الجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج للقراءات
عبد البديع النيرباني
المقدمة
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. - وبعد، فإن للقراءات القرآنية شأنا في علوم العربية، فقد أثمرت تراثا غنيا، تأتي في مقدمته كتب الاحتجاج، وهي تعنى ببيان وجه كل قارئ فيما اختاره من قراءة، وأكثر هذه الوجوه لغوية، فكانت مجلى نظرات بارعة في درس العربية من جوانبها كافة: الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية. على أن اختلاف القراءات القرآنية، وهو أدائي في غالب الأمر «1»، جعل للجوانب الصوتية الكفّة الراجحة في تلك الكتب. - ويأتي هذا البحث ليسهم مع بحوث أخرى قدّمت في التأريخ للدراسات الصوتية في تراثنا العربي، فقد تعددت فيه ضروب الكتب التي عنيت بالجوانب الصوتية، من مثل كتب: النحو، والصرف، واللغة، والبلاغة، والقراءات، والتجويد، والطب، والموسيقا. وتتبوّأ كتب الاحتجاج منزلة سامقة بين هذه الضروب، ولها طابع فريد يجعل منها اتجاها واضح المعالم والقسمات. فحقّ لها أن تحظى- كما حظي قرناؤها من قبل- بدراسة تستخرج ما حفلت به، وتعيد فيه النظر على ضوء ما جدّ من علم الأصوات، وهي الغاية التي يصدر عنها هذا البحث.
- وكنت وقفت على أحد عشر كتابا في الاحتجاج للقراءات، تخذتها مصادري في هذا البحث، وهي: 1 - (معاني القراءات) لأبي منصور الأزهري (ت 370 هـ). 2 - (إعراب القراءات السبع وعللها) لابن خالويه (ت 370 هـ). 3 - (الحجة في القراءات السبع) له أيضا. 4 - (الحجة للقراء السبعة) لأبي علي الفارسي (ت 377 هـ). 5 - (المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها) لابن جني (ت 392 هـ). 6 - (حجة القراءات) لابن زنجلة (ت نحو 403 هـ). 7 - (الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها) لمكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 هـ). 8 - (شرح الهداية) لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت نحو 440 هـ). 9 - (مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني) لأبي العلاء الكرماني (ت بعد 563 هـ). 10 - (الموضح في وجوه القراءات وعللها) لنصر بن علي الشيرازي، المعروف بابن أبي مريم (ت بعد 565 هـ). 11 - (إعراب القراءات الشواذ) لأبي البقاء العكبري (ت 616 هـ). - وقد جاء البحث في تمهيد وثلاثة فصول، فضلا عن المقدمة والخاتمة، مشفوعا بثلاثة ملحقات: عقدت التمهيد للاحتجاج للقراءات القرآنية، فذكرت معنى (الاحتجاج) لغة واصطلاحا، وعرضت تسميات أخرى لهذا الفن، وتقريت دوافع التأليف
فيه، وتتبعت تاريخه، وسقت طرفا من أشهر كتبه، وفصّلت في أنماطها، وتقصيت أنواع الاحتجاج فيها. وعقدت الفصل الأول للجوانب النطقية، وهي النظر إلى الأصوات في الإفراد، فتحدثت عن الحروف عدّتها وأنواعها، وألممت بأعضاء النطق، وحددت مخارج الحروف، وأشرت إلى ألقاب الحروف ونسبتها إلى مخارجها، وأفضت في صفات الحروف، وانتظمت في زمرتين: الأولى- صفات متضادة، وهي: الهمس والجهر، والشدة والرخاوة، والإطباق والانفتاح، والاستعلاء والاستفال، والذلاقة والإصمات. والأخرى- صفات مفردة، وهي: القلقلة، والصفير، والتفشي، والانحراف، والغنة، والتكرير، والهتّ، والخفاء، والهوي. وتكلمت على القوة والضعف في الصفات، وأوضحت العلاقة الكمية بين حروف المدّ والحركات، وبينت مكان الحركات من الحروف، وبحثت دلالة الأصوات. وكان الفصلان الثاني والثالث للجوانب التشكيلية، وهي النظر إلى الأصوات في التركيب. عقدت الفصل الثاني لأشكال التغيرات الصوتية، وجعلته في مبحثين: وقفت المبحث الأول على التغيرات الصوتية في الصوامت، وهي ضربان: تغيرات عامة، ودرست فيه: الإدغام، والإبدال، والقلب المكاني، والحذف. وتغيرات خاصة، ودرست فيه: الهمزة، والتاءات، والراءات، واللامات، والنون الساكنة والتنوين. ووقفت المبحث الثاني على التغيرات الصوتية في الصوائت، عكفت فيه على دراسة نوع الصوائت، ومدّها، وإضافتها، وحذفها، وقلبها.
وعقدت الفصل الثالث للقوانين الصوتية، فوطأت له بالحديث عن (الأصل)، الذي جاءت تلك القوانين تفسّر ما خرج عنه، ثم تناولت ما وقفت عليه منها، وهي: المماثلة، والمخالفة، والسهولة والتخفيف، وكثرة الاستعمال، وأمن اللبس، وطرد الباب، والتعويض، وضعف الطرف. وعقدت الخاتمة للتقويم والنقد، فرسمت الخطوط العامة للجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج للقراءات: في المناهج، والمصادر، والسمات. وأوردت في الملحق الأول أسماء القراء العشرة ورواتهم متبوعة بسني وفياتهم. وترجمت في الملحق الثاني لأصحاب كتب الاحتجاج للقراءات. وناقشت في الملحق الثالث الجهر والهمس في أصوات العربية. - وأوليت النصوص في هذا البحث فضل عناية بتحقيقها والعودة بالأقوال والمذاهب إلى مظانّها من كتب المتقدمين، على أني أعتذر عما وقع في بعضها من طول أو تكرار لغايات لا تخفى على الناظر. واعتمدت في القراءات المتواترة على كتاب (النشر في القراءات العشر) لابن الجزري (ت 833 هـ) خاتمة المحققين من القراء، غير أني أغفلت الإحالة عليه لئلا أثقل الحواشي، واكتفاء بنسبة القراءة إلى أصحابها. - ورجعت إلى طائفة من الكتب الحديثة: العربية والمترجمة، وكان من أبعدها أثرا في نفسي (الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) للدكتور غانم قدوري الحمد، فقد أفدت منه مرتين: الأولى: حينما أوحى إليّ بإنشاء نحو من دراسته في كتب الاحتجاج للقراءات. والأخرى: بكثرة المواضع التي عدت فيها إليه.
- وبعد فهذا جهد المقلّ، إن فاته التوفيق في العمل، لم يفته صدق النية فيه. - وفي الختام أتوجه بوافر الشكر وخالصه إلى السادة: الأستاذ الدكتور مصطفى جطل الذي كان معي في هذا البحث خطوة بخطوة منذ تولّى الإشراف عليه حتى استوى في صورته التي هو عليها الآن، أفزع إليه كلما ضاقت بي السّبل، فأجدها بعد إرشاده لا حبة سهلا حزنها. والأستاذ الدكتور صلاح كزارة، الذي كان للبحث نصيب من إشرافه في مرحلة منه، وبقي يغمر صاحبه بفيض رعايته. والأستاذ الدكتور أحمد قدور، الذي أورثتني التلمذة له شغفا بهذا الجانب من البحث اللغوي. والمقرئ محمد حمزة عطار الجامع للقراءات العشر، الذي ما فتئ يتحفني بنفائس مكتبته العامرة بكتب القراءات. وإلى الله القصد، وهو الهادي إلى سواء الصراط. حلب في 16/ 4/ 1426 هـ 25/ 5/ 2005 م عبد البديع النيرباني ******
- اختصارات-- (معاني القراءات للأزهري): المعاني. - (إعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه): إعراب السبع. - (الحجة في القراءات السبع لابن خالويه): الحجة (خ). - (الحجة للقراء لأبي السبعة لأبي علي): الحجة (ع). - (المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جني): المحتسب. - (حجة القراءات لابن زنجلة): الحجة (ز). - (الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها لمكي): الكشف. - (شرح الهداية للمهدوي): الهداية. - (مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الكرماني): المفاتيح. - (الموضح في وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم): الموضح. - (إعراب القراءات الشواذ لأبي البقاء العكبري): إعراب الشواذ.
التمهيد الاحتجاج للقراءات القرآنية
التمهيد الاحتجاج للقراءات القرآنية 1 - معنى الاحتجاج. 2 - تسميات أخرى. 3 - دوافع التأليف في الاحتجاج. 4 - تاريخ التأليف في الاحتجاج. 5 - من كتب الاحتجاج. 6 - أنماط كتب الاحتجاج. 7 - أنواع الاحتجاج.
1 - معنى الاحتجاج:
الاحتجاج للقراءات القرآنية 1 - معنى الاحتجاج: - جاء في اللسان: «الحجّة: البرهان، وقيل: الحجة: ما دوفع به الخصم، وقال الأزهري: الحجة: الوجه الذي يكون به الظّفر عند الخصومة.» «1» وفي التعريفات للشريف الجرجاني (ت 816 هـ): «الحجة: ما دلّ به على صحة الدعوى.» «2» وعلى هذا فالاحتجاج هو: إقامة الحجة «3». - وأما ما يستخلص من كتب الاحتجاج من معناه فهو أنه: بيان وجه كل قارئ فيما اختاره من قراءة. وأكثر هذه الوجوه لغوية، ومنها ما ليس كذلك، مما سيأتي الحديث عنه في (أنواع الاحتجاج) «4». - وسمّي هذا الضرب من التأليف احتجاجا، لأن أكثر من ألّف فيه كان يفتتح بيان وجوه القراء بقوله: (وحجّة من قرأ بكذا .... ). 2 - تسميات أخرى: - عرفت كتب الاحتجاج تسميات أخرى، نحو:
3 - دوافع التأليف في الاحتجاج:
(وجوه القراءات) و (علل القراءات) و (معاني القراءات) و (إعراب القراءات) و (توجيه القراءات) «1». 3 - دوافع التأليف في الاحتجاج: - يكاد الباحثون يتفقون على أن دوافع التأليف في الاحتجاج أمران: آ- توضيح الأركان الثلاثة للقراءة الصحيحة: - صحة السند. - موافقة العربية ولو بوجه. - موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا. ب- الدفاع عن القراءات، ولا سيما المتواترة، ضد من توهّم أن فيها لحنا «2». - وفي كليهما نظر: أما الأول فإن كتب الاحتجاج لم تعن بنقد أسانيد القراءات التي تعرض لها، وهي حينما تحتج برسم المصحف لا تفعل ذلك لتوضيح موافقة القراءات لمرسوم الخط، بل لترجّح قراءة على أخرى «3». وأما الآخر فهو لا يفسر سوى الاحتجاج لمشكل القراءات، مما تكلم فيه بعض اللغويين وغيرهم، وهو نزر إذا قيس بما وراءه، مما لم يختلف على صحته لفظا ومعنى «4».
على أن ممن ألف في الاحتجاج من ضعّف وردّأ وخطّأ ولحّن ووهّم وردّ بعض القراءات المتواترة، وكان أجرأهم على هذا أبو منصور الأزهري «1». فكيف يقال عن هؤلاء: إن دافعهم للتأليف في الاحتجاج للقراءات هو الدفاع عنها؟ - وكل ما في الأمر أن كتب القراءات لما كانت كتب رواية يراعى فيها الاختصار تمكينا للطلبة من حفظها، كان أكثرها يخلو من المعاني والعلل. فجاءت كتب الاحتجاج، وهي كتب دراية، تشرح ما اختصر فيها. قال مكي في مقدمة كتابه (الكشف): «كنت قد ألفت بالمشرق كتابا مختصرا في القراءات السبع ... وسميته (كتاب التبصرة)، وهو فيما اختلف فيه القراء السبعة المشهورون، وأضربت فيه عن الحجج والعلل ومقاييس النحو في القراءات واللغات، طلبا للتسهيل وحرصا على التخفيف؛ وو عدت في صدره أني سأؤلف كتابا في علل القراءات التي ذكرتها في ذلك الكتاب (كتاب التبصرة)، أذكر فيه حجج القراءات ووجوهها، وأسميه (كتاب الكشف عن وجوه القراءات) ... » «2» ثم قال موازنا بين الكتابين: «فهذا الكتاب كتاب فهم وعلم ودراية، والكتاب الأول كتاب نقل ورواية.» «3» - ومما يشهد أن الدافع للتأليف في الاحتجاج إنما كان شرح كتب القراءات لما انطوت عليه من إيجاز، أن أكثر كتب الاحتجاج بني على كتاب في القراءات جعل متنا له: ف (معاني القراءات) للأزهري، و (إعراب السبع) و (الحجة) لابن خالويه،
4 - تاريخ التأليف في الاحتجاج:
و (الحجة) لأبي علي: وضعت على (كتاب السبعة في القراءات) لابن مجاهد «1». و (الكشف) لمكي وضع على (التبصرة) له «2». و (شرح الهداية) للمهدوي وضع على (الهداية) له «3». و (الموضح) لابن أبي مريم وضع على (تبصرة البيان في القراءات الثمان) لأبي الحسن علي بن جعفر السعيدي الرازي «4» «5». - وهذا مما يفسّر تكاثر كتب الاحتجاج بعد تأليف ابن مجاهد كتابه، قال محققو كتاب المحتسب: «فكأنما كان تأليف القراء الكتب في جمع القراءات ونسبتها والبحث عن إسنادها داعيا لعلماء اللغة أن يؤلفوا الكتب في الاحتجاج لها، فقد مهدت أمامهم السبيل، ومدت لهم الأسباب، فكان جمع القراءات الخطوة الأولى والاحتجاج لها الخطوة التالية.» «6» 4 - تاريخ التأليف في الاحتجاج: - ارتقى التأليف في الاحتجاج للقراءات من نظرات متناثرة رويت لنا عن بعض الصحابة وأئمة القراء إلى وضع مؤلفات استوعبت القراءات أجمع.
- وأكثر الصحابة ممن روي عنهم هذا الضرب من النظر: ابن عباس (ت 68 هـ)، ومنه قوله تعالى: قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة 259]، قال ابن زنجلة: «قرأ حمزة والكسائي: (قال اعلم أن الله على كل شيء قدير) جزما على الأمر من الله، وحجتهما قراءة ابن مسعود: (قيل اعلم أن الله على كل شيء قدير). وكان ابن عباس يقرؤها أيضا: (قال اعلم) ويقول: أهو خير أم إبراهيم إذ قيل له: وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة 260]؟» «1» ومنه قوله تعالى: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة 285]، قرأ حمزة والكسائي وخلف: (وكتابه) بالإفراد، وقرأ الباقون: (وكتبه) بالجمع، «قال أبو منصور: عن ابن عباس أنه قرأ: (كتابه)، وقيل له في قراءته فقال: (كتاب) أكثر من (كتب). قال أبو منصور: ذهب به إلى الجنس، كما يقال: كثر الدرهم والدينار في أيدي الناس. ومن قرأ: (وكتبه) فهو مثل: حمار وحمر، وغلاف وغلف.» «2» ومنه قوله تعالى: قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ [الإسراء 102]، قرأ الكسائي: (لقد علمت) بالضم، وقرأ الباقون: (لقد علمت) بالفتح، قال ابن خالويه: «وبلغ ابن عباس وابن مسعود أن عليا قرأ: (لقد علمت) فقالا: (لقد علمت) بالفتح، لأن الله تعالى قال: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً [النمل 14].» «3» «4»
- وأكثر أئمة القراء ممن روي عنه هذا الضرب من النظر: أبو عمرو بن العلاء (ت 154 هـ)، ومنه قوله تعالى: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ [آل عمران 15]، قال ابن زنجلة: «ذكر أبو بكر بن مجاهد في كتابه عن أبي عبد الرحمن اليزيدي عن أبيه قال: لقيني الخليل بن أحمد في حياة أبي عمرو، قال لي: لم قرأ: آؤلقي الذّكر [القمر 25] وآؤنزل [ص 8]، ولم يقرأ: (آؤنبئكم)؟ قال: فلم أدر ما أقول له، فرحت إلى أبي عمرو فذكرت له ما قال الخليل، فقال: فإذا لقيته فأخبره أن هذا من (نبّأت) وليس من (أنبأت)، قال: فلقيته فأخبرته بقول أبي عمرو فسكت.» «1» ومنه قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا [نوح 25]، قرأ أبو عمرو: (خطاياهم)، وقرأ الباقون: (خطيئاتهم)، قال ابن خالويه: «فأما قراءة أبي عمرو فإن ابن مجاهد حدثني عن ابن عياش عن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: قال أبو عمرو: إن قوما كفروا ألف سنة: كانت لهم خطيئات؟ لا بل خطايا! يذهب أبو عمرو إلى أن التاء والألف للجمع القليل، وهو جمع السلامة في المؤنث، و (خطايا) جمع التكسير، وهو الكثير «2» ... » «3» «4» ومنه قوله تعالى: فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ [المرسلات 23]، قرأ نافع
5 - من كتب الاحتجاج:
والكسائي وأبو جعفر: (فقدّرنا) بالتشديد، وقرأ الباقون: (فقدرنا) بالتخفيف، قال ابن زنجلة: «وقيل للكسائي: لم اخترت التشديد واسم الفاعل ليس مبنيا على هذا الفعل؟ فقال: هذا بمنزلة قوله: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ [الطارق 17]، ثم قال: أَمْهِلْهُمْ ولم يقل: (مهّلهم)، فجمع بين اللغتين. ومثله: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً [المائدة 115] ولم يقل: (تعذيبا).» «1» «2» 5 - من كتب الاحتجاج: - تتبع بعض الباحثين ما ألّف في الاحتجاج للقراءات، فأحصوا بضعة وسبعين كتابا «3»، على ندرة المطبوع منها، وأشهرها: 1 - كتاب في (وجوه القراءات) لهارون بن موسى الأعور (ت 170 هـ)، قال أبو حاتم السجستاني: «كان أول من سمع بالبصرة وجوه القراءات وألفها، وتتبع الشاذ منها فبحث عن إسناده: هارون بن موسى الأعور.» «4»
2 - (القراءات) لأبي عبيد القاسم بن سلّام (ت 224 هـ)، جمع فيه قراءات خمسة وعشرين قارئا مع الأئمة السبعة «1»، بعللها «2». 3 - (وجوه القراءات) لابن قتيبة (ت 276 هـ) «3». 4 - (احتجاج القرّاء) لأبي العباس محمد بن يزيد المبرّد (ت 285 هـ) «4». 5 - (قراءة ابن عامر بالعلل) لهارون بن موسى الأخفش (ت 292 هـ) «5». 6 - (الفصل بين القراءة) لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) «6». 7 - (احتجاج القرّاء في القراءة) لأبي بكر بن السرّاج (ت 316 هـ) «7». 8 - (الاحتجاج للقرّاء) لابن درستويه (ت 347 هـ) «8». 9 - (معاني القراءات) لأبي منصور الأزهري (ت 370 هـ). 10 - (إعراب القراءات السبع وعللها) لابن خالويه (ت 370 هـ).
11 - (الحجة في القراءات السبع) له أيضا «1». 12 - (الحجة للقراء السبعة) لأبي علي الفارسي (ت 377 هـ). 13 - (المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها) لابن جني (ت 392 هـ). 14 - (حجة القراءات) لابن زنجلة (ت نحو 403 هـ). 15 - (الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها) لمكي ابن أبي طالب القيسي (ت 437 هـ). 16 - (شرح الهداية) لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت نحو 440 هـ). 17 - (الموضح لمذاهب القراء واختلافهم في الفتح والإمالة) لأبي عمرو الداني (ت 444 هـ) «2». 18 - (الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو بن العلاء، والحجة لكل واحد منهما) لأبي عمر يوسف بن عبد البرّ النّمري (ت 463 هـ) «3». 19 - (احتجاج القرّاء في القراءة) للراغب الأصفهاني (ت 502 هـ) «4». 20 - (تعليل القراءات العشر) لمحمد بن سليمان المالقي (ت 525 هـ) «5». 21 - (الجمع والتوجيه لما انفرد به الإمام يعقوب بن إسحاق الحضرمي)
لأبي حسن شريح بن محمد الرّعيني (ت 539 هـ) «1». 22 - (مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني) لأبي العلاء الكرماني (ت بعد 563 هـ). 23 - (الموضح في وجوه القراءات وعللها) لنصر بن علي الشيرازي، المعروف بابن أبي مريم (ت بعد 565 هـ). 24 - (المنتقى في شواذ القراء) له أيضا «2». 25 - (إعراب القراءات الشواذ) لأبي البقاء العكبري (ت 616 هـ). - على أن كتبا أخرى كان لها حظ في الاحتجاج للقراءات، دون أن تكون أفردت له، منها بعض كتب العربية، وكتب معاني القرآن وإعرابه، وكتب التفسير، وكتب القراءات. فمن كتب العربية: الكتاب لسيبويه «3» (ت 180 هـ)، والأصول في النحو لأبي بكر بن السراج «4» (ت 316 هـ)، وشرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب
6 - أنماط كتب الاحتجاج:
لابن هشام الأنصاري «1» (ت 761 هـ). ومن كتب معاني القرآن وإعرابه: معاني القرآن للفراء (ت 207 هـ)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجّاج (ت 311 هـ)، والتبيان في إعراب القرآن للعكبري (ت 616 هـ). ومن كتب التفسير: جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري (ت 310 هـ)، والكشاف للزمخشري (ت 538 هـ)، والبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (ت 745 هـ). ومن كتب القراءات: كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد (ت 324 هـ)، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري (ت 833 هـ)، وإتحاف فضلاء البشر بقراءات القراء الأربعة عشر «2» لأحمد بن محمد البنّا (ت 1117 هـ). 6 - أنماط كتب الاحتجاج: - تنقسم كتب الاحتجاج قسمة أولى باعتبار صحة القراءات التي تحتج لها على ثلاثة أضرب:
1 - ضرب احتج للقراءات المتواترة والشاذة معا. 2 - وضرب احتج للقراءات المتواترة فقط. 3 - وضرب احتج للقراءات الشاذة فقط. والضرب الثاني هو الغالب على كتب الاحتجاج، لأن حاجة الناس إليه أكثر، واهتمامهم به أوفر «1». - وتنقسم قسمة ثانية باعتبار عدد القراءات التي تحتج لها على ضربين: مطلق ومقيد، والمقيد على أضرب: 1 - ضرب احتج لقراءة واحدة. 2 - وضرب احتج لقراءتين. 3 - وضرب احتج للسبع. 4 - وضرب احتج للثمان «2». 5 - وضرب احتج للعشر. والضرب المقيد بالسبع هو الغالب على كتب الاحتجاج، لأن أكثر هذه الكتب وضع شرحا لسبعة ابن مجاهد. - وتنقسم قسمة ثالثة باعتبار منهجها في الاحتجاج على ضربين: 1 - كتب القراء. 2 - وكتب النحاة. وفرق بينهما أن كتب القراء صدّرت بفصول احتج فيها لأصول القراء، وهي اختلافهم فيما يكثر دوره في القرآن ويندرج تحت ضوابط مطردة، كالإظهار والإدغام، والمدّ والقصر، والفتح والإمالة؛ في حين أن كتب النحاة
7 - أنواع الاحتجاج:
كانت تعرض لشيء من هذه الأصول عند أول ورود لها في القرآن، دون أن تجمع القول فيها جمع كتب القراء له «1». 7 - أنواع الاحتجاج: - تقدّم في (معنى الاحتجاج) أن أكثر الوجوه التي تذكر احتجاجا للقراءات إنما هي وجوه لغوية، ومنها ما ليس كذلك، والحديث هنا عنها، كالاحتجاج بالقراءات الشاذة، ورسم المصحف، والقرآن الكريم، واتفاق جماعة القراء، والتفسير، والآثار، وأسباب النزول. آ- القراءات الشاذة: - أكثر ما احتج به من القراءات الشاذة قراءتا أبيّ بن كعب (ت 21 هـ) وعبد الله ابن مسعود (ت 32 هـ) رضي الله عنهما. نحو قول ابن خالويه: «وقوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد 42]، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (الكافر) موحدا ... وقرأ الباقون: (وسيعلم الكفار) على الجمع، وحجتهم قراءة عبد الله وأبي، لأن في حرف أبي: (وسيعلم الذين كفروا)، وفي حرف عبد الله (وسيعلم الكافرون).» «2» ونحو قول مكي: «قوله: تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ [النمل 82] قرأ الكوفيون (أن الناس) بفتح الهمزة، على تقدير: بأن الناس، وفي حرف أبي: (تنبئهم أن الناس)، فهذا لا يكون معه إلا فتح (أن). وفي حرف ابن مسعود: (تكلمهم بأن الناس)، فهذا ظاهر في فتح (أن).
ب - رسم المصحف:
وقرأ الباقون بكسر الهمزة على إضمار القول، أي: تكلمهم فتقول: إن الناس.» «1» ونحو قول ابن زنجلة: «قرأ ابن كثير وأبو بكر: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ [الحديد 18]، بتخفيف الصاد فيهما، أي المؤمنين والمؤمنات الذين صدقوا الله ورسوله. وقرأ الباقون: (إن المصّدّقين والمصّدّقات) بتشديد الصاد فيهما، أرادوا: المتصدقين والمتصدقات، فأدغموا التاء في الصاد. وحجتهم أن في حرف أبي: (إن المتصدقين والمتصدقات) بتاء ظاهرة.» «2» وأما القراءات المتواترة فقليلا ما يحتجون بها، ومنه قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة 53]، قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر: (يقول الذين) بلا واو رفعا، وقرأ أبو عمرو ويعقوب: (ويقول الذين) بواو نصبا، وقرأ الباقون: (ويقول الذين) بواو رفعا، وفيها يقول ابن أبي مريم: «ويؤيد وجه الرفع قراءة من قرأ بحذف الواو من (يقول).» «3» ب- رسم المصحف: - نحو قوله تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [البقرة 255]، قرأ يعقوب: (هوه) بالهاء في الوقف، وكذلك: فنعمّا هيه [البقرة 271]، وكأنه هوه [النمل 42]، قال الأزهري: «أما ما اختاره يعقوب من الوقف على هذه الحروف بالهاء فهو من كلام العرب الجيد، غير أني أختار المرور عليها، وألا يتعمد الوقوف عليها، لأن الهاءات لم تثبت في المصاحف، فأخاف أن تكون زيادة في
ج - القرآن الكريم:
التنزيل. وإن اضطر الواقف إلى الوقوف عليها، وقف بغير هاء، اتباعا للقراء الذين قرءوا بالسّنة.» «1» وقال ابن أبي مريم: «الله لا إله إلا هوه بالهاء في حال الوقف، قرأها يعقوب وحده ... إلا أن القراء يكرهون ذلك، لأن الهاء ليست في المصحف، وهو الإمام، فكرهوا مخالفته.» «2» ونحو قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ [النمل 25]، قرأ الكسائي وأبو جعفر ورويس: (ألا يسجدوا) بتخفيف اللام، جعلوا (ألا) حرف استفتاح، و (يا) حرف نداء أو تنبيه، و (اسجدوا) فعل أمر. قال أبو علي: «ومما يؤكد قول من قال: (ألّا) مثقلة، أنها لو كانت مخففة ما كانت في (يسجدوا) ياء، لأنها (اسجدوا)، ففي ثبات الياء في (يسجدوا) في المصحف دلالة على التشديد، وأن المعنى: أن لا يسجدوا، فانتصب الفعل ب (أن)، وثبتت ياء المضارعة في الفعل.» «3» ونحو قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الروم 39]، قال ابن زنجلة: «قرأ نافع: (لتربوا في أموال الناس) بضم التاء وسكون الواو. فالتاء هاهنا للمخاطبين والواو واو الجمع ... والمعنى: لتربوا أنتم، أي: تعطون العطية لتزدادوا بها أنتم، وحجته أنها كتبت في المصاحف بألف بعد الواو.» «4» ج- القرآن الكريم: قال ابن خالويه: «وقوله تعالى: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى [طه 133]، قرأ أبو عمرو ونافع وحفص عن عاصم بالتاء لتأنيث البينة، وقرأ الباقون
بالياء، لأن تأنيث البينة غير حقيقي، ولأنك قد حجزت بين البينة والفعل بحاجز. والاختيار التاء، لأن بعض القرآن يشهد لبعض، وكان جماعة من الصحابة والتابعين يحتجون لبعض «1» القرآن على بعض؛ قال الله تعالى: جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة 4] فهذا شاهد (أو لم تأتهم).» «2» وقال ابن أبي مريم: «فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها [الجاثية 35] بفتح الياء وضم الراء قرأها حمزة والكسائي. والوجه أنه مضارع (خرجوا)، والكلمة من الخروج، أخبر الله تعالى أنهم لا يخرجون من النار، لأن الله تعالى لا يخرجهم منها، وحجته قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها [المائدة 37]. وقرأ الباقون: (لا يخرجون) بضم الياء وفتح الراء. والوجه أن خروجهم لا يكون إلا بإخراج الله تعالى إياهم، فلفظ الإخراج أولى، فإنهم لو تركوا لخرجوا. ويقوي هذه القراءة قوله تعالى: وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [الجاثية 35] فبنى الفعل فيما عطف عليه للمفعول به، فينبغي أن يكون هذا أيضا كذلك ليتناسب الكلام. وحجة هذه القراءة قوله تعالى: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها [المؤمنون 107].» «3» وقال ابن زنجلة: «قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة: وَيَصْلى سَعِيراً [الانشقاق 12] بفتح الياء وسكون الصاد، أي: يصلى هو، أي: يصير إلى النار من (صلي يصلى فهو صال). وحجتهم إجماع الجميع على قوله:
د - اتفاق جماعة القراء:
يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى [الأعلى 12]، وإِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ [الصافات 163]، فردّ ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى، ومعنى يصلى أي: أنه يقاسي حرّها من (صليت النار) أي: قاسيت حرّها. وقرأ الباقون: (ويصلّى) بالتشديد، من قوله: (صلّيته أصلّيه تصلية)، والمعنى: أن الملائكة يصلونه بحرّ النار. وحجتهم: ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة 31]، وقولهم: وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة 9].» «1» د- اتفاق جماعة القراء: - والجماعة إما أن تكون مطلقة أو مقيدة، فمن الأول قول مكي: «وكل ما ذكرنا من الاختلاف فيما مضى، وما نذكر: فالاختيار فيه ما عليه الجماعة، إلا ما نبينه ... » «2»، وقوله أيضا- وقد تكرر-: «وما عليه الجماعة أحب إليّ» «3». ومن الآخر قول مكي في اختياره الفصل بين كل سورتين بالتسمية: «اتباعا لخط المصحف، ولقول عائشة: (اقرءوا ما في المصحف)، ولإجماع أهل الحرمين وعاصم على ذلك، فإجماعهم على القراءة حجة أعتمد عليها في أكثر هذا الكتاب.» «4» - نحو قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ [الروم 22]، قرأ حفص: (للعالمين) بكسر اللام، وقرأ الباقون: (للعالمين) بفتحها. قال الأزهري:
هـ - التفسير:
«من قرأ: (العالمين) فهم الإنس والجن، جمع عالم، ومن قرأ (العالمين) فهو جمع العالم، خصّ أهل العلم بها. والقراءة بفتح اللام لتتابع القراء عليه.» «1» ونحو قوله تعالى: حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران 179] قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف: (يميّز) بالتشديد، وقرأ الباقون: (يميز) بالتخفيف. قال أبو علي: «ولقولهم: (ماز) من المزية أن أكثر القراء عليها، وكثرة القراءة بها تدل على أنها أكثر في استعمالهم.» «2» ونحو قوله تعالى: لَعَلَّكَ تَرْضى [طه 130]، قال مكي: «قرأ الكسائي وأبو بكر بضم التاء، على ما لم يسمّ فاعله، والذي قام مقام الفاعل هو النبي صلى الله عليه وسلم، والفاعل هو الله جل ذكره، تقديره: لعل الله يرضيك بما يعطيك يوم القيامة، و (لعل) من الله واجبة. وقرأ الباقون بفتح التاء، جعلوا الفعل للنبي صلى الله عليه وسلّم، أي: لعلك ترضى بما يعطيك الله، ودليله قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى 5]، وهو الاختيار، لأن الأكثر عليه.» «3» هـ- التفسير: - نحو قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة 37]، قرأ ابن كثير: (آدم من ربه كلمات) بنصب (آدم) ورفع (كلمات)، وقرأ الباقون (آدم من ربه كلمات) برفع (آدم) ونصب (كلمات). قال ابن زنجلة: «وحجتهم ما روي في التفسير في تأويل قوله:
و - الآثار:
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ أي: قبلها، فإذا كان آدم القابل، فالكلمات مقبولة.» «1» ونحو قوله تعالى: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ [البقرة 81]، قال ابن زنجلة: «قرأ نافع: (وأحاطت به خطيئاته) بالألف، وحجته أن الإحاطة لا تكون للشيء المنفرد، إنما تكون لأشياء ... وحجة أخرى: جاء في التفسير: قوله: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته) أي: الكبائر، أي: أحاطت به كبائر ذنوبه.» «2» ونحو قوله تعالى: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص 58]، قرأ أبو عمرو ويعقوب: (وأخر) جمعا، وقرأ الباقون: (وآخر) مفردا. قال أبو علي: «روي عن ابن مسعود وقتادة أنهما قالا: الزمهرير، فتفسيرهما يقوي قراءة من قرأ: (وآخر) بالتوحيد، كأنه: ويعذب به آخر، لأن الزمهرير واحد. ويجوز على تفسيرهما الجمع: (وأخر) على أن يجعل أجناسا يزيد برد بعضه على بعض على حسب استحقاق المعذّبين ورتبهم في العذاب، فيكون ذلك كقولهم: جمالان، وتمران، ونحو ذلك من الجموع التي تجمع وتثنى إذا اختلفت، وإن لم تختلف عندي ... » «3» والآثار: - وهذه الآثار على ضربين: الأول: آثار تنعت قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم، وقراءة بعض أصحابه واختياره رضوان الله عليهم. والآخر: آثار يرد فيها ما يتخذ حجة لترجيح لفظ أو معنى. - فمن الأول قوله تعالى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس
58]، قال ابن زنجلة: «قرأ يعقوب في رواية رويس: (فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون) بالتاء فيهما ... وحجته أنها عن النبي صلى الله عليه وسلّم، عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (أمرت أن أقرأ عليك)، قال: قلت: وقد سماني ربك؟ قال: (نعم) قال: فقرأ عليّ- يعني النبي صلى الله عليه وسلّم-: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون) بالتاء ... «1»» «2» ومنه قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً [الروم 54]، قال مكي: «قوله: (ضعف) قرأه أبو بكر وحمزة بفتح الضاد، في ثلاثة مواضع في هذه السورة، وقد ذكر عن حفص أنه رواه عن عاصم، واختار الضم لرواية قويت عنده، وهو ما رواه ابن عمر قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم (من ضعف) يعني بالفتح، قال: فردّ عليّ النبي صلى الله عليه وسلّم (من ضعف) يعني بالضم، في الثلاثة «3». وروي عنه أنه قال: ما خالفت عاصما في شيء مما قرأت به عليه إلا في ضم هذه الثلاث كلمات «4».
وقرأ الباقون فيهن بالضم، وهما لغتان كالفقر والفقر.» «1» ومنه قوله تعالى: تُساقِطْ عَلَيْكِ [مريم 25]، قراءة يعقوب: (يسّاقط) بياء مفتوحة وسين مشددة. قال الأزهري: «قوّى قراءة يعقوب ما حدثنا محمد بن إسحاق عن الصغاني عن أبي عبيد عن يزيد عن هارون عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب يقرأ: (يسّاقط). وروي عن مسروق مثله.» «2» ومنه قوله تعالى: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الأحقاف 25]، قال ابن خالويه: «قرأ عاصم وحمزة: (لا يرى إلا مساكنهم) بالياء على ما لم يسم فاعله، و (مساكنهم) بالرفع على تقدير: لا يرى شيء إلا مساكنهم. وقرأ الباقون: (لا ترى) بالتاء على خطاب النبي عليه السلام، (إلا مساكنهم) بالنصب مفعول بها، أي: قد هلكوا فلا يحسّ لهم أثر خلا المنازل والمساكن. واحتج أصحاب هذه القراءة بما حدثني ابن مجاهد عن السّمّري عن الفراء قال: حدثني محمد بن الفضل الخراساني عن عطاء عن أبي عبد الرحمن قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقرأ: (لا ترى إلا مساكنهم).» «3» ومنه قوله تعالى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ [البقرة 48]، قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (ولا تقبل) بالتاء، وقرأ الباقون: (ولا يقبل) بالياء. قال مكي في الاحتجاج للقراءة بالياء: «وذكر أبو عبيد عن ابن مسعود أنه قال: ذكّروا القرآن، وإذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء.» «4» - ومن الآخر قوله تعالى: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ [البقرة 164]، قرأ حمزة والكسائي وخلف: (الريح) بالإفراد، وقرأ الباقون: (الرياح) بالجمع.
قال مكي: «ووجه القراءة بالجمع في (تصريف الرياح) هو إتيانها من كل جانب، وذلك معنى يدل على اختلاف هبوبها، فهي رياح لا ريح ... وأيضا فإن هذه المواضع أكثرها لغير العذاب، وقد قال النبي عليه السلام حين رأى ريحا هبت: (اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) «1»، فعلم أن الريح بالتوحيد أكثر ما تقع في العذاب والعقوبات، وليست هذه المواضع في ذلك، واعلم «2» أن الرياح بالجمع تأتي في الرحمة، فواجب من الحديث أن يقرأ بالجمع إذ ليست للعقوبات. ووجه القراءة بالتوحيد أن الواحد يدل على الجمع، لأنه اسم للجنس، فهو أخف في الاستعمال، مع ثبات معنى الجمع فيه. والاختيار الجمع، لأن عليه الأكثر من القراء، ولأنه أبين في المعنى، لأنه موافق للحديث.» «3» ومنه قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة 271]، قال ابن خالويه: «وقرأ أبو عمرو ونافع في سائر الروايات وعاصم في رواية أبي بكر: (نعمّا هي) بكسر النون وإسكان العين. وزعم بعض النحويين أنه أردأ القراءات، لأنه قد جمع بين ساكنين: الميم والعين، وليس أحدهما حرف لين، والاختيار إسكان العين، لأن هذه اللفظة رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص: (نعمّا بالمال
ز - أسباب النزول:
الصالح) «1»، كذا تحفظ هذه اللفظة عن النبي، ومتى ما صح الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يحل للنحوي ولا غيره أن يعترض عليه.» «2» ومنه قوله تعالى: بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران 125]، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب: (مسوّمين) بكسر الواو، وقرأ الباقون: (مسوّمين) بفتحها. قال أبو علي: «وذكر بعض شيوخنا أن الاختيار عنده الكسر، لما جاء في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: (سوّموا فإن الملائكة قد سوّمت) «3»، فنسب الفعل إلى الملائكة.» «4» ز- أسباب النزول: - نحو قوله تعالى: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة 119]، قرأ نافع ويعقوب: (ولا تسأل) جزما على النهي، وقرأ الباقون: (ولا تسأل) رفعا على النفي. قال ابن خالويه: «فالحجة لمن رفع أنه أخبر بذلك، وجعل (لا) نافية
بمعنى (ليس)، ودليله قراءة عبد الله وأبيّ: (ولن تسأل). والحجة لمن جزم: أنه جعله نهيا، ودليله ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما: ليت شعري ما فعل أبواي! فأنزل الله تعالى: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم)، فإنا لا نؤاخذك بهم، والزم دينك «1».» «2» ونحو قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة 125]، قرأ نافع وابن عامر: (واتخذوا) بفتح الخاء على المضي، وقرأ الباقون: (واتخذوا) بكسرها على الأمر. قال المهدوي: «من قرأ بكسر الخاء فهو على الأمر، ويقويه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما أتى على المقام قال عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ... «3» ومن قرأ: (واتخذوا) بفتح الخاء فهو على الخبر، معطوف على قوله: وَإِذْ جَعَلْنَا [البقرة 125]، فعطف خبرا على خبر.» «4» ونحو قوله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران 161]، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: (أن يغلّ) بالبناء للمعلوم، وقرأ الباقون: (أن يغلّ) بالبناء للمجهول. قال المهدوي: «من قرأ: (يغلّ) بفتح الياء فإنه نسب الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويقويه قولان من التفسير:
أحدهما: أنه روي أن قطيفة حمراء كانت في المغانم يوم بدر فالتمست فلم توجد، فقال المنافقون: أخذها محمد صلى الله عليه وسلّم، فأنزل الله: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ. والقول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلّم بعث طلائع ثم لقي المشركين بمن معه فغنموا، فأراد أن يقسم لمن حضر ولا يقسم لمن غاب، فأعلمه الله عز وجل أن الغنيمة بين من حضر وبين من غاب، فقال: (وما كان لنبي أن يغل)، أي: أن يعطي قوما ويمنع قوما ... ومن قرأ (يغلّ) فعلى وجهين: أحدهما: أن يكون معنى (يغل) ينسب إلى الغلول، كما تقول: أكذبت الرجل إذا نسبته إلى الكذب ... والوجه الثاني: أن يكون (يغل) بمعنى يخان، وهو أن يؤخذ شيء من المغانم بغير إذنه، وقد روي في التفسير أن قوما غلّوا يوم بدر، فأنزل الله تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ، فردوا ما كانوا غلوه «1».» «2» ******
الفصل الأول الجوانب النطقية
الفصل الأول الجوانب النطقية 1 - الحروف (عدّتها وأنواعها). 2 - أعضاء النطق. 3 - مخارج الحروف. 4 - ألقاب الحروف ونسبتها إلى مخارجها. 5 - صفات الحروف: آ- الصفات المتضادة. ب- الصفات المفردة. 6 - القوة والضعف في الصفات. 7 - العلاقة الكمية بين حروف المدّ والحركات. 8 - مكان الحركات من الحروف. 9 - دلالة الأصوات.
1 - الحروف (عدتها وأنواعها):
الجوانب النطقية 1 - الحروف (عدّتها وأنواعها): - قال ابن أبي مريم: «وحروف المعجم عند جميع النحويين تسعة وعشرون حرفا «1»، إلا عند أبي العباس محمد بن يزيد المبرد، فإنها عنده ثمانية وعشرون حرفا، وذلك لأنه كان لا يعدّ الهمزة حرفا منها، وكان يقول: إن الهمزة ليس لها صورة، لأنها لا تثبت على صفة، فإنها تخفف تارة بالحذف وتارة بالقلب وتارة بالتليين. ولم يرتض ذلك أصحاب سيبويه «2»، وذهبوا إلى أن الألف هي صورة الهمزة، يدل على ذلك أنها إذا وقعت موقعا لا سبيل فيها إلى التخفيف لم تكتب إلا ألفا، وذلك إذا وقعت أولا نحو: أخذ وأكل وأمر ... فلما لم يتطرق إليها التخفيف في هذا الموضع لم تكتب إلا على أصلها وهو الألف، فدل على أن أصل صورتها الألف. ودليل آخر: أن كل حرف من حروف التهجي يكون أول حروف تسميته لفظه بعينه؛ ألا ترى أن أول حروف الباء باء، وأول حروف الجيم جيم، وأول حروف الدال دال، وكذلك كل حرف منها يبدأ تسميته بما هو الحرف المقصود؟ وكذلك الألف بدئ فيه بالهمزة، فعلمنا أن الألف هو صورة الهمزة. وأما المدة التي في قام وسار فصورتها مشاركة لصورة الهمزة من حيث إنها تسمى ألفا، إلا أنه ينبغي أن تقيد باللين فيقال: الألف اللينة ...
فحروف التهجي إذا تسعة وعشرون حرفا ... وهي في مخارجها على هذا الترتيب: الهمزة والألف والهاء، والعين والحاء، والغين والخاء، والقاف، والكاف، والجيم والشين والياء، والضاد، واللام، والراء، والنون، والطاء والدال والتاء، والصاد والزاي والسين، والظاء والذال والثاء، والفاء، والباء والميم والواو «1».» «2» كأن ابن أبي مريم قصّر في توضيح مذهب المبرد على ما فيه من إلباس، فهو لا ينكر الهمزة صوتا ينطق، وإنما ينكرها صورة ترسم، قال في المقتضب: «هذا باب مخارج الحروف ... اعلم أن الحروف العربية خمسة وثلاثون حرفا، منها ثمانية وعشرون لها صور.» «3» ولما شرع في بيان مخارجها قال: «فمن أقصى الحلق مخرج الهمزة» «4». فالمبرد لم يعتبر الهمزة هنا من جهة أنه لا صورة لها ثابتة. وأما الإلباس في قول المبرد، فهو أنه خلط بين أمرين لا ينتميان إلى صعيد واحد، إذ أخرج الهمزة من عدة الحروف التي لها صور وهو أمر إملائي، في صدر حديثه عن مخارج الحروف وهو أمر صوتي. ولم يفرّق اللغويون العرب بين الواو والياء مديتين وغير مديتين، وذلك لأن اللغة لا تضع بينهما حجرا محجورا، وإن اختلف المخرج في كلّ «5»؛
فالوقف على نحو: (لن يدعو، ولن يرمي) والواو والياء غير مديتين- يجعلهما مديتين: (لن يدعو، ولن يرمي). وكذلك تخفيف الهمز في نحو: (مقروء، وخطيئة) والواو والياء مديتان- يجعلهما غير مديتين: (مقروّ، وخطيّة). فإذا كان هذا شأن العربية في هذين الحرفين، فما عسى أن يكون موقف اللغويين منهما سوى الاتباع؟ وأما عدم ذكرهم الحركات في حروف العربية، فلأنها حروف صغيرة. قال ابن جني: «ألا ترى أن من متقدمي القوم من كان يسمّي الضمة الواو الصغيرة، والكسرة الياء الصغيرة، والفتحة الألف الصغيرة؟» «1» وليس هذا، كما قد يتوهّم، عن تأثر بنظام الكتابة الذي لا يفرد للحركات رموزا مستقلة. وأخذ بعض المحدثين على اللغويين العرب استعمالهم كلمة (حرف) وهو ما يكتب، بدل (صوت) وهو ما ينطق أو يسمع. قال د. إبراهيم أنيس: «وقعت لنا أخيرا محاضرة ألقاها الأستاذ الألماني أ. شاده الذي كان يقوم بالتدريس في كلية الآداب، وفيها يعرض لآراء سيبويه ويناقشها. وكان مما أخذه المحاضر على سيبويه استعماله كلمة (الحرف) التي تعبر في الحقيقة عن الرمز المكتوب، فقد استعملها لما يسمع أيضا. ولكن يعتذر عن هذا بأن كثيرا من علماء أوربا ظلوا إلى عهد قريب يسلكون نفس المسلك.» «2»
وغاية ما في الأمر أن يكون (الحرف) أصلا فيما يكتب كما ذكروا، ثم تجوّز العلماء في استعماله لما ينطق أو يسمع على سبيل حذف المضاف، أي: صوت الحرف، كقوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف 82]، أي: أهل القرية؛ ولا مشاحّة في الاصطلاح. وأما الصوت فعلاقته بالحرف عندهم علاقة العامّ بالخاصّ، فهو مادّة الحرف. قال ابن سينا: (ت 428 هـ): «والحرف هيئة للصوت عارضة له يتميّز بها عن صوت آخر مثله في الحدّة والثّقل تميّزا في المسموع» «1»، فضلا عن عموم استخدام (الصوت) في الإنسان وغيره؛ قال ابن جني: « ... الصوت مصدر صات الشيء يصوت صوتا، فهو صائت، وصوّت تصويتا فهو مصوّت، وهو عام غير مختص، يقال: سمعت صوت الرجل، وصوت الحمار، قال الله تعالى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان 19] ... » «2» - ثم ذكر ابن أبي مريم أن لهذه الحروف التسعة والعشرين فروعا، بعضها مستحسن وبعضها غير مستحسن، قال: «وهذه الحروف التسعة والعشرون قد يلحقها ستة أحرف أخر هي متفرعة عنها حتى تبلغ خمسة وثلاثين حرفا، وهذه الستة مستحسنة، يقع أكثرها في القرآن، ويجيء كلها في الفصيح من كلام العرب: أحدها: النون الخفية ... والثاني: الهمزة المخففة ... والثالث: الألف الممالة ...
والرابع: الصاد التي هي كالزاي، وهي التي تسمّى المضارعة بين الزاي والصاد، نحو (الزّراط) إذا لم تجعلها زاء خالصة ولا صادا خالصة. والخامس: ألف التفخيم، وهي التي ينحى بها نحو الواو ك (الصلاة) و (الزكوة). والسادس: الشين التي هي كالجيم «1». وهذان الحرفان- أعني ألف التفخيم والشين التي هي كالجيم- قلّ ما يقرأ بهما في القرآن، لأنه لم يرد بهما أثر يعتمد عليه «2». وقد تلحق بها بعد ذلك ثمانية أحرف، هي فروع مأخوذة من الحروف المذكورة غير مستحسنة، لا يجيء واحد منها في القرآن ولا في الشعر ولا في الفصيح من الكلام، ولا تكاد توجد إلا في لغة لا يعتدّ بها، كذا ذكره سيبويه «3»، وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي هي كالكاف، والجيم التي كالشين «4»، والضاد الضعيفة، وهي التي تقرب من الذال، والصاد التي هي كالسين، والطاء التي هي كالتاء، والظاء التي هي كالثاء، والباء التي هي كالميم «5».
2 - أعضاء النطق:
وهذه ثمانية أحرف قد بلغت بها الحروف ثلاثة وأربعين، وإن كانت هذه الثمانية غير معتدّ بها.» «1» إن التفريق بين أصول الحروف وفروعها يذكّر بالتفريق بين الفونيم) Phoneme ( والألفون) allophone ( في علم الأصوات الحديث «2»، وليس بينهما تمام اتفاق، فوجه تفرّع هذه الحروف عند اللغويين العرب أنها متولدة من امتزاج الحرفين الأصليين كما ذكر، عدا النون الخفية فوجه تفرعها أنها في الأصل صفة النون المظهرة «3»؛ وهذا ما يفسّر إغفالهم ذكر اللام المفخمة والراء المرققة هنا. و «أساس تقسيم الحروف الفرعية إلى مستحسنة ومستقبحة هو كثرة الاستخدام وقلّته، فما كثر استخدامه منها في لغة من ترتضى عربيته كان مستحسنا، وما قلّ استخدامه كان مستقبحا.» «4» 2 - أعضاء النطق: - لم يأت في كتب الاحتجاج مصطلح (أعضاء النطق) على وفرة ما جاء منها، مع مجيء لفظ (العضو) في بعضها، كقول أبي علي في الإشمام: «وذلك أن الإشمام عند النحويين ليس بصوت ... وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الصوت الذي هو الضم ليدلّ عليه، وليس بخارج إلى اللفظ.» «5»
- الصدر:
ومن تناول أعضاء النطق بالذكر لم يفردها بفصول خاصة، وإنما عرض لها في أثناء الحديث عن مخارج الحروف، فقد كانت الأساس الذي بني عليه تمييز المخارج ونسبة الحروف إليها. ونبّه بعض المحدثين على أن اللغويين العرب لم يعرفوا الطيتين الصوتيتين، مع أنهم أدركوا أثرهما، وهو ما سمّوه بصوت الصدر «1». - وهذه جملة ما جاء في كتب الاحتجاج من أعضاء النطق، الأدخل فالأدخل، بتقديم العام على الخاص، والثابت على المتحرك، وما كان في الفم على غيره: - الصدر: (الصدر) عند ابن أبي مريم، و (أول الصدر) عند المهدوي: أقصى المخارج وأبعدها «2». - الحلق: له ثلاثة أقسام، هي عند ابن أبي مريم: (أقصى الحلق) و (أوسط الحلق) و (أدنى الحلق) «3»، وعند المهدوي: (آخر الحلق) مما يلي الصدر، و (وسط الحلق)، و (آخر الحلق) مما يلي الفم «4».
- الفم:
- الفم: تفرّد ابن أبي مريم بمعنى للفم لم يرد عند غيره، وهو مجموع أحياز الحروف كلّها، قال: «ولهذه الحروف ... أحياز ثمانية، وهي مواضع من الفم، كل عدة من الحروف لها موضع مخصوص يسمّى حيّزا ... » «1» وميّزوا في الفم: - (أوله) «2» و (أقصاه) «3». - و (شجره)، وهو مفرجه «4». - و (مقدّمه)، ويقابل أوله وأقصاه «5». - و (سقفه)، وهو الحنك الأعلى «6». - اللهاة: وردت اللهاة مفردة «7»، ومجموعة على (لها) «8» و (لهوات) «9»، وعرّفها ابن أبي مريم بأنها اللحمة المسترخية التي هي كالزّنمة في أقصى الفم عند أدنى الحلق «10».
- الحنك:
- الحنك: جاء الحنك عطلا وموصوفا ب (الأعلى)، وهو المراد في كلّ «1». ولم يعنوا ببيان أجزائه، لانصرافهم إلى بيان أجزاء قرينه، وهو اللسان. غير أن ابن أبي مريم ذكر منه (نطع الغار الأعلى)، وهو سقف الفم «2»، وذكر المهدوي (مقدّم الحنك) وجعله مخرج الراء «3»، ولعله أراد به أصول الثنايا العليا. - اللسان: هو أكثر أعضاء النطق ذكرا، وله معنيان: الأول: مجازي، وهو آلة النطق عموما، ومنه قول الأزهري: «ومن قرأ: عَلَيْهِمْ فأصل الجمع أن يكون بواو، ولكن الميم استغني بها عن الواو، والواو أيضا تثقل على ألسنتهم، حتى إنه ليس في أسمائهم اسم آخره واو قبلها حركة، فكذلك «4» اخترنا حذف الواو.» «5» وقال أيضا في إشمام (قيل) ونحوه الضم: «ومن ضم فإنه يشم ولا يشبع الضم. والعربي الناشئ في البادية يطوع لسانه لضمة خفية يجفو عنها لسان الحضري المتكلف.» «6» وغير خاف أن الواو والضمة عند اللغويين العرب مخرجهما الجوف أو الشفتان، لا اللسان. والآخر: حقيقي، وهو المراد هنا، وله بهذا المعنى ثلاثة أقسام «7»:
- الأسنان:
- (أقصى اللسان). - (وسط اللسان). - (طرف اللسان). ومستدقّ طرف اللسان (ذلقه) و (أسلته)، غير أن الأول علم على مخرج اللام والنون والراء، في حين أن الآخر علم على مخرج الصاد والزاي والسين «1». ونسبوا للسان (ظهرا) «2» وهو صفحته التي تلي الحنك الأعلى «3»، و (حافتين) يمنى ويسرى «4». - الأسنان: جاء منها: - (الثّنيّة): وردت مفردة «5» ومثناة «6» ومجموعة «7»، وهي عليا وسفلى، وميزوا في العليا (أصولها) «8» و (أطرافها) «9»، وفي السفلى (فويقها) «10».
