عندي أنَّ البخاريِّ أعرضَ عنه لما وقع بين الصَّحابةِ رضي اللَّه عنهم في أمرِ ابنِ صيَّادِ. ويظهر لي أنِّه رجح عنده ما رجح عندَ عمرَ وجابر وغيرهما رضي اللَّه عنهم مِنْ أنَّ ابن صياد هو الدَّجالُ، وظاهرُ حديثِ فاطمةَ بنتِ قيس يأبى ذلك، فاقتصر على ما رجح عنه، وهو على ما يظهر بالاستقراء منْ صنيعه يُؤْثِرُ الأرجح، ممّا على الراجح، وهذا منه. الأمر الثاني ممَّا يتضمَّنُه السؤال: الإشارة إلى أنَّ الصحابة رضي اللَّه عنهم لو سمعوا الخطبة التي نقلَتْها فاطمةُ بنتُ قيس، لما شكُّوا حتى بعد موت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ابن صياد. ¬

_ (¬1) في (أ): "أذكره"، تحريف.

فأقول: بل وردَ أنَّ بعضَ الصَّحابة رضي اللَّه عنهم الذين سمعُوا الخطبةَ كما سمعتها فاطمةُ، استمرُّوا على الشَّكِّ في كَونِ ابن صيَّادٍ هو الدَّجالُ، كما سأبيِّنُه. الأمر الثالث: الإشارة إلى أنَّ فاطمةَ بنتَ قيسٍ تفرَّدت برواية الخُطبة المذكورة، مع استبعادِ أن تكونَ سمعتها وحدَها، فما السِّرُّ في كون بقيَّةِ مَنْ سمعها معها لم يرووها كما روتها؟ فأقول: لم تنفَرِدْ فاطمةُ بسماعها ولا بروايتها، بل جاءت القصَّةُ مرويةً عَنْ جماعةٍ مِنَ الصَّحابةِ غيرها، ودلَّ ورودُها علينا مِنْ رواية عائشة أمِّ المؤمنين وأبي هريرة وجابر وغيرهم، رضي اللَّه عنهم، على أنَّ جماعةٌ آخرين روَوْهَا، وإن لم تتَّصل بنا روايتهم. أما حديث عائشة وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما، فهو عند الإمام أحمد في "مسنده"، أورده في مسند فاطمة بنت قيس رضي اللَّه عنها، فقال فيه: حدثنا يحيى بن سعيد -هو القطَّان- حدثنا مُجالِدٌ، عن عامر -هو الشعبي-، قال: قدِمتُ المدينة، فأتيت فاطمةَ بنت قيس رضي اللَّه عنها، فحدثتني أن زوجها طلَّقها وذكر الحديث. وفيه: فلما أردت أن أخرج، قالت: اجلس حتى أحدثك حديثًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قالت: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا مِنْ الأيام، فصلَّى صلاة الهاجرة، ثم قعد -يعني على المنبر- ففزعَ النَّاسُ، وقال: "اجلسوا أيها الناس، فإني لم أقُمْ مقامي هذا لفزع، ولكن تميمًا الداري أتاني، فأخبر خبرًا منعني مِنَ القيلُولَةِ مِنَ الفرح. . . ". الحديث بطوله. وفيه: قال عامر: فلقِيتُ المحرَّر بن أبي هريرة، فحدَّثتُه بحديثِ فاطمةَ بنتِ قيس رضي اللَّه عنها، فقال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتْ (¬1) فاطمة، غير أنه قال: "إنه في نحو المشرق". قال: ثمَّ لقيتُ القاسمَ بنَ محمَّدٍ، فذكرتُ له حديثَ فاطمة بنتِ قيسٍ، فقال: أشهدُ على عائشة أنها حدثتني كما حدثت (¬2) فاطمة، غير أنَّها قالت: "الحَرَمَانِ عليه حرام، حرم (¬3) مكة والمدينة". ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (أ). (¬2) في (ب): "حدثتك". (¬3) ساقطة مِنْ (ب، ح).

قلت: وقد أخرج أبو داود في "السنن" هذا الحديث مِنْ رواية مجاهد، لكنه اقتصر على حديث فاطمة بنتِ قيسٍ، ولم يَسُقْ لفظَه، بل أحال به على طريق أخرى عَنْ فاطمة قبله، ولم يتعرض للزيادة في آخره. وأخرجه ابن ماجه مِنْ رواية مجالد (¬1) أيضًا، مقتصرًا على حديث فاطمة بنت في قيس. وأخرج أبو يعلى مِنْ طريق عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استوى على المنبر، فقال: "حدَّثني تميم"، فرأى تميمًا في ناحية المسجد، فقال: "يا تميمٌ، حدِّثِ النَّاس بما حدَّثني"، فذكر الحديثَ باختصارٍ. وهذا لا ينافي ما وقع في رواية فاطمة بنت قيس، لاحتمال أن يكونَ -صلى اللَّه عليه وسلم- قصَّ القصَّةَ، كما في رواية فاطمة بنت قيس، ثم رأى تميمًا، فأمره أن يقُصَّ عليهم ما قصَّ عنه، تأكيدًا. ويستفادُ مِنْ ذلك مشروعيةُ طلب عُلوِّ الإسناد، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. وأما حديث جابر رضي اللَّه عنه، فأخرجه أبو داود، وقال: حدثنا واصل بنُ عبد الأعلى، حدثنا ابنُ فضَيل -هو محمد- عن الوليد بن عبد اللَّه بن جُميع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جبر رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاتَ يومِ على المنبر: "إنه بينما أُنَاسٌ يسيرون في البحر، فنفِدَ طعامُهم، فرُفِعَت لهم جزيرةٌ، فخرجُوا يريدُونَ الخبر، فلقيتهم الجسَّاسة". فقلت لأبي سلمة: ما الجسَّاسَةُ؟ قال: امرأةٌ تجرُّ شعرَ جلدِها ورأسها، "قالت: في هذا القصر رجل". قال: فذكر الحديث، وفيه: "وسأل عن نخل بيسان (¬2) وعين زُغَر. قال: هو المسيح". فقال لي ابن أبي سلمة: إنَّ في هذا الحديث شيئًا ما حفظته، قال: شهد جابر (¬3) أنه ابنُ صيَّادِ، فقلت: فإنه قد مات. قال: وإن مات. قلت: فإنه أسلم. قال: ¬

_ (¬1) في (أ): "مجاهد"، تحريف. (¬2) في (أ): "بستان"، تحريف. (¬3) في (أ، ح): "ابن جابر"، خطأ وانظر الحديث في سنن أبي داود برقم 4328.

وان أسلم. قلت: فإنه دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة. وأخرجه أبو يعلى بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح، كذا (¬1) قاله شيخنا الهيثمي في "الزوائد". والواقع أن السند الذي أشار إليه هو سند أبي داود بعينه، فإن أبا يعلى أخرجَ الحديثَ عن واصلٍ بن عبد الأعلى، به. الأمر الرابع في إيضاح هذا الإشكال: وهو أنَّ ابن صيَّاد على ما تضمنته الأخبار الواردة فيه وُلِدَ بالمدينة، ونشأ بِهَا، وجرت له في زمنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمورٌ، منها في "الصحيحين" توجُّهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المكان الذي هو فيه، ووجدانه إياه في قطيفة (¬2) له فيها زمزمة، وأنَّ أُمَّه أعلمته بمجيء النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فثأر، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو تركتُه بيَّن". ومنها: التقاءُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معه (¬3)، وسؤاله إياه عما يرى أنَّه خبأ له الدُّخ، وغير ذلك مما تضمَّنَتهُ الأخبارُ الدَّالةُ على وجوده في عصر النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثمَّ بقاؤه بعدَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وغزوه مع المسلمين وحجه واعتماره وتزوُّجه بالمدينة، ووُلِدَ له بها. وفي ذلك قصَصٌ له مع أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه، ومع ابن عمر رضي اللَّه عنهما. وخرج ذلك كله في "صحيح مسلم" و"السنن"، وكان هو يتبرَّأ مِنْ ذلك إذا بلغه أنَّ النَّاس يرمُونَه باسم الدَّجَّال، ويستدِلُّ بأنَّه غيره بالأمور التي هو متَّصِفٌ بها إذ ذاك ممَّا يخالِفُ صِفَةَ الدَّجال، لكن ظهرت عليه مخايِلُ تنبىء على صِدْقِ فراستهم فيه؛ حتَّى إنه كان يرمِزَ أحيانًا، ويكاد يصرِّح بأنه هو، ولذلك كان جماعة مِنَ الصَّحابة رضي اللَّه عنهم يجزمُون بأنَّه هو كما في "الصحيحين" عن عمر وجابر رضي اللَّه عنهما. وأخرج الإمام أحمد مِنْ حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه، قال: لأن أحلِفَ عشرَ مرار أنَّ ابنَ صيَّاد هو الدَّجال أحبُّ إليَّ مِنْ أن أحلِفَ أنَّه ليس به. وسنده صحيح. ¬

_ (¬1) في (ب): "كما قاله". (¬2) في (أ): "وظيفة". (¬3) ساقطة مِنْ (ب).

ومن حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه، قال: لأن أحلِفَ تسعًا أنَّ ابن صائدٍ هو الدَّجالُ، أحبُّ مِنْ أن أحلِفَ واحدة أنه ليس به. أخرجه الطبراني. وقد ثبت أن أبا ذرٍّ رضي اللَّه عنه مِنْ أصدقِ النَّاس لهجة، وأنَّ عمرَ رضي اللَّه عنه نطق الحقُ على لسانه، فلا يُقدمان على الحلف بأنَّ ابنَ صيادٍ الدَّجالُ إلا بعدَ وُضُوحِ ذلك لهما. ولكن توقُّف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك في قوله لعمر رضي اللَّه عنه لمَّا أراد قتله: "إن يكُنْ هو، فلن تُسلَّطَ عليه" يقتضي عدمَ الجزم، ولعلَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بأن لا يُفْصِحَ بحاله، فاستمر على التردُّد في تقريره تميمًا على قصة الجساسة وما ذكر معها، مما يقوي التردد فيه، ومع ذلك ففي قول مِنْ قال في الحديث الذي أخرجه أبو داود كما تقدم: إنه ابن صياد، ولو أسلم ما دخل المدينة، ولو مات، إشارة إلى أن أمرَه ملتبسٌ، وأنَّه جائزٌ أن يكونَ ما ظهر، مِنْ أمره إذ ذاك لا ينافي ما يقع فيه (¬1) بعد خروجه في آخر الزمان، وحينئذ فيحتمل في طريق الجمع بين خبر تميم الدَّاري وما عُرفَ مِنْ حال ابن صياد أن اللَّه تعالى أخرجه إلى الجزيرة المذكورة على الصِّفة المذكورة في ذلك الوقت حتى رآه تميمٌ ومَن معه، وأخبرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما سمع منه في ذلك؛ ليكون موعظة وتحذيرًا مِنْ فتنته إذا خرج. وفيه إشارةٌ: إلى أنَّ أموره ملتبسةٌ غيرُ متَّضحة، ويحتمل أن يكون اللَّه سبحانه وتعالى أظهرَ لأولئك مثالًا على صفته بما يؤول إليه حالُه بعد أن يتحوَّلَ مِنَ المدينة الشريفة، التي مِنْ شأنها أن تنفِي خبثَها، وأنَّه يُسْجَنُ في تلك الجزيرة إلى أن يأذن اللَّه تعالى في خروجه في الوقت الذي يريده، ويكون ذلك مِنْ جُملة الأمور التي يستمرُّ منها خفاءُ حاله وعدم الوقوف على حقيقة أمره، لما يريد اللَّه تعالى مِنْ الافتتان به في أول أمره وفي آخره. ¬

_ (¬1) في (ب): "منه".

وقد اختلف في الوقت الذي فُقِدَ فيه، فأخرج أبو داود مِنْ طريق الأعمش عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، قال: فقدنا (¬1) ابنَ صيَّادٍ يومَ الحرَّة. وسنده صحيح. وصرح جماعةٌ بأنه مات في هذه الحدود، ولكن قد وقع لي أمرٌ يقتضي أنه لم يَمُتْ دان كان فُقِدَ، فأخرج أبو نعيم في أوائل "تاريخِ أصبهان" (¬2) له مِنْ طريق جعفر بن سليمان الضُّبَعي، عن شُبَيل بن عَزْرَة، قال: حدَّثني حسَّان بنُ عبد الرحمن، عن أبيه، قال: لمَّا افتتحنا أصبهان، كان بين عسكرنا وبين اليهوديَّة -يعني بلدة بأصبهان- فرسخٌ، فكنا نأتيها فتمتارُ منها، فأتيتها يومًا، فإذا اليهودُ يزفُنُون ويضربُون، فأتيتُ صديقًا لي منهم، فقلت: ما شأنكم؟ أتريدون أن تنزعُوا يدًا مِنْ طاعة؟ فقال: لا، ولكن ملِكنا الذي نستفتح به على العرب يدخُلُ المدينة غدًا، فذكر القصَّة، وفيه أنَّه بات هناك، فلمَّا أصبح، رأى اليهود مجتمعين، وبينهم رجلٌ عليه قبَّةٌ مِنْ رَيحانٍ وهم حوله يزفُنون ويضربُون. قال: فنظرت، فإذا هو ابنُ صيَّادٍ [فدخل المدينة]، فلم نره بعد. انتهى. فإن ثبت هذا الأثر، فلعلَّه لمَّا خرج مِنَ المدينة النبوية صُحْبَة العسكر الواصلِ إلى أصبهان ودخلها، أخذ منها إلى المقر الذي يُحْبَسُ به إلى أن يُؤذَنَ له في الخروج. وقد أخرج أحمد في "مسنده" بسندٍ حسن عن أنسٍ رضي اللَّه عنه، عن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "يخرُج الدَّجَّال مِنْ يهودية أصبهان". وأخرج الطَّبراني مِنْ حديث عمران بن حُصين رضي اللَّه عنه، رفعه، قال: "يخرُجُ الدَّجالُ مِنْ قِبَلِ أصبهان". واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصَّواب في أمره، ونسألُ اللَّه عزَّ وجلَّ أن يعيذَنَا مِنْ فتنته. إنه سميع بصير. ¬

_ (¬1) في (أ) ومختصر السفيري: "فُقِدَ"، والمثبت مِنْ (ب) وسنن أبي داود رقم 4332. (¬2) 1/ 22 - 23، وما بين حاصرتين منه.

فصل

فصل [القول في بعض أحاديث سنن أبي داود] وسألتم رضي اللَّه عنكم عن أحاديث في "سنن أبي داود" ظاهرُها الصِّحَّة إلى الغاية، ولم يخرجها الشَّيخان وليس شيء يُغني عنها، ولا يركن القلب إلى أن يكون تركُها لأجل الطُّول. وأقول في الجواب عن ذلك: إنه لا يلزَمُ مِنَ الحديث إذا كان ظاهره الصِّحَّة أن يكون في أعلى درجات الصَّحيح التي قد عُرِفَ بالاستقراء أنَّ محطَّ قَصدِ الشَّيخين تخريجُ مثل ذلك، وأنَّه إن وقع عندهما أو عندَ أحدهما ما ظاهرُه يخالفُ ذلك، فلكلٍّ منهما في كلٍّ مِنْ ذلك عذرٌ يتعسَّر أن يُجاب عنه بقاعدةٍ كلِّيَّةٍ، بل يُجاب عَنْ كل حديث طردًا وعكسًا بما يليقُ به، وسيظهر بعض ذلك عند الجواب عن الأحاديث التي ذُكرت هنا مثالًا، وهي ثلاثة: الحديث الأول مما ذكرتم: قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدَّثنا حماد، عن أيوب، عن عكرمة، عن بعض أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّه كان إذا أراد مِنَ الحائض شيئًا، ألقى على فرجها ثوبًا. فأقول: هذا الإسناد ظاهره الصِّحَّة كما قلتم، لكنه ليس على شرط البخاري، مِنْ أجلِ حمّاد، وهو ابن سَلَمَةَ، وليس هو ابن زيد (¬1)، لأنَّ موسى بنَ إسماعيل إذا روى عَنْ حمَّادٍ ولم ينسُبه، فهو ابنُ سلمة، وإذا روى عن حماد بنِ زيدٍ، فإنَّه ينسُبُه كما قدَّره ابن الصَّلاح ثم المِزِّيُّ ومنْ تبِعَهُما. وحمَّادُ بنُ سلمة لم يخرِّج له البخاريُّ في الأصول، وإن أخرج له قليلًا في المتابعات، بل ومسلمٌ، وإن كان أكثرَ عنه، لكنَّه لا يخرِّجُ له في الأصول إلَّا عَنْ نفر قليل ممَّن كان اشتُهِرَ بإتقان حديثهم، مثل ثابت البناني، وإذا أخرج له عن غيرهم، فإنَّما يُخرجُ له في المتابعات، ومن ثم يظهر (¬2) ¬

_ (¬1) في (ب): "يزيد"، تحريف. (¬2) ساقطة مِنْ (أ).

أنه ليس على شرط مسلم أيضًا، لأنه عن أيوب، ومن أجل عكرمة، فإن مسلمًا لم يخرج له في الأصول شيئًا، بل ولا في المتابعات إلا يسيرًا. ثم مع ذلك فلعلَّهما استغنيا عنه بحديث عائشة أيضًا: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا، أمرها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتأتَزِرُ بإزار، ثم يباشرُها. فإنَّ هذا الحديث يشتمِلُ على ما دلَّ عليه حديثُ عِكْرِمَةَ، ويزيدُ عليه، واللَّه أعلم. الحديث الثاني: قال أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدَةَ، حدثنا بقيَّة وشعيبُ بن إسحاق، عن الأوزاعي، عن محمد بن الوليد الزَّبيدي، عن سعيدٍ المقبُرى، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عَنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا صلَّى أحدُكم فخلع نعليه، فلا يؤذِ بهما أحدًا، وليجعلهما بين رجليه أو ليصلِّ فيهما". فأقول: ليس هذا الحديثُ على شرط الشيخين ولا أحدهما، وإن كانا أخرجا لرجاله بصورة الانفراد فلا يكونُ على شرطهما إلا إن كانا خرَّجا لهم بصورة الاجتماع. وهذا كالحديث الذي أخرجه أبو داود مِنْ رواية همَّام عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنسٍ في نزع الخاتم عند دخول الخلاء، فإن أبا داود قال بعد أن أخرجه: هذا حديث منكرٌ. وأخرجه النسائي، فقال: هذا حديث غيرُ محفوظٍ. كذا قالا، مع أنَّ الشيخين قد أخرجا لرواته، لكن بصورة الانفراد، إلا أن رواية همَّام عن ابن جريج ليست مِنْ شرطهما، لأن همَّامًا سمع مِنَ ابنِ جُريج بالبصرة، وابن جُريج حدَّث بالبصرة بأحاديث وهم فيها. وجزم الدارقطنيُّ وجماعةٌ بأنه وهِمَ في هذا إسنادًا ومتنًا، وأنَّ الحديث إنَّما هو حديثُه عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس رضي اللَّه عنه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- اتخذ خاتمًا. ومن ذلك أنَّهما أخرجا لسفيان بن حسين والزهري بطريق الانفراد، ولم يخرِّجا مِنْ رواية سُفيان بن حسين عن الزهري شيئًا؛ لأن سماعه منه ليس بمتقن.

وأخرج أبو داود والتِّرمذي والنسائي مِنْ رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس في القول إذا خرج مِنْ بيته، ورجالُه رجالُ الصَّحيح، قدِ اتَّفقا على التَّخريج لجميعهم، ومع ذلك فهو معلولٌ. قال البخاري: لا أعرف لابن جُريج سماعًا مِنْ إسحاق، وقال الدارقطنيُّ: رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روّاد، وهو أثبتُ النَّاس في ابن جُريج، فقال: عنِ ابنِ جُريج حديث عن إسحاق. وإذا تقرَّر ذلك، ففي الحديث علَّة مع ذلك اقتضت -مع ما تقدَّم- أن لا يخرِّجاه، وذلك أنَّه اختُلِفَ فيه على المقبُري، ثمَّ على الأوزاعي. قال الدارقطني في "العلل": رواه عياض بن عبد اللَّه، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، لم يقُل فيه: عن أبيه. ورواه جماعة عن الأوزاعي، عن سعيد المقبُري لم يذكروا الزّبيدي، ولعل الشَّيخين استغنيا عنه بحديث سعيد بن يزيد أبي (¬1) مسلمة، عن أنس رضي اللَّه عنه، قال: إنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي في نعليه. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. الحديث الثالث: قال أبو داود: حدَّثنا مسدَّد، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بِشْر، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حرام رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "لا تَبعْ ما ليس عندك". فأقول: لم يخرجا ولا أحدهما مِنْ رواية يوسف بن ماهك عن حكيمٍ شيئًا، ومع ذلك فقد رواه يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم، عن يوسف بن ماهك، فأدخل بينه وبين حكيم رجلًا، وهو عبد اللَّه بن عِصْمَة، ذكر ذلك المزِّيُّ في "الأطراف"، وليس عبدُ اللَّه بن عصمة مِنْ رجالِ الشَّيخين ولا أحدهما. وقد أخرج الإمام أحمد مِنْ طريق يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن يوسف بن ماهك، عن عبد اللَّه بن عصمة، عن حكيم بن حزامٍ، حديثًا ¬

_ (¬1) في (أ): "مِنْ"، خطأ.

[ترجمة الكسائي]

آخر. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. [ترجمة الكسائي] وسألتم رضي اللَّه عنكم عن ترجمة الكسائي صاحب "قصص الأنبياء"، ولم أستحضرها ساعتي هذه. فصل [ترجمة التوربشتي] وسالتم رضي اللَّه تعالى عنكم عن ترجمة التُّوربشتي شارح "المصابيح". وهو فضل اللَّه بن الحسن بن حسين بن يوسف، فلم أقف مِنْ خبره على كبير أمر، إلا أنِّي قد رأيتُ له ترجمة في "الطبقات الكبرى" للقاضي تاج الدين السبكي، ولم يُفصِحْ فيه بشيء. وحاصلُه أنَّه كان في حُدود الخمسين وستمائة. وذكر لي القاضي علاء الدين بنُ خطيب النَّاصرية قاضي حلب -منكرًا على التاج إيرادَه في "طبقات الشافعية"- أنَّه وقف في أثناء شرحه على ما يدلُّ أنَّه حنفيُّ المذهب. واللَّه أعلم. [بيان الحديث الحسن] وسألتم رضي اللَّه عنكم عن بيان الحديث الحسن، وهل له حدٌّ جامعٌ مانع، أو الأمر كما قال الذَّهبيُّ في "الموقظة": إنَّه لا مطمع في ذلك، وكلامُه قريبٌ مِنْ كلام ابن الجوزي: أنَّه ما فيه ضعفٌ محتمل؟ فأقول: إن كان المرادُ بالسُّؤال عَنِ الحديث الذي يُوصَفُ بالحَسَنِ لذاته، فله حدٌ على طريق التَّعريف الذي يقتنع به الفُقهاء والمحدِّثُون، وهو الحديث المتَّصل السَّنَدِ برُواة معروفين بالصِّدق، في ضبطهم قصورٌ عَنْ ضبط رُواة الصَّحيح، ولا يكون الحديث معلولًا ولا شاذًا. ومحصِّله أنه هو والصَّحيحُ سواءٌ إلا في تفاوُتِ الضَّبط، فراوي

الصَّحيح يُشْتَرَطُ أن يكون موصوفًا بالضَّبط الكامل، وراوي الحسن لا يُشترط أن يبلُغَ تلك الدرجة، وإن كان ليس عريًّا عن الضبط في الجملة، ليخرج عن كونِه مغفَّلًا، وعن كونه كثيرَ الخطأ. وما عدا ذلك مِنْ الأوصاف المشترطة في الصحيح، كالصِّدق والاتصال وعدم كونه شاذًا ولا معلولًا، فلا بدَّ مِنَ اشتراط ذلك كلِّه في النوعين. ومِنْ ثم كانت طائفةٌ مِنَ القدماء لا يفرِّقُون بين الصَّحيح والحسن، بل يسمُّون الكُلَّ صحيحًا، وإن كان بعضُها أصحَّ مِنْ بعض. وذهبت طائفة إلى التفرقة، وهو الذي استقر عليه الأمر. والنزاع في التَّحقيق [بين الفريقين] (¬1) لفظي، لأنَّ مَنْ يفرِّقُ بينهما تظهر ثمرةُ تفريقه فيما إذا تعارضا، فيرجِّحُ الصحيح على الحسن، ومَنْ لا يفرِّق بينهما، يسلُك هذا التَّرجيح بعينه، وإن سمى الكلَّ صحيحًا، فيكون عنده صحيحٌ وأصحُّ منه كما عند غيره حسنٌ وصحيحٌ. وإذا وضح ذلك، فإنِّما حصلَ الإشكالُ مِنَ الحَسَنِ الذي عرَّف به التِّرمذي، وهو الحسنُ لغيره، فذلك هو في التَّحقيق الحديثُ الضَّعيف الذي يُحْتَمَلُ، لأنَّه باعتضاده بغيره حدثت (له) (¬2) مِنَ المجموع قوَّةٌ احتمل ذلك الضعف لأجلها، واقتضى تسميته عند الترمذي وغيره حسنًا، وذلك بيِّنٌ مِنْ تعريف الترمذي، حيث قال في "العلل" التي في آخر "الجامع" ما نصُّه: وما قلنا في كتابنا: حديث حسنٌ، فإنَّما أردنا حُسْنَ إسناده عندنا كل حديث يُروى لا يكونُ راويه متَّهمًا بالكذب، ويروى مِنْ غيرِ وجهٍ نحوه. ولا يكونُ شاذًا، فهو عندنا حسن. فقوله: "لا يكون روايه متَّهمًا بالكذب" يشمل رواية المستور والمدلِّس والمعنعن والمنقطع بين ثقتين حافظين، كالمرسل. فكل هذا إذا ورد اقتضى التوقُّف في الاحتجاج به للجهل بحال المذكور فيه أو السَّاقط؟ فإن ورد مثلُه أو معناه مِنْ طريقٍ أخرى أو أكثر، فإنها تُرجِّحُ أحدَ الاحتمالين: لأنَّ المستور مثلًا حيث يروي يحتملُ أن يكونَ ضبَطَ المرويَّ، ويحتمل أن لا ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ). (¬2) إضافة مِنْ الأسئلة الفائقة ص 65.

الحلبيات

يكون ضبطه. فإذا ورد مثلُ ما رواه أو معناه مِنْ وجه آخرَ غلبَ على الظَّنِّ أنَّه ضبط، فكلَّما كثُر المتابعُ، قويَ الظَّنُّ، كما في أفراد التَّواتر، فإنَّ أوّلها مِنْ رواية الأفراد، ثمَّ لا يزالُ يكثُر إلى أن يُقْطعَ بصدق المرويِّ، ولا يستطيع سامِعُه أن يدفع ذلك عن نفسه. وإذا تقرَّر ذلك، فقولُ ابنِ الجوزي ومن تبعه: الحديث الحسن ما كان فيه ضعْفٌ، كلامٌ صحيح في نفسه، لكنه ليس على طريقة التعاريف، فإنَّ هذه صفةُ الحديث الحسن الذي يُوصَفُ بالحَسَنِ إذا اعتضد بغيره، حتى لو انفرد لكان ضعيفًا، وإستمرَّ عدمُ الاحتجاج به حتى إذا عضده عاضِدٌ، ارتقى فحسن، بل يمكن هنا أن يقول هو صفة الَحَسَنِ مطلقًا أعمُّ مِنْ أن يكون وصف بالحَسَن لذاته أو لغيره. فالحَسَنُ لذاته إذا عارض الصَّحيحَ، كان مرجوحًا والصَّحيحُ راجحًا، فضعْفُه بالنسبة لما هو أرجَحُ منه، والحسن لغيره أصلُه ضعيفٌ، وإنما طرأ عليه الحُسْنُ بالعاضِدِ الذي عضده، فاحتُمِلَ لوجود العاضدِ، ولولا العاضِدُ لاستمرت صفةُ الضَّعف فيه كما تقدَّم، واللَّه تعالى أعلم. وهنا انتهى الكلام على "الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة". وأستغفر اللَّه تعالى مِنْ خطأ وقع لي فيها أو خطل، وألتَمِسُ ممَّن وقف عليها أن يُصْلِحَ ما فيها مِنْ خلل، قاصدًا بذلك الإفادة، بلَّغَهُ اللَّه مرتبة الحسنى وزيادة، إنه على كل شيء قدير (¬1). وأما الحلبيات: فهي مِنْ أسئلة ابن الشَّيخ العلامة برهان الدين الحلبي مما يتعلَّق بالمبهمات ونحوها (¬2). فمنها ما ملخَّصُه: قول المزي: "البخاري" في الجهاد: عن ¬

_ (¬1) وقد طبعت هذه الأسئلة بتحقيق محمد إبراهيم حفيظ اللَّه، ونشرتها الدار السلفية في بومباي بالهند سنة 1410 هـ - 1989 م. (¬2) وهي المعروفة باسم "الأجوبة الواردة عن الأسئلة الوافدة". وطبعت بتصحيح عَمرو علي عمر في دار الثفافة العربية 1415 هـ. وهذا السؤال ورد في ص 62 - 65 منها.

سليمان بن حرب، عن محمد بن طلحة بن مصرِّف، عن أبيه، عنه، به. ظاهر أنَّ الضَّمير في"عنه" لمصعب، وقوله: "به"، أي عن والده، فيكون موصولًا، فلعلَّه كان في الأصل عن مصعب، عن سعد، فتصحّف "عن"، فصارت "بن"، فهل يحسُن هذا جوابًا عَنْ قول النَّووي في "الرياض": هذا الحديث مرسل، وقد وصله البُرقاني في "صحيحه"؟ فأجاب: بأن الذي قاله النووي صحيحٌ، والذي اقتضاه صنيعُ المِزِّي خطأ، وقد وقع له في سياقه تغيير، فإن الذي في الأصل: عن محمد بن طلحة، عن طلحة، فغيَّره بقوله: عن محمد بن طلحة، عن أبيه، وهو بالمعنى، وفيه فائدة، ولكنه توهَّم أنَّه وقع كذلك في الأصل. نعم، هو في ذلك تابعٌ لأبي مسعود، فإنه قال في "الأطراف": البخاريُّ في الجهاد: عن سليمان بن حرب، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، لكنه لم يزِدْ على ذلك، فسلم مِن قوله: عنه به. وبيان ذلك أنَّ جميع نسخ "البخاري" فيها: عن مصعب بن سعد، قال: رأى سعدٌ أن له فضلًا. . . إلى آخره. فدعوى التَّصحيف بعيدة، مع توارد النسخ على اختلاف أسانيدها إلى الفربري على ذلك. فإن قيل: يحتمل أن يكون التَّصحيفُ وقع في نسخة الفِرَبْري، رُدَّ بأنَّه وقع في رواية إبراهيم بن معقل النَّسفي الراوي عن البخاري كما وقع عند الفِرَبْري، والنسخة مِنْ رواية ابن معقل وقفت عليها، وهي في غاية الإتقان، وعليها خطُّ أبي عمر بن عبد البَرِّ. ثم، لو سَلِمَ التَّصحيفُ، لصار هكذا: عن مُصعب، عن سعد، أنَّ سعدًا. وهو إن كان سائغًا بأن يكون مِنْ نوع التَّجريد، لكنه خلاف الظَّاهر. وقد سبق النَّوويَ إلى دعوى الإرسال فيه الحميديُّ في "جمعه"، ومنه نقل النَّوويُّ، وهذا لفظه: قال في أفراد "البخاري": الخامس: عن طلحة بن مصرِّف، عن مُصعب بن سعد. قال: رأى سعدٌ أنَّ له فضلًا على مَنْ دُونَه، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل تُنْصَرُون وتُرْزَقُون إلَّا بضُعفائكم". هكذا أخرجه

البخاريُّ مرسلًا مِنْ رواية سُليمان بن حرب، وجوَّده مِسْعَرٌ، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، قال فيه: عن مُصعب بن سعد، عن أبيه. وأخرجه البرقاني مِنْ رواية مسعر وعن غيره مسندًا. انتهى كلامُه. وقد يُوهِمُ تفرُّدُ سُليمانَ بنِ حرب بذلك، وليس كذلك، فإنَّ الإسماعيليَّ أخرجه في "صحيحه" مِنْ رواية أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، ومِن رواية عاصم بن علي، كلاهما عن محمد بن طلحة عن طلحة عن مُصعب بن سعد، قال: رأى (¬1) سعدٌ أنَّ له فضلًا. . . الحديث كما عند البخاري. وقوله: جوَّده مِسعَرٌ، يُوهم تفرُّدَه بوصله، وليس كذلك، فقد أخرجه الإسماعيلي مِنْ طريق معاذ بن هانىء، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، عن مصعب بن سعد، عن أبيه رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّما يَنْصُرُ اللَّه هذه الأمَّةَ بضعفائهم: بدعائهم وإخلاصهم وصلاتهم". ثم ساقه مِنْ طريق أبي حاتم الرازي: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدَّثنا أبي، عن مِسْعَر، عن طلحة بنِ مُصَّرِّف، عن مُصعب بن سعدٍ، عن أبيه رضي اللَّه عنه، أنَّه ظنَّ أن له فَضلًا على مَنْ دُونَه مِنْ أصحابِ رسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّما ينصُرُ هذه الأمَّةَ بضُعفائهم: بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم". وهكذا أخرجه أبو نُعيم في "الحلية" مِنْ رواية عُمر بن حفص، وأخرجه مِنْ رواية سهل بن عثمان، عن ابن أبي زائدة كروايةِ حفص بن غياث، ولفظه: عن محمد بن طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن مُصعب، انَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لسعدٍ رضي اللَّه عنه. . . الحديث. وقد بيَّنت في "المقدمة" (¬2) توجيه إخراج البخاري له بنظائرَ لذلك أوردتُها، يظهرُ منها أنَّ روايةَ مَنِ اشتهر بصُحبة أبيه أو قريبه أو مولاه إذا ¬

_ (¬1) في (أ): "رأيت"، خطأ. (¬2) يعني مقدمة "فتح الباري" التي سماها "هدي الساري".

المصريات

جاءت الرِّوايةُ عنه بأيِّ صيغةٍ كانت، حُملَت على أنَّه أخذَ ذلك عنه، كهذه، وكرواية عُروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، وروايةِ عِكْرِمَةَ عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما، حيثُ لا يكونُ في السِّياق ما يقتضي أنَّه أخذ ذلك عنه صريحًا. وباللَّه التوفيق. وأما المصريات: فمِمّن كانت تردُ عليه الأسئلة منه مِنَ المصريين: العالم البهاء محمد ابن شيخه ووصيِّه ابنِ القطَّان (¬1). وردت عليه أسئلة مِنَ الصْعيد. [بدعة الزيادة في الأذان] منها: عن قول المؤذِّن في صلاته على النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا مَنْ تذلَّل على اللَّه، هل هو جائز وله أصلٌ في السُّنَّة، وهل يكونُ هذا مع كونه -صلى اللَّه عليه وسلم- أكثرَ النَّاس خوفًا مِنْ ربّه؟ وإذا لم يكن واردًا، فماذا يجبُ على المؤذن؟ فأجاب: أما اللفظ، فلم يَرِدْ في السُّنَّة، وهو مِنَ الألفاظ المبتدعة، والأوْلَى تركُ ذلك، فإن عادَ زُجِرَ مع تعزيره على جُرأته بما لم تَرِدْ به سنَّةٌ. واللَّه أعلم. وأسئلة مِنْ ثغر إسكندرية: ذكر صاحبُ التَّرجمة سؤالًا منها في معَمَّر بالتَّشديد مِنْ "لسان الميزان" (¬2). وأما القاهريات: فمنها ما قرأتُه بخطِّ البدر الأنصاري في قول النَّووي: إنَّ إبراهيمَ بنَ يحيى الذي روى عنه الشَّافعيُّ عن عمر رضي اللَّه عنه أنَّ ¬

_ (¬1) هنا بياض في (أ) مقداره 19 سطرًا، وفي (ب) خمسة "سطور"، وفي (ح) ثلثا صفحة. (¬2) هذه الفقرة لم ترد في (ب).

[تضعيف حديث الماء المشمس]

الماءَ المشمَّس يُورِثُ البرص، ضعيفٌ باتِّفاق المحدِّثين، ولم يوثِّقهُ إلا الشَّافعي، وقول الإسنوي: إنه وثَّقه جماعةٌ غيرُ الشَّافعي، وعدّهم، ثم قال: ولو لم يوثَّقه غيرُ الشَّافعي، لكان حُجَّةً، فأيُّ القولين أرجح، وما لفظُ الحديث الذي رواه الدَّارقطني في المُشَمَّس، وعن مِنْ هو، وهل هو صحيحٌ أم لا؟ وفي قول الإسنوي في شرحه في "المنهاج": إنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل مكَّةَ يوم الفتح وعلى سيفه ذهبٌ وفضَّة. ونقلَ تحسينَه عَنِ التِّرمذي. فهل قوله: "ذهبٌ" في الحديث، أو مِنَ النَّاسخ: فإنَّ الشافعيَّة يقولُون بتحريم حِلْيَة آلة الحرب بالذَّهب بلا خلاف، وصحَّحُوا أيضًا تحريمَ تمويهها بذهبٍ لا يحصُل منه شيءٌ بالعرض على النَّار. [تضعيف حديث الماء المشمس] فأجاب بما نقلته مِنْ خطه: قول الإسنوي: "لكان حجةً"، ليس على إطلاقه وإنَّما هو مقيَّد بمن يقلِّدُ الشَّافعي، كما صرَّح به ابنُ الصَّلاح في "علوم الحديث" أن الإمام الذي له أتباعٌ يقلِّدُونه فيما يذهب إليه إذا احتج براوٍ ضعَّفه غيرُه، كان ذلك الرَّاوي حُجَّة في حقِّ مِنْ قلد ذلك الإمام. وأمَّا لفظُ الحديث عند الشافعي، فقال: أخبرنا إبراهيمُ بنُ محمَّدٍ، أخبرني صَدَقَةُ بن عبد اللَّه، عن أبي الزَّبير، عن جابر، أنَّ عمر رضي اللَّه عنهما كان يكره الاغتسال بالماء المُشَمَّس، وقال: إنَّه يُورِث البَرَصَ. وأمَّا حكم الحديث على طريقة المحدثين، فليس بصحيحٍ، لعلل: أولها: ضعْفُ إبراهيم. وفي قول الشَّيخ جمال الدين: إنَّه وثَّقه جماعةٌ غيرُ الشَّافعي نظر، فإنَّا لا نعرف مَنْ صرَّح بأنَّه ثقة، وإنَّما نقل الحافط أبو أحمد بنُ عدي عن الحافظ أبي العباس بن عقدة أنه قال له: تعلمُ أحدًا أحسنَ القولَ في إبراهيم بن أبي يحيى غيرَ الشَّافعي؟ قال: نعم، حدَّثنا

أحمدُ بنُ يحيى الأوْدي، قال: قلتُ لحمدان ابن الأصبهاني: أتدينُ بحديث إبراهيم بن أبي يحيى؟ قال: نعم. قال ابنُ عُقُدة: نظرتُ في حديثه الكثير، وليس بمنكرِ الحديث. وقال ابنُ عديٍّ: هو كما قال، لم أجد في حديثه منكرًا إلا عَنْ شيوخ يُحْتَملُون. وجزم ابن عدي في ترجمة الفياضي بأن إبراهيمَ ضعيفٌ، وحمدان لم يصرِّح بتوثيق إبراهيم ولا ابن عقدة، مع أنَّ ابنَ عُقدة شيعيٌّ، وإبراهيم نسبُوه إلى الرَّفض، فلا يُسْتَغْرَبُ أن يتعصَّب له (¬1). ¬

_ (¬1) قال البصروي في "جمان الدرر": قلت: وسقط فيه الجواب عن قوله في السؤال: وما لفظ الدارقطني الذي رواه في المشمس، وعمَّن هو، وهل هو صحيح أم لا؟ ولعلَّه حديث عائشة الواقع في "الرافعي الكبير"، وذكره المترجم في "تخريجه" لأحاديثه، حيت قال: حديث عائشة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهاها عن التشميس، وقال: "إنه يورث البرص". الدارقطني وابن عدي في "الكامل"، وأبو نعيم في "الطب"، والبيهقي مِنْ طريق خالد بن إسماعيل، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عنها، دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد سخنتُ ماءً في الشمس، فقال: "لا تفعلي يا حُميراء، فإنه يورث البَرَص". وخالد، قال ابن عدي: كان يضع الحديث، وتابعه ابن وهب أبو البختري عن هشام، قال: ووهب أشدُّ مِنْ خالد. وتابعهما الهيثم بن عدي عن هشام. رواه الدارقطني. والهيثم كذَّبه يحيى بن معين. وتابعهم محمد بن مروان السُّدِّي، وهو متروك. أخرجه الطبراني في "الأوسط" مِنْ طريقه، وقال: لم يروه عن هشام إلا محمد بن مروان. كذا قال، فوهم. ورواه الدارقطني في "غريب مالك" مِنْ طريق ابن وهب عن مالك عن هشام، وقال: هذا باطل عن ابن وهب وعن مالك أيضًا، ومن دون ابن وهب ضُعفاء. واشتد إنكار البيهقي على الشيخ أبي محمد الجويني في عزوه هذا الحديث لرواية مالك، والعجب مِنْ ابن الصَّبّاغ كيف أورده في "الشامل" جازمًا به، فقال: روى مالك عن هشام. وهذا القدر هو الذي أنكره البيهقي على الشيخ أبي محمد. ورواه الدارقطني مِنْ طريق عمرو بن محمد الأعسم عن فُليح، عن الزهري، عن عُروة عن عائشة، قالت: نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نتوضأ بالماء المشمس أو نغتسل به، وقال: "إنه يورث البرص". قال الدارقطني: عمرو بن محمد منكر الحديث، ولا يصح عن الزهري. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث. =

[حديث: من ملك ذا رحم محرم فهو حر]

وأمَّا الحديث الذي فيه أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضة، فأخرجه التِّرمذي في الجهاد مِنْ طريق هود بن عبد اللَّه بن سعد، عن جده مَزْيَدَة -بفتح الميم وسكون الزاي وفتح المثنَّاة التحتانية- وهو جدُّ هودٍ لأمِّهِ، باللفظ المذكور في السؤال، وبقية الحديث: وكان قبيعةُ السَّيف فضَّة. وقال: غريب، وفي الباب عن أنس رضي اللَّه عنه، ثم ساق حديث أنس رضي اللَّه عنه في قبيعة السَّيف، ولم أرَ في النَّسخة المعتمدة في "جامع الترمذي" لفظة حسن، وكذا في الأصل الذي بخطِّ الكروخي، قال: "حديث غريب" فقط، ليس فيه "حسن"، واللَّه أعلم. [حديث: مَنْ مَلَكَ ذا رحم محرم فهو حرّ] ومنها: ما سأله شيخنا العلامة جلال الدين المحلِّي، ونصه: المقرَّر في مذهب الشَّافعي أنَّ مَنْ ملك غيرَ أصوله وفروعه مِنَ الحواشي لا يعتق عليه، وحديث السُّنن الأربعة "مِنْ ملك ذا رحم محرم، فهو حر"، وفي رواية "عتق عليه" أجيبَ بضَعْفه مِنْ رواية ضمرة بن ربيعة عن سفيان الثوري. قال النَّسائي: لا نعلمُ أحدًا روى هذا الحديث (¬1) عن سفيان عن ضَمرة، وهو حديثٌ منكر. وقال الترمذي: لا يُتابَعُ ضَمْرَةُ على هذا الحديث، وهو خطأ عندَ أهلِ الحديث. لكن رواه الأربعة عَنِ الحسن، عن سَمُرَة، وصحَّحه الحاكم، وقال التِّرمذي: العملُ عليه عندَ أهلِ العلم. فيحتاج في مذهب الشافعي إلى بيان مخصِّص بالأصول والفروع، فما الجواب عن ذلك؟ ¬

_ = ثم قال: تنبيه: وقع لمحمد بن معن الدمشقي في كلامه على "المهذب" عزو هذا الحديث عن عائشة إلي "سنن أبي داود" و"الترمذي"، وهو غلط قبيح. انتهى كلام صاحب الترجمة في تخريج أحاديث الرافعي، وبه يحصل الجواب عمّا في السؤال. قلت: وهو في "التلخيص الحبير" 1/ 20 - 21. (¬1) في (أ): "الخبر".

فأجاب بقوله، وسمعته عليه: نقل البيهقيُّ في "معرفة السُّنن والآثار" أن الشافعيَّ اعتمدَ في هذا الحكم على النَّظر، فقال: لا يثبُتُ للولدِ المِلْكُ على شيءٍ خُلِقَ منه، كما لو ملك نفسه، وعلى أنَّ الفرع بَضْعَةٌ مِنَ (¬1) الأصل، فلو استقر ملكه عليه، لكان كمن ملك بعضه، واستأنسوا بالحديث الصَّحيح المخرج في الصحيح مِنْ حديث المِسْوَرِ بن مَخْرَمَة، رفعه في حديث طويل، وفيه: "إنما فاطمة بَضْعة مني" [وذكروا أن منع الأصل بطريق الأوْلى، وأجابوا به عن الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن أبي هريِرة] (¬2) رفعهُ: "لا يَجزي ولدٌ عن والدِه إلا أن يجدَه مملوكًا فيشتريه فيعتِقَه". فإن احتجَّ به مَنْ لا يرى العِتقَ أصلًا في الأقارب مِنَ الظَّاهرية، لكونه أضافَ العِتْقَ إلى الولد، فكان باختياره. وحاصلُ الجواب أنَّه لما تعلَّق بابتياعه إضافة إليه، لكونه مِنَ اكتسابِه. وقال البيهقي: معناه: أن شراءه له يستلزِمُ عِتْقَه مِنْ غير إنشاء إعتاق. وأما حديث سمرة رضي اللَّه عنه، فهو عُمدَة مَنْ قال بظاهر الخبر المذكور، وهو "مَن ملك ذا رحم محرم، فهو حرَّ"، وروي بلفظ آخر كما في السؤال وبتشديد "محرم" وتخفيفه. أخرجوه مِنْ رواية حمَّاد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي اللَّه عنه، وأعلُّوه بعلل: أحدها: الاختلاف في سماع الحسن مِنْ سَمُرَة، والجمهور أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة. ثانيها: أنَّ قتادة مدلِّسٌ، فتوقف التصحيح على سماعه له مِنَ الحسن. ثالثها: أنَّه انفرد عنه بوصله حمَّاد بنُ سلمَةَ، وكان مع ذلك يشكُّ فيه، حيث قال في رواية أبي داود: بالسَّند عَنِ الحسن، عن سَمُرَة فيما يحسِبُ حماد. ¬

_ (¬1) في (أ): "عن". (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

رابعها: أنه خالف حمادًا في وصله مَنْ هو أحفظ منه عَنْ قتادة، وهو سعيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ، فقال: عن قتادة، عن الحسن قولَه. وقال مرَّة أخرى: عن قتادة، عن عمر رضي اللَّه عنه قوله. قال أبو داود: سعيدٌ أحفظُ مِنْ حمَّاد. ووافق سعيدًا هشامٌ الدَّسْتُوائيُّ عن قتادة، عن الحسن وجابر بن زيد، قالا: فذكره موقوفًا عليهما، وهشامٌ مِنْ حُفَّاظ أصحاب قتادة. خامسها: الاختلاف فيه على حمَّاد، فرواه كثيرون عنه كما تقدم عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة. وخالفهم عبدُ الرحمن بنُ مهدي، وهو مِنْ أكابر الحُفَّاظ والنُّقَّاد، فقال: عن حماد عن مَطَر الورَّاق، عَنِ الحكم بن عُتَيْبة، عن إبراهيمَ النَّخعي، عن عُمر رضي اللَّه عنه مِنْ قوله منقطعًا. وعن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي اللَّه عنه موصولًا موقوفًا عليه. وقال عَقِبه: قال إبراهيم: لا يعتِقُ إلا الوالد والولد. أورده البيهقي مِنْ طريقه. وهذا تخصيصٌ للعموم، لا يقولُه إبراهيم النَّخعي، وهو فقيهُ الكوفة في زمانه، إلا عن أصل. ومما يتمسك به للمذهب اتِّفاق أئمَّة الاجتهاد -إلَّا مَنْ شذ مِنَ الظَّاهرية- على عِتْقِ الأصل والفرع، واختلاف الأقل منهم فيه، والاختلافُ الأكثرُ في الحواشي. فعلى تقدير صحَّة الخبر، فقد عُمِلَ به، إلا أن الجمهور لم يقولوا بعمومه، والشَّافعي منهم، وهو مِنْ باب تخصيص الخبرِ بالقياس. وقد أطبق علماءُ الحديث النُّقَّاد منهم على القدح في حديث سَمُرَة رضي اللَّه عنه مِنْ جهة تفرُّد حماد به، ومُخالفة مَنْ هو أحفظُ منه له في وصله، فلا يُلتَفَتُ إلى تساهُلِ الحاكم في تصحيحه ولا إلى قول مَنْ مال (¬1) إلى تصحيحه، أو جزم به كابنِ حَزْمٍ وأبي الحسن بنِ القطان والضِّياء المقدسي والقرطُبيِّ في "المفهم". ¬

_ (¬1) في (أ): "قول مالك"، خطأ.

وأمَّا قول التِّرمذي: والعملُ عليه عندَ أهلِ العلم، فهو محمولٌ على أنَّهم عمِلُوا به في الجُملة، لكن منهم مَنْ قال بعمومه، ومنهم مِنْ خصَّصه. وأما الحديث الذي تفرد به ضَمْرَةُ، فهو مِنْ مسند ابن عمر رضي اللَّه عنهما، أخرجه الترمذي وابن ماجه مِنْ طريق ضَمرَةَ بنِ ربيعة، عن سفيانَ الثَّوري، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما مرفوعًا. قال النَّسائي: لا نعرِفُ أحدًا روى هذا الحديث عن سفيان غيرَ ضَمْرَةَ، وهو حديثٌ منكر. وقال الترمذي: هو خطأ عندَ أهل الحديث، تفرد به ضَمْرَةُ. وقال البيهقي: لو كان هذا محفوظًا، لكن كالأخذ باليد، لكنهم أطبقُوا على أنَّ ضمرَةَ غلِطَ فيه، وتفرَّد به عن الثوري، وكأنه دخل له حديثٌ في حديث، فإنه جاء عنه: عن الثوري، عن ابن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: نهى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الولاء وعن هبته، [وقال: "مَنْ ملك ذا رحم محرم، فهو حر". وخالفه حفَّاظُ أصحاب الثَّوري، فرَوَوْه عنه إلى قوله: "وعن هبته"] (¬1)، ولم يذكروا ما بعده، فحكَمَ الحفَّاظُ على ضَمرَةَ بالوهم فيه. وأمَّا مَنْ صحَّحه، فمشى على ظاهر السَّند، ولم يلتفت إلى علَّته، ولا يقع في ذلك إلا مَنْ لم يتبحَّر مِنَ اصطلاح أئمَّة أهل الفنِّ، فقد تقرَّر أنهم لقُوَّة ملكَتِهم فيه كالصَّيرفي في نقدِ الدَّرهم. وهذا إنَّما هو فيما لم يُبرهِنُوا على سبب علَّته، وأمَّا ما برهَنُوا عليه، كهذا الحديث، فلا التفاتَ لِمَنْ خالفهم. وما زالَ الشَّافعيُّ في تعليل الأحاديث يحيل بذلك على أهل العلم بالحديث. حيث يقول: لا يُثبته أهلُ العلم بالحديث. واللَّه الهادي للصواب. [قلت: وعندي مِنْ أسئلة المحلي أيضًا عدَّةٌ، أجابه عنها بما أفردته في محلٍّ آخر] (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

[حديث فضل الصلاة في المسجد النبوي]

[حديث فضل الصلاة في المسجد النبوي] ومنها: أنه سئل عن الجمع بين قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"، وما بالمسجد النَّبويِّ مِنَ الحُجَر الذي جعل علامة لقدره على عهده -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتخصيص النَّووي فيما نُقِلَ عنه هذا الفضل بمن صلى داخل الحجر، وبين ما يُروى عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ قوله: "لو زيدَ فيه إلى صنعاء اليمن، فهو مسجدي" بعد تبيين صحَّةِ كلِّ ذلك، وهل تبقى الصَّلاةُ في بقية حرم المدبنة مما زاده الخلفاء مضاعفةً أم لا؟ فأجاب، نعم، الحديث الأول مخرَّج في "البخاري" و"مسلم" مِنْ حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، والمنقولُ عَنِ الشَّيخ محيي الدين النووي رحمةُ اللَّه تعالى عليه موجودٌ في "شرح المهذَّب" و"شرح صحيح مسلم"، فإنَّه قال فيه بعد أن ذكرَ الحديثَ وما يتعلق به ما نصه: واعلم أنَّ هذه الفضيلة -يعني المضاعفة- مختصَّةٌ بنفس مسجده الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه، فينبغي أن يحرِصَ المصلِّي على ذلك، ويتفطَّن لما ذكرناه. وأما الحديث المتعلق بالزِّيادة، فليس له أصل مِنْ كلام النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما نُقِلَ شيءُ مِنْ ذلك عن عُمَرَ رضي اللَّه عنه أنه قال حين زاد في المسجد النبوي، وكذا نقله بلفظه ابنُ النَّجار في "أخبار المدينة" مرفوعًا عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه. وقد خُولف الشَّيخُ محيي الدِّين النَّوويُّ فيما ذكره مِنْ عدم المضاعفة في زيادة المسجد، مع أنَّ لها حكم المسجد، وعُمْدَتُه ما وقع في الصحيح: "في مسجدي هذا". وأما قول السائل: في بقية حرم المدينة، فإن أراد به المسجد المحوَّط (¬1) الآن، فالجواب ظاهر، لأنه -على ما ذكر الشيخ محيي الدين- لا يتعدَّى الموضع الأول، وعلى رأي غيره يتعدَّى. ¬

_ (¬1) في (ب) وجمان الدرر: "المحفوظ" وكذا هي في مختصر السفيري، وكتب في هامشه "المحوط ن".

[حكم لبس الأحمر]

وإن أراد ما يحرُمُ به صيدُه مِنَ المدينة على رأي مَنْ ذهب إلى ذلك، فالمُضاعَفَةُ مختصَّةٌ بالمسجد النبوي، إما مع الزيادة أو مع الاختصاص. وأمَّا ما عدا ذلك، فلا خلافَ في عدم مضاعفة الصَّلاة فيه، وهذا بخلاف مكَّة، فإنه وقع الاختلافُ: هل تختص المضاعَفةُ بالكعبة وما حولها، أو تزيدُ إلى المطاف أو تزيدُ إلى جميعِ المسجدِ المُحَوَّطِ الآن، أو تزيد بدخول الجدران (¬1)، أو تمتد إلى جميع مكة، أو إلى جميع الحرم. وفي تحرير ذلك ونقله طُولٌ، وبقية السؤال يُعرَفُ جوابه ممَّا تقدَّم. واللَّه أعلم بالصواب. [حكم لبس الأحمر] ومنها أنه سئل عن لُبس الأحمر مِنَ الصُّوف والكتَّان والجُوخ: أحرامٌ أم مكروهٌ؟ وإذا كُرِهَ، فما السَّبب في كراهته، وهل يعزَّرُ مَنْ قال: إنَّه حرامٌ؟ فأجاب: لا يحرُمُ لُبْسُ الأحمر، وإنَّما الخلاف في الكراهية بين العلماء فيه مشهور، فلبسه خلاف الأولى عند مِنْ يعتقدُ أن لا كراهية فيه للخروج مِنَ الخلاف. والقائلُ بتحريمه ينظر فيه، فإن كان مِنْ أهل العلم، سئِل عَنْ مستنده فيه، وأُزيلتْ شبهتُه، وإن كان بخلاف ذلك فإنه يؤدبُ بما يليق به، لإقدامه على القَولِ بما لا عِلْمَ له به والحالة هذه، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. [زنة خاتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-] ومنها أنه سئل عن زنَة خاتمه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإذا عُلِمَتْ، فهل تجوزُ الزِّيادَةُ عليها، وهل تحرم الزيادة على المثقال للحديث الوارد فيه؟ فأجاب: هذه المسألة لم أرَ مَنْ تعرض لها مِنْ الأئمة الشافعية إلا ¬

_ (¬1) في (ب): "الجدار"، وفي (ح): "الجدُر".

صاحب "القوت"، فإنه قال: لم يتعرَّضوا لمقدار الخاتم المباح، ولعلهم اكتفوا بالعرف، فما (¬1) خرج عنه كان إسرافًا كما قالوا في خلخال المرأة. قال: ولكن الصواب الضبط بما نص عليه الحديثُ، وهو ما أخرجه أبو داود وصحَّحهُ ابنُ حِبان عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أنّ النبيَّ قال للابس خاتم الحديد: "ما لي أرى عليك حِلْيَةَ أهل النَّار"؟ فطرحه، وقال: يا رسول اللَّه، مِنْ أيِّ شيء أتخذُه؟ قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتَّخِذْهُ مِنْ ورِق ولا تِتمَّه مثقالًا". انتهى. ونسْبَةُ الحديثِ إلى أبي هريرة رضي اللَّه عنه سهوٌ، فهو في الكتابين المذكورين مِنْ حديث بُريدة بن الحصيب رضي اللَّه عنه. وأخرجه أيضًا النَّسائي والتِّرمذي، وقال: غريب. وأخرجه أيضًا أحمد بن حنبل وأبو يعلى في "مسنديهما"، وأورده (¬2) الحافظ الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين"، ورجاله رجال الصَّحيح، إلا عبد اللَّه بن مسلم، المعروف بأبي طيبة، فهو محدِّثٌ مشهور، وتصحيحُ ابن حبان لحديثه دالٌّ على قَبُوله. فأقلُّ أحواله أن يكونَ مِنْ درجة الحسن. وقوله: إنَّهم لم يتعرضُوا له إلا ما استنبطه مِنْ مسألة الخلخال، فيه نظر، فإنَّه يُؤخَذُ مِنْ كلام بعضهم اعتباره بما دلَّ عليه هذا الحديث، وذلك أنَّ الفُوراني قال: يُكْرَهُ الخاتمُ مِنْ حديد أو شَبَهٍ، لحديثٍ ورد فيه. انتهى. والحديثُ المذكور هو المراد، فإنَّ فيه ذكر الحديد والشَّبَه. فإذا احتج به لكراهة الحديد مِنْ جهة ما ذُكِرَ، لزمه الاحتجاجُ به لمنع أن يبلُغ به مثقالًا لصريح النَّهي فيه. وقد جزم بعض مَنْ أدركناه مِنَ الشُّيوخ بأنَّ الحديثَ المذكور إن ثبت، وجبَ الضَّبط به. وقد بيّنت أنه صالحٌ للحجة، فليُضْبَط به، واللَّه الهادي للصواب. ¬

_ (¬1) في (ب): "كما". (¬2) في (أ): "ورواه".

[حديث بريدة في خاتم الحديد]

[حديث بريدة في خاتم الحديد] وكُتِبَ إليه مرة أخرى وقد سُئِلَ عن الحديث المشار إليه: أهو صحيحٌ أم حسنٌ أم غير ذلك؟ وإذا كان صحيحًا، فهل هو محمولٌ على ظاهره أو مؤوَّلٌ؟ وإذا كان على ظاهره، فهل هو المذهب أم لا؟ فأجاب بما نقلته مِنْ خطِّه أيضًا: الحديثُ المذكور حَسَنٌ يُحتَجَّ به، وهو صحيحٌ على طريقة مَنْ لا يفرِّقُ بين الصَّحيح والحسن، بل يُسمِّي الكلَّ صحيحًا، كأبي حاتم بن حبان. وأمَّا الحكمُ الشَّرعي، ففي ثلاثة مواضع: أحدها: كراهةُ اتِّخاذ الخاتم مِنْ شبهٍ -وهو بفتح الشَّين المعجمة والباء الموحَّدة- صنف مِنَ النُّحاس يشبه لون بعض الذهب، ويشبهه أيضًا في أنه لا يتصدأ. وهذا لا أعرفُ التَّصريح بكراهته إلا في هذا الحديث، وليس في سياقه ما يقتضي التحريم. والحكمُ الثاني: في خاتم الحديد والقول فيه كالأول، ويزداد هذا أنَّه ثبت في حديث المرأة التي عرضت نفسها "التمِسْ ولو خاتمًا مِن حديد"، ففيه إشعارٌ بجواز اتِّخاذ خاتَمِ الحديد، مع أنه ليس فيه تصريحٌ بكراهته. والحكم الثالث: اتخاذُ الخاتم مِنْ فضة بشرطه في الوزن المذكور، وجواز خاتم الفضة للرجال لا نزاع فيه، وأمَّا شرط الوزن، فقال بمقتضاه جماعةٌ مِنَ العلماء، ومن الشافعية أبو سعد المتولِّي وغيرُه. واللَّه أعلم. [حديث الظالم عَدْلُ اللَّه في الأرض] ومنها أنه سئل عن قولهم: "الظَّالم عدل اللَّه في الأرض": هل ورد، وهل لفظه "عبد" أو "عدل"؟ وأن بعضهم أشكره بلفظ "عدل"، واستشكل الجَمْعُ بين الوصفين. فقال: هذا الحديث لا أستحضره، ومعناه دائرٌ على الألسنة، وعلى

تقدير وجوده، فلا إشكال فيه، بل الرِّواية بلفظ "عدل اللَّه" أظهرُ في المعنى مِنَ الرِّواية بلفظ "عبد اللَّه". وأما قولُ القائل: كيف يجوزُ وصفُه بالظُّلم، ويُنْسَبُ إلى أنه عَدْلٌ مِنَ اللَّه تعالى؟ فجوابه: أنَّ المراد بالعدل هنا ما يقابل الفَضْلَ، والعدلُ أن يعامَلَ كلُّ أحدٍ بفعله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، والفضل أن يعفُوَ مثلًا عَنِ المُسيء وهذا على طريق أهل السُّنَّةِ، بخلاف المعتزلة، فإنَّهم يُوجِبُون عُقوبة المُسيء، ويدَّعُون أنَّ ذلك هو العدلُ، ومِن ثم سمَّوْا أنفسهم أهل العدل والعدلية. وإلى ما صار إليه أهلُ السُّنَّةِ يشير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] أي: لا تُمهِلِ الظَّالم ولا تتجاوز عنه، بل عجِّل عقوبته، لكن اللَّه يُمهل مَنْ يشاءُ ويتجاوز عمَّن يشاء، ويعطي مَنْ يشاء، لا يُسأل عما يفعل. وهذا الذي فتح اللَّه به مِنْ الجواب عن هذا الإشكال، وربنا الرحمن، وهو المستعان (¬1). [قلت: ويقرُب مِنْ هذا معنى السُّؤال حديث "إنَّ اللَّه يؤيِّدُ هذا الدِّين بالرَّجل الفاجر". وفي ترجمة مالك بن دينار مِنْ "الحلية" أنه قال: قرأت في "الزَّبور": إنِّي لأنتقم مِنَ المنافق بالمنافق، ثم أنتقمُ مِنَ المنافقين جميعًا. ونظيرُ ذلك في كتاب اللَّه عز وجل {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]. وأخرج الطَّبراني في "الأوسط" في [ترجمة] (¬2) جعفر بن محمد بن ¬

_ (¬1) أورد المصنف جواب صاحب الترجمة عن هذا الحديث في "المقاصد الحسنة" ص 448. (¬2) مِنْ "المقاصد الحسنة".

[حديث لا يدخل الجنة ولد زنا]

ماجد مِنْ طريق الحجَّاج بن أرطاة، عن محمد بن المُنكَدِر، عن جابر، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّه يقولُ: أنتَقِمُ ممن أُبغض بمَن أبغض، ثمَّ أُصَيِّرُ كلًّا إلى النار". وهو في الجزء الرابع عشر مِنَ "المجالسة" للدِّينوري مِنْ طريق الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر، قال: يقول اللَّه عز وجل: أنتصر لِمَنْ (¬1) أبغض ممن أبغض، ثمَّ أُصَيِّر كلًّا إلى النار] (¬2). [حديث لا يدخل الجنة ولد زنا] ومنها: أنه سُئِلَ عن حديث "لا يدخُل الجنَّةَ ولدُ زِنا ولا ولدُه ولا ولدُ ولدِه". هل هو صحيحٌ؟ وما معناه؟. فأجاب: ليس هذا الحديث بهذا اللَّفظ صحيحًا، وورد في حديث "لا يدخل ولدُ زنا الجنَّة". فسره العلماء -على تقدير صحته- بأنَّ معناه إذا عمل بمثل عمل أبويه، واتفقوا أنه لا يُحْمَلُ على ظاهره، واللَّه أعلم. [حديث مَنْ كان ذا مال ولم يحج] ومنها: أنه سئل عن حديث "مَنْ كان ذا مال، ولم يحُجَّ هذا البيت، إن شاء يموتُ يهوديًا أو إن شاء يموتُ نصرانيًا" لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]. فأجاب: نعم، هذا الحديث ورد عن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وسندهُ ضعيفٌ، أخرجه التِّرمذي في "جامعه" والبيهقي في "سننه" وله طرق. وحمله أهلُ العلم -على تقدير ثُبوته- على مَنْ لم يعتقد وجوبَه. وعن ¬

_ (¬1) في (أ): "بمن". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وزاده المصنف في هامش (ح).

[المفاضلة بين عائشة وفاطمة رضي الله عنهما]

بعضهم أنه ورد على سبيل التَّغليظ والتَّنفير والتَّحريض على المُبادرة إلى قضاء الفرض، ولا يُرادُ به أنَّ الذي يؤخِّرُ الفرضَ (¬1) يموتُ يهوديًا أو نصرانيًا. وعن بعضهم أنه على سبيل التَّمثيل، لأنَّ اليهودي والنَّصراني لا يحجُّ، فمن مات ولم يحج، كان كاليهوديِّ والنصرانيِّ. [المفاضلة بين عائشة وفاطمة رضي اللَّه عنهما] ومنها: ما قرأته بخطه بعد أن قرىء عليه وأنا أسمع ما نصه: سألتم -أعزكم اللَّه تعالى بعزِّه- عَنِ السُّؤال المشهور في التفضيل بين أُمَّي المؤمنين خديجة وعائشة رضي اللَّه عنهما، وعن السؤال الثاني في التَّفضيل بين عائشة وفاطمة الزهراء ابنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورضي عنهما. والجواب على سبيل الاختصار عن الأول بعد تقديمٍ أنَّ للعلماء في ذلك أقوالًا ثالثها الوقف عَنِ الجواب في السؤالين، وهو أسلم. وقد احتجَّ كلٌ مِنَ الفريقين لقوله بأدلَّةٍ نقليَّةٍ ونظريَّةٍ، فرأيتُ الاقتصارَ على طرفٍ كافٍ مِنْ أدلة أهلِ السُّؤال الثاني، فأقول: حاصلُ ما استدل به مَنْ فضَّل الزهراء رضي اللَّه عنها نقليٌّ ونظري، فمن النقلي ما أخرجه أحمد وغيره وصحَّحه ابن حبان وغيرُه مِنْ حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفضلُ نساءِ أهلِ الجنَّة خديجةُ بنت خويلد وفاطمة بنتُ محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم". وهذا صريح في الأفضلية وفي. . . . (¬2). ومنَّ النظري: أنها بَضْعَةٌ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ومِنَ النَّقلي لمَنِ استدلَّ بتفضيل أمِّ المؤمنين حديث "فضلُ عائشة على النِّساءِ كفضلِ الثَّريد على غيره مِنَ الطعام". وهو في الصحيح. ¬

_ (¬1) في (ح): "الحج". (¬2) بياض في الأصول. وفي هامش مختصر السفيري ما نصه: هكذا رأيت هذا البياض في المنقول منها، وكأنه: في تفضيل خديجة على عائشة.

لكن يطرُقه احتمالُ الجمع بأن يكون ذلك بالنِّسبة لمن لم يصرِّح بأفضليتها منهن، فيكون المراد بقوله: "على النِّساء"، أي مِنْ عدا الأربعة، وذلك جائزٌ في طريق الجمع. ومن النظري، كثرةُ ما نقل عنها مِنَ الحديث، فحصل الانتفاعُ به في الأحكام الشَّرعيَّة، وتلقَّوه بالقبُول، واحتجُّوا به، ووافقها على كثيرٍ منه كثيرٌ مِنَ الصَّحابة رضي اللَّه عنهم، وانفردت منه بأشياء كثيرةٍ يلزَمُ منه تكثيرُ أجرها، لأنَّ مَنْ علم علمًا فله أجرُه وأجرُ مَنْ عمل به إلى يوم القيامة. ولا يخفى أنَّ كثرة الأجر يُوجبُ التفضيل. واعترض على ما استدلَّ به للزهراء رضي اللَّه عنها أنَّ أخواتها زينبَ ورقيَّة وأمَّ كلثوم رضي اللَّه عنهن يشاركنها في الصِّفة المذكورة، لأن كلًّا منهن بَضْعَةٌ منه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنَّمَا يفيد التَّفضيلَ بأمرٍ يختصُّ به المفضَّلُ على غيره. وأجاب مِنْ فضَّلَ الزَّهراء رضي اللَّه عنها بأنها امتازت عن أخواتها بأنهنَّ مِتْنَ في حياته -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكنَّ في صحيفته، ومات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياة الزَّهراء، فكان في صحيفتها، ولا يُقدَّرُ قدرُ ذلك، فقد جاء عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن المسلمين لم يصابوا مثل مصابهم، فمن وقع له ذلك وصبر واحتسب، حصل له مِنَ الأجرِ بقدر مُصابه، والمصابُ به لا يُقدَّر قدرُه، فانفردت الزَّهراءُ رضي اللَّه عنها دُون سائر بناته، فامتازت بذلك بأن بشَّرها في مرض موته بأنَّها سيِّدةُ نساءِ أهلِ الجنَّة، أي: مِنْ أهلِ هذه الأمَّة المحمدية، وبأنها أولُ أهلِه لُحوقًا به. وقدِ انضافَ إلى فاطمةَ رضي اللَّه عنها مِنْ هذا الجنس ما امتازت به على أمهات المؤمنين اللاتي مات النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهنَّ موجودات، لأن مصيبتهن به في صحائفهنَّ، وذلك أنَّها أُصيبت أولًا بأمِّها خديجة رضي اللَّه عنها، والمصابُ بها عظيمٌ جدًا، لأنَّها أفضلُ أمَّهات المؤمنين، لأنها أولُ مَنْ أسلمَ مطلقًا وأوَّلُ مَنْ نصرَ دين الإسلام مِنَ النِّساء، فلها مِنْ كلِّ مَنْ شاركها في شيءٍ مِنْ ذلك بعد ذلك مِنَ الأجر مثلُ ما لهُ. ويُعْرَفُ بذلك أنَّ الذي يتحصَّلُ لها مِنَ الأجور لا يعرف، ويدخُلُ في عموم مَنْ جاء بعدها عائشة

[هل أذن الرسول -صلى الله عليه وسلم-]

وغيرُها مِنْ أمَّهات المؤمنين، فمهما فُرِضَ لعائشة رضي اللَّه عنها مِنَ الأجر يكونُ لخديجة رضي اللَّه عنها نظيرُه، فلا يحصُلُ لامرأةٍ مِنْ هذه الأمة كفضل خديجة رضي اللَّه عنها. وقد أصيبت فاطمةُ رضي اللَّه عنها بها، لكنَّه شاركها في ذلك أخواتها، ثم سكنت فاطمةُ إلى أخواتها رضي اللَّه عنهن وأكبرهن زينب، فماتت فثكلَتها فاطمةُ، وكذا ماتت رقيَّةُ وأمُّ كلثوم رضي اللَّه عنهما، فكُنَّ جميعًا في صحيفةِ فاطمةَ رضي اللَّه عنها. ثم مع فقدها مَنْ كانت تُسَرُّ به مِنْ أمِّها وأخواتها، ثكلَت والدها عليه الصلاة والسلام، فلم يبق بعده مِنْ ذلك النوع ما تُسَرُّ به، فلذلك كمِدَتْ ولم تَعِشْ بعده -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا ستَّةَ أشهرٍ على الصَّحيح. فإذا عُرِفَ قدرُ ما حصل لها مِنْ ذلك، عُرِفَ أنَّه لا يقدر قدره، فما يشاركها غيرُها فيما حصل لها مِنَ الأجُور عن ذلك. فلذلك اختصت بما اختصت به. ثمَّ إنَّ ما لم يحصُل بها مِنَ الانتفاع بالعلم لم يكن مِنْ تقصيرها، بل لسُرعة انتقالها بعده -صلى اللَّه عليه وسلم- وجاز أنَّها لو عاشت مثلًا، لانتشر عنها مِنْ ذلك قدر ما انتشر عَنْ غيرها، واللَّه أعلم. [هل أذَّن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-] ومنها أنه سئل: هل صحَّ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أذَّن في بعض أسفاره؟ فأجاب: وقع في "التِّرمذي" ذلك، لكن أخرجه أحمدُ في "المسند" مِنْ الطَّريق الذي أخرجه التِّرمذي، فقال فيه: فأمرَ بلالًا رضي اللَّه عنه فأذَّنَ، فظهر بذلك أنَّ مَنْ أطلقَ أنَّه أذَّنَ تجوزَ في ذلك، كما يقال: أعطى الخليفةُ فلانًا كذا وكذا، والذي يباشر العطيَّة هو الخازن مثلًا، فيكون معنى "أذن": أمر بالأذان (¬1). ¬

_ (¬1) قال السفيري في مختصره: قلت: قال شيخُنا الجلال السيوطي في "شرحه" على =

[المراد بالأحرف السبعة]

[المراد بالأحرف السبعة] ومنها: ما المراد بالأحرف السبعة في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ هذا القرآن أُنزِلَ على سبعة أحرف" هل هي القراءات السَّبعُ المشهورة أو غيرها؟ وما المراد بالقراعة الشَّاذَّة إذا أطلقت: هل هو ما وراء العشرة والسبعة. وإذا ثبت ذلك، فما حكم مَنْ قرأ بها في الصلاة أو خارجها. وهل يحرم إقراؤُها ويسُوغُ لوليِّ الأمرِ المنعُ مِنْ قراءتها والإقراء بها؟ وهل إذا وردت روايةٌ عَنْ شيخٍ مِنَ المشايخِ السَّبعة مِنْ غير طريق "الشاطبية" و"التيسير" و"العنوان" يجوزُ القراءة به. وما يجبُ على الطَّاعن في شيءٍ مِنَ القراءات السَّبع كالإمالة ونحوها؟ أجاب: قد صنَّف العلَّامة شيخُ الفُقهاء والقرَّاء أبو شامة الدِّمشقي في هذه المسالة تصنيفًا بليغًا سماه "الوجيز في علوم تتعلق بالكتاب العزيز"، أتقن الكلام على هذه المسألة، وأظهر جهلَ مَنْ يظُنُّ أنَّ المراد بالأحرف السَّبعة في الحديث القراءات السبعة التي إذا أُطلقت في هذه الأعصار، كان المرادُ بها قراءة ابنِ كثير ونافعٍ وابنِ عامرٍ وعاصمٍ وأبي عمروٍ وحمزة والكِسَائيِّ، وهي التي دوّنها أبو بكر بن مُجاهد على رأس الثلاثمائة، وتبِعَه الدَّانيُّ في "التيسير"، ونظمها الشَّاطبي في قصيدته المشهورة. وحاصل ما حرَّره: أنَّ هذه القراءات المنسوبة إلى هؤلاء الأئمَّةِ السَّبعة لا تخرُج عن المصحف العثماني الذي استقرَّت عليه آراءُ الصَّحابة في زمن ¬

_ = "البخاري" بعد أن قال: كثر السؤال: هل باشر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأذان بنفسه؟ وقد أجاب السهيلى والنووي بأنه أذَّن مرَّة في سفرة، أخرجه الترمذي. وبعد أن نقل كلام صاحب الترجمة المذكور هنا، وأنه أوَّلَ "أذَّن" بأمره بالأذان ما نصه: قلت: قد ظفرت بحديث مرسل أخرجه سعيد بن منصور في "سننه": حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مُليكة قال: أذَّن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَّرة، فقال: حي على الفلاح. وهذه رواية لا تقبل التأويل. انتهى. وفي هذا ترجح لما قاله السهيليُّ والنووي مِنْ أنه باشر الأذان مرَّة بنفسه.

عثمانَ رضي اللَّه عنه، فأرسل إلى كلِّ أُفق بمصحف، وأمرهم بالاقتصار مِنَ القراءات التي كانوا تلقَّوْها عَنِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن أصحابه على ما تضمَّنه المصحف المذكور. ووقع في بعض المصاحف المذكورة اختلافٌ كثير بالزِّيادة الخفيفة والنقص اليسير مثل "مَنْ" في قوله تعالى: {تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} في أواخر سورة براءة (¬1)، فإنها في المصحف المكي ثابتةٌ، وليست ثابتة في المدني ولا الشَّامي ولا غيرهما، ولم يكن في المصاحف المذكورة نقط، ولا شكل، فقرأ أهل كل مصر بما وافق مصحفهم واقتصروا عليه، وهو في الأصل حرف واحدٌ مِنَ الأحرف السبعة التي جرى ذكرُها في الحديث الصَّحيح. وأمَّا السِّتَّة الأخرى فمهما وافق الحرفَ المذكورَ منها فهي منه، ومهما خالفه بتغيير النقط أو الشكل أو الزِّيادة أو النَّقص، فهو الشَّاذُّ اصطلاحًا، وقد يقع فيه ما هُو في نفس الأمر غيرُ شاذٍّ، لكنه مِنْ جهة الاقتصار على المصحف العثماني خفيَ أمرُه، فسُمِّيَ شاذًّا، مع أنَّ كثيرًا مِنَ القراءات التي لا تُنْسَب للأئمَّةِ السَّبعة المتقدِّم ذكرُهم غيرُ شاذٍّ، لأنَّ الذي استقرَّ عليه الأمرُ أن ضابطَ المشهور ما وافق رسمَ المصحف العثماني، وصحَّ سندُه إلى إمام مشهور مِنْ أئمَّة القراءة، ووافق اللِّسانَ العربيَّ لُغةً وإعرابًا. ولا يشترط كونُه أفصحَ، بل يكفي كونُه فصيحًا. ولا يرتابُ العارف بالقراءات في قراءة أبي جعفر بن القعقاع ويعقوب وغيرهما مِنْ هذا الجنس الشيء الكثير، فهذا تحقيق الأمر في ذلك. ومهما خالفَ الضَّابط المذكور، فهو مِنَ الشَّاذِّ سواءٌ نسِبَ إلى إمام منَ الأئمة السَّبعة المذكورين أم إلى غيرهم. وأما القراءة بالشَّاذِّ فلها حالان: الأولى: في الصلاة، ولها حالان: أحدهما: تحريمُ القراءة بها، والثاني: صحة الصلاة. ¬

_ (¬1) الآية رقم 100.

فأمَّا التحريمُ، فيأتي بيانُه في خارج الصَّلاة. وأمَّا الصِّحَّة، فضابطُها أن لا يختلَّ المعنى ولا يتغيَّرَ رسمُ المصحف بالزيادة والنقص. والشرط الثاني: يختصُّ بالفاتحة عند مِنْ يشترط قراءتها في القيام، سواءٌ كان في كلِّ الصَّلاة أم في بعضها. الثاني: خارج الصلاة، ولها حالان: الأول: أن يكونَ في مقام التَّعليم، لقصد ضَبْطِ ذلك وتحمُّلِه عن الأشياخ، لِمَا في ذلك مِنَ الإعانة على معرفة إعرابه، فيجوز. وعلى هذا يُحمَلُ عَمَل الأئمةِ شرقًا وغربًا في تصانيفهم في التفسير وغيره، وفي الاحتجاج بذلك في الأحكام الشرعية عند مَنْ يقولُ به. والثاني: القراءة بها على أنها قرآن، فهذا لا يجوز، وعليه ينزِلُ كلامُ الأئمة في منعه مِنَ الفقهاء والأصوليين. وأمَّا مَنعُ وليِّ الأمر مِنْ ذلك، فعلى التَّفصيل المذكور بأن يُقالَ مثلًا: يجوز بشرط كذا، ولا يجوز إلا بشرط كذا كما قدَّمتُه. وإذا وردت رواية عَنْ إمام مِنَ الأئمَّة اتصلت القراءة بها، ودُوِّنت في كتب بعض الأئمة الذين دوَّنوا القراءاتِ المشهورة غير الكتب الثلاثة، ككتاب ابن مُجاهد الذي هو أصل "التيسير"، و"الإقناع" لأبي جعفر بن الباذِش، وقد وصفه أبو حيان في مقدمة "تفسيره" بأنه أحسن المجموعات في القراءات السبع، و"المصباح" لأبي الكرم، وهو في القراءات العشر، وغيرها مِنَ التَّصانيف، وهي كثيرةٌ ومعروفةٌ عند أهل هذا الفن. وأمَّا مَنْ طعن في الإمالة ونحوها، فإنها مسألةُ خلافٍ مشهور. وممَّن جزم بمنع التَّواتر فيها: إمام العربية والقراءات أبو عمرو بن الحاجب، كما صرَّح به في "المختصر الأصلي"، ولكن [الأكثر على خلاف ذلك، ولم يطعن أحدٌ في أصل الإمالة ولا الهمز ولا غيرهما، وإنما طعنوا في] (¬1) ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

الإفراط في كلٍّ مِنْ ذلك، والذي ينكر ذلك مِنْ غيرِ أهل العلم بالعربية والقراءة يُمْنَعُ ويُردَعُ، فطريقُ مثله أن يوافِقَ الجمهور ولا يخالِفَهم، ولا يتابعُ مَنْ شذَّ منهم عن جماعتهم (¬1). وأما مَنْ كان مِنْ أهل العلم بذلك. ووضح له دليلُ المسألة، ورجح عنده مسْتَنَدُها، فلا يتوجه عليه شيء مِنْ ذلك، لكن إن انتصبَ لترجيح ذلك، وحمل النَّاس عليه، فإنَّه يمنَعُ، لأن متابعة السَّوادِ الأعظم أولى مِنْ متابعة مَنِ انفرد، واللَّه أعلم. وسئل أيضًا في القراءة بالشاذِّ: هل تحرُم، كما جزم به النوويُّ في كتبه والسبكيُّ في صفة الصلاة مِنْ "شرح المنهاج" وابن الصلاح في "فتاويه"، وكما نقل ابنُ عبد البرِّ الإجماع عليه، ونقل تحريم الصلاة خلف مَنْ يصلِّي بها، كما نقل ابن عبد البر الإجماع عليه، وهل يُعزَّرُ فاعِلُ ذلك، ويجب على الحاكم منعه أم لا، وهل الشَّاذُّ ما زاد على السبع كما جزم به النَّووي في "التبيان"، وهو ظاهر كلام ابن عطية في "تفسيره"، أو ما زاد على العشر كما صحَّحه التاجُ السُّبكي في "جمع الجوامع"، وجزم به ابن الجزري في "منجده"؟ فقال: نعم، تحرُم القراءة بالشَّواذِّ، وفي الصَّلاة أشدُّ، ولا نعرف خلافًا عن أئمة الشَّافعية في تفسير الشَّاذِّ أنَّه ما زاد على العشر، بل منهم مِنْ ضَيَّق، فقال: ما زاد على السَّبع، وهو إطلاقُ الأكثر منهم، ولا ينبغي للحاكم، خصوصًا إذا كان قاضي الشرعِ، أن يتركَ مَنْ يجعل ذلك ديدنه، بل يمنعُه بما يليقُ به، فإن أصرَّ فيما هو أشدُّ مِنْ ذلك، كما فعل السلفُ بالإمام أبي بكر بن شنبوذ، مع جلالته، فإن الاسترسال في ذلك غير مرضيٍّ، وُيثاب أولياء الأمور -أيدهم اللَّه- على ذلك صيانةً لكتابِ اللَّه عز وجل، واللَّه أعلم. وكذا كتب مِنَ الشافعية البدر بن الأمانة والونائي والقاياتي والبلقيني، ¬

_ (¬1) في (أ): "عن جماعته".

[رواية الحسن البصري عن علي]

ومن الحنفية العيني وابن الديري، ومِنَ المالكية الشهابُ بنُ تقي، حسبما نبَّه عليه الشيخ أبو القاسم النُّويري في "القول الجاذ لِمَن قرأ بالشَّاذِّ" مِنْ تصانيفه، رحمة اللَّه عليهم أجمعين. [رواية الحسن البصري عن علي] ومنها: أنه سئل عن قول الحافظ تقي الدين محمد بن الحسن اللخمي ابن الصيرفي، مَنْ قال مِنْ الأئمة: إن الحسن لم يَلْقَ عليًا، أو لم يثبت له سماع منه، فهو مشكل، ولم يَقُمْ عليه دليلٌ ظاهرٌ، وهو معارَضٌ بما رواه الحافظُ أبو يعلى، قال: حدَّثنا أبو عامر حَوْثَرَة بن أشرس العدوي، أخبرني عُقبةُ بن أبي الصَّهباء الباهلي، سمعتُ الحسنَ يقول: سمعتُ عليًّا رضي اللَّه عنه يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَثَلُ أُمَّتي مَثَلُ المطر، لا يُدرَى أوله خيرٌ أو آخره. إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، طوبى للغرباء"، فهو نصُّ صريحٌ في سماعه منه، ورواتُه ثقاةٌ، متَّصلٌ بالإخبار والتحديث والسماع. حوثرةُ وثَّقه أحمد، وهو معروف بالرواية عَنْ عُقبةَ، وعُقبةُ وثَّقه أحمد وابن حبان وابنُ معين، انتهى. هل هو صحيح أم لا؟ فأجاب بما نقلته مِنْ خطه: هذا البحث الذي أبداه الصَّيرفيُّ لا يستقيم على قواعِدِ أئمَّةِ الحديث، وإنما يستقيم على قواعد بعضِ أهل الأصول والفقه، لأنَّ مِنْ قاعدة أئمة لحديث عندَ اختلاف الرواة في التَّنافي، تقديمَ قولِ الأكثر والأحفظ والأعرف بالشيخ الذي وقع الاختلافُ عليه، بأن يكون طويلَ المُلازمة له، إمَّا لقرابته منه، لكونه ولدَه أو أخاه أو مِنْ عصابته أو ذوي رحمه، أو لكونه مِنْ جيرانه، إلى غير ذلك. ونشأ لهم ذلك مِنْ اشتراطهم في الصَّحيح وفي الحسن أن لا يكون شاذًّا بعد أن يعرِفوا الشُّذوذَ الذي يشترط نفيه هنا أن يخالف الراوي في روايته مَنْ هو أرجحُ عندَ مَنْ يَعتبِرُ الجمع بين الروايتين، بخلافِ الفقيه والأصولي الذي أشرت إليه، فإن مِنْ قاعدته تقديمَ مِنْ معه زيادة، فإذا أثبت الراوي عن شيخه شيئًا، فنفاه مَنْ هو أحفظُ منه أو أكثر عددًا أو أكثرُ ملازمةً، قالوا: المثبِتُ مُقدَّم على النافي، فقيل: ومِنْ ثمَّ قال ابن دقيق العيد: إن كثيرًا مِنَ العلل التي يرُدُّ بها

أهلُ الحديث لا يردُ بها الفقيهُ والأصوليُّ الحديث. واحترز بقوله "كثيرًا" عن مَنْ وافقَ المحدِّث في بعض ذلك. وقد نصَّ الشافعي على موافقة أهلِ الحديث في تفسير الشَّاذِّ وفي تقديم الأحفظِ، فقال: ليس الشَّاذُّ أن يروي الثقةُ شيئًا، فينفرد به. الشاذُّ أن يروي شيئًا فيخالِفَ فيه مَنْ هو أرجحُ منه. هذا معنى كلامه. وقال في خبر احتجَّ به عليه بعضُ أصحاب مالك، لأنَّ مالكًا رواه على وفق ما ذهبوا إليه، فقال له الشافعي: خالفه ستةٌ أو سبعةٌ لقيتُهم متَّفقين على خلافِ ما روى مالك، والعدد الكثير أولى بالحفظ مِنَ الواحد، وقرَّره بعض أصحابه بأنَّ ردَّ قولِ الجماعة بقولِ الواحد بعيدٌ، مع أن تطرُّقَ السَّهو إلى الواحد أقربُ مِنْ تطرُّقِه إلى العدد الكثير، ومِنْ ثمَّ اشترط في قبول شهادة المرأة أن يُضم إليها أخرى ليتعاونا على ضبط ما يشهدان به، لأنَّ تطرُّقَ السَّهو إلى المرأة أكثرُ مِنْ تطرُّقه إلى الرجل لنقصها. وقد وافق بعضُ أهلِ الأصول والفقه هذه القاعدة في بعض الصُّوَرِ، وهي ما إذا اتحد مجلس التحديث، كما لو سمع جماعةٌ مِنْ شيخ في مجلسٍ واحدٍ حديثًا، ثم خرجوا مِنْ عنده، فحدثوا بما سمعوه منه، فخالفهم واحد منهم، فأتى بزيادة تُنافي ما اتَّفق عليه الجماعةُ، فإنَّ روايتهم تقدَّمُ على روايته للعلَّة التي تقدَّمت. فإذا تقرّرَ (¬1) هذا، فالذين جزموا بأن الحسنَ البصريَّ لم يسمع مِنْ عليٍّ لما ثبت عندهم مِنْ أنَّ الحَسَنَ لما كان منشؤه بالمدينة النبوية حتى قتِلَ عثمان رضي اللَّه عنه، وله يومئذٍ أربعة عشر عامًا، لم ينقل عنه أنه طلب العلم، ولا تشاغل بسماع الحديث، فلما استخلف عليٌّ رضي اللَّه عنه، وخرج مِنَ المدينة إلى العراق بعد ثلاثة أشهر أو نحوها، استمرَّ الحسنُ بالمدينة، ولم يرجع عليٌّ رضي اللَّه عنه إليها، بل استمرَّ مشتغلًا بحربِ الذين خالفوه إلى أن قُتِلَ عليٌّ رضي اللَّه عنه بعد أربع سنين وثمانية أشهر مِنْ أوَّلِ خلافته، فتوجَّه في ¬

_ (¬1) في (ح): "تفرد".

[خرقة التصوف]

ذلك الوقت الحسنُ إلى البصرة، فسكنها واستمرَّ إلى أن مات، إلا أنه حجَّ في أثناء ذلك، وخرج إلى خراسان في خلافة معاوية رضي اللَّه عنه كاتبًا للربيع بن زياد الحارثي حين استخلفه عبد اللَّه بن عامر على خراسان، وكان أميرَها لمعاوية رضي اللَّه عنه. ثم رجع الحسنُ إلى البصرة، فأقام بها مشتغلًا بالعبادة والقصص على النَّاس وتعليمهم الأحكام الشرعية، ووَليَ القضاء في خلال ذلك في خلافة عمرَ بن عبد العزيز رضي اللَّه عنه مدَّة يسيرة بالبصرة، ثم ترك ذلك، وأقبل على شأنه حتَّى مات. ومِن حجَّتهم في أنَّه في خلافة عثمان رضي اللَّه عنه لم يكن تصدَّى للاشتغال بالسماع ثم التحديث: أنَّ الجمهورَ أطبقوا على أنه لم يسمع مِنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنه، مع أنه في تلك المدَّة كان أبو هريرة رضي اللَّه عنه فيها وفيما بعدها قد تصدى للتحديث، حتى انتهت إليه رحلةُ طُلّاب الحديث لتفرُّده عن أقرانه، لكثرة حديثه وطُولِ عُمره، فلو كان الحسنُ يتشاغل بطلب الحديث، لحصل له عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه الشَّيءُ الكثير، لإقامتهما بالمدينة تلك المدة. وعلى تقدير التنزُّل، لا يلزَم مِنْ صحة سماعه مِنْ عليٍّ رضي اللَّه عنه لهذا الحديث أنْ يكونَ جميعُ ما نُقِلَ عنه عَنْ علي رضي اللَّه عنه مسموعًا له مِنْ عليٍّ رضي اللَّه عنه، لأنه اشتهر عنه أنه كان يرسِلُ عَن مَنْ عاصرَه، سواءً اجتمع به أم لا. ومَن هذا سبيله كان ما يرويه بالعَنعَنَةِ عن مِنْ عاصره أو اجتمع به [إمّا مرسلًا] (¬1)، وإما مدلسًا. وكذا القول فى كل مَنِ اختلِفَ فيه ممن روى عنه، هل سمع منه أم لا، كأبي هريرة رضي اللَّه عنه، والعلم عند اللَّه تعالى. [خرقة التصوف] ومنها أنه سئل عن حديث الخرقة، وما لذلك مِنَ الطُّرق، فقال: إن ذلك ما لم أتشاغل به قطُّ، لتحقُّق بُطلان كلِّ ما ورد في ذلك. ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (أ).

[الشيخ عبد القادر الكيلاني]

[الشيخ عبد القادر الكيلاني] ومنها أنه سئل عما قاله الحافظ ابن رجب في "طبقات الحنابلة" أنه قد جمع أبو الحسن المُقرىء الشَّطنوفي المصري في أخبار الشَّيخ -[يعني عبد القادر الكيلاني] (¬1) - ومناقبه ثلاث مجلدات، [وهي المسماة بالبهجة] (¬2)، وقد رأيتُ بعضَ هذا الكتاب، ولا يطيبُ على قلبي أن أعتمِدَ على شيء ممَّا فيه، فأنقلَ منه، إلا ما كان مشهورًا معروفًا مِنْ غيره، وذلك لكثرة ما فيه مِنَ الرواية عن المجهول، وفيه مِنَ الشُّطح والطامات والدعاوى والكلامِ الباطلِ ما لا يُحصى، ولا يجوزُ نسبة مثل ذلك إلى الشيخ عبد القادر. قال: ثمَّ وجدتُ الكمالَ جعفر الأدفوي ذكر أنَّ الشطنوفي نفسه كان متَّهمًا فيما يحكيه في هذا الكتاب بعينه. انتهى. وعن معنى قول الشيخ: قدمي هذه على رقبة كل وليٍّ للَّه. فأجاب بما نصُّه: أما ما يتعلَّق بالبهجة، فقد طالعتُ أكثرها، فما رأيتُ الأمرَ كما ذكره الحافظُ ابن رجب على إطلاقه، بل هي مشتملة على أقسام: القسم الأول: ما لا منابذةَ لقاعدةِ الشَّريعة فيه بحسب الظَّاهر، بل جائزٌ شرعًا وعقلًا، وهذا معظم الكتاب، فإنَّ ظهورَ الخوارق على البشر واقعة في الوجود، ولا ينكِرها إلا معانِدٌ. القسم الثاني: منابِذٌ لقوانين الشَّريعة في الطاهر، فإن أمكن حملُه بالتَّأويلِ على أمر شائع فذاك، وإلا فينبغي في اجتنابه وتحسين الظَّنِّ بقائله يحتاجُ إلى أن يدَّعي أنَّ ذلك صَدَر في حال غَيْبَةٍ له مِنْ غير اختيار. والقسم الثالث: ما تردَّد بين الأمرين، فهذا ينبغي الجَزْمُ بحمله على لمحمَلِ الصَّحيح ولو بالتأويل، بخلاف الذي قبله، فإنَّه يجوزُ أن يكون غير ثابتٍ. ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

ولا شكَّ أنه مَنْ ليست له بصيرةٌ بنقد الرواة (¬1) ثمَّ قصد الإكثار، فإنَّه يصير حاطِبَ ليل يجمع الغثَّ والسَّمينَ وهو لا يدري، وهذا حال جامع "البهجة". وقد ذكر أئمتنا لما يظهر مِنَ الخوارق ضابطًا يتميز به المقبولُ مِنَ المردود، فقالوا: إن كان الواقع ذلك له أو منه على المنهاج المستقيم، فهي كرامةٌ، كالشَّيخ عبد القادر، فقد قال شيخ الإسلام عز الدين بنُ عبد السلام: ما وصلت إلينا كرامةُ أحد بطريق التَّواتُر مثلما وصلت إلينا كرامات الشيخ عبد القادر. روينا هذا الكلام عنه بمعناه بسندٍ صحيح عن الحافظ شرف الدين علي بن محمد اليونيني أنَّه سمع ابنَ عبد السلام يقوله. وفي رواية للذهبي عنه، قيل له: مع ما عرفَ مِنَ اعتقاده -يعني مِنْ المسائل التي تخالِفُ فيها الحنابلة، والشيخ منهم- الأشاعرةَ، وابنُ عبد السلام منهم، فقال: نعم، إذ لازمُ المذهب ليس بلازم، وإن كانت الواقعة منه أوَّلَه على الوجه المباين للشَّريعة المطهَّرة، فليست فيها دلالة على الولاية ولا كرامة، فهذا هو الحدُّ الفارقُ بين الكرامة الدالَّة على الولاية والخارق الذي لا يدلُّ عليها، بل ربما دلَّ على ضدِّها كما يظهر في كثيرٍ مِنْ أحوال المبتدعة المتمسكين بما يُباين الأمور الشرعية، فإنها أحوالٌ شيطانيَّة لا يغتر بها إلَّا الجَهَلَةُ، وربَّما ظهرت مِنْ أُناس في حال غَيْبَتِهم وذهولِهم، وهو على قسمين: مَنْ كان قبلَ ذلك على المَنْهَج القويم، فتلك كرامةٌ، ولكن لا يُقتدى بأقوال مِنْ هذا سبيلُه ولا بأفعاله، بل يعذر على ما يصدر منه لكونه في حال غَيْبَةِ عقله الذي هو مناطُ التَّكليف. والأوْلَى منعُ جَهَلَةِ العامَّة مِنْ ملازمة مثل هذا، لئلا يظنُّوا أنَّ الذي يصدُر منه في حال غيبته هو الحق فيقتدوا به، ومِنْ هُنا ضلَّ كثيرٌ منهم، وباللَّه التوفيق. وإذا عرف ذلك، فالشيخُ عبد القادر لم يكن مِنْ هؤلاء، بل كان ¬

_ (¬1) في (أ): "الرواية".

[حديث ازهد في الدنيا يحبك الله]

حاضر الحِسّ، يتمسَّكُ بقوانين الشرع ويدعو إليها، وينفر مِنْ مخالفتها، ويشغل الناسَ فيها مع تمسُّكه بالعبادة والمجاهدة، ومزج ذلك بمخالطة الشاغل غالبًا عنها، كالأزواج والأولاد. ومَنْ كان هذا سبيلُه، كان أكملَ مِنْ غيره، لأنَّها صفةُ صاحبِ الشريعة. ومن هنا قال تلك الكلمة المشهورة، لأنَّه لا يعرف في عصره مَنْ كان يساويه في الجمع بين هذه الكمالات. وإذا تقرَّر هذا، فلا يضر ما وقع في هذه "البهجة" ممَّا نُسِبَ إليه، لأنَّه إن كان على قانون الشريعة، فنسبتُه إليه جائزة، وما عدا ذلك، إن كان ثابتًا عنه، حمل على أنه صدر عنه في حال غَيْبَةٍ ما، وإن كانت أحواله الغالبة، لم يكن له فيها غيبة. وان لم يكن ثابتًا، فالعُهْدَة على ناقله، والغرضُ تعظيمُ شأنه، وهو بلا شك يستحقُّ التعظيم. واللَّه يهدي مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم. ومنها: هل ورد عن الشيخ عبد القادر أنَّه حضر السَّماعَ الذي اتَّخذه الفُقراء بالدُّفوف والمواصيل وغيرها مِنْ الآلات، أو أمر بحضوره أو قال فيه شيئًا بإباحةٍ أو تحريمٍ؟ فأجاب: أمَّا الشَّيخ عبدُ القادر، فالذي وصل إلينا مِنْ أخباره الصَّحيحة أنه كان فقيهًا زاهدًا عابدًا، يتكلم على الناس ويرغِّبُهم في الزهد والتوبة، ويحذرهم مِنْ العقوبة على المعصية، فكان يتوب على يديه مِنَ الخلق مَنْ لا يُحصى كثرةً، وله كرامات مستفيضةٌ لم تنقَل لنا عَنْ أحدٍ مِنْ أهل عصره، ولا مِنْ بعدِه أكثر مما نُقِلَ عنه، ولا أعرف عنه في مسألة السماع بهذه الآلات شيئًا. [حديث ازهد في الدنيا يحبك اللَّه] ومنها أنه سئل عن حديث سهل بن سعد الساعدي رضي اللَّه عنه: جاء رجلٌ إلى النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه، دُلَّني على عمل إذا عملته أحبَّني اللَّه تعالى وأحبني الناس. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ازهد في الدنيا. . . " الحديث. هل هو حسنٌ كما قاله النووي، بل قال: أسانيده حسنة، أو ضعيفٌ كما

قاله ابنُ رجب (¬1)، محتجًّا بأنَّ فيه خالد بن عمرو القرشي؟ فأجاب: أمَّا قولُ الشَّيخ: إنه حديث حسن، فلعلَّه اعتضدَ عنده بطُرقه الموصولة والمنقطعة، لأن مخارجها مختلفة، ولأنه أيضًا مِنْ فضائلِ الأعمال، ولكثرة شواهد الركن الأول في الكتاب والسنة وأقوال السلف، وكذا الركن الثاني، ويزداد بشاهدِ الحسن والتجربة. وأما قولُه: بأسانيدَ حسنةٍ، ففيه نظر، لأن ظاهره أنَّ كلَّ إسنادٍ منها على انفراده حَسَنٌ، وليس كذلك، لأنَّه ما مِنْ إسناد منها إلا وفيه رواةٌ لا يوصَفُ حديث كل منهم بالحسن مع الانفراد، فيحمَل قوله: على أن كلَّ واحد منها يُوصَف بالحسن لا لدلالته (¬2)، بل باعتبار الصُّورة المجموعة [التي حملت كلامهُ أولًا عليها، وهذه عناية به، وإلا فإنه هو لم يلتزم هذه الطريقة] (¬3)، في حديث "مَنْ حفِظَ على أمَّتي أربعين حديثًا". وقد أجاد ابنُ رجب في جَمْعِ طُرقه، وفاته أنَّ الحاكم أخرج الحديث مِنْ طريق خالد بن عمرو الذي أخرجه ابن ماجه مِنْ طريقه، وقال: صحيحُ الإسناد، وتعقَّبه الذهبي في "تلخيص المستدرك"، فقال: خالدُ بن عمرو وضَّاع. ومما تعقب به كلام ابن رجب: ما نقله عن ابن عدي وأقرَّه أن زافر بن سليمان رواه عن محمد بن عيينة، عن أبي حازم، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، فإنَّ فيه تساهلًا، لأن الحديث الذي رواه [مِنْ طريق] (¬4) زافر غير الحديث المسؤول عنه، وقد بين ذلك الحاكمُ، فأخرج في "المستدرك" أيضًا مِنْ طريق زافر، عن محمد، عن أبي حازم، وقال مرَّة: عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، وقال مرَّةً: عن سهل بن سعد رضي اللَّه عنه، قال: "جاء جبريل عليه السلام إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا محمد، عِشْ ¬

_ (¬1) في جامع العلوم والحكم 2/ 174، بتحقيقي. (¬2) في (ح): "لذاته". (¬3) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ). (¬4) ساقط مِنْ (ب).

[هيئة الخطوة المفسدة للصلاة]

ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، وأحبب مِنْ شئت (¬1) فإنَّك مفارِقُه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌّ به. ثم قال: يا محمد، شَرَفُ المؤمن قيام الليل، وعِزُّه استغناؤُه عَنِ النَّاس". وقال: صحيح الإسناد. كذا قال: ولم يتعقَّبه الذهبي، فغفَل عنه، فإنَّ سنده ضعيف، واللَّه أعلم. ومنها أنه سئل عن كيفية الخطوة الواحدة وهيئتها التي ذكر الفقها أنَّها إذا توالت ثلاثًا أبطلتِ الصلاة هل هي مجرد نقلِ القدم الواحد مِنْ محلٍّ لمحلٍّ آخر، إما أمامه أو خلفه أو عن يمينه أو شماله، أو هي نقل كلا القدمين واحدةً بعد أخرى، وتُعَدُّ هذه خطوةً واحدةً؟ وعن قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، هل الولد مِنْ سَعْي أبويه، ويدخل في الآية الشريفة، أو هو مختَصٌّ بالأب دون الأم، أم كَيف الحال؟ وإذا كان الأمرُ كما ذكر ولا ينفع الإنسان إلا ما كان مِنْ سعيه، فما قولُكم في صدقة الأجنبيِّ ودعائه وفعلِه الخيرَ عَنِ الميّت. [هيئة الخطوة المفسدة للصلاة] فأجاب: أما الخطوة الواحدة، فحقيقتُها نقلُ القدم مِنْ مكانها إلى مكانٍ آخر، ثم نقل القدم الأخرى إلى محاذاة أختها، ولا تُشْتَرَطُ المحاذاةُ، بل لو انتقلت إلى دون الأخرى أو فوقها لم تخرُج عَنْ كونها خطوةً، إلا إذا أراد النقلَ إلى ما يسمَّى خطوة، فإنها تصير خطوتين. [تفسير قوله تعالي: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى] وأما تفسير الآية، فاختلفوا فيه على أقوال: أحدها: أن الحكم المذكورَ منسوخٌ، والناسخ قوله تعالى في الذين آمنوا {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21]. ¬

_ (¬1) في (ب): "أحببت".

[توثيق الإمام أبي حنيفة]

ثانيها: أنَّ هذا إنما كان لقول إبراهيم وموسى، وأمَّا هذه الأمَّةُ، فلهم سعيهم سعي غيرهم، بدليل حديث التي سألت عن حجِّ الصبي، فقال: "ولك أجرٌ"، وللحديث الآخر: إنَّ أمِّي ماتت، فهل لها أجرٌ إن تصدَّقتُ عنها؟ قال: "نعم، ولكِ أجرٌ"، والحديثان صحيحان. ثالثها: المراد بالإنسان: الكافر، فإنه يُثاب بما عمل مِنْ خيرٍ في الدُّنيا ولا يلحقه مِنْ ثوابُ غيره شيء. رابعها: نزلت في خاصٍّ مِنَ الناس، وهو عبد اللَّه بن أُبَيٍّ في إعطاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (ولده) (¬1) قميصه ليكفنه فيه، فكان ذلك في مقابلة أنَّه كسا العبَّاسَ عمَّ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قميصًا. خامسها: ليس للآدمي إلَّا ما سعى مِنْ طريق العَدْلِ، وأما مِنْ طريق الفَضْلِ، فيعطيه اللَّه تعالى مِنْ ذلك ما شاء اللَّه. سادسها: أن اللام بمعنى على، فلا يؤاخَذُ بجريرةِ غيرِه، ويلحقُه ثوابُ سَعْي غيره بشرطه. سابعها: الآية على ظاهرها، لكن السَّعيَ تارةً بنفسه وتارةً بغيره، فهو السَّببُ في ذلك، كأن يسعى في إقامة أمر الدِّين، فيحبُّه أهلُ الدِّين، فيدعون له، فيحصُلُ له سببُ المحبَّة، وهو ما سعى فيها بالإحياء له، وإنَّما حصل له بواسطة. ثامنها: معنى (سعى): (نوى). وأرجحها فيما يظهر لي خامسها، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. [توثيق الإمام أبي حنيفة] ومنها ما سئل عمَّا ذكره النَّسائي في "الضُّعفاء والمتروكين" عن أبي حنيفة رضي اللَّه عنه مِنْ أنَّه ليس يقوى في الحديث، وهو كثيرُ الغلط ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ب).

[معنى قوله تعالي {مسومين}]

والخطأ على قِلَّة روايته، هل هو صحيحٌ، وهل وافقه على هذا أحدٌ مِنْ أئمة المحدِّثين أم لا؟ فأجاب بما قرأتُه مِنْ خطِّه: النَّسائي مِنْ أئمة الحديث، والذي قاله إنما هو بحسب ما ظهرَ له وأدَّاه إليه اجتهاده، وليس كل أحدٍ يُؤْخَذُ بجميع قوله. وقد وافقَ النَّسائيَّ على مطلق القول في الإمام جماعةٌ مِنَ المحدِّثين، واستوعبَ الخطيبُ في ترجمته مِنْ "تاريخه" أقاويلَهم، وفيها ما يُقْبَلُ وما يُرَدُّ. وقد اعتُذِرَ عَنِ الإمام بأنه كان يرى أنَّه لا يحدث إلا بما حفظه منذُ سمعه إلى أنْ أدَّاه، فلهذا قلت الزواية عنه، وصارت روايته قليلةً بالنسبة لذلك، وإلا فهو في نفس الأمر كثير الرواية. وفي الجملة، تَرْكُ الخَوْضِ في مثل هذا أولى، فإنَّ الإمامَ وأمثالَه ممَّن قفزوا القَنْطَرَة، فما صار يُؤَثِّرُ في أحد منهم قولُ أحدٍ، بل هم في الدرجة التي رفعهم اللَّه تعالى إليها مِنْ كونهم متبوعين مقتدى بهم، فليُعتَمَدْ هذا، واللَّه ولي التوفيق. ومنها ما سئل عن معنى قوله تعالى: {مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125]. وهل كان له -صلى اللَّه عليه وسلم- عَذَبَةٌ؟ فإنه نقِلَ عَنِ المجد الشِّيرازي في كتابه "منح الباري في شرح البخاري" أنه كان للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَذَبَةٌ طويلةٌ نازلةٌ بين كتفيه، وتارةً على كتفه، وأنه ما فارق العَذَبَة قط. ونُقِلَ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خالفُوا اليهود، ولا تُصمِّمُوا، فإن تصميم العمائم مِنْ زيِّ أهل الكتاب"، ونقل أيضًا أنه قال: "أعوذ باللَّه مِنْ عمامةٍ صمَّاء"، فهل هذا صحيح أم لا؟ [معنى قوله تعالي {مُسَوِّمِينَ}] فأجاب: أما معنى قوله تعالى: {مُسَوِّمِينَ} فمعلَّمين على الأرجح. قال الماوردي: قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو بكسر الواو، أي أنهم سَوَّمُوا خيلَهم بعلامةٍ، وقرأ الباقون بفتحها، أي أنها سائمة.

[السيدة نفيسة بنت الحسن والإمام الشافعي]

وعلى الأول، فاختُلِفَ في التَّسويم على قولين: أحدهما: أنها كانت بالصُّوف في نواصي الخيل وأذنابها. قاله ابن عباس وجماعة. والثاني: أنَّها عمائم صُفْرٌ، ونقل القرطبي أنها كانت مرخاةً بين أكتافِهم. وروى الطَّبري مِنْ حديث أبي أُسَيْد السَّاعدي رضي اللَّه عنه، وكان بدريًا، قال: خرجت الملائكةُ يومَ بدرٍ في عمائمَ صُفْرٍ طرحوها بين أكتافهم. وإسناده حسن. ثم قال: فالعلامة هي العمائم الصُّفْرُ المرخاة بين الكتفين، فثبتت مشروعية العذبة بذلك. وأما ما نقله الشيخ مجد الدين فقوله: طويلة وبين كتفيه ونازلة على كتفه، لم أره، لكن في "الطبراني"، وهو في "المختارة" للضياء القدسي مِنْ طريقه، عن عبد اللَّه بن بُسْرٍ رضي اللَّه عنه، قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليًا رضي اللَّه عنه إلى خيبر، فعمَّمَه بعمامةٍ سوداء، ثم أرسلها مِنْ ورائه، أو قال: على كتفه. إسناده حسن. وأما قوله: ما فارق العذبةَ قط، يرده ما قال صاحبُ "الهدي" أنه كان تارةً يعتَّم بعذبةٍ وتارةً بغيرِ عذَبَةٍ. وأما حديث "لا تصمموا" و"عمامة صماء"، فلم أقف لهما على أصل. واعلم أن مَنْ فعلَ العذبةَ اقتداءً بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان مأجورًا، ومَنْ فعلها تكبُّرًا ومشيخة فهو حرامٌ، واللَّه أعلم. [السيدة نفيسة بنت الحسن والإمام الشافعي] ومنها أنَّه سُئِلَ عَن صحَّة ما يُحكى مِنْ أنَّ السيدة المشهورة نفيسة ابنة

[ترجمة السيدة نفيسة]

الحسن رضي اللَّه عنها صنعت وليمةً دعت الإمام الشافعي إليها فحضرها، وأنَّها دخلت مصرَ قبل دُخول الشَّافعي إليها، وأنَّها في هذا القبر مِنْ حين وفاتها سنة ثمان ومائتين إلى هلمَّ جرا. فأجاب ما نصه: حضُور الإمام الوليمة عندها لا أعرفه، بل ورد أنَّ الشافعي لما مات مروا بجنازته عليها، فصلَّت عليه، ولم يثبُت هذا أيضًا. وأما كونها قُبِرَت إلى آخره، فهو المشهورُ، لكن ذكَرَ بعضُ أهلِ المعرفة أن خُصوصَ هذا القبر الذي يُزارُ ليس هو قبرها، لكنها دُفِنَتْ في تلك البقعة بالاتفاق، وما زال قبرُها مقصودًا بالزيارة والتبرك به، حتى اشتهر عَنْ نقل بعض العلماء أن المصريين كانوا يُسَمونَ الدعاء عندها الترياقَ المجرَّبَ! وقد غلا في ذلك بعضُ العوامِّ، بل كلهم، حتى إن بعضهم يقع في الكفر وهو لا يشعُرُ، واللَّه المستعان. [ترجمة السيدة نفيسة] وقد قرأت بخط صاحب الترجمة ترجمتها، ونص ذلك: نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. كان لأبيها الحسن مِنْ الولد: القاسم ومحمد وعبد اللَّه ويحيى وأم كلثوم ونفيسة. أمُّهم زينب أم سلمة ابنة الحسن بن الحسن بن علي. وعلي وإبراهيم وزيد أمهم أم ولد، وإسماعيل وإسحاق أمها أمُّ ولدٍ أخرى. وتزوجت نفيسةُ قريبها إسحاق بن جعفرٍ الصَّادق بن محمد بن علي بن الحُسين بن علي، فولدت منه القاسم وأم كلثوم، وقَدِمَ بها مصر، فنزلت بالممصوصة التي تُعرف الآن بالمصاصة، وبجانبها قومٌ مِنْ أهل الذمة لهم بنت مُقْعَدةٌ، فدخلوا إلى السيدة نفيسة، ثم ذهبوا لحاجة لهم وتركوا البنت عندها، فتوضأت نفيسةُ وصبَّت مِنْ فضل وضوئها على البنت، فقامت في الحال تسعى على قدمَيْها، ولم تكن مشت قطُّ، فلما جاء أهلها رأوُا ابنتَهم على تلك الحالة سألوها، فأخبرتهم ما صنعت الستُّ نفيسة، فأسلموا أجمعون على يدها، وشاع هذا الخبرُ بمصرَ، فقصدوها للتبرك والزيارة، واشتهر أمرُها.

[قبر الحسين]

ويقال: إنَّ النيل توقَّف، فأرسلت بقناعها وأمرتهم أن يلقوه في النيل ويحضروه إليها، فزاد في الحال إلى أن وفَّى الغرض وزيادة. ولما قدم الشافعي مصر، وُصِفَتْ له، فتوجه هو وعبد اللَّه بن عبد الحكم لزيارتها، وسألاها الدعاء، فلما مات أمرتهم أن يحضروا بجنازته إليها، فصلَّت عليه. وكراماتُها كثيرةٌ جدًا، وقد اشتهر أمرُها في الآفاق، حتى إن أهلَ الحجاز يغبِطُون أهلَ مصر بوجودها عندهم. وماتت في رمضان سنة ثمان ومائتين. ويقال: إنَّها حفرت قبرَها، وقرأت فيه ستَّة آلاف ختمة، وآخر ما قرأت فيه: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12]، وخرجت روحُها فيه. انتهى. [قبر الحسين] ومنها أنه سئل عن المكان المنسوب لدفن الحسين رضي اللَّه عنه بالقاهرة، أهو كذلك؟ فقال: الحسينُ عليه السلام ليس مدفونًا في هذا المكان الذي بالقاهرة بالاتفاق، وإنما رأسه فيما ذكر بعضُ المصريين، ونفاه بعضهم. [بدع القرّاء] ومنها أنه سئل عن مِنْ قرأ شيئًا مِنَ القرآن، وقال في دعائه: اللهمَّ اجعل ثواب ما قرأته، أو مثل ثواب ما قرأته زيادة في شرف سيدنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فما معنى الزيادة مع كماله؟ فأجاب: هذا مخترع مِنْ متأخري القراء، لا أعرف لهم سلفًا فيه، ولكن ليس هو بمحال كما تخيله السائل، فقد ورد في رؤية الكعبة: "اللهم رد هذا البيتَ تشريفًا وتعظيمًا. . . " إلى آخره. فلعلَّ المخترع المذكور قاسه على ذلك، وكأنَّه لحظ أنَّ معنى طلب الزيادة أن يتقبَّل قراءته فيثيبه عليها. وإذا أُثيبَ أحدٌ مِنَ الأمة على فِعلِ طاعة مِنَ الطاعات، كان للذي علَّمَه نظيرُ

[حكم الغلط في النسخ]

أجره، وللمعلِّم الأول -وهو الشَّارع -صلى اللَّه عليه وسلم- نظير جميعِ ذلك. فهذا معنى الزيادة في شرفه، وإن كان شرفه مستقرًا حاصلًا. وإذا عرف هذا، عرف أن معنى قول الداعي: اجعل مثلَ ثواب تقبُّلِ هذه القراءة، ليحصل مثلُ ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وأما قولُه: اجعل ثواب ذلك، بغير لفظ "مثل"، فله أصلٌ، وهو الحديث المرويُّ عن أُبَيِّ بن كعب، ففيه: أجْعَلُ لك صلاتي كلَّها؟ قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذًا تُكفى همَّك". وقد قيل: إنَّ المراد بالصلاة هُنا الدُّعاء، وقيل: الصلاةُ حقيقةً، والمرادُ: نفسُ ثوابِها، أو: مثلُ ثوابها. واللَّه أعلم. [حكم الغلط في النسخ] ومنها أنه سُئِلَ عن ناسخٍ متحفظٍ مِنَ الغلط له مخالطةٌ بالفقهاء، غير أنَّه لم يقرأ العربية، فهل يحرُم عليه التلفظ بالحديث أو نسخه أم لا؟ فأجاب: لا يحرُم عليه ذلك، ولا يُشتَرَطُ على النَّاسخ أن يعرِفَ النَّحو، بل إذا كان ينقُلُ ما يجده مِنْ غيرِ زيادةٍ ولا نُقصان، جاز له ذلك، ولو قدر أنَّه غلط في بعض الأحيان، لم يُؤاخَذْ بذلك، لأن النسيان جائزٌ على كلِّ إنسان، واللَّه المستعان. وقد صرح العلماء بمشروعية المقابلة بعد النسخ والتحريض عليها، لجواز وقُوع السَّهو، ولو كان النَّاسخ يعرف العربية، فليس بمعصومٍ مِنَ الخطأ، وإن كان العارفُ أولى مِنْ غيرِ العارف، واللَّه أعلم. [الاعتراض علي القاضي عياض] ومنها أنه سئل عن مَنِ اعترضَ على القاضي عياض، حيث قال في "الشفا": (وأما تواضُعه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عُلوِّ منصبه، فكان أشدَّ النَّاس تواضعًا وأقلَّهم كِبْرًا). فإنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منْتَفٍ عنه الكِبْرُ أصلًا ورأسًا. وصار هذا المعترِض يتتبَّعُ نُسَخَ "الشفا" فيمحو ذلك منها. أهو مصيب؟ فأجاب: الاعتراضُ باطلٌ، لأنَّ العُلماء قد تكلَّموا على الحديث الذي

رواه النسائي عن عبد اللَّه بن أبي أوفى رضي اللَّه عنه، قال: كانَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكثر الذِّكرَ ويقلُّ اللَّغوَ. الحديث. فقالوا: قول الراوي: يُقِلُّ اللَّغْوَ، أي: لا يلغُو أصلًا. فال ابن الأثير في "النهاية" مادة (قلل): ومنه الحديث أنه كان يقلُّ اللَّغْوَ، أي لا يلغو أصلًا، وهذه اللفظة قد تُسْتَعْمَلُ في نفي الشَّيء، كقوله تعالى: {قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 41]. فالمعنى في كلام القاضي حينئذٍ: أنه كان قليلَ الكِبْر، أي لا يقعُ منه أصلًا، كما قيل ذلك في الحديث، وليس في ذكره ذلك بأفعلَ التَّفضيل ما يقتضي مشاركة الناس في الكبر، لأن أفعلَ التَّفضيل قد تخرجُ عَنِ المشاركة كما في قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]، [ولا خيريَّة في مستقرِّ النار ولا حُسْنَ في مقيلها] (¬1). وقد وقع مثل ذلك في الحديث المتَّفق عليه مِنْ حديث سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه: استأذن عمرُ رضي اللَّه عنه على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعنده نِسْوَةٌ. . . الحديث. وفيه: "أنت أقطُّ وأغلط". فقال النَّووي في "شرح مسلم": قال العلماء: ليست لفظة أفعل هنا للمفاضلة، بل هي بمعنى: قط غليظ. ثم نقل عَنِ القاضي عياض، قال: قد صحَّ حملُها على المفاضلة، وأنَّ القدر الذي منها في النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هو ما كان في إغلاظه على الكافرين والمنافقين، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73 والتحريم: 9]، وكما كان يُغْلِظُ عليهم ويغضَبُ عند انتهاك حرمات اللَّه. انتهى. فحينئذٍ قولُ القاضي: (وأقلَّهم كبرًا)، بمعنى انتفى الكِبْرِ عنه البَتَّةَ، كما تقدَّم، وقد يُؤوَّلُ على شدَّته على الكُفَّارِ والمنافقين كما في الذي قبله، لأنَّ تواضُعَه ورأفتَه ورحمَتَه كانت بالمؤمنين، كما في قوله تعالى {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

وقوله في "الصحيح": "إنَّه في التَّوراة ليس بفظٍّ ولا غليظ"، معناه: على المؤمنين، ونظيره قوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، فمعنى {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 54]، أي: عاطفين عليه. {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي متكبرين عليه، يغازونهم ويعادونهم. ولا يجوز إتلاف نسخ "الشفا"، واللَّه أعلم. قلت: وقد استدرك القاضي عز الدين الحنبلي على هذا الجواب في موضعين: أحدهما: عند قوله: ولا خيريَّة في مستقرِّ النار ولا حُسْنَ في مقيلها، فقال: إذا كانت الأعرافُ منزلةً لا عِقابَ فيها، فأفعلُ في قوله: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] على بابها. ثانيهما: عند قوله: وقد يُؤوَّلُ على شدَّته على الكفار والمنافقين. فقال: تأويلُه الغلظة بكونها على الكفار فيه شيء، وذلك أنَّ غلظة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الكفَّار كانت أشدَّ مِنْ عمرَ بلا شكٍّ ولا ريب. انتهى. وكذا كانت تَرِدُ عليه الأسئلة مِنْ بلاد المغرب. وممَّن كان يكاتبُه في ذلك محدِّثُ تونس أبو عبد اللَّه محمد بن محمد بن محمد بن القمَّاح، كما استفدتُ ذلك مِنْ ترجمته مِنْ "الإنباء" في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، حيث قال صاحب الترجمة: وكاتبني مرارًا بمكاتبات تدل على شدَّةِ عنايته بذلك، يعني بالحديث، ولكن بقدر طاقته في البلاد. وكذا ورَدَتْ عليه أسئلةٌ كثيرة مِنْ ثَغْرِ الإسكندرية نظمًا ونثرًا مِنْ شيخ القرَّاءِ الشهاب أحمدَ بن محمَّد بن عمر بن هاشم الصَّنهاجي، وذكر لي ولدُه أنَّ عنده مِنْ ذلك جملةً. وأمَّا ما قصدته مِنْ إيرإد شرذمَةٍ مِنْ كلامه في العلوم بتنويعها، ونُبذَةٍ مِنَ اختياراته التي ترجَّحَ عنده الدَّليل فيها (¬1)، فلم يتيسر لي الآن كثيرُ أمر ¬

_ (¬1) مِنْ قوله: "في النظم المسؤول عنه". ص 880 هذا الجزء إلى هنا سقط مِنْ مخطوطة (ط)، حيث ضاعت أوراقها، واللَّه المستعان.

[شروط العمل بالحديث الضعيف]

أثبته فيه، لغيبة كتبي واشتغالي بما يضيقُ الوقتُ عن الانتقال لغيره ممَّا لو شرحتُ الأمرَ فيه لطال، لكنِّي أقول: أمَّا كلامُه في العلوم، فقد أسلفتُ التَّنبيه على متانَةِ كلامِه في التَّفسير، ومزيدِ حُسْنِ نظره فيه، وأنَّ بعضَ طلبته كتبَ عنه شيئًا مِنْ ذلك، ويُؤخَذ ممَّا سلف كلامه في فنِّ القراءات، مع أنه كتب بخطِّه في وقتٍ على سبيل التواضُع ما نصُّه: وبضاعتي في هذا الفنِّ مُزْجَاة. وقرَّرتُ أنَّ الإجماع قد انعقد على تقدُّمه في فُنونِ الأثر، وانفراده بذلك جملة وتفصيلًا. [شروط العمل بالحديث الضعيف] ومِنْ فوائده التى كتبها لى بخطِّه بعد تقرير ذلك بلفظه: إنَّ شرائط العمل بالضعيف ثلاثة: الأول: متَّفَقٌ عليه أن يكون الضَّعف (¬1) غيرَ شديدٍ، فيخرج مَنِ انفرد مِنَ الكذَّابين والمتَّهمين بالكذب ومن فحش غلطه. الثاني: أن يكون مندرجًا تحت أصل عام، فيخرج ما يخترع، بحيث لا يكون له أصلٌ أصلًا. الثالث: أن لا يعتقد عند العمل به ثُبوته، لئلَّا يُنسَبَ إلى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما لم يقُلْهُ. والأخيران عنِ ابنِ عبد السَّلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد، والأول نقلَ العلائيُّ الاتِّفاق عليه. وأما الفقه: فقد بينا أنه كان فقيه النَّفس، وكتبنا جملةً مِنْ كلامه فيه اغتناءٌ عن إيرادِ شيء هنا. وقد قرىء عليه مرَّةً في "شرح الحاوي" لشيخه ابن الملقن تقسيمًا، ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "الضعيف".

أصول الفقه

فكان فيه أمرًا عجبًا، وكذا قرأ عليه الشيخُ شهابُ الدِّين بن أسد في "العجالة" "شرح المنهاج" لشيخه ابن الملقِّن أيضًا. ومن قبل ذلك قسم "المنهاج" بالمدرسة المنكوتمرية، وكان أحدَ القُرَّاء فيه الشريف النقيب جلال الدين الجرواني. [ورأيت القاضي برهان الدين بن ظهيرة المكي يرجِّحُ دروسه الفقهية التي أخذها عنه سنة خمسين على دروس غيره ممن أخذ عنه، خصوصًا إذا طالع. وهذا لا يتوقَّفُ فيه إلا مِنْ لم يُكْثِرْ مِنْ مخالطته، أو غلب عليه الهوى، "فحبُّك الشَّيءَ يُعمي ويُصِمُّ"] (¬1). وأما أصول الفقه: ففيما كتبه على "جمع الجوامع" مَقْنَعٌ عن إثبات شيء منه هُنا، ولوفور جلالته فيه، التمس منه صاحبُنا الشيخُ شهاب الدين البيجوري قراءة شيءٍ مِنْ كتبه عليه، فقال له على سبيل التواضع أيضًا: قُصارى أمري أن أتفرغ للقيام بما يُقال إنَّني أعرفُه، وهو الحديث. ثم إنَّه كان يحكي عَنْ بعضهم أنَّه كان يقرأ على العلَّامة عز الدين ابن جماعة في فُنون الحديث، وعلى العلامة الحافظ وليّ الدين ابن العراقي في أُصول الفقه، وكان يقال (¬2): لو عكس لكان أولى. قلت: ونحوه قراءة الشيخ سيف الدين الحنفي لشرح "ألفية" (¬3) العراقي على القاضي محب الدين البغدادي الحنبلي، وتركُه أخذه له عَنْ صاحب الترجمة، بل وعن فقيه مذهبه السراج قارىء الهداية، فإنَّه كان يُقرئه أيضًا. هذا مع كون المحبِّ لم يأخُذْه عَنْ مؤلفه. وكذا التمس منه الشهاب المذكور قراءة شرحه للأبيات العروضية، وما علمت هل قرأ أم لا؟ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، (¬2) في (ط): "يقول". (¬3) في (أ): "الفقه"، خطأ.

أصول الدين

وأما أصول الدين: فتعلم كلامه فيه مِنْ كتاب الإيمان والتوحيد مِنْ "فتح الباري" له، وتقريره لمذهب السُّنة أحسنَ تقرير، والرد على مخالفيها، وفي أواخر الأجوبة (¬1) المنظومة مِنْ الفصل الخامس، وكذا في مسألة الظَّالم عدلُ اللَّه مِنَ الأجوبة القاهرية مِنْ الفصل السابع شيء منه. وكذا يعلم مِنْ "فتح الباري" كلامه في اللُّغة والنَّحو وسائر ما تقدَّم، مع أنَّ في آخرِ مسألةٍ مِنَ الأجوبة القاهرية التعرُّض لشيء مِنَ العربية. وقرأت بخطه: قال أبو حامد بن السبكي: حديث "مَنْ أكلَ البصل والثُّوم والكُرَّاثَ، فلا يقربنَّ مسجدنا"، فيه استعمال الواو بمعنى "أو"، وهو عزيزُ المثال، فقال شيخنا: وجدت له مثالًا، وهو الحديث الذي أخرجه أبو يعلى وابن السُّنِّي مِنْ طريق عبد الملك بن زُرارة، عَنْ أنس، رفعه: "ما أنعم اللَّه على عبد نِعْمَةً في أهلٍ ومالٍ وولدٍ، فقال: ما شاء اللَّه لا قوة إلا باللَّه. . . " الحديث. انتهى. [ولما أُنْشدتْ بينَ يديه أبياتَ القُطْب بن عبد القوي المكيِّ التي امتدحه بها، وفيها: (تمنِّي عنان الأعوجي)، سأل مَنْ عنده عن الأعوجي: ما هو فسكتوا بأجمعهِم، بل صرَّحُوا بعدم معرفته، فقال: هو اسم فرس. انتهى. وهو كذلك. قال في "الصحاح": وأعوج: اسم فرس كان لبني هلال، يُنسب إليه الأعوجيات بنات أعوج. قال أبو عبيدة: كان أعوج لكندة، فأخذته بنو سُليم في بعض أيامهم، فصار إلى بني هلال، وليس في العرب فحلٌ أشهرَ ولا أكثرَ نسلًا منه. وقال الأصمعي في كتاب "الفرس": أعوجُ كان لبني آكل المُرار، ثم صار لبني هلال بن عامر] (¬2). بل جلُّ العلوم المتعارفة يُؤخذ مِنْ "فتح الباري" كلامه فيها، وتعرف ¬

_ (¬1) في (ط): "الأسئلة". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح).

[تعقبه على النووي في الأذكار]

جلالته في سائرها، وكذا يعرفُ ذلك مَنْ نظر في "تذكرته" التي غاب عنِّي الآن ما التقطتُّه عنها. [تعقبه على النووي في الأذكار] وقد رأيتُ فيما رأيته بمكَّةَ مِنْ أجزاء "تذكرته الأدبية" المؤرخة بعدَ التسعين وسبعمائة مواضع استشكلها مِنْ كلام شيخ الإسلام النووي، ولا أدري أهي مبتكرةٌ له، أو اتبع فيها والده، أحببتُ إيرادها، وإن كان في "فتح الباري" قد بين أكثرها، فقال: قال النَّوويُّ رحمه اللَّه في "الأذكار": باب جواز دُعاء الإنسان على مَنْ ظلم المسلمن أو ظلمه وحده، وذكر أحاديث صحية كدُعائه، -صلى اللَّه عليه وسلم- على قُريشٍ وعلى مُضَرَ وغيرهم. وحكى في باب اللعن عَنِ الغزالي أنَّه قال: وفي الدُّعاء على الإنسان بالشَّرِّ حتى على الظَّالم، مثل: لا أصحَّ اللَّه جسمه، ولا سلمه اللَّه، وكلُّ ذلك مذمومٌ. قال شيخنا: ولم يتعقب النووي رحمه اللَّه هذا، مع أنَّ ظاهره التَّناقُضُ مع ما قدمه. فإن قيل: تلك الأحاديث في حقِّ الكافرين، ولعلَّ الغزالي أراد الظالم المسلم. قلت: قد صحَّ الحديث الذي فيه: "لا استطعت"، وأنَّه صحابي اسمُه بشر. كذا ذكره النووي، وقال: ففيه دليلٌ على جواز الدُّعاء على مَنْ خالف الحكمَ الشَّرعيَّ. قال شيخنا: فكيف يجمع بين كلامه؟ وقال في "شرح صحيح مسلم" في خُروج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى البقيع ليلًا، إلى أن قالت عائشة رضي اللَّه عنها: قلت: كيف أقول يا رسول اللَّه؟ قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قولي: السلامُ على أهل الدِّيار مِنَ المؤمنين والمسلمين"، فقال: قال الخطَّابي وغيره: فيه أنَّ السَّلامَ على الأموات والأحياءِ سواءٌ في تقديم السَّلام على قوله: "عليكم"، بخلاف ما كانت الجاهليَّةُ عليه مِنْ قولهم: (عليك سلام اللَّه قيسَ بنَ عاصم). انتهى.

قال شيخنا: وقد قال في باب السلام: لو قال المبتدىء: عليكم السلام، هل يكره؟ نعم، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقُلْ: عليكَ السَّلامُ، فإنَّ عليك السلام تحيةُ الموتى". فهذا يقتضي: أن لا يستوي الأحياء والأموات، أو يجاب عن الحديث المذكور. وقال أيضًا -يعني النووي- قال الواحديُّ: وأمَّا المشتغلُ بقراءة القرآن، فالأولى أن لا يُسَلَّم عليه، فإن سُلِّمَ، كفاه الرَّدُّ بالإشارة. قال: والظَّاهر أنه يسلم، ويجبُ الرَّدُّ نطقًا. ثم قال: وإذا كان مشتغلًا بالدُّعاء، مستغرقًا فيه، مُجْتَمِعَ القلبِ، فالأظهر عندي أنه يُكرهُ السَّلام عليه؛ لأنَّه يتنكَّدُ به، ويشقُّ عليه أكثر مِنْ مشقَّة الأكل. قال شيخنا: فإذا كان القارىءُ بهذه الصِّفَةِ، كان حكمُه حكمَه، وإلَّا فما الفرقُ، وهلا حَمَلَ كلام الواحديِّ على مَنْ هو بهذه الصِّفة التي ذكرها في الدَّاعي؟ بل كلام الواحدي أقرب، فإنه قال: الأولى أنْ يَرُدَّ، وقال هو: يكره. فما العُذْرُ عنه؟ وقال أيضًا في قول عائشة رضي اللَّه عنها: لو علم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أحدثَ النِّساءُ لمنعهُنَّ. قال: يعني مِنَ الزِّينة والطِّيبِ والثِّياب الحَسَنَة ونحوها (¬1). قال شيخنا: المنع مِنْ المذكورات كان مُقَرَّرًا في السُّنَّةِ قبلَ قولها هذا، والأحاديثُ الصَّحيحةُ في ذلك معلومةٌ ظاهرة، وقد ورد في بعض طرقه: "كما مُنِعَت نساءُ بني إسرائيل"، فالظَّاهر أنها أرادت المنعَ مِنْ إتيان المساجد. وقد قال أصحابُنا: لا يُسَنُّ لها حضورُ الجماعة إلا أن تكونَ عجوزًا لا تشتهى، وكذا قولهم في الجمعة، ولم يُعلِّلُوا ذلك بطِيبٍ ولا غيره، ويستدلُّونَ في الشُّروحات بحديثِ عائشةَ هذا. وقال أيضًا في قوله: "كان يُسْمِعُنا الآية أحيانًا" فعلَه لبيانِ جوازِ الجَهْرِ ¬

_ (¬1) جاء في هامش (ح) ما نصه: يظهر مِنْ أول هذا الكلام أنه فهم إلى قوله: يحني مِنْ الزينة إلخ، متعلق بقوله لمنعهن. وليس كذلك، بل هو متعلق بقوله: ما أحدث النساء. وقوله: لمنعهن، أي: مِنْ المساجد، كما هو في آخر الكلام. فافهم. والضمير حينئذ في "هن" للنساء.

في الصَّلاة السِّرِّيَّة، وأن الإسرارَ ليسَ بواجبٍ وللبيان، أو لعله سبق لسانه للاستغراق في التَّدبُّر. قال شيخنا: إنَّه خلافُ الظَّاهر، فإن كان يفعل، يقتضي تجدُّدَ الفعل والمفعول لبيان الجواز يكتفي فيه بمرَّةٍ أو مرَّاتٍ، وهذا فحواه المواظَبَةُ. وقال في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يدخُلُ الجنَّة مِنْ أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب"، وفسَّره بأنهم "الذين لا يرقُون ولا يَسْتَرقُون ولا يَكْتُوون وعلى ربهم يتوكلون"، وحكى فيه أقوالَ السَّلَفِ، ثم قال: وأما تداويه، فلتبيين الجواز. فقال شخنا: هو كالذي قبله. وقال أيضًا في باب تكنية الكافر: إنَّه إذ لم يخَفْ فتنة، لا يكنيه، وذكر قصَّة هرقل، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إليه، ولم يُكَنِّه، ولا لقَّبه بملك الروم، ولأنّا مأمورون بالإغلاظ لهم، فلا نُلِينُ لهم عبارة، ولا نُرَقِّقُ لهم قولًا. وقال: فرع: إذا كتبت إلى مشرك كتابًا؛ وكتبت فيه سلامًا ونحوه، ينبغي أنَّ يكتُبَ ما رويناه، فذكر القصة، وقال: عظيم الروم. قال شيخنا: فهذا ظاهره التناقض؛ فالحديث واحدٌ، والاستدلالُ مختلفٌ، فما وجهُ الجَمْعِ بين كلاميه؟! وقال أيضًا في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ الملائكة لا يدخُلون بيتًا فيه كلبٌ ولا صورة" بعد أن حكى الخلاف في المُمْتَهَنِ وغيره، وما له ظلٌّ وغيره، وأنَّها تمتَنِعُ عقوبة لفاعلِ ذلك، فإنَّهم ملائكةٌ ينزِلونَ بالرحمة والاستغفار، أو لكثرة أكلِ الكلب النَّجاساتِ، أو لأن منها ما هو شيطان. ثم قال: وهل يمنعون مِنَ المُحرَّم فقط، أو منه ومِنْ غيره؟ قال الخطابي: مِنْ المحرَّم فقط. فإذا كنتِ الصُّورةُ ممتهنةً، أو الكلبُ لصيدٍ أو زرعٍ أو ماشيةٍ، فلا. قال: وذكر القاضي عياضٌ نحو ما قاله الخطَّابيُّ، والأظهرُ أنَّه عامٌ في كلِّ كلبٍ وكلِّ صورة، وأنهم يمتنعون مِنَ الجميع، لإطلاق الأحاديث، لأنَّ الجَرْوَ الذي كان في بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تحتَ السَّريرِ كان فيه عُذْرٌ ظاهر، فإنَّه

لم يَعْلَمْ به، ومع هذا مُنِعَ جبريل عليه السلام مِنْ دُخول البيت، وعلَّل بالجرو. فلو كان العذرُ مِنْ وُجود الصُّورة والكلب لا يمنعهم، لم يمتنع جبريل. قال شيخنا: لا ينطبق هذا الاستدلالُ على كلامهما، أمَّا الصُّورة، فلم يتعرَّض لها، وأما الجرو فإنهما استُثنيا ما يجوز اقتناؤُه، والجَرْو المذكور لم يثبت أنَّه بالصِّفَةِ المذكورة، فعَدَمُ العلم لم يُزِلِ الامتناع. وقال أيضًا في الكلام على حديث "جُعِلَ في قبرِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قطيفة حمراء": نص الشافعيُّ وجميعُ أصحابنا وغيرُهم مِنَ العلماء على كراهة وَضْعِ قطيفة أو مُضَرِيَّة أو مخدَّة ونحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذَّ عنهم البغويُّ مِنْ أصحابنا، فقال في كتاب "التهذيب" بذلك لهذا الحديث: والصَّواب كراهتُه، كما قال الجمهور، وأجابوا عن الحديثِ بأنَّ شُقْران انفردَ بذلك، ولم يوافقه غيره مِنْ الصحابة، ولا علموا ذلك، وإنما فعله شُقْران كراهة أن يلبَسَها أحدٌ بعدَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، لأنه كان يلبَسُها ويفترِشُها، فلم تَطِبْ نفسُ شُقرانَ أن يتبذَّلها أحدٌ بعده، وخالفه غيرُه، فروى البيهقيُّ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما أنَّه كره أن يُجْعَلَ تحتَ الميت ثوبٌ في قبره. قال شيخنا: قولهم في الجواب: إنَّ شُقران انفرد بذلك، ولم تعلم به الصَّحابة خلافُ الظَّاهر، وكيف يستقيمُ ذلك مع ما عُلِمَ مِنْ توفُّرِ دواعيهم على حُضور دفنه، فيبعدُ أن لا يعلَمَ أحدٌ منهم بإحضارِ شُقران القطيفة، وجعلِها تحتَه في قبره. وهذا أمر حِسِّيٌّ، وكيف يُظَنُّ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقِرُّ على أمر مكروه في الشرع، مع نُور بصائرِ الصَّحابة وائتلاف كلمتهم على المواراة، فإنهم أخَّرُوا دفنه حتى انتظمت الكلمة وصحَّتِ الإمامة، فترجَّح ما قالَهُ صاحبُ "التَّهذيب". وقال أيضًا في باب الوفاء بالوعد بعد أن ذكر أدلَّته مِنْ الكتاب والسنة كقول اللَّه تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} الآية [الصف: 3]، وقوله عليه

السلام: "آية المنافق ثلاث" الحديث. ورواه مسلم "وإن صام وصلَّى وزَعَمَ أنَّه مؤمن". فقال: اختلفُوا في وجوبه، فذهب الشافعيُّ وأبو حنيفة والجمهور إلى أنَّه مُسْتَحَب، وليس واجبًا، فلو تركه فاته الفضلُ، وارتكب كراهةَ تَنْزيهٍ، ولكن لا يأثَمُ، وذهب جماعةٌ إلى أنه واجبٌ. قال ابن عبد البَرِّ: أجَلُّ مَنْ قال بوجوبه عمرُ بنُ عبد العزيز. قال شيخنا: لم يذكر جوابًا عن الآيات والأحاديث، لا سيما آية "الصف"، وحديث "آية المنافق" كما تقدم. والدِّلالة للوجوبِ فيها قويَّةٌ، فكيف حملوه على كراهية التنزيه، مع هذا الزَّجْرِ الشَّديد الذي لم يَرِدْ مثلُه إلّا في المحرَّمات الشَّديدة التحريم؟ الأدب: وحكيتُ مِنْ تضلُّعه بفنِّ الأدب ما يفوقُ الوصفَ، [وأنَّه -كما في أوائل الباب الثاني- لم يكن يسمعُ شعرًا إلا ويعرِفُ مِنْ أين أخذه النَّاظم، حتَّى إنَّه كتب مقابلَ مقطوع أدرجه البشتكيُّ -وناهيك به في فنِّ الأدب- في نظم نفسه أنَّه لغيره، بل ونبَّه أنه رآه البشتكيُّ نفسه معزوًا لمَنْ أفادَ أنه له، كماَ بيَّنتُ ذلك هناك] (¬1). وكانت له تشبيهاتٌ بديعةٌ؛ منها: أنَّه رأى ضَوْءَ القنديل مرَّة قد ضَعُفَ، ولم يجِد به علة سوى انخناق الفتيلة (¬2) بالزَّيت، فأخذَ قلمًا، ومصَّ بفيه يسيرًا مِنَ الماء، فأضاءَ جدًّا، فقال: شبَّهتُ هذا بالآدمي عند إخراجِ الدَّمِ بالفصد ونحوِه وحصُول الخفَّة له غالبًا. قلت: ومِنْ نظم الشَّرف عبد الوهاب بن فضل اللَّه أخي محيي الدين: ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح). (¬2) في (أ): "القنديل".

لم يروّع له الجنانُ جنانًا ... قد أصاب الحديدَ منْهُ الحديدا مئل ما تنقصُ المصابيحَ بالبطِّ ... فيزداد في الضِّياءِ وَقُودَا وأنشد مرَّةً قولَ القائل: عافتِ الماءَ في الشِّتاء فقُلنا ... برِّديه تُصادِفيه سَخِينا (¬1) أنشده بإدغام اللام في الراء، فاستصعب ذلك بعضُ الحاضرين، فقال: مَنْ يقرأ سورة (والمطففين) يعرِفُ هذا، فبادر بعضُ الفُضلاء مِمَّنْ حضر، وقال: مَنْ يعرِفُ الفَكَّ يعرف هذا، وأشار إلى قوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14]. وأنشد (¬2) بعضُ الفضلاء بحضرةِ صاحبِ التَّرجمة: ياعالمًا قَدْ حلَّ إقليدسا ... لم يُخْطِهِ شَكْلٌ مِنَ أشكالِهِ فأيُّ شيءٍ نِصْفُهُ عُشْرُهُ ... ونصفه الثاني (¬3) تِسْعَة أعشارِهِ فجالت أفكار الطَّلبة في ذلك، فبادر منشِدُها بقوله: هذا كتابُ اللَّه عز وجل؛ لأنَّ عُشْرَه ستةُ أحزاب، ونصفَه عددًا سبعةٌ وخمسون سورةً، وذلك عدُّ سوَرِهِ مِنَ المجادلة إلى آخره الذي هو ستَّة أحزاب، وأردف ذلك بقوله: هذا لا يُوجَدُ في غير القرآن. فقال صاحب الترجمة: قد وجدت اسمًا يتصور فيه مثل ذلك، وهو الفرس، فحارتِ الأفكارُ في معنى هذا، فقال بعضهم: لعلَّ مولانا شيخ الإسلام أراد اسم الفرس بغير اسمه العربي، [فأجابه بأنَّك فهمتَها، وذلك لأن اسم الفرس] (¬4) بالتركي (أط)، وهو حرفان، وبحساب الجُمَّل عشرة، ¬

_ (¬1) انظر معيدا النعم للسبكي ص 98. (¬2) مِنْ هنا إلى قوله: "فأحسن إذا شئت واستأنس" لم يرد في (ب). (¬3) ساقطة مِنْ (ط). (¬4) ما بين حاصرتين مِنْ (ط).

فنصفها بالعد عُشْرُها بالحساب. ونقل عن عبد اللَّه بن المعتز أنَّه قال: أجمع بيتٍ قاله العربُ: أمُسْتَوْحِشٌ أنْتَ ممَّا أسأتَ ... فأحْسِنْ إذا شِئْتَ واسْتَأنِسِ ومن فوائده مما قرأته بخطه، قال: ضاع مني كُرَّاسٌ، فتعبت في التَّفتيش عليه بين الكتب والكراريس، فألهمني اللَّه تعالى أن قلت: يا سميعُ يا بصيرُ (¬1)، بِقُدرتك على كلِّ شيءٍ، وبعلمِكَ كل شيء، دُلَّني على هذا الكُرَّاس، فوجدُته في الحال. انتهى. وأفاد رحمه اللَّه أنَّ في "نشوان المحاضرة" للتَّنُوخي، قال: حدثني إبراهيم بنُ أحمد الطَّبري، حدثا جعفر الخُلْدِيُّ، قال: ودَّعْتُ العُتْبي الصُّوفي، فقلت: زَوِّدْني شيئًا، فقال: إن ضاع منك شيءٌ، فقل: يا جامِعَ النَّاس ليومٍ لا ريبَ فيه، إنَّ اللَّه لا يُخْلِفُ الميعاد، اجمع بيني وبينَ كذا، فإنَّه مُجَرَّبٌ، وذكر أنه جرَّب ذلك في قصةٍ طويلة. قلت (¬2): وكذا قال النَّووي في "بستان العارفين" أنَّه جربه، فوجده نافعًا سببًا لوجُود الضَّالَّةِ عَنْ قُرْبٍ غالبًا. وحكى عن شيخه أبي البقاء نحوَ ذلك. وفي كرامات الأولياء مِنْ (¬3) "رسالة القشيري"، قال: كان لجعفر الخُلدي فصٌّ، فوقع يومًا في دجلة، وكان يحفظُ دعاءً مجربًا لردِّ الضَّالة، فدعا به، فوجده في وسط أوراقٍ كان يتصفَّحُها. قال القشيري: سمعتُ أبا حاتمٍ السِّجستانيَّ يقول: سمعتُ أبا نصر السَّرَّاجَ يقول: إنَّ ذلك الدعاء: يا جامعَ النَّاسِ ليومٍ لا ريبَ فيه، اجمع عليَّ ضالَّتي. ¬

_ (¬1) في (ح): "يا عليم". (¬2) في هامش (ح) بخط المصنف ما نصه: ثم بلغ الشيخ عز الدين نفع اللَّه به قراءة علي في 22 والجماعة سماعًا. (¬3) في (أ): "عن".

ومن كلامه في شرح كلمات التَّصوُّف: قولهم: الصوفية لا يجتمعون عَنْ موعد، ولا يتفرَّقُون عَن مشُورة. إشارة إلى أنَّ قلُوبهم مجتمعة، فمن أراد الاجتماع بالآخر، لا يحتاج إلى موعد، بل يحصُل له الاجتماع بمجرَّدِ الإرادةِ والاحتياج إليه. وقولهم: الصُّوفيُّ لا يجاوزُ همَّهُ قدمَه. معناه أنه قَصَر الهمَّ على ما يتعلَّقُ بأمرِ الدِّين، فلا اهتمامَ له بأمرِ الدُّنيا، فهمُّه مقصورٌ على نفسه. وقولهم: ما اتَّخذَ اللَّه مِنْ وليٍّ جاهلٍ، ولو اتَّخذه لعلَّمَهُ. معناه: -وليس هو حديث- إنَّ الوليَّ لا يكون جاهلًا باللَّه تعالى، والجهل باللَّه هو الجهلُ المُرْدي المهلك، وأمَّا الجهلُ ببعضِ المسائل، بحيثُ لا يكون الشَّخصُ محتاجًا إليها في جميع أحواله، بل إذا اضطرَّ إليها لم يُقْدِمُ عليها حتَّى يسألَ عنها أهلَ العلم بها، فليس المراد هنا. وقولهم: السَّفر يُمَزِّقُ الأديان. المراد به إدامة السَّفر، ومعنى تمزيق الدين: أنَّ فيه إخلالًا بكثيرٍ مِنَ العبادات والتوجُّهات، وهذا يؤيِّدُ قولَ مَنْ قال أيضًا: السفر عدوُّ الدِّين، وذلك بسببِ كثرةِ الحركة والإعياء، وكثرة الاختلاط والتَّخليط في المآكل المجتمعة مِنْ أجناسٍ متفرقة في أماكنَ مختلفةٍ باختيار وبغيرِ اختيارٍ. قلت: وقد قال أبو المعالي جعفر بن حيدر العلوي فيما رواه السِّلَفِيُّ في "معجم السفر": الصوفي إذا سافر، فقدِ اختارَ الخرابَ على العمران، يعني التَّعبَ على الراحة، لكن الكنوز قد تُوجَدُ في الخرابات، ولا يوصل إلى الفوائد إلَّا بتعبِ النَّاس، لا بالراحة. وقولهم: وجدنا إخوان زماننا مثلَ مَرَقةِ الطَّباخ، طيِّبة الرَّائحة، لا طعمَ لها. المراد بتشبيه مودَّتِهم بما ذُكِرَ: أنَّها في الغالب تكونُ في الظَّاهر، لا في الباطن.

[اختياراته:]

وقول أبي (¬1) القاسم الجنيد: مَنْ لم يحفظِ القرآنَ ويكتُبِ الحديثَ، لا يُقتدى به في هذا العلم. لأنه مضبوطٌ بالكتاب والسُّنَّة. وقوله أيضًا: كنَّا لا نعبأ بالصُّوفي إذا دَخَلَ الطَّريق بغيرِ علم. معناه: مَنْ (¬2) لم يتأدب بآدابِ الكتَاب والسُّنَّة، لا يقتدى به في طريق الصوفية. [اختياراته:] وأما اختياراته، فأعرف منها الآن أنَّه كان يُسْفِرُ بصلاة الصُّبح، ويُسِرُّ القنوت مع تخفيفه جدًا، [ويقنت في الوتر] (¬3)، ويتوقَّفُ في اشتراط استحضار النِّيَّةِ بين الهمزة والرَّاء في قول المصلي: اللَّه أكبر، إلى غير ذلك مما لو تُتُبِّع "شرح البخاري"، لوجد فيه منها الكثير. على أنَّه بلغني أنَّ بعضَ أصحابنا مِنْ طلبته كتب عنه شيئًا مِنْ ذلك، وفي "شرح البخاري" مزيدُ كفايةٍ منها. ولما صلَّى على شيخ الإسلام المحبِّ بنِ نصر اللَّه البغدادي الحنبلي وسبق، فجلس عد القبر ليشهد الدَّفنَ، وجِيءَ بالنَّعش قام إلى الجنازة، فإما أن يكون وافق النَّووي في اختياره استحبابَ القيام للجنازة، وتعقُّبَه دعوى النسخ، وكذا قول المتولي، أو (¬4) يكون قيامُه لما انضم إليه مِنْ كونه عالمًا، وأنه لا يرى القيامَ مُطلقًا. وقد سئل عن مِنْ تشاغلَ بالعبادة ونحوِها حتَّى نَسِيَ ما كان يحفظه مِنَ القرآن. ¬

_ (¬1) في (أ): "أبو"، خطأ. (¬2) ساقطة مِنْ (ب). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). (¬4) في (ط): "أن".

فأجاب: بأنَّه قد وَرَدَ في الحديث الوعيد في حق مَنْ قرأ القرآن، بل آيةً منه ثمَّ نَسِيَ ذلك، وظاهرُه يقتضي التَّحريم، فيجبُ على مَنْ وقع له ذلك أن يُبادِرَ إلى حفظِ ما نَسِيَ قليلًا قليلًا إن شَقَّ عليه الكَثْرَةُ. قلت (¬1): ونسيان القرآن معدود في الكبائر. قال الرَّافعي: وللتَّوقُّفِ مجالٌ، يعني في ذلك، أي: إذا لم يكن عَن إهمالٍ وقصدٍ لذلك، ولكن استأنس النَّوويُّ رحمه اللَّه بذلك بالحديث الوارد في الوعيد، وقال: إنَّه تكلَّم فيه الترمذيُّ، أي: مِنْ جهة رواية عبد المطلب بن عبد اللَّه بن حَنْطَب، فإنه لم يسمع مِنْ أنس ولا مِنْ غيره مِنَ الصَّحابة إلا قوله: حدثني مَنْ شهِدَ خُطبةَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد حمل الشيخ شهاب الدين أبو شامة المقدسيُّ الأحاديثَ في ذمِّ نِسيان القرآن على ترك العمل، فإنَّ النِّسيان هو التَّركُ، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115] قال: وللقرآن حالتان، أحدهما: الشفاعة لمن قرأه ولم يَنْسَ العملَ به. الثانية: الشِكَاية لمن تركه تهاونًا به ولم يعمل بما فيه. قال: ولا يبعُدُ أن يكونَ مَنْ تهاون به حتَّى نسي تلاوته كذلك. وألحقَ بالدُّعاء والصَّدَقَةِ في وصول ثوابهما للميت الأضحية لعدم الفارق. والمصحَّحُ في مذهب الشافعي أنَّ الأضحيةَ لا تَصِلُ. وحكى لي بعضُ أصحابنا أن صاحب الترجمة أشار إليه بأن يأخذ مصحفًا (¬2) كان معه، فاعتذر بأنه على غير وضوء، فقال: أنا أرى أنَّك إذا تناولته بِكُمِّكَ أو بحائلٍ مع استحضار التَّعظيم، لا حرج عليك، أو نحو هذا. قال صاحبنا: فامتنعتُ مِنْ تناوله منه، واستحييتُ مِنْ مخالفته. قلت: وقد روى الحافظُ الخطيب في ترجمة محمد بن كُزدي مما رواه محمد (¬3) عن أبي بكر المرُّوذي، قال: كان أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل ¬

_ (¬1) مِنْ هنا إلى قوله: "حتى نسي تلاوته كذلك" ورد في هامش (ب) بخط المصنف. (¬2) في الأصول: "مصحف"، وهي هكذا بخط المؤلف في (ح). (¬3) في (أ): "أحمد"، خطأ.

ربَّما قرأ في المصحف وهو على غيرِ طهارَةٍ فلا يمسه، ولكن يأخذُ بيده عُودًا أو شيئًا يُصَفِّحُ به الورق. واختار وجوب الجَلْد أو الرَّجم على المأنوثِ، كالذي يُجامعه، لصحة الدليل به، والمفتَى به عند الشَّافعية الاقتصارُ على الحدِّ الزاجر له عَنْ ذلك، واللَّه أعلم.

الباب السابع في تحريه في مأكله ومشربه وملبسه وأموره كلها

الباب السابع

الباب السابع في تحرِّيه في مأكله ومشربه وملبسه وأموره كلها، وضبط لسانه مما يشهد لورعه، حتَّى في الدُّعاء على مِنْ ظلمه، وسَعَةِ حلمه وصدره، وحُسن سياسته، والإغضاء عَنْ مِنْ يُؤذيه، لا سيما مع القدرة على الانتقام، بل يُحْسِنُ لمن أساء اليه، ويتجاوزُ عَن مِنْ قدَرَ عليه، وعدم سُرعة غضبه، ما لم يكن في حق اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصبرِه على المِحَنِ والحوادث البدنيَّةِ والمالية، وعدم بثِّ ما عنده مِنْ ذلك، مما يدلُّ على كمالِ عقله ووقاره، وأنَّه غايةٌ في السماحة والسخاءِ والبَذْلِ، مع قصده إخفاءَ ذلك، وشفقتِه على خلق اللَّه تعالى، وإحسانه للغرباء، لا سيما أهل الحرمين، وابتكارِه لهم في أوقافهم المستجد والقدوم، مما كثُرَ التَّرحُّمُ عليه بسببه، وبرِّهِ لشيوخه وأبنائهم، بل بطلبته وأصحابه وخَدَمِه وذوي البيوتِ، وقيامه مع مَنْ يقع (¬1) في جائِحَةٍ منهم، ولو لم يقصِده وسَتْره وصبرِه على الطلبة، وتفرده عن كافَّة أهلِ عصره لمزيد التبسط في عارية (¬2) الكُتب، ودلالته الطَّلبة على الشُّيوخ مِنْ غير كراهةٍ في ذلك، واستجلاب الخواطر، وحُسْنِ عشرَتِه وتواضُعِه وانبساطِه، حتى يلعَبَ الشطرنج في النَّادرَ، وحلوِ مُحاضرته، وعَذْب مذاكرته، وذكره الحكايات اللَّطيفة والنوادر الظَّريفة، وإنشاده الأشعار الهزليَّة الدالَّة على رِقَّةِ طبعه، وظَرْفِه ولطافَةِ ذاتِه الشَّريفة، ممَّا لا يزداد معه إلا هيبةً ¬

_ (¬1) في (أ): "لم يقع"، خطأ. (¬2) في (أ): "رعاية".

وجلالةً واحترامًا ووقعًا في النُّفوس، ومحبَّة في القُلوب، وعظيم رغبتَهِ في العِلْم والمذاكرة، وإثارةِ الفوإئد، وكثرةِ أدبه مع العُلماء المتقدِّمين منهم والمتَأخِّرين، إلى غير ذلك مِنَ التَّهجُّدِ وكَثرَةِ الصوم والتِّلاوة والتضَرُّع، وعيادة المرضى، وشهودِ الجنائز، والاعتقاد في الصَّالحين وزيارتهم وطلب الدعاء منهم، مع الإنكار على مَنْ يخرُجُ عَنِ القوانين الشَّرعية مِمَّن لم يعلم صلاحيَّته قبل ذلك، واتَّباع السُّنَّةِ في جميع أحواله، وشدة خوفه، وجمع العلم مع العمل، وبيان طريقته في تقضِّي أوقاته، وشيءٍ مِنْ وصفِه الأسنى ومناقبه الحُسْنَى. أما تحريه في مأكله ومشربه: فأمر مستفيض؛ بحيث إنَّ عياله أحصروا له شيئًا فأكله واستطابه، بناءً على أنه ممَّا جرت عادتُه بالأكل منه، وقبل تمام الأكل، ألقى اللَّه تعالى في خاطره السُّؤال عنه، فذكروا له جهةً لا يحبُّ الأكلَ منها، فاستدعى بتَشْطٍ وقال: أفعل كما فعل أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه، ثم استقاء ما في بطنه. قلت: فأخرج يعقوب بن شيبة في "مسنده" مِنْ طريق نُبَيْحٍ العَنَزِي، عن أبي سعيدٍ رضي اللَّه عنه، قال: كنا ننزل رفاقًا، فنزلتُ في رفقة فيها أبو بكر رضي اللَّه عنه على أهلِ أبياتٍ فيها امرأة حبلى، ومعنا رجلٌ، فقال لها: أيسُرُّكِ أن تلدي ذكرًا؟ قالت: نعم، فسجَعَ لها أسجاعًا، فأعطته شاةً، فذبحها وجلسنا نأكل، فلمَّا علمَ أبو بكر رضي اللَّه عنه بالقصَّة، قام فتقيأ كلَّ شيءٍ أكلَ. وأخرج البخاريّ مِنْ حديث يحيى بن سعيد، عن (¬1) عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: كان لأبي بكر رضي اللَّه عنه غلامٌ يُخْرِجُ له الخراجَ، وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه يأكلُ مِنْ خراجه، فجاء يومًا بشيءٍ، فأكل منه أبو بكر رضي اللَّه عنه، فقال له ¬

_ (¬1) في (ب): "مِنْ"، تحريف.

الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال: أبو بكر رضي اللَّه عنه: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنْتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحْسِنُ الكهانة، إلا أنِّي خدعتُه، فلقِيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر رضي اللَّه عنه يده، فقاء كلَّ شيء في بطنه. ووقع لأبي بكر رضي اللَّه عنه مع النُّعَيْمان بن عمرو الصحابي المشهور ذلك أيضًا؛ قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، قال (¬1): إنَّ ناسًا مِنْ أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نزلوا بنا، فكان النُّعَيْمان بنُ عمرو يقول لأهل الماء يكونُ كذا وكذا، فيأتونه (¬2) باللَّبن والطَّعام، فيرسِلُه إلى أصحابه، فبلغ أبا بكرِ رضي اللَّه عنه خبرُه، فقال: أراني آكُلُ مِنْ كهَانَةِ النُّعيمان منذُ اليوم، فاستقاء ما في بطنه. وفى "الورع" لأحمد عن إسماعيل، عن أيُّوب، عن ابنِ سيرين، قال: لم أعلم (¬3) أحدًا استقاء مِنْ طعامٍ غيرَ أبي بكر رضي اللَّه عنه، فإنَّه أُتي بطعام فأكل، ثمَّ قيل له: جاء به النُّعَيمان. قال: فأطعمتموني (¬4) كهانة النُّعَيْمان؟ ثمَّ استقاءَ. ورجالُه ثقاتٌ، لكنه مرسل. وفي "الأطعمة" لعثمان الدارمي مِنْ حديث مرَّة الطَّيب، عن زيد بن أرقم، قال: كنا قعودًا عند أبي بكر الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه، إذ أتاه غلامٌ له بطعام، فأهوى إلى لُقمة فأكلها، فقال له الغلام: يا أبا بكر، كنتَ تسألُني كلَّ يومٍ: مِنْ أينَ جئتَ به، ومِن أين اكسبته، وإنك لم تَسْألني اليوم. قال: ويحك، ما حملني عليه إلَّا الجُوعُ، ومِنْ أينَ اكتسبته؟ قال: كنتُ رقيتُ لقومٍ في الجاهلية، فوعدوني عليه عِدَةً، وإني درت اليومَ، فلم أُصِبْ شيئًا، فمرَرْتُ بهم وعندهم وليمةٌ لهم، فقلت لهم: عِدَتي الَّتي وعدتُموني في ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ب، ط). (¬2) في (ب): "فيأتون". (¬3) ساقطة مِنْ (ب). (¬4) في (ب): "فأطعموني"، خطأ.

الجاهلية، فأطعموني (¬1) هذا الطعام، فقال: ويحك، ألا أراكَ أطعمتني مما حرَّم اللَّه ورسوله؟ ثمَّ أدخلَ أصبعه في فيه، ثم تقايأ، فرمى بها، فقال له جُلساؤه: يا أبا بكر، ما بلغ اللَّه بهذه اللُّقمة؟ قال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أَيُّما لحمٍ نبتَ مِنْ حرامٍ، فالنَّارُ أولى به". وإنما اقتصر شيخنا على ذكر السيد أبي بكر الصديق في ذلك لشهرته، وإلا فالسَّيِّدُ عمر أيضًا وقع له مثل ذلك. روى مالكٌ في "الموطأ" عن زيد بن أسلم أنه قال: شربَ عمرُ بنُ الخطَّاب رضي اللَّه عنه لبنًا فأعجبه، فسأل الذي سقاه: مِنْ أينَ هذا اللَّبنُ، فأخبره أنَّه ورد على ماءٍ قد سمَّاه، وإذا نَعَمٌ مِنْ نَعَم الصَّدقة وهم يسقُون، فحلبوا لي مِنْ ألبانها، فجعلتُه في سقائي، فهو هذا، فأدخل عمرُ يده في فيه، فاستقاءه. بل اتفق لهما معًا -أعني أبا بكر وعمر- وهما في غزوة ذاتِ السَّلاسلِ أنَّ عوفًا مرَّ بقوم وهم على جزور، قد نحروها وهم لا يقدِرُون على أن يفصِلُوها، وكان امرؤٌ جازِرًا، فقال لهم: تعطُوني منها عشيرًا على أن أقسِمَها بينكم، فقالوا: نعم، فأخذ الشَّفرتين، وجزَّأها مكانه، وأخذَ جزءه، فحمله إلى أصحابه فأكلوا، وقال الشَّيخان له: أنَّى لك هذا اللَّحمُ يا عوفُ، فأخبرهما، فقالا: لا واللَّه ما أحسنتَ حينَ أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيآن ما في بطُونهما منه، فلما رجعُوا مِنْ ذلك السَّفَرِ، كان عوفٌ أوَّلَ قادمٍ، فسلَّم عليه، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عوف بن مالك"؟ فقلت: نعم بأبي أنت وأمي، فقال: "صاحبُ الجزور"؟ لم يزده على ذلك شيئًا. وحاصِلُه أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبرَه بذلك قبل أن يخبره عوفٌ به، وكذا أورد البيهقي القصَّة في "الدلائل". انتهى. ورأيته يومًا في بعض إراحاته مِنَ القضاء، وقد وُضِعَ على خُوانه صحنُ عِنَبٍ، فأخذ عنبةً منها، وهم بوضعها في فيه، ثمَّ بدا له، فاستدعى ببعضِ الفتيان، فسأله: مِنْ أينَ هذا العنبُ؟ فقال: مِنْ جهة كذا، فتغيظ وقال: أنا ما قلتُ لك لا تحضِرْ لي شيئًا مِنْ هذا؟ ¬

_ (¬1) في (أ): "فأعطوني"، والمثبت من خط المصنف في هامش (ب، ح).

وكان لا يتناول مما يُهدى لبيته شيئًا، بل ما كنت أظنُّ به الاطلاع على شيءٍ مِنْ ذلك، وطالما كان يُرسل مِنْ يشتري له مِنَ السُّوق ما لعلَّه يكونُ عندَ أهله. ونحو ذلك أنَّه كان إذا اضطر إلى الحضور في الولائم والمهمَّات ونحوها ممَّا الغالب على أربابها عدمُ التَّوقِّي، يُوهِم أنَّه يأكل، بل ربما أعطى هذا وهذا ممَّن يكون جالسًا على السِّماط مِنَ الأتباع ونحوهِم مما بين يديه على الطَّريقة المألوفة في ذلك، بحيثُ يُسَرُّ صاحب المهِمِّ غالبًا، ولا يدخل في جوفه مِنْ ذلك شيئًا ألبتة. ولقد قرأتُ بخطِّ بعضِ الأعيان مِنَ الحلبيين -كما تقدم في الباب الثاني (¬1) - أنه لمَّا كانَ بحلب صُحْبَةَ السُّلطان كان له راتِبُ لحم يُؤتى إليه به كلَّ يومٍ، قال: فكان لا يأكله، بل (¬2) يشتري له غيره. وكان يتعفَّف -فيما بلغني- عن تعاطي معلوم الخطابة بالقلعة أيَّامَ قضائه، وهو أربعمائة درهم في كلِّ شهرٍ، لضَعْفِ الوقف، وراموا إجراءَ السَّفطِيِّ على ذلك، فلم يوافق، بل قال: هذا المعلومُ لكوني أُباشِرُ الوظيفةَ بنفسي أجعله مما أتقوَّتُه. وكذا كان ما يصِلُه مِنْ الضَّحايا وشِبْهها يوزِّعُ ما لا يرتضيه منها لجماعته، فما يكونُ مِنْ جهةِ الصَّاحب كريم الدين كاتب المناخات لأمِّ أولاده، وما يكونُ مِنْ جهة الزَّيني الاستادار لولده، وما يكون مِنْ جهة السُّلطان -وكان الظَّاهِر يخصُّه بإرسال قَدْرٍ زائد عَنْ رفقته- يفرِّقه أجزاءً، إلى غير ذلك ممَّا يحرِصُ على عدم تعاطي أكلِ شيءٍ منه. نعم، بلغني أنَّه كان يأكل مما يرسل به إليه أميرِّ المؤمنين في رمضان. ولم يزل يتَّجِر إلى أن مات، وضاع له الكثير مع وكلائه، كالشَّمس الزَّركشي، حسبما أشرتُ لقصته معه في الباب الثالث، وكالفقيه محب الدِّين بن الحمِّصاني السُّكَّري الذي كان يؤدِّبُ الأطفال بالمسجد المجاور ¬

_ (¬1) 1/ 322. (¬2) في (ط): "وكان".

للمدرسة الشريفيَّة البهائية، فإنَّه دفع له مالًا كبيرًا، لكونه كان ماهرًا في طبخ السُّكَّر، فأفسده عَنْ آخره، وهدَّده صاحب التَّرجمة بإحضارِ الوالي إليه ونحو ذلك؛ لتوهمه أنه أخفى المالَ، ومع ذلك، فما أفاد، فأعرض عنه، وسافرَ المذكورُ إلى بلاد اليمن، فقيل: إنه أظهر تموُّلَه هناك. وجيء له بشخص ممَّن أخذ له مالًا، وقد أمر بعضَ القُضاة حينَ ادَّعى عليه وكيلُه بسجنه بسببه، فأشار لبعض مَنْ كان ببن يديه إشارةً خفيَّة أن يشَفَعَ فيه، ففعل الرَّجُلُ، فأجابه لذلك، وأمر بإطلاقه، فقيل له: فلِمَ أمرت بشكواه؟ فقال: إنني قد شربتُ ماءَ زمزم أنَّ اللَّه يصرِفُ عنِّي حُبَّ المالِ، ولكني أخشى أن يطمع النَّاس في مالي، فيكونُ ذلك إضاعةً للمال. ونحوه إظهارُ التَّحريض على كاتب الغيبة في الخانقاه البيبرسية، للخوف مِنْ طمَعِهم في التَّمادي على عدم الحضور، وإلا فقد كان يقولُ له سرًّا: إذا رأيتَ شخصًا بالبياطرة أو نحوها مِنْ الجهة الأخرى قاصدًا المجيء ليحضر وسبق، فلا تكتب عليه غيبة. وأين هذا ممن يأمر عند فراغه مِنْ القراءة أو قُبيلها بقفل باب المدرسة، بحيث مَنْ يجيء مِنَ الصوفية حينئذ لا يتمكَّن مِنَ الدخول، وتكتب عليه الغيبة. وممَّن كان وكيله في ذلك فخرُ الدِّين بن دويم الآتي ذكرُه في وصيَّته مِنَ الباب التاسع. وزعم أنَّه كان يقول له: أنت الفجرُ الصَّادق، وفلانٌ -ويعيِّنُ بعضَ نُوَّابه- الفجرُ الكاذب. وما أظنُّه -إن صحَّ وصفُه للأولِ بذلك- كان يريد إلَّا التفاؤل به، وإلا فقد رأيت بعضَ معتَبَرِي أهلِ مكَّة دوَّن عنه حكايةً عزاها لصاحب الترجمة لا شكَّ عندي في اختلاقه لها، أو اختلاقه لعزوها إليه (¬1)، إن كانت الحكاية قديمة، عفا اللَّه عنهما وإيانا. وقد راج أمرُ الفخرِ المذكور في دُنياه وأثرى، ببركة موكِّله، جريًا على عادَةِ مِنْ ينتمي إليه، بحيث كان الكثير منهم يعتَرِفُ بذلك، فحكى لي التاجرُ بدرُ الدِّين حسن بن علي المرجُوشي جارُنا، وكان مِنَ الخيار الثِّقات، سمِعَ الحديثَ على صاحبِ التَّرجمة، قال: ألزمني الأميرُ جمال الدين ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ب).

الأستادار أخذَ صِنْفٍ مِنَ القماش كان قد كسدَ عند صاحِب التَّرجمة، وأن يُنْظِرَني في ثمنه إلى وقتِ كذا. قال: ففعلت ذلك مع شدَّة كراهيتي فيه، لكنه لم يسعني المخالفة، فلما استقرَّ القماشُ عندي، وكان مِنْ شعار الحريم السُّلطاني وشِبْهِهنَّ في الأفراح ونحوها، طرأ لهن ما يقتضي طلبه، فما مضت أيامٌ قلائلُ حتَّى بِعْتُ ذلك القماشَ قبلَ حُلول الأجلِ بأكرم ربح، فعَدَدتُ ذلك مِنْ بركته. وكانت -كما بلغني- وظائِفُه التي يباشرها يتحرَّى منها ما كان أقرب إلى الحِلِّ مع مُرَتَّبه في الجوالي، وهو في كلِّ يوم مائةُ درهم، بل زيد في بعض عزلاته الأخيرة، وصار دينارًا أو مثقالًا، فيبدأ بالأكل منه، وكذا التَّصَدُّق، ثم يليه اللُّبس، ثم كذا، إلى آخر ضَرْوراته، ويميِّزُ المعاليمَ بعضها مِنْ بعضٍ بالإشارة بنُقْطةٍ أو نقطتين ونحو ذلك. وقد رأيتُه يُعطي خادِمَه الشيخ شمس الدين بن قُريش ما يشتري له به شيئًا مِنَ المأكول، ويُوصيه أن لا يكلِّفَ البائعَ لأكثرَ ممَّا يعطيه باختياره، وقس على ذلك في أموره كلِّها، لا سيِّما نقل العِلْمِ وروايته، فكان غايةً في التَّحريِّ في ذلك، يدلُّك على هذا أن النجم المُرجاني ذكر له أنَّ الجمالَ إبراهيم بن محمد الأميوطي كان حاضرًا ختم "الصحيح" عند النشاوري، إذ قُرِىءَ عليه، وأنه أجازَ للحاضرين. قال: فلم تَطِبْ نفسي مِنْ أجل الشَّكِّ في حضوري يومَ الخَتْمِ الذي حذر فيه الأميوطي أن أُخرِّج عنه، وإن غلب على الظَّنِّ حُصول الإجازة لي منه. ومن ذلك أنَّ الشيخ مدْين، رحمه اللَّه حضر عندَ شيخِنا في خِتان حفيده، فسأله عن حديث "حسِّنوا نوافلكم، فإنَّ بها تكمُل فرائِضَكم"، فقال شيخنا: لا أستحضره، فقال له الشَّيخُ: إنَّه لد عزاه الفاكهاني لابن عبد البر في بعض تصانيفه، فقال شيخنا: يمكن، ولكن لا أعرفه الآن. قلت: وللدَّيلمي في حديث عبد اللَّه بن يرفا اللَّيثي عن أبيه، عن جده، رفعه: "النَّافلة هديَّةُ المؤمن إلى ربِّه، فليُحسِن أحدُكم هديَّته وليطيِّبْهَا".

وسأله بعض الحنفيَّة عن عِدَّة مَنْ لقي أبو حنيفة رحمه اللَّه مِنَ الصَّحابة رضي اللَّه عنهم، فقال: أنسٌ فقط، قال السائل: فقلت له: إنَّ علماءنا بلغوا بهم سبعةً أو أربعةَ عشر، فقال: مَنْ يقدِرُ ينازعُكم وأنتم أصحابُ السَّيف والرُّمح والخُوذة؟! والذي أعرفه ما قلتُه لك. واتفق أنَّ الفاضل عزَّ الدين عبد العزيز بن محمد الوفائي الميقاتي شَهِدَ عندَه في هلالِ رمضان، فقال له: أعن رؤيةٍ أم عَن حسابٍ؟ فقال: عَنْ رُؤية، فأمضى شهادته. والتمس منه الشَّيخ محمد بن صالح الصَّالح الشهير الحضورَ في عَقدِ ابنته، وكانَ في رمضان سنة وفاته، والمتولي للقضاء إذ ذاك كان غيره، وعُدَّ ذلك في عليّ مقامه، فلما حضر: قال: مِنْ يعقد، فقيل له: أبوها، فتوقَّف في ذلك ورعًا واحتياطًا، لكونه شِبْهَ المجذوبِ، فقال بعض مَنْ حضر مِنَ العلماء: بل هو عاقل، فقال للقائل: إن كان عاقلًا، فأنتَ العاقِدُ. ومن ورعه أنه كان يضم قُلامَةَ الأقلام، ثمَّ يجعلها في بَطْنِ دواته إلى أن تُرمى، لكونه يكتب بها الحديثَ والعلمَ، ويقول على سبيل المماجنة: مَنْ داسَ عليها دخل السجنَ! ومن هنا يُعلم بطلان ما بلغني أنه نُسب إليه في الكتب، وكيف يليق أن يَفُوه مَنْ له أدنى مُسكة بشيءٍ مِنْ ذلك، وقد روينا في جزء مِنْ حديث أبي رفاعة عمارة بن وثيمة، أنه قال: قال لي أبو الربيع سليمان بن أبي طيبة: نهانا أشهبُ عَنْ تخطِّي الكتُب التي فيها حديثُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وكذا مِنْ ورعه ووفور ديانته أنه أفرز قبل موته ما عنده مِنْ كتب الأوقاف التي لها مقرَّة، وكذا ما لا مقرَّةَ لها، وأشار بعَودِ كَل ذي مقرٍّ إلى موضعه، وما عدا ذلك، فيُقسَم بين طلبته، فما وفَوا له بذلك، وهذا أوَّلُ شيء أساؤوا التَّصرفَ فيه بعد وفاته، لكنه رحمه اللَّه اجتهد في عَودِها بعد مماته بحسب الإمكان. وكان يرى أن بقاءها عنده غيرُ ممتنع؛ لانتفاعه والمسلمين بها، بل كثيرًا ما كان يعيرها لمن يلتمسها منه، ولقد قال الظاهر جقمق: واللَّه إنه كان جديرًا بإبقاء كتب الأوقاف عنده، وأنا ممَّنِ استعارَ منِّي

مِنْ كتبِ الخانقاه إذ كنت ناظرًا عليها، أو كما قال. ومن تحرِّيه أنه أملى في تخريج "الأذكار" الحديث المسلسل بالمحبة، فالتمس منه الجماعة إيصال (¬1) التسلسل بقوله، فتوقف حتى أدار نظره إليهم، ثم قال بعد أن سكت سكتة: واللَّه إني أحبكم، فقولوا، ثم قال لهم بعد ذلك مما كتبوه عنه في أصل المجلس ما نصه: ومِنْ لطيف ما وقع في هذه السلسلة: ما حدَّثنا شيخُنا إمامُ الحفاظ أبو الفضل بنُ الحسين رحمه اللَّه، قال: سمعنا هذا الحديث على الشَّيخ فخر الدين النُّوَيْري، وكان غايةً في الورع، فلما وصَلَتِ السلسِلَة إليه، سألناه أن يقول لنا، فسكت، فأعدنا، فقال: ما أعرِفكم، فتعرَّفنا إليه، إلى أن قال. رحمهم اللَّه تعالى. وأما ضبط لسانه: فأمرٌ لا يُوصَفُ، لكن عنوانه أنَّ بعض الحُسَّاد زَعَمَ أنه تعقَّب عليه في تصنيفٍ جمعه ما وقع في "معجم" صاحب الترجمة، وبالغ في ذكر ألفاظ لا يقابله عليها إلا الذي أنطقه بها، واطَّلعَ صاحب الترجمة على ذلك، فكتب عليه ما نصُّه: لا شكوى إلا إلى اللَّه، ولا حولَ ولا قوة إلا باللَّه، وحسبُنا اللَّه. اشتمل هذا التَّصنيف على نِسْبَةِ مصنفِ الأصلِ إلى أشياءَ نسبة المعترض عليه إليها (¬2) لا تجتَمِعَ في آدمي فيما يغلِبُ على الظنِّ، فللَّهِ الأمرُ. قلت: ثم سردها شيخُنا بخطه، وهي نحو خمسين صفة خارجة عَنِ السَّبِّ والدعاء عليه، وكذا سبّ ولده والدعاء عليه مما لا أستبيحُ ذكرَه، ومع ذلك فلم يَزِدْ على قوله: الحمدُ للَّه على كلِّ حال، واللَّه المستعان. حصل الجوابُ بعونِ اللَّه تعالى عَن جميع ما ذكر فيه مِنَ الاعتراضاتِ مِنْ غير تعرُّضٍ للفظة فاحشةٍ، ولا كلمة سوءٍ، ولا تشاغُلٍ بردها، بل الأمرُ فيها موكولٌ إلى مَنْ يجازي المُسيءَ، ولا يضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملًا. انتهى. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "فالتمسوا منه إيصال. . . ". (¬2) في (أ): "إليه".

فتضمنت هذه الحكايةُ ضبطه للسانه، وأنَّه إليه النهاية في الحلم والاحتمالِ والتحرُّزِ مِنَ الدُّعاء على مَنْ ظلمه، عملًا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ دعَا على مَنْ ظلمه، فقد انتصَر"، مع أنه ممن لا أشكُّ في إجابة دعوته، لا سيما وقد أخبرني بعضُ الثِّقات مِنْ طلبة (¬1) شيخنا أنه سمع الشيخَ الصالح العارف أبا الفتح محمد بن أحمد الفُوِّي حينَ التمس منه في (¬2) بعض الحوادثِ التي جرت لصاحب الترجمة التوجُّهَ إلى اللَّه تعالى في مَنْ يعتَمِدُ أذيَّته والتَّشويش عليه بقوله: واللَّه لو توجَّه هو فيهم إلى اللَّه تعالى في ليلة، لكُفِي أمرهم، لأن عَلَمَ الولاية على رأسه. انتهى. وذكر لي أبو المواهب المغربي، الشهير بابن زغدان، قال: سمعت قائلًا يقول في المنام: إذا كانت لك إلى اللَّه حاجة، فتوسل بابن حجر ثلاث مرات، فإن اللَّه يقضي حاجتك (¬3). وحكى لي الشيخ بهاء الدين بن حرمي، أحدُ جماعة صاحب الترجمة، قال: كنت إذا عرض لي أمر، أذكره له، رجاءَ بركتِه والتماس مساعدته، فلمَّا مات، عَرَضَ لي عارضٌ، فجئتُ الشَّيخَ شهابَ الدِّينِ الأبشيطي العالمَ الصَّالح، فذكرت له ذلك، فقال لي: توجَّه إلى اللَّه بشيخك، وأشار إلى صاحب الترجمة، يقضي اللَّه حاجتك، وذكر له كيفيَّة ما يفعلُ (¬4). وحكى لي صاحبنا الشيخ فخر الدين عثمان الدِّيمي الأزهري عن بعض الثقات أنه سمع الكمال المجذوب يقول: إنَّ صاحب الترجمة ما مات حتى تقطَّب. ¬

_ (¬1) في (أ): "طبقة". (¬2) ساقطة مِنْ (أ). (¬3) غنيٌّ عن القول أنه لا يجوز التوسل بأحد مِنْ مخلوقات اللَّه في طلب قضاء الحاجات أو التماس إجابة الدعاء، فندعوه سبحانه مِنْ دون واسطة ولا وسيلة. وقائل هذه العبارة -ابن زغدان- هو محمد بن أحمد بن داود بن سلامة، مِنْ أرباب أهل التصوف. ترجمه المصنف في الضوء اللامع 7/ 66 - 67، فقال فيه: فهم كلام الصوفية، ومال إلى كلام ابن عربي بحيث اشتهر بالمناضلة عنه. (¬4) ويقال في هذا ما قيل في سابقه.

ووراء كونِه لم يدع رتبةً أرفع منها، وهو منعه مَنْ يفعلُ ذلك مِنْ طلبته، كما أخبرني الشيخُ البدر أبو علي حسن بن علي الدِّماطي الضَّرير وهو مِنْ طلبته، أن صاحبَ الترجمة سمعه وهو يدعو على مَنْ يروم مَساءته فمنعه مِنْ ذلك، وقال: سلِ اللَّه أن يكفيني أمرَهم. ونحوه مما شاهدتُه: أنَّ بعضهم حضر إليه وهو مسرورٌ، وأخبره بإدخالِ بعضِ مَنْ ناوأه حبس ذوي الجرائم، فتغيَّظ على المخبِرِ، وقال: إنَّما يفرَحُ بهذا فاسقٌ مِنْ أجل تلبُّسه بهذا المنصب الشريف. انتهى. والحامل للطاعنين في علاه إنما هو الحسد، وما أحقَّهم بقولِ القائل: حسَدُوا الفتى إذ لم ينالُوا سعيَهْ ... فالقومُ أعداءٌ لهُ وخُصُومُ كضرائرِ الحَسْنَاءِ قُلْنَ لوجهِهِا ... حسدًا وبغيًا: إنَّه لدَمِيمُ يا كعبُ ما إن رأى مِنْ بيتِ مَكْرُمَةٍ ... إلا له مِنْ بيوت النَّاسِ حسَّادُ حَسَدوكَ أنْ رأوْكَ فضَّلك الـ ... ـله بما فُضِّلتَ به النُّجَبَا إن يحسُدُوني فزادَ اللَّه في حَسَدِي ... لا عاشَ مَنْ عاشَ يومًا غيرَ مَحْسُودِ ما يُحْسَدُ المَرءُ إلا مِنْ فضائِلِه ... بالعلم والبأس أو بالمَجْدِ والجُودِ فازدادَ لي حَسَدًا مَنْ لستُ أحسُدُه ... إنَّ الفضيلةَ لا تَخْلو عَنِ الحَسَدِ وقال الصَّفِيُّ الحلِّيُّ فيما أنبأني به أبو هريرة القبَّاني، عَنِ ابنِ رافعٍ، عنه: أوَدُّ حُسَّاديَ أن يكْثُرُوا ... وأعذُرُ الحاسِدَ في فِعْلِهِ لا أفْقِدُ الحُسَّادَ إلا إذا ... فقدت ما (¬1) أُحْسَدُ مِنْ أجْلِهِ وقال غيرُه: ¬

_ (¬1) في (أ): "من".

ما ضرَّني حَسَدُ اللِّئامِ ولم يَزَلْ ... ذو الفَضْلِ يحسُدُه ذَوُو النُّقْصانِ يا بُؤْسَ قَوْمٍ ليس ذنبي بينهم ... إلا تَظَاهر نِعْمَةِ الرَّحمنِ إنَّ العرانينَ تَلَقَّاها مُحَسَّدةَ ... ولا ترى للِئام النَّاسِ حُسّادا وقيل: أُغْرِيَ النَّاسُ بامتِداحِ القديم ... وبِذَمِّ الحَدِيثِ غير ذَمِيمِ ليس إلا أنَّهم حَسَدُوا الحيَّ ... ورَقوا على العِظامِ الرَّميمِ وفي المعنى: النَّاس أعداء لرَبِّ فضيلةٍ ... مشهورةٍ ما دام حيًّا يُرْزَقُ فإذا قضى أثنى عليه عدُوُّه ... كلَّ الثَّنا وَهُو المَغِيظُ المُحْنَقُ وقد روينا عن المزني أن الشافعي رحمه اللَّه قيل له: إن فلانًا يقول: الشافعيُّ ليس بفقيه، فضحك، وأنشأ يقول: إنِّي نَشَأتُ وحُسَّادي ذوو عَدَدٍ ... ربَّ المعارجِ لا تُفْني لهم عَدَدا وعن الربيع، سمعت الشافعي ينشد: كلُّ العداوةِ قد تُرجَى إماتَتُها ... إلا عداوة مَنْ عاداك بالحسد وسمعته أيضًا يقول: يحسُدُني مَنْ هو مني إذ ليس مثلي، ويحسُدُني مِنْ هو مثلي إذ ليس منِّي. وأنشد أبو الطَّيب سهلُ بن محمد بن سُليمان الصُّعلوكي للشافعي أيضًا: وذو حَسَدٍ يغتابني حيثُ لا يرى ... مكاني ويُثني صالحًا حَيْثُ أسمَعُ تورَّعْتُ أن أغتابه مِنْ ورائه ... وما هو إذ يغتابُني متوَرِّعٌ وروينا مِنْ طريق المُزَنِيِّ والرَّبيع، كلاهما عَنِ الشَّافعي:

لما عَفَوْتُ ولم أحقِدْ على أحدٍ ... أرَحْتُ نفسي مِنْ همِّ العداواتِ إني أُحَيِّي عَدُوِّي عندَ رؤيتِه ... لأدفَعَ الشرَّ عنِّي بالتَّحيَّاتِ وأُحْسِنُ البِشْرَ للإنسانِ أبغُضُه ... كأنه قد حشا قلبي مَسَرّاتِ ولستُ أسلَمُ مِنْ خِلٍّ يخالِفُني ... فكيفَ أسلَمُ مِنْ أهلِ العداواتِ ولستُ أسلمُ ممَّن ليس يَعْتَبُني ... فكيف أسلَمُ مِنْ أهلِ المودَّات والمحسود أبدًا يُقْدَحُ فيه، لأنَّ الحاسدَ لا غَرَضَ له إلا تتبُّع مثالبِ المحسودِ، فإن لم يَجِدْ، ألزَقَ مثلبتَه به، وقد قيل: عِداتي لهم فضل عليَّ (¬1) ومِنَّةٌ ... فلا أذهبَ الرَّحمنُ عنِّي الأعاديَا همُ بحثوا عَنْ زلَّتي فاجتنبتها ... وهم نافَسُوني فاكتسَبْتُ المعالِيَا على أنَّه رحمه اللَّه لم يزدَدْ مع طعنهم في جنابه (¬2)، وخوضهم في شريفِ مراتبه إلا رفعةً. ما يضرُّ البحر أمسى زاخرًا ... إنْ رمى فيه غلامٌ بحَجِرْ ما ضرَّ بحرُ الفراتِ يومًا ... إذ خاضَ فيه بعضُ الكلابِ لو رجمَ النَّجمَ جميعُ الورى ... لم يصلِ (¬3) الرَّجمُ إلى النَّجمِ يا ناطِحَ الجبل العالي ليَكْلِمَه ... أشْفِقْ على الرَّأس لا تُشْفِقْ على الجَبَلِ كناطحٍ صخرةً يومًا ليفلِقَها ... فلم يَضِرْها وأوهى قرنه الوَعِلُ لا تَضَعْ مِنْ عظيمِ قدرٍ وإن ... كنْتُ مشارًا إليه بالتَّعْظيمِ ¬

_ (¬1) في (ب): "علي فضل"، خطأ. (¬2) في (ب): "جانبهم"، وفي (ح): "جانبه". (¬3) في (ط): "يحصل"، خطأ.

فالعظيمُ الخطيرُ يَصْغُرُ قدرًا ... بالتَّعَدِّي على الخَطيرِ العَظيمِ وَلَعُ الخمرِ بالعقول رمى الـ ... ـخمرَ بتنجيسها وبالتَّحريمِ وقلَّ مَنْ يخلو مِنْ كلام؛ لكون اتِّباع الهوى هو الأغلب إلَّا في النادر، والبلاءُ في تتابُعِ الألسنة كلها. نسأل اللَّهَ التوفيق. ومَن ذا الذي يَنْجو مِنَ النَّاسِ سالمًا ... وللنَّاس قالٌ بالظُّنون وقيلُ وهذا لأبي العتاهية، وقبله: أرى عِلَلَ الدُّنيا عليَّ كثيرةً ... وصاحبُها حتَّى المماتِ عليلُ وقال الآخر: سلمت وهل حيٌّ مِنْ الناس يَسْلَمُ (¬1) ومن سعة حلمه أيضًا: أن بعضَ الشعراء (¬2) ممن عاونَ في المصنَّف المشار إليه بالَغَ في هجائه، فما احتمل أتباعُ صاحب الترجمة ومحبيه -لا سيَّما ولده- ذلك، وأمروا بإحضاره فأُحْضِر، وبلغهَ ذلك، فتغيَّظ عليهم، وأمر بصرفه مُكْرَمًا، بل أنعم عليه بشيءٍ مِنَ الدُّنيا. بل أخبرني قاضي القضاة شيخُ المذهب العز الحنبلي أنَّ المشارَ إليه أخبره أنَّه ضبط ما يَصِلُ إليه منْ صاحب الترجمة، فكان ألف درهم في كلِّ شهر، وكان يقول: لستُ الآن أتردد لَمن تحصُلُ لي منه الدنيا والآخرة غيره، يشير إلى أنَّه كان -مع كثرة إنعامه عليه- يستفيدُ عنه علمًا جمًّا، كما أسلفتُه في أوائل الباب الثاني. ¬

_ (¬1) في (أ): "سالم". (¬2) هو النواجي كما سيصرح باسمه، والمصنف قريبًا.

ولقد قال الشيخ محمد بن زكِّينة النِّحريري الطَّويل، ويقال له: ابن القاضي، أحدُ المادحين لصاحب الترجمة، وهو ممن أضربنا عن إيرادِ شيءٍ مِنْ شعره، وكان هو يحضُّ أهلَ المجلس على الإصغاء لسماع مدائحه التي يتولى إنشادها بين يدي المُمَدَّح بصوته الجهوري، حتى قال مرَّةً للنَّواجي، وهو الذي أهملت ذكره: يا نواجي، إنِّني لسماعِك راجي، وإلا أكونْ لك هاجي، مخاطبًا (¬1) لصاحب الترجمة: يا مولانا، لِم تُعطي النَّواجي في قصيدته ثلاثةَ آلاف وتعطيني في قصيدتي ثلاثمائة؟ فقال: أما سمعت: "اقطَعوا عنِّي لسانه"؟ انتهى. وإذا تأمَّلتَ ما حكيته عَن هذا الشَّاعر المبدأ بذكره، علمتَ سُوءَ طباعِه ودناءة أصلِه، حيثُ يقول [ما أستغفرُ اللَّه مِنْ إثباته] (¬2): يا مَنْ يَرُومَ نوالًا مِنْ بني حَجَرٍ ... لقد نَزَلْتَ بوادٍ غيرِ ذي ثَمَرَه كيف تُرَجَّى خيورٌ تأتِ مِنْ حَجَرٍ ... وهو المُعَدُّ للاستنجاء والعَذَرَه لكن قد عارضه بعضُ أصحابنا، [فأنشدني] (¬3) البدر الأنصاريُّ رحمه اللَّه لنفسه: يا مَنْ يرومُ عطاءً مِنْ بني حجرٍ ... لقد أمَمْتَ عظيمًا فاسْتَمِع خبَرَه منه تفجَّر ماء العَذبِ ثمَّ وكَمْ ... مقبِّلٍ في طوفٍ مرَّة حَجَرَه ومما يُنسب لبعضهم: دحاك اللَّه مِنْ حَجَرٍ دعانا ... إلى البيداء وهو بها مُقَصِّرْ فأبْشِرْ بانكسارٍ عَنْ قريبٍ ... ومُت كمدًا فما لَكَ مِنْ مجبِّر قلت: ويظهر أنهما للشاعر الأول، فما يجسُر لذلك غيرُه. قاله تعصُّبًا لمن استعانَ به فيه، حيثُ نَسَبَ لصاحبِ التَّرجمة قوله: دعاوى فاعلٍ كثُرَتْ فسادًا ... ومَنْ سَمِعَ الحديث فسَوفَ يُخْبِرْ ¬

_ (¬1) في (أ): "مخالطًا"، تحريف. (¬2) و (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ط).

ولولا أنَّه رام انكسارًا ... لما طَلَبَ الإعانَةَ بالمُجَبِّر ولولا تبشيع بعضِ الناس في إيرادِ ذلك، ما أثبتُّ شيئًا مِنْ هذا، واللَّه يغفر لنا أجمعين. وكنت مرَّةً بين يديه بالمنكوتمرية، فجاء إبراهيمُ ابن الشيخ جمال الدين عبد اللَّه ابن الحافظ شهاب الدين أحمد العُرياني، وكان حينئذٍ متَّصفًا بما علمتَه غائبَ العقلِ، فوقف مِنْ وراء شُبَّاكها، وأخذ في السَّبِّ الفاحش والألفاظ القبيحة، فقال: نقومُ إلى أن يفرَغ أو يروح، ونهضَ فدخل مِنْ باب الخلوة، وردَّ بابها يسيرًا، فترك العرياني الشُّبَّاكَ وانصرفَ، فظنَّ صاحب الترجمة توجُّهَه بالكلِّيَّةِ، ففتح باب الخلوةِ ووقف، وإذا بالعرياني أقبل مِنْ باب المدرسة، وأخذ فيما كان فيه وأزيَدَ، فقال: ما بقيَ إلا الانصراف، وغلَّق البابَ وذهب، واستمرَّ المخذول فيما هو فيه ساعةً، ولم يمكِّن مع ذلك كله أحدًا مِنَ التَّعرُّضِ له، بل سمع أنَّه في تلك الليلة أمسكه بعضُهم -لا لهذا السبب- بأعوانِ الوالي، فأرسل إليه وأطلقه. ولما مات شيخُنا ابن خضر، وكان بيده تدريسُ الحديث بالبيبرسية نيابةً عن صاحب الترجمة، توجه الشَّريفُ موسى السِّرسنابي للناظر، وسعى فيه لنفسه بناءً -فيما يظهر- على أن ابن خضر كان فيه استقلالًا، فلم يُجَب، ووصل علم ذلك لشيخنا، فلم يظهر له شيئًا مِنْ ذلك، ولا كان بمانع له عن إقرائه. نعم، قال بعد أن فرَغَ مِنْ قراءة درسه لبعض جماعته: هذا سعى في وظيفتي، ثم جاء يقرأ عليَّ! واجتاز مرةً وهو في طائفة مِنْ جماعته بباب جامع العمري، وثَمَّ شخصٌ يقال له: علي بن خليفة، يُذكر بالجذب، فبدت منهُ كلماتٌ يابسةٌ، منها قوله: عمائم كالأبراج، وأكمام كالأخراج، والعلمُ عند اللَّه. فرام بعضُ جماعته منه تعزيره بالحبس ونحوه، فامتنع وقال: هذا مجذوب يسلم له حاله، وقدر أن صاحب الجامع عَلِمَ بذلك فتألَّم، وطرد الرَّجُلَ المشار إليه أو هجره بعد أن قال له: هذا شيخ السُّنَّةِ، أو كما قال. وأحضروا له مرةً مراسلةً مِنْ بعضِ تلامذته إلى القاياتي قاضي الشَّافعية

إذ ذاك، فرأى فيها مكروهًا كثيرًا، بل قيل: إنَّ هذا التِّلميذَ لو رأى مِنْ القاياتي حينَ قُدومه مِنْ هذا السفرة التي كاتبَه فيها بما أُشير إليه مزيدَ إقبالٍ، لكانَ هُو المطاعِنَ في صاحب التَّرجمة وولده عنده، لكنَّه خُذلَ ببابه في كائنةٍ سهلة. ورأى شيخنا مرة قد ترجم التَّاجَ عبد الرحمن بن الشهاب الأذرعيِّ قاضي دمنهُور، وقال في ترجمته: رحل إليه ابن فهد، فكتب المشارُ إليه بهامشِ خطِّه ما نصُّه: سبحان قاسمِ الحظوظ، لم يرحل إليه ابنُ فهدٍ إلَّا معي، ولا سَمِعَ عليه إلا بقراءتي. ووقف صاحب الترجمة على ذلك، وكان وقع في خاطري جمع ترجمة شيخنا في حياته، والتمستُ منه أن يملِيَ عليَّ منها ما لا أطَّلِعُ عليه إلا مِنْ قِبَله، فقال لي: قد كتب فلانٌ -وعنى المهملَ- عنِّي شيئًا مِنْ هذا، والآن كما حضر عندي صهرُه، وأرسلتُ له به معه، فاطلُبْه منه حتَّى أُرشِدَك لما فيه حصولُ المقصِدِ، فتوجهتُ مِنْ فوري إليه، وحكيتُ له الواقعة، فقال لي بصوتٍ مرتفع: هيهات هيهات، قد غيَّرتُ وبدَّلتُ، أيظُنُّ بقاءها كما شاهدها. لا واللَّه، فرجعتُ وبي مِنْ الغُبن ما اللَّه به عليم. هذا وصاحبُ الترجمة يعلم بذلك وأزْيَدَ منه، ويحلم عليه في ذلك كلِّه، بل ولا يظهر له إلا الجميلَ ولينَ القولِ والانبساط، أثابه اللَّه على صنيعه. ولما مات صاحبُ الترجمة، توجَّه هذا المبهم لبعض خواصِّ الكمال ابن البارزي منْ أحبابنا، كثَّر اللَّه منهم، وقال له عن ولدِه: إنَّه عاميٌّ، وصفته كَيْت وكَيْت، وذكر أوصافًا، وأُحبُّ أنَّ القاضي يأخذ لي مِنَ الكتب التي عنده الكتابَ الفلانيَّ، فما انجرَّ المشارُ إليه معه لهذا، حِفْظًا لشيخه في ولده، لمزيدِ حُبِّه فيه، وما بلغ -وللَّه الحمد- منه أربًا. وحاول مناكدَتَه مرَّةً بعد مرَّةٍ، فما ظفر. وقد أسلفت في الباب الرابع حكايةً للوجيزي أيضًا دالة على سعة حلمه. وكتب له بعض الطلبة ورقة فيها ألفاظٌ غير لائقةٍ بجنابه، لكونِ هذا الطالب تعرَّض له طالبٌ آخر، وشيخهما ساكتٌ، فلم يُعجِبْه ذلك، ولامه عليه، فكتبَ له ما نصه: نظرَ العبدُ لما سطر باطنها، والجوابُ ما قيل به

(أبعد ستِّين منِّي يبتغي الأدباء)، فضلًا عَنْ سبعين، فضلًا عَنْ ثمانين. وقد قيل أيضًا: والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتَّى يوارى في ثرى رِمْسِهِ إلى أن قال: ونحنُ ابتُلينا بقوم ما تعودوا تربية أهلِ الكمال، وإنَّما تعوَّدُوا بجفاءِ الأغفال، فلا حولَ ولا قوَّة إلا باللَّه. ونحوه قوله لبعض جيراننا: قد ابتُلينا بمن ينازع فيما نقولُه ويوهيه مشافهةً، بل وصرَّحَ بأعلى مِنْ ذلك بدون أدب. ولطالما أُوذِيَ رحِمَهُ اللَّه مِنْ أتباعه وبعض طلبته، فيحتسبُ ويصبِر. اتَّفق أنَّه قام في منع خطبة أُحدثت بمصر بمدرسةٍ جَعَلَ واقفُها فيها مدرسًا، وطلبه بعد إبطالِ الدَّرس ليصرِفَ معلومَه في الخُطبة وتوابِعِها مِنْ غيرِ ضَرُورةٍ للتعدُّدِ ولا مُسَوِّغ معتبر للإبطال، وعورض في صنعه بحيث لم يتمَّ قصده. ورام بعضُ أهلِ الدَّولةِ التسلُّط على أهلِ الذِّمَّة المؤدِّين للجزية في أخذِ أموالهم، مستندًا إلى أنهم أحدثوا في الكنائس بناءً، ونحو ذلك، فعارضه بمذهبه، حيثُ لهم إعادة ما استُهْدِمَ منها بشرطِه، فشافهه حينئذٍ تلميذُه القاضي بدر الدِّين بن التنسي بما لا أحب إثباتَه وإن تعرَّض له بعضُ المؤرِّخين. وكنت بين يديه بتربة قجماس، أقرأ عليه بعضَ المرويَّات بمحضرٍ حافلٍ، فيه شيخ الإسلام الأقصرائي والبدرُ البغدادي الحنبلي، أحدُ تلامذة صاحب الترجمة، ومَنْ شاء اللَّه مِنَ الخلق، يوم توفي شيخنا المستملي أبو النَّعيم رضوان العُقبي (¬1)، وكان مِنْ جملةِ الحاضرين الشيخ شهاب الدين العُقبي، وهو أخو المتوفى المذكور، فلما تمَّتِ القراءةُ، واستجزتُ المسمِعَ على العادة، التمس منِّي الحنبليُّ المذكورُ -بحضور شيخنا- استجازة ¬

_ (¬1) في (ب): "العقيلي"، تحريف.

العقبي، وفهمتُ قصده في ذلك، فلم ألتفت لقوله، وكرر ثانيًا وثالثًا، وصمَّم وجاكر، فلم أُجِبْ سؤاله، وقلتُ في المجلس: لا أستجيزُ بحضورِ شيخِ مشايخ الإسلام استجازةَ غيرِه أدبًا. وصار شيخنا لا يُظهر تأثرًا بذلك، مع فهمه مِنْ مقصده ما فهمْتُ، بل صار يقول: قد أعلمتُ أصحابنا بما للشِّهاب معي مِنْ المسموع. وخرَّج له صاحبنا -وأشار إلي- مشيخةً بيَّن فيها ذلك (مع غيره) (¬1)، وأحضرها إليَّ، فكتبت له عليها "الفتح القُربي في مشيخة الشِّهاب العقبي". واتفق حضورُ الجنازةِ، وقيامُ الجماعةِ للصَّلاة، ورجع ما أخفاه الحنبليُّ في هذه الواقعة عليه، فاستمرَّ مضمرًا لي ذلك مع حادثةٍ اتَّفقت لي معه بعد وفاة صاحب الترجمة، قُهِر -وللَّه الحمد- فيها كهذه أو أعظم، وما كفَّه عنِّي إلا اللَّه عز وجل، لما علمت مِنْ شدَّة بأسه، وقيامه في ناموس نفسه. وكنتُ لما استشعرت منه إضمارَ شيءٍ مِنْ أجل ذلك، واتَّفق توجُّهي لمكَّة المشرفة، شربتُ ماء زمزم لكفاية أمره، ورجعت فقابلني بالإكرام، ووالى ذلك عليَّ مرَّةً بعد أخرى، وصِرْتُ بسبب ذلك أتردَّد إليه أحيانًا، إلا أنَّه مات عَن قُرْبٍ جدًا، رحمهم اللَّه تعالى. هذا مع أنَّ الحنبليَّ المشار إليه كان تلميذه ونائبه، بل كان يحكي عن نفسه أنَّه كان ابتداء أمره يقرأ "الشفا" عند ضريح إمامنا الشَّافعي، وفي يوم ختمه يحضُرُ شخصٌ مِنْ المتموِّلين (¬2)، فيفرقُ على الفُقراء الحاضرين صُرَّة صرَّة، ويُعطي القارىء فيما بينهما صُرَّةً جيدة. قال: فاتفق في بعض السِّنين أن ماتَ هذا الرَّجل يومَ الختم. قال: فقلت في نفسي: مِنَ الإنصاف حضورُ جنازته، ثمَّ نرجع، فنختم، ونُهدي ثوابَ ذلك في صحيفته، ففعلتُ بحضورِ مَنْ له عادةٌ مِنْ الفقراء في الحضور، وحصل منهم تألُّمٌ على فقده، فلمَّا كان مساء تلك الليلة، رأيتُ في المنام كأنَّ عندي مِنَ الغنم ما لا ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ب). (¬2) في (ب، ط): "المتولين".

أصِفُه، فلمَّا أصبحت أُخبرتُ عَنْ شخصٍ مِنَ الأعيان أنَّه ترك وظيفته (¬1) بالشَّيخونية، وسافر. قال: فجئتُ -يعني صاحبَ الترجمة- وكان ذلك قبل استقراره في القضاء، وكنتُ أراه بمنزلة الوالد، فأعلمتُه بذلك، فبادر وتوجَّه معي إلى ناظرها، فوصف له حالي، فقرَّرني فيها، ولم يكتَفِ النَّاظر بذلك، بل أنعم بثوبٍ بعلبكِّيِّ وبأقماع سكَّرٍ ودراهمَ جيدة، وانصرفنا فتوجه معي أيضًا إلى القاضي ناصر الدين البارزي صاحب ديوان الإنشاء، فتفضَّل أيضًا، وكان ذلك ابتداءُ الخير، ثم جات الغنيمةُ شَيئًا فشيئًا، وتحقَّقتُ أنَّ هذا كلَّه ببركةِ الإمام الشافعي. انتهى. وجاء إلى صاحب الترجمة شخص آخر مِمَّن نال منه كثيرًا، بل ربما شافهه بالمكروه، فتلطَّفَ في خطابه، وكان مِنْ جُملة قوله له: كُنْ مِنْ أمَّةِ أحمد، ولا تكُنْ مِنْ قومِ صالح، فقال له: شَرْعُ مَنْ قبلَنا شرعٌ لنا، ما لم يَرِدْ ناسخٌ. انتهى. وللَّه دَرُّ القائل في مَنْ يُعرِض عمَّن يؤذيه: لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمته حجرًا ... لأصبحَ الصَّخْرُ مثقالًا بدينارِ وقال غيره: ومن (¬2) قابل الكلبَ العقورَ بما عَوَى ... وقاتله عَمْدًا لَمِنْ شِيَمِ الجَهْلِ لأنَّ مكافاة الكلابِ نقيصَةٌ ... تَعُزُّ على الأحرار مِنْ جِهَةِ العَقْلِ كل هذا مع قدرته على الانتقام، ولكن كان يعفو عند المقدرة، ويتفضَّل اللَّه عز وجل بحصول الانتقام في الدُّنيا قبل الآخرة مِمَّن ناوأه ممَّن لم يُخْلِصْ في التَّوبة ويظهر النَّدمَ والرُّجوعَ، ويعزِم على عدم العَوْدِ، كما فعل ابن التنسي رحمهما اللَّه تعالى، فإنِّي رأيته حضر عند قبرِ شيخنا، وصار ينتحب بالبكاء ويصرِّح بالتأسُّف على فَقدِهِ، ويقول: ما كنَّا نظنُّ حصول هذا ¬

_ (¬1) في (أ): "وظيفة". (¬2) في (أ): "ولو".