- و (الرّباعية). - و (الناب). - و (الضاحك) «1». - و (الأضراس) «2». قال رضي الدين الأسترآباذي «3» «اعلم أن الأسنان اثنتان وثلاثون سنا: ست عشرة في الفك الأعلى، ومثلها في الفك الأسفل؛ فمنها الثنايا، وهي أربع من قدام: ثنتان من فوق، ومثلهما من أسفل، ثم الرباعيات، وهي أربع أيضا: رباعيتان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلفهما الأنياب الأربع: نابان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلف الأنياب الضواحك، وهي أربع: ضاحكتان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلف الضواحك الأضراس، وهي ست عشرة: ثمان من فوق: أربع يمنة وأربع يسرة، ومثلها من أسفل. ومن الناس من ينبت له خلف الأضراس النواجذ، وهي أربع من كل جانب: ثنتان فوق، وثنتان أسفل؛ فيصير ستا وثلاثين سنا.» «4»
- الشفة:
- الشفة: وردت الشفة مفردة «1» ومثناة «2»، وتثنيتها أكثر. وميزوا فيهما (البين) «3» و (الوسط) «4»، وميزوا في السفلى (الباطن) «5». - الخياشيم: الخياشيم مخرج الغنة، وهي تفضي إلى الأنف، ويعرف هذا بأن يمسك بالأنف عند النطق بالغنة، فينقطع الصوت «6». 3 - مخارج الحروف: - جاءت كلمة (مخرج) في كتب الاحتجاج بمعنيين: اسم المكان، والمصدر. فمن مجيئها بالمعنى الأول قول ابن أبي مريم: «والهمزة أقصى الحروف مخرجا، لأنها تخرج من الصدر.» «7» ومن مجيئها بالمعنى الآخر قوله أيضا: «ولهذه الحروف ... أحياز ثمانية، وهي مواضع من الفم، كل عدة من الحروف لها موضع مخصوص يسمّى حيّزا، تكون تلك الحروف منسوبة إليه لكونها خارجة منه. فمن تلك الأحياز: الحلق، ولها سبعة أحرف تسمى الحلقية ... ولهذا الحيز ثلاثة أقسام: أحدها: أقصى الحلق، ومنه مخرج الهمزة والألف والهاء.
والثاني: أوسط الحلق، ومنه مخرج العين والحاء. والثالث: أدنى الحلق، ومنه مخرج الغين والخاء ... » «1» فالمخرج هنا بمعنى الخروج، والحيز موضعه من أعضاء النطق. - وأما تحديد المخرج فبيّن المهدوي السبيل إليه بقوله: «فإذا أردت معرفة حقيقة المخرج من الفم وغيره، فإنما تنطق بالحرف ساكنا، وتدخل عليه همزة الوصل، فتقول: ان، ام، فيظهر لك مخرج الحرف من الفم وغيره، وكذلك تعتبر سائر الحروف.» «2» وهذه الطريقة في تحديد المخارج من ابتكار الخليل، قال الليث وهو يحكي صنيعه في ذوق الحروف: «وإنما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف، نحو: اب، ات، اح، اع، اغ.» «3» وتقوم هذه الطريقة على أمرين: الأول: نطق الحرف ساكنا. والآخر: اجتلاب همزة وصل قبله. فأما الأمر الأول، وهو نطق الحرف ساكنا، فلأنه أكثر إعانة على تحديد المخرج، لما فيه من التلبث الذي يتيح للمجرّب فرصة التأمل، ولما في الحركة من إقلاق للحرف وانحراف به عن موضعه. قال ابن جني: «وإنما سميت هذه الأصوات الناقصة حركات، لأنها تقلق الحرف الذي تقترن به، وتجتذبه نحو الحروف التي هي أبعاضها.» «4»
وأما الأمر الآخر، وهو اجتلاب همزة وصل قبل الحرف وهو ساكن، فلأن هذا من سنن العرب في كلامها الذي لا تستطيع عنه مصرفا. قال سيبويه: «قال الخليل يوما وسأل أصحابه: كيف تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في (لك) والكاف التي في (مالك)، والباء التي في (ضرب)؟ فقيل له: نقول: باء، كاف. فقال: إنما جئتم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف، وقال: أقول: كه، وبه. فقلنا: لم ألحقت الهاء؟ فقال: رأيتهم قالوا: عه، فألحقوا هاء حتى صيّروها يستطاع الكلام بها، لأنه لا يلفظ بحرف. فإن وصلت قلت: ك وب فاعلم يا فتى، كما قالوا: ع يا فتى. فهذه طريقة كل حرف كان متحركا، وقد يجوز أن يكون الألف هنا بمنزلة الهاء، لقربها منها وشبهها بها، فتقول: با وكا، كما تقول: أنا ... ثم قال: كيف تلفظون بالحرف الساكن نحو ياء (غلامي)، وباء (اضرب)، ودال (قد)؟ فأجابوا بنحو مما أجابوا في المرة الأولى، فقال: أقول: إب، وإي، وإد، فألحق ألفا موصولة. قال: كذاك أراهم صنعوا بالساكن؛ ألا تراهم قالوا: ابن واسم، حيث أسكنوا الباء والسين، وأنت لا تستطيع أن تكلّم بساكن في أول اسم كما لا تصل إلى اللفظ بهذه السواكن، فألحقت ألفا حتى وصلت إلى اللفظ بها، فكذلك تلحق هذه الألفات حتى تصل إلى اللفظ بها كما ألحقت المسكّن الأول في (الاسم).» «1» وعلى هذا فلا وجه لما ذكره د. حسام سعيد النعيمي من تحذير الدراسة الحديثة من الإتيان بهمزة الوصل لمعرفة مخرج الحرف، بحجة «أن الحرف حينئذ لا يتحقق فيه الاستقلال الذي هو أساس التجربة الصحيحة» «2».
- ويفهم من كلام ابن أبي مريم في انقسام الحروف إلى صحيحة ومعتلة أن الحروف في المخارج على ضربين: الأول: حروف ليس لها أحياز تعتمد عليها في خروجها، وهي الألف والواو والياء المديتان. والآخر: حروف لها أحياز تعتمد عليها في خروجها، وهي سائر الحروف. قال: «فأما حروف الاعتلال فهي ثلاثة: الألف والواو والياء، وتسمّى حروف المد واللين أيضا إذا كان الواو والياء كل واحد منهما ساكنا وحركة ما قبله من جنسه، فأما الألف فلا تكون إلا ساكنة، وحركة ما قبلها لا تكون إلا من جنسها وهي الفتحة ... وقد يقال لها أيضا: الهاوية، لأنها تهوي في الفم وليس لها أحياز من الفم تعتمد في خروجها عليها ... » «1» «2» - ومخارج الحروف على الاختصار ثلاثة: الحلق والفم والشفتان «3»، وعلى التفصيل ستة عشر مخرجا «4»، هي: الأول: من أقصى الحلق، وعند المهدوي من أول الصدر وآخر الحلق، وكلاهما بمعنى، وله حرفان: الهمزة والهاء، وزاد المهدوي وابن أبي مريم الألف بعد الهمزة «5».
الثاني: من أوسط الحلق، وله حرفان: العين والحاء «1». الثالث: من أدنى الحلق، وعند المهدوي: من آخر الحلق مما يلي الفم، وكلاهما بمعنى، وله حرفان: الغين والخاء «2». واكتفى مكي بنسبة هذه الحروف الستة إلى الحلق دون أن يفصّل في أقسامه، ونبه على أن قوما زادوا إليها الألف «3». الرابع: من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك، وله حرف واحد: القاف. ولم ينص مكي على مخرج القاف، واكتفى بنسبته إلى الفم وعطف الكاف عليه ب (ثم) «4». الخامس: فوق مخرج القاف قليلا مما هو أدنى إلى مقدّم الفم، وله حرف واحد: الكاف، وعند المهدوي: أسفل من مخرج القاف ... ولا اختلاف بين قول المهدوي وما تقدم، لنسبية الفوق والأسفل؛ ولم ينصّ مكي على مخرج الكاف واكتفى بنسبته إلى الفم وعطفه على (القاف) ب (ثم) «5». السادس: من وسط اللسان وما يليه من الحنك، وله ثلاثة أحرف: الجيم والشين والياء «6». السابع: من حافة اللسان وما يليها من الأضراس، وله حرف واحد: الضاد. ومن الناس من يخرجها من الجانب الأيمن، ومنهم من يخرجها من الجانب الأيسر، وكلّ واحد من الجانبين لها مخرج، لكن إخراجها من الأيسر أيسر «7».
الثامن: من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه بينها وبين ما يليها من الحنك مما فويق الضاحك والناب والرّباعية والثّنيّة، وله حرف واحد: اللام. وأجمل مكي مخرج اللام بطرف اللسان وأصول الثنايا «1». التاسع: من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا، وله حرف واحد: النون. وقدّم المهدوي الراء على النون، مع ذكره أنها تخرج من بين مخرج اللام والراء «2». العاشر: من مخرج النون، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا، وعند المهدوي: من طرف اللسان بينه وبين مقدّم الحنك؛ وله حرف واحد: الراء. وحكى مكي بلفظ (قيل) مذهب بعض العلماء في جعل اللام والنون والراء من مخرج واحد، وهو طرف اللسان وأصول الثنايا «3» «4». الحادي عشر: من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا، وزاد المهدوي: مصعدا إلى الحنك، وله ثلاثة أحرف: الطاء والدال والتاء. وقدّم المهدوي عليها الصاد والسين والزاي «5».
الثاني عشر: من طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى عند مكي «1»، ومن طرف اللسان إلى فرجة بينه وبين أطراف الثنايا عند المهدوي، ونحوه عند ابن أبي مريم؛ وله ثلاثة أحرف: الصاد والزاي والسين «2». الثالث عشر: من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وزاد المهدوي: العليا، وله ثلاثة أحرف: الظاء والذال والثاء «3». الرابع عشر: من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا، وله حرف واحد: الفاء. وقدّم المهدوي أطراف الثنايا على الشفة وليس في لفظه (باطن)، ولم يزد مكي على نسبة الفاء إلى أول مخرجي الشفتين «4». الخامس عشر: من بين الشفتين، وله ثلاثة أحرف: الباء والميم والواو. وأفرد المهدوي الواو بمخرج بعد الباء والميم، ولم يزد مكي على نسبة الثلاثة إلى ثاني مخرجي الشفتين «5». السادس عشر: من الخياشيم، وله حرف واحد: النون الخفية أو الخفيفة.
وتفرّد به ابن أبي مريم «1» «2». - تعليقات: آ- عدّ سيبويه مخرج الألف من أقصى الحلق بين الهمزة والهاء «3»، وهو مما أخذه عليه د. إبراهيم أنيس. قال: «ولسنا نجد في كلام سيبويه ما يؤخذ عليه بصدد أصوات الحلق سوى إقحامه فيها ما سماه بالألف، ويبدو أن بعض المتأخرين قد رجعوا عن هذا، إذ لا نجد إشارة للألف بين أصوات الحلق في كتاب النشر «4».» «5» ثم اعتذر عن سيبويه بأنّ ذكره الألف بعد الهمزة من قبيل التفسير لا التغاير. قال: «فربما أراد بكلمة الألف تفسير المقصود من كلمة الهمزة التي فيما يبدو كانت مصطلحا صوتيا غير مألوف في أيامه أو حديث العهد بين الدارسين، فأراد توضيحه بذكر مرادف له أكثر شهرة وألفة، وهو كلمة الألف ... وحينئذ لا يكون هناك ما يؤخذ على كلام سيبويه في علاجه لأصوات الحلق.» «6»
ولم يرتض كثير من الدارسين هذا الاعتذار، منهم د. عبد الرحمن أيوب الذي نزّه سيبويه عما نسبه إليه د. أنيس قائلا: «أما أن نتصور أنه كان من السذاجة والبساطة بحيث يذكر الشيء الواحد مرتين لمجرد اختلاف اسمه، فهذا أمر لا يتفق وما عليه الرجل من قدرة عقلية ومعرفة عميقة.» «1» ومنهم أيضا د. حسام سعيد النعيمي الذي دفع هذا الاعتذار بأمور كثيرة منها قول سيبويه: «فأصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفا: الهمزة، والألف، والهاء ... » «2»، فلو جعلت الألف إيضاحا للهمزة لكانت ثمانية وعشرين «3». وكأن ما حمل سيبويه على أن يجعل الألف من أقصى الحلق ما بدا له من قرابة بينها وبين الهمزة، سوّغت وقوع كل واحدة منهما موقع الأخرى في مواضع كثيرة من اللغة. قال أبو علي في هذا المعنى: «فإن الهمزة تشبه الألف، لأنها من مخرجها وتقاربها، لأن كل واحدة منهما تنقلب إلى صاحبتها في نحو: هو يضربهأ، وحبلأ، في وقف بعضهم، كما قلبت ألفا في الوقف عند أهل التخفيف في: لم يقرا، وكما قلبت هي أيضا إليها في آدم، وراس.» «4» ولهذا الحديث تتمة تذكر في (تخفيف الهمز) «5» إن شاء الله. ب- مخرج الضاد عند سيبويه من حافة اللسان وما يليها من الأضراس «6»،
وعند المحدثين من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا «1». غير أنهم افترقوا في تفسير هذا الاختلاف على ثلاثة مذاهب: - فأكثرهم على أن تغيّرا طرأ على مخرج الضاد، فبانت ضادنا من الضاد التي وصفها سيبويه. - ومنهم من قال بخطإ اللغويين العرب في تحديد مخرج هذا الصوت. - أو أنهم كانوا يتحدثون عن ضاد مولّدة، لا الضاد الفصيحة «2». وكان القدامى قد لمسوا ما في الضاد من صعوبة النطق، والتباس بصوت الظاء. قال مكي: «والضاد يشبّه لفظها بلفظ الظاء ... والضاد أصعب الحروف تكلفا في المخرج وأشدها صعوبة على اللافظ.» «3» فكأن عسرها نطقا، واشتباهها بغيرها سمعا: هو ما جعل الناطقين يميلون إلى التقدم بمخرجها طلبا للسهولة وأمن اللبس. ج- نبّه د. إبراهيم أنيس على أن الواو تخرج من أقصى اللسان وما يليه من الحنك مع استدارة الشفتين. قال: «أما مخرج الواو فليس الشفتين فقط كما ظن القدماء، بل هو في الحقيقة من أقصى اللسان حين يقترب من أقصى الحنك، غير أن الشفتين حين النطق بها تستديران ...
ولعل وضوح استدارة الشفتين مع الواو هو الذي جعل القدماء ينسبون مخرج الواو إلى الشفتين.» «1» ويزيد هذا القول فهمنا لقوة العلاقة بين الواو والياء، وأنها ليست لاتحادهما في صفة اللين فقط، وإنما لتقاربهما في المخرج أيضا. د- وقع بين القدماء والمحدثين في ترتيب مخارج أصوات العربية فروق يحسن الوقف عندها، وأهمها: - أن المحدثين قدّموا القاف على الغين والخاء، اللذين جعلوهما مع الكاف من مخرج واحد. - وجعلوا اللام والنون والراء من مخرج واحد. - وجعلوا الطاء والدال والتاء، والصاد والزاي والسين من مخرج واحد، وألحقوا به الضاد «2». ولا شك في أن معارف القدامى التشريحية ووسائلهم في الاختبار ليست شيئا إذا قيست بما لدى المحدثين منها، غير أن تحديد المخارج عند القدامى لم يقم فقط على رصد الأعضاء التي تعترض مجرى الصوت عند النطق بالحروف، وإنما قام أيضا على رصد سلوكها في ظواهر اللغة، ولا سيما الإدغام، وهذا أمر لم يلتفت إليه المحدثون على خطورته. وهو ما يفسّر لنا ارتباط الحديث عن (مخارج الحروف وصفاتها) بالحديث عن (الإدغام) عند سيبويه «3» ومن جاء
بعده، وذلك بأن الإدغام «إنما يكون لتقارب الحروف في المخارج، والإظهار إنما يكون لتباعدها.» «1» فلما كانت المعرفة بأحد الطرفين تقود إلى المعرفة بالطرف الآخر، فما أيسر على اللغويين العرب أن يبحثوا الإدغام في لغتهم، ليصلوا إلى تحديد مخارج حروفها، وهو ما يغلب على الظن أنه ما كان. وأما الاعتماد على أعضاء النطق فقط في تحديد المخارج، فغير كاف، لأن المخرج ليس نقطة، وإنما هو مساحة (حيّز) «2»، وكثيرا ما تتداخل الأصوات في أحيازها، فضلا عن أن المخرج إنما يتحدد بعضوين من أعضاء النطق، إن كان صوت ما متقدما بالنظر إلى أحدهما فقد يكون متأخرا بالنظر إلى الآخر، والاعتماد على أحدهما تحكّم لا وجه له، وأحد هذين العضوين متحرك على الأقل. وكل أولئك صعوبات تجعل اعتبار الجانب الوظيفي للصوت في تحديد مخرجه أمرا لا مفرّ منه. ولأجل هذا ما عدّ اللغويون العرب الغين والخاء من حيز الحلق مع الهمزة والهاء والعين والحاء، لاشتراكها جميعا في كثير من أبواب العربية، منها إظهار النون الساكنة والتنوين بعدها، ونزوعها إلى الفتح دون غيره من الحركات، مما سيأتي الحديث عنه بعد إن شاء الله «3». وعدّوا اللام والنون والراء من مخارج منفصلة وإن كانت متدانية، لأن إدغام هذه الحروف بعضها في بعض يختلف حكمه بين الواجب والجائز والممتنع، ولو كانت من مخرج واحد لم يكن إلا واجبا. قال المهدوي: «فكل حرفين كانا من مخرج واحد، متماثلين كانا أو متقاربين، فالإظهار لا يجوز فيهما.» «4»
4 - ألقاب الحروف ونسبتها إلى مخارجها:
وعدّوا الطاء والدال والتاء، والصاد والزاي والسين من مخرجين منفصلين وإن كانا متدانيين، لأن الصاد والزاي والسين لا يدغمن في الطاء والدال والتاء «1». وأما إلحاق المحدثين الضاد بهذه الأصوات، فلأنهم يريدون الضاد الحديثة لا القديمة، وقد مضى الحديث عنها قبل «2». 4 - ألقاب الحروف ونسبتها إلى مخارجها: - اختصّ ابن أبي مريم من بين أصحاب الاحتجاج بذكر ألقاب الحروف منسوبة إلى مخارجها، منبها على أنها من وضع الخليل بن أحمد «3»، وهي: - الهوائية: الألف والواو والياء المديتان، وزاد الخليل عليها الهمزة، وليس لها أحياز من الفم تعتمد عليها في خروجها، وإنما تخرج في هواء الفم «4». - الحلقية: الهمزة والألف والهاء، والعين والحاء، والغين والخاء. - اللهوية: القاف، والكاف. - الشّجرية: الجيم والشين والياء، والضاد. - الذّلقية أو الذّولقية: اللام، والنون، والراء. - النّطعية: الطاء والدال والتاء. - الأسلية: الصاد والزاي والسين. - اللّثوية: الظاء والذال والثاء. - الشفوية أو الشفهية: الفاء، والباء والميم والواو «5».
5 - صفات الحروف:
واضطرب ابن أبي مريم في شأن (الألف)، فذكرها تارة في الحروف الهوائية، وهو مذهب الخليل؛ وذكرها أخرى في الحروف الحلقية، وهو مذهب سيبويه. وتوقف د. إبراهيم أنيس عند هذه المصطلحات مليا، وردّ بعضها ك (اللثوية). قال: «فإذا عرضنا إلى مصطلحهم الخاص بالذال والثاء والظاء وجدنا الأمر أعجب وأغرب، لأنهم سموها بالأصوات اللثوية، نسبة إلى اللثة رغم أن اللثة لا تقوم معها بأي دور، بل هي كما وصفها سيبويه: مما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا «1».» «2» غير أن محمدا المرعشي (ت 1150 هـ) كان قد ذكر وجه نسبة هذه الحروف إلى اللثة، وهو أن النفس المصاحب لهن ينتشر ويتصل باللثة، لا أن خروجهن منها «3». 5 - صفات الحروف: - جرى ذكر صفات الحروف عند المهدوي وابن أبي مريم أشفاعا وفرادى: فالأولى: صفات متضادة، كلّ صفة وضدها تستغرقان جميع الحروف، كالجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والإطباق والانفتاح ... إلخ. والأخرى: صفات مفردة لا ضد لها، وتختصّ بحرف أو أكثر، كالقلقلة والصفير والتفشي ... إلخ «4».
آ - الصفات المتضادة:
آ- الصفات المتضادة: - الهمس والجهر «1»: - الهمس: الإخفاء «2»، والصوت الخفيّ «3». والحروف المهموسة عند المهدوي: حروف ضعف الاعتماد عليها، فخالطها النفس في مخرجها «4»؛ وعند ابن أبي مريم: حروف ضعف الاعتماد في مواضعها، حتى جرى معها النفس «5»؛ وهو لفظ سيبويه بتصرف يسير «6». وهي عشرة: الهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والتاء، والصاد، والسين، والثاء، والفاء «7»؛ يجمعها قولهم: (سكت فحثّه شخص) «8»، أو (ستشحثك خصفه) «9» «10». - والجهر: الإعلان «11». والحروف المجهورة عند المهدوي: حروف قوي الاعتماد عليها، فلم
يخالطها النّفس في مخرجها «1»؛ وعند ابن أبي مريم: حروف أشبع الاعتماد في مواضعها، ومنع النّفس أن يجري معها، حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت «2»، وزاد: «غير أن الميم والنون منها قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فيصير فيهما غنة، ولهذا لو أمسكت بأنفك ورمت التكلم بهذين الحرفين لخرجا ناقصين.» «3»، وهو لفظ سيبويه بتصرف يسير «4». والمجهورة باقي حروف المعجم، وهي تسعة عشر حرفا «5» «6». - وذكر ابن أبي مريم أن الحروف قد تتفاوت في الجهر والهمس، قال: «فبعض المجهورة أجهر من بعض، وبعض المهموسة أهمس من بعض، والذوق يعرّفك ذلك.» «7» - وأورد طريقة لاختبار الهمس والجهر في الحروف، قال: «وتعرف المهموسة بأنه يمكنك تكرير الحروف مع جري النّفس به، ولا يمكنك ذلك في المجهورة. وبيان ذلك أنك إذا قلت في المجهور: إد، فلا تجد معه نفسا، وإذا قلت في المهموس: اس، فتجد نفسا جرى معه.» «8»
- الشدة والرخاوة:
فالنّفس، وهو هواء الزفير، أكثر في الأصوات المهموسة منه في الأصوات المجهورة «1». - ونصّ أبو علي وابن جني وابن أبي مريم على أن المجهور أقوى صوتا من المهموس «2»، وجعل ابن أبي مريم من ذلك وجه التسمية فيهما «3» «4». - الشدة والرخاوة: - قسّم المهدوي الحروف في الشدة والرخاوة إلى ثلاثة أقسام: الأول- شديدة لا يخالطها الصوت، وهي حروف اشتدّ لزومها فامتنع الصوت أن يخالطها، وهي ثمانية: الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والطاء، والدال، والتاء، والباء؛ يجمعها قولهم: (أجدك قطّبت). والثاني- شديدة يخالطها الصوت، فهذه شديدة لكن لم يشتدّ لزومها في مخارجها حتى لا يخالطها الصوت إلى انقطاعها، وهي خمسة: العين، واللام، والنون، والراء، والميم؛ يجمعها قولهم: (من رعل) «5». والثالث- رخوة يجري الصوت معها، وهي ما عدا ما ذكر من الصنفين الشديدين «6». - وقسّمها ابن أبي مريم في الاعتبار نفسه إلى ثلاثة أقسام أيضا:
الأول- شديدة، وهي حروف منعت الصوت من أن يجري معها، وهي ثمانية يجمعها قولهم: (أجدتّ طبقك). والثاني- رخوة، وهي حروف يجري الصوت فيها فلا يمتنع من ذلك، وهي ثلاثة عشر حرفا: الهاء، والحاء، والغين، والخاء، والشين، والضاد، والصاد، والزاي، والسين، والظاء، والذال، والثاء، والفاء. والثالث- بين الرخاوة والشدة، فهذه وإن كان الصوت يجري فيها فلم يجر جريانه في الحروف الرخوة، وهي ثمانية يجمعها قولهم: (لم يرو عنّا) «1». - وبين المهدوي وابن أبي مريم اختلاف في عدّة الحروف البينية، والراجح تقديم مذهب المهدوي في الاقتصار على العين واللام والنون والراء والميم، وإخراج الألف والواو والياء منها، لأن الألف لا تكون إلا حرف مدّ، فلا توصف بشدة أو رخاوة، لأن الصوت يجري معها دون حبس أو تضييق. وأما الواو والياء، فإن كانتا حرفي مدّ، فحكمهما حكم الألف، وإلّا ففيهما من اللين ما يجعل إلحاقهما بالرخوة أشبه بالصواب «2». - وتقدّم الحديث عن اختلاف القدامى والمحدثين في مخرج الضاد، وأن ما يغلب على الظن أنها انتقل مخرجها من حافة اللسان وما يليها من الأضراس إلى طرف اللسان وأصول الثنايا العليا «3». وقد صحب هذا الانتقال في المخرج تغيّر في الصفة، بأن كانت رخوة فأصبحت شديدة.
- الإطباق والانفتاح:
- الإطباق والانفتاح: - الحروف المطبقة أو المنطبقة أربعة: الضاد، والطاء، والصاد، والظاء «1». قال المهدوي: «سميت منطبقة، لأن اللسان ينطبق فيها مع الحنك» «2»، وقال ابن أبي مريم: «وإنما سميت مطبقة، لأنك ترفع ظهر لسانك إلى الحنك الأعلى مطبقا له، فيصير الصوت بذلك محصورا فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحرف.» «3» - وما عدا هذه الأربعة من الحروف فمنفتح «4» «5». - وما يرتفع من اللسان عند النطق بحروف الإطباق إلى الحنك إنما هو أقصاه، ويتصل طرفه بمواضعهن، ويتقعر وسطه؛ فلهذه الحروف إذا كما نصّ سيبويه «6» موضعان من اللسان «7». - وأشهر ما يميّز حروف الإطباق في أبواب العربية أنها إذا وقعت فاء في (الافتعال) وما تصرّف منه- أبدلت التاء فيها طاء للمشاكلة «8». - الاستعلاء والاستفال (أو الانخفاض): - الاستعلاء: أن يتصعد الصوت في الحنك الأعلى «9».
والمستعلية سبعة: الخاء، والغين، والقاف، والضاد، والطاء، والصاد، والظاء «1»؛ يجمعها قولهم: (ضغط قظ خص) «2»، وذكر ابن أبي مريم أن أهل المدينة ألحقوا بها العين «3» والحاء، فصارت عندهم تسعة «4». وبيّن المهدوي وجه الاستعلاء في العين والحاء في حديثه عن مذهب الكسائي في الوقف على هاء التأنيث بإمالة الفتحة قبلها، وأنها تمتنع إذا كان قبل الهاء أحد حروف الاستعلاء السبعة، أو الألف، أو العين والحاء. قال: «فأما الحاء والعين فإنما منعتا من الإمالة لقربهما من حروف الاستعلاء، لأنهما أقرب حروف الحلق إلى حروف «5» الاستعلاء، فجعل لهما حكم حروف الاستعلاء، وأيضا فإنهما مشاركتان للألف في الحلق، وأيضا فإن العين والحاء يفتحان عين (يفعل) والماضي على (فعل) إذا كانتا لاما من الفعل، نحو: ذبح يذبح، ويفتحان أنفسهما إذا كانتا عينا، نحو: فعل يفعل، ورحل يرحل.» «6» وقريب من الاستعلاء: التفخيم، قال مكي: «والحروف المطبقة أربعة، وهي: الطاء والظاء والضاد والصاد، وهي حروف التفخيم، ويكون أيضا في الراء واللام في بعض المواضع تفخيم.» «7» وبيّن المهدوي وجه التفخيم في الراء واللام بقوله: «فوجه التفخيم في الراء أنه اجتمع فيها أمران يوجبان ذلك: أحدهما: أنها أقرب حروف طرف اللسان إلى حروف الحنك، فأشبهت حروف الاستعلاء التي هي من الحنك لذلك.
- الذلاقة والإصمات:
والآخر: أنها حرف فيه تكرير، فإذا كانت مفتوحة تكرر الفتح الذي فيها لتكررها، وقد شبهوها بحروف الاستعلاء في منعهم الإمالة بها في نحو: راشد كما يمنعون الإمالة بالمستعلي في نحو: طالب، فثبت أن التفخيم سائغ في الراء لما قلناه. فأما اللام فإنما ساغ التفخيم فيها لشبهها بالراء، ولتداخلها معها أشد المداخلة.» «1» - وما عدا المستعلية من الحروف فمستفل «2». - وخلاصة القول أن حروف الإطباق تلتقي بحروف الاستعلاء في التفخيم، وهو في الأولى أقوى منه في الأخرى، وقد يكون في غيرهما كاللام والراء في بعض المواضع. فأعمّ الثلاثة: التفخيم، ثم الاستعلاء، ثم الإطباق «3». - وينشأ التفخيم من ارتفاع مؤخر اللسان إلى الحنك، وتراجعه إلى الجدار الخلفي للحلق «4». - وأشهر ما يميّز حروف التفخيم في أبواب العربية أنها تمنع الإمالة، ولأجل هذا كان ذكر سيبويه لها في ذلك الباب «5». - الذلاقة والإصمات: - أصل القول في هاتين الصفتين للخليل «6»، وتفرّد ابن أبي مريم بالحديث عنهما من بين أصحاب الاحتجاج، فذكر أن حروف الذلاقة ستة: اللام والنون
والراء، والفاء والباء والميم؛ وهي مجموعة في قولهم: ربّ منفّل، ويقال لها: الحروف المذلقة «1». غير أنه قال: «وإنما سميت بذلك، لأنه يعتمد عليها بذلق اللسان، وهو طرفه» «2»، وليس الأمر على ما قال، لأن الفاء والباء والميم تخرج من الشفة، ولا عمل للسان فيها «3». وإنما سميت بذلك، لأن اللسان مذل بهن وسهلت عليه في النطق «4». فأما وجه الانتفاع بهذه الصفة فهو أنه «لا توجد كلمة من أبنية كلام العرب مما زاد على الثلاثة معراة من أحد هذه الستة إذا كانت حروفها أصلية، اللهم إلا أن تكون الكلمة دخيلا في كلام العرب.» «5» - «وما عدا المذلقة تسمى المصمتة، وإنما دعيت مصمتة، لأنها أصمتت «6» أن تأتي كلمة رباعية أو خماسية أصلية ركّبت منها من غير أن يكون فيها من حروف الذلاقة حرف أو حرفان أو ثلاثة.» «7» وقال مكي في الرعاية: «فهي حروف لا تنفرد بنفسها في كلمة كثيرة الحروف- أعني على أكثر من ثلاثة أحرف- حتى يكون معها غيرها من الحروف المذلقة، وذلك لاعتياصها وصعوبتها على اللسان.» «8»
ب - الصفات المفردة:
ب- الصفات المفردة: - القلقلة: - قال ابن أبي مريم: «ومن الحروف ... ما يسمّى حروف القلقلة، ويقال: اللقلقة أيضا، وهي حروف مشربة في مخارجها، إلا أنها تضغط ضغطا شديدا، فإن لها أصواتا كالحركات تتقلقل عند خروجها، أي: تضطرب، ولهذا سميّت حروف القلقلة، وهي خمسة: القاف، والجيم، والطاء، والدال، والباء؛ وهي مجموعة في قولك: قد طبج «1». وزعم بعضهم أن الضاد والزاي والذال والظاء منها، لنتوّها وضغطها في مواضعها، إلا أنها وإن كانت مشربة في المخارج، فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة التي ذكرناها، لكن يخرج معها عند الوقوف عليها شبه النّفخ.» «2» والإشراب هو: خروج صويت من الفم عند الوقف على الحرف «3»، وهو في اللغة الخلط، قال الله تعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة 93]، فكأن الحرف المشرب لمّا أتبع بذلك الصويت خلط به. والحروف المشربة على ثلاثة أضرب: الأول- حروف القلقلة: وهي: القاف، والجيم، والطاء، والدال، والباء «4». وتنطق هذه الحروف في الوقف على دفعتين تكون في الأولى احتباسية، وفي الأخرى انفجارية مقطوعة بإقفال حنجري.
وكان مكي أدرك شيئا من هذا حينما قال، وقد أخذ في بيان معنى القلقلة: «وإنما سميت بذلك لظهور صوت يشبه النّبرة عند الوقف عليهن وإرادة إتمام النطق بهن.» «1» والثاني- حروف النّفخ: وهي: الضاد، والراء، والزاي، والظاء، والذال. ويسمع النفخ في الوقف على هذه الحروف من جرّاء تتابع آخر هواء الزفير، وقد فتر، من منفذ ضيق أو متكرر الإغلاق (كما في الراء) «2». والثالث- حروف النّفث: وهي: الهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والتاء، والصاد، والسين، والثاء، والفاء. ولمّا كان جميع هذه الحروف مهموسا، احتاج النطق بها إلى إخراج نفس أكثر، وبذل جهد أقوى، وكل هذا يصنع النفث الذي يسمع عند الوقف على هذه الحروف «3». ومن الحروف حروف غير مشربة (بتر) «4»، لا يسمع في الوقف عليها شيء، وهي: الهمزة، والعين، والغين، واللام، والنون، والميم «5» «6».
والهمزة أمّ هذا الباب، لأن الوقف عليها يكون بانطباق الطيتين الصوتيتين، فلا يحدث بعد ذلك تسرّب للهواء يسمع معه صوت. وأما الوقف على حروف المدّ واللين، فيكون بانقطاع آخر الصوت في موضع الهمزة «1»، أي بانطباق الطيتين الصوتيتين انطباقا محكما كما في نطق الهمزة. - وقال ابن أبي مريم: «وامتحان حروف القلقلة أن تقف عليها، فإذا وقفت خرج منها صويت مثل النفخ، لنتوها في اللها واللسان.» «2» ومردّ اختيار الوقف لامتحان حروف القلقلة أن الصويت الذي يلحق الحروف المشربة، وحروف القلقلة منها، تختلف مراتبه في الحركة والسكون المدرج والوقف، وأتمّها موقوفا عليه. قال ابن جني: «فأقوى أحوال ذلك الصوت عندك أن تقف عليه، فتقول: اص. فإن أنت أدرجته انتقصته بعضه، فقلت: اصبر. فإن أنت حرّكته اخترمت الصوت البتة، وذلك قولك: صبر. فحركة ذلك الحرف تسلبه ذلك الصوت البتة، والوقوف عليه يمكّنه فيه، وإدراج الساكن يبقّي عليه بعضه.» «3» وقال من قبل: «وسبب ذلك عندي أنك إذا وقفت عليه ولم تتطاول إلى النطق بحرف آخر من بعده تلبثت عليه، ولم تسرع الانتقال عنه، فقدرت بتلك اللّبثة على إتباع ذلك الصوت إياه. فأما إذا تأهبت للنطق بما بعده وتهيأت له، ونشّمت «4» فيه، فقد حال ذلك بينك وبين الوقفة التي يتمكن فيها من إشباع ذلك الصويت، فيستهلك إدراجك إياه طرفا من الصوت الذي كان الوقف يقرّه عليه ويسوّغك إمدادك إياه به.» «5»
- الصفير:
- الصفير: - حروف الصفير: الصاد، والزاي، والسين «1»؛ ومنهم من ألحق بها الشين «2». وسميت بذلك للصفير الذي يسمع عند النطق بهن «3». وتختص حروف الصفير بأن حروف طرف اللسان تدغم فيها، ولا تدغم هي في حروف طرف اللسان، لما فيها من زيادة الصوت بالصفير. قال أبو علي: «ألا ترى أن الصاد والسين والزاي لم يدغمن في الطاء والتاء والدال، ولا في الظاء والثاء والذال، لما فيهن من زيادة الصوت التي ليست في هذه الستة وهو الصفير، وأدغمن فيهن.» «4» «5» - التفشي: - هو أن ينتشر الصوت بالحرف بعد خروجه، حتى يخالط مخرج غيره «6». ويسمّى أيضا الاستطالة، وكلاهما بمعنى، بآية مجيئهما معا في كثير من أقوال النحاة مجيء المترادفين، نحو قول أبي علي في احتجاجه لقراءة أبي عمرو: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً [العاديات 1] بإدغام التاء في الضاد: « ... لأن الضاد تفشى الصوت بها واتسع واستطال، حتى اتصل صوتها بأصول الثنايا وطرف اللسان، فأدغم التاء فيها وسائر حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، إلا حروف
الصفير، فإنها لم تدغم في الضاد، ولم تدغم الضاد في شيء من هذه الحروف، لما فيها من زيادة الصوت، فكره إدغامها فيما أدغم فيها من هذه الحروف، لما فيها من التفشي والاستطالة، حتى اتصلت بأصول الثنايا، مع أنها من وسط اللسان ... » «1» وقوله أيضا في أن الحروف وإن تفاوتت قوة وضعفا تستوي جميعا في الوزن: « ... ألا ترى أن الضاد، وإن شغلت في خروجها مواضع لتفشيها واستطالتها، بمنزلة النون التي تخرج من الخياشيم في الوزن؟» «2» على أنه شاع لدى المتأخرين تخصيص الاستطالة بالضاد «3». - وينبني على القول بتفشي حرف جواز إدغام حروف المخرج الذي اتصل صوته به فيه، أو إبدالها منه. - والحروف المتفشية ثلاثة: الشين، والضاد، والفاء «4». فأما الشين والضاد فلحق الصوت بهما حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، قال أبو علي في الاحتجاج لقراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب: يَوْمَ تَشَقَّقُ [الفرقان 25] بتشديد الشين: «وتقدير تشّقّق: تتشقّق، فأدغم التاء في الشين، لأن الصوت بالشين يلحق بمخارج هذه الحروف التي من طرف اللسان وأصول الثنايا «5»، فأدغمن فيها كما
- الانحراف:
أدغمن في الضاد لما كانت كذلك، وكما يدغم بعضهن في بعض.» «1» وأما الفاء فلحق الصوت بها مخرج الثاء، قال أبو علي: «فأما إدغام الكسائي الفاء في الباء في نَخْسِفْ بِهِمُ «2» [سبأ 9]، فإن إدغام الفاء في الباء لا يجوز، وإن جاز إدغام الباء في الفاء، وذلك أن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا، وانحدر الصوت بها إلى الفم حتى اتصلت بمخرج الثاء، حتى جاء مثل: الجدث والجدف، والمغافير والمغاثير «3»، فتعاقبا على الحرف للمقاربة التي بينهما، فلما اتصلت بمخرج الثاء صارت بمنزلة حرف من تلك الحروف، فلم يجز إدغامها في الباء، لأنه لمّا اتصل بما ذكرنا صار بمنزلة حرف من ذلك الموضع، فكما أن ذلك الحرف الذي اتصل الفاء به لا يدغم في الباء، كذلك الفاء لا تدغم في الباء.» «4» «5» - الانحراف: - المنحرف هو اللام وحده «6»، وعند ابن أبي مريم أنه سمّي بذلك، «لأن اللسان ينحرف فيه مع الصوت ويتجافى في ناحيتي مستدق اللسان عن اعتراضه
- الغنة:
على الصوت، فيخرج الصوت عن الناحيتين وما فوقهما» «1»، وهو قريب مما ذكره سيبويه «2»؛ وعند المهدوي أن اللام «سميت بذلك، لأنها شاركت أكثر الحروف في مخارجها» «3»، وهو قريب مما ذكره مكي في الرعاية «4». وكأنهم أرادوا أن يعللوا بهذه الصفة كثرة الحروف التي تدغم فيها (أل) التعريف، وأن هذا إنما كان لانحراف اللام عن مخرجها، حتى اتصلت بمخرج غيرها «5». وعند المحدثين أن اللام تنطق بوضع عقبة في وسط مجرى الهواء، مع ترك منفذ له عن جانبيها، ولهذا سميت بالمنحرفة أو الجانبية «6». وهو مما يرجّح قول سيبويه وموافقيه. - الغنة: - هي: «الصوت الذي في الخياشيم، تعرفه إذا أمسكت إصبعك على أنفك، فينقطع الصوت. فالصوت المنقطع في تلك الحال هو الغنة.» «7» «8» وشبّهه ابن أبي مريم بأصوات الحمائم والقماريّ «9».
- التكرير:
- وحروفها عند المهدوي: النون والميم مطلقا «1»، وعند مكي: الساكنان «2»، وابن أبي مريم كالمهدوي «3»، غير أنه ذكر أن النون إذا كانت متحركة لا تخلو من غنة، وهي في الساكنة أقوى «4». - وما يميّز الغنة من سائر الأصوات في النطق أن أقصى الحنك (الطّبق) ينخفض معها، فيمرّ الهواء من الأنف لا الفم «5». - التكرير: - المكرر هو الراء «6» «7»، «وذلك لأن الواقف إذا وقف على الراء وجد طرف اللسان يتعثّر بما فيه من التكرير «8»، وذلك يعدّ في الإمالة بحرفين، والحركة فيه تنزّل منزلة حركتين «9».» «10» ويكمن سرّ قوة الحركة في الراء في أمرين: الأول: أن نطق الراء يكون بطرقات سريعة متتابعة تتخللها عناصر حركية صغيرة «11».
- الهت:
والآخر: أن الراء تتسبب في طول الحركات بعدها «1». - واستدلّ ابن أبي مريم على التكرير في الراء ب «أنها لا تدغم في مقاربها، وإن كان مقاربها يدغم فيها، لأن ما فيها من التكرير يزول بإدغامها في غيرها.» «2» «3» - وتفرّد ابن خالويه بنسبة التكرير إلى القاف أيضا، قال في قراءة أبي عمرو وشعبة وحمزة وروح وخلف: بِوَرِقِكُمْ [الكهف 19] بإسكان الراء: «والحجة لمن أسكن أنه استثقل توالي الكسرات في الراء والقاف، للتكرير الذي فيهما.» «4» وقال في قراءة حفص: وَيَتَّقْهِ [النور 52] بإسكان القاف وكسر الهاء: «والحجة لمن أسكن القاف وكسر الهاء أنه كره الكسر في القاف لشدتها وتكريرها، فأسكنها تخفيفا ... » «5» - الهتّ: - المهتوت هو التاء «6»، «سمّي بذلك لضعفه وخفائه، لأنه يقال: هتّ البكر في صوته، إذا ضعّفه.» «7»
- الخفاء:
- الخفاء: - الحروف الخفية هي: حروف المدّ واللين ولا سيما الألف «1»، والهاء «2»، والنون الساكنة إذا تقدّمت أحد حروف الفم «3». ومعنى الخفاء في هذه الحروف أنها لا تحتاج إلى كبير جهد في النطق، قال ابن جني: «ولم يسكن أبو عمرو يَأْمُرُهُمْ [الأعراف 157] كما أسكن يَأْمُرُكُمْ [البقرة 67]، وذلك لخفاء الهاء وخفتها، فجاء الرفع على واجبه. وليست الكاف في (يأمركم) بخفية ولا خفيفة خفة الهاء ولا خفاءها، فثقل النطق بها فحذف ضمتها.» «4» وقال مكي: «والألف أخفى هذه الحروف، لأنها لا علاج على اللسان فيها عند النطق بها ... » «5» حروف المدّ واللين:- ذكر المهدوي أن علة مدّ هذه الأحرف إذا جاء بعدها همزة خفاؤها وبعد مخرج الهمزة، قال: «وأما مدّها بسبب مجاورة الهمزة، فإنما كان ذلك لخفاء كل واحد من حروف المدّ واللين وبعد مخرج الهمزة. فإذا جاور الهمزة حرف مدّ ولين خفي معها لضعفه وبعد مخرجها، فقصد القراء بالمدّ بيان الحرف وإخراج الهمزة من مخرجها مع المدّ.» «6»
- ونصّ ابن أبي مريم على أن الألف «حرف في غاية الخفاء» «1»، وكان أبو علي أوضح وجه الخفاء في الألف عند احتجاجه لقراءة الكسائي بإمالة الألف المتطرفة من تراءى [الشعراء 61] وقفا بقوله: «وفي الألف خفاء شديد من حيث لم تعتمد في إخراجها على موضع، فصارت لذلك بمنزلة النفس من أنه لا يعتمد له على موضع، فبيّنها بأن نحا بها نحو الياء وقرّبها منها. ويدلك على حسن هذا أن قوما يبدلون منها الياء المحضة في الوقف، فيقولون: أفعي، وحبلي «2»؛ وآخرون يبدلون منها الهمزة، فيقولون: هذه حبلأ، ورأيت رجلأ «3». فكذلك نحا بالألف بإمالتها نحو الياء ليكون أبين لها ... » «4» الهاء:- يدلّ على خفاء الهاء: 1 - أن هاء الكناية لمّا كانت اسما على حرف واحد، قوّوها بزيادة واو، فقالوا: ضربهو زيد، لتخرجها هذه الواو من الخفاء إلى الإبانة «5» «6». 2 - وأنهم لم يعتدّوا بها حاجزا حصينا في مواضع منها: آ- أنها إذا جاءت بعد كسرة أو ياء، قلبت الواو بعدها ياء، نحو: به وعليه، كرهوا الخروج من كسر إلى ضم، ولم يعتدّوا بالهاء لخفائها «7» «8».
ب- وأن أكثر القراء على حذف صلة الهاء إذا جاءت بعد ساكن، نحو: منه وفيه، كرهوا الجمع بين ساكنين ليس بينهما حاجز إلا الهاء، وهي حرف خفي لا يعتدّ به «1» «2». ج- وأنهم أمالوا الألف للكسرة قبلها، وقد حال بينهما حرفان أحدهما الهاء، نحو: يريد أن ينزعها، ويريد أن يضربها، فكأنهم قالوا: ينزعا، ويضربا؛ ولم يعتدوا بالهاء لخفائها «3» «4». د- وأن من أتبع الحركة في (ردّ) فقال: ردّ يا هذا، لم يقل إلا: ردّها بالفتح، كأنه قال: ردّا، ولم يعتد بالهاء لخفائها «5» «6». 3 - وأن من العرب من يقول في الوقف: منه وعنه، نقلوا حركة الهاء إلى الحرف الذي قبلها ليبينوها بذلك في الوقف، فإذا وصلوا تحركت الهاء فزال بعض الخفاء الذي فيها «7» «8». - وزاد ابن أبي مريم على خفاء الهاء بأن جعلها هوائية، قال في الاحتجاج لعدم إبدال تاء الجمع في الوقف هاء: «وإنما لم تبدل من التاء في الجمع الهاء، لئلا يلتبس الجمع بالواحد في: بنات وحصاة، وأيضا فإن الهاء حرف هوائي قريب من الألف فيثقل وقوعها بعد الألف؛ ألا ترى أنك تقلب الهاء همزة في
نحو: شاء وماء، لمّا وقعت بعد الألف، فلهذا لم تقلب التاء هاء في الجمع حالة الوقف.» «1» والهوائية كما سيأتي بعد هي ألّا يكون للحرف حيّز يعتمد عليه في خروجه، وهي صفة لحروف المدّ واللين. على أن من المحدثين من ذكر أن الهاء صامت ضعيف، وهو أشبه شيء بالصوائت المهموسة وأنصافها «2». النون الساكنة:- معنى خفاء النون هنا أنها إذا كانت ساكنة فلها مخرجان: مخرج لها من الفم، ومخرج لغنتها من الخياشيم. فإذا جاء بعدها أحد حروف الفم، استعملوا ألسنتهم فيها من مخرج غنتها فقط، وكان ذلك أخف. قال مكي: « ... ولذلك قال سيبويه «3» في تعليل خفائها قال: وذلك لأنها من حروف الفم، وأصل الإدغام لحروف الفم، لأنها أكثر الحروف. فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرج من غير الفم- يعني من الخياشيم- كان أخف عليهم ألّا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة. يريد: أنهم لو أتوا بالنون مظهرة للزمهم استعمال ألسنتهم بالنون من مخرج الساكنة ومن مخرج غنتها. فكان استعمالهم لها من مخرج غنتها أسهل، مع كثرتها في الكلام، فاستعملوها خفية بنفسها ظاهرة بغنتها، وكان ذلك أخف، إذ لا لبس فيه.» «4»
- الهوي:
- الهويّ: - حروفه الألف والواو والياء المديتان، ويقال لها: الهاوية، «لأنها تهوي في الفم وليس لها أحياز من الفم تعتمد في خروجها عليها. وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوي «1»، ولا شك في أن الألف أشد هويا في الفم، لأنه أشد امتدادا واستطالة، فهو يتمحض في كونه للمدّ.» «2» - وتسمّى هذه الحروف أيضا حروف المدّ واللين، «لامتداد الصوت بهن [و] لخروجهن في اللفظ بلين من غير كلفة على اللسان واللهوات.» «3» وتسمى أيضا الذوائب، «لأنها تذوب وتلين وتمتدّ.» «4» وتسمى أيضا الهوائية، «لأنها تخرج في هواء الفم.» «5» 6 - القوة والضعف في الصفات: - أفرد مكي في مقدمات أصول الإدغام والإظهار بابا في معرفة الحروف القوية والضعيفة، جاء فيه: «اعلم أن الضعيف «6» في الحرف يكون بالهمس وبالرخاوة، فإذا اجتمعا في الحروف «7» كان أضعف له ...
7 - العلاقة الكمية بين حروف المد والحركات:
واعلم أن القوة في الحرف تكون بالجهر وبالشدة وبالإطباق والتفخيم وبالتكرير وبالاستعلاء وبالصفير وبالاستطالة وبالغنة وبالتفشي ... فبهذه الصفات يقوى الحرف وبعدمها يضعف، وكلما تكررت فيه الصفة القوية كان أقوى للحرف، وكذلك إذا تكررت في الحرف الصفة الضعيفة كان أضعف.» «1» - والقوة هنا تعني زيادة الصوت بالحرف زيادة تجعل مقاربه يدغم فيه، ولا يدغم هو في مقاربه، لئلا تذهب تلك الزيادة بالإدغام «2». 7 - العلاقة الكمية بين حروف المدّ والحركات: - وردت بعض الإشارات في كتب الاحتجاج إلى العلاقة الكمية بين حروف المدّ والحركات، منها أن الحركات بعض حروف المدّ، قال المهدوي في حديثه عن أن المدّ لا يقع إلا في الألف والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها دون سائر الحروف: «وإنما كان ذلك لأن هذه الحروف أصوات، والحركات مأخوذة منها، فامتداد الصوت بها ممكن، ويسوغ فيه التطويل والتوسط والتقصير، ولا يسوغ ذلك في شيء من الحروف سواهن.» «3» ومنها أيضا أن حروف المدّ تنشأ عن إشباع الحركات «4».
- وقدّر ابن خالويه أن الياء المدّية تعدّ بكسرتين «1»، قال: «وَجْهِيَ لِلَّذِي «2» [الأنعام 79] فتحها نافع وابن عامر وحفص عن عاصم. والاختيار الإسكان إذا لم يستقبلها همزة، غير أن من فتحها كره أن يجمع بين أربع كسرات: كسرة الهاء واللام، والياء تعدّ بكسرتين.» «3» - ونبّه أبو علي على أن المدّ في الألف أكثر منه في الواو والياء «4»، واستدلّ على ذلك بجواز وقوع الساكن بعدها أو شبهه وهو همزة بين بين، وبامتناعها من الإدغام مع جوازه فيهما. قال: «ومما يدلّك على زيادة المدّ في الألف استجازتهم تخفيف الهمزة بعدها في: هباءة والمسائل وجزاء أمه «5»، ولم يفعلوا ذلك بها مع الواو والياء، ولكن قلبوها إلى لفظها في: مقروّ والنّسيّ «6»، ومن ثمّ استجاز يونس «7» إيقاع الخفيفة
8 - مكان الحركات من الحروف:
بعدها في فعل الاثنين وجماعة النساء «1»، وقرأ بعضهم «2» فيما روي لنا: وَمَحْيايَ وَمَماتِي [الأنعام 162]. وأما امتناعها من الإدغام وجوازه فيهما، فإن إدغامها لم يجز في واحدة منهما لما فيها من زيادة المدّ ... » «3» ووجه الاستدلال على زيادة المدّ في الألف بجواز وقوع الساكن بعدها: أن هذه الزيادة قامت مقام الحركة، حتى كأن الألف حرف متحرك «4». 8 - مكان الحركات من الحروف: - ذهب أبو علي إلى « ... أن الحركة في التقدير كأنها تلي الحرف المتحرك بها، والحرف قبلها. يدلّك على ذلك أنها لا تخلو من أن تكون قبله أو بعده «5»، فلا يجوز أن تكون قبله، لأنها لو كانت كذلك لكانت الياء من اليسار لا تنقلب واوا، والواو من الوعد لا تنقلب ياء في: (ميعاد) أو (موسر)؛ ألا ترى أن الميم لا تقلب هذين الحرفين؟ فلما انقلبا علمت أن الموجب لقلبهما ملازمتهما الياء أو الواو.» «6» أراد: أن قلب الواو ياء في نحو (ميعاد) يدلّ على أن الكسرة بعد الميم لا قبلها، لأنه لو كانت قبلها لم تل الواو، وإذا لم تلها لم يجب قلبها لحجز الميم بينهما.
وكذلك قلب الياء واوا في نحو (موسر) «1». - واستند المهدوي إلى أن الحركات مقدرة بعد الحروف في تفسيره بعض الظواهر الصوتية: آ- قال في تخفيف الهمزة الساكنة بإبدالها حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها: «فإن قال قائل: لم أبدلت بحركة ما قبلها ولم تبدل بحركة ما بعدها، وكل واحد قريب منها؟ فالجواب عن ذلك: أن حركة ما قبلها أقرب إليها بسبب أن الحركات مقدرة بعد الحروف، فالضمة في (مؤمن) مقدرة بعد الميم، والكسرة التي في الميم التي بعد الهمزة مقدرة أيضا بعد الميم، فالميم حائلة بين الهمزة والكسرة، فحركة ما قبلها على هذا الذي شرحناه أقرب إليها.» «2» ب- وقال أيضا: «فإن قال قائل: قد رأيناهم يجيزون جعل الهمزة بين بين إذا كانت قبل الساكن نحو: (سألت) وما أشبهه، ومنعوا من ذلك إذا كانت بعد الساكن، والذي يتوقّى من التقاء الساكنين يكون فيها إذا كانت قبل الساكن أو بعده؟ فالجواب عن ذلك: أن الحركات مقدرة بعد الحروف على حسب ما قدمناه، فإذا كانت همزة بين بين بزنة المتحركة وسبقت الساكن، كانت حركتها حائلة بينها وبين ذلك الساكن، فجاز وقوعها قبل الساكن لذلك. وإذا كانت همزة بين بين بعد الساكن وحركتها مقدرة بعدها لم يكن بينها وبين الساكن حائل، فلذلك افترق وقوعها قبل الساكن من وقوعها بعده.» «3» ج- وقال في إجماع القراء على ترقيق الراء الساكنة إذا انكسر ما قبلها:
9 - دلالة الأصوات:
«فإن قال قائل: لم أجمعوا على ترقيق الراء الساكنة إذا انكسر ما قبلها نحو: (فرعون) و (شرعة)، ولم يرققوها إذا انكسر ما بعدها نحو: (مرجع)؟ فالجواب عن ذلك: هو ما قدمناه من أن الحركات مقدرة بعد الحروف، فكسرة الفاء من (فرعون) مقدرة بين الفاء والراء، فقربت من الراء فكأنها عليها، وكسرة الجيم من (مرجع) مقدرة بعد الجيم، فالجيم في التقدير حائلة بين الراء والكسرة. وهذا مذهب مشهور قد نصّ عليه سيبويه وغيره من النحويين «1»، أعني: تقدير الحركات بعد الحروف ... » «2» 9 - دلالة الأصوات: - ليس عجيبا أن يتفرّد ابن جني بهذا الباب دون سائر أصحاب الاحتجاج «3»، فعنايته به أشهر من أن تخفى على أحد. - من ذلك أنه في احتجاجه لقراءة أبي عمرو: ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ [النمل 20] بإسكان الياء، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي [يس 22] بتحريكها- نسب إلى الإسكان معنى جواز الوقف، وإلى التحريك معنى وجوب الوصل. قال: «ومما يتلقّاه عامة من يسأل عنه بأنه أخذ باللغتين، وسعة باختلاف اللفظين: قراءة أبي عمرو: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ بسكون الياء من (لي)، وقراءته أيضا: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي بتحريك الياء.
وعلة ذلك ليس الجمع بين اللغتين كما يفتي به جميع من تسأله عنه، لكنه لمّا جاز الوقف على قوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ، وأن يستأنف فيقول: لا أَرَى الْهُدْهُدَ- سكّن الياء من (لي)، أمارة لجواز الوقوف عليها. ولمّا لم يحسن الابتداء بقوله: لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي، حرّك الياء من (لي) قبلها، أمارة لإدراج الكلام ووصله، وذاك أن الحركة من أعراض الوصل، والسكون من أعراض الوقف. فهل يحسن مع وجود هذا الفرق الواضح الكريم، أن يخلد دونه إلى التعذّر بما يخلد إليه الموهون المضيم «1»؟» «2» - ومنه أن ما جاء على (فعلان) من الصفات والمصادر فيه معنى الحركة والخفة والإسراع، قال: «أكثر ما جاء فعلان في الأوصاف والمصادر. فالأوصاف كقولهم: رجل شقذان للخفيف، وقالوا: أكذب من الأخيذ الصّبحان بفتح الباء كما ترى، وقد روي الصّبحان بتسكينها «3»؛ ويوم صخدان ولهبان لشدة الحرّ، وعير فلتان «4»، ورجل صميان: ماض منجرد. وأما المصادر فنحو: الوهجان، والنّزوان، والغليان، والغثيان، والقفزان، والنّقران.
والمعنى في الوصف والمصدر جميعا من هذا المثال: الحركة والخفة والإسراع ... » «1» «2» - ومنه أن الزيادة في الصوت تكون لزيادة في المعنى، فذكر « ... أن الأصوات تابعة للمعاني، فمتى قويت قويت، ومتى ضعفت ضعفت، ويكفيك من ذلك قولهم: قطع وقطّع، كسر وكسّر، زادوا في الصوت لزيادة المعنى، واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه.» «3» وقال في قراءة من قرأ: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة 3] بغير ألف: «كأن متجنفا أبلغ وأقوى معنى من متجانف، وذلك لتشديد العين، وموضوعها لقوة المعنى بها، نحو: تصوّن هو أبلغ من تصاون، لأن تصوّن أوغل في ذلك، فصحّ له وعرف به، وأما تصاون فكأنه أظهر من ذلك، وقد يكون عليه، وكثيرا ما لا يكون عليه ... » «4» - ومنه تقارب الألفاظ لتقارب المعاني، قال: «اعلم أن العرب تقارب بين الألفاظ والمعاني إذ كانت عليها أدلة، وبها محيطة. فمن ذلك ما نحن عليه، وهو نحت ينحت، والتاء أخت الطاء، وقد قالوا: نحط ينحط، إذا زفر في بكائه، فكأن ذلك الضغط الذي يصحب الصوت ينال من آلة النفس، ويحتّها ويسفنها، فيكون كالنحت لما ينحت، لأنه تحيّف له وأخذ منه.» «5» وقال في الدلالة على أن (الأمر) بمعنى الكثرة: «ومن بعد فالأمر من
(أم ر)، وهي محادّة للفظ (ع م ر) ومساوقة لمعناها، لأن الكثرة أقرب شيء إلى العمارة. وما أكثر وما أظهر هذا المذهب في هذه اللغة! ومن تنبّه عليه حظي بأطرف الطريف وأظرف الظريف.» «1» - ومن تقارب الألفاظ لتقارب المعاني أن يختصّ كل معنى بما يشاكله من اللفظ «2»، قال في الاحتجاج لقراءة من قرأ: فقبصت قبصة [طه 96] بالصاد فيهما: «القبض بالضاد معجمة باليد كلّها، وبالصاد غير معجمة بأطراف الأصابع. وهذا مما قدمت إليك في نحوه تقارب الألفاظ لتقارب المعاني، وذلك أن الضاد لتفشيها واستطالة مخرجها ما «3» جعلت عبارة عن الأكثر، والصاد لصفائها وانحصار مخرجها وضيق محلّها ما «4» جعلت عبارة عن الأقل.» «5» وقال: «وينبغي أن يعلم أن (غ ش ي) يلتقي معناها مع (غ ش و)، وذلك أن الغشاوة على العين كالغشي على القلب، كل منهما يركب صاحبه ويتجلّله، غير أنهم خصّوا ما على العين بالواو، وما على القلب بالياء، من حيث كانت الواو أقوى لفظا من الياء، وما يبدو للناظر من الغشاوة على العين أبدى للحسّ مما يخامر القلب، لأن ذلك غائب عن العين، وإنما استدلّ عليه بشواهده لا بشاهده ومعاينه ... » «6»
- ومنه الاشتقاق الأكبر، وهو أن يجمع تقاليب المادة الواحدة معنى واحد «1». قال في قراءة من قرأ: حرث حرج [الأنعام 138] وقراءة الناس: (حجر): «قد قدّمنا في كتابنا الخصائص صدرا صالحا من تقلّب الأصل الواحد والمادة الواحدة إلى صور مختلفة يخطمها كلّها معنى واحد ووسمناه بباب الاشتقاق الأكبر «2»، نحو: ك ل م، ك م ل، م ل ك، م ك ل، ل ك م، ل م ك «3». وإنها مع التأمل لها ولين معطف الفكر إليها آئلة إلى موضع واحد ومترامية نحو غرض غير مختلف. وكذلك أيضا يقال: ح ج ر، ج ر ح، ح ر ج، ر ج ح، ج ح ر، وأما ر ح ج فمهمل فيما علمنا. فالتقاء معانيها كلّها إلى الشدة والضيق والاجتماع. من ذلك الحجر وما تصرّف منه، نحو: انحجر، واستحجر الطين، والحجرة، وبقيته؛ وكله إلى التماسك في الضيق. ومنه الحرج: الضيق، والحرج مثله، والحرجة: ما التفّ من الشجر فلم يمكن دخوله. ومنه الجحر وبابه لضيقه. ومنه الجرح لمخالطة الحديد للّحم وتلاحمه عليه. ومنه رجح الميزان، لأنه مال أحد شقيه نحو الأرض فقرب منها، وضاق ما كان واسعا بينه وبينها ... وإذا ثبت ذلك، وقد ثبت، فكذلك قوله تعالى: (حرث حرج) في معنى (حجر)، معناه عندهم أنها ممنوعة محجورة أن يطعمها إلا من يشاءون أن يطعموه إياها بزعمهم.» «4»
- تعليق:- جمهور المحدثين على إنكار الصلة بين الأصوات ومدلولاتها في أكثر ألفاظ اللغة «1»، مع التسليم بأن فيها معاني تتطلب أصواتا خاصّة «2». وأما ما يستشعره أهل اللغة من صلة بينهما فأمر مكتسب لا ذاتي، «نشأ بعد معرفة السامع بالمعنى لا قبله، ولذلك يصعب- بل يتعذر- على الأجنبي أن يحسّ بشيء من هذا التناسب الدلالي الصوتي ما لم يكن على معرفة باللغة، على حين أنه إذا عرف من هذه اللغة أو تلك كلمات كثيرة، وألف طريقة تركيبها، وتذوّق أصواتها- أخذ يربط بين جرسها ومعناها، اكتسابا من سيرورة الاستعمال لا استنتاجا من صلات طبيعية بين كلّ حرف وما يدلّ عليه من معان في حال الإفراد والتركيب.» «3» ******
الفصل الثاني الجوانب التشكيلية (1) أشكال التغيرات الصوتية
الفصل الثاني الجوانب التشكيلية (1) أشكال التغيرات الصوتية المبحث الأول. التغيرات الصوتية في الصوامت: أولا- التغيرات العامة: - الإدغام. - الإبدال. - القلب المكاني. - الحذف. ثانيا- التغيرات الخاصة: - الهمزة. - التاءات. - الراءات. - اللامات. - النون الساكنة والتنوين.
المبحث الثاني- التغيرات الصوتية في الصوائت: أولا- نوع الصوائت: - الإشمام. - الإمالة. - إمالة الفتحة نحو الضمة. - إمالة الضمة نحو الكسرة. - الاختلاس. - الروم. - الإشمام. ثانيا- مدّ الصوائت. ثالثا- إضافة الصوائت. رابعا- حذف الصوائت: 1 - حذف الصوائت القصيرة. 2 - حذف الصوائت الطويلة. خامسا- قلب الصوائت.
المبحث الأول. التغيرات الصوتية في الصوامت:
الجوانب التشكيلية (1) أشكال التغيرات الصوتية- التغيرات الصوتية إما أن تكون في الصوامت، أو في الصوائت. والأولى إما أن تكون تغيرات عامّة، كالإدغام، والإبدال، والقلب المكاني، والحذف؛ وإما أن تكون تغيرات خاصّة بصامت دون غيره، كالتي تصيب الهمزة، والتاءات، والراءات، واللامات، والنون الساكنة والتنوين. المبحث الأول. التغيرات الصوتية في الصوامت: أولا- التغيرات العامة: - الإدغام- 1 - توطئة: - أفرد مكي والمهدوي وابن أبي مريم فصولا تناولوا فيها مباحث الإدغام، لأنه أصل من أصول القراءة «1». وتظهر تبعية هؤلاء لسيبويه في أنهم صدّروا حديثهم عن الإدغام بحديث عن مخارج الحروف وصفاتها، على نحو ما جاء في الكتاب «2». على أن المهدوي بيّن العلة في اقتران هذين البابين من أبواب العربية، فقال: «فإذا كان أصل الإدغام إنما هو لتقارب الحروف في المخارج وامتناع الإدغام لتباعدها، وكان الأزيد مزية من الحروف لا يدغم في الأنقص، وإنما
2 - معنى الإدغام:
يدغم الأنقص في الأزيد- لم يثبت معرفة هذا الباب إلا بمعرفة مخارج الحروف وأصنافها.» «1» 2 - معنى الإدغام: - الإدغام في اللغة: إدخال شيء في شيء، قال الخليل: يقال: أدغمت الفرس اللجام، أي: أدخلته في فيه «2». هذا هو المعروف في كتب اللغة، ومنهم من جعله من الخفاء، قال: ومنه الأدغم من الخيل، وهو الذي خفي سواده فلم يصف، وهو الدّيزج عند العرب (؟). والفعل منه: أدغم يدغم إدغاما، على (أفعل)؛ وادّغم يدغم ادّغاما، على (افتعل). - والإدغام في الاصطلاح: أن تصل حرفا ساكنا بحرف متحرك مثله أو مقاربه، فينبو (يرتفع) اللسان عنهما نبوة واحدة «3» «4». - وتساءل د. عبد الصبور شاهين عن طبيعة الصوت المضعّف: أصامت طويل هو أم صامت مكرّر؟ ورأى أن الجواب عن هذا السؤال يختلف باعتبارين: «فإذا نظرنا في نطق الصامت المضعف إلى طبيعة العملية النطقية ووحدتها، قلنا: إنه صامت طويل «5» يشبه الحركة الطويلة التي تساوي ضعف
3 - علة الإدغام:
الحركة القصيرة؛ هذا من الناحية الصوتية. وأما إذا نظرنا إلى أصله من الناحية الصرفية، أي: من حيث جواز تقسيمه إلى صامتين قصيرين- قلنا: إنه صامت مكرر، كما يحدث عند ما تنقسم الحركة الطويلة إلى حركتين قصيرتين.» «1» 3 - علة الإدغام: - علة الإدغام التخفيف، لأن اللسان إذا لفظ بالحرف من مخرجه، ثم عاد مرة أخرى إلى المخرج بعينه ليلفظ بحرف آخر مثله، صعب ذلك. وشبّهه الخليل بمشي المقيد الذي يرفع رجله من موضع ثم يعيدها إليه «2»، وشبّهه بعضهم بمن قطع مسافة ثم رجع القهقرى، وشبّهه بعضهم بإعادة الحديث مرتين، وكل ذلك ثقيل. فأسكن الحرف الأول وأدغم في الثاني، ليعمل اللسان مرة واحدة، فهو تخفيف وتقليل الكثير «3». 4 - الإدغام والإظهار: - الإظهار هو الأصل، والإدغام فرع عليه، قال مكي: «اعلم أن الإظهار في الحروف هو الأصل، والإدغام دخل لعلة ... وإنما قلنا: إن الإظهار هو الأصل، لأنه أكثر، [و] لأن الواقف يضطر فيه إلى الإظهار، ولاختلاف لفظ الحرفين.» «4»
5 - أصول الإدغام:
وقال المهدوي: « ... إذ الإظهار هو الأصل، وفيه إعطاء كل حرف حقه، لإخراجه من مخرجه.» «1» - ويرى الأزهري أنه كلما جاز الإظهار، فهو أتمّ وأشبع «2». 5 - أصول الإدغام: - تستخلص من كتب الاحتجاج أصول (كلّيات) خمسة للإدغام، هي: آ- يكون الإدغام لتقارب الحروف في المخارج. ب- يقوى الإدغام بانتقال المدغم من ضعف إلى قوة، ويضعف بخلافه. ج- الانفصال أبدا يقوى معه الإظهار، والاتصال أبدا يقوى معه الإدغام. د- يكون الإدغام إذا تحققت المجاورة بين المدغم والمدغم فيه، بأن سكن المدغم أو جاز إسكانه. هـ- أحيانا قد يدغم من الحروف ما لا يدغم في غيرها، لكثرة الاستعمال. - وللإدغام أصول أخرى لم ترد في كتب الاحتجاج، منها ما ذكره سيبويه: « ... أن الأصل في الإدغام أن يتبع الأول الآخر» «3»، وقد يخالف، نحو قراءة من قرأ: يُصْلِحا [النساء 128] في (يصطلحا) «4». آ- يكون الإدغام لتقارب الحروف في المخارج: - قال المهدوي: «فإذا ثبت أن الإدغام إنما يكون لتقارب الحروف في المخارج، والإظهار إنما يكون لتباعدها، فكل حرفين كانا من مخرج واحد،
متماثلين كانا أو متقاربين، فالإظهار لا يجوز فيهما، وذلك نحو التاء في الطاء في قوله تعالى: وَقالَتْ طائِفَةٌ [آل عمران 72]، والتاء في الدال في قوله تعالى: أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ [الأعراف 189]، والدال في التاء في قوله تعالى: قَدْ تَبَيَّنَ [البقرة 256]. فإذا لم تكن الحروف متفقة في المخارج اعتبر ذلك، فإن بعد ما بين الحرفين لم يجز الإدغام، نحو ما بين حروف الحلق وحروف طرف اللسان، وما بين حروف الحنك وحروف الشفتين، وما أشبه ذلك. وإذا تقاربت بعض القرب، ففي هذا الجنس يقع الاختلاف بين القراء. وجملة الاحتجاج عليه أن من أدغم شيئا منها، فإنه أراد التخفيف، وساغ له ذلك بسبب تقارب مخارج الحروف التي أدغمها؛ ولم يراع ذلك من أظهر، وقال: إنما يدغم أحد الحرفين في الآخر إذا كانا من مخرج واحد، فإذا افترقا في المخرج وبعد ما بينهما قليلا، فلا حاجة بنا إلى الإدغام، إذ الإظهار هو الأصل.» «1» - وجعلوا مخارج الحروف على الاختصار ثلاثة: الحلق، والفم، والشفتان. فأما حروف الحلق فستة: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء. وأما حروف الفم فثمانية عشر حرفا: القاف، والكاف، والشين، والجيم، والياء، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والتاء، والزاي، والصاد، والسين، والظاء، والثاء، والذال.
وأما حروف الشفتين فأربعة: الفاء، والباء، والميم، والواو «1». قال مكي: «فيجب أن تعلم أن حروف الحلق لا يدغمن في حروف الفم، ولا في حروف الشفتين، وقد يدغم بعض حروف الحلق في بعض لتقارب المخرج؛ وتعلم أن حروف الفم لا تدغم في حروف الحلق، ولا في حروف الشفتين، ولكن يدغم بعضها في بعض، وفيها يقع أكثر الإدغام خلا الياء، فلا تدغم في غيرها، ولا يدغم غيرها فيها؛ وتعلم أن حروف الشفتين لا تدغم في حروف الحلق، ولا في حروف الفم، لبعد ما بينهن في المخرج، ويدغم بعضها في بعض خلا الواو، فلا تدغم في غيرها، ولا غيرها فيها، خلا أن النون الساكنة والتنوين يدغمان في الياء والواو، وكذلك الميم لا تدغم في الياء.» «2» وقال ابن أبي مريم: «وحروف الحلق أصلها ألّا تدغم «3»، فإن أصل الإدغام أن يكون لحروف الفم «4» لا لحروف الحلق، لأن إخراج الحرف الواحد من الحلق ثقيل، فإذا اجتمع حرفان حلقيان كان أثقل، والإدغام يشتدّ به اللفظ ويغلظ، فاشتداد اللفظ بالثقيل أثقل.» «5» - ومن الحروف حروف فيها تفشّ، وهي: الشين، والضاد، والفاء. وهي بهذا التفشي تخالط كثيرا من الحروف في مخارجها، فيدغم فيها ما لا يدغم في غيرها «6».
ب - يقوى الإدغام بانتقال المدغم من ضعف إلى قوة، ويضعف بخلافه:
ب- يقوى الإدغام بانتقال المدغم من ضعف إلى قوة، ويضعف بخلافه: - وعلة ذلك: «أن الحرف إذا أدغم خفي وضعف، فإذا أدغم في حرف أقوى منه استحال لفظ المدغم إلى لفظ المدغم فيه، فقوي لقوته، فكان في ذلك تدارك وتلاف لما جني على الحرف المدغم.» «1» - وجعل مكي إدغام المتقاربين في الحسن على ثلاثة أضرب: الأول: أن يكون المدغم أضعف من المدغم فيه، فيصير بالإدغام إلى زيادة قوة، وذلك حسن جيد، نحو إدغام التاء في الطاء، لأن الطاء تزيد على التاء في الإطباق. والثاني: أن يكون المدغم والمدغم فيه سواء، فيحسن الإدغام، إذ لا ينتقص المدغم من قوته قبل الإدغام، نحو إدغام الذال في التاء، لأن الذال إذا كانت تزيد على التاء في الجهر، فالتاء تزيد على الذال في الشدة، فهما متعادلتان في القوة. والثالث: أن يكون المدغم أقوى من المدغم فيه، فيصير بالإدغام أضعف من حاله قبل الإدغام، وذلك مكروه ضعيف، نحو إدغام الراء في اللام، لأن الراء تزيد على اللام في التكرير «2». - وعقد مكي بابا في معرفة الحروف القوية والضعيفة جاء فيه: «اعلم أن الضعيف «3» في الحرف يكون بالهمس وبالرخاوة، واعلم أن القوة في الحرف تكون بالجهر وبالشدة وبالإطباق والتفخيم وبالتكرير وبالاستعلاء وبالصفير وبالاستطالة وبالغنة وبالتفشي.
وكلما تكررت فيه الصفة القوية كان أقوى للحرف، وكذلك إذا تكررت في الحرف الصفة الضعيفة كان أضعف. فعلى هذا من الضعف والقوة يبين حسن الإدغام وقبحه.» «1» - وإذا قوي الحرف بزيادة الصوت فيه، فإما ألّا يصحّ فيه الإدغام، وإما أن يدغم في مثله ولا يدغم في مقاربه، وإما ألّا يدغم في مقاربه ويدغم مقاربه فيه. فمن الأول حروف المدّ: (الألف والواو والياء)، لأنه لو أدغمت لاختلت لذهاب الزيادة التي فيها، وهي المدّ «2». ومن الثاني: الواو والياء غير المديتين، لأن كلا منهما يختص بوصف لا يشاركه فيه مقارب، وهو اللين «3». ومن الثالث: الشين والضاد والراء والفاء والميم، «وإنما لم تدغم هذه الأحرف في مقاربها، لأن كل واحد منها فيه زيادة صوت على مقاربه؛ ألا ترى أن في الميم غنة ليست في الباء، وفي الراء تكرارا ليس في اللام، وفي الشين تفشيا ليس في الجيم، وفي الفاء صوتا من باطن الشفة السفلى لا يشاركه فيه حرف، وفي الضاد نوع إطباق ليس في غيرها من الحروف؟ وكذلك كل حرف فيه زيادة صوت لا يجوز أن يدغم فيما هو أنقص صوتا منه، لأن الصوت الزائد الذي يكون فيه يذهب في الإدغام.» «4» «5» غير أن أبا عمرو قرأ بخلف عنه: نَغْفِرْ لَكُمْ [البقرة 58] بإدغام الراء في
ج - الانفصال أبدا يقوى معه الإظهار، والاتصال أبدا يقوى معه الإدغام:
اللام «1»، وقرأ الكسائي: نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ [سبأ 9] بإدغام الفاء في الباء «2»، وقرأ ابن محيصن: ثم أطّرّه [البقرة 126] بإدغام الضاد في الطاء «3». - وأما تفسير ما اشترط لصحة الإدغام من أن يكون المدغم أضعف صوتا من المدغم فيه أو مثله، فهو أن الأول أضعف من الآخر رتبة. فإذا كان أضعف صوتا منه أيضا أو مثله، كانت الغلبة للآخر، فأدغم الأول فيه. وإذا كان الأول أقوى صوتا من الآخر، تحصّن كل منهما عن صاحبه بما فيه من قوة، هذا بصوته، وذاك برتبته، فلم يجز الإدغام. ج- الانفصال أبدا يقوى معه الإظهار، والاتصال أبدا يقوى معه الإدغام: - قال مكي: «والانفصال أبدا يقوى معه الإظهار، لأنك تقف على الحرف الأول، فلا يجوز غير الإظهار؛ والاتصال أبدا يقوى معه الإدغام، إذ لا ينفصل الأول من الثاني في وقف ولا غيره.» «4» «5» د- يكون الإدغام إذا تحققت المجاورة بين المدغم والمدغم فيه، بأن سكن المدغم أو صحّ إسكانه: - قال ابن أبي مريم: «الإدغام إنما يكون في حرفين مثلين يكون الأول منهما ساكنا والثاني متحركا، وقد يكون في حرفين متقاربين يقلب أحدهما إلى جنس الآخر فيدغم فيه. والإدغام إذا كان في مثلين، فلا يخلو من أن يكون المثلان في كلمة واحدة أو كلمتين.
فإن كان الحرفان في كلمة واحدة، فلا يخلو من أن تكون الكلمة ملحقة أو غير ملحقة، فالملحقة لا يجوز فيها الإدغام البتة «1»، وذلك نحو: جلبب جلببة ألحق بدحرج، وفي الأسماء نحو: مهدد ألحق بجعفر، ونحو: قعدد ألحق ببرثن، ونحو: رمدد ألحق بعظلم؛ هذا ما ألحق بالرباعي. فأما ما ألحق بالخماسي فنحو: ألندد وعفنجج ألحقا بسفرجل. وأما إذا كانت الكلمة غير ملحقة، فإن الإدغام قد يكون فيها. ثم لا يخلو من أن يكون الأول من المثلين ساكنا أو متحركا. فإن كان ساكنا فالإدغام لازم، نحو: صدّ وردّ. وإن كان متحركا فهو على ضربين: متحرك يصحّ تسكينه، ومتحرك لا يصحّ تسكينه، فالأول يلزم فيه الإدغام أيضا، وذلك نحو: صدّ وردّ. وأما المتحرك الذي لا يصحّ تسكينه، فإنه لا يجوز فيه الإدغام، وذلك نحو: صددت ورددت، لا يجوز أن تدغم الدال الأولى في الثانية هاهنا، لأن الأولى من الدالين لا يصحّ تسكينها، لأن الثانية ساكنة لأجل لحاق الضمير بها «2». أما ما كان المثلان فيه من كلمتين، فلا يخلو من أن يكون ما قبل الحرف الأول من المثلين متحركا أو ساكنا. فإن كان متحركا جاز الإدغام، وذلك نحو قوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ [الحج 65].
وأما إذا كان ما قبل الأول من المثلين ساكنا، لم يخل الساكن من أن يكون حرف صحة أو حرف مدّ ولين، فإن كان حرف صحة لم يجز الإدغام، لأن الحرف الأول يصير ساكنا بالإدغام، وما قبله ساكن، فيحتاج إلى تحريك الحرف الساكن لأجل الإدغام، ولم يبلغ من قوة المنفصلين أن يحرّك لهما الساكن كما فعل ذلك في المتصل نحو: استعدّ واستمرّ، وذلك أنك إذا قلت: علم موسى، وعبد داود، لم يجز أن تدغم أحد المثلين في الآخر لما ذكرنا، ومثل ذلك قوله تعالى: كُنْتُ تُراباً [النبأ 40] «1». وإذا كان الساكن الذي قبل المدغم حرف مدّ ولين، كان الإدغام جائزا، لأن المدّ الذي يكون فيه: عوض من الحركة، فيصير كأن الذي قبله متحرك، وذلك نحو قوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ [البقرة 247]. وأما إذا كان الحرفان متقاربين وليسا بمثلين، فإن ذلك لا يخلو إما أن يكون في كلمة واحدة أو كلمتين، فإن كان في كلمة واحدة لم يخل أيضا من أن يكون الأول منهما ساكنا أو متحركا، فإن كان ساكنا جاز الإدغام، نحو: لَبِثْتَ [البقرة 259]. وإن كان الأول متحركا فلا يخلو من أن تكون الحركة حركة عين كلمة أو لا تكون كذلك، فإن كانت الحركة حركة عين، لم يجز الإدغام، لأن حركة عين الكلمة مرادة لحفظ الصيغة، قالوا: وطد ووتد، فلم يدغموا لما ذكرنا «2». وأما إذا لم تكن حركة عين، فإنهم يسكنون الأول ويدغمونه في الثاني، وذلك نحو قوله تعالى: فَادَّارَأْتُمْ [البقرة 72]، والأصل: تدارأتم، قلبت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال، ولمّا سكنت الأولى بالإدغام اجتلبت لها ألف الوصل لسكون أول الكلمة، فبقي: ادارأتم.
وأما إذا كان المتقاربان من كلمتين، فإما أن يكون ما قبلهما متحركا أو ساكنا، فإن كان متحركا، كان الإدغام وتركه جائزين، نحو: بَيَّتَ طائِفَةٌ [النساء 81]، وأما إذا كان ما قبلهما ساكنا، فإن الساكن لا يخلو من أن يكون حرف صحة أو حرف مدّ ولين، فإن كان الساكن حرف صحة لم يصحّ الإدغام عند النحويين، نحو: خَلَقْتَ طِيناً [الإسراء 61]، وإن كان حرف مدّ، فإن الإدغام قد يصحّ عندهم قياسا، وذلك نحو قوله تعالى: فَآتِ ذَا الْقُرْبى [الروم 38].» «1»
هـ - أحيانا قد يدغم من الحروف ما لا يدغم في غيرها، لكثرة الاستعمال:
هـ- أحيانا قد يدغم من الحروف ما لا يدغم في غيرها، لكثرة الاستعمال: - فلام التعريف تدغم في أربعة عشر حرفا بلا خلاف في ذلك، وهن: التاء والثاء، والدال والذال، والراء والزاي، والسين والشين، والصاد والضاد، والطاء والظاء، واللام، والنون. وإنما أدغمت لام التعريف في هذه الحروف لمقاربتها لها، ولم يدغم سواها من اللامات فيها كلّها، لكثرة استعمالهم لام التعريف في الكلام، ولشدة ملازمتها الكلمة حتى صارت معها كبعض أجزائها، وللزومها السكون «1» «2».
- الإبدال -
- الإبدال- 1 - ضروب من الإبدال: آ- إبدال السين قبل حروف الاستعلاء صادا: - نحو قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة 6]، قرأ قنبل بخلف عنه، ورويس: (السّراط) بالسين، وقرأ الباقون عدا حمزة: (الصراط) بالصاد. من قرأ بالسين فهو الأصل، وما جاء على أصله لا يسأل عنه. ومن قرأ بالصاد أبدل من السين حرفا من مخرجها يؤاخي الطاء في الإطباق، وهو الصاد، وهي أخفّ على اللسان وأحسن في السمع، لأن العرب تكره الخروج من تسفّل إلى تصعّد، وتستخفّ الخروج من تصعد إلى تسفل؛ ألا تراهم قالوا: صقت في (سقت)، كراهة الخروج من السين إلى القاف، وقالوا: قست، فلم يبدلوا لخفة الخروج من التصعد إلى التسفل؟ والقراءة بالسين مضارعة لما أجمعوا على رفضه من كلامهم؛ ألا ترى أنهم تركوا إمالة (واقد) ونحوه كراهة أن يصعدوا بالمستعلي بعد التسفل بالإمالة؟ إلا أنهم احتملوا هذا الثقل لأنه أصل «1». وقال الأزهري: «والسين والصاد يتعاقبان في كل حرف فيه غين أو قاف أو طاء أو خاء. فالطاء مثل: بَسْطَةً وبَصْطَةً [البقرة 247]، ومثل: مسيطر وبِمُصَيْطِرٍ [الغاشية 22]، والخاء مثل: سلخ الجلد، وصلخه؛ والغين مثل:
ب - خلط الصاد الساكنة قبل الدال بالزاي:
مصدغة ومسدغة؛ والقاف مثل: الصّقر والسّقر، وصقع الديك وسقع. روى ذلك الثقات عن العرب.» «1» - ونحو قوله تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [لقمان 20]، قال ابن جني في قراءة من قرأ: (وأصبغ) بالصاد: «أصله السين، إلا أنها أبدلت للغين بعدها صادا، كما قالوا في سالغ «2»: صالغ، وفي سالخ: صالخ، وفي سقر: صقر، وفي السّقر: الصّقر. وذلك أن حروف الاستعلاء تجتذب السين عن سفالها إلى تعاليهن، والصاد مستعلية، وهي أخت السين في المخرج، وأخرى حروف الاستعلاء. وهذا التقريب بين الحروف مشروح الحديث في باب الإدغام، ومنه قولهم في سطر: صطر، وفي سويق: صويق، وحكى يونس عنهم في السّوق: الصّوق، وروينا عن الأصمعي قال: تنازع رجلان في السّقر، فقال أحدهما: بالصاد، والآخر: بالسين، فتراضيا بأول من يجتاز بهما، فإذا راكب يوضع «3»، فسألاه فقال: ليس كما قلت، ولا كما قلت، إنما هو الزّقر.» «4» «5» ب- خلط الصاد الساكنة قبل الدال بالزاي: - ويسمّى الإشمام، وهو إشراب الصاد صوت الزاي «6». نحو قوله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء 87]، قرأ حمزة
والكسائي وخلف ورويس بخلف عنه: (أصدق) بإشمام الصاد زاء، وقرأ الباقون بصاد خالصة. قال مكي: «قرأه حمزة والكسائي في الصاد إذا أسكنت وأتت بعدها الدال ... بين الصاد والزاي، لأن الصاد حرف مهموس، وبعدها الدال حرف مجهور، فقرّبت الصاد من الدال بأن خلط لفظها بالزاي، لأنه حرف مجهور مثل الدال، فصار اللسان يعمل في حرفين مجهورين، وحسن ذلك لأن الصاد والزاي من مخرج واحد، ومن حروف الصفير.» «1» - ومن العرب من يخلص الصاد زاء، فيقول في (أصدرت): أزدرت، وفي (القصد): القزد «2»، وأنشد ابن دريد «3»: ولا تهيّبني الموماة أركبها ... إذا تجاوبت الأزداء بالسّحر «4» جعلها زاء خالصة، وهي لغة «5». - ومنهم من يبدل السين هذا الإبدال، وذلك قولهم في (يسدل ثوبه): يزدل ثوبه، لكنه في الصاد أعرف منه في السين «6» «7».
ج - إبدال الواو همزة:
ج- إبدال الواو همزة: - نحو قوله تعالى وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ [المرسلات 11]، قرأ أبو عمرو: (وقّتت) بواو، وقرأ الباقون عدا أبا جعفر بخلف عن ابن الجمّاز: (أقّتت) بهمزة. من قرأ بالواو فهو الأصل، لأنه مأخوذ من الوقت «1»؛ ومن قرأ بالهمز، فلأن كل واو ضمّت ضمة لازمة يجوز إبدالها على الاطّراد همزة، استثقالا للضمة عليها «2»، نحو قولهم في (وجوه): أجوه؛ وصلّى القوم أحدانا «3»، أي: وحدانا جمع واحد؛ وفلان بن أدّ، وإنما هو ودّ (فعل) من الودّ «4»؛ وقولهم في (أدور): أدؤر؛ وفي (أسوق): أسوق؛ وقال الراجز «5»: لكلّ دهر قد لبست أثؤبا «6» أراد: أثوبا. - فإذا التقت في أول الكلمة واوان لزم البدل في الأولى، كرهوا الجمع بينهما «7»، نحو: أواع جمع واعية، والأصل: وواع، وقرأ سعيد بن جبير: (هب لي أويرثا) «8»، أراد: وو يرثا، تصغير وارث.
- «فأما بدل الهمزة من الواو إذا كانت مكسورة، فإن أبا عمر «1» يزعم أن ذلك لا يجاوز به المسموع، وغيره «2» يذهب إلى أن بدل الهمزة منها مطّرد كاطّراد البدل من المضمومة.» «3» ومنه قولهم في (وشاح): إشاح، وفي (وعاء): إعاء، وفي (وجاح): إجاح «4». - وأما الواو المفتوحة فإبدالها همزة نادر «5»، قال ابن خالويه: «والأحد بمعنى الواحد، يقال: أحد ووحد وواحد، وامرأة أناة، والأصل: وناة «6». وليس في كلام العرب واو مفتوحة قلبت همزة إلا هذان عند سيبويه «7»، وزاد غيره: أين أخيهم؟ يريد: أين سفرهم، والأصل وخيهم «8»؛ وواحد الآلاء: ألى، والأصل ولى؛ [و] كل مال زكّي ذهبت أبلته، أي: وبلته.» «9» - فإذا كانت ضمة الواو عارضة لم يجز إبدالها همزة، على أن قوما أبدلوا منها الهمزة، فقالوا: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ [البقرة 16]، قال أبو علي:
«وليس إبدال هذه الواو همزة بالقياس، لأن تحريكها بالضم إنما هو لالتقاء الساكنين، والتحريك لالتقاء الساكنين في تقدير السكون. فإذا كان كذلك، فكأنه قد أبدل الهمزة من واو ساكنة، والهمزة لا تبدل من الواو الساكنة. وقد شبّهوا غير اللازم باللازم في مواضع ... » «1» - وشبّهوا الياء بالواو في هذا الإبدال، قال ابن جني في قراءة من قرأ: تَرَيِنَّ [مريم 26] بالهمز: «الهمز هنا ضعيف، وذلك لأن الياء مفتوح ما قبلها، والكسرة فيها لالتقاء الساكنين، فليست محتسبة أصلا، ولا يكثر مستثقله، وعليه قراءة الجماعة: (ترينّ) بالياء لما ذكرنا. غير أن الكوفيين قد حكوا الهمزة في نحو هذا، وأنشدوا: كمشترئ بالحمد أحمرة بترا «2» نعم، وقد حكي الهمز في الواو التي هي نظيرة الياء في قول الله تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ [آل عمران 186]، فشبّه الياء لكونها ضميرا وعلم تأنيث بالواو من حيث كانت ضميرا وعلم تذكير. وهذا تعذّر ما وليس قويا ... » «3» «4»
د - إبدال أحد حرفي التضعيف حرف علة:
د- إبدال أحد حرفي التضعيف حرف علة: - نحو قوله تعالى: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة 259]، قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف بحذف الهاء وصلا وإثباتها وقفا، وقرأ الباقون بإثباتها ساكنة وصلا ووقفا. يحتمل (لم يتسنه) وجهين: إما أن يكون مأخوذا من السنة، والمعنى لم تأت عليه السنون فتغيره، و (السنة) يجتذبها أصلان: الواو والهاء، يقال: اكتريت غلامي مساناة ومسانهة، فإن كان من (س ن هـ)، فالهاء لام الفعل، وسكونها علامة الجزم؛ وإن كان من (س ن و)، فالهاء للسكت، ولام الكلمة حذفت للجزم. وإما أن يكون مأخوذا من حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر 26]، أي: متغيّر، يقال: سنّ اللحم إذا تغيّر ريحه، فيكون أصل (يتسنه): يتسنّن، أبدلوا من النون الأخيرة ياء لاجتماع ثلاث نونات، وقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وحذفت للجزم، والهاء للسكت «1». - وجاء من هذا الإبدال قدر صالح، نحو (دينار) لقولهم: دنانير، و (قيراط) لقولهم: قراريط، و (ديماس) فيمن قال: دماميس «2»، و (ديباج) فيمن قال: دبابيج «3»، و (شيراز) فيمن قال: شراريز «4»، وقال الشاعر «5»:
يا ليتما أمّنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنّة أيما إلى نار «1» أراد: أمّا. وأنشد أبو زيد «2»: «3» فآليت لا أشريه حتى يملّني ... بشيء ولا أملاه حتى يفارقا «4» أراد: ولا أملّه. وقالوا في (تقضّض): تقضّى، قال العجّاج «5»: تقضّي البازي إذا البازي كسر «6» وفي (تظنّن): تظنى «7»، قال الشاعر «8»:
وهذا إذ سمعت تجيب عنه ... ولم تمض الحكومة بالتظني وحكى ثعلب «1»: لا وربيك «2» لا أفعل، أي: لا وربّك. وقرئ: فذانيك [القصص 32]، والوجه أنه شدّد النون من (ذانك) تعويضا عن حذف ألف (ذا)، ثم أبدل من النون الثانية ياء لثقل التضعيف. وقال تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى [القيامة 33]، أي يتمطّط من المطيطاء «3». وقال تعالى: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس 10]، أي: دسّسها. - غير أن أبا علي جعل هذا الإبدال منوطا بالسماع، قال: «وليس كل المضاعف يبدل من حروف التضعيف منه، وإنما يبدل فيما سمع.» «4» «5» «6»
2 - أثر المجاورة في الإبدال:
2 - أثر المجاورة في الإبدال: - كثير من الإبدال يكون عن مجاورة صوت لآخر يتأثر به في بعض صفاته طلبا للتشاكل، نحو قوله تعالى: حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ [القصص 23]، قرأ حمزة والكسائي ورويس وخلف بإشمام الصاد زاء، قال ابن أبي مريم: «والوجه أن الصاد حرف مهموس، وقد جاور الدال، وهو حرف مجهور، فتباعدا، فأرادوا المقاربة بينهما، فأشموا الصاد الزاي، والزاي حرف مجهور، ليحصل بينهما تقارب من جهة الجهر.» «1» - فإذا حجز بين الصوتين حاجز بطل الإبدال أو ضعف، وقد يكون الحاجز صائتا أو صامتا أو أكثر. وضعّف أبو علي قراءة من أخلص الصاد زاء في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة 6] بأن من أبدل الصاد زاء في نحو: (أصدرت) إذا تحركت الصاد نحو: (صدر) لم يبدل، لحجز الحركة، فألا يبدل مع طول الفصل بالحرف والحركة في (الصراط) أولى. قال: «فأما القراءة بالزاي فليس بالوجه، وذلك أن من قال في (أصدرت): أزدرت، وفي (القصد): القزد، فأبدل من الصاد الزاي، فإنه إذا تحركت الصاد في نحو: صدرت وصدقت، لم يبدل. فإذا لم يبدلوا الصاد زاء إذا تحركت مع الدال، وكانت الطاء في (الصراط) مثل الدال في (القصد) في حكم الجهر، فكذلك ينبغي ألّا تبدل من السين الزاي في (سراط) من أجل الطاء، لأنها قد تحركت كما تحركت في (صدقت)، مع أن بينهما في (سراط) حاجزين، وقد قال سيبويه «2»: إذا قال: مصادر، فجعل
3 - غايتا الإبدال:
بينهما حرفا، ازداد التحقيق حسنا وكثرة. يريد: يزداد التحقيق للصاد كثرة إذا وقع الفصل بالحرف على التحقيق إذا وقع الفصل بحركة نحو: صدق. وإنما لم تبدل في الموضعين لمّا فصلت الحركة أو الحرف، لأن التبيين وتصحيح الصاد في (قصد) و (أصدرت) قد كان يجوز ولا حاجز بينهما، فلما وقع الفصل وحجزت الحركة أو الحرف امتنع ما كان يجوز من قبل. ألا ترى أن المتقاربين إذا وقعا في كلمة واحدة ففصل بينهما الحركة بيّن، وذلك نحو وتد، ومن أدغم قدّر فيه الإسكان، مثل فخذ، فأدغم على ذلك؟ فكما لم يقو الإدغام ولم يكثر مع حجز الحركة، كذلك لا يقوى البدل مع حجز الحركة، لاجتماع الموضعين في أن القصد فيهما تقريب حرف من حرف.» «1» 3 - غايتا الإبدال: - يأتي الإبدال لتحقيق إحدى غايتين، هما: المماثلة، والمخالفة. آ- المماثلة «2»: - قال أبو علي في الاحتجاج لمن أبدل السين صادا في (الصراط) من قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة 6]: «وجه قول من أبدل من السين الصاد في هذه المواضع أن الطاء حرف مستعل يتصعّد من مخرجها إلى الحنك، ولم يتصعد السين تصعدها، فكره التصعّد من التسفّل، فأبدل من السين حرفا من مخرجها في تصعد الطاء، فتلاءم الحرفان، وصار كل واحد منهما وفق صاحبه في التصعد، فزال بالإبدال ما كان يكره من التصعد عن التسفل.» «3» - وقال في الردّ على من قد يعترض عليه في تفضيله القراءة بالصاد على
ب - المخالفة:
القراءة بالسين بأن السين الأصل: «فإن قلت: إن السين الأصل ... قيل: الألف أيضا أصلها ألّا تمال، ولكن لمّا وقعت مع الكسرة والياء فأريد مجانسة الصوتين وملاءمتهما أميلت، وترك الأصل الذي هو التفخيم والتحقيق لها. فكذلك في باب صراط وصويق وصالخ وصالغ، لما أريد فيه ذلك ترك الأصل إلى تشاكل الصوتين وتجانسهما. وقد تركوا في غير هذا لما ذكرت لك ما هو أصل في كلامهم إلى ما ليس بأصل، طلبا لاتفاق الصوتين.» «1» - وقال مكي في نحو هذا الإبدال عند قوله تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ [البقرة 245]: «وحجة من قرأ بالسين أنه الأصل ... وحجة من قرأ بالصاد أن السين حرف مستفل غير مطبق. فلما وقعت بعده الطاء، وهي مطبقة مستعلية، صعب أن يخرج اللافظ من تسفّل إلى تصعّد ... فأبدل منها حرف يؤاخي السين في المخرج والصفير، ويؤاخي الطاء في الإطباق والاستعلاء، وهو الصاد، فكأن السين التي هي الأصل لم تزل، إذ قد خلفها حرف من مخرجها ومن صنفها في الصفير، فعمل اللسان بذلك عملا واحدا، متصعدا منطبقا بالحرفين معا ... » «2» ب- المخالفة «3»: - نحو قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ [آل عمران 66]، قرأ قنبل بخلف عنه: (هأنتم) بوزن (هعنتم). ذكر في الاحتجاج لهذه القراءة وجهان: الأول: أن يكون الأصل: ها أنتم، فتكون (ها) حرف تنبيه دخلت على (أنتم)، ثم حذفت الألف من (ها) لكثرة الاستعمال.
4 - شرط الإبدال:
والآخر: أن يكون الأصل: أأنتم بهمزتين الأولى منهما للاستفهام، أبدلت هاء لكراهة الجمع بينهما، كما قيل في (أرقت): هرقت 1، وفي (إياك): هيّاك «1»، وفي (أهل): آل «2» «3». - وقال ابن خالويه: «فإن قيل: كيف تجمع واعية؟ فقل: أواعي، والأصل: وواعي، فكرهوا الجمع بين واوين، فجعلوا الأولى همزة.» «4» - وقال أبو علي: «وجه ما روي من قوله تعالى: فذانيك [القصص 32] أنه أبدل من النون الثانية الياء كراهية التضعيف، وحكى أحمد بن يحيى: لا وربيك ما أفعل، يريد: لا وربّك، وأنشد أبو زيد «5»: فآليت لا أشريه حتى يملّني ... بشيء ولا أملاه حتى يفارقا يريد: لا أملّه، فأبدل من التضعيف الألف، كما أبدل منه الأول الياء، وقيل في قوله تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى [القيامة 33]، أي: يتمطّط، من المطيطاء ... » «6» 4 - شرط الإبدال: - شرط الإبدال أن يكون فيما تقارب من الأصوات في المخارج أو الصفات «7»، وأمن فيه اللّبس، لذا كرهوا الإبدال بعد الإبدال.
قال ابن جني في قراءة من قرأ: عتّى حين [يوسف 35] بإبدال الحاء من (حتّى) عينا: «العرب تبدل أحد هذين الحرفين من صاحبه لتقاربهما في المخرج، كقولهم: بحثر ما في القبور [العاديات 9] «1»، أي: بعثر؛ وضبعت الخيل، أي: ضبحت؛ وهو يحنظي ويعنظي: إذا جاء بالكلام الفاحش. فعلى هذا يكون (عتى) و (حتى) ... » «2» وقال أبو البقاء في قوله تعالى: ثَجَّاجاً [النبأ 14]: «يقرأ بخاء مكان الجيم بعد الألف، ولا أعرف لها وجها في لغة، فإن جعلت الخاء بدلا من الجيم، كان بعيدا، لبعد ما بين الخاء والجيم.» «3» فهذا تقارب الأصوات في المخارج، وقد يكون هذا التقارب في الصفات: قال ابن جني في قراءة من قرأ: فشرّذ بهم من خلفهم [الأنفال 57] بالذال: «لم يمرر بنا في اللغة تركيب (ش ر ذ)، وأوجه ما يصرف إليه ذلك أن تكون الذال بدلا من الدال، كما قالوا: لحم خرادل وخراذل «4»، والمعنى الجامع لهما أنهما مجهوران ومتقاربان.» «5» ونقل أبو علي عن أبي بكر بن السراج في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة 6]، قوله: «والاختيار عندي الصاد، للخفة، والحسن في السمع، وهو غير ملبس، لأن من لغته هذا إذا كان يتجنب السين مع الطاء لم يقع عليه لبس، لأن السين كأنها مهملة في الاستعمال عنده مع الطاء، وإنما يقع الإلباس لو التبست كلمة بالسين بكلمة بالصاد في معنيين مختلفين.» «6»
5 - الأصل والفرع في الإبدال:
وقال أبو علي في الموضع نفسه: «ومما يحتجّ به من أخلص الصاد وحقّقها على من ضارع بها الزاي أن يقول: الحرف قد أعلّ مرة بالقلب، فلا تستقيم المضارعة، لأنها إعلال آخر، وقد رأيتهم كرهوا الإعلال في الحرفين إذا تواليا «1»، فإذا لم يوالوا بين إعلالين في حرفين مفترقين، فألّا يوالوا بين إعلالين في حرف واحد أجدر. ويقوّي ذلك أنهم حذفوا النون من نحو: بلعنبر «2»، وبلحارث «3»، ولم يحذفوا من (بني النجّار) مع توالي النونات، حيث كانت اللام قد اعتلت بالقلب، لئلا يتوالى إعلالان: الحذف، والقلب، وإن كانا من كلمتين مفترقتين «4». فإذا كره في هذا النحو، كان توالي إعلالين في حرف واحد أبعد.» «5» 5 - الأصل والفرع في الإبدال: - يعرف الأصل من الفرع في الإبدال بأن الآخر أخفّ من الأول، وأنه يحقّق من التجانس ما لا يحققه الأول. قال المهدوي: «فإن قال قائل: ما الدليل على أن أصل (السراط) السين، وهلا قلت: إن أصله الصاد؟ قيل له: الدليل على ذلك أنه قد استعمل بالسين في الكلام والقرآن، فلو كان أصله الصاد لم تقلب الصاد إلى السين، لأن العرب إنما تستعمل القلب وما أشبهه إرادة الخفة والتجانس، فلم يكونوا ليتركوا الصاد التي هي مجانسة للطاء وهي الأصل، ويجعلوا موضعها السين وهي حرف مهموس،
فيكون الأصل على هذا أخف مما قلب الحرف إليه؛ ألا تراهم يميلون في قولك: مررت بقارب لما كان المستعلي أولا فيتصعدون به ثم يتسفلون بالإمالة، ولا يميلون في قولك: مررت بناتق كراهة أن يتسفلوا بالإمالة ثم يخرجوا إلى التصعد بالمستعلي. فهذا يدلّك على أن أصل (الصراط) السين، وأنهم إنما قلبوها صادا إرادة الخفة والتجانس. ومثل قلبهم السين صادا للخفة إمالتهم الألف نحو الياء إذا جاورها ياء أو كسرة، أو كانت منقلبة عن ياء أو مشبهة بذلك.» «1» - ويعرف الأصل من الفرع في الإبدال أيضا بسعة تصرف الأول إذا ما قورن بالآخر. قال ابن جني: «يقال: الثوم والفوم بمعنى واحد، كقولهم: جدث وجدف، وقام زيد ثم عمرو، ويقال أيضا: فمّ عمرو «2». فالفاء بدل فيهما جميعا؛ ألا ترى إلى سعة تصرف الثاء في (جدث)، لقولهم: أجداث، ولم يقولوا: أجداف، وإلى كثرة (ثمّ) وقلة (فمّ)؟» «3» - وقد يكثر البدل حتى يتوهمه أهل اللغة أصلا، قال أبو علي: «وقالوا: الدّكر بالدال، حكاه سيبويه «4»، والقياس: الذّكر بالذال المعجمة، وكذلك روي بيت ابن مقبل «5»:
. ... ... ... ... من بعض ما يعتري قلبي من الدّكر «1» لمّا كثر تصرف الكلمة بالدال، نحو: (ادّكر)، و (هل من مدّكر)، وقال «2»: ... ... ... ... ... وبدّلت شوقا بها وادّكارا «3» أشبهت تقوى وتقيّة وتقاة وهذا أتقى من هذا، وفي التنزيل: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف 45]، وفيه: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر 15].» «4»
- القلب المكاني -
- القلب المكاني- 1 - توطئة: - يكون في النّفس قبل نطق الكلمة تصور للحركات التي على اللسان أن يقوم بها مرتبة على ترتيب الأصوات في تلك الكلمة، لكن اللسان قد يتعثر في التزام هذا الترتيب، لاضطرابات عضوية أو نفسية، فيقدم بعض الأصوات على بعض، وهذا ما يعرف عند اللغويين بالقلب المكاني، وهو شائع في لغة الأطفال. على أن من هذا القلب ما تتقبّله الجماعة اللغوية، فيتجاوز الخطأ الفردي، ليمسي تغيّرا سائغا يضاف إلى متن اللغة «1». 2 - ما قيل فيه بالقلب: آ- الأفعال: - بضّ- ضبّ «2». - جذب- جبذ «3». - حجا- حاج «4». - رأى- راء، ومنه: استراء «5».
- ساء- سأا، ومنه: مسائية «1». - شأا- شاء «2». - شذّر- شرّذ «3». - صرى- صار «4». - ما أطيبه- ما أيطبه «5». - عثى- عاث «6». - قفا- قاف «7». - كان- وكن «8». - نأى- ناء «9». - واخذ- خاوذ «10». - يئس- أيس، ومنه: استأيس «11».
* بين النقص والصحة:
ب- الأسماء: * بين النقص والصحة: - البازي- الباز «1». - الجواري- الجوار (الجوائر) «2». - أدون- أدنى «3». - السائر- الساري «4». - الشائع- الشاعي «5». - الشائك- الشاكي «6». - الصالي- الصال (الصائل) «7». - العائد- العادي «8». - الغواشي- الغواش (الغوائش) «9». - النّسى- النّاس «10».
* في أسماء لم تستعمل أصولها:
- النائع- الناعي «1». - الهائر- الهاري «2». * في أسماء لم تستعمل أصولها: - أيائم- أيامى «3». - حنووت- حانوت «4». - طغيوت أو طغووت- طاغوت «5». - قووس- قسيّ «6». - كيلة- ليكة «7». - أنوق- أينق «8».
* في أسماء مركبة:
* في أسماء مركبة: - لعمرك- رعملك «1». - كأيّ- كائن «2». * في غير ما مضى: - أنا- آن «3». - أبآر- آبار «4». - حجر- حرج «5». - أدور- آدر «6». - رئي- ريء «7». - الصّقع- الصّعق «8». - ضياء- ضئاء «9».
3 - في فقه القلب:
- تهيورة (تفعولة) - تيهورة 1. - هيوورة (فيعولة) - ويهورة- تيهورة «1». - وجه- جاه «2». 3 - في فقه القلب: - ما جاء في كتب الاحتجاج من فقه القلب قليل نادر، ومنه أن الأصل في القلب يعرف بسعة تصرفه «3»، قال أبو علي: «ومن قال: استأيس الرّسل [يوسف 110] قلب العين إلى موضع الفاء فصارت: استعفل، ولفظه: استأيس، ثم خفف الهمزة وأبدلها ألفا ... وقد قلب هذا الحرف في غير هذا الموضع، قالوا: أيس يأيس، وهذا مقلوب من يئس ييأس، وهو الأصل، يدلّك على ذلك أن المصدر لا نعلمه جاء إلا على تقديم الياء ... » «4» - ومنه أيضا أن القلب يكون في الكلمة الواحدة، أو فيما هو كالكلمة الواحدة إذا كثر استعمالها، قال أبو علي: «فأما قوله: كَأَيِّنْ [الطلاق 8] وقراءة من قرأ
بذلك، فالأصل: كأيّ، كما أن الأصل في (كذا) أنه كاف دخلت على الاسم، إلا أنه لما لزم الاسم، وكثر الكلام به، صارت الكلمتان بمنزلة كلمة واحدة، كما أن (لعمري) لما لزمت فيه الاسم اللام، وصارت معه كالكلمة الواحدة- استجازوا فيها القلب، فقالوا: لعمري ورعملي، فقلبت كما قلب (قسيّ) ونحوه من المفرد، قلب على هذا الحدّ أيضا (كأيّ)، فقالوا: كائن ... » «1» - وتجدر الإشارة إلى أن أغلب ما قال فيه أصحاب الاحتجاج بالقلب جاء عندهم بصيغة الظنّ لا القطع، كقول أبي البقاء: «قوله تعالى: وَلا تَقْفُ [الإسراء 36] ... ويقرأ بضم القاف وسكون الفاء، وماضيه قاف، قيل: هو مقلوب من (قفا يقفو) إذا تتبّع ... » «2» وقول ابن جني: «وقد وكن يكن وكونا فهو واكن، وجمعه وكون، كقاعد وقعود ... وكأنه من مقلوب الكون، لأن الكون الاستقرار، وعليه قالوا: قد تكوّن في منزله واستقر.» «3» وقول أبي البقاء: «قوله: غَواشٍ [الأعراف 41] ... ويقرأ بضم الشين، وهو بعيد، لأنه الآن فواع، وكأنه جعله اسما تاما على (فعال)، ويجوز أن يكون مقلوبا، أي: غوايش، كما قالوا: جُرُفٍ هارٍ [التوبة 109] وهاير، ثم حذف الياء.» «4» وقول ابن أبي مريم: «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ [الذاريات 44] بالألف، مكسورة العين، قرأها القراء جميعا إلا الكسائي ... وقرأ الكسائي وحده: (الصّعقة) بإسكان العين من غير ألف ... ويمكن أن يكون الأصل في الكلمتين مقلوب الصّقع، وهو ضرب له صوت شديد.» «5»
- الحذف -
- الحذف- - أكثر ما جاء فيه الحذف في كتب الاحتجاج: المضعّف، وإحدى التاءين المبدوء بهما المضارع، والتنوين. 1 - المضعّف: - نحو قوله تعالى: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [آل عمران 27]، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة: (الميت) بالتخفيف في الموضعين، وقرأ الباقون: (الميّت) بالتضعيف. من شدّد فهو على أصل الكلمة «1»، ومن خفّف استثقل تشديد الياء مع كسرها، فحذف إحدى الياءين، وهي الثانية «2»، إذ كان حذفها لا يخلّ بلفظ الكلمة ولا يحيل معناها. ونحوه قولهم في (أيّم): أيم، وفي (أيّن): أين «3»، وفي (ضيّق): ضيق، وفي (طيّف): طيف، وفي (ليّن): لين، وفي (هيّن): هين. ولا فرق في المعنى بين (الميّت) مثقلا و (الميت) مخففا. قال الشاعر «4»:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء «1» فأوقع المخففة والمشددة على شيء واحد «2» «3» «4». - ونحو قوله تعالى: قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ [الأنعام 80]، قرأ نافع وابن ذكوان وهشام بخلف عنه وأبو جعفر: (أتحاجّوني) بالتخفيف، وقرأ الباقون: (أتحاجّونّي) بالتشديد. الأصل عند من خفف النون أو شددها: (أتحاجّونني) بنونين، فمن شدّد فإنه أدغم إحدى النونين في الأخرى، ومن خفّف حذف إحدى النونين «5»،
استثقالا للجمع بينهما وكراهة التضعيف. ومثله: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ «1» [الحجر 54]، وتشاقّون فيهم «2» [النحل 27]، وتَأْمُرُونِّي «3» [الزمر 64]. وهما لغتان أجودهما تشديد النون، والتخفيف لغة لغطفان «4» «5». - ونحو قوله تعالى: إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ [الأعراف 196]، قرأ السوسي بثلاثة أوجه: الأول: (وليّ الله) بالتخفيف والفتح. والثاني: (وليّ الله) بالتخفيف والكسر. والثالث: (وليّي الله) بالثقيل كقراءة الباقين. الأصل: (وليّي) بثلاث ياءات، الأولى ياء فعيل، والثانية أصلية، وهي لام الكلمة، والثالثة ياء الإضافة إلى النفس. ومن قرأ: (وليّ الله) حذف الياء الوسطى، كما يحذف من (عطيّ) تصغير (عطاء) «6»، شبّه المنفصل بالمتصل، وكما يحذف من قولهم: ما باليت بالة،
والأصل: بالية «1»؛ وأدغم الأولى في الثالثة وفتحها كما قالوا: إليّ وعليّ ولديّ بفتح الياء. ومن قرأ: (وليّ الله) أسقط ياء الإضافة لأنه أسكنها ولقيت ساكنا آخر، والكسرة دالّة عليها «2». - ونحو قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب 33]، قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر: (وقرن) بفتح القاف، وقرأ الباقون: (وقرن) بكسرها. من قرأ بالفتح فالأصل: (أقررن) بفتح الراء الأولى، من (قررت بالمكان أقرّ)، وهي لغة في (قرّ يقرّ)، حكاها الكسائي والأخفش «3» وأنكرها المازني «4»، فاستثقل التضعيف في الكلمة، فحذفت الراء الأولى ونقلت فتحتها إلى القاف، فاستغني عن ألف الوصل، فبقي: (قرن)، كما قيل: ظلت ومست، والأصل: ظللت ومسست «5».