الأمر بنا بعدك، يشيرُ إلى كائنةٍ اتَّفقت له في قيامه في المنع مِنْ قتل الكيماوي الذي كان ينتسِبُ إلى الشرف، معارضًا للسلطان، وقيام الفاضل شمس الدين الدسطي المالكي بمعاونة أبي الفضل البجائي المغربي في اتِّباع عَرَضِ السُّلطان، ليتوصَّلا بذلك إلى غرضهما مِنْ ولايةِ المنصب، وغير ذلك، حتى قُتِلَ المشارُ إليه بعد أن عُقِدَ مجلسٌ حافلٌ بسبب ذلكَ، وجاهر كلٌّ مِنَ المذكورين ابن التِّنسي بمكروه، فما احتمل ذلَك، وقام بعدَ انفضاضِ المجلسِ متوجِّهًا لقبرِ صاحب التَّرجمة، وفعلَ ما قدَّمتُه، وأفضى به الحال مِنْ شدَّة القهر إلى أن مات عَنْ قربٍ، وما كان مقصدُه في ذلك إلا جميلًا، فقد كان متثبِّتًا في الدِّماء، بل وفي سائر الأحكام. وأما مَنْ عارضه، فانعكس مقصودُهما، ومُقِتَا عندَ الخاصَّةِ والعامَّةِ، وتشتَّتَ شملُهما، واستمرا في انخفاضٍ حتى ماتا. وكان بعد موت البدر المذكور، توهَّم البجائي حصولُ المنصب، فقام نظامُ المملكة في استقرار القاضي وليِّ الدين السُّنباطي، وحَمَدَ المسلمون ذلك، كما حمدوا ولاية القاضي حسام الدين ابن حريز بالنسبة لمن رَفَعَ رأسه لها بعد موت السُّنباطي المذكور، كالبجائي أيضًا وغيره، لما لا يخفى مِنْ سيرة كلٍّ وسريرته، فسبحانَ الفعَّال لما يريد. وما كنتُ أحِبُّ إثباتَ شيء مِنْ ذلك، إلا أنِّي لا آمَنُ حكايةَ الأمورِ على غير جليتها، خصوصًا مِنْ بعض مَنْ ينتسِبُ إلى صاحب الترجمة وإلى البجائي، فأحبَبْتُ الإشارةَ إلى ما لعلَّه يُفْهَمُ منه المقصود. وبالجملة، فقد رأينا غيرَ واحدٍ ممَّن آذى صاحبَ الترجمة أو عارضه، أو تعرَّض لنقصه أو صرَّح بالوقيعة فيه، أو غير ذلك ممَّا الحاملُ على أكثرِه الحسدُ واتِّباعُ هوى النَّفس، مئه مِنْ أنواعِ العُقوبات والمِحَنِ ما لا يُعَبَّرُ عنه حتى بإدخال المقشرة، بل ونثر الأسنان أيضًا، مما يتشدَّق في حقِّه بفيه، بحيث لا يُقال له: أجدت لا يَفْضُضِ اللَّه فاك، لكن أغضينا عَنْ تفاصيل أحوالهم، مشيًا على سُنَّتِه، وما أحسنَ قولِ القائل:

عَدُوُّكَ مذمومٌ بكلِّ لسانِ ... ولو كان مِنْ أعدائِكَ القَمَرَانِ وللَّه سرٌّ في علاك وإنَّما ... كلامُ العِدَا ضَرْبٌ مِنَ الهذيانِ رأيت الذي ينوي لك الغدرَ يُبْتَلى ... بغدر حياةٍ أو بغدر زمانِ وأغربُ ما اتَّفق مِنْ ذلك: أن واحدًا ممَّا أشيرَ إليه سَمِعَ منه التَّصريح بقوله: لا بدَّ أن أُغري السُّلطانَ عليه حتى يفعل به كيت وكيت، وذكر ما قدر أنَّه وقع لقائله مِنْ سجنٍ وأخذِ مالٍ وغيرِ ذلك، نسأل اللَّه السلامة. وكذا مِنَ الغريب أنَّ بعضهم تعرَّض لولده، ولم يحفَظ حقَّ والده فيه، فقوصِصَ في ولده بعدَ حينٍ، إلى غيرِ ذلك ممَّا لا نُطيل بشرحه، وللَّه در القائل: وما سادَ أحدٌ ناواه ... ولا كان ذا اسْتِنْصَار ولا ساء مَنْ تولَّاه ... بل عمَّه بالفَضْلِ المِدْرَار ليس للعِلْمِ في الجهالَةِ حظٌّ ... إنَّما العلم طرفُهُ الإغضَاءُ وأمَّا مَنْ لم ينتقم منه، فالآخرة خير وأبقى. وممَّا بلغني عنه أنَّه قال: مماليكُ الملِكِ على أقسام ثلاثة، منهم مَنْ هو معه ظاهرًا وباطنًا، ومنهم مَنْ يخالِفُه باطنًا، ومنهم مَنْ يتظاهَرُ بمخالفته، وهو مع ذلك لا يحب أن غيره يتعرَّضُ لهم، بل ينتقم ممَّن يتنقَّصُهُم، أو يؤذيهم، ولا شك أنِّي في معظم عُمري (¬1) قائمٌ بالذَّبِّ عَن حديثِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي خدمته، فنِسْبَتي إليه بذلك صحيحةٌ، وإن كنتُ مقصِّرًا، وأرجو بذلك أن يحفظني ويكفِيني سائر مُهِمَّاتي، أو كما قال. ولا شكَّ أنَّ لحوم العلماء مسمومة، وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- "مَنْ آذى لي ¬

_ (¬1) في (أ، ط، ح): "أمري" والمثبت مِنْ (ب) مِنْ خط المصنف.

وليًّا، فقد بارزني بالمحاربة. . . " الحديث. والعلماءُ همُ الأولياء، لا سيَّما وقد أسلفتُ (¬1) التَّصريحَ عَن بعض أهلِ الأحوالِ بولايته وقطبيته وغير ذلك، بل وسيأتي قريبًا ذكر شيء مِنْ كراماته. ومنها: أنَّه بلغني ممَّا لم أسمعه منه، أنَّه قال في حقِّ القاضي بدر الدين السَّعدي الحنبلي: صِغَارُ قومٍ كبارُ قومٍ آخرين، وظهر تصديقُ مقاله فيه بعد أزيدَ مِنْ خمسةٍ وعشرين سنة. قلت: ولقد رأيناه -رحمه اللَّه تعالى- إذا بالغَ في الغضب على أحدٍ مِنْ خَدَمِه أو أتباعه، يقول: إنا للَّه. وهذا قريبٌ ممَّا حكاه العجلي في ترجمة عبد اللَّه بن عَوْنٍ البصري أنَّه كان إذا غَضِبَ على أهله، قال: بارك اللَّه فيك، وأنَّه قال لابنٍ له يومًا: باركَ اللَّه فيك، فقال له الابن: باركَ اللَّه فيَّ؟ قال: نعم. قال له بعضُ مَنْ حضره: ما قال لك إلا خيرًا. قال: ما قالَ لي هذا حتى أجهَدَه. انتهى. ولم يكونوا رضي اللَّه عنهم ممَّن يعوِّد لسانه الفُحْشَ. قال السيد عيسى عليه وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاة والسلام لخنزيرٍ لقيه: اذهب بسلام. فقيل له في ذلك، فقال: أكرَهُ أن أعوِّدَ لساني النُّطقَ بسوءٍ. قلت: ومع وُفور حلمه، وعدم سرعة غضبه، فكان سريعَ الغضبِ في اللَّه ورسوله، ويصرح -كما سلف في أول أجوبته في الفصل الخامس مِنَ الباب السادس- باقتداء النَّاس في هذه الأزمان بأولي الجهل، وعدم معرفة الحقِّ، وسيادةِ الوَضيع، وتغيُّر الأحوال، حتَّى عاد الدِّينُ غريبًا، إلى غير ذلك ممَّا يشهدُ لصدعه بالحقِّ، وعدم المبالاة في اللَّه تعالى، واتَّفق -كما سمعتُه منه مرارًا- أنَّه جرى بينه وبين بعض المحبِّين لابن عربي منازعة كثيرة في أمرِ ابن عربي، أدَّت إلى أن نال شيخُنا مِنَ ابنِ عربي لسُوء مقالته، فلم يسهل بالرَّجُلِ المنازع له في أمره، وهدَّده بأن يُغْرِيَ به الشيخ صفاء الذي كان الظَّاهرُ برقوق يعتقدُه، ليذكرَ للسُّلطان أنَّ جماعة بمصر منهم فلان ¬

_ (¬1) ص 988.

يذكرون الصَّالحين بالسوء، ونحو ذلك، فقال له شيخنا: ما للسُّلطان في هذا مدخَلٌ، لكن تعالَ نتباهل، فقلَّما تباهَلَ اثنان، فكان أحدهما كاذبًا إلا وأصيب، فأجاب لذلك: وعلَّمه شيخُنا أن يقول: اللهم إن كان ابنُ عربي على ضلال، فالعَنِّي بلَعْنَتِكَ، فقال ذلك: وقال شيخنا: اللَّهُمَّ إنْ كان ابنُ عربيٍّ على هُدى، فالعني بلعنتك، وافترقا. قال: وكان المعانِدُ يسكن الرَّوضةَ، فاستضافه شخصٌ مِنْ أبناء الجُند جميل الصُّورة، ثمَّ بدا له أن يتركَهُم، وخرج في أوَّل اللَّيل مصمِّمًا على عدمِ المبيت، فخرجُوا يشيِّعُونه إلى الشَّختُور، فلمَّا رجعَ أَحسَّ بشيءٍ مرَّ على رجله، فقال لأصحابه: مرَّ على رجلي شيءٌ ناعم، فانظُروا، فنظروا فلم يَرَوا شيئًا، وما رجع إلى منزله إلَّا وقد عَمِيَ، وما أصبح إلا ميتًا. وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين، وكانتِ المباهلة في رمضان منها، وكان شيخنا عند وقوع المباهلة عرَّف مَنْ حضر أنَّ مَنْ كان مُبطلًا في المباهلة لا تمضي عليه سنة. قلت: وقد أشار صاحبُ الترجمة أيضًا إلى القصَّة في "شرح البخاري" أواخرَ المغازي عَقِبَ حديثِ حُذيفة رضي اللَّه عنه، قال: جاء العاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبَا نجران إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يريدان يلاعناه أي يباهلاه، قال: فقال أحدُهما لصاحبه: لا تفعل، فواللَّه لَئِنْ كان نبيًّا فلاعنَّاه، لا نُفْلِحُ نحن ولا عقِبُنا مِنْ بعدنا (¬1). قالا: إنَّا نُعطِيكَ ما سألتنا، وذكرَ الحديث، ما نصُّه: فيه مشروعيَّةُ مباهلة المخالف إذا أصرَّ بعدَ ظهورِ الحجةِ، وقد دعا ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما إلى ذلك، ثمَّ الأوزاعي، ووقع لجماعةٍ مِنَ العُلماء. ومما عُرِفَ بالتَّجربة أنَّ مَنْ باهل وكان مُبطلًا لا تمضي عليه سَنَةٌ مِنْ يومِ المباهلة، ووقع لي ذلك مع شخصٍ كان يتعصَّب لبعض الملاحِدَةِ، فلم يُقِم بعدها غيرَ شهرين. وقد حاكى صاحب التَّرجمة في ذلك بعضٌ مِنَ الحُظوظ الدُّنيوية غالبة ¬

_ (¬1) في (أ): "مِنْ بعدها".

عليه، ويروم عليها اعتماد صنيعه، لا سيَّما في شخصٍ يتجاذَبُ أطرافه جماعة فيهم مِنْ كائنته معه متراخية عَن كائنة المُشار إليه، فلا سمع ولا كرامة، بل نحمَدُ اللَّه عز وجل على العافية، ونسأله إلهامَ رُشدِنا، ونستعيذ به مِنْ شُرور أنفسنا. وأدى عدمُ إخلاصه إلى المبادرة لمخالفته والتصريح بانتقاصه، حتَّى قال فيه بعضهم عقب بيت ما أحببتُ إيراده هنا: لو قالَ إنَّ الشَّمسَ تظهَرُ في السَّما ... وقَفَتْ ذَوُو الألبابِ عَنْ تصديقه وحضر إلى صاحب الترجمة شخصٌ مِنْ ضواحي حلب، فاستأذنه للقراءة عليه عَقِبَ مجلسِ الإملاء فأذنَ له، فبادر بإحضارِ كُرسيٍّ، ووضعه وسط المكان، ثمَّ صعد عليه، وشرع في القراءة، فتبيَّن أنَّ في المقرُوء أشياءَ موضوعة، ونحو ذلك، فانزعج صاحبُ التَّرجمة، وسارع للقيام بعدَ أن نهرَ القارِىءَ، قائلًا له: أردت أن تقولَ: قرأتُ هذا على فلان، أو كما قال. وكأنَّه فَهِمَ مِنْ قرائن الحالِ جُرأةَ الرجل وإقدامَه، وخَشِيَ الاغترارَ به، فبادر للإنكار عليه، وعَدَدْتُ ذلك مِنْ كشفه، فإنَّ المشارَ إليه صار يقصُّ على الناس، ويُكثر مِنْ إيراد الأكاذيب والمُهمَلات، فلا حولَ ولا قوَّة إلا باللَّه. وكذا اتَّفق له مَعْ شخص رام قراءة "شرح النخبة" عليه، فما أجابه، وتبين تلبُّسَه بما لا يليق اعتقادًا وعملًا. وأحضر إليه شخص مصنَّفًا له في الحدود والضوابط، رام تقريظه له، فبادر ودفع له دينارًا، واعتذر عن عدم كتابته. واتَّفق أنَّ صاحبَ الترجمة رحمه اللَّه كان شديدَ الإنكار على المنجِّمين ممَّن يَخطُّ بالرَّمل ونحوه، فسمع ذلك منه بعضُ مِنْ كان يحضر مجلسه، فأخذ في الإنكار على شيخ كان يتعيَّشُ مِنْ ذلك، مع كونه طعن في السِّنِّ، وكان مِنْ جملة قوله له: اعتقادُ هذا كفر مِنْ أجلِ ادِّعاء علم ما يكون قبلَ كونه، فبادر المشارُ إليه، وشكا الطَّالب لصاحب التَّرجمة، فاشتدَّ إنكارُه على

المنجِّم، وقال له بصوتٍ مرتفع: صدق (¬1)، هذا كفر. وجاء مرَّة مجلس الإملاء، فوجد شخصًا مِنَ الجماعة قد آذى بعضَ الفضلاء، لكونه جلس فوقه، بحيثُ حكى لي مَنْ أثِقُ به أنَّه برك عليه والخنجرُ في كمِّه، وكان بينهما ما لا يليقُ ذكرُه، فانزعج لذلك، حتى إنَّه لم يؤدِّ مجلسَ الإملاء كعادته (¬2)، وقال: خرجَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليخبرَ بليلةِ القدر، فتلاحى رجُلان، فرُفِعت. الحديث. والحكايةُ منتشرةٌ بين أصحابنا مَع أشياءَ مِنْ هذا النَّمط وقعت لهذا المُهمَلِ، أظرَفها أنَّه خرجَ ليلةً مِنْ مجلس صاحب الترجمة بعدَ العشاء هو وصاحبنا الشَّيخ السُّنباطي والشَّيخ تقي الدين القلقشندي، فمشى السُّنباطي بجانبه، وكان المشارُ إليه بالجانب الآخر، بحيثُ صار التَّقي في الوسط، فتغيَّظ على السُّنباطي، وقال: لِمَ لَمْ تمش بجانبي حتى أكون في الوسط، إلى غير ذلك ممَّا له غيرُ هذا المحل، نسأل اللَّه التوفيق. وأما حسن سياسته ومداراته، فلا يُلْحَقُ في ذلك. وأما صبرُه على مَنْ تعرَّض له مِنَ الحوادث البدنيَّة والمالية، وعدم إعلامه بذلك كبيرَ أحدٍ، فغير خفيٍّ. وسمعتُ بعضَ خدَّامه يحكي -واللَّه أعلمُ بصحَّته- أنَّه بينا هو راكبٌ في بعض توجُّهاته، إذ أحس بشيءٍ مِنْ داخل خُفِّه، بحيث صار يتضوَّرُ، لكن وهو صابرٌ لا يتكلَّم، إلى أن رجَعَ، فوجدوا ذلك عقربًا، وكانتِ السَّلامة على غيرِ القياس. قلت: وقد حكى صاحبُ "الشِّفا" عن عبد اللَّه بن المبارك: قال: كنتُ عند مالكٍ رحمه اللَّه وهو يحدِّثُنا، فلدَغَتْه عقربٌ ستَّ عشرة مرة، وهو يتغيَّر لونُه ويصفرُّ، ولا يقطَعُ حديثَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلمَّا فرغ مِنَ المجلس، ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ب). (¬2) في (ب): "على عادته".

وتفرَّق عنه النَّاسُ، قلت له: يا أبا عبد اللَّه، لقد رأيتُ اليومَ مِنْكَ عجبًا! قال: نعم، إنَّما صبرتُ إجلالًا لحديثِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى. ومن صبره أيضًا: أنَّه وضع يده على قُربوص السَّرج عند إرادته الرُّكوب، فلدغَته عقربٌ، فرجع إلى منزله مِنْ فوره، وأخذ موسى، فشرط أصبعه. وطُعِن مرَّةً في طاعون سنة ثمان وأربعين، فباللَّه ما علِمْتُ بذلك. وكذا توعَّك في سنة اثنتين وثلاثين، فما عَلِمَ به كثيرُ أحدٍ، وعُوفي عَن قرب، فاستعرض أهلَ السُّجونِ، وصُولح مَنْ له دَيْنٌ مِنْ مال شيخنا، وحصل لجمعٍ كثيرٍ مِنَ النَّاس فرج كثير. أمَّا صاحبُ الدَّين، فلِيَأسِه مِنْ حصول شيءٍ مِنَ المسجون، وأمَّا المسجون، فلِمَا كان يقاسيه مِنْ شدة الحرِّ وغيره. [وفي ذلك يقول: مولاي يا قاضي القُضاة ومَنْ غَدَتْ ... كلُّ الورى تفديه بالأحداقِ هُنِّيتَ عامًا مقبلًا يا سيِّدي ... وسَمَوْتَ للعلياء باستحقاقِ أهلُ الحُبوسِ بأسْرِهم أطلقتَهُمْ ... وأسَرْتهم بمكارِمِ الأخلاقِ كم مِنْ لسانٍ بالثَّنا أطلقتَه ... فلأنْتَ ممدُوحٌ على الإطلاقِ] (¬1) بل حكى لي العزُّ السُّنباطي عَنِ الزَّين عبد الغني القِمَني أنَّه عرض له في عينه عارضٌ، بحيث لم يكُنْ يُبصِرُ بها كبير شيء، وأنَّه أخفى ذلك عَنْ كلِّ أحد. ونحو هذا ممَّا يدلُّ على وُفُورِ عقله وثباته وعدم طَيْشِه، أنَّه بينما هو وأصحابُه بعدَ العشاء على العادة، سقط مِنْ سَقْفِ المدرسة ثُعبانٌ بحذائه، فقام مَنْ عنده فزعًا، وثبت هُو مكانه، فلم يتحرَّك. قلت: وكذا يُحكى عَنِ ابنِ المبارك أنَّه قال: ما رأيتُ أوقرَ مِنْ مجلس ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين مِنْ (ط)، ولم يرد في (أ، ب، ح).

أبي حنيفة رحمه اللَّه، كان يومًا في المسجد الجامع، فوقعت حيَّةٌ في حجره، فهرب النَّاسُ غيره، وما زاد على أن نَفَضَ الحيَّةَ وهو جالسٌ مكانه. وكذا رواها شقيقٌ بن إبراهيم البلخي عن أبي حنيفة، وفيها: أنَّه نفضَها وما زال عَن مجلسه، ولا تغيَّر لونه. قال: فعرَفْت أنَّه صاحب يقين. وبالضِّدِّ مِنْ ذلك: ما شاهدتُه مِنْ بعضِ مَنْ أخذتُ عنه وأنا معه في جماعة، وقع مطرٌ غزيرٌ وفيه بردٌ كبار، فسقط عليه بعضُه، فقام فزِعًا، وعذرته واللَّه في ذلك، فإنَّه كان أمرًا مَهُولًا. رحمهم اللَّه أجمعين. ومن وُفورِ صبره: أنَّه لمَّا امتُحِنَ في أيَّام القاياتي بإخراج البيبرسيَّة، ثم في أيام السَّفطي بغيرِ ذلك واشتدَّ الأمرُ، كما أسلفناه، كان يُبالِغُ في الحمد ويقول: لو أمرَ السُّلطانُ بإخراجي [مِنْ هذا البلد] (¬1) مَنْ كان يمنعُه مِنْ ذلك؟ فما هذا إلا مِنْ لُطف اللَّه عز وجل بي، وإن كنت أعلم أنَّني أكونُ في غير هذا البلد أشدَّ تعظيمًا وأكثرَ احترامًا، إلا أن حبَّ المرء وطنه ممَّا جرتِ العادةُ به، لا سيما وفيه شماتة الأعداء وغير ذلك. وقد أنشد بعضُهم: تغرَّبْ على اسمِ اللَّه والتَمِسِ الغِنَى ... وسافِر ففي الأسفارِ خَمْسُ فَوائدِ تَفَرُّجُ نفس والتِمَاسُ معيشةٍ ... وعِلمٌ وآدابٌ ورِفْعَةُ ماجِدِ فإن قيل في الأسفارِ ذلٌّ وغُرْبَةٌ ... وتشتيتُ شملٍ وارتكابُ شَدَائِدِ فلَلْمَوْتُ خيرٌ للفتى مِنْ مقامه ... بدارِ هَوانٍ بين واشٍ وحاسِدِ وأما بذله وسخاؤه فكان عجبًا يعسر (¬2) استقصاؤه: ومنه ما حكاه لي بعضُ أحبابه ممَّن أثق به أنَّه شكا إليه في وقتٍ مِنَ ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). (¬2) في (ط): "يقصر"، تحريف.

الأوقات التي كان فيها ضيِّقَ الصَّدر بسبب مَنْ أفحشَ في معارضته دينًا يكونُ قدرَ ستة عثر دينارًا، فدفع له ذلك جُملَة. وكان في كلِّ قليل يُعطي أجلَّ جماعته -وهو شيخنا العلامة ابن خضر- مالًا جزيلًا يفرِّقه على الطلبة ونحوهم، ويدفَعُ هو لجماعةٍ آخرين، ويجتمع الغوغاءُ مِنَ الفُقراء في يوم مِنَ السَّنة، فيتولَّى التَّفرِقَةَ عليهم غالبًا بنفسه أو بحضرته، ويتفقَّدُ أُناسًا مِنْ المعتبَرِينَ في العلم وغيرهم بالإرسال إلى محالِّهم، ومنهم القاياتي وابن الدَّيري وابنُ الهمام والعزُّ بن عبد السَّلام البغدادي والكمالُ الشُّمُنِّي والبدرُ البغدادي الحنبلي، حتى في أوائل ولايته قضاءَ الحنابلة، وأضرابهم. وحكى العزُّ عبدُ السَّلام المذكورُ، قال: امتدحته بسبعة أبيات، فأثابني عليها سبعة دنانير. بل كان في كلِّ قليلٍ يتفقَّدُ المحابيس، ويصالحُ عنهم مِنْ ماله، ويُحْسِن للفقراء مِنْ جيرانه، كالفقيه شمس الدين السعودي الضرير وغيره. وفي عشر الأضحى يدفَعُ لبعض خواصِّه مائة دينارٍ ليشتريَ بها ضحايا برَسْمِ الطَّلبة ونحوهم، كما بلغني، أو يفرِّق ذلك دراهم، وكذا يدفَعُ إلى جماعةٍ كثيرين في رمضان عسلًا وبعضهم سُكَّرًا، وبعضهم دراهم، توسعةً في نفقة الشَّهر المذكور، إلى غير ذلك مما لا أُطيل بإيراده، لا سيما وهو قد كان يُخفي ذلك جهدَه، حتى إنَّه أخرج مِنْ جيبه دراهم، ودفعها إليَّ أقَسِّمُها بين ثلاثةٍ جلسوا تُجاهه، توسَّمَ فيهمُ الحاجة، فما رأيتُ القسمة تَصِحُّ، فقلت له: القسمةُ متعذِّرةٌ، مِنْ أجل أنَّ العدد كذا، فتغيَّظ عليَّ، لكوني أعلمتُه بالكمِّيَّة، وفهِمْتُ حينئذٍ منه أنَّه يرى حُصولَ صدقة السِّرِّ بذلك للجهل بالقدر. وقد قال هو في "فتح الباري" ما حاصله: إنَّ المقصودَ مِنْ الحديث: المبالغةُ في إخفاء الصَّدقة، بحيث إنَّ شمالَه، مع قُربها مِنْ يمينه وتلازُمهما، لو تُصُوِّرَ أنها تعلم، لم تعلم ما فعلتِ اليمين، لشدَّة إخفائه. قال: ويحتمل أن يكونَ مِنْ مجاز الحذف، والتَّقديرُ: حتَّى لا يعلم مَلَكُ شماله، أو حتى

لا يعلم مَنْ على شماله مِنَ النَّاس، وأبعدَ مَنْ زَعَمَ أنَّ المراد بشماله نفسه، وأنَّه مِنْ تسمية الكل باسم الجزء، فإنَّه ينحلُّ إلى أن نفسه لا تعلمُ ما تُنفق نفسه. وقيل: إنَّ معناه التَّصَدُّقَ على الضَّعيف والمكتسِب في صُورة الشِّراء، لترويج سلعته، أو رفع قيمتها، وهذه إن أريد أنها مِنْ صوَر الصَّدقة الخفية، فمسَلَّم. أما كونها مراد الحديث خاصَّةً فلا. انتهى. ومما اتفق في هذا النوع مما يدل لكرامته: أنَّ بعضَ الفقراء مِنْ طلبة العلم المُتردِّدين للاستفادة (¬1) منه حضر إليَّ، وذكر حاجةً، واستشارني في بيع بعضِ كُتبه، ظانًّا حُصولَ شيءٍ مِني، فما تيسَّر، وحضرَ على العادة آخرَ النَّهارِ، فلمَّا تمَّ الدَّرسُ وقام شيخنا ليدخُلَ، وقف على بابِ خَلوَتِه وناداه، فدفع له دينارًا. وحكى لي الشيخ إبراهيم بنُ سابق الغمري إمامُ المنكوتمرية، قال: كنتُ عنده في وقتِ عشائه، فأمرني فجلست بجانبه، وكنت آكُلُ يسيرًا حيث حدَّثَتْنِي نفسي بشيءٍ مِنْ جهة كونه قاضيًا. قال: فما تمَّ ذلك حتَّى قال لي: كُلْ يا إبراهيمُ وأنت طيِّبُ الخاطر. وطالما كان بعضُ الطَّلبة ونحوهم يقترضُ منه المبلغ الكثير، ويكتبُ له وثيقةً مِنْ تلقاءِ نفسِه بذلك، فإذا تيسَّر له ذلك، ودفعه إليه، أعطاه منه قدرًا كبيرًا، فيقع موقعًا عظيمًا عند المدين. واتَّفق أن شيخنا ابنَ خضر توفي ولصاحب التَّرجمةِ عليه مبلغٌ سبعين دينارًا، اقترضها منه مِنْ مدَّةٍ طويلةٍ، فرام شراءَ نسخته بفتح الباري مِنْ تركته، ليوقفها على الطلبة لأجل اعتمادها وإتقانها، فالتمس منه الجمالي ناظر الخاص (¬2) أن يترُكَها له، ففعل. ولما أحضرَ المبلغَ الذي له، لم يلتَفِتْ لذلك، بل أشارَ بقطعِ خمسةَ عشر دينارًا منه للأولاد، لكونه كان سكَنَ بالحلبيَّة في بيتهم بجامع صاروجا شهرًا، والأجرةُ لا تساوي ذلك، ¬

_ (¬1) في (أ): "للاستفتاء". (¬2) في (ط): "الخواص".

وبثمانية دنانير برًّا لهم، وبنحوِ عشرةِ دنانير عَنِ النواجي ثمن "مشتبه النسبة"، فإنه كان اشتراه مِنَ التَّركة، فذهب نحوُ نصفِ المبلغ احتسابًا، مع أنَّه قال: إنَّ القدر المتأخِّرَ هو لهم، يشير إلى أنَّه يبرُّهُم به بعد ذلك شيئًا فشيئًا، واعتذر عَنْ عدم تركه بيد المتكلِّم. وبلغه عَن شخصٍ مِنْ أصحابه أنَّه اقترض مِنْ بعضهم مبلغ خمسين دينارًا بستِّين، وارتهن عنده كتبًا، فتألَّم لذلك، ثم أمر شخصًا مِنْ جماعته بالتوجُّه للنَّقيب شهاب الدِّين بن يعقُوب، يأمرُه بدفع الخمسين لمن عنده الكتب، واسترجاعها منه، ففعل. وأحواله -رحمه اللَّه- في ذلك كلِّه أشهرُ مِنْ أن تذكرَ. وكان يأتيه في كل خميس شخصٌ، أظنُّه مِنْ أصحاب الأحوال، فيقفُ وهو راكب حمارًا خلف الشُّبَّاك المقابل لمحلِّ جلوسه بالمَنْكُوتمرية، ويقول بصوت شجيٍّ: يا فتاحُ يا رزَّاق يا كريم، أنت اللَّه، لا تجعل يا مسكين في قلبك إلا اللَّه، فيبادر بإخراجِ دراهمَ مِنْ جيبه، ويرسِلُها له. وأغربُ ما بلغني في كرمه مما صحَّ عندي: ما أخبرنيه العلَّامةُ الشِّهابُ أبو الطَّيِّب الحجازي غير مرة، قال: بينما أنا في آخر يومٍ مِنْ رمضان بالقراسنقرية، إذ مرَّ بي صاحبي الشيخ محب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عُثمان الطُّوخي، وكان له أربع سنين منفردًا عَنِ النَّاس، فسلَّم عليَّ، وسألني: هل أتوجه في غد للسَّلام على صاحب الترجمة، فعرَّفتُه أنَّه لم تجرِ لي عادةٌ بالتَّهنئة في الأعياد والشُّهور، فقال: أُحِبُّ أن تفعلَ ذلك مِنْ أجلي، وتقول له: فلانٌ بأمارة ما لَهُ عندَك مائةُ ألفٍ يسلِّمُ عليك. قال الشِّهاب: فاستثقلتُ هذا، وقلت له: لا أحبُّ هذه الرسالة، فقال لي: افعل ذلك، فهو لا يكرَهُهُ، وشرع يحكي لي سببها، فقال: جئتُه يومًا، فسلَّمْتُ عليه، وشكوتُ له إفلاسًا، فقال لي: احتكِمْ عليَّ، فقلت له: مائة درهم. قال: فأفَّفني، وقال: ما ظنَنْتُ همَّتك تُؤدِّي إلى هذا وأنت رفيقي في الاشتغال وصاحبي، ومِنْ أهل الفضل، وقد أضمرتُ في خاطري أنَّكَ -واللَّه- لو طلبتَ مائة ألف، أعطيتكها، ولكن

هي لك دَيْنٌ عليَّ، ثم دفع إليَّ عشرين دينارًا. قال الشهاب: فلما كان الغد، حيثُ شيخُنا صاحب الترجمة، كما طلب المحبُّ منِّي، فلاطفني على العادة، وأجلسني بحذائه على السِّماط، فقلتُ له: معي رسالةٌ إليكم مِنْ فلانٍ، فقال: أهو موجودٌ، فلي مدَّةٌ ما رأيتُه؟ فقلت: إنَّ له الآن أربعَ سنين مُخْتَليًا، وقد جاءني بالأمس، وذكر لي شيئًا لا أحبُّ ذكره، فقال: قل، فقلتُ له: إنَّه قال لي: إن له معكم مائةَ ألفٍ، مع أنِّي سألته أن يرفَعَ عنِّي كُلْفَةَ تبليغ ذلك إليكم، فقال: لا تفعل، فإنه يُحِبُّ ذلك، فلما ذكرتُ ذلك، قال شيخَنا لي: فهل ذكر لك السَّببَ في ذلك؟ فقلت: نعم، وسكتُّ، فشرع يحكيه كما حكاه لي المحبُّ سواء، ثم قال عَقِبَ الحكاية: أرْسِلْهُ لي. انتهى. وهذه الحكاية ما سمعتُ في كرمه أبلغَ منها، فرحمه اللَّه. وحضرت إليه مرَّةً جاريةٌ مِنْ معتَقاتِ وصيِّه ابن الخُّروبي ممَّن لها عليه نَوْعُ تربيةٍ وخدمةٍ، فشكت إليه حالها، فأعطاها عشرةَ آلاف درهم، وألزمها بإعلامها إيَّاه إذا فرَغَت، ليُرْدِفَها بغيرها، وبالغ في إكرامها، وأعلم الجماعة بما لها عليه مِنْ حقِّ التَّربية ونحو ذلك. هذا بعد أن قالت له: يا ابني يا أحمد، قد صِرْتَ إلى أمرٍ عظيم، أو نحو ذلك. والتمس شخصٌ مِنَ الشَّيخ مدْين والشَّيخ عُبادة الإرسال إليه بسبب وفاء دَيْنٍ كان عليه، وهو أربعُونَ دينارًا، فلم يفعل ذلك، لعدم عِلْمِهما بصحَّة دعواه، فذهب هو بنفسه إليه، وأظهر انتسابًا لكلٍّ مِنَ الشَّيخين، ولوَّح بمعرفتهما بدَيْنِه، فلم يُكذِّبْ خبرَه، بل بادرَ ودفَع له عشرين دينارًا، وقال له: سل الشيخين (¬1) في إعلامي بحقيقةِ ذلك، وأنا أُكمل الباقي، فتوجَّه إليهما أيضًا، وحكى لهما ما اتفق، فزبرَه الشَّيخ عُبادة، وقال: إن لم تكفَّ عنَّا وإلا أرسلتُ إليه أنَّا لا نعلم صحَّة ذلك، أو كما قال. وكان لمزيد رغبته في البِرِّ وصلة الرَّحِم، يميل لمن يبلغُه عنه ذلك، فحكى لي القاضي علاءُ الدين البلقيني حفيدُ شيخ الإسلام الجلال البُلقيني، ¬

_ (¬1) في (ط): "الشيخين".

قال: كان زوجُ والدتي الشِّهاب أحمد بن قطب يجلِسُ بحانوتِ العُدول بميدان القمح، فرمت الجُلوسَ معه، فتأثَّرَ لذلك، وشكاني للوالدة، فألزَمَتْني بترك ذلك، فامتثَلْتُ أمرها، واتفق أنَّها ماتت بعدُ، فاستصْحَبْتُ عدم الجلوس معه إرعاءً لخاطرها بعد وفاتها قال: فكان صاحبُ التَّرجمة رحمه اللَّه يقول لي: قد شكرتُ صنيعَك في مراعاة خاطرِ والدتك بعدَ مماتها، وازددتُ فيك محبَّةً لذلك، وعتِبت على الشَّيخ وليِّ الدين محمد بن عبد اللَّه البُلقيني -يعني جدَّ البهاء أبي البقاء ابن القاضي علم الدِّين البُلقيني- مع محبَّتي له، كيف يسعى على قريبه الشِّهاب العجميِّ في قَضاء المحلَّةِ. وكان رحمه اللَّه يبالغ في الاحتياطِ في إخراج زكاتِه وفِطْرَته، حتَّى إنه كان يأمر مِنْ يشتري له ليلة العيد مِنْ كلٍّ مِنَ القمح والزَّبيب والتَّمر ما يكونُ مجزئًا عنه وعن مَنْ تلزَمُه نفقَتُه. وأما شفقتُه على خلق اللَّه تعالى لا سيَّما طلبة العلم منهم: فأمرٌ يطولُ شرْحُه. ومن ذلك حكايةُ المقترض لخمسين دينارًا بستين، كما سلفت قريبًا (¬1). ومنه أن الشَّيخ غرس الدين (¬2) خليل الحسيني كان قد استكتبه القاضي تاجُ الدِّين البُلقيني في كتاب استعاره مِنْ والده، وقُدِّرَ ضياعُه مِنْ تحتِ يدِ النَّاسخ، فخشِيَ مِنَ القاضي جلال الدين، وحكى ذلك لصاحب التَّرجمة، فقام معه في الفحص عنه مِنَ الكُتُبِيِّين ونحوهم، رجاء الظَّفرِ به، ليزول ما عند الغرس مِنَ الكَرْب بسببِ فَقده، وحرَصَ على ذلك أشدَّ الحِرْصِ، إلى أن غلبَ على ظنِّهِ اليأَسُ منه، فحينئذٍ حصَّلَ له منه نسخةً، وعاونه بوَرَقٍ أو ثمنه، حتَّى جدَّد منه نسخةً، فكان الشيخُ خليل رحمه اللَّه يذكرها في كل قليل في عدِّ حسناته وشفقته على أهل موداته. ¬

_ (¬1) ص 1009 مِنْ هذا الجزء. (¬2) في (أ): "عز الدين"، خطأ، وهي على الصواب مع الحكاية في هامش (ح) بخط المصنف.

[إحسانه للغرباء]

وقريب الشَّبَهِ مِنْ هذا: ضياعُ مجلَّدٍ مِنْ "تاريخ الإسلام" للذهبي مِنْ نسخة الزَّيني عبد الباسط، وهي بخطِّ البدر البِشْتَكي، وبلغه عِلْمُ ذلك ممَّن ضاع المجلَّدُ منه، رجاء تفريج الكرب منه بسببه، فبادر وأخذ ذلك المحلَّ مِنْ نُسخة الأصل مِنَ المحمودية، وتوجَّه به مع ورقه وأجرته للبِشْتَكي، فشرع في تكميله. واتَّفق أنَّه قبلَ انقضاءِ الكتابة، وجدَ المجلَّدَ، فامتنع شيخُنا مِنَ التَّمكين مِنْ إعلام البدر بذلك، لظنِّه أنَّ شهامةَ البدر تقتضي إرسالَ الورق والأُجرة، ويتعطل عليه ما كتبه، بل استمرَّ إلى أن فرَغ، ولم يُعْلِم بوجدان المجلَّد. ونحوه استكتابه لجماعةٍ ممن ليس خطُّهم بالطَّائل، فإنَّه كاد فيما يغلِبُ على الظَّنِّ لا يقصِدُ إلَّا البِرَّ لهم بذلك. ومِنْ هذه الطَّائفة الشَّريف شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر السُّيوطي، البارع في الفرائض والحساب، والمعروفُ بالخِفَّة والانجماع الزائد، وهو أخو السَّيد صلاح الدِّين محمد، أحد الآخذين عنه، رحمهم اللَّه وإيانا. ومن محبته لوصول الخير إلى العلماء ونحوهم أن النجم ابن حجِّي استنزل البرماوي عن درس التَّفسير بمائة دينار لصاحب الترجمة كما تقدَّم، وعن مشيخة الفخرية للبرهان البيجوري بخمسين دينارًا، وورد النُّزول بذلك على شيخنا، فأخفى عن البرهان العلم به حتى استكتب الناظر، وأخذ خطوط (¬1) المباشرين، وتوجَّه إليه بذلك فسُرَّ غاية السُّرور. [إحسانه للغرباء] وأخصُّ منه إحسانه للغرباء مِنْ الطلبة الوافدين إليه، وقد كانوا عنده على مراتب؛ منهم مَنْ يتفقَّده كلَّ قليل، ومنهم مِنْ يقررُ له شيئًا ينفقُه كل يوم، ومنهم مِنْ يتفقده عند قدُومه وعند سفره، ومنهم مَنْ يعلمُ عدمَ حَاجَتِهِ، لكنه يحبُّ إكرامه، فيهدي إليه إما شيئًا مِنْ تصانيفه أو ثيابًا مِنْ ملبوسه، وهذا يكون عند المهديِّ إليه أعظمَ مِنْ مفروحٍ به، إلى غير ذلك مِنَ الأقسام. ¬

_ (¬1) "خطوط" ساقطة مِنْ (أ).

[بره لأهل مكة والمدينة:]

وكان مِنَ الغرباء الواصل إليهم برُّه ناصر (¬1) بن أحمد بن يوسف بن منصور البسكري، فإنه ممن لازم صاحب التَّرجمة مدَّةً طويلة، بل قال شيخنا في "معجمه": استفدتُ منه. ولهذا قال المشارُ إليه ما نصُّه: واتَّصلتُ بخدمة سيّدنا ومولانا، يعني صاحب الترجمة، فآنسَ الغُربة، وأنسَى الكُربة، وأحسن المعونة، وكفى المؤونة، وعمَّني خيرُه وبرُّه، ووسِعَني حِلْمُه وصبرُه. وممَّن قدم عليه شخصٌ مِنْ الفُضلاء اسمه أسد اللَّه (¬2)، فكان يتفقَّدُه كلَّ قليل بألفِ درهمٍ، فلما أراد الرُّجوعَ إلى بلاده، تكلَّم له شيخُنا ابنُ خضر مع صاحب الترجمة في إمداده بشيء، فكتب له وصولًا بثلاثمائة درهم، فحصل له ولمن توسَّل به تأثُّرٌ مِنْ ذلك، ولكنهما لم يجدا بُدًّا مِنْ قبضه وسافر، فحين وصوله إلى بيت المقدس تُوفِّي قبل نفاذ القدر المذكور فعُدَّ ذلك مِنْ كرامات صاحب الترجمة. [برُّه لأهل مكة والمدينة:] وأما أهلُ مكَّةَ والمدينة، فإنَّه لما حجَّ آخرَ حجَّاته، اقترض مِنْ بعض التجار هناك خمسمائة دينار أو أكثر، فتصدق بها عليهم، بل هو الذي قرَّر لهم المستجدَّ، وهو قدرٌ زائدٌ على ما كان لهم قديمًا، بل أحدث لهم أيضًا القدوم، وهو أنَّه عند ورود الواحد منهم إلى الديار المصرية، يُصرف له ما يناسبه على قدر مرتبته مما يحصُل له به غاية الارتفاق، فجزاه اللَّه خيرًا ورحمه. وبلغني ممَّن أثِقُ به أنَّه دفع للشيخ العارف العلامة شمس الدين البوصيري، سرًّا فيما بينهما عند توجهه للحج في بعض المرات، وذلك قريبًا مِنْ سنة عشرين وثمانمائة، مالًا جزيلًا ليفرِّقه على فقراء مكة، وأسرَّ له أنَّ ذلك مِنْ وصيه ابن الكمَاخي. قال: فاشترى الشَّيخُ به دقيقًا، وفرَّقه على أهل مكة. ¬

_ (¬1) في (ط): "ناصر الدين"، خطأ. وانظر الضوء اللامع 10/ 195 - 196. (¬2) هو أسد اللَّه بن لطف اللَّه بن روح اللَّه بن سلامة الكازووني ثم الشيرازي، مترجم في الضوء اللامع 2/ 279.

[بره بشيوخه:]

واتفق أنَّ بعض الأعداء تكلَّم في جانب صاحب التَّرجمة بسبب التَّرِكَة المذكورة، وما دفع عَن نفسه بذلك، واللَّه يعلمُ المفسدَ مِنَ المصلح. ومع إحسانه للغُرباء، كان يُنكر على أهل مصر مزيد إفراطهم في تعظيم مَنْ يرِدُ عليهم مِنَ الغرباء، مع إهمالهم لمَن هو في بلدهم ممَّن هو أرفعُ بكثيرٍ، حتَّى رأيته كتب بخطه في ترجمة ابن الفناري الذي قدِمَ مِنْ بلاد الرُّوم ما نصُّه: وأهل مصر كما قال فيهم أبو عبيد بن حربويه: (إنَّ البغَاثَ بأرضكم يَسْتَنْسِرُ). انتهى. والبُغَاث: قال في "الصحاح" (¬1) عن ابن السِّكِّيت: طائر أبْغَث إلى الغُبرَةِ دُوَين الرَّخَمة، بطيءُ الطيران. والمعنى: مِنْ جاوركم عزَّ بكم. قلت: وصاحبُ التَّرجمة معذورٌ، فإنه بمجرَّد تحول الفلاح ونحوه مِنْ ذوي الكثافة وغلظ الطَّبع في إكرامهم ومزيد إنعامهم، بحيث يَنسى ما كان فيه مِنَ الذُّلِّ والخمول والأحوال التي شرح تفاصيلها يطولُ، يأخذ في عداوتهم، والفحص عمَّا لعلَّه يتَّفق مِنْ عثراتهم واحدًا بعد واحدٍ، ويلصق بأهل مصر كل ما يتخيَّلُه مِنَ المفاسد، وهذا ممَّا يشهد له قولُ إمامِنا الشَّافعي رحمه اللَّه: ما أكرمتُ أحدًا فوقَ مقدارِه، إلَّا اتَّضع مِنْ قدري عنده بمقدارِ ما أكرمتُه به. ونحوه القول بأن ثلاثةً إن أكرمتهم أهانوك، منهم الفلاح. [برُّه بشيوخه:] وأما بره بشيوخه، فوراء العقل، حتى إنه همَّ بتتبع شيخه الحافظ نور الدين أبي الحسن الهيثمي في كتابه "مجمع الزوائد"، فبلغه أنَّ الشَّيخ تأثَّر مِنْ ذلك، فرجع مراعاةً لخاطره. وكذا برُّه لأبناء شيوخه وذوي البيوت، بل طلبة العلم، فغير مُنكَرٍ، حتى ولو كان ابنُ الشَّيخ يُؤذيه. وباللَّه لقد همَّ الظاهر جقمق أن يفعل بكلٍّ ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "الصحيح"، تحريف.

مِنْ قاضي القُضاة علم الدين وابن أخيه القاضي تاج الدين في وقتين مختلفين أمرًا مهولًا، فطلع مِنْ فوره إلى السُّلطان، وتوسل إليه في كل منهما بكلِّ طريق في إبطال ذلك، مع مشقَّة إبطاله على السُّلطان في أحدهما، حتَّى تمَّ. وكلَّمه مرَّة أخرى في أوائل ولايته مِنْ سنة اثنتين وأربعين في كائنةٍ مُفتَعَلةٍ في حق آخر مِنْ أقرباء قاضي القُضاة علم الدين فما خالفه، بل قال له: واللَّه لولا أنت، لكنتُ حرقتُه بالنَّارِ لما صنع، واللَّه يأخذ الحقَّ ممن افترى على المشار إليه. وقرر عند السلطان ما كان سببًا لبلوغه إلى هذا الحدَّ، هذا وقريبُه لم ينفعُه في هذه الكائنة بشيء. واتَّفق مرَّة أن السُّلطان أيضًا حلف ليضربنَّ شخصًا معيَّنًا مِنْ أبناء العُلماء ألف عصا، فراجعه في إعفائه والصَّفح عنه، وأنَّه يُكَفِّرُ عَن يمينه، فامتنع، فلا زال يتلطَّفُ به حتى أمر بجمع عيدان، فضرب بها دفعةً واحدًا بعد أن قرأ قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]. ومن إكرامه لذوي البُيوت -لا سيَّما العلماء وأهل الولايات منهم- ما صنعه مع السيد علاء الدين محمد ابن السيد عفيف الدين محمد الإيجي، حيث قدم عليه قصدًا للأخذ عنه مِنَ البلاد النائية، فإنه تفرَّغ له حتَّى قرأت له (¬1) عليه في ثلاثة أيام عليه شيئًا كثيرًا، بل وحدَّثه مِنْ لفظه ببعض ذلك، وناوله كثيرًا مِنْ مروياته ومصنَّفاته، وتأدَّب معه إلى الغاية، وأهدى إليه بعضَ الكتب، وقال له: المناولة في هذا أقربُ إلى الصِّحَّة، يعني لكونه لم يسترده. [والتمس منه السيد زين الدين (¬2) عبد اللطيف بن أبي السُّرور (¬3) ¬

_ (¬1) في (أ): "قرأت عليه"، وفي (ب، ط، ح): "قرأت له"، والصواب ما أثبت فيما أظن، فإن المصنف قال في ترجمة الإيجي مِنْ الضوء اللامع 9/ 232: إنه قصد ابن حجر بالرحلة "وسمع منه وعليه بقراءتي أشياء. . . ". (¬2) كذا في (ب، ط)، وهو في (ب) بخط المصنف، وفي (أ، ح) والضوء اللامع 4/ 333: سراج الدين. (¬3) في (أ): "عبد اللطيف أبو السرور"، خطأ. وأبو السرور لقب أبيه الذي ترجمه المصنف في الضوء اللامع 8/ 41، وكذا هو في إتحاف الورى بأخبار أم القرى للنجم ابن فهد 4/ 413.

محمد ابن الشَّيخ زين الدين عبد الرحمن الحسني الفاسي المكي قريب صاحبه التَّقي الفاسي حين قدِمَ عليه الإخبار بنسَبِه، فكتب في محضر (¬1) عمل مِنْ أجله مستندًا في ذلك إلى الاستفاضة ما نصُّه: الأمرُ على ما نصَّ وشرح فيه مِنْ نسبه مُنهيه للسَّيِّد أمير المؤمنين: أبي محمد الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما، وكتب أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن حجر عفا اللَّه تعالى عنه آمين. وثبت بأخباره مع غيره عند بعض النُّوَّاب، وكان ذلك قبل استقراره في القضاء الأكبر بأشهر. وقد سبقه لمثل ذلك الإمام أبو محمد بن أبي زيد المالكي صاحب "الرسالة". وكذا شهد غيرُ واحد في محضر (¬2) متضمن لنفي طائفة مخصوصة عَنِ الشَّرف؛ منهم: أبو حامد الإسفرايني الشافعي، وأبو الحسين القُدوري الحنفي -وناهيك بهما- في جماعة مِنَ العُلماء والسَّادة (¬3). وقدم عليه عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن عبد الوهاب بن علي بن نزار الظَّفاري، الذي كان جد أبيه انتزع ظفار مِنْ يد صاحبها وحيدًا فقيرًا، فشكا إليه حاله، فبرَّه وأحسَن إليه (¬4). وكذا قدم عليه العلامة محمد بن أحمد بن أبي عبد اللَّه بن مرزوق حفيد العالم، فأتحفه "بشرح الشفا" لجده العلامة المفنَّن أبي عبد اللَّه محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق بخطِّه، وسُرَّ به سرورًا كثيرًا. قلت: وهذا "الشَّرح" ما رأيتُه. وقد كتب عليه بعضُ المغاربة أيضًا -وهو أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي القاسم التَّجاني شرحًا حافلًا، لكنه لم يُكمله، والموجود منه في أوقات المؤيِّدية مِنْ أوله إلى بعد قوله: "فصل في ¬

_ (¬1) في (أ): "مختصر"، والمثبت مِنْ (ب) مِنْ خط المصنف. (¬2) في (أ): "مختصر"، والمثبت مِنْ (ب) مِنْ خط المصنف. (¬3) مِنْ قوله: "والتمس منه السيد. . " إلى هنا، ورد ملحقًا في هامش (ب) بخط المصنف. (¬4) انظر إنباء الغمر 7/ 440، والضوء اللامع 5/ 59 - 60.

[ستره:]

حُسْنِ خُلقه -صلى اللَّه عليه وسلم-" في نحو خمسة عشرَ كرّاسًا. وللتَّاج أبي محمد عبد الباقي بن عبد المجيد بن هبة اللَّه بن متَّى القرشي اليماني نزيل طيبة (¬1) تعليق على "الشفا" في نحو ثلاث كراريس سماه "الاكتفا في شرح ألفاظ الشفا". ونحوه في الحجم مصنَّف للشيخ شهاب الدين بن رسلان الرَّملي. وأوسع منهما وأفيد كتابُ حافظ حلب البرهان سبط ابن العجمي في مجلد، سئل صاحب التَّرجمة كما تقدم في سدِّ ما فيه مِنَ التراجم المبيض لها، وقد اختصر منه مع زيادات شيخُنا العلامة التقي الشُّمُني كتابًا لطيفًا يكون في نحو نصف حجمه، انتفع الفضلاء به. وعمل القاضي علاء الدين بن أقبَرس على "الشفا" شرحًا في مجلدين يقال: إنه تعبَ فيه. وللشَّمس محمد الحجازي مختصِر "الرَّوضة" عليه مؤلَّفُ في أكثر مِنْ ستة كراريس. وكذا لابن العُمُك (¬2) -وأظنُّه يماني- مؤلَّفٌ على "الشفا" في أربعة كراريس. وكل هذا استطراد لكن لا بأس به. [ستره:] وأما ستره فحكي لي أنَّه بينما هو في حلقته وعلى طرف بساطه صُرَّة فيها مبلغ كبير، إذ تقدَّم إليه شخصٌ ممَّن له وَجَاهَةٌ، فتحدَّث معه واختلس في غُضون جلوسه معه تلك الصُّرَّة، ظانًّا أنَّ صاحبَ التَّرجمة في غفلة عَنْ ذلك، وقام. فهمَّ بعضُ مَنْ رآه ممَّن كان واقفًا في خدمة شيخنا بالتكلُّم، فأشار إليه يمنعُه مِنْ ذلك، وقال: لولا بلوغُ أمرٍ شديد بهذا الرَّجل ما أقدم على مثل هذا. ¬

_ (¬1) في (ب): "المدينة". (¬2) كذا ضبط بضم العين والميم، وضبطه الزبيدي في "تاج العروس" 7/ 164 بفتحهما، فقال: بنو العَمَك. قبيلة مِنْ الرماة مِنْ بني غافق باليمن، وبلدهم موضع يقال له: البسيط، غربي اللامية مِنْ ضواحي سهام، وقد خرب. ومنهم: الفاضل يحيى بن إبراهيم العَمَكي، أحد المؤلفين في فنون العلوم. ذكره الناشري النسابة.

[صبره على الطلبة]

[صبره على الطلبة] وأما صبره على الطلبة، فشيءٌ لا يُدْرَكُ وصفُه، حتى إنَّه مكث في مرض موته مدَّةً وهو لا يُعْلِمُ بعضَ مَنْ يقرأ عليه ليلًا بذلك، مراعاة لخاطره، وهو يتحمل المشقة إلى أن أعيى، فأعلمه بلطف. [عاريته للكتب] وأما عاريته للكتب، فأمرٌ انفرد به عَنْ سائر أهل مصره، حتى لا أعلم نظيره في ذلك، بل كان يعيرها لمن يُسافر بها، وربما افتدى كتب المحمودية التي تحت نظره بها. حتى كان رحمه اللَّه يقول لي: لا تأخُذ مِنْ كتب الخزانة إلا ما ليس في كُتبي، بل أُقسِمُ باللَّه أَنَّه نهاني [في وقت] (¬1) عن الاستعارة مِنْ غيره. ورأيت معه في رمضان مِنْ السَّنة التي توفي فيها مجلدًا كنتُ أحبُّ الوقوف عليه، فالتمستُ منه عاريته بعد فراغ أربه مِنْ مطالعته، فقال: نعم. ومضى بقيَّة الشَّهر وشوال وذو القعدة، واتفق دخولي مع الجماعة لعيادته في ذي الحجة، فأشار إليَّ فأخذته مِنْ بين كتبه. هذا وهو ضعيف، وقد مضى مِنْ سؤالي له نحو ثلاثة أشهر ولم ينسَ ذلك. وباللَّه قد رأيت بعض أصحابنا تأثر مِنْ ذلك، فإنا للَّه. وأرسلت إليه مرة أطلبُ منه نسخةً مِنْ بعض الأجزاء الحديثية مُفْرَدَة، فكأنه ما تيسَّرت له إذ ذاك، فقطع نسخةً بخطه مِنْ مجموع مِنْ مجاميعه، وأرسل بها إليَّ في الحال. وكأنه -واللَّه أعلم- فهم توجُّهي بها لبعض الأماكن البعيدة، وقصدت خِفَّة الحمل. ولم يكن غالبًا يمضي يوم مِنَ الأيام إلا وأستعيرُ منه شيئًا مِنَ الكتب، وهو يُسْعِفُ بكلِّ ما ألتمِسَهُ منه مِنْ ذلك، ولا يُظْهِرُ مُللًا، بل واللَّه لو لم أفهم منه محبَّة ذلك. ما أكثرتُ منه. ¬

_ (¬1) ساقطة مِنْ (ب).

واستعرت منه مرة "معجم شيوخه"، وذلك بعد أن حصل عليه (¬1) بسببه مِنْ بعض الأعداد ما أسلفتُ الإشارة إليه، وصار هو لا يسمح به لكلٍّ أحدٍ، حتى إنَّ شيخنا العلَّامة ابن خضر كان كتب منه قديمًا قطعةً، فما تيسر له إكمالها، فأقام عندي مدَّة، ثم طلبه منِّي قبلَ أن أكتبَه أو شيئًا منه، ودعت ضرورةٌ إليه ثانيةً عن قُرْبٍ، لكنني استحييتُ منه، فكتبت له في قائمة الأسماءِ التي اضطررت للكشف عنها منه أطلب الوقوف عليها، وفي ظنِّي أنَّه يكتبها لي بخطه جريًا على عادته معي في كثيرٍ مِنَ الأحاديث والتَّراجم والأسانيد التي كنتُ ألتمسُها منه، فيكتبها لي بخطه. فبمجرَّد أن دخل القاصدُ إليه، عاد و"المعجم" معه، فسُررت به كثيرًا، ورجعت مِنْ فوري، ففككته مِنَ الجلد، وتجردت فكتبت منه التراجم دون الأسانيد، اكتفاءً بالفهرست، مع تنبيهي في كلِّ ترجمة على أسماء ما ذكر فيها مِنَ المرويات. وتمَّ في أيام يسيرةٍ أظنُّها أربعة، وجئته به، فقضى العجب مِنْ ذلك، وسألته في فهرست الكتاب بخطه ففعل. ولو شرحتُ ما اتفق لي معه مِنْ ذلك، لقضي العجب، فكيف بغيري مِنْ جماعته، بل كان شديدَ الانكار على مِنْ يبخل بعارية الكتب، بحيث سمعته مرة يقول: أرسل إليَّ القاضي بدر الدين بن التِّنسي المالكي يطلب "السُّنن" لأبي داود ليحدث به، فأعلمته بأنَّ النُّسخة التي عندي بخطي، وتعسُرُ القراءة منه غالبًا على مِنْ لم يكن مِنْ أهل الحديث (¬2)، لكنه كان عنه الأمير تغري برُمش الفقيه نسخةٌ موقوفةٌ بخط المحدث أبي العباس أحمد، الملقب بالملك المحسن ابن السُّلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وهو وإن كان الآن في بيت المقدس فهي عند فلان، وسمَّى له بعض أصحابنا المحدثين، وقال له: إنه يطلبها منه، فأرسل إليه فأنكر وجودها، وقال: إنَّها عند الأمير، ¬

_ (¬1) "عليه" ساقطة مِنْ (ب). (¬2) في هذا إقرار مِنْ الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه برداءة خطه، لا كما ادعاه تلميذه المصنف مرارًا في كتابه هذا مِنْ جودة خط شيخه، وأنه كتب الخط المنسوب كسلاسل الذهب! ومن رأى خط الحافظ، رحمه اللَّه يتبين له ذلك.

مع كون سِبْطي (¬1) استكتب منها في هذه الأيام نسخة، وفرغت أمس، وأعادها إليه، وصار يقضي العجب مِنْ ذلك، ويقول: هذا وهي وقفٌ، فلو كانت ملكًا، ماذا كان يفعل؟ قلت: يحلفُ بالطلاق، إنَّه ما اشتراها لنفسه، وإنَّما وكلَّهُ بعضُ مَنْ حلَّفه أن لا يسمِّيه. قال شيخنا: وحينئذٍ أرسلتُ إليه بنسختي، مع شدة احتياجي إليها حتى لا يتوهم فيَّ أمرًا. قلت: وكذا اتفق أن القاضي بهاء الدِّين ابن العلامة شمس الدين ابن القطان رام أن يحدِّث بكتاب "السنن" لابن ماجه، فبلغه أن عند هذا المبهم (¬2) نسخة الوقف بالخانقاه البيبرسية، وهي أصلٌ معتمد، فتوجَّه إليه مرة بعد أخرى، فما سمح له بها، فجاء صاحب التَّرجمة، وحكى ذلك له، فدفع له نسخته مع احتياجه للمراجعة منها. رحمهما اللَّه وإيانا. وقد ضاع له بسبب ذلك شيءٌ كثير جدًّا، بحيث أخبرني في سنة إحدى وخمسين أنَّه فقد مِنْ كتبه ما ينيفُ على مائة وخمسين مجلدة، وربما بيعت في السُّوق ويشتريها، ورأينا بعد نحو عشرين سنة مِنْ وفاته شيئًا مِنْ نفائس كتبه التي كنتُ أتلهَّفُ على الوقوف عليها عند بعض مَنِ استعارها، فاستمرت عنده حتى بيعت في تركته (¬3)، ومشى أمرها. واتفق أنَّه سُرِقَ لبعض طلبته مِنْ خزانته بالمدرسة المنكوتمرية أوراقٌ مع مجلد لصاحب التَّرجمة مِنْ "شرح البخاري"، ووُجِدَ ذلك مع شخص، فأحضروه بين يديه، وأخذ بعضُ الحاضرين يلتمس منه الاعتراف بالسَّرقة، وصار شيخُنا يشيرُ لنقيبه يأمرُه بعدم الاعتراف. رحمه اللَّه وإيانا. ومن شدَّة رغبته في العاريَّة: أن القاضي ناظرَ الجيش الزين عبد الباسط رهن عنده كتبًا في بعض نكباته، فاستأذنه شيخنا -لوفور ديانته- في إعارتها لمن لعلَّه يلتمس شيئًا منها، فأذن له، وكنت أعرفُ منها نسخةً ¬

_ (¬1) يعني يوسف بن شاهين الكركي، المتوفي سنة 899 هـ. (¬2) هو أبو حامد القدسي كما صرح باسمه المصنف ص 1020 مِنْ هذا الجزء. (¬3) في (ب، ط): "مِنْ تركته".

[اهتمامه بطلبته]

جيِّدةً، مِنَ "الاستيعاب" لابن عبد البرِّ في ستة أسفار أو أكثر، وكذا نسخة متقنة "بصحيح مسلم" في مجلد، إلى غير ذلك ممَّا يطول شرحه. وأعلى مِنْ هذا كلِّه: أنَّ البدر العيني لمَّا شرع في "شرح البخاري"، رام استعارة "شرح" صاحب التَّرجمة مِنْ شيخنا البرهان ابن خضر، فتوقَّف حتى استأذنه، فأذِنَ له رغبةً في عموم النفع. هذا مع ما كان سلَفَ مِنَ البدر ممَّا ألجأ لتصنيف "الاستنصار". رحمة اللَّه عليهم. [اهتمامه بطلبته] وأما تنبيهه الطلبة على مَنْ ببلده (¬1) مِنْ شيوخ الزواية، وإعطاؤه إياهم الأجزاء والكتب المروية لهم، فعندي مِنْ أخباره في ذلك جملةً. وطال ما دفع إليَّ الأجزاء العالية يأمرني بقراءتها على العز بن الفرات. وربما شكوتُ إليه جَفْوَتَه وعدمَ طواعيته لي في القراءة لما أرومه، فيكتب له يرغِّبُه في التحديث ويحثُّه عليه، ويؤكِّدُ عليه في الاهتمام بشأني، حتى كان العزُّ يتبجَّح بذلك. وكثيرًا ما كان يكتُب لي بخطه أسانيد للعزِّ وغيره، بل تراجم جماعة مِنْ الشُّيوخ ونحوه (¬2) بخطه، كما أشرت إليه قريبًا مما يقضي العجب مِنْ ذكره، فكيف برؤيته. وباللَّه كلَّما تذكرت هذا وشبهه مِنْ إقباله عليَّ وإحسانه إليَّ، يتصدَّعُ قلبي، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون. وكنتُ في خدمته مرة (¬3) على العادة بالمدرسة المحمودية، فعند إرادتي الانصراف قال لي: إلى أين؟ فقلت: إلى ابن الجمال الأميوطي لسماع "سيرة ابن سيد النَّاس" عليه. فقال: على مِنْ سمعها؟ فقلت: مِنْ لفظ أبيه، وأبوه -كما في شريف علمكم- مِنْ لفظ المؤلِّف. فقال لي: سماعٌ عظيمٌ. وإنما قصد بذِكْرِ ذلك -مع كونه هو الواقع- الترغيب في سماعها منه. ¬

_ (¬1) في (أ): "بيده"، خطأ. (¬2) في (أ): "ونحوهم". (¬3) "مرة" ساقطة مِنْ (ب).

وكنت أقرأ عليه يومًا بعض الأجزاء التي شاركه نقيبه القاضي شهاب الدين بن يعقوب في سماعها، وهو واقف بخدمته على عادته، فقال له: اجلس، فإنَّ لك في هذا الجزء مشركة، والتفت إليَّ، فنبَّهني لذلك. وسمعنا عليه بمشاركة أمِّ أولاده وقريبه الزَّين شعبان، بل بموقعه ناصر الدين ابن المهندس، بل بتلميذه ابن سالم، إلى غير ذلك، ممَّا كان الأوْلى بنا خلافه، لكن شَرَه الطَّلب أدَّى إلى ذلك، لا سيما مع العلم بأنَّه لا يخدش في جلالته، بل ولا يحصُلُ له بذلك أدنى تأثير. وأخبرني مستمليه الشَّيخ أبو النعيم رضوان رحمه اللَّه -وهو ممَّن سمعنا عليه أيضًا بمشاركته- أنَّه لم يَلْقَ في ذلك أكثر نُصحًا، ولا أحسنَ بشرًا، ولا أجملَ طريقةً منه. وقال: إنَّه مكث مدةً يراجع بعض الحُفَّاظ مِنْ شيوخه في جزء انفرد به بعضُ المسندين، فما تيسَّر له إعطاؤه إياه، إلى أن علم صاحبُ التَّرجمة، فبادر إلى إعطائه له. وكم مِنْ مُسْنِدٍ استدعى به إلى مجلسه لإسماع الطلبة عليه؛ كالواسطي والدَّنديلي والشمس البَيْجُوري. بل قرأ بنفسه على بعضهم. وعندي أنَّه ما قرأ خصوص "صحيح مسلم" على ابن الكويك إلا لتنتشر روايته فيه، وإلا فهو كان قد أخذه قديمًا عن البالسي بمثل سماع ابن الكويك سواء. وكذا تخريجه "المشيخة الباسمة للقبابي (¬1) وفاطمة" ما أراد بها إلا إعلام طلبته بذلك، ونحوه تخريجه "مشيخة الرهان الحلبي"، إلى غير ذلك ممَّا لا أستطيع حصرَه. وسأله صاحبُنا الجمال بن السَّابق الحموي -جمَّل اللَّه بوجوده- في سنة سبع وثلاثين -كما حكاه لي- أن يرشِدَه لأعلى الموجودين إسنادًا، فذكر له البدر حسين البوصيري، والزَّين عبد الرحمن الزركشي، وعائشة ابنة القاضي علاء الدين الكناني أم قاضي المذهب وعالمه العز الحنبلي، وقريبتها فاطمة. وقال له: إذا سمعت مِنْ هؤلاء، تكون مساويًا لي في كثيرٍ مِنَ المرويات. ¬

_ (¬1) في (أ): "القباني"، تحريف.

[استجلاب الخواطر]

وكل هذا يسيرٌ بالنِّسبة لما أودعه اللَّه عز وجل في قلبه منَ النُّصح والرَّغبة في نشر العلم. ولذلك نشر إليه ذكره في الآفاق، ورفعه إلى المحل الأعلى، بل وراء هذا كلِّه أنَّه لم يحدِّث "بصحيح مسلم" -فيما علمتُه- إلَّا بعد وفاة الشَّيخ زين الدِّين الزركشي، خاتمة أصحاب البياني فيه بالسماع، لكونه كان أعلى سندًا منه. [استجلاب الخواطر] وأما استجلاب الخواطر، فكلُّ ما ذكرناه مُقتضٍ لذلك مِنَ الحلم والبَذْلِ والشَّفقة والسَّتر، وكفى بها دلالة على حُسْنِ العِشْرة. وطال ما كان ينهرُ أتباعه بسبب مقته بعض الطَّلبة، لظنِّه أنَّ ذلك يرضيه، وربَّما قال له: اخرج أنت ودعه. إلى غير ذلك مما يكتفي بدونه مِنْ مثله في علوِّ مقداره، وطال ما كان يخُصُّ مَنْ يفهم عنه بعضَ جفاء بمزيد الإقبال، بحيث لا يفارقه إلا وهو في غاية الحمد والاغتباط، فمنهم مَنْ يستمرُّ على المودَّة، ومنهم مَنْ يغلِبُ عليه الحسَدُ. وبلغني عَنْ بعض الفُضلاء ممَّن كان هواه عند غيره أنَّه كان يقول: مِنْ العجيب أنَّني بمجرَّدِ لُقِيِّ الذي أهواه أمقُته، فإنه يبادرني بمدِّ يده، وصاحبُ التَّرجمة لا ينقضي مجلسي معه إلا وقد ملكني بلذيذِ خطابه، وكثرة آدابه، وبديع محاضرته، ولطيف محاورته. [تواضعه:] وأما التواضع: فإلى غاية يكون في ذلك النهاية. ولقد كنتُ جالسًا معه مرَّة، فخدرت رجلُه، فأراد أن يقوم فأشار إليَّ أن آخُذَ بيده، ففعلتُ وحرَّك رجله قليلًا، فوقع في خاطري تقبيلها، فتأثَّر مِنْ ذلك إلى الغاية، وهكذا كان دأبُه، لم يكن يُمكِّنْ أحدًا مِنْ تقبيل يده إلا بجهدٍ، مع أنَّه -فيما بلَّغنيه بعضُ مَنْ شاهده- قبَّل يدَ شخصٍ مِنْ قُدماء مَنْ أخذ عنه ممَّن أكثر مِنْ قراءة الحديث والعناية به (¬1) لتوسُّم الخير فيه. وكان عند إرادة دخول بيته عَقِبَ الدَّرس أو غيره، يقفُ مع مَنْ يقصدُ ¬

_ (¬1) "به" ساقطة مِنْ (ب).

الاجتماع به -ولو لم يكن بذاك- نحو ساعة أو أكثر، بحيث (¬1) يمل أتباعه وهو واقف، لا يُفارقه حتى يكون هو المفارق له. ولقد كنت واللَّه العظيم أجيءُ إليه، وأنا حينئذٍ في المكتب، فأعارضه وهو يريدُ الدُّخول إلى منزله، فيقف معي (¬2) ما شاء اللَّه حتى أسأله عَنْ ما أرومُ المسألة عنه مِنْ أحاديث وغيرها، بل ربَّما سألتُه إذ ذاك في كتابة أشياء، فيكتبها لي بخطِّه ممَّا هي عندي الآن. وكان رحمه اللَّه لا يتكثَّر بعلومه، ولا يتبجَّح بها، ولا يفتخر، ولا يباهي بمعارفه، بل كان يستحيي مِنْ مدحه ويُطرِقُ، ولقد قال له بعضُ طلبته مرة: يا سيدي، إنَّ لك بفتح الباري المنَّةَ على البخاري، فقال له، قصمت ظهري، أو كما قال. ومن تواضعه -كما أسلفته في أواخر الفصل السادس مِنْ الباب السادس (¬3) - أنَّ بعضَ الفُضلاء التمس منه قراءة كتاب في أصول الفقه، وأظنُّه "شرح جمع الجوامع" له، وكرَّر الطَّلب لذلك، فصار شيخُنا يُبدي له أعذارًا، كان مِنْ جملتها: جهدي أتفرَّغُ لإلقاء العلم الذي يُقال إنَّني أعرفه. ونحوه كما تقدم أيضًا قوله في فن القراءات: بضاعتي في هذا الفن مزجاة. هذا مع كونه أستاذًا في كل فنٍّ بحُسْنِ ذكائه. وأما في الحديث فهُناك تخضعُ له الرِّقاب، لكنه أراد مزيدَ التواضع. وفي الواقع أن أوقاته كانت تضيق عَنْ ذلك. ونحو ذلك أنَّه لمَّا أملى بالكاملية، ثم انتقل منها إلى البيبرسيّة -كما أسلفتُه- لقيه ناصر الدين محمد بن عمر الشَّيخي نزيل الكاملية وصهر ناظرها، فقال له: يا سيدي، أوحشت الكامليَّة، فأجابه بقوله: الكاملية مشتقَّةٌ مِنَ الكمال، يعني: ولستُ كاملًا. ومن تواضعه أيضًا: أنَّه لم يكن يذكر أحدًا مِنْ طلبته ولو صَغُرَ إلا بصاحبنا فلان. وما كنت أظنُّه يقصِدُ مع التواضع بذلك إلا التَّنويه بذكرهم. ولعمري لقد انتفع جماعةٌ مِنْ طلبته وغيرها بتربيتهم والثناء عليهم، ومنهم ¬

_ (¬1) "بحيث" ساقطة مِنْ (أ). (¬2) "معي" ساقطة مِنْ (ب). (¬3) ص 955.

الشَّيخ برهان الدين السُّوبيني، فإن الظاهر أرسل يسألُه في تعيين أحدٍ مِنْ جماعته لقضاء مكَّة فعيّنه، ورفع مِنْ مقداره إلى الغاية حتَّى ولاه، وتنقَّل لغيرها مِنَ البلاد كالشَّام وحلب، ولمَّا عيَّنه لذلك، راسل القاضي أبا اليُمن بالوصية به، مفتتحًا الرِّسالة بقوله: إنَّه مستمرٌ على المحبَّة والثَّناء والدُّعاء. قال: وقد توجَّه إلى مكة الشَّيخ برهان الدين السُّوبيني، وهو مِنْ أهل الخير والعلم، فيكون نظركم عليه، فإنه غريب، وليست له نيَّةٌ في الإقامة سوى مجاورة هذه المدَّة التي في بقية هذه السَّنَةِ. وكتب له أيضًا ما نصُّه: إنَّه مستمرٌّ على الدُّعاء والمحبة، وقد وصل مشرفكم، وفيه ذكر القاضي الجديد، والذي يعلم به أن الحامل على تعيين هذا أنَّ العبد وجد صاحبَ الأمر في غاية التَّصميم على منع تولية أحدٍ مِنْ أهل مكة هذا المنصب، وسببه اختلاف أغراض السَّاعين لمن يحصل منهم السَّعيُ له، فكلٌّ يطري صاحبه بما ليس فيه، ويُبالغ في الغَضِّ مِنْ غيره، فتعارضت الأحوال وتساقطت، واحتيج للإصلاح بين الجميع بتولية أجنبي، وهذه عادة قديمة لا تنتج غالبًا إلَّا جرَّ الخير لمن يستحقُّ الوظيفة مِنْ أهل تلك البلدة، فيعود الأمرُ إليه، ويندفع الاعتراضُ. وقد وصل كتاب الشَّيخ برهان الدين -يعني السوبيني- ولسانُه رطبٌ بالثَّناء عليكم والدُّعاء لكم، حتى إن فيه أنَّه لم يجبر خاطره أحدٌ مِنْ أهل البلد غيرُكم، وهذا غاية الثناء. والمسؤول مِنْ فضلكم إبلاغ السَّلام على الولد العزيز -يعني الشَّيخ نور الدين أحد طلبة صاحب التَّرجمة- وتعريفه أنَّه يتفضَّل بإعلام العبد بسيرة القاضي برهان الدين هذه المدَّة، وهل ظاهرُه فيها كباطنه، وسرُّه كعلانيته، إلى آخر كتابه. قلت: وقد أثنى صاحبُ التَّرجمة على السُّوبيني بقوله في حرف السِّين المهملة مِنْ "تحرير المشتبه" (¬1) له: وبمهملة، وبعد الواو موحدة مكسورة، ¬

_ (¬1) لم أجد هذا النص في "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" وقد نقل بعضه المصنف في ترجمة السوبيني مِنْ الضوء اللامع 1/ 101 ولم يعزه لكتاب. ثم تبين لي أن هذه التَّرجمة سقطت مِنْ المطبوع مِنْ الكتاب، وكان ينبغي أن تكون في (2/ 759) منه. وقد وجدتها في نسخة مخطوطة محفوظة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة، رقمها 285، والنص في الصفحة 117 منها، ويعمل الأخ الفاضل محمد زهرا على تحقيق هذا الكتاب مِنْ جديد.

وتحتانية ساكنة، ثم نون: صاحبنا الإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الحموي، ثم السُّوبيني ثم الطرابلسي، نسبة إلى سُوبين، مِنْ قرى حماة، شافعي المذهب، كثير المعارف في عدة علوم، رأس في الفرائض، وهو اليوم عالم طرابلس، يشغل في فقه الشافعية والحنفية، وحجَّ فقدِمَ علينا سنة أربع وأربعين وهو في الخمسين، دام النفع به. وذكر لي أن جدَّه لأمِّه الشَّيخ عمر السوبيني كان صالحًا، له كرامات، ثم ولي هو قضاء مكة، ثمَّ حلب، ثم رجع إلى طرابلس. وكذا نوه بالعلَّامة نور الدين بن سالم حتى ولي قضاء صفد، واستمر بها حتَّى مات. وبالقاضي قطب الدين الخيضَري حتى يتنّبه المرجوع لهم في الولايات والعزل إليه، وصار إلى ما صار، ولم يكن هذا قصده بالتَّنويه، والأعمال بالنيات. ولما فُتحت المدرسة الأشرفية برسباي، وحضر واقفها فيها، كان صاحبُ التَّرجمة ممن حضر، واستحضر معه مستمليه الزَّين رضوان العقبي، فقال الشَّيخ للسلطان مشيرًا للمدرسة: هذه جنَّةً ويحسُنُ كون رضوان خادمها، فقرَّره في خدامتها الكبرى لحسن هذا التوسُّل] (¬1). وممَّا نقلته مِنْ خطِّه في تاريخ "إنباء الغمر" (¬2) ما نصه في سنة ثلاث وأربعين: ورحل إلى القاهرة طالبُ حديث الفاضلُ البارعُ قطبُ الدِّين محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن خَيضر بن سليمان بن داود بن فلاح (¬3) بن ضُمَيْدَة البلقاوي، ثم الدمشقي، ويعرف الآن بالخيضري، نسبةً لجدِّ أبيه، فسمع الكثير، وكتب كتبًا كثيرة وأجزاء، وجدَّ وحصَّل في مدة لطيفة شيئًا كثيرًا، وتوجَّه صُحبة الحاج المصري لقضاء الفرض، وكتب عنِّي في مدة يسيرة المجلد الأول مِنْ "الإصابة في تمييز الصحابة" وقرأه، وعارض به ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). (¬2) 9/ 109. (¬3) في (ب، ط): "صلاح"، تحريف.

معي وأتقنه، ونسخ أيضًا "تعجيل المنفعة في رجال الأربعة"، وقرأه كلَّه وأتقنه، وسمع عدَّة أجزاء، وكتب عدَّة مجالس مِنْ "الأمالي"، وخطُّه مليح، وفهمُه جيد، ومحاضراتُه تدلُّ على كثرة استحضاره. انتهى. وسأله القطب في أشياء، منها: الإذن له بالإفتاء والتدريس فما أجابه، [بل وعده بالإجابة] (¬1) في وقت عيَّنه له حسبما كتبه صاحب التَّرجمة بخطه. وكذا التمس منه الكتابة على "طبقات الشافعية" مِنْ جمعه، فأجابه بما حاصله أنَّه كان اللائق به نسبة ما جرده مِنْ حواشي نسخته "بالطبقات الوسطى" للتاج السبكي إليه، في كلام فيه طول، يدل على مزيد تأثُّرٍ منه يتضمن عتبًا زائدًا، لا سيما حين رآه ينقل عن المقريزي أشياء إنَّما عُمْدَةُ المقريزي فيها على شيخنا. قال: ولم تزل قلَّة الإنصاف قاطعةً ... بين الرجال ولو كانوا ذوي رَحِمِ ونوَّه أيضًا بكلٍّ مِنَ البدر زين ابن التنسي المالكي، والبغدادي الحنبلي حتى ولي قضاء مذهبه استقلالًا. وكذا نوَّه بالقاضي عز الدين الحنبلي، بحيث راج ذكره بسبب ذلك، كما أسلفته في الباب الثاني. وكان رحمه اللَّه -ولي كما أسلفت في الباب الرابع- ربما نزل لبعض طلبته أو أصحابه عما يكون باسمِه مِنَ الوظائف السَّنِيَّة، قصدًا لاشتهار أمرهم، لا سيما فيما لا يكون لهم به شهرة ممَّا يعلم هو تحقُّقَهم به، كما وقع له مع العلامة البدر بن الأمانة والشهاب بن المحمَّرة، حيث نزل للأوَّل -كما مضى- عن درس الحديث، وللثاني عن درس الفقه، وقيل: لو عكس، لكان أمسَّ، فقال: إنَّما أردتُ اشتهارهما بما لا شُهْرَة لهما به مما يعلمانه. وكتب ورقة للظاهر يُثني فيها على بعض طلبته، ويعرفه بفاقتهِ، رجاء إحسانه إليه وعطفه عليه. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

ومرَّة أخرى للشيخ علي الخراساني المحتسب، ليكون واسطة بينه وبين الظاهر، وافتتحها بقوله: القضائي الشَّيخي النُّوري العبد أحمد يقبِّل الأرض، مبتهلًا بالدُّعاء الصالح لمولانا، ومذكِّرًا له بما كان كلَّمه قديمًا بسبب الماثل بها، ثمَّ أثنى عليه. قال: والمقصود الأعظم تحصيلُ ما يكفُّ به وجهه عن السؤال، بحيث يكون راتبًا جاريًا لكفايته، وسببًا متَّصلًا بتحصيل عِفَّتِه، وأجرًا وافيًا يضيءُ نورُه لمن ساعده في صحيفته. ومرة أخرى إلى الزَّيني الاستادار. وتكرَّرت كتابته له مرَّة، بسبب الشهاب ابن أسد حتى استقرَّ به في إمامة مدرسته، ومرَّة بسبب غيره حتى استقر به في قراءة الحديث بجامع بولاق، وطالما كان يرسل مشرفاته بسبب مِنْ يقصِدُه مِنَ الطَّلبة ونحوهم في الحوائج إلى مِنْ يحصّل له غرضه، ولو كان المكتوبُ إليه منحطَّ الرُّتبة، وربما أرسل قاصدَه وتلميذه أو غير ذلك، ولا يبخل بالثَّناء على المرسل بسببه، بل يصفُه بالأوصاف الحَسَنةِ التي يرتقي بها الطالبُ بأحسنِ عبارة وأمتن إشارة، بحيث تكونُ عندَ صاحبَ الحاجة -غالبًا- أشهى مِنْ قضائها، وربما أدَّاه سروره بتلك الألفاظ لحفظها أو كتابة صورتها. وممن أعرف الآن منهم مِنْ أصحابنا: الشَّيخ شمس الدين الجوجري والشَّيخ عبد الرحيم الأبناسي وأبو (¬1) حامد القدسي، وهو الذي أبهمتُه قريبًا (¬2)، وابن خليل. وفي إيراد بعض ذلك -فضلًا عن جميعه الذي لا تمكن الإحاطة به- طول. وممَّن كتب له لكلِّ واقفٍ عليه في سَفْرَةٍ سافرها الشَّيخ شمس الدين النَّواجي، ولجماعة مخصوصين صاحبُنا الشَّيخ نجم الدين بن فهد كما سيأتي عند اسمه مِنَ الباب الذي يلي هذا (¬3). وكذا كتب مِنْ أجلي مرَّة قُصَّةً كاملةً بخطه لأبي الخير النَّخَّاس، فكان مِنْ جملتها: وأنَّه مِنَ الملازمين بالاشتغال بالسُّنَّة النبوية ليلًا ونهارًا. ورسالة للزَّيني الاستادار مرَّةً بعد أخرى في أحدهما: أنَّه مِنْ المهرة في ¬

_ (¬1) في (أ): "وأب"، خطأ. (¬2) ص 1012 مِنْ هذا الجزء. (¬3) ص 1121.

[انبساطه:]

العلم والمقبلين علي الحديث النبوي بخصوصه إقبالًا كلِّيًّا. كلّ ذلك قصدًا للتنويه بالمكتوب بسببه، ورجاءً لبلوغ قصده وأربه. وكذا نوَّه بذكر أصغر خدامه مصنف "الجواهر" [بغير ما أوردته أيضًا مما] (¬1) لا أتشاغل ببثِّه هُنا. ويا لهفي على فراقه إلى أن ألقاه. فماذا فقدت مِنْ علم وحلمٍ وتواضع وإنصاف وبذل وبشاشة وأوصاف لا أُدرِكُ الإحاطة بها. وإذا تأمَّلت آخر قصيدة في الفصل الخامس مِنَ الباب الذي قبلَه (¬2)، علمتَ شدَّة تواضُعه وهضْمَ نفسِه إلى الغاية رحمةُ اللَّه عليه. [انبساطه:] وأما انبساطه، لا سيما في محالّ النُّزه، فمعلوم. وربما لعب الشَّطرنج، لكن في النادر جدًّا، بحيثُ لم يضبط عنه غير المرَّة والمرتين، مع كونه عاليةً فيه، يلعبُه استدبارًا. فممَّا ضبط عنه لعبُه به مع الشهاب الرِّيشي أحد جماعته بالمناوات بعد أن خطمه رخًّا (¬3). وزعم العالية محمد الحلوائي الملقب البُخْش، وهو مِنْ مدة تزيد على ثلاثين سنة عالية، أنَّه لعبه معه مرة سبع دسوت، فضله صاحبُ التَّرجمة بثلاثة منها، وتساويًا في باقيها، واللَّه أعلم. وكان يلعبه مع صهره الشهاب بن مكنون في أوقات راحته. وحكى لي سبطه أنَّه لعبه بعد سنة آمد مع بعض المعتبرين. قال: وأظنه البدر بن الأمانة. ورأيت بخطِّ بعض الأعيان مِنْ الحلبيين -كما أسلفته في الباب الثاني (¬4) - ما نصُّه: وأما لطائفه وملاطفته للطلبة والإحسان إليهم، فلا تكاد تُوصف، وقد كنتُ أسمع به وبأوصافه، فلما شاهدته رأيتُه فوق ذلك. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح). (¬2) ص 886، ومطلعها: بني علي قد تفاقم وزره ... فليس على مِنْ خاض في عرضه وزر (¬3) الرخ: مِنْ أدوات الشطرنج. قال في "القاموس". (¬4) 1/ 322.

كانت مُسائلة الرُّكبان تخبرني ... عن أحمد بن عليٍّ أحسنَ الخبرِ لمَّا التقينا فلا واللَّه ما سَمِعَتْ ... أُذني بأحسَنَ ممَّا قد رأى بصري قلت: ومن حكاياته اللطيفة التي سمعتُها مِنْ لفظه: ما حكاه لنا عن الشَّريف البدر النَّسَّابة عم الذي أخذنا عنه، وكان مِنْ جماعته، أنَّه كان شيخ البيبرسية وناظرها، فرافع فيه الصُّوفية إلى السُّلطان، فبرز أمرُهُ بالتوجُّه لقاضي الشرع، فحضر إليه القاصدُ، فاعتذر ابن أخيه بضعفه، فلم يقل منه ذلك، وألزموه بإخراجه ومجيئه لمجلس الشرع، فحملوه، فلما جاء (¬1) وقع مغشيًّا عليه، فرش عليه ماء الورد، فما (¬2) أفاق، فقال القاضي للصُّوفية: أنتم تدَّعُون أنَّه لا يُنفق عليكم، فهو يعتذر عَن ذلك بماذا؟ فقالوا: يدَّعي العمارة، فقال لهم: أليس هو شيخ المكان؟ قالوا نعم، فقال لهم: أليس شرطُ الواقف أن يكون الشَّيخُ ناظرًا؟ قالوا: نعم، فقال لهم: إنَّ الناظر يتصرَّف كيف شاء، ولا حُكْمَ لكم عليه، فقام الشَّريف حينئذٍ سريعًا، وقال: باللَّه يا مولانا قاضي القُضاة [قل لهم] (¬3)، فكانت مِنَ اللَّطائف، وسمع الدَّعوى عليه. ونحو ذلك ما حكاه أيضًا عن مَنِ ادُّعِيَ عليه بمسطور، فجحد أن يكون هذا هو المكتب عليه المسطور، فتغافل القاضي عَنِ المدَّعى عليه معظمَ النَّهار، ثم نادى: يا فلان، للاسم المكتوب في المسطور الذي أنكره المدَّعى عليه، فبادر إلى الجواب غفلةً منه، فقال للمدَّعي: قم فادَّع عليه. قلت: وقد بلغنا عن القاضي بكَّار أنَّه دخل عليه بعضُ أُمنائه (¬4) وهو مخرَّقُ الثِّياب، فقال له: بعثتني لأحفظ تركة فلان، فصنع بي جارُه هذا، فأمر بإحضاره، فأحضر، فقال له: أنت صنعت هذا بأميني؟ قال: نعم، فقال للأعوان: خُذوه، فأخذوه فسقط ميتًا، فدهِشَ القاضي، فقال له أمناؤه، لا تخف، فقد مات اليوم هكذا مرَّتين! فاستوى الرَّجُلُ جالسًا، وقال: كذبوا ¬

_ (¬1) "جاء" ساقطة مِنْ (ب). (¬2) في (أ): "فلما". (¬3) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ)، وفي (ب): "قل له". (¬4) في (ب): "أبنائه".

واللَّه ما مِتُّ إلَّا السَّاعة، وعاد فرقد! فجعل بكَّارُ يرشُّ عليه الماءَ وَرْدٍ ويُشمُّه الكافُورَ، ويرْفُق به ويعِدُه، إلى أن قام، فصرفه وأقبل إلى (¬1) أعوانه، فقال: هدَّدتموه وجرَّرْتُموه، فلو وافق أجله؟ ومنها ما أثبته، قال: دخل أبو محمد بن حمدون النَّديم مع المعتضد الزَّلَّاقة، فأمر بلقاط الرُّطَب، فلما قُدِّمَ إليه، قال للقَيِّم: ما اسم هذا اللون مِنَ الرُّطب؟ قال بَرْشُوما يا أمير المؤمنين، فأمر به فضُرِبَ ستمائة سوط، وطرح في جانب البستان، فلما قُدِّم الطَّعام، كان فيما قُدِّمَ المغمومة، فقال: يا ابن حمدون، ما اسم هذا اللَّون مِنَ الطَّبيخ؟ قال: المسرورة يا أمير المؤمنين: فقال: مَنْ علَّمك هذا؟ قال: المطروح في جانب البستان. وسمعته يحكي عَنْ بعضهم، قال إذا تزوج الشَّيخ شابَّة، فرح صبيان الخِطَّة. وعن بعض الولاة المغفَّلين أنَّه أُتي بمخنَّث، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مخنَّث يُنْكَحْ كما تُنْكَحُ المرأةُ، فقال: هو يبذلُ نفسَه وأحظُرُها أنا عليه؟! اذهب يا ابن أخي فارتَدْ لاستك!. وعن بعض المصحِّفين ممَّن قرأ كتاب بعض الولاة لنائب له في جهةٍ مِنْ جهاته، وفيه أمرُه بأن يُحصي مَنْ قِبَلَه مِنَ المُخَنَّثين، قالها بالخاء، فكادوا أن يهلكوا، لكن فرَّجَ اللَّه عنهم بالاطلاع على تصحيف اللَّفظة. قلت: ويُقال: إنَّه لم يطَّلع على تصحيفها إلَّا بعد الفعل، ولذلك قال بعضُ الشعراء: ما رأينا ضربةً مِنْ بطلٍ ... بحسام برأت ألف قَلَمْ بل رأينا نُقْطَةً مِنْ قَلَمٍ ... في سِجِلِّ نكَّسَتْ ألفَ عَلَمْ وكان رحمه اللَّه إذا سمع مِنْ يصخب في البحث يحكي حكايةً فيها أن الصَّوابَ مع الأسَدِّ لا مع الأشَدِّ. ومن لطيف حكاياته مما سمعتُه منه، قال: بينما جماعة بمصر -وأظنُّ أنَّه حكى لنا أنَّه كان فيهم- إذ جاء إليهم شخص، ولعله نشأ ببادية بعيدة وهو مذعور، وقد رأى البُلقيني وهو يدِّرسُ في حلقته بالبرقوقية، فقال: ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "على".

رأيتُ اليوم عجبًا، وما سلَّمني مِنْ القتل إلا اللَّه تعالى! كنتُ بالقاهرة، فطلعتُ الجامع الذي بناه السلطان -يعني البرقوقية- فأجدُ خَلقًا قد ملؤوا إيوانها (¬1) الكبير، وشخصٌ في صدر المكان يصيحُ عليهم، وهم يضاربونه بأجمعهم، إلى أن تعبوا مِنَ الكلام، ثم قام كلُّ واحدٍ منهم إلى نعلٍ، فأخذه، وجئتُ قبل تمام الوقعة!. ثم يحكي عقبها سواء حكاية أظن أنها قديمة تُشبهها، وهي أن آخرَ مثلُ الأول قال: دخلتُ جامعًا، فأجِدُ شخصًا على مكانٍ مرتفع وبيده سيفٌ وهو يشتمُ مَنْ بينَ يديه ويحتدُّ عليهم، وهم سكوتٌ، وربما بكى بعضُهم مِنْ شدَّة الخوف، إلى أن تعِبَ، فنزل إليهم والسَّيف في يده، فقاموا إليه بأجمعهم ليقاتلوه، وفارقتهم قبل تمام الوقعة!. وحكى لنا أيضًا أنَّ شخصًا سمع الخطيب يقول: حديث "لا يدخل الجنَّة قتات"، فشرع يبكي وينتحبُ، فسأله مَنْ بجانبه: لماذا؟ فقال: أنا حِرْفتي بيعُ القتِّ، وقد قال الخطيب ما سمعتَ! فقال: إنَّما معناه النَّمام. قلت: وهذه الحكاية رأيتها في ترجمة الحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد اللَّه بن الحبَّال، قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعته يقول: كنَّا يومًا نقرأ على شيخٍ جزءًا، فقرأنا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يدخُلُ الجنَّة قتَّات". وكان في الجماعة رجلٌ يبيعُ القتَّ، وهو علفُ الدَّوابِّ، فقام وبكى، وقال: أتوب إلى اللَّه مِنْ بيع القتِّ، فقيل له: ليس هو الذي يبيع القتَّ، ولكنَّه النَّمَّام الذي ينقُلُ الحديثَ مِنْ قومٍ إلى قومٍ، فسكن بكاؤه، وطابت نفسُه. وحكى لنا أيضًا أن بعضهم جلس ليبُول، فوقف بالقرب منه شخصٌ، فقال له: منعتني نفع بولتي بوقوفك، فإنَّ الحياء منك يمنعني (¬2) مِنْ إخراج الريح. قلت: وهذا مرويٌّ عن حُميد بن هلال، فروى الحسن بن قتيبة المدائني عن الحسن بن دينار -أحد الضعفاء- قال: حدثنا حميد بن هلال، ¬

_ (¬1) في (ط): "أبوابها"، تحريف. (¬2) في (ب، ط): "منعني".

قال: ذهب رجلٌ يبول، فتبعه رجلٌ، فقال له: حرمتني بركة بولي. قال (¬1): وما بركةُ البَوْلِ؟ قال: الفَسْوَةُ والضَّرطَةُ!. وقد روى سعيد بن منصور في "سننه" مِنْ طريق سوادَةَ بن هانىء، قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: إذا خرج رجلان جميعًا لإهراقة الماء، فليتنحَّ أحدُهما عَنْ صاحبه، فإن الرَّجُلَ يتنفَّسُ. وحكى لنا أيضًا أن بعض أهل البوادي رُؤي في الصَّيف وهو يغتسِلُ، فصار كلَّما غطَسَ ورفع رأسه، حلَّ عُقدَةً مِنْ خيطٍ كان معه، وأنه كرَّر ذلك مرارًا، فسُئِلَ عَنْ سبب ذلك، فقال: كنتُ في الشِّتاء كلَّما وجبَ عليَّ غُسلٌ، عقدت عُقدَةً، فأنا في هذا الوقت أُوفي بجميع ما عليَّ مِنْ ذلك! وحكى لنا غيرَ مرَّةٍ عن ناصر الدين بن صُغَيْر الطبيب (¬2) أنَّ الصَّفدي قال له: لو جلست على دُكَّان عطَّار، لارتفقت بذلك. فقال له: يا مولانا، هؤلاء النِّساء، إن لكم يكنِ الطبيبُ يهوديًّا شيخًا مائل الرَّقبة، سائل اللُّعاب، لم يكن لهُنَّ عليه إقبالٌ. ومما سمعته يحكيه -مما في ظني أنَّه عزاه لبعض التَّواريخ، وأهابُ تسميته قبل الوقوف عليها- أن ثلاثةً مِنَ الحُدبان كانوا إخوةً في الشكل والطُّول (¬3) والهيئة واللُّبس، أحبَّ بعضُ النَّاس مبيتهم عنده بداره للتَّفرُّج على هيئتهم وسماع ألفاظهم، ففعل ذلك، وعند تمام الأرب منهم أدخلهم في شونةٍ (¬4) عنده ممتلئة تبنًا ليبيتوا بها، فانهار عليهم التِّبْنُ، فأصبحوا لا حياة بهم، فخيف مِنْ غائلة ذلك، فأعمَلَتْ جاريةً مِنْ جوار المنزل الحيلة في إخراجهم بأن أرغَبَتْ بعض السَّقَّائين، وقالت له: عندنا شخصٌ أحدبُ توفي ¬

_ (¬1) في (أ): "قلت"، والمثبت مِنْ (ب)، حيث كتبت الحكاية بهامشها بخط المصنف. (¬2) هو ناصر الدين محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن صغير، ولد سنة 691 هـ وتوفي سنة 749 هـ مترجم في الدرر الكامنة 4/ 190 - 191 نقلًا عن أعيان العصر للصفدي، وفيهما الحكاية. وترجمه الصفدي أيضًا في الوافي بالوفيات 1/ 258 باختصار. (¬3) "والطول" ساقطة مِنْ (ب). (¬4) قال في القاموس: الشَّوْنَة: مخزن الغلَّة.

بسقوط التِّبْنِ عليه، ولا نحبُّ العلمَ به خوفًا مِنْ غائلته. فهل لك أن تُعمل الفكر في إلقائه في البحر ولك دينارٌ؟ فقال: نعم، فأخذه ولفَّه في عباءته، وألقاه على ظهر الجمل إلى أن وصل به إلى البحر في السَّلامة، فألقاه فيه ورجع، فبادرت قبل مجيئه لإخراج الثَّاني، وقالت له عندما رام أخذَ جُعْلِه: هذا هو قد سَبَقَكَ! فما شكَّ في صِدقها, لكونه -كما قدَّمنا- شبيهًا له, وأخذه ففعل به ما فعل بالثَّاني. وهكذا فعلت بالثالث، وقاسى غلبة في ذلك!. هذا معنى ما سمعتُه، وهي هزليَّةٌ، وتمامها، وهو غاية في الظَّرفِ، لكن الغالب الظَّنِّ أنَّها مُفتَعَلَةٌ: أن السَّقاء عند فراغه مِنَ الثالث وطلوعه مِنْ البحر، وجد بعضَ الحُدْبَانِ وهو ماشٍ بين يديه ومعه إبريقٌ كأنه كان يتوضَّأ، فأدركه بعزم قويٍّ (¬1) واقتلعه مِنَ الأرض قائلا له: إلى متى تتبعُني في هذا اليوم، قد مسكتُك، ولم يزل به حتى ألقاه في البحر وهو يصيح، فلا قوة إلا باللَّه، وأستغفر اللَّه تعالى مِنْ حكاية مثل هذا. وكذا سمعته غير مرة يحكي أنَّ بعضهم حكى أنَّ بعض البلدان يتشجَّر النَّعنع حتَّى يعمَل مِنْ خشبه السَّلالم، فقال له بعضُهم: أغربُ مِنْ هذا زوجُ حمام راعِبِيٍّ، يبيضُ في كلِّ نيفٍ وعشرين يومًا بيضتين، فأنتزعهما مِنْ تحته وأضع مكانهما صنجة مائة وصنجة خمسين، فإذا انتهت مدَّةُ الحضان، تفقَّسَت الصنجتان عن طَشْتٍ وإبريقٍ أو سطلٍ وكرنيب. قال: وإنَّما أراد الثاني المبالغة، مشيرًا إلى كذِبِ الأول. قلت: وهاتان الحكايتان رأيتهما في ترجمة صاحب "الأغاني" أبي الفرج علي بن الحسين بن محمَّد بن أحمد بن الهيثم الأصبهاني. وقريبُ الشَّبَه مِنْ هذا: أنَّ بعض الجماعة مِمَّن يُعْرَفُ بالمجازفة مِنْ الحلبيين [حكى أنَّ عندهم بحلب] (¬2) مِنْ اجتمع مِنْ أولاده الذُّكور تسعة ¬

_ (¬1) "قوي" ساقطة مِنْ (أ). (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ط).

وثلاثون وتكملة الأربعين (¬1) أنثى، فقال بعضُ الحاضرين: وأغربُ مِنْ هذا. . . وشرع يحكي شيئًا، وكان ذلك بين يدي صاحب التَّرجمة، فضحك وقام إلى الصلاة، قصدًا لقطع ذلك. ومما أثبته قال: رفع رجلٌ قُصَّةً إلى القاضي الفاضل بخطٍّ ضعيف، رافعها اسمه شعيب، فكتب عليها {يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} ويا خطه: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} [هود: 91]. فانظر لنا مَنْ يقرأ ما تكتب، أو يكتُبُ ما نقرأ، والسلام. وممَّا سمعته أنَّ خطيبًا [ببعض القرى] (¬2) استضافَ شخصًا، فأقام عنده أيامًا، ثم قال له الخطيبُ: لي مدَّةٌ إصلِّي بأهل هذه القرية، وقد أشكل عليَّ مِنَ القرآن مواضع، فأحبُّ أن أسألك عنها، فقال: سل، فقال: في الفاتحة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ}. فما الكلمة التي بعدها. هل هي سبعين أو تسعين؟ أشكل عليَّ أمرها، فانا أقولُها (تسعين) عملًا بالاحتياط!. [قلت (¬3): وهذه الحكاية أسندها ابن الجوزي، فقال: حدثنا أبو البركات محمد بن علي بن محمَّد بن أحمد بن الرُّومي، أنَّ رجلًا مِنَ النَّاس مضى إلى قرية، فلقيه خطيئها فضافه، فأقام عنده أيامًا، فقال له الخطب: لي مدّة أُصلِّي بهؤلاء، وقد أشكل عليَّ في القرآن مواضع. قال: سل عنها. قال: في "الحمد" {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ}، أي شيء: "تسعين" أو "سبعين"، أشكلت عليَّ، فأنا أقولُها "تسعين" عملًا بالاحتياط! حكاها ابنُ النَّجار في ترجمة ابن الرومي]. وأنشد رحمه اللَّه مرَّةً يخاطب بعضَ الطَّلبة عن شيخه العلاء ابن أبي المجد قراءة عن العلاء بن المظفَّر الوداعي، وكان خاتمة أصحابه بالإجازة قوله: متى أراه خلفه ... عاتٍ مِنْ الأقوام عادي ¬

_ (¬1) في (أ): "الأربعون" خطأ. (¬2) ساقطة مِنْ (ط). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ط)، وورد في هامش (ب، ح) بخط المصنف.

ونداؤه: هذا جزاء ... فأقول قد صدق المنادي وبقي يخاطبه بقوله: "هذا جزاء"، والطالب لا يفهم، بل صار يعيدُها تبعًا لشيخنا دون فهم المقصود، فإنه لو فهمه ما ذكره. وقد قال محمَّد بن إسحاق صاحبُ "المغازي" فيما رويناه في "النوادر والنُّتَف" لأبي الشَّيخ ابن حيَّان الحافظ: يعجبني مِنَ القُّراء كل ضحَّاك بسَّام، طلْقُ الوَجْهِ، ليس الذي تلقاه ببشاشةٍ ويلقاك بوجه عبُوسٍ، يمتَنُّ عليك بعلمه، لا أكثر اللَّه في القُرَّاء مثل ذلك. وممَّا رأيته مما هو دالٌّ على لُطف ذاته وجميل عِشْرَتِه: أنَّني بينما أنا أقرأ عليه بعضَ عواليه في بعض اللَّيالي على العادة، إذ حضر بعضُ أصحابه وهو العلَّامة نور الدين بن سالم، وكنتُ أنا وإياه وسط النَّهار بين يدي شيخنا، سمع معي (¬1) شيئًا ممَّا (¬2) قرأته، فعندما رآه شيخُنا مقبلا أشار إليَّ أن إذا أمرتك بالإعادة، لا تفعل، ووصل فجلس، فقال له شيخ الإِسلام: ما هذا الحال، تغيب عن السَّماع في هذا المرويِّ العالي؟ فالتفت إليَّ، وقال: لِمَ لَمْ تُعلمني بذلك حيث كنت أنا وإياك السَّاعة؟ فلم أُجِبه وصِرتُ أقرأ وشيخُنا يبالغ في وصفه بالتَّقصير عن تفويت مثل ذلك، وهو -أعني ابن سالم- يحثُّ عليَّ في الإعادة، ولا أجيبه بكلمة إلى أن تعبَ، فقال لشيخنا: قل له يفعل، ففعل لكنِّي امتثلتُ إشارته السَّابقة، وصِرْتُ في خجل. كلُّ هذا بأدنى إشارة، مع سكون وإطراقٍ وعدم مزيد حركة, ممَّا لا أستطيعُ التَّعبير عنه. وكان رحمه اللَّه يخصُّ ابن سالم مِنْ ذلك بما لم أره يُكثر فعله مع غيره. رأيته عند سفر ابن سالم إلى صفد -وما التقيا بعدها في غالب الظَّنِّ- وشيخُنا يقولُ له: يا شيخ فلان، شيخك ابنُ الكُوَيْك يروي "الشفا" غايةً في العُلوِّ، فما كان بأسرع مِنْ إخراجه الدَّواة والقلم، وشرع يستملي منه ذلك، فأخذ يتلاهى عنه، تارةً بالبحث والتقرير، وتارة بالكتابة على ¬

_ (¬1) "معي" ساقطة مِنْ (أ). (¬2) في (أ): "ما".