2 - إحدى التاءين المبدوء بهما المضارع:
قال الشاعر «1»: خلا أنّ العتاق من المطايا ... أحسن به فهنّ إليه شوس «2» أراد: أحسسن. ومن قرأ بالكسر احتمل وجهين: الأول: أن أصله: (أقررن) بكسر الراء الأولى، من (قررت بالمكان أقرّ)، وهي اللغة المشهورة، فاستثقل التضعيف في الكلمة، فحذفت «3» الراء الأولى ونقلت كسرتها إلى القاف، فاستغني عن ألف الوصل، فبقي: (قرن). والآخر: أنه من (وقر يقر قرن)، من الوقار، مثل: (وعد يعد عدن) «4» «5». 2 - إحدى التاءين المبدوء بهما المضارع: - نحو قوله تعالى: قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [الأعراف 3]، قرأ حفص وحمزة والكسائي وخلف: (تذكّرون) بالتخفيف، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة وأبو جعفر ويعقوب: (تذّكّرون) بالتشديد.
الأصل في التخفيف والتشديد: (تتذكرون) بتاءين، فمن شدّد الذال فإنه أدغم التاء الثانية في الذال للمقاربة «1»، ومن خفّف فإنه حذف إحدى التاءين استثقالا للجمع بينهما مع قرب الذال منهما، وكراهة الإدغام وثقله. ومثله قوله تعالى: تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ [البقرة 85]، وتساءلون به [النساء 1]، وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ [الفرقان 25]. - واختلف في التاء المحذوفة، فقال سيبويه: الثانية «2»، وقال هشام «3»: الأولى «4»، وقال الفراء: إحداهما بلا تعيين. لكن الأكثر على أن المحذوفة الثانية، لأن الأولى تدل على معنى الاستقبال فلا يجوز حذفها، والثانية من جملة الكلمة، فإذا حذفت دلّ ما بقي من الكلمة عليها «5». وكلا الوجهين العلة فيهما واحدة، وهي الخفة، غير أن الحذف أخفّ من الإدغام، والدلالة على المعنى قائمة، فلهذا كان الحذف في مثل هذه الكلمة أكثر من الإدغام «6» «7».
3 - التنوين:
وشبهوا الياء والنون من أحرف المضارع بالتاء في حذف ما بعدها، قال ابن جني في قراءة من قرأ: يُوقَدُ [النور 35]: «وذلك أن أصله يتوقّد، فحذف التاء لاجتماع حرفين زائدين في أول الفعل، وهما الياء والتاء المحذوفة، والعرف في هذا أنه إنما تحذف التاء إذا كان حرف المضارعة قبلها تاء، نحو: (تفكرون) و (تذكّرون)، والأصل: تتفكرون، وتتذكرون، فيكره اجتماع المثلين زائدين، فيحذف الثاني منهما طلبا للخفة بذلك، وليس في (يتوقد) مثلان فيحذف أحدهما، لكنه شبّه حرف مضارعة بحرف مضارعة ... «1» ونحو من هذا من قرأ «2»: نجي المؤمنين [الأنبياء 88]، وهو يريد: ننجّي المؤمنين، فحذف النون الثانية وإن كانت أصلية، وشبهها لاجتماع المثلين بالزائدة «3»، فهذا تشبيه أصل بزائد لاتفاق اللفظين، والأول تشبيه حرف مضارعة بحرف مضارعة، لا لاتفاق اللفظين، بل لأنهما جميعا زائدان.» «4» 3 - التنوين: - نحو قوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة 30]، قرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (عزير ابن الله) بالتنوين، وقرأ الباقون: (عزير ابن الله) بحذفه.
من قرأ بالتنوين جعل (عزير) مبتدأ، و (ابن) خبره؛ ومن قرأ بحذفه احتمل وجهين «1»: الأول: أن يكون (ابن) نعتا ل (عزير)، وهو مبتدأ أو خبر، أي: صاحبنا عزير بن الله، أو عزير بن الله صاحبنا. والآخر: أن يكون (عزير) مبتدأ، و (ابن) خبره، كالقراءة الأولى، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين، تشبيها له بحروف المدّ. ومثله قول الراجز «2»: لتجدنّي بالأمير برّا ... وبالقناة مدعسا مكرّا إذا غطيف السّلميّ فرّا «3» أراد: غطيف السلمي. وقول الشاعر «4»: تذهل الشّيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء «5»
أراد: عن خدام العقيلة «1» «2». - ونحو قوله تعالى: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ [يس 40]، قال ابن جني: «وأخبرنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس، قال: سمعت عمارة يقرأ: (ولا الليل سابق النهار)، فقلت له: ما أردت؟ فقال: أردت: سابق النهار، فقلت له: فهلّا قلته! فقال: لو قلته لكان أوزن. يريد: أقوى وأقيس.» «3» - ونحو قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص 1 - 2]، روي عن أبي عمرو وغيره: (أحد الله) بحذف التنوين. قال أبو علي: «فأما من قال: (أحد الله) فحذف النون، فإن النون قد شابهت حروف اللين في أنها تزاد كما يزدن، وفي أنها تدغم فيهن كما يدغم كل واحد من الياء والواو في الأخرى، وفي أنها قد أبدلت منها الألف في الأسماء المنصوبة، وفي الخفيفة «4»، وأبدلت من الواو في صنعاني «5». فلما شابهت حروف اللين ضروبا من هذه المشابهات، أجريت مجراها في أن حذفت ساكنة لالتقاء الساكنين، كما حذفت الألف والواو والياء لذلك في نحو: رمى القوم، ويغزو القوم، ويرمي القوم؛ ومن ثم حذفت ساكنة في الفعل كما حذف من نحو: لَمْ يَكُ [الأنفال 53]، فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ [هود 109]، فحذف في (أحد الله) لالتقاء الساكنين كما حذفت هذه الحروف.» «6» «7»
ثانيا - التغيرات الخاصة:
ثانيا- التغيرات الخاصة: - الهمزة- - ولها حالان: التحقيق، والتخفيف. 1 - التحقيق: - وهو إعطاؤها حقّها في النطق، وهو الأصل. وقد يزاد على التحقيق، فيهمز ما ليس أصله الهمز، نحو قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً [يونس 5]، قرأ قنبل عن ابن كثير: (ضئاء) بهمز وأصلها واو. قال ابن خالويه: «وكأن ابن كثير شبّه (ضئاء) حيث قرأ بهمزتين بقوله: رِئاءَ النَّاسِ [البقرة 264].» «1» «2» وقوله تعالى: وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها [النمل 44]، قرأ قنبل: (سأقيها) بهمز الألف وأصلها واو. قال ابن خالويه: «وذلك أن العرب تهمز بعض ما لا يهمز تشبيها بما يهمز، فيقولون: حلّأت السّويق، والأصل: حلّيت، تشبيها ب (حلّأت) الإبل عن الماء «3»؛ [و] يقولون: رثأت الميت، والأصل: رثيت، تشبيها بالرّثيئة، وهي اللّبن «4»؛ ويقولون: لبّأت لفلان، والأصل: لبّيت، تشبيها
2 - التخفيف:
باللّبأ «1»؛ ويقولون: نشئت ريحا «2»، وأصله ترك الهمزة؛ وقرأ أبو جعفر: اهتزّت وربأت [الحج 5]، تشبيها بالربيئة، وهو من ربأت القوم، إذا كنت لهم حافظا وعينا.» «3» «4» وتحدّث د. رمضان عبد التواب عن هذه الظاهرة تحت ما سمّاه (الحذلقة) في اللغة «5»، ورأى أنه: «بعد أن صار الهمز شعار العربية الفصحى، تسابق العرب في النطق به، فأدى ذلك إلى همز ما ليس أصله الهمز، مبالغة في التفصّح، لأنه إذا كانت (فقأت عينه) فصيحة و (فقيت) غير فصيحة، و (وجأت بطنه) فصيحة و (وجيت) غير فصيحة- فإنه لا مانع من تحوّل: (حلّيت السويق) و (لبّيت بالحج) و (رثيت زوجي) إلى: حلّأت ولبّأت ورثأت، عن طريق القياس الخاطئ، مبالغة في التفصح.» «6» 2 - التخفيف: - تخفيف الهمز لغة أهل الحجاز «7». - وأما اختصاص الهمز بالتخفيف من بين سائر الحروف، فلثلاثة أشياء: - ثقل الهمزة: قال ابن أبي مريم: «اعلم أن الهمزة لمّا كانت خارجة من أقصى الحلق، استحبت العرب تخفيفها استثقالا لإخراج ما هو
كالتهوّع «1».» «2» «3» - وكثرتها في الكلام «4». والشيء إذا كثر استعماله كان بالتخفيف أولى من غيره «5». - وأن تخفيفها لا يخلّ باللفظ، وذلك لأنه يكون في غالب الأمر بإقامة ما يدل عليها، من حرف مدّ أو نقل حركة ... «6» - وتخفيف الهمز إما واجب أو جائز، فالواجب نحو: (آمن) و (أوتي) و (آتنا)، ولا اختلاف فيه بين القراء، بخلاف الجائز «7»، والحديث هنا عنه. - وخصّ بعض القراء تخفيف الهمز بالوقف، وخصّه بعضهم الآخر بإدراج القراءة: - فوقف حمزة على الهمز بالتخفيف، ووافقه هشام في المتطرفة خاصة. قال المهدوي: «علة حمزة وهشام في تخفيفهما الهمزة المتطرفة في الوقف دون الوصل، أن الوقف موضع استراحة، ومن شأن الواقف في أغلب الأمر ألا يقف إلا بعد فتور صوته وانقطاع نفسه. فإذا كانت الهمزة طرف الكلمة [و] وقف عليها، وقد فتر صوته- حاول أن يخرج حرفا قويا جلدا بعيد المخرج بصوت فاتر ضعيف منقطع، وذلك متعذر، فأخذا حينئذ بلغة أصحاب التخفيف لما
دعتهما الضرورة إليه. فإذا وصلا الكلمة بما بعدها، فالصوت يقتدر بقوته وجريانه على إخراج الهمزة من مخرجها، فاستغنيا حين لم تدع الضرورة إلى التخفيف، وجريا على أصلهما في تحقيق الهمزة. هذه العلة في الهمزة إذا كانت طرف الكلمة. فإذا كانت في وسط الكلمة نحو: مَآرِبُ [طه 18]، وتَؤُزُّهُمْ [مريم 83]، فلحمزة في تخفيفها علتان: إحداهما: أن الصوت يفتر عندها بعض الفتور لقربها من الطرف، فأجراها مجرى المتطرفة لذلك. والأخرى: أنه لمّا حكم في المتطرفة بحكم التخفيف، أتبعها المتوسطة لقربها منها.» «1» - وخفف أبو عمرو كل همزة ساكنة «2» إذا أدرج القراءة، أو قرأ في الصلاة. قال المهدوي: «علة أبي عمرو في تركه الهمزة الساكنة إذا أدرج القراءة أو
التخفيف القياسي:
قرأ في الصلاة، أنه أراد التخفيف، إذ درج القراءة والصلاة لا يستحسن القراء استعمال ما ثقل من القراءة فيهما. وخصّ بذلك الهمزة الساكنة دون المتحركة، لأنها أثقل من المتحركة؛ ألا ترى أنهم أجمعوا على إبدالها إذا اجتمعت مع همزة أخرى متحركة نحو: آدم وآخر، ولم يجمعوا على الإبدال إذا كانتا متحركتين نحو (أئمة)؟ فذلك لأن الساكنة أثقل من المتحركة. وقد قيل المتحركة أثقل، وخصّ [الساكنة ب] التسهيل، لجريها في التسهيل على سنن واحد وهو البدل.» «1» - ولتخفيف الهمز ضربان: الأول: قياسي، وهو ما يجري على أصول مطّردة. والآخر: سماعي، وهو بخلافه. . التخفيف القياسي: - وله ثلاثة أوجه: الإبدال، والنقل، والتسهيل بين بين. - الإبدال: - إذا كانت الهمزة ساكنة سكونا لازما أو عارضا للوقف، فتخفيفها بإبدالها حرف مدّ من جنس حركة الحرف الذي قبلها، نحو: اقرأ- اقرا، هيّئ- هيّي، لم يسؤ- لم يسو؛ امرؤ- امرو، الملأ- الملا، يبدئ- يبدي. - وإذا كانت بعد واو أو ياء ساكنتين زائدتين، فتخفيفها بإبدالها حرفا من مثل ما قبلها مع الإدغام، نحو: قروء- قروّ، بريء- بريّ. - وإذا كانت بعد واو أو ياء ساكنتين أصليتين، فأحد وجهي تخفيفها
- النقل:
بإبدالها حرفا من مثل ما قبلها مع الإدغام، نحو: سوء- سوّ، شيء- شيّ. - وإذا كانت مفتوحة بعد ضم، فتخفيفها بإبدالها واوا مفتوحة، نحو: فؤاد- فواد؛ أو بعد كسر، فتخفيفها بإبدالها ياء مفتوحة، نحو: مائة- مية. - النقل: - إذا كانت الهمزة بعد ساكن: صحيح، أو علة ليس ألفا ولا زائدا، فتخفيفها بحذفها ونقل حركتها إلى الساكن قبلها، نحو: القرآن- القران، قد أفلح- قد فلح، خلوا إلى- خلو لى. - وإذا كانت بعد واو أو ياء ساكنتين أصليتين، جاز في تخفيفها وجهان: أحدهما: بالإبدال، وقد تقدم. والآخر: بحذفها ونقل حركتها إلى الساكن قبلها، نحو: سوء- سو، شيء- شي. - التسهيل بين بين: - إذا كانت الهمزة متحركة وقبلها ألف أو حرف متحرك (ما عدا المفتوحة بعد ضم أو كسر)، فتخفيفها بتسهيلها بينها وبين حرف المدّ الذي حركتها منه، نحو: جاءوا- جاووا، سأل- سال، بارئكم- باريكم «1» «2». - قال مكي: «ونذكر جملة مختصرة تحفظ في تخفيف الهمزة. اعلم أن الهمزة في التخفيف تجري على ثلاثة أوجه: الأول: البدل، وذلك في الساكنة، وفي المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة، وفي المتحركة التي قبلها حرف مدّ ولين زائد غير الألف، أو غير زائد، أو حرف لين؛ فهذا كله يجري على البدل.
- التخفيف السماعي:
والثاني: إلقاء الحركة، وذلك إن كان قبل الهمزة ساكن غير ألف، وغير حرف مدّ ولين زائد؛ فهذا تلقى فيه حركة الهمزة على ما قبلها، فيتحرك ما قبلها بحركتها وتحذفها. والثالث: بين بين، وذلك في كل همزة متحركة قبلها ألف أو حرف متحرك؛ إلا المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة، فإنها تجري على البدل.» «1» - التخفيف السماعي: - نحو قوله تعالى: أَرَأَيْتُمْ [الأنعام 46]، وقوله تعالى: أَرَأَيْتَ [الكهف 63]، قرأ الكسائي: (أريتم) و (أريت) بغير همز. قال أبو علي: «وأما قول الكسائي: (أريتم) و (أريت)، فإنه حذف الهمزة حذفا على غير التخفيف؛ ألا ترى أن التخفيف القياسي فيها أن تجعل بين بين كما قرأ نافع، وهذا حذف للتخفيف، كما قالوا: ويلمّه «2»، وكما أنشد أحمد بن يحيى «3»: إن لم أقاتل فالبسوني برقعا ... ... ... ... ... «4» وكقول أبي الأسود «5»:
- رأي بعض المحدثين في تخفيف الهمز:
يا با المغيرة ربّ أمر معضل ... ... ... ... ... «1» ولو كان ذلك كله على التخفيف القياسي، لكانت بين بين ولم تحذف.» «2» - وقوله تعالى: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ [سبأ 14] «3»، قرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر: (منساته) بإبدال الهمزة المفتوحة ألفا. قال المهدوي: « ... ومن قرأ بألف ساكنة في موضع الهمزة، فإنه أبدل الهمزة ألفا على غير قياس، ومثله قول الشاعر «4»: إذا دببت على المنساة من هرم ... فقد تّباعد عنك اللهو والغزل» «5» «6» - رأي بعض المحدثين في تخفيف الهمز: - ذهب د. عبد الصبور شاهين بعد أن نفى العلاقة الصوتية بين صوت الهمزة وأصوات المدّ واللين «7»، إلى أن تخفيفها في نحو: (آمن، وأومن، وإيمان) ليس بإبدالها حرف مدّ من جنس حركة ما قبلها كما رأى القدامى، وإنما بإسقاطها ومطل الحركة قبلها، للحفاظ على كمية المقطع وإن اختلف نوعه. قال:
- ما جاء عندهم في الإبدال:
«والواقع الذي يؤكده التحليل الصوتي هو أن الناطق أسقط الهمزة الثانية في هذه الأمثلة الثلاثة، وعوّض مكانها حركة قصيرة مجانسة لما قبلها، فتحولت حركة الهمزة الأولى من قصيرة إلى طويلة. وهذا النوع من التعويض إيقاعي، يحافظ على كمية المقطع دون نظر إلى نوعه، فهو في كلتا الحالتين طويل، ولكنه في الحالة الأصلية مقفل (ص ح ص)، وفي البديلة مفتوح (ص ح ح)، ولكن كمية الأصوات واحدة، فلذلك ثبت إيقاع الكلمة، وتحققت الصيغة المرادة.» «1» وذهب أيضا إلى أن الهمزة المسهلة بين بين ليست سوى سقوط الهمزة واتصال الحركتين قبلها وبعدها اتصالا يحدث ما يعرف في الدراسات الصوتية الحديثة بالحركة المزدوجة، أو الصائت المركب «2». - وفحوى مذهب د. شاهين أن تخفيف الهمز إنما يكون بإسقاطه والتعويض عنه إن أمكن، ليسلم إيقاع الكلمة. وهو قول مطّرد في كل الأوجه التي ذكرها القدامى لتخفيف الهمز، على ما سيأتي بيانه: - ما جاء عندهم في الإبدال: - إذا كانت الهمزة ساكنة سكونا لازما أو عارضا للوقف، فتخفيفها بإسقاطها ومطل حركة الحرف الذي قبلها للتعويض، نحو: اقرأ- اقرا ... - وإذا كانت بعد حرف علة ساكن زائد، فتخفيفها بإسقاطها وتضعيف الحرف الذي قبلها إن أمكن للتعويض، نحو: قروء- قروّ، بريء- بريّ،
- ما جاء عندهم في النقل:
سماء- سما (بلا تعويض لتعذر تضعيف الألف، على أن منهم من يزيد في مدها) «1». - وإذا كانت بعد حرف علة ساكن أصلي، فأحد وجهي تخفيفها بإسقاطها وتضعيف الحرف الذي قبلها إن أمكن للتعويض، حملا على الزائد، نحو: سوء- سوّ، شيء- شيّ، جاء- جا (بلا تعويض ... ) «2». - وإذا كانت مفتوحة بعد ضمّ، فتخفيفها بإسقاطها، فتلتقي الضمة قبل بالفتحة بعد، ( a +u) : وهو ما يحدث الصائت المركب (و)، نحو: فؤاد- فواد؛ أو بعد كسر، فتخفيفها بإسقاطها، فتلتقي الكسرة قبل بالفتحة بعد، ( a +i) : وهو ما يحدث الصائت المركب (ي)، نحو: مائة- مية «3». - ما جاء عندهم في النقل: - إذا كانت الهمزة بعد ساكن: صحيح أو علة ليس ألفا ولا زائدا، فتخفيفها بإسقاطها بلا تعويض، وتكون حينئذ حركتها من نصيب الساكن قبلها، نحو: القرآن- القران ... - وإذا كانت بعد حرف علة ساكن أصلي، جاز في تخفيفها وجهان: أحدهما: بإسقاطها وتضعيف ما قبلها، وقد تقدم.
- ما جاء عندهم في التسهيل بين بين:
والآخر: بإسقاطها بلا تعويض، وتكون حينئذ حركتها من نصيب الساكن قبلها، حملا على الصحيح، نحو: سوء- سو، شيء- شي، جاء- جا (بلا نقل لتعذر تحريك الألف). - ما جاء عندهم في التسهيل بين بين: - إذا كانت الهمزة متحركة وقبلها ألف أو حرف متحرك (ما عدا المفتوحة بعد ضم أو كسر)، فتخفيفها بإسقاطها بلا تعويض، فيلتقي الصائت قبل بالصائت بعد، وهو ما يحدث صائتا مركبا، نحو: جاءوا- جاووا ...
- التاءات -
- التاءات- - قرأ البزّيّ بخلف عنه بتشديد التاء وصلا من المضارع إذا اجتمعت في أوله تاءان فحذفت إحداهما، نحو قوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة 267] مع المدّ المشبع. والوجه أن أصل ذلك كلّه بتاءين، فأسكنت الأولى وأدغمت في الثانية، وجعلت التاء المدغمة لاتصالها بما قبلها بمنزلة ما ليس في أول الكلمة. فإن ابتدأ خفّف كالجماعة، لأنه لا يجوز الابتداء بساكن. ولم يجز اجتلاب همزة الوصل هاهنا، كما جاز في نحو: فَادَّارَأْتُمْ [البقرة 72]، لأنها أفعال مضارعة، و (ادارأتم) ماض، وإنما يجوز في الماضي لا المضارع «1»، فضلا عما في ذلك لو جاز من مخالفة خطّ المصحف. وفي قراءته بعد، لأنه أسكن التاء التي أدغمها وهي في أول الكلمة، والعرب لا تبتدئ بساكن، ولأنه يجتمع في قراءته في بعض المواضع ساكنان، نحو قوله تعالى: شَهْرٍ تَنَزَّلُ [القدر 3 - 4]، ولأن مذهبه ينتقض في الابتداء «2». - وقسّم مكي هذا الإدغام على ثلاثة أضرب: 1 - ضرب قبل المدغم متحرك من كلمة ومن كلمتين، نحو:
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ [الأنعام 153]، ونحو: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ [النساء 97]، فهذا إدغام حسن، لا دخل فيه ولا علّة. 2 - والضرب الثاني أن يكون قبل المدغم ألف، أو واو ساكنة قبلها ضمة، نحو: وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران 103]، وعَنْهُ تَلَهَّى [عبس 10]، فهذا أيضا حسن، ولا بدّ من زيادة المد فيه للتشديد. 3 - والضرب الثالث أن يكون قبل المشدد حرف ساكن من غير حروف المدّ واللين، نحو: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ [النور 15]، وناراً تَلَظَّى [الليل 14]، فهذا وقوع الإدغام بعده قبيح، لا يجيزه جميع النحويين، إذ لا يجوز المدّ في الساكن الذي قبل المشدد «1» «2».
- الراءات -
- الراءات- - أفرد مكي والمهدوي الراء بمباحث تحدثا فيها عما يعرض لهذا الصوت من تفخيم وترقيق، لم يرد شيء منها عند غيرهما من أصحاب الاحتجاج. - قال المهدوي: «فاعلم أن أصل الراء التفخيم، حتى يدخل عليها ما يوجب ترقيقها؛ وما لم تدخل عليها علة من علل الترقيق ... فهي جارية على أصلها وهو التفخيم، لا يجوز في القراءة سواه.» «1» واحتجّ مكي لهذه الأصالة بقوله: «والدليل على أن أصلها التغليظ أن كل راء غير مكسورة فتغليظها جائز، وليس كل راء يجوز فيها الترقيق.» «2» - وترقيق الراء ضرب من الإمالة، قال مكي: «واعلم أن الترقيق في الراء إمالة نحو الكسر، لكنها إمالة ضعيفة لانفرادها في حرف واحد، لأن الإمالة القوية ما كانت في حرفين، وأقوى منها ما كان في ثلاثة أحرف أو أربعة «3».» «4» وقال المهدوي: «هذا الباب شبيه بأبواب الإمالة ونوع منها، فجميع ما يستعمل في الإمالة مستعمل فيه من الاحتجاج.» «5» وقال أيضا: «غير أن ورشا روي عنه أنه يرقق الراء الأولى من قوله: بِشَرَرٍ [المرسلات 32]، وله عندي علة أنا ذاكرها لك إن شاء الله.
ذكر أهل العربية أن الراء المكسورة ربما نحا بعض العرب بالفتحة قبلها نحو الكسرة، فيقولون: ضعفت من الكبر، فيميلون فتحة الباء نحو الكسرة، لقوة الراء، ولأن الكسرة فيها في تقدير كسرتين «1». فعلى هذا يكون ورش إنما رقّق الراء الأولى من بِشَرَرٍ من أجل قوة الكسرة في الراء الثانية على هذه اللغة التي ذكرناها.» «2» - ولا تخلو الراء من أن تكون مكسورة، أو مفتوحة، أو مضمومة، أو ساكنة. 1 - فإذا كانت الراء مكسورة، فإنها مرققة لجميع القراء من غير خلف عن أحد منهم، سواء أكانت الكسرة لازمة نحو: الرِّجالُ [النساء 34] وفَرِيقٌ [البقرة 75] وفِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الروم 41]، أم عارضة لنقل حركة نحو: وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ [الكوثر 2 - 3]، أو لالتقاء الساكنين نحو: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ [المزمل 8]. قال المهدوي: «وعلة إجماعهم على ترقيق الراء المكسورة، نحو: فَرِيقٌ [البقرة 75] والْحَرِيقِ [آل عمران 181] والرِّجالُ [النساء 34] وما أشبه ذلك، أن الكسر مناف للتفخيم، فمتى حاول القارئ أن يجمع الكسرة مع التفخيم في حرف واحد كان ذلك ثقيلا. ومما يوضح ذلك أنا وجدناهم يرققون الراء من أجل انكسار ما قبلها في نحو: فِرْعَوْنَ [البقرة 49] لقرب الكسرة من الراء، فإذا فعلوا ذلك والكسرة في حرف آخر قبلها، فلا شك في ترقيقها إذا كانت الكسرة فيها. ويقويه أيضا أنا وجدنا ورشا يرقق الراء إذا كان قبلها ساكن، وقبل الساكن كسرة، نحو: الذِّكْرِ [آل عمران 58] والسِّحْرَ [البقرة 102] وما أشبههما. فإذا كان يرققها وبينها وبين الكسرة حرف، فأن ترقّق إذا كانت الكسرة فيها أولى ...
فإن كانت الكسرة في الراء عارضة، نحو: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ [المزمل 8]، فحكمها في الوصل حكم المكسورة لوجود الكسرة فيها، وحكمها في الوقف حكم الساكنة لزوال الكسرة منها.» «1» 2 - وإذا كانت الراء مفتوحة أو مضمومة، فكل القراء على تفخيمها، إلا ورشا فإنه يرققها إذا وقعت بعد ياء ساكنة، أو كسرة لازمة، أو حال بينها وبين الكسرة ساكن «2». ومعنى لزوم الكسرة هنا ألا تقع على حرف يجوز تجريد الكلمة منه، قال المهدوي: «وذلك نحو قوله: بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام 1] ولِرَبِّكِ [آل عمران 43] ولِامْرَأَتِهِ [يوسف 21] وما أشبه ذلك. وعلة ذلك أن الحرف المكسور زائد يجوز تقدير حذفه، فإذا كان الحرف زائدا، فكسرته غير لازمة لا تعمل فيما بعدها.» «3» - واستثني من هذه القاعدة أشياء كلّها تؤول إلى أن عمل الكسرة في الراء يبطل بأحد أمرين: الأول: أن يكون في الكلمة حرف استعلاء. والآخر: أن يقوى الفصل بين الكسرة والراء. فذكر المهدوي أنه «إذا كان بعد الراء المفتوحة المكسور ما قبلها ألف، وبعد الألف راء أخرى مفتوحة أو مضمومة أو حرف استعلاء- بطل عمل الكسرة، وفخمت الراء، نحو: فِراراً [الكهف 18] والْفِرارُ [الأحزاب 16] والْفِراقُ [القيامة 28] والصِّراطَ [الفاتحة 6] وما أشبه ذلك.
وذلك أن الراء المفتوحة مؤاخية للمستعلي من حيث كانت تمنع من الإمالة كما يمنع المستعلي ... فإذا جاء المستعلي أو تكررت الراء مفتوحة أو مضمومة، قوي ذلك على الراء التي كانت مرققة، ففخمها ليتناسب اللفظ ويتقارب.» «1» وإذا كانت الراء مفتوحة قبلها ساكن، وقبل الساكن كسرة لازمة، فإنه يبطل عملها في أربعة مواضع: آ- أن يأتي بعد الراء حرف استعلاء، نحو: الْإِشْراقِ [ص 18] «2». ب- أن يكون الساكن حرف استعلاء، نحو: فِطْرَتَ [الروم 30] «3». ج- أن تتكرر الراء، والثانية مفتوحة أو مضمومة، نحو: مِدْراراً [الأنعام 6] والْفِرارُ [الأحزاب 16] «4». د- أن تكون الكسرة في حرف من حروف الحلق وما قرب منها جدا وهي القاف والكاف، ويكون الساكن أقرب إلى خارج الفم من الراء، نحو: حِذْرَكُمْ [النساء 71] وإِبْراهِيمَ [البقرة 124] وكِبْرَهُ [النور 11] «5». واحتج المهدوي لهذا بأن «الكسرة إذا كانت في حرف حلق، وكان الساكن قريبا من خارج الفم، والراء أدخل منه في الفم، فقد صار بين الكسرة والراء مسافة بعيدة ... فلما بعدت المسافة بين الكسرة والراء، صارت الكسرة غير مجاورة للراء في التقدير، فامتنعت من العمل فيها.» «6» - واحتج المهدوي لمذهب جمهور القراء في تفخيم الراء مفتوحة ومضمومة بقوله:
- تنبيهان:
«وعلة القراء سوى ورش في تفخيم الراءات المفتوحات والمضمومات في الوصل، ولا يعتدّون بما وقع قبلهن من الكسرات والياءات، أن الراء إذا كانت متحركة قويت بحركتها، فجرت على أصلها وهو التفخيم، ولم تعمل الكسرة فيها؛ ألا ترى أنها تضعف إذا كانت ساكنة فيدبّرها ما قبلها إذ ليست فيها حركة تقوى بها؟» «1» واحتج لمذهب ورش بقوله: «فأما الراء المضمومة فعلته في ترقيقها إذا انكسر ما قبلها، أو كانت ياء ساكنة، تقريب بعض اللفظ من بعض ... ولم يعتدّ بحركة الراء التي فيها من أجل قرب الكسرة منها، أو الياء الساكنة. فإذا كان قبلها ساكن، وقبل الساكن كسرة، رقّق ولم يعتدّ بالساكن. وعلة ذلك أن الساكن ضعيف لا يعتدّ به، وأن كسرة الحرف الذي قبل الساكن مقدرة بعده، فكأنها في الحرف الساكن، فتصير الراء في التقدير راء قبلها كسرة.» «2» ثم قال: «وعلة ترقيقه للراء المفتوحة إذا جاورتها الياء الساكنة أو الكسرة، هي اللغة التي قدّمنا ذكرها في الراء المضمومة.» «3» - تنبيهان: الأول: أن ورشا رقّق الراء المفتوحة إذا جاءت بعدها ألف ممالة اتباعا للألف. قال المهدوي: «فأما الراء المفتوحة إذا كان بعدها ألف منقلبة عن ياء، أو ألف تأنيث، أو الألف الزائدة على لام الفعل في الجمع الذي على مثال فعالى وفعالى، وذلك نحو: فَتَرَى [المائدة 52] وأَدْراكَ [الحاقة 3] والْقُرى
[الأنعام 92] والنَّصارى [البقرة 62] وسُكارى [النساء 43]، فترقيقه لهذه الراءات ليس من باب ترقيق الراءات وتفخيمها، وهو من باب الإمالة ... ألا ترى أن ورشا لم يقصد في هذه الراءات التي بعدها هذه الألفات إلى ترقيق الراء، وإنما قصد إلى جعل الألف بين اللفظين، فلما جعلها بين اللفظين، أتبعها ما قبلها فصارت الراء مرققة اتباعا للألف.» «1» والآخر: أنا قد أسقطنا من أصل ورش في ترقيق الراء المفتوحة بعض الفروع ليسهل حصره بما قدّمنا من ضوابط. وقد أحسّ المهدوي بما في هذا الأصل لورش من الاضطراب، فقال: «فأما الراء المفتوحة، ففي أصله فيها اضطراب كثير.» «2» 3 - وإذا كانت الراء ساكنة، فإما أن يكون ما قبلها مكسورا، أو مفتوحا، أو مضموما. فإن كان ما قبلها مكسورا، فإما أن تكون الكسرة عارضة، نحو: ارْجِعُوا [يوسف 81] وارْكَبْ مَعَنا [هود 42]، والراء عندئذ مفخمة، «وعلة ذلك أن الحرف زائد لا يعتدّ به، وليس بلازم في كل حال، لأنه يسقط في الدرج ويدخل في الابتداء، فضعفت كسرته لضعفه، ولم تلزم إذ هو ليس بلازم» «3»، «فبقيت مغلظة على أصلها» «4». وإما أن تكون الكسرة لازمة، نحو: فِرْعَوْنَ [البقرة 49] وشِرْعَةً [المائدة 48] وَأَنْذِرْهُمْ [مريم 39]، والراء عندئذ مرققة. قال المهدوي: «علة إجماع القراء على ترقيق الراء الساكنة إذا انكسر ما قبلها، نحو
فِرْعَوْنَ وشِرْعَةً أن الخروج من تسفل الكسرة إلى التصعد بالتفخيم ثقيل، كما كرهوا الخروج من تسفل السين إلى استعلاء القاف في (سويق)، حتى أبدلوا السين صادا. فرققت الراء الساكنة إذ الترقيق مناسب للكسر، ليكون اللسان عاملا عملا واحدا، وأيضا فإن الحركات مقدرة بعد الحروف ... فكأن الكسرة في فِرْعَوْنَ وشِرْعَةً على الراء الساكنة من أجل أنها مقدرة بعد الفاء والشين.» «1» فإن جاء بعد الراء حرف استعلاء، بطل عمل الكسرة وفخمت الراء، نحو: فِرْقَةٍ [التوبة 122] وإِرْصاداً [التوبة 107]، وذلك لقوة المستعلي، لأن اللسان يصير عاملا عملا واحدا بتفخيم الراء وخروجه منه إلى استعلاء المستعلي. فإن وقعت الراء بين كسرتين، لم يعمل المستعلي لقوة الكسرتين عليه، وذلك في نحو: كُلُّ فِرْقٍ [الشعراء 63] «2». وإن كان ما قبلها مفتوحا، فهي مفخمة سوى ثلاث كلمات: قَرْيَةٍ [البقرة 259] ومَرْيَمَ [البقرة 87] والْمَرْءِ [البقرة 102] جاء فيها الترقيق للياء بعد الراء في الأوليين، ولتقدير نقل كسرة الهمزة في الثالثة «3». وإن كان ما قبلها مضموما، فهي مفخمة، نحو: كُرْسِيُّهُ [البقرة 255] «4».
- اللامات -
- اللامات- - أفرد مكي والمهدوي اللام بمباحث تحدثا فيها عما يعرض لهذا الصوت من ترقيق وتفخيم، لم يرد شيء منها عند غيرهما من أصحاب الاحتجاج. - تفخّم اللام حملا على الراء، قال مكي: «اعلم أن اللام حرف يلزمه تفخيم وتغليظ، لمشاركته الراء في المخرج، والراء حرف تفخيم ... » «1» وقال المهدوي: «فأما اللام فإنما ساغ التفخيم فيها لشبهها بالراء، ولتداخلها معها أشد المداخلة.» «2» - والأصل في اللام الترقيق، قال مكي في لام غير اسم (الله) تعالى: « ... فإن الترقيق هو الأصل؛ ألا ترى أنه لا يجوز تفخيم كل لام، و (لا) «3» يجوز ترقيق كل لام، فالأعم هو الأصل ... » «4» وقال المهدوي: «وأما اللام فأصلها الترقيق، إذ كانت ليست بحرف استعلاء، ولا تبلغ إلى قوة الراء، وإنما هي مشبّهة بها، وليس المشبه بالشيء مثله في كل أحواله «5». فإذا ثبت ذلك، وجب أن يكون أصلها الترقيق، وأن يكون التفخيم داخلا عليها لعلل توجبه، فهي بخلاف الراء.» «6»
- وذكر لتفخيم اللام سببان: معنوي، ولفظي. فأما السبب المعنوي، فهو مقصور على اسم (الله) تعالى، إذا انفتح ما قبله أو انضم، واختلف فيه، فذهب مكي إلى أن تفخيم اللام للتعظيم «1»، وذهب المهدوي إلى أنه للفرق بينه وبين (اللات) «2». فإذا انكسر ما قبله رققت اللام «3»، قال المهدوي: «وعلة إجماع القراء على ترقيقه إذا انكسر ما قبله، نحو: بِسْمِ اللَّهِ [الفاتحة 1]، فقد ذكرها ابن مجاهد «4»، فقال: إنما رققت اللام من اسم الله تعالى إذا انكسر ما قبلها، لأنهم كرهوا أن يخرجوا من كسر إلى تغليظ.» «5» وهذا لا اختلاف فيه بين القراء «6». وأما السبب اللفظي، فهو أحرف الإطباق، وتفرّد به ورش عن نافع، فقرأ بتفخيم اللام إذا تقدمها صاد أو طاء أو ظاء، بشرط أن تكون اللام مفتوحة، وأن يكون أحد هذه الأحرف الثلاثة مفتوحا أو ساكنا «7»، نحو: ظَلَمُوا [البقرة 59]،
وَمَنْ أَظْلَمُ [البقرة 114]، والصَّلاةَ [البقرة 3]، ومُصَلًّى [البقرة 125]، والطَّلاقَ [البقرة 227]، وطَلَّقْتُمُ [البقرة 231]. - وتفرد المهدوي عن مكي، فروى تغليظ اللام بعد الطاء والظاء والصاد والضاد سواكن، إذا كانت مضمومة «1»، نحو: مَظْلُوماً [الإسراء 33]، وفَضْلُ اللَّهِ [البقرة 64]، وفَصْلٌ [الطارق 13]، وتَطْلُعُ [الكهف 90]؛ وروى تغليظها إذا وقعت بين حرفي استعلاء «2»، نحو: خَلَطُوا [التوبة 102]، وأَخْلَصُوا [النساء 146]، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة 73]، وزاد تغليظها في فَاخْتَلَطَ [يونس 24]، وَلْيَتَلَطَّفْ [الكهف 19] «3». - واحتجّ مكي لمذهب ورش بقوله: «وعلة من فخم هذا النوع أنه لما تقدم اللام حرف مفخم مطبق مستعل، أراد أن يقرب اللام نحو لفظه، فيعمل اللسان في التفخيم عملا واحدا. وهذا هو معظم مذاهب العرب في مثل هذا، يقربون الحرف من الحرف، ليعمل اللسان عملا واحدا، ويقربون الحركة من الحركة، ليعمل اللسان عملا واحدا.» «4» - وبيّن مكي وجه اختصاص اللام المفتوحة بالتفخيم بقوله: «إنما فخم اللام إذا كانت مفتوحة، لأن الفتحة مؤاخية للتفخيم، ولأنها من الألف، ولأن الفتحة مستعلية في المخرج كحروف الاستعلاء، لأنها من الألف، والألف حرف يخرج من هواء الفم، فعامل اللام بالتفخيم مع الفتح، وحرف الإطباق قبله، ليعمل اللسان عملا واحدا. فلما تغيرت اللام عن الفتح رجع إلى الأصل، وهو الترقيق.
وأيضا فإن اللام إذا انكسرت في نفسها امتنع فيها التفخيم، لأن التفخيم إشباع فتح، ومحال أن يشبع الفتح في حرف مكسور أو مضموم.» «1» - وأما ما اشترط في أحرف الإطباق من أن تكون ساكنة، فلتتحقق المجاورة، التي هي شرط لتفخيم اللام «2»؛ أو أن تكون مفتوحة، فلأن الفتح يزيد التفخيم حسنا، إذ هو من جنسه فلا يعتدّ به حاجزا «3». فإذا انكسرت كانت اللام بالترقيق أولى، لأن في تفخيم اللام بعد كسر خروجا من تسفل الكسر إلى تصعد التفخيم، وذلك مكروه صعب «4». - واحتج المهدوي لمذهب جمهور القراء بقوله: «فأما إجماع القراء سوى ورش على ترقيق كل لام في القرآن على كل حال سوى ما ذكرناه في اسم الله تعالى، فلا يحتاج في ذلك إلى اعتلال أكثر من أن يقال: إنهم أجروا اللام على أصلها، ولم يكن التفخيم فيها عندهم قويا مع مجاورة الحروف التي أوجب ورش بها التفخيم، إذ اللام أصلها الترقيق، فدخول التفخيم فيها ليس بقوي كقوته في الراء، لأن الراء اجتمع فيها الشبه بحروف الاستعلاء والتكرير «5»، وأن العرب منعت الإمالة بها في نحو (راشد) كما يمنع المستعلي في نحو (طالب)، وليس ذلك في اللام.» «6»
- النون الساكنة والتنوين -
- النون الساكنة والتنوين- - التنوين هو النون الساكنة، وإنما فرّق بينهما لأن النون الساكنة أصلية، والتنوين زائد للإعراب «1». - ولهما أربع أحوال: 1 - الإظهار: - وذلك عند حروف الحلق الستة، نحو: وَمِنْ آياتِهِ [الروم 21]، مِنْ هادٍ [الرعد 33]، مِنْ عَلَقٍ [العلق 2]، مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق 16]، مِنْ غَفُورٍ [فصلت 32]، هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر 3]، أَنْعَمْتَ [الفاتحة 7]، الْمُنْخَنِقَةُ [المائدة 3] «2». «وعلة ذلك أن النون الساكنة والتنوين بعد مخرجهما من الحلق، فلم يحسن الإدغام، لأن الإدغام إنما يحسن مع تقارب المخارج. فلما تباعدت مخارجهما لم يكن بدّ من الإظهار، الذي هو الأصل ... والإدغام في هذا يعدّه القراء لحنا لبعد جوازه.» «3» «4» 2 - الإدغام: - وهو على ضربين: آ- إدغام بلا غنة: - وذلك في اللام والراء، نحو: مِنْ لَدُنْهُ [النساء 40]، مِنْ رَبِّهِمْ
ب - إدغام بغنة:
[البقرة 5] «1». «وعلة الإدغام هو قرب مخرج اللام والراء من مخرج النون، لأنهن من حروف طرف اللسان ... ولما كان حق الإدغام دخول الحرف الأول في لفظ الثاني بكليته، أدغمت الغنة التي في النون والتنوين معهما في الراء واللام، ولم يبق للغنة لفظ، وكمل بذلك التشديد.» «2» «3» ب- إدغام بغنة: - وهو على ضربين أيضا: - ضرب مجمع عليه:- وذلك في النون والميم، نحو: مِنْ نُورٍ [النور 40]، مِنْ ماءٍ [البقرة 164] «4». فأما إدغام النون في النون، فهو من باب إدغام أحد المثلين في صاحبه إذا سكن الأول، وذلك واجب في النون وغيرها من سائر الحروف «5». وأما إدغام النون في الميم، فالميم وإن كانت من بين الشفتين، فقد ضارعت النون في الغنة. فلما اشتركتا في الغنة، وتقاربتا في المخرج بعض التقارب، وجب الإدغام «6».
- وتبقى الغنة غير مدغمة، خارجة من الخياشيم، فينتقص حينئذ التشديد «1»، و «وجه إظهار الغنة في النون والميم أن في كل واحد منهما غنة، فلا يجوز الإدغام إلا مع بقاء الغنة.» «2» - وهذا كله إجماع من القراء والعرب «3» «4». - وضرب مختلف فيه:- وذلك في الواو والياء، نحو: مِنْ واقٍ [الرعد 34]، مَنْ يَقُولُ [البقرة 8] «5». وعلة إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء، ما بينهن من التشابه، وذلك أن الغنة في النون تشبه المدّ واللين في الواو والياء، وأيضا فالواو من مخرج الميم، فأدغمت النون فيها كما تدغم في الميم. ولما كانت الواو تدغم في الياء، نحو: (طيّا) و (ليّا)، جاز إدغام النون الساكنة في الياء، كما جاز في الواو «6». - وهو إدغام ناقص التشديد لبقاء الغنة ظاهرة فيه، وعلى هذا جماعة القراء غير خلف عن حمزة، فإنه أدغم في الواو والياء بغير غنة على أصل الإدغام «7» «8».
3 - القلب:
- ويشترط في إدغام النون أن تكون في كلمة، والمدغم فيه في كلمة أخرى، لأمن اللبس في الصيّغ. فإذا كانا في كلمة واحدة، نحو: الدُّنْيا [البقرة 85] وصِنْوانٌ [الرعد 4]، امتنع الإدغام. قال مكي: «ولو وقعت النون الساكنة قبل الراء واللام في كلمة لكانت مظهرة، بخلاف وقوعها قبلهما في كلمتين. وعلة ذلك أنك لو أدغمت لالتبس بالمضاعف؛ ألا ترى أنك لو بنيت مثال (فنعل) من (علم)، لقلت: عنلم بنون ظاهرة، ولو أدغمت لقلت: علّم، فيلتبس ب (فعّل)، فلا يدرى هل هو (فنعل) أو (فعّل). وكذلك لو بنيت مثال (فنعل) من (شرك)، لقلت: (شنرك) بنون ظاهرة، ولو أدغمت لقلت: (شرّك)، فيلتبس ب (فعّل)، فلا يدرى هل هو (فعّل) أو (فنعل). وهذا المثال لم يقرأ في القرآن.» «1» وقال المهدوي: «وأما امتناع إدغام النون إذا اتصلت بالواو والياء في كلمة، نحو: دنيا، وصِنْوانٌ [الرعد 4]، فإن ذلك خيفة الالتباس بالأبنية؛ ألا ترى أن وزن (صنوان): فعلان، فلو أدغم لالتبس هذا الوزن بغيره. ولو وقع في القرآن ما لا يقع فيه الالتباس في الأبنية لجاز الإدغام، نحو قولك: امّحى الرسم وما أشبهه.» «2» 3 - القلب: - تنقلب النون الساكنة والتنوين ميما إذا لقيتهما باء، نحو: أَنْ بُورِكَ [النمل 8]، هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ [الطور 19] «3».
4 - الإخفاء:
ولا تشديد في القلب، إنما هو بدل لا إدغام فيه، لكن الغنة التي كانت في النون باقية، لأن الحرف الذي أبدلت من النون حرف فيه غنة أيضا، وهو الميم الساكنة «1». - «وعلة بدل النون الساكنة ميما إذا لقيتها باء أن الميم مؤاخية للباء، لأنها من مخرجها ومشاركة لها في الجهر، والميم أيضا مؤاخية للنون في الغنة وفي الجهر. فلما وقعت النون قبل الباء، ولم يمكن إدغامها في الباء، لبعد ما بين مخرجيهما، وبعد إظهارها لما بينهما من الشبه، ولما بين النون وأخت الباء من الشبه وهي الميم، أبدلت منها حرفا مؤاخيا لها في الغنة، ومؤاخيا للباء في المخرج، وهو الميم.» «2» «3» 4 - الإخفاء: - وذلك عند باقي الحروف التي لم يتقدّم لها ذكر «4»، نحو: مَنْ شاءَ [الكهف 29]، ومَنْ كانَ [البقرة 97]، ومَنْ جاءَ [الأنعام 160]، ومِنْ قَبْلُ [البقرة 25]، وشبهه «5». - «والغنة ظاهرة مع الإخفاء، كما كانت مع الإظهار، لأنه كالإظهار ...
وذلك أن النون الساكنة مخرجها من طرف اللسان وأطراف «1» الثنايا، ومعها غنة تخرج من الخياشيم. فإذا خفيت لأجل ما بعدها، زال مع الخفاء ما كان يخرج من طرف اللسان منها، وبقي ما كان يخرج من الخياشيم ظاهرا.» «2» - وعلة الإخفاء ذكرها المهدوي بقوله: «وأما الإخفاء عند بقية حروف المعجم، فلأن الحروف الباقية سوى ما ذكرناه لم تبعد من النون بعد حروف الحلق فيجب الإظهار، ولم تقرب قرب حروف (يرمول) «3» فيجب الإدغام، فأعطيت حكما متوسطا بين الإظهار والإدغام وهو الإخفاء.» «4» «5»
المبحث الثاني. التغيرات الصوتية في الصوائت:
المبحث الثاني. التغيرات الصوتية في الصوائت: أولا- نوع الصوائت: - الصوائت في العربية على نوعين: صوائت أصول، وهي الفتحة والضمة والكسرة، والألف والواو والياء المديتان «1»؛ وصوائت فروع، وهي تنويعات نطقية للصوائت الأصول، لدى بعض اللهجات، أو في تشكيلات صوتية خاصة «2». والصوائت الفروع إما أن تكون مركبة أو بسيطة. فالمركبة الإشمام في (قيل) ونحوه، والبسيطة إما أن تكون إمالة، أو إخفاء. فالإمالة ثلاثة أضرب: 1 - إمالة الفتحة نحو الكسرة، وهي المرادة عند الإطلاق. 2 - وإمالة الفتحة نحو الضمة. 3 - وإمالة الضمة نحو الكسرة «3». والإخفاء ثلاثة أضرب أيضا: 1 - الاختلاس. 2 - والروم. 3 - والإشمام.
- الإشمام -
- الإشمام- - الإشمام في (قيل) وأخواتها «1»: هو صائت مركب يكون بنطق ضمة خفية بعد فاء الكلمة متلوة بياء ساكنة. قال الأزهري: «ومن ضمّ فإنه يشمّ ولا يشبع الضم، والعربي الناشئ في البادية يطوع لسانه لضمة خفية يجفو عنها لسان الحضري المتكلف.» «2» - وجعل أبو علي الإشمام إمالة الضمة نحو الكسرة، قال: «ومما يقوي قول من قال: قِيلَ [البقرة 11] أن هذه الضمة المنحوّ بها نحو الكسرة قد جاءت في نحو قولهم: شربت من المنقر «3»، وهذا ابن عور «4»، وابن بور «5». فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشدّ مشاكلة لما بعدها وأشبه به، وهو كسر الراء.» «6» والصواب عند القراء ما تقدم «7».
- أصل المبني للمجهول من الثلاثي الأجوف نحو (قال) و (جاء) أن يكون على (قول) و (جيء)، غير أنهم استثقلوا الكسرة على العين، فنقلت إلى الفاء بعد طرح حركتها: (قول) و (جيء). فإن كان معتلا بالواو قلبت ياء لسكونها بعد كسر: (قيل). ومن أشم أراد أن يبقي في أوائل هذه الأفعال دلالة على البناء للمجهول، زيادة في البيان، «ومن شأن العرب في كثير من كلامها المحافظة على بقاء ما يدلّ على الأصول» «1». قال أبو علي: «حجة من قال: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ [البقرة 11] فأشمّ الضمة الكسرة وأمال بها نحوها أن ذلك أدلّ على (فعل)؛ ألا ترى أنهم قد قالوا: كيد زيد يفعل، وما زيل يفعل، وهم يريدون (فعل) «2»؟ فإذا حركوا الفاء هذه التحريكة أمن بها التباس الفعل المبني للفاعل بالفعل المبني للمفعول ... ومن الحجة في ذلك أنهم قالوا: أنت تغزين، فألزموا الزاي إشمام الضمة «3»، و (زين) من (تغزين) بمنزلة (قيل). فكما ألزم الإشمام هنا، كذلك يلزم ذلك في (قيل) ... » «4» «5»
- الإمالة -
- الإمالة- - الإمالة: أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء «1» «2». وهي عند كانتينو: نطق الفتحة (قصيرة كانت أو طويلة) نطقا أماميا «3». - والإمالة لغة بني تميم، ويقابلها الفتح، وهو لغة أهل الحجاز «4» «5». - ويعبّرون عن الإمالة بالإضجاع «6» والكسر «7»، وعن الفتح بالتفخيم «8» «9». - وللإمالة درجتان: شديدة، ومتوسطة؛ والتوسط «معناه: بين الفتح والإمالة، لا هو مفتوح محض، ولا ممال محض.» «10» قال د. إبراهيم أنيس: «واللسان مع الفتح يكاد يكون مستويا في قاع
الفم. فإذا أخذ في الصعود نحو الحنك الأعلى، بدأ حينئذ ذلك الوضع الذي يسمّى بالإمالة. وأقصى ما يصل إليه أول اللسان في صعوده نحو الحنك الأعلى هو ذلك المقياس الذي يسمّى عادة بالكسرة، طويلة كانت أو قصيرة. فهناك إذا مراحل بين الفتح والكسر، لا مرحلة واحدة. من أجل ذلك كان القدماء يقسمون الإمالة إلى نوعين: إمالة خفيفة، وإمالة شديدة.» «1» - وكل أصحاب الاحتجاج على أن الفتح أصل، والإمالة فرع. قال مكي: «اعلم أن أصل الكلام كله الفتح، والإمالة تدخل في بعضه في بعض اللغات لعلة. والدليل على ذلك أن جميع الكلام الفتح فيه سائغ جائز، وليست الإمالة بداخلة إلا في بعضه في بعض اللغات لعلة، فالأصل ما عمّ، وهو الفتح.» «2» على أن بعض أئمة القراءة ذهب إلى أن كلا من الفتح والإمالة أصل برأسه «3»، وليس منهم من ذهب إلى أن الفتح فرع، والإمالة أصل «4». لكن د. إبراهيم أنيس رأى أن الإمالة تكون أصلا في حالات، وفرعا في حالات أخرى. قال: «نستطيع أن نرجح أن بعض الكلمات التي اشتملت على ياء أصلية قد تطورت أولا إلى الإمالة ثم إلى الفتح، فالأصل إذا في مثل هذه الكلمات هو الإمالة، وقد تفرع الفتح عنها.