الفتاوى، وتارة بغير ذلك، وهو يحترقُ ويلِحُّ في الطَّلب، فما احتملتُ أنا ذلك، وكنت بجانبه سواء، فأمليتُه مِنْ حفظي السَّندَ المشارَ إليه سرًّا، وما خطر لي أن يُعلمه بذلك، فبمجرّد تمامه قال: قُضيَ الأمر وبطَلت الحاجة! فقال له: كيف؟ فأشار إليَّ، فأظهر سُرورًا بذلك. وبينهما مِنَ المُلاطفات غيرُ ذلك. ومع هذا كلِّه، فقد قال له (¬1) مرَّةً في حالة مرافقته له في السَّفر إلى آمد، عندما تكرَّر منه كَثْرَةُ صبِّ الماءِ والتَّمادي في الوضوء لوسواسٍ كان عنده، وكذا في تكرار النِّيَّة عند الإحرام بالصَّلاة حتى يكاد يخرجُ وقت الصَّلاة، واحتدَّ عليه: متى عدتُ أراك تفعلُ هكذا، ضربتُ عُنقَك! وإنَّما قاله رحمه اللَّه مبالغةً، فأجابه بقوله: عجيبٌ، كيف يصير ابنُ سالمٍ عاطبًا! فتبسم شيخنا. وكان لابن سالم مُمَاجناتٌ كثيرة، مع فهم جيِّدٍ وعلم، وقد قرأ على شيخنا في "النَّسائي الكبير"، مع كونه رفيقًا له في سماعه فيه على ابن الكُويك، لكن لجلالته عنده واحتياجه (¬2) لضَبْطِ المتون السَّند، والتفقُّه في الحديث، ولغير ذلك، رحمه اللَّه وإيانا. وكذا كان كثير المماجَنَةِ مع الشِّهاب الرِّيشي، أحدِ جماعته، سمعتُ الرِّيشي يحكي مرَّةً عن شيءٍ أدركه ممَّا اتَّفق قديمًا، فقال شيخنا رحمه اللَّه تعالى: "حاسبُوهم بالتَّاريخ"، ثم أسرَّ قوله: "تجدوهم كذَّابين". وكثيرًا ما سمعتُه يقول: لا يزال العاميُّ يدِّعي الصِّبا، ويغضبُ ممَّن يصفُه بغيره حتى يزاحم الخمسين، فإذا بلغ ذلك أخذ (¬3) يتمشيخ ويبالغ ويقول لمن دُونَه في السِّنِّ ما الذي رأيت؟ أنا رأيتُ السُّلطان الفلاني، واتَّفق كذا، وأكلت كَيْتَ وكَيْت بكذا، وما أشبه ذلك، وربما يدَّعي بعضُهم مجاوزة المائة، وإذا حقق الأمرَ فيه، لا يزيد على السَّبعين، ولهذا كان يمنع ¬

_ (¬1) في (أ): "لى"، خطأ. (¬2) في (ط): "واخياطه". (¬3) "أخذ" ساقطة مِنْ (أ).

مِنْ الأخذِ عمَّن يدَّعي السِّنَّ، أو يدَّعي له مِنَ العوام ونحوهم ممَّن لو صحَّت الدَّعوى منه (¬1)، لدخل في عموم إجازة القُدماء، وهو متعيِّنٌ. وذكرت هذه الحكاية استطردًا لقوله: "حاسبوهم بالتاريخ" (¬2). وقال للشِّهاب الرِّيشي مرَّةً وهو جالسٌ في محراب المنكوتمرية، والشهاب بحذاء المحراب أيضًا يا شهابَ الدِّين، هل تعرفُ في القرآن "الرَّحيم الرحمن"؟ فبادر إلى إنكار ذلك، مع كونه ماهرًا في حفظ القرآن, بل ومِنَ القُرَّاء واستمر يبالغُ في الإنكار وشيخنا ساكتٌ وهو (¬3) يكثر التَّبسُّمَ، وأطال في ذلك، فقال له: يا شهاب، ارفع رأسَكَ وانظر تُجاهَكَ، فرفع رأسه، قرأى بصدر الإيوان المقابل له مكتوبًا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)}، فكانت مِنَ الفوائد الجليلة، واستحسنها الجماعة. وعندي مِنْ خفَّةِ خاطره، وحلاوة نادرته، ولطافة طبعه، الذي إذا وقعت لها الكلمةُ الزَّائدةُ المستحسنة لا يسكت عنها، أمرًا عجبًا، وتجد كلَّ واحدٍ مِنْ جماعته يحفظُ مِنْ ذلك ما لا يحفظُه الآخرُ، فرحمه اللَّه وإيانا. آمين. ومِنْ ذلك: أنَّ سائلًا رفع له قُصَّةً يلتمَسُ شيئًا مِنْ مبرَّاته، فكتب له عليها بقدرٍ، ثم جاءه (¬4) بعد قليل بقُصَّةٍ أيضًا، ظانًّا أنَّه يَخْفَى عليه قُرْبُ مجيئه، فكتب له بهامشها: إذا ما جَنَيْتَ جنى نَخْلَةٍ ... فلا تَقْرَبَنهَا إلى قابِلِ ونحو هذا: أنَّه عزل أحدَ نوَّابه شمس الدين بن خيرة، فتوسَّل عنده ¬

_ (¬1) "منه" ساقطة مِنْ (ط)، (¬2) "بالتاريخ" ساقطة مِنْ (ب). (¬3) "وهو" ساقطة مِنْ (ب، ط). (¬4) في (أ): "جاؤوا".

في عَوْده بحارة الأمير يشبك فأجابه، لكن عيَّن له الجلوس بمجلس الهلالية بالدَّجاجين، ليكون مبعدًا عن أميره المشار إليه، فلم يقنع بذلك، وتوسَّل ثانيًا بالأمير المذكور، فكتب له: إذا أنت لم تقنَعْ ورُمْتَ زيادَةً ... ندِمْتَ ولم تأمَنْ زوالَ الذي حَصَلْ وقريب مِنْ ذلك: أن أحد النُّوَّاب، الشِّهاب أحمد بن محمَّد بن الدقاق المصري، حضر إليه حين عودهِ للقضاء في بعض المرَّات، يلتمسُ استنابتَه على العادة، فوجد جَمعًا مِنَ النُّواب قد سبقوه إليه، فقضى أربهم، ودخل إلى منزله، فسيَّر إليه (¬1) قصَّته مع بعض الخُدَّام، فعاد بها بدون الغَرَضِ، فجهَّزها له ثانيًا بعد أن كتب فيها ما معناه: إنَّه إن لم تقض حاجته شكا إلى الفُقراء، فأجابه بما نصُّه: أمَّا ابن الدقَّاق، ففاتته الدقة، فإنه غاب، ومَنْ غاب خاب، وأكل نصيبه الأصحاب، وما مَثَلي ومثَلُه إلا كمثل رجل جاء إلى الطَّحان بزَنبيله، فقال: قدِّمني على غيري، وإلَّا أدعو عليك يَنكَسِرْ حَجَرُكَ وتموتُ دوابُّك، فقال: إن كنتَ مستجابَ الدَّعوة، فادعو لقمحك يبقى دقيقًا. ومنه فيما بلغني: أنَّ شخصًا به حَوَلٌ مِمَّن كان يعارض (¬2) المجاورين بالأزهر، فصاروا يكتبون له بحائط محلِّ جلوسه: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فاستفتى صاحب التَّرجمة عن ذلك، ورام أن يجيبه بتعزير فاعِلِه، فكتب له ما نصُّه: لا حول ولا قوَّة إلا باللَّه كنزٌ مِنْ كنوزُ الجنَّة. ومنه: أن بعضَ الطَّلبة قرأ: "وله حُصَاص" (¬3)، أعجم أوَّله، فردَّ عليه بقوله: "حاء"، فكانت مِنَ اللَّطائف. وكان مرَّةً يفرِّقُ على الفقراء دراهمَ، لكلِّ شخصٍ درهمًا، فجاءتهُ امرأةٌ مِنَ الفُقراء مِنْ شُبَّاك المدرسة وهو جالس بها، فقالت له وهي رافعة ¬

_ (¬1) "له" ساقطة مِنْ (ب، ط). (¬2) في (أ): "يعارضه". (¬3) يشير إلى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أذنَّ المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص". والحصاص: الضُراط. انظر صحيح مسلم بشرح النووي 4/ 90.

سبَّابتها: يا سيِّدي وُحَيِّد، فقال مِنْ غير أن يُسْمِعَها: توجَّهي لبعلِك. واجْتَازت امرأةٌ أخرى ولها رائحةٌ عطِرَةٌ، فقال له شخصٌ بجانبه كالمُنكِرِ عليها: انظرُ إلى هذه الرَّائحة، فقال له: رايحة جَايَة. وكنَّا معه في الدَّرس بالمقعد، فقام الهواءُ، بحيثُ طارت أوراقُ بعضِ الحاضرين مِنْ بين يديه، وكان في المجلس الشَّيخ حسين الشيرازي العجمي -عرف بالفتحي (¬1) - فقال مخاطبًا لصاحب الأوراق: يا شيخ ثقِّل، فقال له صاحبُ التَّرجمة: بعد العصر. وحضر إجلاسًا لناصر الدين بن السَّفَّاح، فقال لعمِّه -وهو كاتب السِّرِّ إذ ذاك- بعد فراغه مِنَ المجلس: واللَّه يَسْرُد مليح. وجلس مع رفقته مِنْ قُضاة المذاهب (¬2) وغيرهم وهم راجعون مِنَ السَّفر إلى آمد، فذكر كلُّ واحدٍ منهم ما يحتجُ لشرائه مِنَ القماش ونحوه هديَّةً لأهله وغيرهم، فقال واحدٌ منهم: أمَّا أنا، فأشتري لهم حِمْلَ جوز ولوز وزبيب وتين (¬3)، فقال له صاحبُ التَّرجمة بديهة: هذه هدية عزَّة، فاستحسنها الحاضرون، لأنَّ تصحيفها "عُرَّة". ووقف إليه شخصٌ مِنَ الشُّطَّار، فقال له بلفظه المألوف: اللَّه يسعدك. فالتفت إليه مباسطًا له، قائلًا: أيش أنت، فقال خثعم، فقال له: إنهم وسَّطوه، فقال الشَّاطر: إنَّه نَبَتَ. وسمعته يحكي قضية (¬4) العِرْسِ وتغطيته، ومجيء أمِّه ودورانها حول ابنها ترجو إطلاقه، وأنَّه طال ذلك عليها، فبادرت وأحضرت في فمها دينارًا، ثم آخر، ثمَّ آخر حتَّى استوفت عددًا، وأنَّها جاءت بالخِرْقَةِ بعد ذلك، إشارة إلى فراغ ما عندها، فأطلق بعدَ ذلك. لكن ما علمتُ هل ¬

_ (¬1) في (ط): "الشهير بالفتحي". (¬2) في (أ): "المذهب". (¬3) "وتين" ساقطة مِنْ (أ). (¬4) في (أ): "قصة".

حكاها أنها اتَّفَقَتْ له أو للبدر البشْتَكي أو لمن تقدَّم. ثم رأيتُها في ترجمة محمَّد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور بن الخاضِبَة مِنْ "ذيل تاريخ بغداد"، قال: كنتُ ليلةً أنسخُ وأنا في ضيقٍ، وبعد مُضيِّ قطعةٍ مِنَ الليل، خرجت فأرةٌ ثمَّ أخرى، فكانا يمرحان ويلعبان، ودنت إحداهما منِّي، فالقيت عليها طاسةً، فجاءت صاحبتُها، فجعلت تشمُّ الطَّاسة وتضرِبُ نفسَها عليها إلى أن أعيت، فذهبت [فدخلت سِرْبَها] (¬1)، ثم رجعت بعد ساعة وفي فمها دينارٌ، فألقته ومكثت ساعةً تنظرُ إليَّ، وأنا مُتشاغِلٌ عنها بالنَّسخ، ثم ذهبت إلى مكانها أيضًا وجاءت بدينارٍ آخر، إلى أن أحضرت خمسة أو أربعةً، وفي الآخر أطالت المُكْثَ والنَّظَرَ إليَّ وأنا متشاغِلُ عنها، ثم ذهبت إلى سِرْبها أيضًا، ثم رجعت وفي فمها جُلَيْدَةٌ، فوضعتها فوقَ الدَّنانير، ففهِمْتُ أنَّه لم يَبقَ عندها شيءٌ، فرفَعتُ الطَّاسة، فقفزا ودخلا السِّربَ، فقمْتُ وأخذتُ الدَّنانير فأنفقتُها. وكانت زِنَة كلِّ واحدٍ دينار وربع. ويُروى أنَّ المقدادَ ذهب لحاجته ببقيع الخَبْخَبَة، فإذا جُرذٌ يخْرِج مِنْ جُحْرٍ دينارًا، ثمَّ لم يزل يُخْرِجُ دينارًا دينارًا حتى أخرج سبعة عشر، ثمَّ أخرج خِرْقةً حمراء وفيها دينار آخر. فقدِمْتُ بها إلى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل خرَّبت الجحر"؟ قال: لا، فقال: "باركَ اللَّه لك فيها" (¬2). وكذا حكى لنا قضية البراغيث وجَعْلِها في وعاء مختوم عليه في انقلابهم تُرابًا، ثم براغيث، وما تحققت الحكاية على وجهها أيضًا. وحكى لي العلَّامةُ الشِّهاب الحجازي، قال: كنتُ أقرأُ بشباك الخانقاه البيبرسية في وظيفتي مع الجماعة على العادة، فصادف اجتياز صاحبِ التَّرجمة وابن يعقُوب في خدمته عند قراءتنا: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} [يوسف: 6] فحرَّك رأسَه، ثم إنَّني لقيتُه بعد ذلك، فسألني: هل كان ذلك قصدًا أو اتِّفاقًا؟ قال: فحلفتُ له بالطَّلاق أنَّه اتِّفاقًا. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ). (¬2) انظر: سنن أبي داود رقم (3087)، وسنن ابن ماجه رقم (2508).

[رغبته في العلم:]

وقد أشرتُ إلى هذه الاتِّفاقية في أواخر الباب الرابع (¬1). وحكى لنا، قال: كان شيخا القاضي صدر الدين المناوي كثيرًا ما يجمعُ الطَّلبة ونحوهم على الطَّعام الفاخر. فاتَّفق أنَّه أحضِرَتْ له جارية ليختبِرَها فيما وُصِفَتْ عنده به مِنْ إتقان الطَّبخ حتى يشتريَها، فأمرها بطبخ ألوانٍ عُيِّنَتْ لها بعد أن أحضرَ لها جميعَ احتياجاتها على الهيئة المرضيَّة، بحيث لا يختلُّ بشيءٍ. ولمَّا انتهت مِنْ تهيئتها، ورأت الجاريةُ التي كانت قبلَها مِنْ ذلك ما حسدتها مِنْ أجله، أخذت صبرًا، ودارت على القدور فأشعلتها عن آخرها، والطَّبَّاخَةُ غافلةٌ عَنْ صنيعها، ووصل عِلْمُ ذلك للقاضي، فتغيَّر لطول مُكْثِ الجماعة بين يديه لانتظار الاستواء، فدبَّر نقيبه الأمرَ بمد السِّماط، وحين ينتهي وضع تلك الأطعمة يخير الجماعة بين التَّقدُّم للأكل أو النظر لأمر غريب، وهو إحضارُ شخصٍ واحدٍ يأكُلُ الجميع، ففعل ذلك، فاختاروا التفرُّج، وقدَّمُوه على الأكل، ففي الحال أحْضِرَ شخصٌ يسمَّى سرحان، فجلس في ذيل السِّماطِ، وشرع في الأكل حتَّى أتى على آخره، وما تمَّ ذلك حتى أمر القاضي بإحضار شواءٍ مِنَ السُّوق يكفي بجماعة فأكلوه، وتعجَّب كلٌّ منهم لصنيع سرحان. قلت: وقد ترجم شيخُنا سرحان هذا في سنة اثنتين وتسعين مِنْ "إنبائه" (¬2)، وقال: إنَّه كان مالكيًا عارفًا بمذهبه، أكولًا مهشورًا بذلك. انتهى. وهو ممَّن أخذ عنه البدر بن الأمانة الفرائض، وأظنُّه كان إمام المالكية بالصَّالحية، وأحدَ سُكَّانها. [رغبته في العلم:] وأما شدَّة رغبته في العلم ومحبَّتُه في المذاكرة به والمباحثة فيه، فوراء العقل، مع كثرة الإنصاف ولو على نفسه، وعدم استنكاف سماع الفائدة ولو مِنْ صغار آحاد طلبته، بل يستحسِنُها ويأمرُ الحاضرين بسماعها، حتَّى رأيتُه ¬

_ (¬1) ص 651. (¬2) انباء الغمر 3/ 39.

[أدبه مع العلماء:]

مرَّةً يقول، وقد (¬1) تكلَّم شابٌّ بشيءٍ وهو خارج الحلقة: اسمعُوا ما يقولُ الشَّابُّ، فإنَّه يقول جيدًا. وطال ما يقول: مقالة هذا هي الصواب، مع كونه كان قرَّرَ خلافها رجوعًا منه إلى الحق، وإنصافًا وعدم محاباة. وحكى لي شيخنا العلامة مفخرُ العصر تقي الدين الشُّمُنِّي، وهو مِنْ تلامذته، قال: كنتُ أحضُرُ عنده بعد أن اشتغلْتُ وفهمت العِلمَ فيكرِمُني، وأفهم أنَّ سببَ ذلك كون والدي مِنْ جماعته، لا لكوني طالبَ علمٍ؛ لأنه لم يكن اطَّلع على ذلك، إلى أن حضرتُ بين يديه مرَّةً على العادة في المحمودية، وقارىءٌ يقرأ عليه حديث "فليَخْلُقوا ذرة وليخْلُقُوا حبَّةً أو شعيرة"، فوقع السؤال عَن الحكمة في التَّرقِّي، كذلك قال: فأجبتُ بأن صُنْعَ (¬2) الأشياء الدَّقيقة فيه صعوبةٌ، والأمر لمعنى التَّعجيز، فناسبَ التَّرقِّي مِنَ الأعلى للأدنى. قال: فأعجبه ذلك، وأقبل عليَّ، وصار يلحظُني ويُكرمني ويُصغي لمقالي. رحمه اللَّه. [أدبه مع العلماء:] وأمَّا كثرة أدبه مع العلماء المتقدِّمين منهُم والمتأخِّرين, فمشهورٌ بحيث كان إذا تعقَّب النَّوويَّ رحمه اللَّه شيء يقول: وعجبتُ للشَّيخ مع سَعَةِ علمه كيف قال كذا، أو ما أشبه ذلك مِنْ العبارات. وسمعت أنَّه توجَّه مرَّةً هو وقاضي الحنفيَّة الزَّين التَّفهني لإسماع تصنيفه في "مناقب اللَّيث" عند ضريحه، فحصل الابتداءُ بزيارة الإِمام الشَّافعي رضي اللَّه عنه، ثم التوجه بعد ذلك إلى ضريح اللَّيث رضي اللَّه عنه، فقرأ شيخُنا ابنُ خضر "المناقب"، ثم رجعوا، فقال صاحبُ التَّرجمة: أحبُّ أن يكون آخر عهدي بالإمام كما ابتدأتُ بزيارته، ففارقه التَّفهني مِنْ تلك الجهة، واستمر عند الباب الآخر ينتظر شيخَنا حتَّى فرغ مِنَ الزِّيارة، وأنكر بعضُهم سرًّا على التَّفَهْني صنيعه، وكانت مدته بعد قريبه رحمة اللَّه ¬

_ (¬1) في (أ): "ولو"، خطأ. (¬2) "صنع" ساقطة مِنْ (أ).

[تهجده:]

عليهم. ولكونه كان بهذه المثابة، عُتِبَ عليه حين استقرَّ في تدريس الشَّافعي، بد بدأ بالدُّخول لمحل الدَّرس مع اعتذاره عن عدم الابتداء بالزِّيارة، بخشية الإطالة على الجماعة الذين قصدوا الموافاة، والزيارةُ تحصُلُ بعدَ الفراغ مِنْ القصد الذي جِيءَ بسببه، والأعمالُ بالنِّيَّات. [تهجده:] وأما تهجُّده، فما كان يتركُه، بل أخبرني غير واحد ممن رافقه في السَّفر أنَّه كان يقوم اللَّيل في السَّفر أيضًا، وكذا لم يتركه في ضعف موته قائمًا، بل ربَّما توكأ على ولده إلى أن أعيى، وذلك قبل وفاته بأربعة أيام. وأما أنا، فبتُّ معه عقِبَ وفاة ابنة أخت أم أولاده بتربتهم بجامع المارداني، فصلَّينا معه العشاء بالجامع المذكور، ورجعنا فنام والتفّ في لحاف حتَّى مضى مِنَ اللَّيل النِّصْفُ فيما أظنُّ، ثم استيقظ والجماعة كلُّهم نائمون، واتَّفق أنَّني كنت مستيقظًا، فهممتُ لأقوم معه، فمنعني وهو في سكون زائد ورشاقة، خوفًا مِنَ استيقاظ أحدٍ، فدخل الخلاء، ثم توضأ وضوءًا خفيفًا جدًا في تمام على جاري عادته، واستقبل المحراب، فصلَّى إلى أن غلبني النَّومُ، وكان يطيل القيام وكأنَّه كان يقرأ راتبا مِنَ القرآن في تهجُّده، ثم استيقظتُ فأجده نائمًا، وأظنُّه استمر كذلك إلى أن قام لصلاة الصبح، وقمنا معه، فصلينا بالجامع المارداني أيضًا، ورجع كلٌّ إلى محله (¬1). [صومه:] وأما صومه، فكان رحمه اللَّه يسرُدُ الصَّوم أوَّلًا، ثم صار يصومُ يومًا ويفطِرُ يومًا، مع الحِرص على صوم تاسوعاء وعاشوراء، وعرَفَة وستَّة شوال، ويأكل وقت الفِطْرِ يسيرًا، ثُمَّ يتسحر بشيءٍ يسير كذلك قريب الفجر جدًا. وأظنُّه كما كان يقصِد في الصَّوم صومَ داود عليه السلام، كذلك كان ¬

_ (¬1) في هامش (ح) بخط المصنف: ثم بلغ الشَّيخ عبد العزيز بن فهد نفع اللَّه به, قراءة علي في 24 والجماعة سماعًا.

[تلاوته للقرآن:]

يتحرَّى طريقته في الصَّلاة، ينام نصف الليل الأول، ويقوم ثُلُثَه، وينام سُدُسَه؛ لأنَّه ورد في الصَّحيح عَنْ نبيَّنا عليه أفضلُ الصَّلاة والسلام أنَّ ذلك أحبُّ الصلاة إلى اللَّه تعالى، كما صحَّ أنَّ صومه أحبُّ الصِّيام إلى اللَّه. [تلاوته للقرآن:] وأما تلاوته، فكان يُكثر منه -لا سيما في حال ركوبُه، وعقِبَ صلاة الصُّبح- بتدبُّرٍ وتأنٍّ وسكون، إذا مرَّ بآيةِ رحمة سأل، أو عذاب تعوَّذ. ولقد صلَّيت معه المغرب، فقرأ في الركعتين بغالب سُورة الأعراف، وكان شَرَعَ فيها بناءً على قراءة السُّورة بتمامها، فإنَّه استأذن الجماعة، وكنَّا أربعةً أو ثلاثة، فقرأ ما يقتضي التَّخفيف. وبتشاغله بالتلاوة في حال الرُّكوب كان يمتنع مِنَ السَّلام على كثير مِمن يراه، والأعمال بالنِّيَّات. [عيادته المرضى:] وأما عيادتُه للمرضى وشهودُ الجنائز، فكان حريصًا على ذلك، لا سيَّما مَنْ يلوذ به. ومَن لم يتيسَّر له عيادته منهم، تفقَّده بشيءٍ مِنَ الدُّنيا. ولقد توعّكتُ مرَّةً، فأرسل نقيبَه القاضي شهاب الدين بن يعقوب إليَّ ومعه مبرَّةٌ، ثم صار كلَّ يوم يسأل مِنْ الوالد عَقِبَ صلاة الصبح -إذ كان ملازمًا للصلاة معه- عنِّي، حتى إنَّ الوالد اشتدَّ خوفُه عليَّ، وازدادت محبَّته فيَّ، لما رأى مِنْ كثرة سُؤال هذا العظيم المقدار عَنْ أقلِّ خُدَّامه. وهكذا كان دأبُه رحمه اللَّه مع أتباعه، طال ما عاد عبد الغني العطَّار الذي كان جابيًا عنده، وغير ذلك ممَّا هو معدود عند العارف بالسُّنَّة العامل بها، في مناقبه ومفاخره. نعم، لم يكن شديدَ الاستقصاء في تتبُّع ذلك؛ لعدم اتِّساع أوقاته له، ولقد أشار هو إلى ذلك، حيث قيل له عن القاضي بدر الدين البغدادي ومبالغته في التردد للأعيان وشبههم بسبب ذلك ونحوه، فقال: كلٌ ميسَّرٌ لما خلق له، أو كما قال.

[محبته للصالحين:]

[محبته للصالحين:] وأما اعتقاده في الصالحين، ومن يثبت عنده انجذابه منهم، فمعلوم. قد زارَ جماعةً منهم، بل وبرهم، وعادت بركتهم عليه، ورأينا يحضُرُ عنده في مجلس الإملاء ممَّن يُنْسَبُ إلى الخير شخص يقال له الشَّيخ عوض، يأكل مِنْ صنعة الحياكة، فكان يشتري منه غالبًا شيئًا مِنْ صنعته، ويلبس منه قصدًا لحصول البركة، وبرًا منه له، وكان المذكور ظريفًا، طال ما كان يقول له: يا ابني يا أحمد افعل كذا وما أشبه ذلك، ومرَّة غاب المستملي الشَّيخ رضوان، فقال لشيخنا: اتَّخذ لك رضوانين ثلاثة. كل ذلك وشيخُنا يجِلُّه ويتوسَّم البركة فيه، وناداه مرَّةً: يا شيخ عوض، فأبشع في حقِّ مَنْ سمَّاه بذلك، فقال له صاحبُ التَّرجمة: إنما سمَّاك أبوك وأمُّك. إلى غير ذلك مما يُستدل بدونه على حُسْنِ الاعتقاد والميل لمن (¬1) لم يخرج عن (¬2) الكتاب والسنة، بل أنشد المذكور شعرًا بحضرته، فقال لصاحبنا النجم بن فهد: اكتب هذا عن الشَّيخ، فما اتَّفق أنَّه كان معه دواة. وكان يقول عن الشَّيخ محمد بن صالح المجذوب كان: إنه فقيرٌ ظريف، وبرَّه غير مرَّة. وزار في سنة ست وثلاثين العلامة العارف باللَّه تعالى الشِّهاب ابن رسلان صاحب التصانيف والأحوال المرضية بالرملة. وحضر إليه الشَّيخ مدين رحمهما اللَّه بسبب استرضائه على الولوي البلقيني، فرأيت شيخنا أكثرَ مِنَ التَّأدُّب معه. وكذا سيأتي في أول الباب التاسع (¬3) ذكرُ شيءٍ مِنْ صنيعه مع الكمال المجذوب. وجاءه الشَّيخ أبو العباس أحمد ابن الشَّيخ محمَّد الغمري نزيل المحلَّة ¬

_ (¬1) "لمن" ساقطة مِنْ (أ، ح). (¬2) في (أ): "مِنْ". (¬3) ص 1185.

وهو صغيرٌ، فقام إليه، واحتضنه قائلًا له: المؤمن محفوظٌ في ولده وولدِ ولدِه، وأجلسَه بجانبه. وكان يرسل لبعض الفُقراء المعتقدين الكسوة وغيرها، وربَّما قدِمَ عليه بعضُهم ويدفع إليه الشَّيء اليسير مِنْ المأكول كالحمص ونحوه، فيأخذه منه تبركًا، ومرة أرسل لعياله مِنْ ذلك، وممن فعل معه ذلك الشَّيخ مُبارك، بل حكى لي السَّيدُ جلال الدين الجرواني النقيب أنَّ السَّبب كان في اعتقال إياه أنَّه حضر إليه مرَّةً، فلم يلتفت شيخنا إليه، بل أعرض عنه، فخرج وفهم منه شيخُنا التغيُّر. قال: وقدر أنَّه عزل بعد يسير، فأمر السيِّد أن يتلافى خاطر المشار إليه، فلم يزل يتتبَّعه حتى أحضره إليه، فاستدرك شيخُنا ما كان فاته مِنَ الإحسان إليه، واعتذر عَنْ فعلِه السَّابق، حتى رضي ودعا ثم انصرف. وبالجملة، فكان في ذلك متوسِّط الحال، غير مُفْرِطٍ ولا مُفَرِّطٍ. نعم، كان ينكر على كثير مِنْ مكشوفي العورات المتضمِّخين في النَّجاسات، الناهبين البضائع مِنَ الطُّرقات، المتلذذين بالشَّهوات ممَّن لم يعْلَمْ صلاحه قبل هذه الحالات، ويقول: نصَّ أهل العِرفان مِنْ عُلماء الشأن على أنَّ مَنْ كان قبل طُروءِ مثل هذا على الكتاب والسُّنَّة، فهو واردٌ ربَّاني، وإلا فهو شيطانيُّ. ومَنْ يقدِرْ ينازع في هذا. نسأل اللَّه التوفيق. قال سيد الطائفة أبو القاسم الجنيد فيما رويناه عنه: طريقُنا مضبوطٌ بالكتاب والسُّنَّة، مِنْ لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، ولا يتفقَّه، لا يُقتدى به. ونقل صاحب "مجمع الأحباب"، وهو الشَّريف الواسطي، عن الموفق ابن قدامة أنَّه سئل عَنْ هؤلاء المعتوهين الذين تمرُّ بهم أوقات الصلوات ولا يُصلُّون، فقال: هؤلاء قومٌ سلبهمُ اللَّه ما سلبَ، ووهب لهم ما وهبَ، فأسقط عنهم ما وجبَ لمَّا سلب. وكذا كان يجهر بالإنكار على ابن عربي ومَنْ نحا نحوه، ويحكي مقالته الشَّنيعة في تفسير قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ (¬1) أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح: 25]، ومذهبه القبيح في تفضيل الوليِّ على النَّبيِّ إذ يقول: ¬

_ (¬1) في الأصول: "خطاياهم"، وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء.

مقامُ النُّبُوَّة في برزخٍ ... فُوَيْقَ الرَّسول ودُون الولي ويتعجَّب مِنَ الإقدام على مثل هذا، ويُبالغ في الحطِّ على مَنْ يعتقدُه أو ينظر في مقالته، ويمقته بسبب ذلك لفظًا وخطًّا، ويتوقَّفُ في الرواية عَنِ الدَّاعية منهم. واتفق أنَّه قبل القرن باهلَ شخصًا متجوهًا مِنْ معتقديه، فما تمَّت السَّنَةُ حتَّى هلك ذاك، وكفى اللَّه شرَّه، كما بيَّنَتْ القصَّة في "تصنيفي" المتعلق بابن عربي، بل وفي أوائل هذا الباب أيضًا (¬1)، أهلك اللَّه تعالى أتباعه ومن يعتقدُ مقالتَه. وحكى لنا صاحبُ التَّرجمة، وأثبتهُ في "اللسان" (¬2) مِنْ تصانيفه: أنَّه سأل شيخَ الإسلام السِّراج البُلقيني عن ابن العربي، فبادر الجواب بأنه كافرٌ، وسأله عَنِ ابنِ الفارض، فقال: لا أحب أن أتكلَّم فيه. قال: فقلت: فما الفرقُ بينهما والموضعُ واحدٌ، وأنشدتُه مِنْ التائية، فقطع عليَّ بعد إنشادِ عدَّة أبياتٍ بقوله: هذا كفر هذا كفر! انتهى. وقد بلغني عَنْ بعض الثِّقات ممن أخذ عن شيخنا أنَّه سمع صاحبَ التَّرجمة يقول: ثلاثةٌ أُلينَ لهم النَّظم كما أُلين لداود الحديد، وهم: الشَّاطبيُّ وابن الوردي وابن الفارض. انتهى. وسمعتُه مرارًا يقول عن ابن الوردي مما أثبته في ترجمته (¬3): أقسم باللَّه لم ينظمْ أحدٌ بعده الفقه إلَّا وقصر دونه. وكذا سمعته يحكي ما رُزِقَهُ الشَّاطبيُّ مِنَ القَبُول في "لاميَّته" بحيث إن أبا حيَّان رام مزاحمته في ذلك، فعمل قصيدة سماها "عقد اللآلي في القراآت السبع العوالي" فصرَّح فيها بالقُرَّاءِ مِنْ غير رمزٍ، والتمس مِنْ ولدِه حفظها، فما أجابَ لذلك، وحفظ "الشَّاطبية". ¬

_ (¬1) ص 1001 - 1002. (¬2) 4/ 318. (¬3) في الدرر الكامنة 3/ 195.

[اتباعه للسنة:]

[اتباعه للسنَّة:] وأما اتباعه للسنة في جميع أحواله، فشيءٌ لا يُسألُ عنه؛ لأنَّها عنه تُؤخذ، ومنه تُعرَفُ، ويحرص بلسانه وقلمه على جذب الناس إليها، وتحذيرهم مِنْ مخالفتها، حتى كان يتأثر مِنْ تأخير الفِطْرِ وتقديم السَّحور، كما قدَّمته عند شيء مِنْ أقضيته مِنَ الباب الرابع (¬1). وكذا مِنْ الزيادة في التكبير المشروع في العيدين، وقال في "فتح الباري": وقد أُحدثَ في هذا الزَّمان زيادةٌ فيه لا أصلَ لها. إلى غير ذلك ممَّا يعلَم مِنَ الكتاب المشار إليه، كقوله فيه: ولا أصل لما اعقاده كثيرٌ مِنَ النَّاس مِنَ استكمال قراءة الفاتحة بعد قوله: الحمد للَّه رب العالمين، يعني في العُطاس. وكذا العدول عن الحمد إلى: أشهدُ أن لا إله إلا اللَّه، أو تقديمها على الحمد. ويقول كما سمعتُه مرارًا: هؤلاء العوامُّ يثابرُون على القيام دفعةً واحدةً بعد فراغ المؤذن مِنَ الأذان يوم الجمعة للصلاة، بحيثُ أخشى توهمهم وجوبها، مع أنَّه لم يرد قبل الجمعة بخصوصها سنة، وكان هو عند ما يشرع المؤذِّن في الأذان، يثيب فيصلي أربعًا سنَّةَ الزوال، ويجيب المؤذِّنَ وهو في الصَّلاة إلَّا في الحيعلتين. [خوفه مِن اللَّه:] وأما خوفه مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ومحاسبتُه لنفسه، فأمرٌ يفوقُ الوصفَ. ونحوُه أنَّه ذكر يومًا القبرَ والموت، فقال: بينما المرءُ بين أهله وعشيرته الذين ألِفَهم وألفوه، إذِ انتقَلَ إلى مكان لم يألَفْ مثله قط [وجاءه مَنْ لم يره قط] (¬2)، واسترسل في ذكر هذا المعنى، ثم صعق صعقةً مطربةً، ونهض إلى الصَّلاة. ¬

_ (¬1) ص 634. (¬2) ما بين قوسين ساقط مِنْ (أ)، وورد في هامش (ب، ح) بخط المصنف.

[جمعه بين العلم والعمل:]

[جمعه بين العلم والعمل:] وأما جمعه بين العلم والعمل، فقد علمته مفصلًا مِنْ هذا الكتاب، ولكن ليس الخبر كالعيان. [برنامجه اليومي:] وأما بيان طريقته في تقضي أوقاته، فكان رحمه اللَّه يصلي الصُّبح في أوإئل أمره بغلس في الجامع الحاكم، ثم صار -لعله بعد ولاية القضاء- يصلِّيه وقتَ الإسفار بالمدرسة المنكوتمرية، يجيءُ إليها مِنْ خلوته النَّافذة لمنزل سكنه، فإذا فرغَ مِنَ الصَّلاة، فإن كانت لأحدٍ حاجةٌ كلَّمه، ثم يدخلُ إلى منزله، فيشتغل بأذكار الصَّباح أو بالتِّلاوة، ثم يأخذُ في المطالعة والتَّصنيف إلى وقت صلاة الضُّحى، فيصليها، ثم إن كان بالباب مَنْ يستأذِن للقراءة، ظهر إليهم، فقرأ بعضُهم روايةً وبعضُهم درايةً، واستمر جالسًا معهم إلى قريب الظُّهر، ثم يدخل إلى منزله فيستريح قدر ثُلث ساعة، ثم يقومُ فيصلِّي الظهر داخل بيته، ثم يُطالِع أو يصنِّف إلى بعد أذان العصر بنحو ثلثي ساعة أو أقل أو أكثر، فيظهر حينئذٍ إلى المدرسة، فيجد الطَّلبة وغيرهم في انتظاره، فيصلي بهم العصر، ثم يجلس للإقراء، ويكونُ حينئذٍ مَنْ له تصوُّفٌ قد انتهى، وإن سُبِقَ فيكون بشيءٍ يسير جدًا، وهذا هو الباعثُ له على التَّأخير يسيرًا، قصدًا لعموم النفع، ومراعاةً لخاطر الطَّلبة. وفي غضون قراءتهم عليه، وكذا في نوْبَةِ الصَّباح، يكتبُ على ما يجتمع عنده مِنَ الفتاوي الحديثية والفقهية، وربما دار بينه وبين الطلبة الكلام في بعضها, ولا ينتهي غالبًا مِنْ هذه الجلسة إلَّا عند الغُروب، فيدخُل إلى منزله، فإن لم يكن صائمًا تعشَّى، وإلا انتظر الأذان، فيأكل ثم يصلِّي، ويتنفَّل أو يطالع إلى أن يسمع العشاء، فيقوم إلى المدرسة، فيجد جَمعًا مِنْ الطلبة أيضًا في انتظاره، فيصلِّي ركعتين، ثم يجلس للقراءة غالبًا، أو للمذاكرة أكثر مِنْ ساعة، ثم يقومُ فيصلِّي العشاء بالجماعة، ثم يدخلُ إلى بيته فيصلي سنة العشاء، فإذا كان رمضانُ وظهر أذان العشاء، أقيمت الصلاة بمجرد ظهوره، وتقدَّم الإِمام المقرَّر للتراويح، وهو في مدة طويلة البدر

حسن بن عبد اللَّه بن تقي المقرىء صهر الشمس بن الصائغ، القباني بفندق الموز، الذي ترجمه صاحبُ التَّرجمة في "الإنباء" (¬1)، ثم بعد وفاته -وهي في شوال سنة أربع وأربعين- نور الدِّين أبو محمَّد علي بن أحمد السَّمَنُّودي عم (¬2) إمام المدرسة الراتب أبي عبد القادر إبراهيم بن محمَّد بن أحمد السَّمَنُّودي. وصليت به في بعض الليالي، فصلى العشاء ثمَّ التراويح، فإذا قام الإِمام ليوتر، جلس هو غالبًا يسبح إلى أن يفرغ، ثم يدخُل إلى بيته، فينام، ثم يفعل ما ذكرته عند تهجُّده قريبًا. هذه وظيفته (¬3) في أكثر الأوقات. وأمَّا في أيام الدُّروس والولايات، فيختلُّ هذا النِّظامُ قليلًا، وكذا في رمضان، فإنَّه يمشي الصُبحَ بالمدرسة على العادة، ثم يدخُلُ إلى منزله أو يمكثُ في المحراب إلى طُلوع الشَّمس، فيجيء الجماعةُ لسماع الحديث، ويقرأ القارىءُ -وهو الشَّيخ برهان الدين بن خضر- ولم يقرأ بين يديه في هذا المجلس غيره إلا سنة كان فيها مجاورًا بمكة، فقرأ ابنُ سالم القطعة المسموعة مِنْ "صحيح ابن خزيمة"، وانتدب الشَّيخ شمس الدين بن قمر للرَّدِّ عليه. ووقعت ظريفةٌ، وهو أنَّه ردَّ عليه لفظةً بسين مهملة بعد أن قرأها بشين معجمة، فقال له القارىءُ: فوقها ثلاثُ نقطٍ، كلُّ واحدةٍ بقدر عمامتك! أو كما قال. وأمَّا بعد موته، فقرأ برهانُ الدِّين البقاعي سنة واحدةً، قرأ فيها نحو النِّصف مِنْ "مسند أبي يعلى"، وتوفي شيخنا قبل السنة الثانية، والقراءة تكون حصةً منْ "صحيح البخاري" تقع (¬4) فيها المباحثةُ، وتنتشرُ الفوائدُ النَّفيسةُ بين الطَّلبة، فإذا انتهى منها، شرع في قراءة باقي الحصَّة في شيء مِنْ كتب ¬

_ (¬1) 9/ 146. (¬2) في (ب): "ثم"، تحريف. (¬3) في (ب، ط): "طريقته". (¬4) في (ط): "تكون".

الحديث، ويقع حينئذٍ الإصغاءُ للسَّماع، ولا يتكلَّم إلا في النَّادر، وإن تكلَّم أحدٌ، أنصت القارىءُ إن لم يسكت المتكلِّمُ، ويكون مجموعُ الحصتين أكثر مِنْ ساعتين، فإذا انتهى المجلسُ قام بإثره غالبًا، ودخل إلى منزله. فإن كان قاضيًا ركب في ثلاثة أيام أو يومين مِنَ الأسبوع إلى مجلس الحديث بالقلعة بعد صلاة الظهر، ويرجع بعد أذان العصر. وفي يوم الثلاثاء يركبُ مِنْ بيته عَقِبَ الشمس بساعة إلى الإملاء، فإذا فرغ، دخل إلى زوجته الحلبية. وكان مسكنها بالبيبرسية، ثم نقلها بأخَرَة إلى غيرها، فيقيم عندها إلى أن يحضُر الخانقاه، ثم يرجع إلى بيته قريب الغُروب. وفي يوم الأربعاء غالبًا يحضُرُ أوَّل النهار جامع طُولون، ثم يرجعُ إلى المحمودية، فيقيم بها إلى قريب العصر يطالع ويصنِّفُ ويُقْرأ عليه، ثم يجيء (¬1) إلى المؤيَّديَّة. وفي يوم الجمعة -إن كان قاضيًا- ركب قبل الأذان بساعةٍ وثلثِ ساعةٍ أو أكثر قليلًا فيخطُب بالسُّلطان، ثم يرجِعُ إلى بيت الحلبيَّة، لا يصِلُ إليها غالبًا في أكثر مِنْ هذين اليومين، وإن لم يكن قاضيًا، فإن كان يتولَّى الخطابة (¬2) بنفسه في جامع عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه، توجَّه قبل الوقت بساعتي رَمْلٍ، وإلَّا توجَّه لجامع الحاكم بنحو مِنْ ساعةٍ، ويكونُ في الغالب إذا قصد جامع الحاكم ماشيًا ومعهُ مِنَ النَّاس جمعٌ وافرٌ، ثم يركبُ مِنْ طريقٍ أخرى إلى أهله، وكان المتولي لإعلامه غالبًا بدخول وقت تأهُّبهِ يوم الجمعة الشَّيخ شرف الدين بن الخشَّاب، خدمةً له. وفي أيام النيل ينتقل إلى بيته بالقرب مِنْ جامع المقسِّي عند قنطرة باب البحر، ويهرع الطَّلبةُ وغيرهم له إلى هناك مُشاةً وركبانًا بحسب مراتبهم، ولا ينفكُّ عن شهود الصبح والعصر والعشاء في جامع المقسِّي، ويعتمد في اللَّيل على عُكَّازٍ. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "يرجع". (¬2) في (أ): "الحكاية"، تحريف.

[أوصافه الخلقية:]

رربما سكن أيام النِّيل قريبًا مِنْ جامع البشيري، ويتوحه إليه الطلبة أيضًا هناك. وأسكَنَ الحلبيَّة في بعض الأوقات بجوار جامع سارُوجا. وكانت أوقاتُه كلها مشحونة بالعبادة؛ إما بالعلم، أو الصَّلاة، أو التِّلاوة، أو الذكر، كما أسلفنا في أثناء الباب الثاني. وقد رأيت الشَّيخ شمس الدين الصَّفِّي ضَبَط حين كان يسمع عليه ليلًا ما قرأ بهِ في العشاء في أسبوع، ففي يوم السبت: إذا زلزلت والعاديات، ويوم الأَحد: والشمس والليل، ويوم الإثنين: والضحى وألم نشرح، ومرة: الأعلى والماعون، ويوم الثلاثاء: والسماء والطارق ولئيلاف قريش، ويوم الأربعاء: التكوير والانفطار، ويوم الخميس ليلة الجمعة: مِنْ أول الكهف إلى "رشدًا" "أفحسب الذين كفروا"، إلى آخر السورة. وأمّا أنا، فسمعته يقرأ في الصبح مرَّةً بالقيامة والبلد، ومرة بالسَّجدة وهل أتى، وأخرى بالنَّبأ والنازعات، إلى غير ذلك. قلت: وقد ورد في تعيين النَّظائر التي كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرِن بينها بالدُّخان والتكوير، وبالذَّاريات والطُّور، وبالنَّجم والرحمن، وباقتربت والحاقَّة، وبالواقعة ونون، وبسأل والنَّازعات، وبالمدَّثر والمزمِّل، وبلا أقسم وهل أتى، وبالمرسلات والنبأ، وبعبس والمطفِّفين. وكان يُسدلُ يديه في القيام يسيرًا، ثم يجعلهما تحت صدره، وقال مرَّة: أنا أقرأ في ركعتين "مالك"، وفي ركعتين، "ملِك"، وكأنَّه يروم بذلك الجمع بين المذهبين. [أوصافه الخِلْقيَّة:] وأما شيء مِنْ أوصافه؛ فكان رحمه اللَّه تعالى ربعةً، أبيض اللَّونِ، منَّورَ الصُّورة، كثَّ اللحية، حَسَن الشَّيبة، مليح الشَّكل، صحيح السَّمعِ والبصر، ثابت الأسنان نقيَّها، صغير الفم، قويَّ البُنْيَةِ، عالي الهِمَّة، خفيف

المشْيَةِ ولو عند إقباله على الملوك ونحوهم، وقيامهم له بمجرد وقوع بصرهم عليه، فإنه لا يزيد على المعتاد أيضًا، وربما نقم الأعداءُ عليه ذلك، ذا رشاقةٍ زائدةٍ، بحيث رأيتُه مرَّة توضأ مِنْ فِسقيَّةِ المنكوتمرية، فما رأيت أرشقَ منه في جلُوسه على الحجر واغترافه الماء، وصعدنا في خدمته قُبَيلَ وفاته لعيادة الشَّيخ يحيى العجيسي بالنَّاصرية، فصار يصعدُ درجتين درجتين، ويقول: إنَّ ذلك أروحُ له. هذا مع سكون ووقار وأبهة وثبات، تاركًا لما لا يعنيه، طارحًا للتكلف، كثيرَ الصَّمت إلا لضرورة، شديد الحياء، لا يواجِه أحدًا بمكروهٍ، مع الصَّدع بالحقِّ، وقوَّة النفس فيه، فاشيًا للسَّلام [ما لم يكن تاليًا] (¬1) خفيف الوضوء في تمام، سريع عقد النية، بل يعيب على مَنْ يتردَّد فيها، وكذا مَنْ يبالغ في إخراج الحروف بتقطيع الكلمة، ومَنْ يُكثِر صبَّ الماء في وضوئه، لا يتأنَّقُ في مأكله ومشربه، ولا في آنيته، بل مهما قدم له عياله مِنْ ذلك رضيَهُ، ولو كان صائمًا لا يختص عنهم بمزيدِ أمرٍ لنفسه، ويأكل العلقة منَ الطَّعام واليسير مِنَ الغذاء، لكنه كان يتقوَّى بالسكر، ويميل إلى قصب السُّكر ميلًا قويًا، ويكثر النقل، لا يزالُ بجانبه عُلبةٌ فيها شيءٌ كثير منه، بحيث يصعد إليها النَّمل وشبهه. وسمعته يقول: أنا لا أشبع مِنْ أكل ألوان مختلفة، إنَّما أشبعُ مِنْ لون واحد. ونحو هذا قولُ بعض مَنْ أخذت عنه: إنَّما يشبع مِنْ ائتدم بالبطِّيخ والجبن بالمروءة. وكذا كان لا يتأنَّقُ في الرفيع مِنَ الثِّياب، ومع ذلك فأموره كلها بهجةٌ نيِّرةٌ إلى الغاية، قصير الثياب، حسن العمة، ظريف العذبة. وبلغني أنَّه كان يُرخيها على كتفه قبل القضاء وبعد استقراره في مشيخة البيبرسية، ما رأيته لبس طيلسانًا قطُّ سوى مرَّةٍ واحدةٍ في مرض موته، فما رأيتُ أبهج منه فيه، وحكى لنا حينئذٍ حكايةً اقتضت منعه للُبسِهِ قدَّمناها في الباب الثاني (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وفي (ط): "قاليًا". (¬2) 1/ 152.

وفي ظني أنَّه إنَّما تركه لعدم ورُود السُّنَّة به، بل في حديث ضعيف أورده الطبراني في ترجمة عبد الوارث مِنْ "الأوسط" عن أبي ذرٍّ، رفعه: "إذا اقترب الزَّمان، كثُر لُبْسُ الطَّيالِسَةِ". وفي "البخاري" (¬1) عن أبي عمران -هو الجَوْني- قال: نظر أنسٌ رضي اللَّه عنه إلى النَّاس يومَ الجمعة، فرأى طيالِسَةً، فقال: كأنَّهم السَّاعة يهود خيبر، وفي لفظ لابن خُزيمة: أنَّ أنسًا رضي اللَّه عنه قال: ما شبَّهتُ الناس اليوم في المسجد وكثرَةِ الطَّيالِسَة إلا بيهود خيبر. وهذا ظاهرٌ أن يهود خيبر كانوا يكثرون مِنْ لُبْسِ الطيالسة، وأنَّ غيرهم مِنَ النَّاس الذين شاهدهم أنسٌ رضي اللَّه عنه كانوا لا يُكثرون منها، فلما قدِمَ البصرة ورآهم يُكثرون مِنْ لُبسها، شبَّههم بيهود خيبر، لكن هذا لا يلزَم منه كراهيةُ لبسِ الطَّيالسة. على أنَّه قيل: المراد بالطَّيالسة: الأكسيةُ، وقيل: إنَّما أنكر اصفرار لونِها (¬2). وصحَّ مِنْ طريق إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يتبعُ الدَّجَّال مِنْ يهودِ أصبهان سبعُون ألفًا عليهم الطَّيالسة" (¬3). وهو عند الطبراني في "الأوسط" مِنْ حديث ربيعة عن أنس بلفظ "عليهم السِّيجان"، وهو جمع ساجٍ، وهو الطَّيلسان. قال ابن الحاج في "المدخل": فيكون ذلك تشبُّهًا بهم، وعن بعضهم أنَّه ريبةٌ بالليل ومذلَّةٌ بالنهار. وقال بعضُ العلماء: إنه لا بأس بالطَّيلسان لمن يخرُج مِنْ حمَّام أو مَنْ يعرَقُ في بيتٍ أو خَلْوةٍ ثمَّ يُريدُ الخروج، ويخاف على نفسه مِنْ ضرر الهواء. وكأنه أخذه مِنْ قول مالك: إنَّه لا بأس بالتَّقنُّع مِنْ حرٍّ أو بردٍ. قلت: وقد حكى ابن عبدِ البرِّ أنَّ أوَّل مَنْ لبِس الطَّيلسان بالمدينة ¬

_ (¬1) برقم 4209. (¬2) مِنْ قوله: "وفي لفظ لابن خزيمة" إلى هنا، نقله المصنف بتصرف مِنْ كلام شيخه في "فتح الباري" 7/ 475 - 476. (¬3) أخرجه مسلم برقم 2944 في الفتن، باب في بقية مِنْ أحاديث الدجال.

جُبَيْرُ بن مطعِم الصحابي، وصار شعارًا لقضاة الإِسلام وعلماء الأنام، حتَّى ذكر (¬1) التاج السبكي أنَّه قال لأبيه التَّقيِّ رحمهما اللَّه: أراك أيام المواكب السُّلطانية تَلبَسُ الطَّيلسان مواظبًا عليه، مع كونك تقعد للحكم بثياب ما تساوي عشرين درهمًا. فقال: إنَّ هذا صار شعار الشَّافعية، ولا أريدُ أن ينسى، وأنا فما أنا مخلَّدٌ، سيجيئ غيري ويلبسُه، فما أحدث عليه عادةً في تبطيله. انتهى. وكيفيته -فيما صرَّح به بعض العلماء- أن يجعله على رأسه ويدير طَرَفَهُ على منكِبِه الأيسر، فيصير طرفُه الأول مرخَى على صدره مِنْ جهته اليسرى والطَّرف الآخر على منكبه الأيسر مِنْ وراءِ ظهره. قال: وما يُفْعَلُ الآن مِنْ إدارته حول العُنُق، فبدعة. كذا قال. ولأبي الحسن علي بن جابر بن عليٍّ الهاشمي: قومٌ لهم سيرةٌ سارت بجهلِهِمُ ... قِد ارتَدَوا برداءِ الكِبْرِ والحُمُقِ وخفَّت رؤوسهم أو خفَّ عَقلُهُمُ ... لولا طيالِسَهم طارت مِنَ العُنُقِ وكان شيخنا رحمه اللَّه يقول: إن الطَّوق الذي يفعله المباشرون ونحوُهم نافعٌ جدًا. قال: ولو كان يُمكِنُني فعله، ما تخلَّفت عنه. قلت: لا سيما وبعضهم فسَّرَّ قوله: "كلابسِ ثوبي زُورٍ" بمن يجعل في كُمِّه كمًّا آخر، يُوهِمُ أنَّ الثَّوبَ ثوبان، فإن الطَّوق نحوه. لكن كان ربَّما جعل بَدَلهُ في بعض الأحيان منديلًا لطيفًا يديره على رقبته. وكذا كان لا يتأنَّقُ في ألفاظه، بل يعيب على مَنْ يتقعَّرُ في كلامه. قال مرَّة لمن تكلم معه وأمعن في ذلك: تكلَّم معي بالكلام المتعارَفِ، ولا تُقَعِّر. ¬

_ (¬1) "ذكر" ساقطة مِنْ (أ).

وكذا كان الحسنُ بن أبي عباد (¬1) -وهو إمام النحو في قُطْرِ اليمن في زمنه- إذا تكلم بين العامة لا يتكلف الإعراب بحيثُ إذا سمعه مَنْ لا يعرِفه مِنَ الفُقهاء يقول: ما عَرَفَ هذا مِنَ النَّحو شيئًا، فعاتبه بعض أصحابه في ذلك، فقال: لعمرك ما اللَّحْنُ مِنْ شيمتي ... ولا أنا مِنْ خطأ ألْحَنُ ولكن عَرَفْتُ لغاتَ الرِّجالِ (¬2) ... فخاطبتُ كلًّا بما يُحْسِنُ ولأبي الطَّاهر محمد بن محمد بن محمد بن بنات الأنباري الكاتب: إن شِئْتَ أن تُصْبِحَ بين الورى ... ما بين ممقوت ومُغْتَابِ فكُنْ عَبُوسًا حين تلقاهُمْ ... وخاطِبِ القَوْمَ بإعرابِ قلت: والمتعاني ذلك في مخاطباته مِنْ أكثر مَنْ رأيناه يكثُر خطأه. وقد قال عمَّار بن عبد الجبار: سمعت أبا عصمة -يعني نوحَ بنَ يزيد الملقَّب بالجامع- يقول: ما أقبح اللَّحنَ مِنَ متَقَعِّرٍ. انتهى. وكان رحمه اللَّه ذا بصيرٍ جيِّدٍ في تفصيل الثياب ونحوها، خبيرًا بأمر دُنياه وآخرته، حتى كان قليلَ الرغبة في العمارة، بل وفي شراء العقار غالبًا، وربما لام ولده على المبالغة في إنشاء الأماكن، ويقول له: إن كان ولا بدَّ، فالشراء، فيعتذر له عَنْ عدم [وجدانه الثمن] (¬3) دفعة واحدة. وسمعته غيرَ مرَّة يقول: كلُّ مَنْ رأيناه مِنْ أعيان التُّجَّار وعظمائهم وكانوا يسَفِّهُون مَنْ يبني دارًا أو يشتري عقارًا، إلَّا أن يكون بثمنٍ بخس جدًا بالنِّسبة لما صرِف فيه، فإنَّ الدَّار التي تساوي ألفَ دينار تكرَى غالبًا بنحو الأربعين دينارًا, وإذا أديرَ هذا القدر في يد التَّاجر تزيد على أضعافِ ذلك، ¬

_ (¬1) في (أ): "عياد" بالياء المثناة تحريف. وهو الحسن بن إسحاق، أبو محمد اليمني، وأبو عباد كنية أبيه. بغية الوعاة 1/ 500. (¬2) في "بغية الوعاة": ولكنني قد عرفت الأنام. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب).

وأرى أنَّ امتحان مَنْ يمتحن منهم بذلك سببُه عدمُ إخراج الزَّكاة. وسئل رحمه اللَّه مرَّة: ماذا يكتب على حمله؛ ليتميز عن غيره على جاري العادة، فأجابه بديهة: (حم. عسق)، وأشار إلى أن حروفها مِنْ حروف اسمه ونَسَبِه. وكان يحتال في المواطن التي تؤخَذ فيها المكس على الذَّهب -كإسكندرية- بأن يأمرَ بجعله في وعاءِ سَمْن أو عسل أو نحو ذلك قبل وضع شيء فيه، ثم يختِمُ عليه بما يكونُ حائلًا بينه وبين ما يُوضَعُ فيه، ثم يملؤه بما يكون مناسبًا للظَّرف، فلا يتفطَّن لذلك. وكان رحمه اللَّه قليل الدُّخُول إلى الحمام، وإذا دخل تَنَوَّر، ولا يُطيلُ المُكْثَ بها، ويكون في خلوة غاية ما يكون مِنَ التَّستُّر، بل يكونُ بالمِئزَر في حال اغتساله، وأظنه كان يغتسِلُ عند الحلبية في البيت. وكان رحمه اللَّه غالب الأوقات يجيئه الحلاق -وليس بمعيَّنٍ- إلى بيته، أو إلى المدرسة المحمودية. ودخل مرَّةً حمامًا بعيدة عن منزله، فجاءه البلانُ الذي في حمَّامه المعتاد، فتلطَّف في رَدِّه، وقال: أنتَ تختصُّ بحمامِكَ، وجماعةُ هذا المكان يختصُّون به، فلا تزاحمهم ولا يزاحموك. وسمعته يحكي أنَّ الحلاق القليل الدُّرْبَة يُتعبِني مِنْ أجل أكثرة إدارته لرأسي، ولو دار هو، لكان أسهل. وكان هو رحمه اللَّه يتولى قصَّ شاربه وأظفاره ونحو ذلك بنفسه، وله بكلِّ هذا خبرةٌ. وكان رحمه اللَّه في الغالب هو الذي يتولَّى صبَّ الماء على نفسه في الوضوء، وكذا في حمل الإبريق إلى الطَّهارة، لا سيَّما في اللَّيل، مع أن عنده الكثير ممَّن يكفيه المؤنة في هذا كلِّه. وكان رحمه اللَّه يهيِّىء سَحُوره مِنَ العِشاء. فهذه نُبذَةٌ ممّا شاهدته مِنْ أحواله، وعلمتُه كان شريفِ خصاله، وهي كما قيل: أخفُّ على رُوحٍ وأطيب مِنْ نَدَى ... وأقصرُ في سَمْعِ الجَلِيسِ وأطولَا

تخالُ به بردًا عَلَيْكَ محبّرًا ... فتحسَبُه عِقدًا لَدَيْكَ مُفَصَّلًا وبالجملة، فما أعلمُ أنَّ عيني وقعت على أحسنَ مِنْ شمائله, ولا أضوأ منه، ولا أكثرَ هيبةً، ولا أحسنَ عِشْرَةً، ولا أرى واحدًا في النَّاس يُشبهُهُ، ولا أحاشي مِنَ الأقوام مِنْ أحد، واللِّسان والبنان قاصران عن بثِّ وصفِه الأسنى، وشمائلِه الحُسنى. سَلْ عنه وانطق به وانظُر إليه تَجِدْ ... مِلء المسامِعِ والأفَواهِ والمُقَلِ حسنك لا تنقضِي عَجَائِبُهُ ... فالبَحْرُ (¬1) حدِّث عنه بلا حَرَجِ ولم يخلُف بعد مثله شرقًا ولا غربًا، وما أحقَّه بقولِ مَنْ سَبَقَ: حَلَفَ الزَّمان ليأتِيَنَّ بمثلِه ... حَنَثَتْ يمينُك يا زَمَانُ فَكَفِّرِ وقولِ غيره: عَقِمَ النِّسَاءُ فلا يَلدْنَ شَبيهَهُ ... إنَّ الزَّمان بمِثْله لَعَقيمُ لو طابَ مَوْلُودٌ لحيٍّ مثلِهِ ... وَلَدَ النِّساء وما لهُنَّ قوابِلُ وقولِ الآخر: يا دهرُ رتَبَ العُلا مِنْ بَعْدِهِ (¬2) ... بَيْعَ الهَوَانِ رَبِحْتَ أم لم ترَبْحِ قَدِّمْ وأخِّرْ مِنْ أردتَ مِنَ الورَى ... مات الَّذي قد كنت منه تَسْتَحي وليس يعدُو النَّاظرُ في كتابي هذا أحد رجلين: إمَّا عارفٌ به ومخالطٌ له، فيقول: هذا مُقَصِّرٌ في مقالته، وربما يقول: وما علَّمتني غير ما القلب عالمُه ¬

_ (¬1) في (ح): "كالبحر". (¬2) في (ط): "الرياسة بعده"، وكتب تحتها: "في العلا ن"، إشارة إلى نسخة أخرى.

وقد يخالِفُ رأيُه رأي في بعض ما أثبتُّه، لكونه لم يقِفْ على السَّبب الذي لأجله أوردته (¬1). وإما جاهل به أو حاسد، فيقولُ: هذه مبالغة، بل ربما تكلف لردِّ بعضه، والأعمالُ بالنِّيَّات. ولعمري قد فاتني مِمَّا لم أستحضِره حالة الكتابة أكثرُ ممَّا أثبتُّ، وكذا تعمدت تركَ أشياء لا يحتمِلُها مَنْ لم يرَه، وما أحقَّ المنكر يقول القائل: نَظزوا بعينِ عَدَاوَةِ وَلَوَ أنَّها ... عينُ الرِّضا لاسْتَحْسَنُوا ما اسْتَقْبَحُوا يُولُونَني شرَرَ العُيونِ لأنَّني ... غلَّسْتُ في طَلَبِ العُلا وتَصَبَّحُوا وقولِ الآخر: ولست براءٍ عَيْبَ في الوُدِّ كُلِّه ... ولا بَعْضَ ما فيه إذا كنتَ راضيا وعينُ الرِّضا عن كلِّ عيب كليلةٌ ... كما أن عَيْنَ السُّخْطِ تبدي المساوِيَا وقولِ بعضهم: ورُبَّ عَيَّابٍ له مَنْظَرٌ ... مشتمل الثَّوبِ على العَيْبِ وأحلِفُ باللَّه: إنَّه لفَوْقَ ما وصفتُه، وإنِّي لناطقٌ بهذا، والظَّنُّ أني ما أنصفتُه، وأنَّ الغبيَّ سيظنُّ بي أمرًا ما تصوَّرتُه. وما عليَّ إذا ما قلتُ مُعْتَقَدي ... دَعِ الجَهُولَ يَظنُّ العَدْلَ عدُوانا واللَّهِ واللَّهِ العظيمِ ومَنْ ... أقامَهُ حُجَّة للَّه بُرهانا إنَّ الذي قُلْتُ بعضٌ مِنْ مناقِبِه ... ما زدتُ إلَّا لَعلِّي زدت نُقْصَانا غيره: إنِّي وانْ أوردتُ معنًى حازَهُ ... عِلْمِي لَقَدْ خَلَّفْتُ فيه مَعَاني ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "أثبته".

وأقول للمتَّقين ذوي الإنصاف، الذين دأبُهم لذوي الفضائل الاعتراف، مع التنويه بمحلّهم، والتَّواضع مع أقلِّهم، لا لمن ظنَّ بغباوته وجهله ارتفاعه بالوقيعة في نَقَلَةِ العلم وأهلِه: جزى اللَّه خيرًا مَنْ تأمُّل صنعتي ... وقابَلَ ما فيها مِنَ السَّهْوِ بالعَفْوِ وأصلحَ ما أخطأتُ فيه بِفَضلِهِ ... وفِطنَتِه، وأستَغفِرُ اللَّه مِنْ سَهْوِ واللَّه المستعانُ، وعليه التُّكْلان، ونسألُه أن ينعِّمَه بالجِنان، في زُمْرَةِ سيِّدِ ولدِ عدنان، وأن يَعُمَّنا بالرَّحمة والغُفران، بمنِّه وكرمه (¬1). ¬

_ (¬1) في هامش (ح) بخط المصنف: ثم بلغ الشَّيخ عبد العزيز بن فهد نفع اللَّه به قراءة علي في 25 والجماعة سماعًا.

الباب الثامن في سرد جماعة ممن أخذ عنه دراية أو رواية

الباب الثامن في سَرْد جماعةٍ ممَّن أخذ عنه دراية أو رواية

الباب الثامن في سرد جماعة ممَّن أخذ عنه دراية أو رواية (¬1) 1 - إبراهيم بن أحمد بن حسن بن خليل العجلوني. استملى -كما تقدم- عليه بدمشق، وقرأ عليه بظاهر بيسان جزءًا. 2 - إبراهيم بن عبد اللَّه العرياني، عفا اللَّه عنه. 3 - إبراهيم بن أحمد الجبرتي. 4 - إبراهيم بن حجاج بن مُحرز بن مالك الأبناسي، العلامة المفوَّه برهان الدين. 5 - إبراهيم بن حسن بن علي الجراحي، ثم القاهري, نزيل سعيد، السعداء. 6 - إبراهيم بن خِضْر بن أحمد العثماني، العلامة المفنَّن، برهان الدين. ¬

_ (¬1) وضعت رقمًا تسلسليًا لتراجم الواردة في هذا الباب، كما أشرت مكان ورود التَّرجمة في الضوء اللامع للمؤلف, إن وجد فيه. 1 - الضوء اللامع 1/ 12 - 13. 2 - الضوء اللامع 1/ 70 - 71. 3 - الضوء اللامع 1/ 30. 4 - الضوء اللامع 1/ 37. 5 - الضوء اللامع 1/ 41. 6 - الضوء اللامع 1/ 43 - 47.

قدمت ترجمة شيخنا له في الباب الخامس. 7 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الأنصاري الخليلي ثم المقدسي، الشَّيخ برهان الدين، المعروف بابن قيقب (¬1). قرأ عليه "البخاري" و"شرح النخبة"، ولازمه مدة. 8 - إبراهيم بن علي بن أحمد بن إسماعيل القلقشندي، جمال الدين. 9 - إبراهيم بن علي بن أحمد بن بركة، الشَّيخ برهان الدين المصري النُّعماني الشَّافعي. كتب عنه في "الأمالي"، وسمع منه أشياء مِنْ تصانيفه وغيرها. [وبعض ذلك بقراءته. وممَّا سمعه عليه: ختم كلٍّ مِنْ "مسلم" و"الترمذي" و"النسائي" بجامع عمرو] (¬2). بل قرأ عليه بعض "البخاري". 10 - إبراهيم بن علي بن أحمد بن بُرَيد القادري (¬3) الشَّيخ الورع الثقة برهان الدين. 11 - إبراهيم بن علي بركة بن صخر الزهري نزيل الحسينية، ورفيق ابن هاشم. 12 - إبراهيم بن علي بن محمَّد بن سليمان، الشَّيخ برهان الدين الأنصاري التَّتائي، ثم القاهري المالكي، أخو القاضي شرف الدين الأنصاري. ¬

_ 7 - الضوء اللامع 1/ 56 - 57. (¬1) كذا في الأصول، وفي الضوء "ابن قوقب"، وضبطه المصنف، فقال: بقافين مفتوحتين بينهما واو وآخره موحدة. ثم ذكره 1/ 65 وسماه ابن فبقب. 8 - الضوء اللامع 1/ 77. 9 - الضوء اللامع 1/ 78 - 80. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). 10 - الضوء اللامع 1/ 83. 11 - الضوء اللامع 1/ 80. (¬3) في (أ): "الفاوي"، وفي (ح): "القدي"، وكلاهما تحريف. والقادري؛ نسبة لشيخ عبد القادر الجيلي. 12 - الضوء اللامع 1/ 87.

13 - إبراهيم بن علي بن محمد بن ظهيرة القرشي المكي الشَّافعي، العلامة قاضي مكة، برهان الدين. قدم القاهرة، فقرأ عليه نحو النصف الأول مِنْ "شرح النخبة" له. قال صاحبُ التَّرجمة ما نصُّه: قراءة بحث وإتقان، فأبان حال القراءة عن ديي في الفهم طولى، وأثار فوائد كما أطرب السامع فائدة منها، قالت له أختها: وللآخرة خير لك مِنْ الأول. ثم أذن له في إفادتها وإقرائها، مع إفادة ما أراد مِنْ تصانيفه. وكذا قرأ عليه قطعة مِنْ ربع النكاح من "الحاوي الصغير". قال صاحبُ التَّرجمة أيضًا: بحثًا وإفادةً، وتحقيقًا وتدقيقًا، وتنقيبًا وتهذيبًا. وأذن له أن يقرئه ويقرره ويوضحه ويحرره، وأن يبسُط قلمه بالفتوى، وأن يدرس ما حصَّله مِنَ العلوم لطلابه، متمسكًا بالسَّبب الأقوى، معتمدًا في كلِّ ذلك على ما يتحققه مِنَ المنقول, ويحرره بالنظر مِنَ المعقول. [وأول ما لقيه، صادف حضور البدر ابن قاضي شهبة عنده وهو يتكلم في بعض المسائل، فبحث القاضي معه بتؤدة ومتانة، ونبَّه على محل النقل في ذلك، فأحضر الكتاب المشار إليه، فوجد كما أشار، وصار صاحبُ التَّرجمة يكثر التعجب مِنْ حجازي نسيب بهذه المثابة مِنْ متانة العقل، ومزيد الرياضة في البحث، وكثرة الأدب والاستحضار، وعدم سُلوك مسالكهم في المصقول مِنَ الثياب (¬1) وما أشبه ذلك. والحكاية مبسوطة في محل آخر] (¬2). 14 - إبراهيم بن عمر الرفاعي ابن إبراهيم العلوي. سمع عليه بعض "المائة العشارية" باليمن سنة ثمانمائة. ¬

_ 13 - الضوء اللامع 1/ 89 - 99. (¬1) في (أ): "الثبات" تحريف، وفي "الضوء اللامع" 1/ 91؛ وعدم سلوك مسالكهم في صغير الثياب. (¬2) مِنْ قوله: "وأول ما لقيه" إلا هنا لم يرد في (ب، ط)، وورد في هامش (ح)، وهو موجود أيضًا في الضوء اللامع 1/ 91. 14 - الضوء اللامع 1/ 100.

15 - إبراهيم بن عمر بن أحمد السُّوبيني. تقدم ترجمة شيخنا له في الباب قبله (¬1). 16 - إبراهيم بن عمر بن حسن الخَرباوي البقاعي، برهان الدين، أبو الحسن (¬2). قرأ عليه مِنْ تصانيفه وغيرها كثيرًا، ولازمه وسافر معه إلى حلب سنة آمد، ولم ينفكَّ عن التلمذ له حتى مات، وكتب له صاحبُ التَّرجمة على بعض تصانيفه مما لم أقف عليه الآن. وقد أخبرني أبو الفضل العسقلاني صاحبُ التَّرجمة، عن أبي إسحاق بن صدِّيق سماعًا، أخبرنا أبو العباس الحجَّار، عن أبي طالب القُبَّيْطي، أخبرنا أبو الفتح بن البَطِّي، أخبرنا أبو عبد اللَّه الحُميدي، أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن الحسن الناقد، حدثنا أبو القاسم المؤمَّل بن أحمد الشيباني، حدثنا أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ، [حدثنا إسحاق الطباع] (¬3)، حدثنا محمد بن حرب بن زياد المديني، حدثنا إسحاق الفَرَوي، سمعت مالكَ بن أنس يقول: أدركتُ بهذه البلدة -يعني المدينة- أقوامًا لم يكن لهم عيوبٌ، فعابوا النَّاسَ، فصارت لهم عيوب، وأدركت بهذه البلدة أقوامًا كانت لم عيوبٌ، فسكتوا عن عيوب الناس، فنُسِيَتْ عيوبُهم. وقال بعض المتقدمين: لا تَهْتِكَنَّ مِنْ مَسَاوي النَّاسِ ما سَتَرُوا ... فيهتِكُ اللَّهُ سترًا عن مَسَاوِيكا واذكُرْ مَحَاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِرُوا ... ولا تَعِبْ أحدًا منهم بِمَا فيكا وخطب -صلى اللَّه عليه وسلم- مرَّة، فقال: "يا معشرَ مَنْ آمَنَ بلسانه ولم يَخلُصِ الإيمان ¬

_ 15 - الضوء اللامع 1/ 100 - 101. (¬1) ص 1024 - 125. 16 - الضوء اللامع 1/ 101 - 111. (¬2) في (ب): "أبو الحسين"، خطأ. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب).

إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتَّبِعُوا عوراتهم؛ فإنه مِنْ يتبع عورة أخيه المسلم، يتَّبع اللَّه عورتَه، ومن يتَّبع اللَّه عورتَه، يفضحه في جوف بيته". وإليه أشار بعض الشعراء بقوله: وكل امرىءٍ يبغي فضيحةَ جاره ... سيفضحُه الرَّحمن في جَوْفِ دارِه وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع". اشتَدِّي أزمةُ تَنْفَرِجي ... فالضِّيق منوطٌ بالفرجِ والعُسْرُ يَؤُولُ إلى يُسْرٍ ... والرُّوحُ تُرَاحُ مِنَ الحَرَجِ قَد لاحَ بياضٌ في لَمَمٍ ... مِنْ بَعْدِ سوادٍ كالسَّبج (¬1) فاسمع يا صاحِ وَصِيَّةَ مَنْ ... في زَورِ الباطلِ لَمْ يَلِجِ اعلَم واعْمَل بالعِلْمِ لِكَي ... تَسمُو في الخُلد ذُرَى الدَّرَجِ لا تُرْضِ أخاك وتوسِعُه ... مكرًا فالبَهْرَج لم يَرُجِ لا تَرْمِ النَّاس بمُعْضِلَةٍ ... يَرْمُوك بقاصِمَة الثّبَجِ (¬2) إيَّاكَ فلَا تَكُ مُعْتَذِرًا ... للآثِمِ مِنْ أمرٍ مَرِجِ إيَّاكَ وعيبَ سِوَاكَ وكُنْ ... ما عِشْتَ بِعَيْبِكَ ذَا لَهَجِ والخِلّ فواسِ بما مَلَكَتْ ... كفّاكَ بلا خُلُقٍ سَمِجِ وما أحسن قول القائل: إذا حَمِدَ النَّاسُ الزَّمَانَ ذَمَمْتَه ... ومَنْ كَانَ فوقَ الدَّهْرِ لا يحمَدُ الدَّهرا وقول الآخر: ¬

_ (¬1) في (أ، ب، ح): "كالثبج"، والسبج: هو الكساء الأسود. (¬2) الثبج: ما بين الكاهل إلى الظهر.

يقول أنا المملوء عِلْمًا وحِكْمَةً ... وإن جميعَ النَّاسِ غيري (¬1) جاهلُ فإن كانَ ما في النَّاس غيرك عالمٌ ... فمَنْ ذا الذي يَقْضِي بأنَّك فاضِلُ وروينا في "المجالسة" للدينوري: حدثنا محمَّد بن موسى القطَّان، حدثنا عبد اللَّه بن جعفر الرَّقِّي، قال: وشى واشٍ برجل إلى الإسكندر، فقال له: أتحبُّ أن نقبَلَ منك ما قُلتَ فيه، على أنا نقبلُ منه ما قال فيك؟ فقال: لا، فقال له: فكفَّ عَنِ الشَّرِّ، يكفُّ الشَّرُّ عنكَ. وقال بعض الحكماء: ستَّةٌ لا تخطئهم الكآبة: فقير حديث عهد بغنى، ومُكْثر يخافُ التَّلف، وحسودٌ, وحقود. وطالب مرتبة فوق قدره. وخليطُ أهلِ الأدب وليس منهم. وقال صاعد بن محمد الخطيب: مَنْ شاء أن يأمَنَ مَحْذُورَ ما ... أظهره بالفِعْلِ أو قالهُ فليتركِ الشرِّ يَعِشْ سالمًا ... فإن تركَ الشِّرِّ أوقى (¬2) لهُ وقال أبو علي الشِّبْل الشاعر: لا يأمَنُ الشِّريرُ أن يُقضى له ... مِنْ غيبِ شرٍّ عليه مُعجَّلُ فالصلُّ إن لم يُستضرَّ بسُمِّه ... فلأجْلِ كَوْنِ السُّمِّ فيه يُقْتَلُ ولبعضهم: وخيرُ خصالِ الخيرِ للمرءِ صالحٌ ... وإن لم يكن شيءٌ سوى العقل يُنجيهِ وخير خصال المرء للمرء مُهلك ... إذا كانَ غيرُ العقل أغلبَ ما فيهِ 17 - إبراهيم بن عمر بن علي المحلِّي التاجر. سمع عليه "ترجمة البخاري" ¬

_ (¬1) في (أ، ط): "عدني". (¬2) (أ، ط): "أولى". 17 - الضوء اللامع 1/ 112 - 113.

مِنْ تصنيفه بمدرسته في سنة خمس وثمان مائة. 18 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن الخُصِّ المقسي. وأبوه ممن سمع على ابن الميلق. 19 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم البيجوري، أخو أحمد الآتي (¬1). 20 - إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الدُّوماطي الحلبي، نزيل الجمالية. 21 - إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن سابق، البرهان الغمري، إمام المدرسة المنكوتمرية الآن. قرأ عليه "الأربعين المتباينة"، ووصفه بالشيخ الخير المعتقد، وسمع عليه أشياء. 22 - إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف، الشَّيخ برهان الدين المغربي الأصل اللقَّاني، ثم الأزهري المالكي، الذي صار قاضي مذهبه في سنة سبع وسبعين. 23 - أحمد بن إبراهيم بن أحمد، شهاب الدين العقَيبي اليماني الشَّافعي. قدم القاهرةَ في سنة سبع وأربعين، فلزم البوتيجي، وكتب عن شيخنا "الإملاء"، وسمع عليه دروسًا في "شرح الألفية" وغيرها. 24 - أحمد بن إبراهيم بن محمد، الموفق أبو ذر ابن الحافظ البرهان الحلبي. محدث حلب الآن، وابن حافظها. قرأ عليه هناك، وكتب عنه شيخنا كما ¬

_ 18 - الضوء اللامع 1/ 120 - 121. 19 - الضوء اللامع 1/ 119. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب). (¬1) برقم 71. 20 - الضوء اللامع 1/ 136 - 137. 21 - الضوء اللامع 1/ 151 - 152. 22 - الضوء اللامع 1/ 193. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 23 - الضوء اللامع 1/ 198 - 200، وسمى جده "محمدًا"، وهو مِنْ خطأ الطبع.

مضى مِنْ نظمه فيمن اسمه إلياس، وكتب له صدرَ أجوبةٍ عَنْ أسئلة وردت عليه منه (¬1) ما نصُّه: وردت عليَّ كُراسة بعد أخرى بخط الفاضل البارع المحدث الأصيل الباهر، الذي ضاهى كَنيَّه في صِدْقِ اللَّهجة، الماهر الذي ناجى سميَّه فَفَدَاه بالمهجة، الأخير الذي فاق الأول في البصارة والنضارة والبهجة، أبي ذر أحمد ابن شيخنا الإِمام العلامة الحافظ، الذي اشتهر بالرِّعاية في الإمامة، حتى صار هذا الوصفُ له علامة، برهان الدين الحلبي. أمتع اللَّه المسلمين ببقائه وبقاء والده في خير وعافية بلا محنةٍ، وختم لي ولهما بخير، لا يعقبه إلا الاستقرار في الجنة. وكتب له أيضًا ما نصُّه: وما التمسه -أبقاه اللَّه تعالى، وأدام النَّفْعَ به كما نفع بأبيه، وبلَّغه مِنْ خيري الدُّنيا والآخرة ما يرتجيه- مِنْ الإذن بالتدريس في الحديث النَّبوي، فقد حُصِّلت بغيته، وحققت طلبته، وأذنتُ له أن يُقرىء علومَ الحديث ممَّا عَرَفَه ودَريه مِنْ "شرح الألفية"، لشيخنا حافظ الوقت أبي الفضل ابن العراقي، ومما تلقَّفه مِنْ فوائد والده الحافظ برهان الدين، تغمده اللَّه تعالى برحمته، ومن غير ذلك ممَّا حصله بالمُطالعة، واستفاده بالمراجعة، وكذا غير "الشرح" المذكور مِنْ سائر علوم الحديث, وأن يدرس في معاني الحديث في كل كتاب قُرِىءَ لديه، ويفيد ما يعلمه مِنْ ذلك إذا قرأه هو أو سُمِعَ عليه. وأسأله أن لا ينساني مِنْ صالح دعواته في مجالس الحديث النبوي، واللَّه تعالى يجمعُ الشَّملَ به في خير وسلامة، آمين. وأرَّخ ذلك في العشر الأخير مِنْ رجب سنة اثنتين وأربعين وثماني مائة. 25 - أحمد بن إبراهيم بن نصر اللَّه، فاضي القضاة، عز الدين العسقلاني الحنبلي. قدمت كلام شيخنا فيه قُبيل أسماء شيوخه مِنَ الباب الثاني (¬2). ¬

_ (¬1) وهي المعروفة بعنوان "الأجوبة الواردة عن الأسئلة الوافدة"، وقد طبعت بتحقيق عمرو علي عمر, في دار الثقافة العربية بدمشق وبيروت سنة 1415 هـ وقد تقدمت هذه الأسئلة في 2/ 374 - 350. 25 - الضوء اللامع 1/ 205 - 207. (¬2) 1/ 179.

26 - أحمد بن أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحيي، القاضي ولي الدين الأسيوطي، نزيل الناصرية، والذي ولي قضاء الشافعية بمصر في سنة إحدى وسبعين وثمانمائة. 27 - أحمد بن أحمد بن علي بن زكريا. الشَّيخ شهاب الدين الجُدَيِّدي (¬1) الأصل، البدراني، ثم الدمياطي. 28 - أحمد بن أحمد بن عمر، الشهاب السَّنكلوني البَرَنكيني (¬2)، أخو موسى الآتي. 29 - أحمد بن أحمد [بن محمد] (¬3) بن علي، الفخر أبو إسحاق بن درباس المحدث. أكثر عنه، واستملى عليه مجالس، وسمع عليه "النخبة" بقراءة الشُّمُنِّي في سنة خمس عشرة وثماني مائة، وكتب "تغليق التعليق"، وقرأه أو أكثره، وكان أحد الطلبة العشرة بالجمالية. 30 - أحمد بن أسد بن عبد الواحد، العلامة شهاب الدين الأميوطي المقرىء. تقدم ذكر شيخنا له في عرض ولده. ¬

_ 26 - الضوء اللامع 1/ 210 - 213. 27 - الضوء اللامع 1/ 217. (¬1) ضبطه المصنف في الضوء، فقال: بضم الجيم ثم دال مهلة مفتوحف بعدها تحتانية مشددة مكسورة، ثم مهملة، نسبة لقرية مِنْ قرى منية بدران، لكون أصله منها. 28 - الضوء اللامع 1/ 218. وهكذا وردت هذه التَّرجمة في هامش (ب، ح) بخط المصنف، وفي (أ): أحمد بن أحمد بن علي، الفخر أبو إسحاق البرنكيني، أخو موسى الآتي. وسيورد المصنف ترجمة موسى برقم 581. (¬2) كذا وردت في (ب) بخط المؤلف. وفي الضوء "البرنكيمي"، وأورده في الكتب نفسه 11/ 190، فقال: بموحدة ثم راء مفتوحتين، بعدهما نون ثم كاف، تليها تحتانية ثم ميم. 29 - الضوء اللامع 1/ 216 و221. (¬3) "بن محمد" لم ترد في (ب)، وكذا ورد في الضوء 1/ 216، وقال المصنف: وزاد بعضهم بين أبيه وعلي محمد. ثم أورده 1/ 221 كما هنا، وقال: مضى بدون محمد في نسبه. 30 - الضوء اللامع 1/ 227 - 231.

31 - أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى المنُوفي، الشَّيخ شهاب الدين ابن أبي السعود. 32 - أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر الأبشيطي، نزيل طيبة المشرفة. كتب عنه "الإملاء". 33 - أحمد بن إسماعيل بن عثمان الشهاب الكوراني. 34 - أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد، الشهاب الونائي، أخو الشمس محمد العالم الشهير الآتي (¬1). 35 - أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سَلِيم بن قايماز بن عثمان بن عمر البُوصيري الشَّافعي المحدث، إمام الحسينية. لازمه في حياة شيخهما العراقي، وكتب عنه "اللسان" و"النكت على الكاشف" و"زوائد البزار على الستة وأحمد"، والكثير مِنْ تصانيفه وغيرها، واستمر يستفيد منه حتى مات. وسمع عليه كثيرًا، وقرأ عليه أشياء. ووصفه بالشَّيخ المفيد الصالح المحدث الفاضل. ومرَّة: بالشيخ الإِمام العالم الفاضل القُدوة الكامل المحدث المفيد [الحافظ المجيد. ومرَّة: بالمحدث الفاضل البارع جمال المدرسين، فخر الحفاظ. وأخرى: بالشيخ الفاضل الأوحد الكامل المحدث] (¬2) الجامع جمال الحفاظ، عُمدة المدرسين، مفيد الطلبة. ومرة: بالشَّيخ الفاضل البارع الكامل المحدث الأوحد المفيد، جمال الطائفة، إلى غير ذلك. ¬

_ 31 - الضوء اللامع 1/ 231 - 234. 32 - الضوء اللامع 1/ 235 - 237. 33 - الضوء اللامع 1/ 241 - 243. وانظر التَّرجمة 108 فيما يأتي. 34 - الضوء اللامع 1/ 243. (¬1) برقم 383. 35 - الضوء اللامع 1/ 251 - 252. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ط).

36 - أحمد بن أبي بكر بن محمد بن محمد السَّمَنُّودي، الشهاب ابن تمرية. 37 - أحمد بن أبي بكر بن محمد بن الردَّاد المكي نزيل زبيد. سمع عليه جزءًا مِنْ الحديث. 38 - أحمد بن حسن بن علي بن محمد، الإِمام شهاب الدين الأذرعي الدمشقي، ثم القاهري الشَّافعي. سمع عليه بقراءة الفتحي "المتباينات". وقد مضى في القسم الثالث مِنْ الباب الثاني (¬1): حُسين بن علي بالتصغير، فإما أن يكون والد هذا تحرف أو هو عمٌّ له، فيحرر. 39 - أحمد بن حسن بن محمد، الشهاب المنوفي المقرىء، نزيل المنكوتمرية، وقريب التقي عبد الغني الآتي (¬2). 40 - أحمد بن حسين بن محمد بن علي [بن عبد الرحيم ابن الشَّيخ محمود] (¬3) الطَّائفي الغمري المالكي الضرير. 41 - أحمد بن رسلان السَّفطي. أحد الفضلاء. كان مِنْ كبائر الطلبة بالخانقاه الشيخونية. 42 - أحمد بن رمضان بن عبد اللَّه الحلبي، ثم القاهري الضَّرير المقرىء، ويعرف بالشِّهاب الحلبي. قرأ عليه مِنْ حفظه مِنْ أول "صحيح البخاري" إلى مواقيت الصلاة. 43 - أحمد بن سعيد بن محمد التلمساني المغربي المالكي، قاضي المالكية ¬

_ 36 - الضوء اللامع 1/ 260. 37 - الضوء اللامع 1/ 260. 38 - الضوء اللامع 1/ 276. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). (¬1) 1/ 231. 39 - الضوء اللامع 1/ 279. (¬2) برقم 214. 40 - الضوء اللامع 1/ 290 - 291. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). 41 - الضوء اللامع 1/ 302. 42 - الضوء اللامع 1/ 302 - 303. 43 - الضوء اللامع 1/ 306.

بإسكندرية ودمشق، شهاب الدين. قرأ عليه في "صحيح مسلم" وغيره، وأثنى على مباشرته قضاء إسكندرية في ترجمة الجمال عبد اللَّه بن الدماميني مِنْ "تاريخه". 44 - أحمد بن سفري، الإِمام شهاب الدين. سمع هو وصهرُه برهان الدين "الأربعين المتباينة" بقراءة محيي الدين يحيى بن عبد الرحمن بن فهد. 45 - أحمد بن سليمان بن نصر اللَّه، الشَّيخ شهاب الدين البلقاسي، ثم الأزهري، عرف بالزواوي، سمعنا عليه بقراءته مسموعَهُ مِنْ "صحيح ابن خزيمة"، و"زوائد صحيح ابن حبان"، وغير ذلك. 46 - أحمد بن صالح بن خُلاسة الزواوي. كتب عنه مِنْ "إملائه". 47 - أحمد بن صدقة، القاضي شهاب الدين، الصَّيرفي والده. قرأ عليه. 48 - أحمد بن عبد اللَّه بن محمد بن داود، أبو العباس المجدلي الواعظ، الشهير بالقدسي. أثنى عليه صاحبُ التَّرجمة بقوله: اشتغل بالقدس كثيرًا، وكان فيه فرطُ ذكاء، وتعانَى الكلام على العامَّة، فمهر في ذلك، واجتمع عليه خلق كثير. ثم قدِمَ القاهرة، فكان يجتمع في مجلسه جمعٌ كثير، خصوصًا النِّساء، قال ذلك في حوادث سنة خمس وأربعين وثماني مائة مِنْ تاريخه "إنباء الغمر" (¬1). وأورد له كائنة بالقاهرة وأخرى بمكة، نقل فيها مِنْ ثناء قاضيها الحنفي العلامة أبي البقاء بن الضياء عليه قوله: وهو مِنَ الفُضلاء الأذكياء. انتفع به الناس، واشتغل عليه الطلبة، وكتب على ¬

_ 44 - الضوء اللامع 1/ 307. 45 - الضوء اللامع 1/ 310 - 311. 46 - الضوء اللامع 1/ 315 - 316. 47 - الضوء اللامع 1/ 316 - 319. 48 - الضوء اللامع 1/ 363 - 366. (¬1) 161 - 162.

الفتوى، ووعظ بالمسجد، فاجتمع عليه العوامُّ وبعض الخواصِّ. إلى آخر كلامه، وهو جدير بما ترجم به، مع طعن كثير فيه. ومن أبشع الكوائن التي اتفقت له، بل مطلقًا في زمننا، كائنته مع البقاعي التي حكى فيها التفاعل والمقاهرة بأخذ مال كثير، واتفقت فيها قضايا قبيحة أُنَزِّه هذا المحل عن حكايتها، وآل الأمر فيها إلى أن وزن البقاعي -بعد ما رغب عن شيء مِنْ وظائفه -أكثر المال المذكور، وأشهدَ كلٌّ منهما على نفسه بالبراءة مِنْ المال والعرض، وكتب بهذه الحادثة إلى سائر الآفاق حتى للكوراني الذي يُقال: إنه استعمل في ترغيب ابن عثمان في إرسال الطَّلب ببعض التصانيف المتجدِّدة مِنَ الدِّيار المصرية. وصار كلٌّ منهما بهذه الكائنة مُثلةً، لكن صار البقاعي يُسَلِّي نفسه بقوله: أما المال، فلا يظن في أخذه، وأما التفاعل، فأكثر ما فيه أن يقال: رام شخص فِعْلًا فَفَعَلْ فيه مثله أو أقبح، واللَّه أعلم بحقيقة أمرهما. وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما أخرجه مسلم في "صحيحه": "مَنِ ادَّعى ما ليس له فليس منا, وليتبوأ مقعده مِنَ النَّار". وهذا الحديث يُؤخذ منه تحريمُ الدَّعوى بشيء ليس هو للمدَّعي، فيدخل فيه الدَّعاوي الباطلة كلُّها؛ مالًا وعلمًا وتعلُّمًا ونسبًا وحالًا وصلاحًا ونعمةً وولاءً، وغير ذلك ويزداد التحريم بزيادة المفسدة المترتبة على ذلك. نسأل اللَّه التوفيق. 49 - أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، الشَّيخ أبو الأسباط الرَّملي. قرأ عليه "النخبة" وغيرها، وأذِنَ له. 50 - أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان، البهاء بن حَرَمِي. 51 - أحمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه، العلامة النَّحوي، شهاب الدين ابن ¬

_ 49 - الضوء اللامع 1/ 327. 50 - الضوء اللامع 1/ 328 - 329. 51 - الضوء اللامع 1/ 329 - 330.

تقي الدين، ابن سيبويه الوقت الجمال ابن هشام. أخذ عنه أشياء، منها في "شرح الألفية"، وحضر عنده في "الأمالي". 52 - أحمد بن عبد الرحمن بن عوض، الفقيه شهاب الدين الطنتدائي. سمع عليه كثيرًا، وكتب عنه أكثر مجالس "الإملاء" وغير ذلك. 53 - أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر الشرجي الآتي أبوه (¬1)، سمعا عليه شيئًا مِنَ الحديث، مع أنَّه سمع منهما مِنْ فوائدهما. 54 - أحمد بن عبد اللطيف بن موسى بن عَميرَة بن موسى القُرشي المخزومي اليُبَناوي المكي الحنبلي. 55 - أحمد بن عبد اللَّه بن محمد، ولي الدين ابن الشَّيخ جمال الدين الزَّيتوني الشَّافعي النَّقيب. 56 - أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البهوتي، ثم القاهري التَّاجر. 57 - أحمد بن عُبيد اللَّه بن محمد بن أحمد السَّجيني، ثم الأزهري الفَرضي الشَّافعي. 58 - أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد اللَّه الكلوتاتي، مسند العصر. قرأ على صاحبُ التَّرجمة "تغليق التعليق" بكماله، وانتهى في صفر سنة اثنتي عشرة وثماني مائة. وقطعة مِنْ كل مِنْ "أطراف المسند" و"المعجم الأوسط"، وغير ذلك. وكتب الكثير مِنْ تصانيفه "كالمقدمة"، وقرأ عليه "ابن الصلاح" رواية، وكذا "الاقتراح" لابن ¬

_ 52 - الضوء اللامع 1/ 332. 53 - الضوء اللامع 1/ 354. (¬1) برقم 232. 54 - الضوء اللامع 1/ 354 - 355. 55 - الضوء اللامع 1/ 368. 56 - الضوء اللامع 1/ 375. 57 - الضوء اللامع 1/ 376 - 377. 58 - الضوء اللامع 1/ 378 - 380.

دقيق العيد، وكتب له كما تقدَّم إجازة. وكذا قرأت بخطِّه أنَّه قرأ عليه "علوم الحديث" للعلاء التُّركماني. 59 - أحمد بن عثمان بن محمد، الشهاب الكوم الريشي. 60 - أحمد بن علي بن إبراهيم، الشهاب، الهيثمي، ثم الأزهري الشَّافعي. أخذ عنه، وكتب عنه "الأمالي" وغيرها. 61 - أحمد بن علي بن أحمد بن أبي بكر، شهاب الدين الشاذلي المصري، عرف بابن أبي الحسن، أخو محمد الآتي (¬1). سمع عليه في سنة خمس وثماني مائة "ترجمة البخاري" مِنْ جمعه. 62 - أحمد بن علي بن إسماعيل، التاج ابن الظريف المالكي، فرضي العصر. كتب عنه مِنْ نظمه، وكان يودُّه كثيرًا. 63 - أحمد بن علي بن حسين، الشَّيخ الشهاب أبو العباس العبادي. لازمه كثيرًا، ومما حمله عنه معظم "شرح ألفية الحديث" بحثًا، ووصفه بالشيخ الفاضل البارع الأوحد، جمال الطلبة الماهرين، ومفخر المفيدين الباهرين. 64 - أحمد بن علي بن عامر، الشَّيخ شهاب الدين المصطهي (¬2). 65 - أحمد بن علي بن عمر بن أحمد بن أبي بكر الشوائطي المكي المقرىء، الآتي وصف صاحبُ التَّرجمة له في ولده محمد (¬3). ¬

_ 59 - الضوء اللامع 2/ 3. 60 - الضوء اللامع 2/ 6 - 7. 61 - الضوء اللامع 2/ 7. (¬1) برقم 452. 62 - الضوء اللامع 2/ 14. 63 - الضوء اللامع 2/ 17. 64 - الضوء اللامع 2/ 20 - 21. (¬2) في الضوء: المسطيهي. 65 - الضوء اللامع 2/ 28. (¬3) الآتي برقم 356.

66 - أحمد بن علي بن محمد أبو العباس الشاذلي الشَّافعي. رأيتُ نسخة مِنْ "شرح الألفية"، قال ناسخها: إنه كتبها مِنْ نسخته، وهي مقروءة على صاحبُ التَّرجمة، وأذن له. وعلى القاياتي أيضًا. [ويُشبه أن يكون أحمد بن محمد بن عبد الغني الآتي في أبي العباس، وقع الغلط في نسبه، فاللَّه أعلم] (¬1). 67 - أحمد بن عمر بن أحمد التَّروجي الشَّاعر. 68 - أحمد بن عمر بن سالم الشامي. كتب عنه "الإملاء"، وكذا كتب عن شيخه العراقي. 69 - أحمد بن عمر بن محمد الشيخي، أخو ناصر الدين محمد الآتي. 70 - أحمد بن مبارك شاه الحنفي. 71 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أحمد البيجوري، الشَّيخ شهاب الدين، حفيد فقيه الشافعية برهان الدين، واحد مِنْ حفظ "بلوغ المرام"، وقرأ عليه "شرح النخبة"، وأذِنَ له. 72 - أحمد بن محمد بن إبراهيم الشَّطنوفي، الشهاب، ابن العلامة شمس الدين الشهير. 73 - أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن زيد الدمشقي الحنبلي. سمع عليه بدمشق. ¬

_ 66 - الضوء اللامع 2/ 42. (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). 67 - الضوء اللامع 2/ 51. 68 - الضوء اللامع 2/ 53 - 54. 69 - الضوء اللامع 2/ 57. 70 - الضوء اللامع 2/ 65. 71 - الضوء اللامع 2/ 65 - 67. 72 - الضوء اللامع 2/ 67 - 68. 73 - الضوء اللامع 2/ 71.

74 - أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، ولي الدين المحلي. قرأ عليه "البخاري" أو أكثره، ولازمه هو وولدُه الآتي. 75 - أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز، الشهاب ابن العلامة البدر بن الأمانة، الآتي أخوه عبد الرحمن. 76 - أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد المحسن الزِّفتاوي القاضي. 77 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي، المحب الخطيب المالكي، عرف بابن المحب. قرأ عليه "الموطأ" رواية أبي مصعب، وقطعة مِنْ "سيرة ابن هشام"، سمعتهما بقراءته، وهي متقنة محرَّرة فصيحة، ووصفه بالشيخ الفاضل الأصيل الباهر الماهر العلَّامة الخطيب. 78 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد، شهاب الدين، المدني الأصل، الدمياطي المولد، القاهري المنشأ والموطن، الشَّافعي. أخذ عنه في "شرح الألفية" وغيره. 79 - أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى، الشهاب المسيري القاهري، نزيل المؤيدية. 80 - أحمد بن محمد بن أحمد محب الدين، ابن قاضي القضاة عز الدين النُّويري المكي الشَّافعي. سمع عليه "المتباينات" وغيرها مِنْ تصانيفه في سنة أربع وعشرين بمنى. ¬

_ 74 - الضوء اللامع 2/ 74 - 75. 75 - الضوء اللامع 2/ 75. 76 - الضوء اللامع 2/ 76 - 77. 77 - الضوء اللامع 2/ 88. 78 - الضوء اللامع 2/ 90 - 91. 79 - الضوء اللامع 2/ 91 - 92. 80 - الضوء اللامع 2/ 84 , وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط).

81 - أحمد بن محمد بن أحمد المسيري الغمري، عرف بابن حُذيفة. 82 - أحمد بن محمد بن أحمد الخواجا، شهاب الدين الكيلاني، نزيل مكة، ويعرف بقاوان. لقيه هو وولده الخواجا الشَّيخ محمد، زاد اللَّه في ارتقائه، فأخذا عنه، وذلك مِنْ سنة ست وثلاثين. 83 - أحمد بن محمد بن صالح، الشهاب الحلبي الحنفي، نزيل الشيخونية، ويعرف بابن العطار. قرأ عليه غالب "البخاري"، ثم "شرح معاني الآثار" للطحاوي بكماله، ورأيت بعض مِنْ سمع معه في الطحاوي سماه حمدًا، وهو غلط. 84 - أحمد بن محمد بن صالح، الشَّيخ شهاب الدين الأشليمي، ثم القاهري الشَّافعي الشاعر، نزيل البرقوقية. 85 - أحمد بن محمد بن صدقُة بن مسعود، الشَّيخ شهاب الدين الدّلجي، عالم الصعيد الآن. 86 - أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن إبراهيم بن عرب شاه الدمشقي. 87 - أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن ظهيرة القرشي المكي قاضيها، الشَّافعي، محب الدين ابن الحافظ جمال الدين. 88 - أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن علي بن كُحَيْل المغربي. ¬

_ 81 - الضوء اللامع 2/ 92. 82 - الضوء اللامع 2/ 94 - 95. 83 - الضوء اللامع 2/ 115 - 117. 84 - الضوء اللامع 2/ 114 - 115. 85 - الضوء اللامع 2/ 117 , وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 86 - الضوء اللامع 2/ 126 - 131. 87 - الضوء اللامع 2/ 134 - 135. 88 - الضوء اللامع 2/ 136.

89 - أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر، الشهاب بن التاج البُلقيني. 90 - أحمد بن محمد بن عبد الغني. يأتي في أبي العباس. 91 - أحمد بن محمد بن علي بن حسن الحجازي، شيخ أدباء العصر. 92 - أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم، الشَّيخ ولي الدين ابن الشَّيخ جمال الدين، البارنباري الأصل المصري، الشَّافعي القاضي، شيخ الآثار الآن. كتب عنه في "الأمالي"، وسمع عليه أشياء. 93 - أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن هاشم، الصَّنهاجي السكندَري المالكي، شيخ القراء، ووالد الشيخ شمس الدين بن هاشم، نزيل الحسينية. أحد منْ سمع الكثير أيضًا على صاحبُ التَّرجمة. 94 - أحمد بن محمد بن عمر، الشهاب المقدسي الشَّافعي، عرف بابن أبي عذيبة، مؤرخ القُدس. قرأ عليه "جزء أبي الجهم" في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وأشياء. 95 - أحمد بن محمد بن عمر، الشَّيخ أبو العباس ابن الشَّيخ العارف أوحد المسلِّكين أبي عبد اللَّه الواسطي الغَمري، نزيل المحلة الشَّافعي. قرأ عليه في "البخاري". 96 - أحمد بن محمد بن محمد بن حسن، المتقي الشُّمُنِّي الحنفي، شيخ العصر. أخذ عنه في "شرح الألفية" وغيرها, ولازمه قديمًا، ووصفه حيث ¬

_ 89 - الضوء اللامع 2/ 119. 90 - الضوء اللامع 2/ 125، وقال: هو بكنيته أشهر، وسيكرره ص 1169 بكيته. 91 - الضوء اللامع 2/ 147 - 149. 92 - الضوء اللامع 2/ 160. 93 - الضوء اللامع 2/ 160 - 161. 94 - الضوء اللامع 2/ 162 - 163. 95 - الضوء اللامع 2/ 161 - 162. 96 - الضوء اللامع 2/ 174 - 178.

فهرس "المشيخة" التي خرجتُها له- بالإمام العلامة، فخر المدرسين، مفيد الطالبين, مفتي المسلمين، متع اللَّه المسلمين ببقائه ودوام ارتقائه. 97 - أحمد بن محمد بن محمد بن عمر بن رسلان، القاضي ولي الدين ابن تقي الدين البلقيني، قاضي الشافعية بدمشق. 98 - أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، الشهاب ابن الأخصاصي الدمشقي، أخو الأمين محمد. قرأ عليه "شرح النخبة". 99 - أحمد بن محمد بن محمد، الشهاب ابن الصدر الأنصاري الشاهد، عرف بابن صدر الدين. 100 - أحمد بن محمد بن يوسف، الشَّيخ شهاب الدين العقبي المقرىء، أخو الزَّين رضوان المستملي. سمع عليه كثيرًا مِنْ "الأمالي". 101 - أحمد بن محمد، الشَّيخ شهاب الدين ابن القصَّاص الإسكندري المالكي. قرأ عليه "الترغيب" للمنذري بكماله، وفي "البخاري" وغيره. 102 - أحمد بن محمد، شهاب الدين العجيمي، الصُّوفي بالخانقاه السّرياقوسية، وصهر ابن الجوجري الأبزاري، قرأ على صاحبُ التَّرجمة "الترمذي" في سنة أربع وأربعين، وبلغ له بالشَيخ. 103 - أحمد بن محمد [بن حسن] الشَّيخ الخير شهاب الدين الصَّندلي الأزهري الشَّافعي، ورفيق مهنّا الآتي. ¬

_ 97 - الضوء اللامع 2/ 188 - 190. 98 - الضوء اللامع 2/ 194. 99 - الضوء اللامع 2/ 203. 100 - الضوء اللامع 2/ 212. 101 - الضوء اللامع 2/ 215. 102 - الضوء اللامع 2/ 217. 103 - الضوء اللامع 2/ 109، وما بين حاصرتين منه. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط) وأضافها المصنف بخطه في هامش (ح).

104 - أحمد بن موسى بن عبد اللَّه المنوفي، الشهاب القاضي. 105 - أحمد بن موسى بن هارون المقرىء، عرف بابن الزيَّات. 106 - أحمد بن يوسف بن علي الطّريني. حضر عنده في درس الشريفية. 107 - أحمد بن يوسف بن محمد بن محمد، الشهاب الشَّيرجي القاضي. 108 - أحمد بن يوسف الكوراني. قرأ عليه "البخاري"، وذكره في حوادث سنة أربع وأربعين مِنْ "تاريخه". 109 - أزبك مِنْ طوخ الظاهري. أتابك العساكر الآن، سمع عليه ترجمة عبد الرحمن بن أزهر مِنْ "مسند أحمد" عند تغري برمش يوم كان الختم على ابن ناظر الصاحبة وابن بردس. وكذا سمع عليهما وعلى ابن الطحَّان أيضًا عند المذكور مجالس مما قُرىء عليهم. 110 - أسد اللَّه بن لطف اللَّه بن روح اللَّه بن سلامة اللَّه، المظفَّر أبو الليث ابن النظام ابن الفخر ابن العز الحُسيني الكازروني، ثم الشيرازي. ¬

_ 104 - الضوء اللامع 2/ 229 - 230. 105 - الضوء اللامع 2/ 230 - 231. 106 - الصوء اللامع 2/ 248، وقال: مضى في: ابن علي بن يوسف. قلت: هو بهذا الاسم في الضوء 2/ 45 - 46، وقال المصنف في هذا الموضع: قوله شيخه ابن حجر ذكره في القسم الثاني مِنْ "معجمه" [3/ 61] , ونسبه كما هنا، وكذا في "إنبائه" [6/ 243] , وأما في الأول [المجمع المؤسس [1/ 457] , فقال: أحمد بن يوسف بن علي بن محمد، وكذا رأيته في غير ما موضع، وهو الصواب، وكذا هو في "عقود" المقريزي. 107 - الضوء اللامع 2/ 107. 108 - الضوء اللامع 2/ 252، وقال: مضى فيمن جده إسماعيل بن عثمان [2/ 247] , وأنه مضى غلطًا في: أحمد بن إسماعل بن عثمان، بدون يوسف. قلت: هو المتقدم بهذا الاسم برقم 33. 109 - الضوء اللامع 2/ 270 - 272، وفيه "ططخ" بدل "طوخ". 110 - الضوء اللامع 2/ 279.