- أسباب الإمالة:
أما حين تعرض الإمالة لغير أصل من أصول الكلمة كإمالة الفتحة أو إمالة ألف المد غير المنقلبة عن أصل، فليس هذا إلا نوعا من الانسجام بين أصوات اللين. ومتى سلّمنا بنظرية السهولة والاقتصاد في الجهد العضلي، استطعنا أن نتصور أن الكلمة التي تشتمل على أصوات لين منسجمة أحدث من نظيرتها التي خلت أصوات لينها من الانسجام.» «1» وردّ د. حسام سعيد النعيمي هذا القول ب «أن ظاهرة صوتية واحدة لا ينبغي أن يتجزّأ تفسيرها، ومن الصعب أن نقتنع بأن الحجازيين كانت لغتهم متقدمة متطورة في مثل لفظة (سار) بغير إمالة، وأن التميميين قد تخلفت لغتهم لبقاء الإمالة فيها، ثم تكون لهجة الحجاز متخلفة عن التطور في لفظة (كتاب) بغير إمالة، بينما تكون لهجة البادية أحدث في تطورها، لأنها أمالت الألف فيها.» «2» - أسباب الإمالة: - ذكرت كتب الاحتجاج اثني عشر سببا للإمالة، تعود عشرة منها لشيئين هما: الياء والكسرة «3»، وهي: 1 - ياء متقدمة، نحو: عيلان وشيبان «4» «5». 2 - كسرة متقدمة، نحو: كتاب وسربال «6» «7».
3 - ياء متأخرة، نحو: مبايع «1». 4 - كسرة متأخرة، نحو: عالم ومسافر «2» «3». 5 - ياء مقدرة، نحو: رمى، وقضى؛ والهوى والزنى «4» «5». 6 - كسرة مقدرة، نحو: خاف، أصله: خوف بكسر العين «6». 7 - ياء عارضة، نحو: دعا وغزا، فالألف في هذين الفعلين ونحوهما أصلها واو، غير أنها تعود في بعض التصاريف ياء، نحو: دعي وغزي «7» «8». 8 - كسرة عارضة، نحو: خاب وزاد وطاب، لأن أوائل هذه الأفعال ونحوها تنكسر عند إخبار المتكلم عن نفسه: خبت وزدت وطبت «9» «10». 9 - الإمالة للإمالة، نحو: رأيت عمادا، «فيميلون الألف المبدلة من التنوين في حال النصب، لإمالة ألف عماد التي بعد الميم، وهي التي أميلت لأجل الكسرة.» «11» «12»
- علل الإمالة:
10 - إمالة ألف لشبهها بألف تمال، نحو: معزى وقصارى، وبلى ومتى «1» «2». 11 - الفرق، ومن ذلك إمالة بعض الأحرف المقطعة في فواتح السور، نحو: طه [طه 1]، قال مكي: «وعلة الإمالة في ذلك كله أن هذه الحروف ليست بحروف معان ك (ما) و (لا)، إنما هي أسماء لهذه الأصوات ... فلما كانت أسماء أمالها من أمالها، ليفرق بالإمالة بينها وبين الحروف التي للمعاني ... ليفرق بين الحرف والاسم.» «3» «4» 12 - كثرة الاستعمال، نحو: الناس، والحجّاج علما، «لأنهما كثرا في الكلام واستجيز ذلك فيهما للكثرة.» «5» «6» - علل الإمالة: - أوردت كتب الاحتجاج ثلاث علل للإمالة، ثنتان صوتيتان، والأخرى دلالية: 1 - تبيين الألف وإزالة خفائها. 2 - التناسب بين الأصوات. 3 - الدلالة على أن أصل الألف ياء. ذكر أبو علي العلة الأولى في احتجاجه لقراءة الكسائي بإمالة الألف المتطرفة من تراءى [الشعراء 61] وقفا بقوله: «وفي الألف خفاء شديد من حيث لم تعتمد في إخراجها على موضع،
فصارت لذلك بمنزلة النفس من أنه لا يعتمد له على موضع، فبيّنها بأن نحا بها نحو الياء وقرّبها منها. ويدلك على حسن هذا أن قوما يبدلون منها الياء المحضة في الوقف، فيقولون: أفعي، وحبلي «1»؛ وآخرون يبدلون منها الهمزة، فيقولون: هذه حبلأ، ورأيت رجلأ «2»، فكذلك نحا بالألف بإمالتها نحو الياء ليكون أبين لها ... » «3» «4» وذكر ابن أبي مريم العلتين الثانية والثالثة بقوله: «الإمالة أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة لتميل الألف التي بعدها نحو الياء، ليتناسب الصوت بمكانها ويتجانس ولا يختلف، فهذا غرضهم من الإمالة. وأما إمالتهم الألف المنقلبة عن الياء والتي في حكم المنقلب عنها، فهي أيضا لإرادة التناسب، وذلك لأنهم اعتقدوا وجود الياء في الكلمة، فكرهوا أن يقع مكانها ما هو مخالف لها، فأمالوا الألف لما ذكرنا من إرادة التناسب لما في وهمهم من حصول الياء؛ وليدلوا بذلك أيضا على أن الألف منقلبة عن الياء أو في حكم ما هو منقلب عن الياء.» «5» وألمّ مكي بالعلة الثانية في حديثه عما أميل لكسرة بعد الألف على الراء، نحو: النَّارِ [البقرة 39] وَالنَّهارِ [البقرة 164]، فقال: «وعلة من أماله أنه لما وقعت الكسرة بعد الألف قرّب الألف نحو الياء، لتقرب من لفظ الكسر، لأن الياء من الكسر ... فحسن ذلك ليعمل اللسان عملا
- موانع الإمالة:
واحدا متسفلا، فذلك أخف من أن يعمل متصعدا بالفتحة والألف، ثم يهبط متسفلا بكسرة الراء ... » «1» - موانع الإمالة: - يمنع من الإمالة: حروف الاستعلاء، والراء إن لم تكن مكسورة، وتلتقي جميعا في صفة التفخيم. فأما حروف الاستعلاء فتمنع الإمالة إذا وقعت بعد الألف، ولم يفصل بينهما شيء، أو فصل بينهما حرف أو حرفان، نحو: ناصر، وهابط، ومنافيخ. أو وقعت قبل الألف ولم يفصل بينهما شيء، نحو: صابر، أو فصل بينهما حرف واحد ولم تكن مكسورة، أو ساكنة بعد كسر، نحو: ضباب، وقفاف، طلاب؛ ومقلات، ومطعان، ومطعام. فإذا كان سبب الإمالة في ذات الألف من ياء أو كسرة مقدرتين أو عارضتين، أو شبهها بألف تمال- قوي جانب الإمالة، وصار الحرف المستعلي غير مؤثر. قال ابن أبي مريم: «وأما ما يمنع الإمالة فمنه الحروف المستعلية، وهي سبعة أحرف: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والغين، والقاف، والخاء ... فهذه الحروف تمنع الإمالة «2» إذا وقعت قبل الألف وهي تلي الألف، أو وقعت بعد الألف سواء وليها الألف أو وقعت بعده بحرف أو حرفين نحو: صابر وناصر وهابط ومنافيخ. وإنما امتنعت الإمالة مع الحروف المستعلية، لأن هذه الحروف صاعدة إلى الحنك الأعلى كما صعدت الألف، فغلبت على الألف فمنعتها عن أن تصير إلى جهة الياء، فلا يتناسب الصوت فيها.
فلحرصهم على تناسب الصوت امتنعوا عن إمالة الألف مع الحروف المستعلية، كما أمالوها مع الكسرات والياءات إرادة لتناسب الصوت. فإذا كان الحرف المستعلي قبل الألف بحرف وكان مكسورا، فإنه لا يمنع الإمالة، نحو: ضباب وقفاف وصفاف وطلاب «1»، وإنما لم يمنع الحرف المستعلي الإمالة هاهنا، لأنه مكسور، ولأنه قبل الألف ولا يلي الألف، فيقع اللسان على موضع المستعلي فيصوّبه بالكسرة، ثم ينحدر بالإمالة، وهذا غير مستبعد. ولو أمال الألف في نحو ناشط وواقد، لصوّب لسانه بإمالة الألف ثم صعّده بالحرف المستعلي، فكان في ذلك تصعّد بعد تسفّل، وكان يثقل، فهذا بعيد ... ثم اعلم أن الأفعال لما كان بابها التصرف جوّز في بعض منها الإمالة مع وجود الحرف المستعلي فيما يلي الألف منه، وذلك نحو: طاب وخاب وصار، وإنما جوّزوا الإمالة في هذه الأفعال لأجل الكسرة في: خفت وطبت وصرت، ووقوع هذه الكسرة في هذه الحالة غلب الحرف المستعلي كما غلبت- أعني الكسرة- أيضا كون الألف من الواو في (خاف). فلهذه الكسرة صار الحرف المستعلي غير مؤثر، لأن جانب الكسرة قوي فيها حتى صار غالبا للحرف المستعلي، كما أن الاسم الذي على أربعة أحرف قوي جانب الياء فيه حتى غلب الحرف المستعلي، فقالوا: معطى ومرخى، فأمالوهما مع المستعلي.» «2» وأما الراء فتمنع الإمالة بشرطين: الأول: ألا تكون مكسورة.
- الإمالة في رءوس الآي:
والآخر: أن تتصل بالألف قبلها نحو (راشد) ويتعين الفتح، أو بعدها نحو (جدار) مفتوحة كانت أو مضمومة «1». فإذا كانت مكسورة جلبت الإمالة، وغلبت الحرف المستعلي، كإمالة الألف في نحو: قارب. قال ابن أبي مريم: «ومما يمنع الإمالة أيضا الراء إذا وقعت مفتوحة قبل الألف أو بعدها، نحو: راشد ورادف ومقارب ومطارد ورأيت حمارا. وإنما منعت الراء المفتوحة الإمالة، لأن الراء فيها تكرير، فالفتحة فيها تجري مجرى فتحتين، كما أن الكسرة في الراء تجلب الإمالة، لأن الكسرة فيها تجري مجرى كسرتين، فتغلب الحرف المستعلي في نحو: صارم وطارد ... وأما قولهم: في قرارك بالإمالة، فقد غلبت الراء المكسورة الراء المفتوحة، كما غلبت الحرف المستعلي في: قارب، لأن الراء المفتوحة لا تكون أقوى من الحرف المستعلي، وقد غلبته الراء المكسورة. وينبغي أن يعلم أن الراء المفتوحة إنما تمنع الإمالة إذا وليت الألف نحو: راشد، كما أن المكسورة إنما تجلب الإمالة إذا وليتها الألف نحو: حارث.» «2» - الإمالة في رءوس الآي: - قال المهدوي في قراءة أبي عمرو ما توالى في رءوس الآي من ذوات الياء بإمالة متوسطة: « ... فإن رءوس الآي مشبّهة بالقوافي، والإمالة وما قرب منها تغيير، ورءوس الآي «3» والقوافي «4» مواضع التغيير، لأنهن مواضع الوقف،
- الوقف على الممال:
والوقف يقع فيه «1» التغيير؛ ألا ترى أنهم قالوا في الوقف على أفعى: أفعو، وقال بعضهم: أفعي، فغيّروا الألف بالقلب، وهم لا يفعلون ذلك في الوصل إلا على الشذوذ من بعضهم ممن حمل الوصل على الوقف «2». فإذا كان الوقف موضع التغيير والإعلال، وكانت رءوس الآي مواضع الوقف كما أن القوافي «3» مواضع الوقف- حسنت الإمالة، والقراءة بين اللفظين ضرب من الإمالة، لأنه تقريب منها.» «4» - الوقف على الممال: - قال مكي: «وإذا كانت الإمالة لكسرة بعد الألف ثم وقفت بالروم، ضعفت الإمالة قليلا لضعف الكسرة التي أوجبت الإمالة، نحو: النَّهارِ [البقرة 164] والنَّارِ [البقرة 39]. فإن كنت تقف بالإسكان زالت الإمالة عند بعض القراء لزوال الكسرة ... وبعضهم يبقي الإمالة في ذلك كله على ما كانت عليه في الوصل، لأن الوقف عارض، ولأن الإمالة سبقت إلى لفظ الحرف الممال قبل الوقف، فبقي على حاله. وعلى هذا القول العمل.» «5» «6»
- تنبيهات:
- تنبيهات: 1 - نسب جمهور أصحاب الاحتجاج إلى الإمالة قيمة تمييزية، وذلك في قراءة أبي عمرو قوله تعالى: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا [الإسراء 72]. قال ابن خالويه: «وكان أبو عمرو أحذقهم، ففرّق بين اللفظين لاختلاف المعنيين، فقرأ: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى بالإمالة، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى بالفتح، أي: أشدّ عمى، فجعل الأول صفة بمنزلة أحمر وأصفر، والثاني بمنزلة (أفعل منك) «1» ... » «2» وقال أبو علي: «ويؤكد ذلك ظاهر ما عطف عليه من قوله: وَأَضَلُّ سَبِيلًا. وكما أن هذا لا يكون إلا على (أفعل)، كذلك المعطوف عليه ... » «3» غير أن ابن زنجلة ذكر «أن الإمالة والفتح لا يأتيان على المعاني، بل الإمالة تقريب من الياء.» «4» 2 - فرّق أصحاب الاحتجاج بين إمالة الألف وإمالة الفتحة قبلها، قال مكي: «واعلم أن معنى الإمالة هو تقريب الألف نحو الياء، والفتحة التي قبلها نحو الكسرة.» «5»
وقال ابن أبي مريم: «أما إذا لقي الألفات التي تقدّمها الراء ساكن نحو قوله تعالى: حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة 55]، والنَّصارى الْمَسِيحُ [التوبة 30]، وَيَرَى الَّذِينَ [سبأ 6]، فإن أبا عمرو يفتح جميع ذلك، وكذلك غيره من القراء في ذلك وفي جميع ما جازت فيه الإمالة إذا لقيه ساكن، لأن الإمالة في ذلك إنما هي إمالة الألف نحو الياء. فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين، زالت الإمالة بزوال محلها، لأن الإمالة محلها الألف. ومن العرب من يميل الفتحة التي قبل الألف مع سقوط الألف، لأن الألف وإن كانت قد سقطت، فإنها في حكم الوجود، لأن سقوطها إنما هو لالتقاء الساكنين، فهو عارض غير لازم، هذا مذهب بعض من العرب، لكن القراءة سنة متبعة.» «1» «2» وهذا التفريق بين إمالة الألف وإمالة الفتحة قبلها مبني على أن حروف المدّ قبل كل منها حركة من جنسه، وجمهور المحدثين على خلافه، قال د. إبراهيم أنيس: «ولكن القدماء قد ضلوا الطريق السوي حين ظنوا أن هناك حركات قصيرة قبل حروف المدّ، فقالوا مثلا: إن هناك فتحة على التاء في (كتاب)، وكسرة تحت الراء في (كريم)، وضمة فوق القاف في (يقول). والحقيقة أن هذه الحركات القصيرة لا وجود لها في تلك المواضع، فالتاء في (كتاب) محركة بألف المدّ وحدها، والراء في (كريم) محركة بياء المدّ وحدها، والقاف في (يقول) محركة بواو المدّ وحدها.
ويظهر أن الكتابة العربية في صورتها المألوفة من وضع فتحة على التاء في (كتاب) وكسرة تحت الراء في (كريم) وضمة فوق القاف في (يقول) قد جعلت القدماء يتوهمون وجود حركات قصيرة في مثل هذه المواضع.» «1» - على أني وإن كنت أوثر التوقف في المسألة لنقص الأدلة، لا أعدم وجها لما ذهب إليه القدامى. فقلب الواو ياء في نحو ميقات، والأصل موقات (بميم مكسورة فواو ساكنة)، يدلّ على أن الكسرة شيء، والياء المنقلبة عن واو للكسرة قبلها شيء آخر، فقد كانت ولم تكن الياء. وميزان العروض، وهو كما قال ابن جني: عيار الحسّ وحاكم الطبع «2»، يشهد أن نحو (ما) بمنزلة (من)، يتألف من حرفين الأول متحرك والثاني ساكن. 3 - ربط المهدوي إمالة الكلمة بتصرفها، وهو تقلّب صيغها، قال: «واعلم أن الإمالة إنما تقع في الأسماء والأفعال، ولا تمال حروف المعاني، لأن حروف المعاني لا تستحق التصريف نحو الذي يدخل في الأسماء والأفعال. فالتصريف في الأسماء ما يدخلها من التكسير والتصغير، والتصريف في الأفعال نحو قولك: رمى يرمي وما أشبه ذلك.» «3» «4»
- إمالة الفتحة قبل هاء التأنيث في الوقف:
4 - ذكر أبو علي أن العرب قد تميل ما لا وجه له في القياس، وأنه لا ينبغي للقراء أن تميل كلما كانت الإمالة جائزة في العربية، فالقراءة سنة متبعة. قال في إمالة الألف من قوله تعالى: تُقاةً [آل عمران 28] مع سبق حرف الاستعلاء: «وحجة من أمال أن سيبويه زعم «1» أن قوما قد أمالوا من هذا مع وجود المستعلي ما لا ينبغي أن يمال في القياس. قال: وهو قليل، وذلك قول بعضهم: رأيت عرقا وضيقا.» «2» وقال أيضا: «والإمالة في مالِكِ [الفاتحة 4] في القياس لا تمتنع، لأنه ليس في هذا الاسم مما يمنع الإمالة شيء. وليس كل ما جاز في قياس العربية تسوغ التلاوة به حتى ينضم إلى ذلك الأثر المستفيض بقراءة السلف له وأخذهم به، لأن القراءة سنة.» «3» - إمالة الفتحة قبل هاء التأنيث في الوقف: - قرأ الكسائي بإمالة الفتحة قبل هاء التأنيث في الوقف لشبهها بألف التأنيث لفظا ومعنى، فإذا وصل فتح، لأنها تعود تاء، ولا شبه بينها وبين الألف. وروي عن العرب: أخذت أخذه، وضربت ضربه «4». قال مكي: «اعلم أن هاء التأنيث أشبهت الألف التي للتأنيث من خمس جهات: إحداها: قرب المخرج من الألف. والثانية: أنها زائدة كألف التأنيث.
والثالثة: أنها تدلّ على التأنيث كالألف. والرابعة: أنها تسكن في الوقف كالألف. والخامسة: أن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحا كالألف ... فلما تمكّن الشبه في الوقف بالسكون أجراها الكسائي مجرى الألف في الوقف خاصة، فأمال ما قبلها من الفتح، فقرّبه من الكسر كما يفعل بألف التأنيث، إلا أن ألف التأنيث تقرّب في الإمالة نحو الياء، وليست كذلك الهاء. فإن وصل فتح، لأنها تصير تاء، فلا تشبه حينئذ الألف، فلذلك حسن الوقف بالإمالة، وذلك نحو: حَبَّةٍ [البقرة 261] ودَابَّةٍ [البقرة 164] وشبهه.» «1» - «فإن وقع قبل هاء التأنيث ألف منقلبة عن واو، فلا سبيل إلى الإمالة، نحو: الزَّكاةَ [البقرة 43]، والصَّلاةَ [البقرة 3]. وعلة ذلك أنك لو أملت ما قبل هاء التأنيث في هذا لأملت الألف ... وهذا غير جائز.» «2» - «وأما هاء السكت، فلا تجوز فيها الإمالة، لأنه لا نسب بينها وبين ألف التأنيث، ولا شبه لها بها، وإنما هي زائدة لبيان الحركة ... » «3»
- إمالة الفتحة نحو الضمة -
- إمالة الفتحة نحو الضمة- - وهي ألف التفخيم، قال ابن جني في قراءة من قرأ: ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة 278] مضمومة الباء ساكنة الواو: «والذي ينبغي أن يتعلّل به في نحو (الرّبو) بالواو هو أنه فخّم الألف انتحاء بها إلى الواو التي الألف بدل منها على حدّ قولهم: الصَّلاةَ [البقرة 3] والزَّكاةَ [البقرة 43] وكَمِشْكاةٍ [النور 35]، وكقولهم: عالم وسالم وسالف وآنف. وكأنه بيّن التفخيم فقوي الصوت فكان الواو أو كاد ... » «1» وقال العكبري: «قوله تعالى: كهيعص [مريم 1] يقرأ بضم الكاف ضمة غير محقّقة، بل هي بين الضم والفتح، كالإمالة بين الكسرة والفتح، وهذا على لغة من يقول في الوقف: هذه أفعو، فيجعلها واوا «2» ... » «3» - إمالة الضمة نحو الكسرة- - قال أبو علي: «ومما يقوي قول من قال: قِيلَ [البقرة 11] أن هذه الضمة المنحوّ بها نحو الكسرة قد جاءت في نحو قولهم: شربت من المنقر «4»، وهذا ابن عور «5»، وابن بور «6».
- الاختلاس -
فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشدّ مشاكلة لما بعدها وأشبه به، وهو كسر الراء.» «1» على أن بين الصائتين فرقا، وهو أنه في (قيل) مركب، في حين أنه في (من المنقر) ونحوه بسيط. - الاختلاس- - الاختلاس: إخفاء الحركة، وإضعاف الصوت بها، وليس سلبها، إذ الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك «2» «3». وبيّن د. عبد الصبور شاهين أن الحركة في الاختلاس تكون أقصر زمنا، وتكاد تفقد الجهر مثلما يحدث في الإسرار أو الوشوشة «4». - وقد يتجوزون فيسمون الاختلاس إشماما، قال الأزهري: «روي عن أبي عمرو أنه كان يشمّ الباء من بِالصَّبْرِ [العصر 3] جرة خفيفة ولا يشبع ... قال أبو منصور: كأن هذا من اختلاس أبي عمرو ... » «5» وقال ابن خالويه في قوله تعالى: أَمَّنْ لا يَهِدِّي [يونس 35]: «فأما ما رواه اليزيدي «6» عن أبي عمرو أنه كان يسكن الهاء ويشمها شيئا
من الفتح، فإنه وهم في الترجمة، لأن السكون ضد الحركة، ولا يجتمع الشيء وضده، ولكنه من إخفاء الفتحة واختلاسها، لا من الإسكان.» «1» - وأكثر ما يكون الاختلاس في الضم والكسر، ويكون في الفتح على قلة. قال أبو علي: «واعلم أن الحركات التي تكون للبناء والإعراب يستعملون في الضمة والكسرة منهما ضربين: أحدهما: الإشباع والتمطيط. والآخر: الاختلاس والتخفيف. وهذا الاختلاس والتخفيف إنما يكون في الضمة أو الكسرة، فأما الفتحة فليس فيها إلا الإشباع، ولم تخفف الفتحة بالاختلاس، كما لم تخفف بالحذف في نحو: جمل وجبل، كما خفف نحو: سبع وكتف؛ وكما لم يحذفوا الألف في الفواصل والقوافي من حيث حذفت الياء والواو فيهما ... وكما لم يبدل الأكثر من التنوين الياء ولا الواو في الجر والرفع، كما أبدلوا الألف في النصب.» «2» «3» غير أن مما جاء باختلاس الفتح قراءة أبي عمرو قوله تعالى: أَمَّنْ لا يَهِدِّي، وقد مرّ بنا من قبل قول ابن خالويه فيه. - والاختلاس وإن كان لا يبلغ أن يكون سكونا، فهو قريب منه قربا جعله يمتنع حيث يمتنع السكون. قال المهدوي: «وعلة امتناع الاختلاس إذا سكن ما
قبل الحركتين [الضمة والكسرة] نحو: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ [لقمان 28] أنه لو اختلس بعد الساكن لأشبه الجمع بين الساكنين، لأن الحرف المختلس الحركة مقرّب من الساكن. فإذا كان الحرف الذي يستحقّ الاختلاس في أول الكلمة لم يجز اختلاس حركته أيضا، نحو: وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ [غافر 9]، لأن الاختلاس يقرب من الساكن، فإذا كان الحرف الذي تختلس حركته في أول الكلام لم يجز كون الاختلاس فيه، لئلا يبتدأ بما قرب من الساكن، وذلك يمتنع كما يمتنع الابتداء بالساكن.» «1» حتى إن سيبويه ردّ قول من روى عن أبي عمرو الإسكان في بارِئِكُمْ [البقرة 54] ونحوه، بأنه ظن الاختلاس إسكانا، لقربه منه. قال المهدوي: «بارِئِكُمْ علة إسكان الهمزة ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو، قال: العرب تستغني بإحدى الحركتين عن الأخرى ... قال سيبويه: لم يكن أبو عمرو يسكن شيئا من هذا، وإنما كان يختلس الحركة، فيظن من سمعه يختلس أنه أسكن «2». وليس قول سيبويه مما يعارض به رواية من روى الإسكان لثبوت الرواية، ولأنه مستعمل في كلام العرب.» «3» - وإنما تختلس الحركة لأحد شيئين: الأول: للدلالة على أنها عارضة غير لازمة. والآخر: لكراهة تتابعها في الكلمة الواحدة.
فمن الأول قوله تعالى: لا تَعْدُوا [النساء 154]، قال مكي: «قرأ قالون باختلاس حركة العين، لأنها حركة عارضة عليها، لأن أصلها: تعتدوا، فأصلها السكون، ثم أدغمت التاء في الدال بعد أن ألقيت حركتها على العين، فاختلس حركة العين ليخبر أنها حركة غير لازمة، ولم يمكنه أن يسكن العين، لئلا يلتقي ساكنان: العين وأول المدغم، وكره تمكين الحركة، إذ ليست بأصل فيها، وحسن ذلك للتشديد الذي في الكلمة ولطولها.» «1» ومن الآخر قوله تعالى: نُطْعِمُكُمْ [الإنسان 9]، قال الأزهري: «القراءة: (نطعمكم) بضم الميم، وما روي عن أبي عمرو فهو من اختياره الاختلاس عند تتابع الحركات.» «2» - والاختلاس أحسن وأجود في العربية من الإسكان، لأنه يجمع التخفيف والدلالة على الإعراب، ولأنه يؤمن معه اجتماع الساكنين في نحو: لا تَعْدُوا [النساء 154] «3» «4». - ونطق الحركات مختلسة يحتاج إلى لطافة يجفو عنها كثير من ألسنة الحضريين، ولا تتأتى لهم إلا بالدربة والمران. قال الأزهري: « ... لأن العربي يختلس الحركات اختلاسا خفيا، إذا سمعه الحضري ظنه جزما، وذلك الظن منه وهم.» «5»
- الروم -
وقال في قراءة أبي عمرو: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ [البقرة 54] وترجيحه قراءة الاختلاس على الإسكان: «وليس كل لسان يطوع ما «1» كان يطوع له لسان أبي عمرو، لأن صيغة لسانه صارت كصيغة ألسنة العرب الذين شاهدهم وألف عادتهم.» «2» - الرّوم- - في معنى (الروم) خلاف بين القراء واللغويين، فهو عند القراء: النطق ببعض الحركة، وعند اللغويين: نطق الحركة بصوت خفي. وتظهر فائدة الخلاف بين الفريقين في الفتح، فعلى قول القراء لا يدخل الروم عليه، لأنه حركة خفيفة، إذا خرج بعضها خرج سائرها، لأنها لا تقبل التبعيض كما يقبله الكسر والضم بما فيهما من الثقل، والروم عندهم بعض الحركة. وعلى قول اللغويين يدخل على الفتح كما يدخل على الكسر والضم، لأن الروم عندهم إخفاء الحركة، وذلك لا يمتنع في الحركات الثلاث. قال المهدوي: «فمعنى الروم: إضعاف الصوت بالحركة وذهاب معظمها والنطق ببعضها، فهو يسمع، ويستوي فيه الأعمى والبصير، وهو يقع في المرفوع والمخفوض عند القراء، ويقع في المفتوح عند النحويين ... سوى أبي حاتم «3» فإنه لم يجز الروم في المفتوح، قال: لأن الفتح خفيف لا يتبعض لخفته،
فخروج بعضه كخروج كله، فإذا رمت الفتحة التبس الروم بالحركة المشبعة. وقال غيره من النحويين: لا يمتنع الروم في المفتوح من حيث يقدر على إضعاف الصوت بالحركة فيتبين الروم من الإشباع.» «1» «2» - وبيّن د. عبد الصبور شاهين أن الحركة في الروم، كما هي في الاختلاس، تكون أقصر زمنا وتكاد تفقد الجهر، مثلما يحدث في الإسرار أو الوشوشة «3». «والروم يشارك الاختلاس في تبعيض الحركة، ويخالفه في أنه لا يكون في فتح ولا نصب، ويكون في الوقف فقط، والثابت فيه من الحركة أقل من الذاهب. والاختلاس يكون في كل الحركات ... ولا يختص بالوقف، والثابت من الحركة فيه أكثر من الذاهب، وقدّره الأهوازي «4» بثلثي الحركة، ولا يضبطه إلا المشافهة.» «5»
- الإشمام -
- الإشمام- - الإشمام هنا الإشارة بالشفتين إلى الضمة من غير تصويت «1». قال أبو علي: «وذلك أن الإشمام عند النحويين ليس بصوت ... وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الصوت الذي هو الضم ليدل عليه، وليس بخارج إلى اللفظ.» «2» «3» - واختصاص الإشمام بالضمة دون غيرها من الحركات يعود إلى أنها من الواو، والواو تخرج من بين الشفتين وبهما تعالج. قال ابن أبي مريم: «لأن الإشمام تهيّؤ اللفظ بالضمة وضم الشفتين استعدادا لإخراج ما كان من جنس الواو، وهذا لا يمكن مع الإشارة إلى الكسرة» «4» أو الفتحة «5» «6». - ويكون الإشمام في المدغم كما يكون في الموقوف عليه، نحو قوله تعالى: لا تَأْمَنَّا [يوسف 11]، وذلك «أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما «7» السكون.
فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعا في الإدراج، أشموا النون المدغمة في تَأْمَنَّا ... » «1» - وأما غرض العرب من الوقف بالروم والإشمام، فهو حرصهم على إبانة ما للحرف من الحركة. قال مكي: «اعلم أن الروم والإشمام إنما استعملتهما العرب في الوقف لتبيين الحركة كيف كانت في الوصل.» «2» وقد يؤتى به لغرض دلالي، قال أبو علي: «ألا ترى أنهم قالوا: إن روم الحركة يفصل به بين المذكر والمؤنث، نحو: رأيتك ورأيتك؟» «3» ولا يبعد أن يكون للإشمام مثل ذلك من الدلالة على الفصل. على أن سيبويه ذهب إلى أن غرض من رام الحركة أو أشموا: الفصل بين ما كان سكونه لازما، وما كان عارضا للوقف، قال: «وأما الذين راموا الحركة، فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكان على كل حال، وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال. وذلك أراد الذين أشموا، إلا أن هؤلاء أشدّ توكيدا.» «4»
ثانيا - مد الصوائت:
ثانيا- مدّ الصوائت: - هو في اصطلاح القراء: إطالة الصوت بحرف من حروف المدّ «1». 1 - حروف المدّ: هي على ضربين: الأول- حروف المدّ واللين: وهي ثلاثة: الألف ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها «2». قال المهدوي: «ولا يمكن أن يدخل المد في غير هذه الحروف. وإنما كان ذلك لأن هذه الحروف أصوات والحركات مأخوذة منها، فامتداد الصوت بها ممكن، ويسوغ فيه التطويل والتوسط والتقصير، ولا يسوغ ذلك في شيء من الحروف سواهن.» «3» والآخر- حرفا اللين: وهما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما، نحو: سوء وشيء «4». غير أن المد فيهما أنقص من المد في حروف المد واللين، قال المهدوي: «وعلة ورش في مده الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما أن فيهما شيئا من المد واللين، وإن كان أنقص في الرتبة مما في الياء إذا انكسر ما قبلها، والواو إذا انضم ما قبلها.
2 - درجة المد:
ويقوي ذلك جواز وقوع الساكن المدغم بعدها كما يقع بعد الواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها، نحو قولك: هذا ثوب بّكر، وقوم مّالك ... » «1» 2 - درجة المدّ: - ترتبط درجة المد بنوع القراءة، قال مكي: « ... فإن أنسا سئل عن قراءة النبي عليه السلام، فقال: كان يمدّ صوته مدا «2» ... وقوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل 4] يدلّ على التمهل، والتمهل يعطي المدّ، وهو الاختيار، لإجماع أكثر القراء على ذلك، ولما فيه من البيان، ولما ذكرنا من الحديث ... والقراء في إشباع المد وتطويله على قدر قراءتهم وتمهلهم أو حدرهم، فليس مدّ من يتمهل ويرتل كمدّ من يحدر ويسرع.» «3» ونحو من هذا قول برتيل مالمبرج: «فأول ما يجب أن نلاحظه هو أن كمية كل صوت تتوقف على سرعة الإلقاء، وأنه كلما ازدادت سرعة الكلام ازداد كل صوت في القصر، والعكس صحيح.» «4»
3 - أسباب المد:
3 - أسباب المدّ: وهي على أربعة أضرب: لفظية، وموسيقية، ودلالية، واضطرارية. آ- أسباب لفظية: وهي اثنان: الهمزة، والسكون. قال مكي: «وإنما يكون المد في هذه الحروف عند ملاصقتهن لهمزة أو ساكن مشدد أو غير مشدد.» «1» «2» - الهمزة: - ذكر مكي أن حروف المد واللين «حروف خفية، والهمزة حرف جلد بعيد المخرج صعب في اللفظ. فلما لاصقت حرفا خفيا، خيف عليه أن يزداد بملاصقة الهمزة له خفاء، فبيّن بالمد ليظهر. وكان بيانه بالمد أولى، لأنه يخرج من مخرجه بمد، فبيّن بما هو منه.» «3» - والمد إذا كان حرف المد واللين قبل الهمزة وهما في كلمة واحدة، آكد منه إذا كانا في كلمتين. قال المهدوي: «وبقي أن يفرق بين إجماعهم على المد إذا كان الحرف والهمزة في كلمة نحو: شاءَ [البقرة 20]، واختلافهم فيما كانت المدة فيه من كلمة والهمزة من كلمة أخرى نحو: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة 4].
- السكون:
فعلة إجماع القراء على مد المتصل نحو: شاء وجاءَ [النساء 43] ونظائرهما أن الهمزة قد لزمت الكلمة، وصار اجتماعها مع الحرف الممدود لازما لا يفارقها، إذ لا يمكن الوقوف على حرف المد واللين فينفصل من الهمزة فلزم المد لذلك، وأجمعوا عليه. فإذا انفصلت المدة من الهمزة وكان حرف المد واللين في آخر الكلمة والهمزة في أول الأخرى، ضعف المد ولم يلزم لزومه في المتصل، إذ ليس بلازم في الوصل والوقف كما كان في المتصل؛ ألا ترى أنك تقف على قالُوا [البقرة 14] فتنفصل الواو من همزة آمَنَّا [البقرة 14] فيزول المد، وكذلك ما أشبهه. فلما ضعف المد للعلة التي ذكرناها اختلفوا فيه، فمن ترك المد فعلى ما ذكرناه من علة الانفصال، ومن مد فإنه نظر إلى الموضع الذي يتصل فيه حرف المد واللين بالهمزة فمده، فإذا وقف على الحرف وفصله من الهمزة ترك المد فراعى اللفظ.» «1» - السكون: - المد عند لقاء الساكن نحو: الطَّامَّةُ [النازعات 34]، والصَّاخَّةُ [عبس 33]، وما أشبه ذلك- لا بد منه لالتقاء الساكنين، ليكون المد عوضا من الحركة «2». وذلك أن الممدود عندهم نظير المتحرك في الطول، فصار المد في الفصل بين الساكنين كالحركة «3».
- وفرّق مكي بين المد لسكون لازم، والمد لسكون عارض للوقف، بأن الأول يلزم فيه المد المشبع، في حين أن الآخر لما كانت الحركة فيه منوية، فإن إشباع المد ضعف لذلك «1». - ونبّه مكي على أن زيادة المد للمشدد أقوى منها للساكن غير المشدد، قال: «وزيادة المد للمشدد أقوى، وذلك أن الذي أجمع على جوازه من التقاء الساكنين هو أن يكون الأول حرف مد ولين، والثاني حرفا مشددا، فهو الأصل، ثم قيس عليه في الجواز فرع الساكن غير المشدد بعد حرف المد واللين. وسيبويه لا يجيزه «2»، وكثير من أصحابه على منع جوازه إلا مع المشدد، والمشدد هو الأصل، والأصل له مزية على الفرع، والمشبّه بالشيء ليس كمثل ذلك الشيء في قوته وتمكنه.» «3» - وأورد مكي للسكون مزية ليست للهمزة في المد، وهي أن المد للسكون لا بد منه ضرورة، في حين أن المد للهمزة يجوز ترك إشباعه في الكلام دون القرآن. قال: «واعلم أن المد مع الساكن بعد حرف المد واللين، والمشدد بعد حرف المد واللين أقوى منه مع الهمزة بعد حرف المد واللين. وعلة ذلك أن حرف المد واللين إذا وقع بعده ساكن مشدد أو غير مشدد، لا بد فيه من المد ضرورة، ليصل بالمدة إلى اللفظ بالساكن؛ والهمزة إذا وقعت بعد حرف المد واللين لك أن تدع إشباع المد في الكلام، فتقول: صائم وقائم، بغير إشباع، قد تثبت الألف والهمزة ولا تشبع المد، فأما في القرآن فلا بد من إشباع المد اتباعا للرواية، وإلا فترك إشباع المد جائز فيه في الكلام.
ب - أسباب موسيقية:
فما كان المد فيه لازما لا بد منه، أقوى في المد مما يجوز فيه ترك إشباع المد.» «1» - وتوقف د. إبراهيم أنيس عند علة المد، فرأى أنها تكمن في الحرص على ألا يتأثر صوت اللين بمجاورة الهمزة أو الإدغام، «لأن الجمع بين صوت اللين والهمزة كالجمع بين متناقضين، إذ الأول يستلزم أن يكون مجرى الهواء معه حرا طليقا وأن تكون فتحة المزمار حين النطق به منبسطة منفرجة، في حين أن النطق بالهمزة يستلزم انطباق فتحة المزمار انطباقا محكما يليه انفراجها فجأة. فإطالة صوت اللين مع الهمزة يعطي المتكلم فرصة ليتمكن من الاستعداد للنطق بالهمزة التي تحتاج إلى مجهود عضوي كبير، وإلى عملية صوتية تباين كل المباينة الوضع الصوتي الذي تتطلبه أصوات اللين. وهذا هو نفس السر في إطالة صوت اللين حين يليه صوت مدغم، لأن طبيعة اللغة العربية ونسجها تستلزم قصر أصوات اللين الطويلة حين يليها صوتان ساكنان. فحرصا على صوت اللين وإبقاء على ما فيه من طول، بولغ في طوله لئلا تصيبه تلك الظاهرة التي شاعت في اللهجات العربية قديمها وحديثها من ميل صوت اللين إلى القصر حين يليه صوتان ساكنان.» «2» ب- أسباب موسيقية: - نحو قوله تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى [طه 77]، قرأ حمزة: (لا تخف) بالجزم، ويحتمل إثبات الألف في (تخشى) على هذه القراءة وجهين: الأول: أن تكون الواو حرف استئناف، و (لا) بمعنى (ليس)، نحو قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى 6].
ج - أسباب دلالية:
والآخر: أن «تقدّر أنك حذفت الألف المنقلبة عن اللام ثم أشبعت الفتحة لأنها فاصلة، فأثبتّ الألف الثانية عن إشباع الفتحة. ومثل هذا مما ثبت في الفاصلة قوله: فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب 67]، وقد جاء إشباع هذه الفتحة في كلامهم، قال «1»: فأنت من الغوائل حين تلقى ... ومن ذمّ الرجال بمنتزاح «2»» «3» «4» - وحكى أبو علي عن أبي الحسن قوله في المد: «والعرب تفعل هذا في حال التطريب، وإذا أراد أحدهم الرقة والترتيل.» «5» ج- أسباب دلالية: - الدلالة على الحذف: - قال ابن جني: «وعلى هذا قال سيبويه «6»: إنهم يقولون: سير عليه ليل، يريدون: ليل طويل، وهذا إنما يفهم عنهم بتطويل الياء، فيقولون: سير عليه ليل، فقامت المدّة مقام الصفة.» «7»
- الدلالة على التوكيد:
قال أبو سعيد السّيرافي (ت 368 هـ): «يعني أنك إذا قلت: (سير عليه ليل طويل)، فهو إلى الرفع وإقامته مقام الفاعل أقرب، لأنه كلما نعت قرب من الأسماء، وبعد من الظروف. وإذا قلت: (سير عليه ليل) وأنت تريد هذا المعنى رفعت أيضا، إلا أن ذكر النعت أجود، لأنه يبيّن بها قربه من الاسم، وإن نصبت جاز أيضا، فقلت: (سير عليه ليلا طويلا)، كما تقول: (سير عليه الدهر).» «1» - الدلالة على التوكيد: - قال ابن جني « ... وذلك أن العرب إذا أخبرت عن شيء غير معتمدته ولا معتزمة عليه أسرعت فيه، ولم تتأنّ على اللفظ المعبّر به عنه ... ويكفي في ذلك قول الله سبحانه: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ [البقرة 225]، قالوا في تفسيره: هو كقولك: لا والله، بلى والله «2». فأين سرعة اللفظ بذكر اسم الله تعالى هنا من التثبت فيه والإشباع له والمماطلة عليه من قول الهذلي «3»: فو الله لا أنسى قتيلا رزئته ... بجانب قوسى ما مشيت على الأرض «4» أفلا ترى إلى تطعّمك هذه اللفظة في النطق هنا بها وتمطّيك لإشباع معنى القسم عليها؟ وكذلك أيضا قد ترى إلى إطالة الصوت بقوله من بعده:
- التفريق بين المعاني عند فقد القرينة:
بلى إنها تعفو الكلوم، وإنما ... نوكّل بالأدنى، وإن جلّ ما يمضي «1» أفلا تراه لمّا أكذب نفسه، وتدارك ما كان أفرط فيه لفظه- أطال الإقامة على قوله (بلى)، رجوعا إلى الحق عنده، وانتكاثا عما كان عقد عليه يمينه؟ فأين قوله هنا: (فو الله) وقوله (بلى) منهما في قوله: لا والله، وبلى والله؟» «2» - التفريق بين المعاني عند فقد القرينة: - قال ابن جني: «وعلى ذكر طول الأصوات وقصرها لقوة المعاني المعبّر بها عنها وضعفها ما يحكى أن رجلا ضرب ابنا له، فقالت له أمه: لا تضربه، ليس هو ابنك. فرافعها إلى القاضي فقال: هذا ابني عندي، وهذه أمه تذكر أنه ليس مني. فقالت المرأة: ليس الأمر على ما ذكره، وإنما أخذ يضرب ابنه فقلت له: لا تضربه، ليس هو ابنك؟ ومدت فتحة النون جدا. فقال الرجل: والله ما كان فيه هذا الطويل الطويل!» «3». د- أسباب اضطرارية: - وهو التذكّر، ويراد به: مدّ الصوت بالصائت الأخير ريثما يتذكر المتكلم ما نسيه من كلام فينطق به، فإن لم يكن صائتا حرّك تحريكه لالتقاء الساكنين ومطلت تلك الحركة.
قال ابن جني: «وحكى صاحب الكتاب «1» أن بعضهم قال في الوقف: قالا، وهو يريد: قال. وحكى أيضا: هذا سيفني، كأنه استذكر بعد التنوين، فاضطر إلى حركته فكسره، فأحدث بعده ياء.» «2» وقال أيضا: «ومن ذلك ما روي عن أبي عمرو: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا [الأعراف 38]، وروي عنه أيضا: حَتَّى إِذا يقف ثم يقول: تداركوا ... قال أبو الفتح: قطع أبي عمرو همزة ادَّارَكُوا في الوصل مشكل، وذلك أنه لا مانع من حذف الهمزة، إذ ليست مبتدأة كقراءته الأخرى مع الجماعة. وأمثل ما يصرف إليه هذا أن يكون وقف على ألف (إذا) مميّلا بين هذه القراءة وقراءته الأخرى التي هي (تداركوا)، فلما اطمأن على الألف لذلك القدر من التمييل بين القراءتين لزمه الابتداء بأول الحرف، فأثبت همزة الوصل مكسورة على ما يجب من ذلك في ابتدائها. فجرى هذا التمييل في التلوّم عليه وتطاول الصوت به مجرى وقفة التذكر في نحو قولك: قالوا- وأنت تتذكر- الآن من قول الله سبحانه: قالُوا الْآنَ [البقرة 71]، فتثبت الواو من (قالوا) لتلوّمك عليها للاستذكار ثم تثبت همزة (الآن)، وأعني همزة لام التعريف. ومثله اشترووا إذا وقفت مستذكرا ل الضَّلالَةَ [البقرة 16]، فتضم الواو من (اشتروا) على ما كانت عليه من الضم لالتقاء الساكنين، ثم تشبع الضمة لإطالة صوت وقفة الاستذكار، فيحدث هناك واوا تنشأ عن ضمة واو الضمير، ثم تبتدئ فتقول: (الضلالة)، فتقطع همزة الوصل لابتدائك بها، فهذا أمثل ما يقال في هذا.» «3»
ثالثا - إضافة الصوائت:
ثالثا- إضافة الصوائت: - إضافة الصوائت على ضربين: الأول: لازمة لالتقاء الساكنين، والاختلاف بين القراءات عندئذ في الصائت المضاف، نحو قوله تعالى: أَنِ اقْتُلُوا [النساء 66]، قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب بكسر النون، وقرأ الباقون بضمها. وذلك أنه إذا التقى ساكنان من كلمتين، وكان أول الثانية همزة وصل مضمومة لضم الثالث منها- جاز تحريك الساكن الأول بالكسر على أصل التقاء الساكنين، وبالضم للإتباع «1»، لئلا يخرجوا من كسر إلى ضم، وأما الحرف بينهما فهو ساكن، والساكن ليس بحاجز حصين، فلا يعتدّ به، فكأن الكسرة تلي الضمة. ألا ترى أنهم قالوا: اشرب واضرب، وقالوا: اقتل، فضموا الهمزة في (اقتل)، وكسروها في المثالين الآخرين؛ فكذلك ضم النون في (أن اقتلوا). وإنما استجازوا الكسر في (أن اقتلوا) ونحوه دون (اقتل)، لأن الساكن الأول منفصل من الفعل المضموم الثالث، والهمزة متصلة به، فلم يجروا المنفصل مجرى المتصل «2». وما أجروه من المنفصل في كلامهم مجرى المتصل أكثر من أن يقتصّ. فإذا كان الساكن الأول واوا مفتوحا ما قبلها، وهي ضمير جماعة، فالجمهور على الضم، وإن لم تكن همزة الوصل بعدها مضمومة، نحو قوله تعالى: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ [البقرة 16]، لأنهم لما احتاجوا إلى حركة الواو حركوها بحركة هي منها، لأن الضم فيها أسهل من الكسر.
وإذا لم تكن الواو ضمير جماعة، فالأكثر أن تحرّك بالكسر، نحو: أَوِ اخْرُجُوا [النساء 66]، فرقا بين الواوين، وقد تحرّك بالضم حملا على واو الضمير، وقد تحرّك واو الضمير بالكسر حملا عليها «1» «2» «3». والآخر: جائزة، وهي على ثلاثة أضرب: الأول: أن ينزع الصامت إلى صائت يناسبه، وهي أصوات الحلق تنزع إلى صوت الفتح، نحو قوله تعالى: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ [النحل 80]، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب: (ظعنكم) بفتح العين، وقرأ الباقون بسكونها. وذلك أن حرف الحلق إذا كان ساكن الأصل تاليا للفتح، فأهل الكوفة يجيزون فيه الفتح قياسا، وأهل البصرة يرون الفتح لغة، ولا يجاوز فيه المسموع. وحجة أهل الكوفة أن حروف الحلق كثيرا ما تفتح هي أو الحروف المجاورة لها، وإنما حرّك الساكن من حروف الحلق بالفتح، لأن الفتحة من الألف، والألف في حيّز حروف الحلق «4» «5».
ووافق ابن جني الكوفيين في هذه المسألة، فقال في قراءة من قرأ: جَهْرَةً [البقرة 55] وزَهْرَةَ [طه 131] بفتح الهاء في كلّ: «مذهب أصحابنا في كل شيء من هذا النحو مما فيه حرف حلقي ساكن بعد حرف مفتوح: أنه لا يحرك إلا على أنه لغة فيه، كالزّهرة والزّهرة، والنّهر والنّهر، والشّعر والشّعر، فهذه لغات عندهم كالنّشز والنّشز، والحلب والحلب، والطّرد والطّرد. ومذهب الكوفيين فيه أنه يحرك الثاني لكونه حرفا حلقيا، فيجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه، كالبحر والبحر، والصّخر والصّخر. وما أرى القول من بعد إلا معهم، والحقّ فيه إلا في أيديهم. وذلك أنني سمعت عامة عقيل تقول ذاك ولا تقف فيه، سائغا غير مستكره، حتى لسمعت الشجري «1» يقول: أنا محموم بفتح الحاء، وليس أحد يدّعي أن في الكلام (مفعول) بفتح الفاء. وسمعته مرة أخرى يقول- وقد قال له الطبيب: مصّ التفاح وارم بثفله «2» - والله لقد كنت أبغي مصه وعليته تغذو «3» بفتح الغين، ولا أحد يدّعي أن في الكلام (يفعل) بفتح الفاء. وسمعت جماعة منهم، وقد قيل لهم: قد أقيمت لكم أنزالكم من الخبز، قالوا: فاللّحم؟ يريدون اللّحم بفتح الحاء. وسمعت بعضهم وهو يقول في كلامه: ساروا نحوه بفتح الحاء، ولو كانت الحاء مبنية على الفتح أصلا لما صحت اللام لتحركها وانفتاح ما قبلها؛
ألا تراك لا تقول: هذه عصو ولا فتو؟ ولعمري إنه هو الأصل لكن أصل مرفوض، للعلة التي ذكرنا. فعلى هذا يكون جهرة وزهرة، إن شئت، مبنيا في الأصل على فعلة، وإن شئت كان اتباعا على ما شرحنا الآن.» «1» «2» وعلل برجشتراسر ميل حروف الحلق إلى الفتح بأن اللسان في نطق هذه الحروف يجذب إلى وراء، مع بسط وتسطيح له، وهذا هو عين وضعه في نطق الفتح «3». والثاني: أن ينزع الصامت إلى صائت يشاكل به ما قبله، نحو قوله تعالى: مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف 66]، قرأ ابن عامر: (رشدا) مضمومة الراء والشين «4». قال ابن خالويه: «فأما قراءة ابن عامر، فإنه أتبع الضم الضم، مثل: السّحت والسّحت، والبخل والبخل ... » «5» وقال أبو علي: «قال أبو الحسن: زعم عيسى «6» أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فمن العرب من يثقّله، ومنهم من يخفّفه، نحو: العسر، واليسر، والحكم، والرّحم ... » «7»
والثالث: أن ينزع الصامت الذي قبل الصامت الموقوف عليه إلى الصائت الذي استهلكه الوقف، وهو ما يدعى بالنقل. ويشترط في الحركة المنقولة أن تكون ضمة أو كسرة لا فتحة، قال ابن أبي مريم: «وإن كان الموقوف عليه ما قبل آخره ساكن، فإنهم يجوّزون فيه حالة الوقف نقل حركة الإعراب إلى الساكن الذي قبل آخره في الرفع والجر دون النصب، فيقولون: هذا بكر، ومررت ببكر، والأصل: بكر وبكر، فنقلت حركة الراء إلى الكاف. وأما في النصب فلا ينقلونها، لأن الحركة غير زائلة حالة النصب في الاسم المنوّن.» «1» «2» وذكر ابن جني في علة النقل شيئين: الأول: الشّحّ على حركة الإعراب أن يستهلكها الوقف «3». والآخر: الاستراحة من اجتماع ساكنين «4». قال أبو علي في قراءة أبي عمرو: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر 3] بكسر الباء كسرة خفية: «أما إشمام أبي عمرو الباء الكسر، فهو مما يجوز في الوقف، ولا يكون في الوصل إلا على إجراء الوصل مجرى الوقف، ولا يكون في
القراءة، وعلى هذا قول الشاعر «1»: فقرّبن هذا وهذا أزحله «2» وأنشد سيبويه أيضا «3»: أنا ابن ماويّة إذ جدّ النّقر «4» وأنشد «5»: عجبت والدّهر كثير عجبه ... من عنزيّ سبّني لم أضربه فعلى هذه الأشياء قوله: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ.» «6» وذهب د. إبراهيم أنيس إلى أن النحاة سمعوا ظاهرة الوقف بالنقل، غير أن استقراءهم لها كان ناقصا، فأخطئوا تفسيرها وضلّوا السبيل في شرحها، في حين أن أمرها يسير لا يعدو أن بعض العرب شقّ عليهم النطق بالساكنين في آخر الكلمة، فتخلصوا من التقائهما بتحريك الأول منهما بحركة تنسجم مع ما يجاورها من الحركات «7». وهذا هو عين ما قاله النحاة، سوى أنهم فصّلوا في هذا الانسجام كيف يكون.