قرأ عليه "شرح النخبة" قراءة بحث واستفادة، تشتمل على دلالة الفهم الثاقب والإفادة. قاله صاحبُ التَّرجمة. وكذا قرأ عليه "الأربعين المتباينة"، وذلك في سنة أربعين، وفي "البخاري" سنة إحدى وأربعين. 111 - إسماعيل بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن جماعة، حفيد شيخي الجمال. قرأ عليه "شرح النُّخبة" في مجالس ذات عدد. 112 - إسماعيل بن إبراهيم بن جوشن، قريب الفخر محمد بن عيسى الآتي. 113 - إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي، العلامة عماد الدين أبو الفداء المقدسي الشَّافعي، عرف بابن شرف. 114 - إسماعيل بن أحمد بن أبي بكر الأخفافي، صهر ابن خضر. 115 - إسماعيل بن عمر العلوي. سمع عليه مِنْ "المائة العشاريات" باليمن في سنة ثمان مائة. 116 - إسماعيل بن محمد بن الأمين بن علي بن الأمين المليكي اليمني الشَّافعي، نزيل مكة، ويعرف بالأمين. سمع عليه في سنة أربع وعشرين بمنى "المتباينات" و"تخريج الأربعين النووية"، وغيرها مِنْ تصانيفه. 117 - إسماعيل بن محمد بن أبي بكر، الشرف ابن المقرىء، صاحبُ ¬

_ 111 - الضوء اللامع 2/ 284. 112 - الضوء اللامع 2/ 288. 113 - الضوء اللامع 2/ 284 - 286. 114 - الضوء اللامع 2/ 290. 115 - الضوء اللامع 2/ 304. 116 - الضوء اللامع 2/ 306. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 117 - الضوء اللامع 2/ 306، وقال فيه: مضى في: ابن أبي بكر بن عبد اللَّه. قلت: هو =

"عنوان الشرف" وغيره. سمع منه "ضوء الشهاب" المنتخب مِنْ نظمه، وطارَحَهُ، كما تقدم. 118 - إسماعيل بن يوسف السمرقندي الحنفي، رفيق علي بن إسلام الآتي. 119 - أمير حاج الشَّيخ زين الدين الحلبي. هكذا بلَّغَ له على الجزء الثاني مِنْ "البخاري" نسخة النَّاصرية، والظاهر أنَّه أمير حاج مِنْ طنبغا المقرىء الحلبي، نزيل القاهرة وإمام الجمالية. 120 - أنس بن علي بن محمد، أبو حمزة الأنصاري الدمشقي. كتب عنه مِنْ نظمه، مع أن صاحبُ التَّرجمة سمع منه قليلًا، واستفاد منه. 121 - أيوب اليماني. سمع مِنْ لفظه في "البخاري"، والظاهر أنَّه أيوب بن إبراهيم الجبرتي (¬1)، شيخ رباط ربيع بمكة، والمترجم في تاريخ الفاسي. 122 - أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف، العلامة الزاهد التقي البعلي، ثم الصالحي الدمشقي الحنبلي، عرف بابن قُنْدُس. 123 - أبو بكر بن أحمد بن إبراهيم، الحلبي الباحسيتي، المصري الأصل، البسطامي. كتب عنه ما أملاه بحلب، وقدم القاهرة في سنة ثلاث وأربعين، فقرأ عليه قطعةً مِنْ "صحيح مسلم"، ووصفه بالشَّيخ الفاضل البارع المفنَّن. ¬

_ = في الضوء 2/ 292 - 296 باسم إسماعيل بن أبي بكر بن عبد اللَّه المقرىء بن إبراهيم. . . 118 - الضوء اللامع 2/ 310. 119 - الضوء اللامع 2/ 322، وفيه "طنبغا" بدل "طبيغا". 120 - الضوء اللامع 2/ 323. 121 - الضوء اللامع 2/ 332، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). (¬1) انظر ترجمته بهذا الاسم في الضوء اللامع 2/ 30 - 331. 122 - الضوء اللامع 11/ 14 - 15. 123 - الضوء اللامع 11/ 17.

قلت: وقد لازمني هذا الشَّيخ مدَّة في الإملاء، وسمع عليَّ دروسًا كثيرة مِنْ "شرح ألفية العراقي" للمؤلف، وقابل بنسخة معه، وكذا مِنْ "شرحي"، بل وكتب "القول البديع" ومجلسي في "ختم البخاري"، وسمعهما منِّي. 124 - أبو بكر بن أحمد بن محمد العمراني اليمني. سمع "المجالسة" وغيرها. 125 - أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي، أخو جامِعه. 126 - أبو بكر بن علي بن حِجَّة، التَّقيُّ المشهور. كتب كلُّ واحدٍ منهما عن الآخر. 127 - أبو بكر بن عمر بن يوسف، الشَّيخ زكي الدين الميْدُومي المصري، والد شهاب الدين أحمد، أحد مِنْ كتب عنه. سمع عليه "ترجمة البخاري" مِنْ جمعه في سنة خمس وثماني مائة. 128 - أبو بكر بن محمد بن إسماعيل، الشَّيخ تقي الدين القلقشندي المقدسي. حضر عنده كثيرًا مِنْ "أماليه". 129 - أبو بكر بن محمد بن علي الرضي التهامي. سمع عليه بعض "المائة العشاريات" باليمن سنة ثمان مائة. 130 - أبو بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر، الشَّيخ شرف الدين، ابن شيخنا القاضي ضياء الدين بن النَّصِيبي الحلبي الشَّافعي. ¬

_ 124 - الضوء اللامع 11/ 25. 125 - الضوء اللامع 11/ 44 - 46. 126 - الضوء اللامع 11/ 53 - 56. 127 - الضوء اللامع 11/ 65. 128 - الضوء اللامع / 69 - 71. 129 - الضوء اللامع 11/ 86. 130 - الضوء اللامع 11/ 86.

131 - أبو بكر أحمد بن محمد بن محمد بن أبي الخير محمد بن فهد الهاشمي المكي، الشَّيخ محب الدين، أخو صاحبنا الشَّيخ نجم الدين عمر الآتي. 132 - أبو بكر بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خليل القاضي، كمال الدين، السيوطي ثم القاهري، الشَّافعي. 133 - أبو بكر بن محمد بن محمد الأنصاري الشَّافعي، عُرف بابن مُزهر، صاحبُ ديوان الإنشاء الآن، ورئيس مصر. سمع عليه. 134 - أبو بكر بن محمد بن محمد الباخرزي الأسعَرْدي الهروي. قرأ عليه "الحصن الحصين" لابن الجزري في ثلاثة مجالس، آخرها سلخ رمضان سنة ست عشرة، وأذن له في روايته عنه بإجازته مِنْ مؤلِّفه له ولغيره مِنْ تصانيفه، ووصف القارىء بالشَّيخ العالم الفاضل الأوحد البارع العمدة المحقق المدقق زين الدين ابن فخر الدين، نفع اللَّه به، وبلغه غاية إربه، وأنها قراءة أتقنها وجوبها وحسنها. وسمع معه الكمال ابن الهمام. 135 - أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح، الرَّضي العدني، عرف بابن المستأذن. سمع منه كثيرًا، مع كون شيخنا سمع مِنْ نظمه. 136 - تغري بردي السَّيفي، خازن دار أمير سلاح الظَّاهري. قرأ عليه "بلوغ المرام". وسمع غيره. ¬

_ 131 - الضوء اللامع 11/ 92 - 93، وقال: أبو بكر محمد بن محمد. . .، وذكره أيضًا 2/ 193، وسماه أحمد بن محمد. . .، وقال: وهو بكنيته أشهر، يأتي في الكنى. 132 - الضوء اللامع 11/ 72 - 73. 133 - الضوء اللامع 11/ 88 - 89. 134 - الضوء اللامع 11/ 93. 135 - الضوء اللامع 11/ 98. 136 - الضوه اللامع 3/ 28.

137 - تغري برمش الفقيه. وصفه شيخُنا بالمحدث الفاضل في ترجمة قجق مِنْ سنة أربع وأربعين مِنْ "تاريخه" (¬1). 138 - جعفر بن إبراهيم بن جعفر، الزَّين أبو الفتح السَّنهوري ثم القاهري الشَّافعي المقرىء. لازمه في السَّماع وفي غيره وقتًا، وقرأ عليه بالسَّبع الفاتحة، وإلى (المفلحون)، وقرَّض له على تصنيفٍ له في التجويد، كما تقدَّم (¬2) وشهد عليه يحيى في غير إجازة، فكان فيما وصفه به بخطِّه في بعضها: بالشَّيخ العالم الفاضل المقرىء المجود المفنَّن الأوحد. 139 - حسن بن أحمد بن علي، بدر الدين الشِّشِيني، سمع عليه قطعة مِنْ "المتباينات" بقراءة الفتحي، ووصفه بالشَّيخ. 140 - حسن بن أحمد بن محمد، البدر الطنتدائي، ثم القاهري الضَّرير. قرأ عليه مِنْ أول "البخاري" إلى الجنائز مِنْ حفظه. 141 - حسن بن عبد الرحمن بن عثمان فخر الدين الغَمْري، ثم القاهري المؤقت. 142 - حسن بن علي بن أحمد، الشَّيخ بدر الدين الدِّماطي، ثم الأزهري الضَّرير. لازمه كثيرًا، وقرأ عليه مِنْ حفظه "شرح النخبة"، وكتب له أَنَّه قرأها أيضًا مِنْ حفظه، ووصفه عليها بالفاضل الباهر الأوحد المفنَّن الحُفَظة، أيَّده اللَّه بفضله، وأعانه على ما تصدَّى له مِنْ تحمُّل العلم ونقله، وأذن له في إفادتها، وذلك في رابع صفر سنة اثنتين وخمسين وثمان مائة. ¬

_ 137 - الضوء اللامع 3/ 33. (¬1) إنباء الغمر 8/ 152. 138 - الضوء اللامع 3/ 67. (¬2) 2/ 741. 139 - الضوء اللامع 3/ 94. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). 140 - الضوء اللامع 3/ 94 - 95. 141 - الضوء اللامع 3/ 103. 142 - الضوء اللامع 3/ 106.

143 - حسن بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي ثم الصالحي، قاضي أذرعات. سمع منه، وكانت بينهما مودَّة، وسمع شيخُنا أيضًا مِنْ نظمه. 144 - حسن بن علي بن محمد، الشَّيخ بدر الدين المناوي ثم الأزهري، ثم المرجوشي الشَّافعي الأعرج، ويعرف بين أهل بلده بابن عبُّود. أخذ عنه شيخنا أشياء. 145 - حسن بن علي القادري، والد محمد الآتي. سمع عليه "الأربعين المتباينات". 146 - حسن بن علي، البدر البشكالسي المالكي. 147 - حسن بن محمد بن أيوب، الشريف البدر النَّسَّابة. لازمه كثيرًا، وكان صاحبُ التَّرجمة يجلُّه. 148 - حُسين بن أحمد بن محمد الأزهري. 149 - حسين بن حسن بن حسين الفتحي الشِّيرازي. قرأ عليه أشياءَ؛ مِنْ جملتها "السنن" للدارقطني، و"مسند عبد"، وكذا مِنْ تصانيفه. ولما افتتح شيخُنا الإملاء بالكاملية -كما قدمت- (¬1) بعد عزله مِنْ البيبرسية قرأ الفتحي هذا سورة الصَّفِّ، فأبكى النَّاس، وهو الذي رأى -إذ وليَ السَّفطي القضاء- إمامنا الشافعيَّ ومعه صاحبُ التَّرجمة بالقرب ¬

_ 143 - الضوء اللامع 3/ 115. 144 - الضوء اللامع 3/ 117. 145 - الضوء اللامع اللامع 3/ 125، وسماه حسن بن محمد بن عبد القادر بن علي بن محمد بن شرشيق البدر أبو محمد. . . القادري، والد الشمس محمد، وولده محمد هذا ستأتي ترجمته برقم 406. 146 - الضوء اللامع 3/ 119. 147 - الضوء اللامع 3/ 121. 148 - الضوء اللامع 3/ 135. 149 - الضوء اللامع 3/ 139 - 144. (¬1) 2/ 603.

مِنْ الشَّيخونية والشافعيُّ يقول لصاحب التَّرجمة: أخرج بنا، فلا أقيمُ ببلد يُبال فيه على كتُبي، فلم يلبث صاحبُ التَّرجمة بعد هذه الرُّؤيا أن مات. وكان قد بلغها. 150 - حسين الكازروني الشَّافعي. ارتحل إليه قصدًا، فأخذ عنه، ومات في طاعون سنة تسع وأربعين وثمانمائة، فرأيت: نسخةً مِنْ "ابن الصلاح" بلَّغَ شيخُنا للشَّيخ بدر الدين حسين بالقراءة في عدة أماكن مِنْ أوله، والظاهر أنَّه هذا. 151 - حمزة بن أحمد بن علي ابن الحافظ شمس الدين محمد الحُسَيني الدمشقي. قدمت كلام شيخنا فيه قُبيل أسماء شيوخه مِنَ الباب الثاني. 152 - خُشكلدي العلَمي. قرأ "الصحيح" أو بعضه عليه، كما رأيته في نسخة المؤيدية، ووصفه بالأمير. 153 - خطاب بن عمر بن مهنا الغَزاوي الدمشقي. كتب "الخصال"، وقرأها ومدحه كما تقدم. 154 - خليل بن أحمد بن جمعة الحسيني سكنًا، والد محمد الآتي. 155 - خليل بن محمد بن محمد، الشَّيخ صلاح الدين أبو الصفاء الأقفهسي. سمع كلُّ واحدٍ منهما مِنْ صاحبه. 156 - داود بن سليمان بن أبي الحسن، الشَّيخ أبو الجود بن أبي الرَّبيع البنبي الخطيب المالكي. ¬

_ 150 - الضوء اللامع 3/ 161، وما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ط). 151 - الضوء اللامع 3/ 163 - 164. 152 - الضوء اللامع 3/ 177. 153 - الضوء اللامع 3/ 181 - 182. 154 - الضوء اللامع 3/ 190. 155 - الضوء اللامع 3/ 202 - 204. 156 - الضوء اللامع 3/ 211 - 212.

157 - رسول بن أبي بكر بن الحسن بن عبد اللَّه الهكاري الكردي. 158 - رسول بن محمد بن عمر الكردي. 159 - رضوان بن محمد بن يوسف، الشَّيخ زين الدين أبو النَّعيم العُقبي. حصل كثيرًا مِنْ تصانيفه، واستملى عليه مِنْ أوائل سنة سبع وعشرين إلى أن مات هو، وكار يراجعُه فيما يقرأه على الشُّيوخ أو يسمعه. قال شيخُنا قديمًا: وهو أمثل مِنْ تخرَّج على طريقة طلبة الحديث. 160 - زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا، الشَّيخ العلامة زين الدين الأنصاري السُّنبكي، ثم الأزهري. قرأ عليه "بلوغ المرام" مِنْ تصنيفه، وأخذ عنه "شرح النخبة"، والكثير مِنْ "شرح الألفية"، ومن "ابن الصلاح"، وسمعنا بقراءته عليه "السيرة النبوية" لابن سيد النَّاس، ومعظم "ابن ماجه"، وذلك مِنْ أوله إلى قوله في أواخر الدَّعوات: كما يدعو به الرَّجل إذا خرج مِنْ بيته". وتوفي شيخُنا قبل إكماله. وقد صار في سنة ست وثمانين قاضي الشافعية بالدِّيار المصرية. كان اللَّه له. 161 - سُرور بن عبد اللَّه بن سُرور، أبو الفرج بن أبي محمد القرشي القسنطيني التونسي السكندري. سمع منه "المسلسل" و"الإملاء". 162 - سعد بن محمد، قاضي القضاة وحافظ المذهب سعد الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين ابن الديري الحنفي. حضر عنده في ختومه غير مرَّة، لكن لا يقصد الرواية، وإنما أثبته تبركًا. ¬

_ 157 - الضوء اللامع 3/ 225، وسمى جده "الحسين" بدل "الحسن". 158 - الضوء اللامع 3/ 225. 159 - الضوء اللامع 3/ 226 - 229. 160 - الضوء اللامع 3/ 234 - 238. 160 - الضوء اللامع 3/ 245. 161 - الضوء اللامع 3/ 249 - 253.

163 - سعيد بن علي بن عبد الكريم الجزائري المغربي المالكي. أحد كُتّاب الشيوخ. 164 - سليمان بن إبراهيم بن عمر، النَّفيس التَّعزي العلوي، محدث اليمن. قرأ عليه "مشيخة الفخر" و"ذيلها"، وانتهت في يوم الفطر مِنْ سنة ثماني مائة في النَّخل، قريبًا مِنْ دار السلطان الأشرف مِنْ اليمن، وأخبره بها عن الشيخة الصالحة زينب ابنة علي بن العصيدة إجازة، عن ابن البخاري إجازة عامة، وصحَّح شيخُنا على الطَّبقة بقوله: صحيح ذلك، نفع اللَّه به، ووصل أسبابَ الخيرات بسببه. قال: وله أن يروَيها عن ابن أُميلة بالإجازة العامة كما أرويها، فكلانا على مقتضى العمل بها دخل فيها، واللَّه المستعان. وقرأ العلوي عليه قبل ذلك "المائة العشارية" تخريجه للتَّنوخي في شعبان سنة ثمان مائة، وحمل شيخنا عنه جزءًا خرجه لنفسه، زعم أنَّه مسلسل باليمنيين، ليس الأمر كذلك في غالبه. 165 - سليمان بن عمر بن محمد علم الدين الحوفي، نزيل سعيد السعداء. 166 - سهل بن إبراهيم بن أبي اليُسر، العلامة أبو الحسن الغِرناطي، حضر عنده في إملاء "شرح البخاري"، وبحث في مواضع لطيفة. 167 - سودون -ولم ينسب- حضر عنده الإملاء سنة عشر بالشيخونية. 168 - شعبان بن محمد بن محمد بن حجر، ابن عم صاحبُ التَّرجمة. كان أحد الطلبة العشرة الجمالية. ¬

_ 163 - الضوء اللامع 3/ 255. 164 - الضوء اللامع 3/ 259 - 260. 165 - الضوء اللامع 3/ 267 - 268. 166 - الضوء اللامع 3/ 273 - 274. 167 - الضوء اللامع 3/ 287. 168 - الضوء اللامع 3/ 304 - 305.

169 - شعبان بن محمد الآثاري. وصف صاحبُ التَّرجمة -فيما قرأته بخطه- بسيدنا وشيخنا وبركتنا. 170 - صالح بن عمر بن رسلان، قاضي القضاة، علم الدين أبو البقاء البلقيني. قرأ عليه في "محاسن الاصطلاح" كما سمعته ممَّن أثق به، بل قرأتُه في ترجمته مِنْ "رفع الأصر" لصاحب التَّرجمة بخطه، حيث قال ما نصُّه: وكان قد قرأ على العراقي الذي سعى عليه حتَّى انفصل مِنْ المنصب بغير جنايةٍ قليلًا، وكذلك قرأ عليَّ في "محاسن الاصطلاح" لوالده، ثم جازاني بأن وقف على "معجم شيوخي"، فرأى فيه تراجم استنكر منها بعض وصف مَنْ ذُكِرَ فيه، كوالده، إلى آخر كلامه الذي أخلى لتكملته بياضًا. واتفق أن القاضي اجتمع هو وسيِّدي علي حفيد الولي العراقي في بعض الأماكن، فقال القاضي للحفيد: بلغني أنك تقرأ على ابن حجر، فكيف حاله في تقريره؟ فقال له مشيرًا لقراءته عليه: أنتم أخبر بذلك، فتأثر مِنْ جوابه، فإنّه لم يكن يعترف بذلك، وإن ذكره، فيقول: كلٌّ منا أخذَ عن الآخر. 171 - صالح بن محمد بن موسى، الشَّيخ مجد الدين أبو محمد الزَّواوي القاهري المالكي. حضر عنده "الإملاء" وغيرها. 172 - عبد الأول بن محمد بن إبراهيم، الشَّيخ سديد الدين، أبو الوقت المرشدي المكي الحنفي، ابن عم عبد الغني الآتي. قرأ عليه معظم "البخاري"، وكتب عنه مِنْ "أماليه"، وحضر دروسه، وكان يميل إليه ويباحثه كثيرًا، ووصفه بالفاضل الباهر الأوحد، مفيد ¬

_ 169 - الضوء اللامع 3/ 301 - 303. 170 - الضوء اللامع 3/ 312 - 314. 171 - الضوء اللامع 3/ 315 - 317. 172 - الضوء اللامع 4/ 21 - 23. وما بين حاصرتين مِنْ هذه التَّرجمة لم يرد في (ب، ط).

الطالبين، فخر المدرِّسين، ابن الإمام العلامة جمال الدين، مفتي المسلمين، رأس المحدِّثين واللغويين، أمده اللَّه تعالى بمعونته، وأيَّده بروحٍ منه، وسلَّمه حضرًا وسفرًا، وجمع له الخيرات زُمَرًا. وأذن له في إفادة ما ألَّفه وأنشأه لمن أراد منه الإفادة، جمع اللَّهُ له أسبابَ الحسنى وزيادة. [وسمع عليه بمنى قديمًا سنة أربع وعشرين وثماني مائة "المتباينات" و"تخريج الأربعين النووية"، وغيرهما مِنْ تصانيفه]. 173 - عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن محمود، المقدسي الأصل، الدمشقي الهمامي، نسبةً إلى الكمال ابن الهمام الحنفي، الزين أبو الفضل، نزيل مكَّة. أخذ عنه "شرح النخبة" وغيره، وأذن له تبعًا لابن الدِّيري، وكان قد عَرضَ عليه محافيظَه، وهي اثنا عشر كتابًا، ووصفه صدر الإجازة بالفاضل الكامل الزَّكيِّ الذَّكيِّ الحُفَظَةِ المدرة، الأوحد البارع الفارع، الباهر الماهر. 174 - عبد الرحمان بن أحمد بن إسماعيل، صاحبنا الشَّيخ تقي الدين أبو الفضل القلقشندي. قرأ على صاحبُ التَّرجمة جملةً مِنْ تصانيفه وغيرها، ولازمه، وفهرَسَ له صاحبُ التَّرجمة "الأربعين المتباينة" مِنْ جمعه، ووصفه عليها -بعناية الفاضل تغري برمش- بالمحدث الفاضل المفنَّن الكامل، الأوحد في الفضائل المستوجبة للفواضل، الحافظ البارع فلان، كثَّر اللَّه فوائده. ثم وصفه على "مناقب الشَّافعي"، حيث قرأها على مصنِّفها صاحبُ التَّرجمة بما نصُّه: الأصيل المحدِّث، الفاضل البارع الكامل النَّبيل الأوحد الحافظ. ثم كتبَ له بعدَ ذلك على "شرح النخبة" -وقد قرأه عليه قراءة شبيهة ¬

_ 173 - الضوء اللامع 4/ 44 - 45. 174 - الضوء اللامع 4/ 46 - 48.

بالرواية- ما نصُّه: قرأه صاحبه المحدِّث الفاضل الأوحد، البارع المفنَّن، جمال المدرسين، مفيد الطالبين، الحافظ فلان، قراءةً حررها وأجاد، وقرَّرها فأفاد كما استفاد، وقد أذِنْتُ له أن يرويها عني ويفيدها لمن التمس منه رواية تسميعها كما سمعها منّي، ولمن أراد منه تقريب معانيها مِمَّن يُعانيها، يوضِّحُها حتَّى يدري مَنْ لم يطَّلع على مرادي ما الذي أعني. 175 - عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن، الشَّيخ العالم جلال الدين أبو المعالي القُمُّصِي. لازمه مدة طويلة، وكتب عنه مِنْ تصانيفه وأماليه، وقرأ عليه "الأربعين المتباينة"، وما فاته كتابته في الإملاء مِنْ "عشاريات الصحابة"، وكان أحد العشرة المقررين عنده بالجمالية، وحضر دُروسه الحديثيّة والفقهية، وسمع بقراعة صاحبُ التَّرجمة على بعض المسنِدين مِنْ شيوخه. واتّفق جلوسُه عنده في بعض الأوقات في جهة، وجلس مقابله مِنَ الجهة الآخرى أعجميٌّ، وأظنُّه الشَّمس محمد بن بدل الآتي، وكلُّ منهما يحفظ "المصابيح"، فقال صاحبُ التَّرجمة: اجتماعُ عربيِّ وعجميٍّ متقابلين يحفظان كتابًا قلَّ مَنْ يَحفظُهُ عجيبٌ! ووصفه بخطه: بالشَّيخ الفقيه الفاضل البارع الأصيل ولقَّبه جلال الدين، وربما لقَّبه زين الدين، ونسبَه في كثيرِ مِنَ الأماكن بالمهدوي. قلت: وهي نسبة لجد أمِّه الشَّيخ زين الدين عبد الرحمن المهدوي المغربي، كان مِنْ كبار الصالحين. ووصفَ والده بالشَّيخ الإمام العلامة، مفتي المسلمين، مفيد الطَّالبين، شهاب الدين. ¬

_ 175 - الضوء اللامع 4/ 50 - 52.

176 - عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الجلال الوجيزي. كان أحد العشرة بالجمالية، وهو الذي ضبط أسماءَ الجماعة الذين سمعُوا مِنْ لفظه "البخاري" بالبيبرسيَّة في سنة ست عشرة. 177 - عبد الرحمن بن أبي بكر بن علي، الزين الشَّاوي الدمشقي. 178 - عبد الرحمن بن أبي السرور بن عبد الرحمن الحَسَني الفاسي المكي. سمع عليه بمنى "المتباينات"، و"تخريج الأربعين النووية"، وغيرهما، مع قريبه التَّقيِّ الفاسي الآتي. 179 - عبد الرحمن بن حسين بن إبراهيم بن حسين بن إبراهيم العباسي الكردي. 180 - عبد الرحمن بن خليل القابوني، إمام جامع بني أمية بدمشق. سمع عليه بها. 181 - عبد الرحمن بن رضوان بن محمد بن يوسف، جلال الدين أبو المفاخر، ابن شيخنا الزين أبي النَّعيم العقبي، ثم القاهري الشَّافعي. سمع عليه الكثير، بل قرأ عليه مِنْ حفظه "بلوغ المرام"، ثم عرض له اختلالٌ حتَّى مات. 182 - عبد الرحمن بن سليمان بن داود، الشَّيخ، زين الدين المنهلي، ثم ¬

_ 176 - الضوء اللامع 4/ 55 - 56. 177 - الضوء اللامع 4/ 65. 178 - الضوء اللامع 4/ 79، وقال المصنف في هذا الموضع: يأتي في: ابن محمد بن عبد الرحمن. قلت: هو بهذا الاسم في الضوء 4/ 133 - 135، وسيكرره المؤلف في هذا الكتاب برقم 192. وقد سقطت هذه التَّرجمة في الموضعين مِنْ (ب، ط). 179 - الضوء اللامع 4/ 74 - 75. وما بين حاصرتين ضرب عليه في (ط)، وقد أضيف في هامش (ب) بخط المصنف وصحح عليه. 180 - الضوء اللامع 4/ 76. 181 - الضوء اللامع 4/ 78 - 79. 182 - الضوء اللامع 4/ 80 - 82.

القاهري الشافعي. أخذ عنه دروسًا في الاصطلاح وغيرها. 183 - عبد الرحمان بن سليمان الحنبلي، عرف بأبي شعرة. سمع منه بدمشق. 184 - عبد الرحمن بن عبد الكريم بن عبد الرحمان بن محمد بن أحمد النابلسي الشَّافعي، عرف بابن مكية. قرأ عليه الكثير مِنْ "البخاري" وسمع عليه في مقدمة "شرحه" وغيرها، وولدُه الفاضل شهاب الدين أحمد أحد مِنْ أخذ عني. 185 - عبد الرحمان بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر البُلقيني، جلال الدين ابن القاضي علاء الدين ابن الشَّيخ تاج الدين ابن شيخ الإسلام جلال الدين. 186 - عبد الرحمن بن عنبر بن علي، الشَّيخ زين الدين البُوتيجي الفرضي نزيل الفاضلية. 187 - عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم المرشدي المكي، أخو عبد الأول الماضي قريبًا سمع عليه بمنى في سنة أربع وعشرين "المتباينات" و"تخريج الأربعين النووية" وغيرهما مِنْ تصانيفه. 188 - عبد الرحمان بن محمد بن أحمد، الشَّيخ جلال الدين ابن الأمانة الأبياري القاهري. أخذ عنه روايةً ودرايةً جملةً، مِنْ ذلك "شرح النخبة"، وأذن له في إقرائه، ووصفه بالشَّيخ الإمام الأوحد العالم. 189 - عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل، الشَّيخ زين الدين الكركي ¬

_ 183 - الضوء اللامع 4/ 82. 184 - الضوء اللامع 4/ 86 - 87. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 185 - الضوء اللامع 4/ 102 - 103. 186 - الضوء اللامع 4/ 115 - 117. 187 - الضوء اللامع 4/ 119. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب ط). 188 - الضوء اللامع 4/ 120 - 121. 189 - الضوء اللامع 4/ 124.

القاهري الحنفي، رئيس المؤقتين بالجامع الطُّولوني وغيره، ووالد برهان الدين إبراهيم الإمام. سمع عليه "الصحيح". 190 - عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان، أبو الفضل السَّخاوي، الوالد. سمع على كثيرًا. 191 - عبد الرحمن بن محمد بن حجي الشّنتاوي الأزهري الشَّافعي. 192 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن. هو ابن أبي السرور الماضي، فأبو السرور اسمه محمد العدناني التونسي ابن البِرِشْكِي، قاضي ركب المغاربة في سنة خمس وعشرين وثمانمائة. لازمه وسمع مِنْ لفظه في "البخاري". 193 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمان، المحدث زين الدين وجلال الدين أبو زيد بن أبي عبد اللَّه، ابن قاضي الجماعة أبي زيد. 194 - عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى، الشَّيخ زين الدين السَّندبيسي، أحد كُتَّاب "الشرح". لازمه كثيرًا في "الأمالي" وغيرها. 195 - عبد الرحمن الشَّيخ زين الدين الحِصنكيفي سمع مِنْ لفظه في "البخاري". 196 - عبد الرحيم بن إبراهيم بن حجَّاج، الشَّيخ زين الدين، ابن العلَّامة برهان الدين الأبناسي القاهري. قرأ عليه بعض "شرح الألفية"، وسمع عليه كثيرًا في "البخاري" و"علوم الحديث" وغير ذلك. ¬

_ 190 - الضوء اللامع 4/ 124. 191 - الضوء اللامع 4/ 127 - 128. 192 - الضوء اللامع 4/ 133 - 134، وتقدم برقم 178. 193 - الضوء اللامع 4/ 132 - 133. 194 - الضوء اللامع 4/ 150 - 152. 195 - الضوء اللامع 4/ 163. 196 - الضوء اللامع 4/ 164 - 166.

197 - عبد الرحيم بن أحمد بن يعقوب الأزهري، سبط شيخ الإسلام الزين العراقي. 198 - عبد الرحيم بن أبي الحسن علي، الشَّيخ زين الدين سبط العلامة شمس الدين بن النقاش. قرأ عليه في "البخاري"، وقال: نفع اللَّه به. 199 - عبد الرحيم بن محمد بن محمد بن أحمد، الشَّيخ تقي الدين أبو الفضل ابن الشَّيخ محب الدين ابن الأوجاقي الشَّافعي. قرأ عليه في "شرح ألفية العراقي"، وسمع عليه مِنْ تصانيفه وغيرها أشياء. 200 - عبد الرزاق بن محمد بن يوسف ابن المصري الخليلي. قرأ عليه "شرح النخبة" وغيرها. 201 - عبد الرزاق بن محمد، الزين أبو الصفاء الطرابُلسي الحنفي، نزيل الأشرفية. قرأ عليه في سنة اثنتين وأربعين في "البخاري"، ووصفه بالبارع الباهر الفاضل الأوحد المفنَّن، وقال: إن قراءته قراءة فصيحة محققة مطربة، وسأل اللَّه أن يُديم النَّفعَ بصاحب لهذه الإجازة، وأن يُسبغَ عليه النِّعمةَ الوافرة بالبساطة والوجازة. 202 - عبدالسلام بن أحمد بن عبد المنعم البغدادي قرأ عليه "البخاري" و"علوم الحديث" وغير ذلك، ولازمه، وكان أحدَ الطَّلبة العشرة بالجمالية، بل كان يقول: ما أخذتُ بالقاهرة درايةً عن ¬

_ 197 - الضوء اللامع 4/ 169. 198 - الضوء اللامع 4/ 182 - 183. وفي النسختين (أ، ب) بياض بعد "علي"، وسماه المصنف في "الضوء": عبد الرحيم بن علي بن أحمد بن عثمان. 199 - الضوء اللامع 4/ 188 - 189. 200 - الضوء اللامع 4/ 196. 201 - الضوء اللامع 4/ 196، وقال: في ابن حمزة، وقد ترجمه المصنف باسم عبد الرزاق بن حمزة في الضوء 4/ 193، ونقل عن شيخه الحافظ ابن حجر أنَّه سمى والده محمدًا. قال: والصواب ما تقدم؛ أي: ابن حمزة. 202 - الضوء اللامع 4/ 198 - 203.

غيره وغير الشَّيخ ولي الدين العراقي. ورأيت بخطِّ صاحبُ التَّرجمة نُسخة تصنيفه "النخبة" كتبها برسمه، قال في آخرها ما صورته: علَّقها مختصرها تذكرة للعلَّامة مجد الدين بن عبد السلام نفع اللَّه به، آمين. وتمت في صبيحة الأربعاء ثاني عشر شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة. وقال في أوَّلها ما نصه: رواية صاحبها العلامة الأوحد المفنن مجد الدين عبد السلام البغدادي، وكتب له عليها أنَّه قرأها قراءة بحث واتقان، وتقرير وبيان، فأفاد أضعافَ ما استفاد، وحقَّق ودقَّق ما أراد، وبنى بيتَ المجد لفكره الصَّحيح وأشاد. ثمَّ قال: وأذِنْتُ له أن يقرئها لمن يرَى، ويرويها لمن درى، واللَّه يسَلِّمه حضرًا وسفرًا، ويجمع له الخيرات زمرًا. 203 - عبد السلام بن داود بن عثمان القدسي، العلامة عزّ الدين، شيخ الصلاحية. 204 - عبد الظاهر بن أحمد بن عبد الظاهر الداودي، نسبة لسيدي داود العزب التَّفهني. 205 - عبد العزيز بن أحمد بن محمد، الشَّيخ عز الدين الفيومي، فقيه بني ابن ابن الكُويز. 206 - عبد العزيز بن عبد اللَّه بن إبراهيم التَّقَوِي. 207 - عبد العزيز بن عبد الرحمن بن إبراهيم، عز الدين بن أبي جرادة الحلبي الحنفي، ابن العديم. ¬

_ 203 - الضوء اللامع 4/ 203 - 206. 204 - الضوء اللامع 4/ 211. 205 - الضوء اللامع 4/ 215 - 216. 206 - الضوء اللامع 4/ 220. 207 - الضوء اللامع 4/ 218 - 219.

208 - عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز، الشَّيخ عز الدين ابن القاضي بهاء الدين ابن عز الدين البُلقيني. 209 - عبد العزيز بن يوسف بن عبد الغفار السُّنباطي، الشَّيخ عز الدين. أحد القدماء مِنْ جماعة صاحبُ التَّرجمة، ممن كان يجله ويُكرمه، ووصفه بالعلَّامة. 210 - عبد الغني بن إبراهيم بن أحمد البرماوي. سمع عليه مع أخيه شيئًا مِنْ تصانيفه. 211 - عبد الغني بن أحمد بن محمد السِّكندري، ثم القاهري الأمشاطي. قرأ عليه يسيرًا، وسمع عليه أشياء. 212 - عبد الغني بن علي بن حسن النَّبراوي، ثم القاهري الصحراوي، إمام التُّربة الأشرفية برسباي، وأحد أصحاب الشَّيخ ناصر الدين الطبناوي، وسمع عليه "البخاري" -إلَّا اليسير- بقراءة نور الدين الطبناوي الآتي. 213 - عبد الغني بن عبد الواحد بن إبراهيم، الشَّيخ نسيم الدين المكي المرشدي الحنفي. كتب عنه الكثير، وأول مجلس سمعه عليه مِنْ "الأمالي" في ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاثين (¬1). وكتب له صاحبُ التَّرجمة في السنة المذكورة على نسخته مِنْ "أطراف ¬

_ 208 - الضوء اللامع 4/ 228. 209 - الضوء اللامع 4/ 237 - 239. 210 - الضوء اللامع 4/ 244 - 245. 211 - الضوء اللامع 4/ 247. 212 - الضوء اللامع 4/ 253. 213 - الضوء اللامع 4/ 251 - 253. (¬1) قال المصنف في الضوء 4/ 252: قرأ على شيخنا في سنة أربع وعشرين بمكة جزءًا مِنْ تخريجه.

المسند الحنبلي" مِنْ تصانيفه: أما بعد، فقد قرأ عليَّ الفاضل البارع، الأصيل الباهر الماهر المحدث المفيد، جمال الطَّلبة، رأس المهرة، مفخر الحُفَّاظ، تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن الشَّيخ الإمام العلَّامة، جامع أشتات الفضائل، ذي الفنون المتكاثرة والأفنان المثمرة، جلال الدين عبد الواحد المرشدي المكي الحنفي، جميع هذه "الأطراف" التي لخَّصتُها مِنْ "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، واستعنت في كثير منها بما رتَّبه الحافظ أبو بكر بن المحب، مع مزيد تحرير ومراجعة لجزء الحافظ أبي القاسم بن عساكر في التَّرتيب أيضًا، قراءةً حسنةً فصيحةً متقنة، يظهر في غضونها ما يشهد له بحُسن الاستحضار، ويتبيَّن في أثنائها ما يثبت له في هذا الشأن مزيد الإكثار، وقد أذِنْتُ له أن يحدِّثَ بهذا الكتاب عني وبجميع "المسند" بإسنادي فيه، وهو مذكورٌ في الخُطبة، وأن يروي عنِّي ما يجوزُ عني روايتُه مِنْ مسموع ومُجاز ومجموع، على اختلاف فُنونها وشهادة دواوينها. وقد لازمني مدة رحلته في سنة تاريخه في مجالس الحديث ودروسه ومجالس الإملاء، وتحرير "شرح البخاري" ما هو في كلِّ ذلك يفيدُ فيجيد، ويستشكل، بحيث بهرتِ الجماعة فضائلُه، وشهدت بحقِّ الإجادة في الفن دلائله. وقد أذِنْتُ له أن يُفيد في علوم الحديث كلِّها مَنْ رام ذلك منه، ويقرئها ويقرِّرها لمن يلتمس الأخذ عنه، واللَّه تعالى أسأل أن يسلمه سفرًا وحضرًا، ويجمع له الخيراتِ زُمَرًا، إنه سميع مجيب. وبلغني عن شيخنا أنَّه قال بعد موته: كنتُ أرجو أن يكونَ خلفًا ببلد الحجاز عن القاضي تقيّ الدين الفاسي، رحمهم اللَّه. وكان نسيمُ الدين المذكور يقول في سنة اثنتين وثلاثين عن صاحبُ التَّرجمة: أرجو أن يعمَّر، لأنَّ عادة اللَّه عز وجل في خلقه أن تكون هذه السُّنَة النَّبويَّة محفوظةً بمن يذُبُّ عنها، ونحن لم نُشاهد إلى الآن مِنْ بَرَعَ في هذا الشأن ممَّن يخلُفُه فيه.

وامتنع نسيم الدين في مدة إقامته مِنَ الاجتماع بالعَلَم البُلقيني، مع ما لَهُ تحتَ نظره في أوقاف الحرمين، وقال: أنا لم أهاجر مِنْ مكَّة لمصر إلَّا للأخذ عن صاحبُ التَّرجمة، فلا أجتمع بمن يُعاديه. ونحوه صنيعُ التاج الغرابيلي، فإنَّه لم يجتمع بالعَلَم المذكور، رحمة اللَّه عليهم. 214 - عبد الغني بن علي بن عبد الحميد، القاضي تقي الدين المنوفي، ويقال له: ابن الشوَّا. كتب مِنْ تصانيفه "وأماليه"، وسمع عليه الكثير، ووصفه على "بذل الماعون" منها بالشيخ الإمام الفاضل الأوحد، مفيد الطالبين حفظه اللَّه. وأرخ ذلك في سنة أربع وثلاثين. 215 - عبد الغني بن محمد بن أحمد، الشَّيخ زين الدين القمني. كتب "الشرح" و"الأمالي"، ولازم. 216 - عبد الغني بن محمد بن عمر الأشليمي، ثم الأزهري. 217 - عبد القادر بن أبي بكر بن علي البكري البلبيسي الحنبلي، كاتب العليق، وأخو النُّوري علي، الذي كتبت عنه. كتب عنه مجالس مِنْ "الإملاء" قديمًا. 218 - عبد القادر بن عبد الرحمن بن عبد الغني بن الجيعان، ابن عم يحيى الآتي. 219 - عبد القادر بن النجم عبد الرحمن بن عبد الوارث، الشَّيخ محيي الدين ¬

_ 214 - الضوء اللامع 4/ 253 - 254. 215 - الضوء اللامع 4/ 254 - 255. 216 - الضوء اللامع 4/ 257. 217 - الضوء اللامع 4/ 265. 218 - الضوء اللامع 4/ 269. 219 - الضوء اللامع 4/ 269 - 270.

البكري المصري المالكي، قاضي المالكية بدمشق. قرأ عليه "البخاري" وغيره. 220 - عبد القادر بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي، أخو جامِعِه. 221 - عبد القادر بن عمر بن حسين بن علي الزِّفتاوي، ثم القاهري، محيى الدِّين، الشَّيخ سراج الدين. عرض عليه "العمدة" وغيرها، وأجاز له، ولم أثبت ممن عرض عليه قط غيره؛ لاعتنائه بالطلب للرواية وقتًا، وميله لذلك. 222 - عبد القادر بن عمر بن عيسى الوروري الأزهري، ابن الإمام سراج الدين. قرأ عليه في "الألفية". 223 - عبد القادر بن أبي القاسم بن أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري، قاضي المالكية بمكة المشرفة، وشيخ النَّحو بها. 224 - عبد القادر بن محمد بن محمد بن علي، الشَّيخ محيي الدين الطُّوخي. أخذ عنه "شرح النخبة"، والكثير مِنْ "شرح الألفية"، وكتب عنه قطعة مِنْ آخر "فتح الباري" مع الجماعة، ووصفه قديمًا بالعلَّامة المفنَّن. 225 - عبد القادر بن محمد بن همام، محيي الدين الصُّوفي الحنفي. قرأ عليه في "البخاري". 226 - عبد القادر بن مصطفى الحلبي القاهري. ¬

_ 220 - الضوء اللامع 4/ 270 - 271. 221 - الضوء اللامع 4/ 281 - 282. 222 - الضوء اللامع 4/ 282. 223 - الضوء اللامع 4/ 283 - 285. 224 - الضوء اللامع 4/ 292 - 294. 225 - الضوء اللامع 4/ 297 - 298. 226 - الضوء اللامع 4/ 298 - 299.

227 - عبد الكريم بن إبراهيم بن أحمد الجبرتي، الماضي أبوه. 228 - عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الغني بن الجيعان، آخر عبد القادر المذكور قريبًا. 229 - عبد الكريم بن عبد الرحمن بن محمد القلقشندي المقدسي. راسله صاحبُ التَّرجمة بالإذن في الإقراء، ووصفه مرَّة بالمحدث الأصيل الفاضل [البارع، مفيد الطالبين، أوحد المدرسين، ابن الأصيل الفاضل] (¬1) الكامل زين الدين. وكتب له مرَّة صدر أجوبة عن مسائل له ما نصه: وقف الفقير أحمد بن علي الشَّافعي على هذه الأسئلة المنارة، والنجوم المدوَّنة السيارة، فوجدها ناطقة بلسان حالها، لتقدُّم منتقيها في العلوم، وتحقُّقهِ بالتَّدقيق والتحقيق في فنَّي المنطوق والمفهوم. ثم ذكر الأجوبة، وختمها بقوله: ولما تناهى النَّظر في هذه الفوائد المونقة، والعيون المغدقة، والغُصون المورقة، كففتُ لسان القلم، وقلت مظهرًا للتقصير: بعض الصَّلوات إلى النِّصف يقصر، والساعي في استيعاب الأجوبة عن هذه المسائل المستغربة يتعب ويخسر، فالوقوف هنا أبلغ في العذر، ومن يخشى التَّقصير أقصر، وقد استدللت بهذه الخبَايا التي أثيرت مِنَ الزوايا على مزيد التَّقدُّم لكاتبها وثبوت المزايا، فحقَّ له أن يُقْدِمَ على التَّدريس، ويهجُم على الفتوى، لوجود تأهُّلِه لذلك، وتمسُّكه مِنْ كل منهما بالسَّبب الأقوى، وقد أذِنْتُ له أن يُفتي ممَّا علمه مِنْ مذهب الشَّافعي بالرَّاجح عند الأصحاب، وأن يقرِّرَ شروح مختصرات المذهب لكل مِنْ ينتابه مِنْ الطلاب، فقد تأهَّب للتعقّب على أصحاب المطوَّلات، والتَّنقيب على ما أغفله مِنْ ¬

_ 227 - الضوء اللامع 4/ 306. وتقدم ذكر أبيه برقم 3. 228 - الضوء اللامع 4/ 391. 229 - الضوء اللامع 4/ 311 - 312. (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ط)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح).

التَّقييدات المختصرات. وكيف لا، وهو مِنَ البيت الذي اشتهرت بالعلوم الشرعية جهاتُه، وظهرت للصادر والوارد سمُّوه في درج الفضل وكمالاتُه، فلا بِلْحَ أن يشابه أبهُ وجدَّهُ، أسعد اللَّه جِدَّه وجدَّد سعده، وأمدَّه بمديد العمر والبركة في الرِّزق حتَّى يخلد في الطُّروس ما يحيا به ما درس مِنْ فوائد الدُّروس بعده، آمين آمين. وأرخ ذلك في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة. 230 - عبد اللطيف بن أحمد بن علي، [النجم ابن أبي السُّرور] (¬1) الفاسي، ابن عم التَّقي محمد الآتي. سمع عليه "النخبة" سنة خمس عشرة وثمانمائة، وقرأ عليه القطعة التي بيضها مِنْ "نكتة" على ابن الصلاح. 231 - عبد اللطيف بن إقبال الحريري الحنفي، الصُّوفي بالأشرفية، وأحد قراء الصُّفَّة بها. 232 - عبد اللطيف بن أبي بكر الشَّرْجي، الماضي ولده. سمع عليه شيئًا مِنْ الحديث. 233 - عبد اللطيف بن علي بن أحمد كمال الدين الحسني القاهري الموقِّع (¬2)، الشهير بابن أخي المحروق. 234 - عبد اللَّه بن خلف بن محمد، الشَّيخ جمال الدين النابتي، أحد مَنْ حضر "أمالي" الولي العراقي، سمع عنده أيضًا في "الأمالي" القديمة. ¬

_ 230 - الضوء اللامع 4/ 322 - 323 (¬1) ما بين حاصرتين سقط مِنْ (ح). 231 - الضوء اللامع 4/ 312. 232 - الضوء اللامع 4/ 325. 233 - الضوء اللامع 1/ 334. (¬2) في (أ): "الموقت"، تحريف. وقال المصنف في ترجمته مِنْ الضوء: كب التوقيع، واقتصر عليه بأخرة. 234 - الضوء اللامع 5/ 17 - 18.

235 - عبد اللَّه بن عبد اللطيف، الشَّيخ محب الدين ابن الإمام المحلِّي القاهري. 236 - عبد اللَّه بن محمد بن خضر، الشَّيخ جمال الدين الكوراني القاهري الشافعي. 237 - عبد اللَّه بن محمد بن عبد اللَّه بن يوسف، الشَّيخ جمال الدين ابن شيخه المحب ابن هشام الحنبلي. 238 - عبد اللَّه بن محمد بن محمد بن محمد، القاضي تاج الدين الميموني الشَّافعي. كان يقرأ عليه بجامع طولون في "الشِّفا" مِنْ حفظه، وكان يرجِّح الشمس محمد الشَّبراوي -الذي أرَّخه في سنة أربع عشرة- في حفظه له عليه، ويقول عن هذا: إنه لو قرأ مِنْ كتابه كان أولى. 239 - عبد اللَّه الرُّومي، المقيم بالخانقاه البيبرسية. أثبت صاحبُ التَّرجمة اسمه في "الأمالي" القديمة، ووصفه بالشيخ. 240 - عبد الملك بن عبد اللطيف بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب مجد الدين ابن تاج الدين ابن الجيعان، ابن عم عبيد الآتي. أخذ عن صاحبُ التَّرجمة "المقامات الحريرية"، ولما مر فيها: عليك بالصِّدقِ ولو أنَّه ... أحرقك الصِّدْقُ بنار الوعيدْ وابغِ رضا المولى فأعبى الورى ... مِنْ أسخط المولى وأرضى العبيدْ قال صاحبُ التَّرجمة: لو قال بنار السَّعير، كيف كان البيت الثاني؟ فقال المجد بديهة: ¬

_ 235 - الضوء اللامع 5/ 27 - 28. 236 - الضوء اللامع 5/ 48 - 49. 237 - الضوء اللامع 5/ 56 - 57. 238 - الضوء اللامع 5/ 65. 239 - الضوء اللامع 5/ 76. 240 - الضوء اللامع 5/ 85.

وابغ رضا المولى فأذكى الورى ... مَنْ أسخطَ العبدَ وأرضى الأميرْ 241 - عبد المنعم بن محمود بن علي المليجي. 242 - عبد الهادي بن عبد الرحمن السِّكندري. 243 - عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد، الشَّيخ جلال الدين المرشدي، والد عبد الغني المذكور قريبًا. سمع عليه "النخبة" في سنة خمس عشرة، وقرأ عليه بعض "تغليق التعليق" قبل ذلك في سنة ثمان وثماني مائة، وحضر عده في "الأمالي" وغيرها، وتقدم في ولده وصف صاحبُ التَّرجمة له. 244 - عبد الوهاب بن عبيد اللَّه بن محمد بن أحمد، تاج الدين السَّجيني الأزهري الشَّافعي، أخو أحمد الماضي. 245 - عبد الوهاب بن علي بن حسن بن المكين النُّطُوبَسِي (¬1)، ثم القاهري المالكي المقرىء، نزيل الظاهرية القديمة، وشيخ المحدِّثين والقراء بها، ويعرف بالتَّاج السكندري. سمعنا بقراءته عليه "الشاطبية" -وما سمعت أفصح منه فيها- في مجلس واحد عن ظهر قلب، وسكت ليتنفس، فبادر بعض الحاضرين، وفتح عليه؛ ظنًا منه أنَّه غلط، وليس كذلك. 246 - عبد الوهاب بن عمر بن الحسين، الشريف تاج الدين الحُسيني الدِّمشقي، قاضيها. ¬

_ 241 - الضوء اللامع 5/ 89. 242 - الضوء اللامع 5/ 91. 243 - الضوء اللامع 5/ 93 - 94. 244 - الضوء اللامع 5/ 103 - 104. 245 - الضوء اللامع 5/ 104 - 106. (¬1) في (ح): البُطومَسي، وقد أورده المصنف هكذا في الكنى مِنْ الضوء اللامع 11/ 191، فقال: "أو بالنون"، يعني كما أثبتناه هنا، وهو كذلك في ترجمته المشار إليها مِنْ الضوء اللامع. 246 - الضوء اللامع 5/ 106.

247 - عبد الوهاب بن محمد بن حسن الحلبي (¬1) الشَّافعي. ممن أخذ عنه، وكان حيًا في سنة ثمان وخمسين. 248 - عبد الوهاب بن محمد بن عمر، تاج الدين الفيُّومي ثم القاهري الواعظ. 249 - عُبيد اللَّه بن يوسف التبريزي. وصفه، حيث سمع عليه بقراءة الشَّيخ عبد السلام بقوله: ورفيقه الإمام العلامة الأوحد المحقق المفنَّن، برهان الدين ابن الإمام عز الدين سماعًا. 250 - عبيد -ويدعى عبد الغني- ابن كاتب الجيش فخر الدين ابن الجيعان. سمع منه بعض "الأمالي" القديمة في سنة ثلاث عشرة، ويشبه أن يكون هو تقي الدين عبد الوهاب ابن الفخر عبد الغني، ويكون كاتب الطبقة -وهو ابن درباس- وَهِمَ في قوله: ويدعى عبد الغني، فاللَّه أعلم. 251 - عثمان بن إبراهيم بن أحمد البرماوي، الإمام فخر الدين، والد صاحبنا شهاب الدين. قرأ عليه مقدمة "جزء سلوت" مِنْ تصنيفه في سنة أربع وثماني مائة. 252 - عثمان بن عبد اللَّه بن عثمان بن عفَّان بن موسى، الشَّيخ فخر الدين الحُسيني ثم المقسِّي القاضي، وهو منسوب لمُنية أبي الحسين. ¬

_ 247 - الضوء اللامع 5/ 107 - 108. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). (¬1) في الضوء: "الخليلى". 248 - الضوء اللامع 5/ 108 - 109. وهذه التَّرجمة ألحقها المصنف بخطه في هامش (ب)، ولم ترد في (أ، ط). 249 - الضوء اللامع 5/ 120 - 121. 250 - الضوء اللامع 4/ 248 و5/ 123. 251 - الضوء اللامع 5/ 123. 252 - الضوء اللامع 5/ 131 - 133.

253 - عثمان بن علي بن أحمد بن عبد اللَّه المنشاوي (¬1) المصري الشَّافعي القادري، عرف بابن زلقا، المزيِّن هو ووالده. قرأ عليه المجلس الأخير مِنْ كل مِنْ "مسلم" و"التِّرمذيُّ" و"النسائي"، وغير ذلك بجامع عمرو، وسمعت بقراءته أوَّلها، وكتب عنه في "الأمالي" يسيرًا. 254 - عثمان بن محمد بن عثمان، صاحبنا الشَّيخ فخر الدين أبو عمرو الدِّيمي الأزهري. قرأ عليه "مسند الشهاب" وغالب "السنن الصغرى" للنسائي، وانتهت قراءته فيه إلى قوله: (ما لا قطع فيه)، مِنْ أثناء كتاب قاطع السارق، مِنْ الجزء السادس والعشرين. قلت: وفي قطع القراءة عند هذا المحل اتِّفاقية عجيبة، كما في قراءة الشَّيخ زكريا في "ابن ماجه" عند قوله -كما سلف-: ما يدعو به الرجل إذا خرج مِنْ بيته. 255 - عطية بن أبي الخير محمد بن محمد بن فهد المكي، أخو التَّقي محمد الآتي. حضر عنده في "أماليه" بالقاهرة، وغير ذلك. 256 - علي بن إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن سعد بن سعيد، أبو مدين الرَّملي، ثم المقدسي الشَّافعي القادري. قرأ عليه "الأربعين المتباينة" وبعض "الصحيحين"، وغيرها في سنة خمس وثلاثين. 257 - علي بن إبراهيم بن علي، الشَّيخ موفق الدين الإبِّي، نزيل مكة. قرأ عليه بها تجاه الكعبة في أوائل ذي الحجة سنة خمس عشرة وثماني مائة "النخبة"، وطارحه كما تقدم. ¬

_ 253 - الضوء اللامع 5/ 133. وهذه التَّرجمة وردت مختصرة في (ط)، وكذلك في هامش (ب) بخط المصنف. (¬1) في (أ) "المناوي"، تحريف، والتصويب مِنْ "الضوء". 254 - الضوء اللامع 5/ 140 - 142. 255 - الضوء اللامع 5/ 148 - 149. 256 - الضوء اللامع 151 - 152. وسيكرره بكنيته ص 865. 257 - الضوء اللامع 5/ 153 - 155.

258 - علي بن إبراهيم بن علي، العلاء القضامي الحموي، قاضيها. كتب عنه مِنْ نظمه، وأكثر الثناء عليه، وسمع صاحبُ التَّرجمة مِنْ فوائده. وقال في ترجمته مِنْ "معجمه": أنشدني شمس الدين ابن المصري في سنة إحدى عشرة وثماني مائة، قال: أنشدني القاضي علاء الدين ابن القضامي، قال: أنشدني ابن حجر لنفسه مضمِّنًا، فذكر بيتين كان سمعهما منِّي في سنة ثلاث وثماني مائة، وحدَّث عني بهما بحماة. انتهى. 259 - علي بن أحمد بن إسماعيل، العلامة المحقق، علاء الدين أبو الفتوح القلقشندي القاهري. قرأ عليه "بذل الماعون" في مجالس، انتهاؤها في سابع جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين. وكتب له صاحبُ التَّرجمة ما نصُّه: بلغ الشَّيخ الفاضل الأوحد، مفيد الطالبين، صدر المدرسين، جمال الطائفة، علاء الدين القلقشندي، قراءة على جامعه، وتحرَّر معه الكتاب أصلًا وفرعًا، فصارت نسختُه هذه معتمدة، يرجع إليها ويُعَوَّلُ عند الاختلاف عليها. نفع اللَّه تعالى بذلك. وكذا قرأ عليه في تصنيفه "أسباب النزول" وسمع منه "رفع الستر عن حكم الصلاة بعد الوتر" في عصر يوم الأحد خامس عشري جمادى الأولى مِنْ السنة. ووصفه بالشَّيخ العلامة الفاضل الأوحد، البارع، صدر المدرِّسين، جمال الطائفة، عمدة المفيدين، أبي الحسن وأبي الفتوح، علاء الدين، ابن صاحبنا في اللَّه تعالى الشَّيخ قطب إلى مِنْ أدام اللَّه تعالى النَّفعَ به، وبلَّغه مِنْ خيري الدُّنيا والآخرة مُنتهى إربه، وأذنت له أعزه اللَّه تعالى. وشهد له شيخنا في ترجمة أبيه مِنْ "تاريخه" أنَّه أمثلُ بني أبيه طريقةً. ¬

_ 258 - الضوء اللامع 5/ 155 - 156. 259 - الضوء اللامع 5/ 161 - 163.

قلت: وقد رأيتُ أصلَ شيخنا علاء الدين المذكور بالكتابين المذكورين، وفي كل منهُما كشط في خطِّ صاحبُ التَّرجمة، يُوهم فاعله أنَّ القراءة والسَّماع لولده جمال الدين، ولزم مِنْ ذلك إصلاح التَّاريخ أيضًا، والمعتمد ما أثبتُّه، فلا يُغتَرُّ بخلافه. [وكان العلاءُ يحكي أنَّ شيخنا كان يلوِّحُ بأنْ يصنع معه ما كان العراقي يصنعُه مع الهيثمي، ويُظهر العلاء النَّدمَ على عدم الموافقة على ذلك] (¬1). 260 - علي بن أحمد بن خليل بن ناصر، الشهير بابن البصال. لازم مجلس "الإملاء" وغيره. 261 - علي بن أحمد بن علي بن خليفة (¬2) المنُوفي ثم القاهري الشَّافعي، عرف بأخي حُذيفة (¬3). 262 - علي بن أحمد بن علي بن محمد بن داود، نور الدين أبو الحسن البيضاوي المكِّي، عرف بالزَّمزمي. لقيه بمكَّة، فقرأ عليه "تخريج الأربعين النووية" مِنْ تصنيفه. 263 - علي بن أحمد بن علي الشوائطي، أخو محمد الآتي. 264 - علي بن أحمد بن علي الخطيب، أبو الحسن بن درباس، أخو المحدِّث فخر الدين أحمد الماضي. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ط)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ب). 260 - الضوء اللامع 5/ 166. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). 261 - الضوء اللامع 5/ 172 - 173. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). (¬2) في (ح): خلف، خطأ. (¬3) في الأصول: عرف بابن أخي حذيفة، والتصويب مِنْ الضوء اللامع، وحذيفة هو لقب أخيه محمد، المترجم في الضوء اللامع 7/ 12. قال المصنف: ويلقب حذيفة؛ لمحبة أبيه في حذيفة بن اليمان الصحابي. 262 - الضوء اللامع 5/ 175. 263 - الضوء اللامع 5/ 174. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 264 - الضوء اللامع 5/ 187. وفيه: علي بن أحمد بن محمد بن علي.

265 - علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن عثمان بن ظهير الدين المنوفى، ابن أخي القاضي تقي الدين عبد الغني الماضي لأمه. 266 - علي بن أحمد بن محمد بن عمر، القاضي نور الدين ابن الشهاب ابن قطب الشيشيني، ثم القاهري الحنبلي، أحد أعيان مذهبه، ووالد الفاضل شهاب الدين أحمد. 267 - علي بن أحمد. . . (¬1) التاجر المرجوشي، ويعرف بابن الإمام. سمع عليه أشياء. 268 - علي بن إسلام بن يحيى بن مُكْرَم العلائي، الشهير والده ببالجة، أحد الفُضلاء الحنفية. 269 - علي بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد، القاضي علاء الدين ابن مفلح، ابن أخي النظام عمر الحنبلي الدمشقي. 270 - علي بن داود الجوهري، ثم القاضي. قرأ عليه "شرح النخبة" و"ديوان الخطيب"، وسمع عليه أشياء. 271 - علي بن سالم بن معالي المارديني، العلَّامة نور الدين، قاضي الشافعية بصفد. قرأ عليه "الصحيح" في سنة خمس عشرة وثماني مائة، والمسموع مِنْ "صحيح ابن خزيمة"، و"النَّسائي الكبير"، مع كونه رفيقًا له فيه، ¬

_ 265 - الضوء اللامع 5/ 180 - 181، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب). 266 - الضوء اللامع 5/ 187. 267 - الضوء اللامع 5/ 165. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). (¬1) بياض في الأصول، وفي الضوء: علي بن أحمد بن إبراهيم بن خالد بن إبراهيم. . . 268 - الضوء اللامع 5/ 192. 269 - الضوء اللامع 5/ 198. 270 - الضوء اللامع 5/ 217 - 219. 271 - الضوء اللامع 5/ 222 - 224. وما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

وسمع عليه "شرح النخبة"، ولازمه واختصَّ به. ومات كلٌّ منهما ولم يعلم بوفاة الآخر، مات هذا بصفد وشيخنا بالقاهرة. وهذا نحو ما قاله ابن حبَّان في ترجمة عتَّاب بن أسيد الصحابي رضي اللَّه عنه مِنْ ثقاته أنَّه توفي يوم وفاة أبي بكر الصِّديق رضي اللَّه عنهما، ولم يعلم أحدهما بموت الآخر، لأنَّ هذا مات بمكة وذاك بالمدينة. 272 - علي بن سليمان بن يوسف بن أحمد بن عبد الملك بن عبد الواحد ابن الشَّيخ معالي، الشَّيخ نور الدين التِّلواني، أخذ عنه درايةً وروايةً. 273 - علي بن سودون العلائي الإبراهيمي الحنفي. سمع عليه كثيرًا. 274 - علي بن طُعَيمة، الشَّيخ نور الدين الجراحي. سمع عليه في "الأربعين المتباينات" مع الجلال القِمَّصي، وقال لي: إنه كان يحفظ "الشفا" لعياض. ولازم صاحبُ التَّرجمة فهو -مع التاج عبد اللَّه الميموني الماضي، والشمس الشبراوي الآتي- ممن انفرد بحفظ ["الشفا"، كما أن الجلال القمصي والتبريزي ممن انفرد بحفظ] (¬1) "المصابيح". 275 - علي بن عبد الرحمن، الشَّيخ نور الدين القمني، صهر الشَّيخ زين الدين. قرأ عليه في علوم الحديث، وفي العروض رفيقًا لأبي القاسم النُّويري. 276 - علي بن عبد اللَّه بن علي السَّنهوري الأزهري المالكي، الشَّيخ نور الدين. ¬

_ 272 - الضوء اللامع 5/ 228. 273 - الضوء اللامع 5/ 229. 274 - الضوء اللامع 5/ 233. وقال: يأتي في: ابن محمد بن طعيمة. ثم ترجمه بهذا الإسم في 5/ 307 - 308. (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ط). 275 - الضوء اللامع 5/ 236. 276 - الضوء اللامع 5/ 249 - 251.

277 - علي بن عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الرحيم العراقي، حفيد الوليِّ العراقي. 278 - علي بن عكاشة. 279 - علي بن عمر بن عامر بن الرَّكَّاب المقرىء. 280 - علي بن عمر بن عبد العزيز الشّنفاسي الأزهري. 281 - علي بن الشَّرف عيسى بن جَوْشَن، أخو الفخر محمد الآتي. سمع مِنْ لفظه في "البخاري". 282 - علي بن محمد بن إبراهيم بن حامد، الشَّيخ علاء الدين الصفدي. قرأ عليه في "البخاري". 283 - علي بن محمد بن أحمد بن بهرام، العلاء ابن القرمي. سمع عليه. 284 - علي بن محمد بن أحمد بن علي، العلاء ابن الحطَّابي الحنفي. سمع عليه "شرح النخبة" و"تخريج الهداية" و"المتباينات" وهو ممَّن سمع على ابن الجزري. ¬

_ 277 - الضوء اللامع 5/ 257. 278 - الضوء اللامع 5/ 261، وقال المصنف: وهو ابن عثمان بن علي، وترجمه بهذا الاسم (5/ 259)، فقال: علي بن عثمان بن علي، النور القاهري، العبد الصالح، ويعرف بابن عكاشة، وبلغني أنها نسبة للصحابي الشهير. 279 - الضوء اللامع 5/ 266. 280 - الضوء اللامع 5/ 266 - 267. 281 - الضوء اللامع 5/ 273. 282 - الضوء اللامع 5/ 277 - 278. 283 - الضوء اللامع 281، وقال: في ابن محمد بن علي بن عبد اللَّه. ثم ترجمه بهذا الإسم (5/ 322)، وقال: نكره شيخنا في معجمه، لكنه سمى جده أحمد بن بهرام. قلت: ورد اسمه في "المجمع المؤسس" 3/ 190 كما عند السخاوي في الضوء، وذكر المحقق في الهامش أن الحافظ ابن حجر ضرب على "أحمد بن بهرام" في نسخته وصححه علي. 284 - الضوء اللامع 5/ 284.

285 - علي بن محمد بن أحمد بن يوسف بن محمد بن نور الدين الهيثمي، ثم الطَّبناوي القاهري المالكي، أحد منْ اعتقد. قرأ عليه "البخاري" مِنْ نسخة بخطه مع مراعاة النسخة اليونينية، ووصفه بالشَّيخ الفاضل البارع القدوة. 286 - علي بن محمد بن أحمد، القاضي نور الدين المخزومي البلبيسي، ثم القاهري الشَّافعي. 287 - علي بن محمد بن أحمد، علاء الدين العبسي الشاعر. عرض عليه "المقامات" في سنة نيف وتسعين. 288 - علي بن محمد بن سعد (¬1)، العلامة المفنَّن، قاضي الشافعية بحلب، العلاء ابن خطيب النَّاصرية. علق عنه كثيرًا مِنْ "تغليق التعليق" في سنة ثمان وثمان مائة، وغير ذلك، وحضر مجالسه التي أملاها بحلب، وعنده نزل بها كما سلف. 289 - علي بن محمد بن عبد الحق، الخطيب نور الدين الغمري التَّاجر. 290 - علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر، القاضي علاء الدين، ابن الشَّيخ تاج الدين، ابن شيخ الإسلام جلال الدين البُلقيني، والد عبد الرحمن الماضي. 291 - علي بن محمد بن عبد اللَّه، نور الدين السعودي. حضر عنده بعض "الأمالي" القديمة. ¬

_ 285 - الضوء اللامع 5/ 287 - 288. 286 - الضوء اللامع 5/ 300 - 301، وفيه: علي بن محمد بن خالد بن أحمد. 287 - الضوء اللامع 5/ 289. 288 - الضوء اللامع 5/ 303 - 307. (¬1) في (ح): "سعيد". 289 - الضوء اللامع 5/ 308. 290 - الضوء اللامع 5/ 310 - 311. 291 - الضوء اللامع 5/ 315.

292 - علي بن محمد بن عبد اللَّه المرستاني الضَّرير. سمع عليه أشياء، وكان يُكثر استفتاءه، بحيث حصل مِنْ ذلك جملةً، ضاع بعدهُ أكثرها. 293 - علي بن محمد بن عبد المؤمن البتنوني، ثم القاهري الشَّافعي، داوادار البدر البغدادي الحنبلي. كتب عنه مِنْ "الأمالي"، وسمع عليه. 294 - علي بن محمد بن علي بن أحمد الأدمي، الماضي أبوه. 295 - علي بن محمد بن علي، الشَّيخ نور الدين الجعبري الدمشقي ثم القاهري الذهبي. سمع عليه كثيرًا. 296 - علي بن محمد بن محمد، نور الدين الجيزي، ابن الجُرَيّش. سمع عليه في "المجالسة" وغيرها. 297 - علي بن محمد بن محمد بن علي، الشَّيخ نور الدين ابن القاضي أبي اليمن النويري المكي المالكي. قرأ عليه أشياء في عدة رحلات؛ منها: "القول المسدد" و"الأربعين المتباينة"، وتسعة عشر مجلسًا مِنْ "تخريج الأذكار". ووصفه بالفاضل البارع المشتغل المحصِّل المفيد، نور الدين أبي الحسن علي ابن العبد الفقير إلى اللَّه تعالى، شرف العلماء، أوحد الفضلاء، قاضي المسلمين، أمين الدين أبي اليمن النويري الشَّافعي، وأرَّخ ذلك في رجب سنة اثنتين وأربعين وثماني مائة. و"شرح النخبة" في شوال سنة سبع وأربعين، ووصفه بالشَّيخ الفاضل المفنَّن، فخر المدرِّسين، مفيد الطالبين، سليل الصالحين، نور الدين ¬

_ 292 - الضوء اللامع 5/ 315. 293 - الضوء اللامع 5/ 315 - 316. 294 - الضوء اللامع 5/ 318. 295 - الضوء اللامع 5/ 328. 296 - الضوء اللامع 6/ 13 - 14، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). 297 - الضوء اللامع 6/ 13 - 14.

علي ابن قاضي المسلمين بالحرم الشريف المكي أبي اليمن النُّويري. وقال: قراءة بحث وتقرير، وأذنَ له في إفادتها. و"الترغيب" للمنذري، وانتهى في جمادى الأولى مِنْ السنة، وكتب له على نصفه الأول: الفاضل البارع المحدث الرَّحال، نور الدين، ولد العبد الفقير إلى اللَّه تعالى قاضي المسلمين، خطيب الخطباء أبي اليُمن النويري. وعلي خاتمته: الشَّيخ الفاضل الأصيل، الكامل البارع الماهر المفنَّن، مفخر أهل عصره في مصره، نور الدين ابن العبد الفقير إلى اللَّه تعالى، قاضي القضاة، خطيب الحرم الشريف المكي، أبي اليُمن النويري. و"الخصال المكفِّرة" في صفر سنة إحدى وخمسين، ووصفه بالفاضل البارع المفنَّن، مفيد الطالبين، فخر المدرسين، نور الدين، ولد قاضي القضاة بالحرم الشَّريف المكي، الشَّيخ العالم الأوحد الأصيل، أبي اليمن النُّويري الشَّافعي، وأذن له في إفادته. و"بذل الماعون"، ووصفه بالفاضل البارع الأصيل الأوحد، نور الدين، صدر المدرسين، مفيد الطالبين، وأذن له في إفادته أيضًا. ووصفه في آخر إجازة بخطِّي بالفاضل العلامة الأصيل العالم العامل المفيد المجيد. وسمع عليه غير ذلك، وقرَّض له على تصنيف كما سلف، ونقل في حوادث سنة ثمان وأربعين مِنْ "تاريخه" عنه شيئًا، فقال بعد سياقه: قرأتُ ذلك بخطِّ القاضي نور الدين علي ابن قاضي المسلمين الخطيب أبي اليمن النويري (¬1). 298 - علي بن محمد بن مفضَّل المسلمي القاضي أبو الحسن. 299 - علي بن محمود بن علي الهندي الخانكي. ¬

_ 298 - الضوء اللامع 6/ 23 - 24. 299 - الضوء اللامع 6/ 36. (¬1) في هامش "ح" بخطِّ المصنف ما نصه: ثم بلغ الشَّيخ عز الدين بن فهد قراءة عليّ في 26 والجماعة سماعًا.

300 - علي بن محمود بن محمد، الشريف نور الدين الحُسيني البقابرصي القصيري الشَّافعي، الشَّهير بالكردي. 301 - علي بن مسعود بن علي الدمشقي، ثم العرضي، ثم القاهري، الشَّافعي الفرَّاء، شيخ مُسنٌّ. سمع عليه كثيرًا. 302 - علي بن يحيى بن عبد القادر بن محمود، نور الدين الحُسيني القادري. 303 - علي بن محمد بن عمار، الشَّيخ شرف الدين أبو سهل، ابن العلامة الشَّهير شمس الدين بن عمار المالكي. قرأ عليه في "البخاري". 304 - عمر بن أحمد بن علي، الشَّيخ سراج الدين المحلي القاهري الواعظ. 305 - عمر بن أحمد بن عمر، السلاج العَمريطي القاهري. قرأ عليه بعض "البخاري"، وسمع عليه أشياء. 306 - عمر بن أحمد بن المبارك الحموي الشَّافعي، عرف بابن الخرَزِي. 307 - عمر بن أحمد بن محمد، الشَّيخ سراج الدين البلبيسي القاهري التاجر. 308 - عمر بن حسن بن علي بن شُهَيْبَة السُّعودي، الحُسينى سكنًا. مات في سنة 871. ¬

_ 300 - الضوء اللامع 6/ 36. 301 - الضوء اللامع 6/ 39. 302 - الضوء اللامع 6/ 51. 303 - الضوء اللامع 10 - 252، وسماه يحيى بدل علي، وأنظر التَّرجمة الآتية برقم 608. 304 - الضوء اللامع 6/ 69 - 70. 305 - الضوء اللامع 6/ 70 - 71. 306 - الضوء اللامع 6/ 71 - 72. 307 - الضوء اللامع 6/ 72. 308 - الضوء اللامع 6/ 79.

309 - عمر بن حُسين بن حسن، الشَّيخ سراج الدين العبادي، أحد رؤوس المذهب. 310 - عمر بن حسين، الشَّيخ نجم الدين الحصني الشَّافعي، عم العلاء علي بن محمد الحصني. قرأ عليه في "البخاري" (¬1). 311 - عمر بن خلف بن حسن الطوخي، نزيل جامع الحاكم الصَّالح بن الصالح. 312 - عمر بن عبد اللَّه بن عامر، السِّراج الأسواني، حضر عنده في إملاء "الشرح"، ومدحه كما سلف. 313 - عمر بن عبد اللَّه بن علي بن عبد العظيم، السِّراج الأقفهسي، الصُّوفي بالفخرية. كتب عنه "الإملاء"، وسمع عليه أشياء. 314 - عمر بن عيسى بن أبي بكر، الشَّيخ سراج الدين الوروري الأزهري الشَّافعي. 315 - عمر بن محمد بن علي بن محمد، ابن العلامة برهان الدين الجعبري، شيخ بلد الخليل. قرأ عليه "الأربعين" وبعض "شرح النخبة"، وغير ذلك، وأثنى عليه شيخُنا، وقد سبق مدحُ الجعبري له (¬2). 316 - عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد (¬3) بن عبد اللَّه، النجم ابن فهد الهاشمي المكي، محدث الحجاز. ¬

_ 309 - الضوء اللامع 6/ 81 - 83. 310 - الضوء اللامع 6/ 81. (¬1) في هامش (ح): "مات في الطاعون سنة 8338، وكان غاية في الكرم". وهذه العبارة موجودة في ترجمته في الضوء. 311 - الضوء اللامع 6/ 84. 312 - الضوء اللامع 6/ 95. 313 - الضوء اللامع 6/ 97. 314 - الضوء اللامع 6/ 112. 315 - الضوء اللامع 6/ 120 - 121. (¬2) 1/ 477. 316 - الضوء اللامع 6/ 126 - 131. (¬3) غير أحدهم عبارة الأصل في (ح)، فكتب بعد "محمد" الثالث: ابن العلامة الحافظ النجم. . . وعلق آخر في هامش النسخة، فقال: ينظر ما كان في الأصل؛ فإن هذا مِنْ إصلاح ذلك الجاهل المفتري والكاذب المجتري!.

قرأ عليه أشياء، منها: "اللسان" (¬1)، وكتب له: المحدِّث الرَّحَّال الفاضل الماهر المفنَّن. وعلي المجلد الأول منه: المحدث الفاضل البارع الرحال، ونقل عنه صاحبُ التَّرجمة كما اسلفته في بعض تصانيفه (¬2). وكان صاحبُ التَّرجمة كثير المحبَّة له، جريًا على عادته في الميل للمكثرين مِنَ الحديث النبوي. رأيته رحمه اللَّه كتب له في رسالة ما نصُّه: الماثل بها الشَّيخ نجم الدين، وفي أهل البيت النبوي مِنْ وجهين: نسبًا وعلمًا، وقد جدَّ وأجتهد في تحصيل الأنواع الحديثية النبوية. وفي أخرى: قدم القاهرة في هذه السنة شريف مِنْ أهل البيت النَّبويِّ، محدث كبير، ولازم العبدَ مدَّةً، وحصل مِنْ هذا العلم شيئًا كثيرًا. وفي أخرى: مُحضرُها مِنْ أهل العلم بالحديث ورجاله، وهو مِنْ أهل البيت النبوي. وفي أخرى: الماثل بها مِنْ أهل الحرم الشريف المكِّيِّ، ومِنَ الذُّرِّيَّة الطاهرة الهاشمية، ومن طلبة الحديث النبوي، وقد رحل فيه إلى الآفاق. وفي أخرى: الماثل بها ورفقته -وهم البقاعي وغيره- مِنْ أهل الحديث النبوي، والرَّحَّالين فيه إلى البلاد الإسلامية. إلى أن قال: والعبدُ يسألُ في صرف العناية بهم، ومساعدتهم على مقاصدهم، خصوصًا حاملها، يعني: ابنَ فهد، فإنّه مِنْ أهل الحرم الشريف، والنَّسب الشريف، والانتماء الشريف، بلدًا وسكنًا وطلبًا، والغرض مقابلته بما يليق بالشِّيَمِ الطَّاهرة، واغتنام أدعيته وأثنيته الباهرة. (ومثلك لا يدلُّ على صواب) ورأيت في بعض مراسلات صاحبُ التَّرجمة إليه ما نصُّه: وقد كثر شوقُنا إلى مجالستكم، وتشوُّقنا إلى متجدِّداتكم، ويسُرُّنا ما يبلُغنا مِنْ إقبالكم على هذا الفنِّ، الذي بادَ حُمّالُه وحاد عن السَّنن المعتبر عُمَّاله. وقد كنَّا نعدُّهمُ قليلًا ... فقد صاروا أقلَّ مِنْ القليلِ ¬

_ (¬1) في هامش (ح) زيادة: "وفتح الباري وغالب مؤلفاته رحمه اللَّه" ثم شطب أحدهم على هذه العبارة، وقال: كذلك هذه الزيادة مِنْ عنده بخطه، لا جزاه اللَّه خيرًا. (¬2) 1/ 178.

فلله الأمر. وبلغ العبد أن المرحوم الحافظ جمال الدين المراكشي جمع لنفسه "مشيخةً" أو "معجمًا"، فإن يكن لذلك صحَّةٌ، فليحرص الولدُ العزيزُ على عاريَّة ذلك، وإرساله للعبد، لينظر فيه ويستفيد منه، ويعرِّفني بأحوال اليمن ومكَّة، ووفيات مَنِ انتقل بالوفاة مِنْ نُبهاء البلدين، وتقييد ذلك حسب الطَّاقة، ولا سيما منذُ قطع الحافظُ تقيُّ الدِّين تقييداتِه، وهل تصدَّى أحدٌ لتقييد مهمَّات ذلك بعده، بن تيسَّر حضورُ الولد في هذه السَّنَةِ إلى القاهرة، فليصحب جميعَ ما تجدَّد له مِنْ تخريج أو تجميع، ليستفاد. ثم ذكر أنَّه جهَّز له صُرَّة ذهبًا. قال رحمه اللَّه: وإذا تيسَّرَ الوصولُ، تيسر الحصولُ، وإن تأخر الحضورُ، فإلى اللَّه ترجع الأمورُ. والمسؤول مِنْ فضله إبلاغُ سلام العبد على الوالد، وتعريفه بأنَّه تجدَّد في "تهذيب التهذيب" الذي كان اطلع وضمَّه إلى أصل "التهذيب"، وتعب فيه ذلك التَّعب، وهو محتاجٌ إلى إلحاقِ ما تجدَّد للعبد فبه مِنَ الزِّيادات والتَّعقُّبات والاستدراكات في هذه المدَّة ممَّا لعلَّه لو جُرِّدَ، لكان قدرَ مجلَّد، فإن تيسَّر وصولُكم، فليكن كتابُ الوالد صُحبَتكم، لتُلحقوا فيه المتجدِّدات المذكورات، إن شاء اللَّه تعالى. 317 - عمر بن محمد بن موسى، سراج الدين ابن القاضي شمس الدين اللَّقَّاني، قريب إبراهيم الماضي. سمع عليه في "المتباينات" وغيرها. 318 - عمر بن محمد بن [أبي بكر] (¬1) الزين الصفدي، ثم النِّيني، الفقيه. كان في طلبة الشَّافعية بالمؤيَّديَّة. 319 - عيسى بن سليمان بن خلف الطُّنُوبي، الشَّيخ شرف الدين. ¬

_ 317 - الضوء اللامع 6/ 135، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). 318 - الضوء اللامع 6/ 118. (¬1) بياض في الأصول، والمثبت مِنْ الضوء. 319 - الضوء اللامع 6/ 153 - 154.

320 - عيسى بن عثمان بن عيسى بن عثمان، شرف الدين بن جَوْشن، والد علي ومحمد المذكورين في محليهما. سمع عليه في "شرح الألفية" بعد أن قرأه على المؤلف، وكتب عنه مِنْ "شرح البخاري" كثيرًا. 321 - عيسى بن يوسف بن حجاج الأشمُومي الضَّرير. 322 - عيسى بن [محمد بن عيسى] (¬1) الشَّيخ شرف الدين الأقفهسي المالكي القاضي. 323 - غانم بن منصور الطَّائفي. سمع عليه في سنة أربع وعشرين "المتباينات" وغيرها مِنْ "تاريخه". 324 - فرُّوخ الشيرازي -فيما أظن- شيخ مُسِنُّ، قدم عليه، فأخذ وكتب عنه إجازة. 325 - قاسم بن إبراهيم بن عمار، القاضي زين الدِّين الزفتاوي الشَّافعي، ويعرف والدُه بابن عمار. 326 - قاسم بن عمر الرِّيمي. سمع عليه مِنْ "المائة العشاريات" باليمن في سنة ثمان مائة. 327 - قاسم بن قَطْلُوبَغَا، العلَّامة زين الدين الحنفي، أحد الأعيان. وصفه سنة خمسين مِنْ عرض ولده البدر الإمام العلامة زين الدين ¬

_ 320 - الضوء اللامع 6/ 154. 321 - الضوء اللامع 6/ 158. 322 - الضوء اللامع 6/ 156. (¬1) بياض في الأصول، والمثبت مِنْ الضوء اللامع. وفيه: الشافعي بدل المالكي. 323 - الضوء اللامع 6/ 160، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). 324 - الضوء اللامع 6/ 170. 325 - الضوء اللامع 6/ 177 - 178. 326 - الضره اللامع 6/ 184. 327 - الضوء اللامع 6/ 184 - 190.

الحنفي، المحدِّث الفقيه الحافظ. وقبلَ ذلك في رجب سنة خمس وثلاثين -حيث قرأ عليه تصنيفه "الإيثار بمعرفة رواة الآثار"- بالشيخ الفاضل المحدث الكامل الأوحد، وقال: قراءةً عليَّ وتحريرًا، فأفاد ونبَّه على مواضع ألحقت في هذا الأصل، فزادته نورًا، وهو المعنيُّ به بقوله في خُطبته: إنَّ بعضَ الإخوان التمسَ منِّي، فأجبته إلى ذلك، مسارعًا، ووقفت عندما اقترح طائعًا. 328 - قاسم بن محمد بن محمد الحبشي القادري، الشَّيخ زين الدين، شيخ زاوية ابن داود بدمشق. 329 - قاسم بن محمد بن يوسف، الشَّيخ زين الدين الزُّبيري. كتب عنه غالب "الشرح" و"الأمالي" وغيرهما، ولازم. 330 - محمد بن إبراهيم بن أحمد، المتصرِّف بباب صاحبُ التَّرجمة فمن بعده، ويعرف بابن الطَّواب. 331 - محمد بن إبراهيم بن أحمد، الشَّيخ شمس الدين ابن البرهان الخُجندي المدني الحنفي، والد برهان الدِّين، أحد مَنْ أخذ عنِّي، سمع عليه "الخصال المكفرة" وغيرها. 332 - محمد بن إبراهيم بن خلف، شمس الدِّين القِمَّني، ثم الأزهري الشَّافعي، الضَّرير بأخرة، خازن المؤيديَّة، كان. 333 - محمد بن إبراهيم، ابن الجمال عبد اللَّه المارداني المؤقِّت. ¬

_ 328 - الضوء اللامع 6/ 191. 329 - الضوء اللامع 6/ 192. 330 - الضوء اللامع 6/ 248. 331 - الضوء اللامع 6/ 245 - 246. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 332 - الضوء اللامع 6/ 252 - 253. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط) أيضًا. 333 - الضوء اللامع 255.

334 - محمد بن إبراهيم بن علي بن محمد، الشَّيخ شمس الدِّين البيدَموري التُّونسي المالكي، عرف بالتُّرَيْكي. لقيه في سنة تسع وأربعين وثمانمائة، فحضر مجلسه في "الإملاء"، وأكثر التَّردُّدَ إليه، واغتبط شيخُنا به كثيرًا. 335 - محمد بن إبراهيم بن فرج، الشمس الحموي. قرأ عليه في "البخاري"، وسمع غيره. 336 - محمد بن إبراهيم بن محمد، البدر البشتكي. قرأتُ بخطِّه -كما حكيتُه في الباب الثاني- أنَّه أخذ عنه، وقرأ عليه في "صحيح البخاري". انتهى. وأثبتُّ اسمه فيمن استفادَ منهُم صاحبُ التَّرجمة كما تقدَّم. 337 - محمد بن إبراهيم بن محمد، الشَّيخ شمس الدين السَّلَّامي الحلبي. قرأ عليه في "النخبة" و"شرحها" و"الأربعين المتباينة"، وغير ذلك. وكتب بخطه لصاحب التَّرجمة: سيدنا ومولانا وشيخنا، شيخ الإسلام، بركة الأنام، أمتع اللَّه الاسلامَ والمسلمين ببقائه. 338 - محمد بن أحمد بن إبراهيم بن موسى، الشَّمس ابن الشهاب ابن العلَّامة الفقيه برهان الدين الأبناسي الشَّافعي. 339 - محمد بن أحمد بن إيراهيم، الشَّيخ شرف الدين ابن الخشَّاب، نزيل الظَّاهرية القديمة. 340 - محمد بن أحمد بن إبراهيم، المحب أبو الفضل المشهدي العدل ¬

_ 334 - الضوء اللامع 6/ 286 - 287، وفيه: محمد بن أحمد بن إبراهيم. 335 - الضوء اللامع 6/ 274. 336 - الضوء اللامع 6/ 277 - 279. 337 - الضوء اللامع 6/ 275 - 276. 338 - الضوء اللامع 6/ 288 - 289. 339 - الضوء اللامع 6/ 284 - 286. 340 - الضوء اللامع 6/ 289.

بالزّجاجين. كتب عنه كثيرًا في "الأمالي". 341 - محمد بن أحمد بن أحمد بن حسن، الشَّيخ الفاضل شمس الدين المسيري ثم القاهري الغمري، عرف بابن الفقيه. 342 - وأخوه محمد، وهو دونه في الفضل، وأكبر في المولد، وأسبق في الوفاة. 343 - محمد بن أحمد بن أسد، البدر أبو الفضل ابن الشَّيخ شهاب الدين الأميُوطي القاهري، الماضي والده. 344 - محمد بن أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري المحدث [والده، ويكنى أبا الفتح. حضر مِنْ لفظه "الأربعين" له] (¬1) جامعها، ثم عليه في الخامسة: "الأربعين التالية للمائة العشارية" مِنْ حديث التنوخي، ثم سمع عليه غير ذلك، بل وقرأ عليه جميع "النخبة" مِنْ تصنيفه أيضًا، وغير ذلك عرضًا. 345 - محمد بن أحمد بن حسن، الشَّيخ شمس الدين الأمشاطي الحنفي، الذي صار قاضي مذهبه في سنة سبع وسبعين. 346 - محمد بن أحمد بن صالح الشمس الشَّطنوفي المباشر، المذكور في الباب الرَّابع. 347 - محمد بن أحمد بن عبد العزيز، العلامة الفقيه بدر الدين ابن الأمانة الأبيَاري القاهري الشَّافعي. ¬

_ 341 - الضوء اللامع 6/ 289. 342 - الضوء اللامع 6/ 289 - 290. 343 - الضوء اللامع 6/ 293. 344 - الضوء اللامع 6/ 296. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (أ)، وورد في (ط) في نهاية التَّرجمة التالية. 345 - الضوء اللامع 6/ 301 - 304. 346 - الضوء اللامع 6/ 313 - 314. 347 - الضوء اللامع 6/ 318 - 321، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط).

أثبتَ صاحبُ التَّرجمة اسمه فيمن سمع عليه في "عشاريات الصحابة" مِنْ "إملائه"، ووصفه بالشَّيخ الإمام العلامة، مفيد الجماعة، بدر الدين، أعزَّه اللَّه. 348 - محمد بن أحمد بن عبد اللَّه بن بدر، رضي الدين ابن الشَّيخ شهاب الدين الغزِّي الدمشقي. قرأ عليه، وعمل للظاهر جقمق "سيرة"، رأيت شيخَنا ينتقي منها. 349 - محمد بن أحمد بن عبد اللَّه، تقي الدين ابن ولي الدين الزيتوني، الماضي أبوه. 350 - محمد بن أحمد بن عبد النور بن محمد، الصدر ابن البهاء أبي الفتح الفيومي، ثم القاهري الشَّافعي، خطيب الفخرية، ووالد البدر محمد، أحد الفضلاء. 351 - محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد، البدر العسقلاني، ولد صاحبُ التَّرجمة. 352 - محمد بن أحمد بن علي، العلَّامة الحافظ التَّقي الفاسي المكي. سمع عليه الفاتحة والخاتمة مِنْ "جزء سلوت" مِنْ تأليفه سنة ثلاث وثماني مائة، ثم سمع عليه "النخبة" في سنة خمس عشرة وثماني مائة، ثم تخريجه "للأربعين النَّووية" و"المتباينات" وغيرهما مِنْ تصانيفه في سنة أربع وعشرين وثماني مائة بمنى. وحضر عنده بالقاهرة مجالس مِنْ "أماليه" بالبيبرسية، وأكثر مِنَ النَّقل عنه في تصانيفه كما تقدم. ¬

_ 348 - الضوء اللامع 6/ 324. 349 - الضوء اللامع 6/ 327. 350 - الضوء اللامع 6/ 330. 351 - الضوء اللامع 7/ 20. 352 - الضوء اللامع 7/ 18 - 20.

وكتب له صاحبُ التَّرجمة "فهرسة تصانيفه"، وبظاهرها بخطه ما نصُّه: تناول منِّي الشَّيخ الإمام العلَّامة الحافظ تقي الدين الفاسي ثم المكي، عالم البلاد الحجازية هذا الكراس، وأذنت له في روايته عنِّي. ولما عُزِلَ التَّقيُّ المذكورُ عن قضاء المالكية بمكة بالكمال أبي البركات محمد بن محمد ابن الزَّين القسطلاني في سنة ثمان وعشرين وثماني مائة، وتوجَّه إلى الديار المصرية، وكان قد كفَّ، فالتمس الأشرفُ برسباي مِنْ صاحبُ التَّرجمة أن يعرِّفَ بصحة ولايته، فكتب ما نصُّه؛ العبد أحمد الشَّافعي ينهي إلى المواقف الشَّريفة أنَّ القاضي تقي الدين ليس بمكَّة أجمعَ للعلُوم الشَّرعية مطلقًا منه، ولا أستثني أحدًا مِنْ جميع سُكَّانها، ولا مِنْ جميع الحجاز المذكور. والذي يعلمُه العبدُ مِنْ حاله، أنَّه قدِمَ القاهرةَ منْ سنين، فولَّاهُ القاضي المالكِيُّ الحكمَ بالصَّالحية على قاعدته، ومقتضى مذهبه، ورجع إلى مكَّةَ، وباشر الحكم، ووقعَ بعد ذلك أن صبيًّا جاهلًا سعى عنده أن يكون نائبًا، فامتنع لعدم أهليَّتِه، فجاء إلى القاهرة، وسعى عليه حتَّى عُزِلَ بغير سببٍ، ووليَ الصبيُّ المذكورُ. وأشهدُ باللَّه أنَّ ولايته مِنَ الإلحادِ في حرم اللَّه تعالى، وقد شاعت سيرتُه السَّيِّئة مع جهله المفرط، والذي أعتقدُ أن ولايته لم تُصادف محلًا، وأن القاضي تقي الدين مستمرٌّ على ولايته. أقول هذا بلفظي، وكتبت به خطِّي، وحسْبنا اللَّه وكفى. قلت: ومع ذلك أمهلوه حتَّى وصل مكة، ثم عُزِلَ بعد يسير بالمذكور، ولا قوة إلَّا باللَّه. 353 - محمد بن أحمد بن علي الدَّيسطي، ثم القاهري المالكي. 354 - محمد بن أحمد بن علي، جلال الدين ابن ولي الدين السَّمَنُّودي المحلي، أحد الفضلاء. ¬

_ 353 - الضوء اللامع 7/ 22 - 23، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب). 354 - الضوء اللامع 7/ 16 - 17.

355 - محمد بن أحمد بن علي، تاج الدين الأنصاري الموقع جار المنكوتمرية. 356 - محمد بن أحمد بن علي، الجمال أبو الخير، ابن شيخنا المقرىء الشهاب أبي العباس الشَّوائطي اليمني ثمَّ المكي. قرأ عليه "النخبة"، ووصفه بالفاضل البارع المفنَّن، ابن الشَّيخ القدوة الفاضل الأوحد الفقيه، و"شرحها"، وقال: قراءة بحث مِنْ أوله إلى آخره، فأجاد وتمهَّر في مسائله، فأفاد واستفاد، وقد أجزتُ له أن يرويَه عنِّي ويفيده لمن أراد. ولما مات -وكانت وفاته بالقاهرة- كتب إلى والده يعزِّيه فيه، فكان [مِنْ ذلك ما نصُّه: وفي الواقع، فالمذكور أسِفَ عليه كلُّ مَنْ عرفَه لما انطوى] (¬1) عليه مِنَ الخير والعبادة والعفَّة، وطلاقةِ الوجه، وحلاوة اللسان، وقلَّة الفُضول، وكثرة الاحتمال والإقبال على الاشتغال بحيث كان لا يفرغ لتناول ما يسدُّ رمقه، فاللَّه المسؤول أن يعوِّضَه الجنَّة بمنِّه وكرمه. [وسمع عليه هو وأخوه عليٌّ الماضي قديمًا سنة أربع وعشرين بمنى "المتباينات" و"تخريج الأربعين النووية"، وغيرهما مِنْ تخاريجه] (¬2). 357 - محمد بن أحمد بن عمر، العلامة شمس الدين القرافي المالكي سبط ابن أبي جمرة. 358 - محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، الجلال المحلِّي محقق العصر. ¬

_ 355 - الضوء اللامع 7/ 16 و22، وفي الموضع الأول: محمد بن أحمد بن علي بن عيسى. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 356 - الضوء اللامع 7/ 15 - 16. (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في غير (أ). 357 - الضوء اللامع 7/ 27 - 28. 358 - الضوء اللامع 7/ 39 - 41.

قرأ عليه "شرح ألفية العراقي" سنة تسع عشرة، ولازمه في الفقه وغيره، وكان أحدَ المنزلين عنده في طلحة المؤيَّديَّة، وسأله عن عدَّة أسئلة أجابه عنها، وما انفكَّ عن ملازمته والخُضوع له، والتردُّد لبابه بسبب السُّؤال عمَّا يُشكل عليه وغير ذلك حتَّى مات. وكتب (¬1) له على "شرح الألفية": أما بعدُ، فقد قرأ عليَّ الأخُ في اللَّه تعالى، العالم البارع، الأصيل الفارع، الحُفَظَةُ المدرةُ، النَّبيه النبيل، العلَّامة الفهَّامة، جلال الدين، أوحد المدرسين، مفيد الطَّالبين، محمد ابن الفقير إلى اللَّه تعالى شهاب الدين المحلِّي -أنجح اللَّه قصده، وأربحَ رِفْده، وأسعد جدَّه، وأجدَّ سعده، وبلغه أفضلَ ما عنده- جميع هذا الشرح، لشيخي العلَّامة حافظ وقته، زين الدين العراقي، قراءة بحث وتأمُّل، وتقرير وتعقُّل، أجاد وأفاد أضعاف ما استفاد، وحقَّق المراد بنيل المراد، وبلغَ درجة المتقنين في هذا الفن أو كاد. وقد أذِنْتُ له أن يروَيه عنِّي بقراءتي لجميعه على مؤلِفه قراءة بحث، وأن يفيده لمن شاء متى شاء. وأرَّخه في جُمادى الآخرة سنة تسع عشرة وثمانمائة. 359 - محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، بدر الدين ابن الشَّطنوفي، الماضي أبوه. 360 - محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمان، شمس الدين ابن ولي الدين المحلِّي، صهر الغمري، ولد الماضي في الهمزة، ويعرف بابن ولي الدين. قرأ عليه "البخاري"، ولازمه مدَّةً. 361 - محمد بن أحمد بن أبي الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز، العز النُّويري المكي، قاضيها هو وأبوه وجده. سمع عليه "النخبة" سنة خمس عشرة وثمان مائة. ¬

_ (¬1) مِنْ هنا إلى نهاية التَّرجمة لم يرد في (ب، ط). 359 - الضوء اللامع 7/ 42 - 43. 360 - الضوء اللامع 7/ 44. 361 - الضوء اللامع 7/ 44 - 45.

362 - محمد بن أحمد بن أبي الفضل، الكمال أبو الفضل، أخو الذي قبله، ووالد صاحبنا الخطيب أبي الفضل محمد الآتي. 363 - محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مرزوق التلمساني. سمع منه، وكتب عنه مِنْ نظمه، وحمل عنه قطعة مِنْ "شرح البخاري". وشيخنا ممَّن سمع منه. 364 - محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، الخواجا الكيلاني المكي ابن قاوان. ذكر مع والده. 365 - محمد بن أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن عبد المنعم، السَّيِّد جلال الدين الحسَني الجرواني الشَّافعي، نقيب ابن الدِّيري الحنفي. لزم صاحبُ التَّرجمة، وأخذ عنه في تقسيم "المنهاج" و"شرح النخبة"، وقرأ عليه في درس القبَّة البيبرسية وغيرها، وباشر النَّقابة عنده في بعض ولاياته، ووقع بينه وبين ولده جفاء فانفصل، واستمر ذلك في خاطر صاحبُ التَّرجمة، حتَّى أشارَ على الحنفي أول ما استقرَّ في قضاء الحنفيَّة باستقراره عنده في النَّقابة. 366 - محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، ناصر الدين ابن المهندس، موقع الحكم. 367 - محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، البدر، حفيد التَّاج البلقيني. 368 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن حامد بن أحمد بن ¬

_ 362 - الضوء اللامع 7/ 45. 363 - الضوء اللامع 7/ 50 - 51. 364 - الضوء اللامع 7/ 53. 365 - الضوء اللامع 7/ 74 - 75. 366 - الضوء اللامع 7/ 71 - 72. 367 - الضوء اللامع 7/ 70 - 71. 368 - الضوء اللامع 7/ 84.

عبد الرحمان، الشَّيخ شمس الدين أبو حامد المقدسي الشَّافعي، عرف بابن حامد. قرأ عليه في "البخاري" وفي "شرح النُّخبة" وغيرهما، وكتب عنه مجالس مِنْ "إملائه"، ولي مِنْ والده إجازة. 369 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد، ابن الضِّياء، البهاء أبو البقاء المكِّي، قاضيها الحنفي. 370 - محمد بن أحمد الرضي، أبو حامد ابن الضياء، أخو الذي قبله، وقاضي مكة الحنفي أيضًا. 371 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن موسى، ولي الدين أبو الفتح الطُّوخي، عرف والده بالخطيب، وهو أخو المحب محمد الذي أسلفنا في الباب السَّابع (¬1) حكايةً وقعت له مع صاحبُ التَّرجمة في مزيد كرمه. كتب عنه مِنْ "إملائه"، ونسخ له كثيرًا بخطِّه. 372 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء اللَّه، البدر التّنسِي المالكي، قاضي الدِّيار المصرية. قرأ عليه "البخاري" وغيره، وكتب بخطِّه قطعةً جديدة مِنْ أول "شرحه على البخاري"، تنتهي إلى أثناء الجماعة. 373 - محمد بن أحمد بن محمد بن هلال بن إبراهيم، ركن الدين أبو يزيد الأردبيلي، ثم القاهري الشَّافعي. حضر دروسه كثيرًا، وكان كثيرَ الصَّخَبِ والصِّياح. ¬

_ 369 - الضوء اللامع 7/ 84 - 85. 370 - الضوء اللامع 7/ 84. (¬1) ص 1001. 371 - الضوء اللامع 7/ 87. 372 - الضوء اللامع 7/ 90. 373 - الضوء اللامع 7/ 98 - 99.

374 - محمد بن أحمد بن محمد، أبو عبد اللَّه المغربي. 375 - محمد بن أحمد بن محمد، أبو المواهب المغربي التونسي، عرف بابن زُغْدان. 376 - محمد بن أحمد بن محمد، الشَّيخ شمس الدين البامي، نزيل الشَّريفيَّة وشيخُها. 377 - محمد بن أحمد بن محمد، الشَّيخ الإمام شمس الدين أبو الوفاء الغزِّي الشَّافعي، عرف بابن الحمصي. قرأ عليه في "بلوغ المرام"، وسمع عليه بعض "النخبة" و"شرحها". 378 - محمد بن أحمد بن يوسف بن محمد بن معالي، الشَّيخ شمس الدين ابن الشهاب الزُّعَيفَريني، ثم القاهري الشَّافعي. قرأ عليه، وكتب عنه "الإملاء". 379 - محمد بن أحمد بن يوسف، الشَّيخ شمس الدين الغمري، والد أبي البركات دوادار التَّقي ابن نصر اللَّه، وأحد العشرة الطَّلبة بالجمالية، وكان مِنْ أصحاب الشَّيخ شهاب الدين الزَّاهد المشهور، وهو غير الشَّيخ شمس الدين محمد بن عمر الواسطي الغمري الوليِّ المعروف. ¬

_ 374 - الضوء اللامع 7/ 105، وقال المصنف: فيمن جده محمد بن داود. وكان ترجمه قبل في 7/ 66 - 67، فقال: محمد بن أحمد بن داود بن سلامة، أبو عبد اللَّه وأبو المواهب ابن الحاج اليزلتيني -نسبة لقبيلة- التونسي المغربي، قم القاهري الملكي، ويعرف بابن زغدان، بمعجمتين أولاهما مفتوحة ثم مهملة وآخره نون. قلت: وهو كما ترى الآتي في التَّرجمة بعد هذه مباشر. 375 - الضوء اللامع 7/ 66 - 67. وانظر التعليق السابق. 376 - الضوء اللامع 7/ 48 - 49 و101. 377 - الضوء اللامع 7/ 61 - 66. 378 - الضوء اللامع 7/ 121 - 122. 379 - الضوء اللامع 7/ 123.

380 - محمد بن إسماعيل بن أحمد، الشَّيخ شمس الدين الضَّبِّي. لازمه نحو ثلاثين سنة، فكتب عنه "أطراف المسند"، وأكثر "شرح البخاري" و"المشتبه" و"اللسان" وبعض "الإصابة" و"الأمالي" و"تخريج الرافعي"، والكثير. 381 - محمد بن إسماعيل بن أبي الحسن علي (¬1)، البدر ابن المجد البرماوي. 382 - محمد بن إسماعيل بن عمر بن مزروع، القاضي شمس الدين العَمريطي، ثم القاهري الشَّافعي. سمع عليه، وتوفي بدمشق حين كان الولوي البُلقيني على قضائها، وكان فاضلًا خيِّرًا. 383 - محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد، العلَّامة مفخر الشافعية، الشمس الونائي المصري الشَّافعي. أخذ عن شيخِنا كثيرًا، ورأيت بخطِّه ما نصه: وأروي الكتب الستة عن شيخنا قاضي القضاة حافظ العصر، إلى آخره. 384 - محمد بن إسماعيل، أبو الفتح الأزهري، ويعرف بأبي الفتح بن إسماعيل، سيأتي (¬2) في: محمد بن علي بن إسماعيل. 385 - محمد بن الطنبغا، شمس الدِّين الجُندي المالكي. 386 - محمد بن بدل بن محمد، شمس الدين ابن بدر الدين الأردبيلي التَّبريزي الشافعي. عرض عليه مواضع مِنْ "المصابيح" للبغوي، ومن "الشاطبية"، ومن "الحاوي الصغير"، ومن "المنهاج" و"الطوالع"، كلاهما للبيضاوي، ومن "تلخيص المفتاح" ومن "المختصر" شرحه للتفتازاني. ووصفه ¬

_ 380 - الضوء اللامع 7/ 135 - 136. 381 - الضوء اللامع 7/ 138. (¬1) في (ح): "بن علي" خطأ. 382 - الضوء اللامع 7/ 139. 383 - الضوء اللامع 7/ 140 - 141. 384 - الضوء اللامع 7/ 145. (¬2) برقم 456. 385 - الضوء اللامع 7/ 147. 386 - الضوء اللامع 7/ 149.