رابعا - حذف الصوائت:
رابعا- حذف الصوائت: وهي على ضربين: قصيرة، وطويلة. 1 - حذف الصوائت القصيرة: - إسكان المتحرك سواء أكان حرف إعراب أم لا: لغة تميم، قال ابن جني في قراءة من قرأ: وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة 1] بإسكان الراء: «هذه اللغة تميمية، يقولون في (رسل): رسل، وفي (كتب): كتب، وفي (دجاج بيض): دجاج بيض، وذلك أنه صار إلى فعل، فجرى مجرى جمع أبيض إذا قلت: بيض «1».» «2» وقال أيضا: «ومن ذلك قال ابن مجاهد: قال عباس «3»: سألت أبا عمرو عن يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ [البقرة 129]، فقال: أهل الحجاز يقولون: يُعَلِّمُهُمُ ويَلْعَنُهُمُ [البقرة 159] مثقلة، ولغة تميم: (يعلّمهم) و (يلعنهم).» «4» «5» ورأى د. أحمد علم الدين الجندي أن اللهجة التميمية في حذف الحركات فرع على اللهجة الحجازية، وأن هذا الحذف يلائم عادات البدو في سرعة
النطق، لميلهم إلى الاقتصاد في الجهد العضلي، ولا شك أن حذف الحركات فيه تيسير واقتصاد، وهو ما يسعى إليه التميمي البدوي، بخلاف الحجازي المتحضر الذي يسعى إلى إعطاء كل صوت حقه من البيان «1». - والإسكان يكون في الضم والكسر، ولا يكون في الفتح إلا شاذا لخفته «2» «3». أورد ابن خالويه أن الأصمعي قال لأبي عمرو: أنت تميل في قراءتك إلى التخفيف، فلم لم تقرأ: وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً [الأنبياء 90] بالإسكان؟ فقال له: ويلك! أجمل أخفّ أم جمل؟ «4» وقال ابن جني: «وما جاء عنهم من ذلك في المفتوح، فشاذ لا يقاس عليه، نحو قوله «5»: وما كل مبتاع ولو سلف صفقه ... يراجع ما قد فاته برداد «6» يريد: سلف، فأسكن مضطرا.» «7»
على أن د. عبد الصبور شاهين من أجل بضعة أحرف رويت عن أبي عمرو أكثرها يقبل التأويل ذهب إلى أنه- يعني أبا عمرو- لم يلتزم القاعدة التي تقول بجواز إسكان عين الفعل مضمومة أو مكسورة دون المفتوحة، وأنه لم يرد عنه، وهو الإمام اللغوي الحجة، ما يفيد التزامه بما قرره بعد ذلك سيبويه لا قراءة ولا نصّا «1». ثم استدرك فذكر «أن نظرة القدماء إلى الفتحة تجد من الدراسة الصوتية ما يساعدها، إذ إن الفتحة أكثر قوة ووضوحا من الكسرة والضمة «2»، وهو ما تصوره القدماء (خفة) تمتاز بها على أختيها، فكان من المنطقي عدم إجازة حذفها لقوة وجودها في موقعها، ولكن المنطق شيء والواقع الذي سجلنا بعض شواهده شيء آخر ... » «3» - وإنما تسكن العرب لثقل الضم والكسر مع توالي الحركات «4». - وقد أجروا الإسكان في المنفصل مجراه في المتصل، فأسكنوا لام الأمر إذا سبقت بواو أو فاء أو ثم بخلف، وأسكنوا هاء (هو) و (هي) إذا سبقت بواو
أو فاء أو لام أو ثم بخلف أيضا، كما أسكنوا العين من (عضد) و (كتف) «1» «2». قال أبو علي في إسكان لام الأمر: «أصل هذه اللام الكسر، يدل على ذلك أنك إذا ابتدأت بها فقلت: ليقم زيد، كسرتها لا غير، فإذا ألحقت الكلام الذي فيه اللام الواو أو الفاء أو ثمّ، فمن أسكن مع الفاء والواو، فلأن الفاء والواو يصيران كشيء من نفس الكلمة، نحو: كتف، لأن كل واحد منهما لا ينفرد بنفسه، فصار بمنزلة كتف وفخذ، فقلت: (وليقضوا). فإذا كان موضع الفاء والواو (ثم)، لم يسكنه أبو عمرو، لأن (ثم) ينفصل بنفسه ويسكت عليه دون ما بعده، فليست في هذا كالفاء والواو. ومن قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا [الحج 29]، شبه الميم من (ثم) بالفاء والواو، فجعل (مليقضوا) «3» من ثُمَّ لْيَقْضُوا بمنزلة الفاء والواو، وجعله كقولهم: أراك منتفخا «4»، فجعل (تفخا) من (منتفخا) مثل (كتف)، فأسكن اللام، وعلى هذا قول العجاج «5»: فبات منتصبا وما تكردسا «6»
ومثل ذلك قولهم: وَهِيَ [هود 42]، فَهِيَ كَالْحِجارَةِ [البقرة 74] ... » «1». وقال المهدوي في إسكان هاء (هو) و (هي): «وعلة من أسكن الهاء إذا كان قبلها واو أو فاء أو لام متصلة بها، أن هذه الحروف لما اتصلت بالكلمة، وكان كل واحد منها على حرف لا يمكن أن يسكت عليها، أشبهت ما هو من نفس الكلمة، فصار قولك: (وهو) يشبه في اللفظ: (عضدا) و (سبعا)، وصار قولك: (وهي) يشبه في اللفظ: (كتفا) و (فخذا)، والعرب تسكن وسط ذلك تخفيفا، فكذلك أسكنت الهاء من (هو) و (هي) تخفيفا إذا اتصل بها أحد هذه الحروف الثلاثة. وعلة تفريق أبي عمرو بين هذه الحروف الثلاثة وبين (ثم) من قوله: ثُمَّ هُوَ [القصص 61] أن (ثم) منفصلة من (هو)، ويجوز أن يسكت عليها، فصارت الهاء في حكم الابتداء، والعرب لا تبتدئ بساكن. وعلة قالون والكسائي في تسويتهما بين (ثم) وغيرها أن (ثم) تجتمع مع الواو والفاء في النسق، فأشبهتهما لذلك فحكما لها بحكمها، وجعلا الميم من (ثم) مع الهاء من (هو) بمنزلة الواو والفاء واللام، والعرب تجري المنفصل مجرى المتصل؛ ألا ترى أنهم أدغموا (يد داود) «2» وهو منفصل، كما أدغموا (وتد) «3» وهو متصل؟ وقد أجروا المنفصل مجرى المتصل فيما هو أبعد من هذا نحو قول الشاعر «4»:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا ... واشتر وعجّل خادما لبيقا فأجرى التاء والراء من (اشتر) مع اللام من (لنا) وذلك منفصل مجرى المتصل نحو: كتف وفخذ، فأسكنوا الراء من (اشتر) كما أسكنوا التاء من (كتف).» «1» - وذهب مكي وابن أبي مريم إلى أن حذف الحركات إذا كانت علامات إعراب ضعيف، كراهة زوال علمه «2»، في حين ذهب أبو علي إلى التسوية بين حركات الإعراب وغيره فقال: «وأما الإسكان في يَجْمَعُكُمْ [التغابن 9] فعلى ما يجيز به سيبويه من إسكان الحركة إذا كانت للإعراب، كما يسكنها إذا كانت لغيره «3». ومثيل ذلك من الشعر قول جرير «4»: سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب «5»» «6» وقال أيضا: «وليس يختلّ بذلك دلالة الإعراب، لأن الحكم بمواضعها معلوم، كما كان معلوما في المعتل والإسكان للوقف.» «7» - وذهب بعض أصحاب الاحتجاج إلى أن إسكان المتحرك إنما بابه الشعر، قال الأزهري في قراءة حمزة: وَمَكْرَ السَّيِّئِ [فاطر 43] بإسكان الهمزة:
«ومثل هذا يسوغ للشاعر الذي يضطر إلى تسكين متحرك ليستقيم له وزن الشعر، فأما كتاب الله فقد أمر الله جل وعز بترتيله وتبيينه، وقارئ القرآن غير مضطر إلى تسكين متحرك أو تحريك ساكن». «1» - والإسكان في بعض المواضع أعذر منه في بعض:- فإسكان الراء له مزية على إسكان غيرها، لما فيها من التكرير، الذي يزيد من ثقل الحركة عليها، قال المهدوي: «بِوَرِقِكُمْ [الكهف 19]: من أسكن الراء، فأصلها الكسر كقراءة الجماعة، لكنه أسكن الراء تخفيفا كما يسكنون أمثال ذلك مما جاء على (فعل) فيقولون: كتف وكتف، وفخذ وفخذ. على أن الإسكان في الراء أقوى، لأنه حرف مكرر، فالكسر فيها أثقل منه في غيرها، إذ الكسر فيها ككسرتين ... » «2» - وقد يكون الإسكان في الكلمة جائزا، فإذا طالت الكلمة باتصال الحروف أو الضمائر أو التركيب، صار الإسكان أمثل «3». قال ابن جني في قراءة من قرأ: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [إبراهيم 11] بكسر اللام الأولى: «هذا لعمري الأصل في لام الأمر، أن تكون مكسورة، إلا أنهم أقروا إسكانها تخفيفا. وإذا كانوا يقولون: مره فليقم، فيسكنونها مع قلة الحروف والحركات، فإسكانها مع كثرة الحروف والحركات أمثل، وتلك حالها في قوله: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ... » «4»
وقال المهدوي: «وكان أبو عمرو يعتبر في أغلب الأمر طول الكلمة، فإذا طالت الكلمة أسكن الياء، نحو: لَيَحْزُنُنِي [يوسف 13] ولِيَبْلُوَنِي [النمل 40] وتَأْمُرُونِّي [الزمر 64] وما أشبه ذلك. وعلة ذلك أن الكلمة لما طالت ثقلت فكره أن يزيد في طولها بحركة الياء، فخففها بالإسكان.» «1» وقال العكبري: «قوله تعالى: أَحَدَ عَشَرَ [يوسف 4]، يقرءان بإسكان العين، نزّل الكلمتين كالكلمة الواحدة، وتسكين العين لطول الاسم وكثرة الحركات.» «2» - وقد تجتمع في الكلمة حركات يثقل تجاورها، فيزداد الإسكان حسنا. قال ابن جني في قراءة من قرأ: وَيَذَرُهُمْ [الأنعام 110] بالياء وإسكان الراء: «قد تقدم ذكر إسكان المرفوع تخفيفا، وعليه قراءة من قرأ أيضا: وَما يُشْعِرُكُمْ [الأنعام 109] بإسكان الراء. وكأن يُشْعِرُكُمْ أعذر من يَذَرُهُمْ، لأن فيه خروجا من كسر إلى ضم، وهو في يَذَرُهُمْ خروج من فتح إلى ضم.» «3» - وقد قال أبو علي قولا جامعا في الإسكان، جاء فيه: «حروف المعجم على ضربين: ساكن ومتحرك، والساكن على ضربين: أحدهما: ما أصله في الاستعمال السكون مثل راء برد وكاف بكر. والآخر: ما أصله الحركة في الاستعمال فيسكّن عنها. وما كان أصله الحركة يسكن على ضربين:
أحدهما: أن تكون حركته حركة بناء. والآخر: أن تكون حركة الإعراب. وحركة البناء التي تسكن على ضربين: أحدهما: أن يكون الحرف المسكن من كلمة مفردة، نحو: فخذ وسبع وإبل، وضرب وعلم؛ يقول من يخفف: سبع وفخذ، وعلم وضرب. والآخر: أن يكون هذا المثال من كلمتين، فيسكن على تشبيه المنفصل بالمتصل، كما جاء ذلك في مواضع من كلامهم نحو الإمالة والإدغام، وذلك قولهم: أراك منتفخا، وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ [النور 52]، ومن ذلك قول العجاج «1»: فبات منتصبا وما تكردسا ألا ترى أن (تفخا) من (منتفخ) مثل (كتف)، وكذلك (تقه) من (يتّقه)، وكذلك ما أنشده أبو زيد من قوله «2»: قالت سليمى اشتر لنا سويقا فنزّل مثل كتف. فأما حركة البناء فلا خلاف في تجويز إسكانها في نحو ما ذكرنا من قول العرب والنحويين، وأما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها ... » «3»
2 - حذف الصوائت الطويلة:
2 - حذف الصوائت الطويلة: - نحو قوله تعالى: فِيهِ هُدىً [البقرة 2]، قرأ ابن كثير بصلة هاء (فيه) بياء، وقرأ الباقون بحذفها. لمّا كانت هاء الكناية اسما، على حرف واحد، وهو حرف خفي- قوّوه بزيادة واو، فقالوا: ضربهو زيد «1». فإذا جاءت الهاء بعد كسرة أو ياء، قلبت الواو ياء، نحو: (به، وعليه). وأكثر القراء على حذف صلة الهاء، إذا جاءت بعد ساكن، نحو: (منه، وفيه)، إلا ابن كثير فيقرأ بإثباتها على الأصل. وللحذف علتان: الأولى: أنهم كرهوا اجتماع حرفين ساكنين بينهما حرف خفي ليس بحاجز حصين، فحذفوا الزيادة، وبقيت حركة الهاء تدل عليها. والأخرى: أن الياء إذا كانت قبل الهاء، ووصلت الهاء بياء بعدها، اجتمعت ثلاثة أحرف متقاربة. وقد كرهوا اجتماع الحروف المتقاربة، حتى
خففوا بالحذف والبدل والإدغام «1» «2». قال المهدوي: «الاسم المضمر هو الهاء وحدها، وما وصلت به من واو وياء فهو زائد. قال سيبويه «3»: زيدت الواو على الهاء في المذكر، كما زيدت الألف على الهاء في المؤنث، ليستويا في باب الزيادة، يعني بذلك قولك: منه ومنها ونظائر ذلك. وقال أصحاب الخليل وسيبويه: إنما زيدت الواو على الهاء لخفاء الهاء، لتخرجها الواو من الخفاء إلى الإبانة ... لكن الواو إذا زيدت على الهاء وقبل الهاء كسرة قلبت الواو ياء ... وكذلك إذا كان قبل الهاء ياء ساكنة ... » «4» وقال أبو علي: «وأما ترك إتباع الهاء الياء في فِيهِ هُدىً [البقرة 2] وما أشبهه في الوصل، فلكراهة اجتماع حروف فيه متقاربة، وقد كرهوا من اجتماع المتقاربة ما كرهوا من اجتماع الأمثال؛ ألا ترى أنهم يدغمون المتقاربة كما يدغمون الأمثال؟ فالقبيلان من الأمثال والمتقاربة إذا اجتمعت خففت تارة بالإدغام، وتارة بالقلب، وتارة بالحذف ... ومما يحسّن الحذف هاهنا، مع ما ذكرنا من اجتماع المتشابهة، أن الهاء حرف خفي، فإذا اكتنفها ساكنان من حروف اللين كان كأن الساكنين قد التقيا، لخفاء الهاء وأنهم لم يعتدوا بها للخفاء في مواضع ... » «5»
على أن د. رمضان عبد التواب أرجع تقصير الصائت الطويل بعد هاء الغائب إذا لم يأت قبلها مقطع قصير إلى المخالفة الكمية بين المقاطع، قال: «ومن المخالفة الصوتية ... ما يسمى بالمخالفة الكمية بين المقاطع الصوتية، ومن أمثلة ذلك ما يحدث لحركة الضمير المفرد الغائب في العربية الفصحى، فالأصل في هذه الحركة هو الضمة الطويلة، وتحدث له المماثلة الصوتية مع الكسرات قبله ... وتحتفظ العربية الفصحى بالطول في حركته بعد المقاطع القصيرة، مثل: له لهو، وبه بهي، وغير ذلك. كما تقصّر حركته في العربية بعد المقاطع الطويلة، عن طريق المخالفة الكمية بين المقاطع، فيقال مثلا: (فيه) بدلا من (فيهي)، و (منه) بدلا من (منهو)، وغير ذلك.» «1» - ونحو قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا [المائدة 44]، قرأ أبو عمرو وأبو جعفر: (واخشوني) بإثبات الياء وصلا، وبحذفها وقفا. قال أبو علي: «وإنما خصّ القوافي والفواصل بالحذف في أكثر الأمر، لأنها مما يوقف عليها، والوقف موضع تغيير، فجعل التغيير فيه الحذف، كما جعل التغيير فيه الإبدال وتخفيف المضعف ونحو ذلك مما يلحق الوقف من التغيير.» «2» وقال ابن أبي مريم في نحو هذا من الياءات الزوائد: «والوجه أن الأصل أن تثبت هذه الياءات، وحذفها لأجل التخفيف، فإن الكسرة التي بقيت تدل عليها، فمعناها حاصل، والشيء إذا أفاد محذوفا ما
يفيده ثابتا، كان حذفه هو الأحسن.» «1» «2» - ونحو قوله تعالى: حاشَ لِلَّهِ [يوسف 31]، قرأ أبو عمرو بإثبات ألف بعد الشين وصلا فقط: (حاشى لله)، وقرأ الباقون بحذف الألف، لأن الفتحة تدل عليها، مع كثرة الاستعمال. ونحوه قولك: لا أدر «3»، وقولهم: أصاب الناس جهد ولو تر أهل مكة «4»، وقول رؤبة «5»: وصّاني العجّاج فيما وصّني «6»
خامسا - قلب الصوائت:
خامسا- قلب الصوائت: - يمكن تصنيف ما جاء في كتب الاحتجاج من قلب الصوائت في الزمر الآتية «1»: 1 - ما كان على وزن (فعيل) مما عينه حرف حلقي، جاء فيه كسر الأول للثاني، للتقريب من حركته، نحو: بئيس، وبعير، وبهيمة، ورغيف، وسعيد، وشخير، وشعير، وشهيد، وصئيّ «2»، وضئين «3»، وضعيف، ونخير «4»، ونعيق، ووعيد. وسمع الكسر في كلمات ليس العين فيها حرفا حلقيا، وهي قليلة نحو: جنيّ، وصبيّ، وصديق، وغنيّ، وقسيّة، ووجيه «5» «6». وذهب د. إبراهيم أنيس إلى أنه «لا معنى لما يشترطه بعض اللغويين من أن الحرف الثاني في مثل هذه الكلمات يجب أن يكون من حروف الحلق. ويظهر أن الراوي قد سمع من تميم كلمات تصادف أن كانت مشتملة على حروف الحلق.
وليست هذه الظاهرة التميمية إلا انسجاما بين الحركات يشبه ما نسمعه الآن في بعض اللهجات الحديثة من نطق (كبير، بعيد، نظيف) بكسر أولها.» «1» وعلّق د. حسام سعيد النعيمي على هذا الرأي بقوله: «والذي أراه أن اشتراط الحرف الحلقي لم يكن لأن الراوي قد سمع من تميم كلمات اتفق أن جاءت بحرف الحلق. فهذا أمر لا تقرّه الرواية مع كثرة الكلمات الواردة عنهم في هذا، ولم يقل أحد: إنها جميعا جاءت عن راو واحد ... » «2» ويبدو أن أصوات الحلق لما كانت صعبة على أعضاء النطق، فهي تخرج بزيادة جهد يجعل الصوائت بعدها أقوى من غيرها، وتغدو المماثلة حينئذ بين فتحة الصامت الذي قبلها وبين كسرتها أدعى وأمثل. 2 - ما كان على وزن (فعل) مما عينه حرف حلقي، اسما كان أو فعلا، فإن بعض العرب، وهم هذيل، يكسرون الأول للثاني، للتقريب من حركته، نحو: جئز «3»، وضحك، ولهم، ومحك «4»، ونغر «5»، وبئس، وشهد، ولعب، ونعم «6» «7». 3 - ما كان فعلا ثلاثيا عينه أو لامه حرف حلقي، جاء في بعضه فتح
العين، لمجانسة حرف الحلق «1»، نحو: تنحتون وتنحتون، وسنفرغ وسنفرغ، وطغوت تطغى، وصغوت تصغى، ومحوت تمحى. ويلحق بهذه الزمرة نحو: مع ومع، والقحة والقحة، والسّعة والسّعة «2» «3». قال أبو علي في مجانسة الفتحة لحروف الحلق: « ... قالوا: قرأ يقرأ، وجأر يجأر، فأتبعوا الهمزة وأخواتها ما جانسها من الحركات وما كان من حيزها وهي الفتحة، ولم يفعلوا ذلك مع الحروف المرتفعة من الحلق، حيث لم يقربن من الفتحة قرب الحلقية منها.» «4» 4 - ما كان جمعا على وزن (فعول) مما عينه ياء، جاء فيه كسر الأول لثقل الضمات (ضمتي الفاء والعين وواو المد بعدهما)، ولقرب الكسرة من الياء، نحو: بيوت، وجيوب، وشيوخ، وعيون، وغيوب. قال المهدوي: «الْبُيُوتَ [البقرة 189]: من ضم الباء من (البيوت) وأخواته، فهو الأصل، لأنه جمع (فعل) على (فعول)، مثل صرف وصروف، وحرف وحروف. ومن كسر أوائلها، فإنه كره أن يخرج من ضمة إلى ياء، وذلك ثقيل. ويقوي ذلك قول من قال في تصغير عين: عيينة بكسر العين «5»، وكان الأصل في بناء التصغير أن يقول: عيينة، فكره أن يضم العين، لئلا يخرج من ضم إلى ياء.
فإن قال قائل: فهلا كره من كسر الباء من (البيوت) أن يخرج من كسر إلى ضم؟ قيل له: لم يكره ذلك، لأن الكسرة عارضة، ولا يستثقل في العارض ما يستثقل في اللازم.» «1» 5 - ما كان على وزن (فعول) مما لامه حرف علة، جمعا كان أو مصدرا، فإن الواو منه تقلب ياء وتدغم في اللام بعد قبلها ياء إن كانت واوا «2»، فيلزم كسر العين، وغير بني تميم يكسرون الفاء اتباعا لكسرة العين وياءين بعدها، ليعمل اللسان عملا واحدا، ولئلا يخرجوا من ضم إلى كسر، نحو: بكيّ، وجثيّ، وحقيّ «3»، وحليّ، ودليّ، وصليّ، وعتيّ، وعصيّ؛ فأما قسيّ فكسر الفاء فيها لازم لم يسمع غيره «4» «5».
6 - ما كان جمعا على وزن (فعل) من المضعف، جاء في عينه الفتح، فرارا من توالي ضمتين. قال ابن جني: «وقد يجوز في (جدد) - وهي جمع جديد- الفتح، هربا من التضعيف إلى الفتح، وكذلك جميع ما كان مثله من المضاعف، كسرير وسرر وسرر، وجرير وجرر وجرر «1»، وتليل وتلل وتلل «2»، وبئر جرور وجرر وجرائر أيضا «3».» «4» «5» ويلحق بهذه الزمرة كسر الصاد من صَوَّرَكُمْ [غافر 64]، عدل عن الضم لثقله مع الواو «6»؛ وفتح الهمزة من الْأُمِّيَّ [الأعراف 157]، لثقل الضم مع اجتماع ياءي النسب، كما قالوا: أمويّ بالضم والفتح «7». 7 - الفعل المضارع إذا كان ماضيه على (فعل) أو كان هو على (يفعل)، لأن المضارع إذا كان على (يفعل)، فالغالب في الماضي أن يكون على (فعل)، أو كان في أول ماضيه همزة وصل مكسورة «8»، فإن بعض العرب، وهم بنو تميم «9»، يكسرون حرف المضارعة «10»، إلا الياء لثقل الكسرة عليها، نحو: اعلم، وتفهم، ونركب، وتنطلق. وسمع في الياء أيضا وهو قليل، نحو: أبى ييبى «11».
وذهب د. إبراهيم أنيس إلى أن الأصل في حركة حرف المضارعة هو ما شاع في لهجات الحجاز من الفتح، وقد انحدر إليها هذا الأصل من السامية الأولى، ثم تطور إلى الكسر في معظم اللغات السامية «1»؛ في حين ذهب د. رمضان عبد التواب إلى أن «ظاهرة كسر حرف المضارعة ساميّة قديمة توجد في العبرية والسريانية والحبشية، والفتح في أحرف المضارعة حادث ... في العربية القديمة.» «2» واستدل على ذلك بعدم وجود الفتح في اللغات السامية الأخرى، وبما بقي من الكسر في كثير من اللهجات العربية القديمة، وباستمرار الكسر حتى الآن في اللهجات العربية الحديثة كلها «3». وأغلب الظن أن الأصل في حركة حرف المضارعة ما عليه أهل الحجاز من الفتح، لما عرف عنهم من شدة حرصهم على التزام الأصول في أكثر أمر هذه اللغة «4». وأما الكسر فهو من عمل (المخالفة الصوتية)، لأن توالي فتحتين فأكثر هو لازم ما اشترطه اللغويون العرب لجواز كسر حرف المضارعة في غير لهجة أهل الحجاز. ومما يستأنس به في هذا أن العربية الفصحى استهوت من هذه اللهجة كلمة (إخال) «5»، ولم تتوال فيها فتحتان فحسب، بل فتحتان وألف بعد حرف حلقي، وكل أولئك من قبيل واحد، فصارت المخالفة حينئذ أدعى.
8 - هاء الضمير، الأصل فيها الضم، فإذا سبقت بكسرة أو ياء ساكنة، فإن بعض العرب، وهم غير أهل الحجاز، يكسرونها للمجاورة، ولئلا يخرجوا من كسر إلى ضم، نحو: به، وفيه، وعليهم «1» «2». قال أبو علي: «وإنما الدلالة على أن أصل الهاء في (عليهم) و (هذه دارهم) ونحو ذلك الضم، أنها إذا لم تجاورها الكسرة ولا الياء لم تكن إلا مضمومة، وإذا جاورتها الكسرة أو الياء جاز الكسر فيها للإتباع والتقريب، وجاز الضم على الأصل، كقول أهل الحجاز في ذلك. فكل موضع جاز فيه الكسر، فالضم فيه جائز، والمواضع التي تختص باستعمال الضم فيها لا يجوز الكسر معها ... » «3» وقال أيضا: «أما كسر الهاء مع أن أصلها الضم، فمن أجل الياء أو الكسرة اللتين تقعان قبلها، والهاء تشبه الألف لموافقتها لها في المخرج من الحلق، ولما فيها من الخفاء، فكما نحوا بالألف نحو الياء بالإمالة من أجل الكسرة أو الياء، كذلك كسروا الهاء للكسرة والياء، وذلك حسن ليتجانس الصوتان ويتشاكلا.» «4» - وكذلك ميم الجمع، الأصل فيها أن توصل بواو ساكنة، فإذا سبقت بهاء مكسورة لكسرة قبلها أو ياء ساكنة، فمن العرب من يترك الميم على أصلها ويقرأ: عليهمو ولا [الفاتحة 7]، ومنهم من يتبع الميم الهاء فتنقلب الواو ياء
ويقرأ: عليهمي ولا «1» «2». 9 - الهمزات في نحو قوله تعالى: فَلِأُمِّهِ [النساء 11] وفِي أُمِّها [القصص 59]، قرأ حمزة والكسائي بكسر همزة (أمّ) إذا سبقت بكسرة أو ياء ساكنة، وهي لغة قريش وهوازن وهذيل، استثقلوا الضمة بعد الكسرة؛ ونحو قول بعض العرب: أجوءك، وأنبؤك، وهذا مرء، ورأيت مرءا، ومررت بمرء. فإن الهمزة حرف يغيّر ويغيّر له «3». قال أبو علي في كسر همزة (أمّ) بعد كسرة أو ياء ساكنة: «ووجه قول حمزة والكسائي أن الهمزة حرف مستثقل، بدلالة تخفيفهم لها، فأتبعوها ما قبلها من الياء والكسرة، ليكون العمل فيها من وجه واحد. ويقوي ذلك أنها تقارب الهاء، وقد فعل ذلك بالهاء. ويقوي ذلك أيضا أنهم قد أتبعوا غيرها من الحروف، نحو: هو منحدر من الجبل، فغيّروا البناء للإتباع. ويقوي ذلك أنهم قد أتبعوا ما قبل الهمزة الهمزة في قولهم: أجوءك وأنبؤك، كما أتبعوا الهمزة ما قبلها في نحو قوله: فِي أُمِّها ولَأَمَةٌ. فالهمزة، لما يتعاورها من القلب والتخفيف، تشبه الياء والواو والهاء، فتغيّر كما تغيّر. فإن قلت: فهلا فعلوا ذلك بغير هذا الحرف مما فيه الهمزة؟
قيل: إن هذا الحرف قد كثر في كلامهم، والتغيير إلى ما كثر استعماله أسرع ... » «1» «2» 10 - ما جرى فيه قلب الصوائت من المنفصل مجرى المتصل، نحو قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة 2]، قرئ: (الحمد لله) بضم الدال واللام، و (الحمد لله) بكسرهما، قال ابن جني: « ... هذا اللفظ كثر في كلامهم، وشاع استعماله، وهم لما كثر في استعمالهم أشد تغييرا ... فلما اطرد هذا ونحوه لكثرة استعماله، أتبعوا أحد الصوتين الآخر، وشبهوهما بالجزء الواحد، وإن كانا جملة من مبتدأ وخبر، فصارت (الحمد لله) كعنق وطنب، و (الحمد لله) كإبل وإطل ... » «3» وقوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة 34]، قرأ أبو جعفر: (للملائكة اسجدوا) بضم التاء، قال العكبري: «قوله تعالى: لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا الكسر مشهور ظاهر. ويقرأ بضم التاء، حيث كان، وهو بعيد، والوجه أنه قدّر الوقف على التاء، فلما لقيتها همزة الوصل حذفت، وجعلت التاء تبعا لضمة الجيم، والسين بينهما ساكنة، وذلك حاجز غير حصين ... » «4» وقوله تعالى: فَيَسْقِي رَبَّهُ [يوسف 41]، قرئ بكسر الراء وضم الياء
- تنبيهات:
الأولى من (يسقي)، قال العكبري: «وكأنه أتبع كسرة القاف والياء كسرة الراء.» «1» وقول العرب في النداء: يا زيد بن عمرو، قال العكبري: «فجعلوا حركة الدال كحركة النون، مع أن فيها حاجزا.» «2» - تنبيهات: 1 - تبين من خلال الأمثلة والنصوص التي سيقت على قلب الصوائت، أنه يكون لإحدى غايتين: المماثلة والمخالفة. 2 - قد يؤدي قلب الصوائت إلى أبنية مرفوضة في اللغة، غير أن هذا يحتمل لأنه عارض، ولا يعتدّ به. قال أبو علي: «أما من ضم الفاء من شيوخ وعيون وجيوب، فبيّن لا نظر فيه ... وأما من قال: شيوخ وجيوب، فكسر الفاء، فإنما فعل ذلك من أجل الياء، أبدل من الضمة الكسرة، لأن الكسرة للياء أشد موافقة من الضمة لها. فإن قلت: هلا استقبح ذلك، لأنه أتى بضمة بعد كسرة، وذلك مما قدمت أنهم قد رفضوه في كلامهم، فهلا رفض أيضا القارئ ل (الجيوب) ذلك؟ قيل: إن الحركة إذا كانت للتقريب من الحرف لم تكره، ولم تكن بمنزلة ما لا تقريب فيه؛ ألا ترى أنه لم يجئ في الكلام عند سيبويه على (فعل) إلا (إبل) «3»، وقد أكثروا من هذا البناء واستعملوه على اطراد إذا كان القصد فيه تقريب الحركة من الحرف، وذلك قولهم: ماضغ لهم، ورجل محك، وجئز، وقالوا في الفعل: شهد ولعب.
واستعملوا في إرادة التقريب ما ليس في كلامهم على بنائه البتة، وذلك نحو: شعير ورغيف وشهيد؛ وليس في الكلام شيء على (فعيل) على غير هذا الوجه، فكذلك شيوخ وجيوب ... » «1» 3 - قال أبو علي في تقسيم الإتباع: «والحركة التي تتبع الحركة على ضربين: أحدهما: إتباع حركة ليست للإعراب حركة ليست للإعراب، نحو: مغيرة، ومنتن، ويعفر «2»، وظلمات. والآخر: إتباع حركة ليست للإعراب حركة إعراب، وذلك مثل: امرؤ، وابنم، وفوك «3»، وأجوءك، وأنبؤك. والحرف المذكور في الكتاب «4» بعكس هذه القسمة، من النادر الذي لا حكم له.» «5»
الفصل الثالث الجوانب التشكيلية (2) القوانين الصوتية
الفصل الثالث الجوانب التشكيلية (2) القوانين الصوتية - توطئة. - المماثلة. - المخالفة. - السهولة والتخفيف. - كثرة الاستعمال. - أمن اللبس. - طرد الباب. - التعويض. - ضعف الطرف.
- توطئة:
الجوانب التشكيلية (2) القوانين الصوتية - توطئة: - تطلق كلمة (القوانين) في العرف العلمي على الأصول العامة التي تبين ارتباط الأسباب بمسبباتها، والمقدمات بنتائجها «1». ولما تشي به هذه الكلمة من حتمية واطّراد تفتقدهما التغييرات الصوتية عامة، فإن أكثر اللغويين اليوم يؤثرون عليها كلمة (ميول) أو (اتجاهات) «2». غير أن مما يشفع لاستعمال كلمة (قوانين) بهذا المعنى مجيئها عند بعض المتقدمين بنحو منه «3». - وهدى تتبّع القوانين الصوتية في كتب الاحتجاج إلى الوقوف على ثمانية منها، وهي: 1 - المماثلة. 2 - المخالفة. 3 - السهولة والتخفيف. 4 - كثرة الاستعمال. 5 - أمن اللّبس. 6 - طرد الباب. 7 - التعويض. 8 - ضعف الطّرف. - ولأن كل تغيير يكون فرعا على أصل، كان لزاما أن يمهّد للحديث عن القوانين الصوتية في كتب الاحتجاج بحديث عن (الأصل) فيها.
- الأصل-- درجت كتب الاحتجاج على أن تقدم بين يدي احتجاجها لأكثر أوجه القراءات ببيان الأصل فيها، ثم تذكر علل ما خرج عنه. وأما «ما جاء على الأصل فلا يحتاج إلى احتجاج» «1»، «ولا اعتراض على من تمسّك بالأصل ولم يعدل عنه إلى غيره» «2». - «ومن شأن العرب في كثير من كلامها المحافظة على بقاء ما يدل على الأصول» «3»، قال مكي في الاحتجاج لمن قرأ (قيل) وأخواته بالإشمام: «فمن أشم أوائلها الضم أراد أن يبين أن أصل أوائلها الضم، كما أن من أمال الألف في (رمى) و (قضى) ونحوه أراد أن يبين أن أصل الألف الياء.» «4» - ومن الأصول ما يكون مرفوضا غير مستعمل، قال ابن أبي مريم في قراءة من قرأ: إِيلافِهِمْ [قريش 2] بهمزتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة: «والوجه فيه بعيد، لأن تحقيق الهمزتين في مثل هذا غير مستعمل، وإن كان هو الأصل؛ ألا ترى أنه لا يستعمل إئمان وأأدم وأأدر بتحقيق الهمزتين ولا يعلم أحد قاله، وإن كان أصلا.» «5» - على أن كون الشيء أصلا لا ينبغي من أجله أن يقدّم على غيره. قال أبو علي:
- المماثلة -
«فإن قال قائل: إن الضمة هي الأصل في (عليهم) و (بهم) ونحو ذلك ... وإذا كان استعمال الضم فيه أعم وكان الأصل، وجب أن يكون أوجه من الكسر. قيل: إن كون الضمّ الأصل ليس مما يجب من أجله أن يختار على الكسر مع مجاورة الكسرة أو الياء، لأنه قد تحدث أشياء توجب تقديم غير الأصل على الأصل طلبا للتشاكل وما يوجب الموافقة.» «1» غير أن مكيا يرى أن «الأصل أبدا أقوى من الفرع» «2»، وربما رجّح وجها على آخر بالأصالة «3». - المماثلة- - هي تقريب صوت من آخر يجاوره، ليعمل اللسان «4» عملا واحدا «5». - وعبّرت كتب الاحتجاج عن هذا القانون بالتقريب «6»، والمجانسة «7»،
والتناسب «1»، والموافقة «2»، والتشاكل «3»، والملاءمة «4»، والتشابه «5»: في الصوامت والصوائت عامة؛ وبالاتباع «6»: في الصوائت خاصة. - والمماثلة باعتبار طبيعة الصوتين المتجاورين ثلاثة أضرب: تقريب صامت من صامت، وتقريب صائت من صائت، وتقريب صائت من صامت «7» «8».
الضرب الأول. تقريب صامت من صامت:
قال مكي في تفخيم اللام في قراءة ورش: «وعلة من فخّم هذا النوع أنه لمّا تقدم اللام حرف مفخم مطبق مستعل، أراد أن يقرّب اللام نحو لفظه، فيعمل اللسان في التفخيم عملا واحدا، وهذا هو معظم مذاهب العرب في مثل هذا، يقربون الحرف من الحرف، ليعمل اللسان عملا واحدا، ويقربون الحركة من الحركة، ليعمل اللسان عملا واحدا، وعلى هذا أتت الإمالات في عللها، وعلى هذا أبدلوا من السين صادا إذا أتى بعدها طاء أوقاف أو غين أو خاء، ليعمل اللسان في الإطباق عملا واحدا، فذلك أخف عليهم من أن يتسفل اللسان بالحرف ثم يتصعد إلى ما بعده.» «1» وقال في قراءة من قرأ: الْبُيُوتَ [البقرة 189] وأخواته بالكسر: «ووجه القراءة بالكسر أن الكسرة مع الياء أخف من الضمة معها ... فكسر الأول لخفته مع الياء، ولتقرب الحركة من الحرف الذي بعدها ... » «2» الضرب الأول. تقريب صامت من صامت: - قال أبو علي في إدغام الذال في التاء في قوله تعالى: اتَّخَذْتُمُ [البقرة 51] ونحوه: «وأما حجة من لم يدغم أَخَذْتُمْ [آل عمران 81] واتَّخَذْتُمُ، فلأن الذال ليس من مخرج التاء والطاء، والذال إنما هي من مخرج الظاء والثاء، فتفاوت ما بينهما، إذ كان لكل واحد من هذين القبيلين حيز ومخرج غير مخرج الآخر. وأيضا فإن الذال مجهورة والتاء مهموسة، والمجهور يقرب منه المهموس بأن يبدل مجهورا؛ ألا ترى أنهم قالوا في (افتعل) من الزين والذكر: ازدان وادّكر، ومزدان ومدّكر «3».
الضرب الثاني - تقريب صائت من صائت:
فلما قربوا المهموس من المجهور بأن قلبوه إليه، لم يدغم المجهور في المهموس، لأنه تقريب منه، وهو عكس ما فعل في (مزدان)، لأنهم في (مزدان) إنما قربوا المهموس من المجهور، وأنت إذا أدغمت الذال في التاء، قربت المجهور من المهموس. قال سيبويه «1»: حدثنا من لا نتّهم أنه سمع من يقول: أخذت، فيبين. وحجة من أدغم أن هذه الحروف لما تقاربت فاجتمعت في أنها من طرف اللسان وأصول الثنايا، قرب كل حيز من الحيز الآخر ... » «2» وقال المهدوي في قلب النون الساكنة والتنوين ميما عند الباء: «فأما القلب عند الباء ميما، نحو: مِنْ بَعْدِ [البقرة 27]، فإن الباء من مخرج الميم فهي تناسبها، فلما امتنع الإدغام قلبت حرفا مجانسا لها في المخرج، ويجانس النون في الغنة وهو الميم.» «3» الضرب الثاني- تقريب صائت من صائت: - فمن ذلك قراءة شعبة: لا يَهِدِّي [يونس 35] بكسر الياء «4»، أراد: يهتدي، غير أنه أسكن التاء وأدغمها في الدال فأصبحت: يهدّي، فالتقى ساكنان فكسر الهاء لالتقائهما فأصبحت: يهدّي، وأتبع الياء كسرة الهاء طلبا للتجانس،
ليعمل اللسان عملا واحدا في ثلاث كسرات [بعدهن ياء] فأصبحت: يهدّي «1». قال أبو علي: «وأما من قال: يَهْدِي بكسر الياء، فإنه (يفتعل)، وأتبع الياء ما بعدها من الكسر. فإن قلت: إن الياء التي للمضارعة لا تكسر؛ ألا ترى أن من قال: تعلم، لم يقل: يعلم؟ قيل: لم تكسر الياء في (يهدي) من حيث كسرت النون من نعلم، والتاء في تعلم ... ولكن لمعنى آخر؛ كما لم تكسر الياء في (ييجل) من حيث كسرت التاء في تعلم ... ولكن كسرت الياء في (ييجل) لتنقلب الواو ياء «2»؛ فكذلك كسرت في قوله: (يهدي) للإتباع.» «3» - ومنه أيضا باب الإمالة، فهي تقريب «4»، قال ابن زنجلة: «قرأ أبو عمرو والكسائي وورش: عَلى أَبْصارِهِمْ [البقرة 7] وبِقِنْطارٍ [آل عمران 75] وبِدِينارٍ [آل عمران 75] بإمالة الألف، وحجتهم في ذلك أن انتقال اللسان من الألف إلى الكسرة بمنزلة النازل من علو إلى هبوط، فقربوا الألف بإمالتهم إياها من الكسر، ليكون عمل اللسان من جهة واحدة.» «5» «6»
وقد يمال ما لا سبب لإمالته سوى مجاورته إمالة أخرى، قال ابن أبي مريم في أسباب الإمالة: «ومنها الإمالة للإمالة، وهي قولك: رأيت عمادى، فيميلون الألف المبدلة من التنوين في حال النصب، لإمالة ألف (عماد) التي بعد الميم، وهي التي أميلت لأجل الكسرة.» «1» «2» وقال مكي: «فأما علة من أمال النون أيضا من نَأى [الإسراء 83]، فإنه لمّا وقع بعدها حرفان ممالان، أمال النون للإمالة التي بعدها، فيكون عمل اللسان من جهة واحدة، وهذا من الإمالة للإمالة، وهو قليل.» «3» وتمتنع إمالة الألف المستحقة لها إذا جاورت حرفا مستعليا، حرصا على تناسب الصوت. قال ابن أبي مريم: «وإنما امتنعت الإمالة مع الحروف المستعلية، لأن هذه الحروف صاعدة إلى الحنك الأعلى كما صعدت الألف، فغلبت على الألف فمنعتها عن أن تصير إلى جهة الياء، فلا يتناسب الصوت فيها؛ فلحرصهم على تناسب الصوت امتنعوا عن إمالة الألف مع الحروف المستعلية كما أمالوها مع الكسرات والياءات إرادة لتناسب الصوت.» «4» - و «حركة الإعراب لا تستهلك لحركة الإتباع إلا على لغة ضعيفة» «5»، منها قراءة بعض أهل البادية: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة 2] بكسر الدال اتباعا لكسر اللام «6» «7»، وقراءة أبي جعفر: لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا [البقرة 34] بضم التاء
الضرب الثالث. تقريب صائت من صامت:
اتباعا لضم الجيم «1». قال ابن جني: «ومثل هذا في إتباع الإعراب البناء ما حكاه صاحب الكتاب «2» في قول بعضهم «3»: وقال: اضرب الساقين إمّك هابل «4» كسر الميم لكسرة الهمزة.» «5» الضرب الثالث. تقريب صائت من صامت: - فمنه كسر الفاء من الْبُيُوتَ [البقرة 189] وأخواته لأجل الياء، قال أبو علي: « ... وأما من قال: (شيوخ) و (جيوب) فكسر الفاء، فإنما فعل ذلك من أجل الياء، أبدل من الضمة الكسرة، لأن الكسرة للياء أشد موافقة من الضمة لها.» «6» - ومنه أيضا قلب الضمة والكسرة فتحة لحرف الحلق، فمضارع (فرغ) و (نحت): (يفرغ) و (ينحت)، وجاء: (يفرغ) و (ينحت) بالفتح «7»، لأجل حرف
الحلق «1». قال أبو علي: « ... قالوا: قرأ يقرأ، وجأر يجأر، فأتبعوا الهمزة وأخواتها ما جانسها من الحركات وما كان من حيزها وهي الفتحة، ولم يفعلوا ذلك مع الحروف المرتفعة عن الحلق، حيث لم يقربن من الفتحة قرب الحلقية منها.» «2» - والمماثلة باعتبار جهة التأثر ضربان: مقبلة ويكون فيها الثاني تابعا للأول، ومدبرة ويكون فيها الأول تابعا للثاني «3». ذكر ابن جني في قراءة من قرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة 2] بضم الدال واللام، والْحَمْدُ لِلَّهِ بكسرهما: «أن هذا اللفظ كثر في كلامهم، وشاع استعماله، وهم لما كثر في استعمالهم أشد تغييرا ... فلما اطرد هذا ... أتبعوا أحد الصوتين الآخر ... إلا أن الْحَمْدُ لِلَّهِ بضم الحرفين أسهل من الْحَمْدُ لِلَّهِ بكسرهما» «4» لأشياء منها: «أنه إذا كان اتباعا، فإن أقيس الإتباع أن يكون الثاني تابعا للأول، وذلك أنه جار مجرى السبب والمسبب، وينبغي أن يكون السبب أسبق رتبة من المسبب «5»، فتكون ضمة اللام تابعة لضمة الدال، كما تقول في: مدّ وشدّ، وشمّ، وفرّ: فتتبع الثاني الأول، فهذا أقيس من إتباعك الأول للثاني في (اقتل)
(ادخل) ... » «1» «2». ودونه في وضوح التعبير عن هذه القسمة قول أبي علي في قوله تعالى: رَأى كَوْكَباً [الأنعام 76] والاحتجاج لمن قرأ بإمالة فتحة الراء مع إمالة الألف: «وأما إمالة الفتحة التي على الراء، فإنما أمالها لاتباعه إياها إمالة فتحة الهمزة، كأنه أمال الفتحة لإمالة الفتحة، كما أمال الألف لإمالة الألف في قولهم: رأيت عمادا، فأمال ألف النصب لإمالة الألف في (عماد)، والتقديم والتأخير في ذلك سواء.» «3» فإمالة الألف الثانية من (عمادا) مماثلة مقبلة، في حين أن إمالة فتحة الراء من (رأى) مماثلة مدبرة. - ويشترط لقيام المماثلة بين صوتين التجاور، ويغتفر الفصل بحرف ساكن أو خفي. قال ابن أبي مريم في الاحتجاج لقراءة ابن عامر: أَنْبِئْهُمْ [البقرة 33] بكسر الهاء مع تحقيق الهمزة قبلها: «وأما وجه قراءة ابن عامر ... فهو أنه أتبع كسرة الهاء كسرة الباء في (أنبئهم)، وإن حجز الساكن بينهما، لأن حركة الإتباع قد جاءت مع حجز السكون بين الحركتين «4»، نحو ما روي من قولهم: المرء والمرء والمرء «5»، باتباع حركة الميم حركة الإعراب، وما روى أبو زيد عن العرب «6»: أخذت هذا منه، بكسر الهاء اتباعا لكسرة الميم.
ويجوز أن يكون أجرى هذه الهاء مجرى ما تليه الكسرة نحو: بهم، ولم يعتدّ بالحاجز لسكونه، كما قلبوا الواو ياء في قولهم: ابن عمي دنيا «1»، لكسرة الدال ولم يعتدّ بالنون حاجزا لسكونه، فكأن الكسرة تلي الواو، لأن الأصل دنوا «2».» «3» وقال أبو علي: «ألا ترى أن الإمالة إنما هي تقريب الألف من الياء وانتحاء بها نحوها. والإمالة إنما تكون في الألف بأن تنحو بالفتحة التي قبل الألف نحو الكسر، فتميل الألف لذلك نحو الياء، وذلك نحو: عابد وعماد. فإذا كان قبل الألف هاء مفتوحة، فمن العرب من يميل الحرف الذي قبل الهاء، وذلك أن الهاء لما كانت خفية لم يعتدّ بها، كما لم يعتدّ بها في نحو: ردّها، ففتحها الجميع فيما يرويه من يسكن إليه، لأنه لخفاء الهاء كأنه قال: ردّا «4»، وذلك قولهم: يريد أن ينزعها، ويريد أن يضربها، فيميل قبل الألف فتحتي الحرفين لخفاء الهاء.» «5»
- المخالفة -
- المخالفة- - هي الفرار من توالي الأمثال لثقل اجتماعها «1». - والمتقاربة في ذلك كالأمثال «2». - وعبّرت كتب الاحتجاج عن هذا القانون بكراهة (التضعيف) «3»، أو (اجتماع المثلين) «4»، أو (التكرير) «5»، أو نحوها؛ وبطلب (الاختلاف)، قال ابن جني: «ويبدلون أيضا ليختلف الحرفان فيخفّا، وذلك قوله «6»: يا ليتما أمّنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنّة أيما إلى نار وقالوا في اجلوّذ: اجليواذ «7»، وفي دوّان: ديوان «8».» «9» «10»
- وتكون المخالفة بين المثلين بطرق كثيرة ذكر بعضها أبو علي في قوله: «وأما ترك إتباع الهاء الياء في فِيهِ هُدىً [البقرة 2] وما أشبهه في الوصل، فلكراهة اجتماع حروف فيه متقاربة، وقد كرهوا من اجتماع المتقاربة ما كرهوا من اجتماع الأمثال؛ ألا ترى أنهم يدغمون المتقاربة كما يدغمون الأمثال؟ فالقبيلان من الأمثال والمتقاربة إذا اجتمعت خففت تارة بالإدغام، وتارة بالقلب، وتارة بالحذف. فما خفف بالإدغام فنحو: ردّ وودّ في (وتد) «1». وما خفف بالقلب فنحو: تقضّيت وتقصّيت، ونحو: ظلت ومست «2»، ونحو «3»: لا أملاه حتى يفارقا ونحو: طست «4» وستّ «5».
وما خفف بالحذف فنحو قوله: اسطاع «1»، واستخذ فلان مالا فيمن قدره استفعل من تخذت «2». واستحيت «3»، وعل ماء بنو فلان «4»، وتقيت تتقي «5»، وما أشبه ذلك.» «6»
وقد تكون المخالفة بزيادة فاصل بين المثلين، ليبعد المثل عن المثل ويزول الاجتماع، فيخف اللفظ. قال أبو علي في الاحتجاج لقراءة من أدخل ألفا بين الهمزتين في قوله تعالى: أَأَنْذَرْتَهُمْ [البقرة 6]: «ومن ذلك أن ناسا إذا اجتمعتا من كلمتين فصلوا بينهما بالألف في نحو: آأنت زيد الأرانب؟ «1» كما فصلوا بين النونات في نحو: اخشينانّ «2». فكما ألزموا الفصل بين النونات بالألف، كذلك يلزم في (آأنت)، لئلا تجتمع الهمزتان.» «3» «4»
وقد يترك الفصل إذا كان يؤدي إلى توالي الأمثال، قال أبو علي في قوله تعالى: قالَ آمَنْتُمْ لَهُ [طه 71] والاحتجاج لقراءة أبي عمرو: (أآمنتم) بهمزتين الثانية مسهلة بين بين وبعدها ألف: «وأبو عمرو إذا اجتمع هذا النحو من الهمزتين أدخل بينهما ألفا، وكأنه ترك هنا هذا الأصل لما كان يلزم من اجتماع همزتين وألفين، والهمزة الأولى همزة الاستفهام، والألف الأولى التي بعد الهمزة الأولى هي التي يفصل بها بين الهمزتين في نحو: آأنت أم أمّ سالم؟ «1» والهمزة الثانية- وهي الثالثة من أول الكلمة- همزة (أفعل) في (أامن)، والألف التي بعدها هي الألف المنقلبة عن فاء الفعل من (الأمن) و (الأمان)، وأبدلت ألفا لاجتماعها «2» مع همزة (أفعل)؛ فكان يلزم اجتماع همزتين وألفين متواليات: أاأامنتم، فترك ذلك في هذا الموضع لكراهة اجتماع الأمثال.» «3» - والمخالفة ليست وقفا على الصوامت، فقد تأتي في الصوائت، وتكون بالحذف أو القلب. فمن الحذف قراءة أبي عمرو: يَنْصُرْكُمُ [آل عمران 160] وبارِئِكُمْ [البقرة 54] وشبهه بخلف عنه بالإسكان. قال مكي: «وعلة من أسكن أنه شبّه حركة الإعراب بحركة البناء، فأسكن حركة
الإعراب استخفافا، لتوالي الحركات، تقول العرب: أراك منتفخا «1» بسكون الفاء استخفافا، لتوالي الحركات، وأنشدوا «2»: وبات منتصبا وما تكردسا فأسكن الصاد لتوالي الحركات، فشبّه حركات الإعراب بحركات البناء، فأسكنها وهو ضعيف مكروه.» «3» ومنه أيضا إسكان حمزة همزة (السّيّئ) الأولى دون الأخرى في قوله تعالى: اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر 43]، قال ابن خالويه: «قوله تعالى: وَمَكْرَ السَّيِّئِ أجمع القراء فيه على كسر الياء وخفض الهمزة، إلا ما قرأه حمزة بوقف الهمزة كالجزم في الفعل. وإنما فعل ذلك تخفيفا للحرف لاجتماع الكسرات وتواليها مع الهمزة، كما خفف أبو عمرو في قوله: بارِئِكُمْ [البقرة 54]. فإن قيل: فهلا فعل في الثاني كما فعل في الأول؟ فقل: لم تتوال الكسرات في الثاني كما توالت في الأول، لأنه لما انضمت الهمزة للرفع زال الاستثقال، فأتى به على أصل ما أوجبه الإعراب له من الرفع.» «4»
- السهولة والتخفيف -
ومن القلب قول ابن زنجلة «قرأ حفص عن عاصم: وَما أَنْسانِيهُ [الكهف 63] بضم الهاء على أصل الكلمة، وأصلها الضم، وإنما عدل عن كسر الهاء إلى الضم لما رأى الكسرات من (أنسانيه) وكانت الهاء أصلها الضم، رأى العدول إلى الضم ليكون أخف على اللسان من الاستمرار على الكسرات. ومن كسر فلمجاورة الياء كما تقول: فيه وعليه.» «1» ومنه أيضا قول العكبري: «قوله تعالى: سُرُرٍ [الحجر 47] يقرأ بفتح الراء الأولى مع ضم السين، وهي لغة فرّ فيها من الضم إلى الفتح لاجتماع الضمات.» «2» «3» - السهولة والتخفيف- - هو ميل المتكلم إلى الاقتصاد في الجهد، بتخفيف المستثقل من الكلام «4». - وعبّرت كتب الاحتجاج عن هذا القانون ب (التخفيف) أو (الاستثقال) غالبا، وب (السهولة) و (اليسر) نادرا، ومن هذا النادر قول مكي في نحو قوله تعالى: أَنِ اعْبُدُوا [المائدة 117] في قراءة نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي وأبي جعفر وخلف بضم النون: « ... وأيضا فإنه كره الخروج من كسر إلى ضم ليس بينهما غير حرف ساكن، والساكن غير حائل لضعفه، فلا يعتدّ به، وألف الوصل لا حظّ لها في
الوصل ولا يعتد بها حاجزا، فلما ثقل ذلك ضم الساكن الأول ليتبع الضم الضم فيكون أيسر عليه في اللفظ وأسهل، وهي لغة.» «1» - ونصّ ابن خالويه على أمر جامع في هذا الباب، وهو أن «الخفيف فرع على الثقيل» «2»، ودونه في صراحة التعبير عن هذا الأمر قول المهدوي: «فإن قال قائل: ما الدليل على أن أصل (السراط) السين، وهلا قلت: إن أصله الصاد؟ قيل له: الدليل على ذلك أنه قد استعمل بالسين في الكلام والقرآن، فلو كان أصله الصاد لم تقلب الصاد إلى السين، لأن العرب إنما تستعمل القلب وما أشبهه إرادة الخفة والتجانس، فلم يكونوا ليتركوا الصاد التي هي مجانسة للطاء وهي الأصل، ويجعلوا موضعها السين وهي حرف مهموس، فيكون الأصل على هذا أخف مما قلب الحرف إليه.» «3» - ومن المستثقل الذي يقع عليه التخفيف: الهمز، قال ابن أبي مريم: «واعلم أن الهمزة لمّا كانت خارجة من أقصى الحلق، استحبت العرب تخفيفها استثقالا لإخراج ما هو كالتهوّع «4».» «5» واستدل أبو علي على «أن الهمزة حرف مستثقل، بدلالة تخفيفهم لها» «6».
وأثقل ما يكون الهمز إذا كان ساكنا، قال المهدوي: «ألا ترى أنهم أجمعوا على إبدالها إذا اجتمعت مع همزة أخرى متحركة، نحو: آدم وآخر، ولم يجمعوا على الإبدال إذا كانتا متحركتين نحو: أئمة، فذلك لأن الساكنة أثقل من المتحركة. وقد قيل: المتحركة أثقل ... » «1». وبيّن ابن زنجلة وجه ثقل الهمزة الساكنة فقال: «وذلك أنه تخرج الهمزة الساكنة من الصدر، ولا تخرج إلا مع حبس النفس؛ والهمزة المتحركة تعينها حركتها وتعين المتكلم بها على خروجها.» «2» وحبس النفس مع نطق الهمزة ناشئ عن انطباق الطيتين الصوتيتين، فإذا كانت ساكنة طالت مدته، وهو ما يزيدها ثقلا. على أن تخفيف الهمز قد يكون أثقل من تحقيقه في مواضع، قال المهدوي في استثناء أبي عمرو تخفيف الهمز في تؤيه [المعارج 13] وتؤي [الأحزاب 51] من أصله في تخفيف الساكنة إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة: «وأما علته في تؤيه وتؤي فإنه إنما همزه لأن ترك الهمز فيه أثقل من الهمز، لأنه لو ترك الهمزة الساكنة لأبدلها واوا لانضمام ما قبلها، فتجتمع واوان: واو ساكنة قبل ضمة، وبعدها واو مكسورة، وذلك أثقل من الهمز، وإنما يترك الهمز للتخفيف.» «3» «4»
- ومن المستثقل اجتماع الحروف المتقاربة فضلا عن الأمثال، فمن الأول حذف التاء في قوله تعالى: فَمَا اسْطاعُوا [الكهف 97]، قال أبو العلاء الكرماني: «أصله: فما استطاعوا، فلما اجتمع المتقاربان وهما التاء والطاء، أحبوا التخفيف بالحذف. قال ابن السّكّيت «1»: يقال: ما أستطيع، وما أستتيع، وما أسطيع، وما أستيع: أربع لغات «2».» «3» «4» فإذا اجتمع مثلان أو متقاربان، فإن للتخفيف صورا شتى، منها الإدغام. قال مكي: «واعلم أن أصل الإدغام إنما هو في الحرفين المثلين، وعلة ذلك إرادة التخفيف، لأن اللسان إذا لفظ بالحرف من مخرجه ثم عاد مرة أخرى إلى المخرج بعينه ليلفظ بحرف آخر مثله صعب ذلك. وشبّهه النحويون بمشي المقيّد، لأنه يرفع رجلا ثم يعيدها إلى موضعها أو قريب منه «5»؛ وشبهه بعضهم بإعادة الحديث مرتين، وذلك ثقيل على السامع.» «6» ومنها الحذف، وهو أخفّ من الإدغام، نحو قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام 152]، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة وأبو
جعفر ويعقوب: (تذّكّرون) بالتشديد، وقرأ الباقون: (تذكّرون) بالتخفيف. قال أبو علي: «والقول في ذلك أن التخفيف مثل التشديد في المعنى، إنما هو: تتذكرون، فخفف «1» لاجتماع المتقاربة بالحذف كما خففه غيره بالإدغام. ويمكن أن يقال: إن الحذف أولى لأنه أخف في اللفظ، والدلالة على المعنى قائمة» «2». ومنها الإبدال، قال ابن جني في حديثه عن أصل (ذرّيّة) وأنها تحتمل أوجها كثيرة منها «أن تكون ذرية: فعّيلة كمرّيقة «3»، إلا أن أصلها ذريرة على هذا، فلما كثرت الراءات أبدلوا الآخرة ياء وأدغموا فيها ياء فعلية التي قبلها» «4» - قال: «ونحو منه مما أبدل فيه أحد الأمثال ياء هربا من تكريرها قولهم: تظنّيت وتسرّيت، وتلعّيت من اللّعاعة وهي بقلة، وقصّيت أظافري، وتفضّيت من الفضة، وكقوله «5»: تقضّي البازي إذا البازي كسر وهو تفعّل من الانقضاض، وأصله: تقضّض، كما أن أصل تظنيت: تظننت، وتسريت: تسررت ... وأصل تلعيت: تلععت، وأصل قصيت أظفاري قصصت ... وأصل تفضيت: تفضضت ... » «6».
- ومن المستثقل طول الكلمة «1»، قال المهدوي: «إسكان أبي عمرو السين في رُسُلُنا [المائدة 32] ونظائره، والباء في سُبُلَنا [إبراهيم 12] على وجه التخفيف، لأن العرب تخفف جميع ما جاء على (فعل)، وتخفيف رُسُلِهِ [البقرة 98] ورُسُلِكَ [آل عمران 194] وسُبُلَ رَبِّكِ [النحل 69] ورُسُلُ اللَّهِ [الأنعام 124] وما أشبه ذلك جائز، غير أن أبا عمرو خصّ بالتخفيف ما اتصل بضمير الجماعة دون غيره لطول الكلمة.» «2» وقال في موضع آخر: «وكان أبو عمرو يعتبر في أغلب الأمر طول الكلمة، فإذا طالت الكلمة أسكن الياء، نحو: لَيَحْزُنُنِي [يوسف 13] ولِيَبْلُوَنِي [النمل 40] وتَأْمُرُونِّي [الزمر 64] وما أشبه ذلك «3». وعلة ذلك أن الكلمة لمّا طالت ثقلت، فكره أن يزيد في طولها بحركة الياء، فخففها بالإسكان.» «4» - ومن المستثقل تكرر الحركات، أو كثرتها، أو تنافرها. فأما ما يكره من تكرر الحركات فالضمة والكسرة «5»، دون الفتحة لخفتها «6».
قال الفراء: «وقوله: أَنُلْزِمُكُمُوها [هود 28] العرب تسكن الميم التي من اللزوم فيقولون: أنلزمكموها، وذلك أن الحركات قد توالت فسكنت الميم لحركتها وحركتين بعدها وأنها مرفوعة، فلو كانت منصوبة لم يستثقل فتخفف، إنما يستثقلون كسرة بعدها ضمة، أو ضمة بعدها كسرة، أو كسرتين متواليتين، أو ضمتين متواليتين ... فإنما يستثقل الضم والكسر لأن لمخرجيها مئونة على اللسان والشفتين: تنضم الرفعة بهما فيثقل الضمة، ويمال أحد الشدقين إلى الكسرة فترى ذلك ثقيلا، والفتحة تخرج من خرق الفم بلا كلفة.» «1» فمن تكرر الضمة قوله تعالى: عُرُباً [الواقعة 37]، قال ابن خالويه: «إجماع القراء على ضم الراء، إلا ما تفرد به حمزة وأبو بكر عن عاصم من إسكانها ... والحجة لمن أسكن أنه استثقل الجمع بين ضمتين متواليتين، فخفف بإسكان أحدهما.» «2» ومن تكرر الكسرة قوله تعالى: وَمَكْرَ السَّيِّئِ [فاطر 43]، قرأ حمزة بإسكان الهمزة وصلا، قال الكرماني: «ويحتمل أنه خفف آخر الاسم لاجتماع الكسرتين والياءين كما خففوا الباء من (إبل) لتوالي الكسرتين، ونزّل حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب.» «3» «4» وتخفيف ما تكرر من الضمة والكسرة يكون بالفتحة كما يكون بالسكون، قال ابن جني:
«وقد دللنا في كتابنا (الخصائص) «1» على تقاود «2» الفتح والسكون، ولأنهما «3» يكادان يجريان مجرى واحدا في الفم في عدة أماكن. منها أن كل واحد منهما قد يفزع ويستروح إليه من الضمة والكسرة؛ ألا تراهم قالوا في غرفات ونحوها تارة: غرفات بالفتح، وأخرى: غرفات بالسكون؛ كما قالوا في سدرات تارة: سدرات بالفتح، وأخرى: سدرات بالسكون.» «4» «5» وأما ما يكره من كثرة الحركات، فحدّه أبو علي بما زاد على ثلاث حركات، قال: «وقد كرهوا الحركة فيما تتوالى فيه الحركات، وإن كانت للإعراب، فزعم أبو الحسن «6» أن بعضهم قال: رُسُلُهُمْ [إبراهيم 10] «7»، ونحو هذا ما أنشده سيبويه من قوله «8»: إذا اعوججن قلت صاحب قوّم «9»
ونحوه قول جرير «1»: سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب فأما حدّ المستخفّ والمستثقل، فإن جعل ما زاد على الثلاثة غير مستخف كان مذهبا، وإن جعل المستثقل ما توالى فيه أربع حركات كان مذهبا، لأنك قد علمت استثقالهم له برفضهم إياه في الشعر، إلا في موضع الزحاف. وإذا لم يستخف الأربعة، فالخمسة أجدر بألا تستخف «2».» «3» فممّا أسكن لكثرة الحركات لام الأمر في قوله تعالى: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [إبراهيم 11]، قال ابن جني في قراءة من قرأ بكسرها: «هذا لعمري الأصل في لام الأمر، أن تكون مكسورة، إلا أنهم أقروا إسكانها تخفيفا. وإذا كانوا يقولون: مره فليقم، فيسكنونها مع قلة الحروف والحركات، فإسكانها مع كثرة الحروف والحركات أمثل، وتلك حالها في قوله: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، لا سيما «4» وقبلها كسرة الهاء «5»؛ فاعرف ذلك، فإن مصارفة الألفاظ باب معتمد في الاستثقال والاستخفاف.» «6» وقد تحذف الفتحة على خفتها لكثرة الحركات، نحو قوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر 30]، قرأ أبو جعفر: (تسعة عشر)، قال ابن جني: «أما (تسعة عشر) بفتح هاء (تسعة) وسكون عين (عشر)، فلأجل كثرة الحركات، وأن الاسمين جعلا كاسم واحد، فلم يوقف على الأول منهما فيحتاج إلى الابتداء بالثاني.
فلما أمن ذلك أسكن تخفيفا أوله، وجعل ذلك أمارة لقوة اتصال أحد الاسمين بصاحبه.» «1» «2» وأما ما يكره من تنافر الحركات، فهو الخروج من كسر إلى ضم، قال المهدوي: «فَمَنِ اضْطُرَّ [البقرة 173] وما أشبهه، من كسر الساكن الأول من الساكنين الملتقيين إذا كانا من كلمتين، وكان أول الكلمة الثانية ألف وصل تبتدأ بالضم، فإنه جاء به على أصل الساكنين، وهو أن يكسر الأول منهما نحو قولك: قل الحقّ، واضرب الرجل، وما أشبهه ... ومن ضم الساكن الأول ... فإنه استثقل أن يكسره وبعده ضمة، والخروج من كسر إلى ضم ثقيل، فضم لالتقاء الساكنين، ليخرج من ضم إلى ضم. ويقوي ذلك أنهم ضموا ألف الوصل في قولك: اخرج وما أشبهه، وكرهوا أن يكسروها لثقل الضم بعد الكسر.» «3» «4» والخروج من ضم إلى كسر على ضربين: لازم وعارض، والأول مرفوض في حين أن الآخر جائز، لأنه لا حكم لعارض. قال أبو علي: «إن الضم بعد الكسر على ضربين:
أحدهما: أن يكون في بناء الكلمة وأصلها، كالضم بعد الفتح في (عضد). والآخر: أن يكون عارضا في الكلمة غير لازم لها. فما كان من الضرب الأول فهو مرفوض في أبنية الأسماء والأفعال كما كان (فعل) في أبنية الأسماء مرفوضا، وما كان من الضرب الثاني فمستعمل، نحو قولهم: فرق، ونزق في الرفع ... وقد أعلمتك ... أن كثيرا مما لا يلزم الكلمة لا يقع الاعتداد به «1».» «2» وذهب د. عبد الصبور شاهين إلى «أن اللغة تستثقل دائما أن تتوالى في النطق ضمة وكسرة، أو كسرة وضمة، والسبب في ذلك واضح من الناحية العضوية، لأن الكسرة هي أضيق الحركات وأكثرها تقدما، والضمة أضيق الحركات وأكثرها تراجعا، والناطق يصعب عليه أن ينقل لسانه من وضع معين إلى نقيضه تماما، مع التزام السرعة العادية في الأداء. ولذلك تجنب العربي أن يعاني هذه الصعوبة في الأبنية الثابتة، أما بناء الفعل للمفعول فهو حالة عارضة تعبّر عن وظيفة لغوية يقصد إليها المتكلم، فهو يعمد إلى التتابع الصعب في هذه الحالة وحدها.» «3» على أن في توالي (كسرة فضمة) زيادة ثقل ليست في توالي (ضمة فكسرة)، وذلك لأن الضمة أثقل من الكسرة «4»، ففي الصورة الأولى خروج من ثقيل إلى أثقل، وهو غاية الثقل، وليس كذلك في الأخرى. - ومن المستثقل التصعّد بعد التسفّل، قال ابن أبي مريم:
- كثرة الاستعمال -
«ولو أمال الألف في نحو (ناشط) و (واقد) لصوّب لسانه بإمالة الألف ثم صعّده «1» بالحرف المستعلي، فكان في ذلك تصعد بعد تسفل، وكان يثقل، فهذا بعيد؛ ألا ترى أنهم قالوا: صقت في (سقت)، وصويق في (سويق)، والصّراط في (السّراط)، فأبدلوا من السين حرفا مستعليا ليوافق المستعلي ولا يقع تصعد بعد تسفل، وقالوا: قست وقسوت وقسور «2»، فلم يبدلوا من السين الصاد، لأن فيه التسفل بعد التصعد، وهذا لا يستثقل، لأن الانحدار بعد التصعد غير ثقيل، فلهذا لا يستنكر، وإنما المستنكر عكسه، وهو التصعد بعد التسفل.» «3» «4» - كثرة الاستعمال- - هي أن يكثر دور الكلمة، فتكون أولى بالتخفيف من غيرها «5». ولا تكون هذه الكثرة سببا لاستعمال التغيير في الكلمة، وإنما تعضد سببا ضعيفا لا يقوم وحده، فيقوى بها. وهذه التغييرات التي تنشط أسبابها بفعل كثرة الاستعمال قد تكون صوتية، أو صرفية، أو نحوية، أو دلالية. - فمن التغييرات الصرفية التركيب المزجي في قوله تعالى: قالَ ابْنَ أُمَ
[الأعراف 150] بفتح الميم «1»، قال ابن أبي مريم: «والوجه أنهما اسمان جعلا اسما واحدا، وبنيا على الفتح كبناء خمسة عشر، لكثرته في كلامهم، وكما قالوا: لقيته كفّة كفّة «2»، وهو جاري بيت بيت. والفتحة في (ابن) فتحة بناء وليست بنصب، كما في الاسم المضاف إذا نودي، قال سيبويه «3»: إنما بني هذا، لأنه أكثر في كلامهم من: يا ابن أبي ويا غلام غلامي. أشار إلى أن كثرة استعمالهم له دعتهم إلى أن طلبوا فيه الخفة، فجعلوا الاسمين اسما واحدا.» «4» «5» - ومن التغييرات النحوية سلب المصادر عملها، قال أبو علي: « ... إذ لم يعملوا من المصادر ما كثر استعمالهم له، كما ذهب «6» إليه في قولهم: لله درّك، وتمثيله إياه بقولهم: لله بلادك. فإذا قال: رهنت زيدا رهنا وارتهنت رهنا، فليس انتصابه انتصاب المصدر، ولكن انتصاب المفعول به كما تقول: رهنت زيدا ثوبا، ورهنته ضيعة.» «7» - ومن التغييرات الدلالية تعميم معنى كلمة (تعال)، قال ابن خالويه: «والأصل: ارتفع، ثم كثر في كلامهم حتى صار من في البئر يقول للذي فوق: تعال.» «8»
- وأما التغييرات الصوتية فكثيرة، منها حذف النون في قوله تعالى: وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ [النحل 127]. قال ابن خالويه: «فإن قيل: لم سقطت النون في قوله: وَلا تَكُ؟ فالجواب في ذلك أن الأصل: (ولا تكون)، فاستثقلوا الضمة على الواو فنقلوها إلى الكاف فالتقى ساكنان: الواو والنون، فحذفوا الواو لالتقاء الساكنين، فصار: (لا تكن). والموضع الذي حذفت النون مع الواو، فلأن النون يضارع حرف المد واللين، وكثر استعمال (كان، يكون)، فحذفوها لذلك؛ ألا ترى أنك تقول: لم يكونا، والأصل: لم يكونان، فأسقطوا النون للجزم، فشبهوا (لم يك) في حذف النون ب (لم يكونا)؛ فاعرف ذلك.» «1» «2» - ومنها حذف الهمزة في اسمي التفضيل: خير وشرّ، قال ابن جني في قراءة من قرأ: الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر 26]: «(الأشرّ) بتشديد الراء هو الأصل المرفوض، لأن أصل قولهم: هذا خير منه، وهذا شرّ منه- هذا أخير منه، وأشرّ منه؛ فكثر استعمال هاتين الكلمتين، فحذف الهمزة منهما.» «3» - ومنها إدغام لام التعريف في أربعة عشر حرفا، هي: الشين، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والتاء، والصاد، والزاي، والسين، والظاء، والذال، والثاء. قال ابن أبي مريم: «وإنما أدغمت لام المعرفة في هذه الحروف لمقاربتها «4» لها، ولم يدغم
سواها من اللامات فيها كلها، لكثرة استعمالهم لام التعريف في الكلام.» «1» «2» - ومنها إمالة أبي عمرو ألف (النار) دون (الجار) مع اتفاقهما في الوزن وانقلاب الألف عن واو. قال ابن خالويه: «فإن سأل سائل: لم أمال أبو عمرو أَصْحابُ النَّارِ [البقرة 39] ولم يمل الْجارِ الْجُنُبِ [النساء 36]، وألفهما منقلبتان من الواو، ووزنهما سيّان، والأصل فيهما: نور، جور، فقلبوا من الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها؟ فالجواب في ذلك: أن (النار) كثر دورها في القرآن فأماله تخفيفا، و (الجار) لمّا قلّ دوره في القرآن تركه على أصله، والدليل على ذلك أن أبا عمرو يميل بِالْكافِرِينَ [البقرة 19] في موضع الجرّ والنصب لكثرة دوره في القرآن، ولا يميل (الجبارين) في موضع النصب، لأنه في القرآن في موضعين: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ [المائدة 22]، وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء 130].» «3» - ومنها قلب حمزة والكسائي الضمة كسرة في (أمّ) إذا سبقت بكسرة أو ياء ساكنة، قال المهدوي: «من كسر الهمزة إذا كان قبلها ياء أو كسرة، فإنه استثقل أن يأتي بالهمزة مضمومة وقبلها ياء ساكنة أو كسرة، فغيّر الهمزة اتباعا لما قبلها كما غيّرت بالبدل والتخفيف، وخصّ بذلك همزة (أمّ) دون غيرها من الهمزات نحو همزة (أفّ) ونظائره لكثرة استعمالهم (أم) و (أمهات).» «4» «5»
- أمن اللبس -
- ومنها ما يكون مركبا، أي فيه أكثر من تغيير، نحو قولهم: أيش؟ قال أبو علي: «ومن ذلك قولهم: أيش تقول؟ حكاه أبو الحسن والفراء «1». والقول فيه أنه كان: أيّ شيء؟ فخففت الهمزة وألقيت كسرتها على الياء، وكثر الكلام بها، فكرهت حركة الياء بالكسرة، كما كرهت في: قاضين وغازين ونحوه، فأسكنت والتقت مع التنوين، وكل واحد منهما ساكن، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، فإذا وقفت عليها قلت: أيش، فأسكنت «2».» «3» - أمن اللبس- - أمن اللبس في الكلام: سلامته من الاشتباه بغير المراد، وهو شرط لحدوث التغييرات اللغوية، صوتية كانت أو غير ذلك. - فمن غير الصوتية القلب في قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى «4» بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء 42]، قال أبو علي: «وفي هذا الوجه اتساع، لأن الفعل مسند إلى الأرض، وليس المراد: ودّوا لو تصير الأرض مثلهم، إنما المعنى: ودّوا لو يصيرون يتسوون بها، لا تتسوى هي بهم، وجاز ذلك لأنه لا يلبس. وقالوا: أدخل فوه الحجر لمّا لم يلتبس «5».» «6»
- ومن الصوتية حذف الواو وإسكان الميم في نحو (عليهم)، قال المهدوي: «وعلة من أسكن الميم أنه أراد التخفيف، إذ لا يقع في حذف الواو لبس، وذلك أنك تقول في الواحد المذكر: عليه، وفي المؤنث: عليها، وفي الاثنين: عليهما، وفي جمع المؤنث: عليهن، فلم يبق (عليهم) إلا لجماعة المذكر. فلما كانت إحدى العلامتين تنوب عن الأخرى بغير لبس يقع في الكلمة، اختار ما هو أخفّ.» «1» - ومنها الإشمام في نحو: (قيل)، قال أبو علي: «حجة من قال: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ [البقرة 11] فأشم الضمة الكسرة وأمال بها نحوها: أن ذلك أدلّ على (فعل)؛ ألا ترى أنهم قد قالوا: كيد زيد يفعل، وما زيل يفعل، وهم يريدون (فعل) «2»؟ فإذا حركوا الفاء هذه التحريكة أمن بها التباس الفعل المبني للفاعل بالفعل المبني للمفعول.» «3» - ومنها إمالة أبي عمرو ألف (ها) و (يا) من قوله تعالى: كهيعص [مريم 1]، قال ابن خالويه: «وحدثني محمد بن الحسن الأنباري عن ابن فرج عن أبي عمر عن اليزيدي عن أبي عمرو أنه قرأ: (كهيعص) بكسر الهاء والياء. قال: قلت لأبي عمرو: لم كسرت الهاء؟ قال: لئلا تلتبس بالهاء التي للتنبيه. قلت: فلم كسرت الياء؟ قال: لئلا تلتبس بالياء التي للنداء إذا قلت: يا رجل، ويا زيد.» «4» - ومنها استثناء أبي عمرو تخفيف همزة: رئيا [مريم 74] من أصله في تخفيف الساكنة إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة. قال المهدوي:
«وأما علته في (رئيا)، فإنه إنما همزه ... كراهة الالتباس، لأنه على قراءته مما تراه العين، ولو ترك همزه فقال: (وريّا)، لصار من ريّ الشارب.» «1» - ومنها امتناع إدغام النون في الواو والياء- وكذلك الراء واللام- إذا كانتا في كلمة واحدة. قال مكي: «ولو وقعت النون قبل الواو والياء في كلمة، لم يكونا إلا مظهرين، لأنك لو أدغمت لالتبس بالمضاعف، فتقول: الدُّنْيا [البقرة 85]، وبُنْيانٌ [الصف 4]، وقِنْوانٌ [الأنعام 99]، وصِنْوانٌ [الرعد 4]: بالإظهار.» «2» «3» - ومنها سكتات حفص الأربع، قال المهدوي: «ووجه سكوت حفص على قوله عز وجل: عِوَجاً «4» ومَرْقَدِنا «5» أنه أراد زوال اللبس الواقع عند اتصال قوله: عِوَجاً بقوله: يُقِيما «6»، وكذا سكت على قوله: مَرْقَدِنا ليبين أن هذَا «7» ابتداء، وليس متعلقا بقوله: مَرْقَدِنا. فأما سكوته على النون من قوله: مَنْ راقٍ [القيامة 27] واللام من قوله بَلْ رانَ [المطففين 14]، فإنه- والله أعلم- فرّ من الإدغام.» «8» - ومنها أن الكسر أصل لالتقاء الساكنين «9»، قال مكي: «فإن قيل: من أين كان الكسر أصلا لالتقاء الساكنين؟
- طرد الباب -
فالجواب: أنه لما وجب تحريك الأول لالتقاء الساكنين، كان الكسر أولى به في الأسماء، إذ ليس فيه كسر يراد به الإعراب إلا ومعه تنوين، فأمنوا أن يلتبس بالمعرب، إذ لو ضموا أو فتحوا لالتقاء الساكنين لالتبس بالمعرب الذي لا ينصرف، لأن الضم والفتح يكونان إعرابا بغير تنوين في الأسماء، ولا يكون الكسر إعرابا في الأسماء إلا بالتنوين، فدلّ الكسر بغير تنوين أنه ليس بإعراب وأنه بناء، إذ لو كان إعرابا لاتبعه التنوين. فأما علة الكسر لالتقاء الساكنين في الأفعال، فإنه لما كان الخفض لا يدخل الأفعال حركوها لالتقاء الساكنين بحركة لا تشكل بالإعراب، إذ لا خفض فيها، ولو حركت بالفتح أو الضم لالتبس بالإعراب، لأن الفتح والضم من إعراب الأفعال.» «1» - طرد الباب- - هو أن يستحق بعض أمثلة يجمعها معنى ما (باب) تغييرا، فيحمل (يطرد) سائرها عليه، لتجري على سنن واحد. - فمنه أنهم حذفوا الهمزة في نحو: (أكرم)، إذ أصله: أؤكرم، لثقل اجتماع الهمزتين، وحذفوها في (يكرم، وتكرم، ونكرم) ولم تجتمع فيها همزتان، حملا على حذفها في (أكرم)، ليجري مضارع (أفعل) على طريقة واحدة في حذف الهمزة مع أحرف المضارعة «2» «3».
- ومنه أنهم حذفوا الواو في نحو: (يعد)، إذ أصله: يوعد، لوقوعها بين ياء وكسرة، وحذفوها في (أعد، وتعد، ونعد) ولم تقع بين ياء وكسرة، حملا على حذفها في (يعد). قال مكي: «فلما وقعت الواو بين ياء وكسرة حذفت، لغة مسموعة لا يستعمل غيرها، وجرت التاء والنون والألف مجرى الياء في الحذف معهن لئلا يختلف الفعل.» «1» «2» - ومنه إسكان بعض القراء هاء (هو، وهي) إذا كان قبلها (ثم)، كما يسكنونها إذا كان قبلها واو أو فاء أو لام. قال المهدوي: «وعلة من أسكن الهاء إذا كان قبلها واو أو فاء أو لام متصلة بها أن هذه الحروف لما اتصلت بالكلمة، وكان كل واحد منها على حرف لا يمكن أن يسكت عليها، أشبهت ما هو من نفس الكلمة، فصار قولك: (وهو) يشبه في اللفظ: (عضدا) و (سبعا)، وصار قولك: (وهي) يشبه في اللفظ: (كتفا) و (فخذا)، والعرب تسكن وسط ذلك تخفيفا، فكذلك أسكنت الهاء من (هو) و (هي) تخفيفا إذا اتصل بها أحد هذه الحروف الثلاثة. وعلة تفريق أبي عمرو بين هذه الحروف الثلاثة وبين (ثم) من قوله: ثُمَّ هُوَ [القصص 61] أن (ثم) منفصلة من (هو)، ويجوز أن يسكت عليها، فصارت الهاء في حكم الابتداء، والعرب لا تبتدئ بساكن.
وعلة قالون والكسائي في تسويتهما بين (ثم) وغيرها أن (ثم) تجتمع مع الواو والفاء في النسق، فأشبهتهما لذلك فحكما لها بحكمها ... » «1» وقال مكي: «فأما من أسكن مع (ثم)، فإنه لمّا كانت كلها حروف عطف «2»، حملها محملا واحدا.» «3» - ومنه ما اعتلّ به أبو علي لورش في قصره تخفيف الهمز على التي تكون فاء الكلمة، نحو قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ [البقرة 3]، قال: «وحجة من لم يهمز أن يقول: إن هذه الهمزة قد لزمها البدل في مثالين من الفعل الماضي والمضارع، فالماضي نحو: آمن، وأومن، والمضارع نحو: أومن، ولم يجز تحقيقها في هذه المواضع. وهذا القلب الذي لزمها في المثالين إعلال لها، والإعلال إذا لزم مثالا أتبع سائر الأمثلة العارية من الإعلال، كإعلالهم (يقوم) ل (قام)، وإعلالهم (يكرم) من أجل (أكرم)، و (أعد) ل (يعد)؛ فوجب على هذا أن يختار ترك الهمز في (يؤمنون)، اعتبارا لما أرينا من الإعلال ليتبع قولهم (يؤمنون) في الإعلال المثالين الآخرين لا على التخفيف القياسي في نحو جونة في (جؤنة) «4» وبوس في (بؤس) «5».» «6»
- التعويض -
- التعويض- - هو جبر الحذف بالزيادة. - وليس بلازم، فقد يكون حذف ولا يكون معه تعويض. قال ابن زنجلة: «ومن العرب من إذا حذف عوّض، ومنهم من إذا حذف لم يعوّض. فمن عوّض آثر تمام الكلمة، ومن لم يعوض آثر التخفيف، ومثل ذلك في تصغير (مغتسل): منهم من يقول: (مغيسل) فلم يعوض، ومنهم من يقول: (مغيسيل) فعوض من التاء ياء «1».» «2» - فمن ذلك مجيء مصدر (فعّل) على (تفعيل)، وقياسه أن يجيء على (فعّال)، حذفوا التضعيف وعوضوا عنه بالتاء. قال مكي في قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً [النبأ 35]: «قوله: (كذّابا) قرأه الكسائي بالتخفيف، جعله مصدر (كذب) ك (الكتاب) مصدر (كتب). وقرأ الباقون بالتشديد، أتوا به على قياس مصدر (كذّب) المشدد، لأن الأصل في مصدر ما زاد على ثلاثة أحرف أن يأتي بلفظ الفعل منونا مكسور الأول بزيادة ألف رابعة، فتقول: كذّب كذّابا، وأكرم إكراما، ودحرج دحراجا ... فأما قولهم: (التكذيب)، فسيبويه يقول «3»: إن التاء عوض من زوال لفظ التضعيف من المصدر، والياء التي قبل الآخر عوض من الألف الرابعة في (كذابا).» «4»
- ومنه قراءة ابن كثير: اللذانّ [النساء 16]، وهذانِ [طه 63]، وهاتَيْنِ [القصص 27] مشددة النون. قال أبو علي: «من قرأ: (اللذانّ) و (هذانّ) و (هاتينّ)، فالقول في تشديد نون التثنية أنه عوض من الحذف الذي يلحق الكلمة؛ ألا ترى أن قولهم: (ذا) قد حذف لامها، وقد حذفت الياء من (اللذان) في التثنية ... «1» فإن قال قائل: هلا وجب عوض المنقوص في التثنية نحو: يد ودم وغد؟ فإن ذلك ليس بسؤال؛ ألا ترى أنهم عوّضوا في أسطاع وأهراق «2»، ولم يعوضوا في أجاد وأقام ونحو ذلك؟ وأيضا فإن الحذف لمّا لم يلزم هذه المتمكنة، كان الحذف في حكم لا حذف ... وليست المبهمة كذلك.» «3» - ومنه جمع (إسوار) على (أساورة)، وقياسه أن يجمع على (أساوير). قال مكي: «حكى أبو زيد: إسوار المرأة وسوارها، وكان القياس في جمع إسوار: أساوير، كإعصار وأعاصير، ولكن جعلت الهاء بدلا من الياء وحذفت الياء، كما جعلوا الهاء بدلا من الياء في (زنادقة).» «4» «5» ومنه قراءة من قرأ: المشئمة [البلد 19] بحذف الهمزة وتشديد
- ضعف الطرف -
الشين، قال ابن خالويه: «وذلك أن من العرب من إذا أسقط الهمزة شدد الحرف الذي قبل الهمزة عوضا مما حذف، كقول أبي جعفر: ثم اجعل على كل جبل منهن جزّا [البقرة 260] حذف وعوّض.» «1» وكأن التشديد هنا للمحافظة على إيقاع الكلمة. - ضعف الطّرف- - هو أن آخر الكلمة أكثر عرضة للتغيير من سواه، قال سيبويه: «فآخر الحروف أضعف لتغيّره» «2»، وقال فندريس: «والقطعة النهائية من الكلمة خائرة القوى من حيث هي نهائية، بصرف النظر عن قيمة الكلمة الصوتية وأبعادها ونبرها ... » «3» - وذكر هذا القانون في كتب الاحتجاج قليل، ومنه قول ابن خالويه في احتجاجه لحذف الواو وإسكان الميم في نحو (عليهم): «فحجة من حذف قال: لأن الواو متطرفة، فحذفتها إذ كنت مستغنيا عنها، لأن الألف دلّت على التثنية، ولا ميم في الواحد إذا قلت: عليه. فلما لزمت الميم لجمع «4» حذفتها اختصارا. فإن حلّت هذه الواو غير طرف لم يجز حذفها، كقوله تعالى: أَنُلْزِمُكُمُوها [هود 28].» «5»
ومنه قول ابن زنجلة في قراءة أبي عمرو بحذف إحدى الهمزتين المتفقتين في نحو قوله تعالى: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها [محمد 18] واحتجاجه لمن ذهب إلى أنها الأولى: «وحجة من يقول: الأولى هي المحذوفة هي أن الأولى وقعت في الكلمة آخرا، والثانية وقعت في كلمتها أولا، والأواخر أحق بالإعلال من الأوائل.» «1» ومنه قول المهدوي: «والأطراف مواضع الحذف» «2»، وقوله في موضع آخر: «والإمالة بالطرف أولى منها بالوسط، لأن الإمالة تغيير، والأطراف مواضع التغيير.» «3» ومنه قول ابن أبي مريم: «والتغيير إلى الأواخر أسبق منه إلى الأوائل» «4». ومنه قول العكبري في قراءة من قرأ: يستحي [البقرة 26] بحذف إحدى الياءين، واحتجاجه أن المحذوفة الثانية: «والتغيير باللامات أولى» «5».
خاتمة في التقويم والنقد
خاتمة في التقويم والنقد أولا- المناهج: 1 - التنظير والتطبيق. 2 - الاستدلال: آ- التجربة الذاتية. ب- استثمار علم العروض. 3 - التعليل. 4 - الخلاف. 5 - المصطلحات.
ثانيا. المصادر: 1 - النصوص اللغوية: آ- القرآن الكريم وقراءاته. ب- الحديث الشريف. ج- الشعر. د- كلام العرب. هـ- الأمثال. 2 - الآراء العلمية: آ- مصادر خارجية. ب- مصادر داخلية. ثالثا. السمات: 1 - غلبة الجوانب التشكيلية على الجوانب النطقية. 2 - غلبة التحليل على التركيب. 3 - الوضوح والبعد عن التعقيد.
أولا - المناهج:
- لا بدّ، وقد بلغ البحث غايته، من أن نرسم الخطوط العامة للجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج للقراءات: في المناهج، والمصادر، والسمات «1». أولا- المناهج: 1 - التنظير والتطبيق: - الأصل في كتب الاحتجاج أنها تنحو منحى تطبيقيا يقوم على شرح معاني القراءات وبيان وجه كلّ منها، على أنا لا نعدم فيها وقفات تنظيرية يكون مدار الكلام فيها على القاعدة، ولا سيما في الجوانب الصوتية، وقد اتخذت شكلين: الأول: فصول صدّرت بها بعض كتب الاحتجاج كالكشف وشرح الهداية والموضح، احتجّ فيها لأصول القراء، وهي اختلافهم فيما يكثر دوره في القرآن ويندرج تحت ضوابط مطّردة، كالإظهار والإدغام، والمدّ والقصر، والفتح والإمالة ... والآخر: شذرات كانت تعرض في بعض كتب الاحتجاج، كقول أبي علي: «حروف المعجم على ضربين: ساكن ومتحرك، والساكن على ضربين: أحدهما: ما أصله في الاستعمال السكون مثل راء برد وكاف بكر.
والآخر: ما أصله الحركة في الاستعمال فيسكّن عنها. وما كان أصله الحركة يسكن على ضربين: أحدهما: أن تكون حركته حركة بناء. والآخر: أن تكون حركة الإعراب. وحركة البناء التي تسكن على ضربين: أحدهما: أن يكون الحرف المسكن من كلمة مفردة، نحو: فخذ وسبع وإبل، وضرب وعلم؛ يقول من يخفف: سبع وفخذ، وعلم وضرب. والآخر: أن يكون هذا المثال من كلمتين، فيسكن على تشبيه المنفصل بالمتصل، كما جاء ذلك في مواضع من كلامهم نحو الإمالة والإدغام، وذلك قولهم: أراك منتفخا، وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ [النور 52]، ومن ذلك قول العجاج «1»: فبات منتصبا وما تكردسا ألا ترى أن (تفخا) من (منتفخ) مثل (كتف)، وكذلك (تقه) من (يتّقه)، وكذلك ما أنشده أبو زيد من قوله «2»: قالت سليمى اشتر لنا سويقا فنزّل مثل كتف. فأما حركة البناء فلا خلاف في تجويز إسكانها في نحو ما ذكرنا من قول العرب والنحويين، وأما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها ... » «3»
2 - الاستدلال:
2 - الاستدلال: - جاء في كتب الاحتجاج من طرق الاستدلال مما يستحقّ الوقوف عنده طريقتان: التجربة الذاتية، واستثمار علم العروض. آ- التجربة الذاتية: - على أنها نادرة، وكلّها مما سبق إليه متقدمو النحويين، نحو قول المهدوي: «والغنة: الصوت الذي في الخياشيم، تعرفه إذا أمسكت إصبعك على أنفك، فينقطع الصوت. فالصوت المنقطع في تلك الحال هو الغنة.» «1» «2» ونحو قوله أيضا: «فإذا أردت معرفة حقيقة المخرج من الفم وغيره، فإنما تنطق بالحرف ساكنا وتدخل عليه همزة الوصل، فتقول: ان، ام،، فيظهر لك مخرج الحرف من الفم وغيره. وكذلك تعتبر سائر الحروف، فاعلم ذلك إن شاء الله.» «3» ونحو قول ابن أبي مريم: «وبيان ذلك أنك إذا قلت في المجهور: إد، فلا تجد معه نفسا، وإذا قلت في المهموس: اس، فتجد نفسا جرى معه.» «4» ب- استثمار علم العروض: - ميزان العروض، كما قال ابن جني، عيار الحسّ وحاكم الطبع «5»، وكان قد تنبّه على صلة علم الأصوات بالموسيقى (والعروض منها) حين قال:
«ولكن هذا القبيل من هذا العلم- أعني علم الأصوات والحروف- له تعلّق ومشاركة للموسيقا، لما فيه من صنعة الأصوات والنّغم.» «1» - وأكثر أصحاب الاحتجاج استثمارا للعروض فيما تناولوه من جوانب صوتية هو أبو علي، ومنه قوله تعالى: وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة 247]، قرأ قنبل بخلف عنه: (بصطة) بالصاد، وقرأ الباقون: (بسطة) بالسين. قال أبو علي: «فأما من لم يبدل السين في (بسطة) وترك السين، فلأنه أصل الكلمتين، ولأن ما بين الحرفين «2» من الخلاف يسير، فاحتمل الخلاف لقلته، ولأن هذا النحو من الخلاف لقلته غير معتدّ به؛ ألا ترى أن الحرفين المتقاربين قد يقعان في رويّ فيستجيزون ذلك كما يستجيزونه في المثلين، كقوله «3»: إذا ركبت فاجعلوني وسطا ... إني كبير لا أطيق العندا «4» فكما جعل الدال مثل الطاء في جمعهما في حرف الروي ولم يحفل بما بينهما من الخلاف في الإطباق، كذلك لم يحفل بما بين السين والصاد فلم يقرّبها منها كما فعل الآخرون.» «5» - ونحو قول المهدوي في الاحتجاج لابن كثير في إثباته صلة هاء الكناية
إذا جاءت بعد ساكن، في حين أن سائر القراء على حذفها، كراهة الجمع بين ساكنين ليس بينهما حاجز إلا الهاء، وهي حرف خفي لا يعتدّ به: «فأما ما راعوه من التقاء الساكنين، فلابن كثير أن يقول: إن الهاء وإن كانت خفية فلا يخرجها خفاؤها من أن تحجز بين الساكنين، إذ هي في حكم الإعراب ووزن الشعر كغيرها من الحروف؛ ألا ترى أنها تقع في الشعر موقع الراء والضاد على ما في الراء من التكرير، وعلى ما في الضاد من الاستطالة، والشعر موضع تعديل؟ فوقوعها مواقع الحروف التي فيها الاستطالة والزيادة دليل على أنها بمنزلة غيرها من الحروف. فعلى هذا لا يلتقي في قراءته ساكنان، ولا يكون ذلك يشبه التقاء الساكنين.» «1» - ونحو قول ابن أبي مريم: «وأما الواو والياء «2»، فإذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما فهما ممتدّان مستطيلان، وإذا لم يكونا كذلك فليس فيهما مدّ. غير أن الحذّاق منهم ذهبوا إلى أنهما وإن لم يكن حركة ما قبلهما من جنسهما فلا يخلوان من مدّ، والدليل على ذلك أنه لا يجوز وقوع أحدهما قبل حرف الروي مع حروف الصحة في القافية السليمة نحو: قول مع أكل، بل يكون (القول) مردفا و (الأكل) سليما فيسمّى السّناد «3»، وهو عيب في القافية. فلولا ما في الواو من المدّ لجاز مجيئه في القوافي السليمة، وكذلك الياء.» «4»
3 - التعليل:
3 - التعليل: - يختلف التعليل في الجوانب الصوتية عنه في سائر أبواب العربية بشيء أنه ماديّ، يحيل على الحسّ، وقوامه حديث الاستخفاف والاستثقال، وهو أمر يمكن ضبطه والوقوف على كنهه. هذا هو الكثير الشائع، ومنه قول مكي في الاحتجاج لمن قرأ بكسر الهمزة من (أمّ) إذا سبقت بكسرة أو ياء ساكنة: «وحجة من كسر الهمزة أنه اسم كثر استعماله، والهمزة حرف مستثقل، بدلالة ما أجازوا فيها من البدل والتخفيف والحذف ونقل الحركة، دون غيرها من سائر الحروف. فلما وقع أول هذا الاسم- وهو (أمّ) - حرف مستثقل، وكثر استعماله، وثقل الخروج من كسر أو ياء إلى ضم همزة، وليس في الكلام (فعل) - فلما اجتمع هذا الثقل أرادوا تخفيفه، فلم يمكن فيه الحذف، لأنه إجحاف بالكلمة، ولا أمكن تخفيفه ولا بدله، لأنه أول؛ فغيروه بأن أتبعوا حركته حركة ما قبله، ليعمل اللسان عملا واحدا، والياء كالكسرة. فإذا ابتدءوا ردّوه إلى الضم الذي هو أصله، إذ ليس قبله في الابتداء ما يستثقل. وقد فعلوا ذلك في الهاء في (عليهم) و (بهم)، أتبعوا حركته حركة ما قبلها، وأصلها الضم. والإتباع في كلام العرب مستعمل كثير.» «1» على أن بعض التعليلات في الجوانب الصوتية جاءت متكلّفة، كتعليل أبي علي همز الياء من (ضياء) بالقلب المكاني، قال: «فأما الهمزة في موضع العين من (ضياء)، فيكون على القلب، كأنه قدّم اللام التي هي همزة إلى موضع العين، وأخّرت العين التي هي واو إلى موضع اللام؛ فلما وقعت طرفا بعد ألف زائدة، انقلبت همزة، كما انقلبت في (شقاء) و (غلاء).» «2»
4 - الخلاف:
ووجه التكلف في تعليل أبي علي هذا: قوله بالقلب المكاني دون أن يكون في اللفظ ما يدعو إليه، وأقرب منه تعليل ابن خالويه هذا الهمز بأن العرب قد تهمز بعض ما لا يهمز تشبيها بما يهمز «1»، وهو مما سمّاه د. رمضان عبد التواب حذلقة في اللغة «2». 4 - الخلاف: - وجد خلاف النحويين سبيله إلى كتب الاحتجاج، على أنه في الجوانب الصوتية فيها كان يسيرا، ولعل ما حال دون أن يتفشى فيها تفشّيه في سائر أبواب العربية ما تقدّم الحديث عنه في (التعليل) من أن النظر في الجوانب الصوتية كان ماديا يحيل على الحسّ وقوامه حديث الاستخفاف والاستثقال، وهو أمر لا تختلف فيه الآراء اختلافا كثيرا. وهذا الخلاف إما أن يكون بين النحويين أنفسهم من بصريين وكوفيين، وإما أن يكون بين النحاة والقراء. فمن الأول قول ابن خالويه: «قوله تعالى: تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ [النساء 1]: قرأ حمزة والكسائي وعاصم: (تساءلون به) مخففة، وكان أبو عمرو يخيّر في التشديد والتخفيف، وقرأ الباقون مشددا. والأصل في القراءتين: (تتساءلون) بتاءين، فمن خفف أسقط تاء، ومن شدد أدغم التاء في السين، فالتاء الأولى للاستقبال، والثانية هي التي كانت مع الماضي. قال سيبويه رضي الله عنه: المحذوفة الثانية «3»، وقال هشام «4»: الأولى،
وقال الفراء: لا نبالي «1» أيّهما حذفت.» «2» ومن الآخر قول المهدوي في احتجاجه لمن حقق الهمزتين من كلمة أَئِمَّةَ [التوبة 12] ومن خفف الثانية بقلبها ياء: «فمن حقق الهمزتين فإنه جاء به على الأصل، ومن خفف الثانية فقلبها ياء فعلى ما قدمناه في باب الهمزتين من استثقال العرب الجمع بين الهمزتين في كلمة، وقد استثقلوا الجمع بينهما في كلمتين، نحو: جاءَ أَحَدَهُمُ [المؤمنون 99]. وقد عاب سيبويه والخليل «3» تحقيق الهمزتين، وجعلا ذلك من الشذوذ الذي لا يعوّل عليه. والقراء أحذق بنقل هذه الأشياء من النحويين وأعلم بالآثار، ولا يلتفت إلى قول من قال: إن تحقيق الهمزتين في لغة العرب شاذ قليل «4»، لأن لغة العرب أوسع من أن يحيط بها قائل هذا القول، وقد اجتمع على تحقيق الهمزتين أكثر القراء، وهم: أهل الكوفة، وأهل الشام، وجماعة من أهل البصرة؛ وببعضهم تقوم الحجة.» «5» «6»
5 - المصطلحات:
5 - المصطلحات: - المصطلح: رمز لغوي ذو دلالة خاصة عند جماعة من أهل العلم «1»، ولما كانت كتب الاحتجاج ذات طابع ثنائي (قرائي- لغوي) فقد امتزجت مصطلحات النحويين فيها بشيء من مصطلحات القراء، كالتجويد «2»، والترتيل والحدر «3»، والسّكت «4»، واللحن الجليّ واللحن الخفيّ «5»، وياءات الإضافة «6»، والياءات الزوائد «7». على أن هذا الامتزاج ربما أوقع في لبس، كقول أبي علي في قراءة من قرأ: فِيهِ هُدىً [البقرة 2] بالإدغام وإشمام الضم: «قال أبو بكر في رواية من روى عن أبي عمرو وغيره أنه كان يشمّ ويدغم: هذا محال، لا يمكن الإدغام مع شيء من هذا، وذلك أنه لا فصل بين الحرفين إذا أدغما بحال من الأحوال، لا بقطع ولا حركة ولا ضرب من الضروب، وإنما يصيران كالحرف الواحد للزوم اللسان لموضع واحد، وإنما كان أبو عمرو يختلس ويخفي، فيظن به الإدغام ... قال: وقال أبو حاتم: أراد أبو عمرو ونافع الإخفاء، فلذلك أشما الضم والكسر، ولو أدغما إدغاما صحيحا أسكنا الهاء الأولى.» «8» فقد عقّب أبو علي على قول أبي بكر بقوله:
«وما ذكره محمد بن السّريّ في رواية من روى عن أبي عمرو وغيره أنه كان يشمّ ويدغم من أن ذلك محال لا يمكن، فإن الإشمام لا يمتنع مع الإدغام، وذلك أن الإشمام عند النحويين ليس بصوت فيفصل بين المدغم والمدغم فيه، وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الصوت الذي هو الضم ليدلّ عليه، وليس بخارج إلى اللفظ.» «1» ومردّ هذا الخلاف بين أبي بكر وأبي علي: أن الأول حمل الإشمام على إخفاء الحركة، وهو اصطلاح بعض القراء «2»، فأحال اجتماعه مع الإدغام؛ في حين أن الآخر حمله على الإشارة بالشفتين إلى الضمة من غير تصويت، وهو اصطلاح النحاة، فجوّز اجتماعهما. - وأكثر ما يؤخذ على بعض المصطلحات الصوتية في كتب الاحتجاج هو التعدد، بأن يكون للّفظ الواحد أكثر من معنى، أو للمعنى الواحد أكثر من لفظ. فمن الأول (الاختلاس) ومعناه: إخفاء الحركة وإضعاف الصوت بها «3»، وقد يطلق على حذف صلة هاء الكناية، كقول ابن خالويه: «قوله تعالى: يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران 75]: يقرأ بإشباع كسرة الهاء ولفظ ياء بعدها، وباختلاس الحركة من غير ياء، وبإسكان الهاء من غير حركة. فالحجة لمن أشبع وأتى بالياء أنه لما سقطت الياء للجزم أفضى الكلام إلى هاء قبلها كسرة، فأشبع حركتها، فردّ ما كان يجب في الأصل لها. والحجة لمن اختلس الحركة أن الأصل عنده (يؤديه إليك)، فزالت الياء للجزم، وبقيت الحركة مختلسة على أصل ما كانت عليه. والحجة لمن أسكن أنه لما اتصلت الهاء بالفعل اتصالا صارت معه كبعض
ثانيا - المصادر:
حروفه، ولم ينفصل منه، وكان كالكلمة الواحدة- خففه بإسكان الهاء كما خفف يَأْمُرُكُمْ* [البقرة 67] ويَنْصُرْكُمُ [آل عمران 160] وليس بمجزوم.» «1» ومن الآخر أنهم يعبّرون عن الإمالة بالإضجاع والكسر، وعن الفتح بالتفخيم «2». ولعل اختلاف الجهات التي ساهمت في سكّ تلك المصطلحات مع تحدّرها من أزمنة متباينة هو ما أدّى إلى هذا التعدد. ثانيا- المصادر: - هي على ضربين: نصوص لغوية، وآراء علمية. 1 - النصوص اللغوية: آ- القرآن الكريم وقراءاته: - نحو قوله تعالى: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة 259]، ذكر مكي أن (لم يتسنه) يحتمل أن يكون معناه «لم يتغيّر، من قولهم: من ماء «3» مسنون، أي: متغير، ومن قولهم: سنّ اللحم إذا تغير ريحه، فيكون أصل (يتسنه): يتسنّن، على (يتفعّل)، ثم أبدلوا من النون الأخيرة ياء لاجتماع ثلاث
نونات، وقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، كما قالوا: تقضّيت في (تقضّضت)، فأبدلوا من الضاد ياء، ومنه قوله: يَتَمَطَّى [القيامة 33]، أصله: يتمطّط، ثم أبدلوا من الطاء الأخيرة ياء لاجتماع ثلاث طاءات، وقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ومنه قوله تعالى: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس 10]، أصله: دسّسها، ثم أبدل من السين الأخيرة ياء لاجتماع ثلاث سينات، وقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. فلما أبدلت من النون ياء وقلبتها ألفا، حذفت الألف للجزم، فبقي (يتسنّ). فالفتحة تدل على الألف المحذوفة، فلما كان الوقف يذهب بالفتحة ولا يبقى دليل على الألف، أتى بهاء السكت لبيان الفتحة التي على النون.» «1» - ونحو قول أبي علي: «القول فيمن قرأ: لكنّ هو الله ربي [الكهف 38] فلم يثبت الألف في الوصل أنه كان: لكن أنا، فخفف الهمزة وألقى حركتها على النون، فصار: لكننا، فاجتمع مثلان، فأدغم المثل الأول في الثاني بعد أن أسكنها، فصار في الدّرج: (لكنّ هو الله ربي)، فلم يثبت الألف في الوصل كما لم تثبت الهاء في الوصل في نحو: ارمه واغزه، لأنها إنما تلحق في الوقف لتبين الحرف الموقوف عليه، فإذا وقف قال: (لكنّا)، فأثبت الألف في الوقف كما كان يثبت الهاء فيه. ومثل ذلك في الإدغام ما حكاه أبو زيد من قول من سمعه يقرأ: أن تقع علّرض [الحج 65]، خفف الهمزة وألقى حركتها على لام المعرفة فصار: على الرض، وخففها على قول من قال: الحمر، فأثبت همزة الوصل لأن اللام في تقدير السكون، فلما كان في تقدير السكون حذف الألف من (على) كما يحذفها إذا كانت اللام ساكنة، فاجتمع لامان مثلان، فأدغم الأولى في الثانية ... » «2»
ب - الحديث الشريف:
ب- الحديث الشريف: - نحو قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة 271]، قال ابن زنجلة: «قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر: (فنعمّا هي) بكسر النون وسكون العين، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه [وسلم] لعمرو بن العاص: (نعمّا بالمال الصالح للرجل الصالح) «1»، وأصل الكلمة: نعمّا بفتح النون وكسر العين، فكسروا النون لكسرة العين، ثم سكنوا العين هربا من الاستثقال.» «2» ج- الشعر: - نحو قوله تعالى: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ [الحجر 54]، قرأ نافع: (تبشرون) بنون خفيفة مكسورة، وقرأ ابن كثير: (تبشرونّ) بنون مشددة مكسورة، وقرأ الباقون: (تبشرون) بنون خفيفة مفتوحة. قال الأزهري: «من قرأ: (فبم تبشرونّ) بكسر النون مشددة فالأصل: تبشرونني، وأدغمت إحداهما في الأخرى وشددت، وكسرت لتدل على ياء الإضافة. ومن خفف النون فإنه يحذف إحدى النونين لثقلهما، كما قال عمرو بن معديكرب «3»:
د - كلام العرب:
تراه كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني «1» أراد: فلينني، فحذف إحدى النونين. والقراءة المختارة بفتح النون على أنها نون الجمع.» «2» د- كلام العرب: - وجاء في كتب الاحتجاج إما حكاية أو سماعا، فمن الأول قول ابن خالويه: «وقرأ حمزة والكسائي: وَنَأى بِجانِبِهِ [الإسراء 83] بكسر النون والهمزة، أي: بعد، أمال الهمزة لمجيء الياء، وأمال النون لمجاورة الهمزة، لأنها من حروف الحلق كما يقال: رغيف وبعير وشعير. أخبرني ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي أو غيره قال: رأيت أعرابيا يسأل الناس ويقول: تعطّفوا على شيخ ضعيف، بكسر الضاد.» «3» ومن الآخر قول ابن جني في قراءة من قرأ: جَهْرَةً [البقرة 55] وزَهْرَةَ [طه 131] بفتح الهاء في كلّ: «مذهب أصحابنا في كل شيء من هذا النحو مما فيه حرف حلقي ساكن بعد حرف مفتوح: أنه لا يحرك إلا على أنه لغة فيه، كالزّهرة والزّهرة، والنّهر والنّهر، الشّعر والشّعر، فهذه لغات عندهم كالنّشز والنّشز، الحلب والحلب، والطّرد والطّرد. ومذهب الكوفيين فيه أنه يحرك الثاني لكونه حرفا حلقيا، فيجيزون فيه الفتح وإن لم يسمعوه، كالبحر والبحر، والصّخر والصّخر.