في إجازته: بالشَّيخ الفاضل الحُفَظَة الكامل العالم الباهر الماهر، مفخر أهل مصره، وغُرَّة نُجوم عصره، أعانه اللَّه تعالى على الانتفاع بما حفظه، وأوزعه شُكر نِعمته لما أودعه واستحفظه. وقال: إنَّه قرأ عليه قطعة جيِّدة مِنْ أول "صحيح البخاري"، وتاريخ الإجازة في رمضان سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. 387 - محمد بن أبي بكر بن أحمد، القاضي بدر الدين، فقيه الشام وابن فقيهه، التَّقي ابن قاضي شهبة. قرأ عليه "الأربعين المتباينة" في سنة ست وثلاثين وثمانمائة. 388 - محمد بن أبي بكر بن أحمد، ابن السَّقَّاء. أحد الفُضلاء. 389 - محمد بن أبي بكر بن الحسين، الشَّيخ ناصر الدين أبو الفرج المراغي الأصل، ثم المصري، ثم المدني الشَّافعي. قرأ عليه "شرح النخبة" في مجالس، آخرها سادس جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين، وكتب له ما نصُّه: قرأ عليَّ صاحبُه الشَّيخ الإمام العلامة المحدث الفاضل البارع الأوحد، ناصر الدين أبو الفرج ولد سيدنا العبد الفقير إلى اللَّه تعالى، عالم الحرمين، قاضي طيبة المكرم، وخطيب المنبر الأعظم، شيخنا الإمام العلَّامة مسند أهل عصره، وفقيه أهل مصرِه، زين الدين، جميع هذا الشرح قراءة بحث وتفهُّم وتأمُّل لما تضمنه وتدبُّر، بحيث صار أهلًا لإقرائه وإفادته، وإبدائه للطالبين وإعادته، وقد أذنت له في روايته عنِّي، وتبليغه لمن رام الاستفادة مني. 390 - محمد بن أبي بكر بن الخضر بن موسى، الشَّيخ شمس الدين الدَّيري النَّاصري الشَّافعي القادري. قرأ عليه في سنة سبع وثلاثين مِنْ "موطأ ¬

_ 387 - الضوء اللامع 7/ 155 - 156. 388 - الضوء اللامع 7/ 156 - 157. 389 - الضوء اللامع 7/ 161 - 162. 390 - الضوء اللامع 7/ 167، وهذه التَّرجمة وردت مختصرة في (ب، ط) بعد التَّرجمة رقم 397.

أبي مصعب"، ووصفه بالشَّيخ الفاضل القدوة المفنَّن، شمس الدين. قلت: وحكى لي ولده محمد -وهو ممَّن أخذ عنِّي- أَنَّه لقيه بالقاهرة غير مرَّة، وقرأ عليه أشياء غير ذلك، وحضر "أماليه"، وضبط مِنْ فوائده جملةً، وقرَّضَ له على تصنيفٍ له اختصر فيه "الترغيب" للمنذري. 391 - محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد، ابن القاضي سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر ابن الشَّيخ أبي عمر، القاضي المحدِّث، ناصر الدين ابن زُريق الدمشقي الحنبلي. 392 - محمد بن أبي بكر بن علي بن حسن، الشَّريف صلاح الدين الأسيوطي. قرأ عليه "ديوانه الكبير" [بأخرة، و"شرح النخبة" في سنة خمس وثلاثين، ووصفه عليها بالسَّيِّد الشريف، الحسيب النسيب، العالم الفاضل، البارع الأوحد، المفنَّن، جمال الطَّالبين، صدر المدرسين، نفع اللَّه به المسلمين، وأيَّده بروحِ منه. قال: وأذِنْتُ له أن يرويَ عنِّي ذلك، ويفيده لمن عرف منه الولوج في هذه المسالك. وأسالُ لي وله العفوَ والعافيةَ في الدُّنيا والآخرة حتَّى يحصل عتق رقِّنا مِنْ لدى مالك] (¬1) ومدحه كما سلف. 393 - محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف، النجم المرجاني المكي، الماضي في القسم الأول (¬2). ممن أخذ عنه صاحبُ الترجمة. 394 - محمد بن أبي بكر بن علي، الشَّيخ بهاء الدين المشهدي. لازمه كثيرًا، حتَّى قرأ عليه "شرح النخبة"، و"شرح ألفية العراقي"، ¬

_ 391 - الضوء اللامع 7/ 169 - 170. 392 - الضوء اللامع 7/ 178 - 179. (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب، ط). 393 - الضوء اللامع 7/ 182 - 183. (¬2) 1/ 212. 394 - الضوء اللامع 7/ 179 - 181.

و"المقدمة"، وغالب "المشتبه"، وغيرها دراية ورواية، وكتب عنه أكثر "أماليه" وقطعة مِنْ آخر "فتح الباري"، وسمع عليه جملة. وكتب له على "شرح الألفية" في ربيع الأول سنة سبع وأربعين: الفاضل العلامة، البارع المحدِّث، المفنَّن، فخر المدرسين، عمدة المتقنين، بهاء الدين، ابن الفقير إلى اللَّه تعالى زين الدين، ثقة حكام المسلمين، حبيب الصَّالحين، جدَّد ربّه تعالى سُعوده، وأسعدَ في الدنيا والآخرة آباءه وجُدُودَه، قراءة بحث وإتقان، بحيث أبرز في تلك المجالس فوائده، وأكثر في تلك المحافل محامِدَه، حتَّى استحقَّ أن يرشد الطَّالبين لما خفي عنهم مِنْ خفايا هذا الشرح وأصله، وينشر عليهم ما وهبه اللَّه تعالى مِنْ فضله. ثم أذِنَ له في إفادته مع غيره لمن أراد، وفي إقراء كتب هذا الفنِّ لمن أبدى وأعاد، وتقرير مسائله لمن استفتى واستفاد. قال: واللَّه أسأل أن يُوفِّقني وإياه لما يُرضينا مِنَ القول والعمل، وأن يختم لنا بخاتمةِ الخير عند حلول الأجل. 395 - محمد بن أبي بكر بن علي، المحب ابن القاضي تقي الدين الحريري الدمشقي. سمع عليه بها. 396 - محمد بن أبي بكر عبد اللَّه (¬1) بن محمد ابن ناصر الدين الدمشقي حافظ الشام. قرأ عليه للجماعة "جزء أبي الجهم". 397 - محمد بن أبي بكر بن محمد، الفاضل الشَّمس الأبناسي الشَّافعي، نزيل المدرسة الزَّينية. 398 - محمد بن تقي الكازرُوني. يأتي (¬2) في محمد بن محمد بن عبد السَّلام. ¬

_ 395 - الضوء اللامع 7/ 181. 396 - الضوء اللامع 8/ 103 - 106. (¬1) في (ط) بن عبد اللَّه، وهي مشطوبة في (ح) وقد ذكره المؤلف هكذا في الضوء اللامع 7/ 175، وقال: هكذا نسبه بعضهم، وهو غلط، فأبو بكر كنية عبد اللَّه لا ابنه. 397 - الضوء اللامع 7/ 202. 398 - الضوء اللامع 7/ 208، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). (¬2) برقم 512.

399 - محمد بن الظاهر جقمق. أخذ عن صاحبُ التَّرجمة، وكان كثير الذَّبِّ عنه والقيام معه، رحم اللَّه شبابه. 400 - محمد بن الجنيد بن أحمد بن عمر بن محمد، العلَّامة نور الدين ابن شيخ الإسلام أبي القاسم ابن البلياني، الشيرازي. قدم القاهرة في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، واجتمع بشيخنا صُحبة حسين الفتحي، وصنَّف لأجله شيخُنا "جزءًا في الأذكار"، وآخر في "إصلاح مشيخة أبيه" لابن الجزري، وأذن له في الرِّواية عنه. 401 - محمد بن حجاج البرماوي القاهري المكتب. سمع عليه "مسند الشهاب" وأشياء. 402 - محمد بن حسن بن أحمد، البهاء العلقمي. سمع مِنْ لفظه "الصحيح" في سنة ست عشرة وثمانمائة بالبيبرسية، وسمع عليه غيرَ ذلك. 403 - محمد بن حسن بن علي بن جبريل المحلي ثم القاهري، عُرِفَ بابن شطية. 404 - محمد بن حسن بن علي بن الحسن بن علي بن القاسم، الشَّيخ شمس الدين ابن الشَّيخ بدر الدين ابن القاضي علاء الدين التلعَفْري، ثم الدمشقي الشَّافعي، عُرِفَ بين المُحَوْجب. أخذ عنه، وكتب مِنْ تصانيفه "المتباينات". ¬

_ 399 - الضوء اللامع 7/ 210 - 212. 400 - الضوء اللامع 7/ 214. 401 - الضوء اللامع 7/ 216، وقال: في ابن عبد اللَّه بن حجاج، وترجمه بهذا الاسم في 8/ 84 - 85. 402 - الضوء اللامع 7/ 217 - 218. 403 - الضوء اللامع 7/ 226. 404 - الضوء اللامع 7/ 226.

405 - محمد بن الحسن بن علي بن عبد العزيز، الجمال البدراني المحدِّث، كتب عنه الكثير، فمن ذلك: "لسان الميزان"، ونسخته هي التي صارت أصلَ المؤلف، وقرأ عليه "شرح النخبة"، وكتب له كما سلف إجازة، [وسمع مِنْ لفظه في "البخاري"] (¬1). 406 - محمد بن حسن بن علي، شمس الدين القادري، مِنْ ذرِّيَّة سيدي عبد القادر الكيلاني الحنبلي، وهو صهر الشَّيخ إبراهيم وتربيته، [وصار شيخَ الطَّائفة القادرية] (¬2). 407 - محمد بن الحسن بن علي، الشمس ابن البدر الحنفي، قاضي صفد. سمع عليه "الخصال المكفرة". 408 - محمد بن حسن بن علي النَّواجي الشاعر. قرأ عليه في "البخاري" وحمل عنه مِنْ فوائده وعلومه الكثير، وكان يقيِّدُ ما يستفيدُه منه، ومهما أشكل عليه في مدَّة انقطاعه عنه مِنْ لُغةٍ وحديث وأدب وغير ذلك، راجعه فكشف له الغِطَاء عنه بديهة، بحيث يتعجَّبُ مِنْ ذلك، بل كنت واللَّه أراه يربو عليه في فنِّه، ويُعقب ذلك بقوله: كلُّ هذا ممَّا حصلناه قبلَ القرن، وما طالعت في شيء مِنْ كُتب هذا الفن بعدُ إلَّا اتفاقًا، كما قدَّمتُه. ¬

_ 405 - الضوء اللامع 7/ 227 - 228. (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). 406 - أشار إليه المصنف فيمن نسبته القادري مِنْ الضوء اللامع 11/ 219، وسقطت ترجمته الكاملة مِنْ المطبوع مِنْ الكتاب مع تراجم أخرى كثيرة، وقد تقدمت ترجمة والده برقم 145، وسماه المصنف في الضوء اللامع 3/ 125 حسن بن محمد بن عبد القادر بن علي. . . القادري. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب، ط). 407 - لم أعثر على ترجمته بهذا الاسم في الضوء اللامع. 408 - الضوء اللامع 7/ 229 - 232.

409 - محمد بن حسن بن علي، خير الدين أبو الخير الرِّيشي القاهري الطُّولُوني الشَّافعي، نقيب المناوي. كتب عنه في "الأمالي". * محمد بن أبي الحسن الشاذلي. يأتي (¬1) في ابن علي بن أحمد. 410 - محمد بن الخضر بن داود، الشَّيخ شمس الدين ابن المصري. سمع منه، وكتب عنه مِنْ "إملائه" و"المشتبه" ومن "الشرح"، وقرأ عليه "المقدمة"، وكثيرًا مِنْ "الشرح" ومن "الإصابة" و"البخاري"، وراسله بأبيات كما تقدَّم في الأسئلة المنظومة، بل حدث عن واحدٍ عنه، كما سلف في علي بن إبراهيم القضامي (¬2). 411 - محمد بن خطَّاب، الشَّيخ شمس الدين الأبشيطي. قرأ عليه في "البخاري". 412 - محمد بن خليل بن إبراهيم بن عبد اللَّه الحنفي، عُرف بابن الزَّردكاش، صلاح الدين النَّاسخ. 413 - محمد بن خليل بن إبراهيم بن علي بن سراج بن عبد المعطي بن عبد القوي، المالقي (¬3) الحضرمي المصري السعودي الصُّوفي الشَّافعي، شمس الدين المزوّر (¬4)، عرف بابن المنير. سمع عليه في ¬

_ 409 - الضوء اللامع 7/ 226، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). (¬1) برقم 452. 410 - هذه التَّرجمة والتراجم بعدها حتَّى 417، لم أعثر عليها في الضوء اللامع، ويبدو أن في المطبوع منه نقصًا كبيرًا. وقد أشار المصنف إلى ابن المصري هذا في الكنى مِنْ الضوء 11/ 271. وهو مترجم أيضًا في إنباء الغمر 9/ 27 - 28، والمجمع المؤسس 3/ 304، كلاهما للحافظ ابن حجر. (¬2) رقم 258 ص 1112. 411 - أشار إليه المصنف في الضوء اللامع 11/ 182. 412 - أشار اليه المصنف في الضوء اللامع 11/ 249. 413 - أشار إليه المصنف في الضوء اللامع 11/ 272. (¬3) في (ط): المالكي. (¬4) في هامش (ط): نسبة إلى الزيارة.

سنة أربع وثلاثين "مناقب اللَّيث" عند ضريحه، و"مناقب الشَّافعي" عند ضريحه أيضًا، وأشياء غير ذلك. 414 - محمد بن خليل بن إبراهيم الحراني ابن المنمنم، والد التقيِّ محمد. كان يحضر عنده في درس الحديث بالشَّيخونيَّة. قال شيخُنا: واستفدتُ منه. 415 - محمد بن خليل بن أحمد بن جمعة، الحُسيني سكنًا، صاحبي شمس الدين، وابن صاحبُ والدي الفقيه عز الدين الذي سمع منه أصحابُنا، ولم يتهيَّأ لي السَّماع منه، مع كثرة لقيِّه ومزيد الاختصاص، وهو أيضًا ممَّن لازم السمح عند صاحبُ التَّرجمة فيمن كان يقرأ عليه ليلًا، مع شدَّة اختصاصه ببيت البُلقيني. 416 - محمد بن خليل بن قطلوبغا المحب الأوجاقي الحنفي. قرأ عليه "البخاري" أو معظمه، وسمع عليه غير ذلك. 417 - محمد بن خليل بن محمد الطرابلسي، عرف بابن الوجيه. 418 - محمد بن خليل بن يوسف بن علي، محب الدين أبو حامد المقدسي، نزيل الجماليَّة. قرأ عليه "شرح النخبة" و"شرح الألفيّة" و"مناقب الشَّافعي" و"بذل الماعون"، وأشياء مِنْ تصانيفه، وهي: "القول المسدَّد"، والآثار والأشعار التي في آخر "المائة" التي خرجها لشيخه التنوخي، وقطعة مِنْ "تخريج الرافعي" إلى صلاة الجمعة، ومن أول "فتح الباري" أيضًا ¬

_ 414 - أشار إليه المصنف في الضوء اللامع 11/ 272، وهو في المجمع المؤسس لابن حجر 3/ 333، وتحرف فيه "ابن المنمنم" إلى "ابن النهم". 415 - أشار إليه المصنف في الأنساب مِنْ الضوء اللامع 11/ 198. 416 - لم أعثر على ترجمته في المطبوع مِنْ الضوء اللامع. 417 - أشار إليه المصنف في الضوء اللامع 11/ 275. 418 - الضوء اللامع 7/ 234 - 237.

قطعة، وكذا قرأ عليه مِنْ غيرها، بل سمع عليه بقراءة غيره أشياء. ووصفه على "بذل الماعون" بالفاضل الأوحد المفنَّن، جمال الطَّالبين، صدر المدرسين، وأذن له في إفادته. وكذا وصفه على "شرح الألفية" بقوله: الشَّيخ الفاضل الأوحد المفنَّن، المُجِدُّ في التَّحصيل، والمجوِّدُ للتَّفريع والتَّأصيل، وأنَّه قرأه بحثًا عن مقاصده، وإيضاحًا لفوائده. قال: وقد أذنت له أن يرويه عنِّي ويفيده لمن رأى الأهليَّةَ فيه ممَّن يقرب ويدني، وأعلمتُه أنَّني قرأتُه على شيخنا مصنِّفه في مدَّة يسيرة، وأذن لي في إقرائه على الطَّريقة الشَّهيرة، وذلك عند ختمي له عنده في أوائل هذا القرن أو أواخر الماضي. وأجزت له أن برويَ عنِّي جميعَ ما أرويه مِنْ مسموع ومُجاز، وما جمعته مِنْ الفنون الحديثية وغيرها ممَّا كَمُلَ أو شارف النَّجاز، وما أنشأته مِنْ نظم ونثر يتضمَّن ما تقتضيه البلاغة مِنَ الحقيقة والمجاز، وذلك في أواخر سنة ثمان وأربعين. ووصفه على "شرح النخبة" قبل ذلك في رجب سنة خمس وأربعين: بالشَّيخ الفاضل، المفنَّن البارع، الأوحد. ووصف والدَه بالشَّيخ المقتدي، غرس الدين. وقال: إنَّها قراءة بحث وإتقان، وإفادة تضاهي الاستفادة بشهادة السَّمع والعيان. قال: وقد أذنت له أن يفيدها لمن أراد ذلك حقَّ الإرادة، مبتَغيًا مِنَ اللَّه تعالى في ذلك الثَّواب، بلغه اللَّه تعالى ذلك وزيادة. وقرَّض له على شيءٍ جمعه كما أسلفته في الفصل الأول مِنْ الباب السادس، وكتب مِنْ أجله إلى الظَّاهر والزَّيني الأستادار والشَّيخ علي المحتسب، كما سلف في الباب قبلَه. 419 - محمد بن سالم بن محمد الرَّحبي الحلبي الواعظ. قرأ عليه في "البخاري" وقابل في "المقدمة". وغير ذلك. ¬

_ 419 - الضوء اللامع 7/ 248.

420 - محمد بن سليمان بن مسعود، شمس الدين الشَّبراوي، ثم القاهري الشَّافعي الإمام بالسَّنقُورية وحافظ "الشفاء" وغيره، ووالد شمس الدين محمد المقرىء، أحد مِنْ سمع عليه أيضًا. 421 - محمد بن سليمان، العلَّامة محي الدين الكافياجي، شيخ الشَّيخونية، والعالم الكبير. [كتب له شيخُنا على نسخته مِنْ "شرح النخبة" ما نصُّه: أذنت لمالك هذه النُّسخة المباركة الشَّيخ الإمام، الأوحد الفاضل، البارع، جمال المدرسين، مفيد الطَّالبين، شمس الدين، الشَّهير بالكافياجي الحنفي، أن يرويَ عنِّي هذا التوضيح، وأن يروي عني جميع ما يجوز عني روايتُه مِنَ المسموعات والمُجازات، ومنها الكتب السِّتَّة، و"مسند الإمام أبي حنيفة" و"موطأ الإمام مالك" و"مسند الإمام الشَّافعي" و"مسند الإمام أحمد" وغيرها. وذلك في المحرم سنة اثنتين وأربعين وثمان مائة، وكتبه أحمد بن علي بن حجر، غفر اللَّه تعالى له] (¬1). 422 - محمد بن شفشيل، الفقيه شمس الدين الحلبي. كتب عن شيخنا كثيرًا، وسمع شيخنا مِنْ نظمه بحلب. 423 - محمد بن صالح بن عمر بن رسلان البلقيني، البهاء أبو البقاء ابن القاضي علم الدين. 424 - محمد بن صدَقَة بن عمر، الشَّيخ كمال الدين، الدِّمياطي الأصل، المصري الشَّافعي المجذُوب رأيته كتب عنه "الإملاء" مع الجماعة. ¬

_ 420 - الضوء اللامع 7/ 262. 421 - الضوء اللامع 7/ 259 - 261. (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). 422 - الضوء اللامع 7/ 266 - 267. وقيل محمد بن شفليش -بمعجمتين، الأولى مفتوحة بعدها فاء ساكنة، ثم لام وياء- ورأيت مِنْ كتبه شفتيل. 423 - الضوء اللامع 7/ 268 - 269. 424 - الضوء اللامع 7/ 270 - 271.

425 - محمد بن صلاح المقسمي، الشَّهير بابن أنس، الشَّيخ المعَمَّر، شمس الدين، أحد الملازمين لمجلس الإملاء. 426 - محمد بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن محمد، الشَّيخ نجم الدين ابن القاضي ولي الدين ابن قاضي عجلون الدمشقي. قرأ عليه في "شرح الألفية"، وأذن له، وحمل عنه غير ذلك، وصار أحدَ الأعيان، تزيدُ محفوظاتُه على العشرين. 427 - محمد بن عبد اللَّه بلكان بن عبد الرحمن، الشَّيخ محب الدين القادري. 428 - محمد بن عبد اللَّه بن محمد، الشَّمس المنصوري. 429 - محمد بن عبد اللَّه بن يوسف بن حجاج بن قريش المخزُومي، خادمه. لزمه كثيرًا، وكتب "المقدمة" و"بذل الماعون" وغيرهما. 430 - محمد بن عبد الحق بن إسماعيل بن أحمد، أبو عبد اللَّه الأنصاري السَّبتي. حضر عنده في "الإملاء"، ونسخ له، وترجمه في سنة ثلاث وثلاثين. 431 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد، الشَّيخ جلال الدين البكري الفقيه القاضي. 432 - محمد بن عبد الرحمن، ابن العماد حسام الدين ابن بُرَيْطع الدمشقي الحنفي، قاضي صفد، ثم دمشق، وابن قاضي غزة. قرأ عليه مِنْ ¬

_ 425 - الضوء اللامع 7/ 272 - 273. 426 - الضوء اللامع 8/ 96 - 97. 427 - الضوء اللامع 8/ 97 - 98. 428 - الضوء اللامع 8/ 114. 429 - الضوء اللامع 8/ 116 - 117. 430 - الضوء اللامع 7/ 279 - 290. 431 - الضوء اللامع 7/ 284 - 286. 432 - الضوء اللامع 7/ 289.

"شرح الألفية" للعراقي، وسأله نظمًا كما سلف. 433 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السَّخاوي القاهري الشَّافعي، جامعه. لازمه بأخرة أشدَّ ملازمةً، حتَّى حمل عنه ما لم يُشاركه فيه غيرُه مِنَ الموجودين، وأقبل الشَّيخ عليه -بحمد اللَّه- بكلِّيَّته حتَّى صار يُرسل إليه قاصِدَهُ يُعلمه بوقت ظهوره مِنْ بيته ليقرأ عليه. وسمع مِنْ لفظه أشياء، وحمل عنه أكثر تصانيفه، وأذن له في الإقراء، بل شهد عليه كلٌّ مِنَ العلَّامتين قاسم الحنفي والبدر بن القطان -فيما أثبتاه بخطيهما- أنَّه أمثلُ جماعته في الفن، إلى غير ذلك ممَّا يَثْقُل إيراده عندَ كثيرٍ ممّن لم يكن لعداوته له مِنَ الأسباب غير إقباله عليه وميله إليه، واللَّه المستعان، ولا حول ولا قوة إلَّا باللَّه. 434 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي، حفيد الأمين الحمصي كاتب السر بدمشق، وولد قاضي حمص الحنفي. عرض عليه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ببلدِه حمص، حيث اجتاز بهم سنة آمد. قال شيخنا: وسِنُّهُ إحدى عشرة سنة، وقد حفظَ القرآن كلَّه، وقام به في رمضان سنة خمس وثلاثين، وهو دون العشر سنين، ثم حفظ "الملحة في الإعراب"، ثم "مجمع البحرين" لابن السَّاعاتي، ثم "ألفيَّة ابن مالك"، وعرض منها مواضع باقتراحي بقوَّة جِنان وسردٍ قوي، بحيثُ يتحقَّق مِنْ حاله أنَّه حفظ ذلك كلَّه حفظًا مُتقنًا، لا يتلعثم في شيءٍ منه، ودل على نجابة زائدة، فاللَّه يوفقه. 435 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي، الشمس أبو اليسر ابن الإمام الزين أبي هريرة ابن النَّقَّاش. ¬

_ 433 - الضوء اللامع 8/ 2 - 32، وهو المصنف. 434 - الضوء اللامع 7/ 39. 435 - الضوء اللامع 8/ 38 - 39.

436 - محمد بن عبد الرَّحمان بن محمد، الشمس أبو الخير ابن الشَّيخ زين الدين القلقشندي المقدسي، أخو عبد الكريم، وابن أخي شيخنا التَّقي أبي بكر القلقشندي الماضي كلٌّ منهما. 437 - محمد بن عبد الرحيم بن أحمد، الشَّيخ شمس الدين المنهاجي، عرف بسبط اللَّبَّان. قرأ "صحيح البخاري" [بمدرسة البرهان المحلي بمصر] (¬1) على الشمس ابن القطَّان بحضور صاحبُ التَّرجمة، وفي يوم الختم قرأ عليه "ترجمة البخاري" مِنْ جمعه، وذلك في رمضان سنة خمس وثماني مائة، ثم قرأ معظمها أيضًا عليه فيه عَوْدًا على بَدْءٍ، وكتب عنه كثيرًا، وطارحه مرارًا بما لم أقف على شيء منه الآن، وسمع شيخُنا مِنْ نظمه. 438 - محمد بن عبد الرحيم بن عبد الكريم، الشَّيخ عفيف الدين ابن الشَّرف الجرهي. والد نعمة اللَّه الآتي، وأحد السَّائلين لصاحب التَّرجمة -كما تقدم- في الأسئلة المكية. [قال في "مشيخته": إنه لقيه في سنة ست وثمانمائة بعدن، فقرأ عليه "مسند الشَّافعي" و"البردة"، ثم سمع عليه "الأربعين النووية"، ولازم مجلسه قريبًا مِنْ ثلاثة أشهر، ولقيه أيضًا بمكة في سنة خمس عشرة، فقرأ عليه "المناسك" للعلامة تقي الدين الجراحي، وكذا] (¬2) أخذ عنه في "تخريج الأربعين النووية" وغيرها. [سمع عليه اليسير مِنْ كل مِنْ "الموطأ" والكتب الستة و"الترغيب" للمنذري بقراءة الفتحي، ووصف بخطه كلًا مِنْ السامع ووالده بالعلامة] (¬3). ¬

_ 436 - الضوء اللامع 7/ 310 - 302. 437 - الضوء اللامع 8/ 49 - 50. (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب)، وأضافه المصنف بخطه في هامش (ح). 438 - الضوء اللامع 8/ 50 - 51. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط)، وهو مِنْ زيادات المصنف في "ح". (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط)، وقد تكرر أيضًا في التَّرجمة رقم 443 ـ

439 - محمد بن عبد الرحيم بن محمد، المحب أبو البركات الهيثمي القاضي. 440 - محمد بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب، جلال الدين المرجُوشي المقرىء. 441 - محمد بن عبد العزيز. أظنُّه محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز الآتي، فيحرر، [ويحتمل غيره، ففي المدنيين] (¬1). 442 - محمد بن عبد العزيز بن عبد السَّلام بن محمد الكازروني. 443 - محمد بن عبد العزيز، شمس الدين ابن عماد الدين الأبهري. سمع عليه اليسير مِنْ كلٍّ مِنْ "الموطأ" والكتب الستة و"الترغيب" للمنذري بقراءة الفتحي، ووصف بخطِّه كلًّا مِنْ السامع ووالده بالعلامة. 444 - محمد بن عبد القادر بن أبي بكر، سعد الدين البكري البلبيسي الأصل، القاهري، كاتب العليق وابن كاتبه. حضر مع والده عنده في مجالس الإملاء. 445 - محمد بن عبد المنعم بن محمد، الشَّيخ شمس الدين الجوجري القاهري. قرأ عليه في "شرح الألفية" بحضرة الشَّيخ أبي القاسم وغيره. ¬

_ 439 - الضوء اللامع 8/ 52 - 53. 440 - الضوء اللامع 8/ 55. 441 - انظر التَّرجمة الآتية برقم 489. (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). 442 - الضوء اللامع 8/ 60 - 61. 443 - الضوء اللامع 8/ 64، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 444 - الضوء اللامع 8/ 65 - 66. 445 - الضوء اللامع 8/ 123 - 126.

446 - محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي، أخو عبد الغني الماضي. سمع عليه "المتباينات" و"تخريج الأربعين النووية"، وغيرها مِنْ تصانيفه. 447 - محمد بن عبد الواحد، العلَّامة المحقق الكمال ابن الهمام، السِّيواسي الأصل، نزيل القاهرة، الحنفي. صرَّح في "شرح الهداية" بقوله: شيخنا. وقرأ عليه أبو الفتح محمد بن إسماعيل "الترغيب والترهيب"، وسأله عمَّن يرويه؟ فقال: عن شيخ الإسلام ابن حجر. وأمَّا أنا، فقد رأيتُ سماعَه عليه قديمًا في سنة ست عشرة وثمانمائة "للحصن الحصين" لابن الجزري، ووصفه بالعالم العلَّامة، الفاضل، ابن الإمام العلامة هُمام الدين السِّيواسي الأصل، نزيل القاهرة، حفظه اللَّه تعالى، ورفع درجته. وأذن له في روايته عنه مع جميع ما تجوزُ عنه روايته مِنْ معقول ومنقول. 448 - محمد بن عبد الوهاب بن خليل، الشَّيخ أبو مُساعد المقدسي. 449 - محمد بن عبد الوهاب بن عبد اللَّه، الشَّيخ جمال الدين، حفيد العفيف اليافعي المكِّي. 450 - محمد بن عبد الوهاب بن محمد، الظَّهير الطرابُلْسي الحنفي. 451 - محمد بن عثمان بن أيوب اللُّؤلُؤي الدِّمشقي الكُتبي. 452 - محمد بن علي بن أحمد بن أبي بكر، الشَّيخ شمس الدين الشاذلي المصري، عرف بابن أبي الحسن، أحد مِنْ كتبتُ عنه. سمع عليه في سنة خمس وثماني مائة "ترجمة البخاري" مِنْ جمعه، ووصفه بالإمام. ¬

_ 446 - الضوء اللامع 8/ 126، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 447 - الضوء اللامع 8/ 127 - 132. 448 - الضوء اللامع 8/ 133، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). 449 - الضوء اللامع 8/ 134. 450 - الضوء اللامع 8/ 135 - 136. 451 - الضوء اللامع 8/ 141 - 142. 452 - الضوء اللامع 8/ 160.

453 - محمد بن علي بن أحمد بن عثمان، المحب ابن الشَّيخ نور الدين البُلبيسي الأزهري إمام الأزهر، وابن إمامه، وحفيد إمامه. سمع عليه في رمضان مِنْ سنين [وغيره. كما سيأتي فيمن اسم جَدِّه محمد، فيحَرَّرُ الصواب منهما] (¬1). 454 - محمد بن علي بن أحمد البرديني. سمع "المجالسة" وغيرها. 455 - محمد بن علي بن أحمد، أبو الخير ابن الشَّيخ نور الدين الآدمي. 456 - محمد بن علي بن إسماعيل، أبو الفتح ابن الريس الأزهري، نزيل المدينة والمتوفَّى بها، ويُنسبُ لجدِّه، فيقال له: أبو الفتح ابن إسماعيل. 457 - محمد بن علي بن أبي بكر بن أحمد بن عطاء اللَّه، شمس الدِّين الرَّشيدي. 458 - محمد بن علي بن جعفر بن مُختار، الشَّيخ الإمام شمس الدين ابن قمر، الحُسَيْني سكنًا. أكثر عنه، واختص به، وضبط الأسماء في كثيرٍ مِنَ الأوقات عنده، وكتب "الشرح" مرتين، و"اللسان" و"التهذيب" و"المقدمة" [و"المشتبه" و"التعليق" و"النكت الظراف" و"أطراف المسند" و"الفهرست"] (¬2) ¬

_ 453 - الضوء اللامع 8/ 165. وانظر التَّرجمة رقم 464. (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). 454 - الضوء اللامع 8/ 170، وقال المصنف: وسيأتي محمد بن محمد بن عبد اللَّه البرديني، فيحرر. ثم ترجمه في 9/ 129. 455 - الضوء اللامع 8/ 159. 456 - الضوء اللامع 8/ 171. وقال المصنف: مضى فيمن جده أحمد بن إسماعيل. قلت: وهو بهذا الاسم في الضوء 8/ 157. 457 - الضوء اللامع 8/ 173. 458 - الضوء اللامع 8/ 176 - 178. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

و"المعجم"، وأشياء كثيرة، واستملى عليه بأخرة، وأذِنَ له في الإفادة. 459 - محمد بن علي بن خالد، الشمس ابن البَيْطار. أحد مَنْ ذُكِرَ في الفصل الثاني مِنْ أسماء مَنْ أخذ عنه صاحبُ التَّرجمة (¬1). سمع عليه بعض "تغليق التعليق" بقراءة ابن درباس. 460 - محمد بن علي بن راشد، الحفصي الوصابي اليماني. سمع عليه "المجالسة" وغيرها. 461 - محمد بن علي بن عُبيد بن محمد الصُّوفي، عرف بابن الشَّيخ علي. قرأ عليه أشياء؛ مِنْ جملتها "ديوان خطبه" وشعره. 462 - محمد بن علي بن علي بن محمد بن نَصِير -بفتح أوَّله، وكسر المهملة- الشَّيخ شمس الدين، القوصي الأصل، القاهري المولد والدار، ابن الفالاتي. قرأ عليه "علوم الحديث" لابن الصلاح، و"تخريج أحاديث الرافعي"، وغير ذلك. وأذن له في الإفادة. 463 - محمد بن علي بن عيسى، الشَّرف بن جَوْشَن، ابن أخي الفخر محمد بن عيسى، الآتي قريبًا. 464 - محمد بن علي بن محمد بن عثمان، المحب ابن الشَّيخ نور الدين المخزومي البلبيسي، إمام الأزهر وابن إمامه. ¬

_ 459 - الضوء اللامع 8/ 180. (¬1) 1/ 226. 460 - الضوء اللامع 8/ 182، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). 461 - الضوء اللامع 8/ 195 - 160. 462 - الضوء اللامع 8/ 197 - 198. 463 - الضوء اللامع 8/ 202. 464 - هذه التَّرجمة مضروب عليها في (ب)، ولم أجدها في الضوء اللامع، إنما أشار إليها المصنف في الكنى مِنْ الكتاب 11/ 192، وانظر التَّرجمة المتقدمة برقم 453.

465 - محمد بن علي بن محمد بن عيسى، العلامة شمس الدين القطان، أحد شيوخه. سمع عليه "ترجمة البخاري" مِنْ جمعه في سنة خمس وثماني مائة. 466 - محمد بن علي بن محمد بن قاسم، الشَّيخ شمس الدين ابن المُرَخِّم. أخذ عنه "شرح النُّخبة" وغيرها، وأذن له. 467 - محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي، محقق العصر، قاضي القضاة، شمس الدين. لازمه في مجلس إسماعه، وجلس بين يديه واستفاد، وكان شيخُنا كثيرَ البِرِّ له. 468 - محمد بن علي بن محمود، شمس الدين ابن تاج الدين ابن نجم الدين العمري الكيلاني الحنبلي. سمع عليه "المتباينات" بقراءة الفتحي، ووصفه بالعالم. 469 - محمد بن علي ابن الشَّيخ مصباح بن أبي الحسن اللَّامي المقسِّي، شمس الدين ابن الشَّيخ نور الدين، خال عبد الرحيم الأبناسي الماضي، والمتوفى والدُه في سنة ثلاث عشرة وثماني مائة. 470 - محمد بن علي بن منصور، الفاضل أبو اللطف الحصنكيفي، ثم المقدسي الشَّافعي. أخذ عنه إملاءً وغير ذلك، ومدحه بقصيدة. 471 - محمد بن علي، الشمس الصابوني الموقع. 472 - محمد بن علي، الشمس الصالحي المكي. ¬

_ 465 - الضوء اللامع 9/ 9. 466 - الضوء اللامع 8/ 205 - 207. 467 - الضوء اللامع 8/ 212 - 214. 468 - الضوء اللامع 8/ 218. 469 - الضوء اللامع 8/ 219 - 220. 470 - الضوء اللامع 8/ 220 - 221. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 471 - الضوء اللامع 8/ 201، وقال: فيمن جده عمر. وترجمه بهذا الاسم في 8/ 201. 472 - الضوء اللامع 8/ 229، وقال: فيمن جده محمد بن عثمان بن إسماعيل.

473 - محمد بن علي، المحب الفارقي. 474 - محمد بن عمر بن أحمد، البدر ابن السِّراج البرماوي. 475 - محمد بن عمر بن أبي بكر، المحدث التاج الشرابيشي، أحد الطَّلبة العشرة بدرس الحديث في الجمالية. 476 - محمد بن عمر بن حسين، جلال الدين ابن العلَّامة الشَّيخ سراج الدين العبادي. 477 - محمد بن عمر بن عبد الرّحمن، الشمس أبو الخير الزّفتاوي القاهري الشَّطرنجي. 478 - محمد بن عمر بن عثمان الصفدي. سمع عليه بحلب "شرح النخبة"، وكتبه بخطه، ومدحه بأبيات، ومدح مصنّفه أيضًا كما سلف. 479 - محمد بن عمر بن محمد، الشَّيخ جمال الدين ابن فخر الدين البارنباري المصري. سمع عليه في سنة خمس وثماني مائة "ترجمة البخاري" مِنْ جمعه، ثم غير ذلك، بلولازمه في "الأمالي" حتَّى كتب عنه فيها "تخريج ابن الحاجب" وغيره. 480 - محمد بن عمر بن محمد، ناصر الدين الشَّيخي، نزيل الكاملية. كتب عنه كثيرًا مِنْ مجالس الإملاء. 481 - محمد بن عمر بن محمد النَّشيلي. ¬

_ 473 - الضوء اللامع 8/ 230. 474 - الضوء اللامع 8/ 237 - 238. 475 - الضوء اللامع 8/ 241 - 242. 476 - الضوء اللامع 8/ 244. 477 - الضوء اللامع 8/ 246. 478 - الضوء اللامع 8/ 250. 479 - الضوء اللامع 8/ 254. 480 - الضوء اللامع 8/ 268. 481 - الضوء اللامع 8/ 268.

482 - محمد بن عيسى بن عثمان بن عيسى بن عثمان، الفخر ابن الشَّرف بن جوشن. لازمه كثيرًا، وهو ممَّن سمع مِنْ لفظه في "البخاري". 483 - محمد بن عيسى بن محمد الأقفهسي. أحَدُ الصُّوفية بالفخرية، عرف بابن سُمْنة. 484 - محمد بن عيسى، العلامة أبو عبد اللَّه، اللَّبَسِّي (¬1) الأندلسي النَّحوي، الجامع بين المعقول والمنقول، قاضي حماة. قرأ عليه في علوم الحديث، وترجمه شيخنا في "تاريخه". 485 - محمد بن عيسى الطائفي. سمع عليه في سنة أربع وعشرين بمنى "المتباينات"، و"تخريج الأربعين النووية" وغيرهما مِنْ تصانيفه. * محمد بن أبي الفتح بن عبد النور الفيُّومي. مضى في: محمد بن أحمد بن عبد النُّور. 486 - محمد بن قاسم بن علي، الشَّيخ شمس الدين المقسمي المرجوشي. قرأ عليه "شرح الألفية" و"ديوان شعره" وغيرهما. وهو ممن حفظ "بلوغ المرام" مِنْ تصنيفه، وأذن له في الإفادة. 487 - محمد بن محمد بن إبراهيم، الشَّيخ شمس الدين بن البهلوان ¬

_ 482 - الضوء اللامع 8/ 275. 483 - الضوء اللامع 8/ 276 - 277. 484 - الضوء اللامع 8/ 277. (¬1) في الضوء اللامع: "التبسي"، تحريف. وقد ترجمه الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر" 8/ 247، رجاء في هامه: بفتح اللام المشددة، ثم الموحدة الخفيفة، وتشديد المهملة المكسورة، نسبة إلى حصن مِنْ معاملة وادي آش. 485 - الضوء اللامع 8/ 276، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). * تقدم برقم 350، وهو في الضوء اللامع 6/ 330، وترجمه المصنف كما هنا في 8/ 279، وأحال على ما سبق. 486 - الضوء اللامع 8/ 282 - 284. 487 - الضوء اللامع 8/ 300 - 301.

المكتب. قرأ عليه بعض فتاواه، وسمع عليه غير ذلك. 488 - محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر، الشمس ابن الشَّيخ شمس الدين الحموي الشَّافعي، عرف بابن الأشقر. قرأ عليه في "البخاري"، وسمع عليه غير ذلك. 489 - محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز، شمس الدين اللَّخمي، ابن عم جهة صاحبُ التَّرجمة أم أولاده أنس ابنة القاضي ناظر الجيش كريم الدين عبد الكريم بن أحمد. قرأ عليه وسمع؛ فممَّا قرأ عليه مِنْ "جزء سلوت في ثبت كلوت"، وسمعه معه التَّقيُّ الفاسي، والصَّلاح الأقفهسي. ومما سمع عليه: "النخبة" بقراءة الشُّمُنِّي، وكتب عنه مِنْ "أماليه" وغيرها. وكان أحدَ الطَّلبة العشرة بالجماليَّة. 490 - محمد بن محمد بن أحمد بن عمر، بدر الدين ابن القرافي، الماضي أبوه. 491 - محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، العلامة الفصيح المفوَّه، الكمال أبو الفضل القرشي الهاشمي العقيلي النُّويري المكِّي، خطيبها الشَّافعي. قرأ عليه في الفقه وغير ذلك. 492 - محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمود، الشَّيخ ناصر الدين أبو الفرج ابن قاضي القضاة بطيبة، الإمام أبو عبد اللَّه الكازروني المدنى الشَّافعي، قرأ عليه "الخصال المكفرة" وغيرها. 493 - محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف العقبي، حفيد شيخنا ¬

_ 488 - الضوء اللامع 9/ 3 - 4. 489 - الضوء اللامع 9/ 8. 490 - الضوء اللامع 9/ 27. 491 - الضوء اللامع 9/ 30 - 31. 492 - الضوء اللامع 9/ 44. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 493 - الضوء اللامع 9/ 46.

الشهاب أخي الزين رضوان المستملي. سمع "العشرة العشاريات"، واليسير مِنْ "التقريب"، و"المتباينات"، وغير ذلك بقراءة عم والده رضوان المذكور. 494 - محمد بن محمد بن أحمد، الحموي الحنفي، عرف بابن المعشوق. قرأ عليه في "البخاري"، وسمع عليه غير ذلك. 495 - محمد بن محمد بن إسماعيل، الشمس الغانمي المقدسي. 496 - محمد بن محمد بن إسماعيل الوفائي. 497 - محمد بن محمد بن أيوب بن مكِّي بن عبد الواحد، شمس الدين الفوِّي الشَّافعي. 498 - محمد بن محمد بن أبي بكر بن خالد بن إبراهيم، الشَّيخ بدر الدين السَّعدي الحنبلي، الذي ولي قضاء مذهبه في سنة ست وسبعين. 499 - محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي، العلَّامة الكمال أبو المعالي، ابن أبي شريف المقدسي. قرأ عليه أشياء؛ منها في "البخاري" و"أسباب النزول" وجميع (¬1) "شرح النخبة". ووصفه بالفاضل البارع الأوحد الكامل، أدام اللَّه سعادته، ووفق إرادته، ووفر سيادته. قال: وقد قرأ عليه الكثير مِنْ فنون الحديث، وحضر المجالس الذي يُقرأ فيها عليَّ، وشارك في المباحث الدَّالَّة ¬

_ 494 - الضوء اللامع 9/ 51. 495 - الضوء اللامع 9/ 54، وهذه التَّرجمة ساقطة مِنْ (ط). 496 - الضوء اللامع 9/ 55. 497 - الضوء اللامع 9/ 55. 498 - الضوء اللامع 9/ 58 - 60. 499 - الضوء اللامع 9/ 64 - 67. (¬1) مِنْ هنا إلى نهاية التَّرجمة لم يرد في (ب، ط).

على الاستعداد، وتأهل لأنَّ يفي بما يعمله ويتحقَّقه مِنْ مذهب الإمام الشَّافعي مَنْ أراد، ويفيد العلوم الحديثيَّة ما يستفاد مِنْ المتن والإسناد، علمًا لأهليَّتِه لذلك، وتولجِه في مضايق تلك المسالك، وكان ذلك في جمادى الثاني سنة ست وأربعين وثمان مائة. 500 - ولأخي الكمال هذا -وهو الشَّيخ برهان الدين إبراهيم- مِنْ صاحبُ التَّرجمة إجازةٌ فقط. 501 - محمد بن محمد بن أبي بكر ابن النظام المقرىء، نزيل الخانقاه الصَّلاحية بالقاهرة. 502 - محمد بن أمير حاج محمد بن الحسن بن علي بن سليمان، الشَّيخ شمس الدين الحلبي الحنفي، عرف بابن أمير حاج. قرأ عليه في "شرح الألفية". 503 - محمد بن محمد بن الحسن بن علي بن عبد العزيز، الشمس ابن الجمال البدراني. أخذ عن شيخنا "شرح النُّخبة"، وأذن له فيها كما أسلفته، وسمع مِنْ لفظه في "البخاري". 504 - محمد بن محمد بن حسن بن محمد، العلَّامة الكمال الشُّمُنِّي. قرأ عليه أشياء؛ مِنْ جملتها "النخبة" في سنة خمس عشرة وثمانمائة، و"تغليق التعليق" في سنة سبع عشرة وثماني مائة، وكتب عنه كثيرًا، وعمل على "النخبة" شرحًا (¬1)، ولأجله قال صاحبُ التَّرجمة: و (صاحبُ البيت أدرى بالذي فيه) ¬

_ 500 - الضوء اللامع 1/ 134 - 136. 501 - الضوء اللامع 9/ 69 - 70. 502 - الضوء اللامع 9/ 72 - 73. 503 - الضوء اللامع 9/ 73. 504 - الضوء اللامع 9/ 74 - 75. (¬1) وردت العبارة في (ب، ط): وكتب عنه كثيرًا، مِنْ ذلك النخبة، وعمل عليها شرحًا.

وكان شيخنا يقدِّمه وينوه بفضيلته، بل قال: سمعتُ مِنْ فوائده. ورغب له عن تدريس الحديث بالجماليَّة، لكونه كان أمثلَ الطَّلبة عنده بها، ووصفه حيثُ فهرس "المشيخة" التي خرجتُها لولده الماضي: بالشَّيخ الإمام العلامة المحدث المكثر المفيد. ورأيتُ بخطِّ الكمال ما ملخَّصُه: تنبيه، أعلم أنَّ رواية السِّلَفيِّ عن ابن البَطِر عن البيِّع، عن المحاملي، عن البخاري لم يقع للسِّلَفي بهذا السَّند سوى حديث واحد، ولا يُظَنُّ أنَّ عنده "االصَّحيح" بهذه السِّلسلة، كما وهم فيه بعضُ شيوخنا الإسكندرانيين والكرماني الشارحُ. أفاد ذلك شيخُنا الحافظ أبو الفضل العسقلاني. قلت: وسبق إلى الغلط فيه محمد بن أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن اليتيم، كما نبَّه عليه شيخُنا في "اللِّسان". 505 - محمد بن محمد بن سليمان بن مسعود، شمس الدين ابن الشَّيخ شمس الدين الشَّبراوي، ثم القاهري المقرىء نزيل القراسنقرية، وإمامها، وربيب الحجازي، والماضي أبوه (¬1). 506 - محمد بن محمد بن صالح بن أحمد بن عمر بن أحمد، ناصر الدين ابن ناصر الدين ابن السَّفّاح الحلبي، ابن عم عمر بن أحمد بن صالح، المشار إليه في الباب الثاني. قرأ عليه في "البخاري"، ووصفه بالفاضل البارع، حفظه اللَّه تعالى. وهو ممن كان سمع بقراءة صاحبُ التَّرجمة على ابن الكُوَيْك، ودرس للمحدثين بالظَّاهرية القديمة، وللشافعية بالفاضلية، ومدرسة حسن. وله ابن عم آخر يُقال له أيضًا ناصر الدين محمد بن علاء الدين بن صالح. ¬

_ 505 - الضوء اللامع 9/ 84. (¬1) برقم 420. 506 - الضوء اللامع 9/ 86.

507 - محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن خيضر، الإمام انقطب أبو الخير الخيضري الشَّامي، قاضيها الشَّافعي، وكاتب السِّرِّ بها. حمل عن شيخنا جُملةً؛ منها "الإصابة"، ولم يقرأها عليه غيرُه، وكان كثير الميل إليه والتَّنويه يذكره، كما قدمتُ كلامه فيه في الباب السَّابع. 508 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الكافي السُّنباطي. 509 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي، العلامة الكمال إمام الكاملية وابن إمامها. [ممن قرَّض له على بعض تصانيفه]. 510 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البُلقيني، العلَّامة البدر أبو السعادات، ابن القاضي تاج الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين ابن شبخ الإسلام سراج الدين، الذي صار قاضي الشافعية بمصر. سمع عليه، بل قرأ عليه دروسًا مِنْ "شرح النخبة" وغيرها. ولا يُلتفت لقول السِّبط: إنه قرأ عليه -يعني "محاسن الاصطلاح"- فذاك لا أصلَ له، مع كثير ممَّا ذكره في ترجمة هذا ممَّا لا يجوزُ نقلُه. 511 - محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن، تاج الدين ابن شيخنا أفضل الدين ابن صدر الدين ابن المسند عزيز الدين المليجي، ثم القاهري الأزهري الشَّافعي. كان مِنْ ملازمي مجلس الإملاء. 512 - محمد بن محمد بن عبد السلام بن محمد، أبو الفتح ابن تقي الدين ¬

_ 507 - الضوء اللامع 9/ 117 - 124. 508 - الضوء اللامع 9/ 92 - 93. 509 - الضوء اللامع 9/ 93 - 95، وما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). 510 - الضوء اللامع 9/ 95 - 100. 511 - الضوء اللامع 9/ 104. 512 - الضوء اللامع 9/ 106، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط).

الكازروني المدني الشَّافعي. كتب عنه في الإملاء، وسمع عليه غير ذلك. 513 - محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن إسحاق، القاضي ولي الدين الأموي السنباطي المالكي، قاضي القضاة بالديار المصرية. سمع عليه الكثير في رمضان وغيره. 514 - محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن أحمد، القاضي ناصر الدين الزِّفتاوي ثم القاهري الشَّافعي، أحد نوَّابه، وممَّن سافر صُحبَته في سنه آمد إلى حلب، وسمع منه ما أملاه بها وغير ذلك. 515 - محمد بن محمد بن عبد اللَّه، الشمس ابن المحب التَّفَهْني، ثم القاهري الكحّال. 516 - محمد بن محمد بن عبد المنعم، القاضي بدر الدين البغدادي الحنبلي، قاضي الديار المصرية. 517 - محمد بن محمد بن علي بن أحمد النُّويري المكي، قاضيها، أبو اليمن. تقدم ذكرُ صاحبُ التَّرجمة له في ولده، وفي مراسلة في أثناء الباب الذي قبله، وكذا في أخرى في الباب الذي بعده. 518 - محمد بن محمد بن علي بن إدريس، أبو الطَّاهر العلوي الزَّبيدي الشَّافعي المحدث. قرأ عليه أشياء. 519 - محمد بن محمد بن علي بن أبي بكر بن يوسف بن علي اليَلْداني ¬

_ 513 - الضوء اللامع 9/ 113 - 114. 514 - الضوء اللامع 9/ 116. 515 - الضوء اللامع 9/ 130. 516 - الضوء اللامع 9/ 131 - 134. 517 - الضوء اللامع 9/ 143 - 144. 518 - الضوء اللامع 9/ 145 - 146. 519 - الضوء اللامع 9/ 147.

-بسكون اللام، قرية مِنْ غُوطة دمشق- الدمشقي الشَّافعي، خطيب الثابتبة بها. قدم في جمدى الآخرة سنة ثمان وثلاثين، فقرأ عليه "نغبة الظمآن" لأبي حيان، ومكث نحو شهرين، ثم رجع وعاد في سادس صفر سنة تسع وأربعين وثمان مائة، فقرأ عليه "الصحيح"، وسمع عليه "المقدمة" وغيرها، وعلَّق عنه فوائد، وخَطَبَ عنه مرَّةً بجامع عمرو. وأخبرني أنَّ مولده في العشر الأخير مِنْ شوال سنة أربع عشرة وثمان مائة. 520 - محمد بن محمد بن علي بن حسَّان بن محمد المقدسي، العلامة شمس الدين ابن حسَّان. لازمه كثيرًا، وقرأ عليه "شرح النُّخبة" و"شرح الألفية" وتخريج كل مِنْ "الرافعي" و"الهداية" و"الكشاف" و"المصابيح" و"اللسان" وغالب "التهذيب"، وكثيرًا. 521 - محمد بن محمد بن علي ابن العماد محمد بن محمد، الشَّيخ شمس الدين الحَمَلي البلبيسي، ثم القاهري الشَّافعي، عرف بابن العماد، وحضر عنده، وسأله عن بعض المسائل شفاهًا. 522 - محمد بن محمد بن علي بن محمد، الشَّيخ البهاء ابن القطَّان المصري. 523 - محمد بن محمد بن علي بن محمد، المحب ابن القطان. أخو الذي قبله، وهو الأصغر. 524 - محمد بن محمد بن علي، جلال الدين ابن أبي الفضل ابن علاء الدين الرَّدادي الحنفي. ¬

_ 520 - الضوء اللامع 9/ 152 - 154. 521 - الضوء اللامع 9/ 162 - 163. 522 - الضوء اللامع 9/ 159 - 160. 523 - الضوء اللامع 9/ 160. 524 - الضوء اللامع 9/ 158 - 159.

525 - محمد بن محمد بن علي، ناصر الدين المقريزي، أحد العشرة بالجمالية، وابن أخي التَّقي المقريزي المؤرِّخ. 526 - محمد بن محمد بن عمر، شجاع الدين البكتمري الشَّافعي. أخو العلَّامة سيف الدين الحنفي. 527 - محمد بن محمد بن عمر، البدر ابن النَّجم ابن الزَّاهد. 528 - محمد بن محمد بن لاجين، ناصر الدين ابن الحسام، الشَّهير ببيرم. 529 - محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر، المحب ابن الرضي ابن الححب الطَّبري المكي الشَّافعي، إمام المقام بمكة. حضر دروسه في المؤيدية وغيرها. 530 - محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر، البدر ابن القاضي بهاء الدين الأخنائي المالكي. 531 - محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل، الشيخ أبو عبد اللَّه الرَّاعي المغربي. 532 - محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر، الشَّمس الزركشي، المترجم في "معجم" صاحبُ التَّرجمة، ووالد عبد الصمد. سمع عليه بعض "تغليق التعليق" في سنة ثمان وثمانمائة. ¬

_ 525 - الضوء اللامع 9/ 150. 526 - الضوء اللامع 9/ 173. 527 - الضوء اللامع 9/ 178. 528 - الضوء اللامع 9/ 189 - 190. 529 - الضوء اللامع 9/ 191 - 194. وما بين حاصرتين ساقط من (ب). 530 - الضوء اللامع 9/ 196 - 197. 531 - الضوء اللامع 9/ 203. 532 - الضوء اللامع 9/ 208 - 209.

533 - محمد بن محمد بن أبي السعود محمد بن حسين بن ظَهِيرَة القُرشي المكي، قاضيها، الجلال أبو السَّعادات. 534 - محمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن يوسف، المحب البكري المصري الشَّافعي، والد يحيى الآتي. سمع عليه الكثير، وكتب عنه مِنْ "فتح الباري"، ولازم مجلس الإملاء، وامتدحه بقصائد. 535 - محمد بن محمد بن محمد بن عبد اللَّه، السيد العلاء ابن السيد العفيف الإيجي، نزيل الحرم. 536 - محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم، الشرف ابن البدر البغدادي الحنبلي، الماضي أبوه. 537 - محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم، العلامة المحب أبو القاسم النُّوبري المصري المالكي. قرأ عليه "شرح النخبة" قديمًا في سنة ست وعشرين، وقال شيخنا: إنها قراءة بحث وإتقان، وتحرير وعرفان، يثير خباياها وينشر خفاياها. وأذن له في إقرائه وإفادتها. وكذا قرأ عليه "الموطأ" وغيره، وأخذ عنه "شرح الألفية" و"شرح منظومة السَّاوي". وكان النور القمني رفيقًا له فيه. وكان كثير التَّبجيل له، والاعتماد عليه في نقل مذهبه، ووصف هو صاحبَ التَّرجمة بشيخنا الإمام العالم العلَّامة، الحافظ المتقن المحرر، فريد دهره ووحيد عصره، شيخ المحدثين، وإمام الحفَّاظ المتقنين، أحمد الملقب شهاب الدين، والمكنى بأبي العباس. ¬

_ 533 - الضوء اللامع 9/ 214 - 216. 534 - الضوء اللامع 9/ 222. 535 - الضوء اللامع 9/ 232 - 233. 536 - الضوء اللامع 9/ 235 - 236. 537 - الضوء اللامع 9/ 246 - 248.

538 - محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن نصر اللَّه، الزين أبو البركات ابن ناصر الدين ابن المغَيْزِل الحموي. قرأ على شيخنا "شرح النخبة" إلَّا اليسير، فسمعه بقراءة غيره، و"مناقب الشَّافعي"، وأشياء. وكان يجلِّه، بحيث وصفه (¬1) بصاحبنا الفاضل، وأنه كثير الاشتغال بالعلم. سمع عليه كثيرًا، وكتب بيده مِنْ تصانيفي، وهو يحبُّني، حفظه اللَّه. وقال: إن والده حضر إليه بحماة، وأنه ذكر له أنَّ عمره الآن نحو السبعين، وأنه اشتغل على الشَّرف يعقوب خطيب القلعة، وأما أبو البركات هذا، فكان كثير التردُّد إلى القاهرة بسبب التجارة، ولا يزال معلَّلًا، مع علو الهمة في الاستفادة، وآل أمره إلى أن مات بها. 539 - محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد، العلامة البدر ابن البهاء ابن القطان، الماضي والده وعمه قريبًا. قرأ على شيخنا الكثير مِنْ "شرح الألفية" في سنة ثلاث وثلاثين، وسمع الكثير بغير قراءته. وقرأ أيضًا أكثر مِنْ نصف "فتح الباري"، ولازمه كثيرًا، وكان متزوجًا بابنة زوجته ليلى الحلبية. 540 - محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، العلَّامة أبو البركات الغَرَّاقي. قرأ عليه في "شرح الألفية" وغيرها، وسمع عليه أشياء. 541 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مسعود، الشَّيخ شمس الدين السُّنباطي، مفيد المحدثين وبركتهم، وأحد المكثرين عن صاحبُ التَّرجمة وغيره. ¬

_ 538 - الضوء اللامع 9/ 248. (¬1) في الدرر الكامنة 2/ 246 - 247. 539 - الضوء اللامع 9/ 248 - 252. 540 - الضوء اللامع 9/ 253 - 255، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ط). 541 - الضوء اللامع 9/ 272 - 274.

542 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد اللَّه، التقي ابن فهد الهاشمي المكي. سمع عليه "النخبة" في سنة خمس عشرة وثمان مائة بمكة. * محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد اللَّه، النجم ابن فهد، المدعو عمر، تقدم في عمر (¬1). ** محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، أبو زرعة بن فهد أخو المدعو قبله، يأتي في الكنى (¬2). 543 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد، البدر الأنصاري سبط الحسَني. 544 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمود ابن الشهاب غازي بن أيوب بن محمود الشِّحنة بن الختلو بن عبد اللَّه، العلَّامة قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية، المحب ابن الشِّحنة الحلبي الحنفي. كان صاحبُ التَّرجمة يحتفل به ويجلُّه، ووصفه -كما تقدَّم في الباب الثالث- نقلًا عنه في عنوان رسالة بشيخ الإسلام، وكذا كتبها شيخنا في رسالة للشيخ نور الدين التِّلواني. 545 - محمد بن محمد بن محمد بن محمد، الإمام الرئيس الأوحد، جمال الدين ابن السَّابق الحموي الحنفي. قرأ عليه "صحيح البخاري" بتمامه بالقاهرة، وانتهى في رجب سنة أربعين. ¬

_ 542 - الضوء اللامع 9/ 281 - 283. (¬1) تقدم برقم 316. (¬2) سيأتي برقم 607. 543 - الضوء اللامع 9/ 290، وهذه الترجمة لم ترد في (ط). 544 - الضوء اللامع 9/ 295 - 305. 545 - الضوء اللامع 9/ 305 - 306.

ووصفه بالأمير الفاضل المشتغل المحصِّل الأوحد الماهر، سلَّمه اللَّه تعالى سفرًا وحضرًا، وجمع له الخيرات زُمَرًا. وسمع عليه قبل ذلك "المسلسل بالأولية"، لكنه لم يتسلسل له مطلقًا، وقطعة مِنْ "المعجم الأوسط" للطبراني، وغير ذلك، وأول ما لقيه بحماة، استدعى منه الإجازة بقوله: المسؤول مِنْ سيِّدنا ومولانا قاضي القضاة. حاكم الحكام، شيخ الإسلام، بركة الأنام، حافظ أهل مصر والشام، بل أهل الدنيا على التَّمام. عالم الأمة، وسراج الملَّة، وحُجَّة أهل السنة. وكتب له صاحبُ التَّرجمة: أما بعد، فقد أجزتُ للذي تفضَّل بهذا السُّؤال إجابة لمراده، وساق الإجازة. وأرَّخها في ثامن عشري شعبان سنة ست وثلاثين بظاهر حماة. وكان ذلك وهو متوجِّهٌ إلى آمد. وفي رجوعه لقيه بظاهر حماة أيضًا في يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة مِنَ السَّنة، فقرأ عليه بعضًا مِنْ أول "البخاري"، وسمع اليسير منه أيضًا بقراءة كلٍّ مِنْ ناصر الدين محمد بن محمد بن أحمد الحموي الحنفي، عرف بابن المعشوق، والشمس محمد ابن الشَّيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الحموي الشَّافعي، عرف بابن الأشقر، والشمس محمد بن إبراهيم بن فرج. وسمع عليه المجلس الأول مِنْ "الأمالي الحلبية" بقراءة البقاعي. وناوله في شعبان سنة تسع وثلاثين "القاموس"، وكتب له خطّه بذلك عليه، ووصفه بالفاضل البارع الأصيل الأوحد، وقال: بارك اللَّه تعالى في حياته، وبلَّغه مِنَ الدرجة العالية أقصى غاياته. 546 - محمد بن محمد بن محمد بن مسلم، الحافظ التَّاج الغرابيلي. ارتحل لصاحب التَّرجمة حتَّى حرَّرَ نسخته "بالمشتبه" غاية التحرير، وأخذ عنه أشياء. ¬

_ 546 - الضوء اللامع 10/ 6.

547 - محمد بن محمد بن محمد بن يحيى، البدر ابن القاضي ناصر الدين ابن المخلِّطة المالكي، قاضي إسكندرية. 548 - محمد بن محمد بن محمد، الشمس ابن القطب ابن الأمين البدراني. قرأ عليه في "البخاري". 549 - محمد بن محمد بن محمد، أبو البركات ابن الأمين بن عزُّوز (¬1) التُّونسي المالكي. كتب عنه "الإملاء"، وهو الآن أشهر مِنْ بتونس في الحديث، يروي عن ابن الجزري والواسطي وعائشة ابنة ابن الشرائحي والشِّهاب المتبولي والكلوتاتي والبرهان الحلبي وابن ناصر الدين وآخرين [ثم مات، وسُدَ الباب] (¬2). 550 - محمد بن محمد بن محمد، فتح الدين أبو الفتح السُّوهائي القاضي. 551 - محمد بن محمد بن محمد، أبو الطَّيِّب النَّستراوي القاهري. 552 - محمد بن محمد بن محمد، الشَّيخ ناصر الدين الجعفري الموقِّع. 553 - وأخوه تقي الدين أبو الوفاء محمد. 554 - محمد بن محمد بن محمد، جلال الدين الدَّنديلي، ابن الشَّيخة المسفر. ¬

_ 547 - الضوء اللامع 10/ 8 - 9. 548 - الضوء اللامع 10/ 11. 549 - الضوء اللامع 10/ 16. (¬1) في (ط): "عزون". وضبطه المصنف في الضوء اللامع، فقال: بزايين معجمتين، ثم قال: ورأيته مجودًا بنون آخره بخط غير واحد؛ كالجمّال البدراني. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). 550 - الضوء اللامع 9/ 204 - 205. 551 - الضوء اللامع 10/ 16، وقال: فيمن جده محمد بن عبد اللَّه بن أحمد، وقد ترجمه بهذا الإسم في 9/ 230. 552 - الضوء اللامع 9/ 11 - 12. 553 - الضوء اللامع 9/ 12. 554 - الضوء اللامع 10/ 11.

555 - محمد بن محمد بن يحيى، العلامة أبو عبد اللَّه الحكمي، نسبة للحكم بن سعد العشيرة مِنْ مذحج مِنْ عرب اليمن، مِنْ أولاد قحطان -الغرناطي المالكي، الحاكم بمدينة حماة. حدث عن صاحبُ التَّرجمة بأنه استفاد -كما قدمته في رحلته مع الأشرف لقتال التركماني- أن اسم أبي عُمير المذكور في حديث النُّغَير حفص. 556 - محمد بن محمد بن يوسف، الشَّيخ الفاضل أبو العزم الحلاوي المقدسي النحوى. 557 - محمد بن محمد بن. . . (¬1) الإمام العلامة، شمس الدين الأقفهسي الصُّوفي، عرف بابن سارة. 558 - محمد بن محمد، تاج الدين، إمام جامع الصالح والخطيب بالأزهر، وهو مِنْ ذرية صاحبُ "سلاح المؤمن". 559 - محمد بن محمد، الشرف التميمي المحلِّي المالكي. سمع عليه بعض "مشيخة الفخر" باليمن سنة ثمان مائة. 560 - محمد بن محمد، المحب المحلِّي، الشَّهير بالنَّشاشيبي. لازم مجلس الإملاء وغيره. 561 - محمد بن محمود بن خليل بن أجا الحلبي، إمام الأمير أزبك الآن، ¬

_ 550 - الضوء اللامع 10/ 26 - 27. 556 - الضوء اللامع 10/ 35. 557 - الضوء اللامع 10/ 37 - 38. (¬1) بياض في الأصول. 558 - الضوء اللامع 10/ 36. 559 - الضوء اللامع 10/ 37. 560 - الضوء اللامع 10/ 40. 561 - الضوء اللامع 10/ 43.

ثم تحوَّل وولي قضاء العسكر حتَّى مات. 562 - محمد بن مسعود بن غَزوان المكِّي. 563 - محمد بن موسى بن علي، الحافظ جمال الدين المراكشي، سبط اليافعي. كتب عنه "النخبة" و"شرحها"، وغير ذلك، في سنة خمس عشرة وئمان مائة فما بعدها، وسمعها عليه في تاريخه بمكة. 564 - محمد بن موسى بن عمران، الشَّيخ شمس الدين الغزِّي ثم المقدسي الحنفي المقرىء، الشَّهير بجدِّه. سمع عليه في سنة أربع وأربعين وثمان مائة "النُّغبَة" لأبي حيان وغيرها. 565 - محمد بن ياقوت. حضر عنده في "عشاريات الصَّحابة". 566 - محمد بن يحيى بن محمد بن محمد بن محمد المناوي، الشَّيخ زين العابدين، ابن فقيه المذهب الشَّرف المناوي. أحد مِنْ حفظ "بلوغ المرام"، وعرضه عليه مع غيره مِنْ محافظيه، وأخذ عنه دروسًا في "شرح الألفية" وغيرها، ووصف والده في سنة ست وأربعين وثمانمائة بالإمام العالم الفاضل، صدر المدرسين، مفيد الطالبين، مفتي المسلمين. 567 - محمد بن يوسف بن إبراهيم، الشمس المتبُولي المقرىء الضَّرير. 568 - محمد بن الشيح يوسف بن أحمد الصَّفي، الشَّيخ شمس الدين أبو الغيث، صاحبنا، نزيل جامع كمال. ¬

_ 562 - الضوء اللامع 10/ 50، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب). 563 - الضوء اللامع 10/ 56 - 58. 564 - الضوء اللامع 10/ 58 - 59. 565 - الضوء اللامع 10/ 70. 566 - الضوء اللامع 10/ 75. 567 - الضوء اللامع 10/ 88. 568 - الضوء اللامع 10/ 89 - 90.

سمع الكثير عليه، وعرضَ عليه في سنة أربع وثلاثين "العمدة". ووصف والده بالشَّيخ القُدوة، الفاضل العامل الكامل، بقيَّة السَّلف الصالحين، أبي المحاسن. 569 - محمد بن يوسف بن علي الدَّميري القاضي بدر الدين. قرأ عليه "سيرة ابن سيد النَّاس" بتمامها في مجالس، آخرها يوم العشرين مِنْ رجب سنة أربع وأربعين، ووصفه بالشيخ المحدث المثمتغل الفاضل. و"مسند الشَّافعي"، وانتهى في العشرين مِنْ شعبان مِنْ السنة. وتصنيفه "بلوغ المرام"، وانتهى في سابع ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين، ووصفه فيه بالفاضل المحدث، المجيد الأوحد. و"البلدانيات" للسِّلفي في ثاني عشرين جمادى الأولى مِنْ السنة، ووصفه بالفاضل. وكذا قرأ عليه "الشمائل النبوية" للترمذي. وفي "الأدب المفرد" للبخاري، وكذا "الصحيح"، ووصفه على الجزء الأول منه بالموقِّع، وعلي الثَّاني بضابط الأسماء، ومَشْيَخَهُ في غيرهما، وما علمت مِنْ صار يتتبَّع ذلك بالكشْط. 570 - محمد بن يوسف بن موسى بن يوسف، الشَّمس أبو الفضل المنُوفي ثم القاهري الشَّافعي، ويعرف بزين الصَّالحين. 571 - محمد بن يونس بن حُسين الواحي الشاهد، محب الدين ابن الشَّيخ المسند الآتي. 572 - محمد أبو الحِيَل المكي. أثبت اسمه فيمن سمع عليه مِنْ أمالي "عشاريات الصَّحابة". قال: ورفيقه ابن فهد، ولم يسمِّه، وكأنه أراد يحيى الآتي. 573 - محمد بن. . . شمس الدين العاملي. سمع عليه في "الأمالي القديمة". ¬

_ 569 - الضوء اللامع 10/ 96 - 98. 570 - الضوء اللامع 10/ 99 - 100. 571 - الضوء اللامع 10/ 101. 572 - الضوء اللامع 10/ 116. 573 - الضوء اللامع 10/ 111.

574 - محمود بن أحمد بن حسن بن مظفر الدين الأمشاطي، أخو محمد (¬1) الماضي. 575 - محمود بن محمد بن أحمد الكيلاني، ويلقب ملك التجار، وهو أخو الخواجا شهاب الدين أحمد الماضي. لقيه بالقاهرة في سنة ثلاث وأربعين، فسمع عليه مجالس مِنْ "البخاري" وناوله سائره. 576 - محمود بن عبد الرحيم (¬2) بن أبي بكر، نور الدين الحموي، عرف بابن الأدَمي. 577 - محمود بن علي الجُندي. 578 - محمود بن عمر بن منصور، القاضي أفضل الدين، القرمي الأصل، المصري الحنفي. قرأ عليه دروسًا مِنْ "شرح ألفية العراقي" وغيرها. 579 - مرجان الأشرفي برسباي. شاد السَّواقي، ويقال له: ستمائة. رافق عبد القادر بن همَّام في السَّماع في "الصحيح" وغيره على صاحبُ التَّرجمة. 580 - مهنَّا بن علي بن حسن البندراوي، العبد الصالح، نسبة لبندرة بين سنباط وطوخ، وهي إليها أقرب. كان يُقصد بالصَّدقة، فيقبلها ويعطيها النَّاس، وكان ربما قرأ على صاحبُ التَّرجمة وهو قائم على قدميه، ووصفه بالشَّيخ الإمام الفاضل الأوحد، وذلك حين أخذ عنه ¬

_ 574 - الضوء اللامع 10/ 128 - 129، وهذه التَّرجمة لم ترد في (أ، ب). (¬1) في الأصل، "أحمد"، خطأ، وقد تقدم برقم 345. 575 - الضوء اللامع 10/ 144 - 145. 576 - الضوء اللامع 10/ 137 - 138. (¬2) في (ح): "عبد الرحمن"، خطأ. 577 - الضوء اللامع 10/ 141. 578 - الضوء اللامع 10/ 142 - 143. 579 - الضوء اللامع 10/ 153. وهذه التَّرجمة لم ترد في (أ، ط)، وأضيفت في هامش (ب) بخط المصنف. 580 - الضوء اللامع 10/ 174.

"شرح الألفية" سماعًا إلَّا اليسير فقراءة، وأذن له في قراءته وإقرائه، وأرَّخ ذلك بشعبان سنة أربعين. 581 - موسى بن أحمد بن عمر بن غنَّام الشَّيخ شرف الدين الأنصاري السَّنكلوني البَرَنْكيني (¬1) الشَّافعي. 582 - موسى بن أحمد بن موسى، الشرف الحسني السرسنائي، نزيل الناصرية. قرأ عليه "شرح النخبة". 583 - موسى بن أحمد بن موسى بن عبد اللَّه، الشَّيخ شرف الدين السُّبكي، الفقيه الشَّافعي. سمع عليه أشياء، منها في "الدَّارمي". 584 - ناصر بن أحمد بن يوسف الفَزَاري البكري المغربي، الذي جمع "تاريخ الرواة" في مائة مجلدة، ومات قبل إنهائه، فتفرق كأن لم يكن. لازم صاحبُ التَّرجمة مدة طويلة. قال شيخنا: واستفدت منه. قرأ عليه "شرح الألفية" أو غالبه. 585 - نعمة اللَّه بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الكريم بن نصْر اللَّه الجَرْهي الشَّافعي. لازمه مدَّة طويلة، وأكثر عنه، وحصلَ كثيرًا مِنْ تصانيفه، ومدحه -كما سلف- بأبيات (¬2). 586 - هارون بن علي (¬3) بن الشَّرف الهربيطي. حضر عنده في "الأمالي" وغيرها. ¬

_ 581 - الضوء اللامع 10/ 175 - 176. (¬1) في (أ): البرنمكيمي، وفي (ب، ط، ح): البرنكيلي. وانظر التعليق على ترجمة شقيقه المتقدمة برقم 28. 582 - الضوء اللامع 10/ 176 - 178. 583 - الضوء اللامع 10/ 179. 584 - الضوء اللامع 10/ 195 - 196، وما بين حاصرتين زيادة مِنْ (ط). 585 - الضوء اللامع 10/ 202. (¬2) 1/ 561. 586 - الضوء اللامع 10/ 206، وهذه التَّرجمة لم ترد في (أ). (¬3) في الضوء اللامع: هارون بن حسن بن علي.

587 - يحيى بن أحمد بن عبد السلام بن رحمون القُسَنْطيني المغربي المالكي، عرف بالعُلَمي، نزيل مكة. أخذ عنه في "الأمالي" وغيرها، بل قرأ عليه في "شرح الألفية"، كما قرأتُ بخطِّه في التبليغ له. 588 - يحيى بن شاكر بن عبد الغني، الشَّرف ابن العلم ابن الجيعان، أحد الأعيان. 589 - يحيى بن عبد الرحمن بن أبي الخير بن فهد، محيي الدين، ابن عم الشَّيخ تقي الدين، وخال ولده الشَّيخ نجم الدين عمر الماضي ذكرُهما. قرأ عليه "المتباينات" وقطعة صالحةً مِنْ "أماليه" في "عشاريات الصَّحابة" وغيرها. 590 - يحيى بن عجلان، عرف بابن الشَّريفة. 591 - يحيى بن محمد بن أحمد، الشَّيخ [العالم] (¬1) محيي الدين الدِّماطي، ثم القاهري الشَّافعي. سمع مِنْ لفظه "الصحيح" قديمًا، وكتب عنه مِنْ "إملائه" كثيرًا، وقرأ عليه "شرح ألفية العراقي" أو غالبه، ولازمه. 592 - يحيى بن محمد بن أبي بكر قُرَيظ، العماد الحنفي. سمع عليه بعض "المائة العشارية" باليمن سنة ثمان مائة. 593 - يحيى بن محمد بن سعيد بن فلاح بن عمر التَّاجر القبَّاني. قرأ عليه "الخصال" ليس إلَّا. ¬

_ 587 - الضوء اللامع 10/ 216 - 217، وما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). 588 - الضوء اللامع 10/ 226 - 229. 589 - الضوء اللامع 10/ 233. 590 - الضوء اللامع 10/ 235، وهذه الترجمة لم ترد في (ط). 591 - الضوء اللامع 10/ 244 - 246، وما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). (¬1) في (أ، ب): علاء الدين. 592 - الضوء اللامع 10/ 246. 593 - الضوء اللامع 10/ 246، وما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط).

594 - يحيى بن محمد بن عمر بن حجِّي، العلامة نجم الدين ابن القاضي بهاء الدين ابن الإمام نجم الدين السَّعدي، الدمشقي الأصل الشَّافعي، سبط الكمال ابن البارزي، أحد الأعيان، ممن ولي نظر الجيش وقتًا. قرأ عليه حديثًا رواه عنه في الخُطبة حين صلاة التراويح بالناس لما ختم القرآن على جاري العادة، وعرض عليه محافيظه كما تقدم. 595 - يحيى بن محمد بن محمد بن محمد، الشَّرف ابن المحب البكري، الماضي والده قريبًا، قرأ عليه نحو النِّصف مِنْ "صحيح البخاري". 596 - يحيى بن محمد بن محمد، الشَّرف المناوي، قاضي الشافعية وفقيههم. 597 - يحيى بن يحيى بن أحمد، محيي الدين أبو زكريا القِبَابي المصري. سمع كلُّ واحد منهما مِنْ الآخر. 598 - يعقوب بن يوسف بن علي، الشَّرف القُرشي المغربي المالكي. 599 - يوسف بن أحمد بن علي، بن محمد بن أبي بكر بن أيوب، صلاح الدين الأيوبي. لازمه طويلًا، وبحث عليه "النخبة"، وكتبها بخطه. وكذا بحث عليه في "مختصر الكرماني في علوم الحديث"، وكان الكتاب معه، ثم كتب عنه "شرح النخبة"، وكان يستحسنه جدًّا، وحضر في إملائه على "شرح البخاري"، وأثنى عليه شيخنا في "معجمه"، وقال إنه استفادَ منه. 600 - يوسف بن أحمد بن نصر اللَّه، الجمال ابن قاضي القضاة المحب ¬

_ 594 - الضوء اللامع 10/ 252 - 254، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 595 - الضوء اللامع 10/ 257 - 258. 596 - الضوء اللامع 10/ 254 - 257. 597 - الضوء اللامع 10/ 263 - 264. 598 - الضوء اللامع 10/ 287. 599 - الضوء اللامع 10/ 293 - 294. 600 - الضوء اللامع 10/ 299 - 300.

البغدادي الحنبلي. قرأ عليه "الخصال المكفِّرة" مِنْ تصانيفه، وسمع عليه غيرها. 601 - يوسف بن أحمد الرُّومي الصَّحراوي، عُرِفَ بسِنَان. 602 - يوسف بن شاهين، الشَّيخ جمال الدين أبو المحاسن الكركي، سبط صاحبُ التَّرجمة. 603 - يوسف بن محمد بن يوسف بن الحسن بن محمود، العز ابن العلَّامة جلال الدين ابن العلامة عز الدين الحلوائي، حفيد شارح "البيضاوي". أخذ عنه في سنة أربع وثلاثين فما بعدها. 604 - يوسف بن. . . (¬1)، الشَّيخ نجم الدين التَّعزي. 605 - يونس بن حسين بن علي بن محمد (¬2) بن زكريا الواحي. كتب عنه كثيرًا مِنْ "أماليه". 606 - يونس بن فارس، الشرف أبو البَرِّ القادري. * أبو بكر تقدم في آخر الهمزة (¬3). 607 - أبو زرعة ابن الشَّيخ تقي الدين ابن فهد. سمع عليه "المتباينات" و"تخريج الأربعين النووية" وغيرها مِنْ تأليفه. ¬

_ 601 - الضوء اللامع 10/ 302. 602 - الضوء اللامع 10/ 313 - 317. 603 - الضوء اللامع 10/ 334. 604 - الضوء اللامع 10/ 339. (¬1) بياض في الأصول. 605 - الضوء اللامع 10/ 342 - 343. وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب). (¬2) في (ح): "محمد بن محمد". 606 - الضوء اللامع 10/ 344. (¬3) بالأرقام 122 - 135. 607 - الضوء اللامع 11/ 111.

608 - أبو سهل بن عمار. تقدم في عمَّار. 609 - أبو العباس البليني. * أبو العباس الشَّاذلي. هو أحمد بن محمد بن عبد الغني السِّرْسي الحنفي (¬1). قرأ عليه "شرح ألفية العراقي". ** أبو العبابس المجدلي. هو أحمد بن عبد اللَّه بن محمد بن داود، تقدم (¬2). 610، 611 - أبو الفتح وأبو الفضل ابنا الجمال المرجاني المكيَّان. حضرا عنده في "الأمالي". ... أبو مدين الرَّملي. هو علي بن إبراهيم بن أحمد. مضى (¬3). ورأيت شيخنا سمَّاه إبراهيم، وهو سهوٌ، فقد حرَّرَ لي اسمه ونسَبه حفيدٌ له ممَّن أخذ عنِّي، اسمه خليل بن محمد. 612 - أبو النَّجا بن محمد بن إبراهيم المرشدي، أخو عبد الرحمن وعبد الأول الماضيين. سمعوا عليه بمنى في سنة أربع وعشرين "المتباينات" و"تخريج ¬

_ 608 - هذه التَّرجمة لم ترد في (أ)، ووردت هكذا في (ب، ط)، وأشار المصنف إلى هذه الكنية في الضوء اللامع 11/ 116، وقال: في يحيى بن محمد بن عمار، وكان ترجمه بهذا الاسم في الضوء اللامع 10/ 252، وهذه التَّرجمة تقدمت في كتابنا هذا برقم 303 باسم علي بن محمد بن عمار. 609 - الضوء اللامع 11/ 119. (¬1) تقدم برقم 90، وانظر التَّرجمة رقم 66. (¬2) تقدم برقم 48. 610، 611 - الضوء اللامع 7/ 67، واسم كل منهما: محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف. (¬3) برقم 256. 612 - الضوء اللامع 11/ 146، وقال: واسمه محمد، ومضى في المحمدين. وقد تقدم عنده في 6/ 241 - 243. وانظر ترجمة أخيه عبد الرحمن رقم 187، وعبد الأول رقم 172.

الأربعين النووية"، وغيرهما مِنْ تصانيفه (¬1). 613 - بدر الدين ابن العدَّاس، إمام خانقاه شيخو، وخازن الكتب بجامع شيخو. 614 - برهان الدين، صهر الشِّهاب ابن سفَري. سمع عليه مع صهرِه "المتباينات". 615 - الشَّيخ تقي الدين ابن الحريري، نفع اللَّه به. قرأ عليه في "البخاري"، وبلَّغ له هكذا. وليس هذا بالتَّقي أبي بكر بن علي، الذي أجاز لي مِنْ دمشق، وإن كان هو دمشقيٌّ أيضًا. 616 - جمال الدين الحَرضي المكي. لقيه بها، فسمع عليه في "تخريجه للأربعين النووية". وحرض -بمهملتين مفتوحتين- بلد مشهور بأطراف اليمن، خرج منه جماعةٌ فضلاء. 617 - زين الدين الأنببي. حضر عنده في "الأمالي القديمة". 618 - الشَّيخ زين الدين النَّابلسي. قرأ عليه في "البخاري". 619 - شمس الدين بن هلال التَّاجر. 620 - شمس الدين الإسكندري. ¬

_ (¬1) هذه التَّرجمة لم ترد في (ب، ط). 613 - الضوء اللامع 11/ 153، فيمن لقبه بدر الدين. 614 - الضوء اللامع 11/ 153، فيمن لقبه برهان الدين. 615 - الضوء اللامع 11/ 154 - 155. 616 - الضوء اللامع 11/ 157، فيمن لقبه جمال الدين. 617 - الضوء اللامع 11/ 158، فيمن لقبه زين الدين. 618 - الضوء اللامع 11/ 158، فيمن لقبه زين الدين. 619 - الضوء اللامع 11/ 275، وسماه محمد بن محمد بن محمد الدمشقي. 620 - الضوء اللامع 11/ 160، وهذه التَّرجمة لم ترد في (ب).

* شمس الدين الشبراوي. مضى في: محمد بن سليمان بن مسعود، وكذا مضى ابنه (¬1) محمد. 621 - شمس الدين الطيبي. * محب الدين ابن القاضي عز الدين النُّويري المكي. هو أحمد بن محمد بن أحمد. تقدم (¬2). ** ناصر الدين الفَزَاريُّ المغربي المؤرِّخ. هو ناصر بن أحمد بن يوسف (¬3). 622 - نورُ الدين الدِّجوي القاضي. أظنه مباشر البيبرسيَّة. ... نور الدين الزَّمزي المكي. مضى في علي بن أحمد بن علي بن محمد بن داود (¬4). 623 - ابنُ البدرِ محمد بن إبراهيم بن أيوب الحمصي ابن العُصَيَّاتي. أظنُّه (¬5) محمد الذي أجاز لي في سنة ثمان وخمسين مِنْ دمشق. قال صاحبُ التَّرجمة في ترجمة والده مِنْ ثاني "معجمه" (¬6): ولقيت ولده بحمص، وهو فاضل، فقرأ عليَّ وأجزتُ له. 624 - وفيمن قرأ على شيخنا شخص حموي خطيب، يقال له: ابن الشَّيخ بدر، فيحرَّر أمرُه. ¬

_ (¬1) تقدم الأول برقم 420 والثاني برقم 505. 621 - الضوء اللامع 11/ 160. (¬2) برقم 80، ولم ترد هذه الفقرة في (ب، ط). (¬3) تقدم برقم 584. 622 - الضوء اللامع 5/ 282. (¬4) تقدم برقم 262. 623 - الضوء اللامع 10/ 236. (¬5) وجزم به المصنف في الضوء اللامع، فقال: هو محمد. (¬6) المجمع المؤسس 3/ 283. 624 - الضوء اللامع 11/ 236.

625 - ابن الشهاب ابن حرمي. سمع منه بعض إملاء "عشاريات الصَّحابة" في سنة ثلاث عشرة. 626 - البلبيسي، لم يُسَمَّ. * * * هذا آخر ما أردنا ذكره مِنْ تجريد أسماء مَنْ أخذ عنه روايةً أو درايةً، وهم نحو الستمائة، مِنْ غير التزام لاستيفاء ما علمته مِنْ ذلك، فضلًا عن الجميع الذي لا يمكن الإحاطةُ به، وكيف يمكن الإحاطةُ بذلك، وقد قرأتُ بخطِّ صاحبُ التَّرجمة على الجزء الأول مِنْ "صحيح البخاري" وقف النَّاصرية تبليغًا لأربعة عشر نفسًا بالقراءة عليه، وعلي الثاني لآخرين سواهم أو ثلاثة، وعلي الثالث لآخر، وعلي جزء أول مِنْ نسخة ثانية لستَّةٍ، وعلي آخر مِنْ ثالثِهِ لغيرهم. كل ذلك بالقراءة، فهذا لا يتهيّأ حصرُه. وممن كان يضبطُ الأسماءَ في مجالسه غالبًا الشَّيخ شمس الدين ابن قمر، وفي بعض الأحيان الشبخ نعمة اللَّه الجرهي والشرف يونس القادري. وبخطه على "السنن" للدارقطني طبقة حافلةٌ، وصاحبنا النجم بن فهد الهاشمي في "المجالسة" للدِّينوري، والطَّبقة بخطِّه في ظاهر نسخة المحمودية، وكاتبه في "المحامليات" و"المحدث الفاصل"، وأشياء مِنْ جملتها المقروء مِنْ "مسند أبي يعلى". ولو استوفيت ذلك فقط لطال. ولقد كان صاحبُ التَّرجمة يقول: لو استقبلتُ مِنْ أمري ما استدبرتُ، لضبطت ذلك. انتهى. وأقول على سبيل الإجمال: إنَّا لا نعلمُ كبيرَ أحدٍ مِنَ النَّاس في سائر الأقطار إلَّا وقد أخذ عنه، وصيَّرهُ إمامًا يعتمدُ عليه، ويرجع فيما يشكلُ عنده إليه، بل لا أعلم في زمنه مِنْ شُدَّتْ إليه الرِّحالُ مِنْ سائر الآفاق ¬

_ 625 - الضوء اللامع 11/ 253. 626 - الضوء اللامع 11/ 192.

والمحالِّ غير ذاته الشَّريفة لعُلوِّ رتبته المنيفة. وكم ممَّن نأت عنه ديارُه، وطالت في لقيِّه أسفارُه، ممَّن -ربما- يكون أقدمَ منه ميلادًا قصده للأخذ عنه دراية وإسنادًا. وهذا لعَمْري كافٍ في الدِّلالة على فخره وسمُوِّ محله وقدره. وقد صار الرؤوس في الدُّنيا في زمنه مَنْ أخذ عنه لفصاحته ولَسَنِه، حتَّى وليَ قضاءَ الشَّافعية ببلده في حياته غيرُ واحد مِمَّن تحمَّل عنه، فكيف بعد مماته. وكذا كان قاضي المالكية والحنابلة بها ممَّن هرع لبابه، وعدُّوا أنفسهم مِنْ تلامذته وطُلَّابه، وولي الشَّام أيضًا في حياته العلَّامةُ الوَنَائي، الفائق في علومه وتدقيقاته، وغير واحد ممَّن عدَّ في أصحابه، وصيَّره شيخًا له مع تحرِّيه وانتخابه. وكان قاضي الشافعية والحنفية بحلب في أيامه مِنْ أكبر الآخذين عنه، الناشرين لعلوِّ مقامه. وأمّا مِنْ كان مِنْ طلبته في قضاء مكَّة المشرَّفة، فالشافعي والمالكي الفاسي الفائق في الحفظ والمعرفة. إلى غير ذلك ممَّا يطول استيعابه، ويعسُرُ في الحالة الرَّاهنةُ انتخابُه، مع أن جلالته بدونه معلومة مقرَّرة، وسيادته في الخافقين قبله وبعده منتشرة، غير أَنَّها في فخر المنسويين إليه أليقُ، وعند ذكر المتلمذين لجنابه أوفق، رفعهم اللَّه إلى المحل الأسنى، وختم لنا ولهم بالحسنى، بمنِّه وكرمه. وطال ما مثل الأبناسي والونائي والقاياتي بين يديه، بجانب الكرسيِّ الموضوع لجلوس القارىء عليه. وقد كنتُ عزمتُ أولًا أك أذكر تراجمهم مكملًا، ثم رأيتُ أن الأولى إفرادهم في تأليفٍ، مع التنبيه على مَنْ يدخل منهم في أنواع علوم الحديث الشريف، كرواية كلٍّ مِنَ الفريقين (¬1) عن صاحبه، والسابق واللَّاحق، ممَّا يشهدُ لعلوِّ مراتيه، والكبير عن الصَّغير، والمتَّفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف، إلى غير ذلك مِنَ اللَّطائف، كالقول بأن فيمن أخذ عنه ممَّن يحفظُ "الشفاء" الميمونيُّ والشَّبراوي وغيرهما، وممن يحفظُ "المصابيح" ¬

_ (¬1) في (ح): القرنين.

القِمَّصي والأردبيلي، وممن يحفظ "شرح النخبة": البدر حسن الدِّمياطي الضَّرير وكاتبُه، وممن يحفظ "بلوغ المرام" ممن قدَّمتُه في أسماء تصانيفه كما تقدم، وفيمن قرأ عليه في "البخاري" حفظًا: الشهاب الحلبيُّ الضَّرير، والبدر حسن الطنتدائي الضَّرير والحاج علي الغُلام. يسَّر اللَّه ذلك بفضله.

الباب التاسع في ذكر مرضه ووفاته وغسله وتكفينه، والصلاة عليه

الباب التاسع

[مرضه]

الباب التاسع في ذكر مرضه ووفاته وغسله وتكفينه، والصلاة عليه ومشهده الجليل، وما قيل عن أهل الصلاح فيمن حضره مِنَ الأولياء وغيرهم، ومكان دفنه، وما تُلي عندَ قبره مِنَ الختمات، وما رُؤيَ له مِنَ المنامات، وما أوصى بفعله بعدَ موته، ونبذة مِنْ أحوال بنيه وبناته وأبنائهم، وكذا أحوال زوجاته وسراريه ومَنْ علمته مِنْ خَدَمِهِ، وغير ذلك. [مرضه]: أما مرضه رحمه اللَّه، فكان ابتداؤه في ذي القعدة مِنْ سنة اثنين وخمسين وثماني مائة بعد أن بلغني -ممَّا لم أستحضره حين إثباته الآن- أنَّه قصَّ على جماعة مجلس الإملاء في ربيع الأول مِنَ السَّنة التي توفي فيها، أنَّه رأى في المنام بعض الرُّواة، وأظنه أبا مصعب، وأنَّه قدَّمَ إليه مائدة فيها عشرة أرغفة، العاشر منها مكسورٌ منه شيءٌ يسير، فأوَّلَهُ له بعضُ الحاضرين بعشرِ سنين تفاؤُلًا، فما كان إلَّا دون عشرة أشهر، ومات. ونحوه أنَّ الكمال المجذُوب حضر إلى منزل شيخنا مرَّة في يوم جمعة باكِرَ النَّهار، مع أنَّه لم تَجْرِ عادتُه بمجيئه إلى منزله. نعم، رأيتُه جلس بين يديه مع الجماعة في مجلس الإملاء بالكاملية، وكتب كما تقدم، فلما حضرَ جلس في الزكاة بين البابين، وأغلق باب الزَّلاقة، وطرد مَنْ كان هناك مِنَ الخدم ونحوهم، واتَّفق ظهورُ شيخنا لمن ينتظره للقراءة ببابه، وكنَّا ثلاثة: ابن حسَّان. وابن قمر وأنا ثالثهما، فصادف الكمال بالباب، فجلس بجانب باب

السِّتارة، والكمال قريبٌ منه، واتفق مجيءُ سبط شيخنا، فوقف قريبًا مِنْ جدِّه، ثم طلب الكمال مِنْ شيخنا شيئًا، فأخرج له مِنْ جيبه -فيما أظنُّ- دينارًا، ثم قال له: وأيضًا، فأعطاه آخر، ثم طلب أيضًا، فأعطاه آخر، واستمر هكذا إلى أن استوفى، إما سبعة، فيما يغلب على الظنِّ، أو ستة، وأهابُ أن أجزِمَ بأنَّها مجموعُ ما كان في جيبه، فلما صارت بيده، أدارها في كفِّه، ثم دفعها للسِّبط، فاستمرت معه يسيرًا، ثم أخذها منه بعزمٍ وهو يصيح ويقول له: هو لا يسهُلُ عليه أن يعطيها، وأعادها لشيخِنا قائلًا له: خذها وقم عنا، وصار يكرِّرُ ذلك حتَّى تغيَّر لونُ شيخنا مِنْ صنيعه، وقام فدخل وانصرفنا. فلم يلبث رحمه اللَّه تعالى إلَّا يسيرًا بعد ذلك جدًا، ثم عزل، وأقام يسيرًا، ثم مات، فكانت حياتُه بعد هذه الواقعة عددَ القَدْرِ، إمَّا سبعة أو ستة كما تقدم. وبعد هذا المجلس صار شيخُنا يذكُر الكمالَ بالجميل، ويقول: كنتُ أعرفه بمصر على خيرٍ يحفظ "التَّنبيه" و"الألفية"، وربما أرسل إليه الكمال بعضَ مَنْ يروم منه شيئًا مِنَ الدُّنيا لوفاء دَينِه ونحو ذلك، فيقول شيخنا للشهاب بن يعقوب: صالح عنَّا قاصِدَ الشَّيخ. رحمهم اللَّه تعالى وإيانا. ولمَّا مرض رحمه اللَّه -كما أسلفنا- في ذي القعدة، حضر مجلسَ الإملاء في حادي عشره، ورجع إلى الحلبيَّة، فأقام عندها إلى أن تعشَّى، ثم رجع إلى منزله، فقدَّموا له العشاء، فما امتنع مِنَ الأكل مراعاةً لخاطر أهله، فثَقُل لملك عليه (بحيث تقيأ) (¬1) وتغيَّر مزاجُه، وأصبح يومَ الأربعاء ضعيفَ الحركة، فحضر الجماعة للتوجه في خدمته على العادة بجامع طولُون، فما استطع، واستمر مكتُومًا ولا يعلم به كثير أحدٍ، وهو يطلع إلى المدرسة للصَّلوات والإقراء على العادة، بل حضر مجلسَ الإملاء في يوم الثُّلاثاء خامس عشري الشَّهر المذكور، فأملى مجلسًا وهو متوعِّكٌ، ثم اشتدَّ به الوعك وتضرَّر بالكتمان كثيرًا، وخشي الأطباءُ أن يناولوه مسهلًا لأجل سنِّه، فأشير بلبن الحليب، فتناوله فلانت الطَّبيعة قليلًا، وأدى ذلك إلى نشاط يسيرٍ ونوع خِفَّةٍ، وصار مسرورًا بذلك، فيقول: خرج جُوَيْزات وبُنَيْدقاتُ ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ساقط مِنْ (أ).

ثم عاد الكتمانُ، وتزايد الألمُ بالمعدة، وصار يحسُّ بشيء ثقيل على معدته، بحيث كان يقول: هذه بقايا الغبن مِنْ سنة تسع وأربعين وتوابعها، وينشد قولَ الفرزدق: قوارِضُ تأتيِني ويَحْتَقِرُونَها ... وقَدْ يملأ القَطْرُ (¬1) الإنَاءَ فيفعمُ وقال سبطُه: إنه أنشده في مرضه هذا: عمارة الجسم نَفَسْ ... وهدُمُه إذا احتَبَسْ ولم يترك رحمه اللَّه جمعة، بل ولا جماعة. نعم، لم يستطع صلاة عيد الأضحى، وكان يوم الثلاثاء بعد أن سمعنا عليه "فضل عشر ذي الحجة" لابن أبي الدنيا (يوم عرفة) (¬2)، وهو آخر شيءٍ سمعناه، بل سُمِعَ عليه مطلقًا. وصلى الجمعة التي تليه، توجه وهو راكب والناس في خدمته، حتى صلينا معه الجمعة في الصف الأول برواق البسملة مِنْ جامع الحاكم، وطلع بعد فراغه مِنْ باب النَّصْر، فركب وهو بالطيلسان كما مضى، وسأله بعضُ العوامِّ وهو ظاهرٌ مِنَ الجامع الدُّعاءَ، فقال له بعزمٍ: غفر اللَّهُ لَك. وتوجَّه إلى الحلبية، فاستعطف خاطرها في انقطاعه عنها، وحالَلَها واسترضاها. وكان رحمه اللَّه قد استشعر بالوفاة، بحيث كان إذا اخبر بالمنامات وشبهها مما يدلُّ على رجاء صحَّته وحصُول بُرئه، يقول: أمَّا أنا، فلا أرَاني إلَّا في تناقُصٍ، وما أظنُّ الأجلَ إلا قد قرُبَ، ثم ينشد: ثاءُ الثَّلاثينَ قد أوهت قُوى بَدَني ... فكيف حاليَ في ثاء الثمانينا ويقول: اللهُمَّ حرمتني عافِيَتك، فلا تحرمني عفوك. انتهى. وقد سأل الملكُ الكاملُ الشَّرفَ أبا المكارم محمد بن عبد اللَّه بن ¬

_ (¬1) في (ب): "القطن". (¬2) ما بين قوسين ساقط مِنْ (ب).

الحسن بن عين الدَّولة الصَّفراوي (عن سِنِّه) (¬1)، فارتجل: يا سائلي عَنْ قُوى جِسْمي وما فَعَلَتْ ... فيه السُّنُون ألا فاعلمه تبيينا (¬2) ثاءُ الثَّلاثين أحسَنت الفُتُورَ (¬3) بها ... فكيفَ حاليَ مع ثاء الثَّمانِينَا بل سمعت شيخنا بعدَ وفاة مُستملي مجلسه الزَّين رضوان -وكانت في رجب سنة وفاته- يقول: هذه أمارةُ الرَّحيل، في محرَّم هذه السَّنة توفِّيَ مِنْ رؤوس المجلِس البرهانُ بن خضر، والشِّهابُ الرِّيشي، وفي صفرها الزَّينُ السَّندَبيسي، وفي شوال السَّنة الماضية المحبُّ البكري. قلت: وكذا مات [مِنْ جماعته في شوال سنة وفاته الشهابُ الرَّدادي، وفي رمضانها] (¬4) تغري برُمش الفقيه، ومن غير جماعته مِنَ الأعيان العمادُ إسماعيل بن شرف المقدسي في ربيع الآخر مِنْ سنة وفاته، وأبو الفتح ابن أبي الوفاء في شعبانها، ومن خيار المباشرين الصَّاحبُ كريمُ الدِّين ابن كاتب المناخاة، وجماعة ليسَ هذا محلُّهم. ثم إنَّ نحو ما تمثَّل به شيخُنا قول الفُضيل بنُ عياض: بلغت الثَّمانِينَ أو جزتُها ... فماذا أومِّلُ أوْ أنْتَظِرْ أتَتْ لي ثمانون (¬5) مِنْ مولدي ... ودُونَ الثَّمانين لي مُعْتَبَرْ عَلَتْني السُّنُونَ فَأبليْتَني ... فَرَقَّ العِظَامُ وكَلَّ البَصَرْ وقول القائل: إنَّ الثَّمانين وبُلِّغتُها ... قَدْ أحْوَجَتْ سَمْعي إلى تُرجُمانْ ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ساقط مِنْ (ب). (¬2) في (ب): يقينًا, تحريف. (¬3) في (ب): "القبور". (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬5) في (أ): "ثمانين"، خطأ.

قلتُ: وقد أسندَ الخطيب في ترجمة أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة الأدمي القارىء، صاحبُ الألحان، وأحسن النَّاس صوتًا بالقرآن، وأجهرهم به، مِنْ طريق عبد اللَّه بن إسماعيل بن إبراهيم الإمام، قال: رأيتُ أبا بكر الأدمي في النَّوم بعدَ موته بمُدَيْدَة، فقلت له: ما فعل اللَّه بك؟ فقال: أوقَفَني بين يديه، وقاسيت شدائد وأمورًا صعبةً، فقلت له: فتلك الليالي والمواقف والقرآن؟ فقال: ما كان شيءٌ أضَرَّ عليَّ منها، لأَنها كانت للدنيا. فقلت له: فإلى أيِّ شيءٍ انتهى أمرُك؟ قال: قال لي تعالى: إني آليتُ على نفسي أن لا أعذِّبَ أبناءَ الثَّمانين. انتهى. وورد حديثٌ فيه بشارة لمن عُمِّرَ ثمانينَ، استوفى طرُقَه صاحبُ التَّرجمة في كتابه "الخصال المكفرة"، وساق عقبها للحُسين بن الضَّحَّاك قوله مِنْ أبيات: أمَا في ثمانين وفيتُها ... عذيرٌ وإنْ أنا لَم أعْتَذِرْ وَقَدْ رَفَعَ اللَّه أقلَامَهُ ... عَنِ ابنِ ثمانِينَ دونَ البَشَرْ وإنِّي لِمنْ أُسَرَا الإله ... في الأرض نَصب صُرُوفِ القَدَرْ فإن يقضِ لي عملًا صالحًا ... أُثَابُ وإنْ يَقضِ شرًا غَفَرْ وقوله أيضًا: أصبحتُ في أُسَرَاء اللَّه مُحْتَبَسًا ... في الأرْضِ تحتَ قضاءِ اللَّه والقدر إنَّ الثَّمانينَ إذ وفيتُ عِدَّتَّها ... لم تُبْقِ باقيةً مِنِّي ولم تَذَر انتهى. وكان ابنُ عُيينة يُنشدُ: سئمتُ تكاليفَ الحياة ومَن يَعِشْ ... ثمانينَ عامًا لا أبا لَكَ يَسْأمِ ولأبي الصَّلاح ابن عين الدَّولة الصَّفراوي (¬1): ¬

_ (¬1) في هامش (ط) -وأظنه بخط الزبيدي شارح القاموس- ما نصه: لعل هذه القطعة =

ثمانُونَ (¬1) مِنْ عمري تَقَضَّت فما الَّذي ... أُؤمِّلُ مِنْ بَعدِ الثَّمانينَ مِنْ عُمْرِي أطايِبُ أيَّامي مَضَيْنَ حميدةً ... سِرَاعًا ولم أشْعُرْ بِهِنَّ وَلَم أدْرِ كأنَّ شَبَابي والمشيب يرُوعُه ... دحي ليلةٍ قد راعَها وضَحُ الفَجْرِ ولبعضهم: أفلَت مِنْ سَبُعِ السَّبْعين مُنهَزمًا ... فَفُتُّهُ وتراخى الحَيْنُ بي حِينَا وفي الثَّمانين تنِّينٌ يُشاوِرُني ... مِنْ ذا يقاوم تِنِّينَ الثَّمانينا وقَدْ أتَتْ حَيَّةُ التِّسْعِينَ تَلْسَعُني ... ولسْتُ أقدِرُ أرْقِي سُمّ تِسْعِينَا فأَسْألُ اللَّه تأمِينًا ومَغْفِرةً ... ويرحَمُ اللَّه عبدًا قال آمِينَا ولأسامة بن مرشد (¬2): مَعَ الثَّمانين عاثَ الضَّعْفُ في جَسَدِي ... وساءني ضعفُ رِجْلِي واضطرابُ يَدي إذا كتبتُ فخطِّي خطُّ مضطربٍ ... كخطِّ مُرْتَعِشِ الكَفَّينِ مُرْتَعِدِ فاعْجَبْ لضَعْفِ يدي عَنْ حَمْلِها قَلَمًا ... مِنْ بَعْدِ حَطْمِ القنَا في لَبَّةِ الأسَدِ وإنْ مَشَيتُ وفي كفِّي العَصَا ثَقُلَتْ ... رِجْلي كأنِّي أخُوضُ الوَحْلَ في الجَلَدِ فَقُلْ لِمَنْ يَتَمَنَّى طُولَ مُدَّتِهِ ... هذي عَواقِبُ طُولِ العُمْرِ والمُدَدِ قلت: ولم يبلغ الحالُ -وللَّه الحمد- بصاحب التَّرجمة هذا، وإنَّما أوردتُها مع ما قبلها استطرادًا. ¬

_ = أنشدها الثعالبي في "يتيمة الدهر" للمعز الفاطمي صاحبُ مصر، لكن أنشد: ثلاثون مِنْ عمري مضين فما الذي ... أؤمل مِنْ بعد الثلاثين مِنْ عمري ومن تأمل في البيت الثالث، بل الثاني، عرف أن الصواب "ثلاثون". وأما أبو الصلاح فلا أعرفه، فإن كان ممن أخر عن صاحبُ "اليتيمة" -وهو الغالب على الظن- فقد ظهر أن الخطأ في نسبة القطعة إليه محقق. (¬1) في (ط): "ثمانين"، خطأ. (¬2) الأبيات في كتاب الاعتبار لأسامة ص 182، طبع دار الأصالة بالرياض.

وتردَّد الأطباءُ لصاحب التَّرجمة، ولم يكن يرى استخدام أهل الذمة في ذلك، بل سمعتُه مرارًا يقول -وأظنه لغيره-: أيَأتَمِنُ المسلمونُ على أموالهم وأبدانهم أعداءهم؟ انتهى. وصار هو ينظرُ في "القانون" وشبهَهُ مِنْ كتب الفنِّ، ويتكلَّم مَعَ أهله إذا حضروا عنده بأمتن كلام، حتى إنَّ ابن صَغِير -وهو مِنْ أفاضلهم- بلغني عنه أنَّه قال: وددت لو كنتُ لازمته في ذلك سنةً. وكان مِنْ جملة مَنْ حضر إليه: أبو الفضل محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد البجائي المغربي، الذي كان عاتبًا على الزَّمن وأهلِه، وانفرد بالطبع الذي قَلَّ مَنْ يشارِكُه فيه، وانكشفَ حالُه قبل مماته، لا سيَّما في أشرفِ بلادِ اللَّه، التي ذهب بعضُ الصحابة رضوانُ اللَّه عليهم إلى مضاعفة السَّيئات فيها كالحسنات، كما أخبرني به ثقاتُ أهلها، حتى مَنْ أخذَ عنه، كما بيَّنتُهُ في موضع غير هذا. وكان حضورُه عندَ صاحبُ التَّرجمة بعد أن تكرَّر على سمعه مِنَ الثَّناء عليه مِنْ بعض طلبته الذي تسلَّط على كتاب اللَّه بما قرَّره له على ما أخبر به أبو الفضل غير واحد ممَّن شافهني مِنْ قاعدة كُلِّيَّة -زعمَ- ينضبطُ بها المقصودُ، ممَّن عُرِفَ كلامه في السّخطِ والرِّضا، مبالغة زائدةً في وصفه، ممَّا كنتُ أستحيي مِنْ ذكره بين يديه، كقول القائل في حقِّه: لو اشتغلَ بحفظِ الرِّجال ونحوها مِنْ متعلِّقات الحديث ما كان بعد مُضِيِّ سنةٍ يلحق (¬1) في ذلك، فما كان إلَّا أن جلس ودار بينهما الكلام في شيءٍ مِنَ العلاج ونحوه، ظهر له أمرُه، وبيَّنَ ترجمتَه، لِمَنْ يثقُ به بعد مفارقته، ولا يقال: كيف عرف حاله مِنْ جلسة واحدة، لكون مثل ذلك لا يخفى على مثله. وقد حقق لي أمرَه العلَّامةُ قاضي المذهب العز الحنبلي بما بسطتُه في مكان غير هذا، وكذا العلامة جمال الدين بن السَّابق الحموي، بل قال لي: إنَّه كان غلِطَ فيه في أول الأمر، ثم رجع إلى الصَّواب، وكشف حالَه حتى ¬

_ (¬1) في (ب): "يلي".

[من عاد ابن حجر في مرضه]

في ديانته بما لم تجرِ عادتي بإثبات مثله، وإنما الحاملُ للإشارة إلى ذلك دَفْعُ مَنْ يتكلَّم بالهوى. ثم عَظُمَ الكرْبُ واشتد الخطب، وهرع النَّاسُ كبارُهم وصغارُهم، مِنَ الأمراء والقُضاة والعلماء والمباشرين والطَّلبة والصُّلحاءِ أفواجًا أفواجًا لعيادته، واستغاثوا مبتهلين إلى اللَّه تعالى في طلب عافيته. [مَنْ عاد ابن حجر في مرضه]: وممَّن حضر إليه: الأمير دولات باي، والقاضي وليُّ الدِّين السَّفطي، وهما ممن ناوأه، وسأله الثَّاني -بعد أن جلس عند باب المجلس الذي فيه أمُّ أولاد صاحبُ التَّرجمة، وحسر عن رأسه حسبما أخبرني به الشَّيخ جلال الدين ابن الأمانة- براءة الذِّمَّة، فقال: ممَّاذا؟ ونحوه ما أجابَ به الشَّيخ مدين، حيث جاءه بعد موت القاياتي شافعًا في وليِّ الدين بن تقي الدين البلقيني ليحصل له الرضا عنه، فقال: أمَّا الظاهر فقد حصل لمجيئكم، وأما الباطن فيحتاج إلى علاج، فسكت الشَّيخ. وكذا حضرَ إليه الشَّرف يحيى بن العطَّار، وكان منجمعًا عنه، وحصلت بينهما مذاكرةٌ لطيفة، وأظهر شيخُنا بشرى بالاجتماع به على جاري عادته في التودُّد مع مَنْ يفهم منه شيئًا، وأرسل إليه تُحفًا على يد الشَّيخ شمس الدين القِمَني خازن الكتب بالمؤيَّديَّة. وكذا جاء إليه القاضي كمال الدين بن البارزي، وقاضي القُضاة البدر العنتابي، وكنتُ حاضرًا حين مجيئه، فتذاكرا، وسمعته يقول له: قد سمعتَ على العراقيِّ، وأحبُّ الوقُوفَ على مروياته، فقال له شيخنا: لا يُوجَدُ مجموعُهُ في موضع واحد، مِنْ أجل أنَّه لم يعتنِ بذلك فيما وقفنا عليه، وكذا لم يعتنِ بجمعها ولدُه، بل ولا غيره مِنْ طلبته، لكن أُخرج لكم ترجمته مِنْ "معجم شيوخي"، وفيها الكتب والأجزاء التي قرأتها، أو سمعتها عليه، وهي تأتي على كثيرٍ مِنْ مروياته، فإذا حصَّلْتُم هذا، يتتبع الباقي.

[جنازته]

وممن جاء لعيادته الشَّيخ مِدين، وأحضر له كتابًا كان في عاريته، وعُدَّ هذا مِنْ مكاشفاته. إلى أن كان يوم الثلاثاء رابع عشري ذي الحجة، حضر عنده قاضي المالكية البدر بن التِّنسي مع الجماعة على العادة للسَّلام عليه، فأطال الجلوس معه، واستأنس به، وبعد أن ظهروا، استدعى بالوضوء، وأخذ يتوضَّأ، فما تمكَّن، ومِنْ يومئذٍ اشتدَّ مرضُه جدًا، بحيث صار يصلِّي الفرضَ جالسًا، وترك قيامَ اللَّيلِ، وصُرعَ يوم الأربعاء، ثم تكرَّر ذلك منه، وسُمِعَ منه يوم الجمعة عند الأذان لها إجابةُ المؤذِّنِ. وكانت وفاتُه ليلة السَّبت ثامن عشري ذي الحجة، بعد العشاء بنحو ساعة رمل، بعد أن جلس حولَه سبطُه ومِنْ جماعته الفخرُ بن جَوْشَن، والشيخُ شمسُ الدِّين السُّباطي، والشهاب الدَّوادار, وقرؤوا عنده سورة يس مرَّة، ثم أعيدت إلى قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}، ثم مات. وتولى السُّنباطي المذكورُ تغميضَه، وأخذ ولدُه يومَ السبت في تجهيزه، فغُسل بحضرةِ الشَّيخ زين الدين البُوتيجي, ويقال: إنه لم يخرج منه كثير شيء. [جنازته]: وحصل -وهو على الدكة وكذا في حال المسير بجنازته- غيمٌ، وأرخت السَّماءُ مطرًا خفيفًا جدًا لا يُبلُّ الثياب شبه الغبوق. وقد أشار إلى ذلك ابن النقاش في مرثيَّته الآتي ذكرُها، وغيره، وعمل ذلك في بيتين الشِّهابُ المنصوري وغيره كما سيأتي (¬1). وكُفِّنَ في إزارٍ في وسطه ساترٌ للعورة شُدَّ بحفاظٍ ولفافتين لجميع بدنه وقميص وعمامة، فهذه خمسة. قال لي سبطه: وثوبٌ آخر، فاللَّه أعلم. وجعلوا على تابوته مُرَقَّعَة الخانقاه الصلاحية. ¬

_ (¬1) انظر ص 1237 مِنْ هذا الجزء.

وكانت ساعة عظيمة، وأمرًا مهولًا، ووقع النَّوْحُ (¬1) في سائرِ النَّواحي مِنْ أصناف الخلق، حتَّى مِنْ أهل الذِّمَّة. واجتمع في جنازته مِنَ الخلق مَنْ لا يحصيهم إلا اللَّه عز وجل، بحيث ما أظن كبير أحد مِنْ سائر النَّاس تخلَّفَ عَنْ شهودها. وقفلت الأسواقُ والدَّكاكين، ويقال: إنَّه حُزِرَ مِنْ مشى في جنازته بنحو خمسين ألف إنسان، وعندي أنَّه لا يتهيأ حصرُهم، ولا يُدْرَك حدُّهم (¬2). وقد احتجتُ للوضوء وأنا تُجاه الظَّاهرية القديمة في أوائل الجنازة، فدخلتها وتوضأتُ بعد دخول الطهارة، ثم ظهرتُ، فإذا الناس لم يتكامل اجتيازُهم. وقد روينا عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، قال: حضرتُ جنازة أبي الفتح القوَّاس الزَّاهد مع الدارقطني، فلما نظر الدارقطنيُّ إلى ذلك الجَمْعِ الكثير، أقبل علينا، وقال: سمعتُ أبا سهل بن زياد القطان يقول: سمعتُ عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز. انتهى. وقد حُزرَ مَنْ شهد جنازة صاحبُ هذه المقالة الإمام المبجَّل أحمد بن حنبل، فكان عددًا بالغًا، بل قال ابنُ الصَّلاح: إنَّه قرأ بخط البيهقي في رواية ذكرها أنَّه أسلم يوم مات عشرون ألفًا مِنَ اليهود والنَّصارى والمجوس. قال: وهي في كتاب أبي نعيم، يعني "الحلية"، فقال عشرة آلاف، فاللَّه أعلم. قلت: وتحدَّث الناسُ كثيرًا مِنَ الصُّلحاء وأرباب الأحوال بشهود الخَضِر (¬3) وغيره جنازته، وسمعت ذلك مِنْ غير واحدٍ منهم. ¬

_ (¬1) ومعلوم أن هذا الفعل مما نهينا عنه, بدلالة كثير مِنْ الأحاديث الواردة في ذلك، وقد أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه مِنْ فعل الجاهلية. (¬2) في (ب، ط): "عدُّهم". (¬3) هذا مما لا يصح، وقد كان صاحبُ التَّرجمة الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه لا يرى حياة الخضر عليه السلام، ويرجح وفاته قبل بعثة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد ألف في ذلك كتاب =

وفي ظني أنَّه ما بعد جنازة التقي ابن تيمية أحفل منها، وما رأينا أحدًا مِنَ الشُّيوخ يذكر أنَّه رأى مثلَها، بل ولا ما يقاربُها، حتى بلغني عن الشَّيخ شمس الدين النَّشائي أَنَّه حضَر جنازة البُلقيني ولم تكن كهذه. وتولى الأُمراء مقدَّموا الألُوف حمل جنازته. وكان جهد الشخص الشَّديد الذي يتمكَّنُ مِنَ الوصول إلى نعشه، أن يمسَّ النَّعشَ برأس إصبعه. وساروا وعلى مشهده مِنَ الخفر والسُّكونِ والتُّؤدة والمهابة والجلالة ما لا يعبَّر عنه، إلى أن وصلوا إلى سبيل المُومني، وافترق النَّاسُ سماطين، واجتاز نعشه مِنْ بينهما، فكانت هيئةً مهولة. وقال بعضُ طلبته حينئذٍ مواجهًا للسَّفطي: قتلُوه قاتلهم اللَّه، وأمن على دعائه. وتلقَّى السُّلطانُ جنازنه ليشهد الصَّلاة عليه، ورام قاضي القُضاة علم الدين البُلقيني الصلاة عليه إمامًا، فأخَّره السلطان، وأشار إلى أمير المؤمنين الخليفة العباسي بالتقدُّم، ويقال: إنه قال: هو أمير المؤمنين وأنت أمير المؤمنين، فصلى بالناس عليه. وكذا لما حضر شيخُنا صاحبُ التَّرجمة الصلاة على القاياتي، قدَّم السُّلطانُ أمير المؤمنين. وتوجهوا بشيخنا إلى المحل الذي عُيِّنَ لدفنه، ومعه أيضًا مِنَ الخلْقِ المشاةُ مَنْ لا يحصيهم إلا اللَّه تعالى، حتى جاوزوا قبة الإمام الشَّافعي رضي اللَّه عنه، وانتهوا إلى تُربة بني الخرُّوبي المقابلة لجامع الدَّيملي والسَّروتين، فدفنوه هناك بمقصورةٍ صدْرَ التُّربة المذكورة مِنْ جهة يسار القبلة في فُسقيَّة فيها غيرُه، وكرهنا له ذلك، وهو فما كان أشدَّ إنكاره -رحمه اللَّه ورضي اللَّه عنه- لمثل هذا، واللَّه يعفو عمن أشار بذلك، وزعم أنَّه أوصى به، فإنَّ هذا شيءٌ اختلقه التماسًا لمرضاة ولده وعياله، والذي وُجِدَ في بعض وصاياه السَّابقة الوصيَّة بدفنه بحوش والده، وهو بتلك النواحي أيضًا، لكن اعتُذِرَ عَنْ ذلك بما لا يسوى سماعُه، ولو وُفِّقَ القائمُ بأعباء هذا الأمر ¬

_ = "الزهر النضر في نبأ الخضر" استقصى أقوال العلماء في هذه المسألة وأدلتهم، ثم قال: والذي تميل إليه النفس مِنْ حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام مِنْ استمرار حياته.

لرشده، لكان حيث فوَّتَ على الرَّجُلِ مِقصده أشار بمقبرة الصَّلاحية سعيد السُّعداء، ليتمكَّن أتباعُه مِنْ زيارة قبره كلَّ قليل مِنْ غير مزيدِ كُلفةٍ ولا نصب، ولكن الأمر بيد اللَّه تعالى يفعل ما يشاء. وما أحقَّه بقول القائل: لم أنْسَ يَوْمَ تَهَادَتْ نعشُه أسَفًا ... أيدي الوَرَى وترامِيها على الكَفَنِ كزَهرةٍ تَتَهَاداها الأكُفُّ فَلا ... يُقيمُ في رَاحَةٍ إلَّا على ظَعَنِ وقد شوهد كذلك؛ كان النَّاسُ يتعلَّقُون ليدركوا النَّعش بأيديهم أو بمناديلهم، ثم يمسحون بها وُجُوهَهم، ويقول القائل: عَجَبًا لقبر فيه بَحْرٌ زاخِرٌ ... عَجَبًا لبحرٍ لُفَّ في أكفانِ وما أحسنَ قول القائل: انْظُر إلى جَبل يَمْشِي الرِّجالُ به ... وانْظُر إلى القبر ما يَحْوي مِنَ الصَّلَفِ وانْظُر إلى صارِم الإسْلامِ مُنْغَمِدًا ... وانْظُر إلى دُرِّةِ الإسلام في الصَّدَفِ ولما انتهوا مِنْ دفنه، أخذوا في القراءة عنده بعد الذِّكر والابتهال في الدُّعاء له ساعة طويلة، وأقاموا على قبره أسبوعًا، تختم في كل يوم وليلة عنده ما شاء اللَّه مِنَ الخَتمات. فبطول النَّهار جماعة مِنْ طلبته يختم كلُّ واحدٍ منهُم القرآن غالبًا، ومِنَ العصر يأتي القُرَّاء ويكون ختمهم قُبيل الشمس، فلا يُحصى كم تُلِيَ على قبره مِنَ الختمات. وبلغني أن العلَّامة الجلال المحلي جمع جماعةَ بيتِه وقرؤوا ختمًا، وأهدوا ثوابه في صحيفته. وقال الوُعَّاظ عند محلِّ دفنه ما عَمِلَ الشُّعراء فيه مِنْ المراثي وغير ذلك، وكثر الإنشاد لمرثيَّةِ الشَّيخ شهاب الدين الحجازي بخصوصها مِنْ الوعاظ والعامة، بحيث لم يشتهر غيرها. وأطعم بتُربته مِنَ المآكل وشبهها شيءٌ كثير. وعند تمام الشَّهر فُرِّقَ على أكثر الطلبة مِنَ الذَّهب والفضة ما يفوقُ الوصف، ما بين عشرين دينارًا للشخص الواحد -وهم عددٌ يسير يأتي بيانهم- إلى نصفِ دينار.

[المنامات التي رؤيت له]

وصلَّوا عليه صلاة الغائب بغالب البلاد، وحصل الضَّجيج والبكاءُ والانتحابُ أسفًا على فقده، فمن الأماكن التي صُلِّي عليه بها كما علمتُه: مكة المشرفة، على ما كتبَ به إليَّ صاحبُنا ابنُ فهد الهاشمي محدِّثُها. وبيتُ المقدس، كما أخبرني به الشَّيخ شمس الدين ابن (¬1) الشَّيخ يوسف الصَّفِّي، وكان هُناك. قال: وتوجَّهْتُ إلى بلد الخليل عليه الصلاة والسلام، فصلوا عليه به في الجمعة القابلة، وكانت ساعة عظيمة في الموضعين. وحلب، على ما أخبرني به غيرُ واحد، وما أشكُّ أنَّه فُعِلَ كذلك بدمشق، بل ويغيرها مِنَ البلاد النائية، تقبَّل اللَّه منهم. وأشيع بعد وفاته إشاعة امتلأت الأقطار والنَّواحي مِنْ ذكرها، أنَّه تُمثِّل بما أودعه الشَّيخ شهاب الدين الحجازي كما سيأتي في مرئيته مما نُسِبَ للعلَّامة الزمخشري، وصار غالبُ النَّاس حتَّى العوام والنِّسَاء والصِّبيان يُنشدها، وينتحب، ولم يصحَّ ذلك عندي، فاللَّه أعلم. [المنامات التي رؤيت له]: وأما المنامات التي رؤيت له في حياته وبعد موته، فشيءٌ كثير، لا أستطيع الإحاطة به، فمن ذلك: ما قرأته بخط برهان الدِّين البقاعي بظاهر مجلَّد مِنْ "تذكرة" صاحبُ التَّرجمة، فقال، ومنه نقلت حرفًا بحرف: لمَّا كانت سنة أربعين وثماني مائة وقع بعضُ مَنْ يدَّعي العلمَ مِنَ الأروام في واقعٍ بَشِعٍ في مجلس الحديث عندَ السُّلطان الملك الأشرف بقلعة الجبل بالقاهرة في رمضان، فادَّعى عليه عندَ شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام، حافظ العصر، إمام أهل الدهر، المتفرِّد منذ أزمان بالذَّبِّ عن دين الإسلام، والمناضَلةِ عن سُنَّةِ سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام، أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن ¬

_ (¬1) "بن" ساقطة مِنْ (أ)، وهو محمد بن يوسف بن أحمد. مترجم في الضوء اللامع 10/ 89 - 90.

علي بن حجر الشَّافعي، صاحبُ لهذه "التذكرة"، أطال اللَّه بقاءه، لرفع الدين بقمع المعتدين، في قصة مطوَّلة، تعصب فيها مع الرُّومي أبناءُ جنسِه وبعضُ الأتراك، بواسطة ميلهم إليه لأجل اللِّسان والمذهب، وغير ذلك على العادة، فشرع شخصٌ مِنَ الأتراك يذكر قاضي القضاة المشار إليه بما لا يليقُ بمقامه، فقال له آخرُ منهم: لا تفعل؛ فإنِّي رأيتُ له منامًا عجبًا، وحكى له المنامَ. فاجتمعت بذلك الرائي في يوم الثلاثاء سادس عشري الشهر مِنَ السَّنة، فحدثنا مِنْ لفظه، وهو طقتمر بن عبد اللَّه النَّاصري، قال: لما توجَّه السُّلطان الملك الأشرف سنة ست وثلاثين وثماني مائة إلى آمد، فوصلنا إلى البيرة على شاطىء الفُرات، رأيت في المنام ليلة ست وعشرين مِنْ رمضان تلك السَّنة كأنِّي دخلتُ مسجدًا صغيرًا، وفيه شيءٌ كأَنَّه قبرٌ محجَّرٌ عليه بخَشَبٍ، وفي ذلك الخشب طاقٌ، وإلى جنب ذلك التَّحجيرِ نعش خشب أبيض بأربعِ قوائم، وعلى النَّعش شخصٌ ممدود، عليه ثيابٌ بيضٌ شديدةُ البياض جدًا، بحيث إنَّها لا تُشابِهُ ثيابَ أهل الدُّنيا، كأنها أكفانٌ، وليس مِنْ جسده شيء يُرَى، وإلى جانبه أشخاصٌ ألوانُهم خُضْرٌ. وكان قاضي القُضاة الشَّافعي ابن حجر في محراب ذلك المسجد يصلّي إمامًا ووراءه السُّلطان مِنْ جهة يمينه وقاضي القضاة البساطي المالكي مِنْ جهة يساره يصلِّيان مأمومَيْن، فأدركتُ معهم بعضَ الصَّلاة، ولم أعلم أيَّ صلاةٍ هي، فلمَّا سلمتُ قمت، فوضع بعض أولئك الأشخاص أيديهم على كتفي، وقالوا لي: أما تعرفُ هذا؟ وأشاروا إلى ذلك الذي على النعش، فقلت: لا، فقالوا: هذا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واستدار القاضي الشَّافعي، فدعا ثم قام القاضي المالكي، فجاء إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسلم عليه ومدَّ يدَه إلى صدر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ففرَّج بعضَ الأكفان يسيرًا، وأخذ مِنْ هناك ياسمينًا قدر ما وسعه كفُّه، ثم تأخَّر، وشرع يقرِّبه إلى أنفه ويشُمُّه، ثم يمدُّ يده، ثم يردُّها إلى أنفه ويشم، وتناثر مِنْ يده خمسُ زهرات أو ستُّ، ثم قام الشَّافعيُّ، فجاء فسَلَّم على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقبَّل صدرَه، وشرعا يتكالمان بكلام لم أسمع أحسنَ منه ولا ألذَّ، ولم أحفظ منه شيئًا، واستمر على ذلك زمانًا طويلًا، لعلَّه بمقدار ما يطبخُ الإنسانُ لحمًا ويُنْضِجُه، ثم أدخل يدَه الواحدة تحت كتف النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-

والأخرى تحت وسطه، فأدخله إلى ذلك المكان المحجَّر مِنْ تلك الطاق مِنْ جهة رجلي النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمكالمة مع ذلك بينهما مستمرَّة، حتى انتبهتُ وقت التَّسبيح وهما على ذلك. انتهى. وقد أسلفتُ في الباب الرابع أنَّه رُؤيَ النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس إملائه (¬1). وكذا رُؤيَ -صلى اللَّه عليه وسلم- في مجلس أسماعه؛ فمن ذلك: أنَّ أمَّ محمد فاطمة ابنة محمد بن محمد زوج الحاج محمد النجار، عرف بالعاقل، كانت جالسةً بالإيوان الجنُوبي مِنَ المدرسة المنكوتمرية للسّماع على صاحبُ التَّرجمة في "المعجم الأوسط" للطبراني، فحصلت لها في حالة السَّماع إغفاءة، فرأت عن يمين الكرسيِّ الذي كان يجلس عليه القارىء حلقةً لطيفةً، فيها شخصٌ مرتدي بكساءٍ أو غيره أبيض لامع البياض، وقد سطع نور الرجل (¬2) حتى غلب على نورُ الشمعة (¬3). قالت: فتطاولتُ لأنظره، وقلت: ما هذا؟ فقيل: أما تعلمين؟! هذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، جاء يحضرُ حديثَه. قالت: فأردتُ أن أضجَّ بالصَّلاة عليه، وإذا صياحُ السَّامعين قد ارتفع بالصَّلاة عليه والسَّلام، فانتبهتُ على ضجَّتهم: "صلى اللَّه عليه وسلم"، وحدَّثَتْ بهذه الرؤية في ليلة الإثنين غُرَّة رجب سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، وكتبها عنها صاحبُنا النَّجم ابن فهد الهاشمي وغيره مِنْ أصحابنا، وممَّن سمعها الشمس السُّنباطي. وبلغني عن بعض المنسُوبين إلى الخير أنَّه في السَّنة التي ماتَ فيها صاحبُ التَّرجمة كان بالحجاز، وأنَّه بعد الزِّيارة -وكان ذلك قُبيل موت صاحبُ التَّرجمة بأيام- رأى في منامه كأنه في المدينة النبوية، وباب الحجرة الشَّريفة مغلوقٌ، والنَّاس قيام ينتظرون فتحَه، وقد ازدحموا، وطال وقوفهم ¬

_ (¬1) مسألة رؤية النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد وفاته مما انتشر بين المتصوفة، ولا يصح ذلك، فما أُثِرَ عن الصحابة رضوان اللَّه علبهم، وهم كانوا أشد شوقًا إلى رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنهم رأوه أو أنَّه عليه السلام زارهم أو أتاهم في مجالسهم، والحجب مِنْ المصنف رحمه اللَّه كيف يأتي بهذه الحكايات التي لا تصح ولا تتفق مع العقيدة الصحيحة. (¬2) في (ب، ط): "سطع نوره". (¬3) في (أ): "الشمس".

وهم كذلك، وأَنَّه قيل لهم: لا يفتحُه إلا ابن حجر. قال فما لبثنا أن جاء المشارُ إليه، ففتح لهم فدخلوا وزاروا. وأخبر شخص أنَّه رأى كأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدرسة المنكوتمرية وهو وصاحب التَّرجمة يتحدثان، وخلفهما الرأي وجامعُه، ويليهما جماعة كثيرون، وكأنهم في انتظار صلاة العصر (يوم الجمعة) (¬1)، فقام صاحبُ التَّرجمة إليهما، وأمر جامعَه بالصَّلاة للقوم إمامًا، ورجع إلى مكانه. وحكى الفاضل الأمير تغري برمش الفقيه أنَّه رأى في ليلة النِّصف مِنْ ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وثماني مائة كأنه في جامع كبير أو نحوه، وجماعة مُطَيْلَسُون أكثر مِنْ مائة هناك، وكأنهم حضروا لدرسِ أو إملاءٍ، وثَمَّ شيخٌ كبير متصدِّرٌ في القبلة وهو يُملي عليهم الحديث، وأنَّه جَلَسَ بينهم، وصار يُباحث الشَّيخ في الحديث ومتعلقاته، وأنَّ الجماعة جعلوا يُشيرون إليه بالسُّكوت، وأنَّه سأل ممَّن بجانبه عن هذا الشَّيخ المُملي، فقال: هو الشَّيخ الإمام أبو بكر الإسماعيلي الحافظ الفقيه صاحبُ "المستخرج"، وأَنَّه لمَّا علم ذلك، استحيى منه، فقال لهم الشَّيخ: دعوه يتكلَّم، فإنه تلميذ أو مِنْ تلاميذ ابن حجر. وبلغني عن بعض الصَّالحين أنَّه رأى كأنَّه بالموقف، ورام دخُول الجنَّة، فقيل له: حتى يدخُلَ الشَّيخُ شهابُ الدِّين ابن حجر. وأخبرنىِ البدرُ حُسين الأزهري أنَّه رآه في المنام وبين يديه جفْنَةٌ كبيرة ممتلئة لبنًا، والنَّاسُ يجيئون فيشربون منها وهي على حالها لا تنقُص شيئًا. وبلغني عن الشَّمس الدَّميري -أحدِ الموقِّعين- أنَّه رأى ليلة وفاةِ صاحبُ التَّرجمة أنَّ البحر قد نشف، ولم يبق منه إلا مقدار مجراةٍ فيها ماء يسيرٌ، بحيث إنَّه توضأ منه، فصار يصعد معه الرمل لقلَّته. قال: فلمَّا أصبحتُ، سمعت بموت صاحبِ التَّرجمة. وبلغني عن البرهان التَّرقِّي -أحد الموقعين بالدَّست- أنَّ زوجته استيقظت صبيحةَ اللَّيلة التي تُوفي فيها صاحبُ التَّرجمة، ولم تكن علمت ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ساقط مِنْ (ب).

بموته وهي مرعوبة، وقالت: سمعتُ قائلًا يقولُ: الصَّلاةُ على شيخٍ مِنْ آل بيت النبوة. ومنه ما بلغني عن الشَّيخ يحيى العجيسي المغربي نزيل النَّاصرية أنَّه سمع بعد موته في اليقظة هاتفًا يقول: بعد أحمد وسعد ما يضحك أو يفرح أحد. وكذا حكى البدرُ حسن الطنتدائي الضَّرير أنَّ شخصًا أخبره في سنة موت صاحبُ التَّرجمة أنَه رأى في منامه كأن اثنين واقفين عند بابي زُوَيْلَة، وأحدهما يقول للآخر: أين تريد؟ فقال: أريد خَسْفَ هذه البلدة. فقال: ما دامَ هذا -وأشار إلى شيخ الإسلام- وكان جالسًا بإيوان هناك ومعه آخر. قال: وفي الظَّنِّ أنَّه أشار إلى الآخر أيضًا- لم يَضُرَّها شيءٌ. قال البدر: فحكيتُه لصاحب التَّرجمة فتبسَّم، ثم حكيتُه للظَّاهر جُقمُق، فقال: نفعنا اللَّه ببركته. وتوارد الأخبار عن غير واحد ممَّن ناوأ صاحبَ التَّرجمة سرًّا أو جهرًا ممَّن مات في حياته أو بعده، أنهم في عدمِ راحة مِنْ أجله انتقامًا منْ ربّ العزَّة المنصِف المظلوم ممَّن ظلمه، أحببتُ الإضرابَ عن تفصيل ذلك. ومنه ممَّا أخبرني به الشَّيخ عز الدين السُّنباطي، نفع اللَّه به، قال: رأيتُ كأني بين يدي صاحبُ التَّرجمة أنا والقاضي ولي الدين ابن تقي الدين البلقيني، وكان صاحبُ التَّرجمة دفعَ لوليِّ الدين المذكور مِنَ القصب الأبيض قلمًا بغير برايةٍ، وقال له: قُل لصاحبك -وسمَّى الشَّرف يحيى ابن العطار-: قد تقدَّم الخصمُ والمدَّعى عليه في الطَّلب، والحاكم لا يحتاج إلى بيِّنَةٍ. قال: فلم يلبث إلا دون شهرٍ ومات الشَّرفُ المذكور. قلت: ونحو هذا قول القاضي بكار لأحمد بن طولون عن نفسه وقد ظلمه: شيخُ فانٍ وعليل مُدْنَفٌ، والملتقى قريبٌ، واللَّه القاضي. انتهى. وكذا تواترت المناماتُ عنه نفسه، أنَّه في رفعَةٍ إلى الغاية، حتى إنَّ فقيه الشَّافعية الشرف المناوي حكى أنَّه رأى في المنام غيرَ واحدٍ ممَّن وليَ القضاء وليس فيهم أحسنَ رؤية منه، قال: وما هذا إلا ببركة السُّنَّة النَّبوية.

وبلغني عن بعض الأعيان المعتبرين ممَّن أخذتُ عنه أنَّه رأى عَقِبَ وفاته كُلًا مِنَ الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشَّافعي والليث بن سعد الفهمي أعاد اللَّه علينا مِنْ بركاتهما، وهما في همَّةٍ، وأَنَّه سألهما أو أحدهما أو واحدًا ممَّن حضر عن سببِ ذلك، فأجيب بالاهتمام بضيافة ابن حجر رحمة اللَّه عليهم أجمعين. وأخبرني العلَّامةُ الزَّين قاسم الحنفي أنَّه رآه بعد موته, وسأله عن حاله، فقال: بشَّرني بشَّرني بشَّرني، وكررها، ومدَّ يده. قال: فقلتُ له: طيِّب طيِّب، أو كما قال في منام طويل. ورأيتُ أنا في ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين قاضي القُضاة وليَّ الدِّين السُّنباطي المالكي وهو راكب بغلةً ولا وجع بعينيه، فنزل وسلَّم عليَّ، فقلت له: كيف حالُ شيخنا، وأشرت إلى صاحبُ التَّرجمة؟ فقال: بخير، واستيقظت وكنت أضمرتُ أشياء كثيرة أسأله عنها، فما تيسَّر. وأخبرني الشَّيخ برهان الدين ابن سابق نزيل المنكوتمرية وإمامها أنَّه رأى وهو ببيت المقدس صاحبُ التَّرجمة في المنام وعليه حُلَّة بيضاءُ حرير، بطائنها مِنْ ذهبٍ يلمع، وعلى رأسه عمامة بيضاءُ، في هيئة لم يُرَ أبهجَ منه فيها، وأنه ناوله شيئًا، وأمره بالسَّلام على أهل بيته. ولو أردت تتبُّع ذلك، لجاء في كراريس، لكن في لهذه الإشارة كفايةٌ، واللَّه تعالى يحشرُنا معه فى زُمرة المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويزيدُنا بمحبته والانتساب لجنابه في الدَّارين شرفًا، إنَّه قريب مجيب. ومما يلتحق بذلك أنَّ أبا البركات محمد بن إبراهيم العسقلاني والد الزَّين أبي بكر الخانكي رأى قُبيل موت صاحبُ التَّرجمة بيسير في اليقظة الشيخ عمر [بن الشَّيخ علي] (¬1) الزَّيني. وكان مِنْ صُلحاء تلك النَّاحية. وهو في بئر ممتلئة طينًا وقد تضمَّخ منه، فسأله: لأيِّ سبب [عملت ذلك؟ فقال: سببُه موتُ ابن حجر. قال: فلم يلبث أن مات بعد أن] (¬2) توجه أبو البركات ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب).

[وصيته]

المذكور الى الشمس الشطنوفي الماضي عند ذكر محنة صاحبُ التَّرجمة، وأعلمه بذلك وحذَّره مِنْ تغيُّر خاطر شيخ الإسلام عليه، وأنه ينبغي له تدارُكُ لملك قبل الوفاة بالتَّوجُّه إليه والاعتذار والاستغفار، وأنَّه فعل ذلك رحمه اللَّه ونفعنا ببركته. ولو أردت استيعابَ المنامات المتعلِّقة بصاحب التَّرجمة -خصوصًا قُبيل وفاته- لطال، مع كونه كان يتوقَّفُ في صحَّةِ كثيرٍ منها. وقد رأيته ضَبَطَ بعصًا مما رآه هو مِنَ المنامات رحمة اللَّه عليه. [وصيته]: وأما وصيته، فله عدَّةُ وصايا، اعتمدوا الأخيرة منها. وقد كتب لي سبطُه نسختها، ونصُّها: يقول راجى رحمة ربه جلَّ وعز، كاتب هذه الأسطر، أحمد بن علي بن حجر: إنَّ هذه الوصية صدرت عنِّي امتثالًا لأمر خيرة اللَّه تعالى مِنْ خلقه، محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّني أوصيتُ بثلث ما تحتَ يدي مِنْ مالِ اللَّه سبحانه لمن يُذكر فيه مِنْ معيَّن ومُبْهم، وأن يباشر تفرقة ذلك ممن بيديه أخي في اللَّه تعالى القاضي ناظر الجيوش المنصورة محبُّ الدِّين، رزقه اللَّه تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة، كذلك مع ولدي محمد، فمن ذلك ما هو في ذمتي لامرأتي أُنْس خاتون ابنة القاضي ناظر الجيوش كريم الدين بن (¬1) عبد العزيز رحمة اللَّه تعالى عليه، بقية قيمة (¬2) كساوي ثلاثمائة دينار ذهبًا أشرفيًا وظاهريًا، وما هو تحت يدي بقيَّةُ وصية ابن الدَّاراني تقدير خمسين دينارًا، تُدفع للمولى زين الدين عبد الغني القِمَني، يصرفها مصرفها، ومما (¬3) هو في ذِمَّتي ممَّا يُصْرَفُ مصرفَ الزَّكاة المفروضة مائة دينار. وأنَّ تحت يدي على سبيل الوديعة لبلقيس بنت المرحوم شمس ¬

_ (¬1) في (أ): "أبو"، تحريف. (¬2) "قيمته" ساقطة مِنْ (ط). (¬3) في (ب، ط): "وما".

الكَمَاخِي، وهي زوجٍ فخر الدين القاياتي، مِنَ الذَّهب الأفلوري مائتي دينار وتسعة وثمانين دينارًا تنقص عن الثلاثمائة أحد عشر دينارًا. وما هو في مصرف الوصية لفخر الدين سليمان ابن المرحوم سهل الدين الخروبي خمسُون دينارًا، ولولد أخيه أبي الخير ابن بدر الدين ابن سراج الدين ثلاثون دينارًا، ولولدَيْ أخيه الآخر نور الدين علي ابن عز الدين ابن سراج الدين، وأخيه نظير ذلك، وما هو لولدَيْ شرف الدين ابن سراج الدين، الموجودين الآن بالسَّوية بينهما خمسون دينارًا، ولبنت آمنة بنت سراج الدين مِنْ ابن مشرِّف عشرون دينارًا، ولفاطمة بنت نور الدين علي بن أحمد بن يسير (¬1) [خمسون دينارًا ولمحمد بن شرف الدين محمد بن أحمد بن يسير] (¬2) ولأخيه أربعون دينارًا بالسوية بينهما. ولخاص بنت ناصر الدين محمد بن حجر زوج ابن مرزوق ولولدها جمال الدين بالسوية بينهما أربعون دينارًا. وأن يخرج مِنْ الثلث مائة دينار يفرِّقها القاضي محب الدين المشار إليه أعلاه على مِنْ يختار مِنْ معارفه بحسب ما يقتضيه رأيه في ذلك. وقد أوصيتُ لكلٍّ مِنْ طلبة الحديث النَّبويِّ المتحقِّقين (¬3) بطلبه والاشتغال به أكثر مِنَ الاشتغال بغيره مِنْ سائر العلوم الدينيَّة ممَّن شهد لهم بذلك جماعة أهل العلم بالحديث، وهم: القاضي نور الدِّين ابن سالم، وبرهان الدِّين البقاعي، وتقي الدين القلقشندي، ونجم الدِّين عمر بن فهد المكي، وقطب الدين الخَيضري، وشمس الدين بن قمر إمام المدرسة الرُّكنية بَيبرس، ومحمد بن عبد الرحمن السَّخاوي، وفخر الدين عُثمان الدِّيمي، وزين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي، بمائتي دينار، تقسم بينهم بالسَّويَّة، ولكلِّ مَنْ كان يواظبُ مجلس الإملاء بالسوية بينهم مائة دينار، ¬

_ (¬1) في (ب): "بشير" ن. وهو تحريف. وترجم المصنف لفاطمة هذه في الضوء اللامع 12/ 96، فقال: ابنة أبي القاسم البالسي المصري، ويعرف بابن اليسير -بهملة- ككبير. (¬2) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). (¬3) في (أ): "المحقين".

ولكل مِنْ كان يتعاهد ذلك أحيانًا وأحيانًا منهم مائة دينار بينهم بالسَّوية، يقدَّمُ الأحوجُ فالأحوج. ولكل مَنْ سُجِنَ على دَيْنٍ شرعيٍّ وشهد أهل سوقِه أنَّه عَجَزَ عَنْ وفاء ما سُجِنَ لأجله مِنْ غير إنفاق في معصيةٍ مائتي دينار على المحاصَصة بينهم. ولزين الدين القمني عشرون دينارًا، ولعمر الإسكندراني عشرة دنانير، والشهاب الداودار عشرة دنانير، ولولَدَيْ ولَدِي محمد أربعمائة دينار بالسَّوية بينهما، ولسِبطي يوسف ثلاثمائة دينار، يشتري بها مِنْ كتبي ما يختار، ولحَمْل مستولدته منه مائة دينار بالشَّرح، خارجًا عما كنتُ ملكتُه مِنْ مصنَّفاتي التي بخطِّي في حال صحَّتي، ليَقِفَه على طلبة العلم الشَّريف مِنْ أهل الحديث النبوي، ويكون مقرُّ ذلك تحت يده في طُول حياته، ثمَّ مِنْ بعده يستقرُّ ذلك في المدرسة المحمودية بخط الموازنيِّين. ومن جملته الأجزاء الحديثيَّة النَّثرية، المجلَّداتُ منها والأجزاء النثرية، وفيها جملةٌ كثيرة مِنْ أجزاء المحمودية مِنْ أوقاف المحمودية، وليعجل بإفرادها وتحويلها إلى المدرسة المحمودية. وجميع ما أقررت به يخرُج مِنْ رأس المال، وجميع ما أوصيت به يخرج مِنْ ثمن الفلفل الذي بالإسكندرية والذي بمصر، فالأول عشرون حملًا، والثاني خمسة وثلاثون حملًا، وإن كان لا يوفي ذلك، فليكمل مِنْ سائر التعلُّقات. وأوصيت للمصونة فرح خاتون أختِ امرأتي شقيقتها بمائة دينار في مقابل أُجرة حِصَّتها مِنَ القاعة سكني. وأقررت بأنِّي لا أستحقُّ في قاعة خالي صلاح الدين الزِّفتاوي الكائنة بمصر مقابل المقياس شيئًا، بعد أن وَضَح لي أن الاستحقاق لربع ذلك بعد والدتي قبلي انتقَلَ إلى غيري بطريقٍ معتبرٍ شرعيٍّ، وأنَّ الذي تحصَّلَ في طول المدَّة صُرِفَ في ترميم المكان المذكور، إلا قدر سنتين وأزيد مِنْ ذلك

في ذمَّة تبع الدين ابن حِتِّي (¬1) التاجر، المذكور، وأن تحت يدي مسطورًا شرعيًا لورثة المرحوم جلال الدين محمد (¬2) ولد (¬3) المرحوم نور الدين علي الطَّنْبَذِي في ذمَّة شهاب الدين أحمد البرماوي بقية معاملة بينه وبين تاج الدين ابن حِتِّي، وأنه كان يُبدي بمقتضى مسطور شرعيٍّ في ذمَّة المقرِّ الكمالي كاتب السِّرِّ الشريف ألف دينار، ونسلمَ المسطورَ المذكور لما انفصلتُ من وظيفةِ القضاء في أول سنة إحدى وخمسين أمينُ الحكم العزيز (¬4) إذ ذاك، بمقتضى إشهاد عليه، وهو القاضي ولي الدين الأسيوطي، وتسلم منِّي أيضًا مسطورَ المعاملة بين ولَدَي الطَّنبَذِي جلال الدين وبين تاج الدين [ابن حِتِّي المتضمن الرهن الزَّركش على ما وقع البيع فيه وبرئت ذمة ابن] (¬5) حتِّي منه إلّا قدر معيّن، بشهادة زين الدين القمني. وأن فخر الدين بن ذُؤيب تسلَّم مني ألفَ دينار ذهبًا، منها خمسمائة دينار على أن يشتري بها (¬6) مِنْ أصناف التِّجارة بالإسكندرية، فيُسْأل عمَّا فعل فيها، والقولُ قولُه، وللوارِثِ تحليفُه. وأنَّ المسطورَ المكتتَبَ عليه أنَّ الذي تسلَّم مِنِّي مِنَ الفلوس المضرُوبة وغيرها ممَّا يشهدُ بها (¬7) المسطور المذكور، وذكر أنَّه اشترى به الكودة ما ذكر، أنَّه خَزَنَهُ بالمخزن المنسُوب إليَّ بفندق الكارم، لم يقع بيني وبينه فيه حسابٌ ولا مفاصَلَةٌ، وعليه الخروجُ مِنْ عهدته، فإنِّي ما أمضيتُ ذلك، وعليه خلاصُ نفسِه مِنْ تَبِعَتِه. وكذا عليه خروجُه مِنْ تَبِعَةِ السَّفرة ¬

_ (¬1) ضبطه المصنف في الضوء اللامع 11/ 243، فقال: بكسر ثم فوقانية مشددة مكسورة، ثم قال: أحد التجار، ذكر في وصية شيخنا، وكان حيًا في سنة خمس وخمسين. (¬2) "محمد" لم ترد في (ب). (¬3) في (أ): "والد", خطأ، فقد ذكره المصنف فيمن نسبته الطنبذي مِنْ الضوء اللامع 11/ 213، فقال: نور الدين علي ابن التاجر الشهير وابنه الجلال محمد، توفي قبل شيخنا، وله ذكر في وصيته. (¬4) "العزيز" لم ترد في (ب، ط). (¬5) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). (¬6) في (ب): "يشتري لها بها"، وفي (ح، ط): "يشتري لي بها". (¬7) في (ب، ط): "به".

[زوجاته وبنوه وذريته]

المجهَّزة إلى الإسكندرية على سبيل الشركة بيني وبينه، فإنه لم يخلُص مِنْ تبعتها، ولا تحرَّر بيني وبينَهُ في ذلك حسابٌ. هذا ما كتبه إلي السِّبْطُ، ونفَّذَ ولدُه وباقي الورثة غالبَ ذلك. وأمَّا الكتبُ، فما وفَوْا بقصده، حتي ولا في كتب الأوقات التي كانت تحت يده والأجزاء الحديثية، وتفرق كلُّ ذلك والكثير منه، لا سيما مصنَّفات الغير التي بخطِّه، حمل إلى الجمالي ناظر الخواصِّ صفوًا عفوًا مِنْ غير مقابل فيِ ذلك، وكان الابتداء فيه بواسطة العل، وتعطل الانتفاعُ به، بل وبسائرها إلّا ما كان بُيِّضَ منها في حياته، وكذا ما بيَّضتُه بعد موته، وكانت في ذلك حركات وقلاقل واضطراب شديد، لا أطيل بإيرادها، والأمر بيد اللَّه يفعل ما يشاء. [زوجاته وبنوه وذريته] وأما مِنْ علمته مِنْ زوجاته وبنيه وذريته: [زوجته أنس خاتون]: فأوَّل زوجاته: شيختُنا الرئيسة الأصيلة أُنْس (¬1) ابنةُ القاضي ناظر الجيش -كان- كريم الدين عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن أبي طالب بن (علي بن) (¬2) سيدهم اللخمي النستراوى الأصل المصري. وأمُّها ماتت في المحرم سنة إحدى وعشرين، وهي سارة بنت ناصر الدين محمد بن أنس بنت منكوتمر نائب السَّلطنة، المتوفَّى مُتاخم القرن الثامن، وهو صاحبُ المدرسة والقاعة المتجاورتين. كان مولد أُنْس تقريبًا في سنة ثمانين وسبعمائة، وتزوَّجها شيخُنا ¬

_ (¬1) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 10 - 11، وقال المصنف: وقد أطلت ترجمتها في الجواهر. (¬2) ما بين قوسين ساقط مِنْ (أ).

[ابنته زين خاتون]

بإشارة وصِيِّه العلَّامة ابن القطَّان في شعبان سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، وحصل لها بواسطة ذلك خيرَ كثير، وهي -وإن كانت مِنْ بيت رئاسة وحشمة، ولوالدها سماعٌ مِنَ الجمال ابن نباتة وابن البُوري وغيرهما، وسمع منه صاحبُ التَّرجمة قليلًا، وكذا كان عمُّه البدر حسن بن عبد العزيز ممَّن سمع على الحجَّار وعبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة وآخرين، وكتب عنه الحُفَّاظُ- لكنه لم يعتن بها بالنِّسبة إلى السَّماع والإجازة أحدٌ مِنْ أقاربها، فأسمعها زوجُها مِنْ شيخه حافظ العصر العراقي، حيث جاء إلى منزله لوداعه عند توجُّهه لبعض سفراته "الحديث المسلسل بالأولية"، وكذا أسمعها إياه مِنْ لفظ الشَّرف ابن الكُويك في يوم ختمه "صحيح مسلم"، وأجاز لها باستدعاءٍ شاميٍّ مؤرَّخٍ في ذي القعدة سنة ثمان وتسعين جماعةٌ؛ منهم: أبو الخير ابن (¬1) الحافظ العلائي، وأبو هريرة ابن الحافظ الذَّهبي، وباستدعاءٍ بمنى، مؤرَّخٍ بصفر سنة ثمان مائة، جماعةٌ، وبآخر بمنى أيضًا مؤرَّخٍ بربيع الآخر مِنَ السَّنة شخصٌ واحدٌ، وبآخر مع ابنتها زين خاتون في سنة اثنتين وثمان مائة غالبُ مَنْ لقيه زوجُها في رحلته الشاميَّة، وبآخر مع ابنتَيْها زين خاتون وفرحة، مؤرَّخ بربيع الأول سنة سبع وثمان مائة، جماعةٌ مِنَ الشاميِّين أيضًا، إلى غير ذلك مِنَ الاستدعاءات المتأخِّرة. واستولدها صاحبُ التَّرجمة عدَّة أولاد، زين خاتون وفرحة السَّابقُ ذكرهما، وغالية، ورابعة، وفاطمة. ولم تأتِ منه بذكرٍ قطُّ. نعم، كانت تجيءُ بين كل بطنين بسقطٍ ذكرًا. [ابنته زين خاتون]: فأما أولتهن (¬2)، وهي بكرُ أولاده، فمولدها في ثاني عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وثماني مائة، واعتنى بها أبوها، فاستجاز لها في السَّنة المذكورة ¬

_ (¬1) "ابن" ساقطة مِنْ (أ). (¬2) وهي زين خاتون، ترجمها المصنف في الضوء اللامع 12/ 51.

[ابنته فرحة]

فما بعدها خلقًا (¬1)، وأسمعها على شيخه العراقي والهيثمي، وأحضرها على ابن خطيب داريَّا في الثالثة الجزء الثَّالثَ مِنْ أول "حديث المخلص". وتزوجها الأمير شاهين العلائي قطلوبغا الكركي، الذي صار داودارًا صغيرًا عند المؤيَّد، ثم بطل إلى أن مات في ذي القعدة سنة ستين وثماني مائة بدمشق كما قرأته بخط ولده، وقال: إنه قرأ القرآن وصلى به، وكتب بخطه "الشفاء" و"الموطأ" وغيرهما، لكنه خسَّ بالورق، فلم ينتفع بها. قال: وكان في خُلُقِه شدَّةٌ وزعارَّة، وأثنى على فروسيَّتِه. انتهى. فاستولدها عدَّة أولاد، ماتوا كلُّهم في حياة أمهم؛ منهم: أحمد. ذكره شيخي في استدعاء ولده محمد في سنة خمس وعشرين وثماني مائة، وعزيزة. ذكرها الشَّيخ رضوان في استدعاء مؤرَّخ بذي القعدة سنة ثلاثين. ولم يتأخر مِنْ أولادها إلا أبو المحاسن يوسف الآتي ذكره. وكانت قد تعلَّمت الكتابة والقراءة، وماتت وهي حاملٌ بالطَّاعون سنة ثلاث وثلاثين وثماني مائة، فجُمِعَتْ لها شهادتان. [ابنته فرحة]: وأما فرحة (¬2)، فمولدها في رابع عشري رجب سنة أربع وثماني مائة، واستجيز لها -كما تقدَّم- في سنة سبع وثمان مائة، ثم بعد ذلك [في ذي القعدة سنة ثمان عشرة] (¬3). وتزوجها (بكرًا) (¬4) شيخ الشيوخ محب الدين ابن الأشقر، الذي وَلِيَ نظر الجيش وكتابة السِّرِّ، وكان أحد أعيان الدِّيار المصرية، ومات فى أوائل رجب سنة ثلاث وستين، وعمل بعضُ الأُدباء صدَاقها في أُرجوزة كما تقدَّم (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصول: "خلق"، والصواب ما أثبت، وهو كذلك في ترجمتها مِنْ الضوء اللامع 12/ 51. (¬2) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 115. (¬3) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (ب). (¬4) ساقطة مِنْ (أ). (¬5) 1/ 505.

[ابنته غالية]

واستولدها ولدًا مات صغيرًا في حياة أُمِّه (¬1). وكانت وفاتُها في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين، بعد أن حجَّت في العام قبلَهُ مع زوجها، ورجعت مُوعَكَةً حتَّى ماتت عن ثلاث وعشرين سنة وتسعة أشهر. [ابنته غالية]: وأما غالية (¬2)، فمولدها في ذي القعدة سنة سبع وثماني مائة، واستجيز لها جماعةٌ، وماتت هي وفاطمة الآتية بالطاعون في ربيع الأول سنة تسع عشرة وثمان مائة مع بعض عيال أبيها. [ابنته رابعة]: وأما رابعة (¬3)، فوُلِدَت في رجب سنة إحدى عشرة وثمان مائة. وأسمعها والدُها على المراغي بمكة في سنة خمس عشرة، وأجاز لها جمعٌ مِنَ الشَّاميين والمصريين. وتزوجها الشهابُ أحمد بن محمد بن مكنون، ودخل بها بكرًا، وهي ابنةُ خمس عشرة سنة، فولدت منه بِنتًا أسماها غالية، ماتت في حياتهما بعد أن استدعى لها الشَّيخ رضوان وغيره، ثم ماتَ زوجُها عنها في رمضان سنة تسع وعشرين (¬4)، فتزوجها المحبُّ ابن الأشقر المذكور أيضًا، واستمرت حتى ماتت عنده في سنة اثنتين وثلاثين وثمان مائة. وعمل صداقها في أرجوزة الهيثميُّ وهي بكر، ثم الصَّلاح الأسيوطيُّ ¬

_ (¬1) في (ط): "في حياة أبيه". (¬2) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 85. (¬3) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 34. (¬4) في (ب، طـ): "تسع عشرة"، وهو خطأ. وقد أرخ المصنف وفاته سنة 829 في ترجمته مِنْ الضوء اللامع 2/ 208. وكذا نكره الحافظ ابن حجر في "إنباء الغمر" 8/ 109 في وفيات هذه السنة.

[ابنته فاطمة]

الشَّريف وهي ثيّبٌ، كما قدَّمت ذلك في كل منهما مِنَ الباب الثَّالث (¬1). [ابنته فاطمة]: وأما فاطمة (¬2)، فمولدها في ربيع الآخر سنة سبع عشرة، وماتت كما تقدَّم قريبًا. وحجَّت أمُّهُنَّ صُحبَةَ شيخنا في سنة خمس عشرة، وكذا حجَّت بعد ذلك في سنة أربع وثلاثين بمفردها، وجاورت ومعها سبطها المشارُ إليه وهو صغيرٌ. وحدَّثت بحضور شيخنا، قرأ عليها الفُضلاءُ، وكانت تحتفل بذلك، وتُكرم الجماعة. وقد خرَّجتُ لها "أربعين حديثًا عن أربعين شيخًا"، قرأتُها عليها بحضورِهِ أيضًا. وكان أسلف لها بالإعلام بذلك على سبيل المُداعبة بقوله: قد صِرْتِ شيخةً، إلى غير ذلك ممّا يثقُلُ على النِّساء. وكانت كثيرةَ الإمداد لشيخنا العلَّامة ابن خضر، وهو الذي كان يقرأ لها "البخاري" في رجب وشعبان مِنْ كلِّ سنةٍ بالمدرسة، وتحتفل يومَ الختم بأنواعٍ مِنَ الحلوى والفاكهة وغير ذلك، ويهرعُ الكبارُ والصغار لحضور هذا اليوم، وهو قُبَيْل رمضان، بين يدي صاحب التَّرجمة. ولما مات ابن خضر قرأه لها سبطُها سنة واحدة في حياة جدِّه، وكان في أوائل ما لَبسَ زيَّ الفُقَهاء، واستمر حتى الآن. ولم تزل على جلالتها وتصوُّنها لم تُضْبط لها هفوةٌ ولا زلَّةٌ؛ بل مات كلُّ أولادها (بين يديها) (¬3) فصبرت واحتَسبَت، إلى أن ماتت بعد أن كانت مِنْ مدَّةٍ أوقفت ما بقيَ مِنْ أملاكها على سبطها وذرِّيَّته. وكذا كانت رغِبَتِ له عن رزقةٍ باسمها. وكان شيخُنا رحمه اللَّه كثيرَ التَّبجيل لها والتَّعظيم، لا سيما وهي ¬

_ (¬1) 1/ 500 و543. (¬2) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 88. (¬3) ما بين قوسين ساقط مِنْ (ب).

عظيمةُ الرَّغبة فيه، بحيث إنَّه لما تسرَّى وغضبت أمُّها الست سارة، كنت معه في ذلك أخفَّ حالًا مِنْ أمِّها، وبلغني أنَّها حينئذٍ عَتِبَتْهُ. فاعتذر بميله للأولاد الذكور، فدعت عليه أن لا يُرْزَقَ ولدًا عالمًا، فتألم لذلك، وخشي مِنْ دُعائها، وقال لها: أحرقتِ قلبي، أو كما قال. حكاه لي سبطُها، وقال: إنَّها كانت مجابةَ الدُّعاء، وإنها رأت ليلةَ القدر عيانًا. وكانت وفاتُها في يوم الثلاثاء ثاني عشري (¬1) في ربيع الأول سنة سبع (¬2) وستين وثماني مائة، وصُلِّيَ عليها بجامع المارداني، ودُفِنتْ بتربة سلفها بالقرب مِنْ الجامع المذكور عند أولادها، ولم تخلف بالنِّسبة لما كان في حوزتها إلَّا اليسير، لكونها كانت ذا عيال وحشمة، ولها مكارمُ، بحيث لا تزال تستدين وتنفقُ وتهَبُ وتعطي سِبطَها العطاءَ الجزيل، وولد ابن أختها، وسبط أختها، ومَنْ يدخلُ إليها مِنَ العجائز وغيرهن ممن يلُذْنَ بالرُّؤساء ونحوهم. ولو عاشت قليلًا، لانكشف الحال، ولكن جمَّلَ اللَّه ولطف، وما شك أنَّ ذلك حصل ببركةِ زوجها، بل مِنْ بركته أَنَّها خُطِبَتْ غير مرَّة، وأرسل لها القاضي علم الدين البُلقيني على يد ولده أبي البَقاء رحمهم اللَّه المهر، ذاكرًا أنَّه إنما قصد صونَ بيته (¬3)، بجلالتها وما أشبه ذلك، فأقام عندَها المهرُ مدَّة، ويقال: إنَّها لم تكن تأبى ذلك، لكن عصمها اللَّه تعالى ببركة زوجها. ولي في ذلك شائبة عمل، فإنِّي عند سماع ذلك حصل عندي انزعاجٌ كبير مِنْ أجل ما كان بين الشيخين رحمهما اللَّه تعالى، لا سيما وتزويجه بها يؤدي إلى سكناه بمنزله وغير ذلك، فاجتمعتُ به. وكان رحمه اللَّه سليم الباطن، فخيَّلته بأمور أبديتُها له، فصرَّح لي بالرجوع، ولم أجد عنده هو كبير اكتراث بذلك، وإنَّما الوسائطُ هم الآفاتُ. وبالجملة، فأراد اللَّه تعالى بها خيرًا، فإنها إن شاء اللَّه تعالى تكونُ ¬

_ (¬1) في (أ): "عشر". (¬2) "سبع" ساقطة مِنْ (أ). (¬3) في (أ): "بيتها".

[سبط ابن حجر]

زوجة شيخنا في الآخرة. ومن الاتفاقيات الغريبة أنَّ عمَّ والدها البدرَ حسن كان جوادًا، كثير المكارم، وركبه بسببِ ذلك دَيْنٌ كثير، وهو لا يترك عادته في العطايا والجود لحُسْنِ ظنِّه باللَّه تعالى، فاتفق أنْ ماتت زوجتُه، وتركت مالًا جزيلًا، فورثها، ثم مات عقبها، فوفَّى ميراثه منها بديونه طبقًا بطبق، ولم يورث شيئًا. ونحوه ما اتَّفق لابن أخيه كريم الدين عبد الكريم والد المترجمة لما مات، لم يخلف إلا ستمائة درهم، أخرج بها مع ثياب يسيرة وأثاث قليل. وقريب منه ما اتفق لهذه كما أسلفته. [سبط ابن حجر]: ولم تخلف -كما أسلفتُ- مِنْ بنيها أحدًا. بلى خلفت سبطها الجمال أبا المحاسن يوسف بن شاهين الكركي (¬1). ومولده -كما قرأتُه بخطِّ جدِّه صاحبُ التَّرجمة- في ليلة الإثنين عند صلاة العشاء ثامن ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وثمان مائة، ونشأ عزيزًا مكرمًا في حجر جدَّيه، واستُجيز له غير واحد مِنْ المسندين، منهم الكمال بن خير، وسمع على جدِّه كثيرًا، بل أسمعه بقراءته (¬2) على تِجار البالسيَّة جزءًا، وسمع على غيره يسيرًا. وكان بزيِّ أبناء الجُند، حتى في المذهب، فأُشيرَ عليه بالتزييِّ بالفقهاء وبالانتماء للشَّافعيَّة، وقُرِّر في نظر المنكوتمرية، لكونه أرشدَ الموجودين مِنْ ذرِّيَّة الواقف، وقرأ حينئذٍ على البُرهان بن خضر والبدر بن القطان يسيرًا، وقرأ على جدّه -فيما شاهدناه- "التقريب" وغيره، وكتب عنه في "الأمالي"، وقابل عليه أشياءَ مِنْ تصانيفه. وقرأ عليها "البخاري" و"النُّخبة" داخل البيت. ¬

_ (¬1) ترجمه المصنف في الضوء اللامع 10/ 313 - 317 وترجمته في شبيهة جدًا بما ترجمه هنا، كما له تراجم في كل مِنْ الأعلام 8/ 234، بدائع الزهور 3/ 198، البدر الطالع 2/ 354 - 355، فهرس الفهارس 2/ 1139 - 1141، معجم المؤلفين 13/ 304، المنجم في المعجم ص 239، نظم العقبان ص 179, هدية العارفين 2/ 563. (¬2) "بقراءته" ساقطة مِنْ (ط).

وتردَّد معنا يسيرًا إلى العز ابن الفرات، وقرىء عنده اليسير على غيره مِنْ المسندِينَ، وما أكثر مِنْ ذلك، بل كنتُ أقصد التجوُّه به عند ابنِ الفُرات، فلا يتَّفِقُ إلا في اليسير مِنْ الأوقات. ولما مات جدُّه، اشتغل يسيرًا، فأخذ الفرائضَ عَنِ الشَّيخ أبي (¬1) الجود المالكي، وحضر التَّقسيم عند العلاء القلقشندي، ويسيرًا عندَ الجلال المحلِّي، وكذا حضر عند الشَّيخ أحمد الأُبَّدي (¬2) في العروض ونحوه، وتردَّد لغيرهم، وعاونَه الشَّمسُ المحلِّي الذي كان منتمِيًا لصهره ابن البلقيني في نظم أشياء، وقرأ على الرَّشيدي جُملة، وحصَّل. وصاهر أكبر القائمين في مقاهرة جدِّه، وهو ولي الدين ابن تقي الدين البلقيني، فتزوج أخته، واستولدها عدَّة أولاد، تأخَّر منهم حينَ تبييضِ هذا الكتاب عزيزُ الدِّين محمد، الملقَّب حجر، الذي توفي بعد ذلك في الطاعون في ليلة الأحد خامس رمضان سنة ثلاث (¬3) وسبعين وثمان مائة عن دون ثمان سنين، ودفنَ بمدرسة خاله ولي الدين ابن تقي الدِّين البلقيني. وأنكر العقلاءُ عليه التَّزويج المذكور، وقاسى منها مشقَّة، وآل الأمرُ إلى الفِراقَ، وهجوِها بقصيدةٍ بعد أن سافر إلى الشَّام وكيلًا عنها وعن أختها في ضبط تركة (¬4) أخيهما المذكور، ممَّا كان الأوْلَى به خلافُه، ولم يحصُل على طائلٍ. وفي هذه السَّفرة أخذ عن مَنْ أدركه هُناك مِنْ بقايا المسندين، ومدحَ صهرَه المذكور لمَّا ولي الشَّامَ بقوله، كما رأيته بخطه: ¬

_ (¬1) في (أ): "أبو"، خطأ. (¬2) بضم الهمزة وتشديد الموحدة, نسبة إلى بلدة بالأندلس، وهو شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن، توفي سنة ستين وثمانمائة، مترجم في الضوء اللامع 2/ 180 - 181. (¬3) في (ب, ط): "اثنتين وسبعين". (¬4) "تركة" ساقطة مِنْ (أ).

بَشِّرْ بِلادَ الشَّام مَع سُكَّانها ... بولِيِّ دينٍ قَدْ وَلِيهَا حَاكِما حَبْرٌ إمامٌ نَاسِكٌ مُتَعَفِّفٌ ... بالعِزِّ لم يَبْرَحْ مُهابًا راحما وبقوله أيضًا: لِتَهنَ بِكَ العَلْيَاءُ يَا شَيْخَ عَصْرِهِ ... ويَا عَالِمًا حازَ الكَمَالَ بَأَسْرِهِ ويا مُفْردًا في وَقْتِنا بولائه ... فَدُمْ في أمَانٍ بالوَلَاءِ ونَصْرِهِ وهجا خاله بما سيأتي في ترجمته. وكان مِنْ مدَّة شرع في ترتيب "طبقات الحفاظ" [للذهبي على الحروف بإشارة جده، بعد أن أعطاه نصف "ترتيبها" له، فكمل عليه، ثم التمس مِنْ القاضي علم الدين التقريض] (¬1) عليها فرآه نقل عن جدِّه أشياء فأفْحَشَ في إنكارها بهامش النُّسخة في غير ما موضعٍ ممَّا لا أحبُّ ذكره، لكونه انتقصَ فيه شيخَنا، ثم استرضى حتَّى كتب. وكذا كتب له على الكتاب اسمه صاحبنا القطب الخيضري بعد أن وصف هو القطب في الخُطْبة بشيخه العلَّامة حافظ الوقت، وكذا وصف تقيَّ الدين القلقشندي بشيخه، وما علمتُه قرأ على واحدٍ منهُما، ورأيتُ بخطه أَنَّه مدح أولهما بقوله: لتهنَ بِكَ العلياءُ يا قُطْبَ عَصْرهِ ... ويا حافِظًا حازَ الفَخَارَ بأسْرِهِ ويا مُفْرَدًا في وَقْتِنَا بِذَكائِه ... فدُمْ في أمانٍ بالهَنَاءِ ونَصْرِهِ واختصر "قُضاة مصر" لجده، فأساء الصَّنيع، خصوصًا حيثُ وصف الأصل بقوله: وجدتُ فيه بعضَ إعوازٍ في مواضع، منها إسهابُه في بعض التراجم، وإجحافُه في بعضها، ومنها: إخلاله بتحرير مَنْ تكرَّرت ولايتُه، والاقتصار على ذكر بعضها، ومنها: إغفالُه ذكرَ مَنْ أخذَ المترجم عنه، وبمن صُرِفَ في الغالب، ومنها: إهمالُه بعضَ تراجم أسقطَها أصلًا ورأسًا، ولعلَّها ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

كانت في زجاجات (!) فلم يظفَر بها المبيِّضُ. إلى أن قال: فأُناقِشُ المؤلِّفَ في مواضع قد قلَّد فيها غيره، وهي منكرَةٌ، وقال في موضع آخر مِنْ الكتاب: وإذا تأمل المنصفُ يتحقق أنَّ الصواب ما حرَّرناه، وأنَّ شيخنا رحمه اللَّه لم يحرِّر هذا الكتاب، فهذا الموضع مِنَ المواضع التي قلَّد فيها بعض مَنْ صنَّف في القُضاة، ولم يحرِّرْها. وفوقَ كلِّ ذي علمٍ عليم. انتهى. ولذلك كتب قاضي القُضاة المحبُّ الحنفي الذي تزوَّج السِّبْطُ ابنتَه بعدُ في سنة تسع وسبعين، إذ وقف على ذلك ما نصُّه: كأنَّه ينسُبُ جدَّه إلى القُصُور في البلاغة، وإلى قلَّة المعرفة بالأدب، وأنَّه أبصر منه بذلك، ثمَّ بيَّن أنَّ الصَّواب جُزازات لا زجاجات. قلت: والإنكار عليه في ذلك أن لو فُرِضَ صحَّةُ قوله، فكيف وتلك كلمات رام أن يعلُوَ فيها فهبَط. ومن القبائح التي رأيتُها في هذا المختصر: أنَّه عقد فصلًا في مَنْ حصلت له محنةٌ بعد دخوله في المنصب بضربٍ أو سجن أو إتلافِ روح، وكأنَّه جعل لمَنْ تأخَّر مستندًا، وكذا عقد لمن وَليَ القضاءَ مِنَ الموالي ترجمةً، وذكر لبعض أصحابه أنَّه قصد بذلك أن يكون له بهم أسوة إذا وليَ. وباللَّه يا أخي، اعذُرني في ما أشرتُ إليه، فحقُّ شيخنا مقدَّم. وعمل "جزءًا" جرَّد فيه أسماء الشُّيوخ الذين أجازوا له ونحوهم في كراريس، لا تراجم فيها، وقع له فيه تحريفُ أسماء، لكون اعتماده فيها على النَّقل مِنَ الاستدعاءات، ومواضع سقط عليه مِنَ الأنساب، فلزم تكريرُ الواحد في موضعين فأكثر وهو لا يشعُر، ورُبما يكون تكرارُها في موضعٍ واحدٍ وأماكن يضبطُها بالحروف أو بالقلم وهي خطأ، ومواضع لا يُحْسِنُ قراءتها، فيخليها مِنَ النَّقْطِ، فضلًا عَنِ الضَّبط، وأماكن يحذف ما يكونُ شُهرة الشَّخص به، بحيث يمرُّ عليه مَنْ يعرفُه فيظنُّه آخر لعدم اشتهاره بذلك، بل ربما يكون في ذلك الوصفِ مع ذلك للمذكور تنقيصًا، إلى غير ذلك ممَّا الحامل على التَّعرُّض له ما سبق. ومن كان هذا شأنه في شيوخه، لا يليق به ما تقدم.

ودرَّس للمحدثين بالقُبَّة البَيبَرسية برغبةِ الشَّيخ قاسم الحنفي له عنها، وعمل حينئذٍ إجلاسًا بحضرة القاضي علم الدين البُلقيني وصهره ولي الدين وغيرهما، ولم أكن إذ ذاك بمصر، وشرع في شرح "بلوغ المرام" وكأنَّه اعتمد على القطعة التي عملها جدُّه مِنْ "شرح المحرر" لابن عبد الهادي، وكذا استنزل أولادَ الشَّيخ بدر الدين ابن الأمانة عَنْ تدريس الحديث بالقبَّة المنْصورية بنحو ثلاثمائة دينار، وافتتح الدَّرس بالكلام على حديث قبض العلم، وذلك في سنة أربع وسبعين، وعند انتهاء غالبِ المعتبرين مِنْ شُيوخ الرواية، قام فطلب ودار على المتأخِّرين. وأكثرَ مِنْ كتابة الأجزاء وغيرها، وليس خطه في ذلك بالطائل، لا سندًا ولا متنًا، وفارقتُه وهو يكتبُ في "الخادم" للزركشي، ثم بعد أن كتب منه نحوَ الرُّبع باعَهُ للشَّيخ شمس الدين بن قاسم، واستنسخه (¬1) في باقيه. وحجَّ في حياة جدَّيْهِ سنةَ ثمان وأربعين وثمان مائة، وصُحبَتُه الطَّواشي سُنبل فتى جدَّتِه وغيره، وكتب معه جدُّه إلى القاضي أبي اليمن ما نصُّه: إنَّ مُحضرها الولد العزيز يوسف سبط العبد تهيَّأ لقضاء فريضة الحج، وما كان العبدُ يتمنَّى إلَّا أن يكون صُحبتَه، ولكن الأمُورَ تجري بقدرٍ، وليس للعبدِ حيلَةٌ في دفع المقدور، ولا غِنَى له عن ملاحظتكم ومؤانستكم، فإنَّه صغيرُ السِّنِّ، وما سافر قطُّ ولا تغرَّب عَنْ أهله ليلة واحدةً، ولكن أوقعَ اللَّه تعالى في قلبه هُجران أرضه والميلَ الكلِّيَّ إلى قضاءِ فرضِهِ، فنسأل اللَّه تعالى أنْ يبلغَه منيَتَه، ويعيدَه إلى وطنِه بعد قضاء وطره، إنَّه سميعٌ مجيب. ورجع فأخبر جده بإكرام المذكور له، فراسله صُحْبَةَ ناصرِ الدِّين ابن المهندس موقع الحكم في جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين وثمان مائة، وصدرُ الرِّسالة: بوصف المكتوب إليه بالإمام الفاضل الكامل قاضي المسلمين، خطيب الخُطباء: أبي اليمن. إلى أن قال: وأن محضرها الولد ناصر الدين موقع الحكم العزيز، عزم على المجاورة بالحرم الشَّريف، وتوجَّه ¬

_ (¬1) في (أ): "فاستحسنه"، تحريف.

[سريته خاص ترك]

وصُحبتَه أهلُه وعيالُه، ولا غنى به في مُدَّة إقامته عَنْ ملاحظتكم ومساعدتكم، والمسؤول شمولُه بنظركم العزيز، وعنايتكم به، وهذا بحسب الإدلال، وقد وقف العبدُ على مطالعتكم إلى الجناب العالي الظهيري ابن الطَّرابلسي، وفيه السَّلام على العبد، فاللَّه المسؤول أن يسلم عليكم ويسلمكم, والعبدُ يسلِّمُ عليكم ثانيًا، وعلى الولد العزيز نورُ الدين. وقد وصل الولد يوسف والطَّواشي سُنبل، وكلٌّ مِنهُما رطبُ اللِّسانِ بالدُّعاء والثَّناء والاغتباط بالوالد والولد، وهذا هو المعهودُ، ووصل ما تفضَّل به الولدُ العزيز مِنَ الهدية الطَّيبة، فاللَّه تعالى يُجازيكم خيرَ الجزاء، ويعينكم على ما أنتم فيه مِنْ جميع الأشياء، ويُمدكم بمعونته، ويؤيدكم بعنايته، ويجمعُ الشَّمل بكم في الحرم الشريف قريبًا إن شاء اللَّه تعالى. ثم حج في حياة جدَّته سنة إحدى وستين وثماني مائة. وكانت للمدرسة المنكوتمرية جهةٌ بالشَّام، فلبم يزل به الجماليُّ ناظر الخاص بواسطة السُّوء عنده، حتَّى عوَّضَه عنها أقطاعًا كان باسمه اشتراه منه بثمن، ثم عمله رزقةً بدلًا عَنِ الجِهَة المذكورة، ولذلك تلاشى حالُ المدرسة، لا سيما وهو ليِّنُ الجانب، ولا يستثير أحبابه، وثوقًا بنفسه. وكَثُرَ الخللُ في تصرُّفاته لذلك، حتى كان مِنْ جملة أفعاله استبدالُه سكنَ جدِّه، ثم اشتراه لنفسه وهدمه، وبالغ في أمور كان الوقت في غُنْيَة عنها، وتحمل لذلك ديونًا كثيرةً، وباع نفائس كُتُبِه، واستبدل غيره مِنَ الأماكن، ومع ذلك فلم يتهيَّأ له إنهاء موضعٍ صالحٍ للسُّكنى. وبالجملة، فهو إنسانٌ خيِّرٌ ساكن، حَسَنُ الفَهْمِ، متعبِّدٌ بالصَّوم، منجمع عَنِ الناس، واللَّه تعالى يُعينه ويسدِّده. [سُرِّيَّتُه خاص ترك]: إذا علم هذا فنقول: إنَّ صاحبُ التَّرجمة لمَّا رأى كثرةَ ما تلِدُه أمُّ أولاده مِنَ الإناث، وأحبَّ أن يكون له ولدٌ ذكرٌ، ولم يمكنه التَّزويج مراعاةً لخاطرها، اختر التَّسَرِّي، وكانت لزوجته جاريةٌ جميلةٌ، يقال: إنَّها ططرية، اسمُها خاص

[ابنه محمد]

تُرك, فوقع في خاطره الميلُ إليها, فاقتضى رأيه الشَّريفُ أن أظهر تغيُّظًا منها بسبب تقصيرها في بعض الخدمة، وحلف أنَّها لا تقيمُ بمنزله، فبادرت زوجتُه لبيعهَا بعد أن أمرها أن تأمرَ القاصد بعدم التوقُّف في بيعها بأيِّ ثمنٍ كان. قال: وكلُّ ما رُمْتيه مِنَ الزِّيادة على ذلك، أقومُ لك به، ففعلَتْ. وأرسل هو الشيخَ شمس الدين ابن الضياء الحنبلي، فاشتراها له بطريقِ الوَكالة، وأقامت ببعضِ الأماكن حتى استبرأها, ثم وطئها، فحملت بولده القاضي بدر الدين أبي المعالي محمد. وكان مولده في ثامن عشر صفر سنة خمس عشرة وثمانمائة، واستدعى صاحبُ التَّرجمة بالطَّلبة ونحوهِم يومَ السابع إلى منزلِ أمِّ أولاده، وعمل لهم شواءً، فكنت العقيقةُ عندها وهي لا تشعر. وأقام عند أمِّه وشيخُنا يتردَّدُ إليهما حتَّى بلغ الخبرُ أمَّ أولاده قبل انفصالِ الولد عَنِ الرَّضاع، فركبت هي أو أمها (¬1) مِنْ فورها إلى المكان الذي كانا به، وأحضرتهما معها إلى منزلها، فتركتهما ببعض المعازل إلى أن حضر شيخُنا مِنَ الركوب وليس عنده شعورٌ بما وقع، فاستخبرته عَنْ ذلك، فما اعترف ولا أنكر، بل ورَّى بما يُفْهَمُ منه الإنكارُ، فقامت وأخرجتِ الولدَ وأمَّه، فسُقِط في يده، وبادر فاختطفَ الولدَ، وذهب به إلى بعضِ مَنْ يثقُ به مِنَ النِّسْوَةِ بمصر، ثم توجهت إليه أمُّه بعد ذلك. ولم تزل به إلى أن زوَّجها بالزَّين عبد الصمد ابن صاحبِه الشَّيخ شمس الدين الزركشي، أحد مِنْ سمعنا عليه الحديثَ، واستمرت معه حتى ماتت (¬2). [ابنه محمد]: وأما الولد (¬3) فأشغله والدُه بحفظِ القرآن، فختمه. ¬

_ (¬1) في (ب): "هي وأمها". (¬2) في (ب): "حتى مات". (¬3) مترجم في الضوء اللامع 7/ 20.

وصلى بالنَّاس على جاري العادة في رمضان سنة ست وعشرين وثماني مائة بالخانقاه الرُّكنيَّة البَيْبَرسية، وحضر الأعيان، وكتب قاضي القضاة العلاءُ ابن المغلي لصاحب التَّرجمة حينئذٍ ما سلف في الباب الخامس في فصل المطارحات. وأسمعه الحديثَ على الواسطي والفخر الدَّنديلي وجماعة. وأجاز له باستدعاءِ والدَه في سنة مولده فما بعدها خلقٌ مِنْ كبار المسندين, ذكر الكثيرَ منهم والدُه في "معجم شيوخه"، ومنهم عائشةُ ابنَة محمد بن عبد الهادي، وأبو بكر بن الحسين المراغي. وأثبت الحافظُ أبو النَّعيم اسمَه قديمًا فيمن يستجاز. وترجمه، فقال: سمع بقراءتي على عُثمان الدَّنديلي "جزء ابن حذلم"، وكتب عن والده باستملائي كثيرًا، وأجاز له خلقٌ لا يُحصَوْنَ، منهم عائشةُ ابنةُ ابن عبد الهادي. انتهى. وكنتُ أسمع أنَّ والده صنَّف "بلوغ المرام" لأجله، ولا أستبعد لملك، فإنَّه كما تقدم- فرغ مِنْ تأليفه سنة ثمان وعشرين، لكنه ما تيسَّر له حفظه، بلى، حفظ يسيرًا منه ومِنْ غيره، وكتب عَنْ والده كثيرًا مِنْ مجالس الإملاء كما قرأت [ذلك بخط المستملي الذي أسلفت حكايته، ورأيت كثيرًا منها] (¬1) بخط البدر المذكور. ولازم مجلسَه، حتَّى سمع عليه شيئًا كثيرًا مِنَ الكتب الكبار في رمضان وغيره. واشتغل بالقيام بأمر القضاة والأوقاف ونحوها حتى فاق، وصارت له خبرةٌ تامَّة بالمباشرة والحساب، واشتدت محبَّة والده له، بحيث لا يصده عنه صادٌّ، ولا يردُّه عنه رادٌّ، وللَّه درُّ القائل ممَّن توفي له عدَّة أولاد, ثم وُلدَ له بعدَ تعطّشٍ واشتياق: أُحِبُّه حُبَّ الشَّحيحِ مالَه ... قد كان ذاقَ الفَقْرَ ثُمَّ نَالَه انتهى. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).

وولي في حياته عدَّة وظائف، أجلُّها مشيخةُ الخانقاه البَيْبَرسية، وتدريس الحديث بالحسينية (¬1)، ناب عنه فيهما والدُه. والإمامةُ بجامع طولون، وغير ذلك. وكان حَسَنَ الشّكالة، متكرِّمًا على عياله، قل أن يكون في معناه مِنْ نظرائِه مثله. ولما مات والده، ما التفت لشيءٍ مِنْ وظائفه، حتى ولا ما يصلُح أن يكونَ باسمه، كالخَطَابَة بجامع عمرو، والخَزْن لكتب المحمودية، والمرتب بالجوالي، ونحو ذلك. نعم، جُهِّزَتْ له مربعة ببعض جوالي أبيه، فأباها. وأمضى أكثرَ ما أوصى به والدُه مِنَ الصَّدقات ونحوها، وهو قدر كبير، بحيث قضى النَّاس العجبَ مِنْ ذلك، لكنه -عفا اللَّه عنه- ضيَّع ما كان الأولى به الحرص على بقائِه مِنْ تصانيفِ أبيه وغيرها ممَّا كتبه بخطِّه، ونقل أكثر ذلك لناظر الخاصِّ الجمال يوسف ابن كاتب جكم كما تقدَّم قريبًا وتفرقت شذرًا مذرًا مِنْ غير مُقابل في ذلك، بحيث لم يحصُل الانتفاع ممَّا لم يُبَيَّض في حياته إلا بما أعملت (¬2) الفكر في تحصيله منه بخطِّي، وهو شيء كثيرٌ، فللَّه الحمدُ. وقد رأيت بخطِّ ابن أُخته هجوًا فيه، واستغفرُ اللَّه مِنْ حكايته: قولُوا لخالي الَّذي قَدْ كُنْتُ راجيهِ ... عِنْدَ الشَّدائِدِ في تَقْديمِ إخلالي ضيَّعت كُتبًا بلا حقٍّ خَسِرْتَ بها ... دُنْيا وأُخْرَى فَقَد آذيْتَ يَا خَالي وأيضًا: قولُوا لخالٍ قد غَدا خَالِيا ... مِنْ عَقلِهِ والعِلْمِ والمَالِ أخْلَيْتَ دَار الخَيرِ مِنْ كُتبِها ... وَيْحَكَ مُذْ أدْعُوكَ يَا خالِ ¬

_ (¬1) في (ب): "بالحسنية". (¬2) في (أ، ط): "أعلمت", تحريف.

وأيضًا: قولوا لذا الخَالِ الَّذي قَدْ غَدَا ... مُسْتْنقِصًا قَدْرِي بإذْلالِ اللَّه حَسْبِي وكَفَى عالِمًا ... بالنَّقْصِ والإكْمَالِ يَا خَالي وللَّه درُّ القائل: وإنَّ ابْنَ أُخْتِ القوم مُصْغَى إناؤه ... إذا لم يُزَاحِم خَالَه بأبٍ جَلْدِ وحرصت كل الحرص أن يُقبل بعدَ موتِ أبيه على المُطالعة والاشتغال على بعض جماعةِ أبيه، كابن حسَّان وغيره، وكاد يوافق على ذلك، لكنَّه ما تمَّ. وسمعت مَنْ يذكُر عَنْ شيخنا صاحبُ التَّرجمة أَنَّه كان يقول: قلَّ أن يجتمع الحظُّ لامرىءٍ في تسله وتصانيفه معًا. انتهى. وقد حدَّث باليسير، وخرَّجت له "جزءًا"، وكتبَ على الاستدعاءات، وقابلَ معي بعضًا مِنْ تصانيف والده، وعُرِضَتْ عليه حِسبَةُ القاهرة ومصر، فما وافق، وكانت الخِيرَةُ في ذلك. وكذا التمس منه بذل شيء في عود وظيفة مشيخة الخانقاه، فتوقف إلا أن أُضيف النَّظرُ لها. ولم تكن همَّتُه منصرفة لشيءٍ مِنْ ذلك. وقد حجَّ في حياة أبيه سنة ثلاث وثلاثين وثماني مائة، ثم بعده غير مرَّةٍ بتجمُّلٍ زائدٍ، ومصرفٍ كبير، وجاور، وأنشأ عدَّة أماكن في حياة أبيه وبعده، أنفد غالبها في النَّفقة مع ما تخلَّف مِنْ تركة والده عن آخره، بحيث يزيدُ ما صرفَه مِنْ بعد موته وإلى أن مات على ثلاثين ألف دينار، وكاد الحالُ أن يضيق، لكن جمَّل اللَّه تعالى ببركة والده. وابتدأ به الوعك، وقاسى شدائد أقام فيها أزيدَ مِنْ مائة يوم، وتفتَّحت في أعصابه عدَّةُ أماكن، وتخلّى، وانتحل، وصار إلى هيئة أرجو أن يكفَّرَ عنه بسببها. كل ذلك وهو صابرٌ حامدٌ شاكر، إلى أن ماتَ مبطونًا شهيدًا يوم الأربعاء سادس عشر جمادى الثَّاني سنة تسع وستين وثماني مائة، ودُفِنَ

[أبناء محمد ابن الحافظ ابن حجر]

مِنْ يومه بتُربة جَوْشَن بعد أن شهده جمعٌ جَمٌّ، منهمُ الشَّافعي والحنفي، ومشى معه إلى محل دفنه في طائفة كثيرة. وخلَّف ولدًا ذا أولادٍ وزوجةٍ، وقوِّمَتْ أملاكُه بنحوِ ثمانية آلاف دينار. واستبدَّ بالتكلُّم في ترِكته ابنُ أخته الجمال يوسف، فسبحان الفعَّال لما يريد. وأخبرني ابنُ أخته المذكور أَنه رأى الزَّين شعبان ابن ابن (¬1) عم شيخنا في المنَام بعد موت البدر، فسأله عنه: هل جاء إليهم، فقال: وصل إلينا بعد موته بستَّة أيام، صالحَ عنه أبوه بخمسةٍ وستين، فاستبشرتُ لهُ بذلك. [أبناء محمد ابن الحافظ ابن حجر]: وأثكل في حياته عدَّة أولاد، فمِمَّن علمتُه: حوراء (¬2): كان مولدُها في ليلة الثُّلاثاء قبل أذان الفجر بساعة ثامن عشر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وثلاثين وثماني مائة، وكان ذلك بعد وفاءِ النِّيل، فحصلت البُشرى بذلك للمسلمين، وكان أبُوها يومئذٍ في طريق مكَّةَ حاجًا، ولعلَّه كان حينئذٍ بالحوراء أو بقُربها، فسُمِّيت بذلك. وانتقلت أمُّها -وهي روميَّة، تُسمَّى بُلبل- في أول محرم سنة خمس وثلاثين، وقد أكملت ابنتُها هذه سنةً واحدة وشهرًا وثلثي الشهر، فامتنعت مِنْ قَبُول ثدى غيرِ أُمِّها، ففُطِمَتْ، وأعانها اللَّه تعالى ببركة جدِّها، فعاشت، ثمَّ ماتت بالطَّاعون في سادس ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثماني مائة، فلم تكمل الثمان. ¬

_ (¬1) "ابن" ساقطة مِنْ (أ)، وقد قال عنه المصنف في ترجمته مِنْ الضوء اللامع 3/ 304: وهو حفيد عم شيخنا، يجتمع معه في محمد الثالث. (¬2) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 23.

جويرية

جويرية (¬1): كتبها جدُّها في استدعاء لوالدها مؤرَّخ برجب سنة خمس وثلاثين، وباستدعاءٍ بعد ذلك. ولطيفة (¬2): وكان مولدُها في أول العشر الثَّالث مِنْ ذي القعدة سنة ست وثلاثين وثماني مائة، واستجاز لها جدها وغيرُه، وعاشت حتَّى تزوجت بيوسف ابن الشَّرفي يحيى ابن بنت المكي. وماتت شهيدة في ليلة الاثنين ثامن رجب سنة أربع وخمسين وثمان مائة بعد أن حجَّت مع أبويها وزوجِها، ودفِنَتْ بتُربة مقابلةٍ للصُّوفية البَيبرسية، ثم نُقِلَتْ بعدَ مُدَّةٍ إلى جَوْشَن. وحسين (¬3): وكان مولده في أوائل شوال سنة إحدى وأربعين، ومات في شعبان سنة اثنتين وأربعين عَنْ دونِ سنة. أرَّخه جده في "تاريخه". [علي]: ولم يخلف -كما قدمتُه- غيرَ ولد واحد، اسمُه علي (¬4)، كان مولدُه في ليلة السبت ثاني ذي القعدة سنة تسعٍ وثلاثين، كما أرَّخه جده في "تاريخه" (¬5) ودعا لَهُ، فقال: أنشأه اللَّه صالحًا في دينه ودُنياه. وقد نشأ في كنف أبويه في غاية مِنَ الرَّفاهية، وأجاز له غيرُ واحدٍ، ¬

_ (¬1) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 18. (¬2) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 122. (¬3) كذا في الأصول، وقد ترجمه جده الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر 9/ 80، والمصنف في الضوء اللامع 3/ 121، فسمياه حَسَنًا. (¬4) مترجم في الضوء اللامع 5/ 283. (¬5) إنباء الغمر 8/ 390.

[ومن زوجاته]

وأُحْضِرَ مجلسَ جدِّه، وتردَّد له الفقيه جعفر السَّنهوري القارىء للتَّعليم وغيره، وحجَّ مع أبويه، وجاور، ومات كلٌّ مِنْ أبويه في حياته، فصبر ورُزِق عدَّة أولاد، تأخَّر حين تبييض هذه التَّرجمة منهم محمد، [وهو ذكي فَطِن، أرجو فيه الخير] (¬1)، وابنتين غيره. [ومن زوجاته]: ومن زوجات صاحبُ التَّرجمة أيضًا. . . (¬2) زوجة الزين أبي بكر. . . (¬3) الأمشاطي. تزوجها بعد موته، وكان أسند وصيته إليه. وعتيقة العلَّامة نظام الدِّين يحيى ابن العلَّامة سيف الدِّين الصِّيرامي، شيخ الظَّاهرية، تزوَّجها في مجاورة أمِّ أولاده في سنة أربع وثلاثين، وكان سيِّدُها قد مات في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ورُزِقَ منها شيخُنا ابنَةً في يوم الثلاثاء خامس رجب سنة خمس وثلاثين، وهي بقاعة المشيخة بالبيبرسية، سماها آمنة (¬4). وكتبها في بعض استدعاءات ولده محمد، ثم ماتت في ثالث عشر شوال سنة ست وثلاثين وبموتها طُلِّقَتْ أمُّها، فإنَّه كان علَّق طلاقها عند سفره إلى آمد على موتها، وتزوَّجها بعهده الشّريف الجَرَواني (¬5). [زوجته ليلى الحلبية]: ومنهن ليلى ابنة محمود بن طوغان الحلبية (¬6)، تزوجها حيث سافر مع ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين زيادة مِنْ (ب)، وكانت موجودة في (ح)، ثم شطبت. (¬2) بياض في الأصول. (¬3) بياض في الأصول. (¬4) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 3. (¬5) هو جلال الدين محمد بن أحمد بن عبد اللَّه، المتوفى سنة 882 مترجم في الضوء اللامع 7/ 74 - 75. (¬6) مترجمة في الضوء اللامع 12/ 123.

الأشرف إلى آمد في سنة ست وثلاثين، وكانت ذات ولدَين بالِغَيْنِ، واستمرت معه إلى أن سافر مِنْ حلب، ففارقها، لكنَّه لم يُعلمها بالطَّلاق، وإنَّما أسَرَّه لبعضِ خواصِّه. والتمس منه أن لا يُعلمها بذلك إلَّا بعد مُضيِّ المدَّة التي كان عجَّل لها النَّفقة عنها عندَ سفره، حيث تحضُرُ للمطالبة بالنَّفقة المستقبلة، فيعلمها حينئذٍ بذلك. ثم راسل (¬1) بعض أحبابه الحلبيين في تجهيزها له إن اختارت، ويعلمه بأن يعلمها بأنَّ الحامِل له على الطَّلاق الرِّفقُ بها لئلا تختلى الإقامة بوطنها، أو يحصل لها نصيبُها، فلا تتضرَّر بشبكته. وكان في الكتاب المذكور -كما قرأتُ بخطِّه- وصفُه لها بأنها نعمَ المرأةُ عقلًا وحُسْنَ خَلْقٍ وخُلُقٍ، ويأمُرُه بوعدها بكل جميل، وأنها إن قدِمَتْ لا يكونُ عنده أعزُّ منها، وينزلها أحسنَ المنازل، ويعوِّضها عن كلِّ شيءٍ مِنَ الفرش والأمتعة، ولا يُحْوِجُها لشيءٍ. وسترى ذلك إن فعلت. قال: فإن رغبةَ العبد فيها قويَّةٌ ظاهرًا وباطنًا. فامتثلت إشارته, وتجهَّزت حتى قدِمَتْ عليه مصر، فاستعادها بعد أن أنزلها بقاعةِ المشيخة باليبرسية، واحتفل بشأنها، وكادت أمُّ أولاده تُقَدُّ غُبنًا. واستمرت في عصمته حتى سافرت إلى حلب، وصُحبتُها الشَّيخ شمس الدين بن قمر، لزيارة أهلها في نصف شوال سنة إحدى وأربعين وثمان مائة. ففارقها حينئذٍ، وقال: إنَّها أكملت في عصمته خمس سنين سواء، ثم عادت في رجب مِنَ السَّنة التي تليها، فأعادها إلى عصمته، واستمرت معه حتَّى مات. وورثته. ولم يكن -مع شدة ميلهِ إليها- يبيتُ عندها، إنَّما كان يجيئُها في يومي الثلاثاء والجمعة مِنْ كل أسبوع غالبًا، كما سلف في الباب السَّابع، ولم يُرْزَق منها أولادًا، وهو القائل في حقِّها ما أسلفتُه مِنَ النّظم في الباب الثاني (¬2)، صان اللَّه حِجابَها. ¬

_ (¬1) في (أ): "أرسل". (¬2) 1/ 198.

[خدمه]

وقد تأخَّرت بعده دهرًا، وتزوجت عدَّة أزواج، ثم ماتت في منتصف شهر رجب سنة إحدى وثمانين وثمانمائة بعد زوجِ ابنتها البدريِّ ابن القطان، رحمهما اللَّه وإيانا. [خدمُه]: وأمَّا خدمُه، فأنجبُ مَنْ علمتُه منهُم: فاتن الطَّواشي الحبشي (¬1). قرأ وكتب. وباقيهم فيه (¬2) كثرة, ومنهُم: ريحان وموفَّق الحبشيان، ولم يتخلَّف بعده مِنْ خدمه كثيرُ أحدٍ، واللَّه المستعان. ¬

_ (¬1) مترجم في الضوء اللامع 6/ 161. (¬2) "فيه" ساقطة مِنْ (أ).

الباب العاشر فيما علمته من مراثي أدباء العصر فيه مرتبا لهم على حروف المعجم

الباب العاشر فيما علمته من مراثي أُدباء العصر فيه مرتبًا لهم على حروف المعجم

الباب العاشر فيما علمته مِنْ مراثي أُدباء العصر فيه مرتبًا لهم على حروف المعجم وما أحقَّه يقول ابن دريد في قصيدةٍ طويلة: إنَّ المَنِيَّة لَم تُتْلِف بِهَا رَجُلًا ... بل أتْلَفَت عَلَمًا للدِّين مَنْصُوبا كان الزَّمانُ به تَصْفُو مشارِبُه .... والآنَ أصْبَحَ بالتَّكدير مَقْطُوبَا كلَّا وأيَّامه الغُرُّ الَّتي جُعِلَتْ ... لِلْعِلْمِ نُورًا وللتَّقْوى مَحَارِيبَا وبقولِ غيرِه: ذهب العَلِيمُ بِعَيْبِ كلِّ مُحَدِّثٍ ... وبِكُلِّ مخْتَلقٍ (¬1) في الإسنادِ (¬2) وبكلِّ وَهمٍ في الحَدِيثِ ومُشْكِلٍ ... يُعْنَى بِه عُلَمَاء كلِّ بِلادِ وأنشد الشَّيخُ محيي الدين الكافياجي -فيما بلغني- بعد موت صاحبِ التَّرجمة حزنًا واحتراقًا منْ نظمِ غيره: بَكَيْتُ على فُراقِكَ كلَّ يومٍ ... وأمليتْ الجِفَانَ مِنَ الجُفُونِ ولو كان البُكاءُ بقَدْرِ شَوْقي ... لملأتُ العُيُونَ مِنَ العُيُونِ ¬

_ (¬1) في (أ): "مسند". (¬2) كذا البيت في الأصول جميعها، وهو ملحق في هامش (ب) بخط المصنف، وواضح أنَّه غير مستقيم الوزن. وربما كان "وبكل مختلق مِنْ الإسناد".

[رثاء البقاعي لابن حجر]

[رثاء البقاعي لابن حجر]: فمنهم برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي، فأنشدنى مِنْ لفظه قولَه: رُزْء ألَمَّ فقلتُ: الدَّهرُ في وَهَجٍ ... وأعْقَلُ النَّاسِ مَنْسُوبٌ إلى الهَوَجِ وللقلوب وجيبٌ في مَرَاكِزِها ... يَهُولُ فهو بتَشقيق الصُّدُورِ حَجِي وللعُيُونِ انهِمَالٌ كالغَمَامِ بُكًا ... فكُلُّ فجٍّ به غالٍ مِنَ اللَّجَجي يا واحِدَ العَصْرِ يا مَنْ لا نَظِيرَ لَهُ ... إذْ كُلُّ شَخْصٍ مِنَ الأمْثَالِ في لَجَجِ يا شَيْخَ الاسْلامِ يَا مَوْلَى لَقَدْ خَضَعَتْ ... غُلْبُ الرِّجَالِ لِمَا تُبْدي مِنَ الحُجَجِ يا بَرَّ حِلْمٍ بُحُورُ العِلْمِ قَدْ تُرِكَتْ ... لمَّا سَمِعنَا بَدَاعي نَعْيِكَ السَّمِجِ أصَمَّ أسماعَنَا لما تلا سَحَرًا: ... قَدْ مَاتَ مِنْ تُهزَم الأهْوالُ حِينَ يَجِي قاضي القُضاةِ المُفَدَّى مِنْ بَني حَجَرٍ ... مَنْ خلْقُه لَيْس في شَيْءٍ مِنَ الحَرَجِ فَلَوْ رضي الدَّهْر مِنَّا فِدْيَةً عَظُمَتْ ... إذًا -وحَقِّكَ- جُدْنَا فِيكَ بالمُهَجِ ولو حُمِيتَ بضَرْبِ السَّيْفِ ما وَجَدَتْ ... لَهَا المَنَايَا إِلَيْكَ الدَّهْرَ مِنْ وَلَجِ في حَقِّ عَهْدِكَ ما زِلنَا ذَوِي شَغَفٍ ... بِعَهْدِ وُدٍّ لَكُم بالرُّوح مُمْتَزِجِ خَفَّتْ سَجَايَاكَ والألْبَابُ قَدْ رَجَحَتْ ... بِها نُهاك عن الإحْصَاءِ بالسَّبَجِ (¬1) ألفتَ يَا حُلْوُ مُرَّ الصَّبْرِ تَرْشُفُهُ ... فأنْتَ للصَّبْرِ صَبٌّ بالغَرامِ شَجِ مَنْ لِلْقِيَامِ بِجُنْحِ اللَّيْلِ مُجْتَهِدًا ... يَبِيتُ تَرفَعه آياتُ ذِي الدَّرَج تُعْلي النَّحِيبَ خُضُوعًا والأسَى قَلَقًا ... كأنَّه في الدَّيَاجِي بالحرَابِ وُجِي (¬2) قَدْ كَانَ مِصْرُكَ لَيْلًا كالنَّهارِ بِه ... شِهَابُ فَضْلِكَ يُغْنِيه عَنِ السُّرُج والْيَوْمَ بَعْدَكَ مِثْلُ اللَّيْلِ فِي سَدَفٍ ... (¬3) يَا لَهْفَ قَلْبي فَمَا صُبْحٌ بمُنْبَلِجِ ¬

_ (¬1) السبج: كساء أسود. (¬2) وجي، مِنْ "وجأ"، أي: ضرب وطعن بالحراب. (¬3) السدف: الظُّلمة.

لكانَ فَقدُكَ فَقْدَ النَّاسِ كُلِّهِمِ ... وفَقْدُ غَيرِكَ قد يُلْفَى منَ الفَرَجِ مَنْ للأحاديثِ يُحْييها ويَحْفَظُهَا ... فَوَقْتُهُ لَيْسَ دَجَّالٌ إلَيْهِ يَجِي قَدْ كُنْتَ للسُّنَّةِ الغَرَّا شِهَابَ عُلا ... حَمَيْتَ آفَاقَها عَنْ مَاردٍ عَلِجِ مَنْ كَانَ في عِلْمِهِ في الشَّكِّ (¬1) مُرْتَبِكًا ... فأنْتَ في عِلمِكَ الأشيَا عَلَى تلَجِ وأنْتَ أذْكَى الوَرَى قَلْبًا ورائحة (¬2) ... كأنَّما كُنتَ مِسْكًا طَيِّبَ الأرَجِ لَهْفِي عَلَيْكَ شِهابَ الدِّينِ مِنْ رَجُلٍ ... لمَّا تَرَحَّلْتَ صَارَ النَّاسُ في مَرَجِ قَدْ كُنْتَ حَافِظَهُمْ في كلِّ مُعْضِلَةٍ ... فَبَعدَكَ اليومَ لا تَسْأَلْ عَنِ الهَمَجِ كانوا إذا آذاهُمُ مَعْنًى وأخْرَسَهُمْ ... فَتَحْتَ كُلَّ عَمِىٍّ مِنهُ مُرْتَتَجِ لمَّا رَكِبْتَ عَلَى الحَدْبَاءِ مَا أحَدٌ ... إلَّا انْحَنَى مِنْهُ ظَهْرٌ غَيْرُ ذِي عِوَجِ رُوحي فِدَى ليالٍ قَدْ ظَفِرْتُ بِهَا ... لَدَيْكَ يَا حَبْرُ بالآمَالِ بَلْ حُجَجِ أرَوِّقُ سَمْعي بِدُرِّ النُّطْقِ مِنْكَ وَمَا ... طَرْفي بِمُمْتَنِع مِنْ وَجْهِكَ البَهجِ كأنها (¬3) لَمْ تَكُنْ يَومًا فَيَا أَسَفِي ... ما كُنْت مِنْ بعْدِ ما مَرَّتْ بِمُبْتَهِجِ كلا لَعَمْرِي وإنِّي فالِقٌ كَبِدِي ... حُزْني عَلَيْكَ وَقَلْبِي جِدُّ مُلْتَعِجي ولا أحِبُّ ديَارًا قَدْ قُبِضْتَ بِهَا ... فَنَحْوَها بَعْدَ بُعْدٍ مِنكَ لَم أَعُجِ نَعم، وأَبْغَضتُ- واللَّه- الحياةَ بِلا ... وجودِ أُنسِكَ، فَاعلَم ذاكَ وابتَهِجِ لهفِي عَلَى مَجلِسِ الإملا وحَاضِرِهِ ... مِنْ كُلِّ حَبْرٍ لسُبْلِ الخَيْرِ مُنْتَهِجِ كَمْ فيه مِنْ رأسِ راسٍ هزَّ مِنْ عَجَبٍ ... والجَمْعُ مِنْ شِدَّةِ الإصْغَاءِ لَمْ يَمُجِ كأنَّنَا لَمْ نَكُنْ يَوْمًا لَدَيْكَ وَلا ... بِقَوْلِكَ العَذْبِ مِنَّا قَطُّ سرّ نَجِي فَيَا دَوَامَ افتِكَارِي للسُّرُورِ بِكُمْ ... ويَا بُكَائي طَوَالَ الدَّهْرِ والأبَجِ (¬4) ¬

_ (¬1) في (أ): "للشك". (¬2) في (أ): "راحته"، تحريف. (¬3) في (أ): "كأنه". (¬4) الأبج: الأبد.