هـ - الأمثال:
وما أرى القول من بعد إلا معهم، والحقّ فيه إلا في أيديهم. وذلك أنني سمعت عامة عقيل تقول ذاك ولا تقف فيه، سائغا غير مستكره، حتى لسمعت الشجري يقول: أنا محموم بفتح الحاء، وليس أحد يدّعي أن في الكلام (مفعول) بفتح الفاء. وسمعته مرة أخرى يقول- وقد قال له الطبيب: مصّ التفاح وارم بثفله «1» - والله لقد كنت أبغي مصّه وعليته تغذو «2» بفتح الغين، ولا أحد يدّعي أن في الكلام (يفعل) بفتح الفاء. وسمعت جماعة منهم- وقد قيل لهم: قد أقيمت لكم أنزالكم من الخبز- قالوا: فاللّحم؟ يريدون اللّحم، بفتح الحاء. وسمعت بعضهم وهو يقول في كلامه: ساروا نحوه بفتح الحاء، ولو كانت الحاء مبنية على الفتح أصلا لما صحّت اللام لتحركها وانفتاح ما قبلها ... » «3» وقد تفرّد ابن جني من بين أصحاب الاحتجاج برواية كلام العرب سماعا. هـ- الأمثال: - نحو قول ابن أبي مريم: «وَمَحْيايَ [الأنعام 162] بإسكان الياء مرسلا، قرأها نافع وحده، وهو شاذّ من وجهين: أحدهما: من حيث القياس، لأن فيه التقاء الساكنين على غير حدّه في كلامهم، والقياس يردّه. والثاني: من حيث الاستعمال، وذلك أنه لم يسمع في كلامهم لا في نظم
2 - الآراء العلمية:
ولا في نثر، على أن بعضهم قد حكى أنه روي: التقت حلقتآ البطان «1»، بإثبات الألف مع سكون لام التعريف ... وقرأ الباقون: (محياي) بفتح الياء، والوجه أنه هو الأصل ... » «2» 2 - الآراء العلمية: - تندرج مصادر كتب الاحتجاج في الآراء العلمية تحت زمرتين: الأولى: مصادر خارجية، من غير كتب الاحتجاج، وعمادها كتابان: الكتاب لسيبويه، ومعاني القرآن للفراء. فأما الكتاب فقد استطاع البحث أن يرجع جلّ الجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج إليه. وأما معاني القرآن فهو أول كتاب وصل إلينا كان من جملة أغراضه الاحتجاج للقراءات القرآنية، مع سبقه إلى استعمال لفظ (الحجة) وما تصرّف منها «3». على أن هذا لا يعني أن كتب الاحتجاج خلت من الأصالة، فقد تفرّدت بالحديث عن بعض الجوانب الصوتية كالراءات واللامات، مما لا نجد له ذكرا في كتب العربية، وكان لها فضل عناية بالصوائت، فضلا عن بعض التعليلات والتحليلات الدقيقة، وقد مرّ بنا منها قدر صالح. والأخرى: مصادر داخلية، من كتب الاحتجاج، وعمادها كتاب الحجة لأبي علي، إذ كلّ من ألّف في الاحتجاج بعد أبي علي كان عالة عليه، ومنهم
ثالثا - السمات:
من صرّح بهذا، كابن أبي مريم حين قال: «ولم أعد في جلّ ما ذكرته أو كلّه قول أبي علي الفارسي رحمه الله، مما أودعه الحجة وغيرها من كتبه، ولم أعدل عن طريقه ومذهبه.» «1» حتى إن ابن جني، وهو من هو في علم العربية، أكاد أزعم أنه لم يزد على شيخه أكثر من نقاء الديباجة وإشراق التعبير. ثالثا- السمات: 1 - غلبة الجوانب التشكيلية على الجوانب النطقية: - إن موضوع كتب الاحتجاج، وهو اختلاف القراءات القرآنية، جعل عنايتها بالجوانب التشكيلية أكثر من عنايتها بالجوانب النطقية، على خلاف كتب التجويد، بل إن الجوانب النطقية فيها إنما كان يؤتى بها لفهم الجوانب التشكيلية. وقد اتخذت الجوانب النطقية في كتب الاحتجاج شكلين: الأول: فصول صدّرت بها بعض كتب الاحتجاج كالكشف وشرح الهداية والموضح. والآخر: شذرات كانت تعرض في بعض كتب الاحتجاج، نحو قوله تعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات 1]، قرأ أبو عمرو وحمزة ويعقوب: (والصافات صّفّا) بإدغام التاء في الصاد، قال أبو علي: «إدغام التاء في الصاد حسن لمقاربة الحرفين؛ ألا ترى أنهما من طرف اللسان وأصول الثنايا، ويجتمعان في الهمس، والمدغم فيه يزيد على المدغم بخلّتين هما: الإطباق، والصفير؟ وحسن أن يدغم الأنقص في الأزيد، ولا يجوز أن يدغم الأزيد صوتا في الأنقص؛ ألا ترى أن الطاء والدال والتاء، والظاء والذال والثاء: يدغمن في
2 - غلبة التحليل على التركيب:
الصاد والسين والزاي، ولا تدغم الصاد وأختاها فيهنّ لزيادة الصاد وأختيها عليهنّ في الصفير؟ وكذلك يدغم اللام في الراء، ولا تدغم الراء في اللام لزيادة التكرير في الراء. فقد علمت فيما ذكر حسن إدغام التاء في الصاد.» «1» 2 - غلبة التحليل على التركيب: - التحليل والتركيب عمليتان ذهنيتان يقوم بهما العقل في سعيه إلى تحصيل المعرفة، وتعنى الأولى بتفكيك الموضوع إلى عناصره البسيطة، في حين تعنى الأخرى بإعادة تأليفها. ويغلب على الجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج الطابع التحليلي، أي عنايتها بالجزئيات دون أن يتبع ذلك استخلاص كليات عامة. فمادة القوانين الصوتية في الفصل الثالث من هذا البحث، وإن كانت مستمدّة من كتب الاحتجاج، لم تكن فيها مبنية ذلك البناء أو على تلك الصورة من التجريد. 3 - الوضوح والبعد عن التعقيد: - لما كانت كتب الاحتجاج مقدّمة إلى القراء، وجمهورهم ممن شغل بالرواية عن الدراية، فقد عمد أصحابها إلى تقريبها لهم، واتّسم أسلوبهم فيها بالوضوح والبعد عن التعقيد، فضلا عن تكرار القول وتصريفه في المسائل المتشابهات «2».
ومما ينبئ عن تلك الغاية فيها تسمية بعضها ب (الكشف) و (الموضح). وصرّح ابن جني في (المحتسب) بأنه يتحامى «الإطالة لا سيما في الدقيق، لأنه مما يجفو على أهل القرآن.» «1» ولم يشذّ من كتب الاحتجاج عن هذه السمة إلا كتاب الحجة لأبي علي، فقد كان فيه، ولا سيما أوائله، قصد إلى التعمية، بكثرة انتقالاته بين أشياء لا يظهر للقارئ وجه الربط بينها إلا بشقّ الأنفس، مع اقتضاب العبارة حينا، والتوائها حينا آخر، وحرص على حشد الأقوال والمذاهب؛ وهو مما أخذ عليه، فهذا ابن جني وهو تلميذه يقول: «وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرا ممن يدّعي العربية فضلا على القراء- منه، وأجفاهم عنه.» «2» ويبدو أن ما حمل أبا علي على هذا الإغماض أمران: الأول: المنافسة، فقد التزم أبو علي أن يصدّر احتجاجه لأوجه القراءات باحتجاج أبي بكر الذي شرع فيه ولم يتمّه «3». فكان يستقصي القول من بعده ليدلّل على طول باعه في العلم، وأنه لا يقلّ فيه عن شيخه إن لم يكن يفوقه. والآخر: ظنّ أبي علي أن وعورة الكتاب مما يزيد في قيمته، لأنها تجعل أمر ارتياده وقفا على خاصة العلماء، فقد حكي أنه لمّا عمل (الإيضاح) لعضد الدولة البويهي (ت 372 هـ) استقصره، وقال: ما زدت على ما أعرف شيئا، وإنما يصلح هذا للصبيان. فمضى وصنّف (التكملة)، فلما وقف عليها قال: غضب الشيخ، وجاء بما لا نفهمه نحن ولا هو «4».
الملحقات
[الملحقات] الملحق الأول القراء العشرة ورواتهم 1 - نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني (ت 169 هـ): آ- قالون عيسى بن مينا (ت 220 هـ). ب- ورش عثمان بن سعيد (ت 197 هـ). 2 - عبد الله بن كثير الدّاري المكي (ت 120 هـ): آ- البزّي أحمد بن محمد (ت 250 هـ). ب- قنبل محمد بن عبد الرحمن (ت 291 هـ). 3 - أبو عمرو بن العلاء البصري (ت 154 هـ): آ- حفص بن عمر الدّوري (ت 246 هـ). ب- صالح بن زياد السّوسي (ت 261 هـ). 4 - عبد الله بن عامر اليحصبيّ الشامي (ت 118 هـ): آ- هشام بن عمار (ت 245 هـ). ب- عبد الله بن أحمد ابن ذكوان (ت 242 هـ). 5 - عاصم بن أبي النّجود الأسدي الكوفي (ت 127 هـ): آ- شعبة بن عيّاش (ت 193 هـ). ب- حفص بن سليمان (ت 180 هـ). 6 - حمزة بن حبيب الزيّات الكوفي (ت 156 هـ): آ- خلف بن هشام (ت 229 هـ). ب- خلّاد بن خالد (ت 220 هـ).
7 - علي بن حمزة الكسائي (ت 189 هـ): آ- الليث بن خالد (ت 240 هـ). ب- حفص بن عمر الدوري (ت 246 هـ). 8 - أبو جعفر يزيد بن القعقاع (ت 130 هـ): آ- عيسى بن وردان (ت 160 هـ). ب- سليمان بن مسلم بن جمّاز (ت 170 هـ). 9 - يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري (205 هـ): آ- رويس محمد بن المتوكل (ت 238 هـ). ب- روح بن عبد المؤمن (ت 234 هـ). 10 - خلف بن هشام البغدادي (ت 229 هـ): آ- إسحاق بن إبراهيم (ت 286 هـ). ب- إدريس بن عبد الكريم (ت 292 هـ). ******
الملحق الثاني تراجم أصحاب كتب الاحتجاج للقراءات
الملحق الثاني تراجم أصحاب كتب الاحتجاج للقراءات 1 - محمد بن أحمد بن الأزهر، الأزهري، الهروي، أبو منصور، اللغوي، الشافعي: إمام جليل ورع حجة، جمع فنون الأدب، وعني بالفقه والحديث، أسرته العرب، وبقي فيهم دهرا، فحفظ من لغاتهم، وأملى، وحدّث، مولده ووفاته في هراة بخراسان، له: تهذيب اللغة، وتفسير ألفاظ مختصر المزني، والتقريب في التفسير. توفي سنة 370 هـ، وعمره ثمانية وثمانون. انظر البلغة: 252 - 253، والبغية: 1/ 19 - 20، والأعلام: 5/ 311. 2 - الحسين بن أحمد بن خالويه، الهمذاني، أبو عبد الله: دخل بغداد لطلب العلم، فقرأ القرآن على ابن مجاهد، والنحو والأدب على ابن دريد ونفطويه وأبي بكر بن الأنباري وأبي عمر الزاهد، وسمع الحديث من محمد بن مخلد العطار وغيره. ثم سكن حلب واختص بسيف الدولة بن حمدان وأولاده، وانتشر علمه فيها، وله مع المتنبي مناظرات. له: شرح مقصورة ابن دريد، ومختصر في شواذ القرآن، وإعراب ثلاثين سورة من القرآن، وليس في كلام العرب. توفي في حلب سنة 370 هـ. انظر البلغة: 121، والبغية: 1/ 529 - 530، والأعلام: 2/ 231.
3 - الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، الفارسي، الفسوي، أبو علي: واحد زمانه في علم العربية، أخذ عن الزجاج وابن السراج ومبرمان، وطوّف بلاد الشام، وبرع من طلبته جماعة كابن جني وعلي بن عيسى الرّبعي، وكان متهما بالاعتزال، وصحب عضد الدولة وحظي عنده، وله صنّف الإيضاح في النحو، والتكملة في التصريف. له: التذكرة، والإغفال، والشعر، والمسائل البصريات، والحلبيات، والعسكريات، وغيرها. توفي في بغداد سنة 377 هـ. انظر البلغة: 108 - 109، والبغية: 1/ 496 - 498، والأعلام: 2/ 179 - 180. 4 - عثمان بن جني، الموصلي، أبو الفتح: من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، أخذ العربية عن أبي علي الفارسي، ولازمه أربعين سنة سفرا وحضرا، وكان المتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعري مني. له: الخصائص، وسر الصناعة، وشرح تصريف المازني، وشرحان على ديوان المتنبي، واللمع في النحو، والمحتسب في إعراب الشواذ. توفي سنة 392 هـ. انظر البلغة: 194 - 195، والبغية: 2/ 132، والأعلام: 4/ 204. 5 - عبد الرحمن بن محمد، أبو زرعة، ابن زنجلة: عالم بالقراءات، كان قاضيا مالكيا، قرأ على أحمد بن فارس كتابه الصاحبي، له: حجة القراءات، وشرف القراء في الوقف والابتداء. توفي نحو سنة 403 هـ. انظر مقدمة محقق حجة القراءات: 29 - 30، والأعلام: 3/ 325.
6 - مكي بن أبي طالب، حمّوش بن محمد بن مختار، القيسي، أبو محمد: مقرئ، عالم بالتفسير والعربية، حسن الفهم والخلق، جيد الدين والعقل، كثير التأليف، ولد في القيروان، ورحل إلى المشرق مرات، ثم سكن قرطبة، وأقرأ وخطب بجامعها. له: التبصرة في القراءات، والكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها، ومشكل إعراب القرآن، والهداية إلى بلوغ النهاية في التفسير، والرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة. توفي في قرطبة سنة 437 هـ. انظر معرفة القراء الكبار: 1/ 394 - 396، والبلغة: 297، والبغية: 2/ 298، والأعلام: 7/ 286. 7 - أحمد بن عمّار، المهدوي، أبو العباس، من أهل المهديّة بالقيروان: مقرئ، مفسر، كان مقدما في القراءات والعربية، دخل الأندلس. له: الهداية في القراءات السبع، وشرح الهداية، والتفصيل الجامع لعلوم التنزيل. توفي نحو سنة 440 هـ. انظر معرفة القراء الكبار: 1/ 399، والبلغة: 80، والبغية: 1/ 351، والأعلام: 1/ 184 - 185. 8 - أبو العلاء، محمد بن أبي المحاسن بن أبي الفتح بن أبي شجاع، الكرماني. توفي بعد سنة 563 هـ. انظر مقدمة محقق مفاتيح الأغاني: 15.
9 - نصر بن علي بن محمد، الشيرازي، الفارسي، الفسوي، أبو عبد الله، المعروف بابن أبي مريم: خطيب شيراز وعالمها وأديبها، والمرجوع إليه في الأمور الشرعية والمشكلات الأدبية. له: تفسير القرآن، وشرح إيضاح الفارسي، والموضح في وجوه القراءات وعللها. توفي بعد سنة 565 هـ. انظر غاية النهاية: 2/ 337، والبغية: 2/ 314، والأعلام: 8/ 26 - 27. 10 - عبد الله بن الحسين، محب الدين، العكبري، أبو البقاء، النحوي، الحنبلي: أصله من عكبرا، أصيب في صباه بالجدري فعمي، ثقة صدوق حسن الأخلاق متواضع، كثير المحفوظ، عالم بالنحو واللغة والفرائض والحساب، وكان إذا أراد التصنيف أحضرت إليه مصنفات ذلك الفن وقرئت عليه، فإذا حصل ما يريده في خاطره أملاه. له: إعراب القرآن، وإعراب الحديث، وإعراب الشواذ، والتفسير، وشرح الفصيح، وشرح الحماسة، وشرح المقامات الحريرية، والاستيعاب في علم الحساب. توفي في بغداد سنة 616 هـ. انظر البغية: 2/ 38 - 39، والأعلام: 4/ 80. ******
الملحق الثالث الجهر والهمس في أصوات العربية
الملحق الثالث الجهر والهمس في أصوات العربية - الجهر والهمس عند المحدثين:- يعتمد المحدثون في تقسيم الأصوات اللغوية إلى مجهورة ومهموسة على اهتزاز الطيتين الصوتيتين في الحنجرة، فإن اهتزتا في نطق الصوت كان مجهورا، وإلا فهو مهموس «1». - وتبعا لهذا الأساس، صنّفوا أصوات العربية في زمرتين: الأولى- أصوات مجهورة: وهي (ع، غ، ج، ي، ض، ل، ن، ر، د، ز، ظ، ذ، ب، م، و)، إضافة إلى الصوائت الطويلة والقصيرة. والأخرى- أصوات مهموسة: وهي (هـ، ح، خ، ق، ك، ش، ط، ت، ص، س، ث، ف) «2». واختلفوا في الهمزة: فمنهم من جعلها مهموسة، ومنهم من نفى أن تكون مهموسة أو مجهورة «3». وتجدر الإشارة إلى أن هذا التصنيف قائم على نطق المعاصرين للعربية الفصحى، دون التفات إلى قيمة معيارية ما.
- ولاختبار جهر الصوت، ينطق مفردا هكذا (ب، ت، ... )، وتوضع إحدى الأصابع على القردحة (تفاحة آدم) تتحسس اهتزاز الطيتين الصوتيتين؛ أو تسدّ الأذنان، فلا يسمع حينئذ إلا دنين يصنعه ذلك الاهتزاز إن كان الصوت مجهورا، فإن كان مهموسا لم يسمع شيء البتة «1». - «وقد برهن الاستقراء على أن نسبة شيوع الأصوات المهموسة في الكلام لا تكاد تزيد على الخمس أو عشرين في المائة منه، في حين أن أربعة أخماس الكلام تتكون من أصوات مجهورة.» «2» - ودلّت التجارب على أن الصوامت المجهورة أوضح في السمع من الصوامت المهموسة، مع أن نطق الأخرى يحتاج أكثر من نطق الأولى إلى هواء الزفير (النّفس). ولنا أن نعتبر هذا إذا بسط أحدنا كفّه أمام فيه ونطق صامتا مهموسا متلوّا بنظيره المجهور، نحو (س/ ز) «3». ونطق الصوامت المهموسة يحتاج أيضا إلى بذل جهد أقوى من نطق الصوامت المجهورة: أما الصوامت الانفجارية المهموسة كالتاء مثلا، فيكون حبس الهواء فيها أحكم من الصوامت الانفجارية المجهورة كالدال، وتسريح الهواء في الأولى أسرع منه في الأخرى. وأما الصوامت الاحتكاكية المهموسة كالسين مثلا، فتكون درجة الانفتاح فيها أقلّ من الصوامت الاحتكاكية المجهورة كالزاي «4».
- الجهر والهمس عند القدامى: لمّا كان سيبويه أسبق من وصل إلينا قوله في قضية (الجهر والهمس) «1»، ولم يخرج جلّ من أتى بعده عن جملة ما أورده فيها، فقد جعل مدار هذه الفقرة ما جاء لديه منها. - نصّ سيبويه: «فأما المجهورة: فالهمزة، والألف، والعين، والغين، والقاف، والجيم، والياء، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والزاي، والظاء، والذال، والباء، والميم، والواو. فذلك تسعة عشر حرفا. وأما المهموسة: فالهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والسين، والتاء، والصاد، والثاء، والفاء. فذلك عشرة أحرف. فالمجهورة: حرف أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع النّفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت. فهذه حال المجهورة في الحلق والفم، إلا أن النون والميم قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة. والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلّمت بهما لرأيت ذلك قد أخلّ بهما. وأما المهموس: فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه. وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جري النفس، ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه. فإذا أردت إجراء الحروف، فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف اللين والمدّ، أو بما فيها منها، وإن شئت أخفيت.» «2»
- تعليقات: 1 - أراد سيبويه بالنّفس: هواء الزفير، وبالصوت: ما تحسّ به الأذن من عمل أعضاء النطق، وبالاعتماد: ما تبذله تلك الأعضاء من جهد في إنتاج الصوت، وإشباع الاعتماد قوته، لمقابلته بالإضعاف. ويؤخذ من قوله: (الحلق والفم) و (الفم والخياشيم) أن موضع الاعتماد لا يقتصر عنده على مخرج الحرف، بل هو أعمّ منه، لهذا قال: «فالمجهورة حرف أشبع الاعتماد في موضعه»، ولم يقل: في مخرجه. على أنه إن صحّ هذا التفسير للاعتماد عند سيبويه، فسيكون كلامه فيه قلبا للحقيقة وما عليه واقع الأمر. فقد مرّ بنا من قبل أن الأصوات المهموسة أكثر كلفة على أعضاء النطق من الأصوات المجهورة، لا العكس. ويبدو أن الذي كان من وراء سبق هذا الوهم إلى سيبويه واللغويين من بعده هو أن الأصوات المجهورة أوضح في السمع من الأصوات المهموسة، وهم قد عرفوا هذا «1»، فحسبوا أن قوة الصوت في المجهورات ناتجة عن فضل جهد في نطقها لا يكون في المهموسات، فذهبوا إلى ما ذهبوا إليه. 2 - كان اعتماد سيبويه في تمييز الأصوات مجهورها ومهموسها على أمرين اثنين: الأول الاعتماد، والآخر النّفس. فإذا أشبع الاعتماد حتى انقطع جري النفس كان الصوت مجهورا، وإذا أضعف الاعتماد حتى جرى النفس كان الصوت مهموسا. وليس مراده بانقطاع جري النفس نفي جريه بالكلية، بل انقطاع جري النفس الكثير كما يجري مع المهموس. فإن الصوت لا يتحقق بلا نفس معه، سواء أكان مجهورا أم مهموسا «2».
3 - قول سيبويه: «فإذا أردت إجراء الحروف، فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف اللين والمدّ، أو بما فيها منها، وإن شئت أخفيت» أراد به أن يبيّن طريقة اختبار الجهر والهمس في الأصوات، وهي تكرير الصوت مع جري النفس مدعوما بحروف اللين والمدّ، أو بما فيها منها وهي الحركات، لأنها بعض حروف المد، أو بالإخفاء وهو التسكين. فإذا استقام ذلك كان الصوت مهموسا، وإلا فهو مجهور. قال ابن جني: «وأما المهموس، فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس. وأنت تعتبر ذلك بأنه قد يمكنك تكرير الحرف مع جري الصوت «1»، نحو: سسسس، كككك، هههه. ولو تكلفت مثل ذلك في المجهور لما أمكنك.» «2» وعجيب تفسير د. إبراهيم أنيس الإخفاء هنا بالإهماس، قال: «والذي لم يكن يعرفه سيبويه هو أن الإخفاء معناه إسكات الذبذبات التي تحدث مع كل مجهور في الوترين الصوتيين بالحنجرة.» «3» 4 - ولو ذهبنا نقارن الأصوات المجهورة عند القدامى بما عند المحدثين منها، رأينا أن الأولين قد سلكوا فيها الهمزة والقاف والطاء، وهي عند الآخرين مهموسة؛ وذلك أمر اختلف القوم في تفسيره على أربعة أقوال: الأول: أن معنى الجهر والهمس عند القدامى مباين لمعناهما عند المحدثين «4».
والثاني: أن القدامى أخطئوا حين جعلوا هذه الأصوات مجهورة «1». والثالث: أن القاف والطاء كان لهما نطقان، أحدهما مجهور هو الذي خصّه القدامى بالوصف، والآخر مهموس هو الذي شاع بعد على الألسنة «2». والرابع: أن القاف والطاء كانتا عند وصف القدامى لهما مجهورتين، ثم طرأ تغيّر عليهما فأحالهما مهموستين «3». مع سكوت أكثر من قال بالثالث والرابع عن أمر الهمزة «4». ويبدو أن القدامى أرادوا من الجهر والهمس ما يريده المحدثون منهما. وهم إن جهلوا منشأ افتراقهما، وهو اهتزاز الطيتين الصوتيتين، فقد أحسوا أثره، ودعوه بصوت الصدر «5». ولا أدل على دقة إحساسهم هذا مما اصطلحوا عليه في ذلك من كلمتي (الجهر) و (الهمس)، قال مكي: «وإنما لقّب هذا المعنى بالهمس، لأن الهمس هو الحسّ الخفي الضعيف، فلما كانت ضعيفة لقبت بذلك، قال الله جلّ ذكره: فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه 108]، قيل: هو حسّ الأقدام.» «6» «وإنما لقّب هذا المعنى بالجهر، لأن الجهر الصوت الشديد القوي، فلما كانت في خروجها كذلك لقبت به، لأن الصوت يجهر بها لقوتها.» «7»
فإذا علمنا أن كل مجهور يعود في الهمس (الوشوشة) مهموسا «1»، أدركنا كم نال أولئك اللغويون من التوفيق حين تواضعوا على هذين اللفظين. غير أنهم لمّا أرادوا أن يجعلوا لهذا الإحساس ضابطا يرجعون إليه، توهموا أن قوة الصوت في المجهورات عائدة إلى قوة الجهد في نطقها، حتى ينقطع معها جري النفس. وعلى ما في الهمزة والقاف والطاء من جريان النفس معها، نظمت في الأصوات المجهورة لقوة الاعتماد في نطقها. وزاد في ركونهم إلى هذا الحكم، فلم يعاودوا النظر فيه، أن لهذه الأصوات نظائر بيّنة الهمس، هي: الهاء، والكاف، والتاء. فحسبوا أن مما يميز الهمزة من الهاء، والقاف من الكاف، والطاء من التاء، مع أن كلا من هذه الأزواج من مخرج واحد أو مخرجين متقاربين، هو الجهر في الأول، والهمس في الآخر. ******
الفهارس
[الفهارس] 1 - فهرس الآيات الكريمة رقم الآية الصفحة الفاتحة (1) 1 169. 2 242، 254، 256. 4 194. 6 115، 124، 125، 128، 163. 7 172، 240. البقرة (2) 2 230، 231، 260، 301. 3 170، 195، 196، 285. 4 207. 5 173. 6 262. 7 253. 8 174. 11 179، 180، 196، 281. 14 208. 16 119، 214، 215. 19 279. 20 207. 25 176. 26 289. رقم الآية الصفحة 27 252. 33 257. 34 242، 254. 37 30. 39 186، 190، 279. 43 195، 196. 48 33. 49 162، 166. 51 251. 54 199، 201، 263، 264. 55 192، 217، 306. 58 108. 59 169. 62 166. 64 170. 67 83، 140، 303. 71 214. 72 111، 159. 74 225. 75 162. 81 31. 85 144، 175، 282.
رقم الآية الصفحة 87 167. 93 74. 97 176. 98 270. 102 157، 162، 167. 114 170. 119 35. 124 164. 125 36، 170. 126 109. 129 221. 159 221. 164 33، 173، 186، 190، 195. 173 274. 189 236، 251، 255. 225 212. 227 170. 231 170. 245 126. 247 111، 115، 296. 255 26، 167. 256 105. 259 17، 111، 121، 167، 303. 260 17، 157، 288. 261 195. رقم الآية الصفحة 264 148. 267 159. 271 34، 271، 305. 278 196. 285 17. آل عمران (3) 15 18. 27 139. 28 194. 43 163. 58 162. 66 126. 72 105. 75 253، 302. 81 251. 103 160. 125 35. 160 263، 303. 161 36. 179 30. 181 162. 186 120. 194 270.
رقم الآية الصفحة النساء (4) 1 144، 299. 11 241. 16 287. 34 162. 36 279. 40 172. 42 280. 43 166، 208. 66 215، 216. 71 164. 81 112. 87 116. 97 160. 128 104. 146 170. 154 200. المائدة (5) 1 221. 3 94، 172. 22 279. 32 270. 37 28. 44 232. رقم الآية الصفحة 48 166. 52 165. 53 26. 115 19. 117 265. الأنعام (6) 1 163. 6 164. 46 154. 76 257. 79 89. 80 140. 92 165. 99 282. 109 228. 110 228. 124 270. 138 96. 152 268. 153 159 - 160. 160 176. 162 90، 307. الأعراف (7) 3 143.
رقم الآية الصفحة 38 214. 41 138. 150 276. 157 83، 238. 189 105. 196 141. الأنفال (8) 53 147. 57 128. التوبة (9) 12 300. 30 145، 192. 73 170. 102 170. 107 167. 109 138. 122 167. يونس (10) 5 148. 14 105. 24 170. 35 197، 252. رقم الآية الصفحة 58 31. هود (11) 28 271، 288. 42 166، 225. 109 147. يوسف (12) 4 228. 11 203. 13 228، 270. 21 163. 31 233. 35 128. 41 242. 45 131. 81 166. 82 44. 110 137. الرعد (13) 4 175، 282. 33 172. 34 174. 42 25.
رقم الآية الصفحة إبراهيم (14) 10 227. 11 227، 273. 12 270. الحجر (15) 26 121. 47 265. 54 141، 305. النحل (16) 27 141. 69 270. 80 216. 127 278. الإسراء (17) 33 170. 36 138. 61 112. 72 191. 83 254، 306. 102 17. الكهف (18) 1 - 2 282. رقم الآية الصفحة 10 151. 16 151. 18 163. 19 82، 170، 227. 29 176. 38 304. 63 154، 265. 66 218. 90 170. 97 268. مريم (19) 1 196، 281. 5 - 6 118. 8 237. 25 33. 26 120. 39 166. 69 237. 74 151، 281. 83 151. طه (20) 1 185. 18 151.
رقم الآية الصفحة 63 287. 71 263. 77 210. 96 95. 108 324. 130 30. 131 217، 306. 133 27. الأنبياء (21) 88 105، 145. 90 222. الحج (22) 5 149. 29 224. 65 110، 304. المؤمنون (23) 99 300. 107 28. النور (24) 11 164. 15 160. رقم الآية الصفحة 35 145، 196. 40 173. 52 82، 229، 294. الفرقان (25) 25 78، 144. الشعراء (26) 61 84، 161، 185. 63 167. 130 279. النمل (27) 8 175. 14 17. 20 92. 25 27. 40 228، 270. 42 26. 44 148. 82 25. القصص (28) 23 124. 27 287.
رقم الآية الصفحة 32 123، 127. 59 241. 61 225، 284. الروم (30) 21 172. 22 29. 30 164. 38 112. 39 27. 41 162. 54 32. لقمان (31) 19 44. 20 116. 28 199. الأحزاب (33) 16 163، 164. 33 142. 51 151، 267. 67 211. سبأ (34) 6 192. 9 79، 109. 14 155. رقم الآية الصفحة فاطر (35) 3 172. 43 226، 264، 271. يس (36) 22 92. 40 147. 49 252. 52 282. الصافات (37) 1 309. 163 29. ص (38) 8 18. 18 164. 58 31. الزمر (39) 64 141، 228، 270. غافر (40) 9 199. 64 238. فصلت (41) 32 172.
رقم الآية الصفحة الجاثية (45) 35 28. الأحقاف (46) 25 33. محمد (47) 18 289. ق (50) 16 172. الذاريات (51) 44 138. الطور (52) 19 175. القمر (54) 15 131. 25 18. 26 278. الواقعة (56) 9 29. 37 271. رقم الآية الصفحة الحديد (57) 18 26. الصف (61) 4 282. التغابن (64) 9 226. الطلاق (65) 8 137. الحاقة (69) 3 165. 31 29. المعارج (70) 13 151، 267. نوح (71) 25 18. المزمل (73) 4 206. 8 162، 163.
رقم الآية الصفحة المدثر (74) 30 273. القيامة (75) 27 282. 28 163. 33 123، 127، 304. الإنسان (76) 9 200. المرسلات (77) 11 118. 23 18. 32 161. النبأ (78) 14 128. 35 286. 40 111. النازعات (79) 34 208. عبس (80) 10 160. رقم الآية الصفحة 33 208. المطففين (83) 14 282. الانشقاق (84) 12 28. الطارق (86) 13 170. 17 19. الأعلى (87) 6 210. 12 28 - 29. الغاشية (88) 22 115. البلد (90) 19 157، 287. 20 151. الشمس (91) 10 123، 304.
رقم الآية الصفحة الليل (92) 14 160. الضحى (93) 5 30. العلق (96) 2 172. القدر (97) 3 - 4 159. البينة (98) 4 28. رقم الآية الصفحة العاديات (100) 1 77. 9 128. العصر (103) 3 197، 219. قريش (106) 2 248. الكوثر (108) 2 - 3 162. الإخلاص (112) 1 - 2 147. ******
2 - فهرس الأحاديث الشريفة
2 - فهرس الأحاديث الشريفة - أخذ صلى الله عليه وسلم بيد عمر بن الخطاب 36 - أمرت أن أقرأ عليك 32 - اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا 34 - أن قطيفة حمراء كانت في المغانم يوم بدر 37 - أن قوما غلّوا يوم بدر 37 - أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث طلائع 37 - سوّموا فإن الملائكة قد سوّمت 35 - قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ ضَعْفٍ 32 - كان صلى الله عليه وسلم يمدّ صوته مدّا 206 - ليت شعري ما فعل أبواي 36 - نعمّا بالمال الصالح للرجل الصالح 34 - 35، 305 ******
3 - فهرس الأشعار والأرجاز
3 - فهرس الأشعار والأرجاز آ- الأشعار قافية البيت/ بحره/ قائله/ موضع الاستشهاد به شعواء/ الخفيف/ عبيد الله بن قيس الرقيات/ 146 العذراء/ الخفيف/ عبيد الله بن قيس الرقيات/ 146 الأحياء/ الخفيف عدي بن رعلاء الغساني/ 140 الرجاء/ الخفيف/ عدي بن رعلاء الغساني/ 140 العرب/ البسيط/ جرير/ 226، 273 الأرانب/ الطويل/ ذو الرمة/ 262 بمنتزاح/ الوافر/ ابن هرمة/ 211 برداد/ الطويل/ الأخطل/ 222 نار/ البسيط/ سعد بن قرط/ 122، 259 بالسّحر/ البسيط/ ابن مقبل/ 117 الدّكر/ البسيط/ ابن مقبل/ 131 بترا/ الطويل/ 120 وادّكارا/ المتقارب/ الأعشى/ 131 شوس/ الوافر/ أبو زبيد الطائي/ 143
قافية البيت/ بحره/ قائله/ موضع الاستشهاد به بعض/ الطويل/ أبو خراش الهذلي/ 212 الأرض/ الطويل/ أبو خراش الهذلي/ 212 يمضي/ الطويل/ أبو خراش الهذلي/ 213 شبارقا/ الطويل/ الأسود بن يعفر النهشلي/ 122 يفارقا/ الطويل الأسود بن يعفر النهشلي/ 122، 127، 260 هابل/ الطويل/ 244، 255 الغزل/ البسيط/ 155 نعلّله/ البسيط/ 230 سالم/ الطويل/ ذو الرمة/ 263 فليني/ الوافر/ عمرو بن معد يكرب/ 306 بالتظني/ الوافر/ 123 والدّها/ الكامل/ أبو الأسود الدؤلي/ 155 ******
ب- الأرجاز قافية البيت/ قائله/ موضع الاستشهاد به عجبه/ زياد الأعجم/ 220 أضربه/ زياد الأعجم/ 220 أثؤبا/ معروف بن عبد الرحمن/ 118 أشيبا/ معروف بن عبد الرحمن/ 118 محبّبا/ معروف بن عبد الرحمن/ 118 العندا/ 296 برّا/ 146 مكرّا/ 146 فرّا/ 146 فمرّ/ العجاج/ 122 كسر/ العجاج/ 122، 269 النّقر/ بعض السعديين/ 220 تكردسا/ العجاج/ 224، 229، 264، 294 توجّسا/ العجاج/ 224
قافية البيت/ قائله/ موضع الاستشهاد به وسطا/ 396 برقعا/ 154 أربعا/ 154 سويقا/ العذافر الكندي/ 226، 229، 294 لبيقا/ العذافر الكندي/ 226 هواكا/ 230 أزحله/ أبو النجم العجلي/ 220 قوّم/ أبو نخيلة/ 272 العوّم/ أبو نخيلة/ 272 وصّني/ رؤبة/ 233 ******
4 - فهرس المصادر والمراجع
4 - فهرس المصادر والمراجع - إبراهم، عبد الفتاح: (مدخل في الصوتيات)، دار الجنوب، تونس. - أحمد بن محمد بن حنبل: (المسند)، تحقيق: أحمد محمد شاكر وحمزة أحمد الزين، دار الحديث، القاهرة، ط 1، 1995 م. - الأخطل: (شعر الأخطل)، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، دار الفكر، دمشق، ط 4، 1996 م. - الأخفش: (معاني القرآن)، تحقيق: د. هدى قراعة، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 1، 1990 م. - الأزهري، أبو منصور: (معاني القراءات)، تحقيق: د. عيد مصطفى درويش ود. عوض بن حمد القوزي، دار المعارف، القاهرة، ط 1، 1991 م. - الأسترآباذي، رضي الدين: (شرح شافية ابن الحاجب)، تحقيق: محمد نور الحسن ومحمد الزفزاف ومحمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1982 م. - الأشموني: (شرح الأشموني على ألفية ابن مالك)، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. - الأصمعي: (الأصمعيات)، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، مصر، ط 7، 1993 م. - الأعشى: (ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس)، شرح وتعليق: د. محمد حسين، مكتبة الآداب، القاهرة، 1950 م. - الأنباري، أبو البركات: (الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، 1982 م.
- الأندلسي، أبو حيان: (ارتشاف الضرب من لسان العرب)، تحقيق: د. مصطفى أحمد النمّاس، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 1997 م. - الأنصاري، أبو زيد: (النوادر في اللغة)، تصحيح: سعيد الخوري الشرتوني، طبعة مصورة عنها، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 2، 1967 م. - الأنصاري، ابن هشام: (شذور الذهب في معرفة كلام العرب)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط 11، 1963 م. (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)، تحقيق: د. مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، مراجعة: سعيد الأفغاني، منشورات جامعة حلب. - الأنطاكي، محمد: (دراسات في فقه اللغة)، دار الشرق العربي، بيروت، ط 4، 1969 م. - أنيس، د. إبراهيم: (الأصوات اللغوية)، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 4، 1992 م. (دلالة الألفاظ)، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 6، 1991 م. (في اللهجات العربية)، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 9، 1995 م. (من أسرار اللغة)، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط 3، 1966 م. - أولمان، ستيفن: (دور الكلمة في اللغة)، ترجمة: د. كمال بشر، دار غريب، القاهرة، ط 12، 1997 م. - أيوب، د. عبد الرحمن: (محاضرات في اللغة)، مطبعة المعارف، بغداد، 1966 م.
- البخاري: (الأدب المفرد)، خرج أحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، صنع فهارسه: رمزي سعد الدين دمشقية، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط 4، 1997 م. - برجشتراسر: (التطور النحوي للغة العربية)، تعليق: د. رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الرفاعي بالرياض، 1982 م. - بشر، د. كمال: (علم اللغة العام الأصوات)، دار المعارف، مصر، ط 7، 1980 م. - البطليوسي، ابن السّيد: (الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب)، دار الجيل، بيروت، 1973 م. - أبو بكر بن السراج: (الأصول في النحو)، تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 4، 1999 م. - البكري، أبو عبيد: (معجم ما استعجم)، تحقيق: مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت، ط 3، 1983 م. - البنّا، أحمد بن محمد: (إتحاف فضلاء البشر بقراءات القراء الأربعة عشر)، تحقيق: د. شعبان محمد إسماعيل، عالم الكتب ببيروت ومكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، ط 1، 1987 م. - التبريزي، الخطيب: (الوافي في العروض والقوافي)، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، دار الفكر، دمشق، ط 4، 2002 م. - الترمذي: (الجامع الصحيح)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت. - الجرجاني، الشريف: (التعريفات)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 3، 1988 م. - جرير: (ديوان جرير)، تحقيق: د. نعمان محمد أمين طه، دار المعارف، مصر، 1969 م.
- ابن الجزري: (غاية النهاية في طبقات القراء)، عني بنشره: برجستراسر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 3، 1982 م. (النشر في القراءات العشر)، تصحيح: علي محمد الضباع، دار الكتاب العربي. - جطل، د. مصطفى: (نظام الجملة عند اللغويين العرب في القرنين الثاني والثالث للهجرة)، منشورات جامعة حلب، 1981 م. - الجندي، د. أحمد علم الدين: (اللهجات العربية في التراث)، الدار العربية للكتاب، 1983 م. - ابن جني: (الخصائص)، تحقيق: محمد علي النجار، دار الهدى، بيروت، ط 2. (سر صناعة الإعراب)، تحقيق: د. حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، ط 2، 1993 م. (المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها)، تحقيق: علي النجدي ناصف ود. عبد الحليم النجار ود. عبد الفتاح شلبي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1999 م. - الجواليقي: (المعرّب)، تحقيق: د. ف. عبد الرحيم، دار القلم، دمشق، ط 1، 1990 م. - الحربي، د. عبد العزيز: (توجيه مشكل القراءات العشرية الفرشية لغة وتفسيرا وإعرابا)، دار ابن حزم، الرياض، ط 1، 2003 م. - حسان، د. تمام: (اللغة العربية معناها ومبناها)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 2، 1979 م. (مناهج البحث في اللغة)، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1986 م. - الحمد، د. غانم قدوري: (الدراسات الصوتية عند علماء التجويد)، وزارة الأوقاف والشئون الدينية، مطبعة الخلود، بغداد، 1986 م.
- الحموي، ياقوت: (معجم الأدباء)، دار المأمون، مصر. - ابن خالويه: (إعراب القراءات السبع وعللها)، تحقيق: د. عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 1، 1992 م. : (الحجة في القراءات السبع)، تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 6، 1996 م. - الخضري، محمد: (حاشية الخضري على شرح ابن عقيل)، دار الفكر، بيروت، 1978 م. - خليفة، حاجي: (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون)، وكالة المعارف، استنبول، 1941 م. - الدؤلي، أبو الأسود: (ديوان أبي الأسود الدؤلي)، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، مكتبة النهضة، بغداد، ط 2، 1964 م. - الداني، أبو عمرو: (الأرجوزة المنبّهة)، تحقيق: محمد بن مجقان الجزائري، دار المغني، الرياض، ط 1، 1999 م. (التحديد في الإتقان والتجويد)، تحقيق: د. غانم قدوري الحمد، دار عمار، عمّان، ط 1، 2000 م. - أبو داود: (سنن أبي داود)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - ابن دريد: (جمهرة اللغة)، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، ط 1، 1345 هـ، طبعة مصورة عنها، مكتبة المثنى، بغداد. - الذهبي، شمس الدين: (معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار)، تحقيق: بشار عواد معروف وشعيب الأرناءوط وصالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1984 م. - ذو الرمة: (ديوان ذي الرمة)، تحقيق: د. عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان، بيروت، ط 2، 1982 م.
- رؤبة بن العجاج: (مجموع أشعار العرب ديوان رؤبة بن العجاج)، تحقيق: وليم بن الورد، مكتبة المثنى، بغداد، 1903 م. - الراجحي، د. عبده: (اللهجات العربية في القراءات القرآنية)، مكتبة المعارف، الرياض، ط 1، 1999 م. - الزركلي، خير الدين: (الأعلام)، دار العلم للملايين، بيروت، ط 8، 1989 م. - الزمخشري: (الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط 1، 1997 م. - ابن زنجلة: (حجة القراءات)، تحقيق: سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 5، 2001 م. - السجستاني، أبو حاتم: (تفسير غريب ما في كتاب سيبويه من الأبنية)، تحقيق: د. محمد الدالي، دار البشائر، دمشق، ط 1، 2001 م. - السعران، د. محمود: (علم اللغة مقدمة للقارئ العربي)، منشورات جامعة حلب، 1994 م. - السكري، أبو سعيد: (شرح أشعار الهذليين)، تحقيق: عبد الستار أحمد فرّاج، مراجعة: محمود محمد شاكر، مكتبة دار العروبة، القاهرة، 1965 م. - ابن السكيت: (الإبدال)، تحقيق: د. حسين محمد محمد شرف، مراجعة: علي النجدي ناصف، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1978 م. - سيبويه: (الكتاب)، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1991 م. (الكتاب)، المطبعة الأميرية الكبرى، بولاق، ط 1، 1317 هـ.
- السيرافي، أبو سعيد: (شرح كتاب سيبويه)، الجزء الرابع، تحقيق: د. محمد هاشم عبد الدائم، مراجعة: د. رمضان عبد التواب ود. محمود علي مكي، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 1998 م. - ابن السيرافي: (شرح أبيات سيبويه)، تحقيق: د. محمد علي سلطاني، دار العصماء، دمشق، ط 1، 2001 م. - ابن سينا: (رسالة أسباب حدوث الحروف)، تحقيق: محمد حسان الطيان ويحيى مير علم، تقديم ومراجعة: د. شاكر الفحام وأحمد راتب النفاخ، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، دار الفكر، دمشق، ط 1، 1983 م. - السيوطي: (الإتقان في علوم القرآن)، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دمشق- بيروت، ط 3، 1996 م. (أسباب النزول)، تحقيق: بديع السيد اللحام، دار الهجرة، بيروت، ط 1، 1990 م. (بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1979 م. (شرح شواهد المغني)، دار مكتبة الحياة، بيروت. - شاهين، د. عبد الصبور: (أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي أبو عمرو بن العلاء)، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 1، 1987 م. (في التطور اللغوي)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1985 م. (القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث)، مكتبة الخانجي، القاهرة. (المنهج الصوتي للبنية العربية)، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1980 م.
- شلبي، د. عبد الفتاح: (الإمالة في القراءات واللهجات العربية)، دار الشروق، جدة، ط 3، 1983 م. - الصبّان: (حاشية الصبان على شرح الأشموني)، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. - الصغير، د. محمود: (الأدوات النحوية في كتب التفسير)، دار الفكر، دمشق، ط 1، 2001 م. - الطبري، ابن جرير: (جامع البيان في تفسير القرآن)، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، 1324 هـ. - عبد التواب، د. رمضان: (بحوث ومقالات في اللغة)، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 2، 1988 م. (التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه)، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 3، 1997 م. (المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي)، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 3، 1997 م. - عبيد الله بن قيس الرقيات: (ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات)، تحقيق: د. محمد يوسف نجم، دار بيروت ودار صادر، بيروت، 1958 م. - أبو عبيدة معمر بن المثنى: (مجاز القرآن)، تحقيق: د. فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي، القاهرة. العجّاج: (ديوان العجاج)، تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، توزيع مكتبة أطلس، دمشق. - العسقلاني، ابن حجر: (فتح الباري شرح صحيح البخاري)، دار السلام بالرياض ودار الفيحاء بدمشق، ط 3، 2000 م. - العسكري، أبو هلال: (جمهرة الأمثال)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، دار الجيل، بيروت، ط 2، 1988 م.
- ابن عصفور: (الممتع في التصريف)، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1987 م. - العكبري، أبو البقاء: (إعراب القراءات الشواذ)، تحقيق: محمد السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1996 م. - عمر، د. أحمد مختار: (دراسة الصوت اللغوي)، عالم الكتب، القاهرة، 1991 م. - عمرو بن معدي كرب: (شعر عمرو بن معدي كرب الزّبيدي)، جمعه ونسّقه: مطاع الطرابيشي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، ط 2، 1985 م. - الفارسي، أبو علي: (الحجة للقراء السبعة)، تحقيق: بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي، دار المأمون للتراث، دمشق، ط 2، 1993 م. - الفارسي، علي بن بلبان: (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان)، تحقيق: شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1991 م. - الفراء: (معاني القرآن)، تحقيق: محمد علي النجار وأحمد يوسف نجاتي، عالم الكتب، بيروت، ط 3، 1983 م. - الفراهيدي، الخليل بن أحمد: (كتاب العين)، تحقيق: د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، إيران، ط 2، 1409 هـ. - فليش، د. هنري: (التفكير الصوتي عند العرب)، ترجمة: د. عبد الصبور شاهين، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، مجلد 23، سنة 1968 م. - فندريس: (اللغة)، ترجمة: عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1950 م. - الفيروزآبادي: (البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)، تحقيق: محمد المصري، دار سعد الدين، دمشق، ط 1، 2000 م. (القاموس المحيط)، دار الفكر، بيروت، 1978 م.
- ابن قتيبة: (تأويل مشكل القرآن)، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة. - قدور، د. أحمد: (أصالة علم الأصوات عند الخليل من خلال مقدمة كتاب العين)، دار الفكر، دمشق، ط 2، 2003 م. (مبادئ اللسانيات)، دار الفكر، دمشق، ط 2، 1999 م. (مدخل إلى فقه اللغة العربية)، دار الفكر، دمشق، ط 2، 1999 م. - كانتينو، جان: (دروس في علم أصوات العربية)، ترجمة: صالح القرمادي، الجامعة التونسية، 1966 م. - الكرماني، أبو العلاء: (مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني)، تحقيق: د. عبد الكريم مصطفى مدلج، دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 2001 م. - مالمبرج، برتيل: (الصوتيات)، ترجمة: د. محمد حلمي هليّل، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الخرطوم، 1985 م. - المبرد: (المقتضب)، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط 3، 1994 م. - ابن مجاهد: (كتاب السبعة في القراءات)، تحقيق: د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط 3. - مجمع اللغة العربية بالقاهرة: (المعجم الوسيط)، دار الدعوة، استنبول، ط 2. - المرعشي، محمد: (جهد المقل)، تحقيق: د. سالم قدوري الحمد، دار عمار، عمّان، ط 1، 2001 م. - ابن أبي مريم: (الموضح في وجوه القراءات وعللها)، تحقيق: د. عمر حمدان الكبيسي، الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، جدة، ط 1، 1993 م.
- مطر، د. عبد العزيز: (لحن العامة في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة)، الدار القومية، القاهرة، 1966 م. - ابن مقبل: (ديوان ابن مقبل)، تحقيق: د. عزة حسن، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1962 م. - المقري، أحمد بن محمد: (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى، ط 1، 1949 م. - مكي بن أبي طالب: (الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة)، تحقيق: د. أحمد حسن فرحات، توزيع دار الكتب العربية، دمشق، 1973 م. (الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها)، تحقيق: د. محيي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 4، 1987 م. (مشكل إعراب القرآن)، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، دار البشائر، دمشق، ط 1، 2003 م. - ابن منظور: (لسان العرب)، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط 3، 1993 م. - المهدوي، أبو العباس: (شرح الهداية)، تحقيق: د. حازم سعيد حيدر، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1995 م. - ابن النديم: (الفهرست)، اعتناء: إبراهيم رمضان، دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1994 م. - نصر، محمد مكي: (نهاية القول المفيد في علم التجويد)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1349 هـ. - النعيمي، د. حسام سعيد: (الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني)، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، دار الرشيد، بغداد، 1980 م.
- النويري، أبو القاسم: (شرح طيبة النشر في القراءات العشر)، تحقيق: عبد الفتاح السيد سليمان أبو سنة، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، 1990 م. - الهيثمي، نور الدين: (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد)، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، دار الفكر، بيروت، 1994 م. - وافي، د. علي عبد الواحد: (علم اللغة)، نهضة مصر، القاهرة، 2000 م. (فقه اللغة)، نهضة مصر، القاهرة، ط 2، 2000 م. - ابن يعيش: (شرح المفصل)، عالم الكتب ببيروت ومكتبة المتنبي بالقاهرة. ******
فهرس الموضوعات
فهرس الموضوعات الموضوع الصفحة* المقدمة 5* التمهيد: الاحتجاج للقراءات القرآنية: 11 - 37 1 - معنى الاحتجاج 13 2 - تسميات أخرى 13 3 - دوافع التأليف في الاحتجاج 14 4 - تاريخ التأليف في الاحتجاج 16 5 - من كتب الاحتجاج 19 6 - أنماط كتب الاحتجاج 23 7 - أنواع الاحتجاج 25 * الفصل الأول: الجوانب النطقية: 39 - 97 1 - الحروف (عدّتها وأنواعها) 41 2 - أعضاء النطق 46 3 - مخارج الحروف 52 4 - ألقاب الحروف ونسبتها إلى مخارجها 64 5 - صفات الحروف: 65 - 87 آ- الصفات المتضادة: 66 - 73 - الهمس والجهر 66 - الشدة والرخاوة 68 - الإطباق والانفتاح 70 - الاستعلاء والاستفال 70 - الذلاقة والإصمات 72
ب- الصفات المفردة: 74 - 87 - القلقلة 74 - الصفير 77 - التفشي 77 - الانحراف 79 - الغنة 80 - التكرير 81 - الهت 82 - الخفاء 83 - الهوي 87 6 - القوة والضعف في الصفات 87 7 - العلاقة الكمية بين حروف المد والحركات 88 8 - مكان الحركات من الحروف 90 9 - دلالة الأصوات 92 * الفصل الثاني: الجوانب التشكيلية (1) أشكال التغيرات الصوتية: 99 - 244 المبحث الأول- التغيرات الصوتية في الصوامت: 101 - 177 أولا- التغيرات العامة: 101 - 147 - الإدغام: 101 - 114 1 - توطئة 101 2 - معنى الإدغام 102 3 - علة الإدغام 103 4 - الإدغام والإظهار 103 5 - أصول الإدغام 104
- الإبدال: 115 - 131 1 - ضروب من الإبدال: 115 - 123 آ- إبدال السين قبل حروف الاستعلاء صادا 115 ب- خلط الصاد الساكنة قبل الدال بزاي 116 ج- إبدال الواو همزة 118 د- إبدال أحد حرفي التضعيف حرف علة 121 2 - أثر المجاورة في الإبدال 124 3 - غايتا الإبدال: 125 - 127 آ- المماثلة 125 ب- المخالفة 126 4 - شرط الإبدال 127 5 - الأصل والفرع في الإبدال 129 - القلب المكاني: 132 - 138 1 - توطئة 132 2 - ما قيل فيه بالقلب 132 3 - في فقه القلب 137 - الحذف: 139 - 147 1 - المضعّف 139 2 - إحدى التاءين المبدوء بهما المضارع 143 3 - التنوين 145 ثانيا- التغيرات الخاصة: 148 - 177 - الهمزة 148 - التاءات 159 - الراءات 161
- اللامات 168 - النون الساكنة والتنوين 172 المبحث الثاني- التغيرات الصوتية في الصوائت: 178 - 244 أولا- نوع الصوائت: 178 - 204 - الإشمام 179 - الإمالة 181 - إمالة الفتحة نحو الضمة 196 - إمالة الضمة نحو الكسرة 196 - الاختلاس 197 - الروم 201 - الإشمام 203 ثانيا- مدّ الصوائت: 205 - 214 1 - حروف المد 205 2 - درجة المد 206 3 - أسباب المد: 207 - 214 آ- أسباب لفظية 207 ب- أسباب موسيقية 210 ج- أسباب دلالية 211 د- أسباب اضطرارية 213 ثالثا- إضافة الصوائت 215 رابعا- حذف الصوائت: 221 - 233 1 - حذف الصوائت القصيرة 221 2 - حذف الصوائت الطويلة 230 خامسا- قلب الصوائت 234
* الفصل الثالث: الجوانب التشكيلية (2) القوانين الصوتية: 245 - 289 - توطئة 247 - المماثلة 249 - المخالفة 259 - السهولة والتخفيف 265 - كثرة الاستعمال 276 - أمن اللبس 280 - طرد الباب 283 - التعويض 286 - ضعف الطرف 288 * خاتمة في التقويم والنقد: 291 - 311 أولا- المناهج: 293 - 303 1 - التنظير والتطبيق 293 2 - الاستدلال: 295 - 297 آ- التجربة الذاتية 295 ب- استثمار علم العروض 295 3 - التعليل 298 4 - الخلاف 299 5 - المصطلحات 301 ثانيا- المصادر: 303 - 309 1 - النصوص اللغوية: 303 - 308 آ- القرآن الكريم وقراءاته 303 ب- الحديث الشريف 305 ج- الشعر 305
د- كلام العرب 306 هـ- الأمثال 307 2 - الآراء العلمية: 308 - 309 آ- مصادر خارجية 308 ب- مصادر داخلية 308 ثالثا- السمات: 309 - 311 1 - غلبة الجوانب التشكيلية على الجوانب النطقية 309 2 - غلبة التحليل على التركيب 310 3 - الوضوح والبعد عن التعقيد 310 * الملحقات: 313 - 325 الملحق الأول: القراء العشرة ورواتهم 313 الملحق الثاني: تراجم أصحاب كتب الاحتجاج للقراءات 315 الملحق الثالث: الجهر والهمس في أصوات العربية 319 * الفهارس: 327 - 360 1 - فهرس الآيات الكريمة 327 2 - فهرس الأحاديث الشريفة 337 3 - فهرس الأشعار والأرجاز 338 4 - فهرس المصادر والمراجع 342 5 - فهرس الموضوعات 355