لأمْلأَن بَسِيطَ الأرْضِ مِنْ أَدَبٍ ... رَكِبْتُ فيكَ مَعانِيهِ مِنَ الهَزَجِ جَمَعْتُ قلبًا بِحُبٍّ فيكَ مُمْتَلئًا ... إلى لِسَانٍ بأنْواعٍ الرِّثَا لَهِجِ عَلَيْكَ منِّي تَحِيَّاتٌ أُرَدِّدُها ... ما هيَّجَ الوُرْقُ قَلبًا فيك ذَا وَهَجِ وجَادَ عَهْدَكَ مِنْ صَوْبِ الرِّضَا مُزْنٌ ... يا بَحرُ يُحْيِي بِقَاعَ الأرْضِ بالخُلُجِ ومنهم العلَّامة الشِّهاب أحمد بن أبي السُّعود المنُوفي، فأنشدني مِنْ لفظه أبياتًا مِنْ قصيدةٍ يرثي بها صاحبَ التَّرجمة في وزن التي قبلها وقافيتها، حيث سُمِعَ مِنْ ناظمها تبجُّحُه بها، والقصيدة هي هذه. . . (¬1). ومنهم العلَّامة الشِّهاب أبو الطَّيِّب أحمد بن محمد الحجازي، فأنشدني مِنْ لفظه لنفسه قولَه: كلُّ البَريَّةِ للمَنِيَّةِ صائرَه ... وقُفُولُها شَيْئًا فَشَيْئًا سَائِرَهْ والنَّفْسُ إنْ رَضِيَتْ بِذَا رَبِحَتْ وإنْ ... لَمْ تَرْضَ كَانَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خَاسِرَهْ وأنَا الَّذي راضٍ بأحْكَامٍ مَضَتْ ... عَنْ ربِّنَا البَرِّ المُهَيْمِنِ صَادِرَهْ لَكِنْ سَئِمْتُ العَيْشَ مِنْ بَعْدِ الَّذي ... قَدْ خَلَّفَ الأَفْكَارَ مِنَّا حَائِرَهْ هو شَيْخُ الإسْلامِ المعَظمُ قَدْرُهُ ... مَنْ كَانَ أَوحَدَ عَصْرِهِ والنَّادرَهْ قاضي القضَاةِ العسقَلاني الذِي ... لم ترفَعِ الدنيَا خَصِيما ناظَرَهْ وشهابُ دينِ اللَّه ذي الفَضْلِ الَّذي ... أرْبَى على عَدَدِ النُّجومِ مُكاثَرَهْ لا تَعْجَبوا لِعلُوهِ فأبُوهُ مِنْ ... قَبْلٌ عَليٌّ في الدُّنَيا والآخرهْ هو كيمياء العِلْمِ كَمْ مِنْ طالِبٍ ... بالكَسْرِ جَاءَ لَه فأضْحَى جابِرَهْ لا بِدْعَ أنْ عَادَت عُلُوم الكيمياء مِنْ ... بَعْدِ ذَا الحَجَر المُكَرَّمِ بائِرَهْ لَهْفِي عَلَى مَنْ أَوْرَثَتْنِي حَسْرَةً ... رُوسُ الرُّؤوسِ عليه إذ هي حَاسِرَهْ ¬

_ (¬1) بياض في الأصول جميعها, ولم تذكر القصيدة. وقد أشار إليها المصنف في ترجمة ناظمها مِنْ الضوء اللامع 1/ 234، فقال. عمل مرئية لشيخنا. . وأودعتها في الجواهر!.

لَهْفِي على المِدَحِ استَحَالَت للرِّثَا ... وقُصُورُ أَبيَاتي غَدَتْ مُتَقَاصِرهْ لَهْفِي عَلَيهِ عالِمٌ بِوفَاتِهِ ... درَسَتْ درُوسٌ للمَدَارِسِ داثرهْ لَهْفِي على الإمْلاءِ عُطِّلَ بَعْدَهُ ... وَمَعَاهِدُ الإسمَاعِ إذ هِي شَاعِرهْ لَهْفِي عَلَيْهِ حافِظُ العَصْرِ الَّذي ... قد كَانَ مَعْدُودًا لِكُل مُنَاظَرَهْ لَهْفِي على الفِقْهِ المُهَذَّبِ والمُحَرَّ ... رِ حاوي المَقْصُودِ عِندَ مُحَاوِرَهْ لَهْفِي على النَّحوِ الذي "تَسْهيلُه" ... "مغْنِي اللَّبيب" "مُسَاعِدٌ" لمُذَاكِرهْ لَهْفِي عَلى اللُّغَةِ الغَريبَةِ كَمْ ... أرانا مُعْرِبًا بِصحَاحِهَا المُتَظَاهِرهْ لَهْفِي على عِلْمِ العرُوضِ تَقَطَّعَت ... أسبابُه بِفَوَاصِل مُتَغَايِرَهْ لَهْفِي عليه خِزَانَةُ العِلْمِ الَّتي ... كانَتْ بها كُل الأفَاضِل ماهِرَهْ لَهْفِي على شَيْخي الَّذي سَعِدَتْ به ... صَحْبٌ وأوجُهُ ناظِرِيهِ ناظِرَهْ لَهْفِي على التَّقْصير منِّي حَيثُ لَمْ ... أُمْلِي النَّواحي بالنُّواحِ مُبَادرَهْ لَهْفِي على عُذْرِي على (¬1) اسْتِيفَاءِ ما ... نَحْوي وَعَجْزِي أَنْ أَعُدَّ مآثِرَهْ لَهْفِي على لَهْفِي وهل ذَا مُسْعِدي ... أو كان يَنْفَعُني شَدِيدُ محَاذَرَهْ لَهْفِي على مَنْ كُلُّ عام للهَنَا ... تأتي الوُفُودُ إلى حِبَاه مُبَادرَهْ والآنَ في ذَا العام جاؤوا للعَزا ... فيه وعادُوا بالدُّمُوعِ الهَامِرَهْ قَدْ خلَّفَ الدُّنْيَا خَرابًا بَعْدَهُ ... لكِنَّما الأُخْرَى لَدَيْه عامِرَهْ وَبِمَوتِه شعر الفؤاد وأعلم الـ ... ـعين انثنَتْ في حالتَيها شاعرهْ وَليَ المَحَاجِرُ طَابَقَتْ إذْ للرّثَا ... أنَا نَاظِمٌ وَهْيَ المَدَامِعُ نَاثِرَهْ فَكَأنَّه في قَبْرِهِ سرًا غَدَا ... في الصدر والأفهامُ عنه قَاصِرَهْ وكأنَّه في اللَّحْدِ مِنْهُ ذَخِيرَةٌ ... أعْظِمْ بِهَا دُرَرُ العُلُومِ الفَاخِرَهْ وكأنَّه في رمْسِهِ سيفًا ثَوَى ... في الغِمْدِ مَخْبوءًا لِيَوْمِ الثائِرَهْ ¬

_ (¬1) في (ب, ط): "عن".

وكأنَّه كُشِفَ الغِطاءُ له بأَنْ ... قَرُبَتْ مَنِيته أفاض مَحَاجِرهْ وغدا بأبيات (¬1) الرِّثَا مُتَمَثِّلًا ... وَحَبَا بِهَا بَعْضَ الصِّحَابِ وسَارَرَهْ ونَعَى بها مِنْ قبلِ ذلك نَفْسَهُ ... أكرِم بِهَا يَا صَاحِ نَفسًا طَاهِرَهْ ولِصَاحِبِ "الكشَّاف" يُعْزَى نَظْمُها ... والعَدُّ مِنْها أرْبعٌ مُتَفَاخِرَهْ وأنا الَّذي ضَمَّنْتُها مَرْثِيَّتِي ... جَهْرًا وأوَّلها بِغَيْرِ منَاكَرهْ "قَرُبَ الرَّحِيلُ إلى ديَارِ الآخِرَهْ ... فاجْعَلْ إلهِي خَيْرَ عُمْرِي آخِرهْ" "وارْحَمْ مَبِيتي في القُبُورِ وَوَحْدَتي ... وارْحَمْ عِظَامِي حِينَ تَبقَى نَاخِرهْ" "فأنَا المُسَيْكينُ الَّذي أيَّامُهُ ... ولَّتْ بأَوْزَارٍ غَدَتْ مُتَواتِرهْ" "فَلأنْ رَحِمْتَ فَأَنْتَ أَكْرَمُ راحِمٍ ... فَبِجَارُ جُودكَ يا إلهِي زَاخِرهْ" هذا لَعَمْرِي آخِرُ الأبْيَاتِ إذ ... هِيَ أرْبَعُ كَمُلَتْ تَرَاهَا بَاهِرَهْ وأنَا أعُوذ إلى رِثَائِي عَوْدَةً ... تَجْلُو لِسَامِعِها بِغَيْرِ مُنَافَرهْ قَهَرتْنِي الأيَّامُ فيه فَلَيْتَنِي ... في مِصْرَ مِتُّ ولا رَأَيْتُ (¬2) القَاهِرَهْ هَجَرَتْنِيَ الأحْلامُ بَعْدَكَ سَيِّدي ... واحَرَّ قَلبٍ قَدْ رَمِي بالهَاجِرهْ مَنْ شَاءَ بَعْدَكَ فَليَمُتْ، أنْتَ الَّذي ... كانَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ قِدِمًا حَاذِرَه وسَهِرْتُ مُذْ صَرَخَ النَّعِيُّ بِزَجْرِهِ ... فإذا هُمُ مِنْ مُقْلَتِي بالسَّاهِرَهْ ورُزِئتُ فيه فَلَيْتَ أنِّيَ لَمْ أكُنْ ... أوْ لَيْتَ أنِّي قَدْ سَكَنْت مَقَابِرَهْ رُزءٌ جميعُ النَّاسِ فيه واحِدٌ ... طُوبَى لِنَفْسٍ عِنْدَ ذَلك صابِرَهْ يا نوْمُ عَنِّي لا تُلِمَّ بمُقْلَتِي ... فالنَّوْم لا يَأوِي لِعَيْنٍ سَاهِرَهْ يا دَمْعُ واسْقِ تُرْبَه ولَوَ انَّها ... بِعُلُومهِ حَوَتِ البِحَارَ الزَّاخِرَهْ يا صَبْريَ ارْحَل لَيْسَ قَلبي فارِغًا ... سَكنَتْهُ أحْزَانٌ غَدَتْ مُتَكَاثِرَهْ ¬

_ (¬1) في (أ): "بأمثال". (¬2) في (ب): "وما رأيت".

يا نارَ شَوْقي بالفِرَاقِ تأجَّجِي ... يا أدْمُعِي بالمُزْنِ كُوني سَاجِرهْ (¬1) يا قَبرُ طِبْ قَدْ صِرْتَ بَيْتَ العِلْمِ أَو ... عَيْنًا بهِ إنْسَان قُطْبِ الدَّائِرَهْ يا موتُ إنَّك قَد نَزَلتَ بذي النَّدى ... ومذِ استضفت حَبَاكَ نَفْسًا خاطِرَهْ (¬2) يا ربِّ فارْحَمهُ وَسَقِّ ضَرِيحَهُ ... بَسَحَائِبٍ مِنْ فَيضِ فَضْلِكِ غَامِرهْ (¬3) يا نَفْسُ صَبرًا فالتَّأسِّي لائقٌ ... بِوَفَاة أعْظَمِ شافعٍ في الآخِرَهْ المصطفى زَيْنِ النَّبِييِّن الَّذي ... حاز العُلا والمُعْجِزَاتِ البَاهِرهْ صلى عليه اللَّه ما صَالَ الرَّدَى ... فينَا وَجرَّدَ للبَرِيَّة باتِرَهْ وعلى عَشِيرَتِهِ الكِرَامِ وآلهِ ... وعلى صَحَابتِهِ النُّجُومِ الزَّاهِرَهْ ومنهُم الشِّهاب أحمد بن محمد بن علي المنصُوري، صاحبُ القصيدة الماضي ذكرُها في المدائح (¬4)، فقال يومَ وفاةِ صاحبِ التَّرجمة: قَدْ بَكَتِ السُّحْبُ على ... قاضي القُضَاةِ بالْمَطَرْ وانْهَدَمَ الرُّكْنُ الَّذي ... كانَ مشيدًا مِنْ حَجَرْ ومنهم العلَّامة الفاضل أبو هريرة عبد الرحمن بن علي بن أحمد بن عثمان ابن النَّقاش الأصم، فقال فيما أنشدنيه لفظًا (¬5): قِفَا نَبْكِ بالقاموس الغامضِ الزَّخِر ... والمُرسَلاتِ بمَاءِ الغَيْثِ والمَطَرِ مُذكرًا لك بالأذْكَارِ ذَا أسَفٍ ... على المَعَاهِدِ والرَّوْضَاتِ والأثَرِ على ديَارٍ إذا صَحَّ الحَدِيثُ وَلي ... في الحُسْنِ مُعْتَقَدٌ والضَّعْف للِغِيَرِ على رِباعٍ خَلا دَرْسُ الحَديثِ بهَا ... والرَّبْعُ عافٍ ومُحْتَاجٌ إلى الحَجَرِ ¬

_ (¬1) قال في "القاموس": الساجر: الموضع الذي يأتي عليه السيل فيملؤه. (¬2) في (ط): "حائره". (¬3) في (أ): "غابره". (¬4) 1/ 431. (¬5) في (ط): "أيضًا".

وقُلْ لِذي عَذَلٍ في عَبرةٍ سمَحَتْ: ... "دَعْهَا سَمَاوِيَّةً تَجرِي على قَدَرِ" وقُلْ لعيني الَّتي بالدَّمع قد نَزَحَتْ ... يا عَيْنُ جُودي ولا تُبْقي ولا تَذَرِي وابْكِي بِمَوْجٍ ومَا المِقيَاس يحصرهُ ... قاضي القُضَاةِ أميرَ النَّاسِ في الأثَرِ قاضي القضاة أمير (¬1) المؤمنين سُمِي ... بِأَحْمَدَ بنِ عَلِي ذِي الرُّحْلَةِ الحَجَرِ أكْرِمْ بِهَا مِدْحَةً مما حازَهَا أحَدٌ ... في عَصرِنَا غَيْرُ نزرٍ قَلَّ في العُصُرِ دَعِ الكِتَابَةَ واحْفَظَهَا وَسُقْ سَنَدًا ... وخَلِّ عَنْكَ سوادَ الطِّرْسِ بالحِبِرِ يا مَوْتُ ذَكرتَنِي مَوْتَ النَّبِيِّ بِهِ ... الهَاشِميِّ المصطَفى المبعوثِ مِنْ مُضَرِ ذكَّرتَنِي العُمَرَينِ الصَّاحِبَيْنِ أبَا ... بكرٍ الصِّدِّيق وبالفاروق (¬2) مِنْ عمَرِ يا خَنْسُ (¬3) ها أدْمُعي مع دَمْعك (¬4) ائْتَلَفَا ... ثمَّ اختَلَفْنا بُكًا في الصَّخْرِ والحَجَرِ يا خَنْسُ لو نَظَرَت عَينَاكِ لَمَّتَهُ ... وما حَوَتْ مِنْ فَخار العِلْمِ والخَفَر (¬5) يا خَنْسُ لو سَمِعَت أذْنَاكِ مَنْطِقَه ... مِنْ ثغر مَبْسَمِهِ المَنْظُومِ بِالدُّررِ يا خَنْسُ إنَّني عن عينٍ له نَظَرَتْ ... لَيْسَ العَيَانُ -كما قد قيل- كالخَبَرِ يا خَنْسُ قَدْ قُلْتِ في صخرٍ مراثيهَ ... فَحوَّلَ الحزن بالإسناد للحجرِ مُصِيبَةٌ عمَّتِ الدُّنيا بأجْمَعِها ... رَمَى بِهَا زُحَلٌ بالقَوْسِ والوَتَرِ بالبَحْرِ والنَّهرِ والبَحْرَيْنِ إذْ جمِعَا ... أبْكيه مِنْ عَبْرَةٍ تَجْرِي بلا ضَجَرِ إن ذكَّرَتنِي بِوَقْتٍ صَخْرِهَا غَسَقًا ... أو ذَكَّرَتني بِوَقْتِ الصَّيْفِ في السَّحَرِ فكُلَّ أوقَاتِيَ الغرَّاء مَسْبِلَةٌ ... جاهًا وعِلْمًا وما يُزْدي مِنْ البِدَرِ شبَّهتُه جَالِسًا في الدَّرْسِ في فِئَةٍ ... همُ النُّجُومُ وَوَجْهُ الشَّيْخِ بالقَمَرِ ¬

_ (¬1) في (ط): "أمين". (¬2) في (أ): "والفاروق". (¬3) يشير إلى الخنساء, صاحبة المراثي الكثيرة في رثاء أخيها صخر. (¬4) في (ب): "بدمعك". (¬5) هذا البيت لم يرد في (ب).

وهُمْ طِبَاق وهُمْ يهدى السَّبيلُ بِهِمْ ... مِنْ حَوْلِه أنْجُمٌ كالأنْجُمِ الزُّهُرِ هُمُ الرِّجَالُ ولكن شَيْخهُمُ رَجُلٌ ... رِجَالُهُ سَنَدٌ في مُسْنَدِ الخَبَرِ سادَ الرِّجَالَ وكَمْ قَدْ سَادَ مِنْ رَجُلٍ ... يَسُوقه بَعْدَ تَحْوِيلٍ مِنَ السَّطرِ يُمْلِي الحَدِيثَ بِبَيْبَرسٍ حَوَى سَنَدًا ... عالٍ إلى سَيِّدِ الكَوْنَينِ والبَشَرِ تاللَّه لَوْ سَمِعَتْ حُذَّاقُ شِرْعَتِنَا ... سَوْقَ الأسانِيدِ في إمْلائِهِ الجَهرِ ولَوْ رَأوْا يده في فَرْعِ رَوْضَتِهِ ... أو فسّرتْ آيةً في مُحْكَمِ السُّوْرِ أو ما يُوَصِّلُة في الدين مُعْتَقدًا ... أو رَتَّبَت سَنَدًا مِنْ "نُخبة الفكرِ" أو أظْهَرَتْ حِكْمَةً للشَّافِعِى خَفَتْ ... يَستخرِجُ الكُلَّ مِنْ خُرْمٍ مِنَ الإبَرِ أثْنَوْا عليه ومَنْ أضْحَى يُخَالِفُه ... بمنزلٍ دَحْضٍ كَقَشْعَمِ (¬1) الحجرِ أَبْكِي عليه وَقَدْ شَالوا جنَازَتَه ... ونَقَّطَت مُزْنَةٌ مِنْ نَسْمَةِ السَّحَرِ أنْقَى مِنَ الثَّلْجِ إشْراقًا وريحَتُها ... أذكَى مِنَ المِسْكِ والنّدِ الذَّكِي العَطِرِ وبُشِّرَتْ بِرِضَا الرَّحْمنِ خَالِقِهِ ... والحورُ قَدْ زُيِّنَتْ بالحُلي في السُّرَرِ وعَدْتُه قاتلًا للقلب فيه عسى ... وهل (¬2) يُفيدُ "عسى" مَعَ سابِقِ القَدَرِ يا قلبُ قَدْ كُنْتَ تَخْشَى الموت ذا حَذَرٍ ... ولَيْسَ ذو حَذَرٍ يُنْجِي مِنَ القَدَرِ وأنت للعالمِ النَّقّاش منتسِبٌ ... وكم مَعَانٍ خَفَتْ تأتيك في الصُّوَرِ خِفْتَ المَنُونَ وما قَدْ كُنْتَ تحسَبُهُ ... قَدْ جاءَ مُتتَقِشًا كالنَّقْشِ في الحَجَرِ إنْ غابَ شَخْصُكُ يا مَوْلَايَ عَنْ نظري ... وغَيَّبُوا وَجْهَكَ المَحْبُوبَ في القَبرِ ففي أساريرك الحسناء مُشْرِقَة ... سِبْطٌ مِنَ الحَسَنَيْن: الخُلْقِ والبِشرِ يا مَنْ مَرَاحِمُه لِلخَلْقِ وَاسِعَةٌ ... عَمَّت نَجِيًّا ومَنْ في دينِه الخَطَرِ اجْعَلْ على مَتْنِ هذا القَبْرِ سابِغَةً ... مِنْ لُؤلُؤٍ رَطْبٍ عَذْبٍ ذَكٍ عَطِرِ ¬

_ (¬1) القشعم: الضخم. (¬2) في (أ): "وقد".

والسَّامِعينَ ومَنْ يُعْزَى لِمَذهَبِهِمْ ... يحدو على سُنَّةِ الهادي النَّبِي المُضَرِ وقُلْ لِمَنْ سَمِعَ الأبْيَاتَ يَسْتُرُهَا ... فاللَّهُ يَسْتُرُهُ في الوِرْدِ والصَّدَرِ قَدَّمْتُها سِلْعَةً مُزجًا وناظِمُها ... يَعُدُّها -خَجَلًا- مِنْ أعظَمِ الكِبَرِ وأْذَنْ بِسُحْبِ صَلَاةٍ مِنْكَ ثمَّ رِضًا ... على نبيِّ الهُدَى والبِشْرِ والبَشَرِ وآلِهِ وجَمِيعِ الصَّحْبِ قاطِبَةً ... بهم هُدِي أُمَمٌ في البَدْو والحَضَرِ (¬1) ما غرَّدَتْ وُرْقُهُ في الأيْكِ آمِرَةً ... بِزَوْرَةِ المُصْطَفَى والبَيتِ والحَجَرِ ومنهم الفاضل التَّقي أبو الفضل عبد الرحيم ابن الشَّيخ محب الدين محمد بن محمد بن أحمد ابن الأوجاقي الشَّافعي، أحد مَنْ أخذ عنه، فأنشدني لنفسه لفظًا: مَوْتُ الإِمَامِ شِهَاب الدِّين قَدْ جَزعَت ... لَهُ العُلُومُ ومَا يُرْوَى مِنَ الأثَرِ وقَالَ رَبْعُ عُلُومِ الشَّرْعِ مُكتَئِبًا ... بِهِ دَرَسْت فما بلغوى (¬2) مِنْ أثَرِ ومنهم الزين عبد الغني بن محمد بن عمر الأشْلِيمي نم الأزهري، فأنشدني لنفسه لفظًا: إنَّ الحياةَ ذميمةٌ مِنْ بَعْدِ مَا ... قُبِضَ الإمَامُ العَسْقَلاني الشَّافِعي يا نَفْسُ طِيبي بالمَمَاتِ وحافِظي ... أنْ تَلْحَقي هذا الإِمَامَ وتَابِعي ومنهم الزَّين عبد اللطيف الطَّويلي الماضي في المادحين (¬3). . . (¬4). ومنهم الشَّمس محمد بن علي بن أبي بكر العسقلاني ثم المحلِّي، نزيل القاهرة، عرف بابن دبُّوس، فأنشدني من لفظه لنفسه: ¬

_ (¬1) هذا البيت لم يرد في (ط). (¬2) هنا الكلمة غير واضحة وكذا وردت في هامش (ب) بخط المصنِّف، وبيض لها في (ط). (¬3) 1/ 472. (¬4) بياض في الأصول، ولم تذكر المرثية.

بَكَتْ سَمَاءٌ وأرْضٌ ... عَلَيْكَ يَا عَسْقلَانِي لكِنَّنا نَتَسَلَّى ... إذْ ما سِوَى اللَّه فاني ومنهُم (¬1) الشمس محمد بن علي بن محمد البَهْرَمْسي، صهر الغمري، فأنشدني لفظًا قوله مقتفيًا للشَّيخ شهاب الدين الحجازي: الجَفْنُ قَدْ حَاكى السَّحَابَ ونَاظَرَهْ ... فاعْذُرْ إذا فَقَدَ المُتيَّمُ نَاظِرَهْ لَوْ أَنَّ عاذِلَهُ رأى ما قَدْ رَأى ... لَغَدَا لَهُ بَعْدَ المَلَامَةِ عاذِرَهْ يا عاذِلي دَعْنِي فَلِي حُزنٌ عَلى ... طُولِ المَدَى لَمْ يَلْقَ يَوْمًا آخِرَهْ ذابَ الفُؤادُ وقد تقطَّعَ حسرةً ... أسَفًا على قاضي القُضَاةِ النَّادِرَهْ أعْنِي شهابَ الدَّين ذا الفَضْلِ الذي ... عَنْ وصفِه أفْهَامُ مِثْلِي قاصِرَهْ العسقلانيَّ الذي كانت إلى ... أبوابِه تأتي الوُفُودُ مُهَاجِرهْ يا عَيْنُ إنِّي ناظِمٌ مَرْثِيَّةً ... فيه، فكُوني للمَدَامِعِ ناثِرَهْ للَّه أيامًا به ولَيَاليًا ... سَلَفَتْ وكانَت بالتَّواصُلِ زَاهِرَهْ تاللَّه لم يَأتِ الزَّمَانُ بِمِثلِهِ ... أبَدًا، ولم يَرَ مِثلَه مَنْ عَاصَرَهْ شَهِدَتْ لَهُ كُلُّ العُقُولِ بأَنَّه ... ما مِثْلِهُ، هُوَ دُرَّةٌ، هي فاخِرَهْ دانَتْ لِفِطنَتِهِ العُلُومُ فلَمْ تَزَل ... أبَدًا إلَيْهِ كلَّ وَقْتٍ سَائِرَهْ يا أَيُّهَا الشُّعَرَاءُ هذا سوقُكُم ... كانَتْ له تأتي التِّجارُ مُبَادِرَهْ واليَوْمَ أَغْلِقَ بابَه فلأجْلِ ذا ... أضْحَت تجارَتُكُم لديه (¬2) بائِرهْ كم مِنْ حديثٍ قد رواه مسلسَلًا ... ومُدَبَّجًا وله مَعَانٍ ظاهِرَهْ وكذا غَرِيبًا مُسْنَدًا ومُصَحَّحًا ... جملًا وأخبارًا غَدَت مُتَواتِرَهْ ¬

_ (¬1) في هامش (ح) لها بخط المصنف: ثم بلغ الشَّيخ عز الدين بن فهد نفع اللَّه به قراءة علي في 28 والجماعة سماعًا، كتبه المؤلف. (¬2) في (ح): "لديكم".

إنِّي لأعجِزُ أن أَعُدَّ فضائِلًا ... فيه وأعجِزُ أنْ أعُدَّ مَآثِرَهْ كم طالبٍ أقلامُه مِنْ بَعْدِهِ ... جَفَّت ولم تُمْسِكَ يداه مَحَابِرَهْ أسَفًا عليه نقول: يا نَفْسُ اصبِرِي ... فتقُول: ما أنا عند (¬1) هذا صابِرَهْ دَرَسَتْ دُرُوسُ العِلْمِ بعد وفاته ... ومعاهدُ الإملاءِ أضْحَت داثرَهْ أسَفِي على قاضي القُضاة مؤبَّدٌ ... زَفَراتُ قَلْبِي كلَّ وَقْتٍ ثَائِرَهْ أسَفي على شَيْخِ العُلُومِ ومَنْ غَدَتْ ... أفكَارُ كُلِّ الخَلْقِ فيه حَائِرَهْ أسفي على مَنْ كان بين صِحَابِهِ ... كالبَدْرِ في وسط النُّجُوم الزَّاهرهْ ولَقَدْ نَعى قبل المنِيَّةِ نَفْسَهُ ... إذ كلُّ نَفْسٍ للمنِيَّةِ صائِرَهْ لمَّا رأى أجَلَ الحياةِ قد انقَضَى ... أضحى يشيرُ إلى الصِّحَابِ مُبَادِرَهْ ويقولُ أبياتًا ولَيسَتْ نَظْمَه ... لكن بلَفْظٍ منهُ أضْحَتْ فاخِرَهْ وزَمَخْشريٌّ ناظمٌ أبياتها ... هي أربعٌ معدودةٌ مُتَواتِرَهْ كلُّ الورى مِنْ بعدِهِ اشتَغَلُوا بها ... فاسمَعْ فأوَّلُها أقولُ مُذَاكَرَهْ "قَرُبَ الرَّحِبل إلى دِيَارِ الآخِرَهْ ... فاجْعَل إلهي خيرَ عُمري آخِرَهْ" "وارْحَمْ مبِيتي في القُبُورِ وَوَحْدَتي ... وارْحَم عِظَامي حِينَ تَبقى نَاخِرَهْ" "فأنا المُسَيكين الذي أيَّامُه ... ولَّت بأوزَارٍ غَدَتْ مُتَواتِرَهْ" "فلَأنْ رَحمتَ فأَنْتَ أكرمُ راحمٍ ... فبِحَارُ جُودِكَ يا إلهي زَاخِرَهْ" ها (¬2) آخِرُ الأبياتِ قد أوردْتُها ... فيما نَظَمْت تَبَرُّكًا ومكاثرهْ وأعودُ أذكرُ بعد ذلك حالَتي ... وأبثُّ أحزاني بقَلبي حاضِرَهْ وأقولُ: ماتَ أبو المكارم والنَّدى ... مُلْقِي الدُّرُوسِ وذي (¬3) العلُّومِ البَاهِرَهْ ما كان أحْسَنَ لفظَهُ ومحدِيثَهُ ... ما كان قطٌّ يمَلُّهُ مَنْ عاشَرَهْ ¬

_ (¬1) في (ط): "بعد". (¬2) في (ط): "هنا". (¬3) في (ط): "وذوي".

لو أنَّه يُفْدى لَكُنْتُ له الفِدَى ... وأودُّ لَوْ أنِّي سَدَدْتُ مَقَابِرَهْ لهبٌ بِقَلبِي بعدَهُ لا يَنْطَفي ... ودُمُوعُ عَيْنِي لم تَزَل مُتَقَاطِرَهْ فاللَّه يَسْقي قَبْرَه مَاءَ الحَيَا ... أبدًا ويُورِدُه سَحَابًا مَاطِرَهْ ثُمَّ الصَّلاةُ على النَّبِيِّ وصحبِه ... وعلى جميع التَّابعين أوامِرَهْ ومنهم القيم محمد بن علي بن محمد الفالاتي، أنشدني مِنْ لفظه قولَه الذي ضمَّن فيه أسماء سور القرآن في رثاء صاحبُ التَّرجمة. . . . . . . . (¬1) ومنهُم الشَّيخ المحب محمد بن محمد بن محمد القطَّان، فأنشده مِنْ لفظه قوله: يا دُرَّة فُقِدَت وكانت فاخِرَهْ ... في بَدْءِ خَيْرٍ حُوِّلَت لآخِرَهْ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ جاز أكثَرَه، فَرِدْ ... بَحْرَ الفَخَارِ تَصِلْ بِحَارًا زاخِرَهْ سُفْن الرَّجا كانت (¬2) لطَابِ بِرِّه ... مِنْ بعد أشجان بفضل ماخرهْ تَعْنُوا الرُّؤوسُ (¬3) إلى وجُوهِ بَدِيعِهِ ... وإذا عَصَتْهُ أتَتْ إليه داخِرَهْ وهو المُكَرَّمُ والكَرِيمُ بنانُه ... مَع علمِه لَوْ أُمِّ كعبًا فاخرهْ ليلى بعامِرِها تشاغل قَلبها ... ولِمَنْ سِوَاه بذي الدَّعاوي سَاخِرهْ تَجْري عليه مُوَدِّعًا رُوحي ولَنْ ... تَسْلُو ولو صارَتْ عِظَامًا نَاخِرَهْ قد كان أوَّل شاغلٍ قلبي حوى ... وبِمَوْته فالصَّبْرُ عَدَّى آخرَه . . . . . . . . . . . . . .... . . . . . . . . . . . . . (¬4) ¬

_ (¬1) بياض في الأصول. وقال المصنف في ترجمة الناظم مِنْ الضوء اللامع 8/ 212: وقد كتب عن شيخنا ومدحه، بل رثاه بقطحة ضمَّنها أسماء السور بديعة، سمعتها منه وما تيسرت كتابتها. (¬2) في (ب): "ما كانت"، خطأ. (¬3) في (ط): "الدروس". (¬4) بباض في الأصول مقدار ثلت صفحة.

ومنهم سبطُه الشَّيخ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن شاهين الكركي، واعتمادي في ذلك على خطِّه ولفظه (¬1)، فمانه قال: قلتُ أرثي جدِّي شيخ الإسلام والحفَّاظ شهاب الملَّة والدين ابن حجر العسقلاني مِنَ الطَّويل: شهابُ المعالي بينَما هُوَ طالِعُ ... فعاجلنا (¬2) فيه القَضَا والقَوَارعُ إلى اللَّه إنَّا راجِعُونَ وحَسْبُنا ... ونِعْمَ الوكيل اللَّه فيما نُواقِعُ فَقَدْ أورَثَ الآفاقَ حُزْنًا وذِلَّةً ... وَأظلمت الأكْوانُ ثمَّ المَطَالِعُ وأطْلَقَ دَمْعَ العَيْنِ تجري سحائِبًا ... وأجْرَى عُيونَ السُّحْبِ فهي هَوَامعُ وصيَّرَ طرفي لا يَمَلُّ مِنَ البُكا ... وأحْرَقَ قلبًا بالجَوَانِحِ هالِعُ وفرَّقَ جَمْعَ الشَّمْلِ مِنْ بعدِ أُلفَةٍ ... وأَلَّفَ دُرَّ الدَّمع في الخدِّ لامِعُ فوجْدي وصَبْري في الرَّثاء تبايَنا ... فوجْدِيَ مَوْجُودٌ وصبريَ ضائِعُ فصبرًا لما قَدْ كان في سابقِ القَضَا ... فليسَ لمقدورِ المشِيئةِ دافِعُ وطلَّقتُ نومي والتَّلذُّذَ والهَنَا ... وألزَمْتُ نفسِي أنِّني لا أُراجِعُ وصاحبتُ سُهدي والتَّأسُّفَ والأسى ... فواصلتها لمَّا جَفَتْني المضاجِعُ وإِنِّي غريبٌ لو أقمتُ بمنْزِلي ... وإِنِّي وحيدٌ لا مُعِينَ أُرَاجِعُ فَلَهْفِي على شيخِ الحديثِ وعصرِه ... فَمَجْلِسُهُ للعِلْمِ والفَضْلِ جامِعُ فَلَهْفِي على تلك المجالس بعدَه ... لِفَقْدِ أُولي التَّحقيق قفرٌ بلاقِعُ فَلَهْفِي على جدِّي وشَيخي وقُدْوَتي ... وشيخِ شُيوخِ العصرِ إذ لا مُنَازعُ فأوقاتُه مقسومةٌ في عِبَادَةٍ ... وفضل لمحتاح ببرٍّ يُتَابِعُ فقد كان ظنِّي أن يكونَ مُعاوِني ... على كلِّ خيرٍ مثلَ مَا قيل مانِعُ فعِنْدَ إلهي قد جَعَلْتُ وديعتي ... كريم لديه لا تَخيبُ الودائِعُ ¬

_ (¬1) في (أ): "حفظه ولفظه"، وفي (ب): "لفظه وخطه ولفظه". (¬2) في (أ): "فعالجنا"، تحريف.

فرَحْبُ القَضَا قد ضَاقَ مِنْ بَعْدِ بُعده ... عليَّ وفيه بَحْرُ فِكري وَاسِعُ فيا مَوْتُ زُرْ، إنَّ الحياة ذَميمةٌ ... فَمِنْ بَعْدِ هذا الحَبْرِ لا أب راجعُ إمامُ الهُدى والعلمِ والحِلْم والتُّقَى ... وحافظُ هذا الوَقْتِ للحَقِّ خاضِعُ ففي النَّظمِ حَسَّانٌ، وفي الجودِ حاتمٌ ... وفي العلم ليثٌ، وهو في الثَّبت (¬1) نافعُ عفيفُ السَّجايا باسطُ اليَدِ بالنَّدا ... جزيلُ العطايا ناسِكٌ مُتَواضِعُ بِزُهْدٍ له قد كان يحكي ابن أدهم (¬2) ... له وَرَعٌ بالصَّبْرِ للنَّفْسِ قامِعُ فأيَّامه صَوْمٌ وفي اللَّيلِ هاجِدٌ ... مطيلُ خُشوعٍ ساجِدُ الرَّأسِ راكِعُ فمنهاجُه حاوٍ لِتَنْبيه غافلٍ ... وبهجَتُه زانَتْ كما الرَّوْضُ يانِعُ (¬3) وفتح لباربه حباهُ فوئِدًا ... يُزيل التِبَاسًا، فهو للشَّكِ رافِعُ وتقريبُه الأسما لتَهذِيب طالبٍ ... وفي الجَرْحِ والتَّعديلِ كالسَّيفِ ساطِعُ فإِنْ رُمْتَ إتقان الحديث بجمعه ... فعَنْ حافِظ الإسلام تُرْوَى الشَّرائِعُ . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . (¬4) وكتب صاحبُنا محدِّثُ الحجاز الحافظ نجم الدين عمر بن فهد الهاشمي المكي، أحد تلامذة صاحبُ الترجمة، لسبطه المذكور قبله، يعزِّيه فيه ما نصُّه، ومن خطِّه نقلتُ: يقبِّل الأيادي العالية الجمالية اليوسفية، أحسن اللَّه عزاءها في فقد الأحباب، وأفرغَ عليها صبرًا، وأجزلَ لها الثَّواب، وجعلها مِنَ الذين يوفون (¬5) أجورهم بغير حساب، وينهي أَنَّهَا سُطِّرَتْ عن كبدٍ حَرَّى وفؤادٍ ¬

_ (¬1) في (ط): "الليث"، تحريف. (¬2) في (أ): "ابن آدم"، تحريف. وابن أدهم: هو إبراهبم بن أدهم، الزاهد العابد المشهور. (¬3) في (أ): "نافع". (¬4) بياض في الأصول. وإلى هنا تتتهي نسخة (ح)، حيث فقد منها بقية الباب العاشر والخاتمة. (¬5) في (ط): "يؤتون".

يَتنَفَّس الصُّعداء تَترى، وأجفانٍ قريحة، وعيون بالدَّمع غير شحيحة، لما دهم مِنْ هذا الخطبِ المدْلَهِمِّ، والحادث المُلِمِّ، مِنَ انتقال سيِّدنا وشيخنا، وشيخ الإسلام، خاتمة الحُفَّاظ، قاضي القضاة، شهاب الدين، إلى جوار ربِّ العالمين، نَوَّرَ اللَّه ضريحه، وجعل مِنْ الرَّحيق المختوم غَبُوقَه وصَبُوحهُ، آمين. فلقد أوقرَ الأسماعَ، وأبكى النَّواظر، وأحزن القلوب والخواطر، وجدَّد الأحزان، وأوهن الأبدان، وأذكر قولَ مَنْ قال مِنْ فُحول الرِّجال. كَأَنْ لَمْ يَمُت حيٌّ سِواهُ وَلَمْ تَقُمُ ... على أحدٍ إِلَّا عَلَيْهِ النَّوائِحُ واللَّه المستعان، وصبر جميل على مُصاب المسلمين، يا لَهُ مِنْ خطبٍ جليلٍ، فإِنَّا للَّه وإِنَّا إليه راجعون، ولا شكَّ أنَّا جميعًا إليه صائرون، وللَّه ما أخذَ وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمَّى، وفي اللَّه خَلَفٌ مِنْ كلِّ فائت وعوضٌ مِنْ كلِّ هالك، فباللَّه نَشِقُوا، وإِيَّاه فارجُوا، فإنَّ المُصابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوابِ، وعَزِّ نَفْسَك بما تُعَزِّي به غيرك، واستقبِح مِنْ فعلِك ما تستقبِحُه مِنْ فِعلِ غيرك، واعلم أنَّ أمَضَّ المُصَابِ فَقدُ سُرورٍ مَعْ حرمانِ أجرٍ فكيف إذا اجتمعا على اكتسابِ وِزرٍ، واللَّه يُحسِنُ للمخْدُوم العزاء، ويلهِمُه الصَّبر، ويضاعِفُ له الجزاءَ، ويثلج صدره ببرْدِ الرِّضا فيما قدَّر وقضى. إنِّي مُعَزِّيك لا أنِّي على طَمَعٍ ... مِنَ الخلُودِ ولكِنْ سُنَّةُ الدِّينِ فما المعزِّي بِباقٍ بَعْدَ صاحِبِهِ ... ولا المُعَزَّى وَلَوْ عاشَ إلى حينِ غيره: تَعَزَّ بِحُسنِ الصَّبْرِ عَنْ كُلِّ فائِتٍ ... ففي الصَّبرِ مَسْلَاةُ الهُمُومِ اللَّوزِمِ وليس يذودُ النَّفْسَ عَنْ شَهَواتِهَا ... لعَمْرُكَ إلَّا كُلُّ ماضي العَزَائِمِ العلومُ الكريمة محيطةٌ أْنَّ سهام الأقدار جاريةٌ، والدنيا كلُّها فانية، والناس زَرْعُ الموتِ، وعما قليل يُدركهم الفوت، وليتأسَّ المخدومُ في ذلك

بقول اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ عَظُمَت مصيبتُه، فليذكر مُصيبته بي، فإنها لتهونُ عليه". وقد قيل: إن اللَّه تعالى لم يخلُقْ شيئًا قطٌّ إِلَّا صغيرًا، ثم يكبر، إِلَّا المصيبة، فإنَّه خلقها كبيرةً ثم تصغُر. قيل: دخل ابن عُتبة على المهديِّ يعزِّيه بالمنصُور، فقال له: آجَرَ اللَّه أمير المؤمنين فيمن مات، وبارك له فيما بقي مِنْ عمره مِنَ الأوقات، فلا مصيبةٌ أعظمَ مِنَ مصيبته، ولا عُقبى أفضل مِنْ خلافته، واحتَسِبْ أعظم الرَّزِيَّة. والمخدُوم بعلمُ أنَّ الموتَ سِهامٌ يردُه سائرُ البشر، ومذاقُ سيطعمُه أهلُ اليدو والحضر، لا يسلَمُ منه ملِكٌ نافِذُ الأمر، ولا فقير خامِلُ القدر. وما الدَّهْرُ إِلَّا هكذا فاصطَبِرْ لَهُ ... رَزِيَّةُ مالٍ أو فِرَاقُ حَبِيبِ وقد فَارَقَ النَّاسُ الأحبَّةَ قبلَنَا ... وأعيى دواءُ الموتِ كلَّ طبيبِ وغيره: لعمرُكَ ما الرَّزِيَّة هَدْمُ دارٍ ... ولا شاةٌ تَموت ولا بَعيرُ ولكنَّ الرَّزيَّة مَوْتُ شَخصٍ ... يَمُوتُ بِمَوْتِه علم كثيرُ ولقد حَصَل على أهل الحرم الشَّريف مِنَ الأسف ما لا يُعَبَّرُ عنه، ولا يوصف، وابتهل الجميعُ إلى اللَّه تعالى في هذه المثساعر (¬1) العظيمة أن يجعل ما نقلَه إليه خيرًا ممَّا نقلَه عنه والرَّجاء قويٌّ أن يحصُل للمخدوم مِنْ خيري الدَّارين ما يُثلِجُ به الصَّدرَ، وتقرُّ به العينُ، واللَّه تعالى يجعلُ التَّعزية للمخدوم لا به، والخَلَفُ عليه لا منه، ولا يعصمُ الدَّهر المطروقَ بمثل هذا الرُّزء القاهح، إنَّه بالإجابة جدير، وعلى ما يشاءُ قدير، وعلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. ¬

_ (¬1) في (ب): "الساعة".

الخاتمة

الخاتمة

[كتب السيرة النبوية]

خاتمة [كتب السيرة النبوية]: قد أفرد خلقٌ لا يمكنُ حصرُهم مِنَ الأئمَّة سيرة سيِّدنا رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتَّصنيف، فمنهُم: محمد بن إسحاق، وهذَّبها عبد الملك بن هشام، وعليها وَضَعَ السُّهيلي "روضُ الأُنُف"، واختصره الذَّهبي، فسماه "بلبل الرَّوض" (¬1)، والعُّز محمد ابن جماعة، فسماه "نَوْرُ الرَّوض"، والتَّقي يحيى الكرماني، فسمَّاه "زهر الرُّوض". وعمل مُغلطاي على "سيرة ابن هشام" و"الروض" كتاب "الزهر الباسم"؛ وهو مفيد. ولابن سعد في أول "طبقاته الكبرى" سيرة مطوَّلة، وكذا لابن أبي خيثمة، ولابن عساكر في "تاريخ دمشق" (¬2) وجمع أبو الشَّيخ ابن حيان، وأبو الحسين بن فارس اللُّغوي السِّيرة، وكذا ابنُ عبد البرِّ، وسمَّاها "نظم الدُّرر"، وابن حزم في غير "حجَّة الوداع"؛ والدِّمياطي وعبد الغني المقدسي، وهي مختصرة (¬3)، وشرحها القطبُ الحلبي ¬

_ (¬1) في (أ): "بدليل"، تحريف. وعندي مِنْ هذا الكتب نسخة مصورة عن مخطوطة فريدة. (¬2) وقد أفردتها بالتحقيق الدكتورة سكينة الشهابي، وطبعت في مجمع اللُّغة العربية بدمشق. (¬3) حققها غير واحد، فهم صديقنا الدكتور علي البواب، ونشرها في المكتب الإسلامي ببيروت ودار الخاني بالرياض.

فأجاد، وابن سيد النَّاس في "عيون (¬1) الأثر" و"نور العيون". وكتب علي "العيون" حافظُ حلب البرهان الحلبي تصنيفًا، وأبو الرَّبيع الكلاعي في "الاكتفاء"، والذَّهبي في مجلد (¬2) والعماد ابن كثير في مقدمة "تاريخه"، وأحسنَ ما شاء. والمحبُّ الطَّبري، والقاضي عزّ الدين ابن جماعة في مصنَّفين. ولعثمان بن عيسى بن دِرْباس الماراني "الفوائد المثيرة في جوامع السِّيرة"، ونظم العراقي "ألفيَّة" في السيرة، مشى فيها على "سيرة" مختصرة لمغلطاي، كتب عليها -أعني "سيرة مغلطاي"- فوائد الشَّيخان الشَّمس البرماوي والشَّرف أبو الفتح المراغي. وجرَّد ذلك في تصنيفٍ مفرد الشَّيخ تقي الدين بن فهد المكي الهاشمي، وشرح هذا "النظم" الشهاب ابن رسلان، ومِنْ قبلِه المحب ابن الهائم، لكن ما وقفت عليه. [ثم وقفت على مجلد منه] (¬3) وبعض أبيات مِنْ أوَّله صاحبُ التَّرجمة، كما أسلفتُه وتمَّمْتُ عليه، لكن لم أُبرِزْه إلى الآن. وكذا نظمَ السِّيرة الشِّهابُ ابن العماد الأقفهسي، وشرحه. ونظمها أيضًا فتح الدين بن الشَّهيد، والفتح ابن مِسمار، وشرحه. وكذا برهان الدين البقاعي، وشرحه أيضًا، لكن إلى الآن في بيته. ولجماعة مِمَّن أدركناهم، كالشيخ شمس الدِّين البَرماوي في تصنيفين، وابن ناصر الدين، وكتابه حافلٌ نفيسٌ، والتَّقي المقريزي في كتابه "الإمتاع". وجمع المغازي: موسى بن عقبة، وابن عائذ، وعبد الرَّزَّاق، والواقدي وسعيد بن يحيى الأموي وآخرون، منهم أبو القاسم التَّيمي الأصبهاني. ودلائل النبوة (¬4): أبو زُرعة الرَّازي، وثابت السَّرقُسْطي، وأبو نُعيم الأصبهاني، والنَّقَّاش المفسِّر، وأبو العبَّاس المُستَغفري، والطَّبراني، ¬

_ (¬1) في (ط): "عنوان"، تحريف. والكتاب مشهور مطبوع مِنْ غير تحقيق. (¬2) وهي ضمن كتابه الكبير "تاريخ الإسلام"، وقد قام على تحقيقه الدكتور عبد السلام التدمري، ونشره في دار الكتب العربي. كما ألحقت السيرة النبوية بكتاب سير أعلام النبلاء المطبع في مؤسسة الرسالة ببيروت. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). (¬4) في (أ): "في دلائل النبوة".

وأبو القاسم التَّيمي الأصبهاني، وأبو ذر المالكي، والبيهقي، وهو أجمعُها. وأعلام النبوَّة: ابن قُتيبة، وأبو داود السَّجستاني، وابنُ فارس، وأبو الحسن الماوردي الفقيه، وأبو المطرِّف المغربي قاضي الجماعة، ومُغلطاي. والشمائل النبوية: التّرمذيّ، والمستغفري الماضي. وقد شرعتُ في شرح أوَّلهما. ولأبي البُختري، وأبي علي بن هارون "الصِّفة النبوية" وللقاضي (¬1) إسماعيل "الأخلاق النبوية"، وللقاضي عياض كتاب "الشفا"، واعتنى به جماعة كما قدمناه في الباب السابع (¬2). ولأبي الرَّبيع سليمان بن سبع السبتي "شفاء الصُّدُور" في مجلد، واختصره بعضُهم. و"الوفاء" لابن الجوزي، وشوحِحَ في هذه التَّسمية، كما شُوحِحَ القاضي عياض في قوله "بتعريف حقوق المصطفى". و"الاقتفاء" لابن المنَيِّر، و"شرف المصطفى" لأبي سعد النَّيسابوري الواعظ. والمولد النَّبوي: جماعة؛ منهُم مِنَ المتأخِّرين: الزِّين العراقي، وابن الجزري في تصنيفين، والتقي أبو بكر الحصني، ثم الدِّمشقي، وابن ناصر الدين في تصانيف له. ومن قبلهم "الدُّرُّ المنظَّم في المولد المعظم" لأبي القاسِم السَّبتي، و"الدُّر النَّظيم في مولد النّبيّ الكريم" لعمر بن أَيّوب بن عمر بن طُغريل، و"المولد" للفخر عثمان بن محمد بن عثمان التَّوزري، والصلاح العلائي، و"إتحاف الرُّواة بذكر المولد والوفاة" للقطب القسطلاني، "وبيان السول في ختان الرسول" لمحمد بن طلحة بن الحسن النَّصيبي. وقفصه (¬3) الكمال ابن العديم في تصنيف، و"المنهاج في شرح حديث المعراج" لأبي الخطَّاب بن دِحية. والخصائص المحمَّديَّة: لغير واحد. وكذا المعجزات. وأُفرِدَ كلّ مِنْ نسائه ومواليه وكُتَّابه وأردافه وغير ذلك -صلى اللَّه عليه وسلم-. ¬

_ (¬1) في (أ): "وللفاضل". (¬2) ص 1016 - 1017. (¬3) في (ط): "ولخصه".

ولابن القيِّم كتابُ "الهدي النبوي"، لا نظير له، وآخر أخصَرُ منه. وجمع خُطبَه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبو العباس المستغفري. وأفرد الصَّلاحُ العلائي لكلٍّ مِنْ إبراهيم الخليل وموسى الكليم عليهما مِنَ اللَّه الصَّلاة والتَّسليم جزءًا، وكذا عمل ابن الجزري جزءًا في "مقام إبراهيم"، ولابن الجوزي "قصَّة يوسف" عليه السلام في مجلد. وعمل أبو جعفر ابن المنادي وأبو الفرج ابن الجوزي وجماعةٌ ترجمة الخضر عليه السلام، وهي في ثلاث تصانيف لابن الجوزي، أحدها "عُجالة المنتظر لشرح حال الخضر" في جزء، والآخر في موته مجلد، ومختصر هذا في جزء. ولابن النَّقَّاش في وفاته، وكذا للأهدل "القول المنتصر المقالات الفارغة بدعوى حياة الخضر"، ولليافعي في حياته. وأحسنُ مصنَّف في ذلك: كلامُ صاحبُ التَّرجمة الذي أفرده مِنْ كتابه "الإصابة"، وسماه "الزَّهر النضر في حال الخضر". وجمع جماعةٌ لغير واحدٍ مِنَ الصَّحابة، كأبي بكر، وعمر، وعلي، وابن عوف، وسعد، وسعيد، والعباس، وابنه عبد اللَّه، وأبي هريرة، وأبي ذرٍّ، ومعاوية، وتميم الداري، وخالد بن الوليد، وفاطمة الزَّهراء، ومقتل ولدها الحُسين، ومناقب السِّبطين، وكذا مناقب أهل البيت، وأخبار الأحنف بن قيس، وغيرهم رضوان اللَّه عليهم أجمعين. [ولابن بشكوال "الاختلاف في اسم أبي هريرة" في جزء، ولغير واحد مقتل عثمان وعمار بن ياسر] (¬1). وأفرد الذَّهبيُّ "سيرة عمر بن عبد العزيز" ومن قبله ابن الجوزي، وعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، ومن قبلهما أبو بكر الآجُرِّيِّ، وبقيّ بن مخلد، [والدَّورقي، وأبو عمر عبد اللَّه مِنْ أحمد الدِّمشقي، وابن وضَّاح، وابن عبد الحكم تأليف. وكذا أفرد أبو الجاس العذري "ترجمة الحسن بن أبي الحسن البصري"، و"محمد بن سيرين". ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

[مناقب الأئمة الأربعة]

وأبو القاسم بن منده "فضائل عكرمة مولى ابن عباس". وغيره "مقتل سعيد بن جبير" و"محنته مع الحجاج" مع الحسين، وآخر "مقتل زيد بن علي بن الحسين"] (¬1). [مناقب الأئمة الأربعة] وغير واحد مناقب كلٍّ مِنْ أئمة المذاهب الأربعة رحمةُ اللَّه عليهم. فأفردَ مناقبَ الإمام أبي حنيفة: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطَّحاوي، وأبو عبد اللَّه الحُسين بن علي بن محمد الصَّيمري، وأبو عبد اللَّه الحُسين بن محمد بن خَسرو البلخي، وأبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن يعقوب بن الحارث الحارثي، وسماه "كشف الأسرار"، وأبو محمد عبد القادر بن محمد بن محمد القُرشي مصنف "طبقات الحنيفة"، وسماه "البستان في مناقب النعمان"، وأبو القاسم عبد اللَّه بن محمد بن أبي العوَّام السَّعدي، قال السِّلفي: إنَّه جمع فضانل الإمام وأخباره وأخبارَ أصحابهِ ومَنْ روى عنه. [وأورد (¬2) السِّلَفِيُّ إسناده إليه في "فهرسته"] (¬3). وأبو القاسم علي بن محمد بن كأس الفقيه القاضي، أفرد "فضائل الإمام" في جزءٍ لطيفٍ، وأبو أحمد محمد بن أحمد بن شُعيب بن هارون الشُّعيبي في مجلدٍ عشرين جزءًا، وأبو عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي، وأبو المؤيد الموفَّق بن أحمد المكِّي الخوارزمي، [وأبو الفضل يحيى بن الرَّبيع بن محمد العبدي، وأبو يعقوب يوسف بن أحمد بن الرُّخَيل الصَّيدلاني] (¬4)، وأبو المظفر يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي، ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) في (أ): "وأفرد". (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

وآخرون، أجمعهم (¬1) كتاب الخوارزمي، وهو في أربعين بابًا، ضمَّ إليه مناقبَ صاحبيه وغيرهما. وكذا أفرد الذهبي لكلٍّ مِنْ أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة ترجمةً. وأفرد مناقب الإمام مالك بن أنس: [أحمد بن عبد الرحمن القصري، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن رُشيد في تصنيفٍ اشتمل على مالك وسفيان والأوزاعي] (¬2)، وأبو عمر أحمد بن محمد بن عبد اللَّه الطَّلَمَنْكِي، وأبو بكر أحمد بن محمد اليَقْطيني، وأبو بكر أحمد بن مروان الدِّينوري صاحبُ "المجالسة"، [وأحمد ابن المعدل، له "رسالة في وصف سيرته"، وأحمد بن واضح] (¬3) وأبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفَاض الفِريابي، وأبو محمد الحسن بن إسماعيل الضَّرَّاب، وأبو القاسم الحسن بن عبد اللَّه بن مذحج الإشبيلي، والزُّبير بن بكار القاضي، [وأبو سعيد عبد الرحمن بن الأعرابي، وأبو عمر عبد اللَّه بن أحمد بن ديزويه (¬4) الدِّمشقي في تصنيفٍ اشتمل على مالكٍ والأعمش ومسروق وشُريح والثَّوري والأوزاعي وابن عُيَيْنَة والشَّعبي. وأبو محمد عبد اللَّه بن أبي زيد صاحبُ "الرسالة" في مصنَّف، ضمَّ إليه الاقتداء بأهل المدينة] (¬5). وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي، وأبو مروان عبد الملك بن حبيب السُّلمي، [وأبو نصْر عبد الوهَّاب بن عبد اللَّه بن الجبَّان (¬6)] (¬7)، وأبو ¬

_ (¬1) في (ط): "جمعهم"، خطأ. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) في (أ): "بزويه".انظر ترجمته في "مختصر تاريخ دمشق" لابن منظور 12/ 17. (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬6) (أ، ط): "ابن الجيار"، تحريف. وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 17/ 468. (¬7) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

الحسن علي بن الحسَن (¬1) بن محمد بن فهر الفهري، وأبو الرُّوح عيسى بن مسعود الزَّواوي، وأبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التَّميمي القاضي، وأبو بشر محمد بن أحمد بن حمَّاد الدُّولابي، وأبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن سهل البركاني، وأبو عبد اللَّه محمد بن آحمد بن عثمان الذهبي، وأبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عمر القُشيري، وأبو بكر محمد بن جعفر الميماسي، وأبو حاتم محمد بن حِبَّان البُستي [الحافظ، ومحمد بن سحنُون في تصنيف فيه مالك وابن القاسم وابن وهب وأشهب وأبو الحسن محمد بن عبد اللَّه بن زكريا بن حيويه النَّيْسابوري] (¬2)، وأبو علاثة محمد بن أبي غسَّان، وأبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان، وأبو بكر محمد بن محمد بن وشاح ابن اللَّبَّاد، [ومحمد بن وضَّاح، ونصر المقدسي الحافظ، وأبو يعقوب يوست بن المدين الرُّخيل (¬3) الصَّيدلاني] (¬4)، وأبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البرّ النِّمري، [وله أيضًا مصنَّف في فضائل مالك والشّافعيّ وأبي حنيفة] (¬5)، وأبو عمر يوسف بن يحيى بن يوسف المغامي [وآخرون؛ منهم أبو طالب الخشَّاب، وابن المنتاب. ولبعضهم محنته] (¬6). ولأبي عبد اللَّه محمد بن مخلد الدُّوري "رواية الأكابر عن مالك" في جزء، وكذا للحافظ الرَّشيد أبي الحسين يحيى بن علي العطَّار "الإعلام بمن حدَّث عن مالك بن أنس الإمام مِنْ مشايخه السَّادة الأعلام" في كراريس. وأفرد غيرُ واحدٍ -كالدَّارقطني والخطيب- "الرُّواةَ عن مالك"، وجماعةٌ "عواليه"، وآخرون "غرائبه". وفي استيفاء ذلك ونحوه طولٌ. ¬

_ (¬1) في (أ): "الحسين"، وانظر ترجمتة في "الديباج المذهب" لابن فرحون 2/ 104. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في (ط): "أحمد الرخيلي". (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب)، وكتابه هذا هو الانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء، وهو مطبوع. (¬6) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

وأفردَ مناقب إمامَنا الشَّافعي رضي اللَّه عنه: أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم الجعبري، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وهو أجمعُها. ولما أورد الحافظُ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ترجمته في "تاريخ بغداد"، قال في آخرها: لو استوفينا مناقبه وأخباره، لاشتملت على عدَّة مِنَ الأجزاء، لكنَّا اقتصرنا منها على هذا المقدار، ميلًا إلى التخفيف وإيثار الاختصار (¬1)، ونحن نُورِدُ معالم الشَّافعي ومناقبه على الاستقصاء في كتاب نُفْرِدُ لها إن شاء اللَّه تعالى. وصاحب التَّرجمة أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، وأبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن القرَّاب، والصَّاحب أبو القاسم إسماعيل بن عبَّاد، والعماد أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، وأبو علي الحسن بن أحمد بن عبد اللَّه بن البَنَّاء في مصنَّفٍ غيرِ مصنَّفِه الآخر، الذي جمع فيه ثناءَ أحمد عليه وثناء على أحمد رحمهما اللَّه تعالى، [والحسن بن رشيق] (¬2)، وإمام أهل الظَّاهر أبو محمد داود بن علي بن خلف الأصبهاني في تصنيفين، وأبو يعلى زكريا بن يحيى بن خلَّاد السَّاجي، وأبو الطَّيب طاهر ابن الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني الفقيه ابن الفقيه، وأبو محمد عبد اللَّه بن يوسف الجُرجاني القاضي مصنِّف "طبقات الشافعية"، أفرد للإمام تصنيفًا في فضائله، وأبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الحافظ، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرَّازي، وأبو القاسم عبد المحسن بن عثمان بن غنائم في مجلد، وفي خطبته ما يقتضي أنَّه جمع مناقب مالك أيضًا. وأبو الحسن علي بن بدر التنسي، وأبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر الدِّمشقي، والحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، وأبو حفص عمر بن علي بن الملقِّن، وأبو الحسين المبارك بن عبد الجبَّار بن الطُّيوري، فيما انتخبَه السِّلَفيُّ مِنْ "حديثه" ¬

_ (¬1) في (ب): "وإيثارًا للاختصار". (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

مضافًا لفضائل أحمد، وأبو عبد اللَّه محمد بن إبراهيم البوشنجي، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان، وأبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن شاكر بن أحمد القطَّان، وأبو موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني، له "النُّصح بالدليل الجلي عن الإمام الشَّافعي" شبه المناقب، وأبو حاتم محمد بن حبان البُستي صاحبُ "الصحيح" في جزأين، وأبو الحسين محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبُرِيُّ، وأبو بكر محمد بن الحسين بن عبد اللَّه الآجُرِّيُّ صاحبُ "الشريعة" وغيرها، وأبو عبد اللَّه محمد بن سلامة بن جعفر القُضاعي، وأبو الحسين محمد بن عبد اللَّه بن جعفر الرَّازي، والحاكم أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه النَّيسابوري، والإمام الفخر محمد بن عمر الرَّازي. [وله أيضًا مصنَّف في ترجيح مذهبه على غيره، فيه له مناقب كثيرة] (¬1)، والحافظَ المحب أبو عبد اللَّه محمد بن محمود بن الحسين بن النَّجار البغدادي، ومصنَّفه حافِلٌ. والعلَّامة أبو القاسم محمود الزَّمخشري صاحبُ "الكشَّاف"، له "شافي العيّ مِنْ كلام الشَّافعي". والفقيه نصر المقدسى، وأبو زكريَّا يحيى بن شرف النَّووي. وطائفة؛ [منهم أبو القاسم البغدادي، وضمَّ إليه فضائل أصحاب الشافعيِّ. وجمع إسماعيلُ بن الحباب الحِمْيَري وغيرُه "محنته"، وبعضهم "سفَرَه"] (¬2)، وجمع "حليته" أبو عمرو بن الصَّلاحَّ. وأُفْرِدَتْ "رحلتُه"، وكذا "أشعارُه" بالتَّأليف. [وإذا علمتَ هذا، فقول القاضي شمس الدين ابن خلكان (¬3): أخبرني أحدُ المشايخ الفُضلاء أنَّه عُمِل في مناقب الشَّافعيِّ ثلاثةَ عشر تصنيفًا، قد عُلِمَ ما فيه مِنَ القُصور، ولكن فوق كلِّ ذي علم عليم] (¬4). وأفرد مناقب أحمد رضي اللَّه عنه: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ في مجلَّد، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر بن أبان اللُّنْباني، وأبو علي الحسن بن أحمد بن ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) في وفيات الأعيان 4/ 167. وقد نقل صاحبُ كشف الظنون (2/ 1480) عن ابن الملقن أن التآليف في مناقب الإمام الشَّافعي تبلغ أربعين مؤلفًا فأكثر.

عبد اللَّه بن البنَّاء في مصنَّف غير مصنَّفه الآخر الذي جمع ثناءَ كلِّ واحدٍ مِنَ الشَّافعي وأحمد على صاحبه، وأبو عبد اللَّه الحُسين بن أحمد بن الحسين الأسدي، [وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني] (¬1)، وأبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن مندويه الشُّروطي، وأبو إسماعيل عبد اللَّه بن محمد الهروي، الملقب شيخ الإسلام، في مجيليد. وأبو محمد عبد اللَّه بن يوسف الجرجاني القاضي مؤلِّف "مناقب الشَّافعي" و"طبقات الشافعية"، أفرد للإمام أحمد ترجمةً، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرَّازي، وأبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، وهو أجمعها. [وأبو القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه محمد بن إسحاق بن منده الحافظ ابن الحافظ] (¬2). وأبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن منده الأصبهاني في مجلَّدٍ كبير مفيد. [وآخرون منهم أبو نصر الشيرازي] (¬3). وكذا أُفْرِدَتْ "محنتُه"، و"خصائص مسنده". وأفرد الرُّكن شافع بن عمر بن إسماعيل الجَبَلي الحنبَلي "زبدة الأخبار في مناقب الأئمة الأبرار"، يعني الأئمة الأربعة. وأفردَ للبخاري صاحبُ الصَّحيح ترجمةً: الحافظ الذهبي، وأبو حفص بن الملقن وغيرهما، كشيخنا في نحو كراستين، وجدتها بخطِّه، سماها "هدي" أو "هداية السَّاري لسيرة البخاري"، حدَّث بها قديمًا في سنة خمس وثمانمائة، وكابن ناصر الدين حافظ دمشق في جزءٍ، سمَّاه "تحفة الإخباري بترجمة الإمام البخاري"، وعمل جامعُه "جزءًا" في ختم "الصَّحيح"، فيه نُبْذَةٌ مِنْ ذلك. ولورَّاقة أبي جعفر محمد بن أبي حاتم البخاري "شمائله" في نحو كراسين، رواه أبو محمد أحمد بن عبد اللَّه بن محمد بن يوسف الفِرَبْري عن جدِّه، عن مصنفه. ولمسلم بن الحجاج: الشهاب أبو محمود المقدسي، وكذا لابن ناصر الدين، وجامعه في ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

[سيرة الملوك والسلاطين]

جزء في ختم "صحيحه" أيضًا، أشار لمهماتٍ مِنْ ترجمته فيه. ولأبي داود السجستاني: ابن بشكوال، والشَّيخ تقي الدين ابن فهد الهاشمي المكي، وجامعه في "جزء" عمله في ختم "سننه". ولأبي عيسى الترمذي: ابن بشكوال أيضًا. وأبو القاسم عبيد بن محمد بن عبّاس الأسعَرْدِي والتَّقي المكِّي أيضًا. ولأبي عبد الرحمن النسائي. جامعه في جزء يتعلَّق بختم كتابه. [وجمع ابن بشكوال "أخبار النسائي"]. [سيرة الملوك والسلاطين] وكذا أُفْرِدَتْ أخبارُ جمعٍ مِنَ الملوك ونحوهم، منهُم: المأمون، أفردها بعضُهم. والمعتضد أبو العباس أحمد بن الناصر أبي أحمد الموفَّق طلحة بن المتوكل أبي الفضل جعفر بن المعتصم أبي إسحاق محمد بن الرشيد هارون، جمع "سيرته" سِنان بن ثابت. وأحمد بن طولون صاحبُ الجامع، أفرد أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زُولاق المصري "سيرته". وكذا أفرد ابنُ زولاق "سيرة ولده خمارويه"، و"سيرة الإخشيد محمد بن طُغج"، و"سيرة جوهر" و"أخبار المارداني". وأبو الحسن علي بن الحسين الزَّرَّاد الدِّيلمي، جمع "سيرة سيف الدولة" أبي الحسن علي بن عبد اللَّه بن حمدان.

والوزير أبو الحسن علي بن عبد الرحمن اليازوري وزير المستنصر بمصر، أفرد "سيرته" بعضُ المصريِّين. والصَّلاح يوسف بن أَيّوب -وناهيك به جلالةً- أفردَها البهاء أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم الموصلي، ويعرف بابن شدَّاد، في مجلَّد سماه "النوادر السُّلطانية والمحاسن اليوسفية". وللعماد الكاتب "البرق السَّامي" في أخبار صلاح الدين وفتوحه وأحواله، وحوادث الشَّام في أيامه في تسع مجلدات. ونَظَمَ السِّيرة الصَّلاحية أبو المكارم أسعد (¬1) بن الخطير الكاتب. وأُفْرِدَتْ سيرةُ الناصر محمد بن قلاون. ولابن الجوزي "المجد الصَّلاحي"، و"المجد العضدي"، و"الفخر النُّوري"، و"المصباح المضيء لدعوة الإمام المستضي"، و"الفاخر في أيّام الإمام الناصر". كلُّ واحد مِنْ الخمسة في مجلد. ويقال: إن له "عقد الخناصر في ذم الخليفة الناصر"، و"الملك السَّعيد مِنْ كتاب العقد الفريد" لمحمد بن طلحة وغيرها، منهُم: السُّلطان عين الدَّولة محمود بن سُبَكْتَكين، أفردها أبو نصر محمد بن عبد الجبَّار العُتبي (¬2). ولمحمد بن يوسف بن محمد النَّوفلي المليجي "البيان في أخبار صاحبُ الزَّمان"، يعني المهدي. وللعز أبي عبد اللَّه محمد بن علي بن إبراهيم بن شدَّاد الحلبي، المتوفى بعد الثمانين وستمائة "سيرة الظاهر بيبرس البندقداري". وكذا جمعها كاتبهُ محيي الدِّين بن عبد الظاهر. ¬

_ (¬1) في (أ): "أبو سعد"، خطأ. وهو المعروف بابن مماتي، المتوفى سنة 606 هـ. انظر ترجمه في سير أعلام النبلاء 21/ 485. (¬2) في (أ): "المغيثي"، وفي (ب، ط): "المعيني"، وكلاهما تحريف. وكتابه المشار إليه هو "اليميني"، المعروف بتاريخ العتبي، وهو مطبوع.

وللمؤرخ صارم الدين إبراهيم بن محمد بن آيدمر بن دقماق "سيرة الظاهر برقوق". ونظم العلَّامة البدر العيني "سيرة المويد"، وكذا نظمها محمد بن ناهض الحلبي، وعملها العيني أيضًا نثرًا. وكذا أفرد سيرة كلٍّ مِنَ الظَّاهر ططر والأشرف برسباي بالتَّأليف. وجمع بعض الدمشقين ممَّن أخذ عن صاحبُ التَّرجمة "سيرة الظاهر جقمق"، رأيتُ شيخَنا وهو ينتقي منها أو يكتُبها بخطِّه. وكنتُ (¬1) أقضي العجَب مِنْ ذلك، وما علمتُ مقصده فيه. وكذا جمع بعض (¬2) مِنْ أخذتُ عنه (¬3) "أخبار الطَّاغية تيمور". وأفرد العماد ابن كثير سيرة منكلي بُغَا، سمَّاها "ما يُنتقى ويُبتغى في سيرة المقرِّ السيفي منكلى بغا". وأُفْرِدَتْ ترجمةُ غير واحدٍ مِنَ العلماء والمحدِّثين والزُّهَّاد، منهُم: "إبراهيم بن أدهم" لابن الجوزي، ومِنْ قبله لجعفر بن محمد الخُلدي، [ومحمد بن حسن بن قُتيبة العسقلاني. وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي لأبي القاسم بن بشكوال] (¬4). والمؤرِّخ الصَّارم إبراهيم بن دقماق الحنفي، جمعها لنفسه. والعز أبو إسحاق إبراهيم بن عبد اللَّه بن محمد بن أحمد بن محمد ابن قُدامة الحنبلي، أفرد أبو الفداء ابن الخبَّاز "سيرته" في مجلَّد. ¬

_ (¬1) في (أ): "وكتبه" تحريف. (¬2) "بعض" ساقطة مِنْ (أ). (¬3) هو أحمد بن محمد بن عبد اللَّه المعروف بابن عربشاه، المتوفى سنة 854 هـ وكتابه هو "عجائب المقدور في نوائب تيمور"، وذكره المصنف في ترجمته المطولة في الضوء اللامع 2/ 126 - 131 وقد طبع الكتاب غير ما مرة، أجودها بتحقيق صديقنا الدكتور أحمد فائز الحمصي. (¬4) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: سقط الهامش من المطبوع

وإبراهيم بن عبد الرحيم بن جماعة، جمعها لنفسه. وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، جمعها جامعه مِنْ جزء. وأبو بكر [أحمد بن أبي خيثمة، لابن بشكوال] (¬1). وأحمد بن أبي الخير اليماني الصَّيَّاد، أُفرِدَتْ "سيرتُه". وأبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد الأصبهاني، جمعها أبو موسى المديني، ومِن قبله السِّلفي، وفيها مَنْ حدَّثه مِنْ شُيوخه عنه، وهم نحو (¬2) ثمانين رجلًا. وأبو العلاء أحمد بن عبد اللَّه بن سُليمان المعرِّي، جمعها الكمالُ ابنُ العديم في كتاب سمَّاه "الإنصاف والتَّحري في دفع الظلم والتَّجرِّي عن أبي العلاء المعرِّي". وأبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية في "الرد الواقر" لابن ناصر الدين، وهو شِبْهُ التَّرجمة، بل أفرد ترجمته مِنْ قبلِه أبو عبد اللَّه بن عبد الهادي الحافظ (¬3) في مجلَّدة، والسِّراج أبو حفص عمر بن علي بن موسى البزار (¬4) البغدادي الحنبلي في كراريس، وحدَّث بها. وأبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي بن أحمد بن يحيى الرِّفاعي، عمل "مناقبه" محيي الدين أحمد بن سُليمان الهُمامي الحسيني في أربعة كراريس، رتَّبها على ثمانية فصُول. وللحافظ ابن ناصر الدين الدِّمشقي فيه وفي الشَّيخ عبد القادر "جزء". ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) "نحو" ساقطة مِنْ (ط). (¬3) هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي، شمس الدين بن قدامة الجماعيلي المقدسي، المتوفى سنة 744 هـ وكتابه هو "العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية". انظر ترجمته في الدرر الكامنة 3/ 331 - 333، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 436. (¬4) في (ب، ط): "البنار". وانظر ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 180، والمقصد الأرشد 2/ 304 - 305.

وأبو مسعود أحمد بن الفرات الرَّازي، جمعها يوسف بن خليل. وأبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السِّلفي، جمعها الذَّهبي. وأبو العباس أحمد بن محمد بن حسن بن الغمَّاز، أُفْرِدَتْ "مراثيه" في تأليف. وأبو العباس البصير أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البَلَنْسِي، أفردَ له [الرَّشيدي ترجمةً سمَّاها "نفائس الأنفاس بمناقب أبي العباس". وكذا أفردها] (¬1) البرهانُ الأبناسي، وسمَّاها "الكوكب المنير في مناقب أبي العباس البصير". والتاج أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء اللَّه، أفردها الشَّمس محمد بن علي الشاذلي، عُرِفَ بالحكيم، وسماها "كشف الغِطاء في مناقب الشَّيخ تاج الدين بن عطاء". والعارف [أبو العباس أحمد بن محمد بن مثبوت المولى المعروف بالرأس، في مصنَّف لصاحبه العلم أبي عبد اللَّه محمد بن سليمان بن محمد بن عبد الملك الشَّاطبي، سماه "المطلب العالي"] (¬2). وأبو العباس أحمد بن محمد بن مفرِّج العشاب الإشبيلي، جمعها أبو محمد عبد اللَّه الحريري في جزء، سمَّاه "نثر النَّوْر والزَّهر". وإسماعيل بن إسحاق القاضي، جمعها ابن بشكوال. وأبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التَّيمي، جمعها أبو موسى المديني في جزءٍ كبير. والشَّيخ إسماعيل الجبرتي اليماني، جمعها بعضُهم. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ط)، وألحق في هامش (ب) بخط المصنِّف. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ط).

[وأشب الطَّامع، وغيره ممَّن هو في معناه لأبي الوليد الفرضي] (¬1). وبشر بن الحارث الحافي مِنْ "حديث أبي عمرو بن السَّمَّاك". وكذا أفردها ابنُ الجوزي، [ومِنْ قبلِه أبو الفضل عُبيد اللَّه بن عبد الرحمن الزُّهري، ومحمد بن المثني الباوردي. وجمع "ترجمة أبي عبد الرحمن بقيِّ بن مخلد" وتسمية البلدان التي دخلها حفيدُه أبو الحسن عبد الرحمن بن أحمد. وكذا جمع "فضائله" الأمير عبد اللَّه بن النَّاصر] (¬2). والحارث بن أسدّ المحاسبي، جمعها ابن بشكوال، [ومِنْ قبلِه أبو بكر ابن عزرة] (¬3). وافتخار الدِّين حامد بن محمد بن محمد الخوارزمي الحنفي، ترجم نفسه في جزء. وأفردَ ابنُ الجوزيِّ للحسن البصري ترجمةً (¬4). والرضيُّ أبو الفضانل الحسنُ الصاغاني، جمعها أبو أحمد الدمياطي. وأبو علي الحَسن بن عُلَيْل العَنَزي، أُفْرِدَتْ "أخباره". [والعز الحسن بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم الواسطي، أفرد تلميذهُ أبو عبد اللَّه بن مرزُوق في "مناقبه" جزءًا] (¬5). وأبو علي الحُسين بن عبد اللَّه بن الحسن بن سينا الفيْلَسوف، جمع أبو عبيد الجوزجاني "أخباره" في جزء. والحسين بن منصور الحلَّاج، أفرد "أخباره" أبو الحسن علي بن أحمد بن علي المعضّض، وقرأها عليه السِّلَفي، وقال: كلُّها موضوعات عَنْ رواةٍ مجاهيل، وليَّن مؤلِّفها. ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) و (¬5) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) طبعت بتحقيق صديقنا الفاضل سليمان الحرش.

وجمع ابنُ الجوزي أخباره في تصنيفِ سمَّاه "القاطع لمحال المحاج بحال الحلَّاج". والصَّلاح أبو الصفاء خليل بن أيبك الصفدي، جمعها لنفسه. والشَّيخ داود العرب، أفردها بعضُهم. ودِعبلُ بن علي الخزاعي، جمع المستنير المرزباني "أخباره". وذو النون الإخميمي المصري، للحسن بن رشيق. ورابعة العدوية، لابن الجوزي. وزياد بن عبد الرحمن شبطون لابن بشكوال. وسحنُون لأبي العرب التَّميمي، وأبي جعفر تميم بن محمد بن تميم. وسعيد بن المسيب لابن الجوزي. وسفيان بن عُيينة لابن بشكوال] (¬1). وسفيان الثَّوري، لابن الجوزي. ومِنْ قبلِه لأبي الشَّيخ عبد اللَّه بن محمد بن جعفر بن حيَّان، [و"محنته" لأبي يعقوب إسحاق بن محمد التُّستَري] (¬2). وأبو القاسم سُليمان بن أحمد بن أيُّوب الطَّبرانيُّ، جمع الضِّياءُ المقدسيُّ "الذب عنه". والتَّقي أبو الفضل سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي، أفرد "سيرته" البرزالي. وأبو داود سليمان بن داود الطَّيالسي، جمعها أبو نُعيم الأصبهاني. وأبو محمد سُليمان بن مِهران الأعمش، جمعها يوسفُ بن خليل، وكذا ابنُ بشكوال. ¬

_ (¬1) و (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

والسَّموأل بن يحيى بن عبَّاس المغربي ثم البغدادي الحاسب. رأيتُ بخطِّه كُرَّاسةً ذكرَ فيها سببَ إسلامه، وهو شِبْهُ التَّرجمة لنفسه. [وشُريح القاضي، لأبي القاسم خلف بن القاسم الحافظ] (¬1). و"كشف الغطاء عن سيرة شمس بن عطاء"، يعني قاضي القُضاة شمس الدين الهروي، وما علمتُ تعيينَ مؤلِّفها، لكنَّه متعصِّبٌ مبغضٌ. والشَّيخ الموفَّق عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قُدامة، جمعها الضِّياءُ المقدسي في جزأين، والذهبي أيضًا. وعبد اللَّه ابن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، أفردَ شُيوخَه الحافظُ أبو بكر بن نُقطة في جزءٍ، فَزادت عِدَّتُهم على أربعمائة. وأبو محمد عبد اللَّه بن أبي زيد المالكي صاحبُ "الرسالة"، جمع الجزُولي "مناقبه". وأبو محمد عبد اللَّه بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة، أفردها تلميذُه ابن الحاج. وعبد اللَّه بن المبارك لابن بشكوال. وأبو بكر عبد اللَّه بن محمد بن عُبيد بن أبي الدُّنيا، جمعها أبو موسى المديني. وشيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد اللَّه بن محمد بن علي بن محمد الأنصاري الهروي، جمع "مناقبه" وما يتعلّق بها الحافظُ عبد القادر الرَّهاوي في كتاب "المادح والممدوح"، مجلَّد ضخم. وأبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن هارون الطَّائي، أظنُّها لنفسه. وعبد اللَّه بن وهب، لابن بشكوال. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

والشَّيخ عبد اللَّه المنوفي، المغربي الأصل، المصري، جمعها الشَّيخ خليل المالكي. والشيخ عبد اللَّه اليُوناني الملقب أسدّ الشَّام، أفردها بعضُهم. وعبد اللَّه الأُرموي، جمع "ترجمته" حفيده الشَّيخ علاء الدين. والجلال أبو الفضل عبد الرحمن بن عمر البُلقيني، جمعها أخوهُ القاضي علم الدين صالح البلقيني. وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، جمعها الشِّهابُ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن زيد الدِّمشقي الحنبلي، أحد مَنْ أخذتُ عنه، في جزءٍ سمَّاه "محاسن المساعي في مناقب أبي عمرو الأوزاعي". وعبد الرحمن بن القاسم المصري لابن بشكوال، ومن قبله لمحمد بن الحارث القروي. والشَّيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن الشَّيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة، جمع "سيرته" النَّجم إسماعيل بن الخبَّاز (¬1) في مائة وخمسين جزءًا ست مجلدات كبار، تَعِبَ فيها، ولعلَّ المختصَّ بالمُترجم منها الثُّلث فقط، وباقيها في السِّيرة النَّبوية، لكون الشَّيخ مِنْ أُمَّته، وفي الإمام أحمد وغير ذلك. وأبو المطرِّف عبد الرحمن بن مرزُوق القنازِعي، لابن بشكوال. والجمال عبد الرحيم بن الحسن الأسنائي، جمعها حافظُ الوقت الزين أبو الفضل العراقي. ¬

_ (¬1) هو نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن الخباز، توفي سنة 703 هـ مترجم فى ذيل طبقات الحنابلة 2/ 350، والدرر الكامنة 1/ 362 - 363، والمقصد الأرشد 1/ 255 - 256.

والحافظ المذكور الزين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، جمعها ولدُه أبو زرعة الحافظ. [وعبد الرزاق بن همَّام الصنَّعاني، جمعها ابن بشكوال، ومِنْ قبلِه أحمد بن حنبل] (¬1). والعز عبد العزيز بن عبد السَّلام السُّلمي، جمعها العز عبد العزيز بن أحمد بن عثمان الهكَّاري، والكمال إمام الكاملية، وقُرئت عند ضريحه. وأبو هاشم عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي العبَّاسي، جمعها ولدُ أخيه أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن محمد بن عشائر، وسمعها مِنْ مؤلِّفها الحافظ برهان الدين الحلبي. والشَّيخ عبد العزيز الدِّيريني، أُفْرِدَتْ ترجمتُه فيما قيل، [بل وأشار هو إلى مروياته ومصنفانه في قصيدته التي أولها: إلهي أَعِنْ عبدَ العزيزِ بن أحمدْ ... على الدِّينِ والدنيا وساعده في غَدْ] (¬2) والحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، جمعها الضِّياءُ المقدسي في جزأين، وسبقه إلى جمعها الفقيه مكِّي بن عمر بن نعمة المصري. والشَّيخ عبد القادر الكيلاني، جمعها أبو حفص بن الملقن ملخصًا لها مِنَ "البهجة"، وكذا صاحبُ التَّرجمة، ومن قبله شيخُه المجد الفيروزأبادي صاحبُ "القاموس"، وسماها "روضة الناظر في ترجمة الشَّيخ عبد القادر"، واعتنى بها صاحبنا الشَّيخ الثقة الورعُ القُدوة أبو إسحاق القادري، فأجاد وأفاد. وأبو القاسم عبد الكريم الرافعي، جمعها الصَّلاح العلّائي. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين زيادة مِنْ (ط).

وعبد الملك بن قُرَيْب الأصمعي، جمع أخباره أبو محمد عبد اللَّه بن أحمد بن ربيعة بن زَبْرٍ القاضي. والتاج عبد الوهاب بن أبي القاسم خلف ابن بنت الأعز، جمع سيرته مؤتمن الدين الحارث بن الحسن بن مسكين. وأبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظَّاهري، أفردها بعضُهم. والإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، جمع أبو القاسم بن عساكر كتابًا حافلًا، سمَّاه "تببين كذب المفتري في الذَّب عن (¬1) أبي الحسن الأشعري" شبه التَّرجمة له. والحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر، أفردها ولدُه أبو محمد القاسم. والتَّقي أبو الحسن علي بن عبد الكافي السُّبكي، جمعها ولدُه التَّاج، كما بلغني. وأبو الحسن علي بن أبي القاسم بن غُزِّي بن عبد اللَّه الدِّمياطي، عرف بابن قُفل، جمعها تلميذُه الشَّيخ أبو عبد اللَّه بن النعمان في كتاب سماه "الدر المكنون في كرامات الشَّيخ أبي الحسن المدفون بجهة مكنون". ونور الدين علي بن محمد بن فرحون، والد البرهان إبراهيم صاحبُ طبقات المالكية، أفردها له أخوه بدرُ الدين عبد اللَّه جد شيخنا القاضي بدر الدين عبد اللَّه بن محمد بن عبد اللَّه. وأبو حفص عمر بن رسلان البُلقيني، جمعها ولدُه الجلال أبو الفضل، وقد أخذها ولدُه الثَّاني القاضي علم الدين أبو البقاء صالح، وضمَّ إليها زياداتٍ، فجاءت في مجلد، قرأتُه عليه. والشرف عمر بن الفارض، جمعها سبطُه عليٌّ. ولابن أبي حجلة ¬

_ (¬1) في (ب): "في الرد على. . . "، وهو خطأ.

"الغيث العارض" عارض فيه قصائدَه بقصائدَ مِنْ نظمه، طالعتُه، وفيه فوائدُ مهمَّةٌ. والشَّيخ عمر العُرابي (¬1) نزيل مكة، جمعها ولده الجمال محمد. والشَّيخ عمر النَّبتيتي (¬2)، أفردها ولده. والقاضي عِياض بن موسى اليَحصبي، صاحبُ "الشفا"، أفردها الوادي آشي. وعَمِلْتُ مجلسًا لطيفًا في ختم "الشفا". والفُضيل بن عياض، أفردها [محمد بن أيوب الرِّقِّي و] (¬3) ابن الجوزي. وقاسم بن أصبغ، لمحمد بن مفرِّج القاضي. [وأبو عُبيد القاسم بن سلَّام، جمعها ابنُ بشكوال] (¬4). والعلم أبو محمد [القاسم بن محمد] (¬5) البِرْزَالي، جمعها الذَّهبي. والإمام اللَّيث بن سعد الفهمي، جمعها صاحبُ التَّرجمة (¬6). والصدر محمد بن إبراهيم المناوي، جمعها بعضهم. وأبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السَّكوني، جمع ابن أخيه أبو بكر بن أبي عمر كلامه نظمًا ونثرًا في تأليف. ¬

_ (¬1) هو عمر بن محمد بن مسعود المتوفى سنة 827 هـ مترجم في الضوء اللامع 6/ 131 - 132. وولده محمد مترجم في الضوء اللامع 8/ 263. (¬2) هو عمر بن علي بن غنيم، أبو حفص سراج الدين، المتوفى سنة 867 هـ. ترجمه المصنِّف في الضوء اللامع 6/ 108، وقال في ترجمته: وكرامات طافحة، أفردها ولده محمد في جزء. قلت: وولده محمد ترجمه المصنف أيضًا في الضوء اللامع 8/ 251. (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب، ط). (¬5) ما بين حاصرتين زيادة مِنْ (ط). (¬6) في كتب المرحمة الغيثية في التَّرجمة الليثية. وقد طبع غير مرَّة.

وأبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي، جمعها لنفسه. وكذا جمعها أبو عمرو محمد بن عُثمان بن المرابط، لكنه أساء الأدب فيها بما لا يُقْبَلُ منه، ولذلك قال صاحبُ التَّرجمة: إنه تحامل عليه فيه، وقال في "الدرر" (¬1) إنه أفرط (¬2) فى ذمه، ووصف شيخُنا ابنَ المرابط بكثرةِ التَّخبيط، وقال: كأنه ما كان يفهم. وأبو المظفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق الأبيُوردي، أفردها السِّلَفي الحافظ. وأبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أحمد بن الحاج، جمع ولدُه "مناقبه" في جزء. وأبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة، أخو الموفَّق عبد اللَّه الماضي، جمعها الضِّياء المقدسي أيضًا. ومحمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد العز بن جماعة، له كراسة سماها "ضوء الشمس في أحوال النفس"، ذكر فيها ترجمة نفسه. وأبو الظّاهر محمد بن الحسين بن عبد الرحمن الأنصاري المحلِّي، أفرد "مناقبه" الكمال أحمد بن عيسى بن رضوان القليوبي العسقلاني في كتاب "العلم الظاهر مِنْ مناقب الفقيه أبي الظَّاهر". وأبو عبد اللَّه محمد بن خفيف، أفردها بعضهم. ومحمد بن صالح بن موسى الدَّمراوي، أفردها بعضُ الفُضلاء ممن كتب عنه مِنْ نظمه، وهو المحب أبو الطيب محمد بن علي بن أحمد بن هبة اللَّه المحلي، عرف بابن حُميد. والشرف أبو المكارم محمد بن عبد اللَّه بن الحسن بن عون الدولة ¬

_ (¬1) 4/ 45. (¬2) في الأصول "أفرد"، والتصويب مِنْ "الدرر".

الصفراوي، جمع له أبو الغيث منهال بن عز القضاة محمد بن منصور بن منهال سيرة في مجلد. وجامعه أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي، جمعها لنفسه إجابةً لمن سأله فيها (¬1). ومحمد بن عبد العزيز بن سعادة الشَّاطبي، جمع ترجمتَه تلميذُه أبو عبد اللَّه محمد بن سُليمان بن محمد بن سليمان الشاطبي وسماه "الزهر المُضي في مناقب الشاطبي". والكمال محمد بن عبد الواحد بن الهُمام الحنفي، [جمعها جامعه] (¬2). والتقي أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن دقيق العيد، أفردها بعضهم في مجلد ضخم. والملقب (1) محيي الدين أبو عبد اللَّه محمد بن علي بن العربي، جمعها التَّقيُّ الفاسي للتحذير منه، والعلاء البخاريّ، والعلامةُ الكمال إمام الكاملية، وبرهانُ الدِّين البقاعي، وجامِعُه وهو حافلٌ لا مَزِيدَ إن شاء اللَّه عليه. وأبو عبد اللَّه محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن رُشيد الفِهْري السَّبتي، لأبي عمرو بن المُرابط. وأبو عبد اللَّه محمد بن كرَّام، المنسوب إليه الفِرْقَةُ الكرَّامية، جمع "مناقبه" -زعم- محمد بن الهيصم. والشمس محمد بن محمد بن الخضر العيزري الدِّمشقي، جمعها لنفسه. وحجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، جمعها القطبُ أبو طالب عقيل بن سريجا الحنفي، وأخذها عنه البرهانُ الحلبي. ¬

_ (¬1) وهي المسماة "إرشاد الغاوي بل إسعاد السامع والراوي في ترجمة السخاوي". وعندي منها نسختان خطبتان. أسأل افى الإعانة على تحقيقها. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

ومحمد بن موسى بن عبد العزيز المصري الملقب سيبويه، جمع "نوادره" ابن زُولاق. وأبو عبد اللَّه محمد بن موسى بن النُّعمان النُّعماني المصري المالكي، أفرد "ترجمته" النَّجمُ أبو بكر محمد بن عبد الحميد بن عبد اللَّه القُرَشي المصري ثم المكِّي المالكي في مجلد سماه "المواهب الرحمانية في المناقب النعمانية"، وقال: إنه أفردها مِنْ قبله المحدِّثُ أبو حفص عمر بن أَيّوب بن عمر الحنفي، عرف بابن طغريل السَّياف. قلت: وسمَّاها "تحفة الإخوان". وكذا لأبي بكر عبد اللَّه بن أبي البركات الأكرم "الترجمان عن نَقَلَة ابن النعمان". [ومحمد بن وضَّاح، جمع "أخباره وشيوخه" الذين لقيهم محمد بن مفرِّج القاضي. وأبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسى، أفردها البدر حسن بن محمد بن صالح البالسي الحنبلي، وسمَّاها "زهر البستان في ترجمة الأستاذ أبي حيان"] (¬1). ومعروف الكرخي، أفرد ابنُ الجوزي "أخباره" في جزأين. والحافظ العلامة مغلطاي البكجري الحنفي، جمعها الزَّين العراقي. [ومنذر بن سعيد القاضي، لأبي عمر بن عبد البر] (¬2). وأبو الفتح نصر بن فتيان بن المنِّي الحنبلي، جمع له أبو محمد عبد الرحمن بن عيسى البُزُوري الواعظ "سيرة" طويلة. والسَّيدة نفيسة، جمع الشريف محمد بن سعد بن علي الجواني أخبارها في كتاب سماه "الزَّوْرَة الأنيسة في فضل السَّيدة نفيسة". وأبو عُبادة الوليد بن عُبيد البُحتري الشاعر المشهور، جمع "أخباره" أحمد بن فارس الأديب المنبجي. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

والمحيي أبو زكريا يحيى بن شرف النّووي، جمعها تلميذه العلاء أبو الحسن بن انعطار في كرَّاسة، ورأيت في كلام الذَّهبي في "سير النُّبلاء" أنها في ستَّة كرارشه، ويمكن أن يكون استوفى فيها المراثي، وكذا أفرد "ترجمته" محمد بن الحسن (¬1) اللخمي، وهو مِنْ تلامذته أيضًا، والكمالُ إمام الكاملية، وقد قُرِئَتْ عند ضريحة بنوى. وكاتبُه، وهو أجمعُها، وقُرِئَت عند ضريحه أيضًا. [وأبو بكر يحيى بن مجاهد الألبيري، ليونس بن مغيث] (¬2). والوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هُبيرة الحنبلي صاحبُ "الإجماع" وغيرِه، جُمِعَتْ "سيرته" في مجلد. [ويحيى بن مَعين، ويزيد بن هارون، أفرد "مناقب" كلٍّ منهما ابنُ بشكوال] (¬3). والحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزَّكِيِّ عبد الرحمن المزِّيّ، جمع الحافظ العلائي جزءًا سمَّاه "سلوان التَّعَزِّي عَنِ الحافظ المزي". والشَّيخ يوسف الصَّفِّي، اعتنى بجميع أحواله وكراماته ولدُه. كما أنَّ ولد الشَّيخ عمر النبتيتي اعتنى بجمع أحوال والدِه كما سلف. وأبو إسحاق بن شهريار، جمع ابن الجزري "فضائله". [وأبو إسحاق الجبيباتي، لأبي القاسم اللَّبيدي] (¬4). والشَّيخ أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام بن منصور بن معلَّى البالسي، جمع له حفيدُه أبو عبد اللَّه محمد بن عمر "سيرة" في ثلاث كراريس. ¬

_ (¬1) في (ب، ط): "الحسين"، تحريف. وهو تقي الدين محمد بن الحسن بن عيسى اللخمي الصيرفي، المتوفى سنة 728 هـ انظر ترجمته في الدرر الكامنة 3/ 423. (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬4) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

وأبو الحسن الشاذلي، وتلميذُه أبو العباس المُرسي، جمعها تلميذ ثانيهما التَّاج ابن عطاء في "لطائف المنن". وأبو الحسن القابِسي المالكي، جمعها تلميذُه أبو عبد اللَّه المالكي. وأبو الحسن القزويني البغدادي، جمعها أبو نصر هبة اللَّه بن علي بن المجلي. وأبو الحسين بن أبي عبد اللَّه بن حمزة المقدسي الصُّوفي، جمع الضياءُ المقدسي الحافظ "جزءًا في أخباره". والقاضي أبو الطاهر الذُّهلي، جمع عبد الغني بن سعيد "أخباره". وأبو الطيب المتنبي، جمع أبو الحسن محمد بن أحمد المعري "الانتصار المُنبي عن فضائل المتنبي". وكذا [جمع "سيرته" العز خِسرو بن أحمد بن زَفر الإربلي الحكيم] (¬1). وكذا عمل الصَّاحب أبو القاسم إسماعيل بن عبَّاد "الكشف عن مساوىء المتنبي" في تصنيف. وأبو العتاهية الآمدي. [وأبو علي البغدادي، لأبي الوليد بن الفرضي] (¬2). وأبو علي الرُّوذباري، لبعضهم. [وأبو العيناء الضّرير، لبعضهم] (¬3). وأفرد بعضُهم "سيرة" لأبي القاسم الكباري. وأبو محرز مِنَ المالكية، جمع "مناقبه" أبو عبد اللَّه المالكي. وأبو نواس جمع "أخباره" أبو عبد اللَّه المرزُبان، وكذا أبو العباس بن شاهين. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬2) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب). (¬3) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

[وأبو وهب الزَّاهد، لابن بشكوال] (¬1). والإمام فخر الدين الرَّازي، أفردها بعضُهم. ولبعضهم "صبح الهمم قاطبة المسفر عن فضائل فخر شاطبة"، محمد بن سليمان بن عبد الملك الشاطبي مؤلف "زهر العريش في تحريم الحشيش". وابن حجاج الشاعر، جمعها بعضُهم. وجمع أبو الفرج الأصفهاني صاحبُ "الأغاني" "أخبار جحظة". وهذا باب لا يمكن حصرُه، ولكن فيما أوردتُه كفايةٌ. وهذه الخاتمة ما علمتُ مَنْ سبقني إليها. نعم، وقفتُ بعد مدَّةٍ في "مناقب ابن النعمان" لابن عبد الحميد على الإشارةِ إلى أنَّه لو تُتُبِّعَ فكرُ مَنْ جَمعَ كراماتِ شيخِه وإمامه، لعجَز عن حصرِ ذلك بتمامه، وهو كذلك كما قدَّمتُه. واللَّه أسالُ أن يغفر ذنوبنا، ويسترَ عيُوبنا، ويعيننا على القيام بما لصاحبِ التَّرجمة علينا مِنَ الحقوق، فقد روينا عن عفَّانِ بن مسلم، سمعت شُعبةَ يقول: مَنْ كتبتُ عنه أربعة اْحالمحيث أو خمسة، فأنا عبدُه حتى أموت. وذكر القاضي عياض في ترجمة أبي عمر بن المكوي مِنَ "المدارك" أنَّه كان في حياته كثيرَ المحبَّةِ لسعيدِ بنِ المسيَّبِ والتنقيب عن أخبره، فلما احتُضِرَ، قال ابنُ أخيه: رأيناه يتبسَّمُ ويشير بإصبعه، ويقول: انزل يا سيدي إليَّ الساعة أقوم معك، فسُئِلَ، فقال: لهذا سعيد بن المسيب جاءني، وخرجت روحُه. ختم اللَّه أعمالنا بالصالحات بمنه وكرمه. ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في (ب).

آخر الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر

آخر الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر على يد مؤلِّفه محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشَّافعي غفر اللَّه له ولوالديه وللمسلمين. وكان الفراغ مِنْ تحريره في أواخر صفر سنة إحدى وسبعين وثمانمائة بمكة المشرفة، نفع اللَّه بها جامعها وكاتبها والنَّاظرَ فيها وجميعَ المسلمين، وصلى اللَّه على سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا. هذا لفظه بحروفه والحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. [وافق الفراغ مِنْ كتابتها في يوم الثلاثاء رابع عشرين شهر شعبان سنة خمس وتسعين وثمانمائة، على يد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن علي بن إبراهيم بن حسين الفيروزبادي المكي الحنفي غفر اللَّه له ولوالديه آمين] (¬1). ¬

_ (¬1) ما بين حاصرتين نهاية النسخة (أ). وجاء في آخر النسخة (ب) ما نصه: آخر الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر. قال مؤلفه فسح اللَّه في مدته ومن خطه نقلت: وكان الفراغ مِنْ تحريره. . . "ثم ذكر مثل ما في النسخة (أ) ". وجاء في نهاية النسخة (ط) ما نصه: آخر الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، نفعنا اللَّه ببركته وبركة علومه في الدنيا والآخرة يا رب العالمين، آمين آمين وكان الفراغ مِنْ تعليقه في يوم السبت المبارك مِنْ الشهر المبارك مِنْ السنة المباركة شهر صفر الخبر سنة ست وثمانين وثمانمائة. ويقول محقق هذا الكتاب أبو مالك إبراهيم باجس عبد المجيد غفر اللَّه له ولوالديه: كان الفراغ مِنْ تحقيقه عند غروب يوم الأحد الحادي عشر مِنْ شوال مِنْ عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف مِنْ هجرة خير الخلق نبينا محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم. ثم كان الفراغ مِنْ تصحيحه عبد منتصف ليلة الإثنين الثامن عشر مِنْ ربيع الآخر مِنْ عام تسعة عشر وأربعمائة وألف للهجرة. وأسأل اللَّه أن ينفعني والمسلمين بهذا الكتاب، وأن يجعل عملي فيه خالصًا لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس المصادر والمراجع الواردة في الكتاب

فهرس المصادر والمراجع الواردة في الكتاب 1 - ابن حجر العسقلاني، مصنفاته ودراسة منهجه وموارده في كتابه الإصابة، شاكر محمود عبد المنعم، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1417. 2 - إتحاف الورى بأخبار أم القرى، ابن فهد المكي، تحقيق فهيم شلتوت، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1413. 3 - الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد إبراهبم حفيظ اللَّه، الدَّار السلفية، بومباي، الهند، 1410. 4 - الأجوبة الواردة عن الأسئلة الوافدة، لابن حجر العسقلاني، تصحيح عمرو علي عمر، دار الثقافة العربية، بيروت، 1415. 5 - إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، عبد الباقي بن عبد المجيد اليماني، تحقيق عبد المجيد دياب، مركز الملك فيصل، الرياض، 1416. 6 - الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت. 7 - الاعتبار، أسامة بن منقذ، تحقيق قاسم السامرائي، دار الأصالة، الرياض، 1407 هـ. 8 - إنباء الغمر بأبناء العمر، ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406. 9 - بدائع الزهور في وقائع الدهور، لابن إياس، تحقيق محمد مصطفى، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. 10 - البداية والنهاية، لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، 1411. 11 - البدر الطالع بمحاسن مِنْ بعد القرن السابع، محمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة، بيروت.

12 - تاج التراجم، لابن قطلوبغا، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار القلم، دمشق، 1413. 13 - تاج العروس، للزبيدي. 14 - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، بيروت. 15 - تبصير المنتبه بتحرير المنتبه، لابن حجر العسقلاني، تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد علي النجلى، دار الأندلس، جدة. 16 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، لأبي الحجاج المزي، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، المكتب الإسلامي، بيروت، والدار القيمة، الهند، 1403. 17 - الترغيب والترهيب، للمنذري، تحقيق محمد مصطفى عمارة، المكتبة العصارية، صيدا، بيروت. 18 - تغليق التعليق، لابن حجر العسقلاني، تحقيق سعيد عبد الرحمن القزقي، المكتب الإسلامي، بيروت، ودار عمار، عمان، 1405. 19 - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، دار عالم الكتب، الرياض، 1416. 20 - التلخيص الحبير، لابن حجر العسقلاني. 21 - تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني. 22 - جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1411. 23 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 24 - ديوان الحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق صبحي رشاد عبد الكريم، دار الصحابة للتراث، طنطا، 1410. 25 - ذيل الدرر الكامنة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق عدنان درويش، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1412. 26 - سير أعلام النبلاء، للذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409. 27 - شذرات الذهب في أخبار مِنْ ذهب، لابن العماد الحنبلي، دار الآفاق الجديدة، بيروت. 28 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي، دار مكتبة الحياة بيروت. 29 - طبقات الشافعية الكبري، للسبكي. 30 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، دار المعرفة، بيروت.

31 - الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، لنجم الدين الغزي، تحقيق جبرائيل سليمان جبور، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1979 م. 32 - لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، حيدر آباد، 1329. 33 - المجمع المؤسس للمعجم المفهرس، لابن حجر العسقلاني، تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، 1413. 34 - معالم التنزيل، للبغوي، تحقيق محمد عبد اللَّه النمر وآخرين، دار طيبة، الرياض، 1414. 35 - المنجم في المعجم، لجلال الدين السيوطي، تحقيق إبراهيم باجس عبد المجيد، دار ابن حزم، بيروت، 1415 هـ. 36 - معجم الشيوخ، عمر بن محمد بن فهد، تحقيق محمد الزاهي، دار اليمامة، الرياض. 37 - معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 38 - المقاصد الحسنة، للسخاوي. 39 - معيد النعم ومبيد النقم، للسبكي، تحقيق محمد علي النجار وآخرين، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1414. 40 - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، برهان الدين بن مفلح، تحقيق عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الرشد، الرياض، 1410. 41 - النجوم الزاهرة في تاريخ مصر والقاهرة، يوسف بن تغري بردي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة. 42 - النجوم الزواهر في معرفة الأواخر، لأحمد بن خليل بن اللبودي، تحقيق مأمون الصاغرجي ومحمد أديب الجادر، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1415. 43 - نظم العقيان في أعيان الأعيان، للسيوطي، حرره فليب حتي، المطبعة السورية الأمريكية، نيويورك، 1927 م. 44 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت.

§1/